عليكم الطائف فعليك بابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان1، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخلن عليكن".
قال ابن عيينة وقال ابن جريج2: "المخنث هيت3".
حدثنا محمود4 حدّثنا أبو سلمة عن هشام بهذا وزاد: "فحاصر الطائف يومئذ".
____________________
1 وعند أبي داود وابن ماجه: "عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها مخنث وهو يقول لعبد الله أخيها: "إن يفتح الله الطائف غدا دللتك على امرأة تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال صلى الله عليه وسلم: "أخرجوهم من بيوتكم" ولفظ ابن ماجه "فسمع مخنثا وهو يقول الخ".
وعنده أيضاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أخرجوه من بيوتكم" وقوله (تقبل بأربع وتدبر بثمان فسره البخاري في الحديث بقوله: "قال أبو عبد الله: "تقبل بأربع وتدبر بثمان: "يعني أربع عكن بطنها، فهي تقبل بهن، وقوله تدبر بثمان: "يعني أطراف هذه العكن الأربع لأنها محيطة بالجنين حتى لحقت، وإنما قال بثمان ولم يقل بثمانية وواحد الأطراف وهو ذكر، لأنه لم يقل بثمانية أطراف".
وقال ابن كثير في (البداية النهاية 4/349) : "ومعنى قوله تقبل بأربع وتدبر بثمان يعني بذلك عكن بطنها فإنها تكون أربعاً إذا أقبلت ثم تصير كل واحد اثنتين إذا أدبرت" وانظر: " (شرح النووي على صحيح مسلم 5/25) .
وقال ابن حجر: "قال الخطابي: "يريد أن لها في بطنها أربع عكن، فإذا أقبلت رؤيت مواضعها بارزة متكسراً، بعضها على بعض، وإذا أدبرت كانت أطراف هذه العكن الأربع عند منقطع جنبيها ثمانية".
قال ابن حجر: "وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن وذلك لا يكون إلا للسمينة من النساء، وجرت عادة الرجال غالبا في الرغبة فيمن تكون بتلك الصفة، وهذه المرأة هي بادية بنت غيلان".
قال ابن حجر: "واختلف في ضبط بادية فالأكثر بموحدة، ثم تحتانية، وقيل: "بنون بدل التحتانية، حكاه أبو نعيم، ولبادية ذكر في المغازي"، ذكر ابن إسحاق أن خولة بنت حكيم قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن فتح الله عليك الطائف أعطني حليّ بادية بنت غيلان". وكانت من أحلى نساء ثقيف، وغيلان هو ابن سلمة وهو الذي أسلم وتحته عشر نسوة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار أربعا، وكان من رؤساء ثقيف وعاش إلى أواخر خلافة عمر - رضي الله عنه ـ".
(فتح الباري 9/335 وانظر سيرة هشام 2/484 والورض الأنف 7/271) .
2 قال ابن حجر: "هو موصول بالإسناد الأول (فتح الباري 8/44) .
3 هيت: "بكسر الهاء وسكون التحتانية بعدها مثناة، قال ابن حجر: "وضبطه بعضهم بفتح أوله، وأما درستويه فضبطه بنون ثم موحدة - هنب - وزعم أن الأوّل تصحيف، قال: "والهنب الأحمق".
وتقدم في تعليقة (3) ص 526 أن الراجح أن اسم المذكور في حديث الباب "هيت" وقال ابن كثير: "وهذا هو المشهور (البداية والنهاية 4/349) وفتح الباري 8/44 و9/334، وقال النووي في شرح مسلم (5/25) وهو المحفوظ".
4 محمود: "هو ابن آدم المروزي، وأبو أسامة: "هو حماد بن أسامة".(2/539)
والحديث رواه البخاري أيضا من طريق عبدة1 عن هشام به".
ومن طريق زهير2حدثنا هشام بن عروة به3".
ورواه مسلم وأبو داود وابن ماجه الجميع من طريق وكيع عن هشام بن عروة به4".
ورواه مسلم أيضا وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى كلهم من طريق جرير بن عبد الحميد عن هشام به5".
ورواه مسلم أيضاً، وأحمد كلاهما من طريق أبي معاوية محمد بن خازم عن هشام به6".
ورواه مسلم أيضا من طريق عبد الله بن نمير حدثنا هشام به7".
ورواه الحميدي عن سفيان بن عيينة قال ثنا هشام به8". ومن طريقه أخرجه البيهقي9".
ورواه البيهقي أيضا من طريق يونس بن بكير عن هشام به10".
ورواه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلا11".
قال الكاندهلوي: "هكذا رواه جمهور الرواة عن مالك مرسلا.
____________________
1 عبدة: "هو ابن سليمان الكلابي، أبو محمد الكوفي".
2 زهير: "هو ابن معاوية بن خديج أبو خيثمة الكوفي (تهذيب التهذيب 3/351 و10/3) .
(البخاري 5/128 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف 7/33 كتاب النكاح، باب ما ينهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة، 7/137 كتاب اللباس، باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت) .
4 مسلم: " (الصحيح 4/1715 كتاب السلام، باب منع المخنثين من دخول على النساء الأجانب، أبو داود: "السنن 2/580 كتاب الادب، باب الحكم في المخنثين، وابن ماجه السنن 1/613 كتاب النكاح، باب في المخنثين) .
5 مسلم: " (الصحيح 4/1715 وإسحاق بن راهويه المسند ص 233 أرقم 380، وأبو يعلى: "المسند 6/635 أرقم 306) .
(مسلم: "الصحيح 4/1715 وأحمد: "المسند 6/290) .
(مسلم: "الصحيح 4/1715) .
(المسند: "1/142) .
(البيهقي: "السنن الكبرى 8/223-224) .
10 (البيهقي: "السنن الكبرى 8/223-224) .
11 (الموطأ2/767كتاب الوصية، باب ما جاء في المؤنث من الرجال ومن أحق بالولد) .(2/540)
ورواه سعيد1بن أبي مريم عن مالك عن هشام عن أبيه عن أم سلمة، أخرجه ابن عبد البر وقال: "الصواب ما في الموطأ2".
ولم يسمعه عروة عن أم سلمة، وإنما رواه عن بنتها زينب عن أمها أم سلمة".
وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أمها أم سلمة، كذلك قال ابن عيينة وأبو معاوية عن هشام".
ثم قال الكاندهلوي: "قال الحافظ: "هكذا قال أكثر أصحاب هشام وهو المحفوظ".
وأخرج البخاري في اللباس من طريق زهير عن هشام أن عروة أخبره أن زينب بنت أم سلمة أخبرته أن أم سلمة أخبرتها3".
وخالفهم حماد بن سلمة عن هشام فقال عن أبيه عن عمر4بن أبي سلمة".
وقال معمر عن هشام عن أبيه عن عائشة".
وأرسله مالك فلم يذكر فوق عروة أحداً5".إهـ".
ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما من حديث عائشة وهذا سياقه عند مسلم قال:
242- وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: "كان6 يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولى الإربة7، قال: "فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه8، وهو ينعت امرأة
____________________
1 هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم المعروف بابن أبي مريم".
2 يعني كونه عن عروة مرسلا". وانظر: "التقصّي، لابن عبد البر ص 197-198 الحديث رقم (668) .
3 انظر: " (تخريج الحديث في ص: "528) .
4 عمر بن أبي سلمة أمه أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في فتح الباري وأوجز المسالك "عمرو" والصواب ما أثبتناه".
5 أوجز المسالك 12/353 وفتح الباري 9/333-334".
6 وعند أحمد والبيهقي "كان رجل يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة".
7 الإربة: "بكسر أوله وسكون الراء: "الحاجة، والمراد بها هنا: "حاجة النكاح وغير أولي الإربة: "عرفه العلماء بتعاريف خلاصتها: "أنه هو الذي يهمه بطنه دون فرجه ولا هم له ولا حاجة به إلى النساء، ولا تشتهيه النساء، (جامع البيان للطبري 18/121-123، والسنن الكبرى للبيهقي 7/196) .
8 قال ابن حجر: "وعرف من حديث الباب تسمية المرأة وأنها أم سلمة (فتح الباري 9/334) ويعني بحديث الباب حديث أم سلمة المتقدم برقم (241) .(2/541)
قال: "إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان، فقال: "النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أرى هذا يعرف1 ما هاهنا لا يدخلن عليكن". قالت: "فحجبوه2".
والحديث رواه أبو داود وأحمد والبيهقي الجميع من طريق معمر عن زهري عن عروة به3".
ورواه أبو داود أيضا من طريق معمر عن الزهري وهشام بن عروة عن عروة به4".
ورواه أبو داود أيضا من طريق يونس5 عن الزهري عن عروة عن عائشة بهذا الحديث: "وزاد6: "وأخرجه فكان بالبيداء يدخل كل جمعة يستطعم".
____________________
1 وعند أبي داود وأحمد والبيهقي "فقال: "ألا أرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخلن عليكن هذا وحجبوه".
(صحيح مسلم: "4/1716 كتاب السلام، باب منع المخنث من الدخول على النساء الأجانب) .
3 أبو داود: "السنن 2/383-384 كتاب اللباس، باب في قوله (غير أولي الإربة) ولم يسق لفظه، وأحمد: "المسند 6/152، والبيهقي السنن الكبرى 7/96".
4 أبو داود: "السنن 2/383".
5 هو يونس بن يزيد الأيلي، ثقة تقدم في حديث (63) .
6 زاد: "أي يونس في روايته وأخرجه أي أخرج النبي صلى الله عليه وسلم المخنث، فكان بالبيداء - بالمد القفر وكل صحراء فهي بيداء كأنها تبيد سالكها أي تكاد تهلكه (عون المعبود 11/167-168) .
قال النووي: "والمحفوظ أنه هيت، قال العلماء: "وإخراجه كان لثلاثة معان:
أحدها: "المعنى المذكور في الحديث أنه كان يظن من غير أولى الإربة وكان من أولى الإربة ويتكتم بذلك".
والثاني: "وصفه النساء ومحاسنهن وعوراتهن بحضرة الرجال، وقد نهى أن تصف المرأةُ المرأةَ لزوجها فكيف إذا وصفها الرجل للرجل؟
والثالث: "أنه ظهر له منه أنه كان يطلع من النساء وأجسامهن وعوراتهن على ما لا يطلع عليه كثير من النساء فكيف الرجل، لا سيما على ما جاء في غير مسلم أنه وصفها حتى وصف ما بين رجليها أي فرجها وحواليه، (شرح النووي على صحيح مسلم 5/25) .
وقال ابن حجر: "قال المهلب: "إنما حجبه عن الدخول إلى النساء لما سمعه يصف المرأة بهذه الصفة التي تهيج قلوب الرجال فمنعه لئلا يصف الأزواج للناس فيسقط معنى الحجاب" اهـ".
وقد ذكر ابن الكلبي: "بعد قوله وتدبر بثمان فقال: "بثغر كالأقحوان، إن قعدت تثنت، وتكلمت تغنت، وبين رجليها مثل الإناء المكفوء".
وزاد المديني من طريق يزيد بن رومان عن عروة مرسلا في هذه القصة: "أسفلها كثيب وأعلاها عسيب" ثم قال ابن حجر: "وفي سياق الحديث ما يشعر بأنه حجبه لذاته أيضا لقوله: "ألا أرى هذا يعرف ما ههنا" ولقوله: "وكانوا يعدونه من غير أولى الإربة" فلما ذكر الوصف المذكور دل على أنه من أولى الإربة، فنفاه لذلك (فتح الباري 9/335-336) . والروض الأنف 7/272".(2/542)
ومن طريق الأوزاعي في هذه القصة "فقيل يا رسول الله إنه إذا يموت من الجوع، فأذن له أن يدخل في كل جمعة مرتين فيسأل ثم يرجع"1 وإسناده صحيح2".
والحديث يدل على منع المخنثين من الدخول على النساء، وفيه نفي أهل المعاصي والفساد من البلاد تأديباً لهم وتنكيلاً بهم".
قال النووي: "في الحديث منع المخنث من الدخول على النساء، ومنعهن من الظهور عليه، وبيان أن له حكم الرجال الفحول الراغبين في النساء في هذا المعنى".
وكذا حكم الخصي والمجبوب ذكره، وأما دخول المخنث أولا على أمهات المؤمنين فقد بين سببه في هذا الحديث، بأنهم كانوا يعتقدونه من غير أولى الإربة وأنه مباح دخوله عليهن، فلما سمع منه هذا الكلام علم أنه من أولي الإربة فمنعه صلى الله عليه وسلم الدخول"3اهـ".
وقال ابن حجر: "ويستفاد من الحديث حجب النساء عمن يفطن لمحاسنهن، وهذا الحديث أصل في إبعاد من يستراب به أمر من الأمور…
وفيه أيضا تعزير من يتشبه بالنساء بالإخراج من البيوت والنفي إذا تعين ذلك طريقا لردعه".
وظاهر الأمر وجوب ذلك، وتشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء من قاصد مختار حرام اتفاقا"4.اهـ.
وقد جاء - لعن المخنثين والأمر بإخراجهم من البيوت ونفيهم عن البلاد - في حديث عبد الله بن عباس عند البخاري وأبي داود وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري قال:
243- حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام5 عن يحيى عن عكرمة عن ابن عباس قال: "لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات6 من النساء وقال:
____________________
(سنن أبي داود2/383-384كتاب اللباس، باب في قوله تعالى: (غير أولي الإربة) .
(إرواء الغليل 6/205) .
(شرح النووي على صحيح مسلم 5/25) .
4 فتح الباري 9/336 وعون المعبود 11/166-167 و168".
5 هشام: "هو الدستوائي: "ويحيى: "هو ابن أبي كثير (فتح الباري 10/333) .
6 المترجلات من النساء: "أي المتشبهات بهم زيا وهيئة ومشية ورفع صوت ونحوها لا رأيا وعلما، فإن التشبه بهم محمود (عون المعبود13/277 وتحفة الأحوذي8/70) .(2/543)
"أخرجوهم من بيوتكم، قال: "فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانا، وأخرج عمر1 فلانا"2.
والحديث رواه أبو داود والنسائي وأحمد والدارمي الجميع من طريق هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة به3".
ورواه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير وأيوب4 كلاهما عن عكرمة به".
وساق منه إلى قوله: "والمترجلات من النساء"5.
ورواه الترمذي من هذه الطريق6".
ورواه النسائي أيضا من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة به".
ولفظه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج مخنثا وأن عمر أخرج فلانا وفلاناً"7.
ورواه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة به".
ولفظه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أخرجوا المخنثين من بيوتكم".
قال: "وأخرج النبي صلى الله عليه وسلم مخنثا وأخرج عمر مخنثا"8.
ورواه أيضا عن معمر عن أيوب عن عكرمة قال: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجل من
____________________
1 وعند الدارمي "وأخرج عمر فلانا أو فلانة" قال أبو محمد - هو الدارمي نفسه - فأشك". وفي المتن الذي شرح عليه ابن حجر "فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانا وأخرج عمر فلانة" بدون شك، ثم قال ابن حجر: "كذا في رواية أبي ذر "فلانة" بالتأنيث، وكذا وقع في "شرح ابن بطال" وللباقين "فلانا" بالتذكير، وكذا عند أحمد (فتح الباري 10/333و334) .
2 البخاري: "الصحيح 7/137 كتاب اللباس، باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت و8/142 كتاب الحدود باب نفي أهل المعاصي والمخنثين".
3 أبو داود: "السنن 2/581 كتاب الأدب، باب الحكم في المخنثين، النسائي: "السنن الكبرى في عشرة النساء من طريق بشر بن المفضل، والنضر بن شميل، وعبد الصمد ابن عبد الوارث، ووهب بن جرير، وأبي داود الطيالسي، خمستهم عن هشام نحوه".
(تحفة الأشراف للمزي5/173حديث (6240) ، وأحمد: المسند1/225، و226، و227،والدارمي: السنن2/192كتاب الاستئذان، باب لعن المخنثين والمترجلات) .
4 أيوب: "هو ابن أبي تميمة السختياني".
5 مصنف عبد الرزاق 11/242".
(السنن 4/194 كتاب الأدب، باب ما جاء في المتشبهات بالرجال من النساء) .
7 السنن الكبرى في عشرة النساء (تحفة الأشراف للمزي 5/173 حديث 6240".
8 المصنف 11/242".(2/544)
المخنثين فأخرج عن المدينة، وأمر أبو بكر برجل منهم فأخرج أيضا"1.
قال ابن حجر: "وفي هذه الأحاديث مشروعية إخراج من يحصل به التأذي للناس عن مكانه إلى أن يرجع عن ذلك أو يتوب"2".
ثم قال ابن حجر: "وقد أخرج الطبراني وتمام3 الرازي في "فوائده" من حديث واثلة بن الأسقع مثل حديث ابن عباس هذا بتمامه، وقال فيه: "وأخرج النبي صلى الله عليه وسلم أنجشة"4 وهو العبد الأسود الذي كان يحدو5 بالنساء".
وذكر في كتاب النكاح عند شرحه لحديث أم سلمة "أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى عن المدينة ثلاثة من المخثنتين وهم: "ماتع" و"هيث" نفاهما إلى الحمى6، و "أنة" نفاه إلى حمراء الأسد7".
____________________
1 المصنف 11/243 وهو مرسل".
2 فتح الباري 10/334 والإصابة 1/67".
3 تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر الإمام الحافظ محدث الشام أبو القاسم الرازي ثم الدمشقي، قال أبو علي الأهوازي: "ما رأيت مثله في معناه، كان عالما بالحديث ومعرفة الرجال، وقال أبو بكر الحداد: "ما لقينا مثله في الحفظ والخير، له كتاب (فوائد في الحديث) (330-414هـ) .
(تذكرة الحفاظ للذهبي 3/1056 ومعجم المؤلفين لكحالة 3/93) .
4 أنجشة - بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم بعدها شين معجمة ثم هاء تأنيث - ويقال فيه: "أنجش على الترخيم، كان حبشيا يكنى أبا مارية".
(فتح الباري 10/334 و 544، والإصابة 1/67-68) وحديثه هذا المشار إليه أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 8/103-104، ولفظه: "عن واثلة قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وقال: "أخرجوهم من بيوتكم، فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم أنجشة وأخرج عمر فلانا" ثم قال: "رواه الطبراني وفيه حماد مولى بني أمية". اهـ".
وحماد قال فيه الذهبي: "قال الأزدي: "متروك، وأورد الحديث المذكور ابن حجر وقال: "رواه الطبراني بإسناد لين (ميزان الاعتدال 1/602 ولسان الميزان 2/355، والإصابة 1/67-68) .
5 الحداء: "بضم أوله والمد مهموز هو ضرب من الغناء تساق به الإبل (هدي الساري لابن حجر ص 103) .
6 الحمى: "لعله حمى النقيع بالنون وهو الذي حماه رسول لله صلى الله عليه وسلم ثم عمر بن الخطاب من بعده كما سيأتي في حديث رقم (250) ص 544 تعليقة (7) .
والنقيع موقع قرب المدينة وهو من ديار مزينة يبعد عن المدينة بعشرين فرسخا". (معجم البلدان لياقوت 5/299و301) .
وقال عاتق بن غيث البلادي: "النقيع: "فعيل من النقع وهو واد فحل من أودية الحجاز، يقع جنوب المدينة، يسيل من الحرار التي يسيل منها وادي الفرع ثم يتجه شمالا جاعلا جبال قدس على يساره، ويأخذ كل مياهها الشرقية وهو الذي حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم للخيل، يسمى الوادي النقيع إلى أن يقبل على بئر الماشي (38) كيلا جنوب المدينة، ثم يسمى عقيق الحسا، إلى ذي الحليفة، ثم عقيق المدينة حتى يدفع في إضم في مجمع الأسيال".
ثم قال: "فأول النقيع ممّا يلي المدينة يبعد عنها قرابة (40) كيلا جنوبا، على طريق الفرع، وأقصاه على قرابة (120) كيلا قرب الفرع". (معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية ص 319-320) .
7 حمراء الأسد: "قال عاتق البلادي: "حمراء الأسد: "جبل أحمر جنوب المدينة على (20) كيلا، إذا خرجت من ذي الحليفة تؤم مكة رأيت حمراء الأسد جنوبا، ليس بينك وبينها من الأعلام سوى حمراء نمل القريبة من الطريق، وتقع حمراء الأسد على الضفة اليسرى لعقيق الحسا على الطريق إلى المدينة إلى الفرع". (معجم معالم الجغرافية ص 105-106) .(2/545)
وأما الذين نفاهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -". فذركر ابن حجر أيضا أنه وقف على "كتاب المغربين" لأبي الحسن1المدايني من طريق الوليد بن سعيد قال: "سمع عمر قوما يقولون أبو ذؤيب2 أحسن أهل المدينة، فدعا به، فقال: "أنت لعمري، فأخرج عن المدينة، فقال: "إن كنت تخرجني فإلى البصرة حيث أخرجت يا عمر نصر بن حجاج".
وساق قصة جعدة3السلمى وأنه كان يخرج مع النساء إلى البقيع ويتحدث إليهن حتى كتب بعض الغزاة إلى عمر يشكو ذلك فأخرج".
وكذا أخرج أمية بن يزيد الأسدي، ومولى مزينة كانا يحتكران الطعام بالمدينة، فأخرجهما عمر".
ثم ذكر عدة قصص لمبهم ومعين، فيمكن التفسير في هذه القصة ببعض هؤلاء"4. إهـ.
والحديث قال ابن بطال: "استدل به على أن المراد بالمخنثين المتشبهون بالنساء لا من يؤتى، فإن ذلك حده الرجم، ومن وجب رجمه لا ينفى".
قال ابن حجر: "وتعقب بأن حده مختلف فيه، والأكثر أن حكمه حكم الزاني فإن ثبت عليه جلد ونفي، لأنه لا يتصور فيه الإحصان، وإن كان يتشبه فقط نفي فقط".
وقيل إن في الترجمة5 إشارة إلى ضعف القول الصائر إلى رجم الفاعل والمفعول به وأن هذا الحديث الصحيح لم يأت فيه إلا النفي".
____________________
1 هو علي بن محمد أبو الحسن المدايني الأخباري، ثقة تقدم في حديث 0 36) .
2 انظر قصته هو ونصر بن حجاج بن علاط في الطبقات ابن سعد الكبرى 3/285 إلا أنه قال: "أبو ذئب" ولعله صغر فقيل أبو ذؤيب". انظر الإصابة 3/579".
3 انظر قصته في طبقات ابن سعد 3/285-286 والإصابة 1/261، وفتاوى ابن تيمية 15/313 و32/251-252".
4 فتح الباري 9/334 و12/159-160 وانظر حاشية ص 526 تعليقة (3) .
5 يعني ترجمة البخاري بقوله "باب نفي أهل المعاصي والمخنثين" انظر: "ص: "532 تعليقة (2) .(2/546)
ثم قال: "وفي هذا نظر لأنه لم يثبت عن أحد ممن أخرجهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يؤتى".
244- وقد أخرج أبو داود من طريق أبي هاشم عن أبي هريرة "أن رسول لله صلى الله عليه وسلم أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه فقال: "ما بال هذا؟ قيل يتشبه بالنساء، فأمر به فنفى إلى النقيع"1 يعني بالنون2.
وقال ابن تيمية: "وقد ذكر الشافعي وأحمد أن التغريب جاء في السنة في موضعين:
أحدهما: "في الزاني الذي لم يحصن "جلد مائة وتغريب عام".
الثاني: "نفى المخنثين". فيما روته أم سلمة ثم ساق الحديث وفيه "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوهم من بيوتكم" 3".
ومجموع ما مضى من الأحاديث يؤخذ منه الحفاظ على أعراض المسلمين وصيانتها وعدم التساهل في ذلك، خاصة فيمن يستراب في أمره وإن كان يظن إنه لا ريبة فيه، لأن الواجب في مثل ذلك الأخذ بالأحوط، وأمر المخنث من هذا الباب".
وفي الأحاديث أيضا التشديد على من يتشبه بالنساء من الرجال ومن يتشبه بالنساء بالرجال".
ولا يبعد أن يكون المتشبه بالنساء المسمى مخنثا إنما تشبه بهن لغاية في نفسه، إما بوصفهن للأجانب، وإما لأنه يود الاقتراب منهن لغرض آخر، ولهذا منعت الشريعة مثل هذا من الدخول على النساء، ويستفاد من الأحاديث أيضا إخراج من تعم به الفتنة كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنصر بن حجاج وأبي ذؤيب وجعدة السلمى صيانة للمجتمع عن الفتن وانتشار الرذائل".
__________
1 الحديث في سنن أبي داود 2/580 كتاب الأدب، باب الحكم في المخنثين من طريق أبي اليسار القرشي عن أبي هاشم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال هذا؟ فقيل يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع قالوا: "يا رسول الله، ألا نقتله؟ قال: "إني نهيت عن قتل المصلين".
قال أبو أسامة - أحد رواة الحديث -: "والنقيع ناحية عن المدينة وليس بالبقيع".
والحديث فيه أبو اليسار القرشي، قال أبو حاتم: "مجهول"، وقال أبو هاشم الدوسي ابن عمّ أبي هريرة". قال ابن القطان: "مجهول الحال" (التقريب 2/483 و490 وتهذيب التهذيب 12/261، و281) .
2 فتح الباري 12/159-160".
3 فتاوى ابن تيمية 5/308".(2/547)
الحكم الخامس: في النهي عن قتل النساء والضعفاء ومن في حكمهم
من محاسن الإسلام أنه دين الرحمة والعدالة، ومن أبرز ما يؤكد هذه الحقيقة موقفه من الضعفاء والنساء والأطفال في حال النّزال والقتال والتقاء الصفين، لأن هؤلاء المستضعفين ليسوا أهل شوكة ولا مكيدة في الحرب، ولا ذنب لهم في الغالب فيما جره عليهم أهلوهم الكفرة من الصد عن سبيل الله ومحاربة الإسلام، فلا يجوز قتلهم ولا التنكيل بهم، إلا إذا كان الشيخ الهرم محاربا للمسلمين برأيه أو بأي وسيلة تمكنه، أو حاولت المرأة قتل أحد من المسلمين فيجوز قتلها دفاعا عن النفس، وأما الطفل فلا يتصور منه ذلك فهذا النمط من الرحمة والعطف في الحروب والمعارك الشديدة لا مثيل له في أي مبدأ من المبادئ قديما وحديثا، تاريخ الحروب البشرية شاهد صدق بذلك".
ولقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ وجعله من أهم التوصيات التي يجب أن يجعلها كل أمير جيش أو سرية نصب عينيه، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: "
245- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: "اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا" الحديث1.
والشاهد من الحديث قوله "ولا تقتلوا وليدا" وهو نهي والنهي يقتضي التحريم، فيحرم قتل الصبيان والنساء والشيوخ والرهبان، الذين ليس من شأنهم أن يقاتلوا".
وهكذا امتازت الحروب الإسلامية بهذا المبدأ، فلا يقتل إلا من يتأتى منه القتال، أما الذين لا يد لهم في القتال ولا قدرة عليه، فالشريعة الإسلامية تنهى عن
____________________
1 صحيح مسلم 3/1357 كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الأمير على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها، وقد ساق البيهقي جملة من النصوص بعدة أسانيد فيها النهي عن قتل الرهبان والشيوخ والمرضى والصبيان والنساء والوصفاء والعسفاء". (السنن الكبرى 9/89-91) .(2/548)
قتلهم وترويعهم، وقد جاءت جملة صالحة من الأحاديث في هذا الأمر منها: "ما رواه عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي فزارة1 عن عبد الرحمن2 بن أبي عمرة قال: "مر النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين بامرأة مقتولة، فقال: "ألم أنه عن هذا؟ ".
فقال رجل: "أردفتها فأرادت أن تقتلني، فقتلتها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفنها" 3".
قال ابن حجر: "ورواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري". وهو مرسل"4". قلت: "رجاله ثقات، رجال الصحيح".
246- ما رواه أبو داود في مراسيله عن موسى5 بن إسماعيل عن وهيب6 عن أيوب7 عن عكرمة8 أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة بالطائف فقال: "ألم أنه عن قتل النساء؟ من صاحب هذه المرأة المقتولة؟ ".
فقال رجل من القوم: "أنا يا رسول الله، أردفتها فأرادت أن تصرعني فتقتلني، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توارى" 9.
والحديث مرسل ورجاله ثقات رجال الصحيح".
قال ابن حجر: "ووصله الطبراني في الكبير من حديث مقسم عن ابن عباس وفيه الحجاج بن أرطأة10".
قلت: "ورواه أحمد أيضا".
____________________
1 هو راشد بن كيسان العبس، الكوفي، ثقة".
2 عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري".
3 مصنف عبد الرزاق 5/201 وتقدم الحديث برقم (103) مع تراجم رواته".
4 التلخيص الحبير 4/102".
5 هو المنقري أبو سلمة التبوذكي "ثقة ثبت" تقدم في حديث (91) .
6 وهيب: "هو ابن خالد "ثقة ثبت" تقدم في حديث (236) .
7 أيوب: "هو ابن أبي تميمة السختياني - بفتح المهملة بعدها معجمة، ثم مثناة ثم تحتانية وبعد الألف نون - أبو بكر البصري ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العباد من الخامسة (ت 131) / ع". (التقريب 1/89 وتهذيب التهذيب 1/397) .
8 عكرمة بن عبد الله مولى ابن عباس "ثقة ثبت"، تقدم في حديث (67)
9 كتاب المراسيل لأبي داود ص 36-37 والسنن الكبرى للبيهقي 9/82".
10 التلخيص الحبير 4/102، والحديث في المعجم الكبير للطبراني 11/388 وفيه الحجاج بن أرطأة وهو مدلس وقد عنعن".(2/549)
إلا أن لفظ الطبراني "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بامرأة يوم الخندق مقتولة" الحديث1".
ما رواه أحمد والبيهقي وغيرهما من حديث الأسود بن سريع وهذا سياقه عند أحمد:
247- ثنا يونس2 ثنا أبان3 عن قتادة4 عن الحسن5 عن الأسود6 بن سريع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية يوم حنين، فقاتلوا المشركين فأفضى بهم القتل إلى الذرية فلما جاؤوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حملكم إلى قتل الذرية؟ قالوا: "يا رسول الله إنما كانوا أولاد المشركين، قال: "أو هل خياركم إلا أولاد المشركين، والذي نفس محمد بيده ما من نسمة تولد إلا على الفطرة7 حتى يعرب عنها لسانها" 8.
والحديث رواه الحاكم من طريق يونس بن محمد بن المؤدب ثنا أبان بن يزيد عن قتادة عن الحسن عن الأسود بن سريع، إلا أنه قال: "بعث سرية يوم خيبر، بدل يوم حنين"9".
____________________
1 مسند أحمد 1/256 وانظر مجمع الزوائد 5/316".
2 يونس بن محمد بن مسلم البغدادي، أبو محمد المؤدب، ثقة ثبت، من صغار التاسعة (ت 207) /ع (التقريب 2/386 وتهذيب التهذيب11/447) .
3 أبان بن يزيد العطار البصري، أبو يزيد "ثقة له أفراد" تقدم في حديث (9) .
4 قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي، أبو الخطاب البصري، ثقة ثبت، تقدم في حديث (48) ، وقتادة قد وصفه النسائي وغيره بالتدليس كما في طبقات المدلسين لابن حجر ص 31 وقد عنعن، ولكن تابعه يونس بن عبيد والسري بن يحيى ومبارك بن فضالة، الجميع في شيخه الحسن، كما سيأتي ص 539".
5 الحسن هو البصري "ثقة فاضل فقيه" وكان يرسل كثيرا ويدلس، وتقدم في حديث (156) وقد صرح بالتحديث عند النسائي والحاكم كما سيأتي ص 539".
وقد وقع عند أحمد في المسند 4/24 عن السري بن يحيى قال ثنا الحسن بن الأسود ابن سريع، ولفظ "ابن" خطأ والصواب "ثنا الحسن عن الأسود بن سريع".
6 الأسود بن سريع - بفتح السين - التميمي السعدي، صحابي نزل البصرة، ومات بها في أيام الجمل، وقيل سنة 42/بخ قد س". (التقريب 1/76 وتهذيب التهذيب 1/338) .
7 قوله: "تولد إلا على الفطرة" المعنى أنها تولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيء لقبول الدين، فلوة ترك المولود لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، وإنما يعدل لآفة من يعدل عن آفات البشر والتقليد، وقوله "حتى يعرب عنها لسانها" يعني يبين ويوضح". (النهاية 3/200و 457) والفتح الرباني 14/65".
8 مسند أحمد 3/435".
9 المستدرك 2/123".(2/550)
ورواه البيهقي من طريق الحاكم هذه فقال: "يوم حنين"1 مثل رواية أحمد مما يقوي وقوع تصحيف في المستدرك الحاكم".
وقد جاء بدون تقييد عند النسائي وأحمد والدارمي والطبراني والحاكم والبيهقي الجميع من طريق يونس2 بن عبيد عن الحسن عن الأسود بن سريع به3".
وكذا عند أحمد والطبراني وابن حبان كلهم كمن طريق السري4 ابن يحيى أبي الهيثم ثنا الحسن عن الأسود بن سريع به5".
ورواه الطبراني أيضا من طريق مبارك6 بن فضالة عن الحسن عن الأسود بن سريع به7".
وقد صرح الحسن بالتحديث عن الأسود عند النسائي والحاكم8".
والخلاصة: "أن الحديث جاء من طريق قتادة عن الحسن عن الأسود بن سريع به عند أحمد والبيهقي بلفظ "يوم حنين".
ورواه الحاكم من طريق قتادة هذه فقال "يوم خيبر" وجاء من طريق يونس بن عبيد السري بن يحيى ومبارك بن فضالة كلهم عن الحسن عن الأسود بن سريع به9".
بدون "تقيد" قال الساعاتي: "والأظهر في هذه الرواية أن الواقعة وفي غزوة حنين10".
____________________
1 السنن الكبرى 9/130".
2 يونس بن عبيد بن دينار العبدي، أبو عبيد البصري، ثقة ثبت فاضل ورع، من الخامسة (ت139) /ع (التقريب 2/385 وتهذيب التهذيب 11/442) .
3 النسائي: "السنن الكبرى، في السير، (تحفة الأشراف 1/70 حديث "146") . وأحمد: "المسند3/435". والدارمي: "السنن 2/141-142كتاب السير، باب النهي عن قتل النساء والصبيان". والطبراني: "المعجم الكبير1/260". والحاكم: "المستدرك 2/123". والبيهقي: "السنن الكبرى 9/77".
4 السري بن يحيى بن إياس بن حرملة الشيباني البصري، ثقة، أخطأ الأزدي في تضعيفه، من السابعة (ت 167) /بخ س". (التقريب 1/285 وتهذيب التهذيب 3/460-461) ، وميزان الاعتدال 2/118) .
5 أحمد: "المسند 4/24". والطبراني: "المعجم الكبير 1/259-260". وابن حبان: "موارد الظمآن ص 399".
6 مبارك بن فضالة - بفتح الفاء وتخفيف المعجمة - أبو فضالة البصري، صدوق يدلس ويسوي، من السادسة (ت 167) على الصحيح". /خت د ت ق". (التقريب 2/227 وتهذيب التهذيب 10/28) .
7 المعجم الكبير 1/259".
8 انظر تحفة الأشراف 1/70 والمستدرك 2/123".
9 الفتح الرباني 14/65".
10 الفتح الرباني 14/65".(2/551)
والحديث قال الحاكم صحيح على شرط الشيسخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي1".
قال الألباني: "وهو كما قالا فقد صرح الحسن، وهو البصري بالتحديث عند النسائي وهو رواية للحاكم2".
وأورده الهيثمي ثم قال: "رواه أحمد بأسانيد، والطبراني في الكبير والأوسط، وبعض أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح3".
248- ما رواه ابن إسحاق قال: "حدثني بعض أصحابنا: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر يومئذ بامرأة وقد قتلها خالد بن الوليد والناس متقصفون4 عليها فقال: "ما هذا؟ " فقالوا: "امرأة قتلها خالد بن الوليد، فقال: "رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض من معه: "أدرك خالدا، فقل له: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا" 5".
والحديث فيه إبهام وإرسال".
249- وأورده ابن كثير ثم قال: "هكذا رواه ابن إسحاق منقطعا، وقد قال الإمام أحمد: "ثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو ثنا المغيرة6 بن عبد الرحمن عن أبي الزناد7 حدثني المرقع8 بن صيفي عن جده رباح9 بن ربيع أخي10 حنظلة
____________________
1 المستدرك 2/123".
2 إرواء الغليل 5/35 و36".
3 مجمع الزوائد 5/316 وانظر الفتح الرباني 14/65".
4 متقصفون: "أي مزدحمون عليها". (النهاية 4/73) .
5 سيرة ابن هشام 2/457-458 والروض الأنف 7/182".
والعسيف: "الأجير، جمعه عسفاء". (النهاية 3/236) .
6 المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام - بمهملة وزاي - المدني لقبه قصي، ثقة له غرائب، من السابعة". /ع". (التقريب 2/269-270 وتهذيب التهذيب 10/266) .
7 عبد الله بن ذكوان القرشي، المدني المعروف بأبي الزناد، ثقة فقيه من الخامسة، (ت130) . وقيل بعدها"./ع". (التقريب 1/413 وتهذيب التهذيب 6/203) .
8 المرقع - بضم أوله وفتح ثانيه وكسر القاف المشددة- ابن صيفي- بمهملة وقيل ابن عبد الله بن صيفي التميمي الحنظلي، صدوق، من الثالثة". /د س ق". (التقريب 2/238 وتهذيب التهذيب 10/88) .
9 رباح - بتخفيف الموحدة - ابن الربيع بن صيفي التميمي، أخو حنظلة التميمي، ويقال فيه "رياح" بالمثناة وهو قول الأكثر". / د س ق". (التقريب 1/242و 245 وتهذيب التهذيب 3/233 والإصابة 1/501) .
10 وقع في البداية والنهاية "أخي بني حنظلة" والظاهر أن لفظ "بنى" خطا فإن الحديث عند أحمد وغيره بلفظ "أخي حنظلة".(2/552)
الكاتب أنه أخبره أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فمر رباح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة، فقفوا ينظرون إليها ويتعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما كانت هذه لتقاتل" فقال لأحدهم "ألحق خالدا فقل له لا يقتلن ذرية ولا عسيفا" 1".
وكذلك رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث المرقع بن صيفي به نحوه2. إهـ.
وقال الزرقاني: "روى الواقدي أن سعد بن عبادة جعل يصيح يومئذ3 بالخزرج ثلاثاً وأسيد بن حضير بالأوس ثلاثا فثابوا4من كل ناحية كأنهم النحل تأوي إلى يعسوبها5".
قال أهل المغازي فحنق6 المسلمون على المشركين فقتلوهم حتى أسرع القتل في ذراري المشكرين فبلغه ذلك صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال أقوام بلغ بهم القتل حتى بلغ الذرية ألا لا تقتل الذرية ثلاثا".
فقال أسيد: "يا رسول الله أليس إنما هم أولاد المشركين؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أو ليس خياركم أولاد المشركين؟ كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها فأبواها يهودانها أو ينصرانها".
ثم أورد حديث رباح بن الربيع وقال: "رواه أحمد وأبو داود7".
قلت: "حديث رباح: "رواه النسائي وابن ماجه وأحمد والطحاوي والطبراني وابن حبان والبيهقي الجميع من طريق المغيرة بن عبد الرحمن قال: "حدثنا أبو الزناد عن المرقع بن صيفي عن جده رباح بن الربيع به8".
____________________
1 الحديث في مسند أحمد 3/488".
2 البداية والنهاية 4/337".
3 يومئذ يعني يوم حنين".
4 فثابوا: "أي رجعوا وأخذوا في قتل المشركين (النهاية 1/226) .
5 يعسوبها: "قال ابن الأثير: "اليعسوب السيد والرئيسي والمقدم". وأصله فحل النحل". (المصدر السابق3/234) .
6 الحنق: "الحقد والغيظ". (المصدر السابق 1/451) .
7 شرح المواهب اللدنية 3/21 وانظر مغازي الواقدي 3/904-905".
8 النسائي: "السنن الكبرى في السير (تحفة الأشراف 3/166 حديث "3600") وابن ماجه: "السنن 2/948 كتاب الجهاد، باب الغارة والبيات وقتل النساء والصبيان". وأحمد: "المسند 3/488". والطحاوي: شرح معاني الآثار3/221 و122". والطبراني: "المعجم الكبير 5/70". وابن حبان: "موارد الظمآن ص 398". والبيهقي: "السنن الكبرى 9/91".(2/553)
ورواه الطبراني من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن المرقع به".
ورواه أبو داود والنسائي والطبراني كلهم من طريق عمر1 بن المرقع قال حدثني أبي عن جده رباح بن الربيع به".
والبيهقي من طريق أبي داود2".
ورواه الحاكم من طريق إسماعيل بن أويس ثنا عبد الرحمن3 بن أبي الزناد عن أبيه قال: "حدّثني المرقع بن صيفي عن جده رباح بن الربيع4 به".
ورواه الطبراني أيضاً من طريق موسى بن عقبة، قال: "حدثني المرقع ابن صيفي عن جده رباح بن الربيع به5".
ورواه النسائي وابن ماجه وأحمد والطحاوي وابن حبان الجميع من طريق سفيان الثوري عن أبي الزناد فقال فيه عن المرقع بن صيفي عن حنظلة6 الكاتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم7".
والحاصل أن المغيرة بن عبد الرحمن روى هذا الحديث عن أبي الزناد فقال: "عن المرقع بن صيفي عن جده رباح بن الربيع".
وتابع أبا الزناد في ذلك عمر بن المرقع وموسى بن عقبة وعبد الله ابن وهب".
ورواه سفيان الثوري عن أبي الزناد فقال عن المرقع بن صيفي عن حنظلة الكاتب.
____________________
1 عمر بن المرقع - بقاف ثقيلة مكسورة - ابن صيفي - بفتح المهملة بعدها تحتانية ساكنة ثم فاء مكسورة ثم تحتانية - التميمي الكوفي، صدوق من السابعة / د س". (التقريب 2/63، وتهذيب التهذيب 7/497) ووقع في عون المعبود 7/329 "عمرو" والصواب عمر بضم أوله، قاله ابن حجر في التقريب 2/78 وتهذيب التهذيب 8/102".
2 أبو داود: "السنن 2/49 كتاب الجهاد، باب في قتل النساء". والنسائي: "السنن الكبرى، في السير (تحفة الأشراف 3/86 حديث "3449") . والطبراني: "المعجم الكبير 5/71". البيهقي: "السنن الكبرى 9/82".
3 عبد الرحمن بن أبي الزناد، عبد الله بن ذكوان، المدني، مولى قريش صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيها، من السابعة، ولى خراج المدينة، فحمد (ت 174) ./خت م عم". (التقريب1/479-480، و486 وتهذيب التهذيب 6/170-173 و207) .
4 الطبراني: "المعجم الكبير 5/70". الحاكام: "المستدرك 2/122".
5 المعجم الكبير 5/71".
6 حنظلة بن الربيع بن صيفي التميمي، يعرف بحنظلة الكاتب، تقدم حديث (163) .
7 النسائي: "السنن الكبرى (تحفة الأشراف 3/86) . وابن ماجه: "السنن 2/948 كتاب الجهاد". أحمد: "المسند 4/178". والطحاوي: "شرح معاني الآثار 3/222، وابن حبان: "موارد الظمآن ص 398".(2/554)
وقد خطئ الثوري في ذلك لأن الحديث حديث رباح بن الربيع لا حديث حنظلة".
ولذا فقد ساق ابن ماجه حديث سفيان الثوري عن أبي الزناد عن المرقع بن صيفي عن حنظلة الكاتب".
ثم أتبعه بحديث المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد عن المرقع عن جده رباح بن الربيع".
ثم قال: "قال أبو بكر1 بن أبي شيبة: "يخطئ الثوري فيه". إهـ".
والحديث قال فيه الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي2".
قال الألباني: "حسبه أن يكون حسنا، فإن المرقع بن صيفي …لم يوثقه غير ابن حبان، لكن روى عنه جماعة من الثقات".
وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق"3".
والحديث ليس نصا صريحا في أن قصة هذه المرأة المقتولة كانت في غزوة حنين، إنما فيه أن رباح بن الربيع كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة وأن مقدمة الجيش أصابت امرأة، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن الوليد يأمره بأن لا يقتل ذرية ولا عسيفا".
وفي لفظ: "فبعث إلى خالد بن الوليد ينهاه عن قتل النساء والولدان".
وفي لفظ: "ثم اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا أن لا يقتل امرأة ولا عسيفا" 4.
ويمكن أن تفسر هذه الغزوة الواردة في حديث رباح بن الربيع، بغزوة حنين كما جاء ذلك صريحا عند ابن إسحاق والواقدي، بحصول مثل هذه القصة لخالد بن الوليد في غزوة حنين5".
____________________
1 أبو بكر بن أبي شيبة: "هو عبد الله بن محمد".
2 المستدرك: "2/122".
3 إرواء الغليل 5/35". انظر التقريب 2/238 وتهذيب التهذيب 10/88".
4 شرح معاني الآثار 3/221و 222".
5 انظر سيرة ابن هشام 2/457-458، ومغازي الواقدي 3/912، وانظر حديث رقم (248) .(2/555)
وقد يلحظ هذا أيضا من صنيع ابن كثير والزرقاني، حيث أوردا حديث رباح بن الربيع في غزوة حنين عند إيرادهما لحديث ابن إسحاق المصرح فيه بقصة خالد بن الوليد مع المرأة المقتولة في غزوة حنين، فكأنهما يشران إلى أن الغزوة المبهة في حديث رباح هي غزوة حنين كما جاء ذلك عند ابن إسحاق الواقدي".
وقد جزم ابن حجر بذلك1".
ما رواه ابن حبان من حديث الصعب بن جثامة الليثي وهذا سياقه:
250- أخبرنا جعفر2 بن أحمد بن سنان القطان بواسط حدثنا العباس3 بن محمد بن حاتم حدثنا محمد4 بن عبيد حدثنا محمد5 بن عمرو عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا حمى إلا لله ولرسوله" وسألته عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم؟ قال: "نعم فإنهم منهم، ثم نهى عن قتلهم يوم حنين" 6.
قال الهيثمي: "قلت: "هو في الصحيح7 غير النهي عن قتل الذرية.
____________________
1 انظر ص 545".
2 قال الذهبي: "جعفر بن أحمد بن سنان بن أسد الحافظ الثقة ابن الحافظ أبي جعفر القطان الواسطي (ت سنة 307هـ) . (تذكرة الحفاظ 2/752". انظر مقدمة موارد الظمآن لمحمد عبد الرزاق حمزة ص (9) .
3 العباس بن محمد بن حاتم بن واقد أبو الفضل الدوري البغدادي، خوارزمي الأصل، ثقة، حافظ من الحادية عشرة (ت271) . /عم (التقريب 1/399 وتهذيب التهذيب5/129".تاريخ بغداد12/144-146". تذكرة الحفاظ للذهبي2/579) .
4 محمد بن عبيد بن أبي أمية الطنافسي الكوفي، الأحدب ثقة يحفظ، من الحادية عشرة (ت 204) /ع (التقريب2/188وتهذيب التهذيب9/327 وتاريخ بغداد2/365 وتذكرة الحفاظ للذهبي 1/333". وتهذيب الكمال للمزي 7/619-626) .
5 محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص اللثي المدني، صدوق له أوهام، من السادسة (ت 145) على الصحيح"./ع (التقريب 2/192 وتهذيب التهذيب 9/375 وتهذيب الكمال 7/619-626) .
وقال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال 3/673: "شيخ مشهور، حسن الحديث، أخرج له الشيخان متابعة".
6 موارد الظمآن ص 399".
7 الحديث في صحيح البخاري 3/98 كتاب المساقاة، باب لا حمى إلا لله ولرسوله "من طريق ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن الصعب بن جثمامة قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا حمى إلا لله ولرسوله" وتمام الحديث: "وقال: "بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع، وأن عمر حمى الشرف والربذة".
قال ابن حجر: "قوله وقال بلغنا"، القائل هو ابن شهاب وهو موصول بالإسناد إليه، وهو مرسل أو معضل". (فتح الباري 5/45) .إهـ".
وهذا النقيع غير نقيع الخضمات (انظر معجم البلدان 5/301) .(2/556)
قال ابن حجر: "هذه الزيادة1 مدرجة في حديث الصعب، وذلك بين في سنن أبي داود فإنه قال في آخره: "قال سفيان2 قال الزهري: "ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن قتل النساء والصبيان" 3".
ويؤكد كون النهي في غزوة حنين حديث رباح بن الربيع وفيه "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحدهم: "الحق خالدا فقل لا تقتل ذرية ولا عسيفا" 4".
وخالد بن الوليد أول مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح وفي ذلك العام كانت غزوة حنين".
ثم أورد مرسل عكرمة المتقدم عند أبي داود5".
فابن حجر رحمه الله يرى أن حديث رباح بن الربيع كان في غزوة حنين كما هو واضح من كلامه".
وهذه الأحاديث تدل على النهي عن قتل الشيوخ والأطفال والنساء والأجراء الذين لا قدرة لهم على القتال ولا يد لهم فيه".
قال ابن حجر: "واتفق الجميع - كما نقل ابن بطال وغيره - على منع القصد إلى قتل النساء والولدان، أما النساء فلضعفهن، وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفر، ولما في استبقائهم جميعا من الانتفاع بهم، إما بالرق، أو الفداء فيمن يجوز أن يفادى به"6.إهـ.
وهذا النهي خاص بما إذا لم يباشر هؤلاء القتال مع الكفار أو كان فيهم ذو رأي، أو تترس بهم العدو بحيث لا يمكن انفصالهم عنه، ففي هذه الحالات يجوز قتلهم وهو قول جمهور العلماء، واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
____________________
1 يعني زيادة "ثم نهى عن قتلهم يوم حنين".
2 سفيان: "هو ابن عيينة (تهذيب التهذيب 4/118و 1/64) .
3 الحديث في سنن أبي داود 2/50 كتاب الجهاد، باب في قتل النساء".
4 الحديث تقدم برقم (249) .
5 فتح الباري 6/147-148 وانظر مرسل عكرمة حديث (246) .
6 فتح الباري 6/148".(2/557)
1- قوله صلى الله عليه وسلم "ما كانت هذه لتقاتل" 1 فإن مفهومه أنها لو قاتلت لجاز قتلها".
2- قوله صلى الله عليه وسلم عندما رأى امراة مقتولة "من صاحب هذه المرأة المقتولة؟ فقال رجل منهم: "أنا يا رسول الله أردفتها فأرادت أن تقتلني فقتلتها" فلم ينكر عليه قتله ا2".
3- حصاره صلى الله عليه وسلم لأهل الطائف ورميهم بالمنجنيق مع علمه صلى الله عليه وسلم أن فيهم الأطفال والنساء وغير ذلك".
4- ما ورد في حديث الصعب بن جثامة الليثي قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذراري من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال: "هم منهم" 3.
5- قتل دريد بن الصمة وهو شيخ فان ولم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قاتله لما كان لدريد من المشورة والرأي في قومه4".
وبهذه الأدلة وغيرها أخذ جمهور العلماء".
وذهب مالك والأوزاعي إلى أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال من الاحوال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم"5".
ودليل هذا المذهب عموم الاحاديث الوارد فيها النهي عن قتل النساء والصبيان6.
____________________
1 انظر حديث رقم (249) .
قال الباجي: "قوله (ما كانت هذه لتقاتل) إنكار رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أنه علم من حال تلك المرأة أنها لم تقاتل، ويحتمل أن يكون حمل أمرها على المعهود من حال النساء في بعدهن عن القتال".
ثم قال: "فيحتمل أن النهي عن قتل النساء والصبيان، لأنهم لا يقاتلون، ويحتمل أنهن من الأمور التي يستعان بها على العدو وينتفع بها دون مخافة منهن، فأما إن قاتلوا، فإنهم يقتلون؛ لأن العلة التي منعت من قتلهن هي عدم القتال منهن، فإذا وجد منهن وجدت علة إباحة قتلهن، لأن الحاجة داعية إلى دفع مضرتهن وإزالة منعهن الموجود في الرجال". (أوجز المسالك إلى موطأ مالك للكندهلوي 8/223 نقلا عن الباجي) .
2 انظر الحديث ص (537) .
3 البخاري: "الصحيح 4/48 كتاب الجهاد، باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري". ومسلم: "الصحيح 3/1364-1365 كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمد".
4 انظر شرح معاني الآثار للطحاوي 3/224".
5 انظر فتح الباري 6/147-148".
6 ومنها أيضا ما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر قال: "وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان"، وفي لفظ "فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان". (البخاري4/49كتاب الجهاد، باب قتل الصبيان في الحرب، وباب قتل النساء في الحرب".ومسلم:3/1364 كتاب الجهاد والسير، باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب) .(2/558)
والراجح في هذه المسألة قول الجمهور وذلك للجمع بين الأحاديث ومتى أمكن الجمع فالمصير إليه أولى للعمل بجميع الأحاديث".
فقد ساق الطحاوي الروايات الواردة فيها النهي عن قتل النساء والصبيان ثم قال: "قال أبو جعفر: "فذهب قوم إلى أنه لا يجوز قتل النساء والولدان في دار الحرب على أي حال، وأنه لا يحل أن يقصد إلى قتل غيرهم، إذا كان لا يؤمن في ذلك تلفهم، من ذلك أن أهل الحرب إذا تترسوا بصبيانهم، فكان المسلمون لا يستطيعون رميهم إلا بإصابة صبيانهم، فحرام عليهم رميهم في قول هؤلاء". وكذلك إن تحصنوا بحصن وجعلوا فيه الولدان، فحرام علينا رمي ذلك الحصن عليهم إذا كنا نخاف من ذلك إصابة صبيانهم ونسائهم، واحتجوا بالآثار، التي روينها في صدر هذا الباب، ووافقهم آخرون على صحة هذه الآثار، وعلى تواترها، وقالوا: "وقع النهي في ذلك إلى القصد إلى قتل النساء والولدان فأما على طلب قتل غيرهم ممن لا يوصل إلى ذلك منه إلا بتلف صبيانهم ونسائهم، فلا بأس بذلك".
ثم ساق حديث الصعب بن جثامة قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الدار من المشركين يبيتون ليلا، فيصاب من نسائهم وصبيانهم فقال: "هم منهم".
ثم قال: "قال أبو جعفر: "فلما لم ينههم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغارة، وقد كانوا يصيبون فيها الولدان والنساء الذين يحرم القصد إلى قتلهم، دل ذلك أن ما أباح في هذه الآثار، لمعنى غير المعنى الذي من أجله حظر ما حظر في الآثار الأول، وأنّ ما حظر في الآثار الأول هو القصد إلى قتل النساء والولدان، والذي أباح هو القصد إلى المشركين، وإن كان في ذلك تلف غيرهم، ممن لا يحل القصد إلى تلفه، حتى تصح هذه الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تتضاد".
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغرة على العدو، وأغار على الآخرين في آثار عدد، قد ذكرناها في (باب الدعاء قبل القتال) 1ولم يمنعه من ذلك ما يحيط به، علمنا أنه
____________________
1 انظر شرح معاني الآثار 3/206 وما بعدها".(2/559)
قد كان يعلم أنه لا يؤمن من تلف الولدان والنساء في ذلك ولكنه أباح ذلك لهم، لأن قصدهم كان إلى غير تلفهم، ثم قال:
فهذا يوافق المعنى الذي ذكرت مما في حديث الصعب، والنظر يدل على ذلك أيضا"1.
وقال السهيلي: "قوله صلى الله عليه وسلم "أدرك خالدا، فقل له: "إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا".
وهذا منتزع من كتاب الله تعالى". لأنه يقول: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [سورة البقرة: "190] 2، فاقتضى دليل الخطاب ألا تقتل المرأة إلا أن تقاتل".
وقد أخطأ من قاس مسألة المرتدة على هذه المسألة، فإن المرتدة لا تسترق ولا تسبى كما تسبى نساء الحرب وذراريهم، فتكون مالا للمسلمين، فنهى عن قتلهن لذلك3".
وخلاصة ما تقدم من الأحاديث والآثار وأقوال أهل العلم أن من سمو تعاليم الإسلام ومحاسنه العظيمة رعايته للضعفاء والعجزة والنساء والولدان في المعارك الضارية التي تدور رحاها بين جند الله من المسلمين، وبين أعداء الله من الكافرين، ممل يؤكد لكل منصف عظمة هذا الدين وشمول تعاليمه وعالمية رسالته التي أساسها الرحمة والشفقة والهداية {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ، [سورة الأنبياء الآية: 107] ، وإن قوما يبذلون مهجهم وأرواحهم في سبيل نصرة الحق ورفع رايته وإعلاء كلمته يلزمهم أن يضعوا هذه التعاليم الرحيمة نصب أعينهم خاصة في معترك النزال والتحام القتال، فقد
____________________
1 شرح معني الآثار 3/220 و221، و222، و223". انظر: "شرح النووي على صحيح مسلم 4/242-243".
والسنن الكبرى للبيهقي 9/78". وفتح الباري 6/147-148". وسبل السلام للصنعاني 4/49-50 ونيل الأوطار، للشوكاني 7/261-262". والفتح الرباني للساعاتي 14/62-63". عون المعبود 7/329-330". وتحفة الأحوذي 5/190-191". وأوجز المسالك 8/223-224". وفتاوى ابن تيمية 28/354".
2 سورة البقرة: "آية 190". وتمامها: {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} .
3 الروض الأنف 7/215-216. والظاهر من قول السهيلي - رحمه الله - إن المرأة إذا قاتلت قتلت وأما إذا لم تباشر القتال فلا يجوز قتلها. بخلاف المرتدة فيجب قتلها مطلقا.(2/560)
يغفل الجندي المسلم وهو في غمرة المنازلة وشدة المجالدة عن هذه الإرشادات النبوية وهذه الرحمة الخاصة في وقت يفترض فيه الشدة والقسوة والغلظة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} ، [سورة التوبة، الآية: 123] . {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 73، وسورة التحريم، الآية: 9] .
في هذا الظرف العصيب والموقف الرهيب لا تغيب العدالة الإسلامية التي من مقتضياتها وضع الشدة في موضعها ووضع الرحمة في موضعها اللائق بها، ومن هنا يبادر الرسول صلى الله عليه وسلم بإرسال رسله إلى قواده أن يلتزموا بهذه المبادئ السامية التي شرع الجهاد في أصله لإقرارها وتثبيتها بلا تَشَفّ ولا إجحاف، وأول ما يوجه الجنود المسلمون إليه ويذكرون به هو الغزو باسم الله وفي سبيل الله والتحلي بحلية التقوى التي لا تفارق حس المجاهد المسلم ولا ينبغي أن تفرقه، وإذا كانت هذه هي الصفات الأساسية للغزو الإسلامي الراشد فلا عجب أن نجد التنصيص الصريح على منع قتل من لا شوكة له في الحرب من ضعفاء ونساء وأطفال وشيوخ ونحوهم، ولا يتأتى تطبيق هذه المعاني الرفيعة المفعمة1 بالرحمة والإنسانية في أسمى معانيها إلا للجنود المؤمنين بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، أما من عاداهم من الكفار وضعفاء اليقين فلا أحسبهم أهلا لتطبيق ذلك وما أخالهم يخطر في أذهانهم".
__________
1 المفعمة: "الممتلئة". (القموس المحيط 4/160) .(2/561)
الحكم السادس: العذر الذي يبيح ترك حضور صلاة الجماعة
من أهداف التشريع الإسلامي رفع الحرج والمشقة في الدين، كما قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ، [سورة الحج، من الآية: 78] ، وقال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} ، [سورة البقرة، من الآية: 286] .
والصلاة أهم ركن في الإسلام بعد الشهادتين وأداؤها في جماعة هو المطلوب من كل مسلم على وجه الوجوب كما هو ظاهر النصوص، ولكن قد تحول دون أداء الصلاة في جماعة أعذار تبيح ترك حضور الجماعة، وهذا من سماحة الإسلام وتيسيره. ومن هذه الأعذار المطر والدحض والبرد الشديد ونحو ذلك.
وفي هذه الغزوة وردت أحاديث في هذا الأمر وسأوردها على النحو الآتي:
ما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من حديث أبي المليح عن أبيه وهذا سياقه عند النسائي:
251- قال: "أخبرنا محمد1 بن المثنى قال: "حدثنا محمد2بن جعفر قال: "حدثنا شعبة عن قتادة3 عن أبي المليح4 عن أبيه5: "قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
1 محمد بن المثنى: "هو العنزي البصري "ثقة ثبت" تقدم في حديث (126) .
2 محمد بن جعفر المدني البصري، غندر-بضم-فسكون ففتح-ثقة صحيح الكتاب، من التاسعة (ت193أو194) ./ع (التقريب2/151،تهذيب التهذيب9/96-98) .
3 قتادة ههنا عنعن وهو مدلس، ولكن الراوي عنه شبة بن الحجاج وحديث شعبة عن قتادة محمول على السماع جزما". (فتح المغيث للسخاوي 1/176-177) وقد صرح بالتحديث أيضا عند أحمد وتابعه عامر بن عبيدة الباهلي عند الطبراني والبيهقي انظر ص (552) .
4 أبو المليح - بفتح الميم - ابن أسامة بن عمير، اختلف في اسمه واسم أبيه- الهذلي، ثقة من الثالثة (ت 98 وقيل 108 وقيل بعد ذلك) . /ع (التقريب 2/476 وتهذيب التهذيب 12/246، والمغني لمحمد بن طاهر الهندي ص 74) .
5 هو أسامة بن عمير بن عامر بن أقيشر - بمضمومة ففتح قاف وسكون تحتية وكسر شين معجمة، وبراء - الهذلي البصري والد أبي المليح، صحابي، تفرد ولده عنه"./عم". (التقريب1/53 وتهذيب التهذيب1/210 وأسد الغابة 1/82، والإصابة 1/31-32، والمغني لمحمد بن طاهر الهندي ص: "6) . وقد وقع في الاستيعاب 1/59-60 مع الإصابة، والتقريب الطبعة المصرية أقيش" بدون راء".(2/562)
بحنين1 فأصابنا مطر، فنادى منادي2 رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صلوا3 في رحالكم"4.
والحديث رواه أحمد وابن سعد كلاهما من طريق شعبة عن قتادة عن أبي المليح به5.
ورواه أبو داود وأحمد كلاهما من طريق همام6 أخبرنا قتادة أن أبا المليح أخبره به7.
ورواه أحمد أيضاً من طريق أبان8 ثنا قتادة وأبو المليح به.
____________________
1 وعند أبي داود: "أن يوم حنين كان يوم مطر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه أن الصلاة في الرحال" وعند أحمد: "أن يوم حنين كان مطيراً" وعنده أيضاً: "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين في يوم مطير الصلاة في الرحال" وعند ابن خزيمة: "أصابتنا السماء مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الصلاة في الرحال".
2 جاء عند الطبراني أن هذا المنادي هو بلال ولفظ الحديث "عن أبي المليح عن أبيه قال: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجنا إلى حنين" الحديث وفيه: "فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا فنادى في الناس: "إن الصلاة في الرحال" ووقع عند أبي داود وأحمد والطبراني: "أن ذلك كان يوم جمعة"، وقد ترجم أبو داود بقوله: "باب الجمعة في اليوم المطير"، قال محمد شمس الحق العظيم آبادي: "واعلم أنه في الاستدلال بهذه الرواية على ترجمة الباب نظر، لأن الراوي لم يبين أن النداء المذكور كان لصلاة الجمعة، نعم كانت هذه الواقعة يوم الجمعة فيحتمل أن هذا الأمر كان لصلاة الجمعة، وكذا يحتمل أن يكون لغيرها من الصلاة، وإن تعين احتمال يوم الجمعة فهذه واقعة سفر لا يستدل بها على الحضر". (عون المعبود 3/388) .
3 الأمر هنا أمر إباحة بدليل ما جاء عند الطبراني والبيهقي في بعض ألفاظ هذا الحديث "عن أبي المليح عن أبيه قال: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فأصابنا بغش - يعني مطراً - فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم "من شاء أن يصلي في رحله فليصل".
وبوب على هذا الحديث ابن خزيمة بقوله: "باب إباحة الصلاة في الرحال وترك الجماعة في اليوم المطير في السفر". (صحيح ابن خزيمة 3/80) .
وفي حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - عنهما قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا، فقال: "ليصل من شاء منكم في رحله " (صحيح مسلم 1/484-485 كتاب صلاة المسافرين، باب الصلاة في الرحال في المطر) والرحال: "المنازل والمساكن سواء كنت من حجر ومدر وخشب أو من شعر وصوف ووبر وغيرها، واحدها رحل". (النهاية 2/209 وشرح النووي على صحيح مسلم 2/348) .
4 سنن النسائي 2/86 كتاب الإمامة، باب العذر في ترك الجماعة".
5 مسند أحمد 5/74، 75 وطبقات ابن سعد الكبرى 2/157".
6 همام: "هو ابن يحيى بن دينار الأزدي العوذي "ثقة" تقدم في حديث (230) .
7 سنن أبي داود 1/244 كتاب الصلاة، باب الجمعة في اليوم المطير". ومسند أحمد 5/74، 75".
8 أبان: "هو ابن يزيد العطار "ثقة" له أفراد تقدم في حديث (9) .(2/563)
ومن طريق سعيد1 عن قتادة عن أبي المليح به2.
ورواه ابن خزيمة من طريق شعبة وسعيد بن أبي عروبة، وهمام بن يحيى كلهم عن قتادة عن أبي المليح به3.
ورواه الطبراني من طريق هؤلاء الثلاثة و"حماد بن سلمة" كلهم عن قتادة عن أبي المليح به إلا أنه لم يذكر "يوم حنين"4.
ورواه ابن سعد والطبراني كلاهما من طريق سعيد5 بن زربي قال حدثنا أبو المليح عن أبيه به6.
ورواه الطبراني أيضاً والبيهقي من طريق عامر7 بن عبيدة الباهلي عن أبي المليح به8.
والحديث صحيح9.
وقد رواه شعبة بن الحجاج وهمام بن يحيى وأبان بن يزيد وسعيد ابن أبي عروبة كلهم عن قتادة عن أبي المليح، بلفظ "يوم حنين".
وتابع قتادة في ذلك عامر بن عبيدة الباهلي، وسعيد10 بن زربي كلاهما عن أبي المليح.
____________________
1 سعيد: "هو ابن أبي عروبة مهران اليشكري "ثقة حافظ" تقدم في حديث (48) .
2 مسند أحمد 5/74، 75".
3 صحيح ابن خزيمة 3/80-81".
4 المعجم الكبير1/155".
5 سعيد بن زربي - بفتح الزاي وسكون الراء بعدها موحدة مكسورة - الخزاعي البصري العباداني، أبو عبيدة، أو أبو معاوية، منكر الحديث من السابعة". / ت". (التقريب 1/295 وتهذيب التهذيب 4/28، وميزان الاعتدال 2/136) .
6 طبقات بن سعد الكبرى 7/44 والمعجم الكبير للطبراني 1/156".
7 عامر بن عبيدة الباهلي البصري القاضي بها ثقة من الرابعة"./خت". (التقريب 1/389، وتهذيب التهذيب 5/79) .
8 المعجم الكبير 1/156 والبيهقي: "السنن الكبرى 3/71 إلا أنه لم يقل "يوم حنين".
9 انظر فتح الباري 2/113".
10 غير أن سعيد بن زربي منكر الحديث فوجوده كعدمه".(2/564)
والحديث رواه أحمد عن وكيع بن الجراح ثنا سفيان1 بن حبيب عن خالد الحذاء2 عنأبي قلابة3 عن أبي المليح عن أبيه4.
ورواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم والبيهقي كلهم من طريق نصر5 بن علي الجهضمي ثنا سفيان بن حبيب عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح عن أبيه أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في يوم الجمعة وأصابهم مطر لم يبتل أسفل نعالهم6 فأمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يصلوا في رحالهم7.
إلا أن أبا داود قال حدثنا نصر بن علي قال سفيان خبرنا8 عن خالد الحذاء". بالبناء للمجهول".
____________________
1 سفيان بن حبيب البصري البزار، أبو محمد، وقيل غير ذلك، ثقة من التاسعة (ت 182، وقيل 186) / بخ عم". (التقريب 1/310 وتهذيب التهذيب 4/107) .
2 خالد بن مهران أبو المنازل - بفتح الميم وقيل بضمها وكسر الزاي- البصري، الحذاء - بفتح المهملة وتشديد الذال المعجمة- قيل له ذلك لأنه كان يجلس عند الحذائين، وقيل لأنه كان يقول احذ على هذا النحو، ثقة يرسل، من الخامسة". وقد عاب عليه بعضهم دخوله في عمل السلطان".
وأشار حماد بن زيد إلى أن حفظه تغير لما قدم من الشام (ت 142 أو 141) ./ع". (التقريب 1/219 وتهذيب التهذيب 3/120-122) .
3 أبو قلابة الجرمي البصري عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر، ثقة فاضل كثير الإرسال، قال العجلي: "فيه نصب يسير، من الثالثة مات بالشام هاربا من القضاء (سنة 104وقيل بعدها) /ع (التقريب1/417 وتهذيب التهذيب5/224-226) .
(مسند أحمد 5/74) .
5 نصر بن علي بن صهبان الأزدي الجهضمي أبو عمرو البصري الصغير، ثبت، طلب للقضاء فامتنع، من العاشرة (ت 250) أو بعدها". /ع". (التقريب 2/300 وتهذيب التهذيب 10/430) .
