المجلد الأول
مقدمة
...
شكر وتقدير
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وحده تتحقق جلائل المهمات، وعليه وحده الاتكال في جميع الملمات، وبعد:
فإني أشكر في هذه الكلمة أستاذي الدكتور أكرم ضياء العمري على جهوده الموفقة مع جميع أبنائه الطلاب عموماً، وعلى ما أولاني من بالغ عنايته، وشديد حرصه، وما قدمه لي من التوجيه والإرشاد، وغزير الفوائد العلمية من أجل إخراج هذا البحث على الوجه العلمي المطلوب، وهذا دأب شيخنا الكبير في إعانة تلاميذه بفوائده العلمية، وفرائده التوجيهية من الناحية الشكلية والموضوعية، وما كان يبخل بزمنه المليء بالأعمال العلمية المتعددة، ولا بتوجيهاته أو تنبيهاته على سهو غفلت عنه، أو غلط وقعت فيه، أو فكرة نادّة لم أكن متنبها لها.
ولا أجد كلمة تفي بشكره، وتعبر عما تكنه نفسي له من عرفان بالجميل وتقدير لعطائه العلمي، غير أن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أرشدنا إلى ما يكون المناسب في مثل هذا المقام فقال: "ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه1 به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه" 2.
وانطلاقاً من هذا المبدأ، فإني سأظل – إن شاء الله تعالى – داعياً له بالتوفيق وازدياد العلم النافع والعمل الصالح، والله - جل وعلا - يقول: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} 3.
وأشكر القائمين على الجامعة الإسلامية الذين سعوا ويسعون جادّين لتيسير سبل طلب العلم الشرعي لأبناء العالم الإسلامي، وأسأل الله أن يعينهم على
____________________
1 سقطت النون في أكثر روايات هذا الحديث بلا ناصب ولا جازم، ولعلها سقطت تخفيفاً، وقد ثبتت في رواية الإمام أحمد.
2 أبو داود: السنن 1/389 كتاب الزكاة، باب عطية من سأل بالله عز وجل. والنسائي: السنن 5/61 كتاب الزكاة، باب من سأل بالله عز وجل. وأحمد: المسند2/68، 95 - 96، 99، 127 الجميع من حديث عبد الله بن عمر. وصححه النووي كما في رياض الصالحين ص605 حديث 1731.
3 سورة الكهف - آية: 30.(1/5)
مساعيهم الحميدة، وأن يجنبهم كل مكروه، وأن يزيد هذا الصرح العلمي الشامخ مزيداً من التقدم والازدهار مادياً وأدبياً في ظل هذه الحكومة المباركة التي تعنى بقضايا الإسلام والمسلمين في كل أنحاء المعمورة، ومن براهين عنايتها الفائقة بتضامن المسلمين وحل مشكلاتهم واتفاق كلمتهم دعمها لهذه الجامعة العلمية العظيمة بكل ما تحتاج إليه من وجوه الدعم المختلفة، ولا شك أن هذه الجامعة قد امتد نفعها وتأثيرها في العالم كله، ممّا يكون في ميزان حسنات هذه الدولة الرشيدة، بل ذلك من أكبر حسناتها، وأجلّ أعمالها التي يعود نفعها وخيرها على المسلمين جميعاً.
فجزاهم الله خير الجزاء، وسدد خطاهم، ووفقهم إلى ما فيه تقدم المسلمين واستعادة مجدهم، وحقق لهم ما يصبون إليه من تضامن العالم الإسلامي على هدي الكتاب والسنة وسبيل سلف الأمة، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلاّ ما صلح به أولها.
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} ، [سورة العنكبوت، الآية: 69] .
وفي ختام هذه الكلمة أتوجه بالشكر والتقدير على وجه العموم لكل من كان له مشاركة في إخراج هذا البحث، وأعانني عليه من جميع الأساتذة والإخوة الزملاء وغيرهم من الإخوة الفضلاء، شكر الله للجميع عونهم ودعمهم، وجزاهم الله خير الجزاء.
والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على عبده ورسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين. والله الهادي إلى سواء السبيل.(1/6)
المقدِّمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فقد هيأ الله لي أن أكون من طلبة علوم السنة النبوية، وأن أسهم في دراسة السيرة النبوية الطاهرة، فكانت البداية أن تقدمت بدراسة غزوة (بني المصطلق) دراسة علمية متخصصة، أحسبها الأولى من نمطها في تجلية حقائق تلك الغزوة، وبيان أحداثها التاريخية، وعبرها وأحكامها، وغير ذلك ممّا له صلة بها، وكانت تلك أطروحتي لنيل شهادة العالمية (الماجستير) ، وكان لتلك التجربة - بالنسبة لي- صداها العميق في نفسي، حيث ارتبطت تَوَجُّهاتي العلمية بخدمة سيرة أحب الخلق إلى الله وأكرمهم عليه، تلك السيرة النقية الحقيقة بالحب والإكبار، الجديرة بالبحث العلمي الجادّ الذي يرسي حقائقها، وينفي عنها الزَبَد1 ليذهب جُفاء2 ويمكث ما ينفع الناس.
ولن يتم ذلك إلا بعد التطواف العلمي الحثيث القائم على مناهج المحدِّثين وطرق تقويمهم للحديث النبوي الشريف، وصولاً إلى نتائج علمية محققة، ينتفع بها الدارسون لهذه السيرة العظيمة العطرة، ويزدادون اطمئناناً ويقيناً بهذا الجانب الخطير من جوانب حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وفي طليعة هذا التقديم أود أن أشير إلى أهم القضايا التي يحسن أن أتناولها فيه، وستكون على النحو الآتي:(1/7)
أ - دراسة السيرة واجب إسلامي:
إن إبراز مكانة السيرة النبوية، وإظهار عظمتها في العصر الحديث لهو من الأمور الضرورية في مواجهة تحديات هذا العصر المتكاثرة، ذلك أن عصرنا الحاضر يقوم على مناهج تربوية مؤثِّرة في صبغ الأجيال الصاعدة بصبغة جاهلية معاصرة، في الأعم الأغلب، وقد شمل هذا الفكر التربوي والأدبي أجيال المسلمين، وتغلغل في نفوسهم، واحتل مكان الصدارة في التوجيه والتأثير، وفقدت الأجيال - أو كادت - ثقتها لتراثها، واشتدت الهجمات القوية العنيفة على علوم الإسلام وحضارته، بما في ذلك التشكيك في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، مستغلين في ذلك بعض الروايات الضعيفة والحكايات الغريبة، والمبالغات الشاطحة، التي لم يقم عليها دليل، ولم يسندها عقل، ولم تثبت بنقل فكان لزاماً على الدارسين المختصين أن يولوا هذه السيرة الزكية بالغ اهتمامهم، جمعاً ودراسة وتمحيصاً وتحقيقاً مستندين في ذلك إلى قواعد المحدثين في الجرح والتعديل لكشف العلل الغامضة فيها، وبيان الصحيح من الضعيف في نصوصها.
وإذا كان مصطلح الحديث قد طبق تطبيقاً رائعاً في تقويم الأحاديث النبوية والحكم لها أو عليها، من خلال دراسة الأسانيد والمتون، فإن ذلك لم يطبق مثله أو قريباً منه في دراسة السيرة النبوية وأحداثها وغزواتها، إلى غير ذلك من قضاياها العديدة.
هذا جانب من جوانب دراسة السيرة.
والجانب الآخر هو الجانب التحليلي المعاصر، الذي يعنى فيه الدارس بتجلية حقائق السيرة النبوية من الناحية الفكرية والتربوية والفقهية بأسلوب قوي أخّاذ, يهدف إلى تحبيب الناس في هذه السيرة، وترغيب الأجيال في الإقبال عليها والاقتداء بصاحبها العظيم عليه الصلاة والسلام، وإبراز جوانبها المشرقة، ووقفاتها المضيئة، وأشهد أنني لم أقم بشيء يذكر في هذا الجانب؛ لأن الأصل في بحثي تحقيق نصوص السيرة من الوجهة الحديثية الصرفة، ولأن الوقت لا يساعد على الجمع بين الحسنين، ولكني أقرر أن هذا واجب عظيم تجاه خدمة هذه السيرة المباركة.(1/8)
ولا أنسى أن أنوّه1 بدراسة جيدة بدأت في هذا الجانب لبعض المهتمين بقضايا الدعوة الإسلامية في هذا العصر2، ولكن الأمر يحتاج إلى المزيد الذي يغطي جوانب هذه السيرة تغطية كاملة.
وإغفال هذا الجانب التحليلي في دراسة السيرة النبوية خطأ جسيم في حق السيرة، وترك لواجب يفرضه الواقع المعاصر، وتقتضيه حاجة الأجيال الملحة.
ب - كلمة عن السيرة وضرورة التكامل في دراستها:
لفظ السيرة يراد به في اللغة: السنة والطريقة والهيئة، يقال: سار بهم سيرة حسنة، وسار في الناس سيرة حسنة أو قبيحة3.
والسيرة على هذا تشمل في مدلولها اللغوي المنهج والطريقة التي يتبعها الراعي في رعيته، والرجل في أهله4.
كما تطلق السيرة على الهيئة والحالة.
وبتأمل إطلاقات العلماء للفظ السيرة، يظهر أن السيرة مرّت في مدلولها الاصطلاحي بتطورات علمية بارزة، فبالنظر في صنيع العلماء الذين عنوا بتسجيل غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسراياه، وما يتبع ذلك من شؤون الحرب بين المسلمين وأعدائهم في العهد الأول، مثل عروة بن الزبير وأبان5 بن عثمان بن عفان، ومحمد بن شهاب الزهري، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم.
____________________
1 نوهت بالشيء، ونوهته تنويهاً رفعته ونوهت باسمه، رفعت ذكره. (لسان العرب 17/442)
2 وذلك مثل: فقه السيرة للغزالي، وفقه السيرة للبوطي، والسيرة النبوية للندوي، والسيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة لأبي شهبة، ودراسة في السيرة للدكتور عماد الدين خليل، والسيرة النبوية دروس وعبر للدكتور مصطفى السباعي، وخاتم النبيين لمحمد لأبي زهرة، وسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمحمد عزة دروزة. ولكن الموضوع بحاجة إلى جهود أكثر.
(لسان العرب لابن منظور 6/56) ، و (مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر الرازي ص 325) ، و (المصباح المنير لأحمد ابن محمد الفيومي 1/353) ، و (القاموس المحيط لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي 2/54) .
(دي الساري: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ص136) .
5 وفاته سنة (105هـ) . (التقريب 1/31) .(1/9)
ثم من جاء بعدهم أمثال: موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وأبو معشر1 السندي، وشرحبيل2 بن سعد، والأربعة من تلاميذ الزهري، ثم محمد بن عمر الواقدي، ومحمد بن سعد، ثم المؤرخ العظيم الإمام الطبري، وغيرهم من أئمة السير والمغازي القدامى الذين هم الأصل في هذا العلم.
يتبيّن للناظر في تآليفهم العلمية أنهم يخصون لفظ السيرة بالغزوات والسرايا في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وما يقع فيها من قضايا متعددة الجوانب، لذلك قال الفيومي: "وغالب اسم السيرة في ألسنة الفقهاء على المغازي"3.
وهذا المدلول الاصطلاحي استمر في الأدوار التاريخية المتلاحقة فإذا أطلق هذا اللفظ انصرف الذهن إلى الغزوات والسرايا وما له صلة بها قبل المعركة وبعدها.
وهناك مصادر أساسية جعلت السيرة بهذا المدلول جزءاً من موضوعاتها وبحوثها، مثل: "دلائل النبوة" للبيهقي، فقد ذكر مباحث السيرة في ثنايا عرضه لما يتصل بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وممّن جرى على هذا المنوال من المتأخرين: ابن سيد4 الناس في كتابه "عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير"، وأبو زكريا يحيى بن أبي بكر العامري في كتابه "بهجة المحافل وبغية الأماثل في تلخيص السير والمعجزات والشمائل"، وشهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني في كتابه "المواهب اللدنية بالمنح المحمدية"، فهذه الكتب جمعت بين الشمائل، وهي الصفات الخُلقية5 والخلقية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبين الدلائل وهي البراهين على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم، وبين السرايا والمغازي التي تمت في حياته - صلى الله عليه وسلم - وهذا الصنيع أقرب إلى مدلول لفظ السيرة من الوجهة اللغوية، لأن السيرة في اللغة العربية تدور على معنيين:
____________________
1 أبو معشر السندي: هو نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني، مولى بني هاشم، مشهور بكنيته، توفي سنة (170هـ) . (التقريب 2/298) .
2 شرحبيل بن سعد، أبو سعد المدني، مولى الأنصار (ت123هـ) (التقريب 1/348) .
(المصباح المنير 1/353) .
4 هو أبو الفتح اليعمري محمد بن محمد.
5 الخلق- بضم الخاء واللام وسكونهما-: الدين والطبع والسجية، وحقيقته أنه لصورة الإنسان الباطنة، وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها. والخلق- بفتح الخاء وسكون اللام-: صورة الإنسان الظاهرة وأوصافها ومعانيها. (النهاية لابن الأثير 2/70) .(1/10)
الأول: الطريقة والمنهج والسنة المتبعة.
والثاني: الهيئة والحالة والصفات الجبليّة1 والكسبية.
وعلى هذا يمكن القول بأن مصطلح السيرة شامل لجميع ما يتصل بتطبيقات الرسول - صلى الله عليه وسلم - العملية للإسلام، وهذا المعنى العام يمكن أن يلحظه الباحث عند بعض العلماء الأجلاء مثل الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه العظيم (زاد المعاد في هدي خير العباد) فهو كتاب جامع لسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في السلم والحرب وفي العبادة والمعاملة، وفي بيته مع أهله وخدمه، ومع سائر الناس، فكان رصدا كاملا لجميع جوانب السيرة النبوية بالمعنى العام مع التحليل والاستنباط والمناقشة والتحقيق، وهي صفات أساسية في دراسة ابن قيم الجوزية رحمه الله، وهو وإن لم يجعل كتابه معنونا بالسيرة، إلاّ أن إدخاله للسيرة ضمن هديه - صلى الله عليه وسلم - المتعدد الجوانب يدل على نظرة دقيقة إلى مفهوم السيرة عنده، ممّا يشير إلى التدرج العلمي والفكري في مسالك العلماء المختلفة لمعالجة قضايا السيرة النبوية.
وقد ذكر أئمة الحديث مباحث الغزوات والسرايا في جملة مصنفاتهم ولكن أئمة السير والمغازي الذين أفردوها بالتصنيف المستقل كانوا أكثر استقراء واستيعابا للمغازي والسير من غيرهم، لذلك صاروا أئمة في هذا الشأن يرجع إليهم فيه.
ولا شك أن تتبع هذه المصادر المختلفة لاستخراج ما له صلة بغزوة من الغزوات يحتاج من الباحث إلى زمن كاف، وجهد متواصل في كتب التراث ودواوينه2 الواسعة، لأن مباحث السيرة النبوية لم تقتصر على كتب معينة خاصة بها.
ومن هنا تكون مهمة الباحث المعاصر في هذا الميدان أن يتنبه لهذه الحقيقة العلمية، وأن يدرك اختلاف طرائق العلماء في تناول مباحث السيرة النبوية في تصانيفهم، وما طرأ عليها من إضافات وتضخيمات بمعزل عن الصواب والحق، ذلك
____________________
1 الجبلة - بكسرتين وتثقيل اللام -: الطبيعة والخليقة والغريزة بمعنى واحد. وجبله الله على كذا من باب قتل، فطره عليه. (المصباح المنير للفيومي 1/110-111) . والمراد بذلك الصفات التي فطر الله الإنسان عليها. والصفات الكسبية هي التي تأتي بالتمرن عليها ومعالجة الإنسان نفسه عليها.
2 جمع ديوان هو مجتمع الصحف، والكتاب يكتب فيه أهل الجيش ويجمع أيضا على دياوين، وأول من وضعه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. (القاموس المحيط 4/224) .(1/11)
أن بعض المصادر المتأخرة لم تخل من إضافات تخالف الواقع التاريخي للسيرة النبوية، وتخالف روح الإسلام ونصوص القرآن والسنة، ممّا جعل السبيل ممهدة أمام المستشرقين وغيرهم أن يشككوا في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وقد اشتملت كتب الشمائل والتواريخ المتأخرة عن عهود التدوين – إلاّ القليل النادر منها – على تهاويل كثيرة تذكر قبل مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - زاعمين أنها إرهاصات1 لنبوته، وتذكر في أثناء مولده وبعد ولادته، وهي أخبار غريبة ومبالغات مرتجلة2 لا أساس لها من الصحة يجب تنقية السيرة منها، وبيان زيفها، وقد تلقفها جمهور المسلمين وتناشدوها في حفلات الموالد وسجلوها في أشعار المديح والإطراء للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكلها أخبار واهية، إما إسرائيليات وإما من نسج الخيال وإنشاء المداحين والقصاصين ومن على شاكلتهم، ولا شك أن مثل هذه الأساطير تفتح الباب أمام المغرضين من المستشرقين وأذنابهم لإنكار السيرة والحط منها والتشكيك في أحداثها الزاخرة، ومدلولاتها العظيمة، ومعطياتها المتعددة.
إن الباحث المعاصر حري به أن يرجع إلى نمط من المصادر الموثقة للنقاد المعتمدين في علوم الإسلام، مثل كتب الحديث وكتب الرجال وكتب التواريخ المسندة، ومن ثمّ دراسة النص التاريخي للسيرة دراسة نقدية جادّة وفق الأصول والقواعد العلمية المقررة، وهذا النوع من الدراسة هو الكفيل بوضع الحق في نصابه في حوادث السيرة النبوية ودمغ أباطيل المتزيدين والمستكثرين، ومن ثمّ إقناع كل من له إنصاف وعقل بتلك الصفات المشرقة من حياة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.
إن المسلمين أحوج ما يكونون اليوم إلى معطيات سيرة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - في شتى مجالاتها المتنوعة. إن هذه السيرة النبوية حفظها الله للمسلمين ولم تحفظ سيرة نبي من الأنبياء كما حفظت سيرة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ولازال الباحثون إلى اليوم وإلى قيام الساعة يتمكنون من بيان هذه السيرة ودراستها ونفي الكذب عنها كما نُفي من حديثه - صلى الله عليه وسلم - رحمة من الله بهذه الأمة لتبقى لهم أعمال نبيهم وتطبيقاته وجميع تحركاته ونشاطاته المختلفة
____________________
1 قال محمد بن علي التهاوني: (الإرهاص) شرعا: قسم من الخوارق، وهو الخارق الذي يظهر من النبي قبل البعثة، سمي به لأن الإرهاص في اللغة بناء البيت، فكأنه بناء بيت إثبات النبوة (كشاف اصطلاحات الفنون 3/45) .
2 في (القاموس المحيط 3/382) : ارتجل الكلام: تكلم به من غير أن يهيئه، وبرأيه انفرد.(1/12)
في السلم والحرب المرجع الذي يعودون إليه فيجدون فيه أنفاسه - صلى الله عليه وسلم - وإن كانت نفسه الشريفة قد فارقت الدنيا، ويقتدون بسيرته كما يتبعون سنته.
ومن هنا وجب القيام بدراستها من الناحية النقدية الحديثية، ومن الناحية التحليلية التربوية بأسلوب معاصر وعرض جديد يقربها من لغة المثقف المعاصر، وهما واجبان متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر. وبهذا المنهج يمكن استدراك النقص الناجم عن الدراسات الإنشائية المرتجلة البعيدة عن التحقيق والبحث العلمي، كما يمكن تدارك الخلل الناجم عن الدراسة المتخصصة الدقيقة التي تبعد عن التحليل العلمي المعاصر، ولا تعنى بتقريب أحداث السيرة ونصوصها من فهم المثقفين المعاصرين، مما جعل كثيرا من الدارسين المعاصرين يعتمدون في دراستهم للسيرة على كتب المستشرقين ومن نحا نحوهم في كتابة السيرة بأسلوب العصر ولغته الأدبية وتحليلاته النفسية التربوية وفق مناهج غربية لا تخلو من تحامل وتشكيك في قضايا السيرة.
وهذه الفجوة الخطيرة قد قامت محاولات1 جادّة لسدها ظهرت في صورة دراسات يغلب عليها طابع العصر في سرعة التناول وغلبة الارتجال ولكنها دراسات نافعة أفادت منها الأجيال المعاصرة، بيد أن الأمر يحتاج إلى ضرورة التكامل في دراسة السيرة.
ج - سبب اختياري لغزوة حنين:
كانت تجربتي الأولى في دراسة غزوة "بني المصطلق" تدفعني لمواصلة خدمة السيرة النبوية، وقد وقع اختياري على هذه الغزوة لبحث الدكتوراه استمرارا لهذا الاتجاه الذي أرجو أن يكون من صالح أعمالي الموفقة، كما أتمنى أن يكون عملا علميا نافعا في خدمة الغزوتين العظيمتين.
وأود أن أجمل دوافع اختياري لغزوة حنين على وجه الخصوص في النقاط الآتية:
1- كثرة أحداث غزوة حنين وتشعب مروياتها وتعدد الجوانب العلمية لوقائعها التاريخية ومعطياتها الجليلة، ممّا جعلها - في نظري - جديرة بإفرادها بالدراسة
____________________
1 انظر ص 11.(1/13)
العلمية الوافية، لذلك اخترتها لبحث الدكتوراه عسى أن أفي بحقها وألم شعثها وأجمع متفرقها وأحقق نصوصها وفق المناهج العلمية المتبعة في نقد الروايات من الوجهة الحديثية.
2- تعد غزوة حنين آخر غزوات الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في جزيرة العرب، حيث لم تقم بعدها للوثنية العربية قائمة، وارتفع بعدها علم التوحيد عاليا في سماء الجزيرة العربية، وتهاوت ألوية الشرك، ودخل العرب جميعا بعد هذه الغزوة في دين الله أفواجا.
وغزوة هذا شأنها، وهذه بعض معطياتها حقيقة بالدراسة المتأنية والتحقيق العلمي الجادّ، لذلك أجمعت أمري على خوض غمارها، ونقد مروياتها، وتجلية أحداثها واستقصاء جميع ما يتصل بها، بحسب الإمكان وفي حدود طاقتي العلمية المتواضعة.
3– تعددت الجوانب العلمية لهذه الغزوة فهي من جانب تشتمل على تدبيرات الرسول - صلى الله عليه وسلم - العسكرية والسياسية، وهي من جانب آخر جمعت بين الهزيمة للمسلمين في بادئ الأمر ثم كانت العاقبة لهم النصر والظفر بأعدائهم.
وقد احتوت على عدد من المعجزات والدلائل على نبوته - صلى الله عليه وسلم -، وفيها أيضا قضايا متصلة بالعقيدة، وأحكام فقهية واسعة، إلى غير ذلك من المسائل العظيمة البارزة التي تحتاج إلى دراسة مستقلة متخصصة تستوعب هذه الجوانب العلمية وتفي بأطرافها الموزعة في المصادر العلمية الكثيرة.
4– الناظر في كتب التراث عامة يلحظ أن هذه الغزوة لم تحظ بدراسة علمية تجمع ما تفرق منها هنا وهناك، وتنسق موضوعاتها وفق الدراسة الموضوعية المتكاملة في أبواب وفصول ومباحث تنتظم جميع أحداثها ووقائعها التاريخية، لذلك رأيت أن أقوم بذلك الجمع العلمي لما تفرق، وبذلك الترتيب والتبويب لتلك الأحداث والوقائع المتصلة بهذه الغزوة – مع الدراسة النقدية – عسى أن يسد عملي هذا ثغرة علمية، وأن يضيف شيئا ذا بال في طريقة دراسة هذا الموضوع الخطير. والله الموفق والمستعان.(1/14)
خطة البحث:
سار هذا البحث على خطة رسمتها لنفسي بغية الإحاطة بأطرافه على الطريقة الآتية:
1 - المقدمة: وفيها افتتاحية، ووجوب دراسة السيرة، وكلمة موجزة عن السيرة، ومصادرها، وكيف يتم التكامل في دراسة السيرة النبوية.
2 – التمهيد: وفيه قضيتان:
الأولى: التعريف بهوازن وثقيف وفيه:
1) نسب هوازن وثقيف.
2) تحديد مواقعهم وديارهم من الناحية الجغرافية.
3) صلتهم بقريش:
أ - الصلة النسبية.
ب- المصاهرة.
جـ- تبادل المصالح المشتركة.
4) موقفهم من ظهور الإسلام ودعوته.
5) موقفهم من الصراع بين المسلمين وقريش.
الثانية: تحركات المسلمين العسكرية:
وفي هذه القضية التمهيدية تناولت ما يلي:
1) تجهيز سرية لهدم العزى.
2) بعث سرية أخرى لهدم مناة.
3) سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة.
وكانت هذه السرايا الثلاث قبيل معركة حنين.
وبعد هذا التمهيد الموجز رأيت أن يكون(1/15)
الباب الأول: في الحديث عن غزوة حنين وتحته أربعة فصول:
الفصل الأول: في مقدمات غزوة حنين وفيه مبحثان:
1) سبب الغزوة.
2) الاستعداد للمعركة.
الفصل الثاني: في المسير إلى حنين وفيه سبعة مباحث:
1) في تاريخ الغزوة.
2) تعيين الأمير على مكة.
3) عدد الجيش الإسلامي في هذه الغزوة.
4) استعداد هوازن العسكري.
5) تبشير الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالنصر وبيان فضل الحراسة في سبيل الله.
6) بقايا من رواسب الجاهلية.
7) بيان من قال في هذه الغزوة "لن نغلب اليوم من قلة".
الفصل الثالث: في وصف المعركة وفيه أربعة مباحث:
1) سبب هزيمة المسلمين في بداية المعركة.
2) مواقف مريبة إثر انكشاف المسلمين في بادئ الأمر.
3) عدد الثابتين مع الرسول الله-صلى الله عليه وسلم-يوم حنين.
4) عوامل انتصار المسلمين في حنين.
الفصل الرابع: ما أسفرت عنه معركة حنين من ضحايا وغنائم وفيه مبحثان:
1) خسائر المشركين في هذه الغزوة.
2) إصابات المسلمين في هذه الغزوة.
الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك وفيه أربعة فصول:(1/16)
الفصل الأول: تعقب الفارين نحو نخلة وأوطاس - وفيه ثلاثة مباحث:
1) التوجه إلى النخلة.
2) سرية أوطاس.
3) موقف شيماء وبجاد.
الفصل الثاني: في غزوة الطائف – وفيه أربعة مباحث:
1) حصار الطائف.
2) ما صدر من التعليمات العسكرية للمسلمين في حصار الطائف.
3) عدد القتلى من الفريقين في غزوة الطائف.
4) فك الحصار عن الطائف والعودة إلى الجعرانة.
الفصل الثالث: في تقسيم الغنائم – وفيه خمسة مباحث:
1) الفرق بين الغنيمة والفيء والنفل.
2) جفاء الأعراب وغلظتهم.
3) اعتراض ذي الخويصرة التميمي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قسم الغنائم.
4) في بيان حكمة توزيع الغنائم على قوم دون آخرين.
5) موقف الأنصار من توزيع الغنائم وخطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيهم.
الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف بعد المعركة – وفيه مبحثان:
1) في قدوم وفد هوازن إلى الجعرانة مسلمين.
2) في إيفاد ثقيف جماعة منهم إلى المدينة للتفاوض مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الباب الثالث: في بيان أبرز الأحكام المستنبطة من غزوة حنين – وفيه سبعة عشر حكما، وقد سردتها حكما بدون فصول ولا مباحث لعدم الحاجة الداعية لذلك:
1) جواز وطء المسبية بعد الاستبراء.
2) وقوع العزل في سرية أوطاس.(1/17)
1) في بيان مسألة المتعة.
2) منع المخنثين من الدخول على النساء الأجنبية.
3) في النهي عن قتل النساء والضعفاء ومن في حكمهم.
4) العذر الذي يبيح ترك حضور صلاة الجماعة.
5) تعليم أبي محذورة الأذان.
6) إقامة الحد في دار الحرب.
7) الاستعانة بالمشركين.
8) العارية من حيث الضمان وعدمه.
9) قضاء الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
10) في بيان نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم.
11) استحقاق القاتل سلب القتيل.
12) في بيان تحريم الفلول في الغنيمة.
13) المؤلفة قلوبهم.
14) بعض ما يجتنبه المحرم.
15) عمرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الجعرانة.
أما الخاتمة فقد ضمنتها أبرز النتائج العلمية التي توصلت إليها من خلال دراستي لهذه الغزوة.
منهجي في البحث:
أريد أن أوضح طريقة عملي في دراسة هذه الغزوة والمنهج الذي سرت عليه في تناول مروياتها جمعا وتحقيقا ودراسة، مجملا ذلك في النقاط الآتية:
1- أول ما قمت به جمع المادة العلمية المتصلة بهذه الغزوة من مظانها في كتب التراث الواسعة ما بين مخطوط ومطبوع مع الإفادة في ذلك من الدراسات المعنية بسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قديماً وحديثا.(1/18)
2- أتبعت ذلك بدراسة مرويات غزوة حنين معتمدا في ذلك على أسلوب المحدثين في نقدهم للروايات وفق قواعد الجرح والتعديل المقررة في مصطلح الحديث، وقد سلكت في ذلك الطريقة الآتية:
أ- إذا كان الحديث في الأصول الستة أو أحدها1، فإني أصدر به الباب أو الفصل أو المبحث في الأغلب الأعم، ثم أراعي بعد ذلك الترتيب في إيراد الحديث أو الأثر بحسب الوفيات في الغالب أيضا.
ب- لا أترجم لرواة الحديث الذي أخرجه الشيخان أو أحدهما؛ لأن رجالهما قد جاوزوا القنطرة، وأجمع العلماء بعدهما على توثيق رجالهما، وربما ذكرت الحديث أو جزءا منه مجردا عن الإسناد ما دام مخرجا في الصحيحين أو أحدهما.
?- ما كان من الأحاديث في غير الصحيحين أو أحدهما أقوم بدراسة إسناده وترجمة رواته والحكم عليه بما يستحقه صحة أو حسنا أو ضعفا.
د - كان اعتمادي في التراجم ودراسة السند على تقريب التهذيب وتهذيب التهذيب لابن حجر، وإذا كان الرجل من غير رجال التقريب أو متكلما فيه ولو كان من رجاله، فإني أرجع إلى بقية كتب الجرح والتعديل غالبا لاستظهار ما يتصل بحقيقة الحال في أمره بحسب الإمكان.
3- بعد تلك الدراسة النقدية الحديثية قمت بما يلي:
أ- ترقيم جميع الأحاديث الواردة في هذه الرسالة بأرقام متسلسلة.
ب- تخريج الحديث عند أول إيراده في البحث ثم الإحالة إلى رقمه بعد ذلك إذا دعت الحاجة إلى إيراده مرة أخرى. وقد أذكر تخريجه عند أول وروده مقتصرا على بعض ممّن أخرجه، ثم أستوفي تخريجه في مكان لاحق لأنه ألصق بالموضع الذي ورد فيه متأخراً.
?- تقطيع المتن في أماكن مفرقة بحسب المناسبات المختلقة التي تدعو إلى ذلك.
____________________
1 الأصول الستة هي: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجة.(1/19)
رموز رجال الإسناد:
سلكت في اختيار رموز رجال الإسناد مسلك الحافظ ابن حجر في كتابه "تقريب التهذيب"، وإليك بيانها:
(خ) البخاري في صحيحه.
(خت) البخاري في صحيحه معلقا.
(بخ) البخاري في الأدب المفرد.
(عخ) البخاري في خلق أفعال العباد.
(ز) البخاري في جزء القراءة خلف الإمام.
(ي) البخاري في رفع اليدين.
(م) مسلم في صحيحه.
(د) أبو داود في سننه.
(مد) أبو داود في كتابه المراسيل.
(صد) أبو داود في كتابه فضائل الأنصار.
(خد) أبو داود في كتابه الناسخ والمنسوخ.
(قد) أبو داود في كتابه القدر.
(ف) أبو داود في كتابه التفرد.
(ل) أبو داود في كتابه المسائل.
(كد) أبو داود في كتابه مسند مالك.
(ت) الترمذي في سننه.
(تم) الترمذي في الشمائل.
(س) النسائي في سننه.
(عس) النسائي في مسند علي.
(كن) النسائي في مسند مالك.(1/20)
(ق) ابن ماجة في سننه.
(فق) ابن ماجة في التفسير.
(ع) للراوي الذي أخرج له أهل1 الكتب الستة.
(عم) للراوي الذي أخرج له أهل2 السنن الأربعة3.
____________________
1 هم: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة.
2 هم: من عدا البخاري ومسلما.
3 أنظر: (تقريب التهذيب 1/7) .(1/21)
تمهيد
تمهيد بين يدي غزوة حنين
وفي هذا التمهيد قضيتان:
الأولى: التعريف بهوازن وثقيف، وفيه:
1) نسب هوازن وثقيف.
2) تحديد موقعهم وديارهم من الناحية الجغرافية.
3) صلتهم بقريش.
الصلة النسبية، المصاهرة، المصالح المشتركة.
4) موقفهم من ظهور الإسلام ودعوته.
5) موقفهم من الصراع بين المسلمين وقريش.
الثانية: تحركات المسلمين العسكرية قبل غزوة حنين، وفي هذه القضية:
1) هدم العزى.
2) هدم مناة.
3) سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة.(1/22)
أوّلاً: التعريف بهوازن وثقيف
1 - نسب هوازن وثقيف:
قبل الدخول في تفاصيل غزوة حنين وأحداثها، يحسن بنا إعطاء لمحة موجزة عن التعريف بهوازن وديارها التي كانت تقطنها فيها عند بزوغ فجر الإسلام، ومدى الصلة بينهم وبين قريش، وموقفهم من الدعوة الإسلامية قبل غزوة حنين، لنتبين مكانة هذه القبيلة وما كانت تتمتع به من قوة ومنعة.
وإذا أفردنا الحديث عن هوازن فتدخل فيها ثقيف؛ لأنها فرع منها. وهوازن قبيلة من أعظم القبائل العربية وأكثرها خطرا، وهي من حيث القوة والعدد تضاهي قبائل غطفان النجدية الشهيرة.
وهي قبيلة مضرية عدنانية يعود نسبها إلى قيس عيلان، وهي من أهمّ بطون قيس عيلان.
وهوازن جد بطون متفرقة، وهو: هوازن بن منصور بن عكرمة ابن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان1.
قال القلقشندي: "المشهور من قبائل العرب المستعربة الموجودين الآن خمس قبائل:
الأولى2: نزار3، وهم بنو نزار بن معد بن عدنان.
____________________
1 ابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص 264، 266، 269) . وابن خلدون: (تاريخ ابن خلدون 2/307) . وباشميل: (غزوة حنين ص 200) .
2 والقبيلة الثانية: ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
والثالثة: خندف - بمعجمة ودال مهملة مكسورتين بينهما نون ساكنة -: وهم بنو إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، عرفوا بالنسبة إلى أمهم خندف امرأة إلياس.
والرابعة: كنانة، وهم: بنو كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
والخامسة: قريش، وهم، بنو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
3 نزار - بكسر نون وبزاي وراء -. (القلقشندي: قلائد الجمان ص 110، 129، 132، 134، 136)(1/23)
والمشهور من الموجودين من عقب نزار بطنان:
البطن الأول1: مضر2، وهم بنو مضر بن نزار، ومنه تفرعت أكثر قبائل العدنانية.
والمشهور من الموجودين من عقب مضر بن نزار فخذان:
الفخذ الأول3: قيس بن عيلان4، وهو قيس بن عيلان بن مضر ابن نزار بن معد بن عدنان.
والمشهور من الموجودين من الآن من فصائل قيس عيلان هوازن، وهي محل بحثنا.
وهناك فصائل أخرى5.
وقد بين ابن خلدون بتفصيل - بطون – هوازن فقال:
____________________
1 والبطن الثاني: هو ربيعة بن نزار، فقد ذكر بن قتيبة أن مضر وربيعة إليهما ينسب ولد نزار وهم الصريح من ولد إسماعيل عليه السلام. (المعارف ص29) .
2 مضر - بمضمومة وفتح ضاد معجمة - (ابن طاهر الهندي: المغني ص72)
3 والفخذ الثاني: هو إلياس بن مضر؛ لأن ولد مضر هما عيلان وإلياس. (ابن كثير: البداية والنهاية 2/199) .
4 قيس عيلان: بإضافة قيس إلى عيلان، وقيس - بفتح قاف ومثناة تحتية ثم سين مهملة -، وعيلان - بفتح مهملة وسكون تحتية ولام ثم نون - وليس في العرب (عيلان) بعين مهملة غيره. واسمه الناس - بالنون -. (القلقشندي: قلائد الجمان ص110) . و (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص404) . وقال ابن حزم: وقال قوم: قيس بن عيلان، والصحيح: قيس عيلان (جمهرة أنساب العرب ص10) .
5 من هذه الفصائل: بنو غطفان بن معد بن قيس عيلان. وبنو سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان. وبنو عدوان بن عمرو بن قيس عيلان. (القلقشندي: قلائد الجمان ص110، 112، 115، 123، 128) . وانظر: ابن قتيبة: (المعارف ص36، 41) . وخليفة بن خياط: (كتاب الطبقات ص4، 53، 55، 130) . وابن هشام: (السيرة النبوية 1/14) . وابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص271، 272، 273) . وابن الأثير: (اللباب 2/328، 3/123) . وابن كثير: (البداية والنهاية 2/220) . وابن خلدون: (تاريخ ابن خلدون 2/334) . وكحالة: (معجم قبائل العرب 3/1231) . وباشميل: (غزوة حنين ص41) .(1/24)
وأما هوازن بن منصور1: ففيهم بطون كثيرة يجمعهم ثلاثة أصول كلهم لبكر بن هوازن وهم:
أ- بنو سعد بن بكر بن هوازن بن منصور.
ب- بنو معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور.
جـ- بنو منبه بن بكر بن هوازن بن منصور2.
أ- فأما بنو سعد بن بكر بن هوازن، فمنهم أظآر3 النبي صلى الله عليه وسلم.
ب- وأما بنو معاوية بن بكر بن هوازن، فمن ولده: صعصعة4 ابن معاوية، ونصر5 بن معاوية، وجشم6 بن معاوية، وعوف بن معاوية، وبنوه يسمون
____________________
1 ولمنصور من الولد غير هوازن: سليم بن منصور، ومازن بن منصور، وسلامان بن منصور.
فولد سليم بن منصور: بهثة، وولد بهثة معاوية وعوفا والحارث، وثعلبة، وامرأ القيس. ومن بني امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور: بنو عصية بن خفاف ابن امرئ القيس الذين قتلوا القراء يوم بئر معونة، ودعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص263، 481. والنويري: نهاية الأرب 2/333، 341) .
2 ابن خلدون: (تاريخ ابن خلدون 2/309) . وابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص264) . والنويري: (نهاية الأرب 2/334- 335) . وكحالة: (معجم قبائل العرب 3/1231. وباشميل: (غزوة حنين ص41، 200) .
3 أظآر: جمع ظئر، والظئر - بالكسر - العاطفة على ولد غيرها المرضعة له في الناس وغيرهم، ويقع على الذكر والأنثى. (ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث 3/154. وابن منظور: لسان العرب 6/186. والفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/80) . ومن بني سعد: حليمة بنت أبي ذؤيب، واسمه: عبد الله بن الحارث بن شجنة - بكسر فسكون - ابن جابر بن رزام - بكسر أوله - ابن ناصرة بن فصية بن نصر ابن سعد بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر ابن نزار بن معد بن عدنان. أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة، وزوجها والد رسول - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة - الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة ... إلخ. (ابن هشام: السيرة 1/160- 161. وابن عبد البر: الاستيعاب 4/270 مع الإصابة. وابن الأثير: أسد الغابة 7/67. والنويري: نهاية الأرب 2/334- 335. وابن كثير: البداية والنهاية 2/273. وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 2/319. وابن حجر: الإصابة 4/274) .
4 صعصعة - بصادين مهملتين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة ثم هاء. (القلقشندي: قلائد الجمان ص115) .
5 منهم مالك بن عوف النصري قائد المشركين في حنين.
6 منهم: دريد بن الصمة واسمه معاوية بن بكر بن علقمة بن خزاعة بن غزية بن جشم بن معاوية.(1/25)
الوقعة1، دخلوا في بني عمرو بن كلاب بن الحارث2.
أما صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن:
فمن ولده:
عامر3 بن صعصعة، وفيه البيت والعدد4.
ومرة5 بن صعصعة وهم بنو سلول.
فولد عامر بن صعصعة:
ربيعة، وفيه البيت والعدد.
هلالا6.
ونميرا.
وسواءة7
وولد ربيعة بن عامر بن صعصعة: كلابا, وكعبا8, وعامرا, وكليبا9.
____________________
1 الوقعة: محركة - بطر من بني سعد بن بكر (ابن منظور: لسان العرب 10/290. والفيروز آبادي: القاموس المحيط 3/96) .
2 ابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص269- 270، 271، 272، 482) . وابن الأثير: (اللباب في تهذيب الأنساب 1/280) . والنويري: (نهاية الأرب 2/335- 336. ومجلة العرب ص818) .
3 عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن قبيلة كبيرة، منها: لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعصة العامري الشاعر المشهور صاحب المعلقة. (ابن الأثير: اللباب 2/306، وأسد الغابة 4/514. وابن كثير: البداية والنهاية 2/220. وابن حجر: الإصابة 3/326) .
4 البيت المراد به: الشرف والسناء والرفعة، والعدد: المراد به: الكثرة. (جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 12) .
5 مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، ويعرفون ببني سلول، نسبة إلى أمهم: سلول بنت ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاصط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ابن معد بن عدنان. (خليفة بن خياط: كتاب الطبقات ص55. وابن حزم جمهرة أنساب العرب ص271.وابن الأثير: اللباب 2/131؟، 219) .
6 هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، ومنهم ميمونة أم المؤمنين ولبابة الصغرى أم الفضل وعبد الله ابني العباس، ولبابة الكبرى أم خالد بن الوليد، وهن: بنات الحارث بن حزم بن بجير بن هزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال. (ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص274. وابن عبد البر: الاستيعاب 4/398، 401، 404 مع الإصابة. وابن الأثير: أسد الغابة 7/253- 254، 272. وابن حجر: الإصابة 4/398، 401) .
7 سواءة - بضم السين وتخفيف الواو- منهم: جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب ابن حجير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة. (ابن الأثير: اللباب 2/152، وأسد الغابة 1/304) .
8 كعب وكلاب هم الذين تخلفوا عن غزوة حنين، وقال عنهم دريد بن الصمة: "غاب الحد والجد".
وحضر حنينا من أولاد عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة: عوف بن عامر وعمرو ابن عامر، الذين قال عنهم دريد: "ذانك الجذعان من عامر لاينفعان ولا يضران". (سيرة ابن هشام 2/438) .
(ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص280. والقلقشندي: قلائد الجمان ص116- 117. والنويري: نهاية الأرب 2/336 و338) .(1/26)
- وأما منبه بن بكر بن هوازن:
فولده: ثقيف1 - واسمه - قسي بن منبه بن بكر بن هوازن2.
فولد ثقيف بن منبه: جشم وعوفا.
فولد جشم بن ثقيف: حطيطا.
فولد حطيط: مالكا3, وغاضرة.
وولد عوف بن ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن: سعدا وغيرة4, ويعرفون بالأحلاف، وذلك أنهم تحالفوا على بني مالك، وصارت غاضرة مع الأحلاف.
فثقيف فرقتان:
بنو مالك بن حطيط بن جشم بن قسي - ثقيف - بن منبه بن بكر ابن هوازن.
____________________
1 ثقيف: بوزن أمير، وقسي بوزن غني. قال أبو عبيد: "سمي قسيا لأنه مر على أبي رغال وكان مصدقا - يعني جابيا للصدقات - فقلته، فقيل: "قسا قلبه، فسمي قسيا". (أنظر: ابن قتيبة: كتاب المعارف ص41. والزبيدي تاج العروس 10/294) .
(ابن هشام: سيرة ابن هشام 1/14،47. وخليفة بن خياط: كتاب الطبقات ص53، 130. وابن قتيبة: كتاب المعارف ص41. وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص266، 468، 482. وابن الأثير: اللباب 1/240. وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 2/309. والنويري: نهاية الإرب 2/334. والفيروزآبادي: القاموس المحيط 3/121. والزبيدي: تاج العروس 6/51. وابن السعد: الطبقات 4/284. وباشميل: غزوة حنين ص200) .
3 من بني مالك بن حطيط: عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن الحارث بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي، كان صاحب لواء المشركين يوم حنين، وقتل يومئذ كافرا. (ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص266. وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 2/309) .
4 غيرة: بكسر معجمة وفتح مثناة تحتية. (ابن طاهر الهندي: المغني ص59- 60) ومن بني غيرة: أبي بن شريق، ويعرف بالأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف بن ثقيف الثقفي، يكنى أبا ثعلبة. كان حليفا لبني زهرة ومقدما فيهم، فلما خرجت قريش إلى بدر، أتاهم الخبر عن أبي سفيان بن حرب أنه قد نجا من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأجمعت قريش على إتيان بدر، أشار الأخنس على بني زهرة بالرجوع إلى مكة، وقال لهم: قد نجى الله عيركم التي مع أبي سفيان، فلا حاجة لكم في غيرها، فعادوا، فلم يقتل منهم أحد في بدر، وحينئذ لقب بلأخنس. (ابن الأثير: أسد الغابة 1/60) .(1/27)
وبنو عوف وهم من الأحلاف1.
هكذا ذكر علماء النسب وغيرهم أن ثقيفا فرع من هوازن القبيلة العدنانية الشهيرة.
وقد ذكر الفيروزآبادي، وتابعه الزبيدي شارح القاموس بأن ثقيفاً من ثمود واستندوا إلى ما ورد عند أبي داود وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرج إلى حنين مر بقبر فقال: "هذا قبر أبي رغال، وهو "أبو ثقيف وكان من ثمود" 2.
والحديث عند أبي داود في النسخ الموجودة، وليس فيه: "أبو ثقيف، وكان من ثمود".
وهذا نصّ الحديث عند أبي داود قال:
____________________
(ابن سعد الطبقات الكبرى 5/510- 511. وابن قتيبة: المعارف ص41. وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 2/309. وابن الأثير: أسد الغابة 1/168، 2/41. وأكرم ضياء العمري: في تعليقه على تاريخ خليفة بن الخياط ص97) .
ومن الأحلاف: عروة بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد ابن ثقيف، لحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يصل إلى المدينة منصرفه من حصار الطائف فأسلم وعاد إلى قومه داعيا فقتلوه. وفي قول آخر أنه قدم المدينة بعد حجة أبي بكر الصديق. انظر حديث رقم (214) .
ووهم ابن حزم فقال بأن الذي بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قومه داعيا هو: معتب بن مالك جد عروة بن مسعود.
ومن الأحلاف أيضا: المغيرة بن شعبة، والحجاج بن يوسف الثقفي، والمختار بن أبي عبيد الثقفي الذي زعم أن جبريل يأتيه بالوحي. وقد ورد في صحيح مسلم 4/1971 كتاب الفضائل باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها (أن أسماء بنت أبي بكر رضي اله عنها قالت: "أما أن رسول الله حدثنا" أن في ثقيف كذابا ومبيرا "فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه ".
قال النووي: "اتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن أبي عبيد. وبالمبير: الحجاج بن يوسف". (شرح مسلم 5/608) . وانظر ابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص 267. وابن عبد البر: الاستيعاب 3/112. وابن الأثير: أسد الغابة 4/31-35، 5/247. وابن كثير: البداية والنهاية 8/289، 9/117. وابن حجر: الاصابة 2/277. وابن قتيبة: المعارف ص128، 173. وابن سعد: الطبقات الكبرى 5/503) .
2 أبو رغال: ككتاب: قال الجوهري والصنعاني: "كان دليلا للحبشة حين توجهوا إلى مكة، فمات في الطريق".
وقال ابن سيدة: "كان عبدا لشعيب عليه الصلاة والسلام، وكان عشارا جائرا، فقبره بين مكة والطائف يرجم إلى اليوم". ورد الفيروزآبادي والزبيدي هذين القولين.
وقال ابن منظور: "رأيت حاشية على هامش صحاح الجوهري ما صورته: أبو رغال اسمه زيد بن مخلف عبد كان لصالح النبي - عليه السلام -، بعثه مصدقا، وأنه أتى قوماً ليس لهم لبن إلا شاة واحدة، ولهم صبي قد ماتت أمه فهم يغذونه بلبن تلك الشاة، فأبى أن يأخذ غيرها، فقالوا له: "دعها نحابي بها هذا الصبي فأبى"، فيقال أنه نزلت به قارعة من السماء، ويقال: "بل قتله صاحب الشاة"، فلما فقده صالح عليه السلام قام في الموسم ينشد الناس فأخبر بصنيعه فلعنه، فقبره بين مكة والطائف يرجمه الناس. (ابن منظور: لسان العرب 13/310. والفيروزآبادي: القاموس المحيط 3/385- 386. والقسطلاني: المواهب اللدنية 1/166. والزبيدي: تاج العروس 7/348. والمباركفوري: تحفة الأحوذي 4/279. ومحمد شمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود 8/346- 348) .
وقال ابن بلهيد: قبر أبي رغال قبل أن تصل إلى "الزيمة" ترى جبالا يقال لها "ردوم الزيمة" وهي التي تعرف في التاريخ بقبر أبي رغال، وأقرب ما يكون لتلك المواضع موضع يقال له "ردام" (صحيح الأخبار 2/144) .
قلت: "والزيمة" تقع في الطريق القديم بين مكة والطائف، قال ابن خميس: كان الطريق قبل بين "مكة" و"الطائف"، فإذا خرجت من مكة إلى الطائف تمر "بالشرائع"، فوادي "يدعان" -جدعان- فوادي "سبوحة" فقرية "الزيمة" فوادي "نخلة اليمانية" ... إلخ". غير أن ابن خميس وحمد الجاسر يريان أن قبر أبي رغال في المغمس وهو في طريق غير طريق "الزيمة".
انظر: عبد الله بن محمد بن خميس: المجاز بين اليمامة والحجاز ص268، 391. وحمد الجاسر: التعليق على كتاب المناسك للحربي ص352-353.(1/28)
1- حدثنا يحيى1بن معين، أخبرنا وهب2 بن جرير، أخبرني أبي3 قال سمعت محمد4 بن إسحاق يحدث عن إسماعيل5 بن أمية، عن بجير6 بن أبي بجير قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا قبر أبي رغال، وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية
____________________
1 يحيى بن معين بن عون الغطفاني مولاهم، أبو زكريا البغدادي، ثقة حافظ مشهور، إمام الجرح والتعديل، من العاشرة (ت233) /ع (ابن حجر: التقريب 2/358، وتهذيب التهذيب 11/280-288) .
2 وهب بن جرير بن حازم بن زيد، أبو عبد الله الأزدي، البصري، ثقة من التاسعة (ت206) /ع (المصدر السابق 2/338، 11/161) .
3 هو جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي، أبو النضر البصري، والد وهب، ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه، من السادسة (ت170) بعدما اختلط لكن لم يحدث في حال اختلاطه/ع (المصدر السابق 1/127، 2/69) .
4 محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر المطلبي المدني، نزيل العراق، إمام المغازي صدوق يدلس، ورمي بالتشيع والقدر، من صغار الخامسة (ت150) ويقال بعدها /خت م عم (المصدرالسابق 2/144 و9/38-46) .
5 إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، ثقة ثبت، من الثالثة (ت144) وقيل قبلها /ع (المصدر السابق 1/67، 1/283) .
6 بجير بن أبي بجير - بجيمين مصغرا - حجازي، ويقال اسم أبيه سالم، مجهول من الثالثة /د (ابن حجر: التقريب 1/93) وفي تهذيب التهذيب (1/418) ، قال: "بجير ابن أبي بجير حجازي، روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، روى عنه إسماعيل ابن أمية. روى له أبو داود حديثا واحدا في قصة أبي رغال".
قال يحي بن معين: "لم أسمع أحدا يحدث عنه غير إسماعيل".
قال ابن حجر: قلت: وكذا قال النسائي.
وأما ابن المديني فقال: بجير بن سالم أبو عبيد روى عنه إسماعيل بن أمية وروح بن القاسم حديث أبي رغال، وهو من أهل الطائف مجهول لم يرو عنه غيرهما.
قال أبو داود: حديث روح بن القاسم عن إسماعيل بن أمية عن بجير، لا عن بجير مباشرة، فتبين أنه ليس له راو غير إسماعيل بن أمية.
وأما ابن أبي حاتم: فقد فرق بين بجير بن أبي بجير وبين بجير بن سالم فحكى عن أبيه أن بجير بن سالم يروي عنه يعلى بن عطاء، ولم يذكر لبجير بن أبي بجير راو غير إسماعيل.
ثم ختم ابن حجر ترجمته بقوله: وذكره ابن حبان في الثقات، وجهله ابن القطان. وقال الذهبي: بجير بن أبي بجير لم يعرفه ابن أبي حاتم بشيء، وقال ابن معين: لم أسمع أحدا حدث عنه غير إسماعيل بن أمية، وصدق في ذلك.
ثم قال: قلت: له حديث واحد انفرد ابن إسحاق به، ثم ساق حديث الباب من غير طريق أبي داود، وافق أبا داود في شيخه يحي بن معين، وقال: رواه أبو داود عن يحي بن معين فوافقناه بعلو.
وهكذا قال المزي. (انظر: البخاري: التاريخ الكبير 2/139. وابن أبي حاتم: الجرح والتعديل 2/425. والمزي: تهذيب الكمال1/19. والذهبي: ميزان الاعتدال 1/197) .
قلت: والذي يظهر لي أن بجير بن أبي بجير غير بجير بن سالم وذلك أن بجير بن سالم يروي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وبجير بن أبي بجير يروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص هذا الحديث الفرد وليس له غيره. وقد أورده المزي والذهبي في ترجمته.
وقال ابن حجر: روى له أبو داود هذا الحديث الواحد في قصة أبي رغال عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وفرق البخاري وأبو حاتم بينهما فجعلا بجير بن أبي بجير يروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعنه إسماعيل بن أمية، وبجير بن سالم أبا عبيد يروي عن عبد الله ابن عمر بن الخطاب وعنه يعلى بن عطاء.(1/29)
ذلك1 أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه، فابتدره2 الناس فاستخرجوا الغصن" 3.
والحديث أخرجه ابن حزم من طريق يحي بن معين، عن وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق به.
ثم قال: هذا الحديث لا يصح، لأنه عن ابن بجير وهو مجهول4.
وأخرجه إبراهيم الحربي والبيهقي كلاهما من طريق يزيد5 بن زريع، عن
____________________
1 وآية ذلك: أي علامة ذلك (ابن الأثير: النهاية 1/88) .
2 فابتدره الناس: أي تسابقوا إليه مسرعين (الفيروزآبادي: القاموس المحيط 1/369) .
3 أبو داود: (السنن 2/161) ، كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب نبش القبور العادية يكون فيها المال.
4 "المحلى 7/528"، وحصل خطأ في المحلى في مقامين:
الأول: جعل ابن إسحاق يروي عن بجير بن أبي بجير مباشرة، وإنما يروي عنه بواسطة إسماعيل بن أمية، كما هو واضح في حديث أبي داود.
والثاني: أنه كتب يحي بن أبي بجير، والصواب بجير بن أبي بجير.
5 يزيد بن زريع - بتقديم الزاي مصغرا- البصري، أبو معاوية، ثقة ثبت من الثامنة (ت182) /ع (ابن حجر: التقريب 2/364، وتهذيب التهذيب 11/325) .(1/30)
روح1 بن القاسم، عن إسماعيل بن أمية، عن بجير بن أبي بجير، عن عبد الله بن عمرو قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما كنا عند قبر أبي رغال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا قبر أبي رغال، وكان امرأ كافرا، وكان من ثمود، وكان يسكن الحرم، وأنه خرج حتى إذا صار في هذا الموضع مات فدفنوه، ومعه غصن من ذهب، فاستخرجوه فابتدرنا فاستخرجناه". لفظ الحربي2.
ولفظ البيهقي: "عن عبد الله بن عمرو أنهم كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر أو مسير فمروا بقبر فقال: هذا قبر أبي رغال كان من قوم ثمود، فلما أهلك الله قومه بما أهلكهم به منعه لمكانه من الحرم فخرج حتى إذا بلغ هذا المكان أو الموضع مات ودفن معه غصن من ذهب فابتدرناه فأخرجناه" 3.
وأخرجه البيهقي أيضا من طريق أبي الأزهر4، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن إسماعيل بن أمية عن بجير بن أبي بجير قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا قبر أبي فلان وكان بهذا الحرم يدفع به عنه، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه وجدتموه معه"، فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن.
ثم قال: رواه أبو داود في السنن عن يحي بن معين، عن وهب بن جرير، وقال: "قبر أبي رغال"5.
____________________
1 روح بن القاسم التميمي العنبري، أبو غياث - بمعجمة وتحتانية خفيفة ثم مثلثة - البصري، ثقة حافظ من السادسة (ت141) /خ م د س ق. (المصدر السابق 1/254، 3/298) .
2 الحربي: (كتاب المناسك ص352- 353) .
3 البيهقي: (السنن الكبرى 4/156) .
4 هو أحمد بن الأزهر بن منيع، أبو الأزهر العبدي النيسابوري، صدوق، كان يحفظ ثم كبر، فصار كتابه أثبت من حفظه، من الحادية عشرة، (ت263) /س ق (ابن حجر: التقريب 1/10، وتهذيب التهذيب 1/11) .
وقال أبو حاتم والذهبي: "صدوق". (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/41، وميزان الاعتدال للذهبي 1/82) .
5 البيهقي: (السنن الكبرى 4/156) .(1/31)
وأخرجه المزي والذهبي في ترجمة بجير بن أبي بجير، كلاهما من طريق أحمد1 ابن الحسن بن عبد الجبار، عن يحي بن معين، عن وهب بن جرير، عن أبيه به.
ثم قالا: رواه أبو داود عن يحي بن معين فوافقناه2 بعلو.
وزاد المزي: "وهذا حديث حسن عزيز"3.
وأخرجه عبد الرزاق، عن معمر بن راشد، عن إسماعيل بن أمية مرسلا4. بلفظ: "هذا قبر أبي رغال رجل من ثمود" 5
والجواب عن هذا الحديث من وجوه:
الأول: أنه ليس في حديث أبي داود في النسخ الموجودة بين أيدينا مع شروحها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود". وهو بهذا اللفظ عند المزي والذهبي.
الثاني: أن هذا الحديث مداره على بجير بن أبي بجير ولا متابع له، وقد جزم
____________________
1 أحمد بن الحسن بن عبد الجبار بن راشد، أبو عبد الله الصوفي، روى عن يحي بن معين وغيره، وعنه جماعة. قال الدارقطني: ثقة (ت306) . (الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/82، 86. والذهبي: ميزان الاعتدال 1/91، و297. وابن حجر: لسان الميزان 1/151) .
2 الموافقة: هي أن يصل الراوي إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه مع علو إسناده على إسناد المصنف. وهنا قد وصل المزي والذهبي إلى شيخ أبي داود يحي بن معين بستة رواة، ولو روياه من طريق أبي داود لكان وصلا إلى يحي بن معين بسبعة، فقد وافقا أبا داود في شيخه مع علو إسنادهما عن إسناد أبي داود.
(ابن حجر: نزهة شرح نخبة الفكر ص51. وأطيب المنح في علم المصطلح للعباد وعبد الكريم مراد ص50) .
(المزي: تهذيب الكمال 1/19. والذهبي: ميزان الاعتدال 1/297) .
4 لعل إسماعيل كان يصل الحديث تارة، ويرسله أخرى.
5 انظر: (البداية والنهاية لابن كثير 4/137) . والحديث من مسند عبد الله بن عمرو بن العاص كما هو عند أبي داود وفي الأطراف للمزي 6/281 (حديث 8607) وذخائر المواريث للنابلسي 2/167 (حديث 4458) ، وجامع الأصول لابن الأثير 11/803 (حديث 9522) ، ووقع في القاموس المحيط للفيروزآبادي، وتاج العروس للزبيدي، وعون المعبود لمحمد شمس الحق العظيم آبادي، وتحفة الأحوذي للمباركفوري، وضعيف الجامع الصغير للألباني: عن ابن عمر ولعله ابن عمرو فسقطت الواو فصار ابن عمر. انظر: (القاموس3/385- 386. وتاج العروس 7/348. وعون المعبود 8/346. وتحفة الأحوذي4/279.وضعيف الجامع الصغير6/37- 38) ، (حديث 6095) .(1/32)
ابن حجر وغيره: بجهالته، ورواية المجهول مردودة عند جماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم1.
الثالث: أن ثمود من القبائل البائدة التي لم يبق لها عقب، ولذا كان الحجاج بن يوسف الثقفي إذا سمع من يقول بأن "ثقيفا" من بقايا ثمود يقول: كذبوا، قال الله تعالى: {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} ، [سورة النجمالآية: 51] ، أي أهلكهم الله ولم يبق منهم أحدا2.
الرابع: لعل سبب نسبة "ثقيف" إلى ثمود هو ما ذكره ابن خلدون: من أن ثمود نزلت الطائف قبل وادي القرى3.
قال: ومن ثم يقال: إن ثقيفاً من بقايا ثمود لكونهم نزلوا الطائف بعد ثمود4.
الخامس: أن الذي عليه جمهور علماء النسب وغيرهم أن "ثقيفا" فرع من هوازن القبيلة الشهيرة كما تقدم5.
السادس: أن هذا الحديث الوارد فيه أن "ثقيفاً" من ثمود لا تقوم به حجة لجهالة راويه "بجير بن أبي بجير"، وهي جهالة عينية ولا يعرف هذا الحديث إلاّ من طريقه، كما تقدم ذلك في ترجمته6.
وأما تحسين المزي لهذا الحديث ففيه نظر، وقد عقب عليه ابن كثير بقوله: قلت: تفرد به بجير بن أبي بجير، ولا يعرف إلا بهذا الحديث، ولم يرو عنه سوى إسماعيل بن أمية.
____________________
1 ابن الصلاح: (المقدمة ص144 مع التقييد والإيضاح) . وابن حجر: (نزهة النظر ص39. والسيوطي: تدريب الراوي ص210) .
2 انظر: (الطبري: جامع البيان 27/78. وابن كثير: التفسير 4/259. والقلقشندي: نهاية الأرب ص198. والشوكاني: فتح القدير 5/117. وحمد إبراهيم الحقيل: كنز الأنساب ص149- 150) .
3 وادي القرى: هو واد بين الشام والمدينة وهو بين تيماء وخيبر، ووادي القرى والحجر والجناب منازل قضاعة ثم جهينة وعذرة وبلى، وكانت قديما منازل ثمود وعاد، وبها أهلكهم الله. (معجم البلدان لياقوت الحموي 4/338) .
وقال عاتق بن غيث البلادي: الحجر هو رأس وادي القرى، تقع شمال مدينة العلا بقرابة (22) كيلا وشمال المدينة المنورة ب (322) كيلا. وأهله اليوم قبيلة عنزة. (معجم المعالم الجغرافية ص93) .
(تاريخ ابن خلدون 2/310) .
5 انظر: ص: 28.
6 انظر: ص: 30.(1/33)
ثم نقل عن المزي نفسه ما يخالف تحسينه لهذا الحديث فقال: قال شيخنا المزي: فيحتمل أن بجير بن أبي بجير وهم في رفعه، وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو من زاملته1.
ثم قال ابن كثير: "لكن يشهد له حديث جابر بن عبد الله، وما رواه عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري مرسلا"، بلفظ "أبو رغال أبو ثقيف"2.
وأورده ابن حجر عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، إلاّ أنه قال أبو رغال هو الجد الأعلى لثقيف3.
قلت: والحديث من مراسيل الزهري ومراسيله ضعيفة عند العلماء4. ولا يحصل من هذا الأثر تقوية لحديث بجير بن أبي بجير، لأن الأثر ضعيف. وحديث بجير بن أبي بجير مختلف في وصله وإرساله ووقفه على عبد الله بن عمرو بن العاص5. مع جهالة بجير بن أبي بجير العينية.
وقد قال ابن الصلاح: ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت، فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة. إلى أن قال: ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته6.
وأما حديث جابر بن عبد الله الذي أشار إليه ابن كثير فليس فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أبو رغال أبو ثقيف"، وهذا سياقه لزيادة الإيضاح.
____________________
1 الزاملة البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع، من الزمل: وهو الحمل. (ابن الأثير: النهاية 2/313) والمراد هنا حمل بعير من كتب العلم. وفي (تذكرة الحفاظ للذهبي 1/42) ، قال: "وكان عبد الله بن عمرو بن العاص أصاب جملة من كتب أهل الكتاب وأدمن النظر فيها، ورأى فيها عجائب". إهـ.
(ابن كثير: البداية والنهاية 1/137) .
3 ابن حجر: (فتح الباري 6/381) .
4 انظر: السيوطي: (تدريب الراوي 124- 125) .
5 انظر ص
6 ابن الصلاح: (المقدمة ص50 مع التقييد والإيضاح) .(1/34)
2- عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجر قال: "لا تسألوا الآيات، وقد سألها قوم صالح فكانت1 ترد من هذا الفج2 وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما، فعقروها فأخذتهم الصيحة أهمد الله عز وجل من تحت أديم3 السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله - عز وجل -، قيل: من هو يا رسول الله؟
قال: "هو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه"4.
قال ابن كثير: "وهذا الحديث على شرط مسلم، وليس هو في شيء من الكتب الستة. وقال في مكان آخر: إسناده صحيح ولم يخرجوه"5.
وقال ابن حجر: رواه أحمد والحاكم عن جابر بإسناد حسن6.
والخلاصة: أن حديث أحمد هذا:
أ – لا توجد في متنه زيادة "وكان أبا ثقيف" فتبقى هذه الزيادة لا متابع لها وتكون بذلك ضعيفة مردودة، ويترجح القول بأن ثقيفاً ليس لها صلة نسبية بثمود.
ب– حديث أحمد صريح في أن الله عز وجل أهلك قوم صالح ولم يبق منهم أحدا، بما فيهم أبو رغال، وأن الله أمهله مدة بقائه في الحرم، فلما خرج منه أصابه ما أصاب قومه، فكيف تكون ثقيف من بقايا ثمود، مع أن الحديث صريح في أن الله لم يبق منهم أحدا، كما أن الحديث صريح في ثبوت قصة أبي رغال وأنه من ثمود، وأما كون أبي رغال كان في الحرم وأنه لما خرج منه أخذه الله عز وجل، فهذا لا نزاع فيه، ويصلح أن يكون حديث أحمد مقويا لرواية "بجير بن أبي بجي" في هذه الجزئية.
____________________
1 فكانت: أي الناقة.
2 الفج: الطريق الواسع بين جبلين (الفيروزآبادي: القاموس المحيط 1/202) .
3 ما تحت أديم السماء: قال الفيروزآبادي: "أديم السماء والأرض: ما ظهر". (القاموس 4/73) . والمعنى: ما ظهر على الأرض منهم. أي أهلكهم.
4 أخرجه أحمد في (المسند 3/296) ، من طريق أبي الزبير المكي عن جابر وأخرجه الطبري في (جامع البيان 14/50) ، من طريق عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله.
5 ابن كثير: (البداية والنهاية 1/137، 5/11) .
6 فتح الباري (6/380-381) . وانظر الحديث في (المستدرك 2/567-568) ، وقال: صحيح على شرط مسلم، وسكت عنه الذهبي.(1/35)
3- وقد ورد عند الترمذي من حديث عبد الله بن عمر موقوفا أن رجلا من ثقيف طلق نساءه، فقال له عمر: لتراجعن نساءك أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال1.
وأخرجه أحمد أيضا عن ابن عمر وسمى الرجل "غيلان". وهذا سياقه عن عبد الله بن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اختر منهن أربعا، فلما كان في عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر، فقال: إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك، فقذفه في نفسك ولعلك أن لا تمكث إلاّ قليلاً، وايم الله لتراجعن نساءك ولترجعن في مالك أو لأورثهن منك، ولآمرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر أبي رغال2.
وأخرجه ابن ماجة عن ابن عمر أيضا إلى قوله: "أربعا"3.
وأخرجه مالك عن الزهري بلاغا4.
وقال جرير5 يهجو الفرزدق:
إذا مات الفرزدق فارجموه ... كما ترمون قبر أبي رغال6
هذه نبذة موجزة عن التعريف بقبيلة هوازن وفروعها المتعددة، التي من جملتها ثقيف على الراجح من أقوال العلماء، وأنه لا ينهض دليل على القول بأن ثقيفا من بقايا ثمود.
____________________
1 الترمذي: (السنن 2/299) ، كتاب النكاح، باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده عشر نسوة.
2 أحمد: (المسند 2/14) .
(سنن ابن ماجة 1/628) ، كتاب النكاح، باب الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة.
(الموطأ 2/586) ، كتاب الطلاق، باب جامع الطلاق.
5 هو أبو حزورة جرير بن عطية بن حذيفة بن بدر بن سلمة التميمي الشاعر المشهور، كان من فحول شعراء الإسلام، وكانت بينه وبين الفرزدق مشادة ونقائض، وأجمعت العلماء أنه ليس في شعراء الإسلام مثل ثلاثة: جرير، والفرزدق، والأخطل.
مات جرير سنة (111) ، وأما الفرزدق فهو أبو فراس همام بن غالب التميمي الشاعر المشهور، مات سنة (110) .
(ابن خلكان: وفيات الأعين 1/321، 326، 6/86، 97) .
6 ابن منظور: لسان العرب 13/310.
وانظر: (معالم مكة التاريخية والأثرية لعاتق بن غيث البلادي ص116) .(1/36)
ثانياً: ديار هوازن وثقيف:
تقع مواطن هوزان ما بين غور تهامة1 إلى ما والى بيشة وناحية السراة، والطائف وذي المجاز وحنين وأوطاس وما صاقبها من البلاد. هذه مواطن هوزان "الأم" من حيث الجملة.
ومواطن فروعها الرئيسية يمكن بيانها على النحو الآتي:
1- بنو منبه "ثقيف" كانوا يسكنون سراة الطائف، وسراة الطائف غورها مكة المكرمة، ونجدها ديار هوزان من عكاظ2
____________________
1 الغور هو: كل ما انحدر سيله مغربا، وما انحدر سيله مشرقا فهو نجد.
وتهامة: ما بين ذات عرق إلى مرحلتين من وراء مكة، وما وراء ذلك من المغرب فهو غور، وما وراء ذلك من مهب الجنوب فهو السراة إلى تخوم اليمن. وقيل: الغور وتهامة واحد.
والخلاصة أن ما سال من جبال السروات مشرقا فهو نجد، وما سال مغربا حتى يفسخ الجبال فهو الحجاز، وما خلف الجبال إلى البحر فهو تهامة.
والسراة: سلسلة جبلية على نسق واحد من أقصى اليمن إلى بلاد الشام، وهي الجبال المطلة على تهامة مما يلي اليمن، وهي الحاجزة بين نجد وتهامة..
وهي ثلاث سروات: سراة ثقيف، ثم سراة فهم وعدوان، ثم سراة الأزد.
وذو المجاز: موضع سوق بعرفة على ناحية كبكب على فرسخ من عرفة، كانت تقوم في الجاهلية ثمانية أيام.
قال ابن بليهد: وهو واقع في واد المغمس إذا قطعت وادي الشرائع المعروف وأنت قاصد مكة أتيت وادي المغمس في الطريق على يسارك فإذا حاذيت كبكب فهو هناك، فيه آثار قديمة لا تزال ماثلة إلى هذا العهد، وفيه بئر باقية إلى هذا العهد بقال لها "ذو المجاز". انظر: ياقوت: (معجم البلدان 2/137، 3/204، 4/216-217، 5/55، 261-262. وابن منظور: لسان العرب19/106.وابن بليهد: صحيح الآثار عما في بلاد العرب من الأخبار 2/50. وابن خميس: المجاز بين اليمامة والحجاز ص216-217، 276، 284. والبلادي: نسب حرب ص349-350. والحربي: كتاب المناسك ص532-538) .
2 عكاظ: قال ياقوت: عكاظ - بضم أوله، وآخره ظاء معجمة - اسم سوق من أسواق العرب في الجاهلية، وكانت قبائل العرب تجتمع بعكاظ في كل سنة ويتفاخرون فيها ويحضرها شعراؤهم ويتناشدون ما أحدثوا من الشعر ثم يتفرقون.
وعكاظ: نخل في واد بينه وبين الطائف ليلة وبينه وبين مكة ثلاث ليال، وبه كانت تقام سوق العرب بموضع منه يقال له الأثيداء. وبه كانت أيام الفجار، وكانت هناك صخور يطوفون بها ويحجون إليها.
قال الواقدي: عكاظ بين نخلة والطائف، وذو المجاز خلف عرفة، ومجنة بمر الظهران وهذه أسواق قريش والعرب ولم يكن فيه أعظم من عكاظ. قالوا: كانت العرب تقيم بسوق عكاظ شهر شوال ثم تنتقل إلى سوق مجنة فتقيم فيه عشرين يوما من ذي القعدة، ثم تنتقل إلى سوق ذي المجاز فتقيم فيه أيام الحج. (معجم البلدان 4/142) . وأورد ابن خميس أقوال العلماء قديما وحديثا حول تحديد عكاظ. ثم قال: والذي أستخلصه من مجموع تلك الأقوال في تحديد "عكاظ"، أنه يقع في متسع من الأرض يحده من الجنوب: ملتقى وادي شرب بوادي عرج الأخيضر والعبيلاء، ومن الغرب: جبال الصالح وجبال مدسوس ومدفع وادي المهيد. ومن الشمال: الشظفا والخلص ومشرفة وماءة المبعوث. ومن الشرق: الدار السوداء والحرة، فيما بين هذه الأعلام يقع سوق عكاظ وهي تشكل شكلا مستطيلا لا يتجاوز طوله من الجنوب إلى الشمال أربعة أكيال، ومن الغرب إلى الشرق كيلين. وهذا التحديد يدخل الأنصاب - الحجارة - المنصوبة التي تدعى الآن "بالمرزز"، كما أن هذه المنطقة هي مدفع ثلاثة الأودية: العرج والشرب والمهيد. (المجاز ص239-242) .(1/37)
والفتق1 - أي الأرض الواقعة شرق الطائف على مقربة منه -2.
والموجودون الآن من ثقيف عدة بطون منها:
أ- بطن النمور وهم سكان الهدى ووادي المحرم.
ب- بطن طويق ومنهم الجعيدات والفضل والعبدة والحمران وغيرهم.
?- بطن سفيان: ومنهم العسران والخضرة وغيرهم3.
2- بنو سعد: وهم الذين استرضع فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولا تزال فروعهم إلى الآن يسكنون أطراف السراة الواقعة شرق الطائف وجنوبه.
3- بنو معاوية الذين منهم مالك بن عوف النصري قائد هوازن في حنين، ودريد بن الصمة الجشمي4. فإنهم منتشرون حاليا في شمال الطائف مثل وادي
____________________
1 الفتق - بضم أوله وثانيه وفي آخره قاف -: قرية بالطائف.
وقيل الفتق - بفتح الفاء وسكون التاء - من مخاليف الطائف. (ياقوت: معجم البلدان 4/235)
ووصفها حمد الجاسر بما يدل على أنها تقع شرق الطائف (التعليق على كتاب المناسك للحربي ص645)
2 حمد الجاسر: سراة غامد وزهران ص356، 433. والمجاز بين اليمامة والحجاز ص278.
3 حمد إبراهيم الحقيل: كنز الأنساب ص149- 154.
وفؤاد حمزة: قلب جزيرة العرب ص134- 135.
وكحال: معجم قبائل العرب 1/147- 148.
4 وفي مجلة العرب: والناس الآن ينطقون (جشم) قثمة بالثاء والنسبة إليه قثامي (محمد سعيد حسن كمال: مجلة العرب ص817- 819. وابن خميس: المجاز بين اليمامة والحجاز ص242) .(1/38)
السيل – قرن المنازل1 - وأعالي وادي العقيق2 وما يقرب من هذه الأمكنة3 والموجودون الآن من بني نصر ثلاثة بطون:
وهم: شعيث، وحسيكة، وآل موسى.
والموجودون من بني جشم حاليا: الدوانية، والخلد، والعمامرة4.
هذه كلمة موجزة عن موطن هوازن "الأم" وأجنحتها الرئيسية، وبعض القبائل الموجودين منهم حاليا، وأرجو أن تكون الخارطة التي بين يدي القارئ ضمن هذه الرسالة كافية في توضيح وتحديد أماكن هذه القبائل.
والله أعلم.
____________________
1 قرن المنازل: هو السيل الكبير وهو قرن الثعالب، ويحرم منه أهل الطائف، وأهل نجد وأهل الكويت، ويبعد عن مكة (80) كيلا. (عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام: تيسير العلام 1/501- 502. وحمد الجاسر: التعليق على كتاب المناسك للحربي ص 353، 614، 645. وابن خميس: المجاز بين اليمامة والحجاز ص 268، 270، 272) .
2 العقيق: هنا هو عقيق الطائف يمر بشمالي الطائف وينحدر مما يلي جبل "الغمير" (ابن خميس: المجاز بين اليمامة والحجاز ص265. وحمد الجاسر: التعليق على كتاب المناسك للحربي ص411) .
3 حمد الجاسر: (سراة غامد وزهران ص484- 485) . وذكر ياقوت: أن من مساكنهم (البوباة) وهي تقع في أعالي نخلة اليمانية (معجم البلدان 1/506) .
قال محمد سعيد حسن كمال: "وقد حرف اسم البوباة إلى البهيتاء" (مجلة العرب ص817- 818) . وحمد الجاسر: (التعليق على كتاب المناسك للحربي ص353) .
4 محمد سعيد حسن كمال: (مجلة العرب ص817- 819) .(1/39)
رسم توضيحي(1/40)
رسم توضيحي(1/41)
ثالثاً: صلة هوازن وثقيف بقريش:
إن صلة هوازن وثقيف بأهل مكة المكرمة صلة عريقة, تتمثل فيما يأتي:
1- الصلة النسبية:
إذ أن كلاً من هوازن وقريش يلتقون في مضر. وهو الجد السادس لهوازن, والسابع لقريش على قول.
وذلك أن هوازن: هو: هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة ابن قيس بن عيلان بن مضر.
وقريش: هو: فهر1 بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر.
هذا على القول بأن "فهراً" هو قريش.
وأمّا على قول من ذهب إلى أن قرشاً هو "النضر" فيكون مضر هو الجد الخامس لقريش2.
____________________
1 فهر: بكسر الفاء وسكون الهاء.
والنضر: بفتح النون وسكون الضاد المعجمة.
وكنانة: بكسر الكاف وبنونين بينهما ألف وأولهما خفيفة.
وخزيمة: بلفظ التصغير.
ومدركة: اسم فاعل من الإدراك. (محمد بن طاهر الهندي: كتاب المغني: ص27, 66, 70, 79) .
2 ابن هشام: (سيرة ابن هشام 1/1, 93. وابن قتيبة: المعارف ص31, 51. وابن سعد: الطبقات الكبرى 1/55. والطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/262. وابن حزم: جوامع السيرة ص4، وابن الأثير: اللباب3/112.والكلاعي: الاكتفاء1/24. وابن كثير: البداية والنهاية 2/200-201. والقلقشندي: قلائد الجمان ص:8, 14, ونهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص397. وابن حجر: فتح الباري 6/528, 7/163) .(1/42)
وعلى كل حال سواء أكان قريش هو "فهراً" أم "النضر". فإن الذي يهمنا هو أن هوازن قبيلة عدنانية تلتقي مع قريش في مضر, ممّا يتوضح1 به قوة الصلة النسبية بين هوازن وقريش التي تفرعت منها قبائل مكة المكرمة, وهذه الصلة لها قيمتها لدى القوم لأنها إحدى مفاخرهم، التي كانوا يفتخرون بها.
2 – المصاهرة:
كان كثير من رؤساء مكة ووجهائهم متزوجين من قبائل هوازن, وكان بعض رجال هوازن متزوجين أيضا عند المكيين، مما يؤكد قوة الصلة والترابط بين هوازن وأهل مكة، فهي صلة قوية في النسب والمصاهرة وتبادل المصالح المشتركة بين الفريقين.
وممن صاهر هوازن من المكيين:
أ – رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد تزوج – من بني عبد الله بن هلال - ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية.
ب– وكان العباس بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، متزوجا بأختها لبابة الكبرى بنت الحارث وهي أم ولديه عبد الله والفضل - رضي الله عنهم -.
?- وكان الوليد بن المغيرة آخذا أختها الثانية لبابة الصغرى بنت الحارث، وهي أم خالد بن الوليد - رضي الله عنه -.
د– وكان صخر بن حرب آخذا عمتها صفية بنت حزن، وهي أم أبي سفيان بن حرب والد أم المؤمنين أم حبيبة.
?- وكان أبوجهل متزوجا عند بني عبد مناف بن هلال، وهي أم جميل بنت مجالد بن عبد مناف بن هلال، وهي أم عكرمة بن أبي جهل - رضي الله عنه -2.
____________________
1 يتوضح: يتبين (القاموس المحيط 1/255) .
2 خليفة بن خياط: (كتاب الطبقات ص4، 10، 20) . وابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص273، 274) . وابن عبد البر: (الاستيعاب 4/398، 401، 404) ، مع (الإصابة) . وابن الأثير: (أسد الغابة 7/253، 254، 272، 2/109) . وابن حجر: (الإصابة 4/398، 411) .(1/43)
وممن تزوج عند المكيين من فروع هوازن:
أ- عروة بن مسعود الثقفي، فقد تزوج بزينب بنت أبي سفيان بن حرب، وهي أخت أم المؤمنين أم حبيبة.
ب- وكانت أمه من قريش كذلك، فقد كان أبوه مسعود بن متعب1 الثقفي متزوجا بسبيعة2 بنت عبد شمس بن عبد مناف.
?- وكان عبد الله بن عثمان الثقفي متزوجا بأم الحكم بنت أبي سفيان بن حرب.
4- وفي صحيح البخاري: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كانت أم الحكم بنت أبي سفيان تحت عياض بن غنم3 الفهري، فطلقها فتزوجها عبد الله بن عثمان الثقفي"4.
هذه نبذة يسيرة تبين قوة الترابط بين قبائل هوازن وقبائل مكة المكرمة، ولقد قويت هذه الرابطة حتى كان بعض رجال هوازن له الكلمة المسموعة لدى قريش، فقد كان الأخنس بن شريق الثقفي حليفا لبني زهرة، وقد أشار عليهم بعدم حضور معركة بدر الكبرى فأطاعوه، فكان في ذلك سلامة لأرواحهم وحمد على ذلك.
وموقف عروة بن مسعود الثقفي في صلح الحديبية يشهد بما كان لقبائل هوازن من المكانة عند القرشيين، فقد ذكر البخاري - رحمه الله - موقف عروة بن مسعود هذا في قصة صلح الحديبية فقال:
5- قام عروة بن مسعود فقال: "أي قوم، ألستم بوالد5؟ قالوا: بلى، قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى، قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني
____________________
1 معتب: بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر المثناة الفوقية الثّقيلة.
2 سبيعة: بالتصغير. (ابن طاهر الهندي: المغني ص38، 73) .
3 غنم - بفتح الغين المعجمة وسكون النون. (ابن طاهر الهندي: المغني ص59) .
4 البخاري: (الصحيح 7/42 كتاب الطلاق، باب نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن. وانظر: ابن سعد: الطبقات الكبرى 8/240. ابن عبد البر: الاستيعاب 4/445 مع الإصابة. وابن الأثير: أسد الغابة 7/131، 320. وابن حجر: الإصابة 2/344، 4/316، 443) .
5 قال هذا لكون أمه منهم فهم كالوالد له، وهو كالولد لهم.(1/44)
استنفرت أهل عكاظ فلما بلَّحوا1علي جئتكم بأهلي وولدي، ومن أطاعني؟ قالوا: بلى، قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة2 رشد اقبلوها" الحديث3.
فكان عروة أحد المفاوضين مع قريش في هذا الصلح.
تلك مكانة قبائل هوازن لدى المكيين الذين كانوا محل عناية واحترام عند سائر قبائل العرب بحكم أنهم سكان بيت الله الحرام وحجابه وأهل سقايته، فكانت هذه المزية إحدى أسباب احترام قريش وتقديرها من قبائل العرب الأخرى.