6 قال الساعاتي: "هو كناية عن قلة المطر وخفته، فيستفاد منه أن المطر عذر وإن كان خفيفا". (الفتح الرباني 5/187) .
7 أبو داود: "السنن 1/244 كتاب الصلاة، باب الجمعة في اليوم المطير، وصحيح بن خزيمة 3/179، والمستدرك 1/293 وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي". والبيهقي: "السنن الكبرى 3/186".
8 قال محمد شمس الحق: "قال سفيان خبرنا" بصيغة المجهول من التفعيل، والمخبر لسفيان بن حبيب لم يعرف، ثم أورد حديث ابن ماجه". (عون المعبود 3/387) .
وقال الدكتور محمد مصطفى الأعظمي: "إسناده صحيح، وأخرجه جماعة، وصححه الحاكم والذهبي من هذا الوجه، وكلّهم قالوا: "ثنا سفيان بن حبيب عن خالد الحذاء، غير أبي داود، فإنه قال: "حدثنا نصر بن علي قال: "سفيان بن حبيب خبرنا عن خالد الحذاء، فمن قرأها "خبرنا" مبنيا للمجهول أعله بالانقطاع، وليس كذلك لرواية الجماعة". وهي مخرجة في "صحيح أبي داود (999) للألباني". (التعليق على صحيح ابن خزيمة 3/179) .(2/565)
ورواه ابن ماجه وابن خزيمة، والطبراني كلهم من طريق إسماعيل1 ابن إبراهيم ثنا خالد الحذاء عن قلابة عن أبي المليح به2".
إلا أن ابن ماجه قال: "عن خالد الحذاء عن أبي المليح" بإسقاط "أبي قلابة".
ورواه ابن حبان من طريق خالد3 بن عبد الله الواسطي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح به4".
والبيهقي من طريق عبد الوهاب بن عطاء أنبأنا خالد عن أبي المليح به5".
قال محمد شمس الحق: "وقد اختلف على أبي المليح في هذا الحديث فقال قتادة عنه إنّ القصة وقعت في حنين".
وقال خالد الحذاء عنه: "إنها وقعت زمن الحديبية"6.
قلت: "وقد جاء ذلك عن قتادة أيضاً وهو ما رواه ابن حبان بإسناد صحيح من طريق شعبة عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فأصابتنا سماء لم تبل أسافل نعالنا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديه "أن صلوا في رحالكم" 7.
ويجمع بينهما بأن القصة تعددت، ولا مانع من وقوع مثل هذا في الحديبية وفي غزوة حنين8 ومما يؤيد وقوعه في حنين:
ما رواه أحمد وابن سعد من حديث سمرة بن جندب وهذا سياق أحمد:
____________________
1 إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم، أبو بشر البصري المعروف بابن علية، "ثقة حافظ" من الثامنة، (ت: "193) ./ع (التقريب 1/65-66 وتهذيب التهذيب 1/275 و6/2 و10/ 384) .
2 سنن ابن ماجه 1/302 كتاب إقامة الصلاة، باب الجامعة في الليلة المطيرة، وصحيح ابن خزيمة 3/80 والمعجم الكبير للطبراني 1/156".
3 خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان الواسطي، المزني مولاهم، ثقة ثبت من الثامنة (ت 182) ./ ع (التقريب1/215، وتهذيب التهذيب3/100) .
4صحيح ابن حبان 3/397ترتيب الأمير علاء الدين الفارسي وموارد الظمآن ص123".
5 السنن الكبرى 3/71".
6 عون المعبود 3/387".
7 صحيح ابن حبان 3/399 وموارد الظمآن ص 123".
8 انظر: "الفتح الرباني 5/188".(2/566)
252- قال حدثنا بهز1 ثنا أبان2 ثنا قتادة عن الحسن3 عن سمرة4 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين في يوم مطير: "الصلاة في الرحال".
ورواه أيضاً من طريق همام بن يحيى، وهشام الدستوائي كلاهما عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب به5".
ورواه ابن سعد من طريق همام بن يحيى أخبرنا قتادة عن الحسن عن سمرة به6".
والحديث فيه قتادة والحسن وهما مدلسان وقد عنعناه ولكن يؤيده حديث أبي المليح عن أبيه".
والحديثان يدلان على جواز قول "المؤذن" الصلاة في الرحال في الأذان، في حال المطر والليلة الباردة ونحو ذلك".
وعلى أن هذا الكلام ونحوه يجوز في الأذان لمن يحتاج إليه".
كما يدلان على جواز ترك حضور الجماعة في مثل هذا ونحوه7".
ومما تجدر الإشارة إليه هو هل هذا القول الصادر من المؤذن يكون في نفس الأذان أم بعد الانتهاء منه؟
اختلف العلماء نظرا لاختلاف الأحاديث الواردة في ذلك".
253- فقد ورد في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
1 بهز هو ابن أسد العمي أبو الأسود البصري "ثقة ثبت" تقدم في حديث (91) .
2 أبان: "هو ابن يزيد العطار "ثقة" له أفراد، تقدم في حديث 09) .
3 الحسن: "هو البصري "ثقة فاضل فقيه" يرسل كثيرا ويدلس تقدم في حديث (156) . وفي سماع الحسن من سمرة لغير حديث العقيقة خلاف معلوم".
4 سمرة بن جندب بن هلال الفزاري، حليف الأنصار، صحابي مشهور له أحاديث، (ت بالبصرة سنة 58) . / ع". (التقريب 1/333، تهذيب التهذيب 4/236) .
5 مسند أحمد 5/8، و13، و15، و19، و22، و74".
6 الطبقات الكبرى 2/156".
7 انظر: "فتح الباري 2/99 وكتاب الأم للشافعي 1/76".(2/567)
كان يأمر مؤذنا يؤذن ثم يقول على إثره: "ألا صلوا في رحالكم في الليلة الباردة أو1 المطيرة2 في السفر34".
وفي لفظ عنه أنه نادى بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر، فقال في آخر ندائه: "ألا صلوا في رحالكم ألا صلوا في رحالكم".
ثم قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن، إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر أن يقول: "ألا صلوا في رحالكم"5.
254- وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: "إذا قلت: "أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أنّ محمداً رسول الله، فلا تقل حي على الصلاة، قل: "صلوا في بيوتكم"6.
____________________
1 قوله: "في الليلة الباردة أو المطيرة".
قال ابن حجر: "أو" للتنويع لا للشك، وفي صحيح أبي عوانة "ليلة باردة أو ذات مطر أو ذات رياح" ثم قال ابن حجر: "ودل ذلك على أن كلا من الثلاثة عذر في التأخير عن الجماعة".
ونقل ابن بطال فيه الإجماع". لكن المعروف عند الشافعية أن الريح عذر في الليل فقط، وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل". لكن في السنن من طريق ابن إسحاق عن نافع في هذا الحديث "في الليلة المطيرة والغداة القرة" وفيها بإسناد صحيح من حديث أبي المليح عن أبيه "أنهم مطروا يوما فرخص لهم" ثم قال: "ولم أر في شيء من الأحاديث الترخيص بعذر الريح في النهار صريحة لكن القياس يقتضي الحاقة".وقد نقله ابن الرفعة وجها". (فتح الباري 2/113) .
2 وقوله أيضا: "في الليلة الباردة أو المطيرة".
قال الكرماني: "فعلية بمعنى فاعلة وإسناد المطر إليها مجاز، ولا يقال إنها بمعنى مفعولة - أي ممطور فيها - لوجود الهاء في قوله "مطيرة" إذ لا يصح ممطورة فيها". (فتح الباري 2/113) .
3 قوله:"في السفر"قال ابن حجر: ظاهره اختصاص ذلك بالسفر، ورواية مالك عن نافع الآتية مطلقة، وبها أخذ الجمهور، لكن قاعدةحمل المطلق على المقيد تقتضي أن يختص ذلك بالمسافر مطلقاً، ويلحق به من تلحقه مشقة في الحضر دون من لا تلحقه". (فتح الباري2/113) وانظر رواية مالك عن نافع في صحيح البخاري1/112كتاب الأذان، باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله".
4 صحيح البخاري1/107 كتاب الأذان باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة، وقول المؤذن: "الصلاة في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة".
5 صحيح مسلم 1/484 كتاب صلاة المسافرين، باب الصلاة في الرحال في المطر".
6 البخاري: "الصحيح 1/106 كتاب الأذان، باب الكلام في الأذان، 112 فيه باب هل يصلي الإمام بمن حضر، وهل يخطب يوم الجمعة في المطر، و2/6 كتاب الجمعة، باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر". ومسلم: "الصحيح 1/458 كتاب صلاة المسافرين، باب الصلاة في الرحال في المطر واللفظ له".(2/568)
فحديث ابن عمر صريح في أن القول المذكور بعد الفراغ من الأذان وحديث ابن عباس صريح في أنه في نفس الأذان".
قال النووي: "في حديث ابن عباس أن يقول: "ألا تصلوا في رحالكم" في نفس الأذان".
وفي حديث ابن عمر أنه قال في آخر ندائه".
والأمران جائزان نص عليهما الشافعي - رحمه الله تعالى - في الأم في كتاب الأذان".
وتابعه جمهور أصحابنا في ذلك، فيجوز بعد الأذان وفي أثنائه لثبوت السنة فيهما".
لكن قوله بعده أحسن ليبقى نظم الأذان على وضعه، ومن أصحابنا من قال: "لا يقوله إلا بعد الفراغ، وهذا ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ثم قال: "ولا منافاة بينه وبين حديث ابن عمر رضي الله عنهما لأن هذا جرى في وقت وذلك في وقت وكلاهما صحيح"1".
وقال ابن حجر: "وقال القرطبي2: "لما ذكر رواية مسلم بلفظ "يقول في آخر ندائه".
قال: "ويحتمل أن يكون المراد في آخره قبيل الفراغ منه، جمعا بينه وبين حديث ابن عباس".
ثم قال ابن حجر: "وقد قدمنا في "باب الكلام في الأذان" عن ابن خزيمة أنه حمل حديث ابن عباس على ظاهره وأن ذلك يقال بدلا من الحيعلة3 نظرا إلى المعنى، لأن المعنى "حي على الصلاة" هلموا إليها، ومعنى "الصلاة في الرحال" تأخروا عن المجيء، ولا يناسب إيراد اللفظين معا لأن أحدهما نقيض الآخر".
____________________
1 شرح النووي على صحيح مسلم 2/348 وانظر الأم للشافعي 1/76".
2 هو أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي الأنصاري، المحدث العلامة (578-656هـ) وكتابه يسمى "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم". وتذكرة الحفاظ للذهبي 4/1438 وشجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد بن محمد مخلوف ص 194 ومعجم المؤلفين لكحالة2/27) .
وقد وقع في مقدمة تحفة الأحوذي للمباركفوري 1/158: "أن وفاة القرطبي (665) وهو خطأ".
3 يعني: "حذف حي على الصلاة الخ وجعل بدلا منها "صلوا في رحالكم".(2/569)
ثم عقب ابن حجر على هذا بقوله: "ويمكن الجمع بينهما، ولا يلزم منه ما ذكر بأن يكون معنى "الصلاة في الرحال" رخصة لمن أراد أن يترخص، ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل الفضيلة ولو تحمل المشقة".
ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا، فقال: "ليصل من شاء منكم في رحله" 1.
ولعل ما ذهب إليه ابن حجر من الجمع بين الأحاديث أولى، للعمل بجميع الأحاديث، لأنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث بحمل كل على محمل صحيح تعين المصير إليه".
__________
1 فتح الباري 2/ 98 و 113، وانظر صحيح ابن خزيمة 3/12 حيث قال: "باب أمر الإمام المؤذن بحذف حي على الصلاة، والأمر بالصلاة في البيوت بدله".
وحديث جابر المشار إليه عند مسلم، تقدم في ص 551 تعليقة (3) .(2/570)
الحكم السابع: تعليم أبي محذورة الأذان
الأذان: لغة الإعلام، قال تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} ، [التوبة، من الآية: 3] .
وشرعا: "هو الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة1".
حكمه: "ذهب جمهور العلماء إلى أنّه من السنن المؤكدة، وذهب الأوزاعي2 وداود3 وابن المنذر4 إلى وجوبه مطلقا".
وقال ابن حجر: "وهو ظاهر قول مالك في الموطّأ5".
وحكي عن محمد بن الحسن". وقيل: "واجب في الجمعة فقط، وقيل فرض كفاية".
ثم قال ابن حجر: "ومنشأ الاختلاف أن مبدأ الأذان لما كان عن مشورة أوقعها النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حتى استقر برؤيا بعضهم فأقره كان ذلك بالمندوبات أشبه، ثم لما واظب على تقريره ولم ينقل أنه تركه ولا أمر بتركه ولا رخص في تركه، كان ذلك بالواجبات أشبه6".
____________________
1 النهاية لابن الأثير 1/34 وشرح النووي على صحيح مسلم 2/3 وفتح الباري 2/77 ونيل الأوطار 2/35، والمغني لابن قدامة 1/402".
2 هو عبد الرحمن بن عمرو تقدم في حديث (135) .
3 هو داود بن علي الحافظ الفقيه المجتهد أبو سليمان الاصبهاني، إمام الظاهرية (200-270هـ) . (تذكرة الحفاظ للذهبي 2/572-573) .
4 هو محمد بن إبراهيم بن المنذر". تقدم في حديث (56) .
5 الموطّأ 1/77".
6 فتح الباري 2/79،80 نيل الأوطار 2/36 وكذلك جاء الاختلاف في وجوب الإقامة وعدمه".(2/571)
وأما ابتداء مشروعية الأذان فكان في السنة الأولى من الهجرة على ما جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال:
255- كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون1 الصلوات وليس ينادي بها أحد فتكلموا يوما في ذلك، فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا2 مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم قرنا3 مثل قرن اليهود".
فقال عمر: "أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا بلال قم فناد4 بالصلاة" 5.
قال ابن حجر: "وحديث ابن عمر المذكور في هذا الباب ظاهر في أن الأذان إنما شرع بعد الهجرة، فإنه نفى النداء بالصلاة قبل ذلك مطلقا".
ثم قال: "وقد جزم ابن المنذر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد الله بن عمر ثم في حديث عبد الله بن زيد6".
وقال ابن خزيمة: "باب ذكر الدليل على أن بدء الأذان إنما كان بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأن صلاته بمكة إنما كانت من غير نداء لها ولا إقامة".
____________________
1 فيتحينون: "بحاء مهملة بعدها مثناة تحتانية ثم نون، أي يقدرون أحيانها وليأتوا إليها، والحين الوقت من الزمن". (فتح الباري 2/80) .
2الناقوس: "هو خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها، والنصارى يعلمون بها أوقات صلاتهم". (النهاية 5/106) .
3القرن: "هو البوق الذي ينفخ فيه ويزمر".
قال ابن حجر: "والبوق والقرن معروفان: "والمراد أنه ينفخ فيه فيجتمعون عند سماع صوته، وهو من شعار اليهود ويسمى أيضا "الشبور" بالشين المعجمة المفتوحة والموحدة المضمونة الثقيلة". (فتح الباري 2/81 ولسان العرب 6/60 و11/333 والقاموس المحيط 2/55 و3/215) .
4 قال ابن حجر: "كان اللفظ الذي ينادي به بلال للصلاة قوله "الصلاة جامعة" أخرجه ابن سعد في الطبقات من مراسيل سعيد بن المسيب". (فتح الباري 2/82، وطبقات ابن سعد 1/246) .
5 البخاري: "1/104 كتاب الأذان، باب بدء الأذان، ومسلم 1/285 كتاب الصلاة، باب بدء الأذان، واللفظ له".
6 فتح الباري 2/78و79 وانظر تخريج حديث عبد الله بن عمر برقم (255) .(2/572)
ثم قال: "قال أبو بكر: "في خبر عبد الله بن زيد1: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة إنما يجتمع الناس إليه للصلاة بحين مواقيتها بغير دعوة" 2.
وقد رويت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة قال ابن حجر: "والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث"3".
وأما سبب تعليم أبي محذورة الأذان فقد قصه هو بنفسه فيما رواه النسائي وابن ماجه وغيرهما وهذا سياق النسائي:
256- أخبرنا إبراهيم4 بن الحسن ويوسف5 بن سعيد، واللفظ له، قال: "حدثنا حجاج6 عن ابن جريج7 قال: "حدثني عبد العزيز8 بن أبي محذورة أن عبد الله9 بن محيريز أخبره، وكان يتيما في حجر أبي محذورة10 حتى11 جهزه إلى الشام،
____________________
1 عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، صاحب الأذان".
2 صحيح ابن خزيمة 1/189-190 و191-193 وانظر سيرة ابن هشام 1/508".
3 فتح الباري 2/77 و78، و79 ونيل الأوطار 2/35".
4 إبراهيم بن الحسن بن الهيثم الخثعمي، أبو إسحاق المصيصي المقسمي - بكسر الميم - ثقة من الحادية عشرة"./ د س فق". (التقريب 1/34 وتهذيب التهذيب 1/114) .
5 يوسف بن سعيد بن مسلم - بفتح اللام المشددة - المصيصي، ثقة حافظ من الحادية عشرة (ت 271 وقيل قبل ذلك) . /س". (التقريب 2/381 وتهذيب التهذيب 11/414) .
6 حجاج بن محمد المصيصي الأعور، أبو محمد الترمذي الأصل، نزل بغداد ثم المصيصة، ثقة ثبت، لكنه اختلط في آخر عمر، لما قدم بغداد قبل موته من التاسعة، (ت206) . /ع". (التقريب 1/154 وتهذيب التهذيب 2/205) . وفي تهذيب التهذيب هو أثبت أصحاب ابن جريج".
7 ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز "ثقة فقيه مدلس" تقدم وقد صرح هنا بالتحديث".
8 عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، الجمحي المكي، المؤذن، مقبول، من السادسة". /عم". (التقريب 1/510 وتهذيب التهذيب 6/347) وقال: "ذكره ابن حبان في الثقات". ولم يذكر فيه البخاري ولا ابن حاتم جرحا ولا تعديلا، غير أن البخاري قال: "سمع عبد الله بن محيريز (تاريخ البخاري 6/18 والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/388 وتاعبه مكحول انظر ص 894".
9 عبد الله بن محيريز تقدم في حديث (236) .
10 أبو محذورة الجمحي المكي مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي مشهور اختلف في اسمه واسم أبيه". / بخ م عم". مات أبو محذورة بمكة سنة 59 وقيل 79". (التقريب 2/469 وتهذيب التهذيب (12/222 والإصابة 4/176 والاستيعاب 4/177 مع الإصابة, وأسد الغابة 1/177 و2/456 و6/278) .
11 عند الشافعي وابن ماجه وابن حبان"حين" وهي أظهر في المعنى".(2/573)
قال: "قلت لأبي محذورة1: "إني خارج إلى الشام وأخشى2 أن أسأل عن تأذينك فأخبرني أن أبا محذورة قال له: "خرجت في نفر3 فكنا ببعض طريق حنين مقفل4 رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين5 فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق, فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون6, فظللنا7 نحكيه8 ونهزأ به, فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت9".
فأرسل إلينا10 حتى وقفنا بين يديه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟ فأشار القوم11 إلي وصدقوا, فأرسلهم كلهم وحبسني, فقال: قم فأذن بالصلاة, فقمت12 فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه قال: "قل: "الله أكبر الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر,13 أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن محمدا رسول الله, أشهد أن محمدا رسول الله.
____________________
1 وعند ابن ماجة والشافعي والبيهقي"فقلت لأبي محذورة: أي عم"وعند أحمد"يا عم".
2 وعند ابن ماجة وابن حبان: "وإني أسألك عن تأذينك"
3 النفر: "هو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة , ولا واحد له من لفظه". (النهاية 5/93) .
4 وعند أحمد والشافعي والبيهقي: "فقفل".
5 وعند البلاذري قال: "حدثني هدية بن خالد, ثنا همام عن ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أبا محذورة الأذان بالجعرانة ثم قسم غنائم حنين ثم جعله مؤذنا في المسجد الحرام". (أنساب الأشراف ص527) .
6 متنكبون: "أي معرضون". (النهاية 5/112) .ووقع عند الشافعي "متكئون".
7 وعند ابن ماجة "فصرخنا نحكيه ونهزأ به".
وعند أحمد والشافعي واليبيهقي: "فصرخنا نحكيه ونستهزئ به".
8 نحكيه: أي نفعل مثل فعله, يقال حكاه وحاكاه, إذا فعل مثل فعله". (النهاية 1/421, ومختار الصحاح ص148) .
9 وعند ابن حبان: "فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت , فقال: "أيكم يعرف هذا الذي أسمع الصوت؟ قال فجئ بنا فوقفنا بين يديه".
10 وعند ابن ماجة: "فأرسل إلينا قوما فأقعدونا بين يديه".
11 وعند الشافعي وأحمد والبيهقي: "فأشار القوم كلهم إلي".
12 وعند ابن ماجة والشافعي والبيهقي: "فقمت ولا شيء أكره إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مما يأمرني به فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين الخ".
13 وعند أحمد في هذا الحديث: "التكبير مرتين فقط".(2/574)
ثم قال: "ارجع فامدد صوتك1 ,ثم قال: "قل أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن محمدا رسول الله, أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة, حي على الصلاة, حي على الفلاح, حي على الفلاح, الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا لله".
ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة2
فقلت يا رسول الله, مرني3 بالتاذين بمكة, فقال: "قد أمرتك به".
فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأذنت معه بالصلاة4 عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم5".
والحديث رواه أبو داود وابن ماجة والشافعي وأحمد وابن حبان والطبراني كلهم من طريق ابن جريج به6".
____________________
1 وعندأحمد والبيهقي"فامدد من صوتك"وعند ابن ماجة: "ثم قال لي ارفع من صوتك" وهذا ما يسمى بالترجيع وهو العود إلى الشهادتين مرتين برفع الصوت بعد قولهما مرتين بخفض الصوت". وسيأتي خلاف العلماء في ذلك, ص (568) .
2 وعند ابن ماجة: "فأعطاني صرة فيها شيء من فضة, ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة ثم أمرها على وجهه, ثم على ثدييه, ثم على كبده, ثم بلغت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم سرة أبي محذورة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لك وبارك عليك" ونحو هذا عند أحمد والشافعي وابن حبان والطبراني والبيهقي".
3 وعند ابن ماجة والشافغي وأحمد وابن حبان والبيهقي فقلت: "يا رسول الله أمرتني بالتأذين بمكة؟ قال: "نعم قد أمرتك" فذهب كل شيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهية, وعاد ذلك كله محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة الخ".
4 وعند ابن حبان: "فكنت أأذن بمكة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم".
5 سنن النسائي 2/5 كتاب الأذان، باب كيف الأذان؟
6 أبو داود: "السنن 1/118 كتاب الصلاة، باب كيف الأذان، مختصراً".
وابن ماجه: "السنن 1/234-235 كتاب الأذان، باب الترجيع في الأذان".
والشافعي: "الأم 1/73، وأحمد: "المسند 3/409".
والطبراني: "المعجم الكبير 7/204-205". وابن حبان: "صحيح ابن حبان 3/141".
والحديث رواه من عدا أبا داود مطولا".
وزاد ابن ماجه والشافعي وأحمد وابن حبان والبيهقي في هذا الحديث".
قال ابن جريج: "وأخبرني بذلك من أدركت من آل أبي محذورة على نحو ما أخبرني ابن محيريز "لفظ البيهقي والباقون بمعناه".
وزاد الشافعي أيضا: "وأدركت إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة يؤذن كما حكى ابن محيريز".
وسمعته يحدث عن أبيه عن ابن محيريز عن أبي محذورة عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى ما حكى ابن جريج".(2/575)
ورواه الدارقطني والبيهقي والبغوي الجميع من طريق الشافعي1".
ورواه الترمذي من طريق إبراهيم بن عبد العزيز مختصرا وهذا سياقه:
قال: "حدثنا بشر بن معاذ البصري حدثنا إبراهيم2 بن عبد العزيز ابن عبد الملك بن أبي محذورة قال: "أخبرني أبي3 وجدي4 جميعا عن أبي محذورة5 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقعده وألقى عليه الأذان حرفا حرفا".
قال إبراهيم: "مثل أذاننا".
قال بشر: "فقلت له: "أعد عليّ فوصف الأذان بالترجيع".
قال أبو عيسى: "حديث أبي محذورة في الأذان حديث صحيح، وقد روي عنه من غير وجه".
وعليه العمل بمكة، وهو قول الشافعي6".
والحديث فيه أن عدد ألفاظ الأذان خمس عشرة كلمة مع تربيع التكبير في أوله، بدون ترجيع، ومع الترجيع تكون ألفاظ الأذان تسع عشرة كلمة.
ورواه أبو داود وابن حبان والطبراني والبيهقي الجميع من طريق محمد7 بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال: "قلت: "يا رسول الله علمني سنة الأذان، قال: "فمسح مقدم رأسي وقال: "تقول: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ثم ساق ألفاظ الأذان تسع عشرة كلمة مع الترجيع، ولم يذكر الإقامة.
____________________
1 الدارقطني: "السنن 2/233، والبيهقي: "السنن الكبرى 1/393 و419، البغوي: "شرح السنة 2/259-262".
2 قال عنه ابن حجر في التقريب 1/39: "صدوق يخطئ" وفي تهذيب التهذيب 1/141: "وثقه ابن حبان وضعفه آخرون".
3 هو عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة الجمحي "مقبول" تقدم في الحديث (256) .
4 هو عبد الملك بن أبي محذورة الجمحي "مقبول" انظرك التقريب 1/522 وتهذيب التهذيب 6/418".
5 اختلف في اسمه واسم أبيه تقدم في حديث (256) .
6 سنن الترمذي 1/123 كتاب الصلاة، باب ما جاء في الترجيع في الأذان".
7 محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة المكي، الجمحي المؤذن "مقبول" من السابعة". / د". (التقريب 2/186 وتهذيب التهذيب 9/317) .(2/576)
وزاد في آخره: "فإن كانت صلاة الصبح قلت: "الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله" 1.
ومن طريق أبي داود أخرجه البغوي2".
ورواه أبو داود أيضاً والطبراني كلاهما من طريق إبراهيم3 بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: "سمعت جدي عبد الملك بن أبي محذورة يذكر أنه سمع أبا محذورة يقول: "ألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان حرفاً حرفاً، ثم ساق ألفاظ الأذان مع الترجيع "تسع عشرة كلمة" ولم يذكر الإقماة أيضا".
وفي آخره قال: "وكان يقول في الفجر: "الصلاة خير من النوم"4.
ورواه الطبراني والدارقطني والبيهقي الجميع من طريق عبد الرزاق5.
وأبو داود من طريق أبي عاصم النبيل6 وعبد الرزاق كلاهما عن ابن جريج قال أخبرني عثمان7 بن السائب أخبرني أبي8 وأم عبد الملك9 ابن أبي محذورة عن أبي محذورة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة، وإبراهيم بن إسماعيل10".
ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي11".
____________________
1 سنن أبي داود1/119كتاب الصلاة، باب كيف الأذان".وابن حبان: صحيح ابن حبان 3/144، والطبراني: المعجم الكبير 7/207، والبيهقي: "السنن الكبرى1/394".
2 شرح السنة 2/263".
3 إبراهيم بن إسماعيل "مجهول" وضعفه الأزدي من السابعة". /د". (التقريب 1/32 وتهذيب التهذيب 1/105) .
4 سنن أبي داود 1/119 كتاب الصلاة، باب كيف الأذان، واللفظ له، والمعجم الكبير للطبراني 7/205-206".
5 المعجم الكبير للطبراني 7/206 وسنن الدارقطني 1/1235 والسنن الكبرى للبيهقي 1/393-394".
6 هو الضحاك بن مخلد".
7 عثمان بن السائب الجمحي المكي مولى أبي محذورة "مقبول". (التقريب2/9 وتهذيب التهذيب 7/117) .
8 هو السائب الجمحي المكي "مقبول". (التقريب2/622وتهذيب التهذيب3/451) .
9 أم عبد الملك زوج أبي محذورة "مقبولة" (التقريب 2/622 وتهذيب التهذيب 12/483) .
10 سنن أبي داود 1/117".
11 السنن الكبرى 1/422، والحديث في مصنف عبد الرزاق 1/457-459".(2/577)
ورواه النسائي والدارقطني كلاهما من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: "أخبرني عثمان بن السائب به".
ومن طريق الدارقطني أخرجه البيهقي".
ولفظه عند النسائي: "قال: "لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين خرجت عاشر عشرة1 من أهل مكة نطلبهم فسمعناهم يؤذنون بالصلاة فقمنا نؤذن نستهزئ بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت فأرسل إلينا فأذنا رجل رجل، وكنت آخرهم فقال حين أذنت تعال، فأجلسني بين يديه، فمسح على ناصيتي2 وبرك علي ثلاث مرات، ثم قال: "اذهب فأذن عند البيت الحرام" قلت: "كيف يا رسول الله؟ فعلمني كما تؤذنون الآن بها: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح".
قال: "وعلمني الإقامة مرتين: "ثم ساق ألفاظ الإقامة".
وفي آخر الحديث قال: "قال ابن جريج: "أخبرني عثمان هذا الخبر كله عن أبيه وعن أم عبد الملك بن أبي محذورة أنهما سمعا ذلك من أبي محذورة"3".
ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد وابن الجارود والدارمي وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والدارقطني والبيهقي الجميع من طريق عامر الأحول4".
____________________
1 عاشر عشرة: "أي واحد من عشرة".
قال ابن هشام في شرح قطر الندى ص 311 عند كلامه على العدد: "الثانية: "أن يضاف العدد إلى ما هو مشتق منه فتقول: "ثاني اثنين، وثالث ثلاثة، ورابع أربعة ومعناه واحد من اثنين، وواحد من ثلاثة، وواحد من أربعة، قال الله تعالى: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ} ، [سورة التوبة، من الآية: "40] ". وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} ، [المائدة، من الآية: "73] ".
2 وعند عبد الرزاق وأبي داود والبيهقي: "قال فكان: "أبو محذورة لا يجز ناصيته ولا يفرقها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح عليها".
3 سنن النسائي 2/7 كتاب الأذان في السفر، وسنن الدارقطني1/234". والسنن الكبرى للبيهقي 1/418".
4هو عامر بن عبد الواحد الأحول البصري".(2/578)
حدثني مكحول حدثه أن عبد الله بن محيريز حدثه أن أبا محذورة، حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة"1.
ثم ساق ألفاظ الأذان مع الترجيع، والإقامة مثنى مثنى".
ورواه مسلم من طريق عامر الأحول به2".
فذكر الأذان مثنى مثنى مع الترجيع الشهادتين".
فكان عدد ألفاظ الأذان مع الترجيع سبع عشرة كلمة مع تثنية التكبير في أوله وترجيع الشهادتين".
والحديث رواه عن أبي محذورة - رضي الله عنه - جماعة من التابعين بصور مختلفة روى إحداها مسلم في صحيحه وقد صحح الحديث الترمذي، وقال ابن خزيمة: "خبر أبي3 محذورة ثابت صحيح من جهة النقل"4. إهـ.
وقد اشتمل الحديث على الصور الآتية:
أ- ترجيع الشهادتين ن في الأذان".
ب- التكبير في أول الأذان أربع مرات، وأن عدد ألفاظ الأذان خمس عشرة كلمة، بدون ترجيع، وتسع عشرة كلمة مع الترجيع.
ج- التكبير في أوّل الأذان مرتين فقط مع الترجيع الشهادتين، بحيث يصبح عدد ألفاظ الأذان ثلاث عشرة كلمة بدون ترجيع، وسبع عشرة كلمة مع الترجيع5.
____________________
1 أبو داود: "السنن 1/118 كتاب الصلاة، باب كيف الأذان". والترمكذي: "السنن 1/124 كتاب الصلاة، باب ما جاء في الترجيع في الأذان".
والنسائي: "السنن 2/5 كتاب الأذان، باب كم الأذان، وباب كيف الأذان". وابن ماجه: "السنن 1/235 كتاب الأذان، باب الترجيع في الأذان". وأحمد: "المسند 6/401". وابن الجارود: "المنتقى ص 64". والدارمي: "1/216 السنن كتاب الصلاة، باب الترجيع في الأذان". وابن خزيمة: "الصحيح 1/195". وابن حبان: "صحيح ابن حبان 3/143 وموارد الظمآن ص 95". والطبراني: "المعجم الكبير 7/204، والدارقطني: "السنن 1/237 و238، والبيهقي: "السنن الكبرى 1/392 و416-417".
2 صحيح مسلم: "1/287 كتاب الصلاة، باب صفة الأذان".
3 في الأصل: "ابن أبي محذورة ولعل كلمة (0 ابن" خطأ".
4 صحيح ابن خزيمة 1/196".
5 صحيح مسلم 1/287 كتاب الصلاة، باب صفة الأذان".(2/579)
د- تثنية ألفاظ الإقامة سوى كلمة التوحيد في آخرها، بحيث يصبح عدد ألفاظ الإقامة خمس عشرة كلمة1".
هـ- الصورة السابقة مع تربيع التكبير في أولها فتكون ألفاظها سبع عشرة كلمة2".
و إفراد الإقامة سوى كلمتي التكبير وقد قامت الصلاة، فيكون عدد ألفاظها إحدى عشرة كلمة3".
ز- التثويب في أذان الفجر، وهو قول المؤذن بعد الحيعلة "الصلاة خير من النوم".
هكذا وردت هذه الصور في حديث أبي محذورة رضي الله عنه".
وسأعطي نبذة عن كل فقرة من هذه الفقرات ناقلا في ذلك بعض ما قاله علماؤنا في هذا باختصار، فأقول:
أ- الترجيع:
قال النووي: "وفي هذا الحديث حجة بينة ودلالة واضحة لمذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء أن الترجيع4 في الأذان ثابت مشروع، وهو العود إلى الشهادتين مرتين برفع الصوت بعد قولهما مرتين بخفض الصوت، وقال أبو حنيفة والكوفيون: "لا يشرع الترجيع عملا بحديث عبد الله بن زيد فإنه ليس فيه ترجيع، ثم قال النووي: "وحجة الجمهور هذا الحديث الصحيح، والزيادة مقدمة مع أن حديث أبي محذورة هذا متأخرا عن حديث عبد الله بن زيد، فإن حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين، وحديث عبد الله بن زيد في أول الأمر".
____________________
1 تقدم الحديث الوارد في ذلك ص (566) .
2 سنن أبي داود 1/118 كتاب الصلاة، باب كيف الأذان". وانظر تخريج الحديث ص (567) .
3 الحديث الوارد بذلك عند الدارقطني 1/236-238 والسنن الكبرى للبيهقي 1/114 وقال ابن حجر: "ورى الدارقطني وحسنه في حديث لأبي محذورة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يقيم واحدة واحدة". (فتح الباري 2/84) .
4 قال النووي: "واختلف أصحابنا في الترجيع هل هو ركن لا يصح الأذان إلا به؟ أم هو سنة ليس ركنا حتى لو تركه صح الأذان مع فوات كمال الفضيلة؟ على وجهين والأصح عندهم أنه سنة". (شرح النووي على صحيح مسلم 2/8) .(2/580)
وانضم إلى هذا كله عمل أهل مكة والمدينة وسائر الأمصار".
ثم قال: "وذهب جماعة من المحدثين وغيرهم إلى التخيير بين فعل الترجيع وتركه والصواب إثباته1". إهـ.
وبهذا يعلم أن الترجيع زيادة ثابتة في حديث أبي محذورة عند مسلم وغيره وأن القائلين بمشروعيته هم جمهور العلماء ومنهم مالك والشافعي وأحمد".
وأن القائلين بعدم مشروعيته هم الأحناف وقد حاول الطحاوي رد هذه الزيادة، فقال: "بعد أن ساق حديث أبي محذورة المشتمل على زيادة الترجيع "فهذا عبد الله بن زيد، لم يذكر في حديثه الترجيع، فقد خالف أبا محذورة في الترجيع في الأذان، فاحتمل أن يكون الترجيع الذي حكاه أبو محذورة إنما كان لأن أبا محذورة لم يمد بذلك صوته، على ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم منه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "ارجع وامدد صوتك" 2 هكذا اللفظ في الحديث فلما احتمل ذلك، وجب النظر، لنستخرج به من القولين قولا صحيحا، فرأينا ما سوى ما اختلف فيه من الشهادتين، أن (لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله) لا ترجيع فيه".
فالنظر على ذلك أن يكون ما اختلفوا فيه من ذلك، معطوفاً على ما أجمعوا عليه، ويكون إجماعهم، أن لا ترجيع في سائر الأذان غير الشهادة يقضي على اختلافهم في الترجيع في الشهادة وهذا الذي وصفنا وما بيناه من نفي الترجيع، قول أبي حنيفة، وأبي يوسف ومحمد - رحمهم الله تعالى - "3. إهـ.
فقد علل الطحاوي لرد زيادة الترجيع الوارد في حديث أبي محذورة بتعليلين:
____________________
1- احتمال أن أبا محذورة لم يكن يمد بذلك صوته على ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بمد صوته".
2- بأن هذا لم يرد في حديث عبد الله بن زيد".
وردّ الأوّل: "بأن في سنن أبي داود عن أبي محذورة قال: "قلت: "يا رسول الله علمني سنة الأذان قال: "فمسح مقدم رأسي، قال: "تقول: "الله أكبر، الله أكبر، الله
1 شرح النووي على صحيح مسلم 2/8".
2 انظر ص 563".
3 شرح معاني الآثار 1/130و131و132".(2/581)
أكبر، الله أكبر، ترفع بها صوتك، ثم تقول: "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمد رسول الله، تخفض بها صوتك، ثم ترجع صوتك بالشهادة: "أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله"، الحديث1.
وردّ الثاني: "بان الطحاوي نفسه قد قبل زيادة التثويب الواردة في حديث أبي محذورة دون حديث عبد الله بن زيد".
فقد قال: "كره قوم أن يقال في أذان الصبح (الصلاة خير من النوم) ".
واحتجوا في ذلك بحديث عبد الله بن زيد في الأذان الذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم تعليمه إياه بلالاً".
وخالفهم في ذلك آخرون، فاستحبوا أن يقال: "ذلك في التأذين للصبح بعد الفلاح".
وكان من الحجة لهم في ذلك أنه وإن لم يكن ذلك في حديث عبد الله بن زيد, فقد علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة بعد ذلك وأمره أن يجعله في الأذان للصبح".
فلما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة كان ذلك زيادة على ما في حديث عبد الله بن زيد, فوجب استعمالها 2".
وقد ردّ عليه المباركفوري - رحمه الله - بقوله: "فكذلك يقال إن الترجيع، وإن لم يكن في حديث عبد الله بن زيد، فقد علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة بعد ذلك، فلما علمه رسول الله أبا محذورة كان ذلك زيادة على ما في حديث عبد الله بن زيد فوجب استعماله"3".
وقال الشوكاني: "وذهب الشافعي ومالك وأحمد وجمهور العلماء - كما قال النووي - إلى الترجيع في الأذان ثابت لحديث أبي محذورة، وهو حديث صحيح مشتمل على زيادة غير منافية فيجب قبولها"4.
____________________
1 سنن أبي داود 1/117 كتاب الصلاة، باب كيف الأذان ويؤيد هذا أيضا قوله في الحديث الآخر: "علمني النبي صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة" انظر ص (567) .
2 شرح معاني الآثار 1/136 و137".
3 تحفة الأحوذي 1/475-569".
4 نيل الأوطار 2/42".(2/582)
ب وجـ- التكبير في أول الأذان أربع مرات، ومرتين فقط:
قال النووي عند شرحه لحديث أبا محذورة "هكذا وقع هذا الحديث في صحيح مسلم في أكثر الأصول" في أوله "الله أكبر مرتين فقط".
ووقع في غير مسلم الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أربع مرات، قال القاضي عياض - رحمه الله ـ: "ووقع في بعض طرق الفارسي1 في صحيح مسلم أربع مرات، وكذلك اختلف في حديث عبد الله بن زيد في التثنية والتربيع، والمشهور فيه التربيع، وبالتربيع قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء".
وبالتثنية قال مالك: "واحتج بهذا الحديث وبأنه عمل أهل المدينة وهم أعرف بالسنن".
واحتج الجمهور بأن الزيادة من الثقة مقبولة، وبأن التربيع عمل أهل مكة وهي مجمع المسلمين في المواسم وغيرها ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم"2".إهـ".
وقال الزيلعي: "وقال أبو عمر بن عبد البر: "وقد اختلفت الروايات عن أبي محذورة، إذ علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان بمكة عام حنين، فروي عنه فيه تربيع التكبير في أوله, وروي عنه بتثنيته ,والتربيع فيه من رواية الثقات الحفاظ, وهي زيادة يجب قبولها, والعمل عندهم بمكة في آل أبي محذورة بذلك إلى زماننا, وهو في حديث عبد الله بن زيد في قصة المنام ,وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد"3".
وقال الشوكاني: "والحق أن روايات التربيع أرجح لاشتمالها على الزيادة وهي مقبولة لعدم منافاتها وصحة مخرجها"4".
وقد عرفت أن عمدة القائلين بتثنية التكبير في أوّل الأذان هو حديث مسلم هذا".
____________________
1 هو أبو الحسين عبد الغفار بن محمد الفارسي ,الفسوي ثم النيسابوري التاجر كان سماعه صحيح مسلم من الجلودي سنة (365) وكان الفارسي ثقة صالحا صائنا محفوظا من الدين والدنيا, كان مشهورا برواية صحيح مسلم, سمع من أئمة الدنيا من الغرباء والطارئين وأهل بلده (ت448) (مقدمة النووي على شرح صحيح مسلم 1/6) .
2 شرح النووي على صحيح مسلم 2/8".
3 نصب الراية1/258".
4 نيل الأوطار 2/41-42".(2/583)
وقال عياض بأنه وقع في بعض طرق الفارسي في صحيح مسلم الله أكبر في أول الأذان أربع مرات1".
وقال ابن حجر: "قال ابن القطان2: "الصحيح في هذا التربيع التكبير وبه يصح كون الأذان تسع عشرة كلمة".
وقد يقع في بعض روايات مسلم بتربيع التكبير، وهي التي ينبغي أن تعد في الصحيح". إهـ".
ثم قال ابن حجر: "وقد رواه البيهقي من طريق إسحاق بن إبراهيم عن معاذ بن هشام بسنده، وفيه تربيع التكبير، وقال بعده: "رواه مسلم بن الحجاج، في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم عن معاذ بن هشام، وكذلك أخرجه أبو عوانة في "مستخرجه" من طريق علي بن المدني عن معاذ بن هشام3".
وأما كون التثنية عمل أهل المدينة وهم أعرف بالسنن، فيرد عليه بكون التربيع عمل أهل مكة وهي محط رحال العلماء والوافدين إليها في المواسم وغيرها من كل قطر بما فيهم أهل المدينة".
ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم4".
وبهذا يعلم أن تربيع التكبير في أول الأذان هو الراجح".
د، هـ- التكبير في أول الإقامة أربع مرات، ومرتين مع تثنية بقية الألفاظ سوى كلمة التوحيد:
جاء التكبير في أول الإقامة: "أربع مرات مع تثنية بقية ألفاظ الإقامة في حديث
____________________
1 شرح النووي على صحيح مسلم 2/8".
2 هو أبو الحسن علي بن محمد بن القطان الفاسي تقدم في حديث (63) .
3 التلخيص الحبير 1/196-197 والسنن الكبرى للبيهقي 1/392-393، ونيل الأوطار 2/49 وعون المعبود 2/182".
4 شرح النووي على صحيح مسلم 2/8".(2/584)
أبي محذورة من طريق عامر الأحول عن مكحول عن عبد الله ابن محيريز عن أبي محذورة وقد تقدم الحديث1".
وجاء تثنية ألفاظ الإقامة سوى كلمة التوحيد من طريق ابن جريج أخبرني عثمان بن السائب أخبرني أبي وأم عبد الملك عن أبي محذورة، وقد تقدم أيضا2".
و إفراد الإقامة سوى كلمتي التكبير، وقد قامت الصلاة:
ورد إفراد الإقامة عند الدارقطني والبيهقي كلاهما من طريق إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: "سمعت أبي وجدي يحدثان عن أبي محذورة أنه كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم فيفرد الإقامة، إلا أنه يقول: "قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة3".
ورواه البيهقي - أيضا - من طريق حجاج بن محمد قال: "قال ابن جريج: "أخبرني عثمان بن السائب أخبرني أبي وأم عبد الملك بن أبي محذورة عن أبي محذورة قال: "لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين، فذكر الحديث، وقال في التكبير في صدر الأذان أربعا".
قال: "وعلمني الإقامة مرتين: "الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله".
ثم قال البيهقي فذكر الإقامة مفردة كما ترى وصار قوله مرتين عائدا إلى كلمة الإقامة، وعلى ذلك تدل أيضا رواية عبد الرزاق4 عن ابن جريج حدثني عثمان بن السائب مولاهم عن أبيه الشيخ مولى أبي محذورة، وعن أم عبد الملك بن أبي محذورة أنهما سمعا ذلك من أبي محذورة فذكر الحديث نحو حديث حجاج وقال في آخره إذا أقمت فقلها مرتين قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة أسمعت؟
____________________
1 انظر تخريجه في ص (567) وراجع سنن الدارقطني 1/234-235".
2 انظر تخريجه في ص (566) .
3 سنن الدارقطني1/236 و237 و238والسنن الكبرى للبيهقي1/414 واللفظ له".
4 في المصنف 1/457-459".(2/585)
وزاد فكان أبو محذورة لا يجز ناصيته ولا يفرقها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح عليها1".
والخلاصة أن المشهور من المذاهب جماهير العلماء هو إفراد الإقامة وأن عدد ألفاظها إحدى عشرة كلمة وبذلك تظاهرت النصوص".
قال النووي: "واختلف العلماء في لفظ "الإقامة" فالمشهور من مذهبنا الذي تظاهرت عليه نصوص الشافعي رضي الله عنه، وبه قال أحمد وجمهور العلماء أن الإقامة إحدى عشرة كلمة، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله".
وقال الخطابي: "مذهب جمهور العلماء والذي جرى به العمل في الحرمين والحجاز والشام واليمن ومصر والمغرب إلى أقصى بلاد الإسلام أن الإقامة فرادى".
ثم قال رحمه الله: "ومذهب عامة العلماء أنه يكرر قوله: "قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، إلا مالكا فإن المشهور عنه أنه لا يكررها2".
وقال الشوكاني: "قال ابن سيد الناس3: "وقد ذهب إلى القول بأن الإقامة إحدى عشرة كلمة: "عمر بن الخطاب وابنه، وأنس بن مالك، والحسن البصري، والزهري والأوزاعي4 وأحمد وأبو ثور5 ويحيى بن يحيى6 وداود وابن المنذر7".
____________________
1 السنن الكبرى للبيهقي 1/418 وهذا الحديث رواه البيهقي من طريق الدارقطي، بإفراد الإقامة، لكن الحديث عند الدارقطني بهذا السند الذي رواه البيهقي وفيه: "تثنية الإقامة في جميع ألفاظها سوى كلمة التوحيد"، ولذلك فقد رد على البيهقي في ذلك صاحب الجوهر النقي بأن الحديث عند الدارقطني بتثنية الإقامة". (انظر سنن الدارقطني 1/234 والجوهر النقي 1/418-419) .
2 شرح النووي على صحيح مسلم 2/6".
3 هو أبو الفتح محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري الأندلسي الأصل المصري الشيخ العلامة الحافظ الأديب البارع، صاحب التصانيف (681-734هـ) . (تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1503 وطبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب السبكي 9/268-272 ومعجم المؤلفين لكحالة 11/269) .
4 هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي تقدم في حديث (135) .
5 هو إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي أبو ثور تقدم في حديث (235) .
6 لعله يحيى بن يحيى الليثي مولاهم القرطبي أبو محمد فقيه قليل الحديث". (التقريب 2/360) .
7 هو أبو بكر محمد بن إبراهيم تقدم في حديث 56) .(2/586)
وقال البيهقي: "ممن قال بإفراد الإقامة أيضا: "سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وابن سرين وعمر بن عبد العزيز".
وقال البغوي: "وهو قول أكثر العلماء1". إهـ".
قلت: " من أدلة هذا المذهب حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -:
257- قال: "أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة2".
258- وحديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه وفيه: "أن عدد الإقامة إحدى عشرة كلمة".
رواه أبو داود وأحمد والترمذي مختصراً".
وقال الترمذي: "حديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح3".
وقال أبو حنيفة: "الإقامة سبع عشرة كلمة فيثنيها كلها".
قال النووي: "وهذا المذهب شاذ4".
وقال الشوكاني: "وذهبت الحنفية والهادوية والثوري وابن المبارك وأهل الكوفة إلى أن ألفاظ الإقامة". مثل الأذان عندهم مع زيادة قد قامت الصلاة مرتين، واستدلوا بما في رواية عبد الله بن زيد عند الترمذي، وأبي داود، بلفظ: "كان أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم شفعاً شفعاً في الأذان والإقامة".
وروي معنى ذلك عن بلال".
وقد أعلها العلماء.
____________________
1 نيل الأوطار 2/46 وانظر شرح السنة للبغوي 2/255".
2 البخاري: "الصحيح 1/104 كتاب الأذان، باب الأذان مثنى مثنى".
ومسلم: "الصحيح 1/286 كتاب الصلاة، باب الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة".
وأبو داود: "السنن 1/121 كتاب الصلاة، باب في الإقامة".
والترمذي: "السنن 1/124 كتاب الصلاة، باب ما جاء في إفراد الإقامة".
والنسائي: "السنن 2/4 كتاب الأذان، باب تثنية الأذان".
وابن ماجه: "السنن 1/241 كتاب الأذان، باب في إفراد الإقامة".
3 أبو داود: "السنن 1/116 كتاب الصلاة، باب كيف الأذان".
وأحمد: "المسند 4/42-43 والترمذي: "السنن 1/122 كتاب الصلاة، باب ما جاء في بدء الأذان".
4 شرح النووي على صحيح مسلم 2/6".(2/587)
غير أن الشوكاني: "دافع عنها وأيدها بحديث أبي محذورة الوارد فيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة" 1 قال: "وهو حديث صححه الترمذي وغيره". فيكون ناسخا لحديث "أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" لتأخره عن حديث بلال، لأن أبا محذورة من مسلمة الفتح، وبلالاً أمر بإفراد الإقامة أول ما شرع الأذان".
ثم قال: "وإذا عرفت هذا تبين لك أن أحاديث تثنية الإقامة صالحة للاحتجاج كما أسلفناه".
وأحاديث إفراد الإقامة وإن كانت أصح منها لكثرة طرقها وكونها في الصحيحين، ولكن أحاديث التثنية مشتملة على الزيادة، فالمصير إليها لازم لا سيما مع تأخر تاريخ بعضها كما عرفناك2". إهـ".
فقد تبين من هذا أن أحاديث إفراد الإقامة أصح وأكثر وأن القائلين بها هم جماهير العلماء، وقد قيل للإمام أحمد بن حنبل:
أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد، لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة، قال: "أليس قد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأقر بلالاً على أذان عبد الله بن زيد".
قال الشوكاني: "ولكن هذا متوقف على نقل صحيح أن بلالاً أذن بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأفرد الإقامة، ومجرد قول أحمد بن حنبل لا يكفي، فإن ثبت ذلك، كان دليلاً لمذهب من قال بجواز الكلّ ويتعين المصير إليهما؛ لأن فعل كل واحد من الأمرين عقب الآخر مشعر بجواز الجميع لا بالنسخ"3".
وأقول لعل الأسلم في ذلك هو القول بجواز الكل ما دام أن الجميع قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جعله ابن خزيمة وابن حبان من الاختلاف المباح4".
____________________
1 انظر: "ص 567".
2 نيل الأوطار 2/46".
3 نيل الأوطار 2/48".
4 صحيح ابن خزيمة 1/194 وصحيح ابن حبان 3/143".(2/588)
وقال ابن عبد البر: "ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي، ومحمد بن جرير الطبري إلى إجازة القول بكل ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وحملوه على الإباحة والتخيير، قالوا: "كل ذلك جائز لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم جميع ذلك وعمل به أصحابه، فمن شاء قال: الله أكبر أربعا في أول الأذان، ومن شاء ثنى الإقامة, ومن شاء أفرد، إلا قوله:"قد قامت الصلاة"فإن ذلك مرتان على كل حال1".إهـ.
وأشار ابن قيم الجوزي أيضا إلى أن هذا ونحوه من الخلاف المباح الذي لا يعنف فيه من فعله , ولا من تركه2.
ز- التثويب في أذان الفجر وهو قول المؤذن في أذان الفجر بعد الحيعلتين: "الصلاة خير من النوم, الصلاة خير من النوم"3.
وقد ورد التثويب في حديث أبي محذورة من طريق محمد بن عبد المالك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال: "يا رسول الله علِّمني سنة الأذان، قال: "فمسح على رأسي، وقال: "تقول: "الله أكبر، الخ". ثم ساق ألفاظ الأذان".
وفي آخر الحديث قال: "فإن كانت صلاة الصبح قلت: "الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر ,الله أكبر, لا إله إلا الله".
ومن طريق إبراهيم بن إسماعيل ابن عبد الملك بن أبي محذورة، قال: "سمعت جدي عبد الملك بن أبي محذورة يذكر أنه سمع أبا محذورة به".
ومن طريق ابن جريج قال: "أخبرني عثمان بن السائب به4".
وقد روي التثويب - أيضاً - من حديث بلال عند الترمذي وابن ماجة وأحمد, بإسناد فيه انقطاع5".
____________________
1 نيل الأوطار 2/47".
2 زاد المعاد 1/275, أثناء كلامه على خلاف العلماء في دعاء القنوت".
3 هل هذا القول في الأذان الأول أو في الأذان الثاني خلاف بين العلماء".
4 انظر ص565و566 وسنن الدارقطني 1/237 و238".
5 سنن الترمذي 1/127كتاب الصلاة". باب ما جاء في التثويب في صلاة الفجر وسنن ابن ماجة /237كتاب الأذان, باب السنة في الأذان, ومسند أحمد6/14".(2/589)
ومن حديث عبد الله بن عمر عند الدارقطني والبيهقي والطبراني1".
قال ابن حجر: "وسنده حسن2".
ومن حديث أنس بن مالك3 عند ابن خزيمة والدارقطني والبيهقي، قال: "من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: "حي على الفلاح، قال: "الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، مرتين، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله" 4.
قال الشوكاني: "قال ابن سيد الناس اليعمري: "وهذا إسناد صحيح".
وفي الباب عائشة عند ابن حبان".
وعن نعيم النحام عند البيهقي5".
قال الشوكاني: "وقد ذهب إلى القول بشرعية التثويب: "عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصري وابن سيرين والزهري ومالك والثوري وأحمد وإسحاق، وأبو ثور وداود وأصحاب الشافعي، وهو رأي الشافعي في القديم".
ومكروه عنده في الجديد، وهو مروي عن أبي حنيفة".
ثم قال: "واختلفوا في محله فالمشهور أنه في صلاة الصبح فقط".
ثم نقل عن بعض العلماء بأنه سنة في جميع الصلوات، وعن بعضهم أنه يستحب في أذان العشاء".
ثم قال: "والأحاديث لم ترد بإثباته إلا في صلاة الصبح لا في غيرها، فالواجب الاقتصار على ذلك، والجزم بأن فعله في غيرها بدعة كما صرح بذلك ابن عمر وغيره6".
ثم قال: "وذهبت العترة7 والشافعي في أحد قوليه إلى أن التثويب بدعة".
____________________
1 سنن الدارقطني 1/243، والسنن الكبرى للبيهقي 1/423".
2 التلخيص الحبير 1/201".
3 قال ابن حجر في التلخيص الحبير 1/201 وصححه ابن السكن".
4 صحيح ابن خزيمة1/202وسنن الدارقطني1/243والسنن الكبرى للبيهقي1/423".
5 نيل الأوطار2/43 والحديث في السنن الكبرى للبيهقي1/423، وانظر: "مجمع الزوائد للهيثمي 1/330".
6 حديث ابن عمر عند أبي داود من طريق مجاهد قال: "كنت مع ابن عمر فثوب رجل في الظهر أو العصر قال: "أخرج بنا فإن هذه بدعة". (سنن أبي داود 2/241 كتاب الصلاة، باب في التثويب) .
7 العترة: "- بكسر أوّله - المراد به هنا قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (المصباح المنير 2/464) .(2/590)
قال في البحر1: "أحدثه عمر بن الخطاب، فقال ابنه: "هذه بدعة".
وعن عليّ - رضي الله عنه - حين سمعه: "قال: "لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه".
ثم قال بعد أن ذكر حديث أبي محذورة وبلال الوارد فيهما لفظ التثويب".
قلنا: "لو كان لما أنكره علي وابن عمر، وطاوس، سلمنا فأمرنا به إشعارا في حال لا شرعا جمعا بين الآثار، انتهى قول صاحب البحر".
وقد رد عليه الشوكاني: "بقوله: "وأقول قد عرفت مما سلف رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم والأمر به على جهة العموم من دون تخصيص بوقت دون وقت، وابن عمر لم ينكر مطلق التثويب بل أنكره في صلاة الظهر".
ورواية الإنكار عن عليّ - رضي الله عنه - بعد صحتها لا تقدح في مروي غيره لأن المثبت أولى ومن علم حجة على من لا يعلم، والتثويب ثابتة فالقول بها لازم"2".
وخلاصة القول أن الأمر بالتثويب في صلاة الفجر، ورد في أحاديث كثيرة منها الصحيح والحسن والضعيف" وهي زيادة ثابتة فيتعين قبولها".
__________
1 البحر الزخار الجامع لمذاهب الأمصار، لمؤلفه: الإمام المهدي أحمد بن يحيى بن المرتضى ولد سنة (775) وتوفي سنة: "840) . (البدر الطالع للشوكاني:1/122-126) .
2 نيل الأوطار 2/43 وشرح معاني الآثار للطحاوي 1/136-137، وشرح السنة للبغوي 2/264-267، وتحفة الاوذي للمباركفوري 1/592-595".(2/591)
الحكم الثامن: إقامة الحدّ في دار الحرب
الحد في اللغة: "المنع والفصل بين الشيئين، فكأن حدود الشرع فصلت بين الحلال والحرام".
وفي الشرع: "هي عقوبة مقدرة شرعا في معصية لتمنع من الوقوع في مثلها1".
وفي هذه الغزوة التي نحن بصدد الحديث عنها جيء برجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سكر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان عنده فضربوه بما كان في أيديهم وحَثَا صلى الله عليه وسلم عليه التراب، ردعا له جزاء ما ارتكب وتطهيرا له مما علق به من دنس المعصية".
وقد ورد في هذا ما رواه أبو داود والنسائي وأحمد والطحاوي وغيرهم وهذا سياقه عند الطحاوي:
259- حدّثنا عليّ2 بن شيبة قال حدّثناروح3 بن عبادة قال ثنا أسامة4 بن زيد قال: "حدثني ابن شهاب قال: "حدثني عبد الرحمن5 بن أزهر الزهري قال:
____________________
1 النهاية1/352 والقاموس المحيط1/286، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف لأبي الحسن المرداوي10/150، وتيسير العلام لعبد الله بن عبد الرحمن آل بسام 2/334 والفقه على المذاهب الأربعة5/7، 8، 48".
2 علي بن شيبة بن الصلت بن عصفور أبو الحسن السدوسي مولاهم، وهو أخو يعقوب بن شيبة، بصري سكن بغداد ثم انتقل إلى مصر فسكنها وحدث بها عن قبيصة بن عقبة ويحيى بن يحيى النيسابوري، والحسن بن موسى الأشيب وغيرهم، ورى عنه عبد العزيز بن أحمد الغافقي وغيره من المصريّين أحاديث مستقيمة (ت 272) . (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي11/436وشرح معاني الآثار1/27و35) .
3 هو ابن العلاء أبو محمد البصري "ثقة فاضل" تقدم في حديث 0 142) .
4 أسامة بن زيد الليثي مولاهم، أو زيد المدني "صدوق يهم". (التقريب 1/53 وتهذيب التهذيب 1/208-210) .
5 عبد الرحمن بن أزهر الزهري صحابي صغير تقدم في حديث (114) .(2/592)
"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يتخلل الناس - أي يدخل بينهم - يسأل1 عن منزل خالد بن الوليد، فأتي بسكران فأمر من كان عنده فضربوه بما كان في أيديهم، ثم حثا عليه التراب - أي: "رمى بيده عليه التراب - ثم أتي أبو بكر بسكران فتوخّي2 الذي كان من ضربهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه أربعين" 3.
والحديث رواه أبو داود عن الحسن4 بن علي أخبرنا عثمان5. ابن عمر أخبرنا أسامة بن زيد عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة6 الفتح - وأنا غلام شاب - يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد فأتي بشارب فأمرهم فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من ضربه بالسوط، ومنهم من ضربه بعصا، ومنهم من ضربه بنعله، وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب، فلما كان أبو بكر أُتي بشاربٍ فسألهم عن ضرب النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي ضرب فحزروه، فضرب أبو بكر أربعين، فلما كان عمر كتب إليه خالد بن الوليد أن الناس قد انهمكوا في الشرب
____________________
1 وسبب السؤال عن منزل خالد بينه ما رواه عبد الرزاق والحميدي وأحمد وأبو عوانة الجميع من طريق معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "جرح خالد بن الوليد يوم حنين فمربي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام وهو يقول من يدل على رحل خالد بن الوليد؟ فخرجت أسعى بين يدي رسول الله وأنا أقول: "من يدل على رحل خالد بن الوليد؟ حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستند إلى رحل قد أصابته جراحة فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده، ودعا له". قال: "وأرى فيه: "ونفث عليه" لفظ الحميدي".
والقائل: "وأرى فيه: "ونفث عليه" هو الزهري فعند أحمد وأبي عوانة: "قال الزهري: "وحسبت أنه قال: "ونفث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم".
(مصنف عبد الرزاق 5/380-381 ومسند الحميدي 2/398 ومسند أحمد 4/88 و350-351 ومسند أبي عوانة 4/203) .
2 "تَوَخَّي": "أي قصد يقال: "توخيت الشيء أتوخاه توخيا، إذا قصدت إليه وتعمدت فعله، وتحريت فيه". (النهاية 5/164-165) .
(شرح معاني الآثار 3/156) .
4 هو الحلواني "ثقة حافظ" التقريب 1/168".
5 عثمان بن عمر بن فارس العبدي بصري أصله من بخاري، ثقة، قيل: "كان يحيى بن سعيد لا يرضاه، من التاسعة (ت209) . /ع". (التقريب 2/13 وتهذيب التهذيب 7/142 وقد وقع في التقريب الطبعة المصرية أن وفاته سنة (290) وهو خطأ".
6 قوله: "غداة الفتح"، قال ابن حجر: "وقع عند ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أزهر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام عام الفتح بمكة يسأل عن منزل خالد بن الوليد فأتى بشارب قد سكر فأمرهم أن يضربوه" إهـ".
ثم قال: "وقوله: "مكة، وهم منه، والذي في سياق الحديث بحنين وهو المحفوظ". (الإصابة 2/389-390، والجرح والتعديل 5/208) .(2/593)
وتحاقروا الحدّ والعقوبة قال: "هم عندك فسلهم - وعنده المهاجرون الأولون - فسألهم فأجمعوا على أن يضرب ثمانين".
قال وقال علي: "إن الرجل إذا شرب افترى فأرى أن يجعله كحد الفرية"1".
ورواه عمر بن شيبة عن عثمان بن عمر به2".
ورواه أحمد عن عثمان بن عمر ثنا أسامة بن زيد به إلى قوله: "وحثا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب" 3".
ورواه النسائي والحاكم من طريق صفوان4 بن عيسى أنبأنا أسامة ابن زيد عن الزهري قال: "حدثني عبد الرحمن بن أزهر - رضي اله عنه - قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد فأتي بسكران فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان عنده أن يضربوه بما كان في أيديهم، قال: "وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب في وجهه".
قال: "ثم أُتِيَ أبو بكر رضي الله عنه بسكران فَتَوَخَّى الذي كان من ضربهم يومئذ فضرب أربعين وضرب عمر - رضي الله عنه - أربعين"5".
ورواه البيهقي من طريق روح بن عبادة ثنا أسامة بن زيد عن ابن شهاب، حدثني عبد الرحمن بن أزهر الزهري - رضي الله عنه - قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد وأُتِىَ بسكران، فأمر من كان عنده فضربوه بما كان في أيديهم وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه من التراب" 6.
____________________
1 سنن أبي داود 2/475 كتاب الحدود، باب إذا تتابع في شرب الخمر". والفرية المراد بها هنا: "رَمْيُ الغير بالزنى".
2 تاريخ المدينة 2/731".
3 المسند 4/350".
4 صفوان بن عيسى الزهري، أبو محمد البصري القسام، ثقة، من الخامسة (ت 200هـ) وقيل قبلها بقليل أو بعدها". / خت م عم". (التقريب 1/368 وتهذيب التهذيب 4/429-430) .
5 السنن الكبرى للنسائي كما في تحفة الأشراف للمزي 7/191-192 حديث (9685) ، الحاكم: " المستدرك 4/374-375".
6 السنن الكبرى للبيهقي 9/103".(2/594)
ورواه أحمد عن زيد1 بن الحباب ثنا أسامة بن زيد عن الزهري به إلى قوله: "بما كان في أيديهم" 2.
ورواه أبو داود والطحاوي من طريق ابن وهب قال أخبرني أسامة ابن زيد الليثي عن ابن شهاب حدثه عن عبد الرحمن بن أزهر، قال: "كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن وهو في الرحال يلتمس رحل خالد بن الوليد يوم حنين فبينما هو كذلك، أتي برجل قد شرب الخمر، فقال للناس "اضربوه" فمنهم من ضربه بالنعال، ومنهم من ضربه بالعصا، ومنهم من ضربه بالميتخة 3 - يريد الجريدة الرطبة - ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ترابا من الأرض فرمى به في وجهه" 4.
ورواه النسائي من طريق صالح 5 بن كيسان عن الزهري بلفظ "أن عبد الرحمن بن أزهر كان يحدث أنه حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحديث6.
ورواه الشافعي عن معمر بن راشد عن الزهري عن عبد الرحمن ابن أزهر قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين سأل عن رحل خالد بن الوليد فجريت بين يديه أسأل عن رحل خالد بن الوليد حتى أتاه جريحاً وأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب فقال: "اضربوه" فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه من التراب، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم بكتوه فبكتوه ثم أرسله".
قال فلما كان أبو بكر - رضي الله عنه - سأل من حضر ذلك المضروب فقومه أربعين
____________________
1 زيد بن الحباب - بضم المهملة وموحدتين - أبو الحسين العكلي - بضم المهملة وسكون الكاف - أصله من خراسان، وكان بالكوفة، ورحل في الحديث فأكثر منه، وهو صدوق يخطئ في حديث الثوري، من التاسعة (ت 2039 / م عم". (التقريب 1/273 وتهذيب التهذيب 3/402-403، وقد رمز له الذهبي في ميزان الاعتدال 2/100 بصح إشارة إلى أنه ثقة".
2 مسند أحمد 4/350".
3 الميتخة: "بكسر الميم وسكون التحتية وبعدها مثناة فوقية ثم خاء معجمة- اختلف في ضبطها على أوجه هذا أحدها، فسرها ابن وهب في الحديث بالجريدة الرطبة". (النهاية 4/291-292 وعون المعبود 12/194-195) .
4 سنن أبي داود 2/474-475 كتاب الحدود، باب إذا تتابع في شرب الخمر، والطحاوي: "شرح معاني الآثار 3/155-156 واللفظ له".
5 صالح بن كيسان المدني، أبو محمد، أو أبو الحارث، مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز ثقة ثبت فقيه، من الرابعة (ت بعد سنة 130 أو بعد الأربعين) . / ع". (التقريب 1/362 وتهذيب التهذيب 4/399) .
6 تحفة الأشراف 7/192 عن سنن النسائي الكبرى في الحدود حديث (9685) .(2/595)
فضرب أبو بكر في الخمر أربعين حياته ثم عمر - رضي الله عنه - حتّى تتابع الناس في الخمر فاستشار فضربه ثمانين"1".
والخلاصة؛ أن أسامة بن زيد اللّيثي روى هذا الحديث عن الزهري بلفظ "حدثني عبد الرحمن بن أزهر" ورواه صالح بن كيسان ومعمر بن راشد ويونس2 بن يزيد الأيلي كلّهم عن الزهري فلم يصرحوا في روايتهم بتحديث عبد الرحمن بن أزهر للزهري".
وصرّح بالتحديث من بين أصحاب الزهري أسامة بن زيد اللّيثي، وهو: "صدوق يهم"، وخالفه عقيل3 بن خالد فوسط بين الزهري وبين عبد الرحمن بن أزهر: "عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر".
قال ابن حاتم سألت أبي 4 وأبا زرعة5 عن حديث رواه أسامة ابن زيد عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن خالد بن الوليد وأنا غلام شاب وأُتي بشارب وأمرهم فضربوه فمنهم من ضربه بنعله، وذكرت لهما الحديث".
فقالا: "لم يسمع الزهري هذا الحديث من عبد الرحمن بن أزهر، يدخل بينهما عبد الله 6 بن عبد الرحمن بن أزهر".
قلت لهما: "من يدخل بينهما ابن عبد الرحمن بن أزهر؟
قالا: "عقيل بن خالد 7".