3- تبادل المصالح المشتركة:
لقد كانت الصلات قوية بين أهل مكة وأهل الطائف، تجمع بينهم روابط قوية من المصالح المشتركة، فالأسواق العربية الكبرى4 كانت تقوم في المنطقة الواقعة بين مكة والطائف في ديار هوازن فيستفيد منها الجميع، كما كانت الطائف تسد النقص الذي تعاني منه مكة المكرمة، وهو افتقارها إلى الزراعة مع شدة حرارة جوها في فصل الصيف، وكانت الطائف خصبة التربة تنمو فيها الفواكه والزروع المختلفة، إلى جانب جوها اللطيف في فصل الصيف لقيامها على قمة جبل غزوان5، وتحف بها وديان كثيرة تسيل فيها المياه عند سقوط الأمطار، وحولها عيون وآبار كثيرة6.
لذلك كانت الطائف مصيف أهل مكة المكرمة.
____________________
1 بلّحوا: بالموحدة وتشديد اللام المفتوحتين ثم مهملة مضمومة، أي امتنعوا وأبوا. (ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث1/151. وابن حجر: فتح الباري 5/339) .
2 خطة رشد: بضم الخاء المعجمة: أي عرض عليكم أمرا واضحا في الهدى والاستقامة. (ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث 2/48) .
3 البخاري: (الصحيح 3/170) ، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب.
4 من أشهرها: سوق عكاظ (انظر ياقوت: معجم البلدان 4/142. وابن خميس: المجاز ص239- 242. وعبد القدوس الأنصاري: بين التاريخ والآثار ص37- 44. وسعيد الأفغاني: أسواق العرب ص333. وباشميل: غزوة حنين ص46) .
5 جبل غزوان: هو الجبل الذي تقع عليه مدينة الطائف.
6 انظر: (ياقوت: معجم البلدان 4/9-11.والسهلي: الروض الأنف7/263-264. وابن حجر: فتح الباري 8/43.والبلادي: نسب حرب ص367.وابن خميس: المجاز ص254-255، 257، 264-265.وباشميل: غزوة حنين ص200-202) .(1/45)
وكان للأغنياء من أهل مكة بها بساتين وزروع، فكان لعتبة وشيبة ابني ربيعة1 بستان في الطائف، وهو الذي لجأ إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن خرج من الطائف طريدا عندما ذهب يطلب نجدتهم بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجه خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها -2.
وكان للعباس بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مال بالطائف، كرم كان يحمل زبيبه إلى مكة فينبذ فيسقى به الحجاج وكان ذلك دأبه في الجاهلية والإسلام، ثم كان عبد الله بن عباس يفعل مثل ذلك، ثم كان عليّ بن عبد الله بن عباس يفعل مثل ذلك3.
وكان لأبي سفيان بن حرب مال بالطائف أيضا يسمى "ذا الهرم"4 وكان لعمرو بن العاص مال بالطائف يسمى "الوهط"5.
قال ياقوت: "وهو كرم كان على ألف ألف خشبة شرى كل خشبة بدرهم، وكان أكداس الزبيب في وسط البستان كأنها حرار سود، ثم صار هذا البستان لابنه عبد الله بن عمرو بن العاص بعد وفاة عمرو بن العاص - رضي الله عنهم -. وكان أهل مكة يستهلكون كثيرا من أعناب الطائف ورمانها ويجلبون منها الزبيب والأدم"6.
كما كان الثقفيون يشاركون في قوافل مكة التجارية، وكان كثير من رجالهم حلفاء للقرشيين، وقد بلغ بعضهم مبلغ السيادة في البطون القرشية، كالأخنس بن شريق حليف بين زهرة الذي كان مسموع الكلمة فيهم مطاعا.
____________________
1 قتل عتبة وربيعة يوم "بدرالكبرى" على كفرهما. (سيرة ابن هشام 1/420) .
2 المصدر السابق 1/709.
(الواقدي: المغازي 2/838) .
4 ذو الهرم: بفتح الهاء وإسكان الراء وميم. (الواقدي: المغازي 3/971. وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/500. والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 4/9) . ووقع في زاد المعاد "ذو الهدم" بالدال المهملة وهو خطأ.
5 الوهط: بفتح أوله وسكون ثانيه، وطاء مهملة. (ياقوت: معجم البلدان 5/386. والذهبي: تذكرة الحفاظ 1/42، وسير أعلام النبلاء 3/89. وابن خميس: المجاز بين اليمامة والحجاز ص255- 256) .
6 الأدم: بضم الهمزة والدال: جمع أديم وهو الجلد. (الفيروزآبادي: القاموس المحيط 4/73) .(1/46)
وقد أشارت بعض الآيات القرآنية إلى ما بين مكة والطائف من ترابط، وأنهم كانوا يماثلون أهل مكة قوة وجاها1، قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [سورة الزخرف، الآية: 31] 2.
هذه لمحة موجزة عن مدى الصلة والترابط الذي كان بين مكة ورجال هوازن وثقيف، وهي تتمثل في النسب والمصاهرة والمصالح المشتركة. وأحسب أن هذه اللمسات تعطي صورة واضحة عن الصلات القوية والروابط المتينة بين القبيلتين الكبيرتين: قريش وهوازن.
____________________
1 انظر: (دور الحجاز في الحياة السياسية العامة لأحمد إبراهيم شريف ص23- 24) .
2 ويريدون بالقريتين: مكّة، والطّائف، وبالرّجل: الوليد بن المغيرة بمكّة، وعروة بن مسعود الثقفي بالطّائف، وقيل: غير ذلك مما جاء في تفسير هذه الآية. انظر: ابن كثير 4/126-127.(1/47)
رسم توضيحي(1/48)
رسم توضيحي(1/49)
رسم توضيحي(1/50)
رسم توضيحي(1/51)
رابعاً: موقف هوازن وثقيف من ظهور الإسلام ودعوته:
يمكن أن يتحدد هذا الموقف في الأمور الآتية:
أ – رفض دعوة التوحيد، ويرجع ذلك إلى تغلغل رواسب الوثنية في نفوس القوم وحبهم للأوثان واعتزازهم بتقاليدهم وعاداتهم الجاهلية بوجه عام.
وقد واجهوا دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعداء والكراهية الشديدة.
ب – كان لرفض قريش الإسلام أثر بالغ في نكول كثير من القبائل العربية الأخرى عن الإسلام لما وقر في نفوس العرب جميعا من تعظيم هذا الحي من قريش؛ لأنهم سدنة البيت الحرام وحجاب الكعبة وأهل الحرم، وهم قوم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلما حاربوا دعوته ورفضوا ما جاء به، رفض غيرهم دعوته وقالوا: "القوم أدرى بصاحبهم"، وكانت قريش نفسها تقول ذلك منفرة من دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "نحن أعلم بصاحبنا لو كنا نعلم ما يقول حقا لتبعناه:، فحين شاهدت قبائل هوازن وثقيف ذلك الموقف العدائي من أهل مكة، وهم قوم الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأقربون، رفضوا دعوته وقالوا: "أترون أنّ رجلاً يصلحنا وقد أفسد قومه ولفظوه".
وسوف أورد الآثار الدالة على ذلك منها:
6- ما رواه الإمام أحمد بإسناد حسن من طريق عبد الرحمن1 ابن خالد بن أبي جبل العدواني، عن أبيه2، أنه أبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مشرق ثقيف وهو قائم على
____________________
1 قال ابن حجر: روى عن أبيه وله صحبة، وعنه عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي. قال الحسيني: مجهول. ثم عقب ابن حجر بقوله: قلت: صحح ابن خزيمة حديثه، ومقتضاه أن يكون عنده من الثقات. (تعجيل المنفعة ص166) .
2 هو خالد بن أبي جبل - بالجيم والباء الموحدة - ووقع "جيل" بالجيم والمثناة التحتية الساكنة، العدواني: بفتح المهملتين، الطائفي، يقال إنه بايع تحت الشجرة.
له هذا الحديث الواحد أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وابن خزيمة في صحيحه، والطبراني وابن شاهين، كلهم من طريق عبد الله بن الرحمن الطائفي عن عبد الرحمن بن خالد بن أبي جبل العدواني عن أبيه.
ثم قال ابن حجر: وفرق ابن حبان بين خالد بن جبل العدواني وخالد بن أبي جبل الثقفي، ووهم في ذلك. (تعجيل المنفعة ص76، والإصابة 1/402- 403، والاستيعاب 1/414- 415 مع الإصابة، وأسد الغابة 2/91- 92) .(1/52)
قوس – أو عصا – حين أتاهم يبتغي عندهم النصر قال: فسمعته يقرأ: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} ، [سورة الطارق، الآية: 1] ، حتى ختمها.
قال: فوعيتها في الجاهلية وأنا مشرك ثم قرأتها في الإسلام، قال: فدعتني ثقيف فقالوا: ماذا سمعت من هذا الرجل؟ فقرأتها عليهم، فقال من معهم من قريش: "نحن أعلم بصاحبنا، لو كنا نعلم ما يقول حقا لتبعناه"12.
والحديث رواه البخاري في تاريخه، والطبراني في معجمه، كلاهما من طريق عبد الرحمن بن خالد، عن أبيه به3.
قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني، وعبد الرحمن ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه أحد4، وبقية رجاله ثقات5.
7- ما رواه البخاري من طريق أيوب6، عن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة قال7: قال لي أبو قلابة: ألا تلقاه فتسأله؟
قال: فلقيته فسألته فقال: كنا بماء ممر8 الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم: ما للناس، ما للناس؟ ما هذا الرجل9؟
____________________
1
2 أحمد: (المسند 3/335) .
3 البخاري: (التاريخ الكبير 3/138- 139) . والطبراني: المعجم الكبير 4/234- 235.
4 وقد عرفت أن الحسيني قال عنه: " مجهول" وصحح ابن خزيمة حديثه.
(مجمع الزوائد 7/136. وانظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/229) .
6 أيوب: هو ابن أبي تميمة السختياني. وأبو قلابة: هو عبد الله بن زيد الجرمي. وعمرو بن سلمة - بكسر اللام- ابن قيس الجرمي، صحابي صغير. (ابن حجر: التقريب 2/71، وفتح الباري 8/23) .
7 قوله: "قال لي أبو قلابة" هو مقول أيوب، والضمير في "تلقاه" يعود على عمرو ابن سلمة، أي قال أبو قلابة لأيوب: ألا تلقى عمرو بن سلمة فتسأله. (ابن حجر: فتح الباري 8/23) .
8 "ممر" يجوز في ممر الحركات الثلاث.
9 قوله: "ما هذا الرجل" أي يسألون عن النبي - صلى الله غليه وسلم - وعن حال العرب معه.(1/53)
فيقولون: "يزعم أن الله أرسله، أوحي إليه، أو أوحى الله بكذا1، فكنت أحفظ ذلك الكلام، وكأنما يغرى2 في صدري، وكانت العرب تلوم3 بإسلامهم الفتح فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر4 أبي5 قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي - صلى الله عليه وسلم حقاً -"6 الحديث.
والحديث رواه أبو داود، والنسائي، وأحمد7.
وأخرجه الحاكم ثم قال: قد روى البخاري هذا الحديث عن سليمان بن حرب مختصرا فأخرجته بطوله ووافقه الذهبي8.
لقد كانت هوازن وثقيف من جملة القبائل العربية التي تنتظر بإسلامها قبائل مكة المكرمة وقد وقفت إلى جانب قريش تحارب الإسلام وتناصبه العداء.
____________________
1 وقوله: "أوحي إليه أو أوحى الله إليه بكذا" يريد ما كانوا يخبرونه به مما سمعوه من القرآن.
2 قوله: "وكأنما يغرى في صدري" بضم أوله وبغين معجمة مفتوحة وراء ثقيلة، أي يلصق بالغراء، ورجحها عياض. وفي رواية الكشميهني: "يقر" بضم أوله وفتح القاف وتشديد الراء، من القرار.
وفي رواية عنه: "يقرى" بزيادة ألف مقصورة، من التقرية: أي يجمع. وللأكثر "يقرأ" بهمز من القراءة. (فتح الباري 8/23) .
3 "تلوم" بفتح أوله واللام وتشديد الواو تنتظر، وإحدى التاءين محذوفة. (المصدر السابق 8/22)
4 بدر: أي سبق قومه بالإسلام.
5 هو: سلمة بن قيس:، ويقال: ابن نفيع، ويقال غير ذلك - الجرمي - بفتح الجيم وسكون الراء - البصري، صحابي، له وفادة، وما له سوى هذا الحديث، وهو والد عمرو بن سلمة. (ابن حجر: التقريب 1/319، وتهذيب التهذيب 4/154، وفتح الباري 8/23) .
6 البخاري: الصحيح 5/124 كتاب المغازي، باب وقال الليث: حدثني يونس ... الخ، وتمام الحديث: "فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلوا كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا، فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني، لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت عَلَيَّ بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا عنا است قارئكم، فاشتروا، فقطعوا لي قميصا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك".
7 أبو داود: السنن1/138- 139 كتاب الصلاة، باب من أحق بالإمامة. والنسائي: السنن 2/9 كتاب الأذان، باب اجتزاء المرء بأذان غيره في الحضر. و55 كتاب القبلة، باب الصلاة في الإزار و26- 36 كتاب الإمامة، باب إمامة الغلام قبل أن يحتلم. وأحمد: (المسند 5/30) .
(المستدرك 3/47) .(1/54)
8- فقد ورد في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟
قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كُلال1، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق2 إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم عليّ ثم قال: يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين3، فقال النبيصلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا 4.
____________________
1 قوله: "ابن عبد يا ليل" بتحتانية وبعد الألف لام مكسورة، ثم تحتانية ساكنة ثم لام، و"ابن عبد كلال" بضم الكاف وتخفيف اللام وآخره لام، واسمه كنانة. والذي في المغازي أن الذي كلمه هو عبد يا ليل نفسه. وعند أهل النسب أن عبد كلال أخوه لا أبوه، وأنه عبد يا ليل بن عمرو بن عمير بن عوف، ويقال اسم عبد يا ليل: مسعود، وله أخ أعمى له ذكر في السيرة في قذف النجوم عند المبعث النبوي. وكان عبد يا ليل من أكابر أهل الطائف من ثقيف. (ابن حجر: فتح الباري 6/315) . انظر سيرة ابن هشام 1/419.
2 قوله: "فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب" أي لم أفطن لنفيسي ولم أنتبه لحالي إلا وأنا بقرن الثعالب لكثرة همي الذي كنت فيه. وقرن الثعالب: هو قرن المنازل وهو ميقات أهل نجد، ويقال له الآن وادي السيل. (فتح الباري 6/315. والنووي: شرح مسلم 4/438) .
3 الأخشبان: بالمعجمتين، هما جبلا مكة أبو قبيس والذي يقابله، وكأنه قُعَيْقِعَان. وقال الصاغاني: "بل هو الجبل الأحمر الذي يشرف على قعيقعان، ووهم من قال: هو ثور كالكرماني، وسميا بذلك لصلابتهما وغلظ حجارتهما، والمراد بإطباقهما أن يلتقيا على أهل مكة، ويحتمل أن يريد أنهما يصيران طبقاً واحداً". ابن حجر: (فتح الباري 6/316) .
وقال عبد الله بن خميس: أما أخشبا مكة فهما (أبو قبيس) و (قعيقعان) وما يتصل من الجبال المشرفة على مكة غربا وشرقا. (المجاز بين اليمامة والحجاز ص322) .
4 البخاري: (الصحيح 4/91 كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء ... الخ، 9/95 كتاب التوحيد، باب وكان الله سميعاً بصيراً) . ومسلم: (الصحيح 3/1420 كتاب الجهاد والسير) .(1/55)
ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغشى الناس في أسواقهم ومنتدياتهم، يعرض عليهم دعوته ويطلب من ينصره حتى يبلغ رسالة ربه فلم يجد أذنا واعية، وما يأتي أحدا من تلك القبائل إلا قال: قوم الرجل أعلم به، أترون أن رجلا يصلحنا وقد أفسد قومه ولفظوه1.
3 – بعد فتح مكة ودخول أهلها في الإسلام أوجست قبائل هوازن خيفة من الإسلام وأهله ولم يدعهم ذلك إلى التفكير في الدخول فيه أو مهادنته، بل فخر القوم بجموعهم المتكاثرة وبأسهم الشديد وشجاعتهم الباسلة، فأخذوا يعدون عدتهم ويحشدون قواهم لمهاجمة المسلمين، وبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم خبرهم وما يبيتون من كيد ووقيعة بالمسلمين فبادرهم بالهجوم قبل أن يهاجموه وكانت وقعة حنين الشهيرة كما سيأتي تفاصيلها.
خامساً: موقف هوازن من الصراع بين المسلمين وقريش:
لم تشر المصادر التي بين أيدينا إلى أن هوازن اشتركت مع قريش في معاركها التي خاضتها ضد المسلمين، لا في بدر الكبرى ولا في غيرها من الغزوات، كما أن هوازن أيضا لم تساند قريشا في فتح مكة عندما داهمهم الجيش الإسلامي المسلح، رغم اتحادهم في المبدإ والغاية وهو عداوة الإسلام وأهله، ولعل السبب في ذلك يعود إلى:
أ– ما انتشر وذاع في ربوع هوازن من أن خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة كان قاصدا هوازن أولا.
يؤيد هذا ما ساقه الطبري في هذا الصدد، فقال: وكان من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر المسلمين هوازن:
9 - ما حدثنا علي2بن نصر بن علي الجهضمي، وعبد الوارث3 ابن عبد الصمد بن عبد الوارث.
____________________
1 ابن كثير: (البداية والنهاية 3/140- 141) .
2 علي بن نصر بن علي بن نصر الجهضمي - بفتح الجيم وسكون الهاء بعدها معجمة مفتوحة - أبو الحسن البصري الصغير، ثقة حافظ من الحادية عشرة (ت 250) /م د ت س. (ابن حجر: التقريب2/45،وتهذيب التهذيب7/390- 391) .
3 عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد، أبو عبيدة العنبري البصري، صدوق، من الحادية عشرة (ت 252) /م ت س ق (المصدر السابق 1/527، 6/443- 444) .(1/56)
قال علي: حدثنا عبد الصمد.
وقال عبد الوارث: حدثنا أبي1 قال: حدثنا أبان2 العطار، قال: حدثنا هشام3 بن عروة، عن عروة4، قال: أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة عام الفتح نصف شهر، لم يزد على ذلك، حتى جاءت هوازن وثقيف، فنزلوا بحنين، وحنين واد إلى جنب ذي المجاز – وهم يومئذ عامدون يريدون قتال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا قد جمعوا قبل ذلك حين سمعوا بمخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة، وهم يظنون أنما يريدهم حيث خرج من المدينة. الحديث5
10- وعن عليّ6 - رضي الله عنه - قال: "لما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة أرسل إلى ناس من أصحابه أنه يريد مكة وفيهم حاطب7 بن أبي بلتعة وفشا في الناس أنه يريد حنينا. قال: فكتب حاطب إلى أهل مكة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريدكم. الحديث.
قال الهيثمي: رواه أبو يعلى، وفيه الحارث الأعور8،وهو ضعيف.
____________________
1 هو: عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم، التنوري - بفتح المثناة وتثقيل النون المضمومة -، أبو سهل البصري والد الذي قبله، صدوق، ثبت في شعبة، من التاسعة (ت 207) /ع (المصدر السابق 1/507، 6/327) .
2 أبان بن يزيد العطار البصري، أبو زيد، ثقة له أفراد، من السابعة (ت في حدود 160) /خ م د ت س. (المصدر السابق 1/31 و1/101) .
3 هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، ثقة فقيه ربما دلس، من الخامسة (ت 145 أو 146) /ع (المصدر السابق 2/319، 11/48) .
4 عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، أبو عبد الله المدني، والد الذي قبله، ثقة فقيه مشهور، من الثانية (ت 94) على الصحيح، ومولده في أوائل خلافة عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه -/ع. (المصدر السابق 2/19، 7/180) .
5 الطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/70، وانظر: تاريخ ابن خلدون 2/45.
6 عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وزوج ابنته فاطمة، من السابقين الأولين، المرجح أنه أول من أسلم، وهو أحد العشرة، مات في رمضان سنة (40) وهو يومئذ من أفضل الأحياء من بني آدم بالأرض بإجماع أهل السنة، وله (63) سنة على الأرجح /ع. (ابن حجر: التقريب 2/39، وتهذيب التهذيب 7/334) .
7 حاطب بن أبي بلتعة - بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها مثناة ثم مهملة مفتوحتان - ابن عمرو بن عمير بن سلمة بن صعب بن سهل اللخمي حليف بني أسد بن عبد العزى، شهد بدرا والحديبية ومات في خلافة عثمان سنة (65) . (الإصابة 1/300) .
8 الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني - بسكون الميم - الحوتي - بضم المهملة وبالمثناة الفوقية - الكوفي، أبو زهرة الخارفي، صاحب علي، كذبه الشعبي في رأيه، ورمي بالرفض، وفي حديثه ضعف. وليس له عند النسائي سوى حديثين، (ت في خلافة ابن الزبير) /ع (ابن حجر: التقريب 1/141، وتهذيب التهذيب 2/145) .
وساق الذهبي أقوال أئمة الجرح والتعديل ثم قال: "وحديث الحارث في السنن الأربعة، والنسائي مع تعنته في الرجال، فقد احتج به وقَوَّى أمره". والجمهور على توهين أمره مع روايتهم لحديثه في الأبواب. فهذا الشعبي يكذبه ثم يروي عنه، والظاهر أنه كان يكذب في لهجته وحكاياته، وأما في الحديث النبوي فلا، وكان من أوعية العلم. (انظر: ميزان الاعتدال 1/435- 437) .(1/57)
والحديث في الصحيح1 بغير هذا السياق2.
والحديث الأول مرسل.
والثاني فيه الحارث الأعور.
وهكذا ذكر الواقدي أن هوازن بعثت جاسوسا لها يرصد وجهة رسول الله - صلى الله عليه وسلم، ويعلم لهم خبره، وأنه إن كان يريد قريشا فسيسلك الطريق، وإن كان يريدنا أولا فسيسلك بطن وادي سَرِف3 حتى يخرج إلينا، وهذا يدل على أن هوازن كانت مهددة بالخطر في عقر دارها، وأنها كانت تتوقع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سيبدأ بهم قبل قريش، ولذا فقد وقفت داخل حدودها متخوفة من هجوم المسلمين.
وكون هوازن لم تساند قريشا في معاركها ضد المسلمين، لا يمنع ذلك من وجود بعض أفراد من هوازن وقفوا إلى جانب قريش ضد المسلمين، وخاصة من ثقيف، كما حصل من الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة فإنه كان ممّن خرج مع قريش إلى غزوة بدر الكبرى، وأشار إلى حلفائه من بني زهرة بعدم حضور بدر وقال لهم: إنكم خرجتم لنجدة عيركم، وقد سلمت فلا حاجة لكم بحرب المسلمين، فأطاعه بنو زهرة ولم يحضر بدرا زهري فكان في ذلك سلامة لأرواحهم4.
وكما حصل أيضا من عروة بن مسعود الثقفي في صلح الحديبية، فقد جاء بأهله وولده ومن أطاعه من قومه مساندة لقريش، وكان أحد المبعوثين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
____________________
1 انظر: (صحيح البخاري5/119 كتاب المغازي، باب غزوة الفتح. وصحيح مسلم 4/1941 كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بدر، وقصة حاطب بن أبي بلتعة) .
(مجمع الزوائد 6/162- 163) .
3 سرف: بفتح السين المهملة وكسر الراء وآخره فاء: واد كبير من روافد مر الظهران، يسيل من جبل أظلم وما حوله، وفيه هناك الجعرانة يمر شمال مكة على اثني عشر كيلا، ثم يصب في مر الطهران عند دف خزاعة، وفيه بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بميمونة بنت الحارث أم المؤمنين وتوفيت بنفس المكان. (معالم مكة التاريخية والأثرية لعاتق البلادي ص132- 133) .
4 انظر: (ابن الأثير: أسد الغابة 1/60. وابن حجر: الإصابة 1/25) .(1/58)
من قبل قريش للتفاوض معه، وأشار إلى قريش بقبول ما عرضه عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم: "إن هذا عرض عليكم خطة رشد اقبلوها" 1.
ب– تحركات المسلمين العسكرية قبل غزوة حنين:
إن المراد بهذا التحرك هو ذكر الأحداث العسكرية والتحركات الإسلامية التي كانت توطئة لهذه الغزوة.
وبالنظر إلى الروايات التي وردت في هذا الصدد، ظهر أن هذه التحركات الإسلامية كانت ترمي إلى نشر الإسلام بالدعوة إليه، ثم القضاء على كل من يقف في وجه الدعوة الإسلامية.
وكان أبرز أعمال هذه السرايا2 ملاحقة فلول الوثنية حول مكة وهدم ما تبقى من أصنام تُعبد من دون الله، وكان ذلك تمهيداً عسكرياً وتطهيراً للأرض من رجس الوثنية حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
ولقد انهارت الزعامة الوثنية على أيدي المسلمين بفتح مكة، ولم تبق في الجزيرة العربية قوة يحسب لها حساب عند المسلمين بعد أن فتح الله عليهم مكة سوى قبائل هوازن، وهي قبائل كثيرة ممتدة في رقعة واسعة من الأرض، وكانت ذات شوكة ومنعة، فصرف المسلمون نظرهم إليها بعد فتح مكة مباشرة، وفيما يلي بيان التفاصيل وفقا للروايات التاريخية في ذلك.
____________________
1 تقدم هذا الحديث برقم (5) .
2 السرايا: جمع سرية، وهي طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو ثم تعود إليه. سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم، من الشيء السري، أي النفيس.
وقيل: سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا وخفية، وليس هذا بوجيه، لأن لام السر (راء) وهذه ياء. (ابن الأثير: النهاية 2/363) .(1/59)
أوّلاً: سرية خالد بن الوليد لهدم العزى:
كانت هذه السرية مكونة من ثلاثين فارسا بقيادة خالد بن الوليد، بعثهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بعد فتح مكة لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان للهجرة – لهدم العزى أعظم صنم عند قريش ومن دان بدينها من كنانة وبني شيبان من بني سليم1.
فقد ذكر ابن إسحاق: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث خالد بن الوليد إلى العزى، وكانت بنخلة2، وكانت بيتا يعظمه هذا الحي من قريش وكنانة ومضر كلها، وكانت سدنتها وحجابها من بني شيبان3 من بني سليم4 حلفاء بني هاشم5، فلما سمع صاحبها السلمي بمسير خالد إليها، علق عليها سيفه وأسند6 في الجبل الذي هي فيه، وهو يقول:
على خالد ألقي القناع وشمري ... أيا عزى شدي شدة لا شوى7 لها
فبوئي بإثم عاجل أو تنصري ... يا عزى إن لم تقتلي المرء خالدا
فلما انتهى إليها خالد هدمها، ثم رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -8.
____________________
(ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/145. والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/65. وابن الأثير: الكامل 2/176. وابن كثير: البداية والنهاية 4/316، 375. وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/413- 414. والقسطلاني: المواهب اللادنية 1/160. والخضري بك: نور اليقين ص219. وباشميل: غزوة حنين ص17) .
2 هي نخلة الشامية انظر: ص 61 تعليقة (5) .
3 هو: شيبان بن جابر بن مرة بن عيسى بن رفاعة بن الحارث بن عتبة بن سليم بن منصور (الكشميري: فيض الباري 4/239) .
4 بنو سليم: نسبة إلى سليم - بضم السين وفتح اللام- ابن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر. (ابن الأثير: اللباب في تهذيب الأنساب 2/128) .
5 قال ابن هشام: حلفاء بني أبي طالب خاصة. (سيرة ابن هشام 1/84) .
6 أسند في الجبل: رقي وصعد. (المعجم الوسيط 1/453) .
7 لا شوى لها: أي لا تبقي على شيء. يقال: رمى فأشوى إذا لم يصب المقتل. (ابن الأثير: النهاية 2/511) .
8 سيرة ابن هشام 2/436. وانظر: (ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/145. وخليفة بن خياط: تاريخ خليفة ص88. والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/65. وابن الأثير: الكامل 2/176. وابن كثير: البداية والنهاية 4/316، 2/192) .(1/60)
12- وأخرج النسائي في السنن الكبرى فقال، أخبرنا عليّ1 ابن المنذر أخبرنا ابن فضيل2: حدثناالوليد3 بن جميع، عن أبيالطفيل4 قال: لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة، بعث خالد بن الوليد إلى نخلة5، وكانت بها العزى، فأتاها خالد وكانت على ثلاث سمرات فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -
____________________
1 علي بن المنذر الطريقي - بفتح المهملة وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم قاف - الكوفي، صدوق يتشيع، من العاشرة (ت 256) / ت س ق (ابن حجر: التقريب 2/44، وتهذيب التهذيب 7/386) .
وقال ابن أبي حاتم: سمعت منه مع أبي وهو ثقة صدوق.
وقال أيضا: سئل عنه أبي فقال: حج خمسين أو خمسا وخمسين حجة، ومحله الصدق. (الجرح والتعديل 6/206. والذهبي: ميزان الاعتدال 3/157) .
2 محمد بن فضيل بن غزوان - بفتح المعجمة وسكون الزاي - الضبي مولاهم، أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق عارف، رمي بالتشيع، من التاسعة /ع (التقريب 2/200- 201، وتهذيب التهذيب 9/405) . وفي هدي الساري ص441 نقل فيه أقوال العلماء، ثم عقب بقوله: قلت: إنما توقف فيه من توقف لتشيعه، وقد قال أحمد بن علي الأبار، حدثنا أبو هاشم قال: سمعت ابن فضيل يقول: رحم الله عثمان، ولا رحم الله من لا يترحم عليه، قال ورأيت عليه آثار أهل السنة والجماعة، - رحمه الله -، وقد احتج به جماعة.
وقال الذهبي: روى عنه عدد كثير وجم غفير على تشيع كان فيه، إلاّ أنّه كان من علماء الحديث، والكمال عزيز. وختم ترجمته بقوله: وقد احتج به أرباب الصحاح. (سير أعلام النبلاء 9/173- 175) .
وقد ذكر البخاري في (التاريخ الكبير 1/207- 208) : أن وفاة محمد بن فضيل كانت سنة (195) ، وهكذا ذكر الذهبي في (سير أعلام النبلاء، وميزان الاعتدال 4/9- 10، وتذكرة الحفاظ 1/315، والخلاصة للخزرجي 2/450) ، إلاّ أن الذهبي قال: وقيل مات سنة (194) . ووقع في تهذيب التهذيب 9/406 أنّ وفاته كانت سنة (295) وهو خطأ.
3 الوليد بن عبد الله بن جميع - مصغرا - الزهري المكي، نزيل الكوفة، صدوق يهم، ورمي بالتشيع، من الخامسة /بخ م د ت س. هكذا ذكر ابن حجر في التقريب، والرجل وثقه ابن معين وابن سعد، والعجلي وغيرهم، وضعفه العقيلي وابن حبان والحاكم. (ابن حاتم: الجرح والتعديل 9/8، والذهبي: ميزان الاعتدال 4/337، وابن حجر: التقريب2/333،وتهذيب التهذيب11/138-139،والخزرجي: الخلاصة3/121) . وقال الذهبي: في (الكاشف30/210) وثقوه، وقال ابن أبي حاتم: صالح الحديث.
4 هو: عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي، أبو الطفيل وربما سمي عمرا، ولد عام أحد، ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى عن أبي بكر فمن بعده، وعُمِّرَ إلى أن مات سنة عشر ومائة على الصحيح، وهو آخر من مات من الصحابة، قال مسلم وغيره /ع (التقريب1/389، وتهذيب التهذيب5/82) .
5 نخلة: هي الشامية: وهو واد يصب من الغمير ويجتمع مع وادي نخلة اليمانبة في البستان، ويصيران واديا واحدا فيه بطن مر، وكانت العزى في حراض من وادي نخلة الشامية، وحراض: موضع قرب مكة بين المشاش والغمير، وكان أول من اتخذ العزي ظالم بن أسعد. (ياقوت: معجم البلدان 2/234، 5/277) .
وقال حمد الجاسر: المراد بالبستان الذي هو مجتمع النخلتين هو بستان بن معمر، وهو معمر بن عبيد بن معمر، من تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.
ثم قال: والعامة يسمونه بستان بن عامر وهو غلط. (التحقيق على كتاب المناسك للحربي ص365) .
وقال عاتق بن غيث البلادي: نخلة الشامية أكبر روافد وادي مر الظهران تأخذ أعلى مساقطها من جبل "الحبلة" بثلاث فتحات من جهته الشرقية قرب الطائف من الغرب، ثم تسمى أسماء عديدة في رحلتها الطويلة فتمر بالمحرم ثم قرن ثم السيل ثم بعج ثم حراض، ثم المضيق ثم تجتمع مع نخلة اليمانية في وادي الزبارة، لها روافد ضخام من السيل الصغير، وبرى، والزرقاء، وسقام وفيه العزى، سكنها ثقيف، فعتبية، فهذيل. (نسب حرب ص388) .(1/61)
فأخبره فقال: "ارجع فإنك لم تصنع شيئا": فرجع خالد، فلما أبصرته السدنة وهم حَجَبَتُهَا أمعنوا1 في الجبل وهم يقولون:
يا عزى، يا عزى، فأتاها خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحثو التراب على رأسها، فغمسا بالسيف حتى قتلها، ثم رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال: "تلك العزى" 2.
والحديث نسبه السيوطي للنسائي وابن مردويه3.
وقال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه علي4 بن المنذر وهو ضعيف5.
ورواه أبو يعلى فقال: حدثنا أبو كريب6، ثنا محمد بن الفضل به7.
ورواه البيهقي أيضاً من طريق أبي كريب عن محمد بن الفضيل به8.
____________________
1 أمعنوا في الجبل: أي جدوا وأسرعوا في طلوع الجبل. (ابن الأثير: النهاية 4/344) .
2 المزي: تحفة الأشراف 4/235 (حديث 5054) . وابن كثير: التفسير 4/254.
3 الدر المنثور 6/176.
4 في مجمع الزوائد: وفيه يحيى بن المنذر، وهو خطأ، والحديث أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة ص469 عن الطبراني فقال: علي بن المنذر، وقد تقدم القول في علي ابن المنذر في أول هذا الحديث ص وتابعه أبو كريب محمد بن العلاء عند أبي يعلى والبيهقي.
5 مجمع الزوائد 6/176.
6 محمد بن العلاء بن كريب، أبو كريب الهمداني، ثقة حافظ، من العاشرة (ت 248) وقال في التقريب: مات سنة 247، وقال في تهذيب التهذيب: وهو وهم.
ووقع في التقريب الطبعة المصرية في باب الكنى "أبو كريبة" هو محمد بن العلاء، وهو خطأ والصواب أبو كريب بدون هاء./ع (ابن حجر: التقريب2/197، وتهذيب التهذيب 9/385- 386، والخزرجي: الخلاصة 2/46) .
(مسند أبي يعلى 1/107 أ) .
8 ابن كثير: البداية والنهاية 4/316.(1/62)
13- ما رواه بن أبي شيبة في التاريخ قال: حدثنا علي بن مسهر1، حدثنا الأجلح2 عن عبد الله3 بن أبي هذيل قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى العزى فجعل يضربها بسيفه، ويقول:
يا عزى كفرناك لا سبحانك
إني رأيت الله قد أهانك4
والحديث الثاني من طريق أبي الطفيل - رضي الله عنه - وهو من صغار الصحابة فإن كل من ترجم له قال بأنه ولد عام أحد5.
وبعث خالد بن الوليد إلى العزى كان أواخر السنة الثامنة من الهجرة، فيكون سن أبي الطفيل عندئذ خمس سنوات، لأن أحد كانت في السنة الثالثة، وهو وقت يصح السماع فيه6.
14- وقد ورد عند أبي يعلى: عن أبي الطفيل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالجعرانة فقسم لحما وأنا يومئذ غلام7، فأقبلت امرأة بدوية، فلما دنت من النبي - صلى الله عليه وسلم - بسط لها رداءه،
____________________
1 علي بن مسهر - بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء - القرشي الكوفي، قاضي الموصل، ثقة له غرائب بعدما أضر، من الثامنة (ت 189) /ع (التقريب 2/44، تهذيب التهذيب 7/383) .
وقال الذهبي عنه: "علي بن مسهر الإمام الحافظ أبو الحسن". قال أحمد العجلي: "كان ممن جمع بين الفقه والحديث ثقة". (تذكرة الحفاظ 1/290- 291) .
2 الأجلح بن عبد الله بن حجية - بالمهملة والجيم مصغرا - يكنى أبا حجية الكندي، يقال اسمه يحيى، والأجلح لقب، صدوق شيعي من السابعة (ت 145) /بخ ع (التقريب 1/49، تهذيب التهذيب 1/189) .
3 عبد الله بن أبي الهذيل الكوفي، أبو المغيرة، ثقة، من الثانية، مات في ولاية خالد بن عبد الله القسري على العراق/زم ت س. (التقريب1/458،وتهذيب التهذيب 6/62. وكان خالد بن عبد الله القسري واليا على العراق من قبل هشام بن عبد الملك، ثم عزله في سنة (125) . (تهذيب التهذيب 3/101) .
(تاريخ ابن أبي شيبة ص25 بسم الله الرحمن الرحيم) .
5 أنظر ابن عبد البر: (الاستيعاب 4/115 مع (الإصابة) ، وابن الأثير: أسد الغابة 3/145، وابن حجر: تهذيب التهذيب5/82- 83، والتقريب 1/389) . وقد ورد عند أحمد في المسند 5/454 عن أبي الطفيل قال: أدركت ثماني سنين من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وولدت عام أحد.
6 يؤيد ذلك ما رواه البخاري في صحيحه 1/22 من كتاب العلم، باب متى يصح سماع الصغير من حديث محمود بن الربيع قال: "عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو". وانظر: (فتح الباري 1/171- 173 وتدريب الراوي ص237) .
7 الغلام الطار الشاب والكهل ضد، أو من حيث يولد إلى ان يشيب. (القاموس 4/157) .(1/63)
فجلست عليه، فسألت من هذه؟ قالوا أمه التي أرضعته1.
فلو صح هذا الحديث لكان صريح في السماع أبي الطفيل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن قصة الجعرانة، وقصة هدم العزى كانتا في وقت واحد، لأن هدم العزى كان قبل خروج رسول الله - صلى الله عليه مسلم - إلى غزوة حنين، وقصة الجعرانة كانت في وقت تقسيم الغنائم التي غنمها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-من غزوة حنين، ولكن الحديث لم يصح لأن فيه جعفر بن يحيى بن ثوبان، وعمارة بن ثوبان، وكلاهما مجهول الحال2.
ولذا فقد جزم ابن السكن3 برؤية أبي الطفيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون سماعه منه، فقال: جاءت عنه روايات ثابتة أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم4، وأما سماعه منه صلى الله عليه وسلم فلم يثبت5.
وعلى هذا فيكون أبو الطفيل لم يسمع حديث خالد بن الوليد لهدم العزى من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وعليه فيكون الحديث من مراسيل الصحابة وهو مقبول على المعتمد سواء أكان الصحابي الذي أرسل الحديث صغيرا أم كبيرا لم يشهد الحادثة لتأخر إسلامه.
قال النووي: في آخر كلامه على الحديث المرسل: "هذا كله في غير مرسل الصحابي، أما مرسله فمحكوم بصحته على المذهب الصحيح"6.
قال السيوطي: "قوله أما مرسله" أي مرسل الصحابي وذلك كإخباره عن شيء
____________________
(أبو يعلى: المسند 1/107 أ) . والحديث أيضا عند البيهقي، وفيه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم نعماً بالجعرانة. (البداية والنهاية لابن كثير4/364) . والظاهر: أن "نعما" أولى من "لحما".
(الذهبي: ميزان الاعتدال 1/420) . ابن حجر: التقريب 1/132، 2/49، تهذيب التهذيب 2/109، 7/412.
3 ابن السكن: هو الحافظ الحجة أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن البغدادي، نزيل مصر (294- 353) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/937، وكحالة: معجم المؤلفين 4/227) .
4 ثبتت رؤيته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح 2/927، وأحمد: المسند 5/454 من طريق معروف بن خَرَّبُوذ قال: سمعت أبا الطفيل يقول: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن" لفظ مسلم، وزاد أحمد: "وأنا غلام شاب".
(ابن حجر: الإصابة 4/113، وتهذيب التهذيب 5/83) .
(تقريب النووي ص126 مع تدريب الراوي) .(1/64)
فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - أو نحوه ممّا يعلم أنه لم يحضره لصغر سنه أو تأخر إسلامه، (فمحكوم بصحته على المذهب الصحيح) الذي قطع به الجمهور من أصحابنا وغيرهم، وأطبق عليه المحدثون المشترطون للصحيح القائلون بضعف المرسل، وفي الصحيحين من ذلك ما لا يحصى1، لأن أكثر رواياتهم عن الصحابة وكلهم عدول، ورواياتهم عن غير الصحابة نادرة، وإذا رووها بينوها، بل أكثر ما رواه الصحابة عن التابعين ليس أحاديث مرفوعة، بل إسرائيليات أو حكايات أو موقوفات"2. إ?
والحديث بهذا يكون حسنا لغيره، وهو نص في أن الذي تولى هدم العزى هو خالد بن الوليد - رضي الله عنه -.
وقد ذكره ابن إسحاق معضلا، وابن أبي شيبة عن عبد الله بن أبي الهذيل مرسلا3، وأطبق على ذلك علماء المغازي والتفسير.
وأما وجود العزى فقد ثبت في القرآن الكريم، في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى} ، [سورة النجم، الآية: 19] .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
15- "من حلف فقال في حلفه: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلاَّ الله". الحديث..لفظ البخاري4.
هذه إحدى السرايا التي بعثها الرسول - صلى الله عليه وسلم - لضرب معاقل الوثنية وهدم ما تبقى من أعلامها، لأن هدف الإسلام الأول، هو تثبيت عقيدة التوحيد في نفوس الناس، وبيان أن هذه الأوثان والأصنام لا يصح أن تعبد من دون الله، وعبادتها ضرب من
____________________
1 مثل محمود بن الربيع وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو والسائب بن يزيد.
(السيوطي: تدريب الراوي ص126، والسخاوي: فتح المغيث 1/146) .
3 انظر: الحديث رقم 11، 13.
4 الصحيح (6/117) تفسير سورة النجم و8/23 كتاب الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلا، و8/56 كتاب الاستئذان، باب كل لهو باطل إذا شغل عن طاعة الله الخ. و8/112 كتاب الأيمان والنذور، باب لا يحلف باللات والعزى ولا بالطواغيت.
ومسلم: الصحيح (3/1267- 1268) كتاب الأيمان، باب من حلف باللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله.(1/65)
السفه والجهل والخروج عن فطرة الله التي فطر الناس عليها، ومن ثمّ عني الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا الأمر غاية العناية، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي الهيَّاج1 الأسدي، قال:
16- قال لي عليّ بن أبي طالب: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ "أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلاّ سويته" 2.
ثالثاً: هدم مناة:
ومن الأصنام التي كانت خارج الحرم "مناة"، وهي أقدم صنم وأعظمه عند العرب، فقد كان لهذا الصنم من المكانة والإجلال في نفوسهم ما جعلهم يتسمون به، وكانوا يقربون له القرابين ويطوفون به.
قال ابن الكلبي: كان الذي وضع الأصنام في بلاد العرب عمرو ابن لحي3، فكان أقدمها كلها مناة4، وكان منصوبا على ساحل البحر من ناحية المشلل5 بقديد، بين المدينة ومكة، وكانت العرب جميعا تعظمه، وتذبح حوله، وكانت الأوس
____________________
1 أبو الهياج - بتشديد الياء - حيان بن حصين الأسدي، الكوفي، ثقة، من الثالثة/م د ت س. (ابن حجر: التقريب 1/208)
2 مسلم: (الصحيح 2/666 كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبور) .
3 عمرو بن لحي - باللام والمهملة مصغرا - وهو والد خزاعة. (انظر: فتح الباري 6/547. ونهاية الأرب للنويري 2/332) .
4 مناة: بفتح الميم والنون المخففة. قرأ الجمهور "مناة" بألف من دون همزة مشتقة من منى يمنى أي صب، لأن دماء النسك كانت تصب عندها يتقربون بذلك إليها.
وقرأ غير الجمهور "مناءة" بالمد والهمزة، مشتقة من النوء، وهو المطر، لأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء. وقيل: هما لغتان للعرب. (الشوكاني: فتح القدير 5/107- 108)
5 المشلل: بضم الميم وفتح الشين المعجمة ثم لامين أولهما مشدد مفتوح، وأصل هذا الاسم لتل صغير تكسوه حجارة المرو بطرف قديد من الشمال كانت عليه "مناة" الطاغية، ثم نسبت إليه الحرة الكبيرة المنقادة بين قديد ودوران والتي يقع تل المشلل بطرفها الغربي، يفصل بينهما ثنية المشلل، وتسمى الحرة الآن "القديدية" نسبة على وادي قديد.
(انظر: ياقوت: معجم البلدان 2/480، 4/313، 5/136، 204- 205. والبلادي: نسب حرب ص40، 385)(1/66)
والخزرج ومن ينزل المدينة ومكة وما قارب من المنطقة يعظمونه ويذبحون له، ويهدون له، ولم يكن أحد أشد إعظاما له من الأوس والخزرج.
وكانت الأوس والخزرج ومن يأخذ بإخذهم1 من عرب أهل يثرب وغيرها يحجون فيقفون مع الناس المواقف كلها، ولا يحلقون رؤوسهم، فإذا نفروا أتوا مناة فحلقوا رؤوسهم عنده وأقاموا عنده، ولا يرون لحجهم تماما إلا بذلك.
ومناة هذه هي التي ذكرها الله عز وجل فقال: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} ، [سورة النجم، الآية: 20] . وكانت لهذيل وخزاعة، وكانت قريش وجميع العرب تعظمه2 ا.?.
هكذا ذكر ابن الكلبي عن تعظيم العرب لمناة ومكانته في نفوسهم.
17- وقد ورد عند البخاري وغيره من حديث عروة، عن عائشة رضي الله عنها قال: قلت لعائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا يومئذ حديث السن -: أرأيت قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ، [سورة البقرة، الآية: 158] ، فلا أرى3 على أحد شيئا ألا يطوف بهما، فقالت عائشة: "كلا، لو كانت كما تقول4 كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار: كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين
____________________
1 الإخذ: بكسر الهمزة، قال ابن منظور: والعرب تقول: لو كنت منا لأخذت بإخذنا بكسر الهمزة أي أخذت بخلائقنا وزينا وشكلنا وهدينا. (لسان العرب 5/3-4) .
2 ابن الكلبي: كتاب الأصنام ص13-15.
3 فلا أُرى - بضم الهمزة - أي فلا أظن.
4 قوله (لو كانت) أي هذه الآية (كما تقول) أي كما تأولها عليه من الإباحة (لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) بزيادة "لا" بعد "أن" فإنها كانت حينئذ تدل على رفع الإثم عن تاركه، وذلك حقيقة المباح، فلم يكن في الآية نص على الوجوب ولا عدمه.
قال النووي: "قال العلماء: هذا من دقيق علمها وفهمها الثاقب وكبير معرفتها بدقائق الألفاظ، لأن الآية الكريمة إنما دل لفظها على رفع الجناح عمن يطوف بهما، وليس فيه دلالة على عدم وجوب السعي، ولا على وجوبه، فأخبرته عائشة رضي الله عنها أن الآية ليست فيها دلالة للوجوب ولا لعدمه، وبيَّنت السبب في نزولها، والحكمة في نظمها وأنها نزلت في الأنصار حين تحرجوا من السعي بين الصفا والمروة في الإسلام، وأنها لو كانت كما يقول عروة لكانت لا جناح عليه ألا يطوف بهما، وقد يكون الفعل واجبا ويعتقد إنسان أنه يمنع إيقاعه على صفة مخصوصة، وذلك كمن عليه صلاة الظهر وظن أنه لا يجوز فعلها عند غروب الشمس، فسأل عن ذلك فيقال في جوابه: لا جناح عليك إن صليتها في هذا الوقت، فيكون جوابا صحيحا ولا يقتضي نفي وجوب صلاة الظهر". إهـ. (شرح النووي على صحيح مسلم 3/410. وانظر: ابن حجر: فتح الباري 3/499، والمباركفوري: تحفة الأحوذي 8/302، ومحمد شمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود 5/356) .(1/67)
الصفا والمروة، فلمّا جاء الإسلام، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} 1.
وفي لفظ عند البخاري من طريق الزهري عن عروة، قالت عائشة: بئسما قلت يا ابن أختي إن هذه لو كانت كما أولتها عليه، كانت لا جناح عليه أن لا يطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية2 التي كانوا يعبدونها عند المشلل، فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، قالوا: يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية.
قالت عائشة - رضي الله عنها -: وقد سن3 رسول الله- صلى الله عليه وسلم-الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما.
ثم أخبرت4 أبا بكر بن عبد الرحمن فقال: إن هذا لعلم ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أن الناس – إلا من ذكرت عائشة ممن كان يهل بمناة – كانوا يطوفون بالصفا والمروة، فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن، قالوا: يا رسول الله، كنا نطوف بالصفا والمروة، وأنّ الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا، فهل علينا من حرج أن نطوّف بالصفا والمروة؟
____________________
1 البخاري: الصحيح 3/6 كتاب العمرة (باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج) . ومالك: (الموطأ 1/373) كتاب الحج (باب جامع السعي) . وأبو داود: (السنن 1/438- 439) ، كتاب المناسك (باب أمر الصفا والمروة) .
2 الطاغية: صفة إسلامية (لمناة) . (ابن حجر: فتح الباري 3/499) .
3 قول عائشة: "وقد سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطواف بين الصفا والمروة ... الخ": أي فرضه بالسنة وليس مرادها نفي فرضيتها، ويؤيده قولها "لم يتم الله حج أحدكم ولا عمرته ما لم يطف بينهما". (ابن حجر: فتح الباري 3/501) وانظر ص70 تعليقة (3) .
4 القائل (ثم أخبرت) : هو الزهري راوي هذا الحديث كما هو مصرح به عند مسلم. انظر ص69.(1/68)
فأنزل الله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية، قال أبو بكر: "فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما: في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا في الجاهلية بالصفا والمروة، والذين يطوفون، ثم تحرجوا ان يطوفوا بهما في الإسلام من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا حتى1 ذكر ذلك بعدما ذكر الطواف بالبيت"2.
وهو عند مسلم أيضا ولفظه: قال الزهري: فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فأعجبه ذلك، وقال: إن هذا لعلم، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون: إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون: إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية.
وقال آخرون من الأنصار: إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر به بين الصفا والمروة، فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} . قال أبو بكر بن عبد الرحمن: فأراها قد نزلت في هؤلاء وهؤلاء3.
وعند البخاري أيضا قال: قال معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كان رجال من الأنصار ممن كان يهل لمناة – ومناة صنم بين مكة والمدينة – قالوا: يا نبي الله: كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة4.
هكذا علقه البخاري عن معمر، ووصله أحمد ولفظه: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة في قوله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} قالت: كان رجال من الأنصار ممن كان يهل لمناة في الجاهلية ومناة صنم بين مكة والمدينة قالوا: يا نبي الله: إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة فهل علينا من حرج أن نطوف بهما، فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} 5.
____________________
1 قوله: "حتى ذكر ذلك بعدما ذكر الطواف بالبيت"، يعني تأخر نزول آية البقرة في الصفا والمروة عن آية الحج وهي قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ، [الحج: من الآية29] . (ابن حجر: فتح الباري 3/501) .
2 البخاري: (الصحيح 2/132) ، كتاب الحج (باب وجوب الصفا والمروة) .
3 مسلم: (الصحيح 2/929) ، كتاب الحج (باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به)
4 البخاري: (الصحيح 6/118 كتاب التفسير (باب ومناة الثالثة الأخرى) .
5 أحمد: (المسند 6/162) ، ووقع فيه خطأ مطبعي فأسقط "لا" من قوله: كنا لا نطوف ... الخ، والصواب إثباتها كما في رواية البخاري.(1/69)
18- وورد من حديث عاصم بن سليمان قال: سألت أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن الصفا والمروة؟
فقال: كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما فأنزل الله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} .. إلى قوله.. {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} لفظ البخاري1.
ولفظ مسلم: عن أنس قال: كانت الأنصار يكرهون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، حتى نزلت: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} 2.
وعند مسلم أيضا: قال عروة: قلت لعائشة: ما أرى علي جناح أن لا أتطوف بين الصفا والمروة. قالت: لم؟ قلت: لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية. فقالت: لو كان كما تقول لكان: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما وإنما أنزل هذا في أناس من الأنصار، كانوا إذا أهلوا أهلوا لمناة في الجاهلية فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما قدموا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - للحج، ذكروا ذلك له، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلعمري: ما أتم الله3 حج من لم يطف بين الصفا والمروة4.
وفي لفظ: "قلت لعائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما أرى على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئا، وما أبالي ألا أطوف بينهما، قالت: بئسما قلت يا ابن أختي. طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطاف المسلمون فكانت سُنة وإنما كان من أهلَّ لمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة، فلما كان الإسلام سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله عزوجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ولو كانت كما تقول لكانت: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما"5.
____________________
1 البخاري: (الصحيح 6/19- 20) ، كتاب التفسير، باب قوله (إن الصفا والمروة من شعائر الله) .
والترمذي (السنن: 4/277- 278 أبواب التفسير) .
2 مسلم: (الصحيح 2/930 كتاب الحج) ، باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به.
3 وعند البخاري: "ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته ما لم يطف بين الصفا والمروة".
4 مسلم: (الصحيح 2/928 كتاب الحج) .
وابن ماجه: (السنن 2/994 فيه (باب السعي بين الصفا والمروة) .
5 مسلم: (الصحيح 2/929 كتاب الحج) . والترمذي: (السنن 4/277 كتاب التفسير) .
والبخاري: (الصحيح 6/117 كتاب التفسير، باب ومناة الثالثة الأخرى) .(1/70)
وفي لفظ عن عروة بن الزبير: أن عائشة أخبرته أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم وغسان يهلون لمناة فتحرجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة وكان ذلك سنة في آبائهم، من أحرم لمناة1 لم يطف بين الصفا والمروة، وأنهم سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك حين أسلموا، فأنزل الله عز وجل في ذلك {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} .
إن حديث عائشة - رضي الله عنها - برواياته المتعددة يعطينا صورة عن حالة العرب قبل الإسلام، وكيف تمكن الشيطان منهم فزيّن لهم عبادة غير الله من الأصنام والأحجار والأشجار، ويصور لنا مدى حبهم واحترامهم وإجلالهم لهذه الآلهة المزعومة حتى أنهم كانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، وأشدهم في ذلك تعظيما لمناة الأوس والخزرج، فلما جاء الله بالهدى والنور ودخلوا في دين الله الحق، سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حكم طوافهم بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} كما ورد ذلك في حديث عائشة وأنس بن مالك.
هذه نبذة يسيرة عن موقف العرب من الأصنام وما كان لها في نفوسهم من المكانة، وخاصة "مناة" التي كان يعبدها جل العرب، ولذا فإن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عندما دخل مكة فاتحاً وجّه عنايته البالغة إلى تحطيم هذه الأصنام الموجودة داخل الحرم وخارجه، حتى يعبد الله وحده ويكفر بما سواه من الأنداد الفاسدة والعقائد الضالة المنحرفة.
____________________
1 ورد عند مسلم أيضا من طريق أبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه "أن عائشة قالت لعروة: وهل تدري فيما كان ذاك؟ إنما كان ذاك أن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر، يقال لهما إساف ونائلة، ثم يجيؤون فيطوفون بين الصفا والمروة ثم يحلقون، فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية. قالت: فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} ، [البقرة: من الآية158] ، إلى آخرها، قالت: فطافوا".
قال النووي: قال القاضي عياض: (هكذا وقع في هذه الرواية، وهو غلط، والصواب ما جاء في الروايات الأخرى في الباب "يهلون لمناة"، وفي الرواية الأخرى "لمناة الطاغية التي بالمشلل" قال: وهذا هو المعروف، و"مناة" صنم كان نصبه عمرو بن لحي في جهة البحر بالمشلل مما يلي قديدا، وكذا جاء مفسرا في هذا الحديث في الموطأ، وكانت الأزد وغسان تهل له بالحج، ... وأما "إساف ونائلة" فلم يكونا قط في جهة البحر، وإنما كانا عند الكعبة، وقيل على الصفا والمروة. (شرح النووي على صحيح مسلم 3/411، وابن حجر: فتح الباري 3/500) .
قلت: ولعل الوهم من أبي معاوية، فإن الحديث رواه مالك، عن هشام بن عروة عن أبيه فجاء مفسرا فيه أنهم كانوا يهلون لمناة وكانت حذو قديد. انظر: الموطأ 1/373 كتاب الحج، باب جامع السعي.(1/71)
أما الحديث عمن تولى هدم هذا الصنم "مناة" فقد اختلف في ذلك على النحو التالي:
أ- فعند ابن الكلبي أن الذي تولى هدمها هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وكان ذلك سنة ثمان للهجرة، عندما خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المدينة قاصدا فتح مكة، فلما سار من المدينة أربع ليال أو خمس ليال بعث عليا إليها فهدمها وأخذ ما كان لها، فأقبل به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان فيما أخذ سيفان كان الحارث1 بن أبي شمر الغساني ملك غسان أهداهما لها، أحدهما يسمى (مِخْذَماً) والآخر (رسوبا) 2 فوهبهما النبي - صلى الله عليه وسلم - لعيّ - رضي الله عنه -، فيقال: إن ذا الفقار3 سيف عليّ - رضي الله عنه - أحدهما4.
ونسب هذا الفعل إلى علي بن أبي طالب ابن هشام وابن كثير بصيغة التمريض5.
ب- وعند الواقدي وابن سعد أن الذي تولى هدمها هو سعد6 بن زيد الأشهلي. وهذا نص كلام ابن سعد قال: "ثم سرية سعد بن زيد الأشهلي إلى "مناة"
____________________
1 هو الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق، وعند ابن هشام: ملك تخوم الشام، وكان تابعا لقيصر ملك الروم بعث إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتاب مع شجاع بن وهب الأسدي يدعوه فيه إلى الإسلام، فامتنع من الدخول فيه وأسلم حاجبه، ومات الحارث بن أبي شمر عام الفتح. (ابن هشام: السيرة النبوية 2/207، وابن سعد: الطبقات الكبرى 1/261، 3/94، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/644) .
2 ويقال: أن عليا وجد هذين السيفين في الفِلس - بكسر الفاء - وهو صنم طيئ. حيث بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهدمه. (ابن الكلبي: كتاب الأصنام ص15، الفيروز آبادي: القاموس 2/238) .
3 كون ذي الفقار أصابه عليّ - رضي الله عنه - عندما هدم "مناة" أو هدم "الفلس" يرد هذا حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد فقال: رأيت في سيفي ذي الفقار فلا فأولته فلا يكون فيكم. الحديث: لفظ أحمد. (أحمد: المسند 1/271، والترمذي: السنن 3/61 كتاب السير (باب في النفل) ، وابن ماجه: السنن 2/939 كتاب الجهاد (باب السلاح) ، والحاكم: المستدرك 2/128- 129، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي، ومن طريق الحاكم أورده البيهقي كما هو عند ابن كثير: البداية والنهاية 4/11. وبهذا الحديث يتضح أن ذا الفقار كان موجودا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل هدم "مناة" بأعوام.
4 ابن الكلبي: (كتاب الأصنام ص15، ابن حجر: فتح الباري 8/612) .
5 ابن هشام: (السيرة النبوية 1/86، ابن كثير: التفسير 4/254، والبداية والنهاية 2/192) .
6 سعد بن زيد بن مالك بن عبد بن كعب بن عبد الأشهل الأنصاري الأشهلي، هو الذي بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبايا من بني قريضة فاشترى بها من نجد خيلا وسلاحا. (ابن حجر: الإصابة 2/28) .(1/72)
في شهر رمضان سنة ثمان من مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين فتح مكة سعد بن زيد الأشهلي، إلى مناة، وكانت بالمشلل للأوس والخزرج وغسان، فلما كان يوم الفتح بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعد بن زيد الأشهلي، يهدمها فخرج في عشرين فارسا حتى انتهى إليها وعليها سادن، فقال السادن: ما تريد؟ قال: هدم مناة! قال: أنت وذاك! فأقبل سعد يمشي إليها وتخرج إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل وتضرب صدرها، فقال السادن: مناة دونك بعض غضباتك! ويضربها سعد بن زيد الأشهلي وقتلها ويقبل إلى الصنم معه أصحابه فهدموه، ولم يجدوا في خزانتها شيئا، وانصرف راجعا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان ذلك لست بقين من شهر رمضان1.
هكذا ذكر ابن سعد بدون إسناد.
?- وقيل أن الذي بعث لهدمها هو أبو سفيان بن حرب2.
هذه هي أقوال العلماء فيمن بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهدم مناة وهذه الروايات مختلفة في تعيين الصحابي الذي هدم "مناة" كما أنها اختلفت أيضا في زمن الهدم، فيظهر من بعضها أنه حصل هدم "مناة" قبل الفتح، وهذا ما ذكره ابن الكلبي، وذكر الواقدي وابن سعد أن ذلك كان بعد الفتح، وهو خلاف لا أثر له؛ لأن الغاية التي تحققت هي هدم "مناة" هذا الصنم الذي يحتل مكانة خاصة في نفوس العرب، وتصرف له العبادة، من دون الله، فهو إذاً واحد من الآلهة المزعومة التي يقف عابدوها في وجه الدعوة الإسلامية، بل هو أعتى صنم عند القوم، من أجل ذلك أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهدمه، فبعث له من يقوم بهذه المهمة، وحين أراد تنفيذ هدمه اعترضه السادن قائلا: ماذا تريد؟ فقال الصحابي الجليل: أريد هدم مناة، فقال السادن: أنت وذاك، ثم قال بثقة غريبة: "مناة دونك بعض غضباتك" وهو يعتقد بأن إلهه سوف
____________________
(ابن سعد: الطبقات الكبرى2/146-147، والواقدي: المغازي 2/869-870) . وانظر: (الطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/66، وابن عبد البر: الاستيعاب 2/47 مع "الإصابة"، وابن الأثير: الكامل 2/177 وأسد الغابة 2/352، وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/414، وابن حجر: الإصابة 2/28) .
(ابن هشام: السيرة النبوية 1/86، وابن كثير: التفسير 4/254 والبداية والنهاية 2/192، وابن حجر الإصابة 2/179 منسوبا لابن إسحاق) .(1/73)
يدافع عن نفسه ويبطش بمن أراده بسوء، ممَّا يدل على تمكن هذه العقيدة في نفوس العرب، فتقدم الصحابي الجليل فهدمه، فسقط في أيدي القوم واتضح لهم ما كانوا عليه من باطل.
وصدق الله إذ يقول: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} ، [سورة الأنبياء، الآية: 18] .
ثالثاً: سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة:
كانت هذه السرية مكونة من ثلاثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار وغيرهم من قبائل العرب، وكانت عقب فتح مكة في شهر شوال سنة ثمان للهجرة، قبل الخروج إلى غزوة حنين.
قال ابن حجر: وهذا البعث كان عقب فتح مكة في شهر شوال قبل الخروج إلى حنين عند جميع أهل المغازي1.
19- قال ابن اسحاق: حدثني حكيم2 بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي جعفر3 محمد بن علي قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعيا، ولم يبعثه مقاتلا، ومعه قبائل من العرب:
____________________
(فتح الباري 8/57، وعند ابن سعد "كان ذلك بعد أن رجع خالد من هدم العزّى، وتعرف هذه السرية "بيوم الغميصاء". (الطبقات الكبرى 2/147) . والغميصاء: بضم الغين المعجمة وفتح الميم وسكون التحتية فصاد مهملة ممدودة - ماء لبني جذيمة أوقع فيه خالد بن الوليد ببني جذيمة. (الطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/66، وخليفة بن خياط: التاريخ ص 88، وياقوت: معجم البلدان 4/214، والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/2) .
2 حكيم بن حكيم بن عبّاد بن حنيف - مصغرا - الأنصاري الأوسي، صدوق، من الخامسة / عم (ابن حجر: التقريب 1/194، وتهذيب التهذيب 2/448) .
3 محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو جعفر الباقر، ثقة فاضل من الرابعة (ت بضع عشرة ومائة) /ع. (التقريب 2/192، وتهذيب التهذيب 9/350، وفتح الباري 8/57) .(1/74)
سُليم1بن منصور، بن مُدِلج2 بن مرة، فوطئوا بني جَذِيْمة3 ابن عامر بن عبد مناة بن كنانة، فلما رآه القوم أخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا ...
فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك، فاكتفوا، ثم عرضهم على السيف، فقتل من قتل منهم، فلما انتهى الخبر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رفع يديه على السماء، ثم قال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد" 4.
والحديث أخرجه خليفة بن خياط من طريق ابن إسحاق مختصرا، والطبري وابن كثير بتمامه5.
والحديث معضل لأنه من رواية محمد بن علي، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو لم يدرك ذلك، لأن ولادته كانت ما بين سنة أربعين إلى سنة ست وخمسين6. وبالتالي يكون الحديث ضعيفا.
____________________
1 سليم بن منصور بن هوازن.
2 مُدِلج - بضم الميم وسكون الدال وكسر اللام - هو: مدلج بن مرة بن عبد مناة ابن كنانة، بطن كبير من كنانة، منهم سراقة بن مالك بن جعثم المدلجي له صحبة، ومنهم القافة الذين يلحقون الأولاد بالآباء منهم مجزز المدلجي له صحبة أيضا. (ابن الأثير: اللباب في تهذيب الأنساب 2/183، وأسد الغابة 2/331، وابن حجر: الإصابة 3/365) .
3 جذيمة: بفتح الجيم وكسر المعجمة ثم تحتانية ساكنة، وزن "عظيمة" بين في الحديث بأنه ابن عامر بن عبد مناة بن كنانة، وكانوا بأسفل مكة من ناحية يَلَمْلَم.
ووهم الكرماني فظن أنه من بني جذيمة بن عوف بن بكر بن عوف، قبيلة من عبد القيس. (ابن حجر: فتح الباري 8/58 و10/142) .
قلت: ومثل قول الكرماني قال القسطلاني (المواهب اللدنية 1/161) . وتعقبه الزرقاني بقوله: فعجب من المصنف كيف جزم بما حكم شيخ الحفاظ ابن حجر بأنه وهم، وكذا قال إمام المغازي ابن إسحاق، وتابعه الإمام اليعمري وغيره. (انظر: شرح المواهب 3/2) .
ويَلَمْلَم: بفتح المثناة التحتية فلامين مفتوحتين بينهما ميم ساكنة، آخره ميم أخرى، اسم لا ينصرف، وهو جبل من جبال تهامة، يبعد عن مكة جنوبا بمرحلتين، وبالكيلمتر (80) وهو ميقات أهل اليمن. وميقات جاوه والهند والصين قديما. (ياقوت: معجم البلدان 5/441، وعبد الله بن صالح آل بسام: تيسير العلام 1/501) . وعاتق البلادي: (معالم مكة التاريخية والأثرية ص 328) .
(سيرة ابن هشام 2/428- 429) .
(تاريخ خليفة ص87- 88، وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/66- 67، والبداية والنهاية لابن كثير 4/312) .
6 ابن حجر: (تهذيب التهذيب 9/351) .(1/75)
20- وأخرج الطبري من طريق ابن إسحاق قال حدثني عبد الله1 بن أبي سلمة قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف-فيما بلغني-كلام2 في ذلك، فقال له3: عملت بأمر الجاهلية في الإسلام، فقال: إنما ثأرت بأبيك، فقال عبد الرحمن بن عوف: كذبت، قد قتلت قاتل أبي. ولكنك ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة، حتى كان بينهما شيء، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مهلاً يا خالد، دع عنك صاحبي، فوالله لو كان لك أحد ذهبا ثم أنفقته في سبيل الله، ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته" 4. والحديث مرسل.
وهو يدل على ما وقع من خالد بن الوليد مع بني جذيمة، إنما هو انتقام وثأر لعمه الفاكه بن المغيرة، وهذا لا يليق بخالد بن الوليد وبصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامة، ولا ينبغي أن يظن بهم أنه يصدر منهم مثل هذا، والحديث ضعيف لا تقوم بمثله حجة، والصحيح في ذلك ما جاء في حديث ابن عمر عند البخاري والنسائي وأحمد وعبد بن حميد، وهذا سياقه عند البخاري:
____________________
1 عبد الله بن أبي سلمة الماجشون-بفتح الجيم وضم الشين-التيمي مولاهم، ثقة من الثالثة (ت106) / م د س. (ابن حجر: التقريب1/420،وتهذيب التهذيب5/343) .
2 هذا الكلام الذي حصل بين خالد وعبد الرحمن بن عوف جاء عند ابن إسحاق أن سببه أن بني جذيمة كانوا قد أصابوا في الجاهليه عوف بن عبد عوف، والد عبد الرحمن بن عوف، والفاكه بن المغيرة. وذلك أن الفاكه بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وعوف بن عبد مناف بن عبد الرحمن بن زهرة، وعفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس قد خرجوا تجارة إلى اليمن، ومع عفان ابنه عثمان، ومع عوف ابنه عبد الرحمن، فلما أقبلوا حملوا مال رجل من بني جذيمة بن عامر - كان هلك باليمن إلى ورثته، فادعاه رجل منهم يقال له خالد بن هشام، ولقيهم بأرض بني جذيمة قبل أن يصلوا إلى اهل الميت، فأبوا عليه، فقاتلهم بمن معه من قومه على المال لياخذه، وقاتلوه، فقتل عوف بن عبد عوف، والفاكه بن المغيرة، ونجا عفان بن أبي العاص وابنه عثمان وأصابوا مال الفاكه بن المغيرة، ومال عوف ابن عبد عوف، وانطلقوا به، وقتل عبد الرحمن بن عوف خالد بن هشام قاتل أبيه، فهمت قريش بغزو بني جذيمة، فقالت بنو جذيمة: ما كان مصاب أصحابكم عن ملأ منا، إنما عدا عليهم قوم بجهالة، فأصابوهم ولم نعلم، فنحن نعقل لكم ما كان لكم قبلنا من دم أو مال، فقبلت قريش ذلك، ووضعوا الحرب. (سيرة ابن هشام 2/431، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/68، والسهيلي: الروض الأنف 7/129، وابن كثير: البداية النهاية 4/314) .
3 أي فقال عبد الرحمن بن عوف لخالد بن الوليد.
(الطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/66، وسيرة ابن هشام 2/431) .(1/76)
21- قال حدثني محمود1، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، -ح2- وحدثني نعيم3، أخبرنا عبد الله، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: بعث النبي - صلى الله خالد - بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون صبأنا4 صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر5، ودفع إلى كل رجل منا أسيره6، حتى إذا كان يوم7 أمر خالد أن يقتل كل
____________________
1 محمود: هو ابن غيلان العدوي مولاهم.
(ابن حجر: فتح الباري 8/57، وتهذيب التهذيب 10/64) .
(ح) هذه لها أربعة معان:
أ - أن المراد بها التحويل من سند إلى سند آخر، وهذا هو المشهور.
ب - أنها من الحيلولة أي حالت بين السند الأول والسند الثاني، بمعى فصلت بين إسنادين.
?- أنها إشارة إلى بقية الحديث، كأنه قال لك اقرأ الحديث.
د- أن المراد بها صح، كأنه يقول: الإسناد الأول صحيح، هؤلاء رواته، والإسناد الثاني صحيح وهؤلاء رواته. وحسن إثبات صح هنا لئلا يتوهم أن حديث هذا الإسناد سقط، ولئلا يركب الإسناد الثاني على الأول، فيجعلا إسنادا واحدا. (انظر: المقدمة ابن الصلاح ص218- 219 مع (التقييد والإيضاح) ، وتقريب النووي ص303- 304 مع (تدريب الراوي) .
3 نعيم: هو ابن حماد، وعبد الله: هو ابن المبارك (ابن حجر: فتح الباري 8/57) .
4 قوله: "صبأنا صبأنا" قال ابن حجر: هذا من ابن عمر راوي الحديث، يدل على أنه فهم أنهم أرادوا الإسلام حقيقة، ويؤيد فهمه أن قريشا كانوا يقولون لكل من أسلم صبأ، حتى اشتهرت هذه اللفظة، وصاروا يطلقونها في مقام الذم. ومن ثم لما أسلم ثمامة بن أثال وقدم مكة معتمرا قالوا له: صبأت؟ قال: لا بل أسلمت، فلما اشتهرت هذه اللفظة بينهم في موضع أسلمت استعملها هؤلاء.
وأما خالد فحمل هذه اللفظة على ظاهرها، لأن قولهم "صبأنا" أي خرجنا من دين إلى دين، ولم يكتف خالد بذلك حتى يصرحوا بالإسلام.
وقال الخطابي: يحتمل أن يكون نقم عليهم العدول عن لفظ الإسلام، لأنه فهم عنهم أن ذلك وقع منهم على سبيل الأنفة، ولم ينقادوا إلى الدين فقتلهم متأولا قولهم. (فتح الباري 8/57) .
5 وعند النسائي "وجعل خالد قتلا وأسرا". وعند أحمد "وجعل خالد بهم أسرا وقتلا".
قال ابن حجر: وفي كلام ابن سعد أن خالدا أمرهم أن يستأسروا فاستأسروا فاكتف بعضهم بعضا، وفرقهم في أصحابه.
ثم قال ابن حجر: فيجمع بأنهم أعطوا بأيديهم بعد المحاربة. (فتح الباري 8/57، وانظر: (الطبقات الكبرى لابن سعد 2/147- 148) .
6 وعند أحمد "ودفع إلى كل رجل منا أسيراً".
7 وعند النسائي وأحمد وعبد بن حميد "حتى إذا أصبح يوماً".(1/77)
رجل منا أسيره، فقلت1: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرناه2، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه، فقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين" 34.
والحديث رواه أحمد، وعبد بن حميد، كلاهما عن عبد الرزاق، عن معمر به5.
ورواه النسائي من طريق هشام6 بن يوسف، وعبد الرزاق، ومن طريق عبد الله بن المبارك ثلاثهم عن معمر به7.
والحديث صريح في أن خالدا قتل بني جذيمة لعدم تصريهم بالإسلام، واقتصارهم على قولهم "صبأنا" فلم يقبل ذلك خالد منهم ولم يعتبره عاصما لدمائهم، وهذا يرد ما جاء في الروايات المتقدمة من أن خالدا قتلهم ثأرا بعمه الفاكه بن المغيرة.
ولذا فقد أورد ابن كثير الأحاديث التي ساقها ابن إسحاق، التي ظاهرها أن ما وقع من خالد بن الوليد مع بني جذيمة كان بدافع الانتقام والأخذ بثأر عمه، ثم عقب بقوله "وهذه مرسلات ومنقطعات".
ثم أورد حديث ابن عمر بإسناد أحمد بن حنبل، ثم قال: ورواه البخاري والنسائي من حديث عبد الرزاق به نحوه8.
____________________
1 وعند النسائي وأحمد وعبد بن حميد "قال ابن عمر: فقلت".
2 وعند أحمد "قال: فقدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له صنيع خالد".
وعند النسائي "قال: فقدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر له صنيع خالد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، ورفع يديه، "اللهم إني أبرأ إليك" ... الخ.
وعند عبد بن حميد "فذكر له ما صنع خالد".
3 وعند عبد بن حميد "مرتين أو ثلاثا".
4 البخاري: (الصحيح 5/131 كتاب المغازي (باب بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن وليد إلى بني جذيمة) . و9/1 كتاب الأحكام، باب إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم فهو رد. و8/63 كتاب الدعوات، باب رفع الأيدي في الدعاء تعليقا مختصرا. و4/80 كتاب الجزية، باب إذا قالوا صبأنا، تعليقا أيضا.
5 أحمد: (المسند 2/150- 151، وعبد بن حميد: المسند 1/100 بسم الله الرحمن الرحيم) .
6 هشام بن يوسف، هو: الصنعاني أبو عبد الرحمن. (ابن حجر: تهذيب التهذيب 11/57) .
7 السنن 8/208 كتاب آداب القضاة (باب الرد على الحاكم إذا قضى بغير حق) .
(البداية والنهاية 4/313- 314) .(1/78)
وعند تفسير قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} الآية1،
قال: والجمهور على أن المراد بالفتح ههنا فتح مكة ...
22- وقد يستدل لهذا القول بما قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد2 ابن عبد الملك، حدثنا زهير3، حدثنا حميد4، عن أنس5، قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام فقال خالد لعبد الرحمن: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "دعوا لي أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أُحد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم" 6.
ثم قال ابن كثير: ومعلوم أن إسلام خالد بن الوليد المواجه بهذا الخطاب كان بين صلح الحديبية وفتح مكة، وكانت هذه المشاجرة بينهما في بني جذيمة، الذين بعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد بعد الفتح، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فأمر خالد بقتلهم وقتل من أسر منهم، فخالفه عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر وغيرهما، فاختصم خالد وعبد الرحمن بسبب ذلك7.
فهذا الصنيع من ابن كثير - رحمه الله تعالى - يدل على أنه لم يرتض ما قاله
____________________
1 سورة الحديد – آية: 10.
2 أحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني، أبو يحيى الأسدي، ثقة تكلم فيه بلا حجة، من العاشرة (ت221) /خ س ق. (ابن حجر: التقريب1/20،وتهذيب التهذيب1/57) .
3 زهير بن معاوية بن خديج، أبو خثيمة الجعفي الكوفي، نزيل الجزيرة، ثقة ثبت، من السابعة (ت72 أو173 أو 174) /ع. (التقريب1/265،وتهذيب التهذيب1/351) .
4 حميد بن أبي حميد الطويل، أبو عبيدة البصري، ثقة مدلس، وعابه زائدة لدخوله في شيء من أمر الأمراء، من الخامسة (ت 142، 143) وهو قائم يصلي/ع. (التقريب 1/202، وتهذيب التهذيب 3/38) .
5 أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خدمه عشر سنين، صحابي مشهور (ت92 وقيل 93) وقد جاوز المائة/ع. (ابن خجر: التقريب 1/84، وتهذيب التهذيب 1/376) .
6 الحديث في مسند أحمد 3/266 وفيه حميد وهو مدلس وقد عنعن ولكن أصل المشاجرة بين خالد وعبد الرحمن بن عوف ثابتة في صحيح مسلم 4/1967 كتاب فضائل الصحابة (باب تحريم سب الصحابة) من حديث أبي سعيد الخدري قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا أحدا من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أُحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه".
(ابن كثير: التفسير 4/306) .(1/79)
ابن إسحاق وموافقوه من أن سبب الخصومة بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف هو قتل خالد لبني جذيمة ثأرا بعمه الفاكه1.
والحق أن الاختلاف والمشاجرة بين عبد الرحمن وخالد، كان بسبب قول بني جذيمة "صبأنا صبأنا".
ففهم منها عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر أن مراد القوم بهذه الكلمة الدخول في الإسلام.
وحملها خالد على أن القوم يتنقصون الإسلام ويحتقرونه وأنه لا بدّ من تصريهم بكلمة "أسلمنا".
وهذا هو الذي يتعين المصير إليه إجلالا لصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوقوع في مثل هذا.
وفيما يلي ننقل شيء ممّا قاله العلماء حول موقف خالد بن الوليد - رضي الله عنه - مع بني جذيمة، ليتجلى الموقف أكثر، ويتضح أن ما فعله خالد كان بهدف نصرة الإسلام والمسلمين:
عذر خالد بن الوليد:
إن الذي فعله خالد بن الوليد رضي الله عنه مع بني جذيمة كان عن تأويل واجتهاد إذ لم يتيقن أن القوم أسلموا بقولهم "صبأنا"، ومعلوم أن المجتهد إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر.
وهذا ما حصل من خالد - رضي الله عنه -، فإنه اجتهد في ذلك ولكنه أخطأ، ولذا فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يؤاخذه على ما صنع، وإن كان تبرأ من فعله وغضب - صلى الله عليه وسلم - لتسرعه وعدم تثبته.
قال بن كثير- بعد أن ساق المشاجرة التي أوردها ابن إسحاق بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف2:
____________________
1 انظر ص76 من هذا المبحث، تعليقة (1) .؟؟؟
2 انظر ص: 78- 80.(1/80)
والمظنون بكل منهما أنه لم يقصد شيئا من ذلك، وإنما يقال هذا في وقت المخاصمة، فإنما أراد خالد بن الوليد نصرة الإسلام وأهله، وإن كان أخطأ في أمر، واعتقد أنهم ينتقصون الإسلام بقولهم "صبأنا صبأنا" ولم يفهم عنهم أنهم أسلموا، فقتل طائفة كثيرة منهم وأسر بقيتهم، وقتل أكثر الأسرى أيضا؛ ومع هذا لم يعزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل استمر به أمرا، وإن كان قد تبرأ منه في صنيعه ذلك، وودى1 ما كان جناه خطأ في دم أو مال ... ولهذا لم يعزله الصديق حين قتل مالك2 ابن نويرة أيام الردة وتأول عليه ما تأول حين ضرب عنقه واصطفى امرأته أم تميم، فقال له عمر بن الخطاب: اعزله فإن في سيفه رهقا3، فقال الصديق: لا أغمد سيفا سله الله على المشركين4.
وقال ابن حجر: قوله: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" يعني من قتله الذين قالوا: "صبأنا" قبل أن يستفسرهم عن مرادهم بذلك القول، فإن فيه إشارة إلى تصويب فعل ابن عمر ومنم تبعه في تركهم متابعة خالد على قتل من أمرهم بقتلهم من
____________________
1 أي سلم دية القتلى، جاء ذلك عند ابن إسحاق من مرسل أبي جعفر محمد بن علي قال: ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، فقال: يا علي، اخرج إلى هؤلاء القوم، فانظر في أمرهم، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك، فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال، حتى إنه لا يدي لهم ميلغة الكلب، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه، بقيت معه بقية من المال، فقال لهم علي - رضوان الله عليه - حين فرغ منهم: هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يود لكم؟ قالوا: لا، قال: فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال، احتياطا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مما يعلم ولا تعلمون ففعل. الحديث. (انظر: سيرة ابن هشام 2/430) .
2 هو: مالك بن نويرة اليربوعي، ومحصل قصة قتله أن خالد بن الوليد سار إليه وكان بالبُطحاء، فلما وصل خالد البطحاء بث السرايا، فأسروا مالكا في جملة من أصحابه، وكانت ليلة شديدة البرد، فنادى منادي خالد: أن أدفئوا أسراكم، فظن القوم أنه أراد قتلهم فقتلوهم، وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة.
وقيل: إن خالدا استدعى مالك بن نويرة فأنبه على ما صدر منه من متابعة سجاح، وعلى منعه الزكاة، وقال له: ألم تعلم أن الزكاة قرينة الصلاة؟ فقال مالك: إن صاحبكم - يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يزعم ذلك. فقال خالد: أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟. يا ضرار اضرب عنقه، فضرب ضرار عنقه، واصطفى خالد امرأته أم تميم بنت المنهال. (ابن كثير: البداية والنهاية 6/322) .
3 رهقا: بالتحريك: أي عجلة (ابن الأثير: النهاية 2/283) .
(ابن كثير: البداية والنهاية 4/314) . وفي مسند أحمد 3/475- 476 أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، خطب الناس بالجابية ووزع عليهم الأعطيات حسب سبقهم في الإسلام الحديث مطول وفيه "فقال له أبو عمرو بن حفص بن المغيرة يعاتبه في عزل خالد ابن الوليد: لقد نزعت عاملا استعمله رسول الله، وغمدت سيفا سله رسول الله، ووضعت لواء نصبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".(1/81)
المذكورين، ثم قال: وقال الخطابي1: الحكمة في تبرئه - صلى الله عليه وسلم - من فعل خالد مع كونه لم يعاقبه على ذلك، لكونه مجتهدا أن يعرف أنه لم يأذن له في ذلك خشية أن يعتقد أحد أنه كان بإذنه، لينْزَجر غير خالد بعد ذلك عن مثل فعله.
وقال أيضا: إنما أنكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خالد حيث لم يتثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا. ا.? كلام الخطابي2.
وقال العامري: إنما أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على خالد حيث لم يتثبت في أمرهم، ثم عذره في إسقاط القصاص، لأن هذا ليس تصريحا في قبولهم الدين3.
وقال القسطلاني: إنما نقم على خالد استعجاله في شأنهم، وترك التثبت في أمرهم إلى أن سيرى المراد من قولهم صبأنا4، ولم يرى عليه قودا لأنه تأول أنه كان مأمورا بقتالهم إلى أن يسلموا5.
وقد تبين ممّا سبق من أقوال العلماء أن هذه المسألة بين خالد قائد السرية وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر مسألة اجتهادية أخطأ فيها خالد حينما تسرع في قتل القائلين "صبأنا"، ورأى عبد الرحمن وابن عمر أن مراد القوم بهذه الكلمة الإسلام.
____________________
1 هو الإمام العلامة المفيد المحدث الرحال أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي، صاحب التصانيف، وكان ثقة متثبتا من أوعية العلم، من تصانيفه الكثيرة: "أعلام السنن"، شرح به صحيح البخاري، و"معالم السنن" شرح به سنن أبي داود، توفي الخطابي رحمه الله سنة (388هـ) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/1018-1020، والمباركفوري: مقدمة تحفة الأحوذي1/126،253-254) .
2 ابن حجر: (فتح الباري 6/274، 8/57- 58، 13/182، والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/3-4) .
3 بهجة المحافل 1/444.
4 قال الزرقاني: وهذا إنما هو على رواية الصحيح، وأما ما ذكره ابن سعد من أن بني جذيمة عندما جاءهم خالد فقال لهم: ما أنتم؟ قالوا: مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد وبنينا المساجد في ساحتنا وأذّنا فيها. فيحمل على أن خالدا تأول أن هذا القول منهم تقية، كما تأول أسامة بن زيد في الرجل الذي قتله بعد أن قال لا إله إلا الله، ظنا منه أنه قالها خوفا من السيف. (شرح المواهب اللدنية 3/4) . وانظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 2/147 فقد ساق قصة خالد مع بني جذيمة بدون إسناد.
وساقها الواقدي في مغازيه 3/875 من مرسل أبي جعفر محمد بن علي بن حسين الباقر.
5 إرشاد الساري 6/416- 417. وقال ابن إسحاق: وقد قال بعض من يعذر خالدا أنه قال: ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبد الله بن حذافة السهمي، وقال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم عن الإسلام. (سيرة ابن هشام2/430) .(1/82)
ولم يفهم ذلك خالد، ولذلك وقع النزاع، وبما أن خالدا هو أمير السرية فقد أنفذ القتل فيهم، إذ فهم أن القوم يسخرون من الإسلام بقولهم "صبأنا" لأن قريشا كانت تنبز الذي يدخل في الإسلام بأنه صابئ، تعييرا له، وكان هذا مشهورا وقد وقع لخالد نفسه حين أسلم، فقال له عكرمة بن أبي جهل صبأت يا خالد، قال بل أسلمت، وكذلك وقع مثله لثمامة بن أثال، وعمر بن الخطاب1 وغيرهم من الصحابة، فعذر خالد في إسراعه بقتل أولئك القوم قائم، وهو أنه لم يفهم منهم إلا رفض الإسلام، لأنهم لم يصرحوا به، ولكنه لم يستفسرهم عن مرادهم ولم يأخذ برأي عبد الرحمن بن عوف وابن عمر فكان ذلك خطأ منه تبرأ من صنيعه فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وودى أولئك القتلى وأقر خالدا على إمرته، لأنه مجتهد ولم يكن يقصد إلا نصرة الإسلام بما فعل2.
__________
1 انظر: (أسد الغابة لابن الأثير 1/294. والإصابة لابن حجر: 1/203، 244) .
2 انظر: (صادق العرجون في كتابه: خالد بن الوليد ص81، 83، 89، 90، 91) .(1/83)
الباب الأول: في الحديث عن غزوة حنين
الفصل الأول: في مقدمات الغزوة
المبحث الأول: سبب الغزوة
...
المبحث الأول: سبب الغزوة
بعد فتح مكة والقضاء على أعظم قوة للشرك في الجزيرة العربية لم يبق أمام المسلمين إلا قبائل هوازن وثقيف المتاخمة لمكة المكرمة، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصمما على مطاردة فلول الوثنية والإجهاز على معاقل الشرك في جزيرة العرب التي لا يجتمع فيها دينان، وقد ترامت أنباء فتح مكة في أنحاء الجزيرة العربية وخاصة في ديار هوازن وثقيف القريبة من مكة، وما أن سمعت قبائل هوازن بهذا الفتح الإسلامي الكبير حتى تداعت فيما بينها تتدارس هذا الحدث الجلل وترصد تحركاته نحوها، فكانت النتيجة أنها عزمت أن تهاجم المسلمين قبل أن يهاجموها، فأعدت عدتها وحشدت قواها المادية والبشرية، وقد جاء التصريح بحقيقة ما كانوا يبيتون للمسلمين من كيد في الروايات الآتية:
23- ما رواه الحاكم قال: حدثنا أبوالعباس1محمد بن يعقوب، ثنا أحمد2 بن
____________________
1 هو محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأموي مولاهم النيسابوري المعروف بالأصم، الإمام المفيد الثقة المحدث المشرق. قال الحاكم: كان محدث عصره بلا مدافعة.
وقال أيضا: حدث (76) سنة، ولم يختلف في صدقه وسماعه (ت 346) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/860- 864) .
2 أحمد بن عبد الجبار بن محمد العطاردي - بضم العين المهملة والطاء الخفيفة - أبو عمرو الكوفي، ضعيف، وسماعه للسيرة صحيح، من العاشرة، لم يثبت أن أبا داود أخرج له (ت 272) /د (التقريب 1/19، وتهذيب التهذيب 1/51- 52) .(1/87)
عبد الجبار، ثنا يونس1 بن بكير، عن ابن2 إسحاق قال: حدثني عاصم3 بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن4 بن جابر، عن أبيه جابر ابن عبد الله - رضي الله عنهما -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سار إلى حنين لما فرغ من فتح مكة، جمع مالك بن عوف النصري من بني نصر وجشم ومن سعد بن بكر وأوزاع من بني هلال وناسا من بني عمرو5 بن عامر بن عوف بن عامر وأوزعت معهم الأحلاف من ثقيف وبنو مالك ثم سار بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسار مع الأموال والنساء والأبناء، فلما سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الله6 بن أبي حدرد الأسلمي فقال: اذهب فادخل في القوم حتى تعلم لنا من علمهم فدخل فمكث فيهم يوماً أو يومين ثم أقبل فأخبره الخبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب: ألا تسمع ما يقول ابن أبي الحدرد؟
فقال عمر: كذب ابن أبي الحدرد، فقال ابن أبي الحدرد: إنّ كذبتني فربما كذبت من هو خير مني، فقال عمر يا رسول الله ألا تسمع ما يقول ابن أبي الحدرد؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد كنت يا عمر ضالا فهداك الله - عز وجل –"، ثم بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم
____________________
1 يونس بن بكير بن واصل الشيباني، أبو بكر الجمال الكوفي، صدوق يخطئ، من التاسعة (ت 199) /خت م د ت ز ق. (ابن حجر: التقريب 2/384) . وفي (تهذيب التهذيب 11/434- 436) ، وصفه بقوله: يونس بن بكير بن واصل الشيباني الجمال الكوفي الحافظ، ثم ساق كلام العلماء فيه والذين وثقوه أكثر ممن ضعفه.
وقال الذهبي في (تذكرة الحفاظ 1/326) ،:يونس بن بكير بن واصل الحافظ العالم المؤرخ أبو بكر الشيباني الكوفي الجمال صاحب المغازي، ثم ذكر جماعة ممن روى عنهم ورووا عنه، ثم قال: قال ابن معين: كان صدوقا، وقال أبو حاتم: محله الصدق، وسئل عنه أبو زرعة: أي شيء ينكر عليه؟ فقال: أما الحديث فلا أعلمه، ثم نقل تضعيفه عن أبي داود، وذكر أن ابن عدي ساق له عدة أحاديث غرائب، ثم قال في ختام ترجمته: روى له مسلم متابعة واستشهد به البخاري. (انظر: ميزان الاعتدال 4/477- 478، وتذكرة الحفاظ 1/326، وسير أعلام النبلاء 9/245- 248) .
2 محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر المطلبي، صدوق يدلس. تقدم في حديث (1) .
3 عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأوسي الأنصاري، أبو عمر المدني، ثقة، عالم بالمغازي، من الرابعة (ت بعد 120) /ع (التقريب 1/385) .
4 عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله الأنصاري، أبو عتيق المدني، ثقة، لم يصب ابن سعد في تضعيفه، من الثالثة /ع (التقريب 1/475) .
5 وقع هنا عند الحاكم: (وناسا من بني عمرو بن عاصم بن عوف بن عامر) وهو خطأ مطبعي، والصواب ما أثبتناه.
6 وقع كذلك هنا: (عبد الرحمن بن أبي الحدرد) وهو خطأ أيضا وقد وقع على الصواب عند الحاكم نفسه في 3/572.(1/88)
إلى صفوان بن أمية فسأله أدرعا مائة وما يصلحها من عدتها، فقال: أغصبا يا محمد؟ قال بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك، ثم خرج رسول الله سائراً.
ثم قال الحاكم: صحيح1 الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي2.
والحديث من هذه الطريق أورده البيهقي في السنن الكبرى مختصرا، وأورده في الدلائل مطولا3.
وأورد ابن إسحاق القصة بدون إسناد كما قال ابن كثير4.
وكان هذا هو السبب الرئيسي لخروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين لغزو هذه القبائل المحتشدة قبل أن يداهموا المسلمين في مكة المكرمة، ولقد سارع الرسول - صلى الله عليه وسلم في رسم - الخطة اللازمة لملاقاة هذا العدو، بعد دراسة حال العدو العسكرية، ومعرفة عدته المادية.
__________
1 اعترض الألباني على تصحيح الحاكم لهذا لحديث، وموافقة الذهبي له، وقال: هو حسن فقط للكلام المعروف في ابن إسحاق، والمتقرر أنه حسن الحديث إذا صرح بالتحديث كما في هذا الحديث.
(سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/209 تحت حديث رقم (631) . ودفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على البوطي ص82، وانظر: فتح الباري 4/32) .
2 الحاكم: المستدرك 3/48- 49.
(السنن الكبرى 6/89، دلائل النبوة 2/42 ب-أ) .
(البداية والنهاية4/324، وانظر: سيرة ابن هشام 2/439-440، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/72- 73) .(1/89)
المبحث الثاني: الاستعداد للمعركة
إن الاستعداد والتأهب لملاقاة العدو والأخذ بالأسباب المادية أمر لازم، وسبب من أسباب النصر، وهو لا ينافي التوكل، إذ إن المسلم يؤمن إيمانا جازما بأن النصر من عند الله - عز وجل -، وهو في نفس الوقت يؤمن بأنه مأمور بالأخذ بالأسباب، وأخذ الحيطة، والتدابير اللازمة ضد عدوه، وقد أمر الله عز وجل بذلك في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} .1
ومن هذا المنطلق فقد روى الترمذي من حديث الزبير بن العوام.
24- قال: كان على النبى - صلى الله عليه وسلم - درعان يوم أحد، فنهض إلى الصخرة2 فلم يستطع، فأقعد طلحة تحته، فصعد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى استوى على الصخرة فقال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أوجب طلحة". ثم قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد ابن إسحاق.
وفي الباب عن صفوان بن أمية، والسائب بن يزيد3.
وأعاد الحديث في كتاب المناقب بسنده ومتنه وقال: حسن صحيح غريب4.
قلت: الحديث عنعنه ابن إسحاق وهو مدلس ولكنه قد صرح بالتحديث عند الحاكم، ومن طريقه رواه البيهقي، ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي5.
____________________
1 سورة الأنفال _ آية: 60.
2 إلى الصخرة: أي صخرة كانت هناك يستوي عليها وينظر إلى الكفار، ويشرف على المؤمنين. (تحفة الأحوذي 5/341) .
3 السنن 3/119 أبواب الجهاد (باب ما جاء في الدرع) .
4 5/307 باب مناقب طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.
5 الحاكم: المستدرك 3/25، والبيهقي: السنن الكبرى 9/46.(1/90)
25- وحديث السائب1 بن يزيد أخرجه أبو داود عن يزيد2 أن خصيفة عن السائب، عن رجل3 قد سماه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظاهر يوم أحد بين درعين، أو لبس درعين4. وأخرجه الترمذي في الشمائل5.
والحديث سكت عنه المنذري6، وفيه إبهام وهو قوله عن رجل.
وأخرجه ابن ماجه: فقال: عن السائب بن يزيد إن شاء الله تعالى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد خذ درعين، كأنه ظاهر بينهما7. وهو عند أحمد أيضا فحدث به يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد، مرة بالاستثناء، ومرة بدون استثناء8.
قال المباركفوري في أثناء شرحه للحديث: قوله: كان على النبي - صلى الله عليه وسلم - درعان "أي مبالغة في قوله تعالى: {خُذُوا حِذْرَكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية:71] .وقوله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [سورة الأنفال، من الآية:60] . فإنها تشمل الدرع، وإن فسرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأقوى أفرادها حيث قال: ألا إن القوة الرمي، ثم قال: قال القاري9: وفيه إشارة إلى جواز المبالغة في أسباب المجاهدة وأنه لا ينافي التوكل والتسليم بالأمور الواقعة المقدرة"10.
____________________
1 السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي، وقيل في نسبه غير ذلك. يعرف بابن أخت النمر - بفتح فكسر - صحابي صغير، له أحاديث قليلة، وحج به في حجة الوداع، وهو ابن سبع سنين، وولاه عمر سوق المدينة (ت 91) وقيل قبل ذلك، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة. /ع. (ابن حجر: التقريب 1/283) .
2 يزيد بن عبد الله بن خصيفة - بمعجمة وصاد مهملة وفاء مصغرا - ابن عبد الله ابن يزيد الكندي، المدني، وقد ينسب لجده، ثقة من الخامس. /ع. (المصدر السابق 2/367) .
3 قوله: عن رجل (عند البيهقي: عن رجل من بني تيم، عن طلحة بن عبيد الله) . (السنن الكبرى 9/46) .
4 أبو داود: (السنن 2/30) ، كتاب الجهاد (باب في لبس الدروع) .
5 انظر: (الأطراف للمزي 3/263) ، حديث (3805) ، والإتحافات الربانية بشرح الشمائل المحمدية لأحمد عبد الجواد الدومي ص150.
6 محمد شمس الحق العظيم آبادي: (عون المعبود 7/253) .
7 ابن ماجه: (السنن 2/938) ، وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح على شرط البخاري، وقع هذا الحديث في سنن ابن ماجه من طريق هشام بن سوار، والصواب هشام بن عمار، فإن هشام بن سوار ليس من رجال التقريب.
8 أحمد: (المسند 3/449) .
9 هو الشيخ ملا علي القاري بن سلطان بن محمد الهروي الحنفي، الجامع للعلوم النقلية والعقلية، والمتضلع من السنة النبوية، أحد جماهير الأعلام ومشاهير أولي الحفظ والأفهام، توفي سنة (1014هـ) . (الشوكاني: البدر الطالع 1/445- 446، وكحالة: معجم المؤلفين 7/100- 101) .
10 (تحفة الأحوذي 5/341، وانظر: زاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/480، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/10) .(1/91)
ومن هنا فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما أراد الخروج إلى حنين لملاقاة جموع هوازن أرسل إلى صفوان بن أمية يطلب منه دروعا ليلقى فيها عدوه، كما تقدم ذلك من حديث جابر بن عبد الله1.
وقد جاء أيضا من حديث صفوان بن أمية نفسه عند أبي داود وغيره وهذا سياقه عند أبي داود:
26- قال: حدثنا الحسن2 بن محمَّد، وسلمة3 بن شبيب، قالا: أخبرنا يزيد4 بن هارون، أخبرنا شريك5، عن عبد العزيز6 بن رفيع، عن أمية7 ابن صفوان بن أمية، عن أبيه8: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعار منه أدرعا يوم حنين، فقال: أغصبا يا محمد؟ فقال: "لا، بل عارية مضمونة".
قال أبو داود: هذه رواية يزيد ببغداد، وفي روايته بواسط تغير على غير هذا9.
____________________
1 تقدم الحديث برقم (23) وهو حديث حسن.
2 الحسن بن محمد بن الصباح - بفتح المهملة وتشديد الموحدة - الزعفراني - بفتح الزاي وسكون العين المهملة - أبو علي البغدادي صاحب الشافعي، ثقة من العاشرة (ت260) أو قبلها بسنة./خ عم. (ابن حجر: التقريب1/170، وتهذيب التهذيب 2/318) .
3 سلمة بن شبيب المسمعي - بكسر الميم الأولى وفتح الميم الثانية - النيسابوري، نزيل مكة، ثقة من كبار الحادية عشرة (ت بضع وأربعين بعد المائتين) /م عم. (التقريب 1/316، وتهذيب التهذيب 4/146) .
4 يزيد بن هارون بن زاذان السلمي، مولاهم، أبو خالد الواسطي، ثقة متقن عابد، من التاسعة (ت206) /ع. (التقريب2/372،وتهذيب التهذيب11/366)
5 شريك بن عبد الله النخعي الكوفي، القاضي بواسط، ثم الكوفة، أبو عبد الله، صدوق يخطئ كثيرا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلا فاضلا، عابدا شديدا على أهل البدع، من الثامنة (ت 177 أو 178) /خت م عم. (التقريب 1/351، وتهذيب التهذيب4/333- 337) . وقال الذهبي في (تذكرة الحفاظ1/232) :وحديث شريك من أقسام الحسن.
6 عبد العزيز بن رفيع - بفاء مصغرا - الأسدي، أبو عبد الملك، المكي نزيل الكوفة، ثقة من الرابعة (ت 103) وقيل بعدها. /ع. (التقريب 1/509، تهذيب التهذيب 6/337) .
7 أمية بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي، المكي، مقبول من الرابعة. /بخ د ت س. (التقريب 1/83، وتهذيب التهذيب 1/371) .
8 صفوان بن أمية بن خلف الجمحي القرشي المكي، صحابي من المؤلفة، مات أيام قتل عثمان بن عفان، وقيل: سنة 41، وقيل: 42 في أوائل خلافة معاوية. /خت م عم. (التقريب 1/367، وتهذيب التهذيب 3/424- 425) .
9 أبو داود: السنن 2/265 كتاب البيوع (باب في تضمين العارية) .(1/92)
والحديث أخرجه النسائي، وأحمد، والدارقطني، والحاكم، ومن طريقه أخرجه البيهقي، الجميع من طريق يزيد بن هارون، عن شريك بن عبد الله، عن عبد العزيز بن رفيع به1.
ثم قال الحاكم: وله شاهد من حديث عبد الله بن عباس:
27- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعار من صفوان بن أمية أدرعا وسنانا في غزوة حنين، فقال: يا رسول الله: "أعارية مؤداة"؟
ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه2. وسكت عنه الذهبي.
والحديث فيه شريك بن عبد الله القاضي، وقد وصف بأنه صدوق يخطئ كثيرا، وقد خالفه:
1- جرير3 بن عبد الحميد بن قرط، فرواه عن عبد العزيز بن رفيع بلفظ:"عن أناس من آل عبد الله بن صفوان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا صفوان هل عندك من سلاح؟ قال: عارية أم غصبا؟ " قال: "لا، بل عارية"، فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين4 درعا" 5.
____________________
1 النسائي: السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف للمزي 4/190 حديث (4945) . وأحمد: (المسند 3/400- 401، 6/465) . و (الدارقطني: السنن 3/39) . و (الحاكم: المستدرك 2/47) . و (البيهقي: السنن الكبرى 6/88) .
(المستدرك 2/47، من طريق الحاكم أخرجه البيهقي 6/88. وأخرجه أيضا الدارقطني في سننه 3/38. وفيه: إسحاق بن عبد الواحد القرشي، قال الذهبي في ميزان الاعتدال 1/194- 195: واه) .
3 جرير بن عبد الحميد بن قرط - بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة - الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها، ثقة صحيح الكتاب. قيل: كان في آخر عمره يهم من حفظه (ت 188) . /ع. (ابن حجر: التقريب 1/127، وتهذيب التهذيب 2/75) .
4 قال المنذري: فيه جهالة وإرسال. (انظر: عون المعبود 9/477) .
(أبو داود: السنن2/265 كتاب البيوع، باب في تضمين العارية. والدارقطني: السنن 3/40، والبيهقي: السنن الكبرى 6/89) .(1/93)
2- أبو الأحوص1، عن عبد العزيز بن رفيع، عن عطاء2، عن ناس من آل صفوان بن أمية نحوه3.
3- ورواه قيس4 بن الربيع، عن عبد العزيز بن الرفيع، عن ابن أبي مليكة5، عن امية بن صفوان عن أبيه6.
فأدخل (ابن أبي مليكة) بين عبد العزيز وأمية بن صفوان.
قال الألباني والحديث مضطرب الإسناد، لكن له شاهدان:
الأول: عن جابر بن عبد الله "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى صفوان بن أمية فسأله أدراعا مائة درع وما يصلحها". الحديث7.
الثاني: من رواية جعفر8 بن محمد، عن أبيه9: أن صفوان بن أمية أعار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلاحا هي ثمانون درعا، فقال له: أعارية مضمونة أم غصبا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بل عارية مضمونة".
أخرجه البيهقي10 وقال: وبعض هذه الأخبار، وإن كان مرسلا، فإنه يقوى بشواهده مع ما تقدم من الموصول.
____________________
1 هو سلام بن سليم الحنفي مولاهم أبو الأحوص الكوفي/ ثقة متقن، من السابعة (ت179) ./ع. (التقريب 1/342، وتهذيب التهذيب 4/282) .
2 عطاء بن أبي رباح - بفتح الراء الموحدة - واسم أبي رباح: أسلم القرشي مولاهم، المكي، ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال، من الثالثة (ت114) على المشهور، وقيل: إنه تغير بآخره، ولم يكن ذلك منه./ع. (التقريب 2/22، وتهذيب التهذيب 7/199) .
3 أبو داود: السنن 2/266 كتاب البيوع، باب في تضمين العارية. والدارقطني: السنن 3/40، والبيهقي: السنن الكبرى 6/89.
4 قيس بن الربيع الأسدي، أبو محمد الكوفي، صدوق، تغير لما كبر، أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به، من السابعة (ت سنة بضع وستين بعد المائة) . /د ت ق. (التقريب 2/128، وتهذيب التهذيب 8/391) .
5 هو: عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة - بالتصغير- التيمي، المدني، أدرك ثلاثين من الصحابة، ثقة فقيه، من الثالثة (ت 117) ./ع. (التقريب 1/431، وتهذيب التهذيب 5/306- 307) .
(الدارقطني: السنن 3/40، والبيهقي: السنن الكبرى 6/89) .
7 تقدم برقم (23) وهو حديث حسن.
8 جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله المعروف بالصادق، صدوق فقيه، إمام، من السادسة (ت 148) ./بخ م عم. (التقريب 1/132، وتهذيب التهذيب 2/103)
9 أبوه هو: أبو جعفر الباقر، ثقة فاضل. تقدم في حديث (19) .
10 (السنن الكبرى6/89-90،وأخرجه الطبري في تاريخ الرسل والملوك3/73) .(1/94)
ثم قال الألباني: وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع هذه الطرق الثلاث1.
قلت:
28- وروى البيهقي من مرسل الزهري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى صفوان بن أمية في أداة ذكرت له عنده فسأله إياها فقال صفوان: أين الأمان، أتأخذها غصبا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن شئت أن تمسك أداتك فامسكها وإن أعرتنيها فهي ضامنة علي حتى نؤديه إليك". والحديث مطول في قصة حرب حنين2.
وجاء في هذا المعنى ما رواه ابن ماجه، وأحمد، والنسائي، والبخاري في التاريخ من حديث عبد الله بن أبي ربيعة، وهذا سياقه عند ابن ماجه:
29- قال: حدثنا أبو بكر3 بن أبي شيبة، ثنا وكيع4، ثنا إسماعيل5 بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، عن أبيه6 عن جده7: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استلف منه حين غزا حنينا ثلاثين أو أربعين ألفا8، فلما قدم قضاها إياه9، ثم قال
____________________
(إرواء الغليل 5/344- 346) . ويعني بالطرق الثلاث: طريق شريك، وطريق جابر، وطريق جعفر بن محمد عن أبيه.
(السنن لكبرى 7/19) .
3 هو: عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الواسطي الأصل، أبو بكر الكوفي، ثقة حافظ، صاحب تصانيف، من العاشرة (ت235) /خ م د س ق. (التقريب 1/245، وتهذيب التهذيب 6/2- 4) .
4 وكيع بن الجراح بن مليح - بفتح الميم، وكسر اللام وحاء مهملة - الرؤاسي - بضم الراء وهمزة ثم مهملة - أبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ عابد، من كبار التاسعة (ت196) /ع. (التقريب 2/33، وتهذيب التهذيب 11/123، والمغني لابن طاهر الهندي ص74) .
5 إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، (مقبول) من السادسة/س ق. (التقريب1/65وانظر تهذيب التهذيب1/272وتعجيل المنفعة ص14) .
6 هو إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة المخزومي، (مقبول) من الثالثة/خ س ق. (المصدر السابق 1/38) .
7 هو جد إبراهيم، وهو عبد الرحمن بن أبي ربيعة، واسم أبي ربيعة: عمرو بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو عبد الرحمن المكي، صحابي، مات ليالي قتل عثمان بن عفان، وهو والد عمر بن أبي ربيعة الشاعر/ س ق. (المصدر السابق 1/414، وتهذيب التهذيب 5/208) .
8 عند النسائي:"أربعين ألفا"بدون شك. وعند البخاري: استلفه مالا بضعة عشر ألفا.
9 عند النسائي: فجاءه مال فدفعه إليّ وقال: "بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الحمد والأداء"، وعند البخاري: "إنما جزاء السلف الحمد والوفاء".(1/95)
له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد" 12.
والحديث أورده النسائي من طريق سفيان الثوري، عن إسماعيل بن إبراهيم ولم يذكر فيه (حين غزا حنينا) .
والحديث فيه:
أ - إسماعيل بن إبراهيم وقد وصفه ابن حجر بقوله: (مقبول) .
و (المقبول) عنده هو من ليس له من الحديث إلاَّ القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله3.
وإسماعيل قد وثقه أبو داود، وابن حبان، وعلى خذا فيكون ثقة ولعل ابن حجر نظر على قول أبي حاتم فيه (شيخ)
ب - إبراهيم بن عبد الرحمن (قد وصفه ابن حجر أيضا بقوله "مقبول" وفي تهذيب التهذيب ذكر بأن ابن حبان وثقه، وابن قطان الفاسي قال فيه: "لا يعرف"، وإبراهيم قد أخرج له البخاري في الصحيح، ولذا فقد مال ابن حجر في هدي الساري5 إلى رد قول ابن قطان، فقال: روى عنه جماعة ووثقه ابن حبان، وله في الصحيح حديث واحد في كتاب الأطعمة في دعائه - صلى الله عليه وسلم - في تمر جابر بن عبد الله بالبركة6.
وقد كان الشيخ أبو الحسن7 المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في
____________________
1 والحديث يدل أيضا على حسن المعاملة في القضاء وهو من الآداب السامية التي حث الدين الإسلامي عليها، لحديث "إن خيركم أو من خيركم أحاسنكم قضاء". رواه ابن ماجة في سننه 2/809 كتاب الصدقات.
2 ابن ماجة: السنن 2/809 كتاب الصدقات، باب حسن القضاء. وأحمد: في المسند 4/36، والنسائي: السنن - المجتبى - 7/276 كتاب البيوع، باب الاستقراض، والبخاري: في التاريخ الكبير 5/9- 10.
3 انظر: (التقريب 1/5) .
4 انظر: (تهذيب التهذيب 1/272) .
(هدي الساري ص388، وانظر: تهذيب التهذيب 1/138- 139) .
6 البخاري: (الصحيح 7/69) ، كتاب الأطعمة، باب الرطب والتمر.
7 هو علي بن الفضل بن علي بن حاتم بن حسن بن جعفر الحافظ العلامة المفتي، شرف الدين أبو الحسن، ابن القاضي الأنجب أبي المكارم المقدسي ثم المالكي، سمع صحيح البخاري من القاضي أبي عبيد نعمة بن زيادة الله الغفاري، عن عيسى بن أبي ذر الهروي، وسمع من الحافظ السلفي فأكثر عنه، وانقطع إليه وتخرج به، ولد سنة (544) توفي سنة (611) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 4/1390- 1392) .(1/96)
الصحيح: هذا اجتاز القنطرة، يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه.
قال أبو الفتح1 القشيري في مختصره: وهكذا نعتقد، وبه نقول، ولا نخرج عنه إلا بحجة ظاهرة، وبيان شاف يزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين، ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما.
وقد ردَّ ابن حجر أيضا بنحو هذا2.
وابن قطان الفاسي قد قال عن الجماعة لا يعرفون مع أنهم معروفون عند غيره، وقد ردَّ الذهبي في صنيعه هذا، وذكر أمثلة لذلك3.
?- الانقطاع:
فقد قال البخاري: إبراهيم لا أدري سمع من أبيه أم لا.
وقال ابن عبد البر: يقولون لم يرو عن عبد الله بن أبي ربيعة غير إبراهيم – يعني ابن ابنه -4.
والذي ظهر لي ان الحديث فيه انقطاع بين "إبراهيم بن عبد الرحمن" وبين جده "عبد الله بن ربيعة" وأنّ "عبد الرحمن" والد إبراهيم ليس من رجال السند، إذ لو كان من رجال السند لوجدت ترجمته في "التقريب" و"تهذيب التهذيب" ولم أجد ترجمته أيضا في التاريخ الكبير للبخاري، ولا في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم.
كما أنني لم أجد في ترجمة "عبد الله بن أبي ربيعة" أن ابنه عبد الرحمن ممّن روى عنه.
ولا في ترجمة "إبراهيم" أنه روى عن أبيه "عبد الرحمن".
____________________
1 هو: محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن دقيق العيد القشيري، المنفلوطي الصعيدي، المالكي ثم الشافعي، الإمام الفقيه المجتهد المحدث الحافظ العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو الفتح، صاحب التصانيف منها: العدة شرح العمدة، وكتاب (الإلمام) وله كتاب في علوم الحديث، ولد سنة (625) بقرب ينبع من الحجاز، وتوفي سنة (702) هـ. (الذهبي: تذكرة الحفاظ 4/1481- 1483) .
(ابن حجر: هدي الساري ص384) .
(الذهبي: ميزان الاعتدال 1/556 و3/426) .
(ابن حجر: الإصابة 2/305، وتهذيب التهذيب 5/208، والتاريخ الكبير للبخاري 5/9- 10، والاستيعاب 2/299) .(1/97)
وبهذا يكون الراوي عن "عبد الله بن أبي ربيعة" هو "إبراهيم بن ابنه"، وهو لم يدرك جده، وذلك أن عبد الله بن أبي ربيعة مات ليالي قتل عثمان بن عفان، وأن أم إبراهيم1 تزوجت بأبيه "عبد الرحمن" بعد يوم الجمل، فتكون ولادة إبراهيم بعد وفاة جده بمدة، فيكون الحديث منقطعا.
وهذه الأحاديث تدل دلالة واضحة على أنه يجب على المسلم أن يأخذ حذره، وأن يتأهب لملاقاة عدوه ويؤيدها قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} . [سورة الأنفال، من الآية: 60] .
وقد ذكر بن عبد البر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استقرض من حويطب بن عبد العزى أربعين ألف درهم، وأن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم أعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين بثلاثة آلاف رمح فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كأني أنظر إلى رماحك يا أبا الحارث تقصف أصلاب المشركين" 2.
__________
1 هي أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وكانت قبل عبد الرحمن تحت طلحة بن عبيد الله فقتل يوم الجمل. (الطبقات الكبرى لابن سعد8/462) . وفي موطأ مالك 2/752 كتاب الأقضية، باب ما لا يجوز من النحل "ومات أبو بكر وأم كلثوم حمل في بطن أمها".
(الاستيعاب 1/385، 3/537، وأسد الغابة 2/75، 5/369، والإصابة 1/364، والسيرة الحلبية لبرهان الدين الحلبي 3/63) .(1/98)
الفصل الثاني: في المسير إلى حنين
المبحث الأول: تاريخ الغزوة
...
المبحث الأول: تاريخ غزوة حنين:
تاريخ وقت هذه الغزوة مرتبط بوقت فتح مكة المكرمة، ذلك أن غزوة حنين ناشئة عنه ومتممة له، ومن هنا أطلقت بعض الروايات الخروج إلى حنين في شهر رمضان، والمعروف أن هذا إنما كان في غزوة الفتح.
ولما كانت غزوة حنين من تتمة هذا الفتح العظيم الذي أيد الله به عباده المؤمنين، وأن هذا النصر بصورته الكاملة لم يتحقق إلا بعد الانتهاء من غزوة حنين.
جاء إطلاق الخروج شاملا لهما كما جاء كثير مما تم في غزوة حنين من قسم الغنائم وغيره مذكور في فتح مكة، من ذلك:(1/99)
30- ما رواه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال: "لما كان1 يوم فتح مكة قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائم بين قريش". الحديث2.
31- وما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عباس قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان إلى حنين3 والناس مختلفون، فصائم ومفطر، فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء فوضعه على راحلته - أو على راحته - ثم نظر إلى الناس، فقال المفطرون للصوام: أفطرو ا4.
ومن خلال هذا الاتصال بين الغزوتين فإن تاريخ غزوة حنين يتوقف على معرفة فتح مكة ومدة الإقامة فيها بعد الفتح، لأن المؤرخين عولوا على هذا التاريخ في هذه الغزوة، على أنه قد اختلفت الروايات في فتح مكة ومدة الإقامة فيها بعد الفتح،
____________________
1 قوله: "لما كان يوم فتح مكة قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائم بين قريش" قال ابن حجر: ولأبي ذر عن شيخه "قسم غنائم في قريش".
وله في رواية الكشميهني "بين قريش" وهي رواية الأصيلي. ووقع عند القابسي "غنائم قريش" ولبعضهم "غنائم من قريش" وهو خطأ، لأنه يوهم أن مكة لما فتحت قسمت غنائم قريش، وليس كذلك بل المراد بقوله "يوم فتح مكة" زمان فتح مكة وهو يشمل السنة كلها، ولما كانت غزوة حنين ناشئة عن غزوة مكة أضيفت إليها كما تقدم عكسه.
وقد قرر ذلك الإسماعيلي فقال: قوله "لما فتحت مكة قسم الغنائم" يريد غنائم هوازن، فإنه لم يكن عند فتح مكة غنيمة تقسم، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - غزا حنينا بعد فتح مكة في تلك الأيام القريبة، وكان السبب في هوازن فتح مكة لأن الخلوص إلى محاربتهم كان بفتح مكة. (فتح الباري8/54، وانظر: حديث (31) مع التعليق عليه) .
2 البخاري: (الصحيح 5/130 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف) . ومسلم: (الصحيح 3/735 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه) .
3 قال ابن حجر: هذا الحديث استشكله الإسماعيلي بأن حنينا كانت بعد الفتح، فيحتاج إلى تأمل، فإنه ذكر قبل ذلك أنه خرج من المدينة إلى مكة. وكذا حكى ابن التين عن الداودي أنه قال: الصواب أنه خرج إلى مكة. أو كانت "خيبر" فتصحفت.
قال ابن حجر: وحمله على خيبر مردود، فإن الخروج إليها لم يكن في رمضان، وتأويله ظاهر، فإن المراد بقوله "إلى حنين" أي التي وقعت عقب الفتح لأنها لما وقعت إثرها أطلق الخروج إليها، وقد وقع نظير ذلك في حديث أبي هريرة. وبهذا جمع المحب الطبري. (فتح الباري 8/5) .
قلت: وحديث أبي هريرة المشار إليه أخرجه البخاري في صحيحه 5/121 كتاب المغازي، باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح بلفظ "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد حنينا: منزلنا غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر".
(صحيح البخاري 5/120 كتاب المغازي، باب غزوة الفتح في رمضان) .(1/100)
وسأعرض أقوال العلماء في ذلك ووجهة كل منهم، ثم أحاول الترجيح بعد ذلك ما وجدت إليه سبيلا.
والأقوال التي يمكن الاعتماد عليها في تاريخ غزوة حنين، قولان1:
الأول: أن غزوة حنين كانت في اليوم الخامس من شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة. روي ذلك عن ابن مسعود2، وإلى هذا ذهب عروة ابن الزبير وابن إسحاق وأحمد وابن جرير الطبري3.
32- ودليل هذا القول ما رواه ابن إسحاق قال: حدثني ابن شهاب4 الزهري، عن عبيد5 الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: "أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة".
قال ابن اسحاق: وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان6. والحديث مرسل لأن عبيد الله لم يدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقد وصله أبو داود، وابن ماجة من طريق محمد7 بن سلمة، عن ابن
____________________
1 هناك قول ثالث وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى حنين لليلتين بقيتا من رمضان. (فتح الباري 8/27) .
2 عبد الله بن مسعود بن غافل - بمعجمة وفاء - ابن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن، من السابقين الأولين، ومن كبار العلماء من الصحابة، مناقبه جمة، وأمّره عمر على الكوفة (ت 32) أو في التي بعدها في المدينة./ع. (ابن حجر: التقريب 1/450) .
3 ابن كثير: (البداية والنهاية 4/322، والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/6) .
4 محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة ابن كلاب القرشي الزهري، أبو بكر الفقيه الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه، وهو من رؤوس الطبقة الرابعة (ت125) وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين./ع. (ابن حجر: التقريب 2/207) .
5 عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد الله المدني، ثقة فقيه ثبت، من الثالثة (ت94) وقيل: 98، وقيل غير ذلك./ع. (المصدر السابق 1/535) .
(سيرة ابن هشام2/437، وتاريخ الرسل والملوك للطبري3/69- 70، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/143، والمعارف لابن قتيبة ص17، وفتح الباري لابن حجر 8/27) .
7 محمد بن سلمة بن عبد الله الباهلي، مولاهم، الحراني، ثقة، من الحادية عشرة (ت 191) على الصحيح./ز م عم. (التقريب 2/166، وتهذيب التهذيب 9/193- 194) .(1/101)
إسحاق عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما1.
ثم قال أبو داود: روى هذا الحديث عبدة2 بن سليمان، وأحمد3 بن خالد الوهبي، وسلمة4 بن الفضل، عن ابن إسحاق، لم يذكروا فيه ابن عباس.
والحديث اختلف فيه على ابن إسحاق كما ترى.
فرواه عنه محمد بن سلمة موصولا. وخالفه عبدة بن سليمان، وأحمد بن خالد الوهبي، وسلمة بن الفضل، وابن إدريس5 فأرسلوه. قال البيهقي: وهو الصحيح6.
قلت: ومحمد بن سلمة7 ثقة إمام مفت، وقد تفرد بزيادة الوصل، والزيادة من الثقة مقبولة. وهو مذهب الجمهور من الفقهاء، وأصحاب الحديث8.
وقال ابن حجر: وأما رواية "خمسة عشر" فضعفها النووي في الخلاصة، وليس بجيد، لأن رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق، فقد أخرجها النسائي من رواية عراك9 بن مالك، عن عبيد الله كذلك10.
____________________
(سنن أبي داود 1/280 كتاب صلاة المسافر، باب متى يتم المسافر) . وسنن ابن ماجة 1/342 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب كم يقصر المسافر إذا أقام ببلدة.
2 عبدة بن أبي سليمان الكلابي - بكسر الكاف وتخفيف اللام - الكوفي، يقال اسمه عبد الرحمن، ثقة ثبت، من صغار الثامنة (ت 187) وقيل: بعدها. /ع. (التقريب 1/530، وتهذيب التهذيب 6/458، 9/39) .
3 أحمد بن خالد بن موسى، ويقال: ابن محمد الوهبي الكندي، أبو سعيد صدوق من التاسعة، (ت 214) . /ز بخ عم. (التقريب 1/14، وتهذيب التهذيب 1/26) .
4 سلمة بن الفضل الأبرش - بموحدة فراء ثم معجمة - مولى الأنصار، قاضي الري، صدوق كثير الخطأ، من التاسعة (ت 191) . /د ت فق. (التقريب 1/318، وتهذيب التهذيب 3/153) .
5 هو عبد الله بن إدريس الأودي - بمفتوحة فواو ساكنة، فدال مهملة –الزعافري– بفتح المعجمة والعين المهملة وكسر الفاء - أبو محمد الكوفي ثقة فقيه عابد، من الثامنة (ت 192) . /ع. (التقريب 1/401، وتهذيب التهذيب 5/144، والخلاصة للخزرجي 2/39، والمغني لابن طاهر الهندي ص8) .
(السنن الكبرى 3/151) .
(انظر: تذرة الحفاظ 1/316، وسير أعلام النبلاء 9/49 كلاهما للذهبي) .
(انظر الكفاية للخطيب البغدادي ص580- 581، ومقدمة ابنالصلاح ص111- 112 مع التقييد والإيضاح، والتقريب والتيسير للنووي ص138 مع تدريب الراوي، والتبصرة والتذكرة للعراقي 1/174- 175) .
9 عراك بن مالك الغفاري، الكناني، المدني، ثقة فاضل، من الثالثة، مات في خلافة يزيد بن عبد الملك، بعد المائة./ع. (التقريب 2/17، وتهذيب التهذيب 7/172) .
10 (فتح الباري 2/562) .(1/102)
ورواية النسائي المشار إليها هي:
33- أخبرنا عبد الرحمن1 بن الأسود البصري، قال: حدثنا محمد2 بن ربيعة، عن عبد الحميد3 بن جعفر، عن يزيد4 بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أقام بمكة خمسة عشر يصلي ركعتين ركعتين" 5.
وقال البيهقي: "رواه عراك بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا6. وتعقبه ابن التركماني7 بقوله: قلت: أخرجه النسائي عن عراك مسندا ثم ساق رواية النسائي هذه"8.
وبهذا تكون رواية "أقام بمكة بعد الفتح خمسة عشر" صحيحة.
القول الثاني: أن غزوة حنين كانت يوم السبت لست ليال خلون من شهر شوال، ووصل إلى حنين مساء الثلاثاء لعشر ليال خلون من الشهر المذكور. وبهذا قال الواقدي.
ودليله: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان، وأقام
____________________
1 عبد الرحمن بن الأسود بن المأمون، الهاشمي، مولاهم البصري، ثقة، من الحادية عشرة (ت بعد سنة240) /ت س. (التقريب1/472، وتهذيب التهذيب 6/140) .
2 محمد بن ربيعة الكلابي - بكسر الكاف وتخفيف اللام-ابن عم وكيع، صدوق من التاسعة (ت بعد 190) /بخ عم. (التقريب 2/160، وتهذيب التهذيب 9/162) .
3 عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري، صدوق رمي بالقدر، وربما وهم، من السادسة (ت 153) /خت م عم (التقريب 1/467، وتهذيب التهذيب6/111- 112) . ورمز له الذهبي بـ: (صح) ، إشارة إلى أنه ثقة. (ميزان الاعتدال 2/539) .
4 يزيد بن أبي حبيب المصري، أبو الرجاء، واسم أبيه سويد، واختلف في ولائه، ثقة فقيه، وكان يرسل، من الخامسة (ت 128) /ع. (التقريب 2/363، وتهذيب التهذيب 11/318) .
5 النسائي: السنن 3/100 كتاب تقصير الصلاة في السفر، باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة.
6 السنن الكبرى 3/151.
7 هو: علي بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى المارديني الحنفي، قاضي القضاة علاء الدين بن التركماني، علق على سنن البيهقي تعليقات نافعة طبعت معها بعنوان "الجوهر النقي" (ت 749) . انظر ترجمته في: (لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ لابن فهد المالكي ص125- 126) .
(الجوهر النقي 3/151 مع سنن البيهقي) .(1/103)
بمكة خمس عشرة، ثم غدا يوم السبت لست ليال خلون من شهر شوال، وانتهى إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من شوال1.
وتابعه ابن سعد2.
هذه هي أقوال العلماء في هذا الباب، والذي يظهر لي ما يأتي:
أ- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى حنين في شهر شوال من السنة الثامن للهجرة، بغض النظر عن كونه خرج في خامس شوال أوسادسه.
ب- يترجح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهما في سادس شهر شوال، لأنه يمكن الجمع بينه وبين القول بأن الخروج إلى حنين كان في الخامس شوال.
قال الزرقاني - بعد إن ذكر هذين القولين - وهذا الخلاف: إما أنه للاختلاف في هلال الشهر، أو أن من قال لست ليال عدّ ليلة الخروج، ومن قال لخمس لم يعدها، لأنه خرج في صبيحتها فكأنه خرج فيها.
وجمع بعضهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالخروج في أواخر رمضان، وسار سادس شوال، ووصل إليها في عاشره3.
إذا أخذنا برواية ابن عباس - رضي الله عنهما - التي أخرجها أحمد وأبو داود بإسنادين أحدهما صحيح "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة عام الفتح سبع عشرة" 4.
مع ذكره النووي وابن حجر: من أن المشهور في كتب المغازي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج في غزوة الفتح من المدينة لعشر خلون من رمضان، ودخل مكة لتسع عشرة خلت منه5.
كان خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة حنين في اليوم السادس من شهر شوال.
____________________
(الواقدي: المغازي 3/889 و892) .
(الطبقات الكبرى 2/150، وانظر: ابن كثير: البداية والنهاية 4/322، والقسطلاني: المواهب اللدنية 1/161، والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/6، والسفاريني: شرح ثلاثيات مسند أحمد 2/78، 793) .
(الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/6، وابن حجر: فتح الباري 8/27) .
(أحمد: المسند 1/315، وأبو داود: السنن 1/280. كتاب صلاة السفر، باب متى يتم المسافر) .
(النووي: شرح مسلم 3/176، وابن حجر: فتح الباري 4/181 و8/4) .(1/104)
وقد وردت روايات أخر في مدة إقامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة بعد الفتح، منها ثماني عشرة، وتسع عشرة، ورجح البيهقي وابن حجر رواية "تسع عشرة" لأنها أكثر ما وردت بها الروايات الصحيحة، وهي ثابتة في صحيح البخاري1، ولا منافاة بينها وبين سائر الروايات كما جمع بينها البيهقي نفسه فقال: من روى تسع عشرة عد يوم الدخول ويوم الخروج، ومن قال ثمان عشرة لم يعد أحد اليومين، ومن قال سبع عشرة لم يعدهما.
قال ابن حجر: وتحمل رواية "خمسة عشرة" على أن الراوي ظن أن الأصل رواية "سبع عشرة" فحذف منها يومي الدخول والخروج، فذكر أنها خمس عشرة2.
وإذا أمكن الجمع بين الروايات تعين المصير إليه، لأن العمل بجميع الروايات أولى من تر ك بعضها، والخلاف في كون الخروج إلى حنين في اليوم الخامس أو السادس، ليس من الخلاف الشديد، بل القولان متقاربان كما هو ظاهر. والله أعلم.
__________
1 2/39 كتاب تقصير الصلاة، باب ما جاء في التقصير، وكم يقيم حتى يقصر.
2 البيهقي: السنن الكبرى 3/151، وابن حجر: فتح الباري 2/562، وشمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود 4/98- 99.(1/105)
المبحث الثاني: في تعيين الأمير على مكة:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الخروج إلى غزوة أو غيرها عين أميرا يقوم مقامه مدة غيابه يعلم الناس دينهم ويتفقد أحوالهم ويحل مشكلاتهم، وكانت طاعة الأمير واجبة بطاعة الله عز وجل، وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
لما ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-:
34- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع1 أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني "2.
____________________
1 وعند أحمد من رواية الأعرج عن أبي هريرة "ومن أطاع الأمير"، وعند مسلم "ومن يطع الأمير".
قال ابن حجر: ويمكن رد اللفظين لمعنى واحد، فإن كل من يأمر بحق وكان عادلاً فهو أمير الشارع لأنه تولى بأمره وبشريعته، ويؤيده: توحيد الجواب في الأمرين. وكأن الحكمة في تخصيص أميره بالذكر أن المراد وقت الخطاب، ولأنه سبب ورود الحديث، وأما الحكم فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. (فتح الباري 13/112) .
(البخاري: الصحيح 9/51 كتاب الأحكام، باب قول الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} . ومسلم: الصحيح 3/1466 كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية الله، وتحريمها في المعصية. والنسائي: 7/138 كتاب البيعة، باب الترغيب في طاعة الإمام. وابن ماجة: السنن 2/؟؟؟ كتاب الجهاد، باب طاعة الإمام. وعبد الرزاق: المصنف 11/329. وأحمد: المسند 2/244، 252، 270، 313، 342، 416، 471، 511) .(1/105)
فحين عزم الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الخروج إلى حنين، استخلف عتاب بن أسيد على من بقي من أهل مكة يرعى مصالحهم ويقضي حوائجهم. وقد جاءت في ذلك الآثار الآتية:
35- ما رواه الطبري قال: حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة1، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر قال: "ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه ألفان من أهل مكة، مع عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله بهم مكة، فكانوا اثني عشر ألفا، واستعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتاب2 بن أسيد بن أبي العيص بن أمية ابن عبد شمس على مكة أميرا على من غاب عنه من الناس، ثم مضى على وجهه يريد لقاء هوازن" 3.
والحديث فيه ثلاث علل:
أ- ضعف ابن حميد4.
ب- عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس.
____________________
1 سلمة: هو الأبرش، تقدم في حديث (32) ، وتقدم ابن إسحاق في حديث (1) .
2 عتاب - بتشديد التاء - و (أسيد) مكبرا، و (العيص) - بكسر العين المهملة وسكون المثناة التحتية ثم صاد مهملة - ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة القرشي، الأموي، كان رجلا صالحا فاضلا نبيلا، أسلم يوم الفتح واستعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مكة لما سار إلى حنين، وحج بالناس في تلك السنة، وهي سنة ثمان للهجرة، ولم يزل واليا على مكة مدة حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومدة خلافة أبي بكر الصديق، وكان عمره حين استعمل على مكة نيفا وعشرين سنة، وقيل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمله على مكة بعد رجوعه من حصار الطائف. ومات عتاب - رضي الله عنه - يوم مات أبو بكر الصديق. (انظر ابن سعد: الطبقات الكبرى 5/446، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/153- 154 مع "الإصابة"، وابن الأثير أسد الغابة 3/556، وابن حجر: الإصابة 2/451، والتقريب 2/3، وتهذيب التهذيب 7/89- 90) .
(تاريخ الرسل والملوك 3/77) .
4 قال عنه ابن حجر في التقريب 2/156: محمد بن حميد بن حيان الرازي، حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه.
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 3/530: محمد بن حميد من بحور العلم، وهو ضعيف، ونقل عن جماعة من النقاد أنهم رموه بالكذب.(1/106)
جـ الإرسال1.
36- ما رواه خليفة ابن خياط قال: حدثني علي2 بن محمد، عن حماد3 بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد4 بن المسيب قال: افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة سنة ثمان من مهاجره في شهر رمضان فأقام خمسة عشر يوما، ثم شخص5، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد6.
والحديث فيه علتان:
أ- ضعف علي بن زيد بن جدعان7.
ب- الإرسال.
37- ما رواه البخاري في "التاريخ" والحاكم في "المستدرك" عن حرمي8 بن
____________________
1 فإن عبد الله بن أبي بكر هو ابن محمد بن عمرو بن حزم، ذكره ابن حجر في تقريبه في الطبقة الخامسة، وهي طبقة صغار التابعين الذين رأوا الواحد والاثنين من الصحابة، ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة. (التقريب 1/5، 405، وتهذيب التهذيب 5/164) .
2 علي بن محمد أبو الحسن المدائني الأخباري صاحب التصانيف، اعتمده خليفة بن خياط فيما يتعلق بالمغازي.
قال ابن عدي: ليس بالقوي في الحديث، وهو صاحب الأخبار، قل ما له من الروايات المسندة، ووثقه يحيى بن معين (ت 225) . (انظر: الذهبي: ميزان الاعتدال 3/153، وابن حجر: لسان الميزان 4/253، ومقدمة تاريخ خليفة بن خياط لأكرم العمري ص18- 19) .
3 حماد بن سلمة بن دينار البصري، ثقة عابد، أثبت الناس في ثابت البناني، وتغير حفظه بآخره، من كبار الثامنة (ت 167) . /خت م عم. (التقريب 1/197، وتهذيب التهذيب 3/11- 16) .
4 سعيد بن المسيب بن حزن - بوزن سهل - أحد العلماء الأثبات والفقهاء الكبار، من كبار الثانية، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل. وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علماً منه. (ت بعد90) وقد ناهزالثمانين./ع. (التقريب1/305-306،وتهذيب التهذيب4/84) .
5 شخص: أي خرج. (النهاية لابن الأثير: 2/450- 451) .
6 تاريخ خليفة بن خياط ص: 87.
7 انظر ترجمته في: التقريب 2/37، وتهذيب التهذيب 7/322. قال عنه في التقريب "ضعيف".
8 حرمي - بحاء وراء مفتوحتين وياء مشددة بلفظ النسب - ابن حفص بن عمر العتكي-بفتح المهملة والمثناة - أبو علي البصري، ثقة من كبار العاشرة (ت223) أو (226) /خ د س. (التقريب1/159،وتهذيب التهذيب2/232،والمغني لابن طاهر الهندي ص21) .(1/107)
حفص العتكي، ثنا خالد1 بن أبي عثمان، عن أيوب بن عبد الله بن يسار، عن عمرو2 بن أبي عقرب قال: سمعت عتاب بن أسيد وهو مسند ظهره إلى بيت الله يقول:"والله ما أصبت في عملي هذا ممّا ولاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ثوبين معقدين كسوتهما مولاي كيسان" 3.
ورواه أبو عبيد، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن خالد بن أبي عثمان الأموي به4.
والحديث فيه: أيوب بن عبد الله بن يسار، سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم5.
وقال ابن حجر: إسناده حسن6.
38- ما رواه الحاكم من طريق مصعب7 بن عبد الله الزبيري قال: استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتاباً على مكة، ومات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعتاب عامله على مكة، وتوفي عتاب بن أسيد بمكة في جمادى الأخرى سنة ثلاث عشرة8.
والحديث معضل9.
____________________
1 خالد بن أبي عثمان القرشي الأموي البصري، وهو أخو عبد الله بن أبي عثمان، وهو خالد مولى سيار الذي روى عنه شعبة، ثقة. (البخاري: التاريخ الكبير3/163-164،وابن أبي حاتم: الجرح والتعديل3/345) .
2 عمرو بن أبي عقرب، تابعي كبير مخضرم، سمع عتاب بن أسيد والي مكة، وعتاب مات بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين فيكون لعمرو إدراك. ذكره سعيد بن يعقوب في الصحابة برواية موهومة تقتضي أن له صحبة. (ابن حجر: الإصابة 3/116، 117، وانظر: الطبقات الكبرى لابن سعد5/457، والتاريخ الكبير للبخاري6/356، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم6/252) .
(التاريخ الكبير للبخاري 7/54، والمستدرك للحاكم 3/595) .
(كتاب الأموال ص382) .
(البخاري: التاريخ الكبير1/419، وابن أبي حاتم: الجرح والتعديل2/251) .
(الإصابة 2/451) .
7 مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي، أبو عبد الله الزبيري، المدني، نزيل بغداد، صدوق عالم بالنسب، من العاشرة (ت 236) /س ق. (التقريب 2/252، وتهذيب التهذيب 10/162- 164) .
(المستدرك 3/594- 595) .
9 الحديث المعضل: هو ما سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي. (انظر تدريب الراوي للسيوطي ص129) .(1/108)
وفي حديث أبي محذورة في قصة تعليمه الأذان، فقلت: يا رسول الله مرني باتأذين بمكة، فقال: "قد أمرتك به"، فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم" 1.
وحسّنَ الألباني القدر الوارد من الحديث في تولية عتاب بن أسيد على مكة ثم ذكر شواهد لذلك2.
والخلاصة: أن هذه الآثار الواردة فيمن استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة عند الخروج إلى حنين على فرض أن كل أثر منها لا يخلو من مقال، لكنها تدل بمجموعها على أن لهذه القصة أصلاً.
والمعروف من هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أراد الخروج إلى غزوة من الغزوات استخلف من يقوم مقامه حتى يرجع، والذي عليه إمام أهل المغازي والسير (ابن إسحاق) أن الذي استخلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مكة هو عتاب بن أسيد.
وتابعه في هذا جمهور العلماء من أهل السير والمغازي وغيرهم3.
وذهب بعض العلماء إلى أن عتابا كان أميرا على مكة، وكان معاذ بن جبل معلما لأهلها4.
ومسألة تولية عتاب بن أسيد أميرا على مكة متفق عليها تاريخيا فيؤخذ فيها بالروايات التاريخية وإن لم تنطبق عليها قواعد نقدة الحديث لأنه لا مناص لنا من الخذ بذلك، لأننا أمام أمرين:
إما رد هذه المريّات لضعف أسانيدها.
وإما الأخذ بها.
____________________
1 انظر تخريجه والحكم عليه برقم (256) .
2 تخريجه لأحاديث فقه السيرة لمحمد الغزالي ص433.
3 انظر: (سيرة ابن هشام 2/440، وتاريخ خليفة بن خياط ص88، 97، وأنساب الأشراف للبلاذري ص529، وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/73، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 7/11، وجوامع السيرة لابن حزم ص238، والكامل لابن الأثير 2/178، وكتاب المعارف لابن قتيبة ص71، 123، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/97، وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/468، والإصابة لابن حجر 2/451، وبهجة المحافل للعامري 1/417، والمواهب اللدنية للقسطلاني 1/161) .
(المستدرك للحاكم 3/270، وأسد الغابة لابن الأثير 3/256، وشرح ثلاثيات مسند أحمد للسفلريني 2/78) .(1/109)
والأخذ بها هو الأولى في مثل هذه الحوادث التاريخية التي لا تتعلق بالعقائد والأحكام الشرعية، على أن مجموع الروايات يقوي بعضها بعضا، ولذلك حسّن الحديث ابن حجر لما له من الشواهد.
وحسّن الألباني القدر المتعلق بتولية عتاب أميراً بالشواهد المقوية لذلك.
وأما ما عدا ذلك من قصة توليته وما حدث فيها فهو الذي يحسن الأخذ به من الناحية التاريخية وإن لم يقو سنده من الناحية الحديثية، وقد جرى العلماء منذ القديم على هذا المسلك. والله أعلم.(1/110)
المبحث الثالث: عدد الجيش الإسلامي في هذه الغزوة:
الجيش الذي خرج إلى غزوة حنين مكون من:
أ- الجيش الإسلامي الذي فتح مكة المكرمة.
ب- الذين انضافوا إليهم من مسلمة الفتح.
وعدد الجيش الذي فتح مكة عشرة آلاف مقاتل، وهو نص حديث ابن عباس عند البخاري، وهذا سياقه
39- قال: حدثني محمود1، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر قال: أخبرني الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف 2، وذلك على رأس ثمان سنين
____________________
1 محمود: هو ابن غيلان، أبو أحمد المروزي.
2 قال ابن حجر: وفي مرسل عروة عند ابن إسحاق وابن عائذ: "ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اثني عشر ألفا من المهاجرين والأنصار، وأسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وسليم". ثم قال: وكذا وقع في "الإكليل"، "وشرف المصطفى" ويجمع بينها أن العشرة آلاف خرج بها من المدينة، ثم تلاحق بها الألفان. (فتح الباري 8/4 ونسبه الهيثمي في مجمع الزوائد 6/170) ، للطبراني وقال: وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف. ونسبه ابن كثير لعروة والزهري وموسى بن عقبة. (البداية والنهاية 4/324- 325) .(1/110)
ونصف1 من مقدمه المدينة، فسار هو ومن معه من المسلمين إلى مكة، يصوم ويصومون". الحديث2.
وعند ابن إسحاق قال: حدثني الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس مطولا فيه: "ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل مر الظهران3 في عشرة آلاف من المسلمين". الحديث4.
ومن طريق ابن إسحاق: أخرجه أحمد مختصرا، والطبري، والطحاوي والحاكم بطوله، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي5.
وأورده الهيثمي مختصرا وقال: في الصحيح طرف منه في الصيام، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. ثم أورده مطولا وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح6.
والحديث دليل واضح على أن الذين خرجوا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - لفتح مكة المكرمة، كانوا عشرة آلاف مقاتل. وقد خرجوا إلى غزوة حنين مع من انضم إليهم من الطلقاء7.
40- فقد ورد عند البخاري ومسلم من طريق معاذ8 بن معاذ، عن
____________________
1 قال ابن حجر: هكذا وقع في رواية معمر وهو وهم، والصواب على رأس سبع سنين ونصف، وإنما وقع الوهم من كون غزوة الفتح كانت في سنة ثمان، ومن أثناء ربيع الأول إلى أثناء رمضان نصف سنة سواء، فالتحرير أنها سبع سنين ونصف، وذكر توجيهات أخرى. (الفتح 8/49) .
(صحيح البخاري 5/120 كتاب المغازي، باب غزوة الفتح في رمضان) .
3 مر الظهران: هو وادي فاطمة، يقع شمال مكة المكرمة بنحو 30 كم. (انظر: غزوة بني المصطلق ص54- 55) .
(سيرة ابن هشام 2/399- 400) .
(أحمد: المسند 1/266، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/49، والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/319- 320، والحاكم: المستدرك 3/43) .
(مجمع الزوائد6/164-167،وابن كثير: البداية والنهاية4/285-286، 324) .
7 الطلقاء - بضم الطاء وفتح اللام وبالمد - هم الذين أسلموا يوم فتح مكة، ومفرده طليق، يقال ذلك: لمن أطلق من أسار أو وثاق. قال القاضي عياض في المشارق: قيل لمسلمي الفتح الطلقاء لِمَنِّ النبي - صلى الله عليه وسلم عليهم -. (مشارق الأنوار 1/319، وانظر: النهاية لابن الأثير 3/136، وشرح النووي على صحيح مسلم 3/100 و4/469) .
8 معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري، أبو المثنى البصري، القاضي، ثقة متقن، من كبار التاسعة (ت 196) /ع. (ابن حجر: التقريب 2/257) .(1/111)
ابن عون1، عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان2 وغيرهم بنعمهم3 وذراريهم، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف4 ومن الطلقاء5 ... الحديث6.
والحديث يدل على أن الجيش الخارج إلى حنين عشرة آلاف من غير الطلقاء، وقد جاء عند ابن إسحاق أن الطلقاء كانوا ألفين من أهل مكة. ساق ذلك بدون إسناد7.
وأخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر قال: "ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه ألفان من أهل مكة، مع عشرة آلاف منن أصحابه الذين فتح الله بهم مكة، فكانوا اثني عشر ألفا"8.
____________________
1 هو عبد الله بن عون بن أرطبان - بفتح فسكون - أبو عون البصري، ثقة ثبت فاضل، من أقران أيوب في العلم والعمل والسن، من السادسة (ت 150) على الصحيح /ع. (المصدر السابق 1/439) .
2 نسبة إلى غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
3 النعم - بفتح العين وقد تسكن - الإبل والشاء، أو خاص بالإبل. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 4/182) .
4 وقع عند مسلم وأحمد من طريق السميط، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: افتتحنا مكة، ثم إنا غزونا حنينا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت الخيل ثم صفت المقاتلة ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم ثم صفت النعم، قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف. الحديث.
قال النووي: الرواية الأولى أصح؛ لأن المشهور في كتب المغازي أن المسلمين كانوا اثني عشر ألفا، عشرة آلاف شهدوا الفتح، وألفان من أهل مكة ومن انضاف إليهم، وهذا معنى قوله: "ومعه عشرة آلاف ومعه الطلقاء".
قال القاضي عياض: قوله: "ستة آلاف" وهم من الراوي عن أنس. والله أعلم. (انظر: صحيح مسلم 2/736 كتاب الزكاة، ومسند أحمد 3/157، وشرح صحيح مسلم للنووي 3/101) .
5 وعند مسلم من هذه الطريق (ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف ومعه الطلقاء) .
وعند البخاري من طريق أزهر عن بن عون (لما كان يوم حنين التقى هوازن ومع النبي - صلّى الله عليه وسلّم ـ، عشرة آلاف والطلقاء".
وعند أحمد من طريق: سليم بن أخضر عن ابن عون: "لما يوم حين وجمعت هوازن وغطفان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمعاً كثيراً، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عشرة آلاف أو أكثر ومعه الطلقاء) .
(البخاري: الصحيح 5/130- 131، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، واللفظ له. ومسلم: الصحيح2/735 كتاب الزكاة. وأحمد: المسند 3/190، 279-280. ومنتخب كنز العمال 4/171 مع مسند أحمد. ورمز له بـ (ش) عبارة على أن الحديث عند ابن أبي شيبة) .
(سيرة ابن هشام 2/440، والبداية والنهاية لابن كثير 4/324) .
(تاريخ الرسل والملوك 3/73، وتقدم برقم (35) .(1/112)
41- وأخرج الطبري أيضا بسنده عن السدي، وابن زيد1 في قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ2 إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] .
قالا: "كانوا اثني عشر ألفا"3.
وكلا الإسنادين مقطوع4.
42- ورواه أيضا عن عروة بن الزبير، وعن قتادة5.
43- وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق ابن إسحاق قال: حدثنا الزهري قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين في ألفين من مكة وعشرة آلاف كانوا معه فسار بهم الحديث6.
44- وساق بسنده أيضا عن الحاكم فقال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أبو بكر
____________________
1 ومحمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ- بضم القاف والفاء بينهما نون ساكنة - التيمي المدني، ثقة من الخامسة /م عم. (التقريب 2/162) .
2 حنين: قال ياقوت: يجوز أن يكون تصغير الحنان، وهو الرحمة تصغير ترخيم. ويجوز أن يكون تصغير الحن، وهو حي من الجن. قال السهيلي: سمي بحنين بن قانية بن مهلائيل، قال وأظنه من العماليق. وهو يذكر ويؤنث. فإن قصدت به البلد ذكرته وصرفته، كما في قوله تعالى {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} . وإن قصدت به البلدة والبقعة أنثته ولم تصرفه، وهو واد قريب من مكة. (معجم البلدان 2/313) .
قلت: تصغير الترخيم عبارة عن تصغير الاسم بعد تجريده من الزوائد التي فيه، فإن كانت أصوله ثلاثة صغر على "فعيل" وإن كانت أربعة صغر على "فعيعل" (انظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 2/487) ووادي حنين يسمى الآن (الشرائع) وهو يبعد عن مكة بنحو عشرين كيلا شرقي مكة. معجم المعالم الجغرافية لعاتق البلادي ص107، وحمد الجاسر: التعليق على كتاب المناسك للحربي ص471، وباشميل: غزوة حنين ص60، وفؤاد حمزة: قلب جزيرة العرب ص268) .
(جامع البيان 10/101، 103) .
4 الخبر المقطوع ما أضيف إلى التابعي أو من دونه من قول أو فعل. (تدريب الراوي للسيوطي ص117) . وفي سند السدي: أسباط بن نصر، وهو صدوق كثير الخطأ يغرب. والسدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن، صدوق يهم ورمي بالتشيع. (التقريب 1/53 و71- 72) . وفي سند ابن زيد انقطاع بينه وبين عبد الله بن وهب.
(جامع البيان 10/99- 100) .
(دلائل النبوة 3/40- 41 ب-أ) .(1/113)
القاضي1 قالا: نا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: أنا أحمد بن عبد الجبار، قال: نا يونس بن بكير عن أبي جعفر عيسى الرازي، عن الربيع أن رجلا قال يوم حنين لن نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله تعالى {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] . قال الربيع: وكانوا اثني عشر ألفا، منهم ألفان من أهل مكة2.
والحديث فيه:
أ- يونس بن بكير "صدوق يخطئ"3
ب- أبو جعفر الرازي التميمي عيسى بن أبي عيسى "صدوق سيئ الحفظ"4.
ج- الربيع بن أنس البكري "صدوق له أوهام، ورمي بالتشيع".
قال ابن حبان: والناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر الرازي عنه، لأن في أحاديثه عنه اضطرابا كثيرا5
د- الإرسال، فإن الربيع لم يدرك هذه الوقعة.
54- وروى ابن سعد قال: أخبرنا الضحاك6 بن مخلد الشيباني، أبو عاصم النبيل، قال: أخبرنا عبد الله7 بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب الثقفي، أخبرني
____________________
1 هو أحمد بن الحسن القاضي، هكذا ذكر البيهقي غي "دلائل النبوة" 3/42. وتقدمت تراجم رجال بقية الحديث في حديث رقم (23) .
(دلائل النبوة 3/41ب، والنظر المواهب اللدنية للقسطلاني 1/161) .
(التقريب 2/384) .
(المصدر السابق 2/406، والمجروحين لابن حبان 2/120) .
(التقريب 1/243، وتهذيب التهذيب 3/238- 239) .
6 هو الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني، أبو عاصم النبيل، البصري، ثقة ثبت، من التاسعة (ت 212) أو بعدها. /ع. (التقريب 1/373، وتهذيب التهذيب 4/450) .
7 عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب بن يعلى، أبو يعلى الثقفي، عن عمرو ابن شعيب، وعطاء بن أبي رباح وغيرهم، وعنه الثوري، ومعتمر بن سليمان، ومروان بن معاوية، ووكيع، وابن مهدي، وابن المبارك، وأبو عاصم وغيرهم. صدوق يخطيء ويهم، من السابعة /بخ م د تم س ق. قال المزي، وتبعه ابن حجر: وقع عند ابن ماجة في التكبير في صلاة العيد سبع أو خمس "عبد الرحمن بن يعلى" وهو خطأ، والصواب هو عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي، وكذلك سماه أبو داود في روايته. ثم قال المزي: وقد روى ابن ماجة غير هذا الحديث على الصواب. (انظر: تهذيب الكمال للمزي 5/414، والتقريب 1/429، 503، وتهذيب التهذيب 5/298- 299، 6/301) .
قلت: والحديث الذي أشار إليه المزي وابن حجر عند ابن ماجة في التكبير في صلاة العيد من طريق أبي كريب، وأنه قال فيه عن عبد الرحمن بن يعلى، فإن الحديث في سنن ابن ماجة الموجودة بين أيدينا "عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى". (انظر سنن ابن ماجة 1/407 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في كم يكبر الإمام في صلاة العيدين، و410 باب ما جاء في الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها، وسنن أبي داود 1/262 كتاب الصلاة، باب التكبير في العيدين) .(1/114)
عبد الله1 بن عياض، عن أبيه2 أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى هوازن في اثني عشر ألفا، فقتل من أهل الطائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترابا من البطحاء فرمى به وجوهنا فانهزمنا 3
والحديث رواه الطبراني من طريق زيد4 بن الحريش، والعباس5 ابن عبد العظيم العنبري، قالا: ثنا أبو عاصم به6.
ورواه الحاكم من طريق أبي قلابة7، ثنا أبو عاصم به8.
ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي9.
____________________
1 عبد الله بن عياض روى عن أبيه وعنه أبو يعلى عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى ابن كعب الثقفي الطائفي. (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/129) . ووقع في طبقات ابن سعد "وأخبرني عبد الله بن عباس"، والصواب عبد الله بن عياض. (وإسقاط حرف العطف) .
2 عياض بن عبد الله الثقفي، وقال ابن عبد البر: عياض الثقفي. وقال البخاري: عياض له صحبة. قال ابن حجر: فرق ابن الأثير بين عياض الثقفي، وعياض بن عبد الله الثقفي، وهو وهم. (الإصابة 3/49 و183، وأسد الغابة 4/322 و325، والاستيعاب 3/129، وتاريخ البخاري الكبير 7/19) .
(الطبقات الكبرى لابن سعد 2/154- 155) .
4 زيد بن الحريش الأهوازي، نزيل البصرة، روى عن عمران بن عيينة وروى عنه إبراهيم بن يوسف الهسنجاني. (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/561) .
5 العباس بن عبد العظيم بن إسماعيل بن توبة العنبري، أبو الفضل البصري، ثقة حافظ، من كبار الحادية عشرة (ت240) /خت م عم. (التقريب1/397،وتهذيب التهذيب5/121) .
(المعجم الكبير 17/368- 369) .
7 عبد الملك بن محمد الرقاشي - بفتح الراء وتخفيف القاف ثم معجمة - أبو قلابة البصري، يكنى أبا محمد، وأبو قلابة لقب، صدوق يخطيء، تغير حفظه لما سكن بغداد، من الحادية عشرة، (ت276) /ق. (التقريب 1/522، وتهذيب التهذيب 6/419، ولسان الميزان 5/49 كلها لابن حجر) .
(المستدرك 2/121) .
(دلائل النبوة 3/45 أ) .(1/115)
وأورده الهيثمي ثم قال: رواه الطبراني وفيه: عبد الله بن عياض، ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه، وبقية رجاله ثقات1.
وبهذا فإن تصحيح الحاكم لهذا الحديث، وموافقة الذهبي لهن فيه نظر.
والخلاصة في هذا أن الأحاديث الصحيحة نصت على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى غزوة حنين بعشرة آلاف مقاتل، و (الطلقاء) ولفظ "الطلقاء" شيء زائد على العشرة الآلاف، وقد بينت هذه الأحاديث بأن الطلقاء كانوا ألفين من اهل مكة، وهي وإن كان كل حديث منها لا يسلم من مقال، إلاّ أنها بمجموعها يقوي بعضها بعضا، ولها أصل في الأحاديث الصحيحة، وهو لفظ "الطلقاء" الزائد على عشرة الآلاف، وأطبق أهل المغازي وغيرهم على أن الطلقاء كانوا ألفين من مسلمة الفتح انضافوا إلى الجيش الإسلامي القادم من المدينة لفتح مكة، وذهبوا جميعاً إلى غزوة حنين وكان عددهم اثني عشر ألفا2. هذا على ما جاء في الروايات الصحيحة بأن الجيش القادم من المدينة المنورة كان عشرة آلاف.
وأما على رأي عروة بن الزبير، وموسى بن عقبة، والزهري، بأن الجيش القادم من المدينة اثني عشر ألفا، فيكون مجموع الجيش الخارج إلى حنين أربعة عشر ألفا، وقد تقدم توجيه ذلك3.
وقال عطاء: كان المسلمون يوم حنين ستة عشر ألفا4.
__________
(مجمع الزوائد 6/186) .
(انظر: سيرة ابن هشام 2/440، وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/73، وتاريخ خليفة بن خياط ص88، وجوامع السيرة لابن حزم ص238، والكامل لابن الأثير 2/178، وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/468، والبداية والنهاية لابن كثير 4/324، والمواهب اللدنية للقسطلاني 1/161، والسيرة الحلبية لبرهان الدين الحلبي 3/63) .
3 تقدم تحت حديث (39) .
(تفسير البغوي 3/72) ، مع "الخازن".(1/116)
المبحث الرابع: استعداد هوازن العسكري:
من المعلوم أن هوازن قبيلة قوية في عددها وعددها، وقد أقامت حولا كاملا تعد العدة لحرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 1. وقد انضم إليها بعض القبائل الأخرى من
____________________
(انظر: شرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/7، 10- 11، 20- 22) .(1/116)
غطفان وغيرهم، فأحكموا خطتهم ووقف الجميع صفا واحدا في وجه المسلمين يريدون القضاء عليهم.
فقد جاء في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف ومن الطلقاء. الحديث1. وعند مسلم وأحمد من طريق السميط2، عن انس بن مالك.
46- قال: "افتتحنا مكة، ثم أنّا غزونا حنينا، فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت3 الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم". الحديث4.
وأخرج أبو داود الطيالسي وأحمد وغيرهما من طريق حماد5 بن سلمة أنا إسحاق6 بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك:
47- "أن هوازن جاءت يوم حنين بالصبيان والنساء والإبل والنعم فجعلوهم صفوفا يكثرون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الحديث7.
وأخرجه ابن حبان والحاكم، كلاهما من طريق حماد بن سلمة به.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه8.
وسكت عنه الذهبي.
48- وأخرج أبو داود وأحمد كلاهما من طريق نافع9 أبي غالب الباهلي مطولا
____________________
1 تقدم برقم (40) .
2 السميط - بضم أوله - وهو ابن عمير، ويقال: ابن سمير السدوسي، البصري، أبو عبد الله، (ابن حجر: التقريب 1/334، والخلاصة للخزرجي 1/440) .
3 فصفت: بابناء للمفعول.
(مسلم: الصحيح 2/736 كتاب الزكاة، باب عطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام. واحمد: المسند 3/157) .
5 ثقة، تقدم في حديث (36) .
6 إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، المدني، أبو يحيى، ثقة حجة، من الرابعة (ت132) وقيل بعدها. /ع. (التقريب 1/59، وتهذيب التهذيب 1/239-240) .
7 أبو داود الطيالسي: المسند 2/108- 109، بترتيب الساعاتي "منحة المعبود"، وأحمد: المسند 3/190، 279.
(ابن حبان: موارد الظمآن ص417، والحاكم: المستدرك 2/130) .
9 أبو غالب الباهلي مولاهم، الخياط البصري، اسمه نافع أو رافع، ثقة من الخامسة /د ت ق. (التقريب 2/297، 460، وتهذيب التهذيب 10/415، 12/196) .(1/117)
فيه: "قال: يا أبا حمزة هل غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم؟ - قال: نعم. غزوت معه يوم حنين فخرج المشركون بكثرة فحملوا علينا حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا". الحديث1.
فهذه الأحاديث على اختلاف ألفاظها تدل على أن هوازن استعدت للمعركة استعدادا كاملا، ولم تدخر شيئا في وسعها.
وقد وصف ابن إسحاق جموع هوازن المتكاثرة فقال: لما سمعت هوازن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما فتح الله عليه من مكة، جمعها مالك2 بن عوف النصري، فاجتمع إليه
____________________
1 أبو داود: (السنن 2/186) ، كتاب الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه. وأحمد: المسند 3/151 واللفظ له وإسناده حسن. وأخرجه الترمذي وابن ماجة كلاهما من طريق نافع بن أبي غالب مختصرا بقصة الصلاة على الجنازة دون قصة حنين، وحسنه الترمذي. (سنن الترمذي 2/249- 250 كتاب الجنائز باب ما جاء أين يقوم الإمام من الرجل والمرأة، وسنن ابن ماجة 1/479 فيه) .
2 مالك بن عوف بن سعد بن ربييعة بن يربوع بن واثلة بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن، أبو علي النصري - بالصاد المهملة - نسبة إلى جده الأعلى نصر المذكور. ووقع في بعض الكتب النضري - بالضاد المعجمة - وهو خطأ. قاد مالك جيوش هوازن في غزوة حنين وكان عمره ثلاثين سنة، أسلم في الجعرانة بعد أن هزم هو وجنده وحسن إسلامه، واستعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على من أسلم من قومه فكان يقاتل ثقيفا فلا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى يصيبه. ثم شهد فتح دمشق وشهد القادسية مع سعد بن أبي وقاص.
ووقع في المعجم الكبير للطبراني 17/301 عن أبي خليفة الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام الجمحي قال: كان مالك بن عوف النصري رئيساً مقداماً، وكان أول ذكره وما شهر من بلائه "يوم الفجار" مع قومه كثر صنيعه يومئذ وهو على هوازن حين لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق مع الناس أموالهم ... الخ. وذكر انهزامه ولحوقه بالطائف. وحصل خطأ في قوله: أول ما شهر من بلائه "يوم الفجار".
والصواب "يوم حنين" وذلك لأن "آخر الفجارات" حضره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عمومته وعمره (20) سنة على رأي ابن إسحاق، وكانت غزوة حنين في السنة الثامنة للهجرة وبين آخر حروب الفجار وغزوة حنين (61) سنة، وكان عمر مالك بن عوف عندما قاد جيوش هوازن في حنين (30) سنة، فتكون حرب الفجار وقعت قبل ميلاد مالك بن عوف بـ (31) سنة.
وحديث الطبراني هذا أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 6/184- 185 وقال: رواه الطبراني عن خليفة بن خياط محمد بن سلام الجمحي، (وقوله: خليفة بن خياط) خطأ والصواب "أبو خليفة الفضل بن حباب" كما هو في معجم الطبراني.
وقال ابن حجر: وانقلب "مالك بن عوف" على خليفة بن خياط فسماه (عوف بن مالك) .
(انظر ترجمة مالك في جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص269، والاستيعاب لابن عبد البر 3/380 مع الإصابة، وأسد الغابة لابن الأثير 5/42، وتاريخ ابن خلدون 2/310، والإصابة لابن حجر 3/182، 352، وسيرة ابن هشام 1/184، 186، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/150، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/5، وتاريخ خليفة بن خياط ص99) .(1/118)
من هوازن ثقيف كلها، واجتمعت نصر، وجشم كلها، وسعد بن بكر وناس من بني هلال وهم قليل، ولم يشهدها من قيس عيلان إلاّ هؤلاء، وغاب عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب، ولم يشهدها منهم أحد له اسم، وفي بني جشم دريد1 بن الصمة شيخ كبير ليس فيه شيء إلا التيمن2 برأيه ومعرفته الحرب، وكان شيخاً3 مجرباً، وفي ثقيف سيدان لهم4، وفي الأحلاف5 قارب6 بن الأسود بن مسعود بن معتب، وفي بني مالك ذو الخمار7 سبيع بن الحارث بن مالك، وأخوه أحمر بن الحارث، وجماع8 أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري، فلما أجمع المسير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس وفيهم دريد بن الصمة في شجار9 له يقاد به، فلما نزل قال: بأي
____________________
1 دريد بن الصمة - واسم الصمة - معاوية بن بكر بن علقمة بن خزاعة بن غزية - بوزن عطية - ابن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن، قتل كافرا في هذه الغزوة، وسيأتي الخلاف فيمن قتله في حديث (97) . (جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص270. والروض الأنف للسهيلي 7/200- 201) .
2 التيمن: التبرك. (النهاية لابن الأثير 5/302، والقاموس للفيروز آبادي 4/278) .
3 وعند الواقدي: ونصرها دريد بن الصمة في بني جشم وهو يومئذ ابن ستين ومائة سنة، شيخ كبير ليس فيه شيء إلا التيمن به ومعرفته بالحرب، وكان شيخا مجربا، وقد ذهب بصره يومئذ. (المغازي 3/886) .
4 وعند الطبري: "وعلى ثقيف: عبد ياليل" انظر ص186.
5 الأحلاف: هم أحد قبيلي ثقيف، فإن ثقيفا قسمان:
أحدهما: بنو مالك. والثاني: الأحلاف. (ابن الأثير: اللباب في تهذيب الأنساب 1/33، وأسد الغابة 4/375) .
6 هو ابن أخي عروة بن مسعود كانت معه راية الأحلاف في غزوة حنين، فلما انهزم المشركون أسند الراية إلى شجرة وهرب. قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو وأبو مليح بن عروة بن مسعود المدينة قبل وفد ثقيف حين قتلت ثقيف عروة بن مسعود، يريدان مفارقة ثقيف، وأن لا يجامعوهم على شيء أبدا، فأسلما فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ: توليا من شئتما، فقالا: نتولى الله ورسوله. (ابن الأثير: أسد الغابة 4/375- 376) .
7 ذو الخمار: بالخاء والميم قتل كافرا في هذه الغزوة. (سيرة ابن هشام 2/437 و450. والكلاعي: الاكتفاء 2/333) . ووهم المعلقون على سيرة ابن هشام فقالوا: اسمه عوف بن الربيع، وعوف ابن الربيع صحابي من أسد وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو: ذو الخيار - بالخاء والمثناة التحتانية -. (انظر: ابن الأثير: أسد الغابة 4/310، وابن حجر: الإصابة 3/42) .
8 في (المصباح المنير 1/133) : وجماع الناس بالضم والتثقيل أخلاطهم، وكذا في (المعجم الوسيط 1/135) .
9 الشجار: هو مركب مكشوف دون الهودج، ويقال له: مشجر أيضا. (ابن الأثير: النهاية 2/446. والروض الأنف للسهيلي 7/201) .(1/119)
واد أنتم؟ قالوا: ب أوطاس، قال: نعم مجال الخيل! لا حزن1 ضرس ولا سهل دهس2، ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار3 الشاء؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم. قال: أين مالك؟ قيل: هذا مالك ودعي له، فقال: يا مالك4، إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء؟ قال: سقت مع الناس اموالهم، وأبناءهم، ونساءهم، قال: ولِمَ ذاك؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله، ليقاتل عنهم، قال: فأنقض به5، ثم قال: راعي ضأن6 والله! وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك" الحديث7.
قال ابن كثير: بعد إيراده لهذا الحديث: هكذا أورده ابن إسحاق من غير إسناد.
وقد روى يونس بن بكير عن ابن إسحاق، عن عاصم بم عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه8.
____________________
1 الحزن: بفتح الحاء وسكون الزاي، المكان الغليظ الخشن.
والضرس: بكسر الضاد وسكون الراء: الأكام الخشنة. (المصدر السابق 1/380، 3/83) .