قلت: "رواية عقيل بن خالد المشار إليها أخْرَجَها أبو داود والنسائي والطبراني والدارقطني، الجميع من طريق ابن السرح وهذا سياقه عند أبي داود:
____________________
1 مسند الشافعي 6/230-231 مع الأم، وتاريخ البخاري 5/240".
2 رواية يونس عند أبي عوانة في مسنده 4/203".
3 عقيل ثقة ثبت، تقدم في حديث (63) .
4 هو محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي تقدم في حديث (74) .
5 هو عبيد الله بن عبد الكريم تقدم في حديث (74) .
6 عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر الزهري، المدني مقبول من الثالثة"./ د". (التقريب1/427 وتهذيب التهذيب 5/290 وقال: "ذكره ابن حبان في الثقات) .
7 علل الحديث 1/446-447 وانظر التلخيص الحبير 4/75".(2/596)
حدثنا ابن السرح1 قال: "وجدت2 في كتاب خالي عبد الرحمن3 ابن عبد الحميد عن عقيل أن ابن شهاب أخبره أن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أزهر أخبره عن أبيه قال: "أُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشارب وهو بحنين4 فحثا في وجهه التراب، ثم أمر أصحابه فضربوه بنعالهم وما كان في أيديهم حتى قال لهم: "ارفعوا فرفعوا".
فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم5، ثم جلد أبو بكر في الخمر أربعين ثم جلد عمر أربعين صدراً من إمارته ثم جلد ثمانين في آخر خلافته، ثم جلد عثمان الحدين كليهما ثمانين وأربعين، ثم أثبت معاوية الحد ثمانين"6".
إلا أن الطبراني جعل هذا الحديث من مسند أزهر والد عبد الرحمن".
قال ابن حجر: "أورد الطبراني في ترجمة أزهر7 هذا عن أحمد بن محمّد بن نافع الطحان عن أحمد بن عمرو بن السرح قال وجدت في كتاب خالي عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن أزهر عن أبيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِىَ بشارب وهو بحنين" الحديث".
وهذا وهم من الطبراني أو من شيخه فقد أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن
____________________
1 أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح - بمهملات - أبو الطاهر المصري المصري، ثقة من العاشرة (ت 255) ./م د س ق". (التقريب 1/23 وتهذيب التهذيب 1/64) .
2 عند الدارقطني "قرأت" والوجادة: "مصدر وجد مولد غير مسموع من العرب وهي أن يقف على أحاديث بخط راويها غير المعاصر له، أو المعاصر ولم يلقه، أو لقيه ولم يسمع منه أو سمع منه ولكن لا يروي الواجد تلك الأحاديث الخاصة عنه بسماع ولا إجازة، فله أن يقول: "وجدت أو قرأت بخط فلان" ... إلخ".
وهذا النوع من باب المنقطع وفيه شوب اتصال، بقوله: "وجدت بخط فلان".
(تدريب الراوي ص 281-282 وقد قال ابن حجر في تهذيب التهذيب 6/219 بأن ابن السرح روى عن خاله سماعا ووجادة) .
3 عبد الرحمن بن عبد الحميد بن سالم المهري - بفتح الميم وسكون الهاء- أبو رجاء المصري، المكفوف، ثقة من التاسعة (ت192) ./د س". (التقريب 1/489 وتهذيب التهذيب 6/219) .
4 عند الطبراني: "وهو بخيبر" وهو خطأ وقد أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 6/278-279 بلفظ "وهو بحنين" والحديث عند أبي داود والنسائي والدارقطني من طريق ابن السرح بلفظ "وهو بحنين".
5 عند الدارقطني "فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك السنة ثم جلد أبو بكر الخ" وعند الطبراني: "فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك سنته".
6 سنن أبي داود 2/475 كتاب الحدود، باب إذا تتابع في شرب الخمر". وسنن النسائي الكبرى في الحدود كما في تحفة الأشراف للمزي 7/191 حديث: "96858". والمعجم الكبير للطبراني 1/317". وسنن الدارقطني 3/158".
7 هو أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري عم عبد الرحمن بن عوف، ووالد عبد الرحمن بن أزهر". (الإصابة 1/29-30) .(2/597)
السرح بهذا الإسناد عن الزهري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر عن أبيه، فالحديث من مسند ابن أزهر وهكذا رواه صالح1 بن كيسان عن الزهري، عن عبد الرحمن بن أزهر نفسه لم يقل عن أبيه، وكذا رواه أبو سلمة2 بن عبد الرحمن ومحمد3 بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن أزهر نفسه"4".إهـ".
قلت: "رواية أبي سلمة ومحمد بن إبراهيم التيمي أخرجها النسائي والدارقطني عنهما عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "أتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب يوم حنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: "قوموا إليه، فقام الناس إليه فضربوه بنعالهم".
وأخرجها الدارقطني أيضاً عن الزهري عن عبد الرحمن 5".
وقد تبين مما تقدم أن الزهري لم يسمع هذا الحديث من عبد الرحمن بن أزهر وإنما سمعه من عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر عن أبيه، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر".
قال عنه ابن حجر في التقريب "مقبول" 6.
والحديث رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن إبراهيم التيمي كلاهما عن عبد الرحمن بن أزهر".
وقد ذكر ابن أبي حاتم وابن عبد البر وابن الأثير بأنهما رويا عن عبد الرحمن بن أزهر، وروايتهما عند النسائي والدارقطني 7.
____________________
1 تقدمت رواية صالح ص (583) .
2أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، المدني قيل اسمه عبد الله، وقيل إسماعيل، ثقة مكثر، من الثالثة (ت 194) وكان مولده سنة بضع وعشرين". /ع". (التقريب 2/430 وتهذيب التهذيب 12/115-118) .
3 محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي، أبو عبد الله، المدني، ثقة له أفراد، من الرابعة (ت120) .على الصحيح"./ ع". (التقريب2/140وتهذيب التهذيب9/5-7".
4 الإصابة 1/29-30، والمعجم الكبير للطبراني 1/317".
5 تحفة الأشراف 7/192 عن سنن النسائي الكبرى في الحدود". وسنن الدارقطني 3/157-158".
6 انظر: "حاشية ص (584) تعليقة (6) .
7 الجرح والتعديل لأبن أبي حاتم 5/208-209 والاستيعاب 2/406 وأسد الغابة 3/424-426".(2/598)
فيحتمل أنهما سمعا منه مباشرة، ويحتمل أنهما رويا عنه بواسطة، والواسطة محتملة أن تكون "عبد الله بن عبد الرحمن" ويحتمل أن يكون غيره".
وقد ذكر ابن حجر نقلا عن ابن مندة بأن وفاة عبد الرحمن بن أزهر كانت في الحرة، ووقعة الحرة كانت سنة أربع وستين1".
كما ذكر بأن ولادة أبي سلمة بن عبد الرحمن كانت سنة بضع وعشرين2 والبضع من ثلاث إلى تسع3، فإذا أخذنا بآخر إطلاقاته فتكون ولادة أبي سلمة سنة تسع وعشرين، فيكون عمره عند وفاة عبد الرحمن بن أزهر خمسا وثلاثين سنة 4".
وكلاهما مدنيان فيحتمل احتمالا قويا سماعه من عبد الرحمن بن أزهر ولو ثبت هذا فيكون السند متصلا ورجاله ثقات وعندها يكون الحديث صحيحاً".
والحديث جاء في معناه حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في غزاة إلى بعير من المغنم الحديث وفيه: "وجاهدوا الناس في الله القريب والبعيد، ولا تبالوا في الله لومة لا ئم، وأقيموا حدود الله في الحضر والسفر"5.
قال الشوكاني: "وحديث عبادة بن الصامت أخرج أوله الطبراني في الأوسط والكبير".
قال في مجمع الزوائد: "وأسانيد أحمد وغيره ثقات".
ثم قال الشوكاني: "ويشهد لصحة هذا الحديث عمومات الكتاب والسنة وإطلاقاتهما لعدم الفرق فيها بين القريب والبعيد والمقيم والمسافر"6". اهـ".
والحديثان يدلان على إقامة الحدود في دار الحرب، وبذلك قال مالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر".
قال الشافعي: "وإذا أصاب الرجل حدا وهو محاصر للعدو أقيم عليه الحد ولا
____________________
1 انظر: "البداية والنهاية لابن كثير 8/246".
2 الإصابة: "2/389-390".
3 النهاية: "1/133".
4 بطرح 29 من 64".
5 سياتي تخريجه في بيان تحريم الغلول برقم (289) ص 669".
6 نيل الأوطار 7/145".(2/599)
يمنعنا الخوف عليه من اللحوق بالمشركين أن نقيم عليه حد الله عز وجل فلو فعلنا توقيا أن يغضب ما أقمنا الحد عليه أبداً؛ لأنه يمكنه من كل موضع أن يلحق بدار الحرب، والعلة أن يلحق بدار الحرب، فيعطل عنه الحد إبطالا لحكم الله عز وجل ثم حكم رسول اله صلى الله عليه وسلم بعلة جهالة وغيا".
قد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد بالمدينة والشرك قريب منها وفيها شرك كثير موادعون وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه 1".
وقد قَيَّد الشافعي إقامة الحد من قبل أمير الجيش فيما إذا وَلِيَ ذلك من قبل الإمام، فإن لم يول ذلك فعلى الشهود الذين يشهدون على الحد أنّ يأتوا بالمشهود عليه إلى الإمام والي ذلك ببلاد الحرب أو ببلاد السلام".
ثم قال - رحمه الله - تعالى: "ولا فرق بين دار الحرب ودار السلام فيما أوجب الله على خلقه من الحدود لأن الله عز وجل يقول: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ، [سورة المائدة، من الآية:38] . {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} ، [سورة النور، من الآية: 2] .
وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزاني الثيب الرجم وحد القاذف ثمانين جلدة لم يستثن من كان في بلاد الإسلام ولا في بلاد الكفر، ولم يضع عن أهله شيئا من فرائضه ولم يبح لهم شيئا مما حرم عليهم ببلاد الكفر ما هو إلا ما قلنا فهو موافق للتنزيل والسنة وهو مما يعقله المسلمون ويجتمعون عليه أن الحلال في دار الإسلام حلال في بلاد الكفر والحرام في بلاد الإسلام حرام في بلاد الكفر فمن أصاب حراما فقد حده الله على ما شاء منه ولا تضع عنه بلاد الكفر شيئاً".
أو أن يقول قائل إن الحدود بالأمصار وإلى عمال الأمصار فمن أصاب حدا ببادية من بلاد الإسلام فالحد ساقط عنه، وهذا مما لم أعلم مسلما يقوله، ومن أصاب حدا في المصر ولا والي للمصر يوم يصيب الحد كان للوالي الذي يلي بعد ما أصاب أن يقيم الحد، فكذلك عامل الجيش إن ولى الحد أقامه، وإن لم يول الحد فأول من يليه
____________________
1 الأم للشافعي 4/199-200 والسنن الكبرى للبيهقي 9/103، وتكملة المجموع لمحمد حسين العقبي 18/120، والمدونة الكبرى لمالك6/291".(2/600)
يقيمه وكذلك هو الحكم والقطع ببلاد الحرب وغير القطع سواء 1".
وذهب الإمام أحمد والأوزاعي وإسحاق إلى أن من ارتكب حدا ببلاد الحرب لا يقام عليه الحد من قبل الإمام ولا نائبه حتى يخرج من دار الحرب فيقام عليه".
260- واستدلوا بحديث بسر2 بن أرطأة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقطع الأيدي في السفر".
وفي لفظ: "لا تقطع الأيدي في الغزو" 3.
وقد اختلف العلماء في بسر بن أرطأة هل له صحبة أوّلاً، قال ابن عبد البر: "يقال إنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو صغير، هذا قول الواقدي وابن معين وأحمد وغيرهم".
وقالوا: "خرف في آخر عمره".
وأما أهل الشام: "فيقولون إنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: "ولبسر ابن أرطأة حديثان هذا أحدهما والثاني: "في الدعاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة" 4.
وكان يحيى بن معين يقول: "لا تصح له صحبة وكان يقول فيه رجل سوء"5 إهـ".
وقال المنذري: "وكان يحيى بن معين لا يحسن الثناء عليه، وهذا يدل على أنه عنده لا صحبة له، وغمزه الدارقطني"6".أهـ.
____________________
1 الأم 7/322-323".
2 بسر بن أرطأة ويقال ابن أبي أرطأة واسمه عمير بن عويمر بن عمران القرشي العامري، نزيل الشام، من صغار الصحابة (ت 86) . / د ت س". (التقريب 1/96 وتهذيب التهذيب 1/435) .
3 سنن أبي داود 2/453 كتاب الحدود، باب السارق يسرق في الغزو أيقطع؟ ". وسنن الترمذي 3/5 كتاب الحدود، باب ما جاء أن لا يقطع الأيدي في الغزو". وسنن النسائي 8/84 كتاب السارق، باب القطع في السفر". ومسند أحمد 4/181". والدارمي 2/150 كتاب السير، باب في أن لا يقطع الأيدي في الغزو". والطبراني: "المعجم الكبير 2/19". والسنن الكبرى للبيهقي 9/104".
4 الحديث رواه أحمد في المسند 4/181، وابن حبان كما في موارد الظمآن ص 601، والطبراني في المعجم الكبير 2/19".
5 الاستيعاب 1/154 و155 و156 مع الإصابة".
6 عون المعبود 12/83، وتحفة الأحوذي 5/12".(2/601)
وقال الزيلعي: "قال البيهقي في "المعرفة" أهل المدينة ينكرون سماع بسر بن أرطأة من النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يحيى بن معين يقول: "بسر بن أرطأة رجل سوء".
قال البيهقي: "وذلك لما اشتهر من سوء فعله في قتال أهل الحرة".
وقال ابن سعد في "الطبقات"1 قال الواقدي: "بسر بن أرطأة أدرك النبي صلى الله عليه وسلم صغيرا ولم يسمع منه شيئا، وقال غيره إنه سمع منه".
ثم قال الزيلعي: "واستدل البيهقي للشافعي في إقامة الحدود بدار الحرب بإطلاق الآيات الواردة في حد الزاني، وقطع السارق، وجلد القاذف، وبما أخرجه أبو داود في "المراسيل2 عن مكحول3 عن عبادة ابن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا حدود الله في السفر والحضر، على القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لائم". ورويناه بإسناد موصول في السنن4".
وحديث بسر قال فيه الترمذي: "حديث غريب"، ثم قال: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم منهم الأوزاعي، لا يرون أن يقام الحد في الغزو وبحضرة العدو مخافة أن يلحق من يقام عليه الحد بالعدو، فإذا خرج الإمام من أرض الحرب ورجع إلى دار السلام أقام الحد على من أصابه". كذلك قال الأوزاعي5. إهـ.
261- واستدلوا أيضاً بما روى عن الأحوص بن حكيم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى الناس أن لا يجلدن أمير جيش ولا سرية ولا رجلاً من المسلمين حداً، وهو غاز حتى يقطع الدرب قافلا لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار"6".
وفيه الأحوص ضعيف الحفظ، وأبوه حكيم بن عمير، صدوق يهم7".
____________________
1 انظر: "الطبقات الكبرى لابن سعد 7/409 وانظر تهذيب التهذيب 1/435-436 ونقل عن ابن عدي "أنه قال مشكوك في صحبته ولا أعرف له إلا هذين الحديثين".
2 كتاب المراسيل ص 26".
3 مكحول هو الشامي ولم يسمع من عبادة كما في تهذيب التهذيب 10/292".
4 نصب الراية 3/344". والسنن الكبرى للبيهقي 9/104".
5 سنن الترمذي 3/5 كتاب الحدود، باب ما جاء أن لا يقطع الأيدي في الغزو".
6 المغني لابن قدامة 8/473-474 وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 140".
7 التقريب 1/49 و194".(2/602)
وقد تابع الأحوص ثور بن يزيد وهو ثقة عند البيهقي ولكن الحديث فيه إبهام".
ورى أيضاً نحو هذا الحديث عن مكحول عن زيد بن ثابت، وفيه إبهام أيضا ومكحول قال الشافعي لم ير زيد بن ثابت 1".
وروى البوصيري2 من طريق حسان بن زاهر أن حصين بن حدير أخبره أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: "لا تقطع اليد في الغزو ولا عام سنة"3.
وحسان بن زاهر وحصين بن حدير، ذكرهما ابن أبي حاتم والبخاري ولم يذكرا فيهما جرحا ولا تعديلاً4".
والخلاصة أن الأحاديث في هذا كلها لا تخلو من ضعف".
وقال أبو حنيفة: "لا حد ولا قصاص في دار الحرب ولا إذا رجع إلا إذا غزا من له ولاية الإقامة بنفسه كالخليفة وأمير المصر يقيم الحد على مرتكبيه لأنه تحت يده، بخلاف أمير العسكر والسرية لأنه لم تفوض إليهما الإقامة، ولا تقام الحدود بعد الرجوع إلى بلاد الإسلام؛ لأنه عندما ارتكب الحد في دار الحرب لم يكن للإمام عليه قدرة، فلم تنعقد موجبة، فلا ينقلب موجبة بعد الخروج من دار الحرب".
واستدل الأحناف على هذا بما استدل به الحنابلة من أنه لا تقام الحدود في دار الحرب، إلا أن الحنابلة أوجبوا إقامة الحد بعد الرجوع إلى بلاد المسلمين والأحناف عمموا عدم إقامة الحد في السفر والحضر5".
والذي يظهر في هذا هو وجوب إقامة الحد على مرتكبيه في أي زمان ومكان لأن النصوص الواردة في ذلك عامة وصحيحة فلا يترك الحد مخافة أن يلحق من أقيم عليه الحد بالمشركين لأن احتمال لحقوقه بالمشركين لا يكون مبررا في إسقاط الحد عمن ارتكبه.
____________________
1 الأم للشافعي7/322والسنن الكبرى للبيهقي9/105ونصب الراية3/343-344".
2 البوصيري: "هو أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري الشافعي القاهري شهاب الدين أبو العباس محدث (762-840) . (كحالة؛ معجم المؤلفين 1/175) .
3 إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة مجلد 2/جزء 3ص 144 أرقم 237".
4 الجرح والتعديل لابن أبي حاتم2/192،و236".والتاريخ الكبير للبخاري3/ و33".
5 الهداية للمرغيناني 2/102-103 ونصب الراية للزيلعي 3/343-344".(2/603)
قال الشافعي: "فإن لحق بالمشركين من أقيم عليه الحد، فهو أشقى له، ومن ترك الحد خوف أن يلحق المحدود ببلاد المشركين، تركه في سواحل المسلمين ومسالحهم التي تتصل ببلاد الحرب"1".
هذا هو الواجب على المسلمين عملا بقوله صلى الله عليه وسلم "أقيموا حدود الله في السفر والحضر على القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لائم".
لكن يمكن أن يقال إن أمير الجيش في دار الحرب إذا خشي مفسدة كبيرة تترتب على إقامة الحد على ذي شوكة في أفراد الجيش فإن الأمر يرجع حينئذ إلى اجتهاده فلا بأس أن يؤخر عنه الحد إلى الحضر نظرا لهذه المصلحة الراجحة، وَالحَدُّ سيقام على مرتكبيه بكلّ حال وأكثر ما فيه تأخير الحدّ لمصلحة راجحة، إما من حاجة المسلمين إليه أو من خوف ارتداده ولحقوه بالكفار، وتأخير الحد لعارض أمر وردت به الشريعة، كما يؤخر عن الحامل والمرضع، وعن وقت الحر والبرد والمرض، فهذا تأخير لمصلحة المحدود، فتأخيره لمصلحة الإسلام أولى"2".
وأما ما قاله الأحناف من سقوط الحد مطلقا في السفر والحضر فهذا غير وجيه لأن فيه تضيعا لحدود الله، بتعليلات واهية".
__________
1الأم للشافعي7/322-323و4/199-200والسنن الكبرى للبيهقي9/104-105".
2 انظر إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية 3/5-8".(2/604)
الحكم التاسع: الاستعانة بالمشركين
مر بنا حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - وفيه قال: "ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية فسأله أدرعا مائة وما يصلحها من عدتها"، فقال: "أغصبا يا محمد؟ قال: "بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك1".
وحديث صفوان بن أمية - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه أدرعا يوم حنين، فقال: "أغصبا يا محمد؟ فقال: "لا، بل عارية مضمونة" 2.
وفي حديث الهجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأجر عبد الله3 بن أريقط يدله على الطريق أثناء الهجرة وكان عبد الله مشركا4".
وهذه الأحاديث الدالة على جواز الاستعانة بالمشركين جاء ما ظاهره معارضا لها وهو ما رواه مسلم - رحمه الله - من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت:
262- خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة 5، أدركه رجل قد كان
____________________
1 تقدم برقم (23) . وإسناده حسن".
2 تقدم تخريجه برقم (26) وهو صحيح بمجموع طرقه".
3 عبد الله بن أريقط - بضم الهمزة وفتح الراء وسكون الياء وكسر القاف وطاء مهملة- ويقال: "أريقد - بالدال المهملة بدل الطاء- ويقال: "أريق - بقاف - بصيغة التصغير -، الليثي ثم الدؤلي، دليل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر لما هاجرا إلى المدينة".
قال ابن حجر: "لن أر من ذكره في الصحابة، إلا الذهبي في التجريد وقد جزم عبد الغني المقدسسي في السيرة له بأنه لم يعرف له إسلام وتبعه النووي في تهذيب الأسماء واللغات". (الإصابة 2/274 وكتاب المغني لابن طاهر الهندي ص 4) .
4 رواه ابن إسحاق عمن لا يتهم عن عروة عن عائشة أم المؤمنين". (انظر سيرة ابن هشام 1/484-485، والبداية والنهاية لابن كثير 3/178) .
5 قال ياقوت: "حرة الوبرة: "بثلاث فتحات مضبوطة في كتاب مسلم، وقد سكن بعضهم الباء، وهي على ثلاثة أميال من المدينة". (معجم البلدان 2/250) .
وقال النووي: "هكذا ضبطناه بفتح الباء، وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم، قال: "وضبطه بعضهم بإسكانها، وهو موضع على نحو أربعة أميال من المدينة". (شرح النووي على صحيح مسلم 4/479) .
وعلى تحديد ياقوت لحرة الوبرة، تكون بينها وبين المدينة (5) كيلومتر، لأن الميل يساوي 2/3 1كم". (انظر: تيسير العلام لعبد الله بن عبد الرحمن آل بسام 1/501، وغزوة بني المصطلق ص (56) .(2/605)
يذكر منه جرأة ونجدة1، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم جئت لأتبعك وأصيب معك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تؤمن بالله ورسوله" قال: "لا قال: "فارجع فلن أستعين بمشرك".
قالت: "ثُمَّ مضى حتّى إذا كنا2 بالشجرة3 أدركه لرجل فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة، قال: "فارجع فلن أستعين بمشرك"، قال: "ثم رجع فأدركه بالبيداء، فقال له كما قال أول مرة، "تؤمن بالله ورسوله؟ " قال: "نعم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فانطلق" 4.
ومن هنا اختلف العلماء في جواز الاستعانة بالمشركين نظرا لاختلاف الأحاديث الواردة في ذلك".
قال النووي: "أثناء شرحه لحديث مسلم قوله "فارجع فلن أستعين بمشرك".
وقد جاء في الحديث الآخر"أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بصفوان بن أمية".
فأخذ طائفة من العلماء بالحديث الأوّل5 على إطلاقه".
وقال الشافعي وآخرون: "إن كان الكافر حسن الرأي في المسلمين، ودعت الحاجة إلى الاستعانة به استعان به، وإلا فيكره، وحمل الحديثين على هذين الحالين"6".
____________________
1 الجرأة: الإقدام على الشيء والنجدة الشجاعة وشدةالبأس". (النهاية1/253،و5/18) .
2 قوله: "حتى إذا كنا بالشجرة"، قال النووي: "هكذا هو في النسخ: "حتى إذا كنا"، فيحتمل أن عائشة كانت مع المودعين، فرأت ذلك ويحتمل أنها أرادت بقولها: "كنا" كان المسلمون". (شرح النووي على صحيح مسلم 4/479) .
3 الشجرة: "هي شجرة ذي الحليفة لأن مسجدها يسمى مسجد الشجرة بدليل ذكر البيداء بعد ذلك، والبيداء بعد ذي الحليفة مباشرة وفيها الآن معهد المعلمين ومركز التلفون اللاسلكي". (انظر: "المدينة بين الماضي والحاضر للعياشي ص 451، و470، وكتاب المناسك للحربي ص 425) .
4 صحيح مسلم3/1449كتاب الجهاد والسير، باب كراهة الاستعانة في الغزو بكافر".
5 يريد حديث مسلم".
6 شرح النووي على صحيح مسلم 4/479".(2/606)
وقال الشافعي: "ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد مشركا أو مشركين في غزاة بدر وأبى أن يستعين إلا بمسلم، ثم استعان بعد بدر1 بسنتين بغزاة خيبر بعدد اليهود بني قينقاع كانوا أشداء واستعان صلى الله عليه وسلم في غزاة حنين سنة ثمان بصفوان بن أمية وهو مشرك، فالرد الأول إن كان لأن له الخيار أن يستعين بمشرك2 أو يرده كما يكون له رد المسلم من معنى يخافه منه أو لشدة به فليس واحد من الحديثين مخالفا للآخر، وإن كان رده لأنه لم ير أن يستعين بمشرك فقد نسخه ما بعده من استعانته بمشركين، فلا بأس أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين إذا خرجوا طوعا ويرضخ3 لهم ولا يسهم لهم"4".
وقال البيهقي: "باب ما جاء في الاستعانة بالمشركين". ثم ساق حديث مسلم".
ثم قال: "قال الشافعي: "لعله رده رجاء إسلامه وذلك واسع للإمام، وقد غزا بيهود بني قينقاع بعد بدر وشهد صفوان بن أمية حنينا بعد الفتح وصفوان مشرك".
ثم قال البيهقي: "أما شهود صفوان بن أمية معه حنينا وصفوان مشرك فإنه معروف بين أهل المغازي".
وأما غزوه بيهود قينقاع فإني لم أجد إلا من حديث الحسن5 بن عمارة - وهو ضعيف - عن الحكم6 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهود قينقاع فرضخ لهم ولم يسهم لهم" 7".
____________________
1 يريد بدر الموعد فإنها كانت بعد أحد وكانت في شهر شعبان سنة أربع من الهجرة، وبهذا يتجه كون خيبر بعدها بسنتين لأن غزوة خيبر كانت في السنة السادسة على قول بعض العلماء". (انظر: "البداية والنهاية لابن كثير 4/93-4و181". وفتح الباري 5/278 و7/393 و464) .
2 في الأصل "بمسلم"، ولعل ما أثبته هو الصواب بدليل ما بعده".
3 الرضخ: "هو العطية القليلة، بمعنى أنهم يعطون شيئا من الغنيمة ولا يسهم مثل سهام المقاتلين المسلمين". (النهاية 2/228) .
4الأم4/177وانظر: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ص218-220) .
5 هو: "الحسن بن عمارة البجلي مولاهم، أبو محمد الكوفي، قاضي بغداد، متروك، من السابعة (ت 153) ./ خت ت ق". (التقريب 1/169 وتهذيب التهذيب 2/304 والسنن الكبرى للبيهقي 9/53) .
6 الحكم: "هو ابن عتيبة".
7 السنن الكبرى 9/37، و53".(2/607)
وقال ابن قدامة: "فصل: "ـ ولا يستعان بمشرك وبهذا قال ابن المنذر1 والجوزجاني2 وجماعة من أهل العلم".
وعن أحمد ما يدل على جواز الاستعانة به وكلام الخرقي3 يدل عليه أيضا عند الحاجة وهو مذهب الشافعي لخبر"….صفوان بن أمية".
ويشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين، فإن كان غير مأمون عليهم لم يجز الاستعانة به".
لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من المسلمين مثل المخذل والمرجف فالكافر أولى".
ثم قال: "ووجه الأول ما روت عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر ثم ساق الحديث المتقدم عند مسلم4".
والخلاصة أن مذهب الشافعية والحنابلة والأحناف جواز الاستعانة بالمشركين بشرطين:
الأول: "الحاجة إليهم".
والثاني: "الوثوق من جهتهم".
واستدلوا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد استعان بعبد الله بن أريقط في الهجرة ليدله على الطريق".
كما ستعان بصفوان بن أمية في غزوة حنين وقد مر بيان ذلك5".
وردوا على أدلة المانعين بأنها منسوخة بفعله صلى الله عليه وسلم وعمله، أو على أن ذلك محمول على عدم الحاجة إليهم،
____________________
1 ابن المنذر: "هو محمد بن إبراهيم، تقدم".
2 الجوزجاني: "هو أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق، مات سنة 256 أو 259". (تذكرة الحفاظ للذهبي 2/549) .
3 هو عمر بن الحسين بن عبد الله أبو القاسم الخرقي صاحب المختصر في الفروع الفقه الحنبلي وله مصنفات عدة أودعها بغداد وسافر فاحترقت كتبه ولم تكن قد انتشرت (مات بدمشق سنة 334هـ) . (تاريخ بغداد 11/234-235، والبداية والنهاية لابن كثير 11/214، معجم المؤلفين لكحالة 7/282-283".
4 المغني 8/414".
5 في حديث 23و26و27".(2/608)
أو على عدم الوثوق بهم، وبذلك يحصل الجمع بين أدلة المنع وأدلة الجواز".
وقال ابن حجر: "والأقرب أن الاستعانة بالمشركين كانت ممنوعة ثم رخص فيها وعليه نص الشافعي"1".
وقال القرطبي: "تجوز الاستعانة بالمشرك إذا كان حكم الإسلام هو الغالب وإنما تكره الاستعانة بهم إذا كان حكم الشرك هو الظاهر، وهو قول أحمد والشافعي وأبي حنيفة"2".
وقال ابن قيم الجوزية - في أثناء كلامه على الأحكام المستنبطة من غزوة الحديبية - ومنها: "أن الاستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد جائز عند الحاجة، لأن عينه الخزاعي3 كان كافرا إذا ذاك، وفيه من المصلحة أنه أقرب إلى اختلاطه بالعدو، وأخذه أخبارهم"4".
وهو قول بعض المعاصرين5".
وخلاصة المسألة أن الاستعانة بالمشركين جائزة بشروط وقرائن تحتف بها فإذا اختل شرط من الشروط ولم يؤمن جانب المشرك المستعان به لم تجز الاستعانة".
وإذا لم تكن هناك حاجة ملحة فلا يجوز الاستعانة، والاستعانة تكون إما بخبرته العسكرية وإما بأخذ معلومات تفيد المسلمين إن دعت الحاجة إلى ذلك، وقاعدة الإسلام في هذا الباب أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها وأن الحرب خدعة، فلا بد من توافر أسباب وانتفاء موانع للاستفادة من الخبرات الكافرة، حتى لا يقع المسلمون في شرك المخادعة ومكايد العدو، والأمر واسع في ذلك، كما أنه راجع إلى اجتهاد الإمام وأهل الحل والعقد في الأمة الإسلامية".
__________
1 التلخيص الحبير 4/100-101 وانظر: "زاد المعاد لابن قيم 3/479 وسبل السلام للصنعاني 4/49-50 وروائع البيان للصابوني 1/402".
2 الجامع لأحكام القرآن 8/99-100 وانظر: "الهداية للمرغيناني 2/147، وأوجز المسالك إلى موطّأ مالك 9/424و425".
3 هو بسر بن سفيان الخزاعي الكعبي". (الإصابة 1/149) .
4 زاد المعاد 3/301و479". وصحيح البخاري 5/104-105 كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية".
5 هما: "الأستاذ محمد أبو زهرة في كتابه خاتم النبيين ص 858". والدكتور محمد سعيد البوطي فقه السيرة ص 234و392".(2/609)
الحكم العاشر: العارية من حيث الضمان وعدمه
العارية: "بتشديد التحتية وتخفيفها، ويقال عارة، وهي مأخذوة من عار الفرس إذا ذهب، لأن العارية تذهب من يد المعير".
وهي في الشرع: "عبارة عن تمليك المنافع بغير عوض1".
وجاء في هذا:
حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - وفيه "ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية فسأله أدراعا مائة درع، وما يصلحها من عدتها، فقال: "أغصبا يا محمد؟ قال: "بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك"2
حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية أدراعاً وسنانا في غزوة حنين". فقال: "يا رسول الله أعارية مؤداة؟ قال: "عارية مؤداة" 3.
263- حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "استعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية سلاحا، فقال صفوان: "أمؤداة يا رسول الله؟ قال: "نعم" 4.
وفي بعض ألفاظ حديث صفوان بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدراعا فقال: "أغصبا يا محمد؟
____________________
1 القاموس المحيط 2/97، وكتاب المغني لابن قدامة 5/220، وكتاب الهداية للمرغيناني 3/220، وفتح الباري 5/241، كفاية الأخيار لتقي الدين الحسيني 1/180، وحاشية الدسوقي 3/433".
2 تقدم برقم (23) .
3 تقدم برقم (27) .
4 سنن الدارقطني 3/38".(2/610)
قال: "بل عارية مضمونة" قال: "فضاع بعضها فعرض عليه رسول الله أن يضمنها له، قال: "أنا اليوم في الإسلام أرغب". وفي لفظ "إنا قد فقدنا من أدراعك أدراعا فهل نغرم لك؟ قال: "لا يا رسول الله، لأن في قلبي اليوم ما لم يكن يومئذ".
قال أبو داود: "وكان أعاره قبل أن يسلم، ثم أسلم"1.
ومن خلال هذه النصوص وغيرها اختلف العلماء في ضمان العارية وعدمه".
ومنشأ الخلاف من قوله "عارية مضمونة".
قال ابن قيم الجوزية: "وفيها2 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرط لصفوان في العارية الضمان، فقال: "عارية مضمونة".
فهل هذا إخبار عن شرعه في العارية، ووصف لها بوصف شرعه الله فيها، وأن حكمها الضمان كما يضمن المغصوب، أو إخبار عن ضمانها بالأداء بعينها ومعناه: "أني ضامن لك تأديتها، أنها لا تذهب، بل أردها إليك بعينها؟ هذا مما اختلف فيه الفقهاء".
فقال الشافعي وأحمد بالأول: "وأنها مضمونة بالتلف"3.
وقال أبو حنيفة ومالك بالثاني: "وأنها مضمونة بالرد على تفصيل في مذهب مالك وهو أن العين إن كانت مما لا يغاب عليه4، كالحيوان والعقار، لم تضمن بالتلف إلا أن يظهر كذبه، وإن كانت مما يغاب عليه كالحلي ونحوه، ضمنت بالتلف".
إلا أن يأتي ببينة تشهد على التلف.
____________________
1 تقدم تخريج الحديث برقم (26) .
2 أي في غزوة حنين من الأحكام".
3يعني إذا تلف في غير الاستعمال المأذون فيه، ضمنها المستعير وإن لم يفرط". (انظر: كفاية الأخيار1/181والفقه على المذاهب الأربعة لعبد الرحمن الجزيري3/286 و288) .
4 يعني الذي لا يمكن إخفاؤه وستره عن الأعين في العادة كالعقار والحيوان". والذي يغاب عليه: "الذي يمكن اخفاؤه في صندوق أو دولاب، كالثياب، والحلي فهذا يضمنه المستعير دون الأوّل". (الفقه على المذاهب الأربعة 3/285-286 والشرح الكبير لأبي البركات أحمد الدردير 3/436 على هامش حاشية الدسوقي".
وقال الشوكاني: "واستدل من فرق بين الحيوان وغيره بحديث صفوان، ولا يخفى أن دلالته على أن غير الحيوان مضمون لا يستفاد منها أن حكم الحيوان بخلافه". (نيل الأوطار 5/334) .(2/611)
وسر مذهبه أن العارية أمانة غير مضمونة - كما قال أبو حنيفة - إلا أنه لا يقبل قوله فيما يخالف الظاهر، فلذلك فرق بين ما يغاب عليه، وما لا يغاب عليه".
ومأخذ المسألة أن قوله صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية: "بل عارية مضمونة" هل أراد به أنها مضمونة بالرد أو بالتلف؟
أي أضمنها إن تلفت، أو أضمن لك ردها، وهو يحتمل الأمرين، وهو في ضمان الرد أظهر لثلاثة أوجه:
أحدها: "أن في اللفظ الآخر: "بل عارية مؤداة" فهذا يبين أن قوله "مضمونة" المراد به: "المضمونة بالأداء".
الثّاني: "إنه لم يسأله عن تلفها، وإنما سأله هل تأخذها مني أخذ غصب تحول بيني وبينها؟ فقال: "لا، بل أخذ عارية أؤديها إليك".
ولو كان سأله عن تلفها وقال: "أخاف أن تذهب، لناسب أن يقول: "أنا ضامن لها إن تلفت".
الثالث: "أنه جعل الضمان صفة لها نفسها، ولو كان ضمان تلف، لكان الضمان لبدلها، فلما وقع الضمان على ذاتها، دل على أنه ضمان أداء".
ثم قال: "فإن قيل: "ففي القصة أن بعض الدروع ضاع، فعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يضمنها، فقال: "أنا اليوم في الإسلام أرغب".
قيل: "هل عرض عليه أمرا واجبا أو أمرا جائزا مستحبا الأولى فعله، وهو من مكارم الأخلاق والشيم، ومن محاسن الشريعة؟
وقد يترجح الثاني بأنه عرض عليه الضمان، ولو كان الضمان واجبا، لم يعرضه عليه، بل كان يفي له به".
ويقول: "هذا حقك، كما لو كان الذاهب بعينه موجودا فإنه لم يكن ليعرض عليه رده فتأمله"1". إهـ.
____________________
1 زاد المعاد 3/481-483 والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 6/112".(2/612)
فابن القيم رحمه الله تعالى يرى أن العارية مضمونة بذاتها، لقوله: "صلى الله عليه وسلم "بل عارية مضمونة" وأنها إذا تلفت فلا ضمان عندئذ".
وذهب الصنعاني: "إلى أن العارية تضمن إذا شرط صاحبها الضمان لقوله: "صلى الله عليه وسلم "عارية مضمونة" 1".
وذهب جمهور العلماء ومنهم الشافعي وأحمد إلى أن العارية إذا استعملت في غير المأذون فيه فتلفت وجب ضمانها بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال، وبقيمتها يوم تلفها إن لم تكن من ذوات الأمثال، واستدلوا بالأحاديث المتقدمة وما في معناها".
قال الشافعي: "العارية كلها مضمونة الدواب والرقيق والثياب لا فرق بين شيء منها، فمن استعار شيئا فتلف في يده بفعله أو بغير فعله فهو ضامن له، والأشياء لا تخلو أن تكون مضمونة أو غير مضمونة، فما كان منها مضموناً مثل الغصب وما أشبهه فسواء ما ظهر منها هلاكه وما خفي فهو مضمون على الغاصب والمستسلف جنيا فيه أو لم يجينا، أو غير مضمونة مثل الوديعة فسواء ما ظهر هلاكه وما خفي فالقول فيها قول المستودع مع يمينه"2".
وقال ابن قدامة: "ويجب رد العارية إن كانت باقية بغير خلاف، ويجب ضمانها إذا كانت تالفة تعدى فيها المستعير أو لم يتعد، روى ذلك ابن عباس وأبو هريرة 3".
وإليه ذهب عطاء4 والشافعي وإسحاق".
لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صفوان "بل عارية مضمونة".
____________________
1 سبل السلام 3/67-69".
2 الأم 3/217-218 ومختصر المزني 3/32 مع الأم، وسنن الترمذي 2/369 وكفاية الأخيار لتقي الدين الحسيني 1/180-182".
3 أثرهما في الأم 3/218". قال الشافعي: "وقد قال أبو هريرة وابن عباس رضي الله عنهما إن العارية مضمونة". وكان قول أبي هريرة في بعير استعير فتلف انه مضمون".
4 عطاء: "هو ابن أبي رباح، وإسحاق: "هو ابن راهويه".(2/613)
264- وروى الحسن1 عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" 2.
ولأنه أخذ ملك غيره لنفع نفسه منفردا بنفعه من غير استحقاق، ولا إذن في الإتلاف فكان مضمونا كالغاصب، والمأخوذ على وجه السوم3".
وقال علاء الدين المرداوي: "قال الحارثي4: "نص الإمام أحمد رحمه الله على ضمان العارية، وإن لم يتعد فيها كثير متكرر جداً من جماعات، وقف على رواية اثنين وعشرين رجلاً وذكرها 5".
وذهب مالك وأبو حنيفة والحسن البصري والنخعي والشعبي وعمر بن عبد العزيز والثوري الأوزاعي وابن شبرمة6 إلى أن العرية أمانة لا يجب ضمانها إلا بالتعدي".
265- لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس
____________________
1 الحسن: "هو البصري، وسمرة: "هو ابن جندب، صحابي جليل".
2 رواه أبو داود في سننه 2/265 كتاب البيوع، باب في تضمين العارية".
والنسائي في السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف 4/66 حديث 4584".
والترمذي في سننه 2/368 كتاب البيوع، باب ما جاء أن العارية مؤداة". وقال: "هذا حديث حسن صحيح". وابن ماجه في سننه 2/802 كتاب الصدقات، باب العارية". والدارمي 2/178 كتاب البيوع، باب في العارية مؤداة". وأحمد في المسند 5/8و12و13". والحاكم: "المستدرك 2/47". والبيهقي: "السنن الكبرى 6/90و95". الجميع من طريق قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب". قال ابن حجر في التلخيص الحبير 3/53: "والحسن مختلف في سماعه من سمرة، وزاد فيه أكثرهم ثم نسي الحسن فقال: "هو أمينك لا ضمان عليه".
قال الشوكاني: "واستدل من قال بالضمان بحديث سمرة، وبقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ، [سورة النساء، من الآية: 58] . ولا يخفى أن الأمر بتأدية الأمانة لا يستلزم ضمانها إذا تلفت". (نيل الأوطار 5/334) .
3 المغني 5/220-224".
4 هو مسعود بن أحمد العراقي المصري الحنبلي (652-711) (تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1495) .
5 الإنصاف 6/112، و113 وفتح الباري 5/241 ونيل الأوطار 5/334 وسبل السلام 3/67".
6 هو عبد الله بن شبرمة الكوفي القاضي (ت 144) . (التقريب 1/422) .(2/614)
على المستعير غير المغل1 ضمان ولا على المستودع غير المغل ضمان"2.
ولأنه قبضها بإذن مالكها فكانت أمانة كالوديعة".
266- قالوا: وقول النبي صلى الله عليه وسلم "العارية مؤداة"3 يدل على أنها أمانة، لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ، [سورة النساء، من الآية: 58] 4.
وأجيب عن حديث عمرو بن شعيب بأنه ضعيف، وأن الصحيح أنه من قول شريح القاضي.
وحديث "العارية مؤداة" صحيح إلا أنه قد ورد في حديث جابر ابن عبد الله وابن عباس وصفون بن أمية "بل عارية مضمونة" 5.
وأما الآية فإنها عامة للعارية وغيرها، وحديث التضمين خاص، والخاص مقدم على العام".
وأيضا فإن العارية تخالف الوديعة، لأن الوديعة الذي يستفيد منها هو المودع، والعارية ييستفيد منها المستعير، فإذا تلفت وجب ضمانها6".
والذي يبدو في هذه المٍسألة هو قول بضمان العارية حفظا لأموال الناس من الضياع، والتساهل في حفظها، لأن الأصل أن من أخذ شيئا من أموال الناس وجب عليه رده بعينه أو بقيمته إذا تلف إلا ما خصه الدليل من ذلك".
__________
1 المغل: "بضم الميم ثم الغين المعجمة، مأخوذ من الإغلال وهو الخيانة، والمعنى: "ليس على المستعير غير المغل ضمان الخ (أي إذا لم يخن في العارية والوديعة فلا ضمان عليه) وقيل: "المغل ها هنا: "المستغل، وأراد به القابض لأنه بالقبض يكون مستغلا والأول الوجه: "يعني أولى". (النهاية 3/381، سبل السلام للصنعاني 3/67) .
2 رواه الدارقطني في سننه 3/41 والبيهقي في السنن الكبرى 6/91". وقالا: "الصحيح وقفه على شريح القاضي".
وأما المرفوع ففيه عمرو بن عبد الجبار السنجاري عن عمه عبيدة بن حسان العنبري السنجاوي وهما ضعيفان".
وقال أبو حتبان: "عبيدة بن حسان، منكر الحديث". (الجرح والتعديل 6/92) .
وقال ابن حبان: "عبيدة يروي الموضوعات عن الثقات". (انظر: "كتاب المجروحين 2/189 وميزان الاعتدال 3/26 و271) .
3 رواه ابن ماجه في سننه 2/802 كتاب الصدقات، باب العارية من حديث أنس بن مالك ولفظه: "العارية مؤداة والمنيحة مردودة" وهو صحيح من زوائد ابن ماجه".
4 الهداية للمرغيناني 3/220، والمغني لابن قدامة 5/221، وفتح الباري 5/241، وسبل السلام 3/67-68، ونيل الأوطار 5/334".
5 تقدم حديث جابر برقم "23"، وحديث ابن عباس برقم (27) وحديث صفوان برقم (26) .
6 بداية المجتهد لابن رشد 2/314".(2/615)
الحكم الحادي عشر: قضاء الرسول في شأن محلم بن جثامة
كان من شأن محلم بن جثامة الليثي أنه خرج مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية مكونة من ثمانية نفر إلى بطن إضم وكان قائد السرية أبو قتادة بن ربعي1، فلما وصلوا إلى بطن إضم2 مر بهم عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم عليهم بتحية الإسلام فأمسكوا عن قتله وعدا عليه محلم ابن جثامة فقتله لإحن كانت بينهم في الجاهلية، وأخذ ما معه".
ولما كانت غزوة حنين اختصم في شأنهما عيينة بن حصين والأقرع بن حابس فعيينة يطالب بدم عامر بن الأضبط، والأقرع يدافع عن محلم بن جثامة وارتفعت الأصوات أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية3". يوضح هذا ما رواه أبو داود وغيره وهذا سياق أبي داود قال:
267- حدثنا موسى4 بن إسماعيل أخبرنا حماد5 قال: "أخبرنا محمد6 - يعني ابن إسحاق - فحدثني محمد7 بن جعفر بن الزبير قال سمعت زياد8 بن ضميرة الضمري.
____________________
1 في سيرة ابن هشام أن قائد هذه السرية هو عبد الله بن أبي حدرد".
2 إضم: "بكسر الهمزة وفتح الضاد المعجمة، وآخره ميم".
قال عاتق بن غيث البلادي: "هو وادي المدينة إذا اجتمعت أوديتها الثلاثة - بطحان وقناة والعقيق - بين أحد والشرثاء يسمى الوادي "الخيل" إلى أن يتجاوز كتانة وهي كتانة غيقة، فيسمى الوادي "وادي الحمض" إلى أن يصب في البحر بين الوجه وأم لج، هذه أسماؤه اليوم، أما اسمه قديما، فكان يسمى إضما منذ اجتماع تلك الروافد إلى أن يصب في البحر". (معجم المعالم الجغرافية ص 29) .
3 مغازي الواقدي 2/796-797 وسيرة ابن هشام 2/626".
وذكر الواقدي أن هذه السرية كانت عند خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح مكة ليظن الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد تلك الناحية". (وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد 2/133) .
4 هو المنقري التبوذكي "ثقة ثبت" تقدم في حديث (91) .
5 حماد: "هو ابن سلمة "ثقة عابد" تقدم في حديث (36) .
6 محمد بن إسحاق بن يسار، صاحب السيرة "صدوق" تقدم في حديث (1) .
7 محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام الأسدي، المدني ثقة من السادسة (ت بضع عشرة بعد المائة) . /". (التقريب 2/150 وتهذيب التهذيب 9/39) .
8 زياد بن سعد بن ضميرة، ويقال: "زياد بن ضميرة بن سعد، ويقال: "زياد بن ضمرة، ويقال: "زيد بن ضميرة السلمي ويقال: "الأسلمي الحجازي". رجح المزي: "زياد بن سعد بن ضميرة".
روى عن أبيه وجده، ويقال: "عن أبيه وعمه، وكانا شهدا حنينا قصة محلم بن جثامة، وعنه محمد بن جعفر بن الزبير وقيل: "عن محمد بن جعفر عن زياد بن ضميرة عن عروة بن الزبير عن أبيه".
ذكره ابن حبان في الثقات في أتباع التابعين فقال: "زياد بن ضميرة بن سعد ويقال ابن ضميرة يروي عن الحجازيين، روى عن أهل بلده". (تهذيب التهذيب 3/369 وتحفة الأشراف للمزي 3/272 وقال في التقريب 1/268: "مقبول" من الرابعة". /د ق". وقال الذهبي: "فيه جهالة". (ميزان الاعتدال 2/89) .(2/616)
ح- وأخبرنا وهب1 بن بيان وأحمد2 بن سعيد الهمداني قالا أخبرنا ابن وهب3 أخبرني عبد الرحمن4 بن أبي الزناد عن عبد الرحمن5 ابن الحارث عن محمد بن جعفر أنه سمع زياد بن ضميرة السلمي".
وهذا حديث وهب وهو أتم يحدث عروة بن الزبير عن أبيه6 قال موسى: "وجده7 وكانا شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا8 ثم رجعنا إلى حديث وهب " أن
____________________
1 وهب بن بيان الواسطي، أبو عبد الله، نزيل مصر، ثقة عابد، من العاشرة (ت 246) . /د س". (التقريب 2/337 وتهذيب التهذيب 11/160) .
2 هو أبو جعفر المصري صاحب ابن وهب "صدوق" تقدم في حديث (127) .
3 هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري، الفقيه، ثقة حافظ عابد، من التاسعة (ت 197) . /ع". (التقريب 1/460 وتهذيب التهذيب 6/71-74) .
4 هو ابن عبد الله بن ذكوان "صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد" تقدم".
5 هو ابن عبد الله بن عياش "صدوق له أوهام". (التقريب 1/476) .
6 عن أبيه: "هو سعد بن ضمرة بن سعد بن سفيان بن مالك بن حبيب بن زغب بن مالك بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم السلمي وقيل الأسلمي، وقيل فيه: "سعد بن ضميرة الضمري حجازي شهد حنينا له عند أبي داود حديث في قصة محلم بن جثامة بإسناد حسن". (الإصابة2/29 وأسد الغابة2/355 والاستيعاب 2/53 مع الإصابة) .
7 وجده: "بكسر الدال أي أن زياد بن سعد يحدث عروة عن أبيه سعد وعن جده ضميرة بن سعد السلمي، وقيل ضمرة بن ربيعة، "فعروة" مفعول به "ليحدث". (الإصابة 2/212 وأسد الغابة 3/59-60 وعون المعبود 12/218 ووقع في سيرة ابن هشام".
قال ابن إسحاق: "حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: "سمعت زياد بن ضميرة بن سعد السلمي يحدث عن عروة بن الزبير عن أبيه عن جده وكانا شهدا حنينا".
وعند البلاذري من طريق ابن إسحاق: "سمعت زياد بن ضميرة يحدّث عن عروة بن الزبير عن أبيه، وجدّه جميعاً". وهذا يوهم أن الحديث عن العوام، وهو لم يدرك البعثة". والحديث من طريق ابن إسحاق هذه من مسند سعد بن ضميرة عن أبيه ضميرة، كما هو عند أحمد وابن ماجه، وهو كذلك في الأطراف للمزي 3/271، 4/204 حديث 3824 و 4975 وذخائر المواريث 1/227 حديث 2048".
8 وعند ابن إسحاق: "وكانا شهدا حنينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ثم عمد إلى ظل شجرة فجلس تحتها، وهو بحنين". وعند ابن ماجه وأحمد: "قالا: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر الخ".(2/617)
محلم1 بن جثامة الليثي قتل رجلاً2 من أشجع في الإسلام وذلك أول غير3 قضى به4 رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم عيينة5 في قتل الأشجعي؛ لأنه6 من غطفان، وتكلم الأقرع بن حابس دون محلم؛ لأنه7 من خندف، فارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط8، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عيينة ألا تقبل الغير، فقال عيينة: "لا والله حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي"9.
____________________
1محلم - بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر اللام المشددة ثم الميم - ابن جثامة- بفتح الجيم وتشديد المثلثة فألف فميم فتاء تأنيث - ابن قيس بن ربيعة بن عبد الله بن يعمر الشداخ بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الكناني الليثي، أخو الصعب بن جثامة". (الاستيعاب 3/496وأسد الغابة 5/76-77 والإصابة 3/369 وشرح المواهب 2/285، ووقع في تاريخ الخميس والسيرة الحلبية "محكم بن جثامة" بالكاف ولعله خطأ مطبعي".
2 جاء تسمية هذا الرجل عند ابن إسحاق وغيره بأنه "عامر بن الأظبط الأشجعي" كما سيأتي في حديث (268) .
3 غير: بكسر الغين المعجمة وفتح المثناة التحتيةوراء: الدية، كما فسرت في آخر الحديث".
قال ابن الأثير: "الغير: "جمع الغيرة، وهي الدية، وجمع الغير: "أغيار، وقيل: "الغيرة: "الدية؛ وجمعها أغيار، مثل ضلع وأضلاع، وغيره إذا أعطاه الدية، وأصلها من المغايرة وهي المبادلة، لأنها بدل من القتل". (النهاية3/400وعون المعبود12/218) .
((4 قضى به: "أي بالغير، الذي هو الدية".
5 في زاد المعاد 3/367 "ولما كان عام خيبر، جاء عيينة بن بدر يطلب بدم عامر بن الأضبط الأشجعي"، الخ".
فقوله: "عام خيبر" خطأ، والصواب عام حنين".
6 لأنه: "أي الأشجعي وهو عامر بن الأضبط، وذلك أن أشجع هو: "ابن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان، وعيينة هو: "ابن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوبة بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذيبان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن قيس بن عيلان الفزاري، فعيينة وعامر بن الأضبط يجتمعان في ريث بن غطفان". (اللباب في تهذيب الأنساب 1/64 وأسد الغابة 4/331 كلاهما لابن الأثير، وعون المعبود 12/218-219) .
7 لأنه: "أي محلم بن جثامة من خندف، والاقرع بن حابس أيضا من خندف، وخندف، امرأة إلياس بن مضر واسمها ليلى بنت حلوان فغلبت نسبة أولادها من إلياس إليها".
فالأقرع بن حابس ينتمي إلى تميم بن مرة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ومحلم ابن جثامة ينتمي إلى ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، فالأقرع ومحلم "يجتمعان في خندف" زوج إلياس بن مضر، فهما من أولاد إلياس (أسد الغابة 1/128 و5/76-77، واللباب 1/223 و3/112 وعون المعبود 12/219، وغزوة بني المصطلق ص 49 وعند ابن إسحاق: "فقام إليه الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، يختصمان في عامر بن الأضبط الأشجعي، عيينة يطلب بدم عامر، وهو يومئذ رئيس غطفان، والأقرع بن حابس يدفع عن محملم لمكانه من خندف". (سير ة ابن هشام 2/627". انظر: "فتح الباري 13/418) .
8 اللغط: "بفتحتين: "صوت وضجة لا يفهمن معناها". (النهاية 4/257 وعون المعبود 12/219) .
9 وعند ابن إسحاق "فتداولا الخصومة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع، فسمعنا عيينة ابن حصن وهو يقول: "والله يا رسول الله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الخرقة مثل ما أذاق نسائي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا، وخمسين إذا رجعنا وهو يأبى عليه". وعند البلاذري: "والله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحزن ما أذاق نساءنا".(2/618)
قال: "ثم ارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله: "يا عيينة ألا تقبل الغير؟ فقال: "عيينة مثل ذلك أيضاً".
إلى أن قام1 رجل من بني ليث يقال له مكيتل2 عليه شكة3 وفي يده4 درقة فقال: "يا رسول الله إني لم أجد5 لما فعل هذا في غرة6 الإسلام مثلاً إلاّ غنماً7 وردت فرمي أولها فنفر آخرها، أسنناليوم8 وغير غدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمسون في فورنا9
____________________
1 وعند أحمد: "إذ قام رجل من بني ليث يقال له مكيتل قصير مجموع". وعند البلاذري: "وهو قصير مجمع".
2 مكتيل: "بمثناة مصغراً، وقيل: "مكيثر بكسر الثاء المثلثة وآخره راء". (الإصابة 3/457 وأسد الغابة 5/259) .
ورواية "مكيثر" عند ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام 2/627".
قال ابن حجر: "وفي رواية ابن هشام عن زياد البكائي "مكيثر".
وذكر ابن الأثير أيضا هذه القصة: "لمطر الليثي"، وقال: "أخرجه أبو موسى". ثم قال: "وقد رواه محمد بن جعفر بن الزبير عن زياد بن ضميرة عن أبيه، وسمى هذا الرجل "مكيتلا". "أسد الغابة 5/186". وقال ابن حجر في الإصابة 3/424: "مطر الليثي" في "مكيتل" فلعل "مكيتلا" لقب واسمه مطر".
3 الشكة: "بكسر الشين المعجمة، السلاح". (النهاية 2/495) .
4 وفي يده درقة أي في يد مكيتل والدرقة: "محركة الحجفة، وهي الترس من جلود بلا خشب ولا عقب". (النهاية1/345، واللسان10/383، والقاموس المحيط 3/126) .
5 وعند ابن إسحاق: "فقال: "والله يا رسول الله ما وجدت لهذا القتيل شبها في غرة الإسلام، إلا كغنم وردت فرميت أولاها فنفر آخرها".
6 غرة الإسلام: "أوله وغرة كل شيء أوله". (النهاية 3/354) .
(إلا غنماً وردت) على الماء للشرب، (فرمي) بصيغة المجهول، أي بالنبل أو الحجارة لقتلها أو طردها، (أولها) أي الغنم، (فنفر آخرها) أي بقية الغنم لخوف القتل، فكذلك ينبغي أن تقتل هذا الأوّل حتى تكون قتله عظة وعبرة للآخرين". (عون المعبود 12/220) .
(أسنن اليوم) صيغة أمر من سن سنة من باب نصر، (وغير غدا) صيغة أمر من التغير، وهذا مثل ثان ضربه لترك القتل، كما أن الأوّل ضربه للقتل ولذلك ترك العطف".
قال ابن الأثير: "اسنن اليوم وغير غدا: "معناه أن مثل محلم في قتله الرجل وطلبه أن لا يقتص منه وتؤخذ منه الدية، والوقت أوّل الإسلام وصدره كمثل هذه الغنم النافرة، يعني إن جرى الأمر مع أولياء القتيل على ما يريد محلم ثبط الناس عن الدخول في الإسلام معرفتهم أن القود يغير بالدية، والعرب خصوصاً وهم الحراص على درك الأوتار وفيهم الأنفة من قبول الديات، ثم حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإقادة منه بقوله: "اسنن اليوم وغير غدا" يريد إن لن تقتص منه غيرت سنتك، ولكنه أخرج الكلام على الوجه الذي يهيج المخاطب ويحثه على الإقدام والجرأة على المطلوب منه".
وقال أيضاً: " (اسنن اليوم وغير غداً) أي: "اعمل بسنتك التي سننتها في القصاص ثم بعد ذلك إذا شئت أن تغير فغير: "أي تغير ما سننت وقيل تغير: "من أخذ الغير، وهي الدية". 0 النهاية 2/410و 3/400-401، عون المعبود 12/220-221) .
9 وعند ابن إسحاق وأحمد:"في سفرنا هذا".وعند ابن ماجه والبلاذري:"في سفرنا".(2/619)
هذا، وخمسون إذا رجعنا إلى المدينة1، وذلك2 في بعض أسفاره".
ومحلم رجل طويل آدم3 وهو في طرف الناس، فلم يزالوا4 حتى تخلص فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تدمعان، فقال: "يا رسول الله إني قد فعلت الذي بلغك وإني أتوب إلى الله، فاستغفر الله لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام5، اللهم لا تغفر لمحلم بصوت عال6".
زاد أبو سلمة 7: "فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ردائه".
____________________
1 وعند ابن إسحاق وابن ماجه والبلاذري وأحمد: "فقبلوا الدية". وعند أحمد وابن إسحاق والبلاذري: "فقبلوا الدية ثم قالوا: "أين صاحبكم هذا، يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رجل آدم ضرب طويل، عليه حلة له، قد كان تهيأ للقتل فيها، حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "ما اسمك؟ قال: "أنا محلم بن جثامة".
2 وذلك: "أي القتل والقصة، أما القتل فكان في سرية إضم كما سيأتي في حديث عبد الله بن أبي حدرد، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في ص 604".
وأما المطالبة بهذا القتيل فكانت في غزوة حنين كما هو عند ابن هشام وأحمد والبلاذري".
3 الأدمة في الناس: "السمرة الشديدة، وعند ابن إسحاق: "ضرب طويل" والضرب خفيف اللحم". 0 النهاية 1/32و3/78) .
4 فلم يزالوا: "أي معاونون لمحلم (حتى تخلص) بفتح الخاء وشدة اللام بصيغة الماضي، أي: "نجا من القتل، وذلك بقبول الدية". (عون المعبود 12/221) .
وقال ابن إسحاق: "وأخبرنا سالم أبو النضر أنه حدث: "أنّ عيينة بن حصن وقيسا حين قال الأقرع بن حابس وخلا بهم، يا معشر قيس، منعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلا يستصلح به الناس، أفأمنتم أن يلعنكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلعنكم الله بلعنته، أو أن يغضب عليكم بغضبه؟ والله الذي نفس الأقرع بيده، لتسلمنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فليصنعن فيه ما أراد، أو لآتين بخمسين رجلا من بني تميم يشهدون بالله كلهم، لقتل صاحبكم كافرا، ما صلى قط، فلأطلن دمه، فلما سمعوا ذلك قبلوا الدية". (سيرة ابن هشام 2/628، والروض الأنف 7/490) .
قال ابن كثير في البداية والنهاية 4/225: "وهذا الحديث منقطع معضل".
5 وعند الزرقاني: "أقتلته بعدما قال أني مسلم، قال: "إنما قالها متعوذاً، قال: "أفلا شققت على قلبه لتعلم أصادق هو أم كاذب؟ قال: "وهل قلبه إلا مضغة من لحم، قال صلى الله عليه وسلم: "إنما كان ينبئ عنه لسانه"، وفي رواية "فقال صلى الله عليه وسلم: "لا ما في قلبه تعلم ولا لسانه صدقت". (شرح المواهب 2/286، والسيرة الحلبية3/207) .
6 وعند ابن إسحاق: "قال: "فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، ثم قال: "اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة ثلاثا". قال: "فقام وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه قال: "فأما نحن فنقول فيما بيننا: "إنا لنرجوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استغفر له، وأمّا ما ظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا".
وعند أحمد: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تغفر لمحلم لا تغفر لمحلم ثلاث مرات فقام من بين يديه، وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه، فأما نحن بيننا: "فنقول قد استغفر له، ولكنه أظهر ما أظهر ليدع الناس بعضهم من بعض".
والقائل: "أما نحن الخ هو زياد بن ضميرة الضمري عن أبيه عن جده، كما هو عند البلاذري".
7 أبو سلمة: "هو حماد بن سلمة".(2/620)
قال ابن إسحاق: فزعم قومه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر له بعد ذلك".
قال أبو داود: "قال النضر1 بن شميل: "الغير الدية2".
والحديث رواه أحمد من طريق ابن إسحاق "حدثني محمد بن جعفر قال: "سمعت زياد بن ضميرة بن سعد السلمي يحدث عروة بن الزبير عن أبيه ضمرة وعن جده"3".
وروى بعضه ابن ماجه من طريق ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر به إلا أنه قال: "عن زيد4 بن ضمرة حدثني أبي وعمي5".
قال ابن كثير: "والصواب كما رواه ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن زياد بن سعد بن ضمرة عن أبيه وعن جده".
وهكذا رواه ابو داود من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر عن زياد بن سعد ابن ضميرة عن أبيه وجده بنحوه6".إهـ.
والحديث في سيرة ابن هشام عن ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: "سمعت زياد بن ضميرة بن سعد السلمي يحدث عن عروة بن الزبير عن أبيه وجده7".
وكذا رواه عن ابن إسحاق البلاذري8".
وكذا رواه الطبراني من طريق ابن الزناد حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر بن الزبير أنه سمع زياد بن سعد بن ضميرة السلمي يحدث عن عروة بن الزبير عن أبيه9".
____________________
1 النضر بن شميل المازري النحوي "ثقة ثبت". (التقريب 2/301) .
2 سنن أبي داود 2/479-480 كتاب الديات، باب الإمام يأمر بالعفو في الدم".
3 المسند 5/112و6/10".
4 تقدم في حديث رقم (267) : "أن المزي رجح "زياد بن سعد بن ضميرة".
5 سنن ابن ماجه 2/876 كتاب الديات، باب من قتل عمدا فرضوا بالدية".
6 البداية والنهاية 4/225".
7 سيرة ابن هشام 2/627 والروض الأنف 7/488-489".
8 أنساب الأشراف ص 385".
(المعجم الكبير 6/51-52 ووقع عنده: "عن ابن أبي زياد) والصواب: "ابن أبي الزناد".(2/621)
وقد أشار ابن حجر إلى هذا في ترجمة زياد كما تقدم1".
وأورده الزرقاني عن ابن إسحاق فقال عن عروة عن أبيه عن جده2".
وقد صوب ابن كثير رواية ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن زياد بن سعد بن ضميرة أنه حدث عروة بن الزبير عن أبيه وعن جده وهي رواية أحمد وأبي داود".
والحديث فيه "زياد بن سعد بن ضميرة" وصفه ابن حجر في التقريب بقوله "مقبول".
وقال الذهبي: "فيه جهالة".
وقد قال ابن حجر عن هذا الحديث: "بأنه بإسناد حسن"3".
ولعل ذلك لما له من الشواهد الآتية:
268- ما رواه ابن إسحاق ومن طريقه رواه أحمد وابن شبة والطبري والبلاذري والسياق لابن إسحاق قال: "حدثني يزيد4 بن عبد الله ابن قسيط عن القعقاع5 بن عبد الله بن أبي حدرد عن أبيه عبد الله ابن أبي حدرد، قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضم في نفر من المسلمين، فيهم أبو قتادة6 الحارث بن ربعي ومحلم بن جثامة بن
____________________
1 في حديث (267) ص 604-605".
(شرح المواهب اللدنية 2/286 و287) .
3 الإصابة 2/29".
4 يزيد بن عبد الله بن قسيط - بقاف ومهملتين مصغرا - ابن أسامة الليثي، أبو عبد الله المدني الأعرج، ثقة من الرابعة (ت 122) . /ع". (التقريب 2/267 وتهذيب التهذيب 11/342) .
5 اختلف في صحبته وقد ذكره ابن حجر في القسم الرابع من الإصابة ومال إلى أنه لا صحبة له، وإنما الصحبة لأبيه". (الإصابة 3/280) .
ووقع عند البلاذري: "عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي القعاقاع بن عبد الملك ابن أبي حدرد"، وعند الطبري: "عن أبي القعاقاع بن عبد اللله بن أبي حدرد"، والذي في سيرة ابن هشام والروض الأنف ومسند أحمد والاستيعاب وأسد الغابة والإصابة: "القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد". انظر تعجيل المنفعة لابن حجر ص 227 وهو الأصح وأنه يروي عن أبيه مباشرة".
6 أبو قتادة الأنصاري".(2/622)
قيس، فخرجنا1 حتى كنا ببطن إضم2، مر بنا عامر3 بن الأضبط الأشجعي علىقعود4 له، ومعه متيع5 له، ووطب من لبن6، قال: "فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام، فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلم بن جثامة، فقتله لشيء كان بينه وبينه، وأخذ بعيره، وأخذ متيعه".
قال: "فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر، نزل فينا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ7 عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} 8 إلى آخر الآية [سورة النساء الآية: 94] .
____________________
1 عند أحمد والطبري: "فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ومحلم بن جثامة بن قيس الليثي فخرجنا الخ".
وعند ابن سعد أن هذه السرية كانت في أول شهر رمضان سنة ثمان من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قالوا لما هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزو أهل مكة بعث أبا قتادة بن ربعي في ثمانية نفر سرية بطن إضم وهي فيما بين ذي خشب وذي المروة، وبينها وبين المدينة ثلاثة برد". (الطبقات ابن سعد 2/133) .
2 وقال ابن سعد بأنه "بين ذي الخشب وذي المروة" وذو خشب: "بضم المعجمتين وبموحدة واد على ليلة من المدينة، له ذكر كثير في الحديث والمغازي".
وذي المروة بلفظ أخت الصفا من أعمال المدينة، على ثمانية برد منها وكانت تقع في مجتمع وادي إضم بوادي الجزل من الغرب، ووادي العيص من القبلة، وقد درست قبل القرن العشر وقامت على أنقاضها أم زرب، قرية تابعة للعلا، (التعليق على كتاب المناسك للحربي ص 413، و656) .
3 قال الزرقاني: "عامر بن الأضبط - بفتح الهمزة وسكون الضاد المعجمة وفتح الموحدة ثم طاء مهملة- الأشجعي المعدودة في الصحابة والذي ينبغي كما قال البرهان: "- عده في التابعين لأنه أسلم ولم يلق النبي مسلما وقد ذكره صاحب الإصابة في القسم الأول تسليما لمن قبله ثم أورده في القسم الثالث وهو فيمن أدرك الجاهلية والإسلام ولم يثبت أنهم اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا رأوه سواء أسلموا في حياته أم لا".
(شرح المواهب 2/285 وانظر: "الإصابة 1/5-6 و2/247-248 و3/85 و369، وأسد الغابة 3/117) .