2 الدهس - بفتح الدال وسكون الهاء - ما سهل ولان من الأرض ولم يبلغ أن يكون رملا. (المصدر السابق 2/145) .
3 وعند الواقدي: "وثغاء الشاء". (المغازي 3/887 - والمراد: صوت الشاء) .
4 وعند الواقدي: "يا مالك إنك تقاتل رجلا كريما وقد اصبحت رئيس قومك ... الخ". (المغازي 3/887) .
5 وعند الواقدي: "فأنقض بيديه". (المغازي 3/888) .
قال ابن الأثير: "وفي حديث هوازن "فأنقض به دريد"، أي نقر بلسانه في فيه، كما يزجر الحمار، فعله استجهالا به.
قال الخطابي: أنقض به، أي صفق بإحدى يديه على الأخرى، حتى يسمع لهما نقيض، أي صوت. (النهاية 5/107) .
وقال السهيلي: الإنقاض بالأصبع الوسطى والإبهام كأنه يدفع بهما شيئا. (الروض الأنف 7/201) .
6 وعند الواقدي: "راعي ضأن ما له وللحرب؟ ". (المغازي 3/888) وانظر: الروض الأنف 7/201.
(سيرة ابن هشام 2/437، وانظر: مغازي الواقدي 3/885، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/149) .
8 تقدم الحديث برقم (23) وإسناده حسن.(1/120)
وعن عمرو بن شعيب، والزهري، وعبد الله بن أبي بكر بن عمرو ابن حزم وغيرهم قصة حنين فذكر نحو ما تقدم1.
وأخرج الطبري فقال: حدثنا بشر2 بن معاذ قال: ثنا يزيد3، قال: ثنا سعيد4، عن قتادة5، قوله: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} . [سورة التوبة، من الآية: 25] . حتى بلغ {وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: 26] 6. قال: وحنين ماء بين مكة والطائف، قاتل عليها نبي الله هوازن وثقيف، وعلى هوازن مالك بن عوف أخو بني نصر، وعلى ثقيف عبد ياليل بن عمرو الثقفي" الحديث7.
وهذه الأحاديث المتقدمة تدل على أن هوازن كانت قد جمعت جمعا كثيرا، وإن كانت لم تنص على عدد هوازن ومن معهم صراحة، وقد ورد عند الواقدي ما يدل على أن عدد هوازن ومن معهم عشرون ألفا.
قال: ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن أبي حدرد8 الأسلمي فقال له: انطلق فادخل حتى تأتي بخبر منهم، وما يقول مالك، فخرج عبد الله فطاف في عسكرهم، ثم انتهى إلى مالك بن عوف فوجد عنده رؤساء هوازن، فسمعه يقول لأصحابه: إن محمدا لم يقاتل قط قبل هذه المرة، وإنما يلقى قوما أغمارا9 لا علم لهم بالحرب فينصر
____________________
1 البداية والنهاية 4/324.
2 بشر بن معاذ العقدي - بفتح المهملة والقاف- أبو سهل البصري، الضرير، صدوق، من العاشرة (ت سنة بضع وأربعين بعد المائتين) /ت س ق. (التقريب 1/101، وتهذيب التهذيب 1/458) .
3 يزيد: هو ابن زريع البصري، أو معاوية "ثقة ثبت" تقدم في حديث (1) .
4 هو سعيد بن أبي عروبة - بفتح مهملة وضم راء خفيفة وبموحدة - واسمه: مهران اليشكري، مولاهم أبو النضر البصري، ثقة حافظ له تصانيف، لكنه كثير التدليس، واختلط، وكان أثبت الناس في قتادة، من السادسة (ت 156، وقيل: 157) . /ع. (التقريب 1/302، وتهذيب التهذيب 4/63، والمغني لابن طاهر الهندي ص54) .
5 قتادة بن دعامة - بكسر مهملة وخفة عين مهملة - بن قتادة السدسي، أبو الخطاب البصري ثقة ثبت، يقال: ولد أكمه وهو رأس الطبقة الرابعة (ت سنة بضع عشرة بعد المائة) /ع. (التقريب 2/123، وتهذيب التهذيب 8/351، والمغني لابن طاهر الهندي ص30) .
(الروض الأنف للسهيلي 7/183) .
7 الطبري: جامع البيان 10/100، وتقدم برقم (42) .
8 هو عبد الله بن أبي حدرد، وإرساله إلى هوازن ليعرف وجهتهم، ثابت من حديث جابر بن عبد الله - المتقدم برقم (23) .
9 الأغمار: جمع غمر - بالضم - وهو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور. (ابن الأثير: النهاية 3/385) .(1/121)
عليهم فإذا كان في السحر فصفوا مواشيكم ونساءكم وأبناءكم من ورائكم، ثم صفوا صفوفكم، ثم تكون الحملة منكم، واكسروا جفون سيوفكم فتلقونهم بعشرين ألف سيف مكسورة الجفون1، واحملوا حملة رجل واحد واعلموا أن الغلبة لمن حمل أولا". الحديث2.
فقوله في هذا الحديث: "فتلقونه بعشرين ألف سيف" يدل على أن القوم كانوا عشرين ألفا.
وكون هوازن كانت عشرين ألفا أو أكثر ذلك، وإن لم يرد ذلك في حديث صحيح مصرح به.
إلا أن في الأحاديث الصحيحة الثابتة ما يؤيد هذا، فقد تقدم في حديث أنس بن مالك أنه قال: "لما كان يوم حنين وجمعت هوازن وغطفان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جمعا كثيرا".
وفيه أيضا:"لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم"3.
وفي حديث جابر بن عبد الله قال: "لما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فتح مكة، جمع مالك بن عوف من بني نصر وجشم، ومن سعد بن بكر، وأوزاع من بني هلال، وناسا من بني عمرو ابن عامر، وعوف بن عامر، وأوزعت معهم الأحناف من ثقيف وبنو مالك"4.
وفي حديث سهل بن الحنظلية: أنهم ساروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان عشية، فحضرت صلاة الظهر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء رجل فارس فقال: "يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم، اجتمعوا إلى حنين" الحديث5.
فمن خلال هذه الألفاظ الواردة في الأحاديث الصحيحة يفهم منها أن القوم حشدوا جموعا كثيرة، وقد تقدم في أول هذا المبحث أنهم أقاموا حولا كاملا يعدون العدة لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
____________________
1 جفن السيف: غمده الذي يكون فيه. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 4/209) .
(مغازي الواقدي 3/893) .
3 تقدم برقم (40) .
4 تقدم برقم (23) .
5 سيأتي تخريجه برقم (50) .(1/122)
ولذا فقد قال ابن حجر: والعذر لمن انهزم من غير المؤلفة أن العدو كانوا ضعفهم في العدد وأكثر من ذلك1.
وعند القسطلاني: "فاستقبلهم من هوازن ما لم يروا مثله قط من السواد والكثرة"2.
وعند الزرقاني: "إنهم كانوا أضعاف المسلمين".
ثم قال: "وما وقع في البيضاوي والبغوي ونحوهما أن ثقيفا وهوازن كانوا أربعة آلاف إن صح فلا ينافيه لأنهم انضم إليهم من العرب ما بلغوا به ذلك، فقد مر أنهم أقاموا حولا يجمعون لحربه عليه السلام لا أنهم باعتبار ما معهم من نساء ودواب يرون ضعفا وأضعاف المسلمين، وإن كانوا في نفس الأمر أربعة آلاف، لأن بعده لا يخفى؛ لأن فيه رد كلام الحفاظ الثقات الأثبات بلا دليل، فإن أربعة داخلة في الزائد فلا يصح رد الزائد إليها بهذا الحمل المتعسف الذي يأباه قول مالك بن عوف "تلقونه بعشرين ألف سيف". فإن البهائم لا سيوف معها3.
وهذه الجموع الهائلة جمعها مالك بن عوف في وادي أوطاس4، ثم أرسل عيونه إلى المسلمين ليعلم مدى قوتهم واستعدادهم لخوض المعركة.
49- قال ابن إسحاق: وحدثني أمية5 بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أنه حدث: أن مالك بن عوف بعث عيونا من رجاله، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم، فقال: ويلكم! فقالوا: رأينا رجالا بيضا على خيل بلق6 فو الله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، فو الله مارده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد7.
____________________
1 فتح الباري 8/29.
(المواهب اللدنية 1/162) .
(الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/7، 10، 11، 20، 22) . وانظر: (باشميل: غزوة حنين ص 69- 70، 73- 74، 78، 80، 115- 116، 125، 128، 139، 148- 149) . وانظر: (تفسير القرآن الكريم للبيضاوي ص221،وتفسير البغوي3/72مع الخازن) .
4 انظر ص 252 تعليقة (1) .
5 قال فيه ابن أبي حاتم: سئل عنه أبي فقال: ما بحديثه بأس. (الجرح والتعديل 2/301- 302) .
6 البلق - محركة - سواد وبياض كالبلقة - بالضم - وارتفاع التحجيل إلى الفخذين. (ابن منظور: لسان العرب 11/307، والفيروز آبادي: القاموس 3/214) .
(ابن هشام: السيرة 2/439) .(1/123)
ومن هذه الطريق أخرجه الطبري1.
والحديث ضعيف، لأن أمية بن عبد الله لم يصرح بمن حدثه.
وعند الواقدي: "قال: بعث مالك بن عوف رجالا من هوازن ينظرون إلى محمد وأصحابه –ثلاثة نفر– وأمرهم أن يتفرقوا في المعسكر، فرجعوا إليه وقد تفرقت أوصالهم، فقال: ما شأنكم ويلكم؟ ".
قالوا: رأينا رجالا بيضا على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى! وقالوا له: ما نقاتل أهل الأرض، إن نقاتل إلا أهل السموات - وإن أفئدة عيونه تخفق2- وإن أطعتنا رجعت بقومك فإن الناس إن رأوا مثل ما رأينا أصابهم مثل الذي أصابنا.
قال: أف3 لكم! بل أنتم قوم أجبن أهل العسكر، فحبسهم عنده فرقا4 أن يشيع ذلك الرعب في العسكر، وقال: دلوني على رجل شجاع، فأجمعوا له على رجل فخرج ثم رجع إليه وقد أصابه نحو ما أصاب من قبله منهم، فقال: ما رأيت؟
قال: رأيت رجالا بيضا على خيل بلق ما يطاق النظر إليهم، فوالله ما تماسكت أن أصابني ما ترى!
فلم يثنه5 ذلك عن وجهه6.
والحديث رواه الواقدي عن مشايخه مرسلا، وفيه الواقدي وقد وهنه العلماء، وقد تناقل العلماء هذه المسألة في مؤلفاتهم، وهي وإن لم تثبت من الناحية الحديثية، إلا أن الجواسيس والعيون لرصد المعلومات عن العدو وقدرته القتالية قبل القيام بالهجوم المباشر أمر متعارف عليه لدى القادة والرؤساء، وهو شيء يضعه كل قائد مسؤول في مقدمة خططه وحساباته واستعداداته لمواجهة خصمه7.
__________
(تاريخ الرسل والملوك 3/72، وانظر: ابن كثير: البداية والنهاية 4/323) .
2 تخفق: تتحرك وتضطرب رعبا من هول ما رأت. (ابن الأثير: النهاية 1/56، والفيروز آبادي: القاموس 3/227- 228) .
3 أف لكم: كلمة معناها التضجر، والمراد بها هنا الاحتقار. (ابن الأثير: النهاية 1/55) .
4 فرقا: أي خوفا.
5 فلم يثنه: أي لم يرده ذلك عن عزمه وتصميمه. (المصباح المنير1/105و2/565) .
(الواقدي: المغازي 3/892، وانظر: ابن سعد الطبقات الكبرى 2/150، وابن الأثير: الكامل 2/178، وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/467، والقسطلاني: المواهب اللدنية 1/161، والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/7) .
(باشميل: غزوة حنين ص111) .(1/124)
المبحث الخامس: تبشير الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالنصر، وبيان فضل الحراسة في سبيل الله:
لما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بان هوازن ومن شايعها من القبائل الأخرى حشدت قواها لضرب المسلمين، اهتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذلك غاية لاهتمام، وأعد للموقف عدته.
فأمر أحد قواده أن يذهب إلى القوم ليعلم له ذلك، وليرصد له وجهتهم وقدراتهم القتالية، زيادة في التثبت في حقيقة الأمر.
فذهب ذلك الجندي لمهمته، فدخل في القوم فوجدهم على أتم استعداد لملاقاة المسلمين، قد جمعوا جموعهم بما فيهم النساء والذراري والأموال، فعاد مسرعا، فنقل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبرهم، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله. وهذا هو صريح حديث سهل1 بن الحنظلية عند أبي داود وغيره.
50- وهذا سياقه عند أبي داود قال: حدثنا أبو توبة2، أخبرنا معاوية3 - يعني ابن سلام - عن زيد4 - يعني ابن سلام – أنه سمع أبا سلام5 قال: حدثني
____________________
1 سهل ابن الحنظلية، اختلف في اسم أبيه. والمشهور أن اسم أبيه: عمرو بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي.
والحنظلية: أمه، وقيل: أم أبيه، وقيل: أم جده. شهد سهل بيعة الرضوان، وأحدا، والخندق والمشاهد كلها ما عدا بدرا، كان فاضلا كثير الصلاة والذكر، وكان عقيما لا يولد له، مات بدمشق في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. /بخ د س. (ابن حجر: التقريب 1/336، وتهذيب التهذيب 4/250، والإصابة 2/86، وابن الأثير: أسد الغابة 2/469، وابن قدامة: الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار ص239) .
2 هو الربيع بن نافع، أبو توبة الحلبي، نزيل طرطوس، ثقة حجة، عابد، من العاشرة (ت 241) . /خ م د س ق. (ابن حجر: التقريب 1/246) .
3 معاوية بن سلام - بالتشديد - ابن أبي سلام، أبو سلام الدمشقي، وكان يسكن حمص، ثقة، من السابعة (ت في حدود 170) /ع. (المصدر السابق 2/259) .
4 زيد بن سلام - أخو معاوية - ابن أبي سلام ممطور، الحبشي - بالمهملة والموحدة والمعجمة - ثقة من السادسة /بخ م عم. (المصدر السابق 1/275) .
5 أبو سلام هو ممطور الأسود الحبشي، أبو سلام - جد زيد ومعاوية - ثقة، يرسل، من الثالثة /بخ م عم. (المصدر السابق 2/273) .(1/125)
السلولي1 أبو كبشة أنه حدثه سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فأطنبوا2 السير حتى كان عشية3 فحضرت4 صلاة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء رجل5 فارس فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة6 آبائهم بظعنهم7 ونعمهم وشائهم،
____________________
1 السلولي - بفتح مهملة وتخفيف اللام - أبو كبشة الشامي، ثقة من الثانية /خ د ت س. (المصدر السابق 2/465) .
وقد وقع في التقريب من النسخة المصرية ذكر أبي كبشة السلولي من باب التمييز، والصواب ما أثبته كما في: (تهذيل الكمال9/68، وتهذيب التهذيب 12/210، والتقريب الطبعة الهندية ص423، والكاشف للذهبي3/370، والخلاصة للخزرجي 3/239) .
2 فأطنبوا في السير: أي بالغوا فيه وتبع بعض الإبل بعضا، يقال: أطنب في الكلام إذا بالغ فيه، وأطنبت الإبل إذا تبع بعضها بعضا في السير، وأطنب الريح إذا اشتدت في غبار.
(ابن منظور: لسان العرب 2/50، والفيومي: المصباح المنير 2/449، والفيروز آبادي: القاموس المحيط 1/98) .
3 عشية: بالنصب على أنه خبر كان، واسمها محذوف، أي كان الوقت عشية.
4 وعند الطبراني: وحضرت الصلاة.
وعند الحاكم والبيهقي: فحضرت الصلاة، وعند البيهقي أيضا في الدلائل: فحضرت صلاة الظهر.
5 قول: "رجل فارس"، أي راكب فرسا.
وقال ابن حجر في فتح الباري 8/27: وهذا الرجل قد ورد عند ابن إسحاق من حديث جابر بن عبد الله ما يدل على أنه عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي. وقد تقدم حديث جابر المشار إليه.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
ولفظه: "عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سار إلى حنين لما فرغ من فتح مكة، جمع مالك بن عوف النصري من بني نصر وجشم، ومن سعد بن بكر، وأوزاع من بني هلال" الحديث. وفيه: "فلما سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، فقال: اذهب فأدخل في القوم حتى تعلم لنا من علمهم، فدخل فمكث فيهم يوما أو يومين، ثم أقبل فأخبره الخبر". الحديث. تقدم برقم (23) . وصرح بهذا أيضا الحلبي في سيرته (3/63) .
6 وعند ابن أبي عاصم والطبراني والحاكم والبيهقي "على بكرة أبيهم".
قال ابن الأثير: هذه كلمة للعرب يريدون بها الكثرة وتوفر العدد، وأنهم جاءوا جميعا لم يتخلف منهم أحد، وليس هناك بكرة في الحقيقة، وهي التي يستقى عليها الماء، فاستعيرت في هذاالموضع. (النهاية1/149،وابن منظور: لسان العرب5/147) .
7 الظعن: النساء، واحدتها ظعينة، وأصل الظعينة: الراحلة التي يرحل ويظعن عليها، أي يسار عليها. وقيل للمرأة ظعينة، لأنها تظعن مع الزوج إذا ظعن، أو لأنها تحمل على الراحلة إذا ظعنت، وقيل للظعينة: المرأة في الهودج، ثم قيل للهودج بلا امرأة، وللمرأة بلا هودج: ظعينة.
وجمع الظعينة: ظعن - بضم الظاء وسكون العين وتحريكها -، وظعائن، وأظعان.
والنعم: بفتح العين وقد تسكن: الإبل والبقر والغنم، والنعم: جمع لا واحد له من لفظه.
وشائهم: جمع شاة، والشاة الواحدة من الغنم، تقع على الذكر والأنثى، يقال لكل واحد شاة، وقيل: تكون الشاة من الضأن والمعز والظباء والبقر والنعام وحمر الوحش. (النهاية 3/157، ولسان العرب 16/64، 17/141، 404، والمصباح المنير 1/389، 2/456، والقاموس المحيط 4/182، 287، 245) .(1/126)
اجتمعوا1 إلى حنين فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله.
ثم قال: من يحرسنا الليلة؟ 2.
قال أنس3 بن أبي مرثد4 الغنوي: أنا يا رسول الله، قال: فاركب، فركب فرسا له، وجاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "استقبل5 هذا الشعب حتى تكون في أعلاه، ولا نغرن6 من قبلك الليلة، فلما أصبحنا"7 خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مصلاه فركع ركعتين، ثم قال: "هل أحسستم8 فارسكم؟ قالوا: يا رسول الله ما أحسسناه، فثُوّب9 بالصلاة، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو
____________________
1 وعند البيهقي: متوجهون إلى حنين. وكذا عند الحاكم.
2 وعند الحاكم والبيهقي: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ: ألا رجلا يكلأنا الليلة؟ ".
3 هو: أنس بن أبي مرثد الغنوي، يعود نسبه إلى قيس عيلان. وقيل فيه: "أنيس" بالتصغير، يكنى أبا يزيد. اختلف في اسم أبيه، وفي سياق نسبه. فنسبه بعضهم للأنصار لحلف كان بينهم.
قال ابن الأثير: وليس هذا من الأنصار في شيء، وإنما هو غنوي حليف حمزة بن عبد المطلب.
(انظر سيرة ابن هشام 1/678، 2/169- 170، والاستيعاب لابن عبد البر 1/61، 3/429 مع الإصابة، وأسد الغابة لابن الأثير1/153، 159، 4/500، 5/137، والإصابة لابن حجر1/73، 3/307، 4/177، والتاريخ الكبير للبخاري 2/30، وتحفة الأشراف للمزي 3/320) .
4 مرثد - بمفتوحة وسكون راء ومثلثة - وزن جعفر. (انظر: الإصابة لابن حجر 3/307، والمغني لابن طاهر الهندي ص70) .
5 وعند البيهقي: "انطلق إلى هذا الشعب حتى تكون في أعلاه، ولا تنزلن إلا مصليا أو قاضي حاجة".
6 قوله: ولا نغرن: بصيغة المتكلم مع الغير على البناء للمفعول، من الغرور، وفي آخره نون ثقيلة، أي لا يجيئنا العدو من قبلك على غفلة منك. وقد وردت هذه الفظة بالتاء والياء والفعل في الجميع مؤكد ومبني للمفعول. (عون المعبود 7/179- 180) .
7 وعند ابن أبي عاصم: "فلما أصبحت". وعند البيهقي:"فلما كان الغد خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي".
8 وعند ابن أبي عاصم والطبراني والبيهقي: "هل حسستم فارسكم؟، فقال رجل: يا رسول الله، ما حسسناه".
9 فثوب بالصلاة: بالبناء للمفعول، وعند أبي داود في كتاب الصلاة من هذا الطريق، ومن طريقه أخرجه البيهقي في كتاب الصلاة عن أبي سلام قال حدثني السلولي عن سهل بن الحنظلية قال: ثوب بالصلاة - يعني صلاة الصبح - والمعنى: أقيمت الصلاة.(1/127)
يتلفت1 إلى الشعب حتى إذا قضى صلاته وسلم فقال: "أبشروا فقد جاءكم فارسكم"2، فجعلنا ننظر إلى خلال3 الشجر في الشعب، فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب، حيث أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أصبحت4 اطلعت الشعبين كليهما فلم أر أحدا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل نزلت5 الليلة؟ قال: لا، إلا مصليا أو قاضيا حاجة6، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد أوجبت7 فلا عليك أن لا تعمل بعدها "8.
____________________
1 وعند أبي داود في كتاب الصلاة، والبيهقي من طريقه: "فحعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو يلتفت إلى الشعب، وقد كان أرسل فارسا إلى الشعب من الليل يحرس".
وعند ابن أبي عاصم: "فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلى يلتفت إلى الشعب".
وعند الطبراني: "فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة يلتفت إلى الشعب".
والحديث فيه جواز الالتفات في الصلاة ما لم يلو عنقه خلف ظهره. ويدل لذلك أيضا ما أخرجه الحاكم في المستدرك 1/236- 237 عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلتفت في صلاته يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه خلف ظهره". ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
ثم قال: قد اتفقا على إخراج حديث أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سألت رسول الله - صلى اله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة، فقال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد".
ثم قال: وهذا الالتفات غير ذاك، فإن الالتفات المباح أن يلحظ بعينه يمينا وشمالا، ثم أورد حديث الباب شاهدا لحديث ابن عباس.
وأورد الحازمي: حديث ابن عباس ثم قال: تفرد به الفضل بن موسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند متصلا، وأرسله غيره عن عكرمة، ثم قال: وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الالتفات في الصلاة ما لم يلو عنقه، وإليه ذهب عطاء ومالك وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي وأهل الكوفة، ثم أورد حديث الباب شاهدا لهم، ثم قال: وقال من ذهب إلى حديث ابن عباس هذا الحديث لا يناقض حديث سهل بن الحنظلية، لاحتمال أن الشعب كان في جهة القبلة، وكان صلى الله عليه وسلم يلتفت إلى الشعب ولا يلوي عنقه، ثم ذكر من قال بالمنع مطلقا ومن قال بالكراهة، والمسألة خلافية. (الحازمي: الاعتبار ص66، وعون المعبود 3/184- 185) .
2 عند الحاكم والبيهقي: "إن فارسكم قد أقبل"
3 عند الحاكم: "فجعلنا ننظر إلى ظل الشجرة".
4 وعند البيهقي: "فلما أصبحنا طلعت على الشعبين".
5 عند ابن أبي عاصم: "أنزلت الليلة؟ ". وعند الطبراني والحاكم والبييهقي: "نزلت الليلة؟ "، بإسقاط أداة الاستفهام. وعن الحاكم والبيهقي: "لعلك نزلت".
6 في بعض الألفاظ: "أو قاضي حاجة" بالإضافة.
7 قوله:"قد أوجبت" أي علمت عملا يوجب لك الجنة، فلا ضرر ولا جناح عليك في ترك العمل بعد هذه الحراسة لأنها تكفيك لدخول الجنة. (عون المعبود7/180) .
قلت: وهذا كقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أهل بدر: "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". ولكن الصحابة رضوان الله عليهم قابلوا هذا بالشكر والمواظبة على الأعمال الصالحة ومواصلة الجهاد في سبيل الدعوة إلى الله حتى آخر لحظة من حياتهم، ولم يكن للاتكال سبيل إلى نفوسهم لكمال معرفتهم بدينهم وعظيم خشيتهم من ربهم.
8 أبو داود: (السنن 1/210) ، كتاب الصلاة، باب الرخصة في الالتفات في الصلاة، 2/9 كتاب الجهاد، باب في فضل الحراسة في سبيل الله عز وجل.(1/128)
والحديث أخرجه النسائي في "السنن الكبرى". والبخاري في "التاريخ". وابن أبي عاصم والطبراني. والحاكم والبيهقي والحازمي مختصرا ومطولا، الجميع من طريق معاوية بن سلام الدمشقي به1.
وقال الحاكم: هذا الإسناد من أوله إلى آخره صحيح على شرط الشيخين غير أنهما لم يخرجا مسانيد سهل بن الحنظلية لقلة رواية التابعين عنه وهو من كبار الصحابة. ووافقه الذهبي.
وأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وقال: أخرجه أبو داود والحاكم من طريق أبي توبة الربيع بن نافع الحلبي، ثنا معاوية بن سلام به.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي، وهو كما قالا2.
والحديث يدل على اهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - البالغ بمعرفة أعدائه، حيث كان يتابع تحركاتهم ويرقب سيرهم حتى يكون على بصيرة وخبرة بما يدبرون ضده من مؤامرات، وفيه معجزة نبوته حيث أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ما حشدته هوازن من قوة ستكون غنيمة للمسلمين، وقد وقع ما أخبر به عليه الصلاة والسلام.
وفيه منقبة عظيمة لأنس بن أبي مرثد الغنوي، وفضل الحراسة في سبيل الله عز وجل.
وفيه تسابق الصحابة وحرصهم على ما فيه نفع للمسلمين وخدمة لدينهم وامتثال أمر نبيهم - صلى الله عليه وسلم -. ودقة التزامهم بأوامره - صلى الله عليه وسلم -. فلم يبرح أنس موضعه إلا في حدود
____________________
1 انظر: تحفة الأشراف للمزي 4/95 حديث (4650) . والتاريخ الكبير للبخاري 2/30، وكتاب الجهاد لابن أبي عاصم ص50 ضمن مجموعة (27) ورقمه العام (535) . و (المعجم الكبير للطبراني 6/115- 116) . و (المستدرك للحاكم 1/237، 2/83- 84) . (السنن الكبرى للبيهقي 2/7، 13، 348، 9/149) . و (دلائل النبوة 3/43ب) .
2 المجلد الأول، حديث رقم (378) وتحقيق لأحاديث مشكاة المصابيح حاشية 3/1668.(1/129)
الرخصة التي أذن له فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهكذا يكون الاتباع والامتثال بالوقوف عند أوامر الشرع ففيها الفلاح والصلاح.(1/130)
المبحث السادس: بقايا من رواسب الجاهلية:
في السنة الثامنة من الهجرة النبوية دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة فاتحا وتم الاستيلاء عليها.
ثم وجه عنايته إلى حنين لمواجهة هوازن المتجمعة هناك، التي غاظها هذا الفتح العظيم، فخرج - صلى الله عليه وسلم -، وخرج معه بعض الكفار من أهل مكة الذين لم يدخلوا في الإسلام، وأعطاهم رسول الله - صلى الله عليه - وسلم الأمان، وخرج معه أيضا بعض مسلمة الفتح الذين كانوا حديثي عهد بالإسلام، وكان منهم من بقي فيه بقية من أمر الجاهلية لقرب عهدهم بها.
فبينما هم يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين مروا بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتكم يتبركون بها، فتنادوا من جنبات الطريق: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط.
يوضح هذا الموقف حديث أبي واقد الليثي عند الترمذي وغيره، وهذا سياقه عند الترمذي قال:
51- حدثنا سعيد1 بن عبد الرحمن المخزومي، أخبرنا سفيان2، عن الزهري3، عن سنان4 بن أبي سنان، عن أبي واقد الليثي5: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
____________________
1 سعيد بن عبد الرحمن بن حسان، أبو عبد الله المخزومي، ثقة من صغار العاشرة (ت 249) /ت س. (التقريب 1/300) . وفي تهذيب التهذيب 4/55: وهو ثقة في ابن عيينة. وانظر الخلاصة للخزرجي 1/383.
2 سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي، أبو محمد، الكوفي، ثم المكي، ثقة حافظ فقيه إمام حجة، إلا أنه تغير بآخره، وربما دلس، لكن عن الثقات، من رؤوس الطبقة الثامنة، وكان أثبت الناس في عمرو بن دينار (ت 198) /ع. (التقريب 1/312، وتهذيب التهذيب 4/117- 122)
3 هو محمد بن مسلم، تقدم في الحديث (32) .
4 سنان بن أبي سنان الديلي - نسبة في دؤلي - المدني، ثقة من الثالثة (ت 105) /خ م ت س. (التقريب 1/334، وتهذيب التهذيب 4/242) .
5 أبو واقد الليثي الكناني، اختلف في اسمه فقيل: الحارث بن مالك، وقيل: الحارث ابن عوف، وقيل: عوف بن الحارث. كما اختلف أيضاً في وقت ميلاده، وفي وقت إسلامه.
قال ابن حجر: وقد نص الزهري على أنه أسلم يوم الفتح وأسند ذلك عن سنان ابن أبي سنان الدؤلي، أخرجه ابن مندة بسند صحيح إلى الزهري، ثم قال ابن حجر: وهذا هو الصحيح. إهـ.
قال ابن الأثير: وهو يؤيد هذا القول: "إخباره عن نفسه أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بحنين قال: ونحن حديثو عهد بكفر". ثم قال ابن الأثير: مات أبو واقد سنة (68) /ع.
(الاستيعاب 4/215- 216، وأسد الغابة 1/409، 325، وتهذيب الكمال للمزي 9/828، والكاشف للذهبي 3/387، والإصابة 4/215- 216، وتهذيب التهذيب 12/270، والخلاصة للخزرجي 3/252، ووقع في التقريب 2/482 الطبعة المصرية، والتقريب الطبعة الهندية ص431 (بخ) وهو خطأ. والصواب أنه أخرج له (ع) .(1/130)
لما خرج1 إلى حنين مرّ بشجرة2 للمشركين يقال لها "ذات أنواط"3 يعلقون عليها أسلحتهم، قالوا4: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله"5 كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والذي نفسي
____________________
1 عند أحمد والطبري: "أنهم خرجوا من مكة مع رسول اللهـ صلى الله عليه وسلم - إلى حنين".
وعند ابن إسحاق: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين ونحن حديثو عهد بالجاهلية". وعند الطبراني: "ونحن حدثاء عهد بكفر، ونحن حديثو عهد بكفر بجاهلية".
2 وعند الطبري: فمررنا بسدرة، قلت: يا نبي الله اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة يعكفون بها.
وعنده أيضا: فمررنا بسدرة خضراء عظيمة، قال: فقلنا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط.
وعند ابن إسحاق والواقدي والطبراني: وكانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة خضراء، يقال لها ذات أنوات يأتونها كل سنة، فيعلقون أسلحتهم عليها، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوما، قال: فرأينا ونحن نسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سدرة خضراء عظيمة فتنادينا من جنبات الطريق: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط.
لفظ الواقدي: "فرأينا شجرة عظيمة خضراء فسترتنا من جانب الطريق، فقلنا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط ... الخ".
وعند الطبراني: ونحن حديثو عهد بكفر وكانوا أسلموا يوم الفتح فانتهينا إلى شجرة كان المشركون يعلقون عليها أسلحتهم، يعكفون عندها في السنة، يقال لها ذات أنواط. وعنده أيضا: يأتونها كل عام فيعلقون بها أسلحتهم ويريحون تحتها.
3 ذات أنواط: هي اسم شجرة بعينها كانت للمشركين ينوطون بها سلاحهم، أي يعلقونها بها، ويعكفون حولها، وأنواط جمع نوط وهو مصدر سمي به المنوط. (ابن الأثير: النهاية 5/128) .
4 عند أحمد والطبري والطبراني: فقلنا: يا رسول الله. وعند الطبري: قلت: يا نبي الله. وعند الطبراني: فقلت: أي رسول الله.
5 وعند ابن إسحاق والطبرا"ي: "الله أكبر، قلتم، والذي نفس محمد بيده كما قال قوم موسى ... الخ". وعند الطبري والطبراني: "الله أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى". وعند الواقدي: " الله أكبر الله أكبر".(1/131)
بيده لتركبن1 سنة من كان قبلكم" 2.
والحديث أخرجه: النسائي، وأحمد، وابن أبي حاتم، والطبري، وأبو يعلى، والطبراني، وعبد الرزاق، والبيهقي، والواقدي، وابن إسحاق، كلهم من طريق الزهري، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي به3.
والحديث رجاله ثقات.
وقال الترمذي بعد إخراجه: هذا حديث حسن صحيح.
وفي الباب عن أبي سعيد4، وأبي هريرة.
____________________
1 قوله: "لتركبن سنة من كان قبلكم".
قال المباركفوري: تركبن - بضم الموحدة - والمعنى: للتتبعن. والسنة: الطريقة حسنة كانت أو سيئة، والمراد هنا طريقة أهل الأهواء والبدع التي ابتدعوها من تلقاء أنفسهم بعد أنبيائهم من تغيير دينهم وتحريف كتابهم، كما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل. (تحفة الحوذي 6/408) .
وقال النووي: المراد: الموافقة في المعاصي والمخالفات، لا في الكفر. وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم. (شرح صحيح مسلم 5/525) .
وعند أحمد: "إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم سنة سنة".
وعند الطبري والطبراني: "إنكم ستركبون سنن الذين من قبلكم".
2 الترمذي: (السنن3/321-322) ،كتاب القدر، باب لتركبن سنن من كان قبلكم.
3 النسائي: في السنن الكبرى (تحفة الأشراف للمزي 11/112 حديث (15516) .
وأحمد: (المسند 5/218، وابن أبي حاتم: التفسير 3/356- 357 أ - ب رقم 280، والطبري: جامع البيان 9/45- 46، وأبو يعلى: المسند 2/161 أرقم 302، والطبراني: المعجم الكبير 3/275- 276، والبيهقي: دلائل النبوة 3/43 أ - ب، وعبد الرزاق: المصنف 11/379، والواقدي: المغازي 3/890- 891) . (وسيرة ابن هشام 2/442 إلاّ أن فيها: قال ابن إسحاق: وحدثني ابن شهاب، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي، عن أبي واقد الليثي، أن الحارث بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين ... الخ".
فقوله: (عن أبي واقد الليثي أن الحارث بن مالك) يوهم أنهما اثنان. والصواب: إسقاط "أن" لأن الحارث بن مالك هو أبو واقد الليثي. كما تقدم ذلك في ترجمته ص130.
4 حديث أبي سعيد أخرجه البخاري في الصحيح 4/135 كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، 9/83 كتاب الاعتصام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (لتتبعن سنن من كان قبلكم) . ومسلم: الصحيح 4/2054 كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى. وأحمد: المسند 2/327، 3/84، 89، 94.
ولفظه عند البخاري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: "فمن". وحديث أبي هريرة أخرجه البخاري في الصحيح 9/83 كتاب الاعتصام باب لتتبعن سنن من كان قبلكم. وابن ماجة: (السنن 2/1322) ، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم. وأحمد: (المسند 2/450، 511، 527) ، ولفظه قريب من حديث أبي سعيد.(1/132)
وأورده الألباني، ثم قال: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ثم نقل قول الترمذي فيه، وقال: وقواه ابن القيم في "إغاثة اللهفان" وعزاه في مكان آخر للبخاري في "صحيحه"، وهذا وهم منه - رحمه الله - فليس هو في "الصحيح" ولم يعزه النابلسي في "الذخائر" - للترمذي. وأورده ابن كثير في تفسيره من طريق ابن جرير وأحمد فقط، وكأنه ذهل من كونه في "الترمذي" أحد الستة، وإلا لما أبعد النجعة1. أهـ.
قلت: وعزاه المزي في "تحفة الأشراف" للترمذي والنسائي في الكبرى دون البخاري2.
والحديث يبين:
أ- أن المجتمع الجاهلي وصل إلى الدرك الأسفل في فساد الاعتقاد والجهل بحقائق التوحيد والبعد عن المنهج السوي.
ب- كما يدل على أن تعليق الأسلحة على ذات أنواط هذه مع أن ظاهره لا شيء فيه تابع للباعث عليه وهو الاعتقاد، ولذلك اعتبر هذا الفعل اتخاذ إله من دون الله كما أنكر عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: قلتم كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إله كما لهم آلهة.
جـ- فيه معجزة نبوية حيث أخبر - صلى الله عليه وسلم - بأن أمته ستتبع سنن الأمم الماضية، وقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -، وما يشاهد في حياة المسلمين اليوم من انحراف وتقليد وتبعية في مختلف جوانب الحياة دليل ظاهر على هذه المعجزة.
____________________
1 الألباني: حجاب المرأة المسلمة ص103. وانظر: إغاثة اللهفان 1/205، 2/300، وذخائر المواريث 4/156 حديث (10461) ، وتفسير ابن كثير 2/243.
(تحفة الأشراف 11/112 حديث (15516) . وفي دليل القارئ إلى مواضع الحديث في صحيح البخاري ص219 ساق مؤلفه عبد الله الغنيمان لأبي واقد الليثي حديثا واحدا عند البخاري، وليس هو حديث "ذات أنواط".(1/133)
د- فيه تحذير شديد من اتباع أهل الأهواء والزيغ من الأمم الماضية من اليهود والنصارى وغيرهم.
هـ- وفيه أيضا بيان جهالة بني إسرائيل وغباوتهم وشدة تعنتهم فقد من الله عليهم فأخرجهم من تحت سيطرة فرعون وقومه وأغرق عدوهم في البحر وهم يشاهدون بأم أعينهم، وجعل لهم البحر أرضا صلبة فعبروا ولم يغرق منهم أحد، ثم بعد ذلك كان منهم ما قصه الله سبحانه وتعالى علينا فقال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} ، [سورة الأعراف، الآية: 138] .
قال ابن كثير: يخبر الله تعالى عمّا قاله جهلة بني إسرائيل لموسى عليه السلام حين جاوزا البحر وقد رأوا من آيات الله وعظيم سلطانه ما رأوا، فمروا على قوم يعكفون على أصنام لهم، قال بعض المفسرين: كانوا من الكنعانيين، وقيل: من لخم، وكانوا يعبدون أصناما على صور البقر، فقالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال إنكم قوم تجهلون. أي تجهلون عظمة الله وجلاله وما يجب أن ينزه عنه من الشريك والمثيل1.
وقال الشوكاني: وصفهم بالجهل لأنهم قد شاهدوا من آيات الله ما يزجر من له أدنى علم عن طلب عبادة غير الله، ولكن بني إسرائيل أشد خلق الله عنادا وجهلا وتلونا2.
__________
(ابن كثير: التفسير2/242-243وانظر: إغاثة اللهفان لابن قيم الجوزية1/205،211) .
(فتح القدير 2/240) .(1/134)
المبحث السابع: بيان من قال في هذه الغزوة "لن نغلب اليوم من قلة":
اختلفت الآثار الواردة في هذا المقام في "القائل" يوم حنين: "لن نغلب اليوم من قلة".
أ- فعند الواقدي أن قائل ذلك هو أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وهذا سياقه:
52- قال: حدثني إسماعيل1 بن إبراهيم، عن موسى2 بن عقبة، عن الزهري3، عن سعيد بن المسيب، قال: قال أبو بكر الصديق - رضي الله - عنه: يا رسول الله، لا نغلب اليوم من قلة، فأنزل الله عز وجل في ذلك {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} . [سورة التوبة، من الآية: 25] الآية4. والحديث منقطع، لأن سعيدا لم يدرك أبا بكر، وفيه الواقدي متروك5.
ب- وعند البزار6 من طريق علي بن عاصم، ثنا سليمان7 التيمي، عن
53- أنس بن مالك قال: "قال غلام منا من الأنصار يوم حنين: لم نغلب اليوم من قلة، فما هو إلاّ أن لقينا عدونا فانهزم القوم ". الحديث8.
____________________
1 إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة الأسدي، مولاهم، أبو إسحاق المدني، ثقة تكلم فيه بلا حجة، من السابعة، مات في خلافة المهدي. /خ تم س. (التقريب 1/65، وتهذيب التهذيب 1/272) .
2 موسى بن عقبة بن أبي عياش - بتحتانية ومعجمة - الأسدي، مولى آل الزبير، ثقة فقيه إمام في المغازي، من الخامسة، لم يصح أن ابن معين لينه، (ت 41) ، وقيل: بعد ذلك./ع. (التقريب2/286، وتهذيب التهذيب10/360) .
3 تقدمت ترجمة الزهري في حديث (32) ،وسعيد بن المسيب في حديث (36) .
(مغازي الواقدي 3/890، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/150، والبداية والنهاية لابن كثير 4/322) .
(التقريب 2/194) .
6 البزار: هو الحافظ العلامة أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري، صاحب المسند الكبير المعلل (ت 292) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/653- 654) .
7 سليمان بن طرخان التيمي، أبو المعتمر البصري، نزل في تيم فنسب إليهم ولم يكن منهم، ثقة عابد، من الرابعة (ت 143) . /ع. (التقريب 1/326، وتهذيب التهذيب 4/201) .
(الهيثمي: كشف الأستار عن زوائد البزار 2/346- 347) . وذكر ابن كثير في البداية والنهاية 4/322 "أن أول من انهزم بنو سليم، ثم أهل مكة، ثم بقية الناس".(1/135)
قال البزار: لا نعلم أحداً رواه بهذا اللفظ إلاّ سليمان التيمي عن أنس، ولا عن سليمان إلاّ علي بن عاصم، وعلي صدوق سيء الحفظ1.
وقال الهيثمي: فيه علي بن عاصم بن صهيب، وهو ضعيف لكثرة غلطه وتماديه فيه، وقد وثق، وبقية رجاله ثقات2.
وقال ابن حجر: وهذا المتن الذي رواه منكر، وفيه مخالفة في مواضع لما رواه الثقات3.
وفي الفتح حسن منه القدر المتعلق بقتل دريد بن الصمة فقال: وروى البزار في مسند أنس بإسناد حسن ما يشعر بأن قاتل دريد بن الصمة هو: الزبير بن العوام4.
وتبعه الزرقاني5.
جـ- وعند البيهقي من طريق يونس بن بكير عن أبي جعفر عيسى الرازي، عن الربيع أن رجلا6 قال يوم حنين: لن نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله تعالى {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] . الحديث7.
د- وعند ابن إسحاق قال: وزعم بعض الناس أن رجلا من بني بكر قال ذلك8.
هـ- وعنده أيضا قال:
54- حدثني بعض أهل مكة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال – حين فصل من مكة إلى حنين، ورأى كثرة من معه من جنود الله -: "لن نغلب اليوم من قلة" 9.
____________________
1 انظر: ترجمة علي بن عاصم. (التقريب 2/39، وتهذيب التهذيب 7/344-348) .
(مجمع الزوائد 6/178- 179) .
(مختصر زوائد مسند البزار ص249- 250 رقم 816) .
(فتح الباري 8/42) .
(شرح المواهب اللدنية 3/23) .
6 قال الزرقاني: هو غلام من الأنصار، كما في حديث أنس عند البزار، وقيل: هو مسلمة بن وقش، وقيل: هو رجل من بني بكر. حكاه ابن إسحاق. (شرح المواهب 3/9) .
ولم أجد هذا الاسم في الإصابة، وإنما الموجود سلمة بن سلامة بن وقش الأشهلي الأنصاري، فالله أعلم. (انظر: الإصابة 2/65) .
7 تقدم تخريجه برقم (44) .
(سيرة ابن هشام 2/444) .
(سيرة ابن هشام 2/444) .(1/136)
وهذا الحديث لولا وجوده في سيرة "ابن هشام" المتداولة بين الناس وخشية أن يغتر به بعض من لا دراية له بعلم الحديث لما أوردته، وذلك أن معرفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بربه وخشيته منه ومقامه الرفيع وتواضعه لله، كل ذلك يجعل المسلم يستبعد صدور هذا القول منه - صلى الله عليه وسلم - 1.
مع أن هذا الحديث لم يثبت، فلا ينبغي لمسلم نسبته إليه - صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد عند الدارمي، وأحمد، والطبري، ما يبطل هذا الحديث ويبين كيف كان موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، وهذا سياق الحديث عن الدارمي قال:
55- أخبرنا حجاج2 بن منهال، ثنا حماد3، عن ثابت4، عن عبد الرحمن5 بن أبي ليلى، عن صهيب6: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو أيام حنين: "اللهم بك أحاول7، وبك أصاول، وبك أقاتل" 8.
ورواه أحمد والطبري والبيهقي كلهم من طريق حماد بن سلمة، ثنا ثابت به ولفظه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أيام حنين يحرك شفتيه بعد صلاة الفجر بشيء لم نكن نراه يفعله، فقلنا يا رسول الله: إنا نراك تفعل شيئا لم تكن تفعله، فما هذا الذي تحرك
____________________
1 انظر: (الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/9) .
2 حجاج بن منهال الأنماطي، أبو محمد السلمي، مولاهم، البصري، ثقة فاضل، من التاسعة، (ت216) . /ع. (التقريب1/145، وتهذيب التهذيب2/206-207) .
3 حماد: هو ابن سلمة ثقة عابد، تقدم في حديث (36) .
4 ثابت بن أسلم البناني-بضم الموحدة ونونين مخففين-أبو محمد البصري، ثقة عابد، من الرابعة، مات بضع وعشرين ومائة./ع. (التقريب1/115،وتهذيب التهذيب2/2-4) .
5 عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني، ثم الكوفي، ثقة من الثانية، اختلف في سماعه من عمر، مات بوقعة الجماجم سنة (86) ، وقيل: غرق. /ع. (التقريب 1/496، وتهذيب التهذيب 6/260) .
6 صهيب بن سنان، أبو يحيى الرومي، أصله من النمر بن قاسط، ويقال: كان اسمه عبد الملك، وصهيب لقب.
صحابي شهير (ت 38) في خلافة علي، وقيل: قبل ذلك. (التقريب 1/370، وتهذيب التهذيب 4/438) .
7 قوله "اللهم بك أحاول ... الخ" أي بحولك وقوتك وعونك ونصرك، أقاتل أعداءك وأسطو عليهم وأقهرهم، وأنازلهم حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم، مستمدا منك وحدك العون ودفع ضرر العدو وكدهم. (انظر: النهاية لابن الأثير 1/462-463، 3/61، وعون المعبود 7/296 لشمس الحق العظيم آبادي، وتحفة الأحوذي للمباركفوري 10/44) .
(سنن الدارمي 2/135) ، كتاب السير، باب في الدعاء عند القتال.(1/137)
شفتيك؟ قال: إن نبيا فيمن كان قبلكم أعجبته كثرة أمته فقال: لن يروم1 هؤلاء شيء، فأوحى الله إليه أن خير أمتك في إحدى ثلاث: إما أن نسلط عليهم عدوا من غيرهم فيستبيحهم، أو الجوع، وإما أن أرسل عليهم الموت. فشاورهم فقالوا: أما العدو فلا طاقة لنا بهم، وأما الجوع فلا صبر لنا عليه، ولكن الموت، فأرسل عليهم الموت فمات منهم في ثلاثة أيام سبعون ألفا.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فأنا أقول الآن - حيث رأى كثرتهم -: "اللهم بك أحاول، وبك أصاول، وبك أقاتل".
ورواه من طريق عفان، وعبد الرحمن2 بن مهدي، ثنا سليمان3 بن المغيرة قال: ثنا ثابت به. وليس فيه لفظ "حنين"4.
ورواه الترمذي مطولا من طريق معمر عن ثابت، مشتملا على قصة أصحاب الأخدود دون لفظ "حين"5، ورواه مسلم من طريق ثابت بقصة أصحاب الأخدود فقط6.
____________________
1 لن يروم هؤلاء شيء: أي لن يكافئ، أو لن يقوم لهؤلاء شيء. كما هو مصرح به في رواية أحمد الثانية من طريق عفان، وعبد الرحمن بن مهدي.
2 عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري مولاهم، أبو سعيد البصري، ثقة ثبت عارف بالرجال والحديث.
قال ابن المديني: ما رأيت أعلم منه، من التاسعة (ت 198) وهو ابن (73) سنة. /ع. (ابن حجر: التقريب 1/499، والتهذيب 6/279) .
3 سليمان بن المغيرة القيسي مولاهم، البصري أبو سعيد، ثقة، من السابعة، (ت 165) . /ع. أخرج له البخاري مقرونا وتعليقا. (التقريب 1/430، والتهذيب 4/220) .
4 أحمد: (المسند 4/332 و333 و6/16- 18) . والسنن الكبرى للبيهقي 9/153، والطبري: تهذيب السنن والآثار، حديث (159 و160) .
وعند أحمد أيضا: "من حديث علي - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا قال: "بك الله أصول وبك أجول وبك أسير" (1/90، 151) .
وعنده أيضا، وعند أبي داود، والترمذي من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا غزا قال: "اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أجول وبك أصول وبك أقاتل". لفظ أبي داود. (أحمد: المسند3/184،وأبو داود: السنن2/40 كتاب الجهاد، باب مما يدعى عند اللقاء، والترمذي: السنن5/ 231كتاب الدعوات، باب في فضل لاحول ولا قوة إلا بالله) .
(سنن الترمذي 5/107، أبواب التفسير، تفسير سورة البروج) .
(صحيح مسلم4/2299 كتاب الزهد والرقاق، باب قصة أصحاب الأخدود. وانظر: الأطراف للمزي 4/199 حديث4969. وتحفة الأحوذي9/260) .(1/138)
والحديث صحيح، وهو يبين مدى صلة رسول الله - ى الله عليه وسلم - ربه وافتقاره إليه في جميع حركاته وسكناته، وأنه يستبعد منه أن يغتر بكثرة من معه، بل كان دأبه الخضوع والتواضع لله، والتوكل عليه في كل شؤونه، ومقام النبوة أعلى وأرفع من أن يتصور وقوع مثل هذا منه - صلى الله عليه وسلم -
واستقراء سيرته - صلى الله عليه وسلم - وغزواته يدل على أن ما أصاب المسلمين من انكسار أمام أعدائهم كان مصدره مخالفة بعض أتباعه - صلى الله عليه وسلم - لأوامره وتوجيهاته العسكرية، كما حصل في غزوة أحد، وكما حصل في غزوة حنين، فإن الروايات صحت أنه صلى الله عليه وسلم وجه النصح والتنبيه للمسلمين أن لا يغتروا بكثرة عددهم كما في حديث أحمد.
وكان صلى الله عليه وسلم يخشى أن يغتر المسلمون ويعجبوا بكثرتهم، فأراد أن يذكرهم بما حصل لمن قبلهم من الأمم من عقوبة بسبب الاغترار والإعجاب بالكثرة.
وتأمل سياق الآية يرشد إلى أن الإعجاب بالكثرة لم يكن صادرا منه صلى الله عليه وسلم، فإن إسناد الإعجاب إلى المسلمين بصيغة الجمع، كما في قوله تعالى {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] ، ثم ترتيب الفرار والإدبار على هذا الإعجاب، كما في قوله تعالى {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يول مدبراً، بل كان ثابتاً ثبوتاً منقطع النظير، كما هو معروف، يدل على أن هذا الإعجاب صادر من بعض المسلمين، وهذا يشبه قوله تعالى – في شأن غزوة أحد -: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} ، [آل عمران، من الآية: 152] .
والخلاصة إن هذه الآثار الواردة في تعيين القائل يوم حنين "لن نغلب اليوم من قلة" كلها ضعيفة مع ما حصل فيها من الاختلاف في تعيين القائل -كما أوضحت ذلك– ولكنها تتفق في شيء واحد وهو حصول هذا القول من أحد أفراد الجند الإسلامي، بغض النظر عن تسمية قائله وهي بمجموعها يؤيد بعضها بعضا ويزيدها قوة قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [سورة التوبة، من الآية: 25] .
فقد صرحت الآية بأن هناك إعجابا حصل من بعض المسلمين، وأنه ابتلوا بسبب هذا الإعجاب، وحصل ما نصت عليه الآية الكريمة.(1/139)
56- وقال الزرقاني: وأخرجه الحاكم وصححه، وابن المنذر1، وابن مردويه2 من حديث أنس بن مالك قال: "لما اجتمع يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة أعجبتهم كثرتهم، فقال القوم اليوم والله نقاتل حين اجتمعنا فكره - صلى الله عليه وسلم - ما قالوا وما أعجبهم من كثرتهم" 3.
قلت: الحديث عند الحاكم وليس فيه "أعجبتهم كثرتهم".
وهذا سياقه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "التقى يوم حنين أهل مكة واهل المدينة، فاشتد القتال فولوا مدبرين، فندب4 رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار فقال: يا معشر5 المسلمين أنا رسول الله، فقالوا: إليك والله جئنا، فنكسوا ثم قاتلوا حتى فتح الله عليهم" 6. ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ووافقه الذهبي.
__________
1 هو: الحافظ العلامة الفقيه الأوحد أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، شيخ الحرم، وصاحب الكتب التي لم يصنف مثلها ككتاب المبسوط في الفقه، وكتاب الإشراف في اختلاف العلماء، وكتاب الإجماع، وغير ذلك، وكان غاية في معرفة الاختلاف والدليل وكان مجتهدا لا يقلد أحدا (ت 318) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/782، وسير أعلام النبلاء 14/490) .
2 هو: الحافظ الثبت العلامة أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني، صاحب التفسير والتاريخ وغير ذلك (323-410) ، (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/1050) .
(شرح المواهب اللدنية 3/9) .
4 فندب: أي دعاهم، فأجابوه. (النهاية لابن الأثير 5/34) .
5 المعشر: كمسكن: الجماعة وأهل الرجل. (القاموس المحيط للفيروز آبادي 2/90) .
(المستدرك 3/48) .(1/140)
الفصل الثالث: في وصف المعركة
المبحث الأول: سبب هزيمة المسلمين في بداية المعركة
...
المبحث الأول: سبب هزيمة المسلمين في بداية المعركة:
إن انكشاف المسلمين وتوليهم أمام عدوّهم له عدة أسباب، منها: ما يعود إلى استعداد العدو العسكري، ودقة ممارسته للحروب والفروسية، وإحكام الخطة واختيار الموقع المناسب لهجومهم المباغت دون أن يشعر بهم المسلمون، مما أدى إلى تفوقهم وتقدمهم مبدئيا، وقد صرحت بذلك الأحاديث الصحيحة كما سنوضح ذلك.
ومنها ما يعود إلى المسلمين أنفسهم، فقد صدر من بعض أفراد الجيش الإسلامي في هذه الغزوة أمور أدت إلى انكسار المسلمين وتقهقرهم أمام هوازن، كاغترار بعضهم بكثرتهم، وطلب البعض الآخر منهم ذات أنواط ينوطون بها أسلحتهم مضاهاة منهم للكفار الذين لهم ذات أنواط.
وتهور1 البعض الآخر كذلكوخروجهم إلى هوازن دون أن يستكملوا وسائل القتال، وانكباب بعضهم على جمع الغنائم وحيازتها قبل أن يستسلم الكفار استسلاما كاملا.
هذا مجمل الأسباب التي رجحت بها كفة العدو على كفة المسلمين في بداية المعركة. وسأحاول تحليل هذه الأسباب وإيضاحها مستنداً إلى الروايات الواردة في ذلك.
____________________
1 في (القاموس المحيط 2/162: تهور الرجل وقع في الأمر بقلة مبالاة) .(1/141)
أولا: أسباب نجاح هوازن في بادئ الأمر:
أ- كثرتهم الهائلة، فقد جندوا جنودا لم يواجه المسلمين مثلها في غزواتهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، التي سبقت هذه الغزوة، وقد مر ذلك مفصلا1.
ب- بث الحماسة والقوة المعنوية في نفوسهم والتزامهم بتوجيهات قائدهم، فعند الواقدي: أن مالك بن عوف قال لأصحابه: إن محمدا لم يقاتل قط قبل هذه المرة، وأنما كان يلقى قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فينصر عليهم، فإذا كان في السحر فصفوا مواشيكم ونساءكم وأبناءكم من ورائكم، ثم صفوا صفوفكم، ثم تكون الحملة منكم، واكسروا جفون سيوفكم فتلقونه بعشرين ألف سيف مكسورة الجفون، واحملوا حملة رجل واحد، واعلموا أن الغلبة لمن حمل أولا2.
57- وأخرج موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح الله عليه مكة وأقر بها عينه، خرج إلى هوازن. الحديث.
وفيه: "وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي حدرد عينا، فبات فيهم فسمع مالك بن عوف يقول لأصحابه: إذا أصبحتم فاحملوا عليهم حملة رجل واحد واكسروا أغماد سيوفكم" 3.
ج- سبقهم إلى وادي حنين وتحصنهم بين أشجاره ومضايقه وبث الكتائب التي تكمن في جميع نواحيه. وهذا ما صرح به حديث جابر بن عبد الله عند ابن إسحاق وغيره. وهذا سياقه عند ابن إسحاق قال:
58- حدثني عاصم4 بن عمرة بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر بن عبد الله قال: "لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف5
____________________
(في مبحث استعداد هوازن العسكري ص116) .
(مغازي الواقدي 3/893) .
3 انظر: (البداية والنهاية لابن كثير 4/330) .
4 تقدمت تراجم رواة الحديث في حديث (23) وكلهم ثقات.
5أجوف: متسع، وحطوط - بفتح الحاء المهملة - الأكمة الصعبة الانحدار. (ابن منظور: لسان العرب 9/141، 10/378) .(1/142)
حطوط، إنما ننحدر فيه انحدارا، قال: وفي عماية من الصبح1، وكان القوم قد سبقونا2 إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه3 وأحنائه4 ومضايقه، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب5، قد شدوا علينا شدة رجل واحد، وانشمر6 الناس راجعين، لا يلوي أحد على أحد". الحديث7.
ومن هذه الطريق أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبري وابن حبان والبيهقي8.
وأورده الهيثمي، ثم قال: رواه أحمد وأبو يعلى وزاد: وصرخ حين كانت الهزيمة كلدة9 - وكان أخا صفوان بن أمية وصفوان يومئذ مشرك في المدة التي ضرب له
____________________
1 عماية - بفتح العين المهملة - بقية ظلمة الليل. (ابن الأثير: النهاية 3/305) .
2وعند البيهقي: "فخرج مالك بن عوف بمن معه إلى حنين فسبق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه فأعدوا وتهيئوا في مضايق الوادي وأجنابه، وأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فينحط بهم الوادي في عماية الصبح، فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل فكرت عليهم وانكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحد على أحد".
3شعابه - بكسر أوله - جمع شعبة، وهي التي تعدل عن الوادي وتأخذ في طريق غير طريقه. (ابن منظور: لسان العرب 1/481) .
4أحنائه - بالحاء المهملة - منعطفه وجوانبه. وعند أحمد والبيهقي: "أجنابه" - بالجيم - وهي بمعنى "أحنائه" بالحاء. (ابن الأثير: النهاية 1/303، 455) .
5الكتائب: جمع كتيبة، والكتيبة: الجيش أو الجماعة المستحيزة من الخيل، وكتيبة جرارة: ثقيلة السير لكثرتها. (الفيروز آبادي: القاموس 1/121، 389) .
6انشمر الناس: أي مضوا راجعين، وعند أحمد: "وانهزم الناس راجعين"، وهي تبين معنى انشمر.
(سيرة ابن هشام 2/442 وهو مطول) .
قال القسطلاني: "قال الن جرير الطبري: الانهزام المنهي عنه هو ما وقع على غير نية العود، وأما الاستطراد لكثرة فهو كالمنحاز إلى فئة". (المواهب اللدنية) .
وقال الزرقاني: قال صاحب الروض: "لم يجمع العلماء على أن الفرار من الكبائر إلا في يوم بدر، وهو ظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} ، [سورة لأنفال، من الآية: 16] . ثم أنزل التخفيف في الفارين يوم أحد وهو قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} [سورة آل عمران، من الآية: 155] ، وكذا: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] ، إلى قوله تعالى: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، [سورة التوبة، من الآية: 27] ". (شرح المواهب اللدنية 3/20، والروض الأنف للسهيلي 7/208) .
(أحمد: المسند 3/376، وأبو يعلى: المسند 2/200 رقم (302) ، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/74، وابن حبان: كما ورد في موارد الضمآن ص417، والبيهقي: دلائل النبوة 3/43- 44ب) .
9 كلدة - محركا - ابن حنبل، ويقال: ابن عبد الله بن حنبل الجمحي، المكي، صحابي له حديث، وهو أخو صفوان بن أمية لأمه. /بخ د ت س. (التقريب 2/136، وتهذيب التهذيب 8/444- 445) . وفي الإصابة 3/305 قال: كلدة بن الحسل - بالحاء والسين -. أهـ. وسماه ابن إسحاق: جبلة بن حنبل.(1/143)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ألا بطل السحر اليوم، فقال له صفوان: اسكت فض1 الله فاك، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن.
ثم قال الهيثمي: ورواه البزار باختصار، وفيه ابن إسحاق وقد صرح بالسماع في رواية أبي يعلى، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح2.
قلت: وقد صرح ابن إسحاق بالسماع أيضا عن ابن هشام وابن حبان والبيهقي. وقد صحح هذا الحديث الألباني3.
وعند الواقدي: قال: ولما كان من الليل عمد مالك بن عوف إلى أصحابه فعبأهم في وادي حنين - وهو واد أجوف ذو شعاب ومضايق - وفرق الناس فيه، وأوعز4 إلى الناس أن يحملوا على محمد وأصحابه حملة واحدة.
وعبأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه وصفهم صفوفا في السحر، ووضع الألوية والرايات في أهلها.
ثم ذكر الألوية في قبائل العرب وحامليها: في المهاجرين والأنصار، وأسلم وبني غفار، وبني ضمرة وبني ليث، وبني كعب بن عمرو بن ربيعة بن خزاعة، وبني مزينة وجهينة وبني أشجع وسليم5.
ثم قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قدم سليما من يوم خرج من مكة فجعلهم مقدمة الخيل، واستعمل خالد بن الوليد، فلم يزل على مقدمته حتى ورد الجعرانة، وانحدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه، وقد مضت مقدمته وهو على تعبئة في وادي حنين،
____________________
1 الفض - الكسر -، وهو دعاء عليه بأن يكسر الله أسنانه، يقال: لا يفض الله فاك، أي لا يكسر الله أسنانك. (ابن الأثير: النهاية 3/453) .
(مجمع الزوائد 6/179- 180) .
(تخريج أحاديث فقه السيرة للغزالي ص 422) .
4 أوعز: وعز إليه في كذا أن يفعل أو يترك، وأوعز ووعز: تقدم وأمر. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/195) .
5 في المعجم الكبير للطبراني 11/370- 371 من حديث ابن عباس قال: "شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة ألف من بني سليم". وانظر: مجمع الزوائد للهيثمي 6/177، وفي الروض الأنف 7/218 كان بنو سليم يوم حنين تسعمائة، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم الضحاك بن سفيان الكلابي، وكان يعد وحده بمائة فارس، وأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قد تمهم به ألفا.(1/144)
فانحدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انحدارا - وهو وادي حدور1 - وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغلته البيضاء دلدل، ولبس درعين2 والمغفر والبيضة، واستقبل الصفوف وطاف عليها بعضها خلف بعض ينحدرون في الوادي، فحضهم على القتال وبشرهم بالفتح إن صدقوا وصبروا، فبينا هم على ذلك ينحدرون في غلس الصبح.
فكان أنس بن مالك يحدث يقول: لما انتهينا إلى وادي حنين، وهو واد من أودية تهامة له مضايق وشعاب، فاستقبلنا من هوازن شيء، لا والله ما رأيت مثله في ذلك الزمان من السواد والكثرة! ...
فلما تحدرنا في الوادي، فبينا نحن في غلس الصبح، إن شعرنا إلا بالكتائب قد خرجت علينا من مضيق الوادي وشعبه فحملوا حملة واحدة، فانكشف أول الخيل - خيل سليم – مولية فولوا، وتبعهم أهل مكة، وتبعهم الناس منهزمين، ما يلوون على شيء3.
? مهارة هوازن النادرة في إصابة الهدف بحيث لا يكاد يسقط لهم سهم.
وقد صرح بذلك حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - عند البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا سياقه عند البخاري:
59- حدثنا عمرو4 بن خالد، ثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء وسأله رجل5: أكنتم فررتم يا أبا عمارة6 يوم حنين؟ قال: لا والله ما7 ولى
____________________
1 الحدر: من كلّ شيء تحدره من علو إلى أسفل، والحدور والهبوط: المكان ينحدر منه. (ابن منظور: لسان العرب 5/244) .
2 درع الحديد - بالكسر- وقد تذكر جمع أدرع وأدراع ودروع. والمخفر كمنبر وبهاء ككتابة: زرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة أو حلق يتقنع به المتسلح. والبيضة: هي التي تلبس في الرأس في الحرب. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/103، 3/20، وابن حجر: هدي الساري ص91) .
(الواقدي: المغازي 3/895، 897) .
4 عمرو بن خالد: هو الحراني.
وزهير: هو ابن معاوية بن خديج.
وأبو إسحاق: هو عمرو بن عبد الله السبيعي - بفتح المهملة وكسر الموحدة -.
ووقع في منتخب كنز العمال 4/166: "عن ابن إسحاق" قال: رجل للبراء، وهو خطأ، والصواب "عن أبي إسحاق".
5 قال ابن حجر: "لم أقف على تسميته، ووقع في رواية أنه من قيس". (فتح الباري 8/28) .
6 أبو عمارة: كنية البراء - رضي الله عنه -.
7سيأتي توجيه هذا النفي في مبحث (عوامل انتصار المسلمين) تحت حديث (79) وص193- 195.(1/145)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم1 حسرا ليس2 بسلاح فأتوا قوما رماة جمع هوازن وبني نصر ما يكاد يسقط لهم سهم فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون. الحديث3.
وفي لفظ عند مسلم وابن أبي شيبة والطبري وأبي عوانة: "فقال البراء: أشهد على نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ما ولى، ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر4 إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة فرموهم برشق5 من نبل كأنها رجل6 من جراد فانكشفوا". الحديث7.
هذه بعض المرجحات التي كانت في جانب المشركين أدت إلى تفوقهم في أول الأمر.
وخاصة خطبة مالك بن عوف فيهم، خطبته الحماسية التي كان لها أثرها الفعال ووقعها في نفوسهم، حيث أثار فيهم النخوة والشجاعة والبسالة، في قوله: "إن محمدا
____________________
1 قوله: "وأخفاؤهم" قال النووي: جمع خفيف وهم المسارعون المستعجلون ووقع هذا الحرف في رواية إبراهيم الحربي والهروي وغيرهم "جفاة" - بجيم مضمومة وبالمدـ، وفسره: بسرعانهم. قالوا: تشبيهاً بجفاء السيل وهو غثاؤه.
قال القاضي - رضي الله عنه -: إن صحت هذه الرواية، فمعناها ما سبق من خروج من خرج معهم من أهل مكة ومن انضاف إليهم ممن لم يستعدوا، وإنما خرج للغنيمة من النساء والصبيان، ومن في قلبه مرض، فشبهه بغثاء السيل. (شرح النووي على صحيح مسلم 4/404، ومشارق الأنوار للقاضي عياض 1/245 إلا أنه قال في غزوة "خيبر" بدل "حنين" وهو خطأ) .
2 وعند مسلم والبيهقي: "ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح".
(صحيح البخاري 4/35 كتاب الجهاد، باب من صف أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابته واستنصر. وصحيح مسلم 3/1400-1401 كتاب الجهاد والسير، باب غزوة حنين) .
4 الحسر: جمع حاسر، وهو الذي لا درع عليه ولا مغفر. (النهاية لابن الأثير 1/383) .
5 قوله: "برشق" بكسر الراء وهو اسم للسهام التي ترميها الجماعة دفعة واحدة والرشق: بفتح الراء، مصدر رشقه يرشقه رشقا إذا رماه بالسهام. (ابن الأثير: النهاية 2/225، والنووي: شرح صحيح مسلم 4/405، 407) .
6 رجل من جراد: هو بكسر الراء: الجراد الكثير. (ابن الأثير: النهاية2/203) . وقوله: "فانكشفوا" أي انهزموا وفارقوا مواضعهم وكشفوها. (النووي شرح صحيح مسلم 4/407) .
(مسلم: الصحيح 3/1400- 1401 كتاب الجهاد، باب غزوة حنين. وابن أبي شيبة والطبري كما في كنز العمال 10/351، ومنتخب كنز العمال 4/166 من مسند أحمد، كلاهما لعلاء الدين المتقي الهندي. وأبو عوانة: المسند4/210-211.وانظر: البيهقي: السنن الكبرى 9/154-155) .(1/146)
لم بقاتل قط قبل هذه المرة، وإنما كان يلقى قوما أغمارا لاعلم لهم بالحرب فينصر عليهم". الأمر الذي جعل هوازن يستميتون في ساحة المعركة، يتساقطون واحدا تلو الآخر وهم مصممون على الانتصار.
ثانيا: بيان الأسباب الداخلية لاندحار المسلمين في أول الأمر:
أ- اغترار بعض المسلمين بكثرتهم، كما تقدم في حديث: "لن نغلب اليوم عن قلة" 1.
وعند الواقدي: فلما فصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة، قال رجل من أصحابه: "لو لقينا بني شيبان2 ما بالينا3 ولا يغلبنا اليوم أحد عن قلة"4.
فكانت هذه المقالة بادرة سوء تألم منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأن فيها إعجاب بالعدد والكثرة وغفلة عن الله الذي لا يكون النصر للمسلمين إلاّ من عنده. {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} ، [آل عمران، من الآية: 126] .
ب- عدم تمكن عقيدة التوحيد في بعض المسلمين كما في حديث أبي واقد الليثي في قول بعضهم: "يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط" 5.
وكانت هذه الكلمة مؤلمة لسمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - مما يدل على وجود حفنة من هذا الجيش لم يصلوا بعد إلى المستوى الإيماني المطلوب، لحداثة عهدهم بالإسلام.
?- الخفة والعجلة التي حصلت من بعض القوم وشبانهم، حيث خرجوا إلى هوازن قبل استكمال وسائل الحرب فلم يستطيعوا الوقوف أمام سهام المشركين ونبالهم، وهذا ما صرح به حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه -.
____________________
1 تقدم تخريجه برقم (44) ، وانظر حديث رقم (52) ، (53) ، (54) .
2 بنو شيبان: نسبة إلى شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر ابن وائل، قبيل كبير من بكر بن وائل ينسب إليه خلق كثير من الصحابة والتابعين، والأمراء والفرسان والعلماء في كل فن. (ابن الأثير: اللباب في تهذيب الأنساب 2/219) .
3 بالى بالشيء يبالي به إذا اهتم به. (ابن منظور: لسان العرب 18/91) . والمعنى: لو لقينا بني شيبان لم نبالي بهم لكثرتنا.
(مغازي الواقدي 3/889) .
5 تقدم تخريجه برقم (51) .(1/147)
فعند البخاري وغيره عن البراء قال له رجل: يا أبا عمارة ولَّيْتُم يوم حنين؟
قال: لا. والله ما ولى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ولى سرعان1 الناس، فلقيهم هوازن بالنبل. الحديث2.
وفي لفظ: فقال البراء: "أما أنا فأشهد على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يول، ولكن عجل سرعان القوم، فرشقتهم هوازن". الحديث3.
وفي لفظ قال البراء: "لا. والله، ما ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح، فأتوا قوما رماة جمع هوازن وبني نصر، ما يكاد يسقط لهم سهم، فرشقتهم ما يكادون يخطئون" الحديث4.
فهذا الحديث على اختلاف ألفاظه يدل على أن سرعان القوم وأخفاءهم عجلوا في مبارزة العدو قبل استكمال عدة الحرب فلم يستطيعوا الثبات أمام هجمة هوازن عليهم ففروا وفر الناس بعدهم.
د- فرار الأعراب وعدم ثبوتهم أمام المشركين مما شجع العدو في مواصلة مطاردة المسلمين.
____________________
1 وعند أحمد: "ولكن ولى سرعان الناس فاستقبلتهم هوازن بالنبل".
وعند الروياني: "ولكن ولى سرعان من الناس يلتقطهم هوازن بالنبل".
وعند أبي عوانة: "فقال البراء: معاذ الله! قال: أما أنا فأشهد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يول، ولكن سرعان من الناس حين رشقهم هوازن بالنبل".
وعند مسلم وأبي عوانة: "أشهد على النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ولى، ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رِجل من جراد فانكشفوا".
(وسَرَعان الناس) بفتح السين والراء، ويجوز تسكين الراء: أوائل الناس الذين يتسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسرعة. (ابن الأثير: النهاية 2/361) .
(البخاري: الصحيح 3/26 كتاب الجهاد، باب بغلة النبي - صلى الله عليه وسلم - البيضاء، وتمام الحديث: "والنبي - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:
أنا النبي لاكذب
أنا ابن عبد المطلب"3 (البخاري: الصحيح 5/126 كتاب المغازي، باب (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا) . و (الترمذي: السنن 3/117 كتاب الجهاد، باب ما جاء في الثبات عند القتال) . و (أحمد: المسند 4/289، 304) . و (الروياني: المسند 1/66، 67 ب رقم575) . و (أبوعوانة: المسند 4/208) . و (البيهقي: السنن الكبرى 9/154) .
(البيهقي: السنن الكبرى 9/154. وتقدم برقم (59) .(1/148)
وهذا هو صريح حديث أنس بن مالك قال: "افتتحنا مكة، ثم إنا غزونا حنينا، فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم. قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف1، وعلى مجنبة2 خيلنا خالد ابن الوليد، قال: فجعلت خيلنا تلوي3 خلف ظهورنا، فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الأعراب4 ومن نعلم من الناس" ... الحديث5.
?- انهزام الطلقاء:
وهذا هو ما صرح به أنس بن مالك في حديثه عند مسلم وغيره، وهذا سياق مسلم:
60- حدثنا أبو بكر6 بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن أم سليم7 اتخذت يوم حنين 8
____________________
1 قوله: "ونحن كثير قد بلغنا ستة آلاف" تقدم توجيهه في الحديث رقم (40) . ص112 تعليقة (4) .
2 مجنبة - بضم الميم وفتح الجيم والنون المشددة –: هي التي تكون في الميمنة والميسرة، وهما مجنبتان والقلب بينهما.
وقيل: هي الكتيبة من الخيل التي تأخذ إحدى ناحيتي الطريق. والأول أصح.
والمجنبة - بفتح النون-: المقدمة. (ابن الأثير: النهاية 1/303، والنووي: شرح صحيح مسلم3/102،وابن منظور: لسان العرب1/268،والفيروزآبادي: القاموس المحيط1/48) .
3قوله:"فجعلت خيلنا تلوي خلف ظهورنا".قال النووي: هكذا في أكثر النسخ: تلوي".
وفي بعضها"تلوذ"،وكلاهما صحيح. (شرح النووي على صحيح مسلم 3/102) .
4 الأعراب: هم سكان البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار، ولا يدخلونها إلا لحاجة.
والعرب: اسم لهذا الجيل المعروف من الناس، ولا واحد له من لفظه.
والنسبة إليهما: أعرابي، وعربي.
(ابن الأثير: النهاية3/202،وابن منظور: لسان العرب2/75-76، والفيروزآبادي: القاموس المحيط 1/102) .
5 تقدم تخريج الحديث برقم (40) .
6 هو: عبد الله بن محمد أبو بكر بن أبي شيبة الكوفي صاحب التصانيف.
7 أم سليم بنت ملحان بن خالد الأنصارية، والدة أنس بن مالك، وزوج أبي طلحة، يقال: اسمها سهلة، أو رميلة، أو رميثة، أو مليكة، أو أنيثة، وهي: الغميصاء، أو الرميصاء، اشتهرت بكنيتها، وكانت من الصحابيات الفاضلات (ت في خلافة عثمان) /خ م د ت س. (ابن حجر: التقريب 2/622) .
8 يوم حنين: قال النووي: هكذا هو في النسخ المعتمدة (يوم حنين) بضم الحاء المهملة وبالنونين، وفي بعضها (يوم خيبر) بالخاء المعجمة والأول هو الصواب. (شرح مسلم 4/469) .
ولفظ (الطلقاء) يعين ما قاله النووي، لأن (في خيبر) لم يكن هناك طلقاء.(1/149)
خنجرا1، فكان معها، فرآها أبو طلحة2 فقال: يا رسول الله! هذه أم سليم معها خنجر3، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما هذه الخنجر؟ " قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت4 به بطنه، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك، قالت: يا رسول الله! اقتل من بعدنا من الطلقاء5 انهزموا بك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن" 6.
والحديث أخرجه ابن سعد، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وعبد بن حميد، وأبو يعلى، وأبو نعيم. الجميع من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت به7.
____________________
1 خنجر - كجعفر -: السكين، أو العظيمة منها، ويكسر خاؤه. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/24) .
وقال النووي: "سكين كبيرة ذات حدين". (شرح مسلم 4/469) .
وفي لفظ عند أحمد "أن أبا طلحة أتاها ومعها معول".
قال ابن الأثير: المعول - بالكسر - الفأس، والميم زائدة وهي ميم الآلة. (النهاية 4/344) .
2 هو: زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري، النجاري، أبو طلحة المشهور بكنيته، من كبار الصحابة، شهد بدرا وما بعدها (ت 34) ، وقال أبو زرعة الدمشقي: عاش بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة. /ع. (ابن حجر: التقريب 1/275) .
3 وفي لفظ عند أحمد: "جاء أبو طلحة يوم حنين يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سليم، قال: يا رسول الله ألم تر إلى أم سليم متقلدة خنجرا".
4 وعند أبي داود وابن أبي شيبة وأحمد وأبي يعلى: "أبعج به بطنه".
وعند إسحاق بن راهويه: "بعجت به بطنه".
وعند ابن ابي شيبة وأحمد: "طعنته به".
والبقر والبعج: معناهما الشق.
والطهن: هو الوخز بحربة ونحوها. (ابن الأثير: النهاية 1/139، 144- 145، 5/163، وابن منظور: لسان العرب 17/135) .
5 قولها: "اقتل من بعدنا من الطلقاء".
قال النووي: الطلقاء هم الذين أسلموا من أهل مكة يوم الفتح، سموا بذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - منّ عليهم وأطلقهم، وكان في إسلامهم ضعف، فاعتقدت أم سليم أنهم منافقون، وأنهم استحقوا القتل بانهزامهم وغيره، وقولها: "من بعدنا" أي من سوانا. (شرح النووي على صحيح مسلم 4/469) .
وقال الحلبي: يقال إن الطلقاء وهم أهل مكة قال بعضهم لبعض: أي من كان إسلامه مدخولا منهم - اخذلوه هذا وقته فانهزموا، فهم أول من انهزم وتبعهم الناس، وعند ذلك قال أبو قتادة لعمر - رضي الله عنهما -: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله. (السيرة الحلبية 3/65) .
(مسلم: الصحيح3/1442 كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء مع الرجال) .
(ابن سعد: الطبقات الكبرى 8/425، وإسحاق بن راهويه: المسند ص: 15 برقم (377) ، وعبد بن حميد: المسند ص: 158 برقم (323) ، وأحمد: المسند 3/286، وأبو نعيم: حلية الأولياء 2/60، وأبو يعلى: المسند 3/321 و331 برقم (303) .(1/150)
وأخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد، كلاهما من طريق سليمان1 بن المغيرة، عن ثابت به2.
وأخرجه مسلم، وأبو داود، وأحمد، وأبو داود الطيالسي، وابن أبي شيبة. الجميع من طريق حماد بن سلمة، أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك3.
وأخرجه أحمد من طريق ابن أبي عدي4، عن حميد، عن أنس5. فهذا الحديث رواه هؤلاء الأئمة عن أنس منهم المختصر ومنهم المطول.
61- وأخرجه ابن إسحاق عن عبد الله6 بن أبي بكر مرسلاً بنحوه، وهذا سياقه قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التفت فرأى أم سليم بنت ملحان، وكانت مع زوجها أبي طلحة، وهي حازمة وسطها ببرد لها، وأنها لحامل بعبد الله بن أبي طلحة ومعها جمل أبي طلحة، وقد خشيت أن يعزها7 الجمل، فأدنت رأسه منها، فأدخلت يدها في خزامته8 مع الخطام، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أم سليم؟ .
____________________
1 سليمان بن المغيرة القيسي. ثقة. تقدم في ص 137.
(ابن أبي شيبة: التاريخ ص 93- 94 ب- أ، وانظر: منتخب كنز العمال لعلاء الدين المتقي الهندي4/171-172 مع مسند أحمد. وأحمد: المسند3/112 و198) .
وفي علل الحديث لابن أبي حاتم 1/311 قال: "سألت أبي عن حديث رواه أبو أسامة - هو: حماد بن أسامة - عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أنس قال: قال أبو طلحة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته: ألا ترى إلى أم سليم في يدها خنجر". الحديث. قال أبي هذا خطأ، وإنما هو سليمان ابن المغيرة عن ثابت عن أنس.
(مسلم: الصحيح 3/1443 كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء مع الرجال. ولم يسق لفظه. وأبو داود: السنن 2/65 كتاب الجهاد، باب في السلب يعطى القاتل. وأحمد: المسند 3/190 و279. وأبوداود الطيالسي 2/108- 109 مع "منحة المعبود". وابن أبي شيبة: التاريخ ص93- 94 ب- أ) .
4 هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، أبو عمرو البصري، ثقة (ت 194) على الصحيح. /ع. (التقريب 2/141، وتهذيب التهذيب 9/12- 13) .
5 المسند 3/108.
6 هو: عبد الله بن أبي بكر بن حزم الأنصاري، تقدمت ترجمته في حديث (35) .
7 يعزها: أي يغلبها (المصباح المنير 2/484) .
8 الخزامة: حلقة من شعر تجعل في أحد جانبي منخري البعير، لينقاد بسهولة. (ابن الأثير: النهاية 2/29) .(1/151)
قالت: نعم، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك، فإنهم لذلك أهل.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أو يكفي الله يا أم سليم"؟
قال: ومعها خنجر، فقال لها أبو طلحة: ما هذا الخنجر معك يا أم سليم؟
قالت: خنجر أخذته، إن دنا مني أحد من المشركين، بعجته به.
قال: يقول أبو طلحة: ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم للغميصاء1.
ومن طريقه أخرجه الطبري2.
و انكباب المسلمين عل جمع الغنائم واشتغالهم بها، وذلك أن المسلمين حملوا على الكفار فلاذوا بالفرار تاركين أموالهم وعتادهم، فظن المسلمون أن الكفار انهزموا إلى غير رجعة، فأقبلوا على جمع الغنائم وحيازتها، فانتهز المشركون غفلة المسلمين فانهالوا عليهم من كل صوب يضربون ويطعنون، فانكشف المسلمون أمام المشركين لا يلوي أحد منهم على أحد، والكفار في آثارهم يطاردونهم. وهذا ما صرح به البراء بن عازب - رضي الله عنه - في حديثه عند البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا سياق البخاري:
عن أبي إسحاق سمع البراء وسأله رجل من قيس: "أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ فقال: لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر، كانت هوازن رماة3، وإنا لما حملنا
____________________
(سيرة ابن هشام 2/446. والغميصاء: اسم أم سليم) .
(تاريخ الرسل والملوك 3/76) .
3 وفي لفظ عند البخاري: "أن هوازن كانوا قوما رماة، وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا، فأقبل المسلمون على الغنائم واستقبلونا بالسهام".
وعند مسلم والطبري: "وكانت هوازن يومئذ رماة وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم، فاستقبلونا بالسهام".
وعند أبي داود الطيالسي وأبي عوانة: "أن هوازن كانوا قوما رماة فلما لقيناهم وحملنا عليهم انهزموا، فأقبل الناس على الغنائم واستقبلونا بالسهام، فانهزم الناس".
وعند أبي عوانة أيضا: "أن هوازن كانوا قوما رماة وإنا لما التقينا انكشفوا، وأقبل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الغنائم، ورموهم بالسهام".
قال الحلبي: وسياق هذا الحديث يدل على أنّ المسلمين انهزموا مرتين: الأولى في أول الأمر، والثانية عند انكبابهم على أخذ الغنائم. (السيرة الحلبية 3/65) .(1/152)
عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم فاستقبلنا بالسهام ... " الحديث1.
ومن خلال هذه الألفاظ الواردة في حديث البراء نرى كيف وصل الحال بالمسلمين عندما ذهبوا يتسابقون إلى حطام الدنيا الفانية مما جعلهم يفقدون توازنهم، ويتركون مواقعهم عندما هاجمتهم هوازن في حال انشغالهم بجمع الغنائم، فكانت كارثة عظيمة، تخلى المسلمون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلاّ القليل منهم.
ز- إن ما حصل للمسلمين في غزوة حنين من انكسار أمام الأعداء، كان مصدره أمر الله وقدره، وذلك ليطأطئ رؤوس أقوام رفعها الإعجاب بكثرتهم وقدرتهم القتالية، فأدبهم الرب عز وجل ليعلمهم أن النصر من عنده سبحانه وتعالى، وأن كثرتهم وجموعهم لا تجدي عنهم شيئا.
وهذا ما تضمنه حديث أبي قتادة2 - رضي الله عنه - عند البخاري وغيره. وهذا سياق البخاري:
62- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن يحيى3 بن سعيد، عن ابن أفلح4، عن أبي5 محمد مولى أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
____________________
(البخاري: الصحيح 4/25 كتاب الجهاد، باب من قاد دابة غيره في الحرب. ومسلم: الصحيح 3/1401 كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين. وأحمد: المسند 3/281، وابن أبي عاصم: كتاب الجهاد ص59- 60 ب - أضمن مجموعة (27) ، والطبري: جامع البيان 10/102، وأبو عوانة: المسند 4/207) . وتقدم الحديث برقم (59) .
2 أبو قتادة الأنصاري: اختلف في اسمه فقال بعضهم: الحارث، ويقال عمرو، أو النعمان ابن ربعي - بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة - ابن بُلدمة - بضم الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة - السلمي - بفتحتين - المدني، شهد أحدا وما بعدها، ولم يصح شهوده بدرا (ت 54، وقيل: 38) والأول أصح وأشهر. /ع. (ابن حجر: التقريب 2/463) .
3 هو: ابن قيس الأنصاري، ثقة ثبت، من الخامسة، (ت144 أو بعدها) . /ع. (المصدر السابق 2/348) .
4 عمر بن كثير بن أفلح المدني، مولى أبي أيوب، ثقة من الرابعة. /خ م د ت كن ق. (التقريب 2/629) .
وفي الفتح 4/323، 8/38 قال عنه: "عمر بن كثير بن أفلح مدني، مولى أبي أيوب الأنصاري، وثقه النسائي وغيره، وهو تابعي صغير، ولكن ابن حبان ذكره في أتباع التابعين، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث بهذا الإسناد، لكن ذكره في مواضع: فتقدم في البيوع مختصراً، وفي فرض الخمس تاماً، وسيأتي في الأحكام، وقد ذكرت في البيوع أن يحيى بن يحيى الأندلسي حرفه في روايته فقال: "عن عمرو بن كثير "بفتح العين، والصواب "عمر". إهـ.
قلت: وقد وقع عند ابن ماجة وأحمد والطحاوي: "عمرو".
5 هو: نافع بن عباس - بموحدة ومهملة - أو تحتانية ومعجمة - أبو محمد الأقرع، المدني، مولى أبي قتادة، قيل له ذلك: للزومه، وكان مولى عقيلة الغفارية، ثقة من الثالثة. /ع. (ابن حجر: التقريب 2/295) .
وفي تهذيب التهذيب10/405-406 قال عنه: "أبو محمد مولى أبي قتادة، ويقال: مولى عقيلة الغفارية، ويقال: أنهما اثنان".
قال ابن حبان في الثقات: نافع مولى عقيلة بنت طلق الغفارية، وهو الذي يقال له: نافع مولى أبي قتادة، نسب إليه ولم يكن مولاه.
ثم قال ابن حجر: ويؤيد قول ابن حبان ما وقع عند أحمد من طريق مغفل بن إبراهيم سمعت رجلا يقال له مولى أبي قتادة ولم يكن مولاه، يحدث عن أبي قتادة، فذكر حديث الحمار الوحشي.
وفي رواية ابن إسحاق: عن عبد الله بن أبي سلمة، أنّ نافعاً الأقرع مولى بني غفار حدّثه، أنّ أبا قتادة حدّثه، فذكر هذا الحديث". اهـ. (انظر: حديث أحمد وابن إسحاق المشار إليهما في مسند أحمد5/306 و308، غير ان الحديث عند أحمد من طريق "سعد بن إبراهيم" وهو: ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وأما مغفل بن إبراهيم فلم أجده في التقريب ولا في تعجيل المنفعة، فالظاهر أنه خطأ.
وقد ورد عند أحمد وأبي عوانة من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر بن كثير عن أبي محمد جليس كان لأبي قتادة قال: "ثنا أبو قتادة".
وعند ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم من أصحابنا عن نافع مولى بني غفار أبي محمد، عن أبي قتادة. (انظر: مسند أحمد 5/295، وسيرة ابن هشام 2/448، ومسند أبي عوانة 4/116) .
وهذه الأحاديث تدل على أن أبا محمد كان جليسا لأبي قتادة فقيل له: مولى أبي قتادة لكثرة ملازمته له ولم يكن مولاه حقيقة.
قال النووي وابن حجر: "في حديث الباب ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وهم: يحيى بن سعيد، وعمر بن كثير، وأبو محمد". (انظر شرح النووي على مسلم 4/351، وفتح الباري 4/323) .(1/153)
يوم حنين1، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة2، فرأيت رجلا من المشركين علا3
____________________
1 عند الشافعي: "يوم خيبر" وهو خطأ مطبعي.
2 قوله: "كانت للمسلمين جولة" - بفتح الجيم وسكون الواو -: أي انهزام وخيفة ذهبوا فيها، وهذا إنما كان في بعض المسلمين، وأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطائفة معه فلم يولوا. والأحاديث الصحيحة بذلك مشهورة. (النووي: شرح صحيح مسلم 4/351) . وانظر القول في ذلك تحت حديث رقم (79) وص193- 195.
3 علا رجلا أي ظهر عليه.
وعند البخاري من حديث الليث بن سعد: "لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين، وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله، فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني وأضرب يده فقطعتها".
وعند أحمد وابن إسحاق: قال أبو قتادة: "رأيت رجلين يقتتلان مسلم ومشرك، وإذا رجل من المشركين يريد أن يعين صاحبه المشرك على المسلم، فأتيته فضربت يده فقطعتها واعتنقني بيده الأخرى، فوالله ما أرسلني حتى وجدت ريح الموت، فلولا أن الدم نزفه لقتلني فسقط فضربته فقتلته".
قال ابن حجر: تبين من هذه الروية أن الضمير في الأولى "فضربته" لهذا الثاني الذي كان يريد أن يَخْتِل المسلم. (فتح الباري 8/37) .(1/154)
رجلا من المسلمين، فاستدرت حتى أتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل1 عاتقه، فأقبل علي فضمني2 ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر3 بن الخطاب فقلت4 ما بال الناس؟ قال: "أمر5 الله". الحديث6.
والحديث أخرجه أيضا مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، ومالك، والشافعي، وعبد الرزاق، والحميدي، وأحمد، وابن الجارود، والطحاوي، وأبو عوانة، والبيهقي، والحازمي7. الجميع من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر بن كثير بن أفلح به.
____________________
1 على حبل عاتقه: قال ابن حجر: حبل العاتق: عصبه، والعاتق: موضع الرداء من المنكب، وعرف منه أن قوله في الرواية الثانية - يعني رواية الليث - فأضرب يده فقطعتها "أن المراد باليد الذراع والعضد إلى الكتف". (فتح الباري 8/37) .
وفي لفظ عند البخاري:"فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع".
وعند الطحاوي:"فضربته بالسيف على حبل عاتقه ضربة حتى قطعت حبل الدرع ".
قال ابن حجر: قوله: "فقطعت الدرع" أي التي كان لابسها وخلصت الضربة على يده فقطعتها. (فتح الباري 8/37) .
2 قوله: "فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت". قال النووي: يحتمل أنه أراد شدة كشدة الموت، ويحتمل قاربت الموت. (شرح صحيح مسلم 4/351) .
3 قوله: "فلحقت عمر بن الخطاب" قال ابن حجر: في السياق حذف بينته الرواية الثانية - يعني رواية ليث - حيث قال: ثم أخذني فضمني شديدا حتى تخوفت، ثم ترك فتحلل - أي انحلت قواه - ودفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمت معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس فقلت له: "ما شأن الناس؟ ".
4وعند مسلم والحازمي:"فلحقت عمر بن الخطاب فقال: ما للناس؟ "فقلت:"أمر الله".
5 وفي لفظ عند البخاري: قال: "أمر الله عز وجل". والمعنى: حكم الله وقضاؤه.
(البخاري: الصحيح 3/55 كتاب البيوع، باب بيع السلاح في الفتنة وغيرها. 4/73 كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب ... الخ، و5/129 كتاب المغازي، باب (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم) الخ، 9/57 كتاب الأحكام، باب الشهادة تكون عند الحاكم. انظر سياق الحديث في الأحكام، الحكم رقم (13) ص636) .
(مسلم: الصحيح 3/1370- 1371 كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل. وأبو داود: السنن 2/64 كتاب الجهاد، باب في السلب يعطى للقاتل. والترمذي: السنن 3/61 كتاب السير، باب ما جاء فيمن قتل قتيلا فله سلبه.
وابن ماجة: السنن 2/946 كتاب الجهاد، باب المبارزة والسلب. ومالك: الموطأ 2/454 كتاب الجهاد، باب ما جاء في السلب في النفل. والشافعي: الأم 4/66 (الأنفال) . وعبد الرزاق: المصنف 5/236. والحميدي: المسند 1/204، وأحمد: المسند 5/295، 296. وابن جارود: المنتقى ص360. والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/226- 227. وأبو عوانة: المسند 4/111- 114، 116. والبيهقي: السنن الكبرى 6/306، 9/50. والحازمي: الاعتبار ص221- 222) .(1/155)
منهم من ساقه بتمامه ومن هم من اقتصر على جزء منه.
وقد اتفقت جميع الطرق على ان أبا قتادة راوي الحديث هو الذي سأل عمر بن الخطاب عن سبب انهزام المسلمين، ماعدا مسلما والحازمي فإن الأمر عندهما بالعكس.
والحديث أخرجه كذلك ابن إسحاق من طريقين: قال في الأولى: حدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن أبي قتادة.
وفي الثانية: حدثني من لا أتهم من أصحابنا عن نافع مولى بني غفار أبي محمد عن أبي قتادة، ثم ساق الحديث1.
ومن طريقه أخرجه أحمد2، وسمى المبهم في الطريق الثانية "يحيى بن سعيد" الذي مدار حديث الباب عليه، غير أن كون يحيى بن سعيد يروي عن نافع مباشرة فيه نظر، وذلك لأن جميع طرق الحديث التي وقفت عليها أنه يروي عنه بواسطة "عمر بن كثير بن أفلح" ولم أجد مَنْ نصّ مِن العلماء أن نافعاً من شيوخ يحيى، فالظاهر أن في سند ابن إسحاق انقطاعا، وقد عرف الواسطة من طرق أخرى، وهو: "عمر بن كثير".
هذه معظم الأسباب التي عثرت عليها في سبب تخلي المسلمين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منسحبين أمام هوازن إلاّ قلة ممّن ثبت معه - صلى الله عليه وسلم -.
وإذا أمعنا النظر نجد أن الذين بدأوا بالفرار هم أحداث الأسنان والأعراب والطلقاء، وهؤلاء ليسوا من كبار الصحابة وأهل القدم الراسخ في الإسلام. ثم صادف ذلك انشغال بعض المسلمين بجمع الغنائم كما في بعض الروايات الصحيحة.
____________________
(سيرة ابن هشام 2/448) .
(المسند 5/306 وسياقه قال عبد الله بن أحمد حدثني أبي ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني عبد بن أبي بكر أنه حدّث عن أبي قتادة. قال يعقوب بن إبراهيم قال أبي وحدثني ابن إسحاق عن يحيى بن سعيد عن نافع عن الأقرع) .(1/156)
هذا هو الذي استخلصته في بيان أسباب انكشاف المسلمين في بداية المعركة، معتمدا على المرويات الواردة في ذلك، ولكن الأمر لم يدم طويلا في تلك المعركة لصالح المشركين، بل نصر الله جنده في نهاية الأمر، كما سيتبين ذلك من خلال دراستنا لهذه الغزوة.
وفي ختام هذا المبحث أحب أن أشير إلى أن من سنن الله الكونية التي لا تتخلف أن الله سبحانه وتعالى، جعل للنصر والظفر على الأعداء أسبابا، كما جعل للهزيمة والانحدار أسبابا، فمن أخذ بأسباب النصر جاءه النصر بإذن الله، ومن تخلى عنها أو عن بعضها جاءته الهزيمة والانتكاس.
والعبرة التي يجب تقريرها والتأكيد عليها في هذا المبحث أيضا أن الجيش الإسلامي الذي يكون قائده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذا حصل منه تقصير في جنب الله، فإنه يعاقب بالهزيمة ولا يخرج عن سنة الله في ذلك، فلا ينتصر وهو غير مستوجب لشروط النصر وأسبابه.
فوقوع مثل هذا في جيوش المسلمين المقصرين في حق الله عليهم، والذين قوادهم من البشر العاديين أولى وأحرى، وإنه لدرس عظيم تقدمه لنا سيرة سلفنا الصالح وحياة ذلك الرعيل الأول، الذين عاش بين ظهرانيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والوحي ينزل عليه، وقد أذاقهم الله حلاوة النصر من عنده إذا صبروا وصدقوا واستكملوا عناصر النصر المادية والمعنوية، ولم يغفلوا عن الله.
كما أذاقهم مرارة الهزيمة، إذا هم غفلوا عن الله وتنازعوا وركنوا إلى الدنيا وبيّن لهم أن ذلك الانهزام ما جاءهم إلا من عند أنفسهم إما إعجابا بكثرتهم أو بإقبالهم على حطام الدنيا، أو بغير ذلك من الأسباب.
وفي ذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وممّا يحسن الإشارة إليه هنا – أيضا – أن المسلمين في غزوة حنين كانوا اثني عشر ألفا أو يزيدون1، وقد حصل لهم ما بيّناه في هذا المبحث من إدبارهم على رغم هذا العدد الكبير الذي لم يتوافر مثله في غزواتهم السابقة، وقد يتوهم متوهم أن هذا يعارض ما رواه أبو داود وغيره من حديث عبد الله بن عباس الوارد فيه:
____________________
1 انظر ص116.(1/157)
63- "ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة" 1.
وفي لفظ عند أحمد: "لن يغلب قوم عن قلة يبلغون أن يكونوا اثني عشر ألفا".
وعند الدارمي: "وما بلغ اثنا عشر ألفا فصبروا وصدقوا فغلبوا من قلة".
وعند أبي يعلى: "وما هزم قوم بلغوا اثني عشر ألفا من قلة إذا صدقوا وصبروا".
وعند الواقدي: "ولا تغلب اثنا عشر ألفا من قلة كلمتهم واحدة" 2.
ذلك أن هذا الحديث مقيد بقيدين وهما: "الصبر، والصدق". فإذا بلغ الجيش هذا العدد لا يغلب من قلة، إذا صبروا وصدقوا، بل ربما يكون عددهم أقل من هذا ويكون النصر حليفهم بالصبر والصدق، وإنما يغلبون لأمر آخر كالإعجاب بالكثرة وبما زين لهم الشيطان من أنفسهم من قدرتهم على الحرب وشجاعتهم وقوتهم ونحو ذلك.
والحاصل أن انتصار المسلمين مرتبط بأسباب وموانع، فإذا توفرت الأسباب وانتفت الموانع حصل النصر بإذن الله قل العدد أو كثر، كما قال تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} ،3. على أنه قد يقال بعدم التعارض مطلقا بين ما وقع في حنين، وما يتضمنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة" ذلك أن ما وقع في حنين ليس هزيمة كسر فيها المسلمون ولم يقم لهم بعدها قائمة في هذه المعركة، وإنما الذي حدث هو إدبار في بادئ المعركة، أعقبه بعد ذلك انتصار عظيم على الكفار، وغنيمة لما معهم، فمثل هذه الحال لا يقال فيها إنها هزيمة نهائية، وعليه فلا تعارض، وهذا أظهر واوجه. والله أعلم.
وحديث "لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة" أخرجه أبو داود، والترمذي، وأحمد، وعبد بن حميد، وابن خزيمة، والطحاوي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، كلهم
____________________
(أبو داود: السنن 2835 كتاب الجهاد، باب فينا يستحب من الجيوش والرفقاء والسرايا) .
ونص الحديث: "عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة".
(مغازي الواقدي 3/890) .
3 سورة البقرة: 249.(1/158)
من طريق جرير1 بن حازم، عن يونس2 بن يزيد الأيلي، عن الزهري3، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - 4.
وأخرجه الترمذي، وأحمد وأبو يعلى، والطحاوي، كلهم من طريق حبان5 بن علي العنزي، عن عقيل6 بن خالد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي-صلى الله عليه وسلم-7.
ورواه الدارمي من طريق حبان بن علي العنزي، عن يونس بن يزيد، وعقيل، عن ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - 8.
والحديث قال فيه أبو داود: والصحيح أنه مرسل9.
____________________
1 جرير بن حازم "ثقة"، تقدمت ترجمته في حديث (1) .
2 يونس بن يزيد بن أبي النجاد، الأيلي - بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام - أبو يزيد مولى آل أبي سفيان، ثقة، إلاّ أن في روايته عن الزهري وهما قليلا، وفي غير الزهري خطأ، من كبار السابعة (ت 159) على الصحيح. /ع. (التقريب 2/386، تهذيب التهذيب 11/450) .
3 تقدمت ترجمة الزهري وعبيد الله في حديث (32) .
(الترمذي: السنن3/56-57 كتاب السير، باب ما جاء في السرايا. وأحمد: المسند1/294. وعبد بن حميد: المسند 1/91ب رقم (322) ، وابن خزيمة: الصحيح 4/140، والطحاوي: مشكل الآثار 1/238، وابن حبان: كما في موارد الظمآن ص400، والبيهقي: 9/156) .
5 حبان - بالكسر - ابن علي العنزي - بفتح العين والنون ثم زاي - أبو علي الكوفي، ضعيف، من الثامنة، كان له فقه وفضل، (ت 171 أو 172) . /ق. (التقريب 1/147، وتهذيب التهذيب 2/173) .
6 عقيل - بالضم - بن خالد بن عقيل - بالفتح - الأيلي - بفتح الهمزة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام - أبو خالد الأموي، مولاهم، ثقة ثبت، سكن المدينة ثم الشام ثم مصر، من السادسة (ت 144) على الصحيح. /ع. (التقريب 2/29، وتهذيب التهذيب 7/255- 256) .
(الترمذي: السنن 3/57 كتاب السير، باب ما جاء في السرايا. أحمد: المسند1/299.وأبو يعلى: المسند 3/271أرقم303.والطحاوي: مشكل الآثار1/238.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 5/258 و327: رواه أبو داود والترمذي خلا قوله: "صدقوا وصبروا".
(سنن الدارمي2/134-135كتاب السير، باب في خير الأصحاب والسرايا والجيوش) .
(سنن أبي داود 2/35 كتاب الجهاد، باب فيما يستحب من الجيوش والرفقاء والسرايا، والمراسيل له ص34. ومصنف عبد الرزاق 5/306) .(1/159)
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا يسنده كبير أحد غير جرير بن حازم، وإنما روي هذا الحديث عن الزهري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا.
وقد رواه حبان بن علي العنزي، عن عقيل، عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ورواه الليث بن سعد1، عن عقيل، عن الزهري، عن النبي - صلى الله عليه مسلم -2. إهـ
وهكذا أعله بالإرسال أيضا أبو حاتم، والطحاوي، والبيهقي3.
والخلاصة: أن هذا الحديث تفرد بوصله جرير بن حازم، وهو ثقة. والزيادة من الثقة مقبولة، كما هو مقرر في علم المصطلح4.
وقد قال الحاكم: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لخلاف بين الناقلين عن الزهري5. وسكت عنه الذهبي.
وقال ابن القطان6: هذا ليس بعلة، فالأقرب صحته7.
وقال البيهقي - بعد سياق الحديث -: "قال أبو داود: أسنده جرير بن حازم وهو خطأ".
____________________
1 الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث، المصري، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من السابعة (ت 175) . /ع. (التقريب 2/138، وتهذيب التهذيب 8/549) .
(سنن الترمذي 3/57 كتاب السير، باب ما جاء في السرايا. وهذه الرواية التي علقها الترمذي، وصلها الطحاوي في مشكل الآثار 1/239 من طريق ابن صالح حدثني الليث عن عقيل ... الخ.
قال الألباني: وابن صالح اسمه عبد الله كاتب الليث وفيه ضعف فلا يحتج به عند التفرد، فكيف عند المخالفة؟ (سلسلة الأحاديث الصحيحة2/720 حديث986) .
(انظر: علل الحديث لابن أبي حاتم1 /347، ومشكل الآثار للطحاوي 1/238، والسنن الكبرى للبيهقي 9/156) .
4 انظر: حديث (32) .
(المستدرك 1/443، 2/101) .
6 هو الحافظ العلامة الناقد قاضي الجماعة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم الحميري الكتامي الفاسي الشهير بابن القطان، صاحب كتاب الوهم والإيهام كان من أبصر الناس بصناعة الحديث وأحفظم لأسماء رجاله وأشدهم عناية بالرواية، وهو رأس طلبة العلم بمراكش (ت: 628) . (الذهبي/ تذكرة الحفاظ 4/1407) .
7 انظر: (فيض القدير للمناوي 3/474) .(1/160)
فتعقبه ابن التركماني بقوله: "هذا ممنوع، لأن جريرا ثقة، وقد زاد الإسناد فيقبل قوله"1.
وصححه أيضا السيوطي2.
وقال الألباني: "جرير بن حازم ثقة احتج به الشيخان، وقد وصله، وهي زيادة يجب قبولها، ولا يضره رواية من قصر به على الزهري"، ولذلك قال ابن القطان: هذا ليس بعلة فالأقرب الصحة.
وقد تابعه حبان بن علي العنزي على وصله، كما ذكر الترمذي.
ثم ذكر من وصل الحديث من طريق حبان بن علي، ثم قال: ورجال الحديث كلهم ثقات رجال البخاري، غير حبان بن علي وهو ضعيف، لكنه لم يترك كما قال الذهبي3.
فمثله يستشهد به4.
__________
(الجوهر النقي 9/156 مع السنن الكبرى للبيهقي) .
(الجامع الصغير 3/474 مع فيض القدير) .
(انظر: ميزان الاعتدال 1/449) .
4 الألباني: (سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/719 حديث (986) ، وصحيح الجامع الصغير 3/121- 122 حديث (3273) .(1/161)
المبحث الثاني: مواقف مريبة إثر انكشاف المسلمين في بادئ الأمر:
لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين لمنازلة هوازن وجموعها، خرج معه كثير من أهل مكة وهم أوزاع منهم الطلقاء، ومنهم المقيم على كفره1، ومنهم المسلم الذي حسن إسلامه، ومنهم ضعيف الإيمان.
وكان خروج الأغلبية منهم يرجون الغنائم وينظرون لمن تكون الغلبة، ولا يكرهون أن تكون الهزيمة للمسلمين.
____________________
1 ذكر القسطلاني في المواهب اللدنية 1/162، والزرقاني في شرح المواهب 3/5، وبرهان الدين الحلبي في السيرة الحلبية 3/64: "إنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانون من أهل مكة وهم على كفرهم".(1/161)
قال ابن كثير قال ابن لهيعة1، عن أبي الأسود2، عن عروة3.
وذكر موسى بن عقبة في "مغازيه" عن الزهري، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح الله عليه مكة وأقر بها عينه، خرج إلى هوازن معه أهل مكة لم يغادر منهم أحداً ركباناً ومشاة حتى خرج النساء يمشين على غير دين نظارا ينظرون ويرجون الغنائم ولا يكرهون مع ذلك أن تكون الصدمة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.
قالوا: وكان معه أبو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وكانت امرأته مسلمة وهو مشرك لم يفرق بينهما، قالوا: وكان رئيس المشركين يومئذ مالك بن عوف النصري ومعه دريد بن الصمة يرعش من الكبر، ومعه النساء والذراري والنعم، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي حدرد عينا فبات فيهم فسمع مالك بن عوف يقول لأصحابه: "إذا أصبحتم فاحملوا عليهم حملة رجل واحد واكسروا أغماد سيوفكم واجعلوا مواشيكم صفا ونساءكم صفا". لما أصبحوا اعتزل أبو سفيان وصفوان وحكيم بن حزام وراءهم ينظرون لمن تكون الدائرة4.
قالوا: ومر رجل من قريش بصفوان بن أمية فقال: أبشر بهزيمة محمد وأصحابه، فوالله لا يجتبرونها أبدا، فقال له صفوان: تبشرني بظهور الأعراب، فوالله لرب من قريش أحب إلي من رب من الأعراب5، وغضب صفوان لذلك، قال
____________________
1 عبد الله بن لهيعة - بفتح اللام وكسر الهاء - ابن عقبة الحضرمي، أبو عبد الرحمن البصري، القاضي، صدوق من السابعة، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون (ت 174) . /م د ت ق. (التقريب 1/444، وتهذيب التهذيب 5/373- 379) .
وقال الهيثمي: "ابن لهيعة فيه ضعف وحديثه حسن". مجمع الزوائد 6/139، 173، 175، 190، 196) .
2 هو: محد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي، أبو الأسود المدني، يتيم عروة، ثقة من السابعة، مات سنة بضع وثلاثين ومائة. /ع. (التقريب 2/185، وتهذيب التهذيب 9/307) .
3 تقدمت ترجمة عروة في حديث (9) ، وترجمة موسى بن عقبة في حديث (52) . والزهري في حديث (32) .
4 الدائرة: هي الدولة بالغلبة والنصر (ابن الأثير: النهاية 2/140) .
5 سيأتي أن معنى هذا قاله صفوان لما قال كلدة بن الحنبل "ألا بطل السحر".وفي تارخ الخميس2/102 أن هذا القول قاله صفوان لكلدة ولرجل آخر ولأبي سفيان بن حرب وكان أبو سفيان لما انهزم المسلمون في أول القتال استبشر وقال: غلبت هوازن لا يردهم شيء إلاّ البحر، وكان أبو سفيان أسلم يوم الفتح لكن لم يتصلب فيه بعد وكان هو وابنه معاوية يومئذ من المؤلفة قلوبهم وبعد ذلك حسن إسلامهما.
وقال: "أراد صفوان: برب من قريش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبرب من هوازن رئيسهم مالك بن عوف"إهـ.(1/162)
عروة: وبعث صفوان غلاماً له فقال: اسمع لمن الشعار؟ فجاءه فقال: سمعتهم يقولون: "يا بني عبد الرحمن، يا بني عبد الله، يا بني عبيد الله، فقال: ظهر محمد وكان ذلك شعارهم في الحرب" ... الحديث1.
والحديث أخرجه البيهقي في دلائل عن عروة وموسى بن عقبة ولم يذكر الزهري2. وفي السند إلى عروة أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد لم أجد له ترجمة.
والحديث في كلا الإسنادين مرسل، لأن عروة بن الزبير من الثانية وموسى بن عقبة من الخامسة3.
64- وعند ابن إسحاق: فلما انهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن4، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وإن الأزلام5 لمعه في كنانته، وصرخ جبلة6 بن الحنبل - وهو مع أخيه صفوان بن أمية مشرك في المدة التي جعل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا بطل السحر اليوم، فقال صفوان: اسكت فض الله فاك، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن7.
____________________
(ابن كثير: البداية والنهاية 4/330، والواقدي: المغازي 3/890، 894- 895. وانظر حديث (64) . وفي سيرة ابن هشام 2/409 كان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وحنين والطائف، شعار المهاجرين: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله.
2 دلائل النبوة 3/45أوتقدم الحديث برقم (57) .
3 انظر: التقريب 2/19 و286.
4 الضغن: الحقد. (المصباح المنير 2/428) .
5 الأزلام: هي القداح التي كانت في الجاهلية عليها مكتوب، الأمر والنهي، افعل ولا تفعل، وكان الرجل منهم يضعها في وعاء له، فإذا أراد سفرا أو زواجا أو أمرا مهما، أدخل يده فأخرج منها زلما، فإن خرج الأمر مضى لشأنه، وإن خرج النهي كف عنه ولم يفعله. (ابن الأثير: النهاية 2/311) .
6 تقدم في حديث (58) .
(ابن هشام: السيرة النبوية2/443-444، والطبري: تاريخ الرسل والملوك3/74. وابن كثير: البداية والنهاية 4/327. وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/469- 470. والسهيلي: الروض الأنف 7/168. والكلاعي: الاكتفاء 2/227- 228) .(1/163)
ذكر هذا ابن إسحاق بدون إسناد، ومن طريقه أخرجه الطبري، لكن الجزء الأخير منه - وهو قول جبلة: "بطل السحر اليوم" - وجواب صفوان له ثابت عند أبي يعلى من حديث جابر بن عبد الله، وهذا نصه:
حدثنا جعفر1، ثنا عبد2 الأعلى، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر قال: كان أمام هوازن رجل جسيم3 على جمل أحمر في يده راية4 سوداء إذا أدرك طعن بها وإذا فاته شيء من بين يديه رفعها لمن خلفه، فعمد5 له علي بن أبي طالب ورجل من الأنصار كلاهما يريده، قال: فضربه علي على عرقوبي الجمل فوقع على عجزه، قال: وضرب الأنصاري ساقه، قال: فطرح قدمه بنصف ساقه فوقع، واقتتل الناس.
وصرخ - حين كانت الهزيمة - كلدة وكان أخا صفوان6 بن أمية وكان صفوان يومئذ مشركا، في المدة التي ضرب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا بطل السحر اليوم7. فقال له صفوان: اسكت فض الله فاك، فوالله لأن يربني رجل من قريش
____________________
1 جعفر بن مهران السباك، أبو النضر البصري، سكت عنه ابن أبي حاتم.
وقال الذهبي: "موثق، له ما ينكر".
وقال ابن حجر: "وثقه ابن حبان". (انظر: الجرح والتعديل2/491، وميزان الاعتدال1/418، وتعجيل المنفعة ص50-51) .
2 عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، السامي - بالمهملة - أبو محمد، وكان يغضب إذا قيل له أبو همام، ثقة من الثامنة (ت 189) . (ابن حجر: التقريب 1/465، وفي تهذيب التهذيب 6/96 ذكر بأنه مات سنة (198) ولم يذكر خلافا في ذلك) .
3 وعند ابن حبان: "رجل ضخم".
4 وعند ابن إسحاق وأحمد والطبري والبيهقي: "ورجل من هوازن على جمل له أحمر، بيده راية سوداء، في رأس رمح له طويل، أمام هوازن، وهوازن خلفه، إذا أدرك طعن برمحه، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فتبعوه".
5 وعند ابن حبان: "فرصد له".
وعند ابن إسحاق وأحمد والطبري: "بينا ذلك الرجل من هوازن صاحب الراية على جمله ذلك يصنع ما يصنع إذ هوى له على بن أبي طالب ورجل من الأنصار يريدانه، قال: فيأتيه علي من خلفه فضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه، ووثب الأنصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه فانجعف عن رجله، قال واجتلد الناس".
6 وعند ابن حبان: "وكان أخا صفوان بن أمية لأمه".
7 وعند الواقدي: فلما كانت الهزيمة حيث كانت الدائرة على المسلمين فتكلموا بما في أنفسهم م الكفر والضغن والغش، قال أبو سفيان ابن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، قال: يقول رجل من أسلم يقال له: "أبو مقيت": أما والله، لولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن قتلك لقتلتك.
وقال سهيل بن عمرو: "لا يجتبرها محمد وأصحابه"، قال: يقول له عكرمة: "هذا ليس بقول، وإنما الأمر بيد الله، وليس إلى محمد من الأمر شيء، إن أديل عليه اليوم فإن له العاقبة غدا".
قال: يقول سهيل: إن عهدك بخلافه لحديث، قال: يا أبا يزيد، إنا كنا والله نوضع في غير شيء وعقولنا عقولنا، نعبد الحجر لا ينفع ولا يضر. (مغازي الواقدي 3/910- 911) .(1/164)
أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن"1.
ومن هذا الطريق أخرجه ابن حبان2.
والحديث فيه: جعفر بن مهران السباك، وثقه ابن حبان وهو متساهل في التوثيق، وقال الذهبي: موثق وله ما ينكر. ولكن أصل الحديث ثابت عند أحمد وابن هشام والطبري والبيهقي من غير طريق جعفر بن مهران3.
65- وروى الواقدي عن قتادة قال: مضى سرعان المنهزمين إلى مكة يخبرون أهلها بالهزيمة، فسر بذلك قوم من أهلها وأظهروا الشماتة وقال قائلهم:"ترجع العرب إلى دين آبائها، وقد قتل محمدوتفرق أصحابه".
فقال عتاب بن أسيد: إن قتل محمد فإن دين الله قائم، والذي يعبده محمد حي لا يموت، فما أمسوا حتى جاءهم الخبر بنصره صلى الله عليه وسلم، فسر عتاب ومعاذ بن جبل، وكبت الله من كان يسر خلاف ذلك4.
66- وأخرج الطبراني والبيهقي كلاهما من طريق أيوب5 بن جابر، عن صدقة بن سعد، عن مصعب بن شيبة، عن أبيه6 قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، والله ما أخرجني إسلام ولا معرفة به، ولكن أبيت أن تظهر هوازن على
____________________
(أبو يعلى: المسند 2/200ب رقم 302) .
(موارد الظمآن ص417) .
3 انظر الحديث رقم (58) .
(الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/12) .
5 وقع في البداية والنهاية لابن كثير 4/333 "أبو أيوب" وكلمة "أبو" خطأ.
6 هو: شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري، الحجبي، المكي، من مسلمة الفتح، وله صحبة وأحاديث (ت 95) . /خ د ق. كان ممن ثبت يوم حنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتال هوازن بعد أن كان خرج يريد أن يغتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ. (ابن حجر: التقريب 1/357، وتهذيب التهذيب 4/376، والإصابة 2/161) .(1/165)
قريش فقلت وأنا واقف معه: يا رسول الله إني أرى خيلا بلقا، فقال: "يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر"1
فضرب بيده في صدري ثم قال: "اللهم اهد شيبة"، ثم ضربها الثانية فقال: "اللهم اهد شيبة"، ثم ضربها الثالثة ثم قال: "اللهم اهد شيبة".
قال: فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله أحب إلي منه:. الحديث2.
والحديث ضعيف، لأن فيه:
أ - أيوب بن جابر3.
ب - صدقة بن سعيد4.
? - مصعب بن شيبة5.
وأورده الهيثمي ثم قال: رواه الطبراني وفيه أيوب بن جابر وهو ضعيف6.
67- وروى الطبراني، والبيهقي – أيضا – كلاهما من طريق عبد الله7 بن المبارك، عن أبي بكر الهذلي8، عن عكرمة9 مولى ابن عباس، عن شيبة بن عثمان
____________________
1 قال الزرقاني: لعل حكمة عدم رؤية المسلمين للملائكة، لئلا يعتمدوا عليهم، أو يشتغلوا بالنظر إليهم لكون قتالهم خارقا للعادة، فيفوتهم الاجتهاد في الحرب والثواب المترتب عليه. (شرح المواهب اللدنية 3/15) .
(الطبراني: المعجم الكبير 7/357) .
(والبيهقي: دلائل النبوة 3/45ب) .
3 قال فيه ابن حجر في التقريب 1/89: أيوب بن جابر بن سيار السحيمي - بمهملتين مصغرا - أبو سليمان اليمامي ثم الكوفي "ضعيف".
4 قال فيه ابن حجر في التقريب1/366:صدقة بن سعيد الحنفي، الكوفي، "مقبول".
5 قال عنه ابن حجر في التقريب 2/251: مصعب بن شيبة العبدري "لين الحديث". وانظر: (تهذيب التهذيب 1/399، 4/415، 10/162) .
(مجمع الزوائد6/183،وانظر: ابن كثير: البداية والنهاية4/333،والزرقاني شرح المواهب 3/12، 15، 19. والسيوطي: الدر المنثور3/226،والخصائص الكبرى 2/93) .
7 عبد الله بن المبارك المروزي، مولى بني حنظلة ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير، من الثامنة (ت181) ./ع. (التقريب1/445، وتهذيب التهذيب 5/382) .
8 أبو بكر الهذلي، وقع في المعجم الكبير للطبراني:"أبو بكر الهدى" وهو خطأ.
9 عكرمة بن عبد الله، مولى ابن عباس أصله بربري، ثقة ثبت عالم بالتفسير، ولم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا يثبت عنه بدعة، من الثالثة (ت 107) وقيل: قبل ذلك. (التقريب 2/30، وتهذيب التهذيب 7/263- 273) .(1/166)
قال: لما رأيت رسول الله يوم حنين قد عرى1، ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما2، فقلت: اليوم أدرك ثأري من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فذهبت لأجيئه عن يمينه فإذا بالعباس بن عبد المطلب قائم عليه بين درع بيضاء كأنها فضة ينكشف عنها العجاج3، فقلت: عمه ولن يخذله، قال: ثم جئته عن يساره فإذا بأبي سفيان4 بن الحارث بن عبد المطلب، فقلت: ابن عمه ولن يخذله، قال: ثم جئته من خلفه فلم يبق إلا أن أساوره5 سورة بالسيف إذ رفع شواظ6 من نار بيني وبينه كأنه برق فخفت أن يمحشني7، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى8، فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "يا شيبة9 ادن مني، اللهم أذهب عنه الشيطان".
قال: فرفعت إليه بصري ولهو أحب إلي من سمعي وبصري، فقال: "يا شيبة قاتل الكفار". الحديث10.
والحديث أورده الهيثمي ثم قال: رواه الطبراني وفيه أبو بكر الهذلي وهو ضعيف11.
وقال ابن حجر: متروك الحديث12.
____________________
1 قد عرى: أي انكشف عنه الناس. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 4/361) .
2 قتل في غزوة أحد كما في سيرة ابن هشام 1/127.
(العجاج: الغبار. (الفيروز آبادي: 1/198) .
4 أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخاه من الرضاعة أرضعتهما حليمة بنت ذؤيب السعدية، كان أبو سفيان من الشعراء المطبوعين، وكان سبق له هجاء في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان حسان بن ثابت يرد عليه يدافع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم أسلم وحسن إسلامه وشهد حنينا وأبلى فيها بلاء حسنا، مات سنة عشرين. (ابن الأثير: أسد الغابة 6/144- 147) .
5 أساوره: أي أعلوه بالسيف في رأسه، والسورة - بفتح أوله - الوثبة. (ابن منظور: لسان العرب 6/51- 52) .
6 الشواظ: كغراب وكتاب: لهب لا دخان فيه، أو دخان النار وحرها. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/396) .
7 أن يمحشني: أي يحرقني، والمحش: احتراق الجلد وظهور العظم. (ابن الأثير: النهاية 4/302) .
8 القهقرى: هو المشي إلى الخلف من غير أن يعيد وجهه إلى جهة مشيه. (المصدر السابق 4/129) .
9 يا شيب: نداء ترخيم (شيبة) . (أنظر: ابن عقيل: شرح ألفية ابن مالك2/289) .
10 (الطبراني: المعجم الكبير 7/358، والبيهقي: دلائل النبوة 3/45ب) .
11 (مجمع الزوائد 6/184، وانظر: البداية والنهاية 4/333، والتفسير 2/345 كلاهما لابن كثير، والخصائص الكبرى للسيوطي 2/94- 95) .
12 انظر: (التقريب 2/401، وتهذيب التهذيب 12/45) .(1/167)
وأخرج البلاذري نحوه من طريق الوليد بن مسلم، ثنا يحيى1 بن عبد العزيز.
68- عن عبد الله2 بن نعيم الأردني، عن الضحاك3 بن عبد الرحمن الأشعري قال: لما هزم الله هوازن يوم حنين عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي عامر علي خيل الطلب. الحديث. وفيه: "وكان شيبة بن عثمان العبدري شديدا على المسلمين وكان ممن أومن فسار إلى هوازن طمعا في أن يصيب من النبي - صلى الله عليه وسلم - غرة، قال: فدنوت منه فإذا أهله محيطون به، ورآني فقال: "يا شيب إليّ، فدنوت منه، فمسح صدري، ودعا لي" فأذهب الله كل غل كان فيه وملأه إيمانا وصار أحب الناس إليّ4.
والحديث ضعيف لأن فيه يحيى بن عبد العزيز، وعبد الله بن نعيم، وفيه أيضا الإرسال، لأن الضحاك بن عبد الرحمن لم يدرك هذه القصة.
وأخرج ابن سعد من طريق الواقدي نحو ما تقدم ولفظه:
69- كان شيبة بن عثمان رجلا صالحا له فضل وكان يحدث الناس عن إسلامه وما أراد الله به من الخير ويقول: "ما رأيت أعجب ممّا كنا فيه من لزوم ما مضى عليه آباؤنا من الضلالات، ثم يقول: لما كان عام الفتح ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة فقلت: أسير مع قريش إلى هوازن بحنين فعسى إن اختلطوا أن أصيب من محمد غرة فأثأر منه فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها، وأقول: لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمدا ما تبعته أبدا". الحديث وهو مطول5.
____________________
1 يحيى بن عبد العزيز أبو عبد العزيز الأردني - بضم الهمزة المهملة بينهما راء ساكنة ثم نون ثقيلة - نزيل اليمامة - مقبول من السابعة، وهو والد أبي عبد الرحمن الشافعي. /بخ د. (ابن حجر 2/353، وتهذيب التهذيب 11/251) .
2 عبد الله بن نعيم بن همام القيني-بفتح القاف ثم تحتانية ساكنة ثم نون-الأردني-كالذي قبله-عابد، لين الحديث، من السابعة./قد. (المصدر السابق1/457،6/56) . (وفي ميزان الاعتدال 2/515) ، سئل عنه ابن معين فقال: مظلم، وقال غيره: صالح الحديث.
3 الضحاك بن عبد الله بن عرزب - بفتح المهملة وسكون الراء وفتح الزاي ثم موحدة - وقد يقال عرزم بالميم - أبو عبد الرحمن ويقال: أبو زرعة الأردني - كالذي قبله - الطبراني، ثقة من الثالثة. (ت 105) /قد ت ق. (ابن حجر: التقريب 1/372- 373، والتهذيب 4/446) .
(البلاذري: أنساب الأشراف ص366) .
(ابن سيد الناس: عيون الأثر 2/190- 191، وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/470، وابن حجر: الإصابة 2/161) .(1/168)
والحديث فيه الواقدي، وهو متروك الحديث1.
وعند ابن إسحاق بدون إسناد قال: وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار، قلت: اليوم أدرك ثأري من محمد - وكان أبوه قتل يوم أحد – اليوم أقتل محمدا، قال: فأدرت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأقتله، فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي، فلم أطق ذاك، وعلمت أنه ممنوع مني2.
ومن طريقه أخرجه الطبري والبيهقي3.
والخلاصة: أن الأحاديث الواردة في سبب إسلام شيبة بن عثمان كلها ضعيفة، ولذا قال ابن السكن4: في إسناد قصة إسلامه نظر5.
ولكن هذه الروايات على ضعف أكثرها تدل على محاولات شيبة للقضاء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذ الثأر منه، كما أن تلك الأقوال الحاقدة التي أطلقها بعض أهل مكة كانت بمثابة التشفي من المسلمين، والرغبة في اندحار الحق.
وتلتقي هذه الأقوال وتلك المحاولات من شيبة وغيره في إطار واحد يمثل ضيق نفوس هؤلاء بالإسلام، وحبهم للعهد الجاهلي وبقائه، ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره، وينصر نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ولله الحمد والمنة.
__________
(انظر: ابن حجر: التقريب 2/194) .
2 ابن هشام: (السيرة النبوية 2/443- 444) .
(تاريخ الرسل والملوك 3/74- 75، ودلائل النبوة 3/43- 44ب) .
4 هو: الحافظ الحجة أبو علي سعيد بن عثمان، تقدم.
(ابن حجر: الإصابة 2/161) .(1/169)
المبحث الثالث: عدد الثابتين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين:
مر بنا أن مالك بن عوف سبق إلى وادي حنين وفرق جيوشه في منعطفاته ومضايقه واستعدوا وتأهبوا وأحكموا خطتهم1.
وكان المسلمون لا يعلمون بذلك، وبينما هم ينحدرون في الوادي إذ انهالت عليهم هوازن بوابل من النبال والسهام، فانكشفت مقدمة المسلمين، وتبعها بقية
____________________
1 تقدم في مبحث (سبب هزيمة المسلمين ص141) .(1/169)
الجيش الإسلامي، ولم يبق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قلة من المسلمين، وهذا ما نريد الحديث عنه في هذا المبحث.
على أنه قد اختلفت الروايات في عدد الذين ثبتوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي كالآتي:
أ- ورد في حديث أنس بن مالك عند البخاري ومسلم وغيرهما قال: "لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف ومعه الطلقاء، فأدبروا عنه حتى بقي وحده" الحديث1.
قال ابن حجر: ويجمع بين قوله "حتى بقي وحده" وبين الأخبار الدالة على أنه بقي جماعة، بأن المراد: بقي وحده متقدما مقبلا على العدو، والذين ثبتوا معه كانوا وراءه، أو وحدة بالنسبة لمباشرة القتال، وأبو سفيان ابن الحارث وغيره كانوا يخدمونه في إمساك البغلة ونحو ذلك2.
ب- وأخرج ابن أبي شيبة والبزار من حديث بريدة بن الحصيب أن الناس تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق معه إلا رجل واحد يقال له زيد. وهذا سياق الحديث عند البزار:
70- حدثنا معمر3 بن سهل، وصفوان4 بن المغلس قالا: ثنا عبيد5 بن
____________________
1 تقدم الحديث برقم (40) .
(فتح الباري 8/29، والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/11) .
3 كذا وقع في السند "معمر"، ولعل الصواب: محمد بن سهل بن عسكر بن عمارة التيمي، مولاهم، أبو بكر البخاري، نزيل بغداد، ثقة من الحادية عشرة (ت 251) /م ت س. فإنه يروي عن عبيد الله بن موسى.
انظر: (تهذيب الكمال للمزي5/446و7/603،والتقريب2/167، وتهذيب التهذيب 9/207 كلاهما لابن حجر، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي 5/313) .
4 لم أجد ترجمته.
5 عبيد الله بن موسى بن أبي مختار، باذام - بموحدة وذال معجمة - العبسي الكوفي، أبو محمد ثقة، كان يتشيع، من التاسعة.
قال أبو حاتم: "كان أثبت في إسرائيل من أبي نعيم، واستصغر في سفيان الثوري" (ت213) على الصحيح. /ع. (التقريب 1/539-540، وتهذيب التهذيب 7/50-53 كلاهما لابن حجر. والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/334-335) .(1/170)
موسى، ثنا يوسف1 بن صهيب، عن عبد الله2 بن بريدة، عن أبيه3 قال:
"تفرق الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلم يبق إلا رجل يقال له زيد4، وهو آخذ بعنان5 بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشهباء6، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
____________________
1 يوسف بن صهيب الكندي، الكوفي، ثقة من السادسة/ د ت س. (التقريب 2/381، وتهذيب التهذيب 11/415) .
2 عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي، أبو سهل المروزي، قاضيها، ثقة، من الثالثة (ت 105، وقيل: 115) . /ع. (المصدر السابق 1/403- 404، و5/157) .
3 هو: بريدة بن الحصيب - بمهملتين مصغرا - أبو سهل الأسلمي، صحابي، أسلم قبل بدر (ت63) /ع. (التقريب1/96،تهذيب التهذيب1/432- 433) .
4 لعله زيد بن الأرقم الأنصاري الخزرجي، فقد جاء عند الطبراني في معجمه الكبير 5/215 عن زيد بن أرقم قال: انهزم الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فقال:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/182: "رواه الطبراني ورجاله ثقات".
5 العنان: ككتاب: سير اللجام الذي تمسك به الدابة، جمعه أعنة وعنن. (القاموس المحيط 4/249) .
وثبت في الأحاديث المستفيضة أن الذي كان ملازما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآخذا بلجام البغلة وركابها هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وكان العباس هو الذي نادى المهاجرين والأنصار، ولعل هؤلاء الثلاثة كانوا يتناوبون ذلك أو أن كل واحد منهم آخذا من جهة.
6 قوله: "على بغلة شهباء"، وكذا جاء في حديث عند الطبراني في الأوسط، وفي حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم، وفي حديث البراء عند أبي يعلى والروياني، وحديث العباس عند ابن سعد وأحمد والطبري والعسكري في الأمثال، وحديث عبد الرحمن مولى أم برثن عند الطبري. قال ابن حجر: وقع عند مسلم من حديث العباس "وكان على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي"، وله من حديث سلمة بن الأكوع "وكان على بغلته الشهباء".
ووقع عند ابن سعد وتبعه جماعة ممن صنفوا في السيرة أنه كان على بغلته "دلدل" - بدالين مضمومتين- وفيه نظر، لأن "دلدل" أهداها له المقوقس.
وقد ذكر القطب الحلبي: أنه استشكل عند الدمياطي ما ذكره ابن سعد، فقال له: كنت تبعته فذكرت ذلك في السيرة، وكنت حينئذ سيريا محضا، وكان ينبغي لنا أن نذكر الخلاف، ثم قال القطب الحلبي: يحتمل أن يكون يومئذ ركب كلا من البغلتين إن ثبت أنها كانت صحبته، وإلا فما في الصحيح أولى.
ثم قال ابن حجر: وقد أغرب النووي فقال: وقع عند مسلم "على بغلته البيضاء"، وفي أخرى "الشهباء" وهي واحدة، ولا نعرف له بغلة غيرها، قال ابن حجر: وتعقب بـ: "دلدل" فقد ذكرها غير واحد، لكن قيل: إن الاسمين لواحدة. وقال في حديث أنس بن مالك الذي فيه "أن ملك أيلة أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء"، قال: ومما ينبه عليه هنا أن البغلة البيضاء التي كان عليها في حنين غير البغلة البيضاء التي أهداها له ملك أيلة، لأن ذلك كان في تبوك، وغزوة حنين كانت قبلها، وقد وقع في مسام من حديث العباس أن البغلة التي كانت تحته في حنين أهداها له فروة بن نفاثة، وهذا هو الصحيح.
وذكر أبو الحسين بن عبدوس أن البغلة التي ركبها يوم حنين "دلدل" وكانت شهباء أهداها له المقوقس، وأن التي أهداها له فروة يقال لها: فضة، ذكر ذلك ابن سعد، والصحيح ما في مسلم. إهـ. كلام ابن حجر.
وقال الزرقاني: "وقع في رواية لأحمد وأبي داود وغيرهما من حديث أبي عبد الرحمن الفهري أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يومئذ على فرس. قال الشامي: وهي شاذة، والصحيح أنه كان على بغلة".
ثم قال الزرقاني: "ويحتمل أنه عبر عنها بالفرس مجازا لشبهها به في الإقدام، بحيث كان العباس يكفها، ونزوله بعد انخفاضها به، وأخذه الحصى ورميهم به، فلا تنافي".
(انظر: ابن حجر: فتح الباري 6/75 و8/30، والنووي: شرح صحيح مسلم 4/400-401، وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/150، والزرقاني شرح المواهب اللدنية 3/9- 10، 13- 14، والسهيلي: الروض الأنف 7/217) .(1/171)
"ويحك1 ادع الناس"، فنادى زيد: يا أيها الناس! هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوكم، فلم يجئ أحد، فقال: ويحك خص الأوس والخزرج، فنادى: يا معشر الأوس والخزرج! هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوكم، فلم يجئ أحد، فقال: ويحك خص المهاجرين فإن لي في أعناقهم بيعة، قال: فحدثني بريدة أنه أقبل منهم ألف قد طرحوا الجفون حتى أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمشوا قدما حتى فتح الله عليهم".
قال البزار: لا نعلم رواه إلا بريدة، ولا رواه عن عبد الله إلا يوسف بن صهيب، وهو كوفي مشهور.
وقال الهيثمي وابن حجر: "رجاله ثقات"2.
ونسبه ابن كثير ليونس بن بكير فقال: وروى يونس بن بكير في مغازيه عن يوسف بن صهيب، عن3 عبد الله: أنه لم يبق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين إلا رجل واحد اسمه زيد4.
?- وعند أبي يعلى والطبراني من حديث أنس بن مالك: أنه لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث، وهذا سياقه عند أبي يعلى قال:
____________________
1 "ويحك" قال ابن الأثير: ويح كلمة ترحم وتوجع، تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، وقد يقال بمعنى المدح والتعجب، وهي منصوبة على المصدر، وقد ترفع وتضاف ولا تضاف. (النهاية 5/235) .
(الهيثمي: كشف الأستار2/347-348، ومجمع الزوائد6/181، وابن حجر: مختصر زوائد مسند البزار ص250-251،رقم (816) ،والمطالب العالية 4/250) . وعلي المتقي الهندي: منتخب كنْز العمال 4/167 مع "مسند أحمد".
3 وقع في البداية والنهاية: "بن" وهو خطأ، والصواب "عن" كما تقدم في أول هذا الحديث.
(البداية والنهاية 4/332) .(1/172)
71- حدثنا محمد1 بن أبي بكر، ثنا عمرو2 بن عاصم، ثنا أبو العوام، عن معمر3، عن الزهري4، عن أنس قال: "لما كان يوم حنين انهزم الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلاّ العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث". الحديث5.
قال الهيثمي: "رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح، غير عمران بن دوار6 وهو أبو العوام، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه ابن معين وغيره".
قلت: يشهد له حديث العباس، فقد أخرج الحاكم من طريق ابن أبي عمر7:
72- ثنا سفيان8، عن الزهري، عن كثير9 بن عباس بن عبد المطلب عن أبيه10 قال: "شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلقد رأيته وما معه إلا أنا وأبو
____________________
1 محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدّم - بوزن محمد - المقدّمي - بالتشديد - أبو عبد الله الثقفي، مولاهم البصري ثقة من العاشرة (ت 234) /خ م س. (التقريب2/148، وتهذيب التهذيب9/279،والمغني لابن طاهر الهندي ص74) .
2 عمرو بن عاصم بن عبيد الله الكلابي، القيسي أبو عثمان البصري، صدوق، في حفظه شيء، من صغار التاسعة (ت 213) /ع. (التقريب 2/72، وتهذيب التهذيب 8/58) .
وفي هدي الساري ص431 قال: وثقه ابن معين والنسائي، وقال أبو داود: لا أنشط لحديثه.
ثم عقب ابن حجر بقوله: قد احتج به أبو داود في السنن والباقون.
3 معمر بن راشد الأزدي، مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن ثقة ثبت، إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئا، وكذا فيما حدث به بالبصرة، من كبار السابعة (ت 1549 /ع. (التقريب 2/266، وتهذيب التهذيب 10/243) .
4 تقدمت ترجمة أنس والزهري في رقم (22) و (32) .
5 أبو يعلى: (المسند 3/338ب رقم (303) . والهيثمي (مجمع البحرين 2/243 رقم (77) ، ومجمع الزوائد 6/180- 181) .
6 قال عنه ابن حجر: همران بن دوار - بفتح الواو بعدها راء - أبو العوام القطان البصري، صدوق يهم، ورمي برأي الخوارج، من السابعة (ت 160- 170) /خت عم. (التقريب 2/83، وتهذيب التهذيب8/130) .
7 هو: محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، نزيل مكة، صدوق صنف المسند، وكان لازم ابن عيينة، لكن قال أبو حاتم: "كانت فيه غفلة"، من العاشرة (ت234) /م ت س ق. (التقريب 2/218، وتهذيب التهذيب 9/518) .
8 سفيان: هو ابن عيينة، تقدمت ترجمته في حديث (51) .
9 كثير بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، أبو تمام، صحابي صغير مات بالمدينة أيام عبد الملك. /خ م د س. (التقريب 2/132، وتهذيب التهذيب 7/420- 421) .
10 عباس بن عبد المطلب بن هاشم، عم النبي صلى الله عليه وسلم، مشهور، (ت 32) أو بعدها. /ع. (التقريب 1/397- 398، وتهذيب التهذيب 5/122) .(1/173)
سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو راكبها وأبو سفيان لا يألو أن يسرع نحو المشركين" 1 ثم قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وسكت عنه الذهبي.
د- وعند ابن ابي شيبة من مرسل الحكم2 بن عتيبة قال:
73- لما فر الناس يوم حنين جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"أنا النبي لا كذب ... أنا بن عبد المطلب
فلم يبق معه إلا أربعة نفر، ثلاثة من بني هاشم، ورجل من غيرهم، علي، والعباس بين يديه، أبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان، وابن مسعود من الجانب الأيسر، قال: وليس يقبل نحوه أحد إلا قتل3" 4.
?- وفي حديث جابر بن عبد الله عند ابن إسحاق ما يدل على أنه بقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة، وهذا سياقه: قال:
لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف خطوط إنما ننحدر فيه انحدارا – قال: وفي عماية الصبح، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدّوا علينا شدة رجل واحد، وانشمر الناس راجعين، لا يلوي أحد على أحد، وانحاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات اليمين، ثم قال: أين أيها5 الناس؟ هلموا إليّ، أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله، قال: فلا شيء، حملت الإبل بعضها على بعض فانطلق الناس، إلا أنه قد بقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفر6 من المهاجرين والأنصار وأهل بيته.
____________________
(المستدرك 3/255) .
2 الحكم بن عتيبة - بفوقية ثم موحدة مصغرا - أبو محمد الكندي، الكوفي، ثقة ثبت فقيه، إلا أنه ربما دلس، من الخامسة (ت 113) أو بعدها. /ع. (ابن حجر: التقريب 1/192) .
3 قال الزرقاني: قوله "وليس يقبل نحوه أحد إلاّ قتل": أي بقتل الملائكة على المتبادر من أنه لم يبق إلاّ هؤلاء الأربعة، وبين ما انشغلوا به. وتقدم حديث عبد الرحمن فتلقانا عند صاحب البغلة رجال بيض الوجوه حسان. (شرح المواهب 3/15، 18، وانظر حديث (88) .
4 ابن حجر: (فتح الباري 8/29، والزرقاني: شرح المواهب 3/18) .
5 خطاب للصحابة.
6 النفر: اسم جمع بقع على الجماعة من الرجال خاصة، ما بين الثلاثة إلى العشرة، ولا واحد له من لفظه. (ابن الأثير: النهاية 5/93) .(1/174)
وفيمن ثبت معه من المهاجرين: أبو بكر، وعمر.
ومن أهل بيته: علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث وابنه1، والفضل بن العباس، وربيعة بن الحارث، وأسامة بن زيد، وأيمن بن عبيد. الحديث2.
والحديث رواه أحمد والطبري والبيهقي: الجميع من طريق ابن إسحاق، ولم يذكروا "ابن أبي سفيان:".
و وعند أحمد والبزار والطبراني والحاكم من حديث عبد الله بن مسعود أن الذين ثبتوا يوم حنين كانوا ثمانين، وهذا سياقه عند أحمد قال:
74- ثنا عفان3، ثنا عبد الواحد4 بن زياد، ثنا الحارث5 بن حصيرة، ثنا القاسم6 بن عبد الرحمن، عن أبيه7 قال: قال عبد الله بن مسعود: كنت مع رسول
____________________
1 قال ابن هشام: اسم ابن أبي سفيان بن الحارث: "جعفر"، وبعض الناس يعد فيهم قثم بن العباس، ولا يعد ابن أبي سفيان. (السيرة النبوية 2/443) .
2 تقدم تخريج الحديث برقم (58) .
3 عفان بن مسلم بن عبد الله الباهلي، أبو عثمان الصفار، البصري، ثقة ثبت، قال ابن المديني: كان إذا شك في حرف من الحديث تركه، وربما وهم.
وقال ابن معين: "أنكرناه في صفر سنة (219) " ومات بعدها بيسير. من كبار العاشرة. /ع. (التقريب 2/25، وتهذيب التهذيب 7/230) .
4 عبد الواحد بن زياد، العبدي، مولاهم، البصري، ثقة، في حديثه عن الأعمش وحده فيه مقال، من الثامنة (ت176) /ع. (التقريب1/526، وتهذيب التهذيب6/434) .
5 الحارث بن حصيرة - بفتح المهملة وكسر المهملة بعدها - الأزدي، أبو نعمان الكوفي، صدوق يخطئ، ورمي بالرفض، من السادسة، وله ذكر في مقدمة مسلم. /بخ س ص. (ابن حجر: التقريب 1/140، وتهذيب التهذيب 2/140) . ووقع في البداية والنهاية لابن كثير4/332:"الحارث بن حصين" بالنون، وهو خطأ.
6 القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي، أبو عبد الرحمن الكوفي، القاضي، ثقة عابد، من الرابعة (ت 120) أو بعدها /خ عم. (ابن حجر: التقريب 2/118، وتهذيب التهذيب 8/321) .
7 هو عبدا لرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي، الكوفي، ثقة من صغار الثانية (ت79) وقد سمع من أبيه، لكن شيئاً يسيراً. /ع. (المصدر السابق1/488،6/215) .
وقد وقع في التقريب الطبعة المصرية خطأ في الرمز حيث رمز له بـ ق، والصواب "ع" كما في: (تهذيب التهذيب، وميزان الاعتدال 2/573. والخلاصة للخزرجي 2/141) .(1/175)
الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، قال: فولى1 عنه الناس وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار فنكصنا2 على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل الله عز وجل عليهم السكينة3، قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته يمضي قدما فحادت4 به فمال عن السرج فقلت له: "ارتفع رفعك الله" الحديث5.
والحديث رواه البزار والطبراني والحاكم: كلهم من طريق عفان ابن مسلم به6.
وأورده الهيثمي ثم قال: رواه أحمد والبزار والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح غير الحارث بن حصيرة وهو ثقة7.
وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: الحارث وعبد الواحد ذوا مناكير، وهذا منها، ثم فيه إرسال".
والحديث أعله الذهبي بأنه من مناكير عبد الواحد8 والحارث، وبالإرسال.
وعبد الواحد الذي يقول فيه الذهبي إنه صاحب مناكير، قد وثقه أئمة هذا الشأن حيث نقل توثيقه عن يحيى بن معين، وأبي زرعة9، وأبي حاتم10، وابن
____________________
1 وعند الطبراني والحاكم: "فولى عنه الناس وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار".
وعند البزار: "فتفرق الناس وبقيت في ثمانين".
2 فنكصنا: النكوص: الرجوع على وراء وهو القهقرى. (ابن الأثير: النهاية5/116) . وعند الطبراني: "فتنكصنا"، وعند الحاكم: "فكنا".
3 السكينة: الوقار والتاني في الحركة والسير، وقيل: السكون والرحمة، وقيل غير ذلك. (ابن الأثير: النهاية 2/385- 386) .
4 حاد عن شيء والطريق يحيد إذا عدل، إراد أن البغلة نفرت وتركت الجادة. (ابن الأثير: النهاية 1/466) .
5 أحمد: (المسند 1/453، وابن كثير: البداية والنهاية 4/332 وقال: "تفرد به أحمد") .
6 البزار: كما في (كشف الأستار 2/382) . و (الطبراني: المعجم الكبير 10/209، والحاكم: المستدرك 2/117. والبيهقي: دلائل النبوة 3/44- 45. والسيوطي: الدر المنثور 3/224) .
(مجمع الزوائد 6/180 وفي 10/403 قال: عن الحارث "وثق".
8 وقع في حاشية المستدرك "عبد الله" وهو خطأ.
9 هو: عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فرّوخ، أبو زرعة الرازي، إمام حافظ ثقة مشهور، من الحادية عشرة (ت 264) /م ت س ق. (التقريب 1/536، وتهذيب التهذيب 7/30) .
10 هو: محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي، أبو حاتم الرازي، أحد الحفاظ، من الحادية عشرة (ت 277) /د س. (التقريب2/143،وتهذيب التهذيب9/31) .(1/176)
سعد1، والنسائي، وأبي داود، والعجلي2، والدارقطني، وابن حبان.
وقال ابن عبد البر: "لا خلاف بينهم أنه ثقة ثبت".
وقال ابن القطان الفاسي3: "ثقة لم يعتل عليه بقادح، ولكن أشار يحيى"4 القطان إلى لينه، فروى ابن المديني عنه أنه قال: ما رأيته طلب حديثا قط وكنت أذاكره بحديث الأعمش فلا يعرف منه حرفا.
قال ابن حجر: "وهذا غير قادح لأنه كان صاحب كتاب، وقد احتج به الجماعة"5.
قلت: والذهبي نفسه أورد قول يحيى بن القطان في "سير أعلام النبلاء" وعقب عليه بقوله: قلت: قد كان عبد الواحد من علماء الحديث، وحديثه مخرج في الصحاح6.
وفي "تذكرة الحفاظ" قال عنه: عبد الواحد بن زياد الإمام الفقيه.. وثقه أحمد وغيره، وأما ابن حبان فقال: ليس بشيء، ثم عقب على هذا بقوله: قلت: كان عالما صاحب حديث وله أوهام ولكن حديثه محتج به في الكتب. ا?7.
قلت: وأكثر ما نقموا عليه حديثه عن الأعمش، وحديث الباب ليس من حديثه عن الأعمش.
فعلى هذا فقول الذهبي بأن عبد الواحد صاحب مناكير وأن هذا الحديث منها فيه نظر.
____________________
1 محمد بن سعد بن منيع الهاشمي مولاهم، البصري، نزيل بغداد، كاتب الواقدي، صدوق فاضل، من العاشرة (ت 230) /د. (التقريب 2/163، وتهذيب التهذيب 9/182) .
2 هو: الإمام الحافظ القدوة أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الكوفي، نزيل طرابلس المغرب، حدّث عنه ولده صالح بمصنفه في الجرح والتعديل، وهو كتاب مفيد يدل على سعة حفظه، كانوا يعدونه مثل أحمد ويحيى بن معين (182-261) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/560- 561) .
3 هو: أبو الحسن علي بن محمد - تقدمت ترجمته في حديث (63) .
4 يحيى بن سعيد بن فرّوخ - بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وسكون الواو ثم معجمة - التميمي، أبو سعيد القطان البصري، ثقة متقن حافظ، إمام قدوة من كبار التاسعة (ت 198) /ع. (التقريب 2/348، وتهذيب التهذيب 11/216) .
(ابن حجر: هدي الساري ص422، وتهذيب التهذيب 6/434، وابن ابي حاتم: الجرح والتعديل 6/20) .
(سير أعلام النبلاء 9/8، وتذكرة الحفاظ 1/258) .
(سير أعلام النبلاء 9/8، وتذكرة الحفاظ 1/258) .(1/177)
وأما الحارث فوثقه قوم وضعفه آخرون ورمي بالتشيع.
وحديث الباب ليس فيه ما يدعو على التشيع.
وقد توسط فيه ابن حجر فقال: "صدوق يخطئ ورمي بالرفض".
وأما الإرسال1: فقد اختلف العلماء في سماع عبد الرحمن من أبيه، فمنهم من نفاه مطلقا، ومنهم من أثبته مطلقا، ومنهم من قال: سمع حديثا، ومنهم من قال: سمع حديثين، وقال ابن حجر: "سمع من أبيه لكن شيئا يسيراً".
وذلك لأن عبد الرحمن عند وفاة أبيه كان عمره ست سنوات وهو وقت يمكن أن يسمع فيه بعض الأحاديث، ويصعب الجزم بأن حديث الباب من المسموع لأنهم لم ينصوا على ذلك، وإذا كان الحديث مرسلا فيكون ضعيفا لكن يشهد له حديث حارثة2 بن النعمان وهو ما اورده ابن حجر في ترجمته فقال:
75-وروى ابن شاهين3 من طريق المسعودي4، عن الحكم5، عن القاسم6،: أن حارثة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يناجي رجلا ولم يسلّم، فقال جبرائيل: "أما
____________________
1 المراد بالإرسال هنا: الانقطاع بين عبد الرحمن وأبيه، لأن المرسل يطلق على كل ما لم يتصل إسناده عند بعض علماء الحديث، وهو المشهور عند الفقهاء والأصوليين. (تدريب الراوي للسيوطي ص118) .
2 حارثة بن النعمان بن رافع أو نفيع بن زيد بن عبد بن ثعلبة الأنصاري، أبو عبد الله المدني، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها ورأى جبريل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلم عليهما وكان من الفضلاء، يقال توفي في خلافة معاوية بن أبي سفيان. وقد ورد عند أحمد بإسناد صحيح، وهو عند الطبراني أيضا أن حارثة سلم على جبريل ورد جبريل - عليه السلام ـ. (ابن حجر: الإصابة 1/298- 299. وأحمد: المسند: 5/433، والطبراني المعجم الكبير 3/257. وأبو نعيم: حلية الأولياء 1/356) .
3 هو: الحافظ الإمام المفيد المكثر محدث العراق، أبو حفص: عمر بن أحمد بن عثمان ابن أحمد البغدادي، الواعظ المعروف بابن شاهين، صاحب التصانيف منها: التفسير الكبير ألف جزء، والمسند ألف وثلاثمائة جزء، والتاريخ مائة وخمسون جزءا وغيرها. (297-385هـ) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/987- 989) .
4 هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي، المسعودي صدوق، اختلط قبل موته، وضابطه: أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط. من السابعة (ت 160 وقيل: 165) /خت عم. (ابن حجر: التقريب 1/487، وتهذيب التهذيب 6/2109.
5 الحكم هو ابن عتيبة. ثقة ثبت، تقدم في حديث (73) .
6 القاسم: الظاهر أنه ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود فإنه شيخ المسعودي، والحكم بن عتيبة شيخ المسعودي، وعلى هذا فيحتمل أن المسعودي تارة رواه عن الحكم بن عتيبة عن القاسم وتارة رواه عن القاسم مباشرة، غير أن الحكم بن عتيبة شيخه القاسم بن مخيمرة، وهو من الثالثة، والقاسم بن عبد الرحمن من الرابعة، وكلاهما ثقة وقد قال ابن المديني: القاسم بن عبد الرحمن لم يلق من الصحابة غير جابر بن سمرة.
وقال ابن معين: "القاسم بن مخيمرة لم يصح أنه سمع من أحد من الصحابة، وعلى هذا فإن الحديث منقطع سواء أكان القاسم هو ابن عبد الرحمن أو ابن مخيمرة". (المزي: تهذيب الكمال 4/400، 6/556، 559)(1/178)
أنه لو سلم لرددنا عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبرائيل: وهل تعرفه؟ فقال نعم، هذا من الثمانين الذين صبروا يوم حنين رزقهم ورزق أولادهم على الجنة" 1.
ورواه الحارث2 من وجه آخر عن المسعودي، فقال: عن القاسم3، عن الحارث بن النعمان كذا قال.
ورواه الطبراني من طريق ابن أبي ليلى4، عن الحكم5، عن مقسم6، عن ابن عباس، فذكر نحوه7.
قلت: الحديث المشار إليه عند الطبراني هذا سياقه:
76- قال: حدثنا محمد8 بن عبد الله الحضرمي، ثنا محمد9 بن عمران بن أبي ليلى، حدثني أبي10، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس
____________________
1 ابن حجر: الإصابة1/299وعند الطبراني:"رزقهم ورزق أولادهم على الله في الجنة".
2 الحارث: هو الحارث بن محمد بن أبي أسامة، داهر الإمام أبومحمد التميمي، البغدادي، صاحب المسند (186-282 هـ) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/619-620) .
3 القاسم: هو ابن عبد الرحمن، وهو شيخ المسعودي، فيكون المسعودي تارة روى عنه مباشرة، وتارة عنه بواسطة (الحكم بن عتيبة) .كما تقدم ص:178 تعليقة (6) .
4 هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي القاضي، أبو عبد الرحمن صدوق، سيء الحفظ جدا، من السابعة (ت248) عم. (ابن حجر: التقريب2/184، والتهذيب 9/301) .
5 الحكم هو: ابن عتيبة.
6 مقسم - بكسر أوله - ابن بجرة - بضم الموحدة وسكون الجيم - ويقال: نجدة - بفتح النون وبدال - أبو القاسم، مولى عبد الله بن الحارث، ويقال له: مولى ابن عباس، للزومه له، صدوق، وكان يرسل، من الرابعة (ت 101) وما له في البخاري سوى حديث واحد. /خ عم. (المصدر السابق 2/273، 10/288) .
7 ابن حجر: الإصابة 1/299.
8 محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، الحافظ الكبير - مطَيَّن، محدث الكوفة، كان من أوعية العلم، حدث عنه الطبراني وأبو بكر الإسماعيلي وغيرهم (202- 297هـ) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/662) .
9 محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من العاشرة. / بخ ت. (ابن حجر: التقريب 2/197، وتهذيب التهذيب 9/381) .
10 عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، مقبول، من الثامنة /ت ق. (المصدر السابق 2/84، 8/137 وقال: ذكره ابن حبان في الثقات) .(1/179)
قال: "مرّ حارثة بن النعمان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه جبريل - عليه السلام -، يناجيه، فلن يسلم، فقال جبريل - عليه السلام -: "ما منعه أن يسلم، إنه لو سلم لرددت عليه، ثم قال: أما إنه من الثمانين"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وما الثمانون؟ ". قال: يفر الناس عنك غير ثمانين يصبرون معك، رزقهم ورزق أولادهم على الله في الجنة، فلنا رجع حارثة سلم، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا سلمت حين مررت؟ ". قال: "رأيت معك إنسانا فكرهت أن أقطع حديثك، قال::فرأيته؟ " قال: نعم، قال: "ذاك جبريل - عليه السلام -، وقد قال: فأخبره بما قال جبريل - عليه السلام -" 1.
والحديث قال فيه الهيثمي: "رواه الطبراني والبزار بنحوه وإسناده حسن، رجالهم كلهم وثقوا وفي بعضهم خلاف"2.
وعند البيهقي بطريق مرسل وفيه راو لم أجد ترجمته3 عن حارثة بن النعمان: حزرت من بقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فقلت: مائة واحدة4.
وعند الواقدي: ويقال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انكشف الناس، قال لحارثة بن النعمان: "يا حارثة كم ترى الذين ثبتوا؟ قال: فلما التفت ورائي تحرجا، فنظرت عن يميني وشمالي فحزرتهم مائة، فقلت يا رسول الله هم مائة! حتى كان يوم مررت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يناجي جبريل عليه السلام عند باب المسجد، فقال جبريل - عليه السلام -: من هذا يا محمد؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حارثة بن النعمان، فقال جبريل - عليه السلام -: هذا أحد المائة الصابرة يوم حنين، لو سلم لرددت - عليه السلام -، فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما كنت أظنه إلا دحية الكلبي واقفا معك 5.
ز- وعند الترمذي: من حديث ابن عمر أن الثابتين يوم حنين نحو المائة، وهذا نصه:
____________________
1 الطبراني: المعجم الكبير 3/257، والواقدي: المغازي 3/901.
2 مجمع الزوائد 9/314.
3 هو محمد بن عمرو بن خالد أبو علاثة.
(البيهقي: دلائل النبوة 3/45، وانظر: البلاذري: أنساب الأشراف ص: 364- 365، وابن سعد: الطبقات الكبرى 3/487- 488) .
(الواقدي: المغازي 3/900- 901) .(1/180)
77 حدثنا محمد1 بن عمر بن علي المقدمي، حدثني أبي2، عن سفيان3 بن حسين، عن عبيد الله4 بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قالك "لقد رأيتنا يوم حنين وإن الفئتين لموليتان وما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة رجل" 5.
ثم قال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله، لا نعرفه ألا من هذا الوجه.
قال المباركفوري: قوله: "وإن الفئتين لموليتان"، كذا في النسخ الحاضرة، وأورد الحافظ هذا الحديث في الفتح نقلا عن الترمذي وفيه: "وإن الناس لملون"6 مكان "وإن الفئتين لموليتان"7.
والحديث فيه عمر بن علي المقدمي وهو مدلس وقد عنعن.
وقد وضعه ابن حجر في المرتبة الرابعة من مراتب المدلّسين، وهي المرتبة التي لا يحتج بشيء من حديث من أصحابها إلا بما صرحوا فيه بالسماع، لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل8.
والحديث حسنه الترمذي وابن حجر وجمع بينه وبين حديث ابن مسعود، وهذا
____________________
1 محمد بن عمر بن علي بن عطاء بن مقدم - بوزن محمد - المقدمي - بالتشديد - البصري، صدوق من صغار العاشرة. /عم. (ابن حجر: التقريب 2/194، والتهذيب 9/361) .
2 هو: عمر بن علي بن عطاء بن مقدم، كان يدلس شديدا، من الثامنة (ت 190) وقيل: بعدها. /ع. (المصدر السابق 2/61، 7/485- 486) .
3 سفيان بن حسين بن حسن، أبو محمد، أو أبو الحسن الواسطي، ثقة، في غير الزهري باتفاقهم، من السابعة (ت بالري مع المهدي، وقيل: في أول خلافة الرشيد) /خت م عم. (المصدر السابق 1/310 و4/107- 108) .
4 عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري، المدني، أبو عثمان، ثقة ثبت، قدمه أحمد بن صالح على مالك في نافع، وقدمه ابن المعين في القاسم عن عائشة، على الزهري عن عروة عنها، من الخامسة (ت بضع وأربعين بعد المائة على الصحيح) /ع. (ابن حجر: التقريب 1/537، والتهذيب 7/38) .
(الترمذي: السنن 3/117 كتاب الجهاد، باب ما جاء في الثبات عند القتال.
قال ابن حجر: وعند أبي نعيم: "تفصيل المائة: بضعة وثلاثون من المهاجرين، والبقية من الأنصار". (فتح الباري 8/29، الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/11، 18) .
وكذا عند الواقدي: (المغازي 3/901) .
6 في الفتح، وتحفة الأحوذي: "وإن الناس لمولين"، وعند الزرقاني في شرح المواهب 3/18: "وإن الناس لمولون"، ثم قال: جملة في موضع نصب مفعول رأى الثاني.
(تحفة الأحوذي 5/336) .
8 ص38.(1/181)
نص كلامه قال: وروى الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن قال: "لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس لمولون، وما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة رجل".
ثم قال: وهذا أكثر ما وقفت عليه من عدد من ثبت يوم حنين1.
ثم قال: وروى أحمد والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ثم ساق الحديث وقال في نهايته: "وهذا لا يخالف حديث ابن عمر فإنه نفى أن يكونوا مائة، وابن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين". ا?2.
وعلى هذا الجمع يكون حديث ابن عمر مؤيدا لحديث ابن مسعود.
والخلاصة: أن الأحاديث اختلفت في عدد الثابتين يوم حنين كما تقدم إيضاح ذلك، وعلى إثر ذلك اختلفت أقوال العلماء تبعا لهذه الآثار وخلاصة ما ورد في الآثار:
أ- أن الذين ثبتوا يوم حنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة3. كما ورد في حديث الحكم بن عتيبة.
ب- وفي بعضها: عشرة، كما في حديث جابر بن عبد الله عند ابن إسحاق.
ج_ أو اثنا عشر4.
د- أو كانوا ثمانين، كما في حديث ابن مسعود وحارثة بن النعمان.
?- أو أنهم نحو مائة وهو الوارد في حديث عبد الله بن عمر، وهو قريب من الوارد في حديث عبد الله بن مسعود وحارثة بن النعمان.
____________________
1 وقع في التعليق على جامع الأصول لابن الأثير 8/405 يوم "أحد" وهو خطأ.
(فتح الباري 8/29- 30، وانظر: شرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/18- 19) .
3 تقدم في حديث أنس بن مالك أن الصحابة أدبروا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بقي وحده. وفي حديث بريدة بن الحصيب أنه بقي رجل يقال له: زيد. انظر الحديث (40 و70) .
4 قال الزرقاني: وبهذا قال النووي، وكأنه أخذه من قول ابن إسحاق الذي رواه عن جابر قال: ثبت معه: أبو بكر، وعمر، وعلي، والعباس، وابنه الفضل، وأبو سفيان بن الحارث، وابنه، وربيعة بن الحارث، وأسامة بن زيد، وأيمن بن عبيد، فهؤلاء عشرة، وتقدم في مرسل الحكم ذكر ابن مسعود، والثاني عشر يمكن تفسيره بعثمان بن عفان، فقد روى البزار عن أنس أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا ضرب كل منهم بضعة عشر ضربة. (شرح المواهب اللدنية 3/19، وانظر: حديث رقم (53) .(1/182)
و أو كانوا مائة، ورد ذلك في حديث حارثة بن النعمان أيضا، عند الواقدي والبيهقي1.
قال الزرقاني: وجمع شيخنا، بحمل الأربعة على من بقي معه آخذا بركابه، والاثنى عشر والعشرة على المتلاحقين بسرعة، فمن قال اثنا عشر عد من كان معه أولا فيهم، ومن قال عشرة أراد الأربعة وستة ممن أسرع، وحمل الثمانين على الذين نكصوا على أقدامهم ولم يولوا الدبر، والمائة عليهم وعلى من انضم إليهم حين تقدموا إليه عليه السلام. إ?2.
وذكر ابن حجر بعض هذه الأقوال ثم قال: ووقع في شعر العباس ابن عبد المطلب:
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة ... وقد فر من فر عنه فأقشعوا
وعاشرنا3 وافي الحمام بنفسه ... لما مسه في الله لا يتوجع
ثم قال: ولعل هذا هو الثابت، ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم. ا?4.
قلت: لعل ما قاله ابن حجر هو الصواب، ويؤيده ما ورد عند ابن إسحاق من حديث العباس بن عبد المطلب بإسناد صحيح قال:
إني لمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذ بحكمة5 بغلته البيضاء قد شجرتها بها، قال: وكنت امرأ جسيما شديد الصوت، قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين رأى ما رأى من الناس: "أين أيها الناس؟ فلم أر الناس يلوون على شيء، فقال العباس، اصرخ، يل معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة، قال: فأجابوا لبيك6 لبيك! قال: فيذهب الرجل ليثني بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه، فيقذفها في عنقه،
____________________
1 انظر: شرح المواهب اللدنية 3/19- 20، والسيرة الحلبية 3/65.
(شرح المواهب اللدنية 3/1920، والسيرة الحلبية 3/65) .
3 هو: أيمن بن عبيد، وافى الحمام أي قتل شهيدا في المعركة.
(ابن حجر: فتح الباري 8/29-30) .
5 الحكمة: حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه تمنعه من مخالفة راكبه، وشجرتها بها: أي وضعتها في شجرها، أكفها بها والشجر: مفتح الفم، وقيل الذقن. (ابن الأثير: النهاية 1/420، 2/446) .
6 لبيك: هو من التلبية وهي إجابة المنادي، ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير: أي إجابة بعد إجابة. (المصدر السابق 4/222) .(1/183)
ويأخذ سيفه وترسه، ويقتحم عن بعيره، ويخلي سبيله، فيؤم الصوت، حتى ينتهي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا". الحديث1.
فهذا يدل على ان بعضهم عاد بسرعة إلى المعركة فكأنه لم ينهزم، وممن صرح باسمه لأنه ثبت يوم حنين غير من تقدم2:
قثم بن العباس، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، وعبد الله بن الزبير، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، وشيبة بن عثمان الحجبي، وأبو دجانة – سماك بن خرشة الأنصاري – وأبو طلحة – زيد بن سهل الأنصاري – وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير، وأبو بشر المازني الأنصاري.
ومن النساء:
أم سليم - والدة أنس بن مالك -، وأم عمارة - يقال اسمها نسيبة بنت كعب بن عمرو الأنصارية، والدة عبد الله بن زيد -، وأم الحارث - جدة عمارة بن غزية الأنصارية-، وأم سليط - والدة سليط بن أبي سليط بن أبي حارثة.
هؤلاء الذين نص على أسمائهم بأنهم ثبتوا يوم حنين، وهم مفرقون في الأحاديث، ومنهم من نص عليه في ترجمته3.
وقد تحقق لدي من خلال هذه الروايات الكثيرة المتباينة في ظاهرها حول رصد الذين ثبتوا يوم حنين من المسلمين، أن أولى الأقوال بالقبول هو قول (ابن حجر) ولا تنافي بين العشرة المذكورين في شعر العباس، وبين القول أنهم كانوا اثني عشر لتقارب العدد في ذلك، ولا شك أن هول الموقف وشدة الأزمة أديا إلى هذا الاختلاف في النظر إلى عدد الذين صمدوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكن المقبول قوله في ذلك هو العباس لأنه أعلم من غيره، حيث كان أبرز الثابتين يوم حنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي طلب منه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ينادي في الناس، فكان قوله مقدما على غيره، ومن قال بأنهم ثمانون أو مائة يحمل على المسرعين في إجابة نداء العباس، وهذا ما أرجحه في هذه المسألة. والله أعلم.