4 قعود له: "قال ابن الأثير: "القعود من الدواب: "ما يقتعده الرجل للركوب والحمل، ولا يكون إلا ذكرا". وقيل القعود: "ذكر والأنثى قعودة، والقعود من الأبل: "ما أمكن أن يركب، وأداناه أن يكون له سنتان، ثم هو قعود إلى أن يثني فيدخل في السنة السادسة ثم هو جمل". (النهاية 4/87) .
5 متيع: "تصغير متاع".
6 وطب من لبن: "الوطب بسكون الطاء المهملة الزق الذي يكون فيه السمن واللبن وهو جلد الجذع فما فوقه، وجمعه أوطاب ووطاب". (المصدر السابق 5/203) .
7 قوله: {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، [سورة النساء، من الآية: 94] . قال الزرقاني: "ولا ينافي قوله: "فقتله لشيء كان بينه وبينه" قوله تعالى: {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، [سورة النساء، من الآية: 94] ؛ لأن الحقد من عرضها المبتغى مع أنه أخذ متاعه وبعيره أيضا". (شرح المواهب 2/286) .
8 وتمامها: {فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} . وقد ساقها أحمد في روايته عن ابن إسحاق كاملة".
وساق ابن سعد منها إلى قوله: {مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} ثم قال: "فمضوا ولم يلحقوا جمعا فانصرفوا حتى انتهوا إلى ذي خشب فبلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إلى مكة فلحقوه بالسقيا". (الطبقات الكبرى 2/133) .
قال الزرقاني: "وما ذكر من أنهم لحقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بألفي سقيا فأخبروه الخبر وأنه قال لمحلم: "أقتلته بعدما قال آمنت الخ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على محلم بعدم المغفرة وأنه مات بعد سابعة من لقي المصطفى صلى الله عليه وسلم بالسقيا، فإن بين هذا القول، وبين ما ذكره ابن إسحاق من أن الخصومة في شأن محلم والدعا عليه وموته كان في حنين بون بعيد، ثم قال الزرقاني: "لكن يحتمل الجمع بأنه اجتمع به السقيا حين عادوا من السرية ثم ساروا معه في الفتح حتى غزا حنينا ثم اختصم عنده عيينة والأقرع، فلما قبلوا الدية جاءوا بمحلم ليستغفر له فقال: "اللهم لا تغفر له" الخ فمات بعد سبع، فحفظ بعض الرواة مالم يحفظ الآخر ويؤيد ذلك أنه لم يقع في حديث ابن حدرد ولا ابن عمر تعيين المحل الذي أتوا به فيه، ووقع ذلك في حديث عروة بن الزبير عن أبويه بأنه في حنين فوجب قبوله لأنه زيادة ثقة". (شرح المواهب 2/286-287) .(2/623)
قال ابن هشام: "قرأ أبو عمرو1 بن العلاء: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَن أُلْقِيَ إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً} 2 لهذاالحديث3".
والحديث رواه أحمد والبلاذري كلاهما من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق به4".
إلا أن البلاذري قال: "عن أبي القعقاع بن عبد الملك بن أبي حدرد عن أبيه".
ورواه ابن شبة من طريق حماد بن سلمة عن ابن إسحاق به5".
ورواه الطبري في تفسيره وتاريخه من طريق سلمة بن الفضل الأبرش عن ابن إسحاق به".
إلا أنه قال في التاريخ: "عن أبي القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي".
____________________
1 أبو عمرو العلاء بن عمار بن العريان التميمي المازني النحوي البصري أحد الأئمة القراء السبعة وأحد علماء العربية، ثقة من الخامسة (ت 154) . / خت قد فق". (التقريب 2/454، وتهذيب التهذيب 12/178-180) .
2 معنى الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمِنُوا إِذَا ضَرَبْتُم فِي سَبِيلِ الله} سافرتم في الجهاد في سبيل الله {فَتَثَبَّتُوا} من التبين وهو التأمل، وفي قراءة {فَتَثَبَّتُوا} بالمثلثة من التثبت، {وَلاَ تَقُولُوا لِمَن أُلْقِيَ إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً} بألف ودونها "السلم" أي التحية أو الانقياد يقول كلمة الشهادة التي هي إمارة على الإسلام {لَسْتَ مُؤْمِناً} وإنما قلت تقية وتعوذا من القتل، {تَبْتَغُونَ} تطلبون بذلك {عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} متاعها من الغنيمة، {فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} تغنيكم عن قتل مثله لما له، {كذلك كنتم من قبل} تعصم دماؤكم وأموالكم بمجرد قولكم الشهادة {مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُم} بالاشتهار بالإيمان والاستقامة {فَتَبَيَّنُوا} أن تقتلوا مؤمنا وافعلوا بالداخل في الإسلام كما فعل بكم {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} فيجازيكم به". (تفسير الجلالين ص 77 وفتح القدير للشوكاني 1/501) .
3 سيرة ابن هشام 2/626-627، والروض الأنف 7/487-488".
4 مسند أحمد 6/11 وأنساب الأشراف للبلاذري 384-385".
5 تاريخ المدينة 2/445-446".(2/624)
وقال بعضهم: "عن ابن القعاع عن أبيه، عن عبد الله بن أبي حدرد1".
والحديث أورده الهيثمي ثم قال: "رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات2".
269- ما رواه الطبري حدثنا ابن وكيع3 قال: "ثنا جرير4 عن محمد بن إسحاق عن نافع5 أن ابن عمر6 قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم محلم بن جثامة مبعثا، فلقيهم عامر بن الأضبط، فحياهم بتحية الإسلام، وكانت بينهم إحنة7 في الجاهلية، فرماه محلم بسهم فقتله، فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم فيه عيينة والأقرع، فقال الأقرع: "يا رسول الله سن اليوم وغير غدا، فقال عيينة: "لا والله حتى تذوق نساؤه من الثكل8 ما ذاق نسائي، فجاء محلم في بردين، فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا غفر الله لك" فقام وهو يتلقى دموعه برديه، فما مضت سابعة حتى مات ودفنوه فلفظته9 الأرض فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: "إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله عز وجل أراد أن يعظكم".
____________________
1 جامع البيان 5/222-223 وتاريخ الرسل والملوك 3/35-36".
وقد تقدم في الحديث (268) أن الصواب في هذا أنه القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد، وأنه يروي عن أبيه عبد الله بن أبي حدرد بدون واسطة". (انظر: ص 610) .
2 مجمع الزوائد 7/8 وانظر المعجم الكبير للطبراني 6/52".
3 هو سفيان بن وكيع بن الجرح أبو محمد الرؤاسي الكوفي، كان صدوقا، إلا أنه ابتلي بِوَرّاقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح ولم يقبل فسقط حديثه، من العاشرة (ت247) . /ت ق". (التقريب 1/312 وتهذيب التهذيب 4/123) .
4 جرير: "هو ابن عبد الحميد بن قرط "ثقة" تقدم في حديث (26) .
5 نافع، أبو عبد الله المدني، مولى ابن عمر، ثقة ثبت فقيه، مشهور من الثالثة (ت117) . أو بعد ذلك". /ع". (التقريب 2/296 وتهذيب التهذيب 10/412) .
6 هو عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، أبو عبد الرحمن ولد بعد المبعث بيسير واستصغر يوم أحد، وهو ابن أربع عشرة سنة، وهو أحد المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة، وكان من أشد الناس اتباعا للأثر (ت73) في آخرها أو أوّل التي تليها". /ع". (التقريب 1/435 وتهذيب التهذيب 5/326) .
((7إحنة: "بكسر الهمزة: "الحقد وجمعها إحن وإحنات". (النهاية 1/27) .
8 الثكل: "قال في النهاية (1) /217: "الثكل: "فقد الولد".
9 فلفظته الأرض: "أي ألقته ورمته على وجهها". (النهاية 4/260) .(2/625)
ثم طرحوه بين صدفي1 جبل، وألقوا عليه من الحجارة، ونزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} ، [سورة النساء، من الآية: "94] . الآية2".
والحديث فيه سفيان بن وكيع وقد قال عنه ابن حجر بأنه "نصح فلم يقبل فسقط حديثه".
وفيه ابن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن.
270- ما رواه الطبراني حدثنا أبو يزيد3 القراطيسي ثنا سعيد4 ابن أبي مريم ثنا ابن أبي الزناد حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن الحسن5 بن أبي الحسن قال: "لما مات6 دفنه قومه فلفظته الأرض ثلاث مرات فألقوه بين ضواحي7 جبل وربوا عليه بالحجارة فأكلته السباع".
قال ابن أبي الزناد: "بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبر أن الأرض لفظته قال: "أما إنّ الأرض تقبل من هو شر منه ولكن الله أراد أن يريكم عظم الدم عنده" 8.
ورواه الواقدي فقال: "حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن
____________________
1 صدفي الجبل: "قال ابن الأثير: "الصدف بفتحتين وضمتين: "كل بناء عظيم مرتفع، تشبيها بصدف الجبل وهو ما قابلك من جانبه (النهاية 3/17) .
2 جامع البيان 5/222 والحديث أورده ابن كثير في تفسيره 1/539 عن ابن جرير فقال عن (أبي إسحاق) والصواب عن ابن إسحاق وقال في الحديث: "سر اليوم وغر غدا" والحديث عند ابن جرير الطبري وغيره "سن اليوم وغير غدا".
وروى أيضا في البداية والنهاية4/225 عن ابن جرير الطبري أيضاً فقال: "ابن جرير حدثنا "وكيع" وهو خطأ والصواب ابن وكيع كما هو عند الطبري وأيضا فإن الطبري لم يدرك وكيعا فإن وفاة وكيع سنة (197) وكانت ولادة الطبري سنة (224) .
(انظر تذكرة الحفاظ للذهبي 1/309 و2/711) .
3 هو يوسف بن يزيد بن كامل القراطيسي، أبو يزيد، مولى بني أمية، ثقة من الحادية عشرة (ت287) ويقال إنه عاش مائة سنة". /س". (التقريب 2/383 وتهذيب التهذيب 11/429) .
4 سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء، أو محمد المصري، ثقة ثبت فقيه، من كبار العاشرة، (ت224) . / ع". (التقريب 1/293 وتهذيب التهذيب 4/17-18) .
5 هو البصري".
6 أي محلم بن جثامة".
7 لعله بالصاد المهملة، وصواحي الجبل جانبه وما يقبل من وجهه القائم". (النهاية 1/58 والقاموس المحيط 1/235) .
8 المعجم الكبير 6/52".(2/626)
الحارث عن الحسن البصري قال: "لما مات محلم بن جثامة دفنه قومه فلفظته الأرض ثم دفنوه فلفظته الأرض فطرحوه بين صخرتين فأكلته السباع1".
وأورده الهيثمي ثم قال: "رواه الطبراني وإسناده منقطع2".
والحديث رواه ابن إسحاق فقال: "حدثني من لا أتهم عن الحسن البصري قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس بين يديه: "أمنته بالله ثم قتلته!
ثم قال له المقالة التي قال، قال: "والله مامكث محلم بن جثامة إلا سبعا حتى مات فلفظته الأرض –والذي نفس الحسن بيده- الأرض، ثم عادوا له، فلفظته الأرض ثم عادوا فلفظته، فلما غلب قومه عمدوا إلى صدين3 فسطحوه4 بينهما، ثم رضموا5 عليه الحجارة حتى واروه".
قال: "فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه، فقال: "والله إن الأرض لتطابق6 على من هو شر منه، ولكن الله أراد أن يعظكم في حرم7 مابينكم بما أراكم منه" 8.
والحديث مرسل، والمرسل من قسم الحديث الضعيف عند جماهير المحدثين وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول9".
والأحاديث بمجموعها تدل على أن هذه القصة حصلت لمحلم بن جثامة الليثي في قتله عامر بن الأضبط الأشجعي بعد أن ظهر منه ما يدل على أنه مسلم وأنه نزل في ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} ، [سورة النساء، من الآية: 94] . الآية".
____________________
1 مغازي الواقدي 3/921".
2 مجمع الزوائد 7/294".
3 صدين: "الصد: "بضم الصاد وفتحها: "الجبل وناحية الوادي".
4 فسطحوه: "أضجعوه بينهما".
5 رضموا عليه: "الرضم ويحرك وكتاب صخور عظام يرضم بعضها فوق بعض في البناء، والمعنى ألقوا عليه عليه من الحجارة حتى ستروه وغطوه". (القاموس المحيط 1/228، 306 و4/120) .
6 لتطابق: "بتشديد الطاء: "أي تضم وتغطي". (المصدر السابق 3/256) .
7 حرم: "أي يريد الله أن يعلمكم حرمة ما بينكم وأن المسلم لا يجوز انتهاك حرمته لأنه معتصم بالإسلام ممتنع بحرمته ممن أراده أو أراد ماله". (النهاية 1/372 والقاموس المحيط 4/95) .
8 سيرة ابن هشام 2/628 والروض الأنف 7/490، وأنساب الأشراف للبلاذري ص 386".
9 انظر تدريب الراوي ص 189".(2/627)
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على محلم فمات فدفن فألقته الأرض على ظهرها، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: "إن الأرض لتقبل من هو شر منه ولكن الله أراد أن يعظكم في حرم ما بينكم بما أراكم منه".
وقد أورد ابن عبد البر هذه الأحاديث في ترجمة محلم بن جثامة، ثم قال: "وقد قيل إن هذا ليس محلم بن جثامة، فإن محلم بن جثامة نزل حمص بآخره ومات بها في إمارة ابن الزبير1".
والاختلاف في المراد بهذه الآية كثير مضطرب فيه جدا.
قيل نزلت في المقداد، وقيل نزلت في أسامة بن زيد، وقيل نزلت في محلم بن جثامة.
وقال ابن عباس نزلت في سرية ولم يسم أحدا، وقيل نزلت في غالب الليثي وقيل نزلت في رجل من بني ليث يقال له فليت كان على سرية وقيل نزلت في أبي الدرداء، وهذا اضطراب شديد جداً، ومعلوم أن قتله كان خطأ لا عمدا لأن قاتله لم يصدقه في قوله". والله أعلم2.
وذكر ابن حجر بعضا ممن قيل إن الآية نزلت بسببه، ومنهم محلم بن جثامة ثم قال: "ولا مانع أن تنزل الآية في الأمرين معا3".
وقال الزرقاني: "يحتمل تعدد القصة وتكرير نزول الآية 4".
وقال القرطبي: "واختلف في تعين القاتل والمقتول في هذه النازلة فالذي عليه الأكثر وهو في سير ابن إسحاق ومصنف أبي داود والاستيعاب لابن عبد البر أن القاتل محلم بن جثامة، والمقتول عامر بن الأضبط". فدعا عليه السلام على محلم فما عاش بعد ذلك إلا سبعا ثم دفن فلم تقلبه الأرض ثم دفن فلم تقبله ثم دفن ثالثة فلم تقبله، فلما رأوا أن الأرض لا تقبله ألقوه في بعض تلك الشعاب".
____________________
1 وقال البلاذري من جعل هذه القصة لمحلم بن جثامة وأنه هو الذي مات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفظته الأرض، قال: "إن الذي مات بحمص: "هو الصعب بن جثامة، أخو محلم".
2 الاستيعاب 3/486-498 مع الإصابة، وانظر هذه الأقوال في سبب نزول الآية: "جامع البيان للطبري 5/222-226 وتفسير ابن كثير 1/538-540 والدر المنثور للسيوطي 2/199-201". وفتح القدير للشوكاني 3/502".
3 فتح الباري 8/258-259".
4 شرح المواهب 2/286".(2/628)
وقال عليه السلام: "إن الأرض لتقبل من هو شر منه".
وقال الحسن: "أم إنها تحبس من هو شر منه ولكنه وعظ القوم ألا يعودوا".
ثم ذكر بيقة الأقوال فيمن قيل إن الآية نزلت بسببه أيضا ثم قال: "ولا خلاف أن الذي لفظته الأرض حين مات هو محلم الذي ذكرناه، ولعل هذه الأحوال جرت في زمان متقارب فنزلت الآية في الجميع1".إهـ".
وقال أحمد مصطفى المراغي: "ولا مانع من تعدد الوقائع قبل نزول الآية وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها على أصحاب كل واقعة فيرون أنهم سبب نزولها2".
وقد ذكر أصحاب المغازي والسير أن القاتل في سرية إضم هو محلم بن جثامة وأن المقتول هو عامر بن الأضبط وأنه نزل بسبب ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ، الآية".
وأن عيينة بن حصن والأقرع بن حابس اختصما في شأنهما أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين 3". ويستفاد من هذه القصة عظم شأن دماء المسلمين وأن الأصل فيمن أظهر الإسلام أنه مسلم يحرم دمه وماله، وأن قاتله بعد إظهاره إسلامه ارتكب كبيرة عظيمة".
ويؤخذ من الأحاديث درء الحدود بالشبهات حيث حكم الرسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية ولم يقتل القاتل".
وفي لفظ الأرض له بعد دفنه الزجر والتهديد والعظة ما يجعل دماء المسلمين من أعظم المحرمات التي لا يجوز التساهل فيها كما قال صلى الله عليه وسلم "ولكن الله أراد أن يعظكم ويريكم عظم الدم عنده".
__________
1 الجامع لأحكام القرآن 5/336-338".
2 تفسير المراغي 5/126".
3 سيرة ابن هشام 2/626-629 والروض الأنف 7/487-491، ومغازي الواقدي 2/796-797و3/919-921،والطبقات الكبرى لابن سعد2/123 و4/282، وتاريخ خليفة ص 85، وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/35-36، والكامل لابن الأثير2/158، وأسد الغابة له2/355 و3/59-60 و5/76-77 و186 و259، والشفا للقاضي عياض 1/329، وزاد المعاد 3/366-367، والبداية والنهاية 4/224-226، وتاريخ الخميس للديار بكري 2/76، والمواهب اللدنية للقسطلاني 1/147-148، وشرح المواهب للزرقاني 2/285-287، والسير الحلبية لبرهان الدين الحلبي 3/206-208".(2/629)
الحكم الثاني عشر: في بيان نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم
جاء في هذا الحكم عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام".
ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة الطائف ونزل الجعرانة وقسم بها غنائم هوزان، سأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نذره في الجاهلية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك".
وقد ورد هذا الحديث من مسند عمر بن الخطاب، ومن مسند ابنه عبد الله بن عمر أيضا".
أما وروده من مسند عمر بن الخطاب فأخرجه:271 أ- البخاري من رواية إسماعيل1 بن عبد الله عن أخيه2 عن سليمان3 عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه ـ، أنه قال: "يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية4 أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك" فاعتكف5 ليلة6".
____________________
1 هو ابن أويس أبو عبد الله بن أبي أويس الأصبحي".
2 هو عبد الحميد بن عبد الله أبو بكر بن أبي أويس".
3 هو ابن بلال التيمي".
4 قوله: "إني نذرت في الجاهلية":
قال ابن حجر: "زاد حفص بن غياث عن عبيد الله عند مسلم "فلما أسلمت سألت" وفيه رد على من زعم أن المراد بالجاهلية ما قبل فتح مكة، وأنه إنما نذر في الإسلام، وأصرح من ذلك ما أخرجه الدارقطني من طريق سعيد بن بشير عن عبيد الله بلفظ "نذر عمر أن يعتكف في الشرك" فأوضح ابن حجر: "أن المراد بالجاهلية في الحديث قبل إسلام عمر لأن جاهلية كل أحد بحسبه، وليس ما قبل فتح مكة، ولا زمن فترة النبوة، وهو ما قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك يتوقف على نقل، وقد تقدم أن عمر نذر قبل أن يسلم، وبين البعثة وإسلامه مدة". (انظر فتح الباري 4/274 و11/582، وشرح معاني الآثار للطحاوي 3/133 وسنن الدارقطني 2/201) .
5 عند الدارقطي 2/199 من طريق محمد بن فليح بن سليمان عن عبيد الله بن عمر فاعتكف عمر ليلة" وقال: "إسناد ثابت".
6 صحيح البخاري 3/44-45 كتاب الاعتكاف، باب من لم ير عليه إذا اعتكف صوما".
قال ابن حجر: في الحديث رد على من قال: "أقل الاعتكاف عشرة أيام أو أكثر من يوم، وقد تقدم نقله في أول الاعتكاف، وتظهر فائدة الخلاف فيمن نذر اعتكافا مبهما".
وقال في أول الاعتكاف: "واتفقوا على أنه لا حد لأكثره واختلفوا في أقله فمن شرط فيه الصيام قال أقله يوم، ومنهم من قال يصح مع شرط الصيام في دون اليوم حكاه ابن قدامة".
وعن مالك يشترط عشرة أيام، وعنه يوم أو يومان".
ومن لم يشترط الصوم، قالوا أقله ما يطلق عليه اسم لبث ولا يشترط القعود، وقيل يكفي المرور مع النية كوقوف عرفة.
وروى عبد الرزاق عن يعلى بن أمية الصحابي قال: "إني لأمكث في المسجد الساعة وما أمكث إلا لأعتكف". (فتح الباري 4/272 و275، ومصنف عبد الرزاق 4/346) .(2/630)
ب - ورواه أحمد وأبو داود والترمذي الجميع من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: "يا رسول الله إني كنت نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية، قال: "أوف بنذرك"1 لفظ الترمذي".
وقال الترمذي: "حسن صحيح".
ج- ورواه النسائي وابن ماجه كلاهما عن إسحاق2 بن موسى الخطمي ثنا سفيان بن عيينة عن أيوب3 عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه كان عليه نذر ليلة في الجاهلية يعتكفها فسأل النبي صلى الله عليه وسلم "فأمره أن يعتكف" لفظ ابن ماجه4".
د- ورواه ابن ماجه والدارمي والطحاوي كلهم من طريق حفص5 بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر ابن الخطاب قال: "نذرت نذراً في الجاهلية، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أسلمت، فأمرني أن أُوفي بنذري" 6 لفظ ابن ماجه.
____________________
1 مسند أحمد 1/37و2/20 وسنن أبي داود 2/217 كتاب الأيمان والنذور، باب من نذر في الجاهلية ثم أدرك الإسلام، ورواه عن أحمد بن حنبل ثنا يحيى بن سعيد القطان".
2 هو أبو موسى المدني قاضي نيسابور "ثقة متقن" من العاشرة، (ت244) . /م ت س ق". (التقريب 1/61، وتهذيب التهذيب 1/251) .
3 أيوب: "هو السختياني".
4 سنن النسائي 7/20 كتاب الأيمان والنذور، باب إذا نذر ثمّ أسلم قبل أن يفي.
وسنن ابن ماجه 1/563 كتاب الصيام، باب في اعتكاف يوم أو ليلة.
5 حفص بن غياث بن طلق.
6 سنن ابن ماجه 1/687 كتاب الكفارات، باب الوفاء بالنذر". وسنن الدارمي 2/104 كتاب النذور والأيمان، باب الوفاء بالنذر". وشرح معاني الآثار للطحاوي 3/133". وانظر ذخائر المواريث 3/60 حديث (5853) وتحفة الأشراف للمزي 8/65-67 حديث (10550) .(2/631)
ولفظ الدارمي "عن عمر قال قلت: "يا رسول الله إني نذرت نذرا في الجاهلية، ثم جاء الإسلام، قال: "أوف بنذرك".
ولفظ الطحاوي: "عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أراه1 عن عمر - رضي الله عنه -، قال: "قلت يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية نذرا، وقد جاء الله بالإسلام، فقال: "أوف بنذرك".
وأما ورود الحديث من مسند عبد الله بن عمر فأخرجه البخاري: "حدثنا مسدد2 حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال: "أوف بنذرك".
ورواه عن محمد بن مقاتل أبي الحسن، أخبرنا عبد الله3 أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أَنَّ عمر، قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال:"أوف بنذرك".
ثُمَّ قال البخاري - أيضاً -: "حدّثنا أبو النعمان4 حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر قال5:يا رسول الله6".
____________________
1 أراه بضم الهمزة: "أي أظنه".
2 قوله: "حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد":
قال ابن حجر: "وهو القطان، كذا رواه مسدد من مسند ابن عمر، ووافقه المقدمي وغيره عند مسلم وغيره، وخالفهم يعقوب بن إبراهيم عن يحيى فقال "عن ابن عمر عن عمر" أخرجه النسائي، وكذا أخرجه أبو داود عن أحمد لكنه في المسند كما قال مسدد، (يعني من مسند ابن عمر) فاختلف فيه على عبيد الله بن عمر عن نافع وعلى أيوب عن نافع". (فتح الباري 4/274) .
ورواية يعقوب بن إبراهيم أخرجها النسائي في السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف 8/65 حديث (10550) والحديث عند أحمد "من مسند عمر" وليس كما قال الحافظ ابن حجر بأنه عند أحمد كما قال مسدد، يعني أنه من مسند ابن عمر، انظر ص (619) ، والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه 3/351 عن محمد بن بشار حدثنا يحيى مثل رواية مسدد، يعني فجعله من مسند ابن عمر.
3 هو ابن المبارك".
4 أبو النعمان: "هو محمد بن الفضل السدوسي، المعروف "بعارم".
5 قوله: "عن نافع أن عمر قال: "يا رسول الله"، قال ابن حجر: "هكذا ذكره البخاري مرسلا مختصرا، ثم عقبه برواية معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولا تاما".
وإنما أورد طريق حماد بن زيد المرسلة للإشارة إلى أن روايته مرجوحة لأن جماعة من أصحاب شيخه أيوب خالفوه فوصلوه بل بعض أصحاب حماد بن زيد رواه عنه موصولا كما أشار إليه البخاري".أيضا هنا-يعني قوله-وقال بعضهم: حماد عن أيوب عن نافع الخ". (فتح الباري8/35-36) .وقد تقدم مزيد لهذا في حديث (212) .
6 تقدم حديث برقم (212) .(2/632)
ح- وحدثني محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر، عن أيوب عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: "لما قفلنا من حنين سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكاف، فأمره بوفائه".
وقال بعضهم: حماد1 عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبيصلى الله عليه وسلم".
ورواه أيضا عن عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة2 عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن عمر - رضي الله عنه - نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام - قال: "أراه3 قال ليلة - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك" 4.
ورواه مسلم عن محمد بن أبي بكر المقدمي ومحمد بن المثنى وزهير ابن حرب واللفظ لزهير" حدثنا يحيى "وهو ابن سعيد القطان" عن عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن عمر قال: " يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال: "فأوف بنذرك".
ورواه من طريق أبي أسامة.
ومن طريق عبد الوهاب الثقفي.
ومن طريق حفص بن غياث.
ومن طريق شعبة كلهم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر.
وقال حفص من بينهم عن عمر بهذا الحديث.
أما أبو أسامة والثقفي ففي حديثهما اعتكاف ليلة.
وأما في حديث شعبة فقال: "جعل عليه يوما يعتكفه". وليس في حديث حفص ذكر يوم ولا ليلة.
____________________
1 حماد: "قال ابن حجر: "هو حماد بن زيد ,فإنه ذكر عقبه رواية حماد بن سلمة وهي مخالفة لسياقه". (فتح الباري 8/35) .
2 هو حماد بن أسامة أبو أسامة الكوفي".
3 قوله: "قال أراه" بضم أوله أي أظنه, والقائل ذلك هو عبيد شيخ البخاري أو البخاري نفسه, فقد رواه الإسماعيلي وغيره من طريق أخرى عن أبي أسامة بغير شك". (فتح الباري 4/284) .
4 صحيح البخاري 3/42-43كتاب الاعتكاف, باب الاعتكاف ليلا. و3/44 باب من لم ير عليه صوما إذا اعتكف, و45باب إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف ثم أسلم, و4/74 كتاب فرض الخمس ,باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه, و8/120 كتاب الإيمان والنذور, باب إذا نذر أو حلف أن لا يكلم إنسانا في الجاهلية ثم أسلم". وتقدم الحديث برقم (212) وأخرجه البغوي من طريق البخاري عن مسدد عن يحيى القطان". (شرح السنة 6/402) .(2/633)
ورواه من طريق حماد1 بن زيد حدثنا أيوب عن نافع قال ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فقال: "لم يعتمر منها2, قال: وكان عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية3".
ورواه الدارقطني من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: "أن عمر نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أوف بنذرك" هذا إسناد صحيح.
ورواه من طريق محمد بن فليح بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، فلما كان الإسلام سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:"أوف بنذرك فاعتكف عمر ليلة".إسناد ثابت4.
ورواه النسائي والحميدي وابن خزيمة كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: " كان على عمر نذر في اعتكاف ليلة في المسجد الحرام فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأمره أن يعتكف" 5.
وهذه الأحاديث الماضية جاء فيها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه "اعتكف ليلة".
وقد جاء أيضا في الأحاديث الآتية أنه اعتكف يوما "وهو:
أ- ما رواه البخاري من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر بن
____________________
1 وكذا رواه ابن خزيمة من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع وتقدم برقم (212) .
2 سيأتي الجواب عن نفي ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة في مبحث عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة في ص 719".
3 صحيح مسلم 3/1277-1278 كتاب الأيمان، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم وانظر تحفة الإشراف 6/66-67 و127 و141 و158، و176 حديث (7521 و7828، و7916 و8039 و 8157، وتقدم الحديث برقم (212) .
4 سنن الدارقطني2/198-199) .
5 سنن النسائي 7/20 كتاب الأيمان والنذور، بابا إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفي واللفظ له، ومسند الحميدي 2/304، وصحيح ابن خزيمة 3/347 وزاد: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد وهب له جارية من سبي حنينا، فبينا هو معتكف في المسجد إذ دخل الناس يكبرون فقال: "ما هذا؟ قالوا: "رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل سبي حنين، قال: "فأرسلوا تلك الجارية".(2/634)
الخطاب رضي الله عنه قال: "يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم في الجاهلية, فأمره أن يفي به1".
ب- ما رواه مسلم والطحاوي والبيهقي كلهم من طريق جريج ابن حازم أن أيوب حدثه أن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه أن عمر ابن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف, فقال: "يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام ,فكيف ترى؟ قال "اذهب فاعتكف يوما" الحديث2. لفظ مسلم.
ج- ورواه أحمد ومسلم كلاهما من طريق معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال:لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من حنين سأل عمر عن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكاف يوم, فأمره به 3 لفظ أحمد".
د- ورواه مسلم أيضا من طريق حجاج بن المنهال حدثنا حماد عن أيوب ومن طريق عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق كلاهما عن نافع عن ابن عمر بهذا الحديث4 في النذر وفي حديثهما جميعا: اعتكاف يوم5.
هـ- ورواه أحمد ومسلم والنسائي كلهم من طريق شعبة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: "أن عمر كان قد جعل عليه يوماً يعتكفه في الجاهلية فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمره أن يعتكف" لفظ أحمد6.
____________________
1 صحيح البخاري 4/74، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه".
2 صحيح مسلم 3/1277 كتاب الأيمان، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم". وشرح معاني الآثار للطحاوي 3/133". والسنن الكبرى للبيهقي 6/338".
3 مسند أحمد 2/35 وصحيح مسلم 3/1278 كتاب الأيمان، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم، وتقدم الحديث برقم (212) .
4 يشير إلى حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع قال: "ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة".
قوله: "وفي حديثهما": "يريد ابن إسحاق وأيوب".
5 صحيح مسلم 3/1278 كتاب الأيمان باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم.
6 مسند أحمد 2/82 وسنن النسائي 7/20 كتاب الأيمان والنذور، باب إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفي، وتقدم حديث مسلم ص (621) .(2/635)
وجاء بدون تقييد بيوم ولا ليلة:
1- عند أحمد من طريق حماد بن سلمة.
والبخاري1 من طريق معمر كلاهما عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر - رضي الله عنه - سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فقال: "إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام"2 لفظ أحمد.
2- ورواه مسلم من طريق حفص بن غياث3، والبيقهي من طريق سفيان4 كليهما عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قال: "قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه نذرت أن أعتكف في المسجد الحرام فلما أسلمت سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: "أوف بنذرك" 5 لفظ البيهقي.
وقد جاء أيضاً في الحديث عن عمر قال: "نذرت نذرا في الجاهلية فسألت النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أسلمت، فأمرني أن أوفي بنذري" بدون ذكر اعتكاف وقد تقدم6".
وقد تبيّن مما تقدم أن الحديث ورد بلفظ "اعتكاف ليلة" وبلفظ "اعتكاف يوم"، وقد أجاب العلماء عن هذا بجوابين:
الأوّل: "الجمع بين الحديثين وهو ما أجاب به ابن خزيمة وغيره، فإنه بعد أن ساق الحديث الوارد فيه "لفظ ليلة".
قال: وقال بعض الرواة: "في خبر نافع عن ابن عمر عن عمر قال: "إني نذرت أن أعتكف يوماً، فإن ثبتت هذه اللفظة، فهذا من الجنس الذي أعلمت أن العرب
____________________
1 انظر: "حديث البخاري في ص (621) .
2 المسند 2/153 والحديث رواه أحمد عن عبد الصمد وعفان كليهما عن حماد بن سلمة وتقدم الحديث برقم (212) .
3 تقدم حديث مسلم في ص: " () .
4 تقدم حديث مسلم ص (621)
5 سفيان: "هنا الظاهر أنه الثوري، لأن البيهقي روى هذا الحديث من طريق يزيد بن أبي حكيم الكناني عن سفيان، وفي ترجمة يزيد ذكر أن شيخه سفيان الثوري". (انظر تهذيب التهذيب 11/319) .
6 في ص (619) .(2/636)
قد تقول يوما1 بليلته، وتقول ليلة تريد بيومها، وقد ثبتت الحجة في كتاب الله عز وجل في هذا2". إهـ.
وقال ابن حجر: "وقد جمع ابن حبان وغيره بين الروايتين بأن عمر نذر اعتكاف يوم وليلة، فمن أطلق ليلة أراد بيومها ومن أطلق يوماً أراد بليلته3". إهـ.
وأجاب النووي عن ذكر (اليوم) باحتمال أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اعتكاف ليلة، وسأله عن اعتكاف يوم، فأمره بالوفاء بما نذر، فحصل منه صحة اعتكاف الليل وحده4".
الثاني: "الترجيح: "وهو ما أجاب به البيهقي وغيره، فقد ساق البيهقي الحديث من طريق عبدان أنبأ عبد الله بن المبارك عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال: "يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام".
ثم قال: "رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن مقاتل عن عبد الله ابن المبارك".
وكذلك رواه سليمان بن بلال ويحيى بن سعيد القطان وأبو أسامة وعبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله، قالوا فيه: "ليلة".
وكذلك قاله حماد5 بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر6.
وقال جرير بن حازم ومعمر عن أيوب "يوم" بدل "ليلة" وكذلك رواه شعبة عن عبيد الله.
____________________
1 نحو قوله تعالى: {قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً} ، [سورة آل عمران، من الآية: 41] ، أي: "بلياليها".
ونحو: {قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً} ، [سورة آل عمران، من الآية: 41] ، أي: "بأيامها". (انظر: "تفسير الجلالين ص 46، و254) .
2 صحيح ابن خزيمة 3/347-348.
3 فتح الباري 4/274 وتحفة الأحوذي 5/142 وعون المعبود 9/155.
4 شرح النووي على صحيح مسلم 4/205".
5 ورواه حماد بن زيد عن أيوب أيضاً بلفظ: "اعتكاف يوم"، وكذلك رواه حماد بن سلمة ومحمد بن إسحاق عن أيوب". (انظر: "ص 623) .
6 وكذلك رواه ابن عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر بلفظ "اعتكاف ليلة". (انظر ص 619 و622) .(2/637)
ورواية الجماعة عن عبيد الله أولى، وحماد بن زيد أعرف بأيوب من غيره1".إهـ.
وقال ابن حجر: "ورواية من روى "يوما" "شاذة" وقد وقع في رواية سليمان بن بلال "فاعتكف ليلة"2 فدل على أنه لم يزد على نذره شيئا وأن الاعتكاف لا صوم فيه، وأنه لا يشترط له حد معين3".
ويؤخذ من قصة عمر بن الخطاب مسألتان:
الأولى: "إذا نذر الكافر ثم أسلم هل يجب عليه الوفاء بما نذر، أو أن ذلك من باب الاستحباب".
الثانية: " هل الصيام شرط لصحة الاعتكاف أو أن الاعتكاف يصح بدون صوم". خلاف بين العلماء في ذلك".
المسألة الأولى:
قال النووي: "اختلف العلماء في صحة نذر الكافر، فقال مالك وأبو حنفية وسائر الكوفيين وجمهور أصحابنا: "لا يصح".
وقال المغيرة4 المخزومي وأبو ثور والبخاري وابن جرير وبعض أصحابنا:
يصح وحجتهم ظاهر حديث عمر".
وأجاب الأولون عنه بأنه محمول على الاستحباب، أي يستحب لك أن تفعل الآن مثل ذلك الذي نذرته في الجاهلية5".
وساق الطحاوي حديث عمر الوارد فيه "أوف بنذرك" ثم قال: "قال أبو جعفر: "فذهب قوم إلى أن الرجل إذا أوجب على نفسه في حال شركه، من اعتكاف أو صدقة
____________________
1 السنن الكبرى للبيهقي 4/318".
2 انظر حديث رقم 271".
3 فتح الباري 4/274".
4 المغيرة بن سلمة المخزومي، أبو هشام البصري، ثقة ثبت، من صغار التاسعة (ت 200) . / خت م د س ق (التقريب 2/269 وتهذيب التهذيب 10/261) .
5 شرح النووي على صحيح مسلم 4/204".(2/638)
أو شيء مما يوجبه المسلمون لله، ثم أسلم - أن ذلك واجب عليه واحتجوا في ذلك بهذه الآثار".
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: "لا يجب عليه من ذلك شيء واحتجوا في ذلك بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ساق حديث عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
272- "من نذر أن يعصي الله فلا يعصه" 1.
273- وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "إنما النذر ما ابتغى به وجه الله".
ثم قال: "قالوا: "فلما كانت النذور إنما تجب إذا كانت مما يتقرب به إلى الله تعالى، ولا تجب إذا كانت معاصي الله وكان الكافر إذا قال: "لله عليّ صيام"، أو قال: "لله عليّ اعتكاف" فهو لو فعل ذلك، لم يكن به متقربا إلى الله وهو في وقت ما أوجبه، إنما قصد به إلى ربه الذي يعبده من دون الله وذلك معصية".
فدخل ذلك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر في معصية".
وقد يجوز أيضا أن يكون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر "ف بنذرك" ليس من طريق أن ذلك كان واجبا عليه ولكن أنه قد كان سمح في حال ما نذره أن يفعله، فهو في معصية الله عز وجل، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعله الآن، على أنه طاعة لله عز وجل".
فكان ما أمره به، خلاف ما إذا كان أوجبه هو على نفسه".
وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف ومحمد - رحمهم الله تعالى -2".إهـ.
وقال البغوي عند شرحه لحديث عمر: "في هذا الحديث دليل على أن من نذر في حال كفره بما يجوز نذره في الإسلام، صحّ نذره ويجب عليه الوفاء به بعد الإسلام"3.
وقال الصنعاني: "دل الحديث على أنه يجب على الكافر الوفاء بما نذر به إذا أسلم وإليه ذهب البخاري وابن جرير وجماعة من الشافعية لهذا الحديث.
____________________
1 هذا الحديث في صحيح البخاري وقد خرجته في ص 635 تعليقة (3) .
2 شرح معاني الآثار 3/133-134".
3 شرح السنة 6/402 كتاب الصوم، باب من نذر اعتكاف ليلة".(2/639)
وذهب الجماهير إلى أنه لا ينعقد النذر من الكافر، قال الطحاوي: "لا يصح منه التقرب بالعبادة، قال: "ولكنه يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم من عمر أنه سمح بفعل ما كان نذر فأمره به لأن فعله طاعة، وليس هو ما كان نذر به في الجاهلية".
وذهب بعض المالكية إلى أنه صلى الله عليه وسلم إنما أمر به استحبابا، وإن كان التزمه في حال لا ينعقد فيها.
ثم عقب الصنعاني على هذا بقوله: "ولا يخفى أن القول الأوّل1 أوفق بالحديث والتأويل تعسف2".
وقال الشوكاني: "وفي حديث عمر دليل على أنه يجب الوفاء بالنذر من الكافر متى أسلم، وقد ذهب إلى هذا بعض أصحاب الشافعي".
وعند الجمهور لا ينعقد النذر من الكافر، وحديث عمر حجة عليهم".
وقد أجابوا عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف أن عمر قد تبرع بفعل ذلك أذن له به لأن الاعتكاف طاعة".
ثم قال: "ولا يخفى ما في هذا الجواب من مخالفة الصواب، وأجاب بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم أمره بالوفاء استحبابا لا وجوبا".
ثم قال: "ويرد بأن هذا الجواب لا يصلح لمن ادعى عدم الانعقاد3".
وقال ابن حزم: "مسألة ومن نذر في حال كفره طاعة لله عز وجل ثم أسلم لزمه الوفاء به" ...
274- ثم ساق حديث حكيم بن حزم أنه قال: "أي رسول الله أرأيت أمورا كنت اتحنث4 بها في الجاهلية من صدقة، أو عتاقة، أو صلة رحم، أفيها أجر؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلمت على ما أسلفت من خير" 5.
____________________
1 يريد وجوب الوفاء بما نذره الكافر (2) سبل السلام 4/115".
2 سبل السلام (4/115) .
3 نيل الأوطار 8/258، والدراري المضيئة 2/154-157، وتحفة الأحوذي 5/142، عون المعبود 9/155".
4أتحنث بها: "أي أتعبد وأتقرب بها إلى الله". (النهاية 1/449) .
5 الحديث في صحيح البخاري 2/97 كتاب الزكاة، باب من تصدق في الشرك ثم أسلم. وصحيح مسلم 1/113-114 كتاب الأيمان، باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده.
وقال النّووي: "وذهب ابن بطال وغيره من المحقّقين إلى أنّّ الحديث على ظاهره، وأنه إذا أسلم الكافر ومات على الإسلام يثاب على ما فعله من الخير في حال الكفر". (شرح النووي على صحيح مسلم 1/327) .(2/640)
ثم ساق حديث عمر بن الخطاب من طريق حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: "نذرت نذرا في الجاهلية ثم أسلمت فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أوفى بنذري".
ثم قال: "فهذا حكم لا يسع أحدا الخروج عنه1".إهـ.
وأما المسالة الثانية؛ فإن حديث عمر الصحيح ليس فيه ذكر للصوم وإنما فيه أن عمر نذر أن يعتكف ليلة في الجاهلية، والليل ليس محلا للصوم، نعم ورد في بعض ألفاظ هذا الحديث أن عمر بن الخطاب نذر اعتكاف يوم، ولكنه ليس فيه ذكر الصوم، وقد روى الأمر بالصوم في حديث عمر ولكنه ضعيف".
قال ابن حجر: "وقد ورد الأمر بالصوم في رواية عمرو بن دينار عن ابن عمر صريحا لكن إسنادها ضعيف".
وقد زاد فيها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "اعتكف وصم" أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن بديل2 وهو ضعيف".
وذكر ابن عدي والدارقطني أنه تفرد بذلك عن عمرو بن دينار، ورواية من روى "يوماً" شاذة، وقد وقع في رواية سليمان بن بلال "فاَعْتَكَف ليلة" فدل على أنه لم يزد على نذره شيئا وأن الاعتكاف لا صوم فيه وأنه لا يشترط له حد معين3.
قلت: "الحديث المشار إليه عند أبي داود والنسائي أخرجه أيضا أبو داود الطيالسي وأبو يعلى والدارقطني والبيهقي كلهم من طريق عبد الله ابن بديل عن عمرو بن دينار".
275- عن ابن عمر أن عمر - رضي الله عنه - جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يوما عند الكعبة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اعتكف وصم" لفظ أبي داود4".
____________________
1 المحلى 8/371-373".
2 قال عنه ابن حجر في التقريب 1/403: "عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ويقال الليثي المكي، صدوق يخطئ".
3 فتح الباري 4/274".
4 سنن أبي داود 1/576 كتاب الصيام، باب المعتكف يعود المريض". وسنن النسائي الكبرى في الاعتكاف (تحفة الأشراف للمزي 6/19 حديث 7354) . ومسند الطيالسي 1/247-248 منحة المعبود". ومسند أبي يعلى 5/516 برقم 305". وسنن الدارقطني 2/200". والسنن الكبرى للبيهقي 4/316-317".(2/641)
قال الدارقطني: "تفرد به ابن بديل عن عمرو، وهو ضعيف الحديث سمعت أبا بكر النيسابوري1 يقول: "هذا حديث منكر، لأنّ الثقات من أصحاب عمرو بن دينار لم يذكروه، منهم ابن جريج وابن عيينة وحماد ابن سلمة وحماد بن زيد وغيرهم، وابن بديل ضعيف الحديث".
276- ثم ساق الدارقطني أيضاً حديثاً آخر من طريق سعيد2 ابن بشير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنّ عمر نذر أن يعتكف في الشرك ويصوم، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه، قال: "أوف بنذرك"، ثم قال: "وهذا إسناد حسن تفرد بهذا اللفظ سعيد بن بشير عن عبيد الله3".
وقال البيهقي: "ذكر نذر الصوم مع الاعتكاف غريب تفرد به سعيد بن بشير عن عبيد الله4".
وأرود ابن حجر قول البيهقي هذا ثم قال: "وقال عبد الحق5: "تفرد به سعيد بن بشير وهو مختلف فيه".
وضعف ابن الجوزي6 في "التحقيق" هذا الحديث من أجله7".
277- وروى الحاكم من حديث عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه" 8.
ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ولفقهاء الكوفة في ضد هذا
____________________
1 أبو بكر النيسابوري هو محمد بن إسحاق بن خزيمة، صاحب الصحيح، قال عنه الذهبي: "الحافظ الكبير، إمام الأئمة، شيخ الإسلام (223-311هـ) . (تذكرة الحفاظ 2/720-731) .
2 قال ابن عنه حجر: "سعيد بن بشير الأزدي مولاهم، أبو عبد الرحمن أو أبو سلمة الشامي، أصله من البصرة، أو واسط، ضعيف من الثامنة". (ت 168أو169) . /عم". (التقريب1/292 وتهذيب التهذيب4/8-10 وميزان الاعتدال2/128-130) .
3 سنن الدارقطني 2/201".
4 السنن الكبرى 4/317".
5 هو عبد الحق بن عبد الرحمن أبو محمد الأزدي الأشبيلي تقدم في ص 272".
6 هو عبد الرحمن بن علي، تقدم".
7 التلخيص الحبير 2/218".
8 هذا الحديث رجح الدارقطني والبيهقي وفقه على ابن عباس".
قال البيهقي: "الصحيح موقوف، ورفعه وهم".
قلت: "اختلفت الروايات عن ابن عباس فورد عنه القول بوجوب الصوم وورد عنه القول بعدم الصوم". (انظر سنن الدارقطني 2/199، والسنن الكبرى للبيهقي 4/317-319) .(2/642)
حديثان أذكرهما وإن كانا لا يقاومان هذا الخبر في عدالة الرواة ثم ساق الحديث الأول من طريق عبد الله بن بديل عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر نذر في الجاهلية أن يعتكف يوما فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اعتكف وصم".
278- وساق الحديث الثاني من طريق سويد1 بن عبد العزيز ثنا سفيان2 بن حسين عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا اعتكاف إلا بصوم" ثم قال: "لم يحتج الشيخان بسفيان بن حسين وعبد الله3 بن بديل".
وسكت عنه الذهبي4".
وقال الدارقطني: "تفرد بهذا الحديث سويد عن سفيان بن حسين5".
وقال البيهقي: "وهذا وهم من سفيان بن حسين أو من سويد بن عبد العزيز وسويد بن عبد العزيز الدمشقي ضعيف بمرة لا يقبل منه ما تفرد به".
ثم ساق بسنده من طريق عطاء عن عائشة رضي الله عنها - موقوفا عليها- قالت: "من اعتكف فعليه الصيام"6.
وروى أبو داود من طريق عبد الرحمن7 بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: "السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع".
قال أبو داود: "غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه، قالت: السنة".
قال أبو داود: "جعله قول عائشة8".
____________________
1 قال عنه ابن حجر في التقريب 1/340: "لين الحديث". وساق الذهبي أقوال العلماء فيه ثم قال: "قلت: "بل هو واه جدا". (ميزان الاعتدال 2/251-252) .
2 سفيان بن حسين بن حسن، أبو محمد، أو الحسن الواسطي، ثقة في غير الزهري باتفاقهم، تقدم".
3 وقع في المستدرك "عبد الله بن يزيد" وهو خطأ".
4 المستدرك 1/439-440".
5 السنن 2/199-200".
6 السنن الكبرى للبيهقي 4/317".
7 عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة المدني نزيل البصرة، ويقال له: "عباد بن إسحاق، صدوق، رمى بالقدر، من السادسة". /خت بخ م عم". (التقريب 1/472 وتهذيب التهذيب 6/137) .
8 سنن أبي داود 1/575-576 كتاب الصيام، باب المعتكف يعود المريض".(2/643)
وقال الدارقطني: "يقال: "إن قوله: "وأن السنة للمعتكف إلى آخره"، ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه من كلام الزهري، ومن أدرجه في الحديث فقد وهم1".
ورواه البيهقي من طريق عقيل عن ابن شهاب، وفي آخره قال: "قال الشيخ قد ذهب كثير من الحفاظ إلى أن هذا الكلام من قول من دون عائشة وأن من أدرجه في الحديث وهم فيه، فقد رواه سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن عروة قال: "المعتكف لا يشهد جنازة ولا يعود مريضا ولا يجيب دعوة، ولا اعتكاف إلا بصيام ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع2".
وقال الشوكاني: "من ادعى أن الصوم شرط لصحة الاعتكاف فالدليل عليه لأنه أثبت شرطا متنازعا فيه".
والوقوف في موقف المنع، والقيام في مقام عدم التسليم يكفي من لم يقل بالشرطية ولم يصح في اشتراطه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما قيل إنه مرفوع لم يصح".
وما كان موقوفا على بعض الصحابة فلا حجة فيه، فإن تبرع من لم يقل بالشرطية بالدليل فله أن يقول:
279- صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما "أنه اعتكف في غير رمضان"3".
وثبت في الصحيحين وغيرهما "أن عمر بن الخطاب قال: "يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك"، ولم
____________________
1 السنن 2/201 وانظر فتح الباري 4/273".
2 السنن الكبرى للبيهقي 4/320-321 و315و317".
3 يشير إلى حديث عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف إذا أخبية: "خباء عائشة وخباء حفصة، وخباء زينب، فقال آلبرّ تقولن بهن؟ ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرا من شوال". أخرجه البخاري 3/43، و44، و45، كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف النساء، وباب الأخبية في المسجد، وباب الاعتكاف في شوال، وباب من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج.
ورواه مسلم 2/831 كتاب الاعتكاف، باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه.
وأبو داود 1/573-574 كتاب الصوم، باب الاعتكاف.
والنسائي 2/35 كتاب المساجد، باب ضرب الخباء في المساجد.
وابن ماجه1/563 كتاب الصيام، باب ما جاء فيمن يبتدي الاعتكاف وقضاء الاعتكاف.(2/644)
يرو من وجه صحيح يصح العمل به أنه صلى الله عليه وسلم صام أيام اعتكافه في شوال ولا صحّ أنه أمر عمر بالصوم.
وأما ما أخرجه أبو داود عن عائشة أنها قالت: "السنة على المعتكف ألا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد له منه، ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع".
فقد أخرجه في الموطأ1 والنسائي2 وليست فيه: "قالت: "السنة" وجزم الدارقطني بأن القدر المرفوع من حديث عائشة قولها: "لا يخرج"3 وما عداه ممن دونها". وكذلك قال البيهقي كما ذكره ابن كثير في الإرشاد4".
وأما ما أخرجه الحاكم عن ابن عباس مرفوعا وقال: "صحيح على شرط مسلم: "أنه لا اعتكاف إلا بصوم" فقد صحح الدارقطني والبيهقي وابن حجر أنه موقوف على ابن عباس، وأيضا فقد أخرج الحاكم عن ابن عباس مرفوعا وصححه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المعتكف صيام" ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه على ابن عباس، فتعارضت الرواية عن ابن عباس كما ترى ولاحجة في قوله5".
وقال في نيل الأوطار: "وقد استدل بعض القائلين6 بأن الصوم شرط في الاعتكاف بقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [سورة البقرة، من الآية: "187] .
____________________
1 انظر الحديث في موطّأ مالك 1/312 كتاب الاعتكاف، باب ذكر الاعتكاف".
2 النسائي 1/121 كتاب الطهارة، باب غسل الحائض رأس زوجها". وانظر تحفة الأشراف 12/78و117 (حديث 16602و16746) .
3 يعني "لا يخرج إلا لما بد منه". (انظر فتح الباري 4/273) .
4 انظر: "ص (631) .
5 السيل الجرار 2/134-135".
6 هذا قول بعض المالكية كما صرح بذلك ابن حجر، وقد روى مالك في الموطأ أنه بلغه أن القاسم بن محمد ونافعا مولى عبد الله بن عمر قالا: "لا اعتكاف إلا بصيام، بقول الله تبارك وتعالى في كتابه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} ، [سورة البقرة، من الآية: 187] ، فإنما ذكر الله الاعتكاف مع الصيام".
قال مالك: "وعلى ذلك الأمر عندنا، أنه لا اعتكاف إلا بصيام". (الموطّأ1/315 كتاب الاعتكاف، باب ما لا يجوز الاعتكاف إلا به".وانظر فتح الباري4/274-275) .(2/645)
قال: "فذكر الاعتكاف عقب الصوم".
وتعقب بأنه ليس فيها ما يدل على تلازمهما، وإلاّ لزم ألا صوم إلا باعتكاف ولا قائل به1".
وقال ابن حزم: "مسألة: "وليس الصوم من شروط الاعتكاف، لكن إن شاء المعتكف صام وإن شاء لم يصم".
ثم ساق الأدلة على ذلك وعلى أنه ليس على المعتكف صيام إلا أن يوجبه على نفسه".
ورد على القائلين بوجوب الصيام على المعتكف2".
إذا علم هذا فقد نقل النووي أن القائلين بصحة الاعتكاف بدون صوم هم الشافعي والحسن البصري وأبو ثور وداود وابن المنذر، وهو أصح الروايتين عن أحمد".
وقال ابن المنذر: "وهو مروي عن علي وابن مسعود".
وقال ابن عمر وابن عباس وعائشة وعروة بن الزبير والزهري ومالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وإسحاق وأحمد في رواية عنهما: "لا يصح إلا بصوم، وهو قول أكثر العلماء3".
وأقول قد تشعبت أقوال العلماء في اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف أو عدم اشتراطه، وكذلك في حكم الكافر إذا أسلم وقد ألزم نفسه بطاعة لله عز وجل في حال كفره فهل يجب عليه الوفاء بما التزم أوّلاً".
اختلفت أنظار العلماء في ذلك وتباينت آراؤهم، وكل قد أدلى بحجته ووجهة نظره، وأقوالهم وأدلتهم مبسوطة في كتب الفروع، وقد لخصت ما قاله العلماء في ذلك وتبين لي من خلال سوق النصوص أن الظاهر في هذا هو جواز الاعتكاف بدون صوم وأن الصوم ليس شرطا لصحة الاعتكاف، كما ظهر لي كذلك كما ظهر لي كذلك وجوب الوفاء بما التزم
____________________
1 نيل الأوطار 4/300-301.
2 المحلى 5/167-169.
3 شرح النووي على صحيح مسلم 4/205-206.(2/646)
به الكافر في حال كفره من طاعة، وهذا هو الذي تؤيّده النصوص وحديث عمر بن الخطاب صريح في هذا1".
ومما ينبغي التنبيه عليه قوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام "أسلمت على ما أسلفت من خير".
فهذا من محاسن دين الإسلام، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وقد قال صلى الله عليه وسلم:
280- "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا" 2.
والإسلام لا يهدم الفضائل السابقة عليه وإنما يشجعها وينميها، ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: "أوف بنذرك".
ومن قال بأن هذا النذر من عمر نذر معصية فقد أبعد النجعة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يستحيل أن يأمر بالوفاء بنذر معصية، وهو القائل "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه" 3.
ومن قال من العلماء بأن الوفاء من الكافر بنذره بعد إسلامه مستحب لا واجب، فهذا قريب، لكنه خلاف ظاهر النص كما سبق. والله أعلم.
__________
1 انظر شرح معاني الآثار للطحاوي3/133-134، وشرح السنة للبغوي6/402-403. والمغني لابن قدامة 3/185-187 و8/677، و9/3". والهداية لبرهان الدين المرغيناني1/132،والمحلى لابن حزم5/268-274و8/371-373". وشرح النووي على صحيح مسلم 4/204-206. وفتح الباري 4/274-275 و284 و11/582-583. وكشاف القناع للبهوتي 2/406. وسبل السلام للصنعاني 2/175، 4/115. ونيل الاوطار للشوكاني 4/300 و8/258. والسيل الجرار 2/134".والدراري المضيئة2/30و154و157 له. وتحفة الأحوذي للمباركفوري 5/141-143. وعون المعبود لشمس الحق العظيم آبادي 7/144 و151-152 و9/154. وأوجز المسالك إلى موطأ مالك للكندهلوي 5/215-218.
2 صحيح البخاري 4/117-118 كتاب أحاديث الأنبياء، باب أم كنتم شهداء إ‘ذ حضر يعقوب الموت الخ.
وصحيح مسلم 4/1846-1847 كتاب الفضائل، باب من فضائل يوسف عليه السلام من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
3 صحيح البخاري 8/119-120 كتاب الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة، و120 باب النذر فيما لا يملك والنذر في معصية من حديث عائشة رضي الله عنها، تقدم برقم (272) .(2/647)
الحكم الثالث عشر: استحقاق القاتل سلب القتيل
السلب: "بالتحريك هو ما على القتيل ومعه من سلاح وثياب ودابة وغيرها1".
وقد ورد في هذا الحكم الأحاديث الآتية:
أ- حديث أبي قتادة عند البخاري ومسلم وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري:
قال: "حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن يحيى2 بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين، فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع، وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منا ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر فقلت: "ما بال الناس؟ قال: "أمر الله عز وجل، ثم رجعوا3، وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من قتل قتيلا
____________________
1 انظر ص (659) .
2 يحيى بن سعيد: "هو الأنصاري تقدم التعريف برجال الإسناد في حديث (62) .
3 وعندي البخاري أيضا من طريق الليث: "ثم تراجع الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه، فقمت لألتمس بينة على قتيلي، فلم أر أحداً يشهد لي، فجلست، ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من جلسائه: "سلاح هذا القتيل الذي يذكر عندي، فأرضه منه، فقال أبو بكر: "كلا لا يعطيه أصبيغ من قريش، ويدع أسداً من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله".
قال: "فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأداه إلي، فاشتريت منه خرافا، فكان أوّل مال تأثلته في الإسلام".(2/648)
له عليه بينة فله سلبه1، فقلت: "من يشهد لي؟ ثم جلست فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثله".
قال: "ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله، فقمت فقلت: "من يشهد لي، ثم جلست، قال ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله، فقمت، فقال: "مالك يا أبا قتادة؟ فأخبرته2، فقال رجل: "صدق، وسلبه عندي، فأرضه مني، فقال أبو بكر: "لا ها الله3 إذا لا يعمد إلى أسد
____________________
1 وعند ابن إسحاق: "فلما وضعت الحرب أوزارها وفرغنا من القوم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا فله سلبه، فقلت: "يا رسول الله، والله لقد قتلت قتيلا ذا سلب، فأجهضني عنه القتال، فما أدري من استلبه؟ فقال رجل من أهل مكة: "صدق يا رسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي، فأرضه عني من سلبه، فقال أبو بكر الصديق رضي اله عنه: "لا والله لا يرضيه منه، تعمد إلى أسد من أسد الله، يقاتل عن دين الله تقاسمه سلبه أردد عليه سلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق أردد عليه سلب قتيله، قال أبو قتادة: "فأخذته منه، فبعته فاشتريت بثمنه مخرفا، فإنه لأول مال اعتقدته". (سيرة ابن هشام 2/448) .
2 وعند أبي عوانة: "فنهضت ثم جلست، فقال: "مالك يا أبا قتادة؟ فحدثته الذي كان من أمري وأنه ليست لي بينة، فقال رجل من القوم: "أنا سلبت هذا الرجل الذي يقول فأرضه يا رسول الله من سلبه". فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: "لا ترضه من سلبه أيعمد أحدكم إلى سلب رجل قتله أسد من آساد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فتأخذه ثم تقول: "أرضه يا رسول الله منه؟ لعمري لا ترضه منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق، فأعطه سلبه فأخذت سلبه فاشتريت به مخرطا - أو مخرفا - فإنه أول مال اتخذته من ذلك السلب".
وعند البخاري أيضا ومالك وأبي داود: "فاقتصصت عليه القصة".
وعند الواقدي: "فقام عبد الله بن أنيس فشهد لي، ثم لقيت الأسود بن الخزاعي فشهد لي، وإذا صاحبي الذي أخذ السلب لا ينكر أني قتلته - وقد قصصت على النبي صلى الله عليه وسلم القصة- فقال: "يا رسول الله سلب ذلك القتيل عندي فأرضه مني". الخ (مغازي الواقدي 3/908) .
3 قوله: "لا ها الله إذا".
قال ابن حجر: "هكذا ضبطناه في الأصول المعتمدة من الصحيحين وغيرهما بهذه الأحرف "لا ها الله إذا" فأما (لا ها الله) فقال الجوهري: " (ها) للتنبيه وقد يقسم بها يقال: "لا ها الله ما فعلت كذا".
قال ابن مالك: "فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه، قالك ولا يكون ذلك إلا مع الله أي لم يسمع لا ها الرحمن كما سمع لا والرحمن". وفي النطق بها أربعة أوجه:
أحدها: " (ها الله) باللام بعد الهاء بغير إظهار شيء من الألفين".
ثانيهما: "مثله لكن بإظهار ألف واحدة بغير همز، كقولهم التقت حلقتا البطان".
ثالثها: "ثبوت الألفين بهمزة قطع".
رابعها: "بحذف الألف وثبوت همزة القطع، انتهى كلام ابن مالك".
ثم قال ابن حجر: "والمشهور في الرواية من هذه الأوجه الثالث ثم الأول".
وأما (إذا) فقد أطال ابن حجر أيضاً القول في توجيهها، وذكر أن هذا اللفظ ورد عن عدة من الصحابة ثم قال في نهاية كلامه والذي يظهر من تقدير الكلام بعد أن تقرر أن "إذا" حرف جواب وجزاء أنه كأنه قال: "إذاً والله أقول لك نعم، وكذا في النفي كأنه أجابه بقوله: "إذاً والله لا نعطيك، إذاً والله لا أشترط، إذاً والله لا ألبس، وأخر حرف الجواب في الأمثلة كلها". (فتح الباري 8/37-40) .(2/649)
من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيعطيك سلبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق فأعطه، فأعطانيه1، فابتعت2 به مخرفاً في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام3".
وهذا الحديث رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وهشيم بن بشير والليث بن سعد".
ووقع في حديث الليث وحده، فقال أبو بكر: "كلا لا يعطه أصبيغ4 من قريش ويدع أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله، فقام رسول الله فأداه إلى،
____________________
1 وعند الواقدي: "قال أبو قتادة: "فأعطانيه، فقال لي حاطب بن أبي بلتعة يا أبا قتادة، أتبيع السلاح؟ فبعته منه بسبع أواق، فأتيت المدينة فاشتريت به مخرفاً في بني سلمة يقال له الرّديني، فإنه لأول مال لي نلته في الإسلام، فلم نزل نعيش منه إلى يومنا هذا". (مغازي الواقدي 3/909) .
وعند أحمد في مسنده 5/307 عن إسحاق بن عيسى بن نجيح أبي يعقوب بن الطباع، ثنا عبد الله بن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر المصري عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي قتادة الأنصاري أنه قتل رجلا من الكفار فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه ودرعه فباعه بخمس أواق".
قال الألباني: "وابن لهيعة سيء الحفظ، فلا يحتج بزيادته، ثم رأيت الحديث عند الطحاوي من طريق عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة، وحديثه عنه صحيح". (إرواء الغليل 5/53 وانظر شرح معاني الآثار 3/227) .
2 قوله: "فابتعت به مخرفاً"، ابتعت اشتريت، والمخرف: "بفتح الميم والراء ويجوز كسر الراء أي بستانا، وسمى بذلك لأنه يخترف منه الثمر أي يجتني". وأما بكسر الميم فهو اسم الآلة التي يخترف بها".
وفي رواية "خرافا" وهو بكسر أوله وهو الثمر الذي يخترف أي يجتنى وأطلق على البستان مجازا فكأنه قال بستان خراف".
وقوله: "في بني سلمة" بكسر اللام هم بطن من الأنصار وهم قوم أبي قتادة".
وقوله: "تأثلته" بمثناة ثم مثلثة أي أصلته، وأثلة كل شيء أصله".
وفي رواية ابن إسحاق "أول مال أعتقدته" أي جعلته عقدة، والأصل فيه من العقد لأن من ملك شيئا عقد عليه". (فتح الباري 8/40-41 وانظر سيرة ابن هشام 2/448-449 وشرح النووي على صحيح مسلم 4/353 وجامع الأصول لابن الأثير 8/402-403) .
3 تقدم تخريج الحديث برقم (62) .
4 قوله: "أصبيغ" قال ابن حجر: "هو بمهملة ثم معجمة عند القابسي". وبمعجمة ثم مهملة عند أبي ذر".
وقال ابن التين: "وصفه بالضعف والمهانة، والأصبيغ نوع من الطير، أو شبهه بنبات ضعيف، يقال له الصبغاء إذا طلع من الأرض يكون أول ما يلي الشمس منه أصفر، ذكر ذلك الخطابي".
وعلى هذه الرواية القابسي".
وعلى الثاني تصغير الضبع على غير قياس، كأنه لما عظم أبا قتادة بأنه أسد صغر خصمه وشبهه بالضبع لضعف افتراسه وما يوصف به من العجز".
وقال ابن مالك: "أضيبع بمعجمة وعين مهملة تصغير أضبع ويكنى به عن الضعف".
(فتح الباري 8/41 وشرح النووي على صحيح مسلم 4/353-354 وجامع الأصول لابن الأثير 8/403) .(2/650)
فاشترت منه خرافا، فكان أوّل مال تأثلته في الإسلام1".
ب- حديث أنس بن مالك عند أبي داود الطيالسي وأحمد وأبي داود وغيرهم وهذا سياقه عند أبي داود الطيالسي:
قال: "حماد بن سلمة عن إسحاق2 بن عبد الله بن أنس قال: "جاءت هوزان يوم حنين تكثر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء والصبيان والإبل والغنم فانهزم المسلمون يومئذ فجعل يقول: "يا معشر المهاجرين والأنصار إني عبد الله ورسوله، يا معشر المسلمين إليّ أنا عبد الله ورسوله، فهزم المشركون من غير أن يطعن برمح أو يرمي بسهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: "من قتل مسلما فله سلبه، فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم". قال أبو قتادة: "إني حملت على رجل فضربته على حبل العاتق فأجهضت عنه وعليه درع فانظر من أخذها فقال رجل: "أنا أخذتها يا رسول الله، فأعطينيها وأرضه منها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو يسكت، فقال عمر3: "لا والله لا يفيئها الله على أسد من أسده، ثم يعطيكها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق عمر" 4.
قال: "ورأى أبو طلحة مع أم سليم خنجرا فقال: "ما تصنعين بهذا؟ قالت: "أريد إن دنا أحد من المشركين أن أبعج بطنه، فذكر ذلك أبو طلحة
____________________
1 وانظر ص 636 تعليقة (3) .
2 إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة".
3 قوله: "في هذا الحديث فقال عمر الخ".
وقد تقدم في حديث أبي قتادة في الصحيحين: "أن القائل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -". انظر: "حديث رقم (62) .
قال ابن كثير: "وقول عمر في هذا مستغرب والمشهور أن ذلك أبو بكر الصديق".
وقال في موضع آخر: "وقع من رواية نافع أبي غالب عن أنس أن القائل لذلك عمر ابن الخطاب فلعله قاله متابعة لأبي بكر الصديق ومساعدة وموافقة له، أو قد اشتبه على الراوي والله أعلم". (البداية والنهاية 4/327 و329) .
وقوله: "من رواية نافع أبي غالب" خطأ".
والصواب: "من رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس كما هو عند ابن كثير نفسه".
وقال ابن حجر تنبيه: "وقع في حديث أنس أن الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عمر أخرجه احمد من طريق حماد بن سلمة عن إسحاق بن أبي طلحة عنه،" ... وهذا الإسناد قد أخرج به مسلم بعض هذا الحديث وكذلك أبو داود، لكن الراجح أن الذي قال ذلك أبو بكر كما رواه أبو قتادة وهو صاحب القصة فهو أتقن لما وقع فيها من غيره، ويحتمل الجمع بأن يكون عمر أيضا قال ذلك تقوية لقول أبي بكر". (فتح الباري 8/40 وأوجز المسالك 8/301) .
4 وعند ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي "فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "صدق عمر".(2/651)
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: " يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن".
قالت: "يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء الذين انهزموا بك" 1.