__________
1 ابن هشام: السيرة النبوية 2/444- 445.
2 في الأحاديث الآنفة الذكر، وانظر: منتخب كنز العمال 4/167 مع مسند أحمد، والمستدرك للحاكم 3/274.
3 الزرقاني: شرح المواهب 3/19.(1/184)
المبحث الرابع: عوامل انتصار المسلمين في حنين:
كانت معركة حنين تجربة عسكرية خطيرة في معارك المسلمين، وكانت أيضا مدرسة تربوية عظيمة إذ ذاق فيها المسلمون مرارة الاندحار، ووطأة الفرار أمام زحف المشركين ونبالهم وعظيم تخطيطهم واشتداد هجمتهم عليهم في بداية المعركة هجمة رجل واحد، كما مضى بيان ذلك1.
كما أذاقهم الله في هذه المعركة نفسها حلاوة النصر وبهجة الغلبة على أعدائهم، وتلك إحدى الحسنيين، وهذا من خصائص معركة حنين التي كانت المعركة الفاصلة الأخيرة بين المسلمين والمشركين في الجزيرة كما كانت بدرا المعركة الفاصلة الأولى بين الطائفتين.
وفي هذا المبحث نود أن نتلمس من خلال النصوص والمرويات عوامل انتصار المسلمين، ويمكن ان تكون على النحو التالي:
أ- ثبات الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ساحة المعركة يناشد ربه النصر والعون، ويعلن لأعداه من هوازن وغيرهم بأنه نبي حقا لا ينبغي له أن يَفِرّ مهما تكاثرت جموعهم، فكان يركض بغلته نحوهم وهو يقول:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب2
____________________
1 تقدم ذلك في "مبحث سبب هزيمة المسلمين" ص: (141) .
2 قوله: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب"، فيه إشارة إلى أن صفة النبوة يستحيل معها الكذب، فكأنه يقول أنا النبي، والنبي لا يكذب، فلست بكاذبٍ فيما أقول حتى أنهزم، وأنا متيقن بأن الذي وعدني الله به من النصر، حق فلا يجوز علي الفرار.
"وأما نسبته إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله" فكأنها لشهرة عبد المطلب بين الناس لما رزق من نباهة الذكر وطول العمر، بخلاف عبد الله فإنه مات شابا، ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب، كما قال ضمام بن ثعلبة لما قدم: "أيكم ابن عبد المطلب" وقيل: لأنه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب رجل يدعو إلى الله ويهدي الله الخلق على يديه ويكون خاتم الأنبياء، فانتسب إليه ليتذكر ذلك من كان يعرفه، وقد اشتهر ذلك بينهم، وذكره سيف بن ذي يزن قديما لعبد المطلب قبل أن يتزوج عبد الله آمنة، وأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - تنبيه أصحابه بأنه لابد من ظهوره وأن العاقبة له، لتقوى قلوبهم إذا عرفوا أنه ثابت غير منهزم. (ابن حجر: فتح الباري 8/31- 32، والنووي: شرح صحيح مسلم 4/406، والزرقاني: شرح المواهب 3/17، 20- 21 وزاد: وفي الروض قال الخطابي: إنما خص عبد المطلب بالذكر في هذا المقام تثبيتا لنبوته وإزالة للشك لما اشتهر وعرف من رؤيا عبد المطلب المبشرة به - صلى الله عليه وسلم -، ولما أنبأت به الأحبار والكهان فكأنه يقول: أنا ذاك فلا بد ممّا وعدت به لئلا ينهزموا عنه ويظنوا أنه مغلوب أو مقتول، فالله أعلم أراد ذلك رسوله أم لا. إهـ.
ثم قال الزرقاني: "فليس هذا من الافتخار بالآباء في شيء، وبفرض تسليمه فهو جائز في الحرب لإرهاب العدو". وانظر: الروض الأنف للسهيلي 7/206- 207، والمواهب للقسطلاني 1/163، وفيض القدير للمناوي 3/38.(1/185)
ولما غشيه المشركون نزل عن بغلته واستنصر ودعا، فكان من دعائه وتضرعه ما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد من حديث أنس بن مالك، وهذا سياقه:
78- حدثنا يزيد بن هارون1، أنا حميد، عن أنس قال: كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين: "اللهم إنك إن تشأ لا تعبد بعد اليوم" 2.
ورواه الخطيب البغدادي من طريق يزيد بن هارون، حدثنا سفيان3 بن حسين، عن الزهري، عن أنس4.
قال الزرقاني: "قوله: "إنك إن تشأ لاتعبد بعد اليوم"؛ لأنه أول يوم لقي فيه المشركين بعد الفتح الأعظم ومعه المشركون والمؤلفة قلوبهم، والعرب في البوادي كانت تنتظر بإسلامها قريشا فلو وقع - والعياذ بالله تعالى - خلاف ذلك لما عبد الله"5.
وقال السفاريني: "في قوله: "إنك إن تشأ لا تعبد بعد اليوم"، أي: لأن معظم المسلمين أو كلهم إلا القليل قد كان حاضرا، وأهل مكة يومئذ لم يستحكم الإيمان فيهم، ولم تخالط بشاشته قلوبهم، بل كانوا ما بين مؤلف ومستأمن، ومظهر للإيمان على مضض منه وكره، والعرب أيضا معظمهم في ذلك اليوم حاضر، وقبائل الكفار قد تألبت واجتمعت اجتماعا لا مزيد عليه، فإذا لم ينصر الله دينه ويؤيد عبده ويعز جنده، ويكبت الكفار ويخذلهم، ويجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين، نجم النفاق، وظهر الكفر والشقاق، وتكلمت الألسن بما أكنت الضمائر من العداوة والبغضاء والجحود والشرك الذي لا يرضى"6.
والحديث أورده ابن كثير ثم قال: إسناده ثلاثي على شرط الشيخين، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب7 من هذا الوجه8.
____________________
1 تقدمت تراجم رجال الإسناد في حديث (22) و (26) .
2 ابن أبي شيبة: التاريخ ص90ب، وأحمد: المسند3/121وهو من ثلاثيات الإمام أحمد.
3 سفيان بن حسين بن حسن، ثقة في غيرالزهري باتفاقهم، تقدم في حديث (77) .
(تاريخ بغداد 3/394) .
(شرح المواهب اللدنية 3/11) .
(السفاريني: شرح ثلاثيات مسند أحمد 2/286) .
7 يريد بأصحاب الكتب: البخاري، ومسلما، وأبا داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة.
(البداية والنهاية 4/328) .(1/186)
وقال السفلريني أيضا: "سنده على شرط الصحيحين"1.
وقال الزرقاني: "رجاله رجال الصحيح"2.
وجاء في هذا المعنى ما رواه أحمد والدارمي من حديث صهيب - رضي الله عنه - بإسناد صحيح، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو أيام حنين: "اللهم بك أحاول، وبك أصاول وبك أقاتل" 3.
79- وعند موسى بن عقبة بن نافع: فرفع - صلى الله عليه وسلم - يديه وهو على البغلة يدعو: "اللهم إني أنشدك ما وعدتني، اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا" 4.
وعند البخاري من طريق أبي إسحاق السبيعي قال: "سمعت البراء وسأله رجل: أكنتم فررتم يا أبا عمارة يوم حنين؟ قال: لا والله، ما ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسرا ليس بسلاح، فأتوا قوما رماة، جمع هوازن وبني النصر، ما يكاد يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هنالك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته البيضاء، وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل واستنصر، ثم قال:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب5
____________________
(شرح ثلاثيات مسند أحمد 2/286) .
(شرح المواهب اللدنية 3/11) .
3 تقدم هذا الحديث برقم (55) .
(الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/11، وانظر: ابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/97- 98) .
5 قوله: "أنا النبي لا كذب".
قال النووي: "قال الإمام ابو القاسم علي بن جعفر السعدي الصقلي المعروف "بابن القطاع" في كتابه "الشافي في علم القوافي": قد رأى قوم منهم الأخفش وهو شيخ الصناعة بعد الخليل: أن مشطور الرجز ومنهوكه ليس بشعر، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الله مولانا ولا مولى لكم"، وقوله عندما كان في غار فنكبت أصبعه: "هل أنتِ إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت"، وقوله:
"أنا النبي لاكذب
أنا ابن عبد المطلب"
وأشباه هذا.
ثم قال ابن القطاع: "وهذا الذي زعمه الأخفش وغيره غلط بين، وذلك لأن الشاعر إنما سمي شاعرا لوجوه منها: أنه شعر القول وقصده، وأراده واهتدى إليه، وأتى به كلاما موزونا على طريقة العرب مقفى، فإن خلا من هذه الأوصاف أو بعضها لا يكون شعرا، ولا يكون قائله شاعرا بإجماع العلماء والشعراء، وكذا لو قفاه وقصد به الشعر، ولكن لم يأت به موزونا لم يكن شعرا، وكذا لو أتى به موزونا ةمقفى، ولكن لم يقصد به الشعر لا يكون شعرا. ويدل عليه أن كثيرا من الناس يأتون بكلام موزون مقفى غير أنهم ما قصدوه ولا أرادوه، ولا يسمى شعرا، فدل على أن الكلام الموزون لا يكون شعرا إلا بالشروط المذكورة، وهي القصد وغيره مما سبق. والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد بكلامه ذلك الشعر ولا أراده فلا يعد شاعرا وإن كان موزونا".
وقد أجاب ابن حجر بأجوبة عن هذا، وارتضى أن ذلك خرج موزونا ولم يقصد به الشعر، قال: "وهذا أعدل الأجوبة". (انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 4/405-406، 5/111، 113، وفتح الباري لابن حجر 7/394، 8/31، 10/538-542، والتفسير لابن كثير 3/578-580، والمواهب اللدنية للقسطلاني 1/164، وأضواء البيان لمحمد الأمين الشنقيطي 6/390.(1/187)
ثم صف أصحابه1.
وهو عند أبي عوانة من طريق زهير أيضا دون قوله: "ثم صف أصحابه".
واقتصر ابن جارود على قوله: "فنزل فاستنصر ثم قال:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
ثم صف أصحابه"2.
وعند مسلم والبيهقي: (فأقبلوا هناك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل فاستنصر وقال:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
ثم صفهم".
وعند مسلم والبيهقي أيضا وابن ابي شيبة وأبي عوانة: الجميع من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق قال: جاء رجل إلى البراء فقال: أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ولى، ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر، إلى هذا الحي من هوازن، وهم قوم رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد، فانكشفوا، فأقبل القوم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو سفيان بن الحارث يقود به، فنزل ودعا واستنصر وهو يقول:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
اللهم نزل نصرك.
قال البراء: كنا والله إذا احمر3 البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذى به، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - 4.
____________________
1 تقدم الحديث رقم (59) .
(المنتقى ص: 356) .
3 قال النووي: احمرار البأس كناية عن شدة الحرب، واستعير ذلك لحمرة الدماء الحاصلة فيها في العادة، أو لاستعار الحرب واشتعالها كاحمرار الجمر، كما في رواية "حمي الوطيس". (شرح النووي على صحيح مسلم 4/407) .
4 تقدم تخريج الحديث برقم (59) .(1/188)
وعند البخاري ومسلم من طريق شعبة بن الحجاج، عن أبي إسحاق، قال رجل للبراء بن عازب - رضي الله عنهما -: أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟
قال: لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر، إن هوازن كانوا قوما رماة، وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا1، فأقبل المسلمون على الغنائم، واستقبلونا بالسهام، فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر فلقد رأيته وإنه لعلى بغلته البيضاء، وأن ابا سفيان آخذ2 بلجامها والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
والحديث أخرجه أيضاً أحمد، وابن أبي عاصم، وأبو يعلى، والروياني، والطبري، وأبو عوانة: الجميع من طريق شعبة، عن أبي إسحاق3.
____________________
1 هذا حديث صريح في أن المسلمين لم يفروا بمجرد التلاقي، بل قاتلوا المشركين حتى كشفوهم، ثم اشتغلوا بالغنائم، فانهال العدو عليهم بالسهام، وهو يدفع ما يوهمه حديث جابر وغيره من أن المسلمين فروا بمجرد ملاقاة الكفار لهم، وقد تقدم حديث جابر برقم (58) . (انظر: الزرقاني: شرح المواهب 3/11) .
2 قوله: "وأن أبا سفيان آخذ بلجامها" هكذا ورد من حديث البراء أن الذي كان آخذا بلجام البغلة هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ورد ذلك عند البخاري، ومسلم، والترمذي، والطيالسي، وابن سعد، وأحمد، والروياني، والطبري، وأبي عوانة، والبيهقي.
وورد في حديث العباس بن عبد المطلب عند مسلم وابن إسحاق وعبد الرزاق وابن سعد وأحمد وأبي يعلى والطبري وأبي عوانة: "أن الذي كان آخذا بلجام البغلة هو العباس، وكان أبو سفيان آخذا بركاب النبي صلى الله عليه وسلم"، وفي لفظ: "كان آخذا بغرز النبي صلى الله عليه وسلم" "والغرز هو الركاب".
وقد أجاب ابن حجر: "أن أبا سفيان كان آخذاً أوّلاً بزمامها، فلما ركضها النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهة المشركين خشي العباس فأخذ بلجام البغلة يكفها، وأخذ أبو سفيان بالركاب وترك اللجام للعباس إجلالا له لأنه عمه". (فتح الباري 8/30، والزرقاني: شرح المواهب 3/11) .
ووقع في منتخب كنز العمال 4/166: عن ابن إسحاق قال: قال رجل للبراء: هل كنتم وليتم يوم حنين؟ ... الخ، وفي آخره: "وأبو سفيان بن حرب" يقود البغلة، أي بغلة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فقوله: "ابن إسحاق" وقوله "أبو سفيان بن حرب يقود بغلته" خطأ، والصواب: "وإسحاق السبيعي، وأبو سفيان بن الحارث".
وعند البزار، وابن أبي شيبة من حديث بريدة بن حصيب قال: تفرق الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلم يبق معه إلا رجل يقال له زيد، وهو آخذ بعنان بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهباء - وعند ابن أبي شيبة - أهداها له النجاشي.
ولم ينعرض ابن حجر لهذه الرواية من حيث الجمع، ويمكن أن يقال لعل زيداً أيضا كان ممن أخذ بعنان البغلة. (كشف الأستار 2/347- 348، وتاريخ ابن أبي شيبة ص91أ، والهيثمي: مجمع الزوائد 6/181 وقال: رواه البزار ورجاله ثقات، وعلي المتقي الهندي: كنز العمال 10/352، ومنتخب كنز العمال 4/167 مع مسند أحمد. وانظر ص: 171.
3 أبو يعلى: المسند 2/189 رقم (302) ، والروياني: مسند الصحابة 1/112 رقم (575) ، وتقدم تخريج الحديث برقم (59) .(1/189)
ورواه أبو داود الطيالسي، وأبو عوانة، والبيهقي: كلهم من طريق شعبة وعمرو بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق1.
وفي لفظ عند البخاري من طريق شعبة عن أبي إسحاق: قيل للبراء وأنا أسمع: أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ قال: أما النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا، كانوا رماة، فقال:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
وفي لفظ عند البخاري أيضا من طريق شعبة عن أبي إسحاق سمع البراء وسأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟.
فقال: "لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر، كانت هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلنا بالسهام، ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها وهو يقول: أنا النبي لاكذب".
قال إسرائيل وزهير: "نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته" 2.
والحديث أخرجه أيضا مسلم، وأحمد، والروياني، والطبري: الجميع من طريق شعبة، عن أبي إسحاق3.
وفي لفظ عند البخاري، وابن سعد، والطبري، من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: سأل رجل البراء فقال: يا أبا عمارة، أوليتم يوم حنين؟ قال البراء - وأنا أسمع -:أما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يول يومئذ، كان أبو سفيان بن الحارث آخذا بعنان بغلته، فلما غشيه4 المشركون نزل فجعل يقول:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
قال: "فما رؤي من الناس يومئذ أشد منه "5.
____________________
1 أبو داود الطيالسي: كما في منحة المعبود2/108، والبيهقي: دلائل النبوة3/43أ.
2 تقدم تخريج الحديث برقم (59) .
3 مسلم: الصحيح3/1401 كتاب الجهاد والسير، وأحمد: المسند4/281، والروياني: مسند الصحابة1/78أ-ب رقم (575) ، والطبري: جامع البيان10/102.
4 غشيه المشركون: أي ازدحموا عليه، قال العلماء: وفي نزوله عن البغلة حين غشوه مبالغة في الشجاعة والثبات والصبر، وقيل: فعله مواساة لمن كان نازلا على الأرض من المسلمين. (الزرقاني: شرح المواهب 3/14) .
5 البخاري: الصحيح 4/53 كتاب الجهاد، باب من قال: خذها وأنا ابن فلان. وابن سعد: الطبقات الكبرى 4/51، والطبري: جامع البيان 10/103، وتقدم الحديث برقم (59) .(1/190)
وعند ابن أبي شيبة والروياني: "من طريق شريك - هو ابن عبد الله النخعي - عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لا والله ما ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين دبره"، قال: والعباس وسفيان آخذان بلجام بغلته وهو يقول
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
لفظ ابن أبي شيبة.
ولفظ الروياني: "ولقد كان العباس آخذا بلجام بغلته وأبو سفيان عن يساره فقال: من أنت؟ قال: ابن أمك1 يا رسول الله، قال: وهو يقول:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب 2
وفي لفظ عند ابن أبي عوانة من طريق سفيان الثوري، عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب - ويسأل -: يا أبا عمارة: أولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ فقال: معاذ الله! قال: أما أنا فأشهد أن النبي لم يول ولكن ولى سرعان من الناس حين رشقهم هوازن بالنبل، وأبو سفيان بن الحارث يقود بغلته، والنبي - صلى الله عليه - وسلم يقول:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب 3
والحديث عند البخاري وابن سعد والبيهقي كلهم من طريق سفيان به بنحوه4.
____________________
1 قوله: ابن أمك: إنما هوابن عمك، لكنه أراد أن يتقرب إليه، لأن الأم التي هي الجدة تجمعهما في النسب. (التعليق على سيرة ابن هشام 2/446) .
2 ابن أبي شيبة: التاريخ ص90أ، والروياني: مسند الصحابة 1/67 رقم (575) .
وعند ابن إسحاق والطبري: من حديث جابر بن عبد الله: والتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سفيان بن الحارث، وكان مّمن صبر فقال: من هذا؟ قال: أنا ابن أمك يا رسول الله (سيرة ابن هشام2/446، وتاريخ الرسل والملوك 3/76) .
3 أبو عوانة: المسند 4/208 وتقدم الحديث برقم (59) .
(ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/24- 25 وتقدم الحديث برقم (59) .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي عاصم والطبراني والبيهقي كلهم من حديث سيابة - بالسين المهملة المكسورة والمثناة التحتية الخفيفة وبعد الألف الموحدة - ابن عاصم السلمي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين: "أنا ابن العواتك من سليم". انظر ابن أبي عاصم: كتاب الجهاد ص60أرقم (535) ضمن مجموعة (27) . والطبراني: المعجم الكبير7/201. والبيهقي: دلائل النبوة 3/43ب. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد8/218-219،وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. والحديث صححه السيوطي كما في فيض القدير للمناوي 3/38.
وقال الألباني: "حسن" كما في صحيح الجامع الصغير 2/13 حديث (1459) . والحديث فيه هشيم بن بشير.
قال ابن حجر في الإصابة 2/102: "اختلف عليه فيه".
وأورده ابن كثير في البداية والنهاية 4/328 إلا أنه وقع عنده "شبابة عن ابن عاصم السلمي" بالشين المعجمة بعدها موحدة وهو خطأ. والصواب: سيابة بن عاصم.
والعواتك ثلاث جدات من سليم كل تسمى عاتكة وهن عاتكة بنت هلال بن فالج ابن ذكوان وهي أم عبد مناف، والثانية: عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان وهي أم هاشم بن عبد مناف، والثالثة: عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال وهي أم وهب أبي آمنة أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (انظر ابن الأثير: النهاية 3/179-180. والمناوي: فيض القدير 3/38) .(1/191)
وعند أبي عوانة أيضا من طريق عمرو بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن البراء قال: ما كان معنا يوم كذا وكذا - ذكر يوما من أيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارس إلا المقداد1 بن الأسود - رضي الله عنه - فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل يمازحه2: فررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فقال البراء: "إني أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما فر يومئذ، كان والله إذا اشتد القتال واحمر البأس، اتقينا به" 3.
وعند أبي داود: "لما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - المشركين يوم حنين فانكشفوا4 نزل عن بغلته فترجل" 5.
وحديث البراء بجميع طرقه، يدور على أبي إسحاق السبيعي.
قال ابن حجر: "اتفقت الطرق التي أخرجها البخاري لهذا الحديث من سياق هذا الحديث إلى قوله:
"أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب"
إلاّ رواية زهير6 بن معاوية فزاد في آخرها "ثم صف أصحابه" وزاد مسلم: في حديث البراء من رواية زكريا7 عن أبي إسحاق قال البراء: "كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذيه" يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -." ا?8.
____________________
1 المقداد بن عمرو بن ثغلبة بن مالك بن ربيعة البهراني ثم الكندي، ثم الزهري، حالف أبوه كندة، وتبناه الأسود بن عبد يغوث الزهري، فنسب إليه،، صحابي مشهور من السابقين، لم يثبت أنه كان ببدر فارسا غيره، (ت 33) وهو ابن سبعين سنة. /ع. (التقريب 2/272) .
2 الضمير: للبراء.
3 أبو عوانة: المسند 4/209.
4 فانكشفوا: يعني المسلمين، والمراد: انهزموا.
5 أبو داود: السنن 2/46 كتاب الجهاد، باب في الرجل يترجل عند اللقاء، ومعنى ترجل: مشى على رجليه، وفي كتب اللغة: ترجل: نزل عن ركوبته ومشى. (عون المعبود 7/320. والقاموس 2/381- 382) .
6 وزهير بن معاوية تلميذ لأبي إسحاق انظر: من هذا الكتاب ص145 تعليقة (4) .
7 زكريا: هو ابن أبي زائدة أبو يحيى الكوفي الهمداني الوادعي.
(ابن حجر: فتح الباري 8/31) .(1/192)
فهذا الحديث على اختلاف ألفاظه وكذا حديث أنس بن مالك وجابر بن عبد الله والعباس بن عبد المطلب وغيرهم من الصحابة تدل دلالة واضحة على شجاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتناهية، ولقد نفى البراء بن عازب نفيل قاطعا كون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرَّ أو خطر بباله الفرار، فقال: "كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذى به".
وفي حديث العباس عند مسلم وغيره ... قال: فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار.
وقد أوضح ابن حجر سبب نفي البراء الفرار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإثباته لبعض الصحابة.
فقال: قول السائل: "يا أبا عمارة أتوليت يوم حنين".
وفي رواية: "أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين" وفي رواية: "أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ - " وكلها بمعنى.
وقوله: "أما انا فأشهد على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يول"1.
تضمن جواب البراء إثبات الفرار لهم، لكن لا على طريق التعميم، وأراد أن إطلاق السائل يشمل الجميع حتى النبي صلى الله عليه وسلم لظاهر رواية "أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - " ويمكن الجمع بين هذه الرواية، ورواية "أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " بحمل المعية ما قبل الهزيمة فبادر إلى استثنائه، ثم أوضح ذلك، وختم حديثه بأنه لم يكن أحد يومئذ أشد منه - صلى الله عليه وسلم -.
ثم قال: قال النووي: هذا الجواب الذي أجاب به البراء من بديع الأدب؛ لأن تقدير الكلام: "فررتم كلكم"، فيدخل فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال البراء: لا والله ما فر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن جرى كيت وكيت، فأوضح ان فرار من فر لم يكن على نية الاستمرار في الفرار، وإنما انكشفوا من وقع السهام.
ثم قال ابن حجر: "وكأنه يستحضر رواية "أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - "، وقد ظهر من الأحاديث الواردة في هذه القصة أن الجميع لم يفروا، ويحتمل أن البراء فهم من
____________________
1 تقدم الحديث برقم (59) .(1/193)
السائل أنه اشتبه عليه حديث سلمة بن الأكوع1، الذي خرجه مسلم بلفظ "مررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزماً"، فلذلك حلف أن النبي - صلى الله عليه وسلم لم يول.
ودل ذلك على أن "منهزماً"حال من سلمة، ولهذا وقع في طريق أخرى "ومررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزما وهو على بغلته، فقال لقد رأى ابن الأكوع فزعا".
ويحتمل أن يكون السائل أخذ التعميم من قوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] ، فبين له أنه من العموم الذي أريد به الخصوص. ا?2.
وقال النووي حول حديث سلمة بن الأكوع: "قال العلماء: قوله (منهزماً) حال من ابن الأكوع، كما صرح أولا بانهزامه، ولم يرد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انهزم، وقد قالت الصحابة كلهم: أنه - صلى الله عليه وسلم - ما انهزم، ولم ينقل أحد أنه انهزم - صلى الله عليه وسلم - في موطن من المواطن، وقد نقلوا إجماع المسلمين على أنه لا يجوز أن يعتقد انهزامه - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز ذلك عليه، بل كان العباس وأبو سفيان بن الحارث آخذين بلجام بغلته يكفانها عن إسراع التقدم نحو العدو". ا?3.
ونقل الزرقاني: "نحو قول النووي ثم قال: وقوله "قالت الصحابة كلهم أنه - صلى الله عليه وسلم - ما انهزم، فلا يجوز أن ينقل عن سلمة ما يخالفهم بمجرد لفظ محتمل دفعته الرواية الأخرى عنه، فهذا من جملة ما استند إليه العلماء في أنه (حال من ابن الأكوع) ". ا?4.
وقد عقد القاضي عياض فصلا في شجاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونجدته فقال: "وأما الشجاعة والنجدة: فالشجاعة فضيلة قوة الغضب وانقيادها للعقل، والنجدة ثقة النفس عند استرسالها إلى الموت حيث يحمد فعلها دون خوف، وكان - صلى الله عليه وسلم - منهما بالمكان الذي لا يجهل قد حضر المواقف الصعبة وفر الكماة5 والأبطال عنه غير مرة، وهو ثابت
____________________
1 سيأتي برقم (82) .
(ابن حجر: فتح الباري8/28-29، والنووي شرح صحيح مسلم 4/404) .
(النووي: شرح صحيبح مسلم 4/408، والقسطلاني: المواهب اللدنية 1/163) .
(الزرقاني: شرح المواهب 3/17) .
5 الكماة: جمع كمي وهو الشجاع المتكمي في سلاحه، أي المتغطي المتستر بالدرع والبيضة. (مختار الصحاح ص579) .(1/194)
لا يبرح ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح وما شجاع إلا وقد أحصيت له فرة وحفظت عنه جولة سواه - صلى الله عليه وسلم -، وأن الصحابة كانوا إذا اشتد البأس والتحم القتال يتقون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". ا?1.
قال ابن الحجر: "وفي حديث البراء بن العازب من الفوائد: حسن الأدب في الخطاب، والإرشاد إلى حسن السؤال بحسن الجواب، وذم الإعجاب، وفيه: جواز الانتساب إلى الآباء ولو ماتوا في الجاهلية، والنهي عن ذلك محمول على ما هو خارج الحرب، ومثله الرخصة في الخيلاء في الحرب دون غيرها، وفيه: جواز التعرض إلى الهلاك في سبيل الله، ولا يقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - متيقناً بالنصر لوعد الله تعالى بذلك وهو حق لأن أبا سفيان بن الحارث - وقد ثبت معه - آخذا بلجام بغلته وليس هو في اليقين مثل النبي - صلى الله عليه وسلم –".
وقد استشهد في تلك الحال أيمن بن أم أيمن، وفيه: ركوب البغلة إشارة إلى كزيد الثبات، لأن ركوب الفحولة مظنة الاستعداد للفرار والتولي، وإذا كان رأس الجيش قد وطن نفسه على عدم الفرار وأخذ بأسباب ذلك كان ذلك أدعى لأتباعه على الثبات، وفيه شهرة الرئيس نفسه في الحرب مبالغة في الشجاعة وعدم المبالاة بالعدو. ا?2.
وقال النووي: "قال العلماء: ركوبه - صلى الله عليه وسلم - البغلة في مواطن الحرب وعند اشتداد البأس هو النهاية في الشجاعة والثبات، ولأنه أيضا يكون معتمدا يرجع المسلمون إليه، وتطمئن قلوبهم به، وبمكانه، وإنما فعل هذا عمدا وإلا فقد كانت له أفراس معروفة، ومما ذكره في الحديث - يعني حديث العباس - من شجاعته صلى الله عليه وسلم تقدمه يركض بغلته إلى جمع المشركين، وقد فر الناس عنه، وفي الرواية الأخرى - يعني حديث سلمة بن الأكوع - أنه نزل إلى الأرض حين غشوه، وهذه مبالغة في الثبات والشجاعة والصبر، وقيل فعل ذلك مواساة لمن كان نازلا على الأرض من المسلمين وقد أخبرت الصحابة - رضي الله عنهم - بشجاعته - صلى الله عليه وسلم - في جميع المواطن".
____________________
(القاضي عياض: الشفاء 1/114- 118) .
(فتح الباري: 8/32، والزرقاني: شرح المواهب 3/17) .(1/195)
وفي صحيح مسلم - يعني حديث البراء - قال: "إن الشجاع منا للذي يحاذي به، وأنهم كانوا يتقون به". ا?1.
وقال القسطلاني: "وقد ركب عليه الصلاة والسلام البغلة في هذا المحل الذي هو موضع الحرب والطعن والضرب تحقيقا لنبوته لما كان الله تعالى خصه به من مزيد الشجاعة وتمام القوة، وإلا فالبغال عادة من مراكب الطمأنينة ولا تصلح لمواطن الحرب في العادة إلا الخيل، فبين عليه الصلاة والسلام أن الحرب عنده كالسلم قوة قلب وشجاعة نفس وثقة وتوكلا على الله تعالى". ا?2.
ومما سبق من الروايات التي ذكرناها يتجلى لنا عاملان هامان من عوامل النصر وهما الثبات في المعركة حين لقاء العدو وذكر الله عز وجل بحضور قلب وإلحاح في الدعاء، وقد ذكر الله في هذين العاملين في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 3.
ولا ينتصر المسلمون على عدوهم إلا إذا حققوا في أنفسهم التحلي بهذين العاملين وغيرهما من عوامل النصر التي ذكرها الله مادية ومعنوية.
ب- رجوع المسلمين إلى المعركة:
لقد عاد المسلمون إلى المعركة مسرعين حين رأوا ثبات نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وحين سمعوا النداء بالرجوع كما تبينه الرواية الآتية:
80- فعند مسلم وغيره من حديث كثير بن العباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلزمت أنا وسفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نفارقه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له بيضاء أهداها له فروة4 بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون
____________________
(النووي: شرح صحيح مسلم 4/401- 402) .
(المواهب اللدنية 1/163 وانظر ابن كثير: التفسير 2/345) .
3 سةرة الأنفال: الآية 45.
4 فروة بن نفاثة - بنون مضمومة ثم فاء ثم ثاء مثله - اختلف في اسم أبيه، فقيل: فروة بن نفاثة، وقيل: ابن نباتة، وقيل: ابن عامر، أو ابن عمرو، قال ابن حجر: "وهو أشهر، أسلم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعث إليه بإسلامه، ولم ينقل انه اجتمع به، وسمي أبو عمر: جده النافرة" قال ابن إسحاق: "وبعث فروة ابن عمرو ابن النافرة النفاثي الجذامي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسولا بإسلامه وأهدى له بغلة بيضاء وكان فروة عاملا للروم على من يليهم من العرب وكان منزله معان وما حوله من أرض الشام، فبلغ الروم إسلامه فطلبوه فحبسوه ثم قتلوه فقال في ذلك أبياتا منها قوله:
أبلغ سراة المسلمين بأنني
سلم لربي أعظمي وبناني"
وأخرج ابن شاهين وابن مندة قصته من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس بسند ضعيف إلى الزهري. (الإصابة 3/213، وسيرة ابن هشام 2/591) .
وقال النووي: "فروة بن نفاثة وفي الرواية التي بعدها رواية إسحاق بن إبراهيم قال: (فروة بن نعامة) بالعين والميم، والصحيح المعروف الأول (نفاثة) . قال القاضي عياض: واختلفوا في إسلامه فقال الطبري: أسلم وعمّر عمرا طويلا، وقال غيرهم: لم يسلم، وفي صحيح البخاري أن الذي أهدى له بغلة هو ملك أيلة، واسم ملك أيلة فيما ذكره ابن إسحاق (يحنة بن رؤبة) ". (شرح صحيح مسلم 4/401، وأبو عوانة: المسند 4/403. وابن عبد البر الاستيعاب 3/199 مع الإصابة. وابن الأثير: أسد الغابة 4/356- 357. وابن هشام: السيرة النبوية 2/525 و591. وابن سعد: الطبقات الكبرى 1/262- 281) .(1/196)
مدبرين فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض1 بغلته قبل الكفار، قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أكفها إرادة ألا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أي عباس ناد أصحاب السمرة"2 فقال عباس: - وكان رجلا صيتا3- فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله! لكأن4 عطفتهم، حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك! قال: فاقتتلوا والكفار5، والدعوة6 في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار!
____________________
1 يركض بغلته: أي يضربها برجله الشريفة على كبدها لتسرع. (النووي: شرح صحيح مسلم 4/401) .
2 قوله: "ناد أصحاب السمرة"، هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان ومعناه: ناد أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية. (النووي: شرح صحيح مسلم 4/402) .
3 رجلاً صيتاً: أي قوي الصوت. قال النووي: ذكر الحازمي في المؤتلف أن العباس - رضي الله عنه - كان يقف على سلع فينادي غلمانه في آخر الليلة وهم في الغابة فيسمعهم، قال: وبين سلع والغابة ثمانية أميال. (المصدر السابق 4/402) .
4 قوله: "لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها: أي عودهم إلى أماكنهم وإقبالهم إليه - صلى الله عليه وسلم - عطفة البقرة على أولادها، أي كان فيها انجذاب مثل ما في الأمهات حين حنت على أولادها".
قال النووي: "قال العلماء: في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيدا، وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم، وإنما فتح عليهم من في قلبه مرض من مسلمة أهل مكة المؤلفة، ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا، وإنما كانت هزيمتهم فجأة للانصبابهم عليهم دفعة واحدة ورشقهم بالسهام، ولاختلاط أهل مكة معهم ممن لم يستقر الإيمان في قلبه، وممن يتربص بالمسلمين الدوائر، وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة فتقدم أخفاؤهم فلما رشقوهم بالنبل ولوا، فانقلبت أولاهم على أخراهم إلى أن أنزل الله السكينة على المؤمنين كما ذكر الله تعالى في القرآن". (المصدر السابق 4/402) .
قلت: "وفي هذا رد على من يقول بأن منهزميهم وصلوا مكة وهو الواقدي" (انظر مغازيه 3/903) .
5 هكذا هو في النسخ وهو ينصب الكفار أي مع الكفار. (شرح النووي على صحيح مسلم 4/403) .
6 والدعوة في الأنصار: هي بفتح الدال يعني الاستغاثة والمناداة إليهم.(1/197)
يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج! يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته كالمتطاول عليها، إلى قتالهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا حين حمي الوطيس" 1، الحديث2.
وعند ابن إسحاق والطبري: قال العباس: إني لمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذ بحكمة بغلته البيضاء قد شجرتها بها، قال: وكنت امرأ جسيما شديد الصوت قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين رأى ما رأى من الناس: أين أيها الناس؟ فلم أر الناس يلوون على شيء، فقال: يا عباس اصرخ يا معشر الأنصار، يا معشر أهل السمرة فأجابوا: لبيك لبيك! قال: فيذهب الرجل ليثني بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وترسه3، ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا، وكانت الدعوى أول ما كانت: يا للأنصار، ثم خلصت أخيرا: يا للخزرج، وكانوا صبرا عند الحرب، فأشرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بركائبه، فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون فقال: "الآن حمي الوطيس".
وعند ابن سعد والطبري عن العباس قال: لما كان يوم حنين التقى المسلمون والمشركون فولى المسلمون يومئذ فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما معه أحد إلا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بفرز النبي - صلى الله عليه وسلم -، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ما يألو ما أسرع نحو المشركين قال: فأتيته حتى أخذت بلجامه وهو على بغلة له شهباء فقال: يا عباس
____________________
1 الوطيس: بفتح الواو وكسر الطاء المهملة وبالسين المهملة. قال النووي: قال الأكثرون: هو شبه التنور يسجر فيه، ويضرب مثلا لشدة الحرب التي يشبه حرها حره، قال آخرون: الوطيس هو التنور نفسه.
وقال الأصمعي: "هي حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد يطأ عليها فيقال: الآن حمي الوطيس، وقيل هو الضرب في الحرب، وقيل: هي الحرب الذي يطيس الناس أي يدقهم، قالوا: هذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي - صلى الله عليه وسلم -". (شرح صحيح مسلم 4/403. والروض الأنف للسهيلي 7/199- 200) .
2 مسلم: الصحيح 3/1398- 1400 كتاب الجهاد والسير، وتمام الحديث: قال: ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: "انهزموا ورب محمد"، قال: "فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيأته فيما أرى، قال: فوالله! ماهو إلا أن رماهم بحصيات، فما زلت أرى أحدهم كليلا وأمرهم مدبرا". (سيرة ابن هشام2/444-445.والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/75. وعبد الرزاق: المصنف5/3801-381.وابن سعد: الطبقات الكبرى4/18.وأحمد: المسند 1/207. وأبو يعلى: المسند6/604ب رقم 306. وأبو عوانة: المسند4/198 و201 و203. وعلي المتقي الهندي: منتخب كنز العمال4/169، وكنز العمال10/355- 356) .
3 الترس: بضم أوله يصنع من جلود يضعه المقاتل في يده يتقي به النبال وغيرها.(1/198)
ناد يا أصحاب السمرة، قال: وكنت رجلا صيتا فناديت بصوتي الأعلى: أين أصحاب السمرة؟ فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت إلى أولادها، يا لبيك، يا لبيك، يا لبيك وأقبل المشركون فالتقوا هم والمسلمون ونادت الأنصار: يا معشر الأنصار مرتين، ثم قصرت الدعوى في بني الحارث بن الخزرج، فنادوا: يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قتالهم فقال: "هذا حين حمي الوطيس" الحديث1.
وعند الحميدي: عن عباس قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته التي أهداها له الجذامي فلما ولى المسلمون، قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عباس ناد، قلت يا أصحاب سورة البقرة2، وكنت رجلا صيتا فقلت: يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة، فرجعوا عطفة كعطفة البقرة على أولادها، وارتفعت الأصوات وهم يقولون: معشر الأنصار، يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن خزرج، يا بني الخزرج، قال: وتطاول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته فقال: "هذا حين حمي الوطيس" الحديث3.
____________________
(ابن سعد: الطبقات الكبرى2/155واللفظ له. والطبري: جامع البيان10/101- 102) .
2 قوله: (يا أصحاب سورة البقرة) .
قال الزرقاني: "خصت هذه السورة بالذكر حين الفرار لتضمنها {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} [سورة البقرة، من الآية: 249] ، أو لتضمنها {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} ، [سورة البقرة، من الآية: 40] ، أو {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [سورة البقرة، من الآية: 207] .
ثم قال: "وليس النداء بهذه السورة اجتهاد من العباس، بل بأمره - صلى الله عليه وسلم - ففي مسلم وغيره، قال العباس: فقال - صلى الله عليه وسلم -: يا عباس ناد يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة". (شرح المواهب اللدنية 3/12) .
قلت: "ليس في مسلم لفظة: أصحاب سورة البقرة، وإنما فيه "أصحاب السمرة" فقط وقد تتبعت حديث العباس في صحيح مسلم فلم أجد هذه اللفظة، وقد ورد الأمر للعباس بأن ينادي بـ يا أصحاب سورة البقرة"، عند أحمد في مسنده 1/207 عن سفيان بن عيينة قال: سمعت الزهري مرة أو مرتين فلم أحفظه عن كثير بن عباس قال كان عباس وأبو عباس معه يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فخطبهم وقال: "الآن حمي الوطيس" وقال: "ناد يا أصحاب سورة البقرة" وإسناده صحيح.
وعند أبي عوانة في مسنده4/204-206 من طريق سفيان بن عيينة ولفظه: يا عباس ناد في الناس: "يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة! قال سفيان بن عيينة: يذكرهم البيعة التي بايعوه تحت الشجرة والشجرة سمرة بايعوه تحتها على أن لا يفروا".
وعند الفسوي في المعرفة والتاريخ 2/732 من طريق سفيان بن عيينة أيضا ولفظه: "يا عباس ناد يا أصحاب الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة" وإسناده صحيح.
وجاء عند أبي يعلى والطبراني في الأوسط من طريق الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر العباس أن ينادي: يا أصحاب سورة البقرة، قال الهيثمي: "رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير عمران بن دوار وهو أبو العوام وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن معين وغيره". (مجمع الزوائد 6/180-181. وانظر مجمع البحرين 2/243 رقم (77) ومسند أبي يعلى 3/338ب رقم (303) والمطالب العالية 4/251) .
(الحميدي: المسند 1/218- 219) .(1/199)
والحديث رواه الفسوي من طريق الحميدي1.
ورواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه2. وتعقبه الذهبي بقوله: قلت أخرجه مسلم3.
81- ونعد الحاكم من حديث جابر بن عبد الله قال: ندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين الأنصار فقال: "معشر الأنصار فأجابوه: لبيك، بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله، قال: أقبلوا بوجوههم إلى الله وإلى رسوله يدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، فأقبلوا ولهم حنين4 حتى أحدقوا5 به كبكبة تحاك مناكبهم يقاتلون حتى هزم الله المشركين" 6.
ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وأخرج الحاكم أيضا من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: التقى يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة واشتد القتال فولوا مدبرين، فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار فقال: يا معشر المسلمين أنا رسول الله.
فقالوا: "إليك والله جئنا فنكسوا ثم قاتلوا حتى فتح الله عليهم" 7.
ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي".
وفي حديث أنس بن مالك قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف ومن الطلقاء فأدبروا عنه حتى
____________________
(المعرفة والتاريخ 2/732- 733) .
(المستدرك 3/327- 328) .
(تلخيص الذهبي على المستدرك 3/328 وانظر الحديث رقم (80) .
4 أصل الحنين: هو ترجيع الناقة صوتها لولدها. (ابن الأثير: النهاية 1/452ن وابن حجر: هدي الساري ص109) .
5 أحدقوا به: أي طافوا به.
والكبكبة: بالضم والفتح: هي الجماعة المتضامة من الناس وغيرهم والدفعة في القتال والجري والحملة في الحرب والزحام، وأكب عليه أقبل ولزم.
وتحاك بتشديد الكاف: أي اصطكت مناكبهم فحك كل منكب الآخر.
(ابن الأثير: النهاية1/345، 418و4/144.والفيروزآبادي: القاموس المحيط 1/121، 3/219، 299) .
(المستدرك: 3/48) .
7 تقدم تخريج الحديث برقم (59) .(1/200)
بقي وحده، "فنادى1 يومئذ نداءين لم يخلط بينهما، التفت عن يمينه فقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، ثم التفت عن يساره فقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، وهو على بغلة بيضاء، فنزل فقال: أنا عبد الله ورسوله، فانهزم المشركون" الحديث2.
?- المعجزة النبوية التي حصلت في هذه المعركة وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى اجتلاد المسلمين واشتباكهم مع المشركين فقال "هذا حين حمي الوطيس" ثم أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار فامتلأت أعينهم ترابا من تلك الرمية فهزمهم الله عز وجل.
توضح ذلك الأحاديث الآتية:
فعند مسلم وغيره من حديث العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه -، قال: "شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلزمت أنا وسفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نفارقه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له بيضاء، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار" الحديث وفيه:
فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته كالنتطاول عليها إلى قتالهم، فقال: "هذا حين حمي الوطيس" قال: ثم أخذ3 رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: "انهزموا4 ورب محمد" قال: "فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى،
____________________
1 قال الحلبي: يجوز أن يكون هذا النداء بعد نداء العباس وقربهم منه - صلى الله عليه وسلم -. (للسيرة الحلبية 3/66) .
قلت: وتقدم في حديث (70) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر زيدا أن ينادي في الناس وفيه أيضا أن زيدا كان آخذا بعنان بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمشهور من الأحاديث الكثيرة الصحيحة أن المأمور بالنداء هو العباس بن عبد المطلب، ولا يبعد أن الرسول-صلى الله عليه وسلم - أمر كل واحد منهما بالنداء لأن كل واحد منهما كان قريبا منه آخذا بناحية من نواحي البغلة.
2 تقدم برقم (40) .
3 وعند ابن سعد: "ثم أخذ بيده من الحصى فرماهم بها".
وعند الطبري: "ثم أخذ بيده من الحصيات فرماهم بها".
والحصى والحصيات صغار الحجارة الواحدة حصاة. (ابن الأثير: النهاية 1/393، والفيروز آبادي: القاموس 4/318) .
4 انهزموا: بلفظ الخبر، قال النووي: هذا فيه معجزتان ظاهرتان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحداهما فعلية، والأخرى خبرية، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بهزيمتهم، ورماهم بالحصيات، فولوا مدبرين، وذكر مسلم في الرواية الأخرى (يعني حديث سلمة بن الأكوع) أنه - صلى الله عليه وسلم - قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل لها وجوههم فقال: "شاهت الوجوه" فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا من تلك القبضة، وهذا أيضا فيه معجزتان خبرية وفعلية ثم قال: ويحتمل أنه أخذ قبضة من حصى وقبضة من تراب، فرمى بذا مرة، وبذا مرة، ويحتمل أنه اخذ قبضة واحدة مخلوطة من حصى وتراب. (شرح صحيح مسلم 4/403، وابن حجر: فتح الباري 8/32. وانظر ص205 تعليقة (1) .(1/201)
قال: فوالله! ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم1 كليلا وأمرهم مدبرا" 2.
ثم قال مسلم: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد جميعا عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد نحوه غير أنه قال: "فروة بن نعامة الجذامي، وقال: "انهزموا ورب الكعبة انهزموا ورب الكعبة" 3.
وزاد في الحديث حتى هزمهم الله، قال: وكأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يركض خلفهم على بغلته.
82- وعند مسلم أيضا من حديث سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينا فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنية فاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم فتوارى عني فما دريت ما صنع ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى فالتقوا هم وصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - فولى صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأرجع منهزما وعلي بردتان متزرا بإحداهما مرتديا بالأخرى فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا ومررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزماً وهو على بغلته الشهباء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد رأى ابن الأكوع فزعا فلما غشوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض ثم استقبل به وجوههم فقال: "شاهت4 الوجوه" فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله عز وجل وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائمهم بين المسلمين5.
83- وعند ابي يعلى والطبراني: من حديث أنس بن مالك بإسناد حسن قال: لما كان يوم حنين: انهزم الناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلاّ العباس بن عبد المطلب وأبا
____________________
1 قوله: "فما زلت أرى حدهم كليلا "هو بفتح الحاء المهملة أي ما زلت أرى قوتهم ضعيفة". (شرح النووي على صحيح مسلم 4/403) .
2 تقدم برقم (80) .
3 تقدم برقم (80) .
4 شاهت الوجوه: قبحت. (المصباح المنير 1/389. الروض الأنف 7/2179.
(مسلم: الصحيح 3/1402 كتاب الزكاة. والبيهقي: دلائل النبوة 3/44أ- ب) .(1/202)
سفيان بن الحارث وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينادي يا أصحاب سورة البقرة يا معشر الأنصار ثم استحر النداء في بني الحارث بن خزرج فلما سمعوا النداء أقبلوا فوالله ما شبهتهم إلا بالإبل تجري إلى أولادها، ولما التقوا التحم القتال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الآن حمي الوطيس" وأخذ كفا من حصى فرمى به، وقال: "هزموا ورب الكعبة وكان علي بن ابي طالب من أشد الناس قتالا يومئذ"1.
والحديث أورده الهيثمي2 في مجمع الزوائد وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير عمران بن دوار وهو أبو العوام وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن معين وغيره.
84- وأخرج الطبراني عن أنس قال: لنا انهزم المسلمون يوم حنين مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته الشهباء - وكان اسمها دلدل - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: دلدل اشتدي3 فألزقت بطنها بالأرض حتى أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم وقال: "حم لا ينصرون"4 فانهزم القوم وما رميناهم بسهم ولا طعناهم برمح ولا ضربنا بسيف 5.
لم يروه عن ثابت6 إلا عمارة، تفرد به مؤمل.
____________________
1 أبو يعلى: (المسند 3/338ب رقم303. والطبراني: كما في مجمع البحرين 2/243 رقم77) .
(مجمع الزوائد 6/180- 181) .
3 كذا في الأصل "اشتدي" وفي مجمع الزوائد (اسدي) بالسين المهملة والشدة القوة، واشتداد الشيء قوته وصلابته، والشد: العدو، واشتد عدا. (ابن الأثير: النهاية 2/451. والفيروز آبادي: القاموس 1/305) .
وسدى تسدية وسدا بيده مدها، وأسدت الناقة: اتسع خطوها. (الفيروز آبادي: القاموس 1/341) .
4 قوله: (حم لا ينصرون) في النهاية لابن الأثير 1/446: معناه اللهم لا ينصرون، ويريد به الخبر، لا الدعاء، لأنه لو كان دعاء لكان مجزوما، فيقول: (حم لا ينصروا) فكأنه قال: "والله لا ينصرون". إهـ..
وفي سنن أبي داود 2/31 كتاب الجهاد، باب في الرجل ينادي بالشعار، "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إن بُيتم فليكن شعاركم حم لا ينصرون".
قال صاحب عون المعبود 7/258: وقد روي عن ابن عباس أنه قال: "حم من أسماء الله". فكأنه حلف بالله إنهم لاينصرون.
(مجمع البحرين 2/244 رقم 77) .
6 ثابت هو البناني، ثقة عابد، وعمارة: هو ابن زاذان الصيدلاني أبو سلمة البصري، صدوق كثير الخطأ. ومؤمل-بوزن محمد-هو ابن إسماعيل البصري، أبو عبد الرحمن نزيل مكة، صدوق سيئ الحفظ. (ابن حجر: التقريب 1/115 و2/49، 290) .(1/203)
والحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه: أحمد1 بن محمد بن القاسم وهو ضعيف2.
قلت: "والجزء الأخير من الحديث وهو قوله: فانهزم القوم الخ ثابت معناه عند ابن حبان والحاكم من حديث أنس أيضا" وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وسكت عنه الذهبي3.
58- وأخرج الطبراني أيضا عن يزيد بن عامر السوائي وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم، قال: عند انكشافة انكشفها المسلمون يوم حنين، فتبعتهم الكفار فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصبة من الأرض فرمى بها وجوههم وقال: "ارجعوا شاهت الوجوه" فما منا من أحد يلقى أخاه إلا وهو يشكوا القذى أو يمسح عينيه4.
قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
86- وقال البزار: حدثنا إسماعيل5 بن سيف القطعي، ثنا يونس6 ابن أرقم ثنا الأعمش7، عن سماك8 بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن علي بن أبي
____________________
1 هو ابن أبي بزة مؤذن المسجد الحرام، قال ابن أبي حاتم قلت لأبي: ابن أبي بزة ضعيف الحديث؟ قال: نعم، ولست أحدث عنه فإنه روى عن عبيد الله بن موسى عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا منكرا. (الجرح والتعديل2/71) .
(مجمع الزوائد 6/183) .
3 ابن حبان: كما في موارد الضمآن ص417، والحاكم: المستدرك 2/130.
(مجمع الزوائد 6/182- 183) .
5 بصري كانوا يضعفونه، وقال ابن عدي: كان القطعي يسرق الحديث روى عن الثقات أحاديث غير محفوظة. (الذهبي: ميزان الاعتدال 1/233) .
6 يونس بن أرقم لينه عبد الرحمن بن حراش. (المصدر السابق 4/477) .
ونقل ابن حجر قول الذهبي هذا وزاد: ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان يتشيع. (لسان الميزان 6/331) .
7 هو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمدالكوفي، ثقة حافظ عارف بالقراءة، ورع لكنه يدلس، من الخامسة (ت147أ,148) /ع. (ابن حجر: التقريب331) .
8 هو ابن أوس بن خالد الذهلي البكري الكوفي، أبو المغيرة، صدوق وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بآخره، فكان ربما يلقن، من الرابعة (ت123) /خت م عم. (المصدر السابق 1/332) .(1/204)
طالب ناول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب1 فرمى به وجوه المشركين يوم حنين2.
قال البرزار: "لا نعلمه بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد".
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: "رواه البزار عن إسماعيل بن سيف وهو ضعيف"3.
قال ابن حجر: قلت: "وشيخه يونس"4.
والخلاصة:
أن أخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ترابا ورميه في وجوه الكفار، جاء في أحاديث كثيرة منها الصحيح والحسن والضعيف.
فقد ورد من حديث العباس بن عبد المطلب عند مسلم وغيره5.
ومن حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم والبيهقي6.
ومن حديث أبي عبد الرحمن الفهري عند أحمد وأبي داود وغيرهم7.
ومن حديث عبد الله بن مسعود عند أحمد والحاكم والبيهقي وغيرهم8.
____________________
1 قال ابن حجر: ولمسلم من حديث العباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، وله من حديث سلمة بن الأكوع، قال: لما غشوا النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب ثم استقبل بها وجوههم فقال: "شاهت الوجوه"، ولأحمد وألبي داود من حديث أبي عبد الرحمن الفهري في قصة حنين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقتحم عن فرسه فأخذ كفا من تراب، ولأحمد والحاكم من حديث ابن مسعود قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة يمضي قدما فحادت عن فرسه فمال عن السرج فقلت له: "ارتفع رفعك الله، فقال: ناولني كفا من تراب فضرب به وجوههم".
وللبزار من حديث ابن عباس أن عليا ناول رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب، فرمى به وجوه المشركين يوم حنين ثم قال: ويجمع بين هذه الأحاديث بأنه - صلى الله عليه وسلم - أوّلاً، قال لصاحبه ناولني فناوله فرماهم، ثم نزل عن البغلة فأخذ بيده فرماهم أيضا، فيحتمل أن الحصى في إحدى المرتين، وفي الأخرى التراب. (فتح الباري8/31-32) و (الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/13) وانظر ص201.
(كشف الأستار 2/349) .
(مجمع الزوائد 7/183) .
(مختصر زوائد مسند البزار ص251 رقم816) .
5 تقدم الحديث برقم (80) .
6 تقدم الحديث برقم (82) .
7 سيأتي تخريجه برقم (91) .
8 تقدم تخريجه برقم (74) .(1/205)
ومن حديث شيبة بن عثمان العبدري عند الطبراني وغيره1.
ومن حديث عبد الرحمن بن أزهر عند أحمد وأبي عوانة2.
ومن حديث يزيد بن عامرالسوائي عند عبد بن حميد والطبري3.
ومن حديث أنس بن مالك عند أبي يعلى والطبراني4
وهذه الأحاديث التي أوردتها في بيان هذا العامل من عوامل النصر، يؤخذ منها نصر الله للمسلمين بمعجزات يؤيد الله بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليزيد المؤمنين إيمانا ولتقوم الحجة على المكذبين برسالته - صلى الله عليه وسلم -، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة.
والمسلمون إذا قوي إيمانهم بالله سبحانه فإن الله يؤيدهم وينصرهم على أعدائهم بأسباب كونية قدرية لاقبل لعدوهم بها، ولهذا شواهد لا تحصى في التاريخ الإسلامي.
د- تأييد الله للمسلمين بجند من عنده:
كان هذا التأييد السماوي بعد أن أدب الله المؤمنين الذين اغتروا وأعجبوا بكثرتهم وبعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وذلك بسبب ما حل بهم من الخوف عندما ركب الأعداء ظهورهم يسوقونهم، فركبت إبل المسلمين بعضها بعضا وولوا مدبرين، إلاّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطائفة يسيرة معه، وفي هذه الحال الحرجة أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا من عنده تقوية لقلوب المؤمنين وتثبيتاً
____________________
1 تقدم تخريجه برقم (67) .
(أحمد: المسند 4/351. وأبو عوانة: المسند 4/204. والهيثمي: مجمع الزوائد 6/185 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح) .
3 عبد بن حميد: المسند 1/66أرقم (332) . والطبري: جامع البيان10/103. وتقدم برقم (85) .
4 تقدم تخريجه برقم (83) .(1/206)
لهم، ولقد صوّر القرآن الكريم هذا أتم تصوير فقال: جل ذكره: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ، [سورة التوبة، الآية: 25] .
قال الشوكاني عند تفسير هذه الآيات قوله: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: 26] ، أي: أنزل ما يسكنهم فيذهب خوفهم حتى وقع منهم الاجتراء على قتال المشركين، بعد أن ولوا مدبرين، والمراد بالمؤمنين1: هم الذين لم ينهزموا، وقيل الذين انهزموا، والظاهر جميع من حضر منهم لأنهم ثبتوا بعد ذلك وقاتلوا وانتصروا، {وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوهَا} قال: هم الملائكة، {وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بما وقع عليهم من القتل والأسر وأخذ الأموال وسبي الذرية، والإشارة بقوله {وذلك} إلى التعذيب المفهوم من عذب وسمى ما حل بهم من العذاب في هذا اليوم جزاء مع أنه غير كاف بل لا بدّ من عذاب الآخرة مبالغة في وصف ما وقع عليهم، وتعظيما له، وقوله {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} أي من بعد هذا التعذيب على من يشاء ممن هداه منهم إلى الإسلام، {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يغفر لمن أذنب فتاب، {الرَحِيمٌ} بعباده يتفضل عليهم بالمغفرة لما اقترفوه2.
وقد وردت بعض الآثار تبين أن المراد (بالجنود) في الآية هم الملائكة.
فقد أخرج ابن أبي حاتم قال: أخبرنا أحمد3 بن عثمان بن حكيم فيما كتب إلي
____________________
1 قوله: والمراد بالمؤمنين هم الذين لم ينهزموا فقد ورد في حديث ابن مسعود قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فولى عنه الناس وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار، فنكصنا على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل الله - عز وجل - عليهم السكينة. تقدم الحديث برقم (74) .
والظاهر جميع من حضر من المؤمنين كما قال الشوكاني، يؤيد هذا ما قاله الطبري: "الانهزام المنهي عنه هو ما وقع على غير نية العود وأما الاستطراد للكثرة فهو كالتحيز إلى فئة". (ابن حجر: فتح الباري 8/30، والزرقاني: شرح المواهب 3/20) .
2 الشوكاني: فتح القدير 2/348.
3 أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة من الحادية عشرة (ت 261) /خ م س ق. (ابن حجر: التقريب 1/21، وتهذيب التهذيب 1/61. وابن أبي حاتم: الجرح والتعديل 2/63) .(1/207)
ثنا أحمد1 بن مفضل، ثنا أسباط2 عن السدي3،في قوله: {وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} قال: هم الملائكة4.
وأخرج الطبري نحوه: من طريق أحمد بن المفضل به5، والحديث ضعيف كما علم من خلال تراجم رجاله، وهو مقطوع، لأن السدي من التابعين، وقد قيل إن تفسيره هذا قد جعل له إسنادا واستكلفه6.
88- وعند الطبري قال: حدثنا القاسم7، قال: ثنا الحسن بن عرفة8، قال: ثني المعتمر9 بن سليمان، عن عوف10 قال: سمعت عبد الرحمن11 مولى أم برثن أو أم مريم، قال: ثني جل كان من المشركين يوم حنين، قال: "لما التقينا نحن
____________________
1 أحمد بن المفضل الحفري - بفتح المهملة والفاء - أبو علي الكوفي، صدوق شيعي، في حفظه شيء (ت215) /م د س. (ابن حجر: التقريب 1/26) .
وفي تهذيب التهذيب 1/81 قال: قال أبو حاتم: كان صدوقا وأثنى عليه بن أبي شيبة خيرا، وذكره ابن حبان في الثقات. قال الأزدي: منكر الحديث.
2 أسباط بن نصر الهمداني-بسكون الميم- أبو يوسف، ويقال: أبو نصر صدوق كثير الخطأ، يغرب من الثامنة/خت م عم. (المصدر السابق1/53و1/211-212) .
3 إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي - بضم المهملة وتشديد الدال - وهو السدي الكبير، أبو محمد الكوفي، صدوق يهم، ورمي بالتشيع من الرابعة (ت 127) /م عم. (المصدر السابق 1/71- 72 و1/313- 314) .
(تفسير ابن أبي حاتم 4/70أ) .
(جامع البيان 10/101 وتقدم برقم (41) .
(ابن حجر: تهذيب التهذيب 1/314) .
7 القاسم: هو ابن زكرياء بن يحيى أبو بكر المقرئ المعروف: بالمطرز - بزنة اسم الفاعل -. ذكر الخطيب مشايخه وتلاميذه وقال: كان ثقة ثبتا. (تاريخ بغداد 12/441 و7/394) . وذكره الحافظ ابن حجر تمييزا وقال: حافظ ثقة. (التقريب 2/126 وتهذيب التهذيب 8/314) .
8 الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي أبو علي البغدادي، صدوق من العاشرة (ت 257) /ت س ق. (ابن حجر: التقريب1/168 وتهذيب التهذيب 3/293) .
9 المعتمر بن سليمان بن طرخان - بفتح طاء مهملة وقيل بكسرها وبخاء وراء ونون - التيمي، أبو محمد البصري: يلقب بالطفيل، ثقة من كبار التاسعة (ت 117) وقد جاوز الثمانين /ع. (المصدر السابق 2/263، 10/227) .
10 عوف بن أبي جميلة - بفتح الجيم - الأعرابي، العبدي، البصري، ثقة رمي بالقدر، وبالتشيع، من السادسة (ت146 أو147) /ع. (المصدر السابق2/89، 8/166) .
11 عبد الرحمن بن آدم البصري المعروف بصاحب السقاية، مولى أم برثن-بضم الموحدة وسكون الراء بعدها مثلثة مضمومة ثم نون-وقد تبدل النون ميما فيقال: (برثم) صدوق من الثالثة/م د. (المصدر السابق1/472 و6/134) . والظاهر (أن قوله في مسند ابن جرير "مولى مريم" خطأ. والصواب "مولى أم برثم" أو "برثن".(1/208)
وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين لم يقوموا لنا حلب1 شاة، قال: فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم في أدبارهم، حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء، فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فتلقانا عنده رجال بيض، حسان الوجوه، فقالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا، قال فانهزمنا وركبوا أكتافنا، فكانت إياها" 2
والحديث حسن لذاته وجهالة الرجل لا تضر لأن الظاهر أنه أسلم وحدث عبد الرحمن بهذه القصة، جهالة الصحابي لا تضر لأنهم كلهم عدول، وقد قال ابن حجر: "بأن عبد الرحمن روى عن رجل من الصحابة ولم يسمه3 فالظاهر أنه هذا". والله أعلم.
وتقدم في حديث عثمان بن شيبة العبدري أنه قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين والله مال أخرجني إسلام ولا معرفة به، ولكن أبيت أن تظهر هوازن على قريش، فقلت وأنا واقف معه: يا رسول الله إني أرى خيلا بلقا، فقال: "يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر" الحديث4.
89- وقال ابن إسحاق: حدثني أبي إسحاق5 بن يسار أنه حدث عن جبير6 بن مطعم قال: لقد رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد7 الأسود أقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد
____________________
1 قوله: لم يقوموا لنا حلب شاة: أي مقدار حلبها بل ولوا من رشق النبل ونيتهم العود. (شرح المواهب 3/15) .
(الطبري: جامع البيان 10/103- 104) .
(تهذيب التهذيب 6/134) .
4 تقدم الحديث برقم (66) .
5 إسحاق بن يسار المدني والد ابن إسحاق، ثقة من الثالثة /مد. (ابن حجر: التقريب 1/62 وتهذيب التهذيب 1/257) .
6 جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي، صحابي عارف بالأنساب (ت58 أو 59) /ع. (المصدر السابق 1/126 و2/63- 64) .
7 أورد ابن الأثير في النهاية1/96 هذا الحديث وقال: "البجاد الكساء وجمعه بجد، أراد الملائكة التي أيدهم الله بهم" وقال الزرقاني: البجاد بالموحدة المكسورة والجيم الخفيفة آخره دال مهملة: الكساء. ثم نقل قول ابن الأثير وقال: لأنه لكثرتهم واختلاط بعضهم ببعض صاروا كالبجاد المتصل أجزاؤه بنسجه، وروى الواقدي عن شيوخ من الأنصار قالوا: رأينا يومئذ كالبجد السود هوت من السماء ركاما فنظرنا فإذا نمل مبثوث فإن كنا ننفضه عن ثيابنا فكان نصر الله أيدنا به. وانظر الروض الأنف للسهيلي 7/212.
ثم قال الزرقاني: قال شيخنا: "ولعل نزول الملائكة في صورة النمل ليظهر للمسلمين فيسألوا عنه، ويتوصلوا بذلك للعلم بهم، فيعلموا من ذلك من معجزاته فيقوى بذلك إيمانهم" (شرح المواهب3/16) . وانظر مغازي الواقدي3/905.(1/209)
ملأ الوادي، لم يشك أحد أنها الملائكة ثم لم يكن إلا هزيمة القوم1.
والحديث أخرجه الطبري عن ابن إسحاق عن أبيه أنه: حدث عن جبير بن مطعم2.
وأخرجه الطبراني من طريق ابن إسحاق أيضا وصرح بسماع إسحاق من جبير بن مطعم.
وهذا سياقه: قال: "حدثنا أبو مسلم3 ثنا عبيد الله4 بن محمد بن عائشة ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبيه قال: سمعت جبير بن مطعم يقول رأيت يوم حنين شيئا أسود مثل البجاد". الحديث5.
ثم قال الطبراني: "لا يروى هذا عن جبير إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن إسحاق".
ثم ساق سندا آخر فقال حديثنا محمد6 بن أبان ثنا محمد7 بن عباد بن آدم ثنا أبي8 ثنا حماد بن سلمة فذكر نحوه9.
وأورده الهيثمي ثم قال: "رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين في أحدهما عباد بن آدم لم يوثقه أحد ولم يجرحه"10.
____________________
(سيرة ابن هشام 2/449) .
(تاريخ الرسل والملوك 3/77، والروض الأنف 7/173) .
3 أبو مسلم الكجي الحافظ المسند، إبراهيم بن عبد الله بن مسلم بن ماعز البصري صاحب كتاب السنن، سمع أبا عاصم النبيل والأصمعي، وعنه أبو بكر القطيعي وأبو قاسم الطبراني، كان من أهل الفضل والعلم والأمانة، وكان سريا نبيلا عالما بالحديث وثقه الدارقطني وغيره (200- 292هـ) (الخطيب: تاريخ بغداد 6/120- 124. الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/620- 621) .
4 عبيد الله بن محمد بن عائشة، اسم جده حفص بن عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر التيمي، وقيل له: ابن عائشة، والعائشي والعيشي، نسبة إلى عائشة بنت طلحة، لأنه من ذريتها، ثقة جواد، رمي بالقدر ولم يثبت، من كبار العاشرة، (ت 228) /د ت س. (ابن حجر: التقريب 1/538 وتهذيب التهذيب 7/45) .
(مجمع البحرين 2/343 رقم (77) .
6 محمد بن أبان الأصبهاني، كذا في ترجمة شيخه محمد بن عباد ولم أجد ترجمته.
7 محمد بن عباد بن آدم الهذلي البصري، مقبول، من العاشرة (ت268) /سق. (التقريب 2/174، وتهذيب التهذيب 9/343) .
8 عباد بن آدم الهذلي البصري، مجهول، من التاسعة /ق. (التقريب 1/391، وتهذيب التهذيب 5/90) .
(مجمع البحرين 2/343 رقم (77) .
10 (مجمع الزوائد 6/183) .(1/210)
وأورده ابن كثير عن ابن إسحاق فقال: وقال محمد بن إسحاق: "حدثني والدي إسحاق بن يسار عمن حدثه عن جبير بن مطعم". ثم ساق الحديث.
ثم قال: رواه البيهقي1 عن الحاكم عن الأصم2 عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق به3.
والظاهر أن في الحديث انقطاعا بين إسحاق بن يسار وبين جبير ابن مطعم وأن رواية الطبراني الواردة فيها التصريح بسماع إسحاق من جبير بن مطعم "خطأ".
ولعلها تحرفت من حدث عن جبير بن مطعم إلى حدثني فرواها بعض الرواة بالمعنى "سمعت".
وذلك لأن المزي وابن حجر لم يذكرا في شيوخ إسحاق، جبير بن مطعم كما لم يذكرا أيضا إسحاق في تلاميذ جبير بن مطعم4.
وعلى كل فإن الحديث يتقوى بالأحاديث السابقة والآتية وهي: ما رواه عبد بن حميد قال: حدثني موسى5 بن مسعود ثنا سعيد6 بن السائب الطائفي حدثني أبي السائب7 بن يسار، قال: سمعت يزيد8 بن عامر السوائي وكان شهد
____________________
1 رواه في الدلائل 3/45ب.
2 هو محمد بن يعقوب أبو العباس الأصم تقدمت ترجمته في حديث (23) .
(تفسير ابن كثير 2/345 والبداية والنهاية له 4/334. وانظر فتح القدير للشوكاني 2/349، وشرح المواهب للزرقاني 3/15- 16) .
(تهذيب الكمال 2/495 وتهذيب التهذيب 1/257، 2/63- 64) .
5 موسى بن مسعود النهدي - بفتح النون - أبو حذيفة البصري، صدوق سيئ الحفظ، وكان يصحف، من صغار التاسعة (ت220) أو بعدها، وحديثه عند البخاري في المتابعات. /خ د ت ق. (التقريب 2/288، وتهذيب التهذيب 10/370 وسرد أقوال العلماء فيه في هدي الساري ص446) .
6 سعيد بن السائب بن يسار الثقفي الطائفي وهو ابن يسار، ثقة عابد، من السابعة (ت 171) . /د س ق. (التقريب 1/296، وتهذيب التهذيب 4/35- 36) .
7 قال ابن أبي حاتم: "السائب الطائفي عن يزيد بن عامر السوائي، روى عنه ابنه سعيد بن السائب سمعت أبي يقول ذلك". (الجرح والتعديل 4/245، وانظر التاريخ الكبير للبخاري 4/155) .
8 يزيد بن عامر بن الأسود العامري ثم السوائي - بضم المهملة - أبو حاجز، صحابي له حديث عند أبي داود في الصلاة، شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم. /د. (التقريب 2/366 وتهذيب التهذيب 11/339، والإصابة 3/659، وانظر حديثه عند أبي داود في سننه 1/136 كتاب الصلاة، باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم) .(1/211)
حنينا مع المشركين ثم أسلم فنحن نسأله عن الرعب الذي ألقاه الله في قلوب المشركين يوم حنين كيف كان؟
قال: "كان يأخذ لنا الحصاة فيرمي بها الطست فيطن، قال: كنا نجد في أجوافنا مثل هذا 1.
والحديث أورده ابن حجر في المطالب العالية ونسبه لعبد بن حميد2.
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: "رواه الطبراني ورجاله ثقات"3.
وأخرجه الطبري فقال: حدثنا محمد4 بن يزيد الآدمي، قال ثنا معن5 بن عيسى عن سعيد بن السائب الطائفي عن أبيه عن يزيد بن عامر6.
والحديث فيه السائب الطائفي ولم يذكر فيه جرح ولا تعديل، وقد قال الهيثمي: بأن رجاله ثقات.
91- وعند أحمد وغيره من حديث أبي7 عبد الرحمن الفهري وهذا سياقه عند أحمد قال: ثنا بهز8 ثنا حماد9 بن سلمة أخبرني يعلى10 بن عطاء عن أبي همام11 - قال أبو الأسود هو: عبد الله بن يسار - عن أبي عبد الرحمن الفهري قال: "كنت مع
____________________
1 عبد بن حميد: المسند 1/65- 66 ب- أرقم322 وتقدم برقم (85) .
2 4/251.
3 6/183.
4 محمد بن يزيد الآدمي، أبو جعفر الخراز، - بمعجمة ثم مهملة وآخره زاي - البغدادي، ثقة عابد، من صغار العاشرة (ت 245) /س. (ابن حجر: التقريب 2/220 والتهذيب 9/530) .
5 معن بن عيسى بن يحيى، الأشجعي مولاهم أبو يحيى المدني القزاز، ثقة ثبت. قال أبو حاتم: هو أثبت أصحاب مالك، من كبار العاشرة (ت 198) /ع. (المصدر السابق 2/267، 10/252) .
6 جامع البيان 10/103، وانظر البيهقي: دلائل النبوة 3/45.
7 أبو عبد الرحمن الفهري، صحابي، وقيل اسمه يزيد بن إياس، وقيل الحارث بن هشام، وقيل عبيد، وقيل كرز بن ثعلبة، شهد حنينا ثم فتح مصر، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنه أبو همام عبد الله بن يسار. /د. (ابن حجر: التقريب 2/446 وتهذيب التهذيب 12/154) .
8 بهز بن أسد العمي - بفتح العين وتشديد الميم - أبو الأسود البصري، ثقة ثبت، من التاسعة (ت بعد المائتين وقيل قبلها) /ع. (ابن حجر: التقريب 1/109، وتهذيب التهذيب 1/497) .
9 ثقة عابد، تقدمت ترجمته في حديث (36) .
10 يعلى بن عطاء العامري، ويقال: الليثي الطائفي ثقة، من الرابعة (ت 120) أو بعدها. /ز م عم. (المصدر السابق 2/378، 11/403) .
11 عبد الله بن يسار أبو همام الكوفي ويقال: عبد الله بن نافع، مجهول من الثالثة. /د عس. (ابن حجر: التقريب 1/462، وفي تهذيب التهذيب 6/85) .
قال: روى عن علي وعمرو بن حريث وأبي عبد الرحمن الفهري في غزوة حنين وعنه يعلى بن عطاء العامري، ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن المديني: هو شيخ مجهول وكذا قال أبو جعفر الطبري وقد سماه غير يعلى بن عطاء: عبد الله بن نافع، وكذا قال هشيم عن يعلى بن عطاء. إهـ.
ولم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحا ولا تعديلا. (الجرح والتعديل 5/202) .(1/212)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين فسرنا في يوم قائظ شديد الحر فنزلنا تحت ظلال الشجر فلما زالت الشمس لبست لأمتي1 وركبت فرسي فانطلقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في فسطاطه2، فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله، حان الرواح؟ فقال: أجل، فقال: يا بلال فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر، فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، فقال: اسرج لي فرسي، فأخرج سرجا دفتاه من ليف3 ليس فيهما أشر ولا بطر، قال: فأسرج قال: فركب وركبنا فصاففناهم عشيتنا وليلتنا، فتشامت4 الخيلان، فولى المسلمون مدبرين كما قال الله - عز وجل -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله، ثم قال: يا معشر المهاجرين: أنا عبد الله ورسوله"، قال: "ثم اقتحم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فرسه فأخذ كفا من تراب، فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني أنه ضرب به وجوههم وقال: شاهت الوجوه، فهزمهم الله - عز وجل -، قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: لم يبق منا أحد إلا امتلأت عينه وفمه ترابا وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست5 الحديد6.
____________________
1 اللأمة مهموزة: الدرع، وقيل: السلاح، ولأمة الحرب: أداته وقد يترك الهمز تخفيفا. (ابن الأثير: النهاية 4/220) .
(الفسطاط: بيت من شعر (ابن منظور: لسان العرب 9/246) .
3 الليف: هو ما يخرج من أصول سعف النخل يحشى بها الوسائد، ويفتل منها الحبال، ودفتاه: جانباه. (هدي الساري لابن حجر ص185) .
4 فتشامت الخيلان: بتخفيف الشين المعجمة وتشديد الميم أي تقاربت والتقت. وورد فتسامت بالسين المهملة. وعند الطبري: "فلما التقى الخيلان".
وعند أبي داود الطيالسي: "فلقينا العدو وتشامت الخيلان، فقاتلناهم فولى المسلمون مدبرين"، وهذا الحديث وما ورد في معناه من الأحاديث لا يؤخذ منها بأن المسلمين ولوا الأدبار بمجرد التلاقي للأعداء كما يفهم أيضا من حديث جابر بن عبد الله، وإنما قاتلوا الأعداء حتى كشفوهم، ثم اشتغلوا بجمع الغنائم ظانين أن العدو ولى إلى غير رجعة، ولكن العدو انتهز فرصة انشغالهم بجمع الغنائم فانهال عليهم بالسهام من كل ناحية. فولى المسلمون عندئذ وهذا هو صريح حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه -. (انظر: الزرقاني: شرح المواهب 3/11، والمعجم الوسيط 1/447) .
5 على الطست الحديد: ورد الحديد: بالحاء المهملة، وورد (الجديد) بالجيم. قاال الزرقاني: الجديد: بالجيم تنبيها على قوة الصوت الذي سمعوه فإن صوت الجديد أقوى من العتيق (شرح المواهب 3/14) .
6 أحمد: (المسند 5/286) .(1/213)
ثم ساق سندا آخر فقال: ثنا عفان1 ثنا حماد بن سلمة أنا يعلى ابن عطاء عن عبد الله بن يسار أبي همام عن أبي عبد الرحمن الفهري، قال: "كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين فسرنا في يوم قائظ، فذكر مثله" 2.
والحديث أخرجه أبو داود عن موسى3 بن إسماعيل أخبرنا حماد ابن سلمة به وساق منه إلى "فأخرج سرجا دفتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر، فركب وركبنا" ثم قال:
قال أبو داود: أبو عبد الرحمن الفهري ليس له إلا هذا الحديث. وهو حديث نبيل4 جاء به حماد بن سلمة5.
وأخرجه ابن سعد وابن أبي شيبة عن عفان بن مسلم أخبرنا حماد به بتمامه6. وأخرجه الطيالسي عن حماد بن سلمة به وساقه تاما ومن طريقه أخرجه البيهقي7. وأخرجه الدارمي عن حجاج8 بن منهال وعفان قالا: ثنا حماد بن سلمة به9.
وأخرجه الطبري عن علي10 بن سهل قال: ثنا مؤمل11 قال: ثنا حماد بن سلمة به12.
____________________
1 عفان بن مسلم تقدمت ترجمته في حديث (74) .
2 أحمد: (المسند 5/286) .
3 موسى بن إسماعيل المنقري - بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف - أبو سلمة التبوذكي-بفتح المثناة وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة-مشهور بكنيته وباسمه، ثقة ثبت، من صغار التاسعة، ولا التفات إلى قول ابن خراش: تكلم الناس فيه (ت 223) /ع. (ابن حجر: التقريب2/280 وتهذيب التهذيب10/333) .
4 قال شمس الحق العظيم آبادي: "حديث نبيل: النبيل على وزن الأمير هو الماهر في الأمور"، وهذا ثناء من المؤلف ليعلى بن عطاء شيخ لحماد بن سلمة. (عون المعبود: 14/148) .
(السنن: 2/649 كتاب الأدب، باب الرجل ينادي الرجل فيقول لبيك) .
(ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/156. وابن أبي شيبة: التاريخ ص92أ- ب) .
(منحة المعبود 2/107. والبيهقي: دلائل النبوة 3/44ب) .
8 حجاج بن منهال الأنماطي، ثقة فاضل تقدمت ترجمته في حديث (55) .
(السنن2/139 كتاب السير، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم شاهت الوجوه) .
10 علي بن سهل بن قادم الرملي، نسائي الأصل، صدوق من كبار الحادية عشرة، (ت 261) /د س. (ابن حجر: التقريب 2/38 وتهذيب التهذيب 7/329) .
11 مؤمل - بهمزة بوزن محمد - بن إسماعيل البصري، أبو عبد الرحمن، نزيل مكة، صدوق سيئ الحفظ، من صغار التاسعة (ت 206) /خت قد ت س ق. (المصدر السابق 2/290، 10/380) .
12 (جامع البيان 10/102) .(1/214)
وساق كل من الدارمي والطبري إلى "فحدثني أبناؤهم عن آبائهم قالوا: ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابا".
وأخرجه البزار عن عبد الواحد1 بن غياث، ثنا حماد بن سلمة به، بتمامه2. وفي آخره قال:
قال البزار: "ما روى الفهري إلا هذا، وما رواه إلا حماد".
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: روى أبو داود منه إلى قوله "ليس فيه أشر ولا بطر" ورواه البزار والطبراني ورجالهما ثقات3.
وأورده ابن حجر وقال: "أصله في سنن أبي داود ورجاله ثقات"4.
وساقه ابن كثير في تفسيره عن أحمد وفي آخره قال: وهكذا رواه الحافظ البيهقي في دلائل النبوة من حديث أبي داود الطيالسي عن حماد بن سلمة به5.
وفي البداية والنهاية ساق الحديث عن أبي داود الطيالسي وفي آخره قال: ورواه أبو داود السجستاني في سننه عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة به نحوه6.
وأورده الزرقاني وقال: رواه أحمد وأبو داود والدارمي وابن سعد وابن أبي شيبة والطبراني وابن مردويه7 والبيهقي، ورجاله ثقات، كلهم من حديث أبي عبد الرحمن الفهري8.
____________________
1 عبد الواحد بن غياث - بمعجمة مكسورة ومثلثة - البصري أبو البحر الصيرفي، صدوق، من صغار التاسعة (ت 240) وقيل قبل ذلك. /د. (ابن حجر: التقريب 1/526 و6/438) .
(كشف الأستار 2/350) .
3 6/181- 182.
(مختصر زوائد مسند البزار ص251 رقم (816) .
5 2/334.
6 4/331- 332
7 أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني تقدم في حديث (56) .
8 شرح المواهب 3/13.(1/215)
وأورده ابن الأثير في ترجمة أبي عبد الرحمن الفهري وقال: رواه حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن أبي همام عبد الله بن يسار عن أبي عبد الرحمن1 الفهري2.
وقال ابن حجر في الإصابة: "أخرج حديثه أبو داود والبغوي ووقع لنا بعلو في مسند الدارمي من طريق يعلى بن عطاء عن أبي همام عبد الله بن يسار عنه أنه شهد حنينا"3.
والحديث بجميع طرقه يدور على أبي همام عبد الله بن يسار، ووصف بأنه مجهول. ولم يوثقه أحد سوى ابن حبان، وهو متساهل في التوثيق، واعتمد ابن حجر فيه قول ابن المديني "شيخ مجهول".
وقد قال ابن حجر أيضا والهيثمي والزرقاني عن هذا الحديث بأن رجاله ثقات4 وقال أبو داود: هو حديث نبيل5، مع أنه يدور على أبي همام المذكور والحديث مع الأحاديث المتقدمة يشد بعضها بعضا.
92- وعند الطبري قال: حدثنا ابن حميد6 قال: ثنا جرير7 عن يعقوب8 عن
____________________
1 قال ابن عبد البر: "أبو عبد الرحمن الفهري القرشي هو الذي وصف الحرب يوم حنين، وهو الذي سأله ابن عباس عن مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الكعبة، وكذا قال المنذري. وقال ابن حجر: وقد فرق بينهما ابن مندة وأن الذي وصف صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو القرشي لا الفهري وهو الذي يظهر رجحانه فقد صرح غير واحد بأن عبد الله بن يسار تفرد بالرواية عن أبي عبد الرحمن الفهري، وكأن أبا عمر لما رأى أن الفهري والقرشي نسبة واحدة ظنهما واحدا". (ابن عبد البر: الاستيعاب 4/137- 138 مع الإصابة، وابن حجر: الإصابة 4/128 وتهذيب التهذيب 12/154) . وعون المعبود 14/147.
2 أسد الغابة 6/199.
3 4/128، وقد عزا ابن حجر في فتح الباري 8/32 حديث أبي عبد الرحمن الفهري إلى الترمذي وتبعه في هذا الزرقاني في شرح المواهب 3/13، ونسبة هذا الحديث للترمذي (وهم) فقد عزاه ابن حجر نفسه في الإصابة والتقريب لأبي داود فقط وسقطت علامة أبي داود من تهذيب التهذيب، وكذا عزاه المزي في تحفة الأشراف 9/232 حديث (12067) والنابلسي في ذخائر المواريث 3/206 حدث (8047) لأبي داود فقط.
وأيضا المباركفوري لم يذكر أبا عبد الرحمن الفهري في رجال الترمذي. (انظر مقدمة تحفة الأحوذي 2/145) .
4 انظر: (مختصر مسند البزار لابن حجر ص251 رقم (816) ومجمع الزوائد للهيثمي 6/181- 182 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/13) .