جـ حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم وأحمد وأبي داود وغيرهم وهذا سياقه عند مسلم قال:
حدثنا زهير بن حرب حدثنا عمر بن يونس الحنفي حدثنا حدثنا عكرمة بن عمار حدثني إياس بن سلمة، حدّثني أبي سلمة بن الأكوع، قال: "غزونا2 مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوزان، فبينا نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه، ثم انتزع طلقاً3 من حقبة فقيد به الجمل، ثم تقدم يتغدى مع القوم، وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر وبعضنا مشاة، إذ خرج4 يشتد فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه وقعد عليه فأثاره، فاشتد به الجمل، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء".
قال سلمة: "وخرجت5، أشتد فكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت
____________________
1 ما بين القوسين من مسند أحمد، وأما في مسند الطيالسي فجاءت هذه الجملة هكذا "فقالت: "يا رسول الله فأقتل هؤلاء ينهزموا بك". قال الساعاتي: "قال مصححو الكتاب هذه الجملة كلها مصحفة فليحرر".
ثم قال الساعاتي: "قلت: "جاء هذا الحديث في مسند أحمد وفيه قال: "وكانت أم سليم معها خنجر فقال أبو طلحة: "ما هذا معك؟ قالت: "اتخذته إن دنا مني بعض المشركين أن أبعج به بطنه، فقال أبو طلحة يا رسول الله ألا تسمع ما تقول أم سليم؟ قالت: "يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء الذين انهزموا بك، قال: "إن الله قد كفانا وأحسن يا أم سليم". (مسند أحمد 3/190ومنحة المعبود والتعليق المحمود على منحة المعبود 2/109) . وتقدم الحديث برقم (47) و (60) انظر ص 116-117 و149".
2 وعند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة (قال: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوزان، قال فبينما نحن نتضحى وعامتنا مشاة وفينا ضعفة إذ جاء رجل الخ".
3 وعند أحمد "فانتزع شيئاً من حقب البعير فقيد به البعير، ثم جاء يمشي حتى قعد معنا يتغدى قال: "فنظر في القوم فإذا ظهرهم فيه قلة وأكثرهم مشاة".
وعند أحمد أيضاً". "فبينما نحن نتضحى وعامتنا مشاة، فينا ضعفة، إذ جاء رجل على جمل أحمر فانتزع طلقا على حقبه فقيد به جمله رجل شاب ثم جاء يتغدى مع القوم".
4 وعند أبي داود: "فلما رأى ضعفتهم ورقة ظهرهم خرج يعدو إلى جمله فأطلقه ثم أناخه فقعد عليه ثم خرج يركضه واتبعه رجل من أسلم على ناقة ورقاء هي أمثل ظهر القوم".
وعند أحمد: "فلما نظر إلى القوم خرج يعدو، قال فأتى بعيره فقعد عليه، قال: "فخرج يركضه، وهو طليعة للكفار فاتبعه رجل منا من أسلم على ناقة له ورقاء، قال إياس: "قال أبى فاتبعته أعدو على رجلي"
وعند ابن أبي شيبة وأحمد:"وتبعه رجل من أسلم من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم على ناقة ورقاء".
5 وعند أبي داود: "فخرجت أعدو فأدركته ورأس الناقة عند ورك الجمل، وكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل الخ".(2/652)
عند ورك الجمل ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل1 فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت2 سيفي فضربت رأس الرجل فندر ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه3، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقال: "من قتل الرجل؟ " قالوا: "ابن الأكوع، قال: "له سلبه 4 أجمع" 5.
والحديث أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود وأبو عوانة والطبراني والبيهقي الجميع من طريق عكرمة بن عمار به 6".
281- حديث سلمة بن الأكوع أيضا عند البخاري وأبي داود وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري قال: "حدثنا أبو نعيم7 حدثنا أبو العميس8 عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين9 - وهو في سفر -
____________________
1 وعند أحمد "حتى أخذت بخطام الجمل فقلت له أخ فلما وضع الجمل ركبته إلى الأرض اخترطت سيفي فضربت رأسه".
وعند أبي عوانة "فأخذت بخطام الجمل فقلت: "أخ! أخ فما عدا أن وضع ركبته إلى الأرض فأضرب رأس الطليعة فندر".
2 اخترط سيفه: "أي سله وأخرجه من غمده". وقوله: "فندر" أي طار عن بدنه وسقط على الأرض". (النهاية لابن الاثير 2/23و5/35 وجامع البيان 8/399) .
3 وعند أبي داود: "فجئت براحلته وما عليها أقودها فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس مقبلا فقال: "من قتل الرجل؟ ". وعند أبي عوانة: "ثم جئت بالجمل ورحله وأداته وسيفه أقوده".
4 وعند أبي عوانة: "له السلب كله". وعند البيهقي: "له السلب أجمع". وعند ابن أبي شيبة: "فنفله سلبه"
5 صحيح مسلم 3/1374-1375 كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل.
6 مسند أحمد 4/46، و49، و51، وتاريخ ابن أبي شيبة ص 94 أ، وكنز العمال 10/354-355، ومنتخب كنز العمال 4/168 مع (مسند أحمد) ، وسنن أبي داود 2/45-46، كتاب الجهاد ن باب في الجاسوس المستأمن، ومسند أبي عوانة 4/119، و120، و124، والمعجم الكبير للطبراني 7/17، والسنن الكبرى للبيهقي 6/307". وتقدم هذا الحديث برقم (102) .
7 أبو نعيم هو الفضل بن دكين".
8 أبو العميس: "بمهملتين مصغرا هو عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي المسعودي الكوفي".
9 وعند أحمد: "جاء عين للمشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قال ابن حجر: "لم أقف على اسمه ووقع في رواية عكرمة ابن عمار عن إياس، عند مسلم أن ذلك كان في غزوة هوزان، ثم قال: "وسمي الجاسوس عيناً؛ لأن جل عمله بعينه، أو لشدة اهتمامه بالرؤية واستغراقه فيها كأن جميع بدنه صار عينا". (فتح الباري 6/168) .(2/653)
فجلس عند أصحابه يتحدث ثم انفتل1 فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "اطلبوه واقتلوه2، فقتلته، فنفله3 سلبه" 4.
والحديث رواه أبو داود عن الحسن بن علي الحلواني حدثنا أو نعيم قال حدثنا أبو العميس به5".
ورواه النسائي عن أحمد بن سليمان أبو الحسين الجزري عن جعفر بن عون عن أبي العميس6".
____________________
1 وعند النسائي وأحمد وأبي عوانة من طريق جعفر بن عون عن أبي العميس "فلما طعم انسل". وفي رواية عكرمة بن عمار عند مسلم "فقيد الجمل ثم تقدم يتغدى مع القوم وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر إذ خرج يشتد".
(فتح الباري 6/168) .
2 قوله: "اطلبوه واقتلوه"، قال ابن حجر: "زاد أبو نعيم في المستخرج من طريق يحيى الحماني عن أبي العميس "أدركوه فإنه عين".
وزاد أبو داود عن الحسن بن علي عن أبي نعيم فيه "فسبقتهم إليه فقتلته". (فتح الباري 6/169) .
قلت: "وعند أحمد وأبي عوانة"من طريق جعفر بن عون عن أبي عميس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بالرجل اقتلوه فابتدره القوم وكان أبي يسبق الفرس شداً فسبقهم إليه فأخذ بخطام ناقته ثم قتله".
3 قوله: "فنفله سلبه"، قال ابن حجر: "كذا فيه، وفيه، التفات من ضمير المتكلم إلى الغيبة، وكان السياق يقتضي أن يقول فنفلني، وهي رواية أبي داود وزاد هو ومسلم من طريق عكرمة بن عمار "فاتبعه رجل من أسلم على ناقة ورقاء، فخرجت أعدو حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته فلما وضع ركبته بالأرض اخترطت سيفي، فأضرب رأسه فندر، فجئت براحلته وما عليها أقودها فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من قتل الرجل؟ قالوا: "ابن الأكوع قال: "له أسلبه أجمع".
وترجم عليه النسائي "قتل عيون المشركين". وقد ظهر من رواية عكرمة بن عمار الباعث على قتله وأنه اطلع على عورة المسلمين وبادر ليعلم أصحابه فيغتنموا غرتهم، وكان في قتله مصلحة للمسلمين".
قال النووي: "فيه قتل الجاسوس الحربي الكافر وهو باتفاق". وأما المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي: "ينتقض عهده بذلك". وعند الشافعية خلاف أما لو شرط عليه ذلك في عهده فينتقض اتفاقا". (فتح الباري 6/169 وانظر شرح النووي على صحيح مسلم 4/359) .
4 صحيح البخاري4/55 كتاب الجهاد، باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان".
5 سنن أبي داود 2/45، كتاب: "الجهاد، باب في الجاسوس المستأمن".
6 السنن الكبرى، تحفة الاشراف 4/37 (4514) .
وهذا الحديث أفرده البيهقي وكذا المزي في الأطراف والنابلسي في الذخائر عن الحديث المروي عن سلمة ابن الأكوع من طريق عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن سلمة ابن الأكوع". (انظر السنن الكبرى 6/307، 9/147، والأطراف للمزي 4/37 (حديث 4514) وذخائر المواريث 2/244 حديث 2195) .(2/654)
ورواه أحمد وأبو عوانة كلاهما من طريق جعفر بن عون قال حدثنا أبو عميس به1".
ورواه أبو عوانة والطحاوي والطبراني والبيهقي كلهم من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا أبو العميس به2".
هـ- حديث سلمة بن الأكوع أيضا عند ابن ماجة وأحمد وهذا سياقه عند ابن ماجة قال: حدثنا علي3 بن محمد ثنا وكيع ثنا أبو العميس وعكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: "بارزت رجلا فقتلته فنفلني رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه" 4.
وفي الزوائد: "إسناده صحيح ورجاله ثقات5".
ورواه أحمد عن وكيع ثنا أبو عميس به6".
وهذه الأحاديث تدل بظاهرها على أن من قتل كافرا له عليه بينة استحق سلبه, سواء أكان ذلك السلب قليلا أم كثيرا , وسواء أذن الإمام أو لم يأذن, كما تدل على أن السلب من أصل الغنيمة وعلى أنه لا يخمس, هذا هو الظاهر من هذه النصوص7".
وقد اختلف العلماء من هذا الحكم في مسائل أقتصر على أهمها:
الأولى: "هل القاتل يستحق سلب القتيل سواء أذن أمير الجيش أم لم يأذن وبهذا قال جمهور العلماء.
____________________
1 مسند أحمد 4/50 ومسند أبي عوانة 4/123".
2 المصدر السابق 4/122 وشرح معاني الآثار للطحاوي 3/227 والمعجم الكبير للطبراني 7/29 والسنن الكبرى للبيهقي 6/307 و9/147".
3 علي بن محمد يحتمل أن يكون هو الطنافسي, وهو ثقة, ويحتمل أن يكون ابن أبي الخصيب القرشي الكوفي وهو "صدوق ربما أخطأ" فإن كل واحد منهما شيخه وكيع وتلميذه ابن ماجة (انظر تهذيب التهذيب 7/378و379 والتقريب 2/43) وعلى كل حال فإن الحديث صحيح فقد رواه أحمد عن وكيع ثنا أبو عميس الخ".
4 سنن أبن ماجة 2/946 كتاب الجهاد , باب المبارزة والسلب".
5 هذا الحديث أفرده أيضا المزي في الأطراف 4/41 (حديث 4529) فنسبه لابن ماجة وحده".
وقال الألباني في إرواء الغليل 5/55 وأورده البوصيري في (زوائد سنن ابن ماجة) وقال:"هذه إسناد صحيح رجاله ثقات" واسم أبي العميس عتبة بن عبد الله"، فخفي عليه أنه على شرط كل من الشيخين, وأنهما أخرجاه بأتم منه, ولولا ذلك لما أورده".
6 مسند أحمد 4/45
7 انظر: "زاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/100و494 و5/72".(2/655)
قال النووي: "عند شرحه لحديث أبي قتادة:
اختلف العلماء في معنى هذا الحديث, فقال الشافعي والأوزاعي والليث والثوري1 وأبو ثور وأحمد وإسحاق وابن جرير وغيرهم: "يستحق القاتل سلب القتيل في جميع الحروب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك: من قتل قتيلا فله سلبه أم لم يقل ذلك قالوا وهذه فتوى من النبي صلى الله عليه وسلم وإخبار عن حكم الشرع فلا يتوقف على أحد2".
وبوب البخاري بقوله: "باب من لم يخمس الأسلاب, ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس, وحكم الإمام فيه".
ثم ساق تحت هذا الباب حديث أبي قتادة وفيه "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه"3".
قال ابن حجر: "وإلى ما تضمنته الترجمة ذهب الجمهور, وهو أن القاتل يستحق السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلا فله سلبه أو لم يقل ذلك, وهو ظاهر حديث أبي قتادة".
وقالوا: "إنه فتوى من النبي صلى الله عليه وسلم وإخبار عن الحكم الشرعي4".اهـ
وساق أبو عبيد حديث أبي قتادة ثم قال: "قال أبو عبيد: فقد تبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم لأبي قتادة بالسلب ,من غير أن يكون نفله إياه قبل ذلك, ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال: "قال بعد قتل أبي قتادة صاحبه, فهذا عندنا بين واضح: أن السلب مقضي به للقاتل بسنة ماضية من رسول الله صلى الله عليه وسلم, جعله له الإمام قبل ذلك أم لم يجعله له5".اهـ.
____________________
1 في المغني لابن قدامة 8/392 وأضواء البيان للشنقيطي 2/390 , أن الثوري معدود مع القائلين بأن القاتل لا يستحق السلب إلا أن يقول الإمام ذلك , وهو كذلك عند القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 8/5".
2 شرح النووي على صحيح مسلم 4/351 والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/5 وزاد: "ابن المنذر وأبا عبيد".
3صحيح البخاري 4/73 كتاب فرض الخمس".
4 فتح الباري 6/247
5 كتاب الأموال ص: "437-438".(2/656)
وقال الخرقي: "ومن قتل منا أحداً منهم مقبلاً1 على القتال فله سلبه غير مخموس، قال ذلك الإمام أو لم يقل".
قال ابن قدامة: "في هذه المسألة فصول ستة:
أحدها: "أن القاتل يستحق السلب في الجملة ولا نعلم فيه خلافا، والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم "من قتل كافرا فله سلبه".
ثم أورد حديث أبي قتادة، حديث أنس بن مالك2، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين: "من قتل قتيلا فله سلبه" قال: "فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا فاخذ أسلابهم".
وقال أيضاً الفصل السادس: "أن القاتل يستحق السلب قال ذلك الإمام أو لم يقل، وبه قال الأوزاعي والليث والشافعي وإسحاق وأبو ثور3".
وقال محمد الأمين الشنقيطي: "واحتج من قال: "باستحقاق القاتل سلب المقتول مطلقا بعموم الأدلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم، صرح بان من قتل قتيلا فله سلبه، ولم يخصص بشيء، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، كما علم في الأصول4".
وقال الصنعاني: "عند شرحه لحديث عوف بن مالك الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلم "قضى بالسلب للقاتل" 5.
____________________
1 قال محمد الأمين الشنقيطي: "والحق أنه لا يشترط في ذاك أن يكون القتل في مبارزة، ولا يكون الكافر المقتول مقبلا".
أما الدليل على عدم اشتراط كونه قتله مقبلا إليه: "فحديث سلمة بن الأكوع ثم أورد حديث سلمة في قصة قتل عين المشركين وفيه "قال سلمة: "فاتَّبعه رجل من أسلم على ناقة ورقاء، قال سلمة: "وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته على الأرض اخترطت سيفي، فضربت به رأس الرجل فندر". الحديث ثم قال: "وهو صريح في عدم اشتراط المبارزة، وعدم اشتراط قتله مقبلا، لا مدبراً كما ترى وكذلك حديث أبي قتادة يدل على عدم اشتراط المبارزة أيضاً". (أضواء البيان 2/388 وانظر سياق حديث أبي قتادة ص 636 وحديث سلمة ص 640-642، وانظر حديث (281) .
2 انظر حديث أبي قتادة ص 636 وحديث أنس ص 639".
3 المغني 8/386-387و 392".
4 أضواء البيان 2/390".
5 الحديث رواه مسلم وأبو داود وأحمد".انظر حديث رقم (283) ،وص653-655".(2/657)
قال: "فيه دليل على أن السلب الذي يؤخذ من العدو الكافر يستحقه قاتله سواء قال الإمام قبل القتال: "من قتل قتيلا فله سلبه أو لا، وسواء كان القاتل مقبلا أو منهزما، وسواء كان ممن يستحق السهم في المغنم أو لا1، إذ قوله "قضى بالسلب للقاتل" حكم مطلق غير مقيد بشيء من الأشياء".
قال الشافعي: "وقد حفظ هذا الحكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة:
منها يوم بدر، فإنه صلى الله عليه وسلم حكم بسلب أبي جهل2 لمعاذ بن الجموح لما كان هو المؤثر في قتل أبي جهل وكذا في قتل حاطب بن أبي بلتعة لرجل يوم أحد أعطاه سلبه 3".
والأحاديث في هذا الحكم كثيرة:
وقوله صلى الله عليه وسلم في يوم حنين "من قتل قتيلا فله سلبه" بعد القتال لا ينافي هذا بل هو مقرر للحكم السابق، فإن هذا كان معلوما عند الصحابة من قبل حنين، ولذا قال عبد الله بن جحش4: "اللهم ارزقني رجلا شديدا إلى قوله: "أقتله وآخذ سلبه"5.إهـ.
وقال أبو حنيفة ومالك ومَن تابعهما لا يستحق القاتل سلب القتيل بمجرد القتل، بل هو لجميع الغانمين كسائر الغنيمة إلا أن يقول الإمام من قتل قتيلا فله سلبه".
____________________
1 كالمرأة والصبي والعبد".
2 انظر: "الحديث رقم (282) .
3 رواه الحاكم من حديث أنس بن مالك ومن طريقه أخرجه البيهقي، وفيه "أن المقتول عتبة بن أبي وقاص وأن حاطب قتله وأخذ رأسه وسلبه وفرسه وجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه ودعا له". (المستدرك 3/300-301 والسنن الكبرى 6/308) .
4 الحديث رواه البيهقي من طريق إسحاق بن سعد بن أبي وقاص قال: "حدثني أبي أن عبد الله بن جحش قال يوم أحد ألا تأتي ندعو الله فخلوا في ناحية فدعا سعد قال: "يا رب إذا لقينا القوم غدا فلقني رجلاً شديداً بأسه شديداً حرده فأقاتله فيك ويقاتلني ثم ارزقني عليه الظفر حتى أقتله وآخذ سلبه فأمن عبد الله بن جحش ثم قال: "اللهم ارزقني غداً رجلاً شديداً حرده شديداً بأسه أقاتله فيك ويقاتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي فإذا لقيتك غداً". قلت: "يا عبد الله فيم جدع أنفك وأذنك؟ ". فأقول فيك وفي رسولك صلى الله عليه وسلم فتقول صدقت".، قال سعد بن أبي وقاص: "يا بني كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرا من دعوتي لقد رأيته آخر النهار وإن أذنه وأنفه معلقتان في خيط". (السنن الكبرى 6/307-308) وقال ابن حجر في الفتح 6/248: "روه الحاكم والبيهقي من حديث سعد بن أبي وقاص بإسناد صحيح".
5 سبل السلام 4/52-53".(2/658)
إلا أنه عند مالك يكون قول الإمام من قتل قتيلا فله سلبه بعد انقضاء الحرب لأنه جعل السلب من جملة الأنفال".
ويكره للإمام أن يقول ذلك قبل انقضاء القتال لأنه يؤدي ذلك إلى صرف نيات المجاهدين لقتال الدنيا، ويجوز بعد القدرة على العدو لأنه لا محذور فيه عندئذ 1".
واستدل الحنفية والمالكية بأدلة منها:
- حديث أبي قتادة الوارد فيه "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه" 2 قالوا: "وقد دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم السلب لأبي قتادة، وغير بينة ولا يمين ولو كان يستحق السلب بمجرد القتل لطولب بالبينة على أنه قتله".
282- حديث عبد الرحمن بن عوف المتفق عليه في قصة قتل معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء الأنصاريين لأبي جهل يوم بدر، فإن فيه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه، فقال: "أيكما قتله؟ ".
فقال كل واحد منها: "أنا قتلته، فقال: "هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: "لا، فنظر في السيفين، فقال: "كلاكما قتله" وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح" 3.
قالوا: "فتصريحه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المتفق عليه، بأن كليهما قتله، ثم تخصيص أحدهما بسلبه، دون الآخر، صريح في أن القاتل لا يستحق السلب، إلا بقول الإمام: "أنه له، إذ لو كان استحقاقه له بمجرد القتل لما كان لمنع معاذ بن العفراء وجه، مع النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأنه قتله مع معاذ بن عمرو، ولجعله بينهما بالسوية لاشتراكهما في قتله".
- حديث عوف بن مالك الأشجعي عند أحمد ومسلم وأبي داود وهذا سياقه عند مسلم:
____________________
1 حاشية الدسوقي 2/190-191 وأوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/285، والهداية لبرهان الدين المرغيناني 2/149 وشرح معاني الآثار3/227، والمغني لابن قدامة 8/392 وشرح النووي على صحيح مسلم 4/351، وزاد المعاد 3/489 وفتح الباري 6/247 والمحلى لابن حزم 7/547 وأضواء البيان للشنقيطي 2/390".
2 الحديث تقدم في ص 636".
3 البخاري: "الصحيح 4/73 كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب الخ". ومسلم: الصحيح3/1372كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل".(2/659)
283- عن عوف بن مالك قال: "قتل رجل من حمير رجلا من العدو فأراد سلبه فمنعه خالد بن الوليد وكان واليا عليهم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال لخالد "ما منعك أن تعطيه سلبه؟ ". قال: "استكثرته يا رسول الله! قال: "ادفعه إليه" فمر خالد بن بعوف فجر بردائه1 ثم قال: "هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغضب2، فقال: "لا تعطه يا خالد لا تعطه يا خالد! هل أنتم تاركون لي أمرائي" الحديث.
وفي رواية عند مسلم أيضا عن عوف بن مالك الأشجعي قال: "خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة، في غزوة مؤتة، ورافقني مددي3 من اليمن وساق الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه غير أنه قال في الحديث: "قال عوف: "فقلت: "يا خالد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: "بلى، ولكني استكثرته4".
قالوا: "فقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح: "لا تعطه يا خالد" دليل على أنه لم يستحق السلب بمجرد القتل، إذ لو استحقه به، لما منعه منه النبي صلى الله عليه وسلم".
284- ما واه ابن أبي شيبة قال: "حدثنا أبو الأحوص5 عن الأسود6 بن قيس عن شبر7 بن علقمة قال: "بارزت رجلا يوم القادسية، فقتلته، وأخذت سلبه
____________________
1 فجر بردائه: "أي جذب عوف برداء خالد وتكلم عليه لمنعه من السلب".
2 فاستغضب: "بالبناء للمجهول: "أي صار رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا".
3 مددى: "يعني رجلا من المدد الذين جاؤا يمدون مؤتة ويساعدونهم".
4 صحيح مسلم 3/1373-1374 كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل، وانظر تخريج الحديث عند أبي داود وأحمد ص 653-655".
5 أبو الأحوص: "هو سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي "ثقة متقن" تقدم في حديث (27) .
6 الأسود بن قيس العبدي، ويقال العجلي الكوفي، يكنى أبا قيس، ثقة من الرابعة". /ع". (التقريب 1/76 وتهذيب التهذيب 1/341) .
7 شبر بن علقمة العبدي الكوفي. ذكره ابن حجر في الإصابة 1/163 في القسم الثالث من حرف الشين وقال: "له إدراك وشهد القادسية له رواية عن ابن مسعود، ثم أورد له هذا الحديث من طريق الأسود بن قيس وقال: "رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة".
ووقع في أضواء البيان الشنقيطي 2/392: "بشر بن علقمة" بتقديم الموحدة على المعجمة وهو خطأ، وكذا وقع في المحلى لابن حزم 3/545".(2/660)
فأتيت به سعداً فخطب سعد أصحابه ثم قال: "هذا سلب شبر بن علقمة فهو خير من أثنى عشر ألف درهم، وإنا قد نفلناه إياه" قالوا: "فلو كان السلب للقاتل قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم، لما أضاف الأمراء ذلك التنفيل إلى أنفسهم باجتهادهم ولأخذه القاتل دون أمرهم".
285- ما ذكره مالك في الموطأ قال: "لم يبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل قتيلا فله سلبه" إلا يوم حنين1.
هذا أهم ما استدل به المالكية والحنفية على ما ذهبوا إليه من أن القاتل لا يستحق سلب قتيله إلا إذا قال الإمام قبل القتال من قتل قتيلا فله سلبه2.
ورد القائلون - باستحقاق السلب للقاتل مطلقا- على هذه الأدلة بما يأتي:
أ- حديث أبي قتادة، أجاب عنه ابن قدامة بقوله: "وأما أبو قتادة؛ فإن خصمه اعترف له به وصدقه فجرى مجرى البينة ولأن السلب مأخوذ من الغنيمة بغير تقدير الإمام واجتهاده فلم يفتقر إلى شرطه كالسهم3".
وأجاب القرطبي عنه بقوله: "سمعت شيخنا عبد العظيم المنذري يقول: "إنما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة سلب قتيله بشهادة الأسود4 بن خزاعى وعبد الله5 بن أنيس، وعلى هذا يندفع النزاع، ويزول الإشكال ويطرد الحكم6".إهـ.
____________________
1 موطّأ مالك 2/455 كتاب الجهاد، باب ما جاء في السلب في النفل". وانظر: "هذه الأدلة في شرح معاني الآثار للطحاوي 3/227 والمغني لابن قدامة 8/393، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/6-7، ونصب الراية للزيلعي 3/431-434، وفتح الباري لابن حجر6/247-248، وأضواء البيان للشنقيطي 2/390-393، والمحلى لابن حزم 3/547-553، والأم 4/67-68".
2 إلا أن هذا القول عند مالك رحمه الله يكون بعد انقضاء الحرب، كما تقدم في ص 647".
3 المغني 8/393و396".
4 الأسود بن خزاعى الأسلمي حليف بني سلمة من الأنصار".
قال ابن حجر: "ذكره موسى بن عقبة عن الزهري فيمن قتل ابن أبي الحقيق، وسماه ابن إسحاق: "خزاعي بن الأسود وكذلك معمر عن الزهري، وذكر الواقدي أنه شهد لأبي قتادة بسلب قتيله يوم حنين". (الإصابة 1/42-43) .
5 عبد الله بن أنيس الجهني أبو يحيى المدني حليف بني سلمة من الأنصار بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن نبيح الهذلي فقتله". (الإصابة 1/42-43 و2/278-279 ومغازي الواقدي 3/908) .
6 الجامع لأحكام القرآن 8/9 وقال: "وأما المالكية؛ فيخرج على قولهم أنه لا يحتاج الإمام فيه إلى بينة، لأنه من الإمام ابتداء عطية فإن شرط الشهادة كان له، وإن لم يشترط جاز أن يعطيه من غير شهادة، وانظر: أضواء البيان للشنقيطي2/397".(2/661)
ب- حديث عبد الرحمن بن عوف في قصة قتل أبي جهل".
قال الزيلعي: "أجاب عنه البيهقي في "المعرفة" بقوله: "وهذا حجة لهم فيه، فإن غنيمة بدر كانت للنبي صلى الله عليه وسلم بنص الكتاب يعطي منها من يشاء، وقد قسم لجماعة لم يشهدوا، ثم نزلت الآية في الغنيمة بعد بدر، وقضى - عليه السلام - بالسلب للقاتل، واستقر الأمر على ذلك، ويجوز أن يكون أحدهما أثخنه، والثاني جرحه بعد، فقضى بسلبه للأوّل1".إهـ".
وأجاب ابن حزم بقوله: "قال: "أبو محمد: "ولا حجة لهم في هذا كله، وأين يوم بدر من يوم حنين وبينهما أعوام؟ وما نزل حكم الغنائم إلا بعد يوم بدر فكيف يكون السلب للقاتل2".
وقال ابن حجر: "أجاب الجمهور عن هذا الحديث بأن في سياق دلالة على أن السلب يستحقه من أثخن في القتل ولو شاركه غيره في الضرب أو الطعن".
قال المهلب3: "نظره صلى الله عليه وسلم في السيفين واستلاله لهما هو ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ومقدار العمق دخولهما في جسم المقتول ليحكم بالسلب لمن كان في ذلك أبلغ، ولذلك سألهما أولا هل مسحتما سيفيكما أم لا؟ لأنهما لو مسحاهما لما تبين المراد من ذلك وإنما قال: "كلاكما قتله" وإن كان أحدهما هو الذي أثخنه ليطيب نفس الآخر".
وقال الإسماعيلي 4: "أقول إن الأنصاريين ضرباه فأثخناه5 وبلغا به المبلغ الذي يعلم معه أنه لا يجوز بقاؤه على تلك الحال إلا قدر ما يطفأ، وقد دل قوله: "كلاكما قتله" على أن كلا منهما وصل إلى قطع الحشوة6 إبانتها أو بما يعلم أن عمل كل من سيفيهما كعمل الآخر، غير أن أحدهما سبق بالضرب فصار في حكم المثبت
____________________
1 نصب الراية 3/432".
2 المحلى 7/550".
3 هو القاضي أبو القاسم المهلب بن أحمد بن أبي صفرة التميمي الفقيه الحافظ المحدث العالم المتفنن، شرح البخاري واختصره اختصارا مشهورا وله تعليق على البخاري حسن، (مات سنة 435أو 436) . (شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ص 114 ومقدمة البخاري 1/127) .
4 هو الإمام الحافظ الثبت شيخ الإسلام أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي الجرجاني، له تخريج على صحيح البخاري، ولد عام 277 ومات سنة 371هـ". (تذكرة الحفاظ للذهبي 3/947-951) .
5 أثخناه: "أي أثقلاه بالجراح". (النهاية 1/208) .
6 الحشوة: "بالضم والكسر: "الأمعاء". (المصدر السابق 1/392) .(2/662)
لجراحه حتى وقعت به ضربة الثاني فاشتركا في االقتل، إلا أن أحدهما قتله وهو ممتنع والآخر قتله وهو مثبت فلذلك قضى بالسلب للسابق إلى إثخانه1".
جـ وأما حديث عوف بن مالك الأشجعي في قصته مع خالد بن الوليد، فأجاب الخطابي عنه بقوله: "إنما منع عليه السلام خالدا في الثانية أن يرد على عوف سلبه زجرا لعوف، لئلا يتجرأ الناس على الأئمة، لأن خالدا كان مجتهدا في صنعه، لما رأى فيه من المصلحة، فأمضى عليه السلام اجتهاده، واليسير من الضرر يحتمل الكثير من النفع، قال: "ويشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد عوض المددى من الخمس الذي هو له وترضى خالدا بالنصح له والتسليم الحكم له في السلب 2".
وأجاب عنه ابن حزم بقوله:
قال أبو محمد: "لا حجة لهم في هذا، بل هو حجة عليهم لوجوه:
أوّلها: "أن فيه نصا جليا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل وهذا قولنا".
وثانيها: "أنه عليه السلام أمر خالدا بالرد عليه".
وثالثها: "أن في نصه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بأن لا يرد عليه، لأنه علم أن القاتل صاحب السلب أعطاه بطيب نفس ولم يطلب خالدا به، وأن عوفاً يتكلم فيما لا حق له فيه وهذا هو نص الخبر".
ورابعها: "أنه لو كان كما يوهمون لما كان لهم فيه حجة، لأن يوم حنين الذي قال فيه عليه السلام "من قتل كافرا فله سلبه" كان بعد يوم مؤتة3 بلا خلاف". ويوم حنين كان بعد فتح مكة" ... فيوم حنين حكمه ناسخ لما تقدم لو كان خلافه4".
د- وأما حديث شبر بن علقمة وقول سعد بن أبي وقاص إنا قد نفلناه إياه فأجاب عنه ابن قدامة بقوله: "أما خبر شبر فإنما أنفذ له سعد ما قضى له به رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه نفلا لأنه في الحقيقة نفل لأنه زيادة على سهمه5".
____________________
1 فتح الباري 6/248 وشرح النووي على صحيح مسلم 4/355".
2 الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ص225 ونصب الراية للزيلعي 3/432".
3 كانت غزوة مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة". (سيرة ابن هشام 2/373) .
4 المحلى 7/549، ومعنى قوله (لو كان خلافه) يعني أنه لو سلم لهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع القاتل سلب قتيله، لكان ما قاله عليه السلام يوم حنين ناسخا لما كان في غزوة مؤتة".
5 المغني 8/393".(2/663)
هـ- وأما قول مالك: "بم يبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل قتيلا فله سلبه إلا يوم حنين".
فأجاب عنه ابن حجر بقوله: "وأجاب الشافعي وغيره بأن ذلك حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن:
منها: "يوم بدر, كما في قصة أبي جهل".
ومنها: "حديث حاطب بن أبي بلتعة في قتله رجلا يوم أحد فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه".
ومنها: "حديث عوف بن مالك في قصة قتل المددي رجلا من العدو".
ومنها: "قصة عبد الله بن جحش وسعد بن أبي وقاص في دعائهما يوم أحد وقول سعد: "اللهم ارزقني رجلا شديدا أقتله وآخذ سلبه, وغير ذلك من المواطن التي ورد فيها لفظ السلب قبل غزوة حنين".
وأجاب ابن حجر أيضا بقوله: فإن أراد مالك أن ابتداء هذا الحكم كان يوم حنين فهو مردود، لكن على غير مالك ممن منعه فإن مالكا إنما نفى البلاغ, وقد ثبت في سنن أبي داود عن عوف بن مالك أنه قال لخالد بن الوليد في غزوة مؤتة: "إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل" وكانت مؤتة قبل حنين بالاتفاق1.اهـ.
وقال بن حزم: "وقال بعضهم: "لم يقل ذلك2 رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ يوم حنين".
قال أبو محمد: "فكان هذا عجبا, نعم, فهبك أنه لم يقله - عليه السلام - قط إلا مرة يومئذ، أو قاله قبل وبعد, أترى أنهم يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى به مرة أو يرونه باطلا حتى يكرر القضاء به؟..".
فلا فرق بين ما قاله مرة, أو ألف ألف مرة, كله دين وكله حق, كله حكم الله تعالى, وكله لا يحل لأحد خلافه"3.
المسألة الثانية: "من مسائل هذا الحكم: تخميس السلب, وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال: "
القول الأول: "أن السلب لا يخمس قلَّ أم كثر".
____________________
1 فتح الباري 6/169 و247-248, والأم للشافعي 4/66/68 وسبل السلام للصنعاني 4/52-53 وانظر ص (646) وحديث (282) و (283) .
2 يعني (من قتل قتيلا فله سلبه) .
3 المحلى 7/547".(2/664)
قال ابن قدامة: "روي ذلك عن سعد بن أبي وقاص, وبه قال الشافعي وابن المنذر وابن جرير1".اهـ.
وقال النووي: "واختلفوا في تخميس السلب, وللشافعي فيه قولان:
الصحيح منها عند أصحابه, لا يخمس وهو ظاهر الأحاديث وبه قال: أحمد وابن جرير وابن المنذر وآخرون2".اهـ".
وقال أبو عبيد: "وفي النفل3 الذي ينفله الإمام سنن أربع, لكل واحدة منهن موضع غير موضع الأخرى".
فإحداهن: "في النفل الذي لا خمس فيه".
والثانية: "في النفل الذي يكون من الغنيمة بعد إخراج الخمس".
والثالثة: "في النفل الذي يكون من الخمس نفسه".
والرابعة: "في النفل من جملة الغنيمة قبل أن يخمس منها شيء".
فأما الذي لا خمس فيه فإنه السلب, وذلك أن ينفرد الرجل بقتل المشرك فيكون له سلبه مسلما من غير أن يخمس أو يشركه فيه أحد من أهل العسكر4".
وقال ابن حزم: "وكل من قتل قتيلا من المشركين فله سلبه قال ذلك الإمام أو لم يقله, كيف ما قتله صبراً, أو في القتال, ولا يخمس السلب قلّ أو كثر"5.
وقال ابن قيم الجوزية: حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالسلب كله للقاتل ولم يخمسه، ولم يحعله من الخمس, بل من أصل الغنيمة, وهذا حكمه وقضاؤه"6".اهـ.
وأدلة هذا القول الأحاديث المتقدمة مثل حديث أبي قتادة: "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه".
وحديث سلمة بن الأكوع في قتله طليعة المشركين, وقول الرسول صلى الله عليه وسلم من قتل الرجل فقالوا: "سلمة بن الأكوع, فقال صلى الله عليه وسلم: "له سلبه أجمع".
____________________
1 المغني لابن قدامة 8/391".
2 شرح النووي على صحيح مسلم 4/352".
3 تقدم بيان النفل في ص 353".
4 كتاب الأموال ص 430".
5 المحلى 7/544
6 زاد المعاد 5/72و3/493-494".(2/665)
وحديث أنس بن مالك "أن أبا طلحة قتل عشرين رجلا يوم حنين وأخد أسلابهم"1 ".
وساق القرطبي في تفسيره حديث عوف بن مالك الذي رواه مسلم, ثم قال: "وأخرجه أبو بكر2 البرقاني بإسناده الذي أخرجه به مسلم, وزاد بيانا أن عوف بن مالك, قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يخمس السلب"3.
وروى الإمام أحمد فقال: "حدثنا أبو المغيرة4 قال ثنا صفوان5 بن عمرو قال: "حدثني عبد الرحمن6 بن جبير بن نفير عن أبيه7 عن عوف ابن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب".
ورواه من هذه الطريق أيضا مطولا".
ورواه أيضا عن الوليد بن مسلم قال حدثني صفوان بن عمرو به مطولا أيضا 8".
وأخرجه أبو داود من طريق أحمد الأخيرة".
____________________
1 تقدم هذه الأحاديث في ص 636-637 و640-642".
2 هو الإمام الحافظ شيخ الفقهاء والمحدثين أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي البرقاني الشافعي شيخ بغداد, صنف التصانيف وخرج على الصحيحين, حدث عنه البيهقي والخطيب البغدادي وغيرهم".
قال الخطيب: "كان ثقة ورعاً ثبتا لم نر في شيوخنا أثبت منه, عارفا بالفقه له حظ من علم العربية كثير, صنف مسندا ضمنه ما اشتمل عليه صحيح البخاري ومسلم, ولد سنة 336 ومات ببغداد سنة425 هـ". (تذكرة الحفاظ للذهبي 3/1074-1076 وتاريخ بغداد 4/373-376) .
3 الجامع لأحكام القرآن 8/7-8, وأضواء البيان للشنقيطي 2/394-395".
4 هو عبد القدوس بن الحجاج الخولاني, أبو المغيرة الحمصي, ثقة, من التاسعة (ت 212) ./ع". (التقريب 1/515 وتهذيب التهذيب 6/369) .
5 صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي, أبو عمرو الحمصي, ثقة من الخامسة (ت155أو بعدها) .بخ م عم (التقريب1/368,وتهذيب التهذيب4/228-229) .
6 عبد الرحمن بن جبير بجيم وموحدة مصغرا ابن نفير بنون وفاء مصغرا الحضرمي الحمصي, ثقة من الرابعة (ت 118) . بخ م عم". (التقريب 1/475 وتهذيب التهذيب 6/154 وقد سقط من تهذيب التهذيب علامة من أخرج له) .
7 هو جبير بن نفير بن مالك بن عامر الحضرمي, الحمصي, ثقة جليل, من الثانية مخضرم, ولأبيه صحبة فكأنه هو ما وفد إلا في عهد عمر (ت80 وقيل بعدها) . بخ م". عم". (التقريب 1/126 وتهذيب التهذيب 2/64-65) .
8 المسند 6/26و27-28".(2/666)
ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي 1".
وأخرجه أبو داود أيضا مختصرا من طريق إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف ن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب" 2.
ورواه ابن الجارود من طريق أبي المغيرة قال ثنا صفوان بن عمرو به ولفظه "عن عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب" 3.
رواه الطحاوي من طريق الوليد بن مسلم قال: "ثنا صفوان بن عمرو به ولفظه "عن عوف بن مالك الأشجعي قال: "قلت لخالد بن الوليد يوم مؤتة ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب؟ قال: "بلى" 4.
ورواه البيهقي أيضا من طريق الوليد بن مسلم عن صفوان بن عمرو به5".
ولمسلم من طريق الوليد بن مسلم حدثنا صفوان بن عمرو به بلفظ "قال عوف: "فقلت: "يا خالد! أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: "بلى، ولكني استكثرته" 6.
والحديث صحيح وهو نص في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب".
القول الثاني: "أن السلب يخمس مطلقاً".
قال ابن قدامة: "وهو قول ابن عباس والأوزاعي ومكحول7".
ونسبه النووي أيضا لمالك وقال: "وهو قول ضعيف للشافعي".
____________________
1 السنن الكبرى 6/310".
2 سنن أبي داود 2/65و66 كتاب الجهاد، باب في السلب لا يخمس".
3 المنتقى ص 361".
4 شرح معاني الآثار 3/226".
5 السنن الكبرى 6/310 وانظر إرواء الغليل 5/55-57".
6 تقدم الحديث برقم (283) .
7 المغني 8/391.(2/667)
ثم قال: "وعن مالك رواية اختارها إسماعيل القاضي1 أن الإمام بالخيار إن شاء خمسه وإلا فلا2".
واستدل من قال بأن السلب يخمس بعموم قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [سورة الأنفال، من الآية:41] .ولم يستثن شيئا".
ورد الجمهور على هذا الدليل بقوله صلى الله عليه وسلم "من قتل قتيلا فله سلبه" وبغير ذلك من الأحاديث القاضية بأن السلب للقاتل، وهي مخصصة لعموم الآية 3".
القول الثالث: "أن السلب إن كان كثيرا خمس، وإلا فلا".
وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإسحاق بن راهويه ودليل هذا القول هو ما رواه سعيد بن منصور في "سننه".
286- عن ابن سيرين4 أن البراء بن مالك5 بارز مرزبان6 الزارة7
____________________
1 هو أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد الأزدي مولاهم البصري، ثم البغدادي المالكي، الحافظ شيخ الإسلام صاحب التصانيف وشيخ مالكية العراق وعالمهم".
قال الخطيب: "كان عالما متقنا فقيها شرح مذهب مالك واحتج له، وصنف المسند، وصنف في علوم القرآن، وجمع حديث أيوب وحديث مالك".
قال الذهبي: "وصنف الموطأ، وصنف كتابا حافلا نحو مائتي جزء في الرد على محمد تبن الحسن لم يتمه، (ولد سنة 179 ومات سنة 282) . (تذكرة الحفاظ للذهبي 2/625-626 وتاريخ بغداد 6/284) .
2 المغني لابن قدامة 8/390-391 وشرح النووي على صحيح مسلم 4/352 وفتح الباري 6/247 وأضواء البيان للشنقيطي 2/394و395، وزاد المعاد 3/494".
3 المغني لابن قدامة 8/390-391 وشرح النووي على صحيح مسلم 4/352 وفتح الباري 6/247 وأضواء البيان الشنقيطي 2/394و395، وزاد المعاد 3/494".
4 هو محمد بن سيرين الأنصاري، أبو بكر بن أبي عمرة البصري، ثقة ثبت عابد كبير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى، من الثالثة (ت 110) . /ع". (التقريب 2/169 وتهذيب التهذيب 9/214) .
5 البراء بن مالك بن النضر، الأنصاري، أخو أنس بن مالك لأبيه وأمه، وأمهما أم سليم، قال أبو حاتم: "أخوه لأبيه، كان شجاعا مقداما شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بدرا، وهو الذي فتح حديقة مسيلمة التي تحصن فيها هو وجنده يوم اليمامة، واستشهد البراء يوم حصن تستر في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين وقيل توفي سنة 23". (أسد الغابة 1/206 والإصابة 1/143 والاستيعاب 1/137 مع الإصابة) .
6 في القاموس المحيط1/73:والمرزبة كمرحلة رياسة الفرس وهو مرزبانهم بضم الزاي".
7 الزارة: "بالزاي وفتح الراء المخففة، وقال أبو منصور: "عين الزارة بالبحرين معروفة، والزارة قرية كبيرة بها، ومنها مرزبان الزارة، وله ذكر في الفتوح، وفتحت الزارة في سنة 12هـ في أيام أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وصولحوا".
قال أبو أحمد العسكري: "الخط والزارة والقطيف قرى بالبحرين وهجر".
(معجم البلدان لياقوت 3/126) .(2/668)
بالبحرين، فطعنه فدق صلبه، وأخذسواريه1 وسلبه، فلما صلى عمر الظهر، أتى أبا طلحة في داره، فقال: "إنا كنا لا نخمس السلب، وإن سلب البراء قد بلغ مالا وأنا خامسه فكان أوّل سلب خمس في الإسلام، سلب البراء، وبلغ ثلاثين ألفا"2.
والحديث نسبه ابن حزم أيضاً لابن أبي شيبة قال: "حدثنا عبد الرحيم3 بن سليمان عن هشام4 بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس ابن مالك قال: "كان السلب لا يخمس وكان أول سلب خمس في الإسلام سلب البراء بن مالك، وكان قتل مرزبان الزارة وقطع منطقته وسواريه، فلما قدمن المدينة صلى عمر الصبح، ثم أتانا فقال: "السلام عليكم أثم أبو طلحة؟ فقالوا: "نعم، فخرج إليه فقال عمر: "إنا كنا لا نخمس السلب وإن سلب البراء مال وغني خامسه، فدعا المقومين فقوموا ثلاثين ألفا، فأخذ منها ستة آلاف5".
والحديث أخرجه الطحاوي من طريق سفيان عن أيوب عن ابن سيرين عن أنس بن مالك به6".
ورواه البيهقي من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك به".
ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس ابن مالك به7".
____________________
1 السوار: "بكسر السين وضمها هو ما يتحلى به النساء في أيديهن". (النهاية 2/420 والقاموس 2/53 وهدي الساري مقدمة فتح الباري ص 135) .
2 المغني لابن قدامة 8/391-392 وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/394".
3 عبد الرحيم بن سليمان الكناني، أبو الطائي، أبو علي الأشل، المروزي نزيل الكوفة ثقة له تصانيف، من صغار الثامنة، (ت 187) . /ع". (التقريب 1/504 وتهذيب التهذيب 6/306) .
4 هشام بن حسان الأزدي القردوسي - بضم القاف والدال- أبو عبد الله البصري، ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين، في روايته عن الحسن وعطاء مقال، لأنه قيل كان يرسل عنهما، من السادسة (ت147-148) . /ع". (التقريب2/318 وتهذيب التهذيب 11/34) .
5 المحلى لابن حزم 7/545-546".
6 شرح معاني الآثار 3/229".
7 السنن الكبرى 6/310-311، وانظر إرواء الغليل 5/57-58".(2/669)
ورد هذا الحديث ابن قدامة بقوله: "ولنا ما روى عوف بن مالك وخالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب".
وعموم الأخبار التي ذكرناها، وخبر عمر بن الخطاب حجة لنا فإنه قال: "إنا كنا لا نخمس، وقول الراوي كان أول سلب خمس في الإسلام، يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر صدرا من خلافته لم يخمسوا سلبا واتباع ذلك أولى".
قال الجوزجاني1: "لا أظنه يجوز لأحد في شيء سبق فيه من الرسول صلى الله عليه وسلم شيء إلا اتباعه ولا حجة في قول أحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم2".
ثم قال ابن قدامة: "وما ذكرناه يصلح أن يخصص به عموم الآية".
وإذا ثبت هذا: "فإن السلب من أصل الغنيمة، وقال مالك: "هو من خمس الخمس".
ولنا: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل مطلقا ولم ينقل عنه أنه احتسب به من الخمس، ولأنه لو احتسب به من خمس الخمس احتيج إلى معرفة قيمته وقدره ولم ينقل ذلك، ولأن سببه لا يفتقر إلى اجتهاد الإمام فلم يكن من خمس الخمس كسهم الفارس والراجل 3".إهـ.
وقال ابن قيم الجوزية: "قوله صلى الله عليه وسلم "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه" دليل على أن له سلبه كله غير مخمس، وقد صرح بهذا في قوله لسلمة بن الأكوع لما قتل قتيلا: "له سلبه أجمع".
وفي المسألة ثلاثة مذاهب، هذا أحدها.
____________________
1 الجوزجاني: "هو إبراهيم بن يعقوب السعدي "ثقة حافظ".
2 أقول إن ما عمله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من تخميس سلب البراء بن مالك يمكن القول به لأنه راعى فيه المصلحة العامة، وليس فيه مخالفة لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن خافيا على عمر رضي الله عنه، لأنه قال: "إنا كنا لا نخمس السلب وإن سلب البراء قد بلغ ما لا وأنا خامسه".
فعمر - رضي الله عنه - نظر هنا إلى كثرة هذا السلب، ورأى بفهمه الثاقب وفقهه العميق لمقاصد الشريعة أن فيه حقا لبيت مال المسلمين، فلو ذهب إلى هذا النظر إمام من أئمة المسلمين لكان له فيه سند وسلف من عمر - رضي الله عنه ـ". والله أعلم.
3 المغني لابن قدامة 8/391-392 وأضواء البيان للشنقيطي 2/396".(2/670)
والثاني: "أنه يخمس كالغنيمة، وهذا قول الأوزاعي وأهل الشام، وهو مذهب ابن عباس لدخوله في آية الغنيمة".
والثالث: "أن الإمام إن استكثره خمسه، وإن استقله لم يخمسه وهو قول إسحاق وفعله عمر بن الخطاب".
ثم أورد حديث ابن سيرين في قصة تخميس عمر بن الخطاب سلب البراء بن مالك".
ثم قال: "والأوّل: "أصح، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب وقال: "هو له أجمع، ومضت على ذلك سنته وسنة الصديق بعده، وما رآه عمر اجتهاد منه أداه إليه رأيه، ثم قال: "والحديث يدل على أنه من أصل الغنيمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به للقاتل، ولم ينظر في قيمته، وقدره، واعتبار خروجه من خمس الخمس1".إهـ.
المسألة الثالثة: من مسائل هذا الحكم ما هو سلب؟
قال ابن قدامة: "السلب هو ما كان القتيل لابسا له من ثياب وعمامة وقلنسوة2 ومنطقة3 ودرع ومغفر وبيضة وتاج وأسورةوران4 وخف بما في ذلك من حلية ونحو ذلك؛ لأن المفهوم من السلب اللباس، وكذلك السلاح من السيف والرمح والسكين ونحوه؛ لأنه يستعين به في قتاله فهو أولى بالأخذ من اللباس، وكذلك الدابة لأنه يستعين بها فهي كالسلاح وأبلغ منه، ولذلك استحق بها زيادة السهمان بخلاف السلاح، فأما المال الذي معه في كمراته وخريطته فليس بسلب؛ لأنه ليس من الملبوس ولا مما يستعين به الحرب، وكذلك رحله وأثاثه وما ليست يده عليه من ماله ليس من سلبه، وبهذا قال الأوزاعي ومكحول والشافعي".
____________________
1 زاد المعاد 3/493-494 و5/72".
2 قلنسوة: "بفتح أوله وضم السين المفتوحة: "ما يوضع على الرأس". (القاموس المحيط 2/242، وهدي الساري مقدمة فتح الباري ص 175".
3 منطقة: "بكسر أوله ما يشد به الرجل على وسطه".
المغفر: "كمنبر: "يلبس في الرأس تحت القلنسوة".
والبيضة: "من حديد تلبس في الرأس في الحرب". (القاموس المحيط 2/103و325و3/285 وهدي الساري ص 91) .
4 الران: "كالخف إلا أنه لا قدم له وهو أطول من الخلف". (القاموس 4/230) .(2/671)
إلا أن الشافعي قال: "ما لا يحتاج إليه في الحرب كالتاج والسوار والطوق والهيمان1 الذي للنفقة ليس من السلب في أحد القولين لأنه مما لا يستعان به في الحرب فأشبه المال الذي في خريطته".
ثم قال ابن قدامة أيضا: "وإذا ثبت هذا فإن الدابة وما عليها من سرجها ولجامها وتجفيفها2 وحلية إن كانت عليها وجميع آلاتها من السلب لأنه تابع لها ويستعان به في الحرب".
وإنما يكون السلب إذا كان راكبا عليها، وإن كانت في منزله أو مع غيره أو منفلتة لم يكن من السلب كالسلاح الذي ليس معه وإن كان راكبا عليها فصرعه عنها أو أشعره عليها ثم قتله بعد نزوله عنها فهي من السلب، وهكذا قول الأوزاعي".
وإن كان ممسكا بعنانها غير راكب عليها فعن أحمد فيها روايتان:
إحداهما: "من السلب وهو قول الشافعي لأنه متمكن من القتال عليها فأشبهت سيفه أو رمحه في يده".
والثانية: "ليست من السلب وهو ظاهر كلام الخرقي3 واختيار الخلال4؛ لأنه ليس براكب عليها فأشبه ما لو كانت مع غلامه5".
وقال برهان الدين المرغيناني: "والسلب ما على المقتول من ثيابه وسلاحه ومركبه، وكذا ما كان على مركبه من السرج والآلة، وكذا ما معه على الدابة من ماله في حقيبته أو على وسطه، وما عدا ذلك فليس بسلب6".
وقال الدسوقي: "والسلب هو ما اعتيد وجوده مع المقتول حال الحرب كدابته المركوبة له أو الممسوكة بيده أو يد غلامه للقتال وسرجه ودرعه وسلاحه ومنطقته
____________________
1 الهيمان: "بكسر شداد السراويل ووعاء الدراهم". (القاموس المحيط 4/404) .
2 التجفاف: "آلة للحرب يلبسه الفرس والإنسان ليقيه في الحرب". (القاموس المحيط 3/124) .
3 هو عمر بن الحسين أبو القاسم الخرقي تقدم في حديث (262) .
4 الخلال: "هو أحمد بن محمد بن هارون، أبو بكر المعروف بالخلال له التصانيف الدائرة، والكتب السائرة، من ذلك الجامع في الفقه الحنبلي والعلل والسنة والطبقات وغير ذلك، مات سنة 311هـ". (طبقات الحنابلة للقاضي أبي يعلى 2/12-15 وتذكرة الحفاظ للذهبي 3/785-786) .
5 المغني لابن قدامة 8/394و395-396 والأم للشافعي 4/67".
6 الهداية 2/149".(2/672)
وما فيها من حلي وثيابه التي عليه". لا سوار وصليب وعين ذهب أو فضة ودابة غير مركوبة ولا ممسوكة للقتال بل جنيب أمامه بيد غلامه للافتخار فلا يكون للقتال لأنها من غير المعتاد، وله المعتاد1".
وقال ابن حزم: "والسلب: "فرس المقتول وسرجه، ولجامه، وكل ما عليه من لباس، وحلية، ومهاميز2، وكل ما معه من سلاح، وكل ما معه من مال في نطاقه أو في يده، أو كيفما كان معه3".
وبعد عرض مذاهب العلماء فيما هو المراد بالسلب، فإن الظاهر في هذا هو ما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله تعالى، لأن الأحاديث الواردة في ذلك عامة ولم تخصص شيئا دون شيء، ففي حديث أبي قتادة "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه".
وفي حديث سلمة بن الأكوع "من قتل الرجل قالوا: "سلمة بن الأكوع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "له سلبه أجمع".
وفي لفظ: "فنفلني رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه".
وفي حديث أنس بن مالك: "أن أبا طلحة قتل عشرين رجلا يوم حنين وأخذ أسلابهم".
وهذه النصوص عامة كما ترى".
وفي حديث البراء بن مالك: "أنه بارز مرزبان الزارة بالبحرين، فطعنه فدق صلبه وأخذ سواريه وسلبه" الحديث".
وفيه أن عمر بن الخطاب خمسه وكان قد بلغ ثلاثين ألفا دفع بقيته إلى البراء4".
وفي حديث عوف بن مالك الأشجعي في قصته قتل المددي لرجل من الروم
____________________
1 حاشية الدسوقي 2/191".
2 المهاميز: "عصى، واحدتها مهمزة وهي عصا في رأسها حديدة ينخس بها الحمار، والمهمزة أيضا: "المقرعة". (لسان العرب 7/292، والقاموس المحيط 2/196) .
3 المحلى لابن حزم 7/546".
4 تقدم الحديث برقم (286) .(2/673)
وكان الرومي على فرس له عليه سرج مذهب وسلاح مذهب فجعل الرومي يفري بالمسلمين، فقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعقرب فرسه فخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه، فلما فتح الله عز وجل للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ من السلب".
قال عوف فأتيته فقلت: "يا خالد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟
قال: "بلى، ولكنني استكثرته" الحديث1.
المسألة الرابعة: من مسائل هذا الحكم من هو المقتول الذي يستحق قاتله أخذ سلبه.
قال ابن قدامة: "الفصل الرابع: "أنه إنما يستحق السلب بشروط:
أحدها: "أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتلهم فأما إن قتل امرأة أو صبيا أو شيخا فانيا أو ضعيف مهينا ونحوهم ممن لا يقاتل لم يستحق سلبه لا نعلم فيه خلافا، وإن كان أحد هؤلاء يقاتل استحق قاتله سلبه لأنه يجوز قتله، ومن قتل أسيرا له أو لغيره لم يستحق سلبه لذلك".
الثاني: "أن يكون المقتول فيه منفعة غير مثخن بالجراح، فإن كان مثخن بالجراح فليس لقاتله شيء من سلبه..".وإن قطع يدي رجل ورجليه وقتله آخر فالسلب للقاطع دون القاتل لأن القاطع هو الذي كفى المسلمين شره".
الثالث: "أن يقتله أو يثخنه بجراح تجعله في حكم المقتول 2".
وقال القرطبي: "قال أبو العباس3 بن سريج من أصحاب الشافعي ليس الحديث "من قتل قتيلا فله سلبه" على عمومه لإجماع العلماء على أن من قتل أسيرا أو امرأة أو شيخا أنه ليس له سلب واحد منهم".
____________________
1 تقدم الحديث برقم (283) . وانظر ص 653-655".) .
2 المغني 8/389-390 وقد اشترط بعض العلماء أن يكون القتل في مبارزة وأن يكون المقتول مقبلا غير مدبر، وقد تقدم في حاشية ص 645 قول الشنقيطي: "أن الحق في هذا انه لا يشترط شيء من ذلك".
3 هو الإمام العلامة شيخ الإسلام القاضي أبوالعباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي قدوة الشافعية، (مات سنة 303هـ) . (تذكرة الحفاظ للذهبي3/811-813) .(2/674)
وكذلك من ذفف على جريح، ومن قتل من قطعت يداه ورجلاه1.إهـ.
وقال الأمين الشنقيطي: "ولا يستحق القاتل سلب المقتول، إلا أن يكون المقتول من المقاتلة الذي يجوز قتالهم، فأما إن قتل امرأة أو صبيا أو شيخا فانيا، أو ضعيفا مهينا، أو مثخنا بالجراح لم تبقى فيه منفعة، فليس له سلبه".
ثم قال: "ولا خلاف بين العلماء: "في أن من قتل صبيا أو امرأة أو شيخا فانيا لا يستحق سلبهم، إلا قولاً ضَعِيفاً جدا يروى عن أبي ثور، وابن المنذر، في استحقاق سلب المرأة، ثم قال: "والدليل على أن من قتل مثخن بالجراح لا يستحق سلبه، أن عبد الله بن مسعود، هو الذي ذفف على أبي جهل يوم بدر وحز رأسه2، وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح الذي أثبته، ولم يعط ابن مسعود شيئا ثم قال: "وهذا هو الحق الذي جاء به الحديث المتفق عليه فلا يعارض بما رواه الإمام أحمد، وأبو داود عن ابن مسعود "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفله سيف أبي جهل يوم بدر" 3؛ لأنه من رواية ابنه أبي عبيدة ولم يسمع منه".
وكذلك المقدم للقتل صبرا لا يستحق قاتله سلبه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل النضر بن الحارث العبدري، وعقبة بن أبي معيط الأموي صبرا يوم بدر، ولم يعطي من قتلهما شيئا من سلبهما".
واختلفوا فيمن أسر أسيرا: "هل يستحق سلبه إلحاقا للأسر بالقتل أو لا؟
والظاهر أنه لا يستحقه، لعدم الدليل فيجب استصحاب عموم: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} ، [سورة الأنفال، من الآية: 41] ، الآية.
حتى يرد مخصص من كتاب أو سنة صحيحة، وقد أسر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون، أسارى بدر، وقتل بعضهم صبرا كما ذكرنا، ولم يعطي أحد من الذين أسروهم شيئا من أسلابهم، ولا من فدائهم بل جعل فداءهم غنيمة.
____________________
1 الجامع لأحكام القرآن 8/5-6".
2 انظر: "الحديث في سيرة ابن هشام 1/633".
3 انظر: "الحديث سنن أبي داود 2/66 كتاب الجهاد، باب من أجاز على جريح مثخن ينفل من سلبه، ومسند أحمد1/444، قال المنذري: "أبو عبيدة لم يسمع من أبيه (عون المعبود7/393) وقال ابن حجر في التقريب2/448أبو عبيدة بن عبد الله ابن مسعود، مشهور بكنيته والأشهر أن لا اسم له غيرها ويقال اسمه عامر، كوفي ثقة، من كبار الثالثة، والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه (ت بعد سنة80) ./ عم".(2/675)
أما إذا قاتلت المرأة أو الصبي المسلمين: "فالظاهر أن لمن قتل أحدهما سلبه، لأنه حينئذ ممن يجوز قتله، فيدخل في عموم "من قتل قتيلا فله سلبه" الحديث، وبهذا جزم غير واحد". والعلم عند الله تعالى 1 إهـ.
وأقول: "اختلف العلماء في مسائل هذا الحكم كعادتهم في كثير من المسائل الفقهية والناظر في مسائل هذا الحكم بالذات يجد أن مسائله متداخلة غير متميز بعضها عن بعض، حتى يكاد الطالب يقف أمامها واجما لا يستطيع أن يخرج بنتيجة مرضية لتشابكها وتداخلها.
وقد حاولت إبراز بعض هذه الجوانب وترتيبها ترتيبا متناسبا وذلك بجعل كل مسألة على حدى مع ذكر القائلين بها والمخالفين لها ثم إيراد دليل كل قول مع مناقشة الأدلة، حتى تكون مسائل هذا الحكم قريبة التناول سهلة المأخذ.
وقد ظهر لي من خلال ذلك أن الظاهر في هذا القول باستحقاق القاتل سلب قتيله، سواء قال الإمام من قتل قتيلا فله سلبه أم لم يقل ذلك، وأن السلب هو كل ما على القتيل ومعه من ثياب وسلاح وحلية ودابة وغير ذلك، وأن هذا السلب للقاتل قل أو كثر بدون تخميس، وأنه من أصل الغنيمة".
وسواء أكان القتل مبارزة أم غير مبارزة، مقبلا أو مدبرا بشرط أن يقيم بنية على أنه قتله أو أثخنه بالجراح حتى جعله في حكم المقتول".
وهذا هو الذي تؤيده الأدلة الواردة في هذا الحكم". والله أعلم".
__________
1أضواء البيان 2/389-390".(2/676)
الحكم الرابع عشر: في بيان تحريم الغلول في الغنيمة
الغلول: "هو اعتداء بعض أفراد الجيش على أموال الغنيمة قبل قسمها وهو من كبائر الذنوب، ولا يقدم عليه إلا ضعيف الإيمان ضعيف النفس يحمله جشعه وسوء طبعه على هذه الخيانة العظيمة لإخوانه المجاهدين معه في سبيل الله ولعظيم خطر الغلول جاءت النصوص في الكتاب والسنة تحذر من الوقوع فيه وتبين أنه ذنب عظيم وجريمة أخلاقية فظيعة، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [سورة آل عمران، الآية: 161] .
قال الشوكاني: "قوله: {يَأْتِ بِمَا غَلَّ} أي يأت به حاملا له على ظهره كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيفضحه بين الخلائق، وهذه الجملة تتضمن تأكيد تحريم الغلول والتنفير منه بأنه ذنب يختص فاعله بعقوبة على رؤوس الأشهاد يطلع عليها أهل المحشر، وهي مجيئه يوم القيامة بما غله حاملا له قبل أن يحاسب عليه ويعاقب عليه".
وقوله: {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} ، [سورة البقرة، من الآية: 281] ، أي تعطى جزاء ما كسبت وافيا من خير وشر، وهذه الآية تعم كل من كسب خيراً أو شراً، ويدخل تحتها الغال دخولاً أوليا لكون السياق فيه1".إهـ".
287- وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات
____________________
1 فتح القدير 1/394".(2/677)
يوم فذكر الغلول1 فعظمه وعظم أمره2 ثم قال: "لا ألفين3 أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته بعير له رغاء4، يقول: "يا رسول الله! أغثني فأقول: "لا أملك لك شيئاً5 قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته فرس له حمحمة6، فيقول يا رسول الله! أغثني فأقول: "لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته شاة لها ثغاء7، يقول: "يا رسول الله! أغثني فأقول: "لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته نفس لها صياح8، فيقول يا رسول الله! أغثني، فأقول: "لا أملك شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع9 تخفق10، فيقول: "يا رسول الله! أغثني، فأقول: "لا أملك شيئا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة
____________________
1 الغلول: "بضم المعجمة واللام، الخيانة في المغنم".
قال ابن قتيبة: "سمي بذلك لأن آخذه يغله في متاعه، أي يخفيه فيه".
وقال أبو عبيد: "الغلول من المغنم خاصة، ولا نراه من الخيانة ولا من الحقد، ومما يبين ذلك أنه يقال من الخيانة: "أغل يغل، ومن الحقد: "غل يغل بالكسر، ومن الغلول غل يغل بالضم". (لسان العرب لابن منظرو14/13،وفتح الباري لابن حجر6/185) .
((2قوله: "ذكر الغلول فعظمه وعظم أمره"، قال النووي: "هذا تصريح بغلظ تحريم الغلول، وأصل الغلول: "الخيانة مطلقاً، ثم غلب اختصاصه في الاستعمال بالخيانة في الغنيمة قال نفطويه: "سمي بذلك؛ لأن الأيدي مغلولة عنه، أي محبوسة، يقال: "غل غلولاً، وأغل إغلالاً". (شرح النووي على صحيح مسلم 4/495) .
3 قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ألفين أحدكم إلخ"، (ألفين) بضم الهمزة وبالفاء المكسورة أي لا أجدن أحدكم على هذه الصفة، ومعناه لا تعمل عملا أجدكم بسببه على هذه الصفة". قال عياض: "وفي رواية العذري "لا ألفين" بفتح الهمزة والقاف وله وجه كنحو ما سبق لكن المشهور الأوّل". (شرح النووي على صحيح مسلم 4/495) .
4رغاء: "الرغاء صوت الإبل". (النهاية لابن الأثير 2/240) .
5 قوله صلى الله عليه وسلم: "لا أملك لك شيئا"، قال النووي: "قال القاضي: "معناه من المغفرة والشفاعة إلا بإذن الله تعالى، قال: "ويكون ذلك أولاً غضباً عليهم لمخالفته ثم يشفع في جميع الموحدين بعد ذلك، كما سبق في كتاب الإيمان في شفاعات النبي صلى الله عليه وسلم". (شرح النووي على صحيح مسلم 4/495) .
6 حمحمة: "هو صوت الفرس دون الصهيل".
(ثغاء) هو صوت الغنم".
((8 (صياح) : "هو صوت الإنسان".
(رقاع) جمع رقعة والمراد بها هنا الثياب".
10 (تخفق) : "تضطرب".(2/678)
على رقبته صامت1، فيقول: "يا رسول الله! أغثني فأقول: "لا أملك لك شيئا قد أبلغتك" 2".
288- وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: "كان على ثقل3 النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة4، فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو في النار"5. فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها 6 ".
والأحاديث الوردة في النهي عن الغلول وعقوبة فاعله كثيرة جداً، وحسبنا في ذلك أن نقتصر على الأحاديث الواردة في غزوتنا هذه، وهي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الحديث طويل وفيه: "
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من رد سبايا حنين إلى أهلها ركب، واتبعه الناس يقولون: "يا رسول الله أقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم حتى ألجئوه إلى شجرة فاختطفت رداءه، فقال: "أدو علي ردائي أيها الناس، فوالله أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذاباً ثم قام إلى جنب بعير، فأخذ وبرة7 من سنامه فجعلها بين أصبعيه، ثم رفعها، ثم قال:
____________________
1الصامت: "الصامت من المال: "الذهب والفضة". (انظر: "النهاية في غريب الحديث 1/214-436 و2/251و3/52) .
2 البخاري: "الصحيح 4/59 كتاب الجهاد باب الغلول". ومسلم: "الصحيح 3/1461 كتاب الإمارة، باب غلظ تحريم الغلول والرفض له".
((3ثقل: "بمثلثة وقاف مفتوحتين: "العيال وما يثقل حمله من الأمتعة". (فتح الباري 6/187 والمصباح المنير 1/102-103) .
4 كركرة: "ذكر القاضي عياض أنه يقال: "بفتح الكافين وبكسرهما". ونقل البخاري: "الخلاف في كافه هل هي بالفتح أو بالكسر". وقال النووي: "إنما اختلفوا في كافه الأولى، وأما الثانية فمكسورة اتفاقا". وكركرة هذا هو: "مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نوبيا أهداه له هوذة بن علي الحنفي، صاحب اليمامة، فاعتقه وذكر البلاذري: "انه مات في الرق قال ابن مندة: "له صحبة ولا تعرف له رواية، وقال الواقدي: "كان يمسك دابة النبي صلى الله عليه وسلم عند القتال يوم خيبر". (مشارق الأنوار للقاضي عياض 1/352 وفتح الباري 6/187-188 والإصابة 3/293، ومغازي الواقدي 2/681 والمغني لابن طاهر الهندي ص 66) .
((5قوله: "هو في النار"، أي: "يعذب على معصيته أو المراد هو في النار إن لم يعف الله عنه". (فتح الباري 6/188) .
6 البخاري: "الصحيح 4/59 كتاب الجهاد، باب القليل من الغلول".
7 والوبر: "محركة صوف الإبل والأرانب ونحوها وجمعه أوبار". (القاموس المحيط 2/151 والمصباح المنير 2/799) .
وعند مالك: "ثم تناول من الأرض وبرة من بعير أو شيئا" وعند عبد الرزاق: "ثم رفع شعرات أو وبرة من بعيره" , وعند بن أبي شيبة: "ثم تناول شعرة من بعير", وعند أحمد وأبي داود: "ثم دنا من بعير فأخذ وبرة من سنامه فجعلها بين أصابعه السبابة والوسطى ثم رفعها" وعند البيهقي "ثم أخذ وبرة من وبر سنام البعير فرفعها".(2/679)
"أيها الناس, والله ما لي من فيئكم ولا هذه الوبرة1 إلا الخمس2, والخمس مردود عليكم, فأدوا الخياط3 والمخيط, فإن الغلول يكون على أهله عاراً4 وناراً وشناراً يوم القيامة, قال: "فجاء رجل من الأنصار بكبة5 من خيوط شعر, فقال: "يا رسول الله, أخذت هذه الكبة أعمل بها برذعة6 بعير لي دبر7, فقال أما نصيْبِي 8 منها فلك ,
____________________
1 وعند أحمد: "يا أيها الناس ليس لي من هذا الفيء هؤلاء هذه إلا الخمس", وعند مالك وعبد الرزاق والطبراني والبيهقي: "ما لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس", وعند النسائي: "إنه ليس لي من الفيء شيء ولا هذه إلا الخمس".
2 الخمس: "بضم الميم وسكونها, وقد ضبط بالرفع والنصب, فالرفع على البدل، وهو الأفصح والنصب على الاستثناء, والمعنى (إلا الخمس) لي أتصرف فيه كيف أشاء أو أملكه أو أقسمه على الاختلاف في معناه". (أوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/323) . وقوله: "والخمس مردود عليكم" أي والخمس المذكور مع كونه لي "مردود عليكم" أيضا أي مصروف في مصالحكم". (مصدر السابق 8/322) .
3 قوله: "أدوا الخياط والمخيط".
الخياط: "ككتاب الخيط لوروده في حديث عبادة بن الصامت الآتي بلفظ: "أدوا الخيط والمخيط" والمخيط: "بزنة منبر: "الإبرة, وعند عبد الرزاق وأحمد والطبراني واللبيهقي: "ردوا الخياط والمخيط".
قال الخطابي: "فيه دليل على أن قليل ما يغنم وكثيره مقسوم بين من شهد الوقعة ليس لأحد أن يستبد منه بشيء وإن قل, إلا الطعام الذي قد وردت فيه الرخصة, وهذا قول الشافعي". (عون المعبود7/360، وانظر أوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/322) .
4 قوله: "عارا ونارا وشنارا يوم القيامة" أي: "يلزم منه شين وسبة في الدنيا, (ونار) جهنم يوم القيامة".
(وشنارا) بفتح الشين المعجمة والنون الخفيفة فألف فراء, أي أقبح العيب والعار, قال ابن عبد البر: "الشنار لفظة جامعة لمعنى النار والعار, ومعناها الشين والنار, يوم القيامة, وقال أبو عبيدة: "الشنار العيب والعار (يوم القيامة) يريد أن الغلول شين وعار ومنقصة في الدنيا وعذاب ونار في الآخرة".
(أوجز المسالك إلى موطأ مالك8/323 والنهاية لابن الأثير 2/504 والمنتقى للباجي 3/199-200) .
5 الكبة: "بضم الكاف وتشديد الموحدة, أي قطعة مكبكبة من غزل شعر". (لسان العرب 2/190 وعون المعبود 7/360) .
6 برذعة: البرذعة الحلس الذي يلقى تحت الرحل, والجمع البراذع, وخص بعضهم به الحمار, وهي بالدال والذال, وفي القاموس: "وإهمال داله أكثر". (لسان العرب 9/355, والقاموس المحيط 3-4) .
7 دبر: "بالتحريك: "الجرح الذي يكون في ظهر البعير, يقال: دبر يدبر دبرا". (النهاية في غريب الحديث 2/97 والقاموس المحيط 1/26) .
8 وعند أبي داود والنسائي وأحمد "أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك", وعند ابن الجارود "أما ما كان لي فهو لك".(2/680)
قال: أما إذا بلغت1 هذا فلا حاجة لي بها ثم طرحها من يده"2.
حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -, وقد ورد من أربع طرق:
أ- من طريق يعلى بن شداد عن عبادة عند ابن ماجة والفسوي وهذا سياقه عند ابن ماجة قال: "
289- حدّثنا عليّ3 بن مُحمّد ثناأبو أسامة4 عن أبي سنان عيسى بن سنان عن يعلى5 بن شداد, عن عبادة بن الصامت قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين, إلى جنب بعير من المقاسم, ثم تناول شيئا من البعير, فأخذ منه قردة6 - يعني وبرة - فجعل بين أصبعيه ثم قال: "يا أيها الناس إن هذا من غنائمكم، أدوا الخيط والمخيط, فما فوق ذلك, فما دون ذلك, فإن الغلول عار على أهله يوم القيامة وشنار ونار "7.
والحديث من زوائد ابن ماجة.
____________________
1 وعند أبي داود والنسائي وأحمد "أما إذا بلغت ما أرى فلا إرب لي فيها ونبذها".
2 الحديث سياقه لابن إسحاق وقد تقدم برقم (130) وتحت رقم (180) .
وعند الواقدي: "وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغنائم تجمع, ونادى مناديه: "من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر, فلا يغل,! وجعل الناس غنائمهم في موضع حتى استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ,وكان عقيل بن أبي طالب دخل على زوجته وسيفه متلطخ دما, فقالت: إني قد علمت أنك قد قاتلت المشركين, فماذا أصبت من غنائمهم؟ قال: "هذه الإبرة تخيطين بها فدفعها إليها, وفيه فسمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أصاب شيئا من المغنم فليرده فرجع عقيل فقال: "والله ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت فألقاها في الغنائم". (مغازي الواقدي3/917-918وشرح المواهب للزرقاني3/36) .
3 علي بن محمد بن إسحاق الطنافسي - بفتح المهملة وتخفيف النون وبعد الألف فاء ثم مهملة - ثقة عابد، من العاشرة (ت 233 وقيل 235) . /عس ق". (التقريب 2/43 وتهذيب التهذيب 7/378) .
4 هو حماد بن أسامة القرشي مولاهم، الكوفي، أبو أسامة مشهور بكنيته ثقة ثبت، ربما دلس، من كبار التاسعة (ت 201) . / ع". (التقريب 1/195 وتهذيب التهذيب 3/2-3) .
5 يعلى بن شداد بن أوس الأنصاري، أبو ثابت المدني، صدوق، نزيل الشام، من الثالثة". /د ق". (المصدر السابق 2/378، و11/402) .
6 القرد: "محركة ما تمعط من الوبر والصوف أو نفايته والسعف سل خوصها، واحدته بهاء، هو أردأ ما يكون من الوبر والصوف". (النهاية لابن الأثير 4/37 والقاموس المحيط للفيروز آبادي 1/326) .
7 ابن ماجه: "السنن 2/950 كتاب الجهاد، باب الغلول".
والفسوي المعرفة والتاريخ 2/360-361".(2/681)
قال البوصيري: "في إسناده عيسى1 بن سنان، اختلف فيه كلام ابن معين قال: "لين لحديث وليس بالقوي، وقيل: "ضعيف، وقيل: "لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجال الإسناد ثقات".إهـ.
ولكن الحديث له طرق أخرى عن عبادة يتقوى بها وهي:
ب- طريق أبي أمامة الباهلي عن عبادة عند أحمد وغيره وهذا سياق أحمد قال: "حدثنا معاوية2 بن عمرو ثنا أبو إسحاق3 - يعني الفزاري - عن عبد الرحمن4 ابن الحارث بن عياش عن سليمان5 بن موسى عن مكحول6 عن أبي سلام7 عن أبي أمامة8 الباهلي، عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أدوا الخيط والمخيط وإياكم والغلول فإنه عار على أهله يوم القيامة".
____________________
1 هو أبو سنان القسملي - بفتح القاف وسكون المهملة، وفتح الميم وتخفيف اللام - الفلسطيني نزيل البصرة".
قال عنه ابن حجر في التقريب: " (لين الحديث) ./بخ قد ت ق". (التقريب 2/98 وتهذيب التهذيب 8/211-212 وتهذيب الكمال للمزي 6/540 وميزان الاعتدال 3/312، والكاشف 2/367 كلاهما للذهبي، والخلاصة للخزرجي 2/317) . ووقع في التقريب الطبعة المصرية (س) بدل (ق) وهو خطأ".
2 معاوية بن عمرو بن المهلب الأزدي، المعنى - بفتح الميم وسكون المهملة وكسر النون- أبو عمرو البغدادي، ويعرف بابن الكرماني، ثقة من صغار التاسعة (ت214) على الصحيح"./ ع". (التقريب 2/240وتهذيب التهذيب 10/215 وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13/197 والخلاصة للخزرجي 3/41) .
ووقع عند ابن كثير في التفسير 2/283 في هذا الإسناد عن أحمد حدثنا (أبو معاوية بن عمر) بدل (معاوية بن عمرو) ولعله خطأ".
3 أبو إسحاق الفزاري هو إبراهيم بن محمد، ثقة حافظ، تقدم في حديث (135) .
4صدوق له أوهام، تقدم في حديث (267) . ووقع في إرواء الغليل 5/74 للألباني (عبد الرحمن بن عباس) بالسين المهملة والباء الموحدة، وهو خطأ".
5 سليمان بن موسى الأموي، مولاهم الدمشقي الأشدق، صدوق فقيه، في حديثه بعض لين وخلط قبل موته بقليل، من الخامسة". /م عم". (التقريب 1/331 وتهذيب التهذيب 4/226) . وفي ميزان الاعتدال 2/225-226 قال الذهبي: "كان سليمان مقدما على أصحاب مكحول، ثم ذكر له بعض الأحاديث التي انتقد من أجلها، ثم قال: "قلت: "كان سليمان فقيه أهل الشام في وقته قبل الأوزاعي وهذه الغرائب التي تستنكر له، يجوز أن يكون حفظها".
6 مكحول هو أبو عبد الله الشامي، ثقة فقيه كثير الإرسال تقدم في حديث (136) .وسقط من أحد أسانيد أحمد 5/323 وكذا عند ابن كثير في التفسير 2/283".
7 أبو سلام هو ممطور الأسود، ثقة يرسل، تقدم في حديث (50) ووقع عند ابن كثير في التفسير 2/283 (أبي سلامة) وهو خطأ".
8 أبو أمامة الباهلي تقدم في حديث (152) . هو صدى ابن عجلان صحابي مشهور".(2/682)
وفي لفظ عن عبادة قال: "أخذ النبي صلى الله عليه وسلم وبرة من جنب بعير فقال: "أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس، والخمس مردود عليكم".
وجاء بهذا الإسناد في قصة بدر1.
وفيه: "قال عبادة: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغار في أرض العدو نفل الربع، وإذا أقبل راجعاً وكلَّ الناس نفل الثلث، وكان يكره الأنفال، ويقول: "ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم". هكذا روى الإمام أحمد هذا الحديث عن عبادة مفرقا2.
وكذا روى بعضه الدارمي مفرقا أيضاً3.
وروى البيهقي منه هذا الجزء الأخير4.
ورواه ابن حبان في صحيحه مجموعاً في سياق واحد، مشتملا على قصة بدر.
وفيه "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفلهم إذا خرجوا بادئين الربع، وينفلهم إذا قفلوا الثلث".
وقال: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وبرة من جنب بعير ثم قال: "يا أيها الناس، إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا
____________________
1 وسياق الحديث: "قال عبادة: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدرا فالتقى الناس فهزم الله تبارك وتعالى العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، فأكبت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة، حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو: "لستم بأحق بها منّا نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: "لستم بأحق بها منّا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وخفنا أن يصيب العدو منه غرة، واشتغلنا به، فنَزلت: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة الأنفال الآية: "1] ، فقسمها رسول اله صلى الله عليه وسلم على فواق بين المسلمين، قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغار الخ".
وروى الحاكم هذا القدر من الحديث من هذا الطريق وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي". (مسند أحمد 5/323-324 ومستدرك الحاكم 2/135-136".) .
2 المسند 5/318-319-323-324) .
3 سنن الدارمي 2/147-148) . كتاب السير، باب ما جاء في أن ينفل في البدأة الربع، وفي الرجعة الثلث، وباب في كراهية الأنفال، وباب ما جاء أنه قال: "أدو الخيط والمخيط".
4 السنن الكبرى 6/315".(2/683)
الخيط والمخيط، وإياكم والغلول فإنه عار على أهله يوم القيامة، وعليكم بالجهاد في سبيل الله فإنه من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم، قال: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الأنفال ويقول: "ليرد قوي1 المؤمنين على ضعيفهم" 2.
ورواه الطحاوي والحاكم كلاهما من طريق عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى الأشدق به، دون قصة بدر3".
ورواه النسائي والبيهقي كلاهما من طريق عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى به قوله: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وبرة من جنب بعير فقال: "يا أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس، والخمس مردود عليكم" 4".
جـ طريق ابن أبي مريم عن أبي سلام عن المقدام بن معد يكرب الكندي عند أحمد وهذا سياق الحديث:
____________________
1 قوله: "ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم أي لا يفضل أحد من أقوياء المؤمنين مما أفاء الله عليهم لقوته على ضعيفهم لضعفه، ويستوون في ذلك". شرح معاني الآثار 3/241) .
2 موارد الظمآن ص 410، رواه من طريق إسماعيل بن جعفر حدثني محمد بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن سليمان بن موسى به، والظاهر أن قوله (محمد ابن الحارث) الخ خطأ مطبعي وذلك لما يأتي:
أولاً: "أن جميع طرق هذا الحديث عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن سليمان بن موسى".
ثانياً: "لم أجد ترجمة (محمد هذا) ولم يذكر في تلاميذ سليمان بن موسى، وإنما المعروف بالرواية لهذا الحديث عن سليمان هو عبد الرحمن بن الحارث".
ثالثاً: "أورد ابن كثير هذا الحديث في التفسير 2/283-284 منسوبا لأحمد بن حنبل ثم قال: "ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث عبد الرحمن ابن الحارث، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه". (المستدرك 2/135-136- و3/49) . فظهر من هذا أن ذكر محمد بن الحارث خطأ، وأن الصواب (عبد الرحمن بن الحارث) .
3 الطحاوي: "شرح معاني الآثار 3/241 والحاكم المستدرك 3/49 ووقع في المستدرك عن أبي سلام الباهلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبادة بن الصامت، وصوابه: "عن أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبادة بن الصامت". وقد رواه الحاكم على الصواب في المستدرك 2/135-136".
وأيضا فإن أبا سلام ليس صحابياً ولا باهلياً".
4 النسائي: "السنن 7/119 كتاب قسم الفيء". والبيهقي: "السنن الكبرى 6/303 و315".(2/684)
حدثنا أبو اليمان1 وإسحاق2 بن عيسى قالا ثنا إسماعيل3 بن عياش عن أبي بكر4 بن عبد الله بن أبي مريم عن أبي سلام, قال إسحاق5: "- الأعرج - عن المقدام6 بن معديكرب الكندي أنه جلس مع عبادة بن الصامت وأبي الدرداء7 والحارث8 بن معاوية الكندي فتذاكروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فقال أبو الدرداء لعبادة: "يا عبادة كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة كذا وكذا في شأن الأخماس فقال عبادة: قال إسحاق في حديثه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم , صلى بهم في غزوهم إلى بعير من المقسم, فلما سلم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول وبرة بين أنملته9 فقال: إن هذه من غنائمكم وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم, إلا الخمس, والخمس مردود عليكم, فأدوا الخيط والمخيط وأكبر من ذلك وأصغر ولا تغلوا فإن الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة" 10 الحديث.
قال الألباني في إرواء الغليل: "هذا إسناد جيد في المتابعات أبو سلام الأعرج هو ممطور الحبشي الدمشقي وهو ثقة من رجال مسلم, وابن أبي مريم ضعيف
____________________
1 هو: "الحكم بن نافع البهراني- بفتح الموحدة وسكون الهاء - أبو اليمان الحمصي, مشهور بكنيته, ثقة ثبت, من العاشرة, (ت222) ./ع". (التقريب 1/193 وتهذيب التهذيب2/441) .
2 إسحاق بن عيسى بن نجيح البغدادي, أبو يعقوب بن الطباع سكن أذنة, صدوق من التاسعة (ت114) وقيل بعدها بسنة"./م ت س ق". (المصدر السابق 1/60 و1/245) .
3 إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي _بفتح العين وسكون النون_أبو عتبة الحمصي, صدوق في روايته عن أهل بلده, مخلط في غيرهم, من الثامنة (ت181أو182) . /ي عم". (المصدر السابق 1/73 و1/321-326, وروايته هنا عن أهل بلده) .
4 هو الغسائي الشامي, وقد ينسب إلى جده, ضعيف, وكان قد سرق بيته فاختلط, من السابعة (ت156) ./د ت ق". (المصدر السابق 2/398و12/28-30) .
5 أي: "قال إسحاق بن عيسى أن أبا سلام هو الأعرج".
6 المقدام بن معد يكرب بن عمرو الكندي, صحابي مشهور نزل الشام (ت87) على الصحيح". /خ عم". (المصدر السابق 2/272 و10/287) .
7 أبو الدرداء: "هو عويمر بن عامر الأنصاري الخزرجي صحابي جليل".
8 الحارث بن معاوية: "اختلف في صحبته ورجح ابن حجر أنه مخضرم أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم, ووفد في خلافة عمر بن الخطاب". (الإصابة 1/290-291 وتعجيل المنفعة ص56) .
((9الأنملة: "بفتح الهمزة: "المفصل الأعلى الذي فيه الظفر من الأصبع والجمع أنامل وأنملات وهي رؤوس الأصابع". (لسان العرب 14/203) .
10 أحمد: "المسند 5/316 و326 و330 وتمام الحديث: "وجاهدوا الناس في الله تبارك وتعالى, القريب والبعيد, ولا تبالوا في الله لومة لائم وأقيموا الحدود في الحضر والسفر, وجاهدوا في سبيل الله, فإن الجهاد باب من أبواب الجنة عظيم, ينجي الله - تبارك وتعالى - به من الغم والهم".(2/685)
لاختلاطه, لكن تابعه أبو يزيد غيلان, أخرجه الدولابي في "الكنى"1 ثم قال: وأبو يزيد مقبول كما في "التقريب"2 وساق سند الدولابي3 في سلسلة الأحاديث الصحيحة, ثم قال: "وقع في إسناده في الأصل: "بياض بين كعب ومعد, ولعل الصواب: "المقدام بن معديكرب فقد أورد الحديث الحافظ في الإصابة وقال: "قال أبو نعيم: "رواه أبو سلام عن المقدام الكندي فقال: "الحارث بن معاوية الكندي".
والمقدام الكندي هو ابن معد يكرب وهو صحابي مشهور".
ثم ذكر الخلاف في صحبة الحارث وأشار إلى ترجيح ابن حجر بأنه مخضرم".
ثم قال: "وغيلان هو ابن أنس قال في "التقريب" مقبول"4".
وبقية الرجال ثقات غير منصور الخولاني, فلم أجد له ترجمة5".اهـ".
قلت: "وهذا الحديث المشارإليه عند الدولابي أَخْرَجَهُ أيضاً الفسوي ومن طريقه أخرجه البيهقي وهذا سياقه عند الفسوي قال: حدثني منصور عن أبي يزيد غيلان مولى كنانة عن أبي سلام الحبشي عن المقدام بن معد كرب عن الحارث بن معاوية قال: حدثنا عبادة بن الصامت وعنده أبو الدرداء أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بعير من المقاسم, فلما فرغ من صلاته أخذ منه قردة بين أصبعيه- وهي وبرة- فقال: "ألا إن هذا من غنائمكم وليس لي منه إلا الخمس والخمس مردود عليكم, فأدوا الخيط والمخيط وأصغر من ذلك وأكبر فإن الغلول عار على أهله في الدنيا والآخرة" الحديث6.
د- طريق ربيعة بن ناجد عن عبادة عند عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وهذا سياقه:
____________________
1 انظر: كتاب الكنى 2/163 وإسناده: "أخبرني أحمد بن شعيب عن محمد بن وهب قال حدثنا محمد بن سلامة قال حدثني أبو عبد الرحيم قال: حدثني منصور الخولاني عن أبي يزيد غيلان الخ وفي إسناده البياض الذي ذكر الألباني".
2 انظر: "التقريب 2/106
3 الدولابي: "هو أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري الرازي الوراق صاحب التصانيف الحافظ (324/310) . (الذهبي: "تذكرة الحفاظ 2/759 ومعجم المؤلفين لكحالة 8/255) .
4 انظر التقريب 2/106".
5 إرواء الغليل 5/114-115 وسلسلة الأحاديث الصحيحة 2/716-817 رقم (985) .
6 الفسوي: المعرفة والتاريخ2/359-360،والبيهقي: السنن الكبرى9/103-104".(2/686)
حدثني عبد الله 1 بن سالم الكوفي المفلوج، كان ثقة ثنا عبيدة 2 ابن الأسود عن القاسم3 بن الوليد عن أبي صادق4 عن ربيعة5 بن ناجد عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم، فيقول: "مالي فيه إلا مثل ما لأحدكم منه، وإياكم والغلول، فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة أدو الخيط والمخيط وما فوق ذلك، وجاهدوا في سبيل الله تعالى القريب والبعيد " الحديث6.
والخلاصة أن الحديث ورد من أربع طرق:
الأولى: "طريق يعلى بن شداد عند ابن ماجة والفسوي، وفيها (عيسى بن سنان) وهو ضعيف كما تقدم7".
الثانية: "طريق أبي أمامة الباهلي عن عبادة عند أحمد وغيره وقد حسنها الزرقاني8".
وقال الألباني عن هذا الحديث في صحيح الجامع: "صحيح" وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، قال: "إسناده حسن رجاله كلهم ثقات، وفي عبد الرحمن بن الحارث وشيخه سليمان بن موسى الأشدق، كلام لا ينزل حديثهما عن رتبة الحسن، لا سيما وقد جاء الحديث من طرق".
وفي إرواء الغليل، قال: "الحديث سكت عليه الحاكم والذهبي، وإسناده
____________________
1 عبد الله بن سالم، أو ابن محمد بن سالم الزبيدي- بالضم - أبو محمد الكوفي القزاز المفلوج، ثقة، ربما خالف، من كبار الحادية عشرة (ت 235) ./د عس ق". (التقريب 1/417 وتهذيب التهذيب 5/228) .
2 عبيدة - بضم أوله- ابن الأسود بن سعيد الهمداني الكوفي، صدوق، ربما دلس، من الثامنة"./د ت ق". (المصدر السابق 1/548 و7/86) .
3 القاسم بن الوليد الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي، القاضي، صدوق يغرب، من السابعة (ت141) ./ ق". (التقريب 2/121 وفي تهذيب التهذيب 8/340: "نقل توثيقه عن ابن معين والعجلي وابن سعد، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال يخطئ ويخالف) .
4 أبو صادق الأزدي الكوفي، صدوق، تقدم في حديث (140) .
5 ربيعة بن ناجد - بالنون والجيم ثم مهملة- الأزدي الكوفي، يقال أخو أبي صادق الراوي عنه، ثقة من الثانية"./ص ق". (المصدر السابق 1/248، و3/263-264) . وعلم له في التقريب ط".المصرية (س ق) والصواب (ص ق) كما في تهذيب التهذيب والخلاصة للخزرجي". 1/323) .
6 مسند أحمد 5/330".
7 انظر: "حديث (289) .
8 انظر: "أوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/320".(2/687)
حسن عندي وفي عبد الرحمن وسليمان كلام لا ينزل به حديثهما عن المرتبة التي ذكرنا"1.
قلت: "وقد روى الحاكم هذا الحديث في موضع آخر بهذا الإسناد مقتصرا فيه على ما حصل من الصحابة من الاختلاف في غنائم بدر، ثم قال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه2". ووافقه الذهبي".
الثالثة: "طريق ابن أبي مريم عند أحمد، وفيها (ابن أبي مريم) وهو ضعيف".
وقد تابعه غيلان بن أنس الكلبي أبو يزيد عند الدولابي والفسوي والبيهقي (وغيلان) قال عنه ابن حجر في التقريب "مقبول"3".
وفي الإسناد أيضا منصور الخولاني ولم أجد ترجمته".
الرابعة: "طريق ربيعة بن ماجد عند عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وإسناده حسن".
وخلاصة القول أن النهي عن الغلول في غزوة حنين ورد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وإسناده حسن4".
ومن حديث عبادة بن الصامت وإسناده حسن على أقل تقدير".
وهذه الأحاديث تدل على تحريم الغلول وعلى عقوبة من يتعاطى ذلك، وأنه من الكبائر التي توبق صاحبها وتعرضه للمقت يوم القيامة".
قال النووي: "أجمع المسلمون على تغليظ تحريم الغلول، وأنه من الكبائر وأجمعوا على أن على الغال رد ما غل، فإن تفرق الجيش وتعذر إيصال حق كل واحد إليه، ففه خلاف بين العلماء، قال الشافعي وطائفة: "يجب تسليمه إلى الإمام أو الحاكم كسائر الأموال الضائعة.
____________________
1 صحيح الجامع 6/272 وسلسلة الأحاديث الصحيحة 2/716-817 حديث رقم (985) . وإرواء الغليل 5/74".
2 المستدرك 2/135-136".
3 انظر: "التقريب 2/106
4 وقال الألباني عنه (صحيح) . (انظر صحيح الجامع الصغير 6/272-273) . وذلك لكثرة طرقه وشواهده المتعددة". وانظر حديث عمرو بن شعيب ص 667".(2/688)
وقال ابن مسعود وابن عباس ومعاوية والحسن والزهري والأوزاعي ومالك والثوري والليث وأحمد والجمهور: "يدفع خمسه إلى الإمام ويتصدق بالباقي".
واختلفوا في صفة عقوبة الغال، فقال جمهور العلماء وأئمة الأمصار: "يعزر على حسب ما يراه الإمام ولا يحرق متاعه".
وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة ومن لا يحصى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم".
وقال مكحول والحسن والأوزاعي1: "يحرق رحله ومتاعه كله، قال الأوزاعي: "إلا سلاحه وثيابه التي عليه، وقال الحسن: "إلا الحيوان والمصحف 2".
290- واحتجوا بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في تحريق رحله3".
____________________
1 مكحول: "هو أبو عبد الله الشامي، والحسن هو البصري، والأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو".
2 انظر أقوالهم في: "مصنف عبد الرزاق 5/246-247، وهو قول إسحاق بن راهويه ورواية عن أحمد ذكر ذلك الترمذي والباجي وابن حجر".
3 الحديث رواه أبو داود في السنن 2/63كتاب الجهاد، باب في عقوبة الغال، والترمذي: "في السنن 3/11 كتاب الحدود، باب ما جاء في الغال ما يصنع به، وأحمد: "المسند 1/22، والدارمي: "السنن 2/149 كتاب السير، باب في عقوبة الغال، والحاكم: "المستدرك 2/127-128 ومن طريقه رواه البيهقي في السنن الكبرى 9/102-103".
الجميع من طريق صالح بن محمد بن زائدة قال: "دخلت مع مسلمة بن عبد الملك أرض الروم فأتى برجل قد غل، فسأل سالما عنه فقال: "سمعت أبي يحدث عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه" قال: "فوجدنا في متاعه مصحفا فَسُئِلَ سالم عنه فقال: "بعه وتصدق بثمنه" والحديث رجح أبو داود وقفه على سالم".
وقال الترمذي: "بعد إخراجه هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه والعمل عند بعض أهل العلم، وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق". وسألت محمداً - يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال: "إنما روى هذا صالح بن محمد بن زائدة وهو أبو واقد الليثي وهو منكر الحديث".
قال محمد - يعني البخاري- وقد روي في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغال". ولم يأمر فيه بحرق متاعه".
وأورد الذهبي وابن حجر هذا الحديث في ترجمة صالح بن محمد ثم قالا: قال البخاري: "هذا الحديث باطل ليس له أصل، وصالح هذا لا يعتمد عيه". (ميزان الاعتدال 2/300 وتهذيب التهذيب 4/402 وفي التقريب 1/262) قال عنه "ضعيف".
وقال الدارقطني أنكروا هذا الحديث على صالح بن محمد قال: "وهذا ضعيف لم يتابع عليه ولا أصل لهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (عون المعبود 7/382) . وقد قال الحاكم عن هذا الحديث". صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وبهذا تعلم عدم صحة هذا التصحيح وهذه الموافقة من الذهبي بعد أن عرفت بعض أقوال العلماء في (صالح بن محمد) راوي هذا الحديث، ومنهم الذهبي نفسه كما في ميزان الاعتدال".(2/689)
قال الجمهور: "وهذا حديث ضعيف لأنه مما انفرد به صالح بن محمد عن سالم وهو ضعيف".
قال الطحاوي: "ولو صح يحمل على أنه كان حين كانت العقوبة بالأموال كأخذ شطر المال من مانع الزكاة وضالة الإبل، وسارق التمر وكل ذلك منسوخ 1".إهـ.
وبوب البخاري بقوله (باب القليل من الغلول) .
ثم قال: "ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرق متاعه وهذا أصح".
ثم ساق حديث عبد الله بن عمرو المتقدم في قصة (كركرة) 2".
قال ابن حجر: "قوله ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرق متاعه يعني في حديثه الذي ساقه في الباب في قصة الذي غل العباءة".
وقوله: "وهذا أصح"، أشار إلى تضعيف ما روي عن عبد الله بن عمر في الأمر بحرق رحل الغال".
والإشارة بقوله (هذا) إلى الحديث الذي ساقه".
ثم قال ابن حجر: "والأمر بحرق رحل الغال، أخرجه أبو داود من طريق صالح بن محمد بن زائدة الليثي المدني أحد الضعفاء، قال: "دخلت مع مسلمة بن عبد الملك أرض الروم فأتى رجل قد غل فسأل سالما أي- ابن عبد الله بن عمر - عنه فقال: "سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه" 3.
ثم ساق من وجه آخر عن سالم موقوفا ثم قال أبو داود: "وهذا أصح4".
____________________
1 النووي: "شرح صحيح مسلم 4/496 وانظر فتح الباري 6/186-188 وفيض القدير للمناوي 6/451، والمنتقى للباجي 3/204".
2 تقدم تخريج الحديث برقم (288) .
3 تقدم تخريجه برقم (290) .
4 وسياقه عند أبي داود: "حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى الأنطاكي قال أنبأنا أبو إسحاق عن صالح بن محمد قال: "غزونا مع الوليد بن هشام ومعنا سالم بن عبد الله بن عمر، وعمر بن عبد العزيز فغل رجل متاعا فأمر الوليد بمتاعه فأحرق وطيف به ولم يعطه سهمه". قال أبو داود هذا أصح الحديثين (سنن أبي داود 2/63 كتاب الجهاد، باب في عقوبة الغال، قال في عون المعبود 7/383: "المعنى أن هذا الحديث الموقوف أصح من الحديث المرفوع الذي قبله". إهـ، والذي أمر الوليد بن هشام بحرق متاعه هو: "زياد بن سعد الملقب (زياد شعر) كما في سنن أبي داود".(2/690)
وقال البخاري في (التاريخ) يحتجون بهذا الحديث في إحراق رحل الغال، وهو باطل ليس له أصل وراويه لا يعتمد عليه، ثم قال ابن حجر: "وروى الترمذي عنه أيضاً أنه قال: " (صالح) منكر الحديث".
وقد جاء في غير حديث ذكر الغال وليس فيه الأمر بحرق متاعه1، ثم قال ابن حجر: "قلت وقد جاء من غير طريق صالح بن محمد".
291- أخرجه أبو داود أيضا من طريق زهير بن محمد عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده 2".
ثم أخرجه من وجه آخر عن زهير عن عمرو بن شعيب موقوفا عليه وهو الراجح3".
ثم قال ابن حجر: "وقد أخذ بظاهر هذا الحديث أحمد في رواية، وهو قول مكحول والأوزاعي".
وعن الحسن يحرق متاعه إلا الحيوان والمصحف".
وقال الطحاوي: "لو صح الحديث لاحتمل أن يكون حين كانت العقوبة بالمال4".إهـ.
ورجح ابن قيم الجوزية عدم النسخ وقال: "الصواب أن هذا من باب التعزير والعقوبات المالية الراجعة إلى اجتهاد الأئمة بحسب المصلحة، فإنه صلى الله عليه وسلم حرق وترك، وكذلك خلفاؤه من بعده5".
____________________
1انظر سنن الترمذي 3/11 كتاب الحدود، باب ما جاء في الغال ما يصنع به، وانظر: "تاريخ البخاري الكبير 4/291 والتاريخ الصغير ص 171".
2 وسياقه عند أبي داود 2/63: "حدثنا محمد بن عوف حدثنا موسى بن أيوب قال: "حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه".
3 وسياقه قال أبو داود: "وحدثنا به الوليد بن عتبة وعبد الوهاب بن نجدة قالا حدثنا الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب قوله". أهـ. وزهير بن محمد الراوي لهذا الحديث عن عمرو بن شعيب وعنه الوليد بن مسلم هو: "الخراساني نزيل مكة".
قال البيهقي: "ويقال إن زهيراً هذا مجهول وليس بالمكي". (السنن الكبرى للبيهقي 9/102، وتهذيب التهذيب لابن حجر 3/350) .
4 فتح الباري 6/186-188".
5 دليله حديث عمرو بن شعيب المتقدم برقم (291) وهو حديث ضعيف".(2/691)
ونظير هذا قتل شارب الخمر في الثالثة أو الرابعة1.
فليس بحد ولا منسوخ، وإنما هو تعزير يتعلق باجتهاد الإمام2.إهـ.
ومال محمد الأمين الشنقيطي إلى اختيار ابن قيم الجوزية هذا، وقال: "وإنما قلنا: "إن هذا القول أرجح عندنا لأن الجمع واجب إذا أمكن وهو مقدم على الترجيح بين الأدلة كما علم في الأصول3".إهـ.
وهذا الترجيح الذي مال إليه ابن قيم الجوزية وتابعه الشنقيطي في العقوبة بالمال وجيه، غير أن الحديث الوارد في حرق متاع الغال بخصوصه لم يثبت4، وإنما يصار إلى الجمع بين الأدلة على هذا الوجه إذا كانت متكافئة في الصحة، ومادام الحديث في حرق متاع الغال لم يثبت فيكون الراجح في هذا قول جمهور العلماء وهو تعزير الغال بما يراه الإمام دون حرق المتاع، وذلك لأن في حرق المتاع مفسدة للمال الذي يمكن أن يستفيد منه المسلمون، خاصة أن الأحاديث الصحيحة الواردة عنه صلى الله عليه وسلم بعقوبة الغال، ليس فيها الأمر بحرق متاع الغال كما تقدم في حديث عبد الله ابن عمرو في قصة (كركرة) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هو في النار" ولم يأمر بحرق رحله5.
____________________
1 أخرجه أو داود والترمذي، وابن ماجة من حديث معاوية بن أبي سفيان.
وأبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمر.
وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة من حديث أبي هريرة.
وأبو داود من حديث قبيصة بن ذؤيب". والترمذي من حديث جابر بن عبد الله. (سنن أبي داود 2/473-474 كتاب الحدود، باب إذا تتابع في شرب الخمر) .
والترمذي: السنن 2/449-450 كتاب الحدود، باب ما جاء مَن شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه. والنسائي 8/281 كتاب الأشربة باب ذكر الروايات المغلظات في شرب الخمر.
وابن ماجة 2/859 كتاب الحدود، باب في شرب الخمر مرارا، وهو حديث صحيح وقد أخرجه غير هؤلاء.
2 زاد المعاد 3/106 و108 و 109.
3 أضواء البيان 2/407
4 انظر: "السنن الكبرى للبيهقي 9/102-103".
5 انظر: "الحديث رقم (288) .(2/692)
292- وفي حديث زيد1 بن خالد الجهني، بإسناد صحيح، قال: "تفي رجل من أشجع بخيبر2 فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"صلوا على صاحبكم" فأنكر الناس ذلك وتغيرت له وجوههم، فلما رأى ذلك قال: "إن صاحبكم غل في سبيل الله" 3.
قال زيد: "فالتمسوا في متاعه، فإذا خرزات4 من خرز يهود ما تساوي درهمين 5".
ولم يأمر صلى الله عليه وسلم بحرق رحله".
قال الكندهلوي: "قوله: "فتغيرت وجوه الناس لذلك".
قال الباجي6: "يحتمل أن يريد به وجه المؤمنين لامتناعه من الصلاة على من هو من جملتهم، ولا يعلمون له ذنباً انفرد به، فخافوا أن يكون المانع أمرا يشملهم فيهلكوا بذلك، ويحتمل أن يريد به قبيلة وطائفة تغيرت وجوههم لما يخصهم من أمره، ولما خافوا أن يكون ذلك المعنى شائع فيهم"7".
____________________
1 زيد بن خالد الجهني المدني صحابي مشهور مات بالكوفة، سنة 68 أو 70 وله 85 سنة"./ع". (التقريب 1/274) .
2 وقع في الموطأ (يوم حنين) قال العلماء: "وهو وهم". (المنتقى للباجي 3/200) .
3 أخرجه أبو داود: "في السنن 2/62 كتاب الجهاد، باب في تعظيم الغلول". والنسائي: "السنن 4/52 كتاب الجنائز، باب الصلاة على من غل". وابن ماجه: "السنن 2/550كتاب الجهاد باب في الغلول، وموطأ مالك 2/458 كتاب الجهاد، باب ما جاء في الغلول". وأحمد: "المسند4/114 و5/192 والحاكم: "المستدرك 2/127-128". والبيهقي السنن الكبرى 9/101".
4 الخرز بفتحتين الذي ينظم، والواحدة خرزة". (لسان العرب 7/221، ومختار الصحاح ص 172) .
5 قوله: "ما تساوي درهمين"، قال الكاندهلوي: "ليعلم لتفاهة قيمتها وأن أخذ هذا المقدار على تفاهته من جملة الكبائر التي تمنع من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم". (أوجز المسالك 8/333) .
6 الباجي: "هو أبو الوليد سليمان بن خلف التجيبي، القرطبي، الذهبي المالكي، الحافظ العلامة صاحب الفنون، له مصنفات كثيرة من جملتها كتاب المعاني في شرح الموطأ عديم النظير". (وفيات الأعيان لابن خلكان 2/408-409 وتذكرة الحفاظ للذهبي 3/1178-1183 ومعجم المؤلفين لكحالة 4/261-262) .
7 انظر: "المنتقى شرح موطأ الإمام مالك للباجي 3/200".(2/693)
ثم قال الكاندهلوي: "قلت أو تغيرت وجوههم لأجل هذا الرجل خاصة لأنهم قد علموا من حاله أنه لا يمتنع من الصلاة إلا على لا ترضى حاله، وأنه قد علم أنه أحدث حدثا يمنعه من الصلاة".
فقال زيد: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن صاحبكم قد غل في سبيل الله" أي خان في الغنيمة، فبين المعنى الذي امتنع به عن الصلاة عليه".
ثم قال: "قال الشيخ1 في البذل: "فلهذا قالت الفقهاء إذا مات الفاسق المصر على الفسق يجوز أن لا يصلي عليه الأئمة الذين يقتدى بهم، بل يأمرون الناس أن يصلوا عليه".
ثم قال الكاندهلوي: "قال الباجي: "وهذه سنة في امتناع الأئمة، وأهل الفضل من الصلاة على أهل الكبائر على وجه الردع والزجر على مثل فعلهم، وأمر غيره - عليه الصلاة والسلام - بالصلاة عليه دليل على أن لهم حكم الإيمان لا يخرجون عنه بما أحدثوه من المعصية وقد روى ابن سحنون2 عن أبيه3 عن مالك أنه قال: "لا بأس أن يُصُلَّى على من غل وذلك يحتمل وجهين:
أحدهما: "أن يريد به أن يصلي عليه غير الإمام".
والثاني: "أن الإمام مخير إن شاء صلى، وإن شاء ترك وإن ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم من الامتناع لم يكن على وجه المنع على الصلاة عليه وإنما كان ذلك لأنه رأى ذلك في ذلك الوقت أفضل، وأن رأى الصلاة في وقت تكون الصلاة أفضل أن يصلي". وقد قال صلى الله عليه وسلم في الصلاة على المنافقين إني خيرت4 فاخترت5". إهـ".
____________________
1 هو خليل الدين أحمد السهارنفوري المتوفى سنة (1346هـ) واسم كتابه (بذل المجهود في حل أبي داود) .
2 هو محمد بن عبد السلام بن سحنون بن سعيد التنوخي، القيرواني، المالكي أبو عبد الله، فقيه حافظ (202-256هـ) . (معجم المؤلفين لكحالة 10/169) .
3 هو عبد السلام بن سعيد الملقب سحنون الفقيه المالكي، صاحب المدونة الكبرى في الفقه المالكي، (160-240هـ) . (وفيات الأعيان لابن خلكان 3/180-182 ومعجم المؤلفين لكحالة 5/224) .
4 يشير إلى ما أخرجه البخاري في صحيحه في قصة الصلاة على عبد الله بن أبي ابن سلول، وأن عمر قال: "يا رسول الله أتصلي عليه، وقد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا أعدد عليه قوله، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال: "إني خيرت فاخترت". الحديث". (انظر صحيح البخاري 2/84 كتاب الجنائز، باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين) .
5 أوجز المسالك 8/332، والمنتقى شرح موطأ مالك للباجي 3/200".(2/694)
وفي هذه الأحاديث تظهر عناية الإسلام بالحقوق العامة وتقديمها على المصلحة الخاصة، وذلك أن الغنائم حق مشاع لجميع أفراد الجيش لا يجوز لفرد منهم أن تغلبه مصلحة نفسه فيأخذ من هذا الحق المشاع لنفسه بحجة أن له حقاً فيها، ولذلك جاءت هذه النصوص تنذر بالويل والعذاب الأليم لمن يغل ويخون في الغنائم قبل أن تتميز الحقوق وتظهر بالقسمة العادلة حصة كل فرد من أفراد الجيش الإسلامي، ويتضح ذلك جليا في تشديد الرسول صلى الله عليه وسلم في أخذ الخيط والمخيط وما فوق ذلك وما دون ذلك فهو أعظم حماية للحقوق العامة وأجل صيانة لاحترام المصالح العامة للأمة، وفي نفس الوقت فإن حقوق الفرد لا تضيع فسوف تقسم هذه الغنائم ويأخذ كل فرد حقه كاملا غير منقوص، وهذه خصائص الدين الإسلامي العظيمة التي يجب فهمها وتطبيقها بالعلم والعدل".(2/695)
الحكم الخامس عشر: المؤلفة قلوبهم
مر بنا تعريف المؤلفة قلوبهم وأقسامهم ومقدار ما أخذ كل واحد منهم في غزوة حنين1.
ومن المعلوم أن المؤلفة قلوبهم هم أحد الأصناف الثمانية الذين نصت عليه آية مصارف الزكاة وأنهم يأخذون من الزكاة كغيرهم من بقية الأصناف وقصدنا من هذا المبحث أمران:
الأمر الأوّل: "هل أعطيات المؤلفة قلوبهم في غزوة حنين كانت من صلب الغنيمة أو من الخمس, أو من خمس الخمس".
الأمر الثاني: "هل حكم المؤلفة باقي أو أن ذلك زال بقوة الإسلام وعزة أهله".
أما الأمر الأول, فإن ظاهر الأحاديث الواردة في غزوة حنين تدل على أن العطاء المذكور كان من صلب الغنيمة".
ومنها: "حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن ناساً من الأنصار قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من أموال هوازن ما أفاء, فطفق يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل, فقالوا: "يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويدعنا, وسيوفنا تقطر من دمائهم" الحديث.
وفي لفظ "لما فتحت مكة قسم الغنائم في قريش فقالت الأنصار: "إن هذا لهو العجب إن سيوفنا تقطر من دمائهم وإن غنائمنا ترد عليهم, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم فقال: ما الذي بلغني عنكم؟
قالوا: "هو الذي بلغك وكانوا لا يكذبون, قال: "أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا إلا بيوتهم وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم؟ " الحديث.
____________________
1 انظر ص (403) .(2/696)
وفي لفظ "لما كان يوم حنين أقبلت هوازن, وغطفان وغيرهم بذراريهم ونعمهم ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف ومعه من الطلقاء فأدبروا عنه حتى بقي وحده قال: "فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما شيئا قال: "فالتفت عن يمينه فقال: "يا معشر الأنصار, فقالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك قال: ثم التفت عن يساره فقال: "يا معشر الأنصار, قالوا: "لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك, قال: "وهو على بغلة بيضاء فنزل فقال: أنا عبد الله ورسوله فانهزم المشركون وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم كثيرة فقسم في المهجرين والطلقاء ولم يعط الأنصار شيئا فقالت الأنصار: إذا كانت الشدة فنحن ندعى وتعطى الغنائم غيرنا, فبلغه ذلك فجمعهم في قبة فقال: يا معشر الأنصار ما حديث بلغني عنكم؟ فسكتوا, فقال: "يا معشر الأنصار أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد تحوزونه إلى بيوتكم؟ قالوا: "بلى يا رسول الله رضينا" الحديث.
وفي لفظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم"1".
وفي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه قال: لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا, فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس, فخطبهم فقال: "يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي, الحديث وفيه "ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ " 2".
فهذه الأحاديث وغيرها تدل بظاهرها على أن عطاء المؤلفة قلوبهم كان من صلب الغنيمة, إذ لو كان العطاء المذكور من الخمس أو من خمس الخمس, كما قال بعض العلماء3, لما كان يحق للأنصار أن يتكلموا بما تكلموا به, ولما أقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك, ولما ترضاهم بما ترضاهم به, ولناسب أن يقول لهم إنما أعطيت من
____________________
1 انظر حديث رقم (30 و40 و46 و204) .
2 انظر حديث (205) .
3 وهذا قول مالك والشافعي كما سيأتي في ص (687-688) .(2/697)
أعطيت مما لا حق لكم فيه, ولأن الخمس مخصوص بأصناف1 وكذا خمس الخمس خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم يدعه حيث شاء لا اعتراض عليه في ذلك.
فلما لم يحصل شيء من ذلك, بل الذي حصل هو استطابة نفوس الأنصار بقوله صلى الله عليه وسلم "أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم" دلك ذلك على أن العطاء المذكور كان من صلب الغنيمة التي أحرزها الأنصار بسيوفهم ودمائهم, ولهم الحق فيها وقد أقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك, وعوضهم عنها نفسه صلى الله عليه وسلم تطيبا لنفوسهم.
قال ابن حجر: "عند شرحه لحديث عبد الله بن زيد: "قوله: "ولم يعط الأنصار شيئا"، ظاهر في أن العطية المذكورة كانت من جميع الغنيمة".
وقال القرطبي2 في "المفهم" الإجراء على أصول الشريعة أن العطاء المذكور كان من الخمس , ومنه كان أكثر عطاياه, وقد قال في هذه الغزوة للأعرابي "ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم".
وعلى الأول فيكون ذلك مخصوصا بهذه الواقعة, وقد ذكر السبب في ذلك في رواية قتادة عن أنس في الباب حيث قال: "إن قريشاً حديث عهد بجاهلية ومصيبة, وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم". اهـ.
ثم عقب ابن حجر بقوله: "الأوّل هو المعتمد, والذي رجحه القرطبي جزم به الواقدي, ولكنه ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا خالف3".
ثم قال ابن حجر: "ويؤكد أن العطاء المذكور كان من صلب الغنيمة ما جاء في رواية هشام بن زيد عن أنس: "إذا كانت شديدة فنحن ندعى, ويعطي الغنيمة غيرنا".
____________________
1 هم من سماهم الله في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} ، [سورة الأنفال، من الآية: 41] . الآية 41من سورة الأنفال.
2 هو أبو العباس: "أحمد بن عمر وهذا غير القرطبي المفسر".
3 وهو أيضا قول أبي عبيد". (انظر فتح الباري 8/49) .(2/698)
وهذا ظاهر في أن العطاء كان من صلب الغنيمة بخلاف ما رجحه القرطبي1".اهـ.
وقال السهيلي: "وأما إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم من غنائم حنين حتى تكلمت الأنصار في ذلك وكثرت منهم القالة", وقالت: "يعطي صناديد العرب ولا يعطينا, وأسيافنا تقطر من دمائم, فللعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
أحدها: "أنه أعطاهم من خمس الخمس, وهذا القول مردود لأن خمس الخمس ملك له ولا كلام لأحد فيه".
القول الثاني: "أنه أعطاهم من رأس الغنيمة, وأن ذلك خصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم لقوله تبارك وتعالى: {قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} ، [سورة الأنفال، من الآية: "1] . وهذا القول أيضا يرده ما تقدم من نسخ هذه الآية, وقد تقدم الكلام عليها في غزوة بدر2, غير أن بعض العلماء احتج لهذا القول بأن الأنصار لما انهزموا يوم حنين فأيد الله رسوله وأمده بملائكته, فلم يرجعوا حتّى كان الفتح, رد الله تعالى أمر الغنائم إلى رسوله من أجل ذلك فلم يعطهم منها شيئا وقال لهم: "ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير, وترجعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم, فطيب نفوسهم بذلك بعد ما فعل ما أمر به.
القول الثالث: "وهو الذي اختاره أبو عبيد أن إعطائهم كان من الخمس حيث يرى أن فيه مصلحة للمسلمين3".
وقال ابن قيم الجوزية: "وهذا العطاء الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم لقريش, والمؤلفة قلوبهم, هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس, أو من خمس الخمس؟
فقال الشافعي ومالك: "هو من خمس الخمس, وهو سهمه صلى الله عليه وسلم الذي جعله الله له من الخمس, وهو غير الصفي4 وغير ما يصيبه من المغنم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستأذن الغانمين في تلك العطية, ولو كان العطاء من أصل الغنيمة, لاستأذنهم لأنهم ملكوها
____________________
1 فتح الباري 8/48-50 ومغازى الواقدي 3/947-948, كتاب الأموال لأبي عبيد، 444 و447 و451-452 وشرح المواهب اللدنية 3/39".
2 انظر: "الروض الألف 5/227
3 الروض الألف 7/283".
4 الصفي: "ما كان يأخذه ريئس الجيش ويختاره لنفسه من الغنيمة قبل القسمة ويقال له الصفية , والجمع الصفايا".
(النهاية لابن الأثير 3/40) .(2/699)
بحوزها والاستيلاء عليها، وليس من أصل الخمس، لأنه مقسوم على خمس، فهو إذا من خمس الخمس".
وقد نصّ الإمام أحمد على أن النفل يكون من أربعة أخماس الغنيمة، وهذا العطاء هو من النفل، نفل النبي صلى الله عليه وسلم به رؤوس القبائل والعشائر لتألفهم به وقومهم على الإسلام، فهو أولى من تنفيل الثلث بعد الخمس، والربع بعضه1، لما فيه من تقوية الإسلام وشوكته وأهله، واستجلاب عدوه إليه، هكذا وقع سواء كما قال بعض هؤلاء2 الذين نفلهم: "لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لأبغض الخلق إلي فما زال يعطيني حتى أنه لأحب الخلق إليّ" فما ظنك بعطاء قوى الإسلام وأهله، وأذل الكفر وحزبه، واستجلب به قلوب رؤوس القبائل والعشائر الذين إذا غضبوا، غضب لغضبهم أتباعهم، وإذا رضوا، رضوا لرضاهم، فإذا أسلم هؤلاء، لم يتخلف عنهم أحد من قومهم، فلله ما أعظم هذا العطاء وما أجداه وأنفعه للإسلام وأهله3".أهـ.
والحاصل أن للعلماء في إعطاء المؤلفة قلوبهم يوم حنين ثلاثة أقوال:
القول الأول: "أنه من الخمس وبهذا قال الواقدي وابن سعد وأبو عبيد وابن حزم والحلبي ومال إلى هذا القول السهيلي، ورجحه القرطبي في (المفهم) 4".
وهو اختيار القاضي عياض فقد نقل عنه النووي أثناء شرحه لحديث أنس بن مالك في إعطاء المؤلفة قوله: "ليس في هذا تصريح بأنه صلى الله عليه وسلم أعطاهم قبل إخراج الخمس، وأنه لم يحسب ما أعطاهم من الخمس، قال: "والمعروف في باقي الأحاديث
____________________
1 قوله: "فهو أولى بالجواز من تنفيل الثلث بعد الخمس والربع بعده"، معنى ذلكأن الإمام أو نائبه إذا دخل درا الحرب غازيا بعث سرية بين يديه تغير على العدو ويجعل لهم الربع بعد الخمس، فما قدمت به السرية من شيء أخرج خمسه ثم أعطى السرية ما جعل لهم وهو ربع الباقي ثم قسم ما بقي في الجيش والسرية معه، فإذا قفل راجعا بعث سرية تغير وجعل لهم الثلث بعد الخمس فما قدمت به السرية أخرج خمسه، ثم أعطى السيرة ثلث ما بقي ثم قسم باقيه في الجيش والسرية معه". (المغني لابن قدامة 8/379) .
2 هو صفوان بن أمية". انظر: "ص (691) .
3 زاد المعاد 3/484-485".
4انظر مغازي الواقدي 3/947-948". والطبقات الكبرى لابن سعد 2/153 وكتاب الأموال لأبي عبيد ص 444-447 و451-452، وجوامع السيرة لابن حزم ص 245 والسيرة الحلبية للبرهان الدين الحلبي 3/86 والروض الأنف للسهيلي 7/283".(2/700)
أنه صلى الله عليه وسلم إنما أعطاهم من الخمس ففيه أن للإمام صرف الخمس وتفضيل الناس فيه على ما يراه وأن يعطي الواحد منه الكثير، وأنه يصرفه في مصالح المسلمين وله أن يعطي الغني منه لمصلحة 1".أهـ.
وبوب البخاري بقوله: "باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، رواه عبد الله2 بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم".
ثم ساق تحت هذا الباب جملة أحاديث من ضمنها الأحاديث الواردة في قسمة الغنائم يوم حنين3".
وقال ابن حجر: "قال إسماعيل القاضي: "في إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم للمؤلفة من الخمس دلالة على أن الخمس إلى الإمام يفعل فيه ما يرى من المصلحة".
وقال الطبري: "استدل بهذه الأحاديث من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي من أصل الغنيمة لغير المقاتلين، قال: "وهو قول مردود بدليل القرآن والآثار الثابتة".
ثم قال ابن حجر: "قيل ليس في الأحاديث الباب شيء صريح بالإعطاء من نفس الخمس4".
القول الثاني: "أن العطاء كان من خمس الخمس وهو قول مالك والشافعي وابن خلدون5".
القول الثالث: "أن العطاء المذكور كان من صلب الغنيمة وهو اختيار ابن تيمية وابن حجر6".
____________________
1 شرح النووي على صحيح مسلم 3/98".
2 قال ابن حجر: "قوله: "رواه عبد الله بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم"، يشير إلى حديثه الطويل في قصة حنين وسيأتي هناك موصولا مع الكلام عليه والغرض منه هنا قوله: " (لما أفاء الله على رسوله يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم) . الحديث (فتح الباري 6/252) . وانظر الحديث برقم (205) .
3 صحيح البخاري 4/73 كتاب فرض الخمس".
4 فتح الباري 6/252 و8/49-50، وانظر: "شرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/39".
5 السنن الكبرى للبيهقي 6/338 وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/484 وتاريخ ابن خلدون 2/48 وأوجز المسالك إلى موطأ مالك لكاندهلوي 8/251".
6 الفتاوى لابن تيمية 17/493-495، وفتح الباري 8/49-50".(2/701)
وعن الإمام أحمد أن النفل كان من أربعة أخماس الغنيمة1".
قال ابن قيم الجوزية: "وهذا العطاء هو من النفل2".
وظاهر الأحاديث الواردة في غزوة حنين أن العطاء المذكور كان من صلب الغنيمة وأن الأنصار لما تكلموا في ذلك حيث إنه لم يصبهم من الغنيمة جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: "أما ترضون يا معشر الأنصار أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم" قالوا: "رضينا، فكان في ذلك تعويضا لهم عن الغنيمة التي لم ينالوا منها شيئاً".
قال محمد الأمين الشنقيطي: "اعلم أن جماهير علماء المسلمين على أن أربعة أخماس الغنيمة للغزاة الذين غنموها، وليس للإمام أن يجعل تلك الغنيمة لغيرهم، ويدل لهذا قوله تعالى: {غَنِمْتُمْ} 3 فهو يدل على أنها غنيمة لهم فلما قال: {فَأَنَّ لله خُمْسَهُ} ، علمنا أن الأخماس الأربعة الباقية لهم لا لغيرهم فقوله: {فَأَنَّ لله خُمْسَهُ} ، أي: "وللغانمين ما بقي". وهذا القول هو الحق الذي لا شك فيه، وحكى الإجماع عليه غير واحد من العلماء".
ثم قال: "وأما ما وقع في قصة حنين فالجواب عنه ظاهر، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم استطاب نفوس الغزاة عن الغنيمة ليؤلف بها قلوب المؤلفة قلوبهم لأجل المصلحة العامة للإسلام والمسلمين، ويدل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما سمع أن بعض الأنصار قال: "يمنعنا ويعطي قريشا، وسيوفينا تقطر من دمائهم، جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم وكلمهم كلامه المشهور البالغ في الحسن ومن جملته أنه قال لهم: "ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم". إلى آخر كلامه، فرضي القوم، وطابت نفوسهم، وقالوا: "رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا، وهذا ثابت في الصحيح4".إهـ".
وأما الأمر الثاني: "وهو هل حكم المؤلفة قلوبهم باق أو أن ذلك منسوخ فقد
____________________
1 كتاب المغني لابن قدامة 8/384-386، والإنصاف لعلي بن سليمان المرادي 4/170".
2 زاد المعاد 3/484".
3 يشير إلى قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} ، الآية.
4 أضواء البيان 2/354و356-357 وانظر ص 362".(2/702)
ساق الترمذي حديث صفوان بن أمية قال: "أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وإنه لأبغض الخلق إلي فما زال يعطيني حتى إنه أحب الخلق إلي" 1.
ثم قال: "وقد اختلف أهل العلم في إعطاء المؤلفة قلوبهم، فرأى أكثر أهل العلم أن لا يعطوا وقالوا إنما كانوا قوما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يتألفهم على الإسلام حتى أسلموا، ولم يروا أن يعطوا اليوم من الزكاة على مثل هذا المعنى".
وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وغيرهم، وبه يقول أحمد2 وإسحاق".
وقال بعضهم: "من كان اليوم على مثل حال هؤلاء ورأى الإمام أن يتألفهم على الإسلام فأعطاهم جاز ذلك وهو قول الشافعي3".
وقال النووي في أثناء شرحه لحديث صفوان وما ورد في معناه: "وفي هذا مع ما بعده إعطاء المؤلفة، ولا خلاف في إعطاء مؤلفة المسلمين، لكن هل يعطون من الزكاة؟
فيه خلاف، والأصح عندنا أنهم يعطون من الزكاة ومن بيت المال".
والثاني: "لا يعطون من الزكاة، بل من بيت المال خاصة، وأما مؤلفة الكفار فلا يعطون من الزكاة، وفي إعطائهم من غيرها خلاف، الأصح عندنا لا يعطون، لأن الله تعالى قد أعز الإسلام عن التألف، بخلاف أول الأمر، ووقت قلة المسلمين4".إهـ".
والظاهر في هذا هو جواز إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة ومن غيرها سواء أكانوا مسلمين أم كافرين، لأن الله تعالى قال: {وَالمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُم} والآية عامة وهي أصل في جواز إعطاء المؤلفة من الزكاة ولم تخصص مسلما من غيره، وهي محكمة غير منسوخة". وأما إعطاء مؤلفة الكفار من بيت المال من خمس الخمس أو نحوه فذلك زيادة لهم على إعطائهم من الزكاة".
____________________
1 تقدم تخريجه برقم (185) .
2 هو قول مرجوح لأحمد، انظر ص (692) .
3 سنن الترمذي 2/88-89 كتاب الزكاة، باب ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم وقوله وهو قول الشافعي، يوضح قول الشافعي ما قاله النووي".
4 شرح النووي على صحيح مسلم 5/169 وكفاية الأخيار لتقي الدين أبي بكر الحسيني 1/122-123".(2/703)
ومن المعلوم أن من أهداف التأليف استمالة القلوب إلى الإسلام أو تثبيتها عليه، أو كسب أنصار له، أو كف شر عن دعوته ودولته، فهو بهذا المعنى يحقق مصلحة عامة للمسلمين، ولا تهدر هذه المصلحة لأن من القواعد المقررة أنه متى وجدت المصلحة فثم شرع الله، وما كان كذلك فإن حكمه باق متى دعت الحاجة إليه.
قال ابن هبيرة: "اختلف العلماء في المؤلفة قلوبهم، هل بقي الآن لهم حكم؟ "
فقال أحمد: "حكمهم باق لم ينسخ، ومتى وجد الإمام قوماً من المشركين فخاف الضرر بهم، وعلم أن في إسلامهم مصلحة، وجاز أن يتألفهم من مال الزكاة".
وعنه رواية أخرى أن حكمهم منسوخ1". إهـ.
وقال ابن قدامة: "وأحكام الأصناف الثمانية المنصوص عليهم في آية براءة2،كلها باقية، وبهذا قال الحسن والزهري، وأبو جعفر3 محمد بن عليّ4".
وقال علاء الدين المرداوي: "الصحيح من المذهب أن حكم المؤلفة باق وعليه الأصحاب، وهو من المفردات5".
وقال أبو عبيد: "الآية محكمة، لا نعلم لها ناسخا من كتاب ولا سنة، فإذا كان قوم هذه حالهم، لا رغبة لهم في الإسلام، لما عندهم من العز والأنفة فرأى الإمام أن يرضخ لهم من الصدقة، فعل ذلك لخلال ثلاث:
إحداهن: "الأخذ بالكتاب والسنة".
والثانية: "البقيا على المسلمين".
والثالثة: "أنه ليس بيائس منهم إن تمادى بهم الإسلام، أن يتفقهوه وتحسن فيه رغبتهم 6".إهـ.
____________________
1الإفصاح 1/224".
2 هي قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} ، [سورة التوبة، من الآية: "60] ".
3 أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين الهاشمي، عده النسائي وغيره في فقهاء التابعين بالمدينة". (تذكرة الحفاظ للذهبي 1/124-125) وقد تقدمت ترجمته في حديث (19) .
4 المغني 2/666".
5 الإنصاف 3/228 وقوله: "من المفردات" يعني أن الإمام أحمد تفرد بالقول ببقاء حكم المؤلفة عن الأئمة الثلاثة".
6 كتاب الأموال ص 797".(2/704)
قلت: "وهذا هو الهدف الأساسي من التأليف هو ترغيب الناس في الدخول في هذا الدين الحنيف، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي على الإسلام ما لايعطي على غيره، فقد جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: قال: "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، قال: "فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: "يا قوم! أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة".
وفي لفظ: "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنما بين جبلين فأعطاه إياه فأتى قومه فقال: "أي قوم! فوالله! إن محمد ليعطي عطاء ما يخاف الفقر".
فقال أنس: "إن1 كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنياوما عليها"2".
وذهب الحنفية والشعبي ومالك والشافعي إلى أن هذا المصرف "المؤلفة قلوبهم" إنما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال قلة عدد المسلمين وكثرة عدوهم، وأما بعد وفاته عليه الصلاة والسلام فإنهم لا يعطون من الزكاة شيئا لزوال العلة التي من أجلها كان إعطاؤهم وهي الحاجة إليهم، فقد أعز الله الإسلام وأهله، وأغنى عن تألفيهم، فلا يعطى مشرك تأليفا بحال من الأحوال.
ورأوا أن حكمهم منسوخ بإجماع الصحابة على ذلك، فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يعطيا المؤلفة قلوبهم شيئا من الصدقات، ولم ينكر عليها أحد من الصحابة فيكون إجماعا منهم 3.
ورد هذا ابن قدامة بقوله:
ولنا: "كتاب الله وسنة رسوله، فإن الله تعالى سمى المؤلفة في الأصناف الذين
____________________
(إن) هي المخففة من الثقيلة وإذا أهملت لزمتها اللام فارقة بينها وبين (إن) النافية وهي هنا مهملة لوجود اللام في جوابها "ليسلم". (شرح ابن عقيل 1/378) .
2 تقدم تخريجه برقم (194) وانظر حديث (197) .
3 كتاب الإفصاح لابن هبيرة 1/224-225، المغني لابن قدامة 2/666، الهداية للمرغيناني1/112،والشرح الكبير لأحمد الدردير مع حاشية الدسوقي1/495، والأم للشافعي2/61،والمنتقى للباجي2/153،والمجموع للنووي6/210، وكفاية الأخيار لتقي الدين أبي بكر الحسيني 1/122، نصب الراية للزيلعي 2/394-395، نيل الأوطار للشوكاني 4/187 وفتح القدير له 2/373".(2/705)
سمى الصدقة لهم والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء"1.
وكان يعطي المؤلفة كثيرا في أخبار مشهورة، ولم يزل كذلك حتى مات، ولا يجوز ترك كتاب الله وسنة رسوله إلا بنسخ والنسخ لا يثبت بالاحتمال، ثم إن النسخ، إنما يكون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لأن النسخ إنما يكون بنص، ولا يكون النسخ بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وانقراض زمن الوحي، ثم إن القرآن لا ينسخ إلا بالقرآن، وليس في القرآن نسخ كذلك ولا في السنة، فكيف يترك الكتاب والسنة بمجرد الآراء والتحكم، أو بقول صحابي أو غيره؟
على أنهم لا يرون قول الصحابي حجة يترك بها قياس، فكيف يتركون به الكتاب والسنة؟
وقال الزهري: "لا أعلم شيئا نسخ حكم المؤلفة على أن ما ذكروه من المعنى لا خلاف بينه وبين الكتاب والسنة، فإن الغنى عنهم لا يوجب رفع حكمهم وإنما يمنع عطيتهم حال الغنى عنهم فمتى دعت الحاجة إلى إعطائهم أعطوا، فكذلك جميع الأصناف إذا عدم منهم صنف في بعض الزمان سقط حكمه في ذلك الزمان خاصة، فإذا وجد عاد حكمه، كذا هنا2".
وقال الطبري: "والصواب من القول في ذلك عندي: "أن الله جعل الصدقة في معنيين: "أحدهما سد خلة المسلمين، والآخر معونة الإسلام وتقويته، فما في معونة الإسلام وتقوية أسبابه، فإنه يعطاه الغني والفقير، لأنه لا يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه، وإنما يعطاه معونة للدين، وذلك كما يعطى الذي يعطاه بالجهاد في سبيل الله، فإنه يعطى ذلك غنياً كان أو فقيرا للغزو لا لسد خلته، وكذلك المؤلفة قلوبهم يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء، استصلاحاً بإعطائهم أمر الإسلام، وطلب تقويته
____________________
1 هذا الحديث رواه أبو داود من حديث زياد بن الحارث الصدائي قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته، فذكر حديثا طويلا، قال: "فأتاه رجل فقال: "أعطني من الصدقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك".
(سنن أبي داود 1/378-379 كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة وحد الغني) وفيه: "عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي" قال ابن حجر في التقريب 1/480: "ضعيف في حفظه، ووقع في ميزان الاعتدال للذهبي2/561 "عبد الله بن زياد".
2 المغني 2/666 وفتح القدير للشوكاني 2/373".(2/706)
وتأييده، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى من المؤلفة قلوبهم، بعد أن فتح الله عليه الفتوح، وفشا الإسلام وعز أهله، فلا حاجة لمحتج بأن يقول:
لا يتألف اليوم على الإسلام أحد لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى منهم في الحال التي وصفت1".
وقال الفخر الرازي: "والصحيح أن حكم المؤلفة غير منسوخ، وأن للإمام أن يتألف قوما على هذا الوصف، ويدفع إليهم سهم المؤلفة، لأنه لا دليل على نسخه ألبتة2".
وقال ابن العربي المالكي: "والذي عندي أنه إن قوي الإسلام زالوا وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم".
وهذا بناء على أن العلة في إعطائهم هي حاجتنا إليهم، أما على القول بأن القصد من إعطائهم ترغيبهم في الإسلام، أو تثبيتهم عليه لإنقاذهم من عذاب الله تعالى فيعطون مطلقا 3".
وقال الشوكاني: "والظاهر جواز التأليف عند الحاجة إليه، فإذا كان في زمن الإمام قوم لا يطيعونه إلا للدنيا ولا يقدر على إدخالهم تحت طاعته بالقسر والغلب فله أن يتألفهم ولا يكون لفشو الإسلام تأثير لأنه لم ينفع في خصوص هذه الواقعة 4".إهـ".