(سنن أبي داود 2/649 كتاب الأدب، باب الرجل ينادي الرجل فيقول لبيك) .
6 محمد بن حميد بن حيان الرازي، حافظ ضعيف وكان ابن معين حسن الرأي فيه، من العاشرة (ت 230) /د ت ق. (التقريب 2/156 وتهذيب التهذيب 9/127) .
7 جرير: هو ابن عبد الحميد بن قرط، ثقة، تقدم في حديث (26) .
8 يعقوب بن عبد الله بن سعد الأشعري، أبو الحسن القمي - بضم القاف وتشديد الميم - صدوق يهم، من الثامنة (ت 174) /خت عم. (التقريب 2/376 وتهذيب التهذيب 11/390- 391) .(1/216)
جعفر1 عن سعيد2 قال: أمد الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين بخمسة آلاف من الملائكة مسومين3، وقال: ويومئذ سمى الله الأنصار مؤمنين قال: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} ، [سورة التوبة، من الآية:40] . 4.
والحديث أورده الزرقاني والشوكاني: ونسباه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، ثم ساقا مثل ألفاظ حديث الطبري5
والحديث فيه محمد بن حميد وهو ضعيف وفيه جعفر بن أبي المغيرة، قال ابن مندة6 ليس بالقوي في سعيد بن جبير7، ثم الحديث مقطوع.
وهذا الحديث لا تقوم به حجة في كون الملائكة الذين حضورا غزوة حنين كانوا خمسة آلاف.
قال الشوكاني: "وقد اختلف في عدد الملائكة الذين اشتركوا في حنين على أقوال: قيل خمسة آلاف، وقيل ثمانية آلاف، وقيل ستة عشر ألفا، وقيل غير ذلك وهذا لايعرف إلا من طريق النبوة8.إهـ
هذا وقد اختلف أيضا في قتال الملائكة مع المسلمين.
قال القسطلاني: "قاتلت الملائكة مع المسلمين في غزوة بدر وحنين"9.
____________________
1 جعفر بن أبي المغيرة الخزاعي، القمي، صدوق يهم، من الخامسة. /بخ د ت س فق. (التقريب 1/133 وتهذيب التهذيب 2/108) .
2 سعيد بن جبير الأسدي مولاهم، الكوفي، ثقة ثبت، من الثالثة، قتل بين يدي الحجاج سنة (59) ولم يكمل الخمسين./ع. (التقريب1/ 292 وتهذيب التهذيب4/11) .
3 مسومين: أي لهم علامات يعرفون بها. (النهاية لابن الأثير: 2/425) .
(جامع البيان 10/103) .
(الشوكاني: فتح القدير 2/349. والزرقاني شرح المواهب 3/16) .
6 هو الحافظ الإمام الرحال أبو عبد الله محمد بن يحيى بن مندة واسم مندة: إبراهيم ابن الوليد الأصبهاني، سمع محمد بن العلاء أبا كريب ومحمد بن سليمان لوين وعنه أبو القاسم الطبراني وأبو الشيخ مات في رجب سنة (301هـ) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/741) .
(الذهبي: ميزان الاعتدال 1/417، وابن حجر: تهذيب التهذيب 2/108) .
(الشوكاني: فتح القدير 2/348) .
(المواهب اللدنية 1/164) .(1/217)
قال الزرقاني: "والجمهور على أنها لم تقاتل يوم حنين كما قدمه المصنف في (بدر) 1 لأن الله تعالى قال: {وَأَنْزَلَ جُنُوداً لمَ تَرَوهَا} ولا دلالة فيه على قتال، وفي تفسير ابن كثير: المعروف من قتال الملائكة إنما كان يوم بدر"2.
قال ابن مرزوق3: "وهو المختار من الأقوال، ثم قال الزرقاني: وثالث الأقوال: أنها لم تقاتل في بدر ولا في غيرها، وإنما كانوا يكثرون السواد ويثبتون المؤمنين، وإلا فملك واحد يكفي في إهلاك الدنيا، وهذه شبهة دفعها الإمام السبكي4 بقوله: سئلت عن الحكمة في قتال الملائكة معه - صلى الله عليه وسلم - مع قدرة جبريل على دفع الكفار بريشة من جناحه، فقلت: ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الأسباب وسننها التي أجراها الله في عباده، والله فاعل الجميع"5. إهـ.
والخلاصة في هذا أن الآية ذكرت بأن هناك جنودا أنزلها الله في غزوة حنين لتثبيت المؤمنين وتقويتهم، ووردت هذه الآثار تدل على اشتراك الملائكة في هذه الغزوة وهذه الآثار تشد بعضها بعضاً وفيها ما نص العلماء على أن رجالها ثقات وبمجموعها تكون على أقل تقدير من قبيبل الحسن لغيره وجرت عادة المفسرين أنهم يذكرون حول تفسير هذه الآية هذه الآثار وأن المراد بالجنود في الآية هم الملائكة على أن الآية لم تتعرض لعدد الملائكة الذين نزلوا لتأييد المؤمنين، كما أنها لم تتعرض أيضا لبيان أن الملائكة باشرت القتال مع المسلمين.
____________________
1 انظر: (المواهب اللدنية 1/82) .
(تفسير ابن كثير 1/401) .
3 ابن مرزوق: ذكر كحالة في معجم المؤلفين أربعة كل واحد منهم يقال له ابن مرزوق وكلهم مؤلفون وكلهم فبل الزرقاني، ولم أستطع تمييز واحد من بينهم. (انظر: معجم المؤلفين لكحالة6/270، 8/317 و9/16و11/187) .
4 هو علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام، تقي الدين السبكي، الخزرجي الأنصاري، أبو الحسن الدمشقي الشافعي صاحب كتاب "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" في الرد على ابن تيمية، وكمل على شرح المهذب للنووي في خمس مجلدات وهو والد تاج الدين أبي نصر عبد الوهاب صاحب كتاب "طبقات الشافعية الكبرى" (683- 756هـ) أبو المحاسن محمد بن علي تلميذ. الذهبي: تذكرة الحفاظ ص39- 40، تلميذ الذهبي: ذيل تذكرة الحفاظ ص39- 40.
(الزرقاني: شرح المواهب 3/23. وابن حجر: فتح الباري 7/313) .(1/218)
93- وقد روى الطبري من حديث ابن عباس قال: "لم تقاتل الملائكة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلاّ يوم بدر، وكانت فيما سوى ذلك إمداد1".
قال الهيثمي: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه عبد العزيز2 بن عمران، ضعيف"3.
94- وأخرج أيضا من حديث ابن عباس قال: "كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها إلى ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمر، ولم تقاتل الملائكة في يوم إلا يوم بدر، إنما كانوا يكونون عددا ومددا لا يضربون"4.
قال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه عمار5 بن أبي مالك الجنبي، ضعفه الأزدي".
وقال الشوكاني: "وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر"6.
ويتبن من الروايات السابقة أن الله سبحانه أيد عباده المؤمنين بجنود من عنده لينصر بهم أولياءه ويخذل بهم أعداءه لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وسواء قاتلت الملائكة فعلا في معركة حنين أو لم تقاتل فإن فائدة نزو لهم تحقق ولاشك سواء كان ذلك عن طريق القتال الفعلي أو عن طريق أمر آخر يريده الله من إنزالهم لنصرة الحق ودحض الباطل وأما اختصاص قتال الملائكة (ببدر الكبرى) دون غيرها من الغزوات فهذا قول فيه نظر وذلك لما ثبت في صحيح البخاري ومسلم ومسند أبي داود الطيالسي من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:
95- "لقد رأيت يوم أحد، عن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن يساره، رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد".
____________________
(مجمع الزوائد 6/82- 83. والمعجم الكبير للطبراني 11/165- 166، 389) .
2 قال ابن حجر في التقريب 1/511: "متروك احترقت كتبه فحدث من حفظه فاشتد غلطه".
(مجمع الزوائد 6/82- 83) .
(مجمع الزوائد 6/82- 83. والمعجم الكبير للطبراني 11/165- 166، 389) .
5 انظر: (الذهبي: ميزان الاعتدال 3/167. وابن حجر: لسان الميزان 4/274) .
(فتح القدير 2/293) .(1/219)
وفي لفظ لمسلم: "ما رأيتهما قبل ولا بعد يعني جبريل وميكائيل - عليهما السلام - " 1.
ولفظ الطيالسي: "ما رأيتهما قبل ذلك اليوم ولا بعده".
قال النووي - رحمه الله -: "في الحديث بيان كرامة النبي صلى الله عليه وسلم على الله تعالى، وإكرامه إياه بإنزال الملائكة تقاتل معه، وبيان أن الملائكة تقاتل، وأن قتالهم لم يختص بيوم بدر، وهذا هو الصواب، خلافا لمن زعم اختصاصه، فهذا صريح في الرد عليه. وفيه: فضيلة الثياب البيض، وأن رؤية الملائكة لا تختص بالأنبياء، بل يراهم الصحابة والأولياء".
وفيه: منقبة لسعد بن أبي وقاص الذي رأى الملائكة". والله أعلم2.
__________
(البخاري: الصحيح 5/81 كتاب المغازي - باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا، 7/128 كتاب اللباس، باب الثياب البيض. ومسلم: الصحيح 4/1802 كتاب الفضائل، باب في قتال جبريل وميكائيل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واللفظ له. وأبو داود الطيالسي: كما في منحة المعبود 2/100) .
2 شرح صحيح مسلم 5/163.
وتقدم ص 180 رؤية حارثة بن النعمان لجبريل، وقد ثبتت رؤية الصحابة لجبريل في غزوة بني قريظة في صورة دحية الكلبي.
وهذه الأحاديث ترد ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لشيبة: "يا شيب إنه لا يراها إلا كافر" أي الملائكة. انظر ص 262.(1/220)
الفصل الرابع: ما أسفرت عنه معركة حنين من ضحايا وغنائم
المبحث الأول: خسائر المشركين في هذه الغزوة
...
المبحث الأول: خسائر المشركين في هذه المعركة
تنحصر خسائر المشركين في هذه المعركة في شيئين:
أ- خسائر في الأرواح.
ب- خسائر في الأولاد والأموال والعتاد.
أ- أما خسائر المشركين في الأرواح فقد فقد المشركون في هذه المعركة من رجالهم وأبطالهم وأهل النجدة فيهم ما يزيد على مئات القتلى.
ذلك أن معركة حنين من المعارك الفاصلة التي لم ير المسلمون مثلها ضراوة وشدة في عهدهم الأول.
لقد استمات فيها المشركون وقاتلوا ببسالة نادرة فقتل من بني مالك وحدهم سبعون1 رجلا يتساقطون في ساحة المعركة واحدا تلو الآخر، وهم مصممون على الانتصار يوضح ذلك الآثار الآتية:
96- قال ابن إسحاق: "فلما انهزمت هوازن استحر2 القتل من ثقيف في بني
____________________
1 وعند الواقدي في مغازيه 3/907 أن عدد القتلى منهم قريب من مائة رجل.
2 استحر: بالحاء المهملة: اشتد وكثر، وهواستفعل من الحر والمراد به الشدة (ابن الأثير: النهاية 1/364) .
ووقع عند الزرقاني "استجر" بالجيم، وفسره باشتداد الحرب أيضا. (شرح المواهب اللدنية 3/24) .(1/221)
مالك، فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم فيهم عثمان ابن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب1، وكانت رايتهم مع ذي الخمار، فلما قتل أخذها عثمان بن عبد الله فقاتل بها حتى قتل"2.
هكذا ساق ابن إسحاق بدون إسناد.
ومن طريقه أخرجه الطبري3.
97- قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب4 بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه قتل مع عثمان بن عبد الله غلام له نصراني أغرل5 قال: فبينا رجل من الأنصار يسلب قتلى ثقيف، إذ كشف العبد يسلبه، فوجده أغرل، قال: "فصاح بأعلى صوته: يا معشر العرب: يعلم الله أن ثقيفا غرل، قال المغيرة6 بن شعبة فأخذت بيده وخشيت أن تذهب عنا في العرب، فقلت: لا تقل ذاك، فداك أبي وأمي، إنما هو غلام لنا نصراني، قال: ثم جعلت أكشف له عن القتلى وأقول له: ألا تراهم مختنين كما ترى". قال ابن إسحاق: "وكانت راية الأحلاف مع قارب بن الأسود، فلما انهزم الناس أسند رايته إلى شجرة، وهرب هو وبنو عمه وقومه من الأحلاف، فلم يقتل من
____________________
1 زاد الطبري: وهو جد ابن أم الحكم بنت أبي سفيان.
قلت: وابن أم الحكم هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عقيل الثقفي ثم المالكي نسب لأمه وهي أم حكم بنت أبي سفيان بن حرب. (انظر الإصابة لابن حجر: 3/70- 71) .
2 عند ابن إسحاق والطبري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه قتل عثمان بن عبد الله، قال: "أبعده الله فإنه كان يبغض قريشا".
وعند الواقدي: "أن الذي قتل عثمان بن عبد الله، وهو عبد الله بن أبي أمية فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يرحم الله عبد الله بن أبي أمية، وأبعد الله عثمان بن عبد الله بن ربيعة، فإنه كان يبغض قريشا".
ثم قال الواقدي: "وكان دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله برحمة الله فبلغه فقال: إني لأرجو أن يرزقني الله الشهادة في وجهي هذا! فقتل في حصار الطائف". (مغازي الواقدي 3/911- 912) .
3 تاريخ الرسل والملوك 3/77.
4 يعقوب: ثقة من السادسة (ت 128) /د س ق. التقريب 2/376 وتهذيب التهذيب 11/392) .
5 الأغرل: هو غير المختتن، والغرلة: هي الجلدة التي يقطعها الخاتن وتسمى القلفة. (ابن الأثير: النهاية 3/362. وابن حجر: هدي الساري ص162) .
6 المغيرة بن شعبة بن مسعود بن متعب، الثقفي، صحابي مشهور أسلم قبل الحديبية، وولي إمرة البصرة، ثم الكوفة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، مات سنة خمسين على الصحيح. /ع. (التقريب 2/269 وتهذيب التهذيب 10/262) .(1/222)
الأحلاف غير رجلين: رجل من غيرة1 يقال له وهب، وآخر من بني كبة2 يقال له: "الجلاح3 فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بلغه قتل الجلاح: قتل اليوم سيد شباب ثقيف، إلا من كان من ابن هنيدة، يعني الحارث بن أويس"4 ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الطبري5.
والحديث معضل6.
والحاصل: أن ابن إسحاق ذكر أنه قتل من بني مالك وحدهم سبعون رجلا تحت رايتهم.
وذكر الواقدي: "أنه قتل منهم ما يقارب المائة".
وقال القسطلاني: "قتل من المشركين أكثر من سبعين قتيلاً"7.
ولم يقيده ببني مالك أو غيرهم.
وجمع الزرقاني بين الروايات فقال: قوله: "قتل من المشركين أكثر من سبعين" أي وقت الحرب فلا ينافي حديث أنس عند البزار أن الزبير ومن معه قتلوا ثلاثمائة لأنه بعد انهزام الكفار ولا يخالف قوله: "أكثر من سبعين" قول ابن إسحاق وغيره واستحر القتل من بني مالك من ثقيف فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم.
وما رواه البيهقي عن عبد الله8 بن الحارث عن أبيه قال: قتل من أهل
____________________
1 غيرة: بوزن عنبة. (اللباب في تهذيب الأنساب 2/397- 398) .
2 كبة: بضم الكاف وتشديد الباء الموحدة، كذا هو عند ابن هشام وابن كثير نقلا عن إسحاق، قال أبو ذر: وهو الصواب. وعند الطبري عن ابن إسحاق "كنة" بالنون المشددة، وكذا عند الواقدي فقد قال: كنة امرأة من غامد يمانية. وقال ابن منظور في لسان العرب17/243: وبنو كنة: بطن من العرب نسبوا إلى أمهم.
3 الجلاح: بضم الجيم وتخفيف اللام آخره حاء مهملة، كذا عند ابن إسحاق ومن تبعه.
وعند الواقدي: "اللجلاج" بجيمين بينهما لام خفيفة.
قال: وكان اللجلاج رجل من بني كنة وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأخي بني كنة: هذا سيد شبان كنة إلاّ هنيدة الحارث بن عبد الله بن يعمر بن إياس ابن أوس بن ربيعة بن الحارث وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك، وكانت كنة امرأة من غامد يمانية قد ولدت في قبائل العرب وكانت أمة، فأعتق الحارث كل مملوك من بني كنة. (مغازي الواقدي 3/907) .
(سيرة ابن هشام 2/450. والسهيلي: الروض الأنف 7/174) .
5 تاريخ الرسل والملوك 3/78 إلا أن عنده "الحارث بن أوس". وانظر البداية والنهاية 4/335.
6 لأن يعقوب بن عتبة من صغار التابعين.
7 المواهب اللدنية 1/165.
8 صوابه: عبد الله بن عياض كما تقدم في الحديث برقم (45) .(1/223)
الطائف يوم حنين مثل ما قتل يوم بدر، لأن الزائد على السبعين ممن اجتمع معهم من الأخلاط1. ا?.
قلت: حديث البيهقي المشار إليه رواه أيضا الحاكم، ومن طريقه أخرجه البيهقي2.
وحديث البزار هو: حدثنا علي3بن شعيب وعبد الله4 بن أيوب المخرمي ثنا علي5 بن عاصم، ثنا سليمان6 التيمي عن أنس قال: قال غلام منا من الأنصار يوم حنين: لم نغلب اليوم من قلة، فما هو إلا أن لقينا عدونا فانهزم القوم7، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، والعباس عمه آخذ بغرزها، وكنا في واد دهس، فارتفع النقع، فما منا أحد يبصر كفه، إذا شخص قد أقبل فقال8: إليك من أنت؟ قال أنا أبو بكر فداك أبي وأمي، وبه بضعة9 عشر ضربة، ثم إذا شخص قد أقبل فقال: إليك من أنت؟ فقال: أنا عمر بن الخطاب فداك أبي وأمي، وبه بضعة عشر ضربة، وإذا شخص قد أقبل وبه بضعة عشر ضربة فقال: إليك من أنت؟ فقال: أنا عثمان بن عفان فداك أبي وأمي، ثم إذا شخص قد أقبل، وبه بضعة عشر ضربة فقال: إليك من أنت؟ فقال: أنا علي بن أبي طالب فداك أبي
____________________
1 الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/24.
2 تقدم الحديث برقم (45) مع الحكم عليه.
3 علي بن شعيب بن عدي السمسار البزاز، البغدادي فارسي الأصل ثقة من كبار الحادية عشرة (ت 273) /س. وفي تهذيب التهذيب 7/331 "البزار" آخره راء، بدل (البزاز) و (طوسي الأصل) بدل (فارسي الأصل) وطوس من مدن فارس.
وكذا في تاريخ الخطيب البغدادي 11/435- 436.
4 عبد الله بن محمد بن أيوب بن صبيح، أبو محمد المخرمي - بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر الراء المشددة - قال ابن أبي حاتم سمعت منه مع أبي وهو صدوق (ت 265) وقد حصل خطأ في تهذيب التهذيب 7/344، حيث ذكر عبد الله بن أيوب في تلاميذ علي بن عاصم وقال: "المخزومي" والصواب "المخرمي". (تاريخ بغداد 10/81 والجرح والتعديل لابن أبي حاتم5/11وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/565.
5 علي بن عاصم صدوق يخطئ ويصر، تقدم في حديث (53) .
6 سليمان بن طرخان التيمي ثقة عابد تقدم في حديث (53) .
7 أي المسلمين.
8 القائل: هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإليك بمعنى تنح وابتعد عني.
9 البضع: من ثلاثة إلى تسعة والمعنى هنا من ثلاث عشرة إلى تسع عشرة. المصباح المنير 1/64. وفيه: "تثبت الهاء في بضع مع المذكر، وتحذف مع المؤنث".(1/224)
وأمي، ثم أقبل الناس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "ألا رجل صَيّت1 ينطلق فينادي في القوم"، فانطلق رجل2 فصاح، فما هو إلا أن وقع صوته في أسماعهم، فأقبلوا راجعين فحمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وحمل المسلمون معه، فانهزم المشركون وانحاز دريد بن الصمة على جبيل.
أو قال: على أكمة في زهاء ستمائة، فقال له بعض أصحابه: أرى والله كتيبة قد أقبلت، فقال: "حلوهم3 لي، فقالوا: سيماهم كذا حليتهم كذا، قال لا بأس عليكم، قُضاعة4. منطلقة في آثار القوم، قالوا: نرى والله كتيبة خشناء قد أقبلت، قال: حلوهم لي: قالوا: سيماهم كذا من هيئتهم كذا، قال: لا بأس عليكم هذه سليم5، قالوا: نرى فارسا قد أقبل، فقال: ويلكم وحده، فقالوا: وحده، قال: حلوه لي، قالوا: معتجر بعمامة سوداء قال دريد: ذاك -والله-الزبير6 بن العوام وهو - والله - قاتلكم ومخرجكم من مكانكم هذا، قال فالتفت إليهم، فقال: علام، هؤلاء ها هنا؟ فمضى ومن أتبعه، فقتل بها ثلاثمائة وجز رأس دريد7
____________________
1 صيت: بفتح المهملة، وتشديد المثناة التحتية: أي مرتفع الصوت. (المعجم الوسيط1/528) .
2 وقع في صحيح مسلم وغيره أن الذي أمر بذلك هو العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الصوت.
3 حلوهم لي: اذكروا لي حليتهم وصفوهم لي، وقد وقع في فتح الباري 8/42 وشرح المواهب اللدنية 3/23: خلوهم لي فخلوهم: بالخاء المعجمة وهو خطأ.
4 قضاعة: شعب عظيم يشتمل على قبائل كثيرة، منهم: كلب وبلى وجهينة وغيرها، وقد اختلف في قضاعة فقيل إنه من معد وقيل: من اليمن.
(ابن الأثير: تهذيب الأنساب3/43، قلت: فعلى أنها من معد فهم: قضاعة بن معد بن عدنان، وعلى أنها من اليمن: فهم قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير قال القلقشندي: وهو المشهور فيه وعليه جرى الكلبي وابن إسحاق وغيرهما وقال السهيلي: أكثر النسابين على أن قضاعة هو ابن معد، وهو مذهب الزبيريين وابن هشام. معجم قبائل العرب: 3/957) .
5 يعني بني سليم وسليم هوابن منصور.
6 الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب أبو عبد الله القرشي، الأسدي، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة قتل سنة (36) بعد منصرفه من وقعة الجمل. /ع. (ابن حجر التقريب 1/259 وتهذيب الهذيب 3/318) .
7 قال ابن حجر: "واختلف في قاتل دريد فجزم محمد بن إسحاق بأنه ربيعة بن رفيع-بالفاء مصغرا-ابن وهبان بن ثعلبة بن ربيعة السلمي، وكان يقال له ابن الدغنة". وفي حديث البزار هذا ما يشعر بأن قاتل دريد بن الصمة هو الزبير بن العوام.
ثم قال ابن حجر: "ويحتمل أن يكون ابن الدغنة كان في جماعة الزبير فباشر قتله فنسب إلى الزبير مجازا". وفي الصحيحين من حديث البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري قال: لما فرغ النبي - صلى الله عليه وسلم من - حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه قال ابن حجر: كذا رويناه على البناء للمجهول. (فتح الباري 8/42) .
وفي الإصابة: قال: وفي حديث أبي موسى الأشعري، عند مسلم، أنه الذي قتل دريد بن الصمة بعد أن قتل دريد عمه أبا عامر الأشعري لكن ذكر ابن إسحاق أن الذي قتله أبو موسى هو سلمة بن دريد بن الصمة وهذا أسبه، فإن دريد بن الصمة إذ ذاك لم يكن ممن قاتل لكبر سنه. (الإصابة: 1/507) .
قلت: لم أجد هذا اللفظ في مسلم في النسخ الموجودة بين أيدينا مع شروحها، والذي فيها هو البناء للمجهول. وسيأتي حديث الصحيحين برقم (118) ووقع ذلك عند الطبري بإسناد صحيح عن أبي بردة عن أبيه قال: "ولما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريدا، وهزم الله أصحابه" أهـ. وما قدمه ابن حجر من الجمع في قاتل دريد هو الأظهر.
(انظر: سيرة ابن هشام 2/453-454. والروض الأنف للسهيلي 7/177 و178-179. وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/79. وأسد الغابة لابن الأثير 2/211. وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/23. وانظر حديث (116) .(1/225)
ابن الصمة، فجعله بين يديه" 1.
قال البزار: "لا نعلم رواه بهذا اللفظ إلا سليمان التيمي عن أنس ولا عن سليمان إلا علي"2. وحسن إسناده ابن حجر.
وهذا أكثر ما وقفت عليه في عدد القتلى من المشركين يوم حنين.
وقد صرح الزرقاني بأن هؤلاء القتلى الواردون في حديث البزار إنما كان بعد انسحاب المشركين من المعركة3.
وتقدم قول ابن إسحاق بأنه قتل من بني مالك وحدهم سبعون رجلا وعند الواقدي نحو مائة4.
هذا ما رواه ابن إسحاق أيضا بقوله:
98- واستحر القتل من بني نصر في بني رئاب، فزعموا أن عبد الله5 بن قيس وهو الذي يقال له ابن العواء، وهو أحد بني وهب بن رئاب قال: يا رسول الله،
____________________
(كشف الأستار 2/346 وتقدم بعضه برقم (53) مع الحكم عليه) .
2 علي بن عاصم بن صهيب الواسطي، التميمي مولاهم وقد وثقه قوم وضعفه آخرون.
وضعفه آت من قبل كثرة غلطه وتماديه فيه، ولم يكن متهما بالكذب ومن وسمه بذلك فقوله مردود بقول الأئمة الآخرين الذين وصفوه بالصدق والصلاح، ولقد ختم الذهبي ترجمته بقوله: صدوق له صولة كبيرة في زمانه. وقد ساق له ابن عدي جملة أحاديث بواطيل، ورد ذلك الذهبي وقال: المتهم بها غيره. لا (انظر: الذهبي: تذكرة الحفاظ1/316-317، وسير أعلام النبلاء 9/249-262 وميزان الاعتدال 3/135-138، وابن حجر: تهذيب التهذيب 7/344-348) .
قلت: ولذا فقد حكم ابن حجر على هذا الحديث بأنه بإسناد حسن.
3 انظر قول الزرقاني ص (223) .
4 انظر الحديث رقم (96) .
5 انظر ترجمته في الإصابة لابن حجر 2/391.(1/226)
هلكت بنو رئاب فزعموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: اللهم اجبر مصيبتهم 1.
وهكذا ذكر ابن سعد إلا أنه قال: "واستحر القتل في بني نصر بن معاوية ثم في بني رئاب"2.
وبنو رئاب غير بني مالك، ومعلوم أن قبيلة بني نصر من أهم أجنحة هوازن، فهي تعد بالمئات، ومعنى تصريح أحد أفرادها بأن القتل كاد يفنيها أن قتلها بلغوا المئات، وهاتان فقط قبيلتان من قبائل هوازن الكثيرة يظهر من حديث المؤرخين عن ضحاياها أنها بلغت المئات، فكم تكون الضحايا بين العشائر الأخرى من سائر قبائل هوازن وغيرها التي اشتركت في المعركة لاشك أنها تعد بالمئات كذلك، وقد نظر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه المعركة، فقال عنها: "الآن حمي الوطيس".
وهذا القول لم يصدر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وصف أية معركة من المعارك التي خاضها طيلة حياته، مما يدل على عظم خطرها وكثرة ضحاياها، وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمطاردة المشركين وقتل من قدر عليه منهم.
فقد روى البزار من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
99- حدثنا الوليد3 بن عمرو بن سَكَيْن ثنا محمد4 بن عبد الله بن المثنى عن أبيه5 عن ثمامة6 عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين: "جزوهم7 جزا وأومأ بيده إلى الحلق".
____________________
1 سيرة ابن هشام 2/455.
2 الطبقات الكبرى 2/152. ومغازي الواقدي 3/916.
3 الوليد بن عمرو بن السكين - بضم أوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه - البصري، أبو العباس، صدوق من الحادية عشرة. /ق. (التقريب 2/334 وتهذيب التهذيب 11/144- 145 و9/274 كلاهما لابن حجر. والخلاصة للخزرجي 3/133) . وقد وقع في كشف الأستار "الوليد بن عمر" بضم العين.
4 محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري القاضي، ثقة، من التاسعة (ت215) /ع. (التقريب2/180، وتهذيب التهذيب9/274) .
5 هو عبد الله بن االمثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، أبو المثنى البصري، صدوق كثير الغلط، من السادسة./خ ت ق. (المصدر السابق1/445 و5/387-388. وفي ميزان الاعتدال 2/499 رمز له الذهبي بـ (صح) إشارة إلى أنه ثقة) .
6 ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، قاضيها، صدوق من الرابعة. /ع. (التقريب1/120وتهذيب التهذيب2/28. وميزان الاعتدال1/372 للذهبي ورمز له بـ (صح) إشارة إلى توثيقه) .
7 الجز القطع والقص. (النهاية 1/268 والقاموس المحيط 2/169) .(1/227)
قال البزار: "لا نعلم رواه إلا أنس، ولا له عنه إلا هذا الطريق1، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ثم قال: "رواه البزار ورجاله ثقات"2.
وكذا قال ابن حجر والزرقاني3.
100- وعند الواقدي: عن شيوخ من ثقيف - أسلموا بعد وكانوا حضروا ذلك اليوم - قالوا: ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبنا فيما نرى ونحن مولون حتى إن الرجل منا ليدخل حصن الطائف وإنه ليظن أنه على أثره من رعب الهزيمة4.
101- وعنده أيضا أن سعد بن عبادة كان يصيح يومئذ بالخزرج: يا للخزرج، وأسيد بن حضير: يا للأوس ثلاثا، فثابوا والله من كل ناحية كأنهم النحل إلى يعسوبها، قال: فحنق المسلمون عليهم حتى أسرع المسلمون في قتل الذرية فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما بال أقوام ذهب بهم القتل حتى بلغ الذرية، ألا لا تُقتل الذرية ثلاثا".
قال أسيد بن حضير: "يا رسول الله، أليس إنما هم أولاد المشركين؟ "
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أوليس خياركم أولاد المشركين؟ كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب5 عنها لسانها، فأبواها يهودانها أو ينصرانها" 6.
وعند أحمد من حديث الأسود بن سريع أن "رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية يوم حنين فقاتلوا المشركين فأفضى بهم القتل إلى الذرية، فلما جاءوا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما حملكم على قتل الذرية؟ "
قالوا: "يا رسول الله إنما كانوا أولاد المشركين؟ "
قال: "أو هل خياركم إلاّ أولاد المشركين؟،
____________________
1 كشف الأستار 2/349.
2 6/181.
3 ابن حجر: مختصر زوائد مسند البزار ص251 رقم 816. والزرقاني شرح المواهب 3/21 إلا أنه قال: "اجزروهم جزرا" بدل: "جزوهم جزاً".
4 مغازي الواقدي 3/908.
5 يعرب عنها لسانها: أي حتى ينطق ويتكلم. (ابن الأثير: النهاية 3/200- 201) .
6 مغازي الواقدي 3/904.(1/228)
والذي نفس محمّد بيده ما من نسمة تولد إلاّ على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها" 1.
وفي حديث أنس بن مالك عند أبي داود وغيره أن أبا طلحة2 وحده قتل عشرين رجلا وأخذ أسلابهم وهذا سياقه عند أبي داود قال: حدثنا موسى3 بن إسماعيل حدثنا حماد4 عن إسحاق5 بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يومئذ - يعني يوم حنين6- "من قتل كافراً فله سلبه"، فقتل أبو طلحة يومئذٍ عشرين رجلاً، وأخذ أسلابهم. ولقي أبو طلحة أم سليم7 ومعها خنجر، فقال: يا أم سليم ما هذا معك؟ قالت: أردت والله إن دنا مني بعضهم أبعج به بطنه، فأخبر بذلك أبو طلحة رسول الله - صلى الله عليه وسلّم -".
قال أبو داود: "هذا حديث حسن"8.
ورواه الدارمي وابن أبي شيبة والطحاوي كلهم من طريق حماد بن سلمة دون "قصة أم سليم"9.
وأخرجه ابن حبان من طريق حماد بن سلمة "بقصة أبي طلحة" وزاد: قال أبو قتادة10: "يا رسول الله ضربت رجلا على حبل العاتق عليه درع فأجهضت، فقال رجل: أنا أخذتها فارضه منها وأعطنيها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يسأل
____________________
1 أحمد: المسند 3/435 وهو حديث صحيح وقد سقت طرقه في رقم (247) .
2 هو زيد بن سهيل الأنصاري النجاري. تقدم في حديث (60) .
3 هو المنقري التبوذكي تقدم في حديث (91) .
4 حماد: هو ابن سلمة ثقة، تقدم في حديث (36) .
5 إسحاق ثقة حجة، تقدم في حديث (47) .
6 قال محمد شمس الحق العظيم آبادي: يعني يوم حنين تفسير من بعض الرواة ثم قال المنذري: وأخرج مسلم قصة أم سليم في الخنجر بنحوه. (عون المعبود 7/388) وانظر حديث رقم (60) .
7 أم سليم تقدمت ترجمتها في حديث (60) .
8 أبو داود: السنن 2/65 كتاب الجهاد، باب في السلب يعطى القاتل.
9 الدارمي: السنن 2/147 كتاب السير، باب من قتل قتيلا فله سلبه. وابن أبي شيبة: التاريخ ص 91أ. والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/227.
10 أبو قتادة الأنصاري السلمي - بفتحتين - المدني، اختلف في اسمه، شهد أحدا وما بعدها، ولم يصح شهوده بدرا، مات سنة (54) على الأصح. /ع. (التقريب 2/463 وتهذيب التهذيب 12/204) .(1/229)
شيئا إلا أعطاه أو سكت، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم" فقال عمر1 رضي الله عنه: "والله لا ينعمها الله على أسد من أسده ويعطيكها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: صدق عمر".
قال الهيثمي: "قصة أبي قتادة في الصحيح2 من حديث أبي قتادة، وهذا الحديث كله من حديث أنس".
وله طرق تأتي في غزوة حنين3.
وأخرجه أبو داود الطيالسي وأحمد والحاكم والبيهقي الجميع من طريق حماد بن سلمة به.
ولفظه: عن أنس بن مالك أن هوازن جاءت يوم حنين بالنساء والصبيان والإبل والغنم فجعلوها صفوفا وكثرن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما التقوا ولى المسلمون مدبرين كما قال الله عز وجل:4، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله ثم قال: يا معشر الأنصار أنا عبد الله ورسوله"، فهزم الله المشركين، ولم يضربوا بسيف ولم يطعنوا برمح قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: "من قتل كافرا فله سلبه".
قال: فقتل أبو طلحة5 يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم، وقال قتادة: "يا رسول الله إني ضربت رجلا على حبل العاتق وعليه درع له وأجهضت عنه".
وقد قال حماد: "أيضا فأجهضت عنه - فانظر من أخذها قال رجل فقال: أنا أخذتها، فارضه منها، وأعطينها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو
____________________
1 وقد ورد أيضا أن صاحب هذا القول أبو بكر الصديق، وسيأتي التوفيق بين القولين في الأحكام في ص 639 تعليقة (2) .
2 انظر الحديث رقم (62) .
3 موارد الظمآن ص 402 ووقع في الأصل في غزوة خيبر وهو خطأ، وذلك:
أ- أن ابن حبان ساق الحديث في غزوة حنين.
ب- قال الهيثمي عقب الحديث: وله طرق تأتي في غزوة (خيبر) ولم تأت هذه الطرق إلا في غزوة حنين.
ج- وكذا أخرج الحديث أحمد والدارمي وأبو داود والحاكم وغيرهم بلفظ غزوة حنين.
4 يشير إلى قوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] .
5 عند الحاكم "فقتل أبو قتادة" وهو خطأ فإن قاتل العشرين هو أبو طلحة كما هو مصرح به عند غير الحاكم، وإن أبا قتادة هو قاتل صاحب الدرع.(1/230)
سكت، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال عمر: والله لا يفيئها الله على أسد من أسده ويعطيكها، قال: فقال رسول الله: "صدق عمر" فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "صدق عمر" ولقى أبو طلحة أم سليم ومعها خنجر فقال أبو طلحة: ما هذا معك: قالت: أردت إن دنا مني بعض المشركين أن أبعج به بطنه. فقال أبو طلحة: ألا تسمع ما تقول أم سليم؟
قالت: يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك، فقال: "إن الله قد كفى وأحسن يا أم سليم" 1 لفظ أحمد.
قال الحاكم بعد إخراجه صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي.
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن علي بن أبي طالب ورجلا من الأنصار رضي الله عنهما قتلا صاحب راية هوازن2.
102- وفي حديث سلمة ابن الأكوع - رضي الله عنه - قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن، فبينا نحن نتضحى3 مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه، ثم انتزع طلقا من حقبه فقيد به الجمل، ثم تقدم يتغذى مع القوم، وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر، وبعضنا مشاة، إذ خرج يشتد فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه وقعد عليه فأثاره، فاشتد بالجمل، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء، قال
____________________
1 أبو داود الطيالسي 2/ 108-109 (منحة المعبود) .
وأحمد: (المسند 3/279. وابن حبان: كما في موارد الظمآن ص 417. والحاكم: المستدرك 2/130. والبيهقي: السنن الكبرى 6/306، ودلائل النبوة 3/46) .
2 تقدم الحديث برقم (58) .
(نتضحى) أي نتغذى.
(طلقا) الطلق: قيد يتخذ من الجلود.
(من حقبه) الحقب: محركا: حبل يشد على بطن البعير مما يلي مؤخره.
(ورقة في الظهر) ، الظهر: المركوب، والرقة في حال الضعف.
(ورقاء) ذات لون أسمر، والورقة: السمرة.
(فندر) ندر رأسه أي: طار عن بدنه. (ابن الأثير: جامع الأصول 8/398-399) .(1/231)
سلمة: وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي فضربت رأس الجمل فندر ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقال: "من قتل الرجل؟ ".
قالوا: ابن الأكوع، قال: "له سلبه أجمع" 1.
103- وأخرج عبد الرزاق عن الثوري2 عن أبي فزارة3 عن عبد الرحمن4 بن أبي عمرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين بامرأة مقتولة فقال: ألم أنه عن هذا؟
فقال رجل: "أردفتها، فأرادت أن تقتلني، فقتلتها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفنها" 5.
هذا الذي توصلت إليه من قتلى هوازن في هذه المعركة ولم تذكر المصادر أسماء القتلى سوى:
1- دريد بن الصمة.
2- عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن حبيب كان ممن حمل راية هوازن في حنين.
3- غلام نصراني لعثمان بن عبد الله.
4- الجلاح، أو اللجلاج.
5- رجل يقال له وهب.
6- ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك وكان حاملا لراية بني مالك من ثقيف6.
____________________
1 مسلم: الصحيح 3/1374-1377 كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل.
وأبو داود: السنن 2/45-46 كتاب الجهاد، باب في الجاسوس المستأمن. وانظر ص 1001-1004.
2 سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ فقيه، عابد إمام حجة، من رءوس الطبقة السابعة، وكان ربما دلس (ت161) / ع. (التقريب 1/311 وتهذيب التهذيب 4/111-115) .
3 هو راشد بن كيسان العبسي- بالموحدة - أبو فزارة الكوفي، ثقة من الخامسة / بخ م ت ق. (التقريب 1/240 وتهذيب التهذيب 3/227) .
4 عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري النجاري، يقال ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن أبي حاتم: ليست له صحبة /ع. (التقريب 1/493 وتهذيب التهذيب 6/242 وعلى هذا فالحديث مرسل، ورجاله ثقات وله شواهد تقويه. انظر حديث 245، 246، 247، 248، 249،. وانظر الإصابة 3/72.
5 المصنف: 5/201-202.
6 انظر: ابن هشام: السيرة النبوية 2/437 و449-450 و453. والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/77 و78 و79. والسهيلي: الروض الأنف7/174-175 و177. وابن كثير: البداية والنهاية4/335.(1/232)
هكذا كانت ضحايا هوازن في هذه المعركة تعد بالمئات من القتلى.
ب- أما عن خسارتهم في الأهل والأولاد والأموال والعتاد، فقد فقدوا أفلاذ أكبادهم وأغلى أموالهم، ذلك أن مالك بن عوف ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وأولادهم، وكان يهدف من رواء ذلك أن يكثر على المسلمين من ناحية وأن يحرض قومه على القتال والصمود في المعركة للدفاع عن أطفالهم ونسائهم من ناحية، وأن لا يفكر واحد منهم في الفرار. فصارت جميع تلك الأموال والنساء والنعم بأنواعها رزقا ساقه اله للمسلمين على يد هؤلاء الكفار الذين قذف الله في قلوبهم إخراج أموالهم ونعمهم وشائهم وذراريهم معهم.
فعند أبي داود وغيره من حديث سهل بن الحنظلية إنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان عشية فحضرت صلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم، اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله" الحديث1.
وفي حديث انس بن مالك قال: "لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بذراريهم ونعمهم"2.
وفي حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سار إلى حنين لما فرغ من فتح مكة، جمع مالك بن عوف النصرى من بني نصر وجشم ومن سعد بن بكر وأوزاع من بني هلال، وناسا من بني عمرو بن عامر وعوف بن عامر، وأوزعت معهم الأحلاف من ثقيف وبني مالك، ثم سار بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار مع الأموال والنساء والأطفال" الحديث3.
وفي حديث أنس بن مالك أن هوازن جاءت يوم حنين بالصبيان والإبل والنساء والنعم فجعلوهم صفوفا يكثرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث4.
وعند ابن إسحاق وغيره أن هوازن لما اجتمعت على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت
____________________
1 تقدم الحديث برقم (50) .
2 تقدم الحديث برقم (40) .
3 تقدم الحديث برقم (23) .
4 تقدم الحديث برقم (47) .(1/233)
دريد بن الصمة الرياسة عليها فقال: "وما ذاك، وقد عمي بصري وما أستمسك على ظهر الفرس، ولكن أحضر معكم لأشير عليكم رأيي بشرط أن لا أخالف فإن ظننتم أني مخالف أقمت ولم أخرج، فقالوا: لا نخالفك، وجاءه مالك، وكان جماع مرهم إليه، فقال له: لا نخالفك فيما تراه، فقال: تريد أنك تقاتل رجلا كريما قد أوطأ العرب وخافته العجم ومن بالشام وأجلى يهود الحجاز إما قتلا وإما خروجا عن ذل وصغار، ويومك هذا الذي تلقى فيه محمدا ما بعده يوم".
قال مالك: "إني لأطمع أن ترى ما يسرك، قال دريد: منزلي حيث ترى فإذا جمعت الناس سرت إليك، فلما خرج مالك بالظعن والأموال وأقبل دريد قال لمالك أسمع بكاء الصغير ورغاء البعير ونهاق الحمير وخوار البقر؟ قال مالك: أردت أن أجعل خلف كل إنسان أهله وماله يقاتل عنهم. فانتقص به دريد وقال: راعي ضأن والله ما له وللحرب، وصفق بإحدى يديه على الأخرى تعجبا، وقال: هل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل فارفع الأموال والنساء والذراري إلى ممتنع بلادهم ثم ألق القوم على متون الخيل والرجال بين أصناف الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك، فقال مالك: والله لا أفعل ولا أغير أمرا فعلته، إنك قد كبرت وكبر عقلك، فغضب دريد وقال: يا معشر هوازن ما هذا برأي إن هذا فاضحكم في عوراتكم وممكن منكم عدوكم ولا حق بحصن ثقيف وتارككم، فانصرفوا وتركوه، فسل مالك سيفه وقال: إن لم تطيعوني لأقتلن نفسي، وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي، فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا: لئن عصيناه ليقتلن نفسه وهو شاب ونبقى مع دريد وهو شيخ كبير لا قتال معه فأجمعوا رأيكم مع مالك، فلما رأى دريد أنهم خالفوه قال:
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع
أقود وطفاء الزمع ... كأنها شاة صدع1
____________________
1 انظر: ابن هشام: السيرة النبوية 2/437-439 وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/465-467. والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/8(1/234)
وهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها كثرة ما خرجت به هوازن من الجموع والأموال والنساء والأطفال، وأما عن إحصاء هذه الغنائم فقد ذكر ابن إسحاق:
104- أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ومن الإبل ما لا يدري ما عدته1.
ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الطبري إلا أنه قال: "وكان معه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن من النساء والذراري عدد كثير، ومن الإبل ستة آلاف بعير، ومن الشاء ما لا يحصى" 2.
وعنده ابن سعد قال: "وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبي والغنائم تجمع، فجمع ذلك كله وحدروه إلى الجعرانة، فوقف إلى أن انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الطائف وهم في حظائرهم3 يستظلون بها من الشمس، وكان السبي ستة آلاف رأس4، والإبل أربعة وعشرين ألف بعير والغنم أكثر من أربعين ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية فضة" 5.
105- وقال غروة وموسى بن عقبة عن الزهري: ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وترك السبي بالجعرانة وملئت عرش6 مكة منهم"7.
____________________
1 سيرة ابن شام: 2/488 والروض الأنف للسهيلي 7/241، 282 والبداية والنهاية لابن كثير 2/279 و4/352 وجوامع السيرة لابن حزم ص 245.
2 تاريخ الرسل والملوك 3/86.
3 الحظائر: جمع حظيرة وهي الموضع الذي يحاط عليه لتأوى إليه الغنم والإبل يقيهما البرد والريح. (ابن الأثير: النهاية 1/404) .
4 قال الزرقاني: "وإطلاق السبي على الإبل والغنم والفضة تغليب، ولم يذكر عدة البقر والحمير مع أنهما كانا معهم كما ذكره ابن إسحاق وغيره أن دريد بن الصمة قال لمالك بن عوف: ما لي أسمع بكاء الصغير ورغاء البعير ونهاق الحمير ويعار الشاء وخوار البقر".
ثم قال: "ولعله لم يذكرهما لقلتها بالنسبة لما ذكر، أو أنه لم يتحرر عدتهما". (شرح المواهب اللدنية 3/36) .
5 الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/52والوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي ص 706 وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/472-473، وفتح الباري لابن حجر: 8/48) .
6 عرش: جمع عريش، وهي البيوت تتخذ من عيدان تنصب ويظلل عليها. (ابن الأثير: النهاية 3/207-208، ومحمد بن أبي بكر الرازي: مختار الصحاح ص 424) .
7 ابن كثير: البداية والنهاية 4/347.(1/235)
هكذا ذكر أهل المغازي هذه الأعداد بدون إسناد، وقد ورد في الأحاديث الآتية:
106- ما رواه الطبري من مرسل عروة بن الزبير قال: "سار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين من فوره ذلك - يعني منصرفه من حنين - حتى نزل الطائف، فأقام نصف شهر يقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقاتلتهم ثقيف من وراء الحصن، ولم يخرج إليه في ذلك أحد منهم" الحديث.
وفيه: "ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحاصرهم إلا نصف شهر حتى نزل الجعرانة، ويزعمون أن ذلك السبي الذي أصاب يومئذ من هوازن كان عدته ستة آلاف من نسائهم وأبنائهم" الحديث1.
107- وعنده أيضا قال: حدثنا ابن عبد الأعلى2، قال ثنا محمد3 بن ثور عن معمر عن قتادة عن الزهري عن سعيد بن المسيب: "أنهم أصابوا يومئذ ستة آلف سبي، ثم جاء قومهم مسلمين بعد ذلك فقالوا: يا رسول الله أنت خير الناس وأبر الناس، وقد أخذت أبناءنا ونساءنا وأموالنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عندي من ترون، وإن خير القول أصدقه اختاروا إما ذراريكم ونساءكم، وإما أموالكم، قالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئا" الحديث4.
ورواه عبد الرزاق وابن سعد كلاهما من طريق الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب به5.
وأصل هذا الحديث في صحيح البخاري من حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة "دون ذكر عدد السبي".
____________________
1 تاريخ الرسل والملوك 3/82 وتقدمت تراجم رجال السند في حديث (9) وهم من رجال الحسن.
2 هو محمد بن عبد الأعلى الصناعني، القيسى، أبو عبد الله البصري، ثقة من العاشرة (ت 245) / م قد ت س ق. (التقريب 2/182 وتهذيب التهذيب 9/289) .
3 محمد بن ثور الصنعاني، أبو عبد الله العابد، ثقة من اتاسعة (ت 190) تقريبا، د س. (التقريب 2/149 وتهذيب التهذيب 9/87) . وتقدمت تراجم بقية الرواية في حديث (32) و (36) و (48) (71) وهم ثقات.
4 الطبري: جامع البيان 10/102.
5 عبد الرزاق: المصنف 5/ 381 وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/155.(1/236)
108 - ولفظه عن ابن شهاب عن عروة أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم: معي من ترون، وأحب الحديث إلي أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي وإما المال، الحديث وفيه "فلما تبين لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا أحدى الطائفتين، قالوا: فانا نختار سبينا" 1.قال ابن حجر: "تقدم ذكر الحديث من وجهين عن الزهري، وقد تقدم في أول الشروط في قصة صلح الحديبية2 أن الزهري رواه عن عروة عن المسور ومروان عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه في بقية المواضع حيث لا يذكر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يرسله، فإن المسور يصغر في عن إدراك القصة، ومروان أصغر منه، نعم كان المسور في قصة3 حنين مميزا فقد ضبط في ذلك الأوان قصة خطبة علي بن أبي طالب لابنة أبي جهل، والله أعلم4 إهـ.
109 - وأخرج الحاكم قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد5 بن يعقوب ثنا الحسين6 بن علي القباني ثنا المنذر7 بن الوليد الجارودي ثنا عبد الأعلى8 بن
____________________
1 البخاري: الصحيح 3/87 كتاب الوكالة، باب إذا وهب شيئا لوكيل أو شفيع قوم جاز. و129 كتاب العتق، باب من ملك من العرب رقيقا الخ. و137 "كتاب الهبة" باب من رأى الهبة الغابة جائزة. و141 باب إذا وهب جماعة لقوم. 4/70 كتاب فرض الخمس، باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين. و5/126 كتب المغازي، باب ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم. و9/59 كتاب الحاكم، باب العرفاء للناس.
2انظر: صحيح البخاري3/165كتاب الشروط، باب ما يجوز من الشروط في الإسلام.
3 يريد قصة وفد هوازن يوم حنين.
4 فتح الباري 5/313 و8/33.
5 محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني النيسابوري ابن الأخرزم، ويعرف أبوه بابن الكرماني (250-344) (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/864) .
6 في الأصل "الحسن" ولعله الحسين بن محمد بن زياد العبدي النيسابوري أبوعلي الحافظ المعروف بالقباني، فإنه من شيوخ ابن الأخرم، وهوثقة حافظ مصنف (انظر تذكرة الحفاظ للذهبي 2/680-682 وتهذيب التهذيب 2/368-369 والتقريب 1/179 كلاهما لابن حجر) .
7 المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن بن حبيب العبدي الجارودي البصري ثقة، من صغار العاشرة / خ د. (التقريب 2/275 وتهذيب التهذيب 10/304) .
8 هو السامي ثقة تقدمت ترجمته في حديث (64) .(1/237)
عبد الأعلى ثنا يحيى1 بن سعيد الأنصاري حدثني أبو الزبير2 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف في غزوة حنين فلما بلغ الجعرانة قسم فضة بين الناس" 3.
ثم قال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".
وسكت عنه الذهبي.
والأحاديث الواردة في هذا الباب فيما غنمه المسلمون من هوازن كثيرة جدا تقدم بعضها في مبحث "استعداد هوازن العسكري"4.
وسيأتي بعضها أيضا في الباب الثاني عند التعرض لقسم الغنائم وهذه الغنائم تتمثل في الإبل والغنم والبقر والسبي وهي غنائم كثيرة لم تحصل للمسلمين في غزواتهم والأموال، فآلت هذه كلها إلى المسلمين غنيمة ساقها الله عليهم.
وكانت هذه الغنائم التي حازها المسلمون في غزوة حنين قد سيقت إلى الجعرانة وحفظت هناك حتى عاد الرسول صلى الله عليه وسلم من حصار الطائف.
وقد اختلفت الروايات الواردة فيمن استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفظ الغنائم وهي على النحو الآتي:
110 أ- قال ابن إسحاق: ثم جمعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا حنين وأموالها، وكان على المغانم مسعود5 بن عمرو القاري، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
1 يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني، ثقة ثبت من الخامسة (ت144) أو بعدها. /ع. (التقريب 2/348 وتهذيب التهذيب 11/221 وقد سقط الحكم عليه من التقريب الطبعة المصرية وهو ثابت في التقريب الطبعة الهندية ص 376) .
2 هو محمد بن مسلم بن تدرس - بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء - الأسدي مولاهم، أبو الزبير المكي، صدوق، إلا أنه يدلس من الرابعة (ت 126) / ع. (التقريب 2/207 وتهذيب التهذيب 9/440) .
3 المستدرك 2/121.
4 ص 166.
5 مسعود بن عمرو القاري - بالتشديد بغير همز، من القارة، كان على المغانم يوم حنين، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحبس السبايا والأموال بالجعرانة. (انظر: الاستيعاب لابن عبد البر3/452 مع الإصابة، وأسد الغابة لابن الأثير 5/164 والإصابة لابن حجر3/412 ووقع في سيرة ابن هشام والروض الأنف والبداية والنهاية وشرح المواهب اللدنية (الغفاري) بدل "القاري" وهو خطأ) .(1/238)
بالسبايا والأموال إلى الجعرانة فحبست1 بها".
ب- وفي مرسل سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى يوم حنين ستة آلاف بين غلام وامرأة فجعل عليهم أبا سفيان بن حرب2.
111- ج- وأخرج البخاري في التاريخ قال:
حدثني سعيد3بن يحيى قال حدثني أبي4عن ابن إسحاق5 فحدثني ابن أبي عبلة6 عن ابن بديل7 بن ورقاء عن أبيه8 أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بديلا أن يحبس السبايا والأموال بالجعرانة حتى يقدم عليه فحبسه" 9.
والحديث رواه البزار والطبراني كلاهما من طريق إبراهيم10 بن سعيد الجوهري ثنا يحيى بن سعيد الأموي به11.
____________________
(سيرة ابن هشام 2/459، وتاريخ الرسل الملوك للطبري 3/8 والروض الأنف للسهيلي 7/184 والبداية والنهاية لابن كثير 4/337 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/29) .
2 عبد الرزاق: المصنف 5/380-381 وتقدم الحديث برقم (107) .
3 سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي، أبو عثمان البغدادي، ثقة ربما أخطأ من العاشرة (ت 249) / خ م د س ت. (التقريب 1/308 وتهذيب التهذيب 4/97-98) .
4 هو يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي، أبو أيوب الكوفي نزيل بغداد، لقبه الجمل، صدوق يغرب، من كبار التاسعة (ت 194) / ع. (التقريب 2/348 وتهذيب التهذيب 11/213) وهدي الساري ص: 451.
5 هو محمد بن إسحاق بن يسار، صدوق يدلس، وقد صرح بالتحديث، تقدم ترجمته في حديث رقم (1) ووقع في الاستيعاب "عن أبي إسحاق" وهو خطأ.
6 هو إبراهيم بن أبي عبلة - بفتح المهملة وسكون الموحدة - واسمه شمر - بكسر المعجمة وسكون الميم - ابن يقظان الشامي، يكنى أبا إسماعيل ثقة من الخامسة (ت 152) / خ م د س ق. (التقريب 1/39 وتهذيب التهذيب 1/142 والخلاصة للخزرجي 1/50) .
7 بديل بن ورقاء له ابنان عبد الله وعبد الرحمن وهما صحابيان ولعل الوارد في الحديث أحدهما وقد ورد أن بديلا وابنه عبد الله شهدا حنينا والطائف. (انظر الاستيعاب لابن عبد البر 1/165، 2/268 مع الإصابة، وأسد الغابة لابن الأثير 1/203-204، 3/184، 429، والإصابة لابن حجر 2/280) .
8 هو بديل بن ورقتاء بن عمرو بن ربيعة بن عبد العزى الخزاعي، وكان من مسلمة الفتح، وقال بعضهم أسلم هو وابنه عبد الله وحكيم بن حزام يوم فتح مكة بمر الظهران. (الاستيعاب لابن عبد البر1/165وأسدالغابة1/203) والإصابة1/141) .
9 البخاري: التاريخ الكبير 2/141.
10 إبراهيم بن سعيد الجوهري أبو إسحاق الطبري: نزيل بغداد، ثقة حافظ تكلم فيه بلا حجة، من العاشرة، (ت في حدود 250) م عم، (التقريب 1/35 وتهذيب التهذيب 1/123-124) وتاريخ الخطيب البغدادي 6/93-95، وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/515-516 ولم يذكروا إبراهيم بن سعيد في تلاميذ يحيى - ولا في شيوخ البزار فالله أعلم. كما أنه وقع عند الطبراني في الكبير، ومنتخب كنز العمال (إبراهيم بن سعد الجوهري) .
11 البزار كما في كشف الأستار 2/353 والطبراني في المعجم الكبير 2/16 والأوسط كما في مجمع البحرين 2/244 رقم (77) وقال: لم يروه عن إبراهيم بن أبي عبلة إلا ابن إسحاق، تفرد به يحيى.(1/239)
وأورده الهيثمي ثم قال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار عن ابن بديل عن أبيه ولم يسم ابن بديل، وبقية رجاله ثقات1.
وأورده ابن حجر ثم قال: رواه البخاري في تاريخه والبغوي وإسناده حسن2.
د- قال ابن حجر: قال الزبير3 بن بكار: حدثني محمد4 بن سلام حدثني يزيد5 بن عياض قال:
112- استعمل النبي صلى الله عليه وسلم على النفل يوم حنين أبا الجهم6 بن حذيفة العدوي، فجاء خالد7 بن البرصاء فتناول زماما من شعر فمنعه أبو جهم فقال: "إن نصيبي فيه أكثر، فتدافعا فعلاه أبو جهم فشجه8 منقلة، فقضى فيها النبي صلى الله عليه وسلم بخمس عشرة فريضة، ورواه الزبير من وجه آخر موصولا ولم يسم خالدا، وأخرجه أبو داود والنسائي من طريق معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
____________________
1 مجمع الزوائد 6/186 وانظر كنز العمال 10/351 ومنتخب كنز العمال 4/166 مع (مسند أحمد) كلاهما لعلاء الدين المتقي الهندي.
2 الإصابة 1/141.
3 الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير الأسدي المدني أبو عبد الله بن أبي بكر، قاضي المدينة، ثقة، أخطأ أحمد بن علي السليماني في تضعيفه، من صغار العاشرة (ت 256) / ق. (القريب 1/257 وتهذيب التهذيب 3/312) إلا أنه رمز لمن أخرج له (ت) وهو خطأ وانظر الخلاصة للخزرجي 1/333 وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/528.
4 محمد بن سلام بن فرج، السلمي مولاهم، البيكندي - بكسر الموحدة وسكون التحتانية وفتح الكاف وسكون النون - أبو جعفر، مختلف في لام أبيه، والراجح التخفيف، ثقة ثبت، من العاشرة (ت 227) / خ. (التقريب 1/257 وتهذيب التهذيب 9/212) .
5 يزيد بن عياض بن جعدية - بضم الجيم والمهملة ساكنة - الليثي أبو الحكم المدني، نزيل البصرة، وقد ينسب لجده كذبه مالك وغيره، من السادسة/ ت ق. (التقريب 2/369 وتهذيب التهذيب11/352 وميزان الاعتدال للذهبي4/436-438) .
6 أبو جهم بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد الله القرشي العدوي، كان من مسلمة الفتح كان عالما بالنسب وكان أحد من تولى دفن عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثبت ذكره في الصحيحين من طريق عروة عن عائشة قالت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام فقال: اذهبوا بخمصيتي هذه إلى أبي جهم وأئتوني بأنبجانية أبي جهم. (الإصابة لابن حجر 4/35-36) .
7 خالد بن البرصاء، هو ابن مالك بن قيس بن عوف الكناني الليثي والبرصاء أمه وقيل أم أبيه. (المصدر السابق 1/274و289و402) .
8 الشج في الرأس خاصة في الأصل، ثم استعمل في غيره من الأعضاء. والمنقلة: هي التي تخرج منها صغار العظام، وتنتقل عن أماكنها، وقيل: التي تنقل العظم: أي تكسره. (ابن الأثير: النهاية 2/445و5/110) .(1/240)
أبا جهم بن حذيفة مصدقا، فلاجه1 رجل فضربه أبو جهم فشجه فذكر الحديث بمعناه ولم يسم خالدا أيضا.2اهـ.
قلت: والحديث أخرجه أيضا ابن ماجة3.
والخلاصة: أن الأحاديث الواردة فيمن ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الغنائم يوم حنين أمثلها حديث بديل بن ورقاء، وأما حديث ابن إسحاق فإنه ذكر ذلك بدون إسناد.
وأما ما رواة عبد الرزاق من توليه أبي سفيان، فقال الزرقاني: هذا فيه نظر فإن أبا سفيان شهد الطائف، فإن صح فكأنه جعله عليها أولا ثم بداله فجعل غيره وسار هو معه.
وحديث الزبير بن بكار معضل.
وما ذكر من الموصول، فإنه وارد في جباية الصدقات لا في الغنائم.
وأيضا فإن خالد بن البرصاء الذي هو صاحب القصة غير موجود في الحديث الموصول.
على أنه يمكن التوفيق بين هذه الآثار بجواز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم ولاهم جميعا على حفظ الغنائم بجعل كل واحد منهم على نوع من الغنائم، وهذا غير بعيد لأن الغنائم كانت كثيرة جدا ومتنوعة من السبايا والبقر والإبل والغنم والحمير، وهذه الأنواع الكثيرة تحتاج في حفظها إلى تعدد الولاة المسئولين عنها، نظرا لكثرتها فلا يقوم بها إلا عدد من الولاة. والله أعلم.
__________
1 فلاجه: نازعه وخاصمه من اللجاج، وفي نسخة للخطابي: فلاحاه: بالحاء المهملة منقوصا وهما بمعنى. (محمد شمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود 12/266) .
2 الإصابة 1/402 وانظر الروض الأنف للسهيلي 7/482.
3 وانظر الحديث عند أبي داود في سننه 2/489 كتاب الديات، باب العامل يصاب على يديه خطأ.
والنسائي: السنن 8/31 كتاب القسامة، باب السلطان يصاب على يديه.
وابن ماجه: السنن 2/881 كتاب الديات، باب الجارح يفتدي بالقود.
ولكن الحديث عن أصحاب السنن إنما هو في جباية الصدقة.(1/241)
المبحث الثاني: إصابات المسلمين في هذه الغزوة
كانت إصابات المسلمين في هذه الغزوة طفيفة رغم خطورة المعركة وشدة وطأتها وضخامتها، وهذه الإصابات تتمثل في جراحات لحقت بعضهم واستشهاد أربعة منهم كما تدل على ذلك الأحاديث الآتية:
113- ما رواه البخاري قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا إسماعيل1 رأيت بيد بن أبي أوفى ضربة قال: "ضربتها مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين".
قلت: "شهدت حنينا؟ "
قال: "قبل2 ذلك3.
والحديث رواه الحميدي وابن أبي شيبة وأحمد وابن سعد كلهم من طريق إسماعيل بن أبي خالد.
ولفظه عند الحميدي: سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: "اعتمرن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنا نستره حين طاف من صبيان أهل مكة لا يؤذونه".
قال سفيان4: "أراه في عمرة القضاء".
____________________
1 إسماعيل: هو ابن أبي خالد الأحمسي مولاهم. وابن أبي أوفى: هو عبد الله بن أبي أوفى.
2 قوله: (قبل ذلك) قال ابن حجر: مراده بما قبل ذلك من قبل حنين من المشاهد، وأول مشاهده الحديبية فيما ذكره من صنف في الرجال، ووقفت في كتاب الجهاد من البخاري مايدل على أنه شهد الخندق (فتح الباري8/28وتهذيب التهذيب6/152)
وحديث البخاري المشار إليه أخرجه البخاري في 4/35 كتاب الجهاد، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة ولفظه عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت عبد الله ابن أبي أوفى يقول: "دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب على المشركين فقال: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اللهم أهزم الأحزاب اللهم أهزمهم وزلزلهم".
3 الصحيح 5/126 كتاب المغازي، باب ويم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم.
4 هو ابن عيينة.(1/242)
قال إسماعيل: "وأرانا ابن أبي أوفى ضربة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين" 1.
ورواه أحمد وفيه زيادة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم على الأحزاب وفيه قال إسماعيل: "ورأيت بيده ضربة على ساعده فقلت: ما هذه؟ "
قال: "ضربتها يوم حنين، فقلت له أشهدت معه حنينا؟ "
قال: "نعم وقبل ذلك" 2.
114- ما رواه الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: ثنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن3 بن أزهر قال: جرح خالد4 بن الوليد يوم حنين فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام وهو يقول: "من يدل على رحل خالد بن الوليد؟ "
فخرجت أسعى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: من يدل على رحل خالد بن الوليد؟
حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستند إلى رحل قد أصابته جراحة فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده، ودعا له، وأرى5 فيه: نفث عليه 6.
____________________
1 الحميدي: المسند 2/314 وابن أبي شيبة: التاريخ ص 91 ب وابن سعد: الطبقات الكبرى 4/301.
2 المسند 4/355.
ولفظ الحديث عند أحمد: عن إسماعيل عن عبد الله بن أبي أوفى قال: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم فطاف باليت وطفنا معه وصلى خلف المقام وصلينا معه، ثم خرج فطاف بين الصفا والمروة ونحن معه نستره من أهل مكة لا يرميه أحد أو يصيبه أحد بشيء، قال: فدعا على الأحزاب فقال: "اللهم منزل الكتاب سريع الحساب هازم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم". قال: ورأيت بيده ضربة على ساعده. الحديث.
3 عبد الرحمن بن أزهر الزهري، أبو جبير، المدني، ابن عم عبد الرحمن بن عوف، وقيل غير ذلك، صحابي صغير، شهد حنينا.
قال ابن سعد: "وهو نحو ابن عباس في السن"، مات قبل الحرة / د س. (التقريب 1/472، تهذيب التهذيب 6/135-136) .
4 خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي، سيف الله، يكنى أبا سليمان، من كبار الصحابة وكان إسلامه بين الحديبية والفتح، وكان أميرا على قتال أهل الردة وغيرها من الفتوح، إلى أن مات سنة 21أو22 / خ م د س ت. (التقريب 1/219 وتهذيب التهذيب 3/124) .
5 أرى: بضم الهمزة أي أظن.
6 والنفث: شبيه بالنفخنه وهو أقل من النفل، لأن التفل لا يكون إلا معه شيء من الريق. (ابن الأثير: النهاية 5/88) . مسند الحميدي 2/398.(1/243)
والحديث صحيح وقد رواه أيضا عبد الرزاق وأحمد وأبو عوانة كلهم من طريق الزهري انه سمع عبد الرحمن بن أزهر يسأل عن رحل خالد بن الوليد. الحديث1.
وفي حديث أنس بن مالك عند البزار في وصف المعركة وفيه: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، والعباس عمه آخذ بغَرْزها2، وكنا في واد دهس، فارتفع النقع، فما منا أحد يبصر كفه، إذ شخص قد أقبل، فقال: إليك من أنت؟ "
قال: "أنا أبو بكر فداك أبي وأمي وبه بضعة عشر ضربة، ثم إذا شخص أقبل وبه بضعة عشر ضربة، فقال: إليك من أنت؟ "
فقال علي بن أبي طالب: "فداك أبي وأمي". الحديث3.
هذا ما توصلت إليه من الإصابات التي لحقت بالمسلمين وأما الذين استشهدوا في حنين فقد ذكر ابن إسحاق إمام أهل المغازي والسير أربعة4.
115- حيث قال: "وهذه تسمية من استشهد يوم حنين من المسلمين، من قريش ثم من بني هاشم":
1- أيمن5 بن عبيد.
____________________
1 مسند أحمد 4/88 و350 - 351، ومصنف عبد الرزاق 5/380-381 ومسند أبي عوانة 4/203.
2 الغرز: بفتح أوله وسكون ثانية ثم زاي، هو ركاب البعير. (ابن حجر: هدي الساري ص 162) .
3 تقدم الحديث مع الحكم برقم (53) وسياقه بتمامه في مبحث "خسائر المشركين في هذه المعركة" ص 224.
4 وزاد ابن حجر في الإصابة 1/13 آبي اللحم الغفاري بأنه شهد حنينا وقتل بها بلا خلاف.
5 أيمن بن عبيد عمرو بن بلال بن أبي الجرباء بن قيس بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج، وهو ابن أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الزرقاني: كذا نسبه إلى الخزرج ابن سعد وابن مندة، وأما أبو عمر بن عبد البر، فقال: الحبشي، وقد فرق ابن أبي خيثمة بين الحبشي وبين ابن أم أيمن وهو الصواب. فإن أيمن بن عبيد الحبشي أحد من جاء مع جعفر بن أبي طالب، قاله في الإصابة، والخزرجي أحد الثابتين في حنين (انظر: الطبقات الكبرى: لابن سعد2/152 والاستيعاب لابن عبد البر 1/88 مع الإصابة وأسد الغابة لابن الأثير 1/189 والإصابة لابن حجر 1/92 و4/432 وشرح المواهب للزرقاني 3/24) .(1/244)
ومن بنى أسد بن عبد العزى:
2- يزيد1 بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد. جمح به فرس يقال له الجناح2 فقتل.
ومن الأنصار:
3- سراقة بن الحارث بن عدي من بني العجلان3.
ومن الأشعريين:
4- أبو عامر4 الأشعري5.
هكذا ذكر ابن إسحاق بدون إسناد، ومن طريقة أخرجه الطبري6، وخليفة بن الخياط7 إلا أنه قال: سراقة بن "الحباب"، بدل سراقة بن "الحارث"8.
وذكر الواقدي ما ذكره ابن إسحاق إلا أنه جعل الثاني "رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان".
____________________
1 وانظز: الاستيعاب لابن عبد البر 3/647-648 مع الإصابة. وأسد الغابة لابن الأثير 5/488 والإصابة لابن حجر: 3/655-656.
2 الجناح: بلفظ جناح الطائر. (الزرقاني: شرح المواهب 3/24) .
3 انظر: الاستيعاب لابن عبد البر 2/119 مع الإصابة وأسد الغابة لابن الأثير 2/329، والإصابة لابن حجر 2/18.
4 اسمه عبيد بن سليم بن حضار، وهو عم أبي موسى الأشعري، وقيل عبيد بن وهب. (انظر: الاستيعاب2/371-و4/135 مع الإصابة، وأسد الغابة 3/367 و541 و6/186-188 واللباب 1/64 كلاهما لابن الأثير، والإصابة لابن حجر 2/359 و4/123 والطبقات الكبرى لابن سعد 4/105و357) وانظر حديث (118) ، (119) .
5 سيرة ابن هشام 2/459 والروض الأنف للسهيلي 7/183 وجوامع السيرة لابن حزم ص 241، مجمع الزوائد للهيثمي 6/189-190.
6 تاريخ الرسل والملوك 3/81.
7 تاريخ خليفة بن خياط ص 88-89.
8 قال ابن الأثير: جعل أبو عمر بن عبد البر سراقة بن الحارث، وسراقة بن الحباب ترجمتين وجعلهما قتلا يوم حنين.
وأما ابن مندة وأبو نعيم فلم يذكرا إلا سراقة بن الحباب، والحق معهما فإنهما واحد. وإنما عبد الملك بن هشام روى عن زياد بن عبد الله البكائي عن ابن إسحاق فيمن قتل بحنين، فقال: سراقة بن الحارث، وروى يونس بن بكير عن إسحاق فقال: "سراقة بن الحباب، فالحق مع ابن مندة وأبي نعيم، هما واحد، فلوقالا: - يعني ابن مندة وأبا نعيم - وقيل: سراقة بن الحارث لكان حسنا وأما بأن يكونا اثنين فلا".
قال ابن حجر: "وكذا نبه عليه ابن فرحون". (انظر الاستيعاب لابن عبد البر 2/119 مع الإصابة إلا أن عنده سراقة بن أبي الحباب، وأسد الغابة لابن الأثير 2/329 والإصابة لابن حجر 2/18) .(1/245)
وذكر يزيد بن زمعة فيمن استشهد بالطائف1.
هذا ما وقفت عليه في عدد شهداء المسلمين في غزوة حنين.
وبعض2 الباحثين المعاصرين يستبعد ذلك ويرى أن قتلى المسلمين في هذه الغزوة يبلغون المئات، مستدلا بشدة المعركة وضراوتها وانهزام المسلمين في بداية المعركة أمام نبال قبائل هوازن التي صبت عليهم وادعي أن المؤرخين سجلوا ما نقله الرواة بأمانة لكن واقع المعركة وجودها يقتضي مزيدا من الضحايا، وأخذ يذكر أنه لا يوجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم قسم إداري يهتم بإحصاء عدد القتلى ويقدم بهم قوائم وفق النظام المتبع في الجيوش العصرية، ولا يوجد ديوان إحصاء للجند يسجل فيه المنخرطون في سلك الجيش الإسلامي، بحيث يمكن الرجوع إلى هذا السجل لمعرفة عدد الشهداء المفقودين، وأضاف أن الجيش الإسلامي مؤلف من قبائل متفرقة فلما انتهت المعركة عادوا إلى أماكنهم كل قبيلة تعرف شهداءها، وفات تسجيل ذلك على المؤرخين لأن الاهتمام بتدوين أخبار المغازي والحروب الإسلامية لم يكن إلا في أواسط القرن الثاني الهجري، فلا يتمكن العلماء في هذا الزمن المتأخر من الاتصال بأولئك البدو المتفرقين في جنبات الجزيرة.
هذه خلاصة أدلة هذا الباحث في استبعاد أن يكون شهداء المسلمين في هذه الغزوة أربعة فقط كما ذكر ذلك المؤرخون المختصون بذلك.
والظاهر أن ما ذكره من الأدلة غير مسلم به في جملته لأن فرار المسلمين أمام نبال هوازن لا يلزم منه كثرة القتل في المسلمين وإنما يلزم منه كثرة الإصابات من جراحات وغير ذلك، ولأن عدم وجود قسم إداري يهتم بالإحصاء وعدم وجود سجل يدون فيه عدد الجيش الإسلامي لا يلزم منه هذه المفارقات الكبيرة في تسجيل الأحداث، ذلك أنّ المؤرخين المختصين قالوا: إن عدد القتلى أربعة فقط وصاحب هذه
____________________
(مغازي الواقدي 3/922، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/152، وهكذا ذكر الزبير بن بكار: يزيد بن زمعة في شهداء الطائف. انظر: أسد الغابة لابن الأثير 5/488)
2 هو: محمّد أحمد باشميل. انظر: (كتابه: غزوة حنين، ص: 355-358) .(1/246)
الدعوى يقول عنهم يبلغون المئات والتوفيق في مثل هذه الحال بين هذين القولين محال، ولا يمكن أن يفوت على المسلمين مئات القتلى منهم دون أن يشيروا إلى ذلك، وهذا مخالف لما عرف عن المسلمين من الاهتمام بالشهداء، ومخالف لما هو معلوم مطرد في المعارك الأخرى من ذكر المسلمين لعدد شهدائهم، وهذا يبعد القول بأن الشهداء كانوا مئات لا أربعة فقط، وتأخر تدوين التاريخ لا يلزم منه أيضاً ما أراده الباحث من فوات ذكر الشهداء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يهتمون بشهداء كانوا مئات لا أربعة فقط، وتأخر تدوين التاريخ لا يلزم منه أيضا ما أراده الباحث من فوات ذكر الشهداء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يهتمون بشهداء المعركة، ولأن القبائل على تفرقها تفتخر بشهيد المعركة وتسجيل له ذلك الموقف شعرا ونثرا، وأيضا فقد أحصى المسلمون عدد السبي والإبل والشاء مما غمنوه في هذه الموقعة، أفلا يحصون عدد شهدائهم؟
فعلينا أن ننتهي إلى ما انتهى إليه علماؤنا ولا نتعدى ذلك إلا بأدلة واضحة لا بمجرد الاستنتاج والتلمسات البعيدة.(1/247)
الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك
الفصل الأول: تعقب الفارين نحو نخلة وأوطاس
المبحث الأول: التوجه نحو نخلة
...
المبحث الأول: التوجه إلى النخلة
لما انهزم المشركون في موقعة حنين وباءوا بالفشل انسحبوا على إثر ذلك وتفرقوا في الجبال والأودية يجرون ذيل الخزي والندامة، تاركين وراءهم كثيرا من أطفالهم ونسائهم وأموالهم، وعند ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمطاردتهم وتعقبهم تأديبا لهم حتى لا تسول لهم أنفسهم أن يتكتلوا أو ينقضوا على المسلمين مرة أخرى.
116- قال ابن إسحاق: ولما انهزم المشركون، أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس1 وتوجه بعضهم نحو نخلة2، ولم يكن فيمن توجه نحو النخلة إلا بنو غيرة3 من ثقيف، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخلة
____________________
1 أوطاس: بفتح الهمزة وسكون الواو وطاء وسين مهملتين.
قال أبو عبيد: "هو واد في ديار هوازن، وهناك عسكروا هم وثقيف ثم التقوا بحنين".
وقال الديار بكري: "أوطاس واد معروف في ديار هوازن بين حنين والطائف". وقال القاضي عياض: "هو واد في دار هوازن وهو موضع خرب حنين. قال ابن حجر: وهذا الذي قاله ذهب إليه بعض أهل السير".
والراجح: أن وادي أوطاس غير وادي حنين، ويوضح ذلك ما ذكر ابن إسحاق أن الوقعة كانت في وادي حنين، وأن هوازن لما انهزموا صارت طائفة منهم إلى الطائف، طائفة إلى نخلة، وطائفة إلى أوطاس، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عسكرا مقدمهم أبوعامر الأشعري إلى من مضى إلى أوطاس كما يدل عليه حديث الباب: يعني بحديث الباب، حديث البخاري لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على الجيش إلى أوطاس وسيأتي الحديث برقم (118) .
(فتح الباري8/42 وتاريخ الخميس 2/107 وشرح المواهب اللدنية3/25 والقاموس المحيط 2/257، ومعجم ما استعجم لأبي عبيد 1/212 قلت: ويدل على الفرق بين حنين وأوطاس: الآن يسمى (أم خرمان) وحنين يسمى (الشرائع) انظر التعليق على كتاب المناسك للحربي ص 346و471و654) وقد حصل في فتح الباري خطأ مطبعي فقال (أبو عبيدة) والصواب أبو عبيد، وقال: (بجيلة) والصواب نخلة.
2 هي نخلة يمانية، وهو واد يصب فيه يدعان، وبه مسجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه عسكرت هوازن يوم حنين (معجم البلدان لياقوت 5/277) ويدعان: يسمى الآن (جدعان) وهو بين سبوحة والشرائع، وسبوحة: بفتح السين المهملة وضم الموحدة – واد لهذيل يصب في نخلة اليمانية من الجنوب بطرف الزيمة من مغيب الشمس، يأتي سيله من جبلي كنثيل والأشعر، تبعد عن مكة (43) كيلا على طريق البمانية حيث يطؤها الطريق هنالك، وعن الزيمة كيلين فقط (المجازيين اليمامة والحجاز لابن خميس ص 268) .
والتعليق على كتاب مناسك الحج للحربي لحمد الجاسر ص 353، ومعالم مكة المكرمة التاريخية لعاتق بن غيث البلادي ص 129.
3 في مغازي الواقدي بنو (عنزة) وهو خطأ.(1/252)
من الناس، ولم تتبع من سلك الثنايا1، فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سمال بن عوف بن امرئ القيس - وكان يقال له ابن الدغنة2 وهي أمه، فأناخ به، فإذا شيخ كبير3، وإذا هو دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام، فقال له دريد: ماذا تريد؟
قال: أقتلك.
قال: ومن أنت؟
قال: أنا ربيعة بن رفيع السلمي، ثم ضربه فلم يغن شيئا فقال: بئس ما أسلحتك أمك!.
خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل، وكان الرحل في الشجار، ثم اضرب به، وارفع عن العظام 4، واخفض عن الدماغ، فإني كنت كذلك أضرب الرجال ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة، فرب - والله - يوم قد منعت فيه نساءك.
فزعم بنو سليم أن ربيعة لما ضربه تكشف، فإذا عجانه 5 وبطون فخذيه مثل القرطاس6 من ركوب الخيل أعراء 7، فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه.
____________________
1 الثنايا: العقاب، والعقاب: جبال طوال بعرض الطريق، فالطريق تأخذ فيها، وكل عقبة مسلوكة ثنية وجمعها ثنايا (لسان العرب 18/134) وقال البلادي: هذه الثنايا: تخرج أولاها من رأس حنين على قرابة (50) كيلا شرق مكة ثم تقابلها أخرى قرب الخليصة، ثم أخرى تخرجك على وادي قرن المنازل قرب دحنا، ثم يأتي طريقها الطائف من الشمال من جهة المليساء، (معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية ص 71-72) .
2 الدغنة: بفتح الدال المهملة، وكسر الغين المعجمة ونون خفيفة، ويقال بضم الدال والغين.
ويقال: الذعنة: بالذال المعجمة، وفتح عين مهملة وسكونها، وهي أمه، وليس هوابن الدغنة المذكور في قصة أبي بكر في الهجرة (فتح الباري:8/42 وكتاب المغني لابن طاهر الهندي ص 30، وقال ابن هشام: ويقال اسم الذي قتل دريد: عبد الله بن قنيع ابن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة، ويقال له: (ابن لذعة) (سيرة ابن هشام 2/253، وأسد الغابة لابن الأثير 2/11 ابن لدغة) .
3 وعند الواقدي في المغازي 3/915: وهو شيخ كبير ابن ستين ومائة. ويروى هذا أيضا عن ابن إسحاق (انظر الروض الأنف 7/201) .
4 عند الواقدي 3/915:وارفع عن ((الطعام)) .
5 عجانة: ما بين فرجيه (ابن منظور: لسان العرب 17/149)
6 عند الواقدي: مثل القراطيس.
7 أعراء: جمع عرى بوزن (قفل) وهو الفرس الذي لا سرج له، (لسان العرب لابن منظور 19/226) .(1/253)
فقالت: أما والله لقد أعتق أمهات1 لك ثلاثا2.
هكذا ذكر ابن إسحاق بدون إسناد.
والحديث أخرجه الطبري من طريق سلمة3 بن الفضل الأبرش، والطحاوي من طريق عبد الله4 بن إدريس، والبيهقي من طريق يونس5 ابن بكير الجميع من طريق ابن إسحاق6.
والحديث يدل على أن قاتل دريد بن الصمة هوربيعة بن رفيع 7، وقد أخذ الشافعي - رحمه الله - من هذا جواز قتل الشيخ الكبير الذي لا يستطيع القتال، فقد جاء في الأم للشافعي ما نصه:
117- قال الربيع 8 بن سليمان قال: قال الشافعي قتل يوم حنين دريد بن الصمة ابن خمسين ومائة سنة في شجار لا يستطيع الجلوس فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر قتله.
ثم قال الشافعي: "وقتل أعمى من بني قريظة بعد الإسار وهذا يدل على قتل من لا يقاتل من الرجال البالغين إذا أبى الإسلام والجزية".
____________________
1 وعند الواقدي: "في غداة واحدة، وجز ناصية أبيك قال الفتى: لم أشعر وفي الإصابة:2/507 فقالت له أمه: ألا تكرمت عن قتله لما أخبرك بمنه علينا، فقال: "ما كنت لأتكرم عن رضا الله ورسوله".
2 سيرة ابن هشام 2/453-454.
3 صدوق كثير الخطأ تقدم في حديث (32) .
4 ثقة فقيه عابد تقدم في حديث (32) .
5 صدوق يخطئ تقدم في حديث (23) .
6 الطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/78-79.
والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/224.
والبيهقي: دلائل النبوة 3/47أ.
وانظر مغازي الواقدي 3/914-915، وجوامع السيرة لابن حزم 240 والروض الأنف للسهيلي 7/177 وأسد الغابة 2/211. والكامل في التاريخ 2/179 كلاهما لابن الأثير. والبداية والنهاية لابن كثير 4/337 وفتح الباري 8/42. والإصابة 2/507 كلاهما لابن حجر.
7 تقدم الخلاف في قاتل دريد تحت حديث (97) .
8 الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي، أبو محمد المصري المؤذن صاحب الشافعي ثقة من الحادية عشرة (ت 270) / د س ق (التقريب 1/245، تهذيب التهذيب 3/245-246 والخلاصة للخزرجي 1/319 ورمز له في تهذيب التهذيب / 4 د س ق والصواب أخرج له الأربعة كما في تهذيب التهذيب 3/246 وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/586 ومقدمة تحفة الأحوذي 2/53.(1/254)
قال البيهقي: "الأعمى هو الزَّبِيْر بن باطا القرظي"1.