وبهذا التقرير يعلم بأن حكم المؤلفة باق لم ينسخ فإن التأليف حكم باق في كتاب الله عز وجل، وقد جعلهم الله أحد الأصناف الثمانية الذين تصرف فيهم الزكاة، وجاءت بهذا السنة المتواترة القاطعةن والنسخ لم يثبت كما تقدم تقريره، وليس في منع أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - للمؤلفة ما يفيد النسخ، وغاية ما فيه أن ذلك لأجل عزة الإسلام ومنعته، فإذا دعت الحاجة إلى التأليف فالحكم باق والمصلحة تقتضيه، وهذا ما رجحه المحققون من العلماء كما سبق بيانه".
__________
1 جامع البيان 10/163
2 تفسير الرازي 16/111
3 أحكام القرآن 2/966 وتحفة الأحوذي 3/336".
4 نيل الأوطار 4/187، والسيل الجرار 2/57-58".(2/707)
الحكم السادس عشر: بعض ما يجتنبه المحرم
جاء في هذا الحكم ما رواه يعلى بن أمية أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وهو متضمخ بطيب فقال: "يا رسول الله كيف ترى في الرجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بالطيب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأم الجبة فانزعها عنك، ثم اصنع في عمرتك، كما تصنع في حجك". والحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري:
293- قال: "حدثنا أبو نعيم1 حدثنا همام حدثنا عطاء قال: "حدثني صفوان بن يعلى بن أمية - يعني - عن أبيه2 أن رجلاً3 أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة، وعليه جبة، وعليه أثر الخلوق4 - أو قال صفرة - فقال: "كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ 5".
____________________
1 أبو نعيم: "هو الفضل بن دكين، وهمام: "هو ابن يحيى بن دينار الأزدي، وعطاء: "هو ابن أبي رباح".
2 هو يعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن همام التميمي، حليف قريش وهو يعلى بن منيه - بضم الميم وسكون النون بعدها تحتانية مفتوحة- وهي أمه، ويقال جدته، صحابي مشهور، مات سنة بضع وأربعين". /ع". (التقريب 2/277، وتهذيب التهذيب 11/399) .
3 وعند البخاري أيضا: "عن يعلى قال: "فبينا النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة - وعليه ثوب قد أظل به معه ناس من أصحابه - إذ جاءه أعرابي عليه جبة متضمخ بطيب".
قال ابن حجر: "ولم أقف على اسمه لكن ذكر ابن فتحون في "الذيل" عن "تفسير الطرطوشي" أن اسمه عطاء بن منية، قال ابن فتحون: "إن ثبت ذلك فهو أخو يعلى ابن منية راوي الخبر، قال ابن حجر: "ويجوز أن يكون خطأ من اسم الراوي فإنه من رواية عطاء عن صفوان بن يعلى بن منية عن أبيه ومنهم من لم يذكر بين عطاء ويعلى أحدا". (فتح الباري 3/394، ونيل الاوطار 5/8) .
4 الخلوق: "بفتح الخاء المعجمة: "نوع من الطيب مركب فيه زعفران تغلب عليه الحمرة والصفرة". (النهاية 2/72، وشرح النووي على صحيح مسلم 3/249، وفتح الباري 3/393) .
وعند مسلم: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة عليه جبة وعليها خلوق - أو قال- أثر صفرة".
5 وعند البخاري أيضا: "كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه الوحي".
وعنده أيضا: "كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعدما تضمخ بطيب؟ فنظر النبي صلى الله عليه وسلم ساعة فجاءه الوحي".
وعند مسلم: "فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ثم سكت فجاءه الوحي".(2/708)
فأنزل الله على النبي - صلى الله عليه وسلم - 1، فستر بثوب، وودت2 أني قد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي، فقال عمر: "تعال، أيسرك3 أن تنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنزل الله عليه الوحي؟ قلت: "نعم، فرفع طرف الثوب، فنظرت إليه له غطيط4 - وأحسبه قال: "كغطيط البكر5 - فلما سري6 عنه قال: "أين السائل عن العمرة؟ 7".
____________________
1 قوله: "فأنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم"، قال ابن حجر: "لم أقف في شيء من الروايات على بيان المنَزل حينئذ من القرآن، وقد استدل به جماعة من العلماء على أن من الوحي ما لا يتلى، ولكن وقع عند الطبراني وابن ماجة وابن أبي حاتم من طريق أخرى أن المنزل عليه حينئذ قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ} ثم قال: "ووجه الدلالة منه على المطلوب عموم الأمر بالإتمام فإنه يتناول الهيئات والصفات".
وقال أيضا في مكان آخر: "ويستفاد منه أن المأمور به وهو الإتمام يستدعي وجوب اجتناب ما يقع في العمرة". (فتح الباري 3/394و614) .
2 وعند مسلم: "وكان يعلى يقول: "وددت أني أرى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي".
وعند أحمد: "عن يعلى بن أمية أنه كان مع عمر في سفر وأنه طلب إلى عمر أن يريه النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي، قال: "فبينما النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وكان عليه ستر مستور من الشمس إذ أتاه رجل عليه جبة وعليه ردع من زعفران".
3 وعند الحميدي: "عن يعلى بن أمية قال: "قلت لعمر بن الخطاب إني أشتهي أن أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي قال: "فبينا أنا بالجعرانة إذ دعاني عمر فأتيت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى ثوبا فكشف لي عمر وجهه فإذا هو محمر وجهه".
وعند مسلم "وكان يعلى يقول: "وددت أني أرى النبي صلى الله عليه وسلم وقد نزل عليه الوحي".
وعنده أيضا: "أن يعلى كان يقول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ليتني أرى نبي الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه".
وعنده أيضا: "وكان عمر يستره إذا أنزل عليه الوحي، ويظله فقلت لعمر - رضي الله عنه ـ: "إني أحب إذا أنزل عليه الوحي، أن أدخل رأسي معه في الثوب، فلما أنزل عليه خمره عمر - رضي الله عنه - بالثوب فجئته فأدخلت رأسي معه في الثوب، فنظرت إليه".
4 له غطيط: "الغطيط صوت النفس المتردد من النائم أو المغمى وسبب ذلك شدة ثقل الوحي". (فتح الباري 3/394 والمصباح المنير 2/538) .
وعند البخاري ومسلم: "فأشار عمر بيده إلى يعلى بن أمية: "تعال فجاء يعلى فأدخل رأسه فإذا النبي صلى الله عليه وسلم محمر الوجه يغط كذلك ساعة ثم سري عنه".
قال ابن حجر: "وكان سبب إدخال يعلى رأسه عليه صلى الله عليه وسلم في تلك الحال أنه كان يحب لو رآه في حالة نزول الوحي". (فتح الباري 3/394) .
5 البكر: "هو بفتح الباء وهو الفتي من الإبل". (شرح النووي على صحيح مسلم 3/250، والمصباح المنير 1/75) .
6 سري عنه: "هو بضم السين وكسر الراء المشددة، أي أزيل ما به وكشف عنه شيئا بعد شيء". (شرح النووي 3/250 وفتح الباري 3/394 والنهاية 2/364) .
7 وعند مسلم: "فقال أين الذي سألني عن العمرة آنفا" فالتمس الرجل فجيء به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الطيب الذي بك، فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة، فأنزعها، ثم أصنع في عمرتك ما تصنع في حجك".
وعند البخاري: "أين الذي يسألني عن العمرة آنفا"؟
وعنده أيضاً: "من رواية أبي عاصم عن ابن جريج" فقال: "أين الذي سأل عن العمرة؟ " فأتى برجل فقال: "أغسل الطيب ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك".
قلت لعطاء: "أراد الإنقاء حين أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: "نعم".
قال ابن حجر: "والقائل لعطاء: "هو ابن جريج وهو دال على أنه فهم من السياق أن قوله: "ثلاث مرات" من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون من كلام الصحابي وأنه صلى الله عليه وسلم أعاد لفظة "اغسله" مرة ثم مرة على عادته أنه كان إذا تكلّم بكلمة اعادها ثلاثا لتفهم عنه، ونبه عليه عياض". (فتح الباري 3/395) .
وقال النووي: قوله: "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات"، إنما أمر بالثلاث مبالغة في إزالة لونه وريحه، والواجب الإزالة، فإن حصلت بمرة كفت، ولم تجب الزيادة، ولعل الطيب الذي كان على هذا الرجل كثير، ويؤيده قوله: "متضمخ".
ثم قال: "قال القاضي: "ويحتمل أنه قال ثلاث مرات أغسله، فكرر القول ثلاثاً، والصواب ما يبق، والله أعلم". (شرح النووي على صحيح مسلم 3/252) .(2/709)
اخلع عنك الجبة1، واغسل أثر الخلوق عنك، وأنق2 الصفرة، واصنع3 في عمرتك كما تصنع في حجك"4.
____________________
1الجبة: "ضرب من مقطعات الثياب تلبس، وجمعها جبب وجباب". 0 لسان العرب 1/242) وعند أبي داود "أخلع جبتك فخلعها من رأسه". وعنده أيضاً: "فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزعها نزعا ويغتسل مرتين أو ثلاثا".
((2قوله: "وأنق الصفرة"، قال ابن حجر: "بفتح الهمزة وسكون النون، ووقع للمستملي هنا بهمزة وصل ومثناة مشددة من التقوى، قال صاحب المطالع: "وهي أوجه وإن رجعا إلى معنى واحد".
ووقع لابن السكن "اغسل أثر الخلوق وأثر الصفرة" والأول هو المشهور". (فتح الباري3/614) .
3 وعند مسلم: "عن يعلى قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل وهو بالجعرانة وأنا عند النبي صلى الله عليه وسلم وعليه مقطعات" (يعني جبة) وهو متضمخ بالخلوق فقال إني أحرمت بعمرة وعلى هذا وأنا متضمخ بالخلوق". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كنت صانعاً في حجّك؟ ". قال: "أنزع عني هذه الثياب، وأغسل عني هذه الخلوق". فقال له النّبي صلى الله عليه وسلم: "ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك".
وعنده أيضا: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انزع عنك جبتك واغسل أثر الخلوق الذي بك، وافعل في عمرتك ما كنت فاعلا في حجك".
وعند النسائي: "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أهل بعمرة وعليه مقطعات وهو متضمخ بخلوق فقال: "أهللت بعمرة فما أصنع؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كنت صانعاً في حجك". قال: "كنت أتقي هذا وأغسله، فقال: "ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك".
وعنده وعند مسلم: "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وه ومصفر لحيته ورأسه وعليه جبة فقال: "يا رسول الله إني أحرمت بعمرة وأنا كما ترى فقال: "أنزع عنك الجبة وأغسل عنك الصفرة، وما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك". وعند أحمد: "قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه جبة وعليه ردع من زعفران فقال يا رسول اله إني أحرمت فيما ترى والناس يسخرون مني وأطرق هنيهة، قال: "ثم دعاه، فقال: "اخلع عنك هذه الجبة واغسل عنك هذا الزعفران واصنع في عمرتك ما تصنع في حجك".
4 صحيح البخاري 3/6 كتاب العمرة، باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج".(2/710)
والحديث رواه البخاري أيضا في كتاب جزاء الصيد عن أبي الوليد1حدثنا همام حدثناعطاء قال: حدثني صفوان بن يعلى عن أبيه به2.
ورواه في كتاب المغازي عن يعقوب3 بن إبراهيم حدثنا إسماعيل حدثنا ابن جريج قال أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره، أن يعلى كان يقول: "ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه4".
وعلقه في كتاب الحج عن أبي عاصم فقال: "قال أبو عاصم5 أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى أخبره به6".
ورواه في فضائل القرآن عن أبي نعيم حدثنا همام حدثنا عطاء".
وعلقه عن مسدد فقال: "وقال مسدد7 حدثنا يحيى عن ابن جريج قال أخبرني عطاء قال أخبرني صفوان بن يعلى بن أمية أن يعلى8 كان يقول: "ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي". الحديث9".
____________________
1 أبو الوليد هو الطيالسي هشام بن عبد الملك".
2 صحيح البخاري 3/15-16 باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص".
3 يعقوب بن إبراهيم: "هو ابن كثير بن زيد بن أفلح، وإسماعيل: "هو ابن إبراهيم المعروف "بابن علية".
4 صحيح البخاري 5/129 باب غزوة الطائف".
5 أبو عاصم: "هو النبيل الضحاك بن مخلد".
قال ابن حجر:: "قوله: "قال أبو عاصم"، هو من شيوخ البخاري ولم أره عنه إلا بصيغة التعليق، وبذلك جزم الإسماعيلي، فقال: "ذكره عن أبي عاصم بلا خبر". وأبو نعيم: "فقال: "ذكره بلا رواية".
وحكى الكرماني أنه وقع في بعض النسخ "حدثنا محمد حدثنا أبو عاصم" ومحمد هو ابن معمر أو ابن بشار، ويحتمل أن يكون البخاري". (فتح الباري 3/393) .
6 صحيح البخاري 2/114-115 باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب".
7 مسدد من شيوخ البخاري، قال ابن حجر: "قوله: "وقال مسدد حدثنا يحيى في رواية أبي ذر "يحيى بن سعيد" وهو القطان، وهذا الحديث وقع لنا موصولا في رواية مسدد من رواية معاذ بن المثنى عنه كما بينته في "تغليق التعليق". (فتح الباري 9/10) .
8 قوله:"أن يعلى كان يقول الخ"، قال ابن حجر: "هذا صورته مرسل؛ لأن صفوان بن يعلى ما حضر القصة، وقد أورده في كتاب العمرة من كتاب الحج بالإسناد الآخر المذكور هنا عن أبي نعيم عن همام فقال فيه: "عن صفوان بن يعلى عن أبيه" فوضح أنه ساقه هنا على لفظ رواية ابن جريج". وقد أخرجه أبو نعيم من طريق محمد بن خلاد عن يحيى بن سعيد بنحو اللفظ الذي ساقه المصنف هنا". (فتح الباري 9/10) .
9 صحيح البخاري 6/150 باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب، وقال ابن بطال: "مناسبة الحديث للترجمة أن الوحي كله متلوا كان أو غير متلو إنما نزل بلسان العرب، ولا يرد على هذا كونه صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة عربا وعجما وغيرهم لأن اللسان الذي نزل عليه به الوحي عربي وهو يبلغه إلى طوائف العرب، وهم يترجمونه لغير العرب بألسنتهم". قال ابن حجر: "ولذا قال ابن المنير: "كان إدخال هذا الحديث في الباب الذي قبله أليق، لكن لعله قصد التنبيه على أن الوحي بالقرآن والسنة كان على صفة واحدة ولسان واحد". (فتح الباري 9/10 والباب المشار إليه في كلام بن النير هو: "باب كيف نزل الوحي) .(2/711)
ورواه مسلم وأبو داود والبيهقي الجميع من طريق همام بن يحيى حدثنا عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى به1".
ورواه أحمد ومسلم والنسائي والحميدي وابن خزيمة والبيهقي الجميع من طريق ابن جريج قال: "أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره به2".
ورواه مسلم وأبو داود والنسائي والطحاوي والحازمي كلهم من طريق قيس بن سعد المكي يحدث عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية به3".
رواه مسلم أيضا من طرق رباح بن أبي معروف قال سمعت عطاء قال: "أخبرني صفوان بن يعلى به4".
ورواه مسلم أيضاً والحميدي والشافعي وأحمد والترمذي ابن خزيمة الجميع من طريق سفيان بن عيينة قال حدثنا عمرو بن دينار عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية به5".
ورواه البيهقي من طريق الشافعي6".
____________________
1 صحيح مسلم 2/836و 838 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه". وسنن أبي داود 1/422-423 كتاب المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه". والسنن الكبرى 5/56، 7/50 ودلائل النبوة 3/56 كلاهما للبيهقي".
2 مسند أحمد 4/222". وصحيح مسلم 2/837 كتبا الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه". سنن النسائي 5/99-100 كتاب المناسك، باب الجبة في الإحرام". ومسند الحميدي 2/347، وصحيح ابن خزيمة 4/191-192". والسنن الكبرى للبيهقي 7/50".
3 صحيح مسلم 2/837-838 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه". وسنن أبي داود 1/423 كتاب المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه". وسنن النسائي 5/110 كتاب المناسك باب في الخلوق للمحرم". شرح معاني الآثار للطحاوي 2/126، والاعتبار للحازمي ص 148".
4 صحيح مسلم 2/838 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة الخ".
5 المصدر السابق 2/836-837". مسند الحميدي 2/347، والأم للشافعي 2/130". ومسند أحمد 4/224، وسنن الترمذي 2/165 كتاب الحج، باب ما جاء في الذي يحرم وعليه قميص أو جبة". صحيح ابن خزيمة 4/194".
6 السنن الكبرى 5/56".(2/712)
ورواه أبو داود من طريق هشيم1 بن الحجاج عن عطاء عن صفوان بن يعلى به".
ومن طريق الليث بن سعد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن يعلى ابن منية به 2".
وأخرجه البيهقي من طريق أبي داود الثانية 3".
ورواه الحازمي من طريق عبيد الله4 بن أبي زياد عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية به5.
ورواه مالك عن حميد بن قيس عن عطاء بن أبي رباح أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحنين وعلى الأعرابي قميص الحديث6.
والحديث رواه همام بن يحيى وعبد الملك بن جريج وقيس بن سعد وعبيد الله بن أبي زياد ورباح بن أبي معروف وعمرو بن دينار والليث بن سعد والحجاج بن أرطأة كلهم عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه يعلى بن أمية.
بذكر "صفوان" بين عطاء ويعلى.
____________________
1 هشيم: "هو ابن بشير، والحجاج: "هو ابن أرطأة".
2 سنن أبي داود 1/423 كتاب المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه، ويعلى بن منية: "هو يعلى بن أمية انظر ص (696) .
3 السنن الكبرى 5/57".
4 عبيد الله بن أبي زياد القداح، أبو الحصين، المكي ليس بالقوي، من الخامسة (ت 150) . /د ت س". (التقريب1/533 وتهذيب التهذيب7/14 والخلاصة للخزرجي 2/191، وفي ميزان الاعتدال 3/8 رمز لمن أخرج له ب (د ت ق) .
وقال ابن حجر: "في التهذيب له عند (ق) حديث في الاسم الأعظم بعد أن علم لمن أخرج له بـ (د ت س) .
والحديث عند ابن ماجه في 2/1267 كتاب الدعاء، باب اسم الله الأعظم، لكن وقع هناك "عبد الله" مكبرا، والصواب "عبيد الله" بالتصغير وبهذا يظهر أن الذي أخرج لعبيد الله هو أبو داود والترمذي (انظر مقدمة تحفة الأحوذي 2/88) وابن ماجة دون النسائي".
((5الاعتبار ص 148".
6 الموطأ 1/328 كتاب الحج، باب ما جاء في الطيب للمحرم".
قال الكاندهلوي: "هكذا مرسلا في الموطأ ووصله الشيخان وأبو داود والنسائي والترمذي من طرق عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه". (أوجز المسالك 6/204) .(2/713)
ورواه أبو داود من طريق أبي بشر1 عن عطاء عن يعلى بن أمية2.
ورواه أحمد من طريق منصور3 وعبد الملك4 عن عطاء عن يعلى ابن أمية5".
ورواه الترمذي من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن يعلى بن أمية6.
ورواه أبو داود الطيالسي من طريق قتادة عن عطاء عن يعلى بن أمية7.
ومن طريق أبي داود الطيالسي أخرجه البيهقي8.
فأبو بشر ومنصور وعبد الملك وقتادة رووا هذا الحديث عن عطاء عن يعلى بن أمية، بإسقاط "صفوان بن يعلى" بين عطاء ويعلى.
وقد ساق الترمذي الحديث من طريق عبد الملك فقال: "حدثنا قتيبة أخبرنا عبد الله بن إدريس عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن يعلى بن أمية قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيا قد أحرم وعليه جبة فأمره أن ينزعها".
ثم قال: "حدثنا ابن أبي عمر9 أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه".
____________________
1 هو بيان بن بشر الأحمسي - بمهملتين - أبو بشر الكوفي، ثقة ثبت، من الخامسة". /ع". (التقريب 1/111 وتهذيب التهذيب 1/506) .
2 سنن أبي داود 1/423 كتاب المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه".
3 منصور بن زاذان - بزاي وذال معجمة - الواسطي، أبو المغيرة الثقفي، ثقة ثبت عابد، من السادسة (ت 129) . على الصحيح". /ع". (التقريب 2/275 وتهذيب التهذيب 10/306) .
4 عبد الملك بن أبي سليمان - واسمه ميسرة - العرزمي- بفتح المهملة وسكون الراء، وبالزاي المفتوحة- صدوق، له أوهام من الخامسة (ت 145) . /خت م عم". (التقريب 1/519 وتهذيب التهذيب 6/396) وقد رمز له الذهبي بـ (صح) إشارة إلى أنه ثقة، وقال عنه: "أحد الثقات المشهورين، تكلم فيه شعبة لتفرده عن عطاء بخبر الشفعة للجار". (ميزان الاعتدال 2/656) .
5 المسند 4/224".
6 سنن الترمذي:2/165كتاب الحج، باب ماجاء في الذي يحرم وعليه قميص أو جبة".
7 منحة المعبود 1/212".
8 السنن لكبرى 5/57".
9 هو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، صدوق".
قلت: "تابعه الحميدي والشافعي وأحمد في شيخه ابن عيينة". (انظر ص 1088) .(2/714)
قال أبو عيسى: "وهذا أصح1 وفي الحديث قصة".
وهكذا روى قتادة الحجاج بن أرطأة وغير واحد عن عطاء عن يعلى بن أمية2".
والصحيح ما روى عمرو بن دينار وابن جريج3 عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم 4".
والحديث بجميع طرقه فيه أن السائل عن الإحرام غير يعلى بن أمية راوي الحديث وأن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بنزع الجبة وغسل الخلوق ولم يأمره بإحداث إحرام من جديد".
إلا ما جاء عند النسائي من حديث نوح بن حبيب وهذا سياقه:
أخبرنا نوح5 بن حبيب القومسي قال حدثنا يحيى بن سعيد6 قال: "حدثنا ابن جريج قال: "حدثني عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه أنه قال: "ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينزل عليه".
فبينا نحن بالجعرانة والنبي صلى الله عليه وسلم في قبة فأتاه الوحي، فأشار إلى عمر أن تعال.
فأدخلت رأسي القبة فأتاه رجل قد أحرم في جبة بعمرة مضمخ بطيب فقال:
____________________
1 قال المباركفوري: "قوله: "وهذا أصح" أي رواية ابن أبي عمر بزيادة صفوان بين عطاء ويعلى، أصح من رواية قتيبة بن سعيد".
2 وقوله: "وهكذا روى قتادة والحجاج بن أرطأة وغير واحد عن عطاء عن يعلى بن أمية أي بعدم ذكر "صفوان" بين عطاء ويعلى". (تحفة الأحوذي 3/575) .
3 ورواية عمرو بن دينار عند مسلم والحميدي والشافعي وأحمد والترمذي وابن خزيمة". ورواية ابن جريج في الصحيحين وغيرهما". (انظر ص 699-700) . وقد وافقهما همام بن يحيى، وقيس بن سعد، ورباح بن أبي معروف، والليث بن سعد، وعبيد الله بن أبي زياد، كلّهم رووا هذا الحديث عن عطاء، فذكروا: "صفوان"، بين عطاء ويعلى بن أمية". (انظر ص: "701) .
4 سنن الترمذي 2/165-166 كتاب الحج، باب ما جاء في الذي يحرم وعليه قميص أو جبة".
5 نوح بن حبيب القومسي - بضم القاف وسكون الواو آخره مهملة - البذشي- بفتح الموحدة بعدها المعجمة - أبو محمد، ثقة سني، من العاشرة (ت242) ./ د س". (التقريب2/308 وتهذيب التهذيب10/481 والخلاصة للخزرجي3/101) .
ووقع في التقريب الطبعة الهندية والمصرية "نوح بن أبي حبيب".
6 يحيى بن سعيد: "هو القطان".(2/715)
يا رسول الله، ما تقول في رجل قد أحرم في جبة، إذ أنزل عليه الوحي، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يغط1 لذلك، فسري عنه فقال: "أين الرجل الذي سألني آنفا؟ ". فَأُتِيَ بالرجل فقال: "أما الجبة فاخلعها، وأما الطيب فاغسله ثم أحدث إحراما".
ثم قال النسائي: "قال أبو عبد الرحمن: "ثم أحدث إحراما" ما أعلم أحداً قاله غير نوح بن حبيب، ولا أحسبه محفوظاً2".
وأورد ابن حجر قول النسائي هذا".
ثم قال: "وقال البيهقي: "رواه جماعات غير نوح بن حبيب فلم يذكروها 3، ولم يقبلها أهل العلم بالحديث من نوح بن حبيب4".
ووقع عند الطحاوي أن الذي أحرم وعليه جبة هو يعلى بن أمية راوي الحديث وهذا سياقه:
حدثنا سليمان5 قال: "ثنا عبد الرحمن6 قال: "ثنا شعبة عن قتادة عن عطاء بن أبي رباح: "أن رجلا يقال له يعلى بن أمية أحرم وعليه جبة، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينْزعها" 7.
قلت: "والحديث معضل".
والصحيح أن الذي أحرم في جبة غير يعلى بن أمية كما هو صريح الأحاديث المتقدمة عن يعلى في الصحيحين وغيرهما".
____________________
1 يغط: "بفتح أوله وكسر المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي ينفخ". (فتح الباري 3/394) .
2 سنن النسائي في 5/99-100 كتاب المناسك، باب الجبة في الإحرام".
3 أي زيادة (0 ثم أحدث إحراما".
4 التلخيص الحبير 2/273".
5 سليمان بن شعيب الكسائي المصري، ذكره ابن حجر في لسان الميزان 3/96 في ترجمة سليمان بن شعيب بن الليث بن سعد المصري، فقال: "فأما سليمان بن شعيب الكسائي المصري، فوثقه العقيلي وأصله من نيسابور يروي عن أسد بن موسى وخالد بن نزار ووهب بن جرير وعدة، روى عنه الطحاوي والحضائري وآخرون (ت 278) .
6 عبد الرحمن بن زياد الرصاصي، روى عن شعبة وغيره، وعنه الحميدي ودحيم ويوسف بن عدي وسعيد بن أسيد ويحيى بن سليمان وغيرهم، قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عنه فقال: "صدوق". (الجرح والتعديل 5/235) .
7 شرح معاني الآثار 2/139 وانظر نيل الأوطار للشوكاني 5/8".(2/716)
وقد أخذ العلماء من هذا الحديث المسائل الآتية:
المسألة الأولى: "أن السائل عن أحكام العمرة كان عارفا بأحكام الحج، ولذا قال له صلى الله عليه وسلم: "وما كنت صانعا في حجك فاصنع في عمرتك".
قال النووي: "وهذا الحديث ظاهر في أن هذا السائل كان عالماً بصفة الحج دون العمرة، فلهذا قال له صلى الله عليه وسلم: "اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك" 1".
وقال ابن حجر: "وهذا الحديث دال على أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك".
قال ابن العربي: "كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا، وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراهما واحد".
وقال ابن المنير في "الحاشية" قوله "واصنع" معناه اترك لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعل".
وأما قول ابن بطال أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة ففيه نظر، لأن التروك مشتركة، بخلاف الأعمال فإن في الحج أشياء زائدة على العمرة كالوقوف وما بعده".
وقال الباجي: "المأمور به غير نزع الثوب وغسل الخلوق، لأنه صرح له بهما فلم يبق إلا الفدية2، قال ابن حجر: "كذا قال ولا وجه لهذا الحصر، بل الذي تبين من طريق أخرى أن المأمور به الغسل والنزع، وذلك عند مسلم والنسائي من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء في هذا الحديث أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أهل بعمرة وعليه مقطعات3 - يعني جبة - وهو متضمخ بخلوق فقال: "أهللت بعمرة فما أصنع؟ ". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كنت صانعا في حجك؟ ".
____________________
1 شرح النووي على صحيح مسلم 3/250، والمنتقى للباجي 2/202.
2 انظر: "المنتقى للباجي: "2/202.
3 مقطعات: "هي بفتح الطاء المشددة وهي الثياب المخيطة، وأوضحه في الحديث بقوله "يعني جبة" ومتضمخ: "بالضاد والخاء المعجمتين، أي متلوث به مكثر منه". (شرح النووي على صحيح مسلم 3/251) .(2/717)
قال: "كنت أنزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذا الخلوق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك" 1.
المسألة الثانية: "أن من تطيب أو ليس جاهلاً ناسياً لإحرامه فلا كفارة عليه".
قال البخاري: "باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص".
ثم قال: "قال عطاء: "إذا تطيب أو لبس جاهلاً أو ناسياً فلا كفارة عليه".
ثم ساق في الباب حديث يعلى بن أمية من طريق عطاء2".
قال ابن حجر: "قوله باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص، أي هل يلزمه فدية أولا؟
وإنما لم يجزم بالحكم لأن حديث الباب لا تصريح فيه بإسقاط الفدية، ومن ثم استظهر المصنف للراجح بقول عطاء راوي الحديث كأنه يشير إلى أنه لو كانت الفدية واجبة لما خفيت عن عطاء وهو راوي الحديث".
وقال ابن بطال وغيره: "وجه الدلالة منه أنه لو لزمته الفدية لبينها صلى الله عليه وسلم لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز".
وفرق مالك - فيمن تطيب أو لبس ناسيا - بين من بادر فنزع وغسل وبين من تمادى".
والشافعي أشد موافقة للحديث لأن السائل في حديث الباب كان غير عارف بالحكم وقد تمادى ومع ذلك لم يؤمر بالفدية".
وقول مالك فيه احتياط3.
وقال النووي: "وفي الحديث أن من أصابه طيب ناسيا أو جاهلا ثم علم وجبت عليه المبادرة إلى إزالته، وفيه أن من أصابه في إحرامه طيب ناسيا أو جاهلا لا كفارة عليه".
____________________
1 فتح الباري 3/394-395، وعون المعبود 5/266، ونيل الأوطار 5/8-9 والحديث المشار إليه عند مسلم والنسائي، صحيح مسلم 2/836-837 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح، بيان تحريم الطيب عليه". سنن النسائي 5/110 كتاب المناسك، باب في الخلوق للمحرم، مسند الحميدي 2/347 وانظر تعليقة (3) ص (698) .
2 صحيح البخاري 3/15-16 كتاب جزاء الصيد".
3 فتح الباري 4/63 والأم للشافعي 2/130-131". وصحيح ابن خزيمة 4/191".(2/718)
وهذا مذهب الشافعي، وبه قال عطاء والثوري وإسحاق وداود.
وقال مالك وأبو حنيفة والمزني وأحمد في أصح الروايتين عنه: "عليه الفدية، لكن الصحيح من مذهب مالك أنه إنما تجب الفدية على المتطيب ناسيا أو جاهلا إذا طال لبثه عليه1".
وقال ابن حجر: "واستدل بالحديث على أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيا أو جاهلا ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه".
وقال مالك: "إن طال ذلك عليه لزمه".
وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية يجب مطلقاً2".
وأجاب ابن المنير: "في "الحاشية" عن هذا الحديث بأن الوقت الذي أحرم فيه الرجل في الجبة كان قبل نزول الحكم ولهذا انتظر النبي صلى الله عليه وسلم الوحي".
قال: "ولا خلاف أن التكاليف لا يتوجه على المكلف قبل نزول الحكم فلهذا لم يؤمر الرجل بفدية عما مضى".
بخلاف من لبس الآن جاهلا فإنه جهل حكما استقر وقصر في علم ما كان عليه أن يتعلمه لكونه مكلفا به وقد تمكن من تعلمه3".
المسألة الثالثة: "استحباب الطيب لمن أراد الإحرام وجواز استدامة".
قال ابن هبيرة: "اتفق العلماء على استحباب الطيب من أراد الإحرام إلا مالكا فإنه قال: "يكره للمحرم أن يتطيب قبل الإحرام بما بقي ريحه بعده4".
وقال ابن رشد: "أجمع العلماء على أن الطيب كله يحرم على المحرم بالحج والعمرة في حال إحرامه".
واختلفوا في جوازه للمحرم عند الإحرام قبل أن يحرم لما بقي من أثره عليه بعد
____________________
1 شرح النووي على صحيح مسلم 3/250".
2 فتح الباري 3/395 ونيل الاوطار للشوكاني 5/9 وعون المعبود 5/268".
3 فتح الباري 4/63".
4 الإفصاح 1/270، والمنتقى للباجي 2/201".(2/719)
الإحرام، فكرهه قوم وأجازه آخرون، وممن كرهه مالك، ورواه عن عمر بن الخطاب1، وهو قول عثمان وابن عمر وجماعة من التابعين".
وممن أجازه أبو حنيفة والشافعي والثوري وأحمد وداود، والحجة لمالك حديث يعلى بن أمية ثم ساق الحديث والشاهد منه "قول الرسول صلى الله عليه وسلم للسائل: "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة فانزعها".
ثم قال: "وعمدة الفريق الثاني ما رواه مالك عن عائشة أنها قالت: "كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم لحله قبل أن يطوف بالبيت2".
وقال ابن حجر: "واستدل بحديث يعلى على منع استدامة الطيب بعد الإحرام للأمر بغسل أثره من الثوب والبدن، وهو قول مالك ومحمد ابن الحسن".
وأجاب الجمهور بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة كما ثبت في هذا الحديث، وهي سنة ثمان بلا خلاف، وقد ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - قالت:
294- "طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف، وبسطت يديها"3.
وكان ذلك في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من الأمر، وبأن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب، فلعل علة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران، وقد ثبت النهي عن تزعفر الرجل مطلقا محرما وغير محرم4".
____________________
1 الحديث في الموطأ 1/329 كتاب الحج، باب ما جاء في الطيب في الحج ونص الحديث: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجد ريح طيب وهو بالشجرة فقال: "ممن ريح هذا الطيب؟ فقال معاوية بن أبي سفيان: "مني يا أمير المؤمنين، فقال: "منك؟ لعمر الله، فقال معاوية: "إن أم حبيبة طيبتني يا أمير المؤمنين". فقال عمر: "عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه".
وانظر: "الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي ص103-104".
2 بداية المجتهد 1/328 وحديث عائشة في الموطأ 1/328 كتاب الحج، باب ما جاء في الطيب في الحج".
ورواه البخاري ومسلم في صحيحيهما كلاهما من طريق مالك انظر صحيح البخاري 2/115 كتاب الحج، باب الطيب عند الإحرام، صحيح مسلم 2/846 كتاب الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام، وانظر: "أوجز المسالك إلى موطأ مالك للكاندهلوي 6/198".
3 الحديث في صحيح البخاري 2/115 كتاب الحج، باب الطيب عند الإحرام، و2/149 باب الطيب بعد رمي الجمار، و7/140-141 كتاب اللباس، باب تطييب المرأة زوجها بيديها، باب الطيب في الرأس واللحية، وباب الذريرة". وصحيح مسلم 2/846-850 كتاب الحج، باب طيب للمحرم عند الإحرام".
4 الحديث في صحيح البخاري 7/131 كتاب اللباس، باب التزعفر للرجال".(2/720)
295- وفي حديث ابن عمر: "ولا يلبس - أي المحرم - من الثياب شيئا مسه زعفران"1.
296- وفي حديث ابن عباس2 ولم ينه إلا عن الثياب المزعفرة"3. إهـ.
وقد استدل القائلون بكراهية التطيب للمحرم قبل إحرامه بأدلة أخرى، وقد أجاب عنها العلماء وبينوا بأنها لا تقوى على دفع الأحاديث الواردة بجواز التطيب لمن أراد الإحرام قبل إحرامه وذلك لصراحتها وصحتها وتأخرها4.
ففي حديث عائشة الثابت في الصحيحين وغيرهما أنها قالت: "كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت".
وفي لفظ: قالت: "طيبت رسول الله بيدي بذريرة5 في حجة الوادع للحل والإحرام".
وفي لفظ عنها عند النسائي قالت: "لقد رأيت وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث" 6
المسألة الرابعة: "أن المحرم إذا صار عليه مخيط ينزعه ولا يلزمه تمزيقه.
____________________
1 الحديث في صحيح البخاري2/115-116كتاب الحج، باب ما يلبس المحرم من الثياب، وصحيح مسلم 2/834-835 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح، بيان تحريم الطيب عليه".
2 حديث ابن عباس في صحيح البخاري 2/116 كتاب الحج، باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر ولفظه: "فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس إلا المزعفرة التي تردع على الجلد".
3 فتح الباري 3/395و396و398 وشرح معاني الآثار للطحاوي 2/126، والمغني لابن قدامة 3/273-274، وشرح النووي على صحيح مسلم 3/268".
4 أو المنهي عنه في حديث يعلى بن أمية هو الخلوق وهو حرام على الرجال في حال الإحرام وغيره".
5 الذريرة: "بفتح الذال المعجمة وراءين بوزن عظيمة، نوع من الطيب مجموع من أخلاط".
وقيل: "وهي فتات القصب طيب: "يجاء به من الهند". (النهاية لابن الأثير 2/157، وشرح النووي على صحيح مسلم 3/270، وهدي الساري لابن حجر ص 118 وفتح الباري 10/381) .
6 سنن النسائي 5/108-109 كتاب المناسك، باب موضع الطيب". وانظر: "الأم للشافعي 2/130-131".
وشرح معاني الآثار للطحاوي 2/126-133، والمحلى لابن حزم7/85-99". وصحيح ابن خزيمة 4/192-194، والمغني لابن قدامة 3/273-274". وشرح النووي على صحيح مسلم 3/268". وفتح الباري لابن حجر 3/398-400 و585". نيل الأوطار للشوكاني 4/340-341 والسيل الجرار له 2/180-181". وانظر: "حديث (294) .(2/721)
قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث "واخلع عنك جبتك" دليل لمالك وأبي حنيفة والشافعي والجمهور أن المحرم إذا صار عليه مخيط ينزعه، ولا يلزمه شقه".
وقال الشعبي والنخعي: "لا يجوز نزعه لئلا يصير مغطيا رأسه، بل يلزمه شقة، وهذا مذهب ضعيف1".
وقال الخرقي: "ومن أحرم وعليه قميص خلعه ولم يشقه"2.
قال ابن قدامة: "هذا قول أكثر أهل العلم، وحكي عن الشعبي3 والنخعي4 وأبي قلابة5 وأبي صالح ذكوان6: "أنه يشق ثيابه لئلا يتغطى رأسه حين ينزع القميص منه".
ولنا: "ما روى يعلى بن أمية "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بطيب؟ فنظر إليه رسول الله ساعة ثم سكت، فجاءه الوحي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا الطيب الذي بك فاغسله، وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك".
ثم قال: "قال عطاء: "كنا قبل أن نسمع هذا الحديث نقول فيمن أحرم وعليه قميص أو جبة فليخرقها عنه، فلما بلغنا هذا الحديث أخذنا به، وتركنا ما كنا نفتي به قبل ذلك، لأن في شق الثوب إضاعة ماليته وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال7".أهـ.
297- قلت: "وقد روى أبو داود الطيالسي والطحاوي كلاهما من طريق شعبة عن قتادة عن عطاء عن يعلى بن أمية "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا عليه جبة عليها أثر
____________________
1 شرح النووي على صحيح مسلم 3/250".
2 المختصر مع المغني 3/294".
3 الشعبي: "هو عامر بن شراحيل "ثقة فقيه مشهور" تقدم".
4 هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي، أبو عمران الكوفي، الفقيه ثقة، إلا أنه يرسل كثيرا، من الخامسة (ت 196) ./ ع". (التقريب 1/46) .
5 أبو قلابة هو عبد الله بن زيد الجرمي، تقدم في حديث (251) .
6 هو: "ذكوان أبو صالح، السمان الزيات".
7 المغني لابن قدامة 3/294، وفتح الباري لابن حجر 3/395".(2/722)
الخلوق أو صفرة، فقال: "اخلعها عنك واجعل في عمرتك ما تجعل في حجك".
قال قتادة: "فقلت لعطاء نسمع أن قال: "شقها، قال: "هذا فساد والله لا يحب الفساد1".
298- وقال الشافعي: "أخبرنا سعيد2 بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول: "من أحرم في قميص أو جبة فلينزعها نزعا ولا يشقها".
قال الشافعي: "والسنة كما قال عطاء لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صاحب الجبة أن ينزعها ولم يأمره بشقها3".
وروى أبو داود من طريق عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قصة السائل عن العمرة في الجعرانة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "اخلع جبتك، فخلعها من رأسه" 4".
قال الخطابي: "في هذا الحديث من الفقه أن من أحرم وعليه ثياب مخيط من قميص وجبة ونحوهما لم يكن عليه تمزيقه وأنه إذا نزعه من رأسه لم يلزمه دم، وقد روى عن إبراهيم النخعي أنه قال: "يشقه". وعن الشعبي قال: "يمزق ثيابه". اهـ.
قال صاحب عون المعبود: "وهذا خلاف السنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بخلع الجبة وخلعها الرجل من رأسه فلم يوجب عليه غرمة، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، وتمزيق الثياب تضييع له، فهو غير جائز5".
__________
1 منحة المعبود 1/212 واللفظ له، وشرح معاني الآثار للطحاوي 2/139".
2 سعيد بن سالم القداح، أبو عثمان المكي، أصله من خراسان أو الكوفة، صدوق يهم رمي بالإرجاء، وكان فقيها من كبار التاسعة (ت قبل 200) . /د س". (التقريب 1/296 وتهذيب التهذيب 4/35) .
3 الأم 2/130 وصحيح ابن خزيمة 4/195".
4 سنن أبي داود 1/423 كتاب المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه".
5 عون المعبود 5/266".(2/723)
الحكم السابع عشر: عمرة الرسول صلى الله عليه وسلم من الجعرانة
بعد أن رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصار الطائف نزل الجعرانة وكان بها غنائم هوازن، فمكث بها بضع عشرة ليلة قسم خلالها الغنائم بين المقاتلين ثم أحرم منها بعمرة ثم توجه إلى مكة ولما فرغ من عمرته عاد إلى الجعرانة من ليلته ثم توجه منها إلى المدينة المنورة.
قال ابن إسحاق: "ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة1 معتمرا، وأمر ببقايا الفيء فحبس بمجنة بناحية مر الظهران، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرته انصرف راجعا إلى المدينة، واستخلف عتاب بن أسيد على مكة، وخلف معاذ بن جبل، يفقه الناس في الدين، ويعلمهم القرآن، واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقايا الفيء2".
ونقل ابن كثير قول ابن إسحاق هذا ثم قال: "الظاهر أنه عليه السلام إنما استبقى بعض المغنم ليتألف به من يلقاه من الأعراب فيما بين مكة والمدينة 3".
وقد وردت في عمرة الجعرانة الأحاديث الآتية: "حديث أنس بن مالك عند البخاري ومسلم وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري:
299- قال: "حدثنا هدبة4 بن خالد حدثنا همام عن قتادة أن أنساً - رضي الله عنه - أخبره قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عُمَرٍ، كلهن في ذي القعدة إلا التي كانت مع حجته: "عمرة الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة،
____________________
1 قال السهيلي في الروض الأنف 7/279: "وقد ذكر أن المرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة كانت تُلقب بالجعرانة، واسمها: "ريطة بنت سعد، وأن الموضع يسمى بها".
2 سيرة ابن هشام 2/500 وتاريخ الطبري 3/94-95".
3 البداية والنهاية 4/368".
4 هدبة - بضم أوّله وسكون الدال، بعدها موحدة - ابن خالد بن الأسود القيسي، أبو خالد البصري- ويقال له: "هداب بالتثقيل وفتح أوله".
وهمام: "هو ابن يحيى".(2/724)
وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة وعمرة مع حجته" 1.
والحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي وأحمد وابن سعد والدارمي وأبو يعلى وابن خزيمة والبيهقي الجميع من طريق همام بن يحيى عن قتادة به2.
وفي لفظ عند مسلم وأحمد عن قتادة قال: "سألت أنساً كَمْ حج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال واحدة 3، واعتمر أربع عمر".
حديث ابن عباس عند أبي داود وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند أبي داود:
____________________
1 صحيح البخاري3/4كتاب العمرة، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، و4/58كتاب الجهاد، باب من قسم الغنيمة في غزوه وسفره،5/101كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية".
2 صحيح مسلم 2/916 كتاب الحج، باب بيان عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن". وسنن أبي داود 1/460 كتاب المناسك، باب العمرة".
وسنن الترمذي 2/156 كتاب الحج، باب ما جاء كَمْ حجّ النبي صلى الله عليه وسلم؟
ومسند أحمد 3/134و245، و256، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/171".
وسنن الدارمي 1/360". ومسند أبي يعلى 3/283 و 298 أوب رقم (303) .
وصحيح ابن خزيمة 4/358". والسنن الكبرى 4/345 و357، و9/56". ودلائل النبوة 3/56 ب كلاهما للبيهقي".
3 وروى مسلم من طريق أبي إسحاق السبيعي قال: "حدثني زيد بن أرقم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة، وأنه حج بعد ما هاجر حجة واحدة، حجة الوداع".
قال أبو إسحاق: "وبمكة أخرى". (صحيح مسلم 2/916 كتاب الحج، باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم) قال النووي: "قوله: "قال أبو إسحاق: "وبمكة أخرى" يعني قبل الهجرة، وقد روي في غير مسلم: "قبل الهجرة حجتان، (شرح النووي على صحيح مسلم 3/391) .
قلت: "الحديث الذي أشار إليه النووي عند غير مسلم: "رواه الترمذي وابن خزيمة والدارقطني كلهم من طريق زيد بن الحباب ثنا سفيان الثوري عن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين الهاشمي عن أبيه عن جابر بن عبد الله "أن النبي صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجج: "حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر معها عمرة" الحديث".
ثم قال الترمذي: "هذا حديث غريب من حديث سفيان لا نعرفه إلا من حديث زيد ابن الحباب، ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن - يعني الدارمي - روى هذا الحديث في كتبه عن عبد الله بن أبي الزياد، وسألت محمدا - يعني البخاري - عن هذا فلم يعرفه من حديث الثوري عن جعفر عن أبيه عن جابر عن النّبي صلى الله عليه وسلم، ورأيته لا يعدّ هذا الحديث محفوظاً". وقال: "إنما يروى عن الثوري عن أبي إسحاق عن مجاهد مرسلاً". (سنن الترمذي 2/155 كتاب الحج، باب ما جاء كَمْ حجّ النبي صلى الله عليه وسلم وصحيح ابن خزيمة 4/352 وسنن الدارقطني 2/278) .
قلت: "في التقريب 1/273: "زيد بن الحباب: "صدوق يخطىء في حديث النووي". إهـ". وقد تابعه عبد الله بن داود الخريْبِي في شيخه سفيان الثوري عند ابن ماجة وعبد الله ثقة، وهي متابعة تامة، ورجال ابن ماجة ثقات، ما عدا جعفر بن محمد فقال عنه ابن حجر: "صدوق". (سنن ابن ماجة 2/1027 كتاب المناسك، باب حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم) .(2/725)
300- قال: "حدثنا أبو سلمة1 موسى ثنا حماد عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا2 بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم قد قذفوها على عواتقهم3 اليسرى" 4".
والحديث رواه أحمد والطبراني والبيهقي كلهم من طريق حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به".
وزادوا بعد قوله "الجعرانة" فاضطبعوا5".
ورواه أيضا أبو داود وأحمد والطبراني كلهم من طريق حماد بن سلمة أنبأنا عبد اله بن عثمان بن خيثم عن أبي الطفيل6 عن ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت ثلاثاً ومشوا أربعاً" 7.
ورواه البيهقي من طريق يحيى8 بن سليم الطائفي عن عبد الله بن عثمان بن
____________________
1 أبو سلمة: "هو التبوذكي، ثقة ثبت تقدم في حديث (91) ، وحماد: "ابن سلمة "ثقة عابد" تقدم في حديث (36) وابن خُثيم "صدوق" تقدم في حديث (164) وسعيد بن جبير "ثقة ثبت فقيه" تقدم في حديث (92) .
2 قوله: "فرملوا"، قال النووي: "الرمل بفتح الراء والميم، وهو إسراع المشي مع تقارب الخطى، ولا يثب وثبا، والرمل مستحب في الطوفات الثلاث الأول من السبع، ولا يسن ذلك إلا في طواف العمرة، وفي طواف واحد في الحج واختلفوا في ذلك الطواف وهما قولان للشافعي ففي أصحهما: "أنه إنما يشرع في طواف يعقبه سعي". ويتصوّر ذلك في طواف القدوم، ويتصوّر في طواف الإفاضة، ولا يتصوّر في طواف الوداع؛ لأن شرط طواف الوداع أن يكون قد طاف للإفاضة، فعلى هذا القول إذا طاف للقدوم وفي نيته أنه يسعى بعده استحب الرمل فيه، وإن لم يكن هذا في نيته لم يرمل فيه، بل يرمل في طواف الإفاضة".
والقول الثاني: "أنه يرمل في طواف القدوم سواء أراد السعي بعده أم لا، واتفق العلماء على أن الرمل لا يشرع للنساء كما لا يشرع لهن شدة السعي بين الصفا المروة". (شرح النووي 3/397) . ونقل ابن المنذر الإجماع على ذلك (العدة للمقدسي ص 188) .
3 العاتق: "ما بين المنكب والعنق، والمراد أن يجعل الرداء تحت العاتق الأيمن ويجعل أطرافه على عاتقه الأيسر". (المصباح المنير 2/465، وعون المعبود 5/337) .
4 سنن أبي داود 1/435 كتاب المناسك، باب الاضطباع في الطواف".
5 مسند أحمد 1/306و371 والمعجم الكبير للطبراني 12/62". والسنن الكبرى 5/79 ودلائل النبوة 3/56 ب كلاهما للبيهقي".
6 أبو الطفيل: "هو عامر بن واثلة".
7سنن أبي داود 1/436 كتاب المناسك، باب في الرمل". ومسند أحمد 1/295 و306". والمعجم الكبير للطبراني 10/328".
8 قال فيه ابن حجر في التقريب 2/349: "صدوق سيء الحفظ".(2/726)
خُثيم عن أبي الطُّفيل عن عبد الله بن عباس قال: "اضطبع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه ورملوا ثلاثة أشواط ومشوا أربعا" 1.
فهذا الحديث رواه عبد الله بن عثمان بن خُثيم عن شيخين هما سعيد بن جبير وأبو الطفيل، وتابع يحيى بن سليم الطائفي حماد بن سلمة في شيخه عبد الله بن عثمان بن خثيم.
وحديث ابن عباس من طريق سعيد بن جبير عنه قال فيه الشوكاني: "وحديث ابن عباس أخرج نحوه الطبراني، وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله رجال الصحيح".
وقد صحح حديث الاضطباع النووي في شرح مسلم2. إهـ.
وصححه الألباني أيضا3.
وحديث ابن عباس الثاني من طريق أبي الطُّفيل عنه.
رجاله رجال الصحيح أيضاً.
وقال الألباني: "هذا إسناد صحيح4".
حديث ابن عباس أيضا عند أبي داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم وهذا سياقه عند أبي داود قال:
301- حدثنا النفيلي5 وقتيبة6 قالا أخبرنا داود7 بن عبد الرحمن العطار عن عمرو8 بن دينار عن عكرمة9 عن ابن عباس قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر:
____________________
1 السنن الكبرى 5/79".
2 نيل الأوطار 5/44 وانظر التلخيص الحبير 2/231".
3 إرواء الغليل 4/292-293.
4 المصدر السابق 4/293.
5 النفيلي: "هو عبد الله بن محمد "ثقة حافظ". (التقريب 1/448) .
6 قتيبة بن سعد بن جميل، ثقة ثبت.
7 داود بن عبد الرحمن العطار أبو سليمان المكي، ثقة، لم يثبت أن ابن معين تكلم فيه، من الثامنة، (ت174أو175) ./ع". (التقريب1/233 وتهذيب التهذيب3/192) .
8 عمرو بن دينار المكي، ثقة ثبت".
9 عكرمة بن عبد الله مولى ابن عباس "ثقة ثبت" تقدم في حديث (67) .(2/727)
الأولى: "عمرة الحديبية".
والثانية: "حين1 تواطؤوا على عمرة من قابل:
والثالثة: "من الجعرانة:
والرابعة: "التي قرن مع حجته" 2.
والحديث رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد والدارمي وابن سعد وابن حبان، والحاكم الجميع من طريق داود بن عبد الرحمن العطار به3".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي". وأعله الترمذي بالإرسال، فقد ساق الحديث عن قتيبة عن داود ابن عبد الرحمن العطار عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر" الحديث".
ثم قال: "وفي الباب عن أنس4 وعبد الله5 بن عمرو وابن عمر، قال أبو عيسى: "حديث ابن عباس حديث غريب".
وروى ابن عيينة هذا الحديث عن عمرو بن دينار عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، ولم يذكر فيه عن ابن عباس".
حدثنا بذلك سعيد6 بن عبد الرحمن المخزومي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه7".إهـ.
____________________
1 قوله: "حين تواطؤوا على عمرة من قابل"، أي: "حين توافقوا وصالحوا في الحديبية على أداء العمرة في السنة القابلة". (عون المعبود 5/470) .
2 سنن أبي داود 1/460 كتاب المناسك، باب العمرة.
3 سنن الترمذي 2/156 كتاب الحج باب ما جاءكم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وسنن ابن ماجة 2/999 كتاب المناسك، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم.
ومسند أحمد 1/246و 321.
وسنن الدارمي 1/379 كتاب المناسك، باب كَمِ اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم.
والطبقات الكبرى لابن سعد 2/170، وصحيح ابن حبان كما في موارد الظمآن ص 251، المستدرك للحاكم 3/50.
4 حديث أنس تقدم برقم (299) .
5 وحديث عبد الله بن عمرو، قال المباركفوري: "فلينظر من أخرجه". (تحفة الأحوذي 3/547) .
6 ثقة تقدم في حديث (51) ، وسفيان بن عيينة تقدم في حديث (51) .
7 سنن الترمذي 2/156 كتاب الحج، باب ما جاء كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم".(2/728)
وحديث ابن عمر أخرجه البخاري ومسلم كلاهما من طريق منصور1 عن مجاهد عنه إلاّ أنه قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهن في رجب". وهذا سياقه:
302- عن مجاهد قال: "دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جالس إلى حجرة عائشة وإذا ناس يصلون صلاة الضحى، قال فسألناه عن صلاتهم فقال: "بدعة2، ثم قال له3: "كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: "أربعا، إحداهن في رجب، فكرهنا أن نرد عليه، قال: "وسمعنا استنان4 عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: "يا أماه يا أم المؤمنين، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ 5". قالت: "ما يقول؟ قال: "يقول: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر إحداهن في رجب، قالت: "يرحم الله أبو عبد الرحمن، ما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط" 6.
وفي لفظ عند مسلم: فقالت: "يغفر الله لأبي عبد الرحمن لعمري ما اعتمر في رجب وما اعتمر من عمرة إلا وإنه لمعه، قال: "وابن عمر يسمع فما قال: "لا، ولا نعم، سكت" 7.
قال النووي: "- أثناء شرحه لحديث أنس بن مالك، قوله: "اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
1 منصور: "هو ابن المعتمر". (فتح الباري 3/600 وتهذيب التهذيب 10/312) .
2 قال النووي: "وأما ما صح عن ابن عمر أنه قال في الضحى: "هي بدعة فمحمول على أن صلاتها في المسجد والتظاهر بها كما كانوا يفعلونه بدعة، لا أنّ أصلاتها في البيوت ونحوها مذموم، أو يقال قوله: "بدعة أي المواظبة عليها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يواظب عليها خشية أن تفرض، وهذا في حقه صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت استحباب المحافظة في حقناً بحديث أبي الدرداء، وأبي ذر، أو يقال: "إن ابن عمر لم يبلغه فعل النبي صلى الله عليه وسلم الضحى وأمره بها، ثم قال: "وكيف كان فجمهور العلماء على استحباب الضحى، وإنما نقل التوقف فيها عن ابن مسعود وابن عمر". (شرح النووي على صحيح مسلم 2/370 و3/392) .
3 عند مسلم: "فقال له عروة يا أبا عبد الرحمن".
4 الاستنان: "استعمال السواك، وهو افتعال من الأسنان: "أي يمره عليها". (النهاية لابن الأثير 2/411) .
5 أبو عبد الرحمن: "كنيتة عبد الله بن عمر".
6 صحيح البخاري 3/3 كتب العمرة، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم و5/117 كتاب المغازي، باب عمرة القضاء".
7 صحيح مسلم2/916-917 كتاب الحج، باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن".(2/729)
أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته:
عمرة من العام المقبل في ذي القعدة.
وعمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة.
وعمرة الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة.
وعمرة مع حجته.
وفي الرواية الأخرى "حج حجة واحدة واعتمر أربع عمر" هذه رواية أنس.
وفي رواية ابن عمر "أربع عمر إحداهن في رجب" وأنكرت ذلك عائشة وقالت لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قط في رجب، فالحاصل من رواية أنس وابن عمر اتفاقهما على أربع عمر، وكانت:
إحداهن: "في ذي القعدة عام الحديبية سنة ست من الهجرة وصدوا فيها فتحللوا وحسبت لهم عمرة".
والثانية: "في ذي القعدة وهي سنة سبع، وهي عمرة القضاء".
والثّالثة: "في ذي القعدة سنة ثمان، وهي عام الفتح".
والرابعة: "مع حجته وكان إحرامها في ذي القعدة وأعمالها في ذي الحجة".
وأما قول ابن عمر إن إحداهن في رجب، فقد أنكرته عائشة، وسكت ابن عمر حين أنكرته".
قال العلماء: "هذا يدل على أنه اشتبه عليه أو نسي أو شك، ولهذا سكت عن الإنكار على عائشة ومراجعتها بالكلام، فهذا الذي ذكرته هو الصواب الذي يتعين المصير إليه"1".
وقال ابن قيم الجوزية: "من قال من العلماء بأنه صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب فقد غلط، فإن عمره صلى الله عليه وسلم مضبوطة محفوظة، لم يخرج في رجب إلى شيء البتة".
ثم قال: "وعذر من قال بأنه اعتمر في رجب، حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب" وهو متفق عليه".
وقد غلطته عائشة وغيرها، كما في الصحيحين".
عن مجاهد، قال: "دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله ابن عمر جالس إلى حجرة عائشة" الحديث.
____________________
1 شرح النووي على صحيح مسلم 3/390 وفتح الباري 3/602، والإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي ص 104-105".(2/730)
وفيه "ثم قلنا له: "كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "أربعا، إحداهن: "في رجب، فكرهنا أن نرد عليه، قال: "وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: "يا أمه، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: "ما يقول؟
قال: يقول:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر إحداهن في رجب".
قالت: "يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة قط إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط".
وكذلك قال أنس وابن عباس: "إن عمره كلها كانت في ذي القعدة، وهذا هو الصواب1".
وقال ابن حجر: "وفي هذا الحديث أن الصحابي الجليل المكثر الشديد الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم قد يخفى عليه بعض أحواله، وقد يدخله الوهم والنسيان لكونه غير معصوم".
وفيه رد بعض العلماء على بعض وحسن الأدب في الرد وحسن التلطف في استكشاف الصواب إذا ظن السامع خطأ المحدث"2". إهـ".
وهكذا فقد خفيت على ابن عمر عمرة الجعرانة أيضا فقد روى مسلم وابن خزيمة كلاهما من طريق حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع قال: "ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فقال لم يعتمر منها" الحديث3".
ورواه البخاري من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم في الجاهلية" الحديث وفيه "قال نافع: "ولم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة، ولو اعتمر لم يخف على عبد الله"4".
____________________
1 زاد المعاد 2/122و 124".
2 فتح الباري 3/602".
3 تقدم تخريجه برقم (212) وتحت رقم (271) .
4 تقدم تخريجه برقم (212) وتحت رقم (271) .(2/731)
قال النووي: "نفي ابن عمر هذا محمول على نفي علمه، أي أنه لم يعلم ذلك، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة والإثبات مقدم على النفي لما فيه من زيادة علم".
وقد ذكر مسلم في كتاب الحج اعتمار النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة عام حنين من رواية أنس رضي الله عنه1".
وقال ابن كثير: "وهذا غريب جدا عن ابن عمر وعن مولاه نافع في إنكارهما عمرة الجعرانة، وقد أطبق النقلة ممن عداهما على رواية ذلك من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد وذكر ذلك أصحاب المغازي والسنن كلهم".
إلى أن قال: "والمقصود أن عمرة الجعرانة ثابتة بالنقل الصحيح الذي لا يمكن منعه ولا دفعه ومن نفاها لا حجة معه في مقابلة من أثبتها2".
وقال ابن حجر: "وقد خفيت عمرة الجعرانة على ابن عمر كما خفيت على غيره كما ذكر ذلك محرش3 الكعبي فيما أخرجه الترمذي4".
قلت: "الحديث أيضاً، أخرجه أبو داود والنسائي والحميدي والدارمي والفسوي والشافعي وأحمد وابن سعد والبيهقي وهذا سياقه عند الترمذي:
303- قال: "حدثنا محمد5 بن بشار أخبرنا يحيى بن سعيد6 عن ابن جريج7
____________________
1 شرح النووي على صحيح مسلم 4/206 وانظر حديث أنس ص (712) .
2 البداية والنهاية 4/366".
3 محرش - بضم أوله وفتح المهملة وكسر الراء الثقيلة - وشين معجمة، ويقال: "بسكون الحاء المهملة - وفتح الراء وكسر الميم - وهو ابن سويد بن عبد الله بن مرة الخزاعي الكعبي، عداده في أهل مكة، صحابي له حديث في عمرة الجعرانة".
وهكذا قال الحميدي وعمرو بن علي الفلاس، بأنه بالحاء المهملة، وقيل: "إنه مخرش - بالخاء المعجمة"./ د ت س". (التقريب 2/232 وتهذيب التهذيب10/58-59 والإصابة 3/369، والاستيعاب3/504 معالإصابة وأسد الغابة5/104، والخلاصة للخزرجي 3/77) .
4 فتح الباري 3/600و 6/253".
5 محمد بن بشار بن عثمان العبدي، البصري، أبو بكر، بندار - بضم الباء الموحدة وسكون النون - ثقة من العاشرة (ت 252) . / ع". (التقريب 2/147، وتهذيب التهذيب 9/70، والمغني لابن طاهر الهندي ص 11) .
6 يحيى بن سعيد هو القطان "ثقة متقن حافظ" تقدم في حديث (74) .
7 ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز "ثقة فقيه فاضل يدلس" (التقريب1/520) .(2/732)
عن مزاحم1 بن أبي مزاحم عن عبد العزيز2 بن عبد الله عن محرش الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة3 ليلاً معتمراً فدخل مكة ليلا فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت، فلما زالت الشمس من الغد خرج في بطن سرف حتى جاء مع الطريق، طريق جمع ببطن سرف فمن أجل ذلك خفيت عمرته على الناس".
قال أبو عيسى: "هذا الحديث حسن غريب، ولا نعرف لمحرش الكعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث4".
والحديث رواه أحمد والنسائي والدارمي وابن سعد والبيهقي والشافعي الجميع من طريق ابن جريج قال: " أخبرني مزاحم بن أبي مزاحم به5".
____________________
1 مزاحم بن أبي مزاحم المكي، مولى عمر بن عبد العزيز، ويقال مولى طلحة، مقبول، من السادسة". / د ت س". (التقريب 2/240 وفي تهذيب التهذيب 10/101, والخلاصة 3/20 وثقة ابن حبان، وقيل هو: "مزاحم بن زفر بن الحارث الضبي ورده ابن حجر، ولم يذكر البخاري وابن أبي حاتم في مزاحم بن أبي مزاحم جرحا ولا تعديلا". (التاريخ الكبير للبخاري 8/23 والجرح والتعديل 8/405) .
2 عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد - بفتح الهمزة- الأموي، ثقة: "من الثالثة، ولي إمرة مكة، لعبد الملك بن مروان، (ت في خلافة هشام بن عبد الملك) ووهم من ذكره في الصحابة"./ د ت س". (التقريب1/501، وتهذيب التهذيب6/342 والإصابة 3/156) .
3 قال ابن قيم الجوزية: "ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعمرة من الجعرانة ودخلها في هذه العمرة ليلا، وخرج ليلا، فلم يخرج من مكة إلى الجعرانة ليعتمر كما يفعل أهل مكة اليوم، وإنما أحرم منها في حال دخوله إلى مكة، ولما قضى عمرته ليلا، رجع من فوره إلى الجعرانة، فبات بها فلما أصبح وزالت الشمس، خرج من بطن سرف حتى جامع الطريق، طريق جمع ببطن سرف، ولهذا خفيت هذه العمرة على كثير من الناس". (زاد المعاد 2/95) .
وقال ابن حجر: "وقد نقل أنه عليه الصلاة والسلام اعتمر من الجعرانة مرتين مرة في عمرة القضاء، ومرة في عمرة هوازن، ثم قال: "وهو غلط واضح، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في عمرة القضاء من الجعرانة، وكيف يتصور أن يتوجه صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى جهة الطائف حتى يحرم من الجعرانة، ويتجاوز ميقات المدينة؟ وكيف يلتئم هذا؟ مع قول من نقل هذا القيل إنه صلى الله عليه وسلم لم يحرم إلا من الميقات، بل في الصحيحين من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة". إلا التي مع حجته: "عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته".
ثم قال: "وذكر الواقدي أن إحرامه من الجعرانة كان ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة، بقيت من ذي القعدة". (التلخيص الحبير 2/230-231 ومغازي الواقدي 3/958) .
4 سنن الترمذي 2/207 كتاب الحج، باب ما جاء في العمرة من الجعرانة".
5 مسند أحمد 3/426و 427، وسنن النسائي 5/157 كتاب المناسك، باب دخول مكة ليلا". وسنن الدارمي1/380 كتاب المناسك، باب الميقات في العمرة". والطبقات الكبرى لابن سعد 2/171". والسنن الكبرى للبيهقي 4/357". ومسند الشافعي 5/136 مع الأم".(2/733)
ورواه أبو داود من طريق سعيد1 بن مزاحم بن أبي مزاحم حدثني أبي مزاحم به2".
ورواه الشافعي وأحمد والحميدي والنسائي وابن عبد البر كلهم من طريق سفيان بن عيينة قال: "ثنا إسماعيل3 بن أمية عن مزاحم بن أبي مزاحم به". بلفظ "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلا كأنه سبيكة فضة فاعتمر ثم أصبح بها كبائت" لفظ النسائي4.
ولفظ الحميدي وأحمد "فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة".
ورواه يعقوب بن سفيان الفسوي من طريق الحميدي5".
والبيهقي من طريق الشافعي6".
ورواه مالك بلاغاً7".
والحديث مداره على مزاحم بن أبي مزاحم، وقد قال عنه ابن حجر في التقريب "مقبول"8".
وحسن حديثه هذا في الإصابة 9".إهـ".
وعمرة الجعرانة ثابتة من حديث أنس بن مالك وعبد الله بن عباس10".
ومن حديث أبي هريرة ابن خزيمة، وابن حبان من طريقه، وهذا سياقه عند ابن خزيمة:
____________________
1 سعيد بن مزاحم بن أبي مزاحم الأموي مولاهم، مقبول، من الثامنة". /د س". (التقريب 1/305 وتهذيب التهذيب 4/82) .
2 سنن أبي داود 1/461 كتاب المناسك، باب المُهِلَّة بالعمرة تحيض فيدركها الحج".
3 إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، ثقة ثبت، تقدم في حديث (1) .
4 سنن النسائي 5/157-158 كتاب المناسك، باب دخول مكة ليلا". ومسند الشافعي 5/136 مع الأم، ومسند أحمد 3/426و 5/380 ومسند الحميدي 2/380 والاستيعاب 3/504 مع الإصابة
5 المعرفة والتاريخ 3/279
6 السنن الكبرى 4/357
7 الموطأ 1/331
8 2/240".
9 3/369".
10 تقدم حديث أنس برقم 299".وحديث ابن عباس برقم 300، و301".(2/734)
304- قال حدثنا أحمد1 بن منصور الرمادي، ثنا عبد الرزاق أخبرني معمر عن الزهري عن ابن المسيب2 عن أبي هريرة في قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، [سورة التوبة، من الآية: "1] . قال: "لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من حنين اعتمر من الجعرانة ثم أمر أبا بكر على تلك الحجة" 3.
والحديث أخرجه ابن حبان من هذه الطريق وبهذا المتن دون قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، [سورة التوبة، من الآية: 1] 4.
والحديث رجاله ثقات".
وقد عزاه ابن كثير لعبد الرزاق بهذا الإسناد والمتن ثم قال: "وهذا السياق فيه غرابة من جهة أن أمير الحج كان سنة عمرة الجعرانة إنما هو عتاب بن أسيد فأما أبو بكر فإنما كان أميرا سنة تسع5".
305- وأخرج ابن سعد قال: "أخبرنا موسى6 ابن داود أخبرنا ابن لعيهة7 عن عياض8 بن عبد الرحمن عن محمد9 بن جعفر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة، وقال: "اعتمر منها سبعون نبيا" 10. والحديث معضل".
وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى فقال: "وأخرج ابن سعد عن محمد بن جعفر ثم ساق الحديث11".
____________________
1 أحمد ابن منصور ابن سيار البغدادي، الرمادي - موضع باليمن - أبو بكر، ثقة حافظ، طعن فيه أبو دواد لمذهبه في الوقف في القرآن، من الحادية عشرة (ت 265) ./ق". (التقريب 1/26 وتهذيب التهذيب 1/83، واللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير 2/36) .