وأورد الطحاوي حديث أبي موسى الأشعري في بعث أبي عامر إلى أوطاس وفيه "فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه".
ثم قال: قال أبو جعفر: "فذهب قوم إلى هذا، فقالوا: لا بأس بقتل الشيخ الكبير في الحرب، فاستدلوا على ذلك بحديث ابن إسحاق في قتل ربيعة بن رفيع دريدا، ثم قال: قالوا: فلما قتل دريد، وهو شيخ كبير فانٍ لا يدافع عن نفسه، فلم يعب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، دل ذلك أن الشيخ الفاني يقتل في دار الحرب، وأن حكمه في ذلك حكم الشبان لا حكم النسوان.
ثم قال: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: لا ينبغي قتل الشيوخ في دار الحرب، وهم في ذلك، كالنساء والذرية، ثم أورد ما استدلوا به من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الشيوخ والنساء، ثم قال: فدل ذلك أن من أبيح قتله هو الذي يقاتل، ولكن لما روى حديث دريدا هذا، وهذه الأحاديث الأخر، وجب أن تصحح، ولا يدفع بعضها ببعض".
فالنهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الشيوخ في دار الحرب ثابت في الشيوخ الذين لا معونة لهم على شيء من أمر الحرب، من قتال ولا رأي.
وحديث دريد على الشيوخ الذين لهم معونة في الحرب، كما كان لدريد فلا بأس بقتلهم وإن لم يكونوا يقاتلون لأن تلك المعونة التي تكون منهم أشد من كثير من القتال، ولعل القتال لا يلتئم لمن يقاتل إلا بها، فإذا كان ذلك كذلك قتلوا.
ثم أورد حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة فقال: "ما كانت هذه تقاتل" 2.
أي فلا تقتل، فإنها لا تقاتل، فإذا قاتلت قتلت، وارتفعت العلة التي لها منع من قتلها.
____________________
1 السنن الكبرى للبيهقي 9/92 وانظر قصة الزبير بن باطا مفصلة في سيرة ابن هشام 2/242-243.
2 انظر: الحديث في أبي داود 2/49و50 كتاب الجهاد باب في قتل النساء.(1/255)
وفي قتلهم دريد بن الصمة للعلة التي ذكرنا، دليل على أنه لا بأس بقتل المرأة، إذا كانت أيضا ذات تدبير في الحرب، كالشيخ الكبير ذي الرأي في أمور الحرب.
ثم قال: فهذا الذي ذكرنا هو الذي يوجبه تصحيح معاني هذه الآثار1.
قلت: وما قال الطحاوي هو الصواب جمعا بين الأدلة وإذا أمكن الجمع تعين المصير إليه إذ إن العمل بجميع الأدلة أولى من ترك بعضها.
وقد ذكر أهل المغازي أن هوازن خرجت بدريد بن الصمة معها للتيمن برأيه ومعرفته بالحرب فدل على أن قتله كان لما له رأي في الحرب والمشورة.
__________
1 الطحاوي: شرح معاني الآثار 3/224-225.
وانظر: ابن التركماني: الجوهر النقي 9/92-93 مع سنن البيهقي وعون المعبود 7/329-330.(1/256)
المبحث الثاني: سرية أوطاس
كانت هذه السرية في شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة، وكانت بقيادة أبي عامر الأشعري رضي الله عنه.
وسببها أن هوازن لما انهزمت في حنين، ذهبت فرقة منهم، فيهم رئيس هوازن مالك بن عوف فلجأوا إلى الطائف فتحصنوا بها1.
وسارت فرقة فعسكرت بأوطاس فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم أبا عامر الأشعري، وأمره على جمع من الصحابة فيهم أبو موسى الأشعري وسلمة بن الأكوع، والزبير بن العوام. توضح هذا الموقف الأحاديث الآتية:
ما رواه ابن إسحاق قال: ولما انهزم المشركون أتوا الطائف، ومعهم مالك بن عوف، وعسكر بعضهم بأوطاس، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قِبل أوطاس أبا عامر الأشعري، فأدرك من الناس بعض من انهزم فناوشوه 2 القتال، فرمي
____________________
1 البداية والنهاية لابن كثير 4/337 وتاريخ الخميس للديار بكري 2/107.
2 تناوش القوم في القتال إذا تناول بعضهم بعضا بالرماح ولم يتدانوا كل التداني (لسان العرب لابن منظور 8/254) .(1/256)
أبو عامر بسهم فقتل، فأخذ الراية أبو موسى الأشعري، وهو ابن عمه1 فقاتلهم ففتح الله على يديه وهزمهم، فيزعمون أن سلمة بن دريد هوالذي رمى أبا عامر الأشعري بسهم، فأصاب ركبته فقتله، فقال:
إن تسألوا عني فإني سلمة ... ابن سماد ير لمن توسمه2
أضرب بالسيف رؤوس المسلمة ... وسماد ير أمه 3.
قال الألباني: "هكذا ذكره ابن إسحاق بدون إسناد وهو صحيح، ومعناه في البخاري وابن جرير من حديث أبي موسى الأشعري"4.
قلت: "والحديث أخرجه أيضا مسلم وغيره وهذا سياقه عند البخاري":
118- حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة5 عن بريد6 ابن عبد الله عن أبي بردة 7 عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: "لما فرغ8 النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة فقتل9 دريد وهزم الله أصحابه، قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر فرمي أبو عامر في ركبته رماه جشمي10 بسهم فأثبته في ركبته، فانتهيت إليه، فقلت: يا عم11 من رماك؟ فأشار
____________________
1 قال ابن حجر: كذا قال ابن إسحاق، والأشهر أن أبا عامر عم أبي موسى الأشعري (فتح الباري 8/42 و11/137و141) .
2 توسمه: أي تفرس فيه (لسان العرب 16/123) .
3 سيرة ابن هشام2/454 وانظر حديث رقم (116) والطبري: تاريخ الرسل والملوك3/80 والواقدي: المغازي 3/915 وابن سعد: الطبقات الكبرى: 2/151-152 وابن حزم: جوامع السيرة ص 241، والسهيلي: الروض الأنف 7/178 وابن الأثير: الكامل 2/180 وابن كثير: البداية والنهاية 4/337 و338. وابن حجر فتح الباري 8/42 والديار بكري: تاريخ الخميس 2/107، والزرقاني: شرح المواهب 3/ 24.
4 تخريج أحاديث فقه السيرة للغزالي ص: 425.
5 هو حماد بن أسامة بن زيد القرشي مولاهم أبو أسامة الكوفي.
6 بريد: بالموحدة والراء، ووقع في معاني الآثار 3/224: (يزيد) بالمثناة التحتية والزاي وكذا في الاستيعاب 4/135 مع الإصابة وهو خطأ.
7 قيل: اسمه عامر، وقيل الحارث، وقيل: اسمه كنيته.
8 عند الطبري: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر الخ.
9 تقدم الخلاف في قاتله نحن حديث رقم (97) .
10 جشمي: بضم الجيم وفتح المعجمة، أي رجل من بني جشم. وعند مسلم وأبي يعلى والطبري: "رماه رجل من بني جشم".
11 عند أبي يعلى: "فقلت: يا أبا عامر من رماك؟ ".(1/257)
إلى أبي موسى فقال: ذاك1 قاتلي الذي رماني، فقصدت له2 فلحقته فلما رآني ولى3 فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي، ألا تثبت، فكف4، فاختلفنا5 ضربتين بالسيف فقتلته، ثم قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك، قال: فانزع هذا السهم، فانتزعته فنزا منه6 الماء، قال: يا ابن أخي اقرئ 7 النبي صلى الله عليه وسلم السلام، وقل له استغفر لي، واستخلفني أبو عامر على الناس، فمكث يسيرا ثم مات، فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته8 على سرير مرمل9 وعليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبه،
____________________
1 عند مسلم وأبي يعلى والطبري: "إن ذاك قاتلي، تراه ذلك الذي رماني".
2 عند مسلم وأبي يعلى والطبري: "قال أبو موسى: فقصدت له فاعتمدته فلحقته".
3 في المصادر السابقة: فلما رآني ولى عني ذاهبا، فاتبعه "وجعلت أقول له: ألا تستحي؟ ألست عربيا؟ ".
4 عند الطبري: "فكر".
5 وعند مسلم وأبي يعلى والطبري: فالتقيت أنا وهو فاختلفنا أنا وهو ضربتين، فضربته بالسيف فقتلته.
6 نزامنه الماء: هوبالنون والزاي، يقال نزف دمه، ونزِي إذا جرى ولم ينقطع، النهاية 5/43، قال ابن حجر قال المهلب: فيه جواز نزع السهم من البدن وإن كان في غبه الموت، وليس ذلك من الالتقاء إلى التهلكة إذا كان يرجو الانتفاع بذلك، ومثله البط والكي وغير ذلك من الأمور التي يتداوى بها.
وقال ابن المنير: "لعل البخاري ترجم (بنزع السهم من البدن) لئلا يتخيل أن الشهيد لا ينزع منه السهم بل يبقى فيه، كما أمر بدفنه بدمائه حتى يبعث كذلك، فبين هذه الترجمة أن هذا مما شرع" إهـ.
ثم قال ابن حجر: "والذي قاله ابن المهلب أولى لأن حديث الباب يتعلق بمن أصابه ذلك وهو في الحياة بعد. والذي أبداه ابن المنير يتعلق بنزعه بعد الوفاة" (فتح الباري 6/81) وانظر صحيح البخاري 4/28 كتاب الجهاد، باب "نزع السهم من البدن".
7 وعند مسلم وأبي يعلى والطبري:يا ابن أخي انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك أبو عامر: استغفر لي.
8 في المصادر السابقة "دخلت عليه وهو في بيت".
9 مرمل: براء مهملة ثم ميم مثقلة، أي معمول بالرمال، وهي حبال الحصر التي تظفر بها الأسرة.
قال النووي: "قوله (وعليه فراش) كذا وقع في صحيح البخاري ومسلم" فقال القابسي: "الذي أحفظه في غير هذا السند (عليه فراش) قال: وأظن لفظة: (ما) سقطت لبعض الرواة، وتابعه القاضي عياض وغيره على لفظة: (ما) ساقطة وأن الصواب إثباتها، قالوا: وقد جاء في حديث عمر بن الخطاب في تخيير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه" إهـ.
ونقل ابن حجر هذا الاعتراض ثم قال: "هو إنكار عجيب، فلا يلزم من كونه رقد على غير فراش كما في قصة عمر أنّ لا يكون على سريره دائما فراش إهـ. ونقل الزرقاني كلام ابن حجر ثم قال: لكن قال الشامي: يؤيد أبا الحسن – هو القابسي – قول أبي موسى قد أثر رمال السرير بظهره وجنبه"إهـ.
ثم قال الزرقاني: "وقد لا يؤيده لرقة الفراش فلا يمنع تأثير الرمال فالحاصل على هذا دفع دعوى الخطأ عن الرواية". (شرح مسلم 5/368، وفتح الباري 8/43 وشرح المواهب 3/26-27) .(1/258)
فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، وقال: قل له استغفر لي، فدعا بماء فتوضأ 1 ثم رفع يديه فقال: "اللهم اغفر لعبيد2 أبي عامر ورأيت بياض إبطه، ثم قال: اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من3 الناس، فقلت: ولي فاستغفر، فقال: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا4 كريما، قال أبو بردة5: إحداهما6 لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى7.
والحديث أخرجه مسلم والنسائي والطبري وأبو يعلى والطحاوي، والبيهقي وابن عبد البر كلهم من طريق أبي أسامة به8.
____________________
1 وعند الواقدي: "فصل ركعتين ثم قال: "اللهم اغفر لأبي عامر واجعله من أعلى أمتي في الجنة! وأمر بتركة أبي عامر فدفعت إلى ابنه، قال: فقال أبو موسى: يا رسول الله إني أعلم أن الله قد غفر لأبي عامر، قتل شهيدا، فادع الله لي، فقال: "اللهم اغفر لأبي موسى واجعله في أعلى أمتي"، فيرون أن ذلك وقع يوم الحكمين (المغازي 3/915) .
قال النووي: "فيه استحباب الدعاء واستحباب رفع اليدين فيه، وأن الحديث الذي رواه أنس أنه لم يرفع يديه إلا في ثلاث مواطن، محمول على أنه لم يره، وإلاّ فقد ثبت الرفع في مواطن كثيرة فوق ثلاثين موطنا" شرح مسلم 5/368.
وقال ابن حجر: "يستفاد منه استحباب التطهر لإرادة الدعاء، ورفع اليدين في الدعاء خلافا لمن خصه بالاستسقاء" (فتح الباري 8/43) ونقل السهيلي الخلاف في رفع اليدين في الدعاء وذكر حجة كل فريق ثم قال: ولكل شيء وجه، فمن كره، فإنما كره الإفراط في الرفع، كما كره رفع الصوت بالدعاء جدا، قال صلى الله عليه وسلم: "أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا" (الروض الأنف 7/216) .
2 قوله: (لعبيد أبي عامر) قال الزّرقاني: "أبو عامر: بدل من عبيد، جمع بين اسمه وكنيته، وفي نسخ: لعبيدك: بزيادة كاف من تحريف الجهّال فالثابت في البخاري، بدون كاف وهو اسمه كما مر" (شرح المواهب 3/27) قلت: والحديث عند أحمد بلفظ "عبيدك" بإسناد ضعيف، وهو كذلك عند البلاذري وأبي يعلى، انظر ص 260.
3 عند مسلم: "فوق كثير من خلقك أومن النّاس".
4 مدخلا: بضم الميم ويجوز فتحها وكلاهما بمعنى المكان والمصدر (شرح المواهب 3/27) .
5 قال ابن حجر: "هو موصول بالإسناد المذكور" (فتح الباري 8/43) .
6 أي: إحدى الدعوتين.
7 البخاري: الصحيح 5/128 كتاب المغازي، باب غزوة أوطاس، 4/28 كتاب الجهاد، باب نزع السهم من البدن، باختصار و8/69 كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الوضوء، باختصار أيضا. وعلقه مختصرا جدا في 8/61 باب قول الله وصل عليهم، و8/63 باب رفع الأيدي في الدعاء، من كتاب الدعوات.
8 مسلم: الصحيح 4/1943 كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي موسى أبي عامر الأشعريين ـ رضي الله عنهما ـ.
والنسائي: السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف للمزي6/439 حديث (9046) .
والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/79، وأبو يعلى: المسند 6/672ب رقم 306، والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/224، وابن عبد البر الاستيعاب 4/135 (مع الإصابة) .
والبيهقي: السنن الكبرى 6/335، 9/51 و91 ودلائل النبوة 3/46-47.(1/259)
وروى الإمام أحمد والبلاذري وأبو يعلى الجميع من طريق الوليد1 ابن مسلم ثنا يحيى2 بن عبد العزيز الأردني عن عبد الله3 بن نعيم القيني قال: حدثني الضحاك4 بن عبد الرحمن بن عزرب الأشعري أن أبا موسى حدثهم قال: لما هزم الله عز وجل هوازن بحنين عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي عامر الأشعري على خيل الطلب فطلبهم فكنت فيمن طلبهم فأسرع به فرسه فأدرك ابن دريد بن الصمة فقتل أبا عامر وأخذ اللواء، وشددت على ابن دريد فقتلته وأخذت اللواء وانصرفت بالناس فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم أحمل اللواء، قال: يا أبا موسى قتل أبو عامر؟.
قال: قلت نعم يا رسول الله، قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه يدعو يقول: "اللهم عُبَيْدَك عُبَيْدَ أبا عامر اجعله من الأكثرين يوم القيامة" لفظ أحمد 5.
والحديث فيه يحيى بن عبد العزيز الأردني، وقد قال فيه ابن حجر: مقبول، وعبد الله بن نعيم قال فيه: لين الحديث، وقد عرفت أن الذي ضعف عبد الله هو ابن معين، وقد فسر قوله بأنه ليس بمشهور، والطعن فيهما إنما هو لعدم شهرتهما ومثل هذين ونحوهما يرتفع حديثهم بالمتابعة ويشهد لهذا الحديث حديث الصحيحين.
119 - وروى ابن سعد والروياني من طريق حماد بن سلمة عن عاصم6 بن بهدلة عن أبي7 وائل عن أبي موسى الأشعري أن النبيصلى الله عليه وسلم قال: "اللهم اجعل عبيدا أبا عامر فوق أكثر الناس يوم القيامة"، فقتل يوم أوطاس فقتل أبو موسى قاتله.
____________________
1 الوليد بن مسلم القرشي مولاهم، أبو العباس الدمشقي، ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية من الثامنة /ع (التقريب 2/336، تهذيب التهذيب 11/151-155) .
2 يحيى بن عبد العزيز "مقبول" تقدمت ترجمته في حديث (68) .
3 عبد الله بن نعيم لين الحديث تقدمت ترجمته في حديث (68) .
4 الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب ثقة تقدم في حديث (68) وفي الاستيعاب 4/135 مع الإصابة (الضحاك بن عبد الله بن عريب) وهو خطأ (انظر التقريب 1/372-373) .
5 أحمد: المسند 4/399 والبلاذري: أنساب الأشراف ص 366 وأبو يعلى: المسند 6/662-663 ب- أرقم 306 وانظر حديث (68) .
6 عاصم بن بهدلة – بمفتوحة وسكون هاء وإهمال دال مفتوحة – وهو ابن أبي النجود - بنون وجيم -، الأسدي - مولاهم الكوفي، أبو بكر المقرئ، صدوق له أوهام، حجة في القراءة وحديثه في الصحيحين مقرون من السادسة (ت 128) / ع، (التقريب 1/383 وتهذيب التهذيب 5/38) .
وساق الذهبي ترجمته ثم قال: هو حسن الحديث، وقال أحمد وأبو زرعة: ثقة (ميزان الاعتدال 2/357) .
7 هو شقيق بن سلمة الأسدي: أبو وائل الكوفي، ثقة مخضرم، (ت في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مائة سنة) / ع (التقريب 1/354، وتهذيب التهذيب 4/361) .(1/260)
قال أبو وائل: "إني لأرجو أن لا يجتمع أبو موسى وقاتل عبيد في النار"1.
والحديث حسن لذاته وأصله في الصحيح.
وبهذا نكون قد انتهينا من هذه السرية التي خاضها الجيش الإسلامي بقيادة أبي عامر الأشعري رضي الله عنه وقد قتل شهيدا فيها، وقد حصل خلاف في قاتله، ففي صحيح البخاري أنه رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته، وعند مسلم: "رماه رجل من بني جشم بسهم"، وقال ابن حجر: "واختلف في اسم هذا الجشمي فقال ابن إسحاق: زعموا أن سلمة ابن دريد بن الصمة هو الذي رمى أبا عامر بسهم فأصاب ركبته فقتله، وأخذ الراية أبو موسى الأشعري فقاتلهم ففتح الله عليه".
وقال ابن هشام: حدثني من أثق به أن الذي رمى أبا عامر أخوان من بني جشم وهما أوفى2 والعلاء ابنا الحارث، فأصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته، وقتلهما أبو موسى الأشعري وعند ابن عائذ3 والطبراني4 في "الأوسط" من وجه آخر عن أبي موسى الأشعري بإسناد حسن "لما هزم الله المشركين يوم حنين بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخيل الطلب أبا عامر الأشعري وأنا معه فقتل ابن دريد أبا عامر، فعدلت إليه فقتلته، وأخذت اللواء" الحديث.
فهذا يؤيد ما ذكره ابن إسحاق5. إهـ. كلام ابن حجر.
قلت: "ونحوه عند أحمد والبلاذري وأبي يعلى من طريق الوليد بن مسلم كما تقدم"6.
وساق ابن عبد البر حديث الوليد بن مسلم المشار إليه ثم قال: وقد قيل إن أبا
____________________
1 ابن سعد: الطبقات الكبرى 4/115 والروياني مسند الصحابة 1/112أرقم 575.
2 قال ابن حجر: وفي نسخة "وافى" بدل "أوفى".
3 هو محمد بن عائذ: بتحتانية وإعجام ذال - الدمشقي، أبو أحمد صاحب المغازي، صدوق، رمي بالقدر، من العاشرة (ت233) / د س (التقريب 2/173 وتهذيب التهذيب 9/241-242 وميزان الاعتدال 3/589) .
4 هو الحافظ الإمام العلامة الحجة بقية الحفاظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب ابن مطير اللخمي الشامي الطبراني، مسند الدنيا وصاحب المعاجم الثلاثة. (260-360-هـ) (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/912-917) .
5 فتح الباري 8/42-43 أي من أن قاتل أبي عامر هو ابن دريد.
6 ص (260) .(1/261)
عامر قتل يومئذ تسعة مبارزة وأن العاشر ضربه فأثبته فحمل وبه رمق ثم قاتلهم أبو موسى فقتل قاتله، ورواية الوليد بن مسلم عندي أثبت.
وقد قيل أيضا في هذا الخبر أن دريد بن الصمة قتل أبا عامر وقتله أبو موسى الأشعري وذلك غلط وإنما كان ابن دريد، لا دريد، فقد ذكرنا قاتل دريد يوم حنين في غير هذا الموضع1. إهـ.
وقد قال ابن حجر: "ذكر ابن إسحاق أن الذي قتله أبو موسى الأشعري هو سلمة بن دريد بن الصمة وهذا أشبه فإن دريد بن الصمة، إذا ذاك لم يكن ممن قاتل لكبر سنه"2.
وأثر هشام الذي أشار إليه ابن حجر3 هذا نصه:
120- قال ابن هشام: وحدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر وحديثه أن أبا عامر الأشعري لقي يوم أوطاس عشرة أخوة من المشركين، فحمل عليه أحدهم، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: اللهم اشهد عليه، فقتله أبو عامر، ثم حمل عليه آخر، فحمل عليه أبو عامر، وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: "اللهم أشهد عليه" فقتله أبو عامر، ثم جعلوا يحملون عليه رجلا رجلا، ويحمل أبو عامر وهو يقول ذلك، حتى قتل تسعة4 وبقي العاشر، فحمل على أبي عامر، وحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: "اللهم أشهد عليه"، فقال الرجل: "اللهم لا تشهد علي"، فكف عنه أبو عامر، فأفلت، ثم أسلم بعد فحسن إسلامه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال: "هذا شريد أبي عامر"، ورمى أبا عامر أخوان: العلاء وأوفى ابنا الحارث، وبني جشم بن معاوية فأصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته
____________________
1 ابن عبد البر: الاستيعاب2/507-508 و4/135-136مع الإصابة وابن الأثير: أسد الغابة 6/187.
2 الإصابة 1/507.
3 انظر ص (261) .
4 وعند ابن سعد: "فقتل أبو عامر منهم تسعة مبارزة ثم برز له العاشرة معلما بعمامة صفراء فضرب أبا عامر فقتله، واستخلف أبا عامر أبا موسى الأشعري فقاتلهم حتى فتح الله عليه وقتل قاتل أبي عامر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر لأبي عامر واجعله من أعلى أمتي في الجنة"، ودعا لأبي موسى أيضا.
(الطبقات الكبرى 2/151-152 ومغازي الواقدي 3/914-915) .(1/262)
فقتلاه، وولي الناس1 أبو موسى الأشعري فحمل عليهما فقتلهما، فقال رجل من بني جشم بن معاوية يرثيهما:
إن الرزية قتل العلاء ... وأوفى جميعا ولم يسندا 2
هما القاتلان أبا عامر ... وقد كان ذا هبة 3 أربدا4
هما تركاه لدى معرك ... كأن على عطفه مجسدا 5
فلم تر في الناس مثليهما ... أقل عثارا وأرمى يدا 6
وقد نسب ابن حجر لابن إسحاق نحو هذا.
فقال: ذكر ابن إسحاق في المغازي أن أبا عامر لقي يوم أوطاس عشرة من المشركين أخوة فقتلهم واحدا بعد واحد، حتى كان العاشر فحمل عليه وهو يدعوه إلى الإسلام وهو يقول: "اللهم اشهد عليه", فقال الرجل: "اللهم لا تشهد علي", فكف عنه أبو عامر ظنا منه أنه أسلم فقتله العاشر, ثم أسلم بعد فحسن إسلامه, فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسميه شريد7 أبي عامر8.
ثم عقب ابن حجر على هذا فقال: "وهذا يخالف الحديث الصحيح في أن أبا موسى قتل قاتل أبى عامر, وما في الصحيح أولى بالقبول, ولعل الذي ذكره ابن إسحاق شارك في قتله"9.
____________________
1 قوله: "وولي الناس أبو موسى الأشعري" أي: أقروا ولايته على استخلافه عمه, كما في الصحيح أن أبا عامر استخلف أبا موسى, انظر ص 258 والزرقاني: شرح المواهب 3/25.
2 لم يسندا: أي لم يدركا وبهما رمق فينسدا إلى ما يمسكهما.
3 ذاهبة: يعني سيفا ذاهبة, وهبة السيف: اهتزازة.
4 أربدا: الأربد: الذي فيه ربد, أي طرائق من جوهر.
5 المعرك: موضع الحرب، والمجسد: الثوب المسبوغ بالجساد. وهو الزعفران. (القاموس المحيط 1/138 و293 و303 و3/313) .
6 سيرة ابن هشام 2/457 والروض الأ نف للسهيلي، 7/181 وقد نسب ابن كثير هذا لابن إسحاق، وهو خلاف ما في سيرة ابن هشام والروض الأنف (انظر البداية والنهاية 4/338) .
7 شريد: بالراء، وفي فتح الباري (شهيد) قال الزرقاني: وقع في خط الحافظ ابن حجر بالهاء بدل (الراء) وهو سبق قلم، فالذي في سيرة ابن إسحاق التي هو ناقل عنها (بالراء) وهو الوجيه، وبالهاء لا وجه له (شرح المواهب 3/25) .
8 وعلى هذا يكون لابن إسحاق في قاتل أبي عامر قولان: الأول أنه سلمة بن دريد وقد قتله أبو موسى، والثاني: أنه عاشر الإخوة، وقد أسلم بعد وحسن إسلامه.
9 فتح الباري 8/43 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/25.(1/263)
قال الزرقاني: "وما ذكره ابن حجر عن ابن إسحاق انتقده الشامي1 وقال: بأن هذا ليس في رواية البكائي2، وإنما زاده ابن هشام عن بعض من يثق به، ولم يذكر أن العاشر قتل أبا عامر أصلاً بل قال رماه أخوان، والحافظ قلد القطب3 الحلبي دون مراجعة السيرة".
قال الزرقاني: "وفيه أن اتفاق مثل هذين الحافظين4 على نقله لا يتجه رده بما قال فإن رواة سيرة ابن هشام متعددون فهو قطعاً في رواية يونس الشيباني وإبراهيم بن سعد أو غيرهما عنه"5. إهـ.
وبعد ذكر أقوال علماء المغازي والسير في قاتل أبي عامر، وهل أسلم أولم يسلم؛ لا يخلو الأمر من إشكال وتعارض؛ لأن بعض الروايات تقول: القاتل أخوان، وبعضها تذكر أن القاتل عاشر الإخوة الذين هاجموا أبا عامر، وبعضها - كما في الصحيح - تقول: إنه جشمي أو رجل من بني جشم، والذي ينبغي اعتماده في القاتل أنه هذا الجشمي الثابت ذكره في الصحيح، وقد ذكر اسمه في كتب السيرة أنه سلمة بن دريد، وهو جشمي. والصحيح أن القاتل لم يسلم، لأن أبا موسى قد قتله كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث، ولا شك أنّ ترجيح وتقديم ما ثبت في الصحاح وغيرها من كتب الحديث على ما تذكره كتب السير والتاريخ هو المنهج الأقوم، خاصة، إذا كان ما في الصحاح نصاً في محل النزاع كما هنا، فلا يعارض بأقوال محذوفة الأسانيد في كتب السيرة، وبذلك يزول الإشكال ونخلص من تلك الانتقادات والمناقشات التي أثارها الشامي والزرقاني وغيرهما. والله أعلم.
__________
1 هو محمد بن يوسف الصالحي (ت: 942) له كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد. (انظر معجم المؤلفين لكحالة 10/63) .
2 هو: زياد بن عبد الله بن الطفيل العامري، البكائي – بفتح الموحدة وتشديد الكاف، أبو محمد الكوفي، صدوق، ثبت في المغازي وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين، من الثامنة ولم يثبت أن وكيعا كذبه، وله في البخاري موضع واحد متابعة (ت 183) خ م ت ق (التقريب 1/268 وتهذيب التهذيب 3/375) .
3 القطب الحلبي: هو عبد الكريم بن عبد النور بن منبر الحلبي، الحافظ المتقن المقرئ أبوعلي الحلبي ثم المصري، مفتي الديار المصرية، صنف وخرج وأفاد وشرح أكثر صحيح البخاري في عدة مجلدات ولد سنة 664 وتوفي سنة 735) (أبو المحاسن الدمشقي ذيل تذكرة الحفاظ ص 13-15) .
4 هما القطب الحلبي وابن حجر.
5 شرح المواهب 3/25 و26 و27 وانظر: الديار بكري: تاريخ الخميس 2/107 و108.(1/264)
المبحث الثالث: موقف الشيماء وبجاد
كان بجاد رجلا من بني سعد من هوازن قد أحدث حدثا عظيما، وذلك أنه أتاه رجل مسلم، فأخذه بجاد فقطعه عضوا عضوا، ثم حرقه بالنار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين: إن قدرتم على بجاد فلا يفلتنكم فظفر به المسلمون فساقوه وأهله، وساقوا معه الشيماء أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، وحاضنته وعنفوا عليها في السير، فقالت لهم: "إني أخت صاحبكم من الرضاعة، فلم يصدقوها، ولما وصلوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عرفته بنفسها وأنها أخته من الرضاعة فأكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسن مقامها".
وإليك ما ذكره ابن إسحاق وغيره في هذا الصدد.
121- قال ابن إسحاق: حدثني بعض1 بني سعد بن بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ إن قدرتم على بجاد2، رجل من بني سعد بن بكر فلا يفلتنكم، وكان قد أحدث حدثا3، فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله وساقوا معه الشيماء4 بنت الحارث بن عبد العزى أخت النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة5، فعنفوا عليها في
____________________
1 يحتمل أن يكون هذا البعض هو أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي. كما في ص 266 وترجع الاسنادان إلى سند واحد.
2 بجاد – بمكسورة، وخفة جيم.
3 عند الواقدي: وكان قد عرف جرمه فهرب، فأخذته الخيل فضموه إلى الشيماء وكانت الشيماء في السبي الذي أصابته سرية أبي عامر الأشعري. (انظر شرح المواهب اللدنية 3/25) .
4 الشيماء: بفتح المعجمة وسكون التحتية، ويقال فيها: الشماء بلا ياء، وهو لقب غلب على اسمها فلا تعرف في قومها إلا به. واختلف في اسمها: فجزم ابن سعد وابن قتيبة بان اسمها: جدامة – بالجيم المضمومة والدال المهملة، والميم: وجزم ابن عبد البر: بأن اسمها: حذافة – بالحاء المهملة المضمومة، والذال المعجمة المفتوحة فألف ففاء، وصوبه الخشني وذكر السهيلي في ذلك وجهين: الأول ما ذكره ابن عبد البر، والثاني خذامة – بكسر الخاء وبالذال المعجمتين، والميم. (انظر: ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/110 وابن قتيبة: المعارف ص 58) ، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/157، وابن عبد البر: الاستيعاب4/277 و344 مع الإصابة، والسهيلي: الروض الأنف 2/145 و162 وابن الأثير: أسد الغابة 7/63 و166، وابن كثير: البداية والنهاية 2/273 و4/364، وابن حجر: الإصابة 4/272 و344، والزرقاني: شرح المواهب 1/146 و2/25-26.
5 من جهة أنه عليه السلام رضع أمها حليمة السعدية بلبن أخيها بن الحارث.(1/265)
السياق، فقالت للمسلمين تعلموا1 والله أني لأخت لصاحبكم من الرضاعة، فلم يصدقوها2، حتى أتوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 3.
ومن هذه الطريق أخرجه الطبري4.
والحديث معضل لأن ابن إسحاق من صغار التابعين، وهم الذين رأوا الواحد والاثنين من الصحابة ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة5 وعلى هذا فرواية ابن إسحاق عن التابعين فيكون الحديث معضلا. ثم ساق ابن إسحاق حديثا آخر فقال:
122- حدثني يزيد6 بن عبيد السعدي قال: فلما انتهى7 بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: "يا رسول الله إني أختك من الرضاعة، قال: وما علامة ذلك؟ قالت: عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك8، قال: فعرف رسول الله العلامة، فبسط لها رداءه، فأجلسها عليه، وخيرها وقال: إن أحببت فعندي محببة مكرمة، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت، فقالت: بل تمتعني وتردني إلى قومي، فمتعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وردها إلى قومها، فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما له يقال له مكحول9 وجارية فزوجت أحدهما الأخرى فلم
____________________
1 تعلموا: فعل جامد من أخوات ظن بمعنى اعلموا. شرح ابن عقيل 1/420.
2 عند الواقدي: وأخذها طائفة من الأنصار، وكانوا أشد الناس على هوازن.
3 سيرة ابن هشام 2/458، والسهيلي: الروض الأنف 7/182 والكلاعي: الاكتفاء 2/337.
4 تاريخ الرسل والملوك3/80وانظر: مغازي الواقدي3/913وابن كثير: البداية والنهاية 4/363،والدياربكري: تاريخ الخميس2/108والزرقاني: شرح المواهب3/25-26.
5 ابن حجر: التقريب 1/5.
6 يزيد بن عبيد أبووجزة - بفتح الواو وسكون الجيم بعدها زاي- السعدي المدني الشاعر، ثقة من الخامسة (ت130) /دس. (التقريب 2/368، تهذيب التهذيب 11/349) .
7 أي بالشيماء.
8 متوركتك: حاملتك على وركي، والورك: ما فوق الفخذ ابن الأثير: النهاية5/176.
9 قال ابن حجر: "مكحول مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكره ابن إسحاق في السيرة وقال: وهب النبي صلى الله عليه وسلم لأخته الشيماء - يعني من الرضاعة - غلاما يقال له مكحول، وجارية فزوجت الغلام للجارية، فلم يزل فيهم من نسلهم بقية والله أعلم" (الإصابة 3/456) .
وقال ابن الأثير: "مكحول مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أورده جعفر في الصحابة، فروى بإسناده عن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبي وجزة يزيد بن عبيد السعدي ثم أورد هذا الحديث" (أسد الغابة 5/257) .(1/266)
يزل فيهم من نسلهما بقية1.
ومن هذه الطريق أخرجه الطبري2.
123- ورواه البيهقي من حديث الحكم3 بن عبد الملك عن قتادة قال: "لما كان يوم فتح هوازن جاءت جارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أنا أختك أنا الشيماء بنت الحارث، فقال لها: "إن تكوني صادقة فإن بك مني أثرا لا يبلى".
قال: فكشفت عن عضدها فقالت: نعم يا رسول الله (حملتك) 4 وأنت صغير فعضضتني هذه العضة، قال: "فبسط لها رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه، ثم قال: "سلي تعطي واشفعي تشفعي" 5.
الخلاصة: أن هذا الحديث ورد من ثلاث طرق معضلة:
الأولى: والثانية: عند ابن إسحاق، وفي الأولى قال ابن إسحاق: حدثني بعض بني سعد، وهذا البعض من التابعين لأن ابن إسحاق من صغار التابعين على رأي ابن حجر وقد ثبتت رؤيته لأنس بن مالك، والجهالة الموجودة في هذا السند تغتفر عند أهل العلم بهذا الشأن خاصة إذا كان المراد بهذا البعض جماعة6.
والطريق الثالثة: عند البيهقي وفيها الحكم بن عبد الملك، ضعفه العلماء7.
وهذه الآثار كلها ضعيفة ونحن في صدد قصة تاريخية فيكتفي فيها بمثل هذه الآثار، وقد أطبق العلماء الذين ألفوا في الصحابة وغيرهم على ذكر الشيماء في الصحابة
____________________
1 سيرة ابن هشام 2/458، والسهيلي: الروض الأنف 7/183.
2 تاريخ الرسل الملوك 3/81 وانظر: البلاذري: أنساب الأشراف ص 93 وابن حزم: جوامع السيرة ص 245 وابن الأثير: الكامل 2/180 والواقدي: المغازي 3/913 وابن كثير: البداية والنهاية 4/363، والديار بكري: تاريخ الخميس 2/108 والزرقاني: شرح المواهب 3/26.
3 الحكم بن عبد الملك القرشي البصري، نزيل الكوفة، ضعيف من السابعة / ب خ ت س ق هكذا في التقريب 1/191 وفي تهذيب التهذيب 2/431 علم له / ب خ ت ص ق. وكذا في الخلاصة للخزرجي 1/245 وفي ميزان الاعتدال 1/576 ت ق وكذا في الكاشف 1/183 والظاهر أنه أخرج له (ت ق) فقط. وقد ذكره المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي 2/47 في رجال جامع الترمذي.
4 هذه الجملة سقطت من البداية والنهاية لابن كثير وهي ثابتة في الدلائل للبيهقي الذي هو ناقل عنها.
5 دلائل النبوة للبيهقي 3/56 وانظر البداية والنهاية 4/64.
6 انظر: دفاع عن الحديث النبوي والسيرة للألباني ص 81.
7 وخاصة في قتادة انظر كتاب المجروحين لابن حبان 1/248-249.(1/267)
وعلى أنها قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجعرانة فرحب بها وأكرمها1.
وقد وردت أحاديث أخر تدل على أن أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخاه من الرضاعة جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بالجعرانة فبسط لهم ثوبه وأجلسهم عليه، وأن أمه سألته من سبايا حنين فأعطاها نصيبه ولما رأى الناس ذلك أعطوها أنصباءهم، وفيما يلي سياق ما ورد من الآثار:
124- ما أخرجه الطبري قال: حدثنا بشر2 قال: ثنا يزيد3 قال: ثنا سعيد عن قتادة قال: "ذكر لنا أن أم4 رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته أو ظئره من بني سعد بن بكر أتته فسألته سبايا يوم حنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أملكهم وإنما لي منهم نصيبي، ولكن ائتيني غدا فسليني والناس عندي، فإني إذا أعطيتك نصيبي أعطاك الناس"، فجاءت الغد فبسط لها ثوبا، فقعدت عليه، ثم سألته، فأعطاها نصيبه، فلما رأى ذلك الناس أعطوها أنصباءهم 5.
125- قال ابن عبد البر: روى زيد 6 بن أسلم عن عطاء 7 بن يسار قال: "جاءت حليمة بنت عبد الله أم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقام إليها وبسط لها رداء فجلست عليه" 8.
____________________
1 انظر الشفا للقاضي عياض1/128 وشرحه مزيل الخفاء: عن ألفاظ الشفاء لأحمد بن محمد الشمني 1/128، وانظر المصادر المتقدمة في ترجمة الشيماء تحت حديث (121) .
2 بشر: هو ابن معاذ العقدي، صدوق. وسعيد: هو ابن أبي عروبة اليشكري، ثقة حافظ. وقتادة: هو ابن دعامة ثقة ثبت تقدمت تراجمهم في حديث (48) .
3 يزيد: هو ابن زريع، ثقة ثبت تقدم في حديث (1) .
4 هي حليمة السعدية.
5 جامع البيان 10/101.
6 زيد بن أسلم العدوي مولى عمر بن الخطاب، أبو عبد الله أو أبو أسامة، المدني، ثقة عالم، وكان يرسل، من الثالثة (ت136) /ع (التقريب 1/272، تهذيب التهذيب3/395) .
7 عطاء بن يسار الهلالي أبو محمد المدني، مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة فاضل، صاحب مواعظ وعبادة، من صغار الثالثة، (ت 94، وقيل بعد ذلك) /ع (التقريب 2/23 وتهذيب التهذيب 7/217) .
8 الاستيعاب4/270مع الإصابة، وانظر الحديث أيضا عند ابن حجر: الإصابة4/274 والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 1/141 وشمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود 14/53.(1/268)
126- ما رواه البخاري في الأدب المفرد وأبوداود وغيرهما من حديث أبي الطفيل1 وهذا سياق أبي داود قال: حدثنا ابن المثنى2، أخبرنا أبوعاصم3، أخبرنا جعفر4 بن يحيى بن عمارة بن ثوبان
أنبأنا5 عمارة6 بن ثوبان أن أبا الطفيل أخبره قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لحما بالجعرانة، قال أبو الطفيل: "وأنا يومئذ غلام أحمل عظم الجزور7 إذ أقبلت امرأة8 حتى دنت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبسط9 لها رداءه فجلست عليه، فقلت10: من هي؟ فقالوا11: هذه أمه التي أرضعته12".
والحديث قال في عون المعبود: "سكت عنه المنذري"13إهـ.
____________________
1 هو عامر بن واثلة.
2 محمد بن المثنى بن عبيد، العنزي - بفتح النون والزاي - أبو موسى البصري المعروف بالزمن، مشهور بكنيته وباسمه، ثقة ثبت من العاشرة (ت252/ع (التقريب 2/204 وتهذيب التهذيب 9/425-427) .
3 أبو عاصم هو: الضحاك بن مخلد ثقة ثبت تقدم في حديث (45) .
4 جعفر بن يحيى بن ثوبان وقيل جعفر بن يحيى بن عمارة بن ثوبان، حجازي مقبول من الثامنة، (التقريب 1/133) وفي تهذيب التهذيب 3/109 قال: روى عن عمه عمارة بن ثوبان وعنه أبو عاصم النبيل، وعبيد بن عقيل الهلالي.
قال ابن المدني: "مجهول ما روى عنه غير أبي عاصم".
ثم قال ابن حجر: قلت: "وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن القطان الفاسي مجهول الحال".
وقد حصل في التقريب الطبعة المصرية والهندية وتهذيب التهذيب (علامة) النسائي بدل (ابن ماجه) وهوخطأ.
والصواب أنه أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبوداود وابن ماجه انظر تهذيب الكمال للمزي 2/104، والكاشف 1/187 وميزان الاعتدال 1/420،والمغني في الضعفاء 1/135 كلها للذهبي، والخلاصة للخزرجي 1/171، وانظر حديثه عند ابن ماجه في سننه 1/636 كتاب النكاح، باب حسن معاشرة النساء.
5 كذا وقع عند أبي داود والبخاري وأبي يعلى (أنبأنا عمارة بن ثوبان) قال المزي: في الأطراتف 4/235 حديث 5053 ورواه مسلم الكجي عن أبي عاصم قال: أخبرنا جعفر بن ثوبان أخبرني عمي عمارة بن ثوبان وهوالمحفوظ (يعني أن عمارة عم جعفر) وحديث أبي مسلم الكجي عند الطبراني والبيهقي انظر ص 270.
6 عمارة بن ثوبان، حجازي، مستور، من الخامسة / ب خ د ق (التقريب 2/49 وتهذيب التهذيب 7/412) .
7 عند البخاري وأبي يعلى والطبراني والبيهقي "عضو بعير".
8 عند أبي يعلى: "فأقبلت امرأة بدوية فلما دنت من النبي صلى الله عليه وسلم بسط لها رداءه".
9 قوله: فبسط لها رداءه: قال صاحب عون المعبود: أي تعظيما لها وانبساطا بها، فقلت من هي: أي تعجبا من إكرامه إياها وقبولها القعود على ردائه المبارك (عون المعبود 14/53) .
10 عند أبي يعلى: فسألت من هذه.
11 عند البخاري: قيل هذه أمه.
12 أبو داود: السنن 2/630 كتاب الأدب، باب في بر الوالدين.
13 14/54.(1/269)
وأخرجه البخاري في الأدب المفرد فقال: حدثنا أبو عاصم عن جعفر بن يحيى بن ثوبان به1.
وأخرجه أبو يعلى فقال: حدثنا عمرو2 بن الضحاك بن مخلد ثنا جعفر بن يحيى بن ثوبان به"3.
وأخرجه الطبراني والبيهقي كلاهما من طريق أبي مسلم4 الكجي قال ثنا أبوعاصم قال: أخبرنا جعفر بن يحيى قال: أخبرني عمي عمارة بن ثوبان به5.
وأخرجه الحاكم من طريق أبي عاصم أنبأنا جعفر بن يحيى به.
وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"6.
وأورده ابن كثير ثم قال: "هذا حديث غريب".
ولعله يريد أخته7 وقد كانت تحضنه مع أمها حليمة السعدية، وإن كان محفوظا فقد عمرت حليمة دهرا، فإن من وقت أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقت
____________________
1 الأدب المفرد: ص 440 باب حسن العهد.
2 عمرو بن الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني ولد أبي عاصم النبيل، البصري، ثقة، كان على قضاء الشام، من الحادية عشرة، (ت242) / ق (التقريب 2/72 وتهذيب التهذيب 8/55) . ووقع في التقريب: والد أبي عاصم وهو خطأ، والظاهر أن شيخ عمرو بن الضحاك قد سقط من السند وأنه أبو عاصم، فإن عمراً يروي عن أبيه وأن هذا الحديث بجميع طرقه عن أبي عاصم عن جعفر بن يحيى، ولم أجد في ترجمة عمرو أنه يروي عن جعفر، وكذا لم أجد في ترجمة جعفر أن من تلاميذه عمرو بن الضحاك.
3 مسند أبي يعلى 1/107 رقم 301.
4 أبو مسلم الكجي هو: إبراهيم بن عبد الله، ثقة تقدمت ترجمته في حديث (89) وقع في البداية والنهاية لابن كثير 4/364 ثنا مسلم وهو خطأ والصواب "ثنا أبو مسلم".
5 انظر المزي: تهذيب الكمال 6/501 فقد ساق الحديث في ترجمة عمارة بن ثوبان، بسنده إلى الطبراني.
والبيهقي: دلائل النبوة 3/56 وانظر: الشفا للقاضي عياض 1/128، وأسد الغابة لابن الأثير 7/68 والسيرة النبوية للذهبي ص 21، والإصابة لابن حجر 4/274.
6 المستدرك 4/164،3/618.
7 قلت: وقد سبق إلى هذا القول الحافظ الدمياطي فقد ذكر حديث بسط الرداء، ثم قال: هذه أخته الشيماء لا أمها حليمة.
(انظر: الشمني: مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء 1/128 مع الشفاء وسيأتي الجواب عن هذا في نهاية هذا المبحث.
وتردد ابن قيم في ذلك فقال: واختلف في إسلام أبويه من الرضاعة فالله أعلم (زاد المعاد 1/83) .(1/270)
الجعرانة أزيد من ستين سنة، وأقل ما كان عمرها حين أرضعته صلى الله عليه وسلم ثلاثين سنة، ثم الله أعلم بما عاشت بعد ذلك.
127- وقد ورد حديث مرسل فيه أن أبويه من الرضاعة قدما عليه والله أعلم بصحته قال أبو داود في المراسيل: ثنا أحمد1 بن سعيد الهمداني، ثنا ابن2 وهب ثنا عمرو3 بن الحارث أن عمر4 بن السائب حدثه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما فجاءه أبوه5 من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه 6 من الرضاعة فقام له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه بين يديه" 7.
قلت: "والحديث أيضا عند أبي داود في السنن"8.
قال صاحب عون المعبود: قال المنذري: "هذا معضل؛ لأن عمر بن السائب يروي عن التابعين"9.
وخلاصة القول في هذا أنه قد وردت أربعة أحاديث تصرح بقدوم أم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إلى الجعرانة، وهي كالتالي:
الأول: حديث الطبري وهو مرسل حسن الإسناد10.
____________________
1 أحمد بن سعيد بن بشر الهمداني، أبوجعفر المصري، صدوق من الحادية عشرة (ت253) / د (التقريب 1/15 وتهذيب التهذيب 1/31) .
2 هو عبد الله بن وهب.
3 عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري، مولاهم، المصري، أو أيوب، ثقة فقيه حافظ، من السابعة، (ت قبل الخمسين ومائة) /ع (التقريب 2/67 وتهذيب التهذيب 8/14) وقع في تهذيب التهذيب 8/15 عند ذكر تلامذته منهم "عبد الله ابن أبي وهب" وهو خطأ والصواب: عبد الله ابن وهب) .
4 عمر بن السائب بن أبي راشد المصري، مولى بني زهرة، أبو عمر صدوق فقيه، من السادسة (ت 134) التقريب 2/55 وتهذيب التهذيب 7/450 ووقع في تهذيب التهذيب: توفي سنة أربع وثلاثين ومائتين وهو خطأ.
5 أبوه هو الحارث بن عبد العزى.
6 هو عبد الله بن الحارث بن عبد العزى، (انظر سيرة ابن هشام 1/161 وابن الأثير: أسد الغابة 1/404 والطبقات الكبرى لابن سعد 1/111 وابن حجر الإصابة 1/282-283 و3/88) وابن كثير: البداية والنهاية 2/273 وانظر عون المعبود 14/54.
7 ابن كثير: البداية والنهاية 4/364 والسهيلي: الروض الأنف 2/145.
8 2/630 كتاب الأدب، باب بر الوالدين، انظر: الشفا للقاضي عياض 1/128.
9 14/54.
10 تقدم برقم (124) .(1/271)
الثاني: حديث زيد بن أسلم وهو مرسل صحيح الإسناد1.
الثالث: حديث أبي الطفيل 2 وفيه ما يأتي:
أ- جعفر بن يحيى بن ثوبان، سكت عنه البخاري 3.
وقال ابن أبي حاتم: "روى عن عمه عمارة وعطاء وعبد الله بن عبيد وعنه: أبو عاصم وعبيد بن عقيل، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلاً"4.
وقال ابن حجر: في التقريب "مقبول"5.
وفي تهذيب التهذيب: "وثقه ابن حبان"، وقال ابن المديني: "مجهول ما روى عنه غير أبي عاصم"، وقال ابن القطان الفاسي: "مجهول الحال"6.
ب- عمارة بن ثوبان: سكت عنه البخاري7، وكذا ابن أبي حاتم8.
وقال المزي: "روى عن أبي الطفيل وعطاء بن أبي رباح وموسى بن باذان وعنه ابن أخيه جعفر بن يحيى بن ثوبان، ذكره ابن حبان في كتاب الثقات"9. ونقل ابن حجر هذا في تهذيب التهذيب، وزاد: قال ابن المديني: "عمارة بن ثوبان لم يروعنه غير جعفر بن يحيى". وقال عبد الحق10: "ليس بالقوي".
وقال ابن القطان الفاسي: "مجهول الحال"11.
____________________
1 تقدم برقم (125) .
2 تقدم برقم (126) .
3 التاريخ الكبير2/202.
4 الجرح والتعديل 2/492.
5 1/133.
6 2/109 وانظر ميزان الاعتدال 1/420.
7 التاريخ الكبير 6/503.
8 الجرح والتعديل 6/363.
9 تهذيب الكمال 6/501.
10 عبد الحق بن عبد الرحمن الحافظ العلامة الحجة أبو محمد الأزدي الأشبيلي، ويعرف أيضاً بابن (الخراط) قال أبو عبد الله الأبار: كان فقيها حافظا عالما بالحديث وعلله عارفاً بالرجال موصوفا بالخير والصلاح والزهد والورع ولزوم السنة، من تصانيفه الكثيرة: (الجمع بين الصحيحين) وكتاب (المعتل من الحديث) (ت 581 تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1350-1352) .
11 تهذيب التهذيب 7/412.(1/272)
وفي التقريب قال عنه: "مستور"1.
وقال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال والمغني في الضعفاء: "تفرد عنه ابن أخيه جعفر بن يحيى لكنه وثق".
وفي الكاشف قال: "وثق وفيه جهالة"2.
والحديث صححه الحاكم كما تقدم3 وصحح حديثا آخر أيضا من طريق جعفر بن يحيى بن ثوبان عن عمه عمارة بن ثوبان ووافقه الذهبي4.
وتعقب الألباني الحاكم في تصحيحه والذهبي في موافقته فقال: "هذا غريب من الذهبي، فإنه قال عن عمارة في الضعفاء تابعي صغير مجهول"5إهـ. وعلى هذا فقد اختلف قول الذهبي في عمارة.
ومثل عمارة هذا يتقوى بالمتابعة.
الرابع: حديث عمر بن السائب، وهومعضل كما قال المنذري6 وفيه زيادة ذكر أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخيه من الرضاعة وهذه الأحاديث تدل بمجموعها على أن لهذه القصة أصلا، وقد عد العلماء حليمة السعدية وزوجها وابنها في الصحابة، فقال ابن عبد البر: حليمة السعدية هي التي أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكملت رضاعه ورأت له برهانا وعلماً جليلاً تركنا ذكره لشهرته.
ثم أورد حديث زيد بن أسلم المتقدم7.
ثم قال: "روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنها عبد الله8 بن جعفر"9.
____________________
2/49.1
2 ميزان الاعتدال 3/173 والمغني في الضعفاء 2/460، والكاشف 2/310.
3 انظر ص (270) .
4المستدرك4/173من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خيركم، خيركم للنساء.
5 الألباني: سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول تحت حديث (285) .
6 انظر حديث (128) .
7 تقدم برقم (125)
8 عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي أحد الأجواد، ولد بأرض الحبشة وله صحبة (ت 80) /ع (التقريب 1/406 وتهذيب التهذيب 5/170) .
9 الاستيعاب 4/270 مع (الإصابة) .(1/273)
ونقل ابن حجر قول ابن عبد البر هذا ثم قال: "حديث عبد الله بن جعفر بقصة إرضاعها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه"1، وصرح فيه بالتحديث بين عبد الله وحليمة2.
ونقل الزرقاني قول ابن حجر ثم قال: وقول ابن كثير لم تدرك البعثة رده الحافظ ابن حجر، بأن عبد الله بن جعفر حدث عنها عند أبي يعلى والطبراني وابن حبان وهو إنما ولد بعد البعثة.
وزعم الدمياطي3 وأبو حيان4 النحوي أنها لم تسلم مردود، فقد ألف مغلطاي5 فيها جزء حافلا سماه التحفة الجسيمة في إثبات إسلام حليمة وارتضاه علماء عصره، فأما أبو حيان فليس من فرسان هذا الميدان يذهب إلى زيده وعمره، وأما الدمياطي فحسبنا في الرد عليه قوله: وقد وهل غير واحد فذكروها في الصحابة لأنهم مثبتون لذلك، فمن أين له الحكم عليهم، وقد ذكرها في الصحابة ابن أبي
____________________
1 الحديث عند أبي يعلى في مسنده 1/128 وابن حبان في صحيحه كما في موارد الظمآن ص 512 وليس فيه التصريح بالتحديث كما قال ابن حجر رحمه الله، ولذا فقد قال الألباني: "وهم الحافظ ابن حجر في هذا فإن هذا التحديث لا أصل له عند ابن حبان ولا عند غيره ممن ذكرنا. وقد وصف الحديث بالاضطراب أيضا" (دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص 39) وانظر: الحديث عند أبي نعيم في دلائل النبوة ص 111 والبيهقي: في دلائل النبوة أيضا 1/108 وابن هشام: السيرة النبوية 1/162 والسهيلي: الروض الأنف 2/145 والطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/158، والذهبي: السيرة النبوية 19-21 وقال: "هذا حديث جيد الإسناد"، وابن كثير: البداية والنهاية2/273-275 وقال: هذا الحديث قد روي من طرق أخر وهو من الأحاديث المشهورة المتداولة بين أهل السير والمغازي. والحديث يدور على ابن إسحاق رحمه الله وقد صرح بالتحديث في بعض الطرق.
2 الإصابة 4/274.
3 الدمياطي: الحافظ الإمام العلامة الحجة الفقيه، النسابة، شيخ المحدثين، شرف الدين، أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي الشافعي صاحب التصانيف (613-705هـ) (الذهبي: تذكرة الحفاظ 4/1477-1479، ابن كثير: البداية والنهاية14/40والشوكاني البدر الطالع1/403وكحالة: معجم المؤلفين6/197.
4 هو محمد بن يوسف بن علي الغرناطي أوحيان الأندلسي الإمام الكبير في العربية والتفسير وغيرهما من الفنون (654-745هـ) (الشوكاني: البدر الطالع 2/288-291) .
5 مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري، الحنفي التركي علاء الدين صاحب التصانيف (690-762هـ) من تصانيفه الكثيرة، ذيل على "تهذيب الكمال" للمزي، وله شرح على صحيح البخاري في نحو عشرين مجلدا وغير ذلك (ابن حجر: لسان الميزان:6 /72 والشوكاني: البدر الطالع 2/312 وكحالة: معجم المؤلفين 12/313 ولحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ لابن فهد ص 133.(1/274)
خيثمة1 في تاريخه وابن عبد البر وابن الجوزي2 في "الحداء" والمنذري في مختصر سنن أبي داود وابن حجر في الإصابة وغيرهم، وحسبك بهم حجة3، ثم قال: وما وقع عند الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل الشيماء عن أبويها فأخبرته أنهما ماتا لا يصح، فقد روى أبو داود وأبو يعلى وغيرهما عن أبي الطفيل أنه صلى الله عليه وسلم كان بالجعرانة يقسم لحما فأقبلت امرأة بدوية فلما دنت منه بسط لها رداءه فجلست عليه فقلت: من هذه قالوا: أمه التي أرضعته.
وذكر ابن إسحاق: "أن زوجها الحارث عاش بعده عليه السلام، ثم قال: والواقدي لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف" إهـ.
قلت: "وحديث إسلام الحارث أورده السهيلي في رواية يونس بن بكير عن ابن إسحاق وهذا سياقه":
قال: "وذكر ابن إسحاق الحارث بن عبد العزى أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، ولم يذكر له إسلاما ولا ذكره كثير ممن ألف في الصحابة".
128- وقد ذكره يونس بن بكير في روايته، فقال: حدثنا ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق4 بن يسار عن رجال من بني سعد ابن بكر، قالوا: قدم الحارث بن عبد العزى أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حين أنزل عليه القرآن، فقالت له قريش: ألا تسمع يا حار5 ما يقول ابنك هذا؟
فقال: وما يقول؟
قالوا: "يزعم أن الله يبعث بعد الموت، وأن لله دارين يعذب فيهما من عصاه
____________________
1 أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب الحافظ الحجة الإمام أبو بكر النسائي البغدادي صاحب التاريخ الكبير (185-279هـ) (الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/162 والذهبي: تذكرة الحفاظ 2/596 وكحالة: معجم المؤلفين 1/227) .
2 هو عبد الرحمن بن علي بن محمد جمال الدين أبو الفرج، المعروف بابن الجوزي الإمام العلامة الحافظ عالم العراق وواعظ الآفاق، صاحب التصانيف في فنون العلم، منها زاد المسير في علم التفسير، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم (510-597هـ) (الذهبي تذكرة الحفاظ 4/1342) وابن كثير البداية والنهاية 13/28 وكحالة: معجم المؤلفين 5/157.
3 الزرقاني: شرح المواهب 1/141 و3/26 وانظر: مغازي الواقدي 2/269، 3/913، ومجمع الزوائد للهيثمي 8/220-221.
4 تقدم في حديث (89) .
5 ترخيم: حارث (شرح قطر الندى لابن هشام ص 214) .(1/275)
ويكرم فيهما من أطاعه، فقد شتت أمرنا، وفرق جماعتنا، فأتاه فقال: أي بني مالك ولقومك يشكونك، ويزعمون أنك تقول: إن الناس يبعثون بعد الموت ثم يصيرون إلى جنة ونار؟ ".
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم أنا أزعم ذلك، ولو قد كان ذلك اليوم يا أبت، لقد أخذت بيدك، حتى أعرفك حديثك اليوم"، فأسلم الحارث بعد ذلك، وحسن إسلامه، وكان يقول حين أسلم: "لو قد أخذ ابني بيدي، فعرفني ما قال، لم يرسلني إن شاء الله حتى يدخلني الجنة" 1.
وأورده ابن حجر في ترجمة الحارث ثم قال: "عند ابن سعد حديث آخر مرسل صحيح الإسناد أن هذه القصة وقعت لولد الحارث".
129- فأخرج من طريق يحيى2 بن أبي كثير عن إسحاق3 بن عبد الله قال: "كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخ من الرضاعة فقال للنبي صلى الله عليه وسلم يعني بعد النبوة أترى أنه يكون بعث؟
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أما والذي نفسي بيده لآخذن بيدك يوم القيامة ولأعرفنك".
قال: "فلما آمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس فيبكي ويقول: "أنا أرجو أن يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي يوم القيامة".
ثم قال ابن حجر: "ويحتمل أن يكون ذلك وقع للأب والابن، وقد سماه بعضهم عبد الله، وذكره في الصحابة، وكذا سماه ابن سعد لما ذكر أسماء أولاد حليمة"4.
ثم أورد حديث عمر بن السائب في قدوم أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخيه إلى
____________________
1 السهيلي: الروض الأنف 2/160-161.
2 يحيى بن أبي كثير الطائي، مولاهم، أو نصر اليمامي، ثقة ثبت، لكنه يدلس ويرسل، من الخامسة، (ت 132) وقيل قبل ذلك/ ع (التقريب 2/356 وتهذيب التهذيب 11/ 268 وقد ذكره ابن حجر: في المرتبة الثانية من مراتب طبقات المدلسين، وهي: من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة (طبقات المدلسين ص7، و25) .
3 إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري ثقة حجة، تقدم في حديث (47) .
4 انظر طبقات الكبرى: لابن سعد 1/110.(1/276)
الجعرانة ثم قال: وذكر ابن إسحاق أنه بلغه أن الحارث إنما أسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فالله أعلم1.
130- وروى ابن إسحاق قال: حدثني عمرو2 بن شعيب عن أبيه 3 عن جده عبد الله4 أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا فقالوا: يا رسول الله إنا أصل وعشيرة" الحديث.
وفيه "إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك" الحديث5.
وإسناد حسن6.
وفي شعر زهير بن صرد أحد وفد هوازن قال:
أمنن على نسوة قد كنت ترضعها
إذ فوك تملأه من محضها درر7
وفي هذا الشعر التصريح بنسوة منهن من كانت مرضعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث الذي قبله ذكر قرابات الرسول صلى الله عليه وسلم من الرضاع والتصريح بحواضنه اللاتي كفلنه، ويستأنس بهذا الأثر مع ما قبله من الآثار السابقة الواردة في هذا الصدد أن أم الرسول صلى الله عليه وسلم قدمت عليه الجعرانة، والآثار السابقة وإن كانت لا تخلو من مقال لكنها يعمل بها في مثل هذه المسألة التاريخية.
إذ لا يوجد معتمد فيها إلا هذه الآثار وليس لها معارض يدفعها.
__________
1 ابن حجر: الإصابة1/282-283و3/88والزرقاني: شرح المواهب اللدنية1/142 و143.
2 عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمروبن العاص، صدوق من الخامسة (ت 118) / ز ع (التقريب 2/72 وتهذيب التهذيب 8/48) .
3 شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، صدوق، ثبت سماعه من جده عبد الله ابن عمرو، من الثالثة/ب خ ز ع (التقريب1/353 وتهذيب التهذيب 4/356، وفي التقريب الطبعة المصرية، قال: عن (شعيب) ،بأنه من الثامنة، وهو خطأ، وسقطت علامة من أخرج له من تهذيب التهذيب. وهي ثابتة في التقريب والخلاصة للخزرجي.
4 عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي أبو محمد، وقيل أبو عبد الرحمن أحد السابقين المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء، مات في ذي الحجة، ليال الحرة على الأصح، بالطائف على الراجح/ ع (التقريب 1/436 وتهذيب التهذيب 5/337) .
5 سيرة ابن هشام 2/488-489.
6 قال الألباني: وهو المتقرر في إسناد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول حديث (62) .
7 انظر حديث (210) .(1/277)
الفصل الثاني: في غزوة الطائف
المبحث الأول: حصار الطائف
...
المبحث الأول: حصار الطائف
لثقيف مواقف عدائية ضد المسلمين منذ ظهور الإسلام، ومن أبرزها موقفهم الآثم من رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إليهم يدعوهم إلى الله عز وجل ويطلب منهم نجدته حتى يؤدي رسالة ربه، فردوه ردا قبيحا وأغروا سفهاءهم وصبيانهم بمطاردة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورميه بالأحجار حتى أدموا قدميه1 ومن تلك المواقف تكتل ثقيف مع قريش في صلح الحديبية2، ونصرهم لها على المسلمين ولما دانت قريش بالإسلام بفتح مكة المكرمة ثارت ثائرة هوازن فأخذت في حشد قواتها للزحف على المسلمين، فكانت ثقيف أول من لبى دعوتها وانحاز إلى جانبها، فخرجت الأحلاف من ثقيف بقيادة قارب بن الأسود الثقفي، وخرجت بنو مالك بقيادة ذي الخمار سبيع بن الحارث وأخيه أحمر بن الحارث، ووقفت مع هوازن كتلة واحدة في وجه المسلمين.
____________________
1 انظر سيرة ابن هشام 1/419 والبداية والنهاية 3/135.
2 تقدم بيان ذلك في حديث (5) .(1/278)
ولما اندحر الفريقان الهوازني والثقفي في موقعة حنين أمام جحافل المسلمين، انسحبوا من ساحة المعركة، فعسكر بعضهم بأوطاس، وبعضهم بنخلة1، وتوجه بعض منهم نحو الطائف ومعه مالك بن عوف النصرى، فدخلوا حصن الطائف وتحصنوا به.
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين أمر بالغنائم فحبست في الجعرانة، ثم قرر صلى الله عليه وسلم السير بنفسه إلى الطائف2.
وأمر خالد بن الوليد أن يسير على مقدمته3.
وكان ذلك في شهر شوال من السنة الثامنة، كما بوب البخاري بقوله: باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان، قاله موسى بن عقبة4.
قال ابن حجر: كذا ذكره موسى بن عقبة في مغازيه، وهو قول جمهور أهل المغازي.
وقيل: بل وصل إليها في أول ذي القعدة5.
131- وأخرجه البيهقي عن عروة بن الزبير وموسى بن عقبة عن ابن شهاب فقال: أخبرنا أبو الحسين6 بن الفضل القطان قال ثنا عبد الله7 بن جعفر قال: ثنا
____________________
1 تقدم بيان ذلك في حديث (116) .
2 سيرة ابن هشام 2/478، والروض الأنف 7/231، البداية والنهاية 4/345و347 وزاد المعاد 3/472 وفتح الباري 8/33و35.
3 طبقات ابن سعد 2/158، زاد المعاد 3/496.
4 كتاب المغازي 5/128.
5 فتح الباري 8/44 وانظر طبقات ابن سعد 2/158وزاد المعاد 3/495، شرح المواهب 3/29.
6 هو محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان أبو الحسين الأزرق، قال الخطيب: كتبنا عنه وكان ثقة (335-415هـ) (تاريخ بغداد 2/249 وموارد الخطيب للعمري ص 468.
7 عبد الله بن درستويه الفارسي النحوي، أبو محمد صاحب يعقوب بن سفيان الفسوي وراوية كتبه عنه، وقد رد الخطيب على الذين ضعفوه ونقل عن الحسن بن عثمان الشيرازي أنه قال: ابن درستويه: ثقة ثقة، تاريخ بغداد 9/429 وانظر ميزان الاعتدال2/401،ولسان الميزان3/267ومقدمة تاريخ الفسوي للعمري1/20-22.(1/279)
يعقوب1 بن سفيان قال ثنا عثمان2 بن صالح عن ابن لهيعة3 قال ثنا أبو الأسود4 عن عروة 5.
ح - قال6: وثنا يعقوب قال ثنا إبراهيم7 بن المنذر قال ثنا محمد ابن فليح8 عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: "وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وحاصر الطائف في شوال سنة ثمان" 9.
132- وقال ابن إسحاق: ولما قدم فل10 ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها، وصنعوا الصنائع للقتال، ولم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة11 بن
____________________
1 يعقوب بن سفيان الفارسي، أبو يوسف الفسوي، ثقة حافظ، من الحادية عشرة (ت277) وقيل بعد ذلك، /ت س (التقريب2/375 وتهذيب التهذيب11/385، وتذكرة الحفاظ 2/582 وسير أعلام النبلاء 13/180 كلاهما للذهبي وتهذيب الكمال: للمزي: 8/775 والخلاصة للخزرجي 3/181 ومقدمة تاريخ الفسوي لمحققّه أكرم العمري 1/13 وقد علم لمن أخرج له التقريب الطبعة المصرية. بعلامة (ابن ماجه) بدل (الترمذي) وهو خطأ والصواب أنه أخرج له الترمذي والنسائي دون (ابن ماجه) وانظر: مقدمة تحفة الأحوذي للمباركفوري 2/131.
2 عثمان بن صالح بن صفوان السهمي مولاهم، أبو يحيى البصري، صدوق من كبار العاشرة (ت 219) /خ س ق (التقريب 25/10 وتهذيب التهذيب 7/122 وميزان الاعتدال للذهبي 3/39) .
3 هو عبد الله بن لهيعة أبو عبد الرحمن المصري، صدوق، تقدمت ترجمته في حديث (64) .
4 هو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي ثقة تقدم في حديث (64) .
5 عروة بن الزبير ثقة فقيه مشهور تقدم في حديث (9) .
6 فاعل قال هو عبد الله بن جعفر درستويه، ويعقوب هو الفسوي.
7 إبراهيم بن المنذر بن عبد الله الأسدي، الحزامي، صدوق، تكلم فيه أحمد بن حنبل لأجل القرآن، من العاشرة (ت236) /خ ت س ق (التقريب1/43 وتهذيب التهذيب 1/166) . وفي ميزان الاعتدال 1/67 رمز له الذهبي (بصح) إشارة إلى أنه ثقة وقال عنه: حافظ من الشيوخ الأئمة وثقه ابن معين، وكتب عنه وهو من أقرانه وفي تذكرة الحفاظ2/470قال عنه: الإمام المحدث الثقة. وفي سير أعلام النبلاء10/689 قال عنه: الإمام الحافظ الثقة. وعلى هذا فإن قول ابن حجر فيه: (صدوق) فيه نظر.
8 محمد بن فليح بن سليمان الأسلمي، أو الخزاعي، صدوق يهم، التاسعة، (ت 197) / خ س ق (التقريب 2/201 وتهذيب التهذيب 9/404 وفي هدي الساري ص 441-442 قال ابن حجر روى له البخاري نسخة توبع على أكثرها، وله نسخة أخرى فيها ثمانية أحاديث توبع عليها أيضا.
9 دلائل النبوة للبيهقي: 3/47 ب، البداية والنهاية لابن كثير 4/345.
10 قوم فل: منهزمون: جمعها فلول وأفلال. (القاموس المحيط للفيروز آبادي 4/32 والمعجم الوسيط 2/701و70211 انظر حديث (214) .(1/280)
مسعود ولا غيلان1 بن سلمة كانا بجرش2 يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور3، ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من حنين4، فقال كعب بن مالك حين أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى الطائف:
قضينا من تهامة كل ريب
وخيبر ثم أجمعنا السيوفا
تخيرها ولونطقت لقالت
قواطعهن: دوسا أوثقيفا 5
قال ابن إسحاق: "فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخلة اليمانية6 ثم على قرن7،
____________________
1 غيلان بن سلمة بن معتب بن مالك الثقفي، أسلم بعد فتح الطائف كان أحد وجوه ثقيف، وكان تحته عشرة نسوة في الجاهلية، فلما أسلم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا ويفارق سائرهن، (أسد الغابة لابن الأثير 4/343) ووقع في سيرة ابن هشام2/478 (غيدن) بدل (غيلان) وهو خطأ وانظر الروض الأنف7/770-771.
2 جرش: كزفر من مخاليف اليمن من جهة مكة، منه الأديم والإبل، (معجم البلدان 2/126 والقاموس المحيط 2/365) .
وقال حمد الجاسر: "جرش: المدينة المعروفة قديما، وقد خربت الآن، ولا تزال أطلالها قائمة في أعلى وادي بيشة" (التعليق على كتاب المناسك للحربي ص 285) .
3 الدبابة: مشددة آلة تتخذ للحروب فتدفع في أصل الحصن فينقبون وهم في جوفها.
والضبور: جمع ضبر: جلود تغشى خشبا فيها رجال تقرب إلى لحصون للقتال.
والمجانيق: جمع منجنيق. آلة ترمى بها الحجارة، كالمنجنوق معريقة. (القاموس المحيط 1/65، و2/74، 3/218، والروض الأنف 7/266-267) .
وقال محمود شيت خطاب: "يتألف المنجنيق بصورة عامة من عامود طويل قوي موضوع على عربة ذات عجلتين في رأسها حلقة أو بكرة يمر بها حبل متين، في طرفه الأعلى شبكة في هيئة كيس، توضع حجارة أو مواد محترقة في الشبكة، ثم تحرك بواسطة العامود والحبل، فيندفع ما وضع في الشبكة من القذائف ويسقط على الأسوار، فيقتل أو يحرق ما يسقط عليه".
وأما الدبابة: فعبارة عن آلة من الخشب الثخين المغلف بالجلود أو اللبود تركب على عجلات مستديرة، فهي عبارة عن قلعة متحركة يستطيع المشاة الاحتماء بها من نبال الأعداء (الرسول القائد ص 25 وانظر صورتها ص 298.
4 في معجم البلدان 3/465 (خيبر) وهو خطأ.
5 هذه من جملة أبيات قالها كعب بن مالك الخزرجي وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وكان من شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم (أسد الغابة 2/487-488) .
6 تقدم تعريف بها في حديث (116) .
7 قرن: بفتح القاف وسكون الراء المراد به هنا قرن المنازل يعرف الآن بالسيل الكبير، يبعد عن مكة ثمانين كيلا، وعن الطائف (53) كيلا، وهو من مواقيت الحج المكانية، ويقال له أيضا قرن الثعالب، يحرم منه أهل الطائف وأهل نجد - نجد اليمن - ونجد الحجاز، وأهل الكويت، وهذه الطريق هي طريق مكة القديمة إلى الطائف، فأعلاها وادي حنين ثم نخلة اليمانية، وهي معروفة بأسفلها قرية (الزيمة) وبأعلاها (البوباة) (البهيتا) حاليا (انظر معجم البلدان لياقوت 4/332) .
والتعليق على كتاب المناسك للحربي للمحقق حمد الجاسر ص 353 والمجاز بين اليمامة والحجاز لابن خميس ص 268. ومعجم المعالم الجغرافية لعاتق البلادي ص 254. وتيسير العلام لعبد الله بن عبد الرحمن آل بسام 1/501.(1/281)
ثم على المليح1 ثم على بحرة2 الرغاء من لية3 فابتني بها مسجدا فصلى فيه.
133- قال ابن إسحاق: فحدثني عمرو بن شعيب: أنه أقاد يومئذ ببحرة الرغاء حين نزلها بدم، وهو أول دم أقيد به في الإسلام، رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل، فقتله به، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بلية بحصن مالك بن عوف فهدم4، ثم سلك في طريق يقال لها الضيقة5، فلما توجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن اسمها، فقال: "ما اسم هذه الطريق؟ فقيل له الضيقة، فقال: بل هي اليسرى6 ثم خرج علىنخب7 حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة قريب من مال رجل من ثقيف، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن تخرج وإما أن نخرب عليك حائطك، فأبى أن
____________________
1 المليح: تصغير ملح: واد بالطائف مر به النبي صلى الله عليه وسلم عند انصرافه من حنين إلى الطائف.
وهو واد يصب في وادي قرن إذا تجاوز السيل الكبير، يصب فيه من ضفتيه اليمنى من الشرق، ما زال معروفا، يسكنه قوم من خزاعة وأعلاه يسمى السيل الصغير، شمال الطائف على (30) كيلا (معجم البلدان لياقوت 5/196 ومعجم المعالم الجغرافية لعاتق البلادي 254.
2 بحرة الرغاء - بفتح الباء على الصواب، وهي معروفة اليوم بطرف ليّة من الجنوب على (15) كيلا جنوب الطائف (معجم البلدان لياقوت 1/346 ومعجم المعالم الجغرافية لعاتق البلادي ص 254) .
3 ليّة: بتشديد الياء وكسر اللام من نواحي الطائف، مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرافه من حنين يريد الطائف وأمر وهو بليّة بهدم حصن مالك بن عوف (معجم البلدان 5/30) وفي المجاز بين اليمامة والحجاز ص 266: ليّة من أودية الطائف ينحدر من قمة جبال السروات، مشهور ببساتينه النضرة وحدائقه المثمرة ومناظره البهيجة، يلتقي بوادي نخب ويكونان واديا واحدا، سكانه بنونصر وثقيف وعتيبة وعدوان وهويسيل من السراة ويمر جنوب الطائف على (15) كيلا (معجم المعالم الجغرافية ص 274) .
4 وعند موسى بن عقبة: وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف إلى الطائف أمر بقصر مالك بن عوف فحرق، وأقاد بها رجلا من رجل قتله فيقال: "إنه أوّل قتيل أقيد في الإسلام" (دلائل النبوة للبيهقي 3/47 ب) .
5 الضيقة: بالفتح والسكون والقاف: طريق بين الطائف وحنين. (معجم البلدان 3/465) .
6 فيه استحباب التفاؤل وفسره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه الكلمة الصالحة كما ورد عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا طيرة وخيرها الفأل، قالوا: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم" (البخاري 7/117 كتاب الطب، باب الفأل، مسلم 4/1745 كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون من الشؤم. وعند ابن ماجه من حديث أبي هريرة كان النبي صلى الله عليه وسلم: "يعجبه الفأل الحسن ويكره الطيرة" (سنن ابن ماجه 2/1170 كتاب الطب، باب من كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة. وعرف الطيرة المنهي عنها بأنها هي التي ترد المسلم عن حاجته، لحديث عبد الله بن عمرو عند أحمد 2/220 من ردته الطيرة عن حاجة فقد أشرك.
7 نَخِبَ- بالفتح ثم الكسرة ثم الموحدة، يقال: بفتحتين: واد من أودية الطائف مر به النبي صلى الله عليه وسلم من طريق يقال لها الضيقة ثم خرج منها على نخب، وهو يمر جنوب الطائف على قرابة خمسة أكيال، ثم يصب في لِيّة من ضفتها اليسرى، وأهله اليوم وقدان من عتيبة (انظر معجم البلدان لياقوت: 5/275-276 والمجاز بين اليمامة والحجاز لابن خميس ص 265-266 ومعجم المعالم الجغرافية لعاتق البلادي ص 316.(1/282)
يخرج، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجه، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريبا من الطائف فضرب به عسكره فقتل به ناس من أصحابه بالنبل، وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف، فكانت النبل تنالهم، ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم أغلقوه دونهم، فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل، وضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم فحاصرهم بضعا1 وعشرين ليلة2، ومعه امرأتان من نسائه، إحداهما أم سلمة3 بنت أبي أمية، فضرب لهما قبتين، ما أقام، فلما أسلمت ثقيف بنى على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو4 بن أمية بن وهب بن معتب بن مالك مسجدا، وكانت في ذلك المسجد سارية - فيما يزعمون - لا تطلع الشمس عليها يوما من الدهر إلا سمع لها نقيض فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتلهم قتالا شديدا وتراموا بالنبل، حتى إذا كان يوم الشدخة5 عند جدار الطائف، دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الدبابة ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف6 ليخرقوه، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثقيف بالنبل، فقتلوا منهم رجالا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب ثقيف، فوقع الناس فيها يقطعون"7.
والحديث مرسل لأن عمروبن شعيب لم يدرك هذه القصة.
وأخرجه الطبري من هذه الطريق8.
____________________
1 البضع: بالكسر وقد يفتح: مابين الثلاث إلى تسع (النهاية 1/133) .
2 قوله:"فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة" قال الزرقاني: "هذه رواية زياد البكائي عن ابن إسحاق، وفي رواية يونس بن بكير فقال: حدثني عبد الله بن أبي بكر وعبد الله ابن المكرم عمن أدركوا من العلماء أنه حاصرهم ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك" (شرح المواهب3/31) قلت: وقد روى البيهقي من طريق يونس بن بكير (بضعا وعشرين ليلة) .
3 والثانية: زينب بنت جحش، انظر مغازي الواقدي 3/926.
4 انظر ترجمة في الإصابة 2/524 و4/11.
5 في لسان العرب 3/505: الشدخ كسر الشيء الأجوف كالرأس ونحوه.
6 وعند الواقدي: "ودخل المسلمون تحت الدبابة وهي من جلود البقر وذلك يوم يقال له الشدخة، قيل: وما الشدخة؟ قال: ما قتل من المسلمين". (مغازي الواقدي 3/927-928) .
7 سيرة ابن هشام 2/478-483 والروض الأنف 7/231-234.
8 تاريخ الرسل والملوك 3/81و83.(1/283)
وأخرج البيهقي نحوه عن ابن إسحاق ولم يذكر عمروبن شعيب، هذا سياقه:
أخبرنا أبوعبد الله1 الحافظ قال ثنا أبو العباس2 محمد بن يعقوب قال ثنا أحمد3 بن عبد الجبار قال ثنا يونس4 بن بكير عن ابن إسحاق5 قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبايا والأموال فحبست بالجعرانة، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريباً من الطائف فضرب به عسكره، فقتل أناس من أصحابه بالنبل وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف فكانت النبل تنالهم ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم، فلما أصيب أولئك النفر ارتفع فوضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم، فحاصرهم بضعاً وعشرين ليلة، ومعه امرأتان من نسائه إحداهما أم سلمة بنت أبي أمية فلما أسلمت ثقيف بنى على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن وهب مسجدا وكان في ذلك المسجد سارية لا تطلع عليها الشمس يوما من الدهر فيما يذكرون إلا سمع لها نقيض 6.
والحديث يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف بضعا وعشرين ليلة، وقد روى البيهقي أيضا عن ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك وهذا سياقه:
134- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال ثنا أحمد بن عبد الجبار قال ثنا يونس عن إسحاق قال ثنا عبد الله بن أبي بكر بن حزم وعبد الله بن المكرم عمن أدركوا من أهل العلم قالوا: "حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريباً من ذلك ثم انصرفوا عنهم ولم يؤذن فيهم فقدم المدينة فجاءه وفدهم في رمضان فأسلموا" 7.
والحديث مرسل وهو حسن الإسناد.
____________________
1 هو الحاكم صاحب كتاب المستدرك على الصحيحين.
2 أبو العباس هو: المعروف بالأصم. تقدمت ترجمته في حديث (23) .
3 هو العطاردي: تقدمت ترجمته في حديث (23) .
4 نقدمت ترجمته في حديث (23) .
5 تقدمت ترجمته في حديث (1) .
6 دلائل النبوة 3/48.
7 المصدر السابق 3/48 ب.(1/284)
وعند أبي داود من مرسل يحيى بن أبي كثير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف شهرا وهذا سياقه:
135- عن أبي صالح1 عن أبي إسحاق2 الفزاري عن الأوزاعي3 عن يحيى4 بن أبي كثير قال: "حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا، قال الأوزاعي فقلت ليحيى: أبلغك أنه رماهم بالمجانيق؟ فأنكر ذلك، وقال: ما يعرف هذا".
قال البيهقي: "كذا قال يحيى أنه لم يبلغه، وزعم غيره أنه بلغه"5.
والحديث مرسل وهو حسن الإسناد، وهو يدل كسابقه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف شهرا.
وهذا لا يستقيم مع اتفاق العلماء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من الطائف اعتمر من الجعرانة في ذي القعدة، ومع ما جاء عند البخاري من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي، وإما المال، وقد كنت استأنيت6 بكم"، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف" الحديث7.
إذا علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى هوازن في شهر شوال ووصل إلى حنين في اليوم العاشر منه ثم دارت معركة حنين بما فيها من تفاصيل وأعقب ذلك سرية أوطاس ثم بعد ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأموال والسبايا فحبست بالجعرانة ثم توجه إلى الطائف، فإذا فرضنا أن غزوة حنين بما فيها سرية أوطاوس دامت عشرة أيام، مع
____________________
1 محبوب بن موسى، أو صالح الأنطاكي الفراء، صدوق من العاشرة لم يصح أن البخاري أخرج له، (ت 231) وله ثمانون سنة /د س. (التقريب 2/231 وتهذيب التهذيب 10/52-54) .
2 هو إبراهيم بن محمد بن الحارث، ثقة حافظ، له تصانيف، من الثامنة (185) /ع (المصدر السابق 1/41و1/151) .
3 هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي الفقيه، ثقة جليل من السابعة / ع (المصدر السابق 1/493و6/238) .
4 يحيى بن أبي كثير الطائي ثقة ثبت لكن يدلس ويرسل، تقدم في حديث (129) .
5 البيهقي: السنن الكبرى 9/84. وانظر كتاب المراسيل لأبي داود ص 37.
6 استانيت بكم: أي أخرت قسم السبي لتحضروا