2 هو سعيد بن المسيب".
3 صحيح ابن خزيمة 4/362".
((4موارد الظمآن ص 251".
((5تفسير ابن كثير 2/332". وحديث (107) .
((6موسى ابن داود الضبي "صدوق فقيه زاهد له أوهام" تقدم في حديث (219) .
((7عبد الله بن لهيعة "صدوق" تقدم في حديث 64".
8 عياض بن عبد الله بن عبد الرحمن، الفهري المدني، نزيل مصر، فيه لين، من السابعة". /م د س ق". (التقريب 2/96 وتهذيب التهذيب 8/201 والخلاصة للخزرجي 2/215، وفي ميزان الاعتدال 3/307 رمز له ب (صح) إشارة إلى أنه ثقة ثم قال: "عن ابن المنكدر، وثق، وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي، سمع منه ابن وهب، وعلم له بـ (م س ق) ، وأسقط (د) فالله أعلم بالصواب".
9 لعله محمد بن جعفر بن الزبير الأسدي، وهو ثقة من السادسة".
10 الطبقات الكبرى 2/172".
11 الخصائص 2/99، قال محقق الخصائص الدكتور / محمد خليل هراس: "قوله: "اعتمر منها سبعون نبيا" فهي زيادة لم أقف لها على أصل".(2/735)
ومما تقدم يتّضح لنا أن عمرة الجعرانة ثابتة بالنقل الصحيح، وأن من نفاها فلا حجة معه في مقابلة من أثبتها، وأن الأحاديث الصحيحة دلت أيضا على أن هذه العمرة كانت في ذي القعدة".
قال ابن كثير: "والمقصود أن عمرة الجعرانة ثابتة بالنقل الصحيح الذي لا يمكن منعه ولا دفعه ومن نفاها لا حجة معه في مقابلة من أثبتها".
وهم كالمجمعين على أنها كانت في ذي القعدة بعد غزوة الطائف وقسم غنائم حنين".
وما رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير قائلا:
306- حدثنا الحسن1 بن إسحاق التستري ثنا عثمان2 بن أبي شيبة ثنا محمد3 بن الحسن الأسدي ثنا إبراهيم4 بن طهمان عن أبي الزبير5 عن عمير6 مولى ابن عباس عن ابن عباس، قال: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم، اعتمر منها وذلك لليلتين بقيتا من شوال7".
فإنه غريب جدا وفي إسناده نظر8".إهـ".
____________________
1 كذا هنا "الحسن" وفي المعجم الكبير للطبراني والصغير 1/ 139 "الحسين" ولم أجد ترجمة "الحسن" ولا "الحسين".
2 عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي، أبو الحسن بن أبي شيبة الكوفي، ثقة حافظ شهير، وله أوهام، من العاشرة (ت 239) . / خ م د س ق". (التقريب 2/13-14 وتهذيب التهذيب 7/149) .
3 محمد بن الحسن بن الزبير الأسدي الكوفي، لقبه، التل - بفتح المثناة وتشديد اللام - صدوق فيه لين، من التاسعة (ت 200) / خ س ق". (التقريب 2/154وتهذيب التهذيب 9/117، والخلاصة 2/393، وفي هدي الساري، له في البخاري حديثان وروى له أبو داود والنسائي ورمز لمن أخرج له (خ د س ت) انظر ص 438". وذكر (ت) ، خطأ فإن المباركفوري لم يذكر محمد بن الحسن بن الزبير في رجال الترمذي (مقدمة تحفة الأحوذي 2/108) .
4 إبراهيم بن طهمان الخراساني، أبو سعيد، سكن نيسابور ثم مكة، ثقة يغرب، تكلم فيه، للإرجاء، ويقال رجع عنه، من السابعة (ت 168) ./ع". (التقريب 1/36 وتهذيب التهذيب 1/129) . ورمز له الذهبي بـ (صح) إشارة منه إلى أنه ثقة". (ميزان الاعتدال 1/38) .
5 هو محمد بن مسلم بن تدرس، صدوق، إلا أنه يدلس، تقدم في حديث (109) .
6 عمير بن عبد الله الهلالي، أبو عبد الله المدني، مولى أم الفضل، ثقة، ويقال له مولى ابن عباس (ت 104) / خ م د س". (التقريب 2/86 وتهذيب التهذيب 8/148، الخلاصة للخزرجي 2/304) .
7 الحديث في المعجم الكبير للطبراني 11/431".
8 البداية والنهاية 4/366-367".(2/736)
قلت: "والحديث رواه ابن سعد عن محمد بن سابق1".
وابن أبي شيبة عن محمد بن الحسن الأسدي كلاهما عن إبراهيم ابن طهمان به إلاّ أنهما قالا: "عتبة مولى ابن عباس"2 بدل "عمير".
وعزاه الهيثمي لأبي يعلى، وقال: "وفيه عتبة مولى ابن عباس ولم أعرفه ولم ينسبه إلى الطبراني3".
والحديث ضعيف لأن أبا الزبير عنعنه وهو مدلس، وقد ذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من طبقات المدلسين، وهذه المرتبة لا يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرّحوا فيه بالسماع4، وعلى فرض صحة هذا الحديث فإنه لا يقوى على دفع حديث الصحيحين المصرح فيه بأن عمرة الجعرانة كانت في ذي القعدة".
وأطبق على ذلك أهل المغازي والسير".
وقال الواقدي: "وكان الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه العمرة، أبا هند5 عبد بني بياضة، ويقال حلقهخراش6 بن أمية7".
وصوب النووي والمحب8 الطبري وابن قيم الجوزية وابن كثير أن الذي قصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه استنباطا مما رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي الجميع من طريق ابن جريج قال:
____________________
1 محمد بن سابق التميمي، أبو جعفر، أو أبو سعيد البزار، الكوفي نزيل بغداد، صدوق من كبار العاشرة (ت 213 وقيل 214) . / خ م د ت س". (التقريب 2/163، وتهذيب التهذيب 9/174) .
2 الطبقات الكبرى لابن سعد 2/171 وتاريخ ابن أبي شيبة ص 87أ - برقم 665".
3 مجمع الزوائد 3/279".
4 طبقات المدلسين ص 7، 32".
5 أبو هند الحجام البياضي، مولى بني بياضة، واسمه عبد الله، وقيل يسار تخلف عن بدر، وشهد ما بعدها من المشاهد". (أسد الغابة 6/322، والإصابة 4/211) .
6 خراش بن أمية الكعبي الخزاعي، شهد الحديبية وخيبر وما بعدها، وذكر ابن عبد البر بأن خراشا إنما حلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية". وقال ابن حجر: "في عمرة الحديبية أو في عمرة القضاء". (الاستيعاب 1/427-428، مع الإصابة، وأسد الغابة 2/125-126، والإصابة 1/421) .
7 مغازي الواقدي 3/959".
8 المحب الطبري: "هو الإمام المحدث المفتي فقيه الحرم وحافظ الحجاز بلا مدافعة محب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الطبري، ثم المكي الشافعي مصنف "الأحكام الكبرى" (615-674 هـ) . (تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1474-1475 وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 8/18-20) .(2/737)
307- حدثني الحسن بن مسلم عن طاووس عن ابن عباس أن معاوية بن أبي سفيان أخبره قال: "قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص1 وهو على المروة" لفظ مسلم، ولفظ البخاري: "عن معاوية قال: "قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص".
وعند النسائي: "عن معاوية أنه قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص في عمرة على المروة" 2.
والحديث رواه أيضا مسلم والنسائي كلاهما من طريق سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس قال: "قال لي معاوية: "أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص؟ فقلت له: "لا أعلم هذا إلا حجة عليك" 3. لفظ مسلم".
ولفظ النسائي: "قال معاوية لابن عباس: "أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة؟
____________________
1 المشقص: "كمنبر: "نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض، فإذا كان عريضا فهو المعبلة، وقيل: "المراد به المقص، وهو الأشبه في هذا المحل". (النهاية لابن الأثير2/490 ولسان العرب لابن منظور8/315 والقاموسالمحيط2/306، والتعليق على صحيح مسلم لفؤاد عبد الباقي2/913، قال النووي: "في هذا الحديث جواز الاقتصار على التقصير، وإن كان الحلق أفضل، وسواء في ذلك الحاج والمعتمر إلا أنه يستحب للمتمتع أن يقصر في العمرة ويحلق في الحج، ليقع الحلق في أكمل العبادتين، وفيه أنه يستحب أن يكون تقصير المعتمر أو حلقه عند المروة، لأنها موضع تحلله كما يستحب للحاج أن يكون حلقه أو تقصيره بمنى، لأنها موضع تحلله وحيث حلقا أو قصرا من الحرم كله جاز". (شرح النووي على صحيح مسلم 3/387) .
2 مسند أحمد4/96و98وصحيح البخاري2/145كتاب الحج، باب الحلق والتقصير، وصحيح مسلم2/913،كتاب الحج، باب التقصير في العمرة، وسنن أبي داود 1/418 كتاب المناسك، باب الإقران، وسنن النسائي 5/196، كتاب المناسك، باب أين يقصر المعتمر؟ ".
3 أخذ ابن حجر من رواية مسلم هذه ورواية النسائي أن ابن عباس رضي الله عنه حمل حلق معاوية هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على حجة الوداع، لقول ابن عباس: "لا أعلم هذا إلا حجة عليك" إذ لو كان في العمرة لما كان فيه على معاوية حجة".
ثم قال: "وأصرح منه ما وقع عند أحمد من طريق قيس بن سعد عن عطاء "أن معاوية حدث أنه أخذ من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام العشر بمشقص معي وهو محرم".
ثم قال: "وفي كونه في حجة الوداع نظر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله فكيف يقصر عنه على المروة".
(فتح الباري 3/365) .
قلت: "وتمام الرواية عند أحمد: " "وهي أيضا عند النسائي من طريق قيس عن عطاء" قال قيس: "والناس ينكرون هذا على معاوية". (مسند أحمد 4/92، وسنن النسائي 5/197 كتاب المناسك، باب كيف يقصر) .
وردّها ابن قيم الجوزية، فإنه قال: "وأما رواية من روى "في أيام العشر" فليست في الصحيح وهي معلولة، أو وهم من معاوية، قال قيس بن سعد راويها عن عطاء عن ابن عباس عنه "والناس ينكرون هذا على معاوية"ثم قال ابن قيم الجوزية وصدق قيس، فنحن نحلف بالله: "أن هذا ما كان في العشر قط". (زاد المعاد 2/137) .(2/738)
قال: " لا، يقول ابن عباس: "هذا معاوية ينهى الناس عن المتعة، وقد تمتع النبي صلى الله عليه وسلم 1".
ورواه أبو داود والنسائي كلاهما من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ابن طاوس2 عن أبيه عن ابن عباس أن معاوية قال له: "ما علمت أنى قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص أعرابي على المروة" 3".
ورواه أحمد من طريق خصيف4 عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس أن معاوية أخبره أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر من شعره بمشقص، فقلنا لابن عباس ما بلغنا هذا الأمر إلا عن معاوية، فقال: "ما كان معاوية على رسول الله صلى الله عليه وسلم متهما5".
قال النووي: "وحديث معاوية هذا محمول على أنه قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان قارنا، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حلق بمنى، وفرق أبو طلحة رضي اله عنه شعره بين الناس، فلا يجوز حمل تقصير معاوية على حجة الوداع، ولا يصح حمله أيضا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع من الهجرة، لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلما، إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان، هذا هو الصحيح
____________________
1 مسلم 2/913 كتاب الحج، والنسائي 5/119 كتاب المناسك باب التمتع".
2 هو عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني، أبو محمد، ثقة فاضل عابد، من السادسة (ت 132) . / ع". (التقريب 1/424 وتهذيب التهذيب 5/267) .
3 سنن أبي داود 1/419 كتاب المناسك، باب في الإقران، وسنن النسائي 5/196-197 كتاب المناسك، باب أين يقصر المعتمر؟
4 خصيف - بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة وسكون المثناة التحتية آخره فاء- ابن عبد الرحمن الجزري، أبو عون الخضرمي - بكسر الخاء وسكون الضاد المعجمتين وكسر الراء بعدها ميم، هذه النسبة إلى خضرمة - صدوق سيء الحفظ، خلط بآخره، ورمى بالإرجاء، من الخامسة (ت137) وقيل غير ذلك"./عم". (التقريب 1/224وتهذيب التهذيب3/143 وميزان الاعتدال1/653 والخلاصة للخزرجي 1/299 واللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير1/450) . وقد وقع في التقريب الطبعة المصرية "الخصيب" بالباء الموحدة ووقع في تهذيب التهذيب "الحضرمي" بالحاء المهملة، والصواب "الخصيف" بالفاء، و"الحضرمي" بالخاء المعجمة".
5 مسند أحمد 4/95و102".(2/739)
المشهور1، ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع، وزعم أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعا، لأن هذا غلط فاحش، فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: "ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت؟ فقال: "إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر الهدي" 2.
وأورد ابن كثير حديث معاوية المذكور، ثم قال: "والمقصود أن هذا إنما يتوجه أن يكون في عمرة الجعرانة وذلك أن عمرة الحديبية لم يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة بل صد عنها، وأما عمرة القضاء فلم يكن أبو سفيان أسلم ولم يبق بمكة من أهلها أحد حين دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بل خرجوا منها، وتغيبوا عنها مدة مقامه عليه السلام بها تلك الثلاثة الأيام، وعمرته التي كانت مع حجته لم يتحلل منها بالاتفاق".
فتعين أن هذا التقصير الذي تعاطاه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة إنما كان في عمرة الجعرانة كما قلنا3".إهـ.
وجمع ابن حجر بين قول من قال بأن الذي حلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة: "أبو هند عبد بني بياضة، وقول من قال الذي حلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه العمرة هو معاوية بن أبي سفيان".
فقال: "أخرج الحاكم في "الإكليل" في آخر قصة غزوة حنين أن الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة أبو هند4 عبد بني بياضة، فإن ثبت هذا وثبت أن معاوية كان حينئذ معه، أو كان بمكة فقصر عنه بالمروة أمكن الجمع بأن يكون معاوية
____________________
1 قال ابن حجر: "والذي رجحه النووي من كون معاوية إنما أسلم يوم الفتح صحيح من حيث السند، ولكن يمكن الجمع بأنه كان أسلم خفية وكان يكتم إسلامه ولم يتمكن من إظهاره إلا يوم الفتح، وقد أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة معاوية تصريح معاوية بأنه أسلم بين الحديبية والقضية وأنه كان يُخفي إسلامه خوفا من أبويه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة في عمرة القضية خرج أكثر أهلها عنها حتى لا ينظرونه وأصحابه يطوفون بالبيت، فلعل معاوية كان ممن تخلف بمكة لسبب اقتضاءه". (فتح الباري 3/565 وفي الإصابة 3/433 نسب القول بإسلام معاوية بعد الحديبية للواقدي وابن سعد ذكر ذلك بدون إسناد فقال: "وكان يذكر أنه أسلم عام الحديبية وكان يكتم إسلامه، إهـ، فعل عمدة ابن عساكر هو الواقدي". (انظر مغازي الواقدي 3/959 والطبقات الكبرى لابن سعد 7/406) .
2 شرح النووي على صحيح مسلم 3/387".
((3البدايةوالنهاية4/367-368وزادالمعاد2/136-138،وفتح الباري3/565-566".
4 تقدم تحت حديث (306) أن هذا قول الواقدي، ولعل الحاكم رواه عنه".(2/740)
قصر عنه أولا وكان الحلاق غائبا في بعض حاجته ثم حضر فأمره أن يكمل إزالة الشعر بالحلق لأنه أفضل ففعل".
وإن ثبت أن ذلك كان في عمرة القضية وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حلق فيها جاء هذا الاحتمال بعينه وحصل التوفيق بين الأخبار كلها".
ثم قال: "وهذا مما فتح الله علي به في هذا الفتح ولله الحمد ثم الحمد لله أبدا 1".إهـ.
هذه نماذج يسيرة مما تضمنت غزوة حنين من أحكام ولم أرد الاستقصاء خوف الإطالة والخروج إلى مباحث فقهية موسعة تطغى على الغرض الأساسي من دراسة هذه الغزوة وتحقيق مروياتها سندا ومتنا، ومن أراد أن يستقصي أحكام هذه الغزوة تفصيلا فإنه يحتاج إلى مؤلف مستقل، بل إن كل حكم من أحكامها يكفي لرسالة متخصصة".
ولعل هذه اللمحات اليسيرة من أحكام هذه الغزوة تكون بمثابة البرهان على غزارة مادتها العلمية وتعدّد معطياتها المتكاثرة وفوائدها العظيمة".
وصلى الله على سيدنا ونبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً".
__________
1 فتح الباري 3/566.(2/741)
الخاتمة
بعد تلك الرحلة العلمية الممتعة في دراسة غزوة حنين وتحقيق مروياتها وترتيب أبوابها وفصولها ومباحثها ووضع كل جزئية علمية بازاء ما يشاكلها ويلائمها، وبعد الفراغ من ذلك التطواف الحثيث في غضون المصادر العلمية لرصد كل ما يمت بصلة إلى هذه الغزوة بعد تمحيصه وتحقيقه".
بعد ذلك كله أريد أن أنوّه إلى أبرز النتائج العلمية التي يحسن ذكرها ولا يجمل بالباحث إهمالها، وما من شك أن أي باحث يمارس عملا علميا معينا تمر به نتائج كثيرة وقضايا متعددة تستحق الإشادة والبيان.
ولكني أجتزئ بذكر أبرز هذه المعركة مشيرا إلى بعض ما توصلت إليه بإيجاز من خلال معايشتي لهذا الموضوع العلمي الخطير.
وفي البداية أود أن أقرر أنّ هذا البحث بهذه الصورة التي انتهيت إليها في دراسة هذه لغزوة لم يسبق له نظير - في حدود علمي - لم أطرافها وجمع شتاتها وحقق مروياتها ونظم معلوماتها على هذا النسق العلمي الذي أعانني الله على إنجازه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ولا ينبغي أن يغيب عن البال أن هذه المعركة وما تبعها من أحداث تشكل في سلسلة غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم خطورة بالغة، وأهمية قصوى فقد كان ينتظر نتائجها الفريقان: "المؤمنون والمشركون، وقد أدرك حماة الوثنية العربية أن نجاح المسلمين في غزواتهم السابقة وآخرها فتح مكة يعني الإجهاز عليهم والقضاء على معاقل العبادة الوثنية من أصنام وأوثان، ومن هنا رصدوا تحركات المسلمين نحوهم وجمعوا قواهم المادية والمعنوية وقرروا في أنفسهم أن هذه هي آخر تجربة يخوضها الإسلام مع الشرك، وفي الصورة المقابلة كان المسلمون قد اغتبطوا بانتصاراتهم المتلاحقة وكانوا على يقظة تامة بما يبيته المشركون من هوازن وثقيف وسائر القبائل الأخرى الباقية على شركها وضلالها، وعلم المسلمون بعزم المشركين المجاورين لمكة على القتال والنضال فأعدوا(2/743)
العدة وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه تلك الأعداد الغفيرة التي لم يسبق لها مثيل في الكثرة، وكان في هذه الكثرة بعض المغموزين في إسلامهم من الأعراب والطلقاء وذوي الريب في حقيقة الإسلام، ودارت المعركة الخطيرة التي لا تقل خطورة عن معركة بدر الكبرى، فقد كانت معركة بدر الكبرى أول تجربة عسكرية للمسلمين مع المشركين كما كانت معركة حنين آخر تجربة عسكرية مع الوثنية.
فالأولى أرهبتهم وكسرت من حدتهم وجعلت للمسلمين هيبة في قلوب أعدائهم.
ومعركة حنين استفرغت قواهم واستنفدت سهامهم وأذلت جمعهم، فلم يجدوا بدا من الدخول في دين الله 1.
ولذلك لا يبالغ الباحث إذا قال إن معركة حنين هي خاتمة المطاف في مواجهة تحديات الوثنية العربية وتكون هذه النتيجة العظيمة أبرز نتائج هذه المعركة، ولا يعكر على ذلك اندحار المسلمين في بداية الغزوة فقد تبين بما لا يدع مجالا للشك أن ذلك كان تربية من الله لجنده وحزبه لكي لا يغفلوا عن مصدر انتصارهم ولا ينخدعوا بكثرتهم، والعبرة في الانتصارات الحربية إنما هي بالخاتمة التي تنتهي إليها المعارك الإنسانية، والنهاية كانت كما قال الله عز وجل: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} ، [سورة التوبة، الآية: 26] .
إنها نهاية العذاب للكافرين ونهاية النصر للمؤمنين، ومن مظاهر تعذيبهم الكافرين هدم أوثانهم وتحطيم معبوداتهم وأسرهم وغنيمة أموالهم وسبي ذراريهم ونسائهم وقتل العديد منهم، كما فصلت ذلك في أمكانه من البحث.
ومما ينبغي ملاحظته في هذه الغزوة أن الجيش الإسلامي لم يخل بعض أفراده من رواسب الوثنية لحداثة عهدهم بالجاهلية، فقد حن بعضهم إلى جاهليته حيث طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم ذات أنواط كما للمشركين ذات أنواط، وهذا الصنف من الناس كان من جملة الجيش الذي خرج لحرب المشركين، كما كان في
____________________
1 انظر: زاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/479(2/744)
الجيش الإسلامي أيضا الطلقاء والأعراب الجفاة وبعض المغموزين في إسلامهم، وقد سمح لهم الرسول صلى الله عليه وسلم جميعا أن يخرجوا معه مجاهدين.
والنتيجة التي يخلص منها الباحث إذا تأمل هذا الموقف أنه لا مانع أن يكون في جيوش المسلمين بعض ضعفاء الإيمان مع وجوب العمل على تقوية إيمانهم وتعليمهم بحكمة وصبر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم واجه جفاء الأعراب وسؤال السائلين له أن يجعل لهم ذات أنواط وبعض الأخبار التي كانت تنقل إليه من بعض المغموزين، واجه كل ذلك بحلم وصبر وحكمة عظيمة، يجب الاقتداء به صلى الله عليه وسلم فيها، كما أنه صلى الله عليه وسلم تحامل بخلقه العظيم وشجاعته النادرة بعض النيات الخبيثة التي كانت تحاول اغتياله كما يتضح ذلك في موقفه من شيبة بن عثمان وما آل إليه أمر شيبة حيث صار جنديا من جنود الإسلام وعد فيمن ثبت يوم حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن كان الهدف من خروجه إلى غزوة حنين أن يجد من رسول الله صلى الله عليه وسلم غرة فيقتله ثأرا بأبيه كما حدَّث هو عن نفسه.
وقد اتهم صلى الله عليه وسلم - وحاشاه من ذلك - بعدم العدالة وصبر على ذلك القول الجائر "اعدل يا محمد فإنك لم تعدل" وقال لقائله "ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل".
وهو في ذلك يقتدي بمن سبقه من الأنبياء الذين صبروا على الأذى، فقد قال في هذا الموقف: "رحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر".
وقد امتثل صلى الله عليه وسلم قول الله تبارك وتعالى له {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه} . [سورة الأنعام، الآية: 90] .
ولقد واجه الرسول صلى الله عليه وسلم كل تلك المواقف الحرجة بما حباه الله به من حكمة وشجاعة وصبر وخلق عظيم، فحري بالدعاة إلى الله أن يتمثلوا بهذه المواقف ويأخذوا منها القدوة الحسنة لهم في حياتهم العملية، وهذا من الدروس العظيمة التي تقدمها لنا سيرته العطرة المليئة بمثل هذه النماذج العالية في حسم المواقف وعلاج أمراض القلوب ومواجهة النفسيات المختلفة.
ولا أدل على ذلك من الأسلوب الذي قسم به صلى الله عليه وسلم غنائم هذه الغزوة فقد منح أولئك المتطلعين إلى حطام الدنيا وأعطاهم عطايا عظيمة جعلتهم يطلقون عبارات(2/745)
الشكر والثناء ويعترفون صراحة أن هذا العطاء الهائل لا يكون إلا من نبي لا يخشى الفقر، وهم على علم بأن كل بشر عادي ولو كان أكرم الناس يخشى الفقر، وقد صرح بعضهم بأن محمدا صلى الله عليه وسلم يعطيه وإنه لأبغض الناس إليه فما يزال يعطيه حتى يصير أحب الناس إليه، وهذه هي النتيجة التي كان يتوخَّاها صلى الله عليه وسلم من قسم الغنائم على أولئك المغموزين ووكل أهل الإيمان واليقين إلى إيمانهم وثباتهم على الحق كما مر تفصيل ذلك في محله، غير أن هذا التقسيم في الأظهر خاص بتلك الغزوة فليس لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرم الجيش الإسلامي المقاتل الغنائم التي غنموها ويعطيها لغيرهم والمسألة خلافية، ولكن هذا هو المذهب الأمثل الذي توصلت إليه في ذلك.
ولقد انهال على المدينة المنورة بعد هذه الغزوة الوفود من عرب الجزيرة معلنين إسلامهم، ومن تلك الوفود وفد هوازن ووفد ثقيف وكان ذلك من نتائج هذه المعركة الفاصلة بين الكفر والإيمان، ومن المعلوم أن العرب كانوا ينتظرون نتائج فتح مكة، فلما خضعت قريش للإسلام وهم قوم الرسول صلى الله عليه وسلم وسكان بيت الله الحرام ومصدر التشريع للعرب جميعا كان ذلك مؤذنا بزوال الشرك وتمكن التوحيد في أرض الجزيرة، والذين لم يخضعوا بعد، وغرتهم قوتهم وجموعهم هم قبائل هوازن وثقيف كما سبق، فلما دارت الدائرة عليهم للمسلمين لم يبق أمام العرب جميعا قوة تذكر لمقاومة الإسلام والمسلمين، فما بقي أمام الجاهليّين إلا أن يفدوا على عاصمة الإسلام المدينة المنورة ليعلنوا إسلامهم أو ليتفاوضوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وتعد سنة الوفود نتيجة طبيعية لهذه الغزوة وقد تعنت وفد ثقيف في شروطهم للدخول في الإسلام فطلبوا أن يبقوا على الكثير من أنماط الجاهلية مثل شرب الخمور والزنا وترك الصلاة لأنها دناءة في نظرهم، والتمسوا أن يدع الرسول صلى الله عليه وسلم صنمهم ثلاثة أعوام أو عاما أو شهراً لا يهدم وأن لا يغتسلوا من الجنابة ولا يزكوا ولا يجاهدوا في سبيل الله، وقد أنزلهم الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد ليشاهدوا عملياً عبادة المسلمين وأحسن استقبالهم وصبر على تعنتهم ولاطفهم كثيراً وتسامح معهم في ترك الزكاة والجهاد وبين عليه الصلاة والسلام أنهم إذا أسلموا فسيجاهدون ويزكون، ولقد أعلن القوم إسلامهم وكانوا جنودا في صفوف المسلمين على رغم ذلك التعنت والتشدد في الشروط التي أرادوا إملاءها على المسلمين، وما ذلك إلا بحكمته صلى الله عليه وسلم وعظيم رحمته بأمته، فقد طلب منه الصحابة في الطائف أن يدعو على ثقيف فقال: "اللهم اهد ثقيفاً وأت بهم" وقد تحقق ذلك فعلا.(2/746)
وفي الختام لا يسعني إلا التأكيد على قضية ذات بال وهي أن من أبرز النتائج التي توصلت إليها من خلال هذه الدراسة لهذه الغزوة أن السيرة النبوية الطاهرة محفوظة بحفظ الله لها وأنها مروية بالأسانيد في كتب العلماء من السلف الصالح وأن الباحث البصير يتمكن في أي وقت شاء أن يقرر الحق في قضايا السيرة النبوية ويدرس أسانيدها وفق طرائق المحدثين ويعرف الصحيح والحسن والضعيف المنجبر والضعيف الذي لا ينجبر ويتمكن الدارس كذلك من نفي الكذب عن السيرة واستبعاد الإضافات التي لا أساس لها من الصّحّة، والتي تنافي مقام النبوّة، أو تلك الإضافات التي تبالغ في مقام النبي صلى الله عليه وسلم واحترامه على حساب الحقائق العلمية الثابتة، ولقد تبين لي من خلال بحثي في السيرة أن المسلمين يجب أن يطمئنوا إلى سيرة نبيهم وأنها هي هي كما رواها الخلف عن السلف وأن المزيد فيها يظهر لكل دارس يبغي الحق ولا يتبع الهوى في بحثه، وإذا كان الخبثاء من المستشرقين وأذنابهم يريدون أن يشككوا المسلمين في سيرة نبيهم وفي غير ذلك من قضايا دينهم، فإن الرد المناسب عليهم هو الاطلاع على التراث ودراسته دراسة علمية واعية وفق أسس علوم الحديث، ولعل هذا البحث المتواضع واحد من الدراسات العلمية الجادة التي تعيد الحق في نصابه وتدمغ الباطل فإذا هو زاهق، ولا شك أن في هذا البحث استدراكات كثيرة وتصويبات عديدة ووقفات علمية لها شأن وهي مبثوثة في ثناياه لمن أراد أن يطلع عليه.
ولا أدعي الكمال في ذلك، وإنما هو جهد متواضع ومحاولة جيّدة للوصول إلى الحق وإبراز هذا البحث في صورة واضحة، ولم أدخر شيئا في وسعي، ولكن الكمال المطلق لله وحده، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين".
كان الفراغ من تبييض هذا البحث في يوم الجمعة في السادس والعشرين من شهر شوال من عام ثلاث وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم.(2/747)
مصادر ومراجع
...
ثبت المصادر
القرآن الكريم.
(أ)
ابن الأثير: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الجزري (555-630هـ) .
1-أسد الغابة في معرفة الصحابة - مطبعة الشعب، سنة 1390 هـ.
2- الكامل في التاريخ - دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، ط. الثانية سنة 1387هـ.
3- اللباب في تهذيب الأنساب - مكتبة المثنى بغداد، بدون ذكر سنة الطبع.
ابن الأثير: أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري (554-606 هـ) .
4- جامع الأصول في أحاديث الرسول - تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، الناشر: عبد الله الملاح سنة 1389 هـ.
5- النهاية في غريب الحديث والأثر - تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، عيسى البابي الحلبي ط. الأولى، سنة 1383هـ.
(ب)
الباجي: أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعيد الأندلسي (403-494هـ) .
6- المنتقى شرح موطأ الإمام مالك - دار الكتاب العربي بيروت- لبنان - مصورة عن الطبعة الأولى سنة 1332 هـ.
البخاري: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة (194-256هـ) .
7- التاريخ الصغير - إدارة إحياء السنة، كواجر نوالة باكستان، بدون ذكر سنة الطبع.
8- التاريخ الكبير-تحقيق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني بدون ذكر سنة الطبع.
9- الجامع الصحيح - مطبعة الفجالة الجديدة سنة 1376 هـ.
10- الأدب المفرد - الناشر: قصي محب الدين الخطيب، القاهرة سنة 1379هـ.
البغوي: أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء (436-516هـ) .
11- تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل مع الخازن- طبعة دار الفكر بيروت سنة 1399هـ.
12- شرح السنة - المكتب الإسلامي، ط. أولى سنة 1390هـ.
البكري: أبو عبيد، عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي (432-487هـ) .(2/751)
13- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع - عالم الكتب بيروت، تحقيق: مصطفى السقا.
البلاذري: أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي (000-279هـ) .
14- أنساب الأشراف - تحقيق محمد حميد الله، دار المعارف بمصر سنة 1959م.
البهوتي: منصور بن يونس بن إدريس (1000-1046هـ) .
15-كشاف القناع عن متن الإقناع، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة سنة1394هـ
البوصيري: احمد بن أبي بكر بن إسماعيل (762-840هـ) .
16- إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة- مخطوط، في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (237) .
17- زوائد ابن ماجه على باقي الكتب الخمسة - مطبوع مع سنن ابن ماجه.
البيضاوي: ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي ( ... -691هـ) .
18- تفسير القرآن الكريم المسمى أنوار التنزيل وأسرار التأويل - مكتبة دار التعاون، لعباس الباز، مكة المكرمة بدون ذكر سنة الطبع.
البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله (384-458هـ) .
19- دلائل النبوة- طبع منها مجلدان، الناشر المكتبة السلفية المدينة المنورة، ط. - الأولى سنة 1389هـ.
20- دلائل النبوة - مخطوط، في مكتبة حماد بن محمد الأنصاري المدينة المنورة برقم (256) .
21- السنن الكبرى- دار صادر عن الطبعة الأولى سنة 1344هـ.
(ت)
ابن التركماني: علاء الدين علي بن عثمان بن مصطفى المارديني (673-750هـ) .
22- الجوهر النقي في الرد على البيهقي - مطبوع مع السنن الكبرى للبيهقي.
الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة (209-279هـ) .
23- السنن- تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة سنة 1384هـ.
التهانوي: محمد بن علي الفاروقي الحنفي (المتوفى في القرن الثاني عشر الهجري) .(2/752)
24-كشاف اصطلاحات الفنون- تحقيق الدكتور: لطفي عبد البديع، وترجم النصوص الفارسية الدكتور: عبد المنعم محمد حسنين، راجعه: أمين الخولي.
ابن تيمية: تقي الدين أبوالعباس أحمد بن عبد الحليم الحراني الدمشقي (661-728هـ) .
25- الصام المسلول على شاتم الرسول- تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، الناشر مكتبة تاج بطنطا، الطبعة الأولى سنة 1379هـ.
26- مجموع الفتاوى - مطابع الرياض، الطبعة الأولى سنة 1381هـ.
(ج)
الجاحظ: أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني (150-255هـ) .
27- البيان والتبيين- دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان بدون ذكر سنة الطبع.
ابن الجارود: أبو محمد عبد الله بن علي النيسابوري (000-307هـ) .
28- المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - مطبعة الفجالة الجديدة سنة 1382هـ.
ابن الجوزي: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (510-597هـ) .
29- تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التواريخ والسير - مكتبة الآداب لصاحبها علي حسن، القاهرة.
30- الوفاء بأحوال المصطفى- دار الكتب الحديثة، ط. الأولى سنة 1386هـ.
(ح)
ابن أبي حاتم: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس (240-327هـ) .
31- التفسير- مخطوط في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (280) .
32- الجرح والتعديل - دار الكتب العلمية بيروت لبنان عن الطبعة الأولى سنة 1271هـ.
33- علل الحديث - مكتبة المثنى بغداد سنة 1343هـ.
الحازمي: أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن حازم (549-584هـ) .
34- الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار - تحقيق راتب حاكمي، مطبعة الأندلس بحمص ط. الأولى سنة 1386هـ.
الحاكم: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري (321-405هـ) .
35- المستدرك على الصحيحين - الناشر مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب لصاحبها محمد أمين دمج، بدون ذكر سنة الطبع.(2/753)
ابن حبان: محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي (270-354هـ) .
36- صحيح ابن حبان - ترتيب الأمير علاء الدين الفارسي، الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، ط. الأولى سنة 1390هـ.
37- المجرزحين - تحقيق محمود إبراهيم زيد، دار المعرفة بيروت لبنان.
ابن حجر: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني (773-852هـ)
38- الإصابة في تمييز الصحابة - مطبعة السعادة ط. الأولى سنة 1328هـ.
39- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، دار المحاسن، القاهرة سنة 1386هـ.
40- تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس- مراجعة: طه عبد الرؤوف، مكتبة الكليات الأزهرية.
41- تقريب التهذيب - الناشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة.
42- تقريب التهذيب - الطبعة الهندية.
43- التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - الناشر عبد الله هاشم اليماني، المدينة المنورة سنة 1384هـ.
44- تهذيب التهذيب - دار صادر عن الطبعة الأولى سنة 1325هـ.
45- فتح الباري شرح صحيح البخاري - تحقيق عبد العزيز بن باز، المكتبة السلفية سنة 1380هـ.
46- لسان الميزان - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت لبنان ط. الثانية سنة 1390هـ.
47- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية- تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ط. الأولى سنة 1393هـ.
48- مختصر زوائد مسند البزار - مخطوط في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (816) .
49- نزهة النظر شرح نخبة الفكر- مطبعة الإستقامة، القاهرة ط. الثانية سنة 1368هـ.
50- النكت الظراف على الأطراف مع تحفة الأشراف للمزي.
51- هدي الساري مقدمة فتح الباري.
الحربي: أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن بشير (198-285هـ) .
52- كتاب المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة - تحقيق حمد الجاسر، منشورات دار اليمامة، الرياض سنة 1389هـ.
ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (384-456هـ) .
53- جمهرة أنساب العرب - تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار المعارف بمصر ط. الثالثة سنة 1391هـ.(2/754)
54- جوامع السيرة - تحقيق إحسان عباس وناصر الدين الأسد، إدارة إحياء السنة، كواجر نوالة باكستان.
55- المحلى - مكتبة الجمهورية العربية لصاحبها عبد الفتاح عبد الحميد مراد، سنة 1387هـ.
الحصيني: أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن الدمشقي تقي الدين (752-829هـ)
56- كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار- مصطفى البابي الحلبي بمصر، سنة 1356هـ.
الحلبي: علي بن إبراهيم بن أحمد أبو الحسن نور الدين (975-1044هـ) .
57- إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون (السيرة الحلبية) -دار المعرفة، بيروت لبنان، سنة 1400هـ.
الحميدي: أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى المكي (000-219هـ) .
58- المسند - تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، سنة 1381هـ.
ابن حنبل: أبو عبد الله أحمد بن محمّد (164-241هـ) .
59- المسند - دار صادرط. الأولى 1389هـ.
(خ)
الخرقي: أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله البغدادي الحنبلي (000-334هـ) .
60- المختصر في فروع الفقه الحنبلي، مع المغني لابن قدامة.
الخزرجي: أحمد بن عبد الله بن أبي الخير صفي الدين الأنصاري (900-923هـ) .
61- خلاصة تهذيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال - تحقيق محمود عبد الوهاب فايد، مطبعة الفجالة الجديدة، بدون ذكر سنة الطبع.
ابن خزيمة: أبو كبر محمد بن إسحاق السلمي النيسابوري (223-311هـ) .
62- صحيح ابن خزيمة - تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، سنة 1390هـ.
الخضري: محمد بن مصطفى الدمياطي الشافعي (1213-1287هـ) .
63- حاشية الخضري على شرح ابن عقيل- مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط الأخيرة سنة 1359هـ.(2/755)
الخطيب البغدادي: أبو بكر أحمد بن علي (392-463هـ) .
64- تاريخ بغداد - المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، بدون ذكر سنة الطبع.
65- الكفاية في علم الرواية - مطبعة السعادة ط. الأولى، بدون تاريخ.
الخطيب التبريزي: محمد بن عبد الله العمري أبو عبد الله (كان حيا - 737هـ)
66- مشكاة المصابيح - تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط. الثانية سنة 1399هـ.
ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد ولي الدين أبو زيد (732-808هـ) .
67- العبر ودوان المبتدا والخبر (تاريخ ابن خلدون) - مؤسسة حسان للطباعة والنشر سنة 1399هـ.
ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر (608-681هـ) .
68- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بدون ذكر سنة الطبع.
خليفة بن خياط: أبو عمر العصفري- الملقب (بشباب) (160-240هـ) .
69- تاريخ خليفة بن خياط - تحقيق أكرم ضيا عمري، دار القلم دمشق- بيروت ط. الثانية سنة 1397هـ.
70- كتاب الطبقات- تحقيق أكرم ضياء العمري، دار طيبة للنشر والتوزيع ط. الثانية سنة 1402هـ.
(د)
الدارقطني: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الدارقطني (306-358هـ) .
71- سنن الدارقطني- الناشر عبد الله هاشم اليماني المدني بالمدينة المنورة سنة 1386هـ.
الدارمي: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (181-255هـ) .
72- سنن الدارمي- الناشر عبد الله هاشم اليماني، المدينة المنورة سنة 1386هـ.
أبو داود: سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني (202-275هـ) .
73- السنن - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الأولى سنة 1371هـ.
74- المراسيل- مطبعة علي صبيح وأولاده، مصر، بدون ذكر سنة الطبع.
أبو داود الطيالسي: سليمان بن داود بن الجارود (133-204هـ) .
75- المسند بترتيب الساعاتي (منحة المعبود) - المكتبة الإسلامية بيروت ط. الثانية سنة 1400هـ.(2/756)
الدردير: أبو البركات أحمد بن محمد العدوي المالكي (1127-1201هـ) .
76- الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي - عيسى البابي الحلبي وشركاه، بدون ذكر سنة الطبع.
الدسوقي: محمد بن أحمد بن عرفة المالكي (000-1230هـ) .
77- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير لدردير.
الدميري: كمال الدين محمد بن موسى (742-808هـ) .
78- حياة الحيوان الكبرى - مصطفى البابي الحلبي ط. الرابعة سنة 1389هـ.
الدولابي: محمد بن أحمد أبو بشر الوراق (224-310هـ) .
79- كتاب الكنى - مطبعة مجلس دائرة المعارف، حيدر آباد الدكن، ط. الأولى سنة 1322هـ.
الديار بكري: حسين بن محمد بن الحسن (000-966هـ) .
80- تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس - مؤسسة شعبان للنشر والتوزيع بيروت، بدون ذكر سنة الطبع.
(ذ)
الذهبي: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (673-748هـ) .
81- تذكرة الحفاظ - تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، دار إحياء التراث العربي، مكة المكرمة سنة 1374هـ.
82- التلخيص على مستدرك الحاكم حاشية على المستدرك.
83- سير أعلام النبلاء- مؤسسة الرسالة بيروت، ط. الأولى سنة 1401هـ.
84- السيرة النبوية - تحقيق حسام الدين القدسي، دار الكتب العلمية بيروت - لبنان ط. الأولى 1401هـ.
85- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة- دار الكتب الحديثة، القاهرة، ط. الأولى سنة 1392هـ.
86- الكاشف - دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الأولى سنة 1403هـ.
87- المغني في الضعفاء - تحقيق نور الدين عتر، الناشر دار المعارف، سورية، حلب ط. الأولى سنة 1382هـ.
88- ميزان الاعتدال في نقد الرجال - تحقيق علي محمد البجاوي، عيسى البابي الحلبي وشركاه، ط. الأولى سنة 1382هـ.(2/757)
208- المسند - مخطوط في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، برقم (301، و302، و303، و305، و306) .
المصادر الحديثة
(أ)
أحمد إبراهيم شريف.
209- دور الحجاز في الحياة السياسية العامة في القرنين الأول والثاني الهجري - دار الفكر العربي، الأولى سنة 1968م.
أكرم ضياء العمري.
210- تعليقاته على تاريخ خليفة بن خياط.
211- مقدمة تاريخ. يعقوب بن سفيان الفسوي.
212- موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد دار القلم، دمشق، لبنان، ط. الأولى سنة 1395هـ.
الألباني: محمد ناصر الدين.
213- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل - المكتب الإسلامي، بيروت، ط. الأولى سنة 1399هـ.
214- تحقيق أحاديث مشكاة المصابيح - للخطيب التبريزي، بهامش المشكاة.
215- تحقيق أحاديث فقه السيرة لمحمّد الغزالي، بهامش فقه السيرة.
216- حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة - المكتب الإسلامي، بيروت ط. الخامسة، بدون ذكر سنة الطبع.
217- دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على البوطي - المطبعة العمومية بدمشق، سنة 1397هـ.
218- سلسلة الأحاديث الصحيحة - المكتب الإسلامي، بيروت دمشق سنة 1378هـ.
219- صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) - المكتب الإسلامي، ط. الثاني 1388هـ.
220- ضعيف الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) - المكتب الإسلامي، ط. الثانية 1399هـ.(2/758)
ابن سعد: محمد بن سعد بن منيع أبو عبد الله (كاتب الواقدي) (168-230هـ) .
98- الطبقات الكبرى - دار صادر بيروت، بدون ذكر سنة الطبع.
السفاريني: أبو العون شمس الدين محمد بن أحمد (1114-1188هـ) .
99- شرح ثلاثيات مسند أجمد- المكتب الإسلامي، دمشق ط. الأولى سنة 1380هـ
أبو السعود: محمد بن محمد العمادي الحنفي (898-982هـ) .
100- إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم (تفسير أبي السعود) - دار المصحف مكتبة عبد الرحمن محمد، القاهرة.
السهيلي: عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الأندلسي المالكي (508-581هـ) .
101- الروض الأنف - تحقيق عبد الرحمن الوكيل، دار الكتب الحديثة، القاهرة سنة 1387هـ.
ابن سيد الناس: أبو الفتح محمد بن محمد اليعمري (671-734هـ) .
102- عيون الاثر في فنون المغازي والشمائل والسير - مكتبة القدسي، القاهرة سنة 1356هـ.
السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد (849-911هـ) .
103- تاريخ الخلفاء - تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، مطبعة الفجالة الجديدة، ط. الرابعة سنة 1389هـ.
104- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي- تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، المكتبة العلمية للنمنكاني، المدينة المنورة ط. الأولى سنة 1379هـ.
105- تفسير الجلالين - مكتبة الجمهورية العربية بمصر، لصاحبها عبد الفتاح عبد الحميد مراد.
106- الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير مع فيض القدير للمناوي.
107- الخصائص الكبرى - تحقيق محمد خليل هراس، مطبعة المدني سنة 1387هـ.
108- الدر المنثور في التفسير بالمأثور- الناشر محمد أمين دمج، بيروت - لبنان بدون ذكر سنة الطبع.
(ش)
الشافعي: أبو عبد الله محمد بن إدريس (150-204هـ) .
109- الأم - دار الشعب سنة 1388-هـ.
110- المسند - مطبوع على هامش الأم.
ابن شبة: أبو زيد عمر بن شبة النميري البصري (173-262هـ) .(2/759)
111- تاريخ المدينة المنورة - الناشر السيد حبيب محمود أحمد، تحقيق فهيم محمد شلتوت.
الشمني: أبو العباس أحمد بن محمد تقي الدين (801-872هـ) .
112- مزيل الخفا عن ألفاظ الشفا للقاضي عياض - مطبوع على حاشية الشفا.
ابن أبي شيبة: أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم الكوفي (159-235هـ) .
113- التاريخ - مخطوط، في مكتبة الدراسات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة رقم (665) .
الشوكاني: أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد (1173-1250هـ) .
114- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - الناشر معروف عبد الله باسندوه، ط. الأولى سنة 1348هـ.
115- الدراري المضية شرح الدرر البهية - مطبعة مصر الحرة بدرب العوالم، ط. الأولى بدون تاريخ.
116- السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار - لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة سنة 1390هـ.
117- فتح القدير - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الثانية سنة 1383هـ.
118- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الأخيرة دون ذكر سنة الطبع.
(ص)
ابن الصلاح: أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري (577-643هـ) .
119- المقدمة مع التقيد والإضاح - الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، ط. الأولى سنة 1389هـ.
الصنعاني: محمد بن إسماعيل بن صلاح الكحلاني الأمير (1059-1182هـ) .
120- سبل السلام شرح بلوغ المرام - تحقيق محمد عبد العزيز الخولي، دار إحياء التراث العربي، ط. الرابعة سنة 1379هـ.
(ط)
ابن طاهر: مجد الدين محمد بن طاهر بن علي الحنفي الكجراتي (913-986هـ) .
121- المغني في ضبط أسماء الرجال ومعرفة كنى الرواة وألقابهم وأنسابهم - نشر دار الكتب الإسلامية، كواجر نوالة (باكستان) ط. الأولى سنة 1393هـ.
الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد (224-310هـ) .(2/760)
122- تاريخ الرسل والملوك (تاريخ الطبري) - تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر دار المعارف مصر، ط. الثانية بدون ذكر سنة الطبع.
123- تهذيب الآثار - مطابع الصفا، مكة المكرمة 1402هـ.
124- جامع البيا عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الثالثة سنة 1388هـ.
الطحاوي: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الحنفي (229-321هـ) .
125- شرح معاني الآثار - تحقيق محمد سيد جاد الحق، الناشر مكتبة الأنوار المحمدية، القاهرة، بدون ذكر سنة الطبع.
126- مشكل الآثار - دار صادر بيروت عن الطبعة الأولى سنة 1333هـ.
الطبراني: أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب (260-360هـ) .
127- المعجم الصغير - تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة سنة 1388هـ.
128- المعجم الكبير - تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، مطبعة الوطن العربي ط. الأولى سنة 1400هـ.
(ع)
ابن أبي عاصم: أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (206-287هـ) .
129- كتاب الجهاد - مخطوط، في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ضمن مجموعة (27) برقم (535) .
العامري: عماد الدين يحيى بن أبي بكر أبو زكريا الحرضي (816-893هـ) .
130- بهجة المحافل وبغية الأماثل في تلخيص السير والمعجزات والشمائل - الناشر: النمنكاني، صاحب المكتبة العلمية بالمدينة المنورة بدون تاريخ.
عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني (213-290هـ) .
131- زوائد المسند:
عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (000-1258هـ) .
132- فتح المجيد شرح كتاب التوحيد - تحقيق محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، ط. السابعة سنة 1377هـ.
عبد الرزاق بن همام أبو بكر الصنعاني (126-211هـ) .
133- المصنف - تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المجلس العلمي، كراتشي سنة 1390هـ.(2/761)
ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري (368-463هـ) .
134- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، على هامش الإصابة لابن حجر.
135- التقصي لحديث الموطأ وشيوخ مالك، أو تجريد التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، بدون ذكر سنة الطبع.
عبد بن حميد بن نصر أبو محمد الكسي (000-249هـ) .
136- المسند - مخطوط، في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (322 و323) .
أبو عبيد: القاسم بن سلام البغدادي (150-224هـ) .
137- كتاب الأموال - تحقيق محمد خليل هراس، ط. الأولى سنة 1388هـ.
العراقي: أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين (725-806هـ) .
138- التبصرة والتذكرة (شرح ألفية العراقي) - المطبعة الجديدة بفاس سنة 1354هـ.
ابن العربي: أبو بكر محمد بن عبد الله الأشبيلي (468-543هـ) .
139- أحكام القرآن - دار المعرفة بيروت لبنان.
ابن عقيل: بهاء الدين عبد الله بن عبد الرحمن المصري (698-769هـ) .
140- شرح ابن عقيل على ألفية بن مالك - تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة بمصر، ط. الرابعة عشرة سنة 1384هـ.
العلائي: أبو سعيد صلاح الدين خليل بن كيكلدي (694-761هـ) .
141- جامع التحصيل في أحكام المراسيل - تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، ط. الأولى سنة 1398هـ.
أبو عوانة: يعقوب بن إسحاق السفراييني (230-316هـ) .
142- مسند أبي عوانة - مطبعة مجلس دائرة المعارف، الهند ط. الأولى سنة 1385هـ.
عياض بن موسى بن عياض أبو الفضل اليحصبي السبتي (496-544هـ)
143- مشارق الأنوار على صحاح الآثار - المكتبة العتيقة، تونس، بدون ذكر سنة الطبع.
144- الشفا بتعريف حقوق المصطفى - دار الفكر بيروت، بدون ذكر سنة الطبع.
(ف)
ابن الفراء: محمد بن محمد بن الحسين أبو الحسين القاضي (457-527هـ) .
145- طبقات الحنابلة - الناشر دار المعرفة بيروت، بدون ذكر سنة الطبع.
الفسوي: أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفارسي (191-277هـ) .
146- المعرفة والتاريخ - تحقيق أكرم ضياء العمري، مطبعة الإرشاد بغداد سنة 1394هـ.
ابن فهد المكي: تقي الدين محمد بن محمد الهاشمي العلوي (787-871هـ) .(2/762)
147- لحظ الألحاظ بذيل طبقة الحفاظ للذهبي.
الفيروز آبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب (729-817هـ) .
148- القاموس المحيط - مؤسسة الحلبي، القاهرة بدون ذكر سنة الطبع.
الفيومي: أبو العباس أحمد بن محمد بن علي الحموي (000-770هـ) .
149- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي - دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان سنة 1398هـ.
(ق)
ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري (213-276هـ) .
150- المعارف - دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان، ط. الثانية سنة 1390هـ.
ابن قدامة: أبومحمد موفق الدين عبد الله بن أحمد المقدسي (541-620هـ)
151- الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار - تحقيق علي يوسف نويهض، دار الفكر سنة 1391هـ.
152- المغني في اختصار الخرقي - مكتبة الجمهورية العربية بمصر لصاحبها عبد الفتاح عبد الحميد مراد، بدون ذكر سنة الطبع.
القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر الأندلسي (000-671هـ) .
153- الجامع لأحكام القرآن - دار إحياء التراث العربي، بيورت - لبنان سنة 1965م.
القسطلاني: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد الخطيب (851-923هـ) .
154- إرشاد الساري، شرح صحيح البخاري - المطبعة المنيرة بولاق، ط. السابعة سنة 1323هـ.
155- المواهب اللدنية بالمنح المحمدية - دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، بدون ذكر سنة الطبع.
القلقشندي: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن علي (756-821هـ) .
156- قلائد الجمان في التعريف بقيائل عرب الزمان - تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب الحديثة، ط. الأولى سنة 1383هـ.
157- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب - تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط. الثانية سنة 1400هـ.
ابن قيم الجوزية: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الرازي الدمشقي (691-751هـ) .(2/763)
158- أعلام الموقعين عن رب العالمين - تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية سنة 1388هـ.
159- إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان - تحقيق محمد حامد الفقي، دار المعرفة بيروت - لبنان.
160- التبيان في أقسام القرآن - مكتبة الرياض الحديثة، بدون ذكر سنة الطبع.
161- تهذيب سنن أبي داود على حاشية عون المعبود.
162- زاد المعاد في هدي خير العباد - تحقيق شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة ط. الأولى سنة 1399هـ.
(ك)
ابن كثير: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي (701-774هـ)
163- البداية والنهاية - مكتبة المعارف، بيروت ط. الثانية سنة 1974م.
164- تفسير القرآن العظيم - عيسى البابي الحلبي، بذون ذكر سنة الطبع.
الكلاعي: أبو الربيع سليمان بن موسى الحميري البلنسي (565-634هـ) .
165- الاكتفاء في مغازي المصطفى والثلاثة الخلفاء - تحقيق مصطفى عبد الواحد، مكتبة الخانجي، القاهرة سنة 1387هـ.
ابن الكلبي: أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب (000-204هـ) .
166- كتاب الأصنام - تحقيق أحمد زكي، الدار القيمة، القاهرة سنة 1384هـ.
(م)
ابن ماجه: أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (207-275هـ) .
167- سنن ابن ماجه - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، عيسى البابي الحلبي سنة 1373هـ.
مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، أبو عبد الله إمام دار الهجرة (93-179هـ) .
168- المدونة الكبرى - دار صادر، بيروت، بدون ذكر سنة الطبع.
169- الموطأ - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان بدون ذكر سنة الطبع.
المتقى الهندي: علاء الدين علي بن حسام الدين (885-975هـ) .
170- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال - مجلس دائرة المعارف، الهند ط. الثانية.
171- منتخب كنز العمال، مطبوع مع مسند الإمام أحمد.(2/764)
أبو المحاسن: محمد بن علي الحسني (715-765هـ) .
172- ذيل تذكرة الحفاظ للذهبي.
محمد بن حبيب البغدادي الأخباري (000-245هـ) .
173- المنمق في أخبار قريش - مجلس دائرة المعارف، الهند ط. الأولى سنة 1384هـ.
محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (000-665هـ) .
174- مختار الصحاح - مكتبة الغزالي، حماة سنة 1390هـ.
ابن المديني: علي بن عبد الله بن جعفر أبو الحسن السعدي (161-234هـ) .
175- العلل - تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي سنة 1392هـ.
المرداوي: علاء الدين أبوالحسن علي بن سليمان (817-885هـ) .
176- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل - تحقيق محمد حامد الفقي، دار إحياء التراث العربي، ط. الثانية سنة 1400هـ.
المرغيناني: أبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل (544-593هـ) .
177- الهداية شرح بداية المبتدي - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الأخيرة بدون ذكر سنة الطبع.
المزني: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني الشافعي (175-264هـ) .
178- مختصر المزني. مطبوع مع الأم للإمام الشافعي.
المزي: جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن (654-742هـ) .
179- تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف- تحقيق عبد الصمد شرف الدين، الدار القيمة، الهند، سنة 1384هـ.
180- تهذيب الكمال في أسماء الرجال - طبع منه ثلاث مجلدات، مؤسسة الرسالة، ط. الأولى سنة 1402هـ.
181- تهذيب الكمال في أسماء الرجال - مخطوط، في مكتبة الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري (206-261هـ) .
182- الصحيح - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، عيسى البابي الحلبي ط. الأولى سنة 1374هـ.
المقدسي: بهاء الدين أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم السعدي (556-624هـ) .
183- العدة شرح العمدة في فقه الإمام أحمد بن حنبل - المطبعة السلفية ومكتبتها، ط. الثانية 1382هـ.
المقدسي: أبو الفتح نصر بن إبراهيم النابلسي (377-490هـ) .(2/765)
184- تحريم نكاح المتعة - حققها وخرج أحاديثها حماد الأنصاري، مطبعة المدني 1396هـ.
المناوي: محمد بن عبد الرؤوف القاهري الشافعي (952-1031هـ) .
185- فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي - دار المعرفة، بيروت لبنان، ط. الثانية 1391هـ.
ابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري (630-711هـ) .
186- لسان العرب - الدار المصرية للتأليف والترجمة، بدون ذكر سنة الطبع.
(ن)
ابن النجار: أبو عبد الله محمد بن محمود بن حسن البغدادي (578-643هـ) .
187- ذيل تاريخ بغداد، ذيل به على تاريخ الخطيب البغدادي - الناشر: المكتبة الإمدادية، باب العمرة، مكة المكرمة.
النابلسي: عبد الغني بن إسماعيل الحنفي الدمشقي (1050-1143هـ) .
188- ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث - دار المعرفة بيروت- لبنان، بدون ذكر سنة الطبع.
النسائي: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن عليّ بن بحر (214-303هـ) .
189- سنن النسائي. (المجتبى) - مصطفى البابي الحلبي، ط. الأولى سنة 1383هـ.
أبو نعيم: أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني (336-430هـ) .
190- حلية الأولياء - الناشر مكتبة الخانجي بمصر، بدون ذكر سنة الطبع.
191- دلائل النبوة - دار المعرفة بيروت - لبنان، سنة 1397هـ.
النووي: أبو زكريا محيى الدين بن شرف الشافعي (631-676هـ) .
192- التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير (تقريب النووي مع تدريب الراوي للسيوطي) .
193- رياض الصالحين - المكتب الإسلامي، بيروت، الأولى سنة 1399هـ.
194- شرح صحيح مسلم - تحقيق عبد الله أحمد أبو زينة، دار الشعب سنة 1390هـ.
195- المجموع شرح المهذب - الناشر زكريا علي يوسف، مطبعة الإمام، بدون ذكر سنة الطبع.
196- المقدمة على شرح صحيح مسلم.
النويري: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الوهاب (677-733هـ) .
197- نهاية الأرب في فنون الأدب - المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة.(2/766)
(و)
الواحدي: أبو الحسن علي بن أحمد النيسابوري (000-468هـ) .
198- أسباب النزول - دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان سنة 1395هـ.
الواقدي: أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي (130-207هـ)
199- المغازي - تحقيق مارسدن جونسن، عالم الكتب، بيروت، بدون ذكر سنة الطبع.
(هـ)
ابن هبيرة: أبوالمظفر عون الدين يحيى بن محمد بن هبيرةالشيباني (499-560هـ)
200- الإفصاح عن معاني الصحاح - المؤسسة السعدية، الرياض، بدون ذكر سنة الطبع.
ابن هشام: أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري (000-218هـ) .
201- السيرة النبوية (سيرة ابن هشام) - مصطفى البابي الحلبي، ط. الثانية سنة 1375هـ.
ابن هشام: أبو محمد عبد الله بن يوسف جمال الدين الأنصاري (708-761هـ) .
202- شرح قطر الندى وبل الصدى - تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة مصر، ط. العاشرة سنة 1379هـ.
الهيثمي: أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان (735-807هـ) .
203- كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة - تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط. الأولى سنة 1399هـ.
204- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - الناشر دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، ط. الثانية سنة 1967م.
205- موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان - تحقيق محمد عبد الرزاق حمزة، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، بدون ذكر سنة الطبع.
206- مجمع البحرين في زوائد المعجمين - مخطوط في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (77) .
(ي)
ياقوت بن عبد الله شهاب الدين الحموي الرومي البغدادي (000-626هـ) .
207- معجم البلدان - دار صادر بيروت، بدون ذكر سنة الطبع.
أبو يعلى الموصلي: أحمد بن علي بن المثنى التميمي (210-307هـ) .(2/767)
208- المسند - مخطوط في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، برقم (301، و302، و303، و305، و306) .
المصادر الحديثة
(أ)
أحمد إبراهيم شريف.
209- دور الحجاز في الحياة السياسية العامة في القرنين الأول والثاني الهجري - دار الفكر العربي، الأولى سنة 1968م.
أكرم ضياء العمري.
210- تعليقاته على تاريخ خليفة بن خياط.
211- مقدمة تاريخ. يعقوب بن سفيان الفسوي.
212- موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد دار القلم، دمشق، لبنان، ط. الأولى سنة 1395هـ.
الألباني: محمد ناصر الدين.
213- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل - المكتب الإسلامي، بيروت، ط. الأولى سنة 1399هـ.
214- تحقيق أحاديث مشكاة المصابيح - للخطيب التبريزي، بهامش المشكاة.
215- تحقيق أحاديث فقه السيرة لمحمّد الغزالي، بهامش فقه السيرة.
216- حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة - المكتب الإسلامي، بيروت ط. الخامسة، بدون ذكر سنة الطبع.
217- دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على البوطي - المطبعة العمومية بدمشق، سنة 1397هـ.
218- سلسلة الأحاديث الصحيحة - المكتب الإسلامي، بيروت دمشق سنة 1378هـ.
219- صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) - المكتب الإسلامي، ط. الثاني 1388هـ.
220- ضعيف الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) - المكتب الإسلامي، ط. الثانية 1399هـ.(2/768)
الأهدل: محمد عبد الرحمن شميلة.
221- مرويات نكاح المتعة - مطبوع على الآلة الكاتبة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
(ب)
باشميل: محمد أحمد.
222- غزوة حنين - دار الفكر، ط. الثانية 1397هـ.
البلادي: عاتق بن غيث.
223- معالم مكة التاريخية والأثرية - دار مكة للنشر والتوزيع، ط. الأولى سنة 1400هـ.
224- معجم المعالم الجغرافية في اليسرة النبوية - دار مكة للنشر والتوزيع، ط. الأولى سنة 1402هـ.
225- نسب حرب - مكتبة دار البيان، ط. الأولى سنة 1397هـ.
البوطي: محمد سعيد رمضان.
226- فقه السيرة - دارالفكر، دمشق، ط. الثانية سنة 1400هـ.
ابن بليهد: محمد بن عبد الله بن عثمان النجدي.
227- صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار - مراجعة وضبط محمد محيى الدين عبد الحميد، ط. الثانية 1392هـ.
(ج)
الجزائري: أبو بكر جابر الجزائري.
228- منهاج المسلم - مطبعة الدعوة بالمدينة المنورة، ط. الأولى سنة 1385هـ.
الجزيري: عبد الرحمن الجزيري.
229- كتاب الفقه على المذاهب الأربعة - المكتبة التجارية الكبرى بمصر سنة 1969م.
(ح)
حبيب الرحمن الأعظمي.
230- تحقيقاته على مسند الحميدي.
حمد إبراهيم بن عبد الله الحقيل.
231- كنز الأنساب ومجمع الآداب - ط. السابعة سنة 1400هـ.
حمد الجاسر.
232- تحقيقاته على كتاب المناسك للحربي.(2/769)
233- في سراة غامد وزهران - منشورات دار اليمامة، للبحث والترجمة، الرياض.
حمدي عبد المجيد السلفي.
234- تحقيقاته على المعجم الكبير للطبراني.
(خ)
الخضري: محمد الخضري بك.
235- نور اليقين في سيرة سيد المرسلين - دار التعاون للنشر والتوزيع، لصاحبها عباس أحمد الباز، مكة المكرمة ط. الثالثة والعشرون سنة 1967م.
ابن خميس: عبد الله بن محمد.
236- المجاز بين اليمامة والحجاز - منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الرياض.
(د)
الدومي: أحمد عبد الجواد.
237- الإتحافات الربانية بشرح الشمائل المحمدية للإمام الترمذي - المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ط. الأولى سنة 1381هـ.
(س)
الساعاتي: أحمد عبد الرحمن البنا.
238- الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد ابن حنبل الشيباني - دار الشهاب، القاهرة، بدون ذكر سنة الطبع.
240- أسواق العرب في الجاهلية والإسلام - دار الفكر، دمشق، ط. الثانية سنة 1379هـ.
(ش)
الشنقيطي: محمد الأمين بن محمد المختار الجكني.
241- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - مطبعة المدني، لصاحبها علي صبحي المدني، سنة 1386هـ.(2/770)
(ص)
الصابوني: محمد علي الصابوني.
242- التبيان في علوم القرآن - دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط. الأولى سنة 1390هـ.
243- روائع البيان تفسير آيات الأحكام من القرآن - دار القرآن الكريم، مكة المكرمة، سنة 1391هـ.
صادق إبراهيم عرجون.
244- كتاب خالد بن الوليد - الناشر مكتبة الكليات الأزهرية، ط. الثانية سنة 1378هـ.
(ع)
عبد الله بن عبد الرحمن آل بسام.
245- تيسير العلام شرح عمدة الأحكام - مطبعة المدني، سنة 1380هـ.
عبد الله بن محمد الغنيمان.
246- دليل القارئ إلى مواضع الحديث في صحيح البخاري - دار الأصفهاني للطباعة بجدة.
الأرناؤوط: عبد القادر.
247- تحقيقه على جامع الأصول لابن الأثير.
عبد القدوس الأنصاري.
248- بين التاريخ والآثار - ط. الأولى سنة 1969م بيروت.
عبد المحسن العباد، وعبد الكريم مراد.
249- من أطيب المنح في علم المصطلح - شركة المدينة للطباعة والنشر، جدة سنة 1386هـ.
العياشي: إبراهيم بن علي.
250- المدينة بين الماضي والحاضر - المكتبة العلمية، بالمدينة المنورة للنمنكاني.
(ف)
فؤاد حمزة.
251- قلب جزيرة العرب - المطبعة السلفية ومكتبتها، لمحب الدين الخطيب، سنة 1352هـ.(2/771)
(ق)
قريبي: إبراهيم بن إبراهيم.
252- مرويات غزوة بني المصطلق - الناشر الجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة.
(ك)
الكاندهلوي: محمد زكريا.
253- أوجز المسالك إلى موطأ مالك - دار الفكر بيروت، ط. الثالثة سنة 1393هـ.
الكتاني: محمد جعفر.
254- الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة - الناشر: نور محمد، سنة 1379هـ.
كحالة: عمر رضا كحالة.
255- معجم قبائل العرب - مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، ط. الثانية سنة 1398هـ.
256- معجم المؤلفين - الناشر مكتبة المثنى، بيروت، دمشق، سنة 1376هـ.
الكشميري: محمد أنور الديوبندي.
257- فيض الباري على صحيح البخاري - دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، بدون ذكر سنة الطبع.
(م)
المباركفوري: أبو العلى محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم.
258- تحفة الأحوذي، بشرح جامع الترمذي - مطبعة المدني، القاهرة، ط. الثانية سنة 1383هـ.
259- مقدمة تحفة الأحوذي.
محمد حسين العقبي.
260- تكملة المجموع للنووي.
محمد خليل هراس.
261- تحقيقاته على الخصائص الكبرى للسيوطي بهامش الخصائص.
محمد بن سعيد بن حسن كمال.
262- مجلة العرب - السنة الثالثة، الجزء التاسع، شهر ربيع الأول سنة 1389هـ في أثناء بحث له في قبيلة عتيبة.
محمد شمس الحق العطيم آبادي.
263- عون المعبود شرح سنن أبي داود - الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، ط. الثانية سنة 1388هـ.(2/772)
محمد عبد الرزاق حمزة.
264- مقدمة موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان - لنور الدين الهيثمي.
محمد فؤاد عبد الباقي.
265- تعليقاته على صحيح مسلم.
محمد بن محمد مخلوف.
266- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية - دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، سنة 1350هـ.
محمد مصطفى الأعظمي.
267- تعليقاته على صحيح بن خزيمة بهامش صحيح ابن خزيمة.
محمد أبو زهرة.
268- خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم - طبع على نفقة خليفة بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر.
محمود شيت خطاب.
269- الرسول القائد - دار مكتبة الحياة ومكتبة النهضة، بغداد، ط. الثانية سنة 1960م.
المراغي: أحمد مصطفى المراغي بك.
270- تفسير المراغي - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر ط. الخامسة سنة 1394هـ.
محمد خفاجي ومحمد أبوالفضل إبراهيم ومحمود النواوي.
271 - مقدمة صحيح البخاري.
إبراهيم أنيس وعبد الحليم منتصر وعطية الصوالحي ومحمد خلف الله أحمد.
272- المعجم الوسيط - دار إحياء التراث العربي، ط. الثانية 1392هـ.
محمود السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شبلي.
273- تعليقاتهم على سيرة ابن هشام.(2/773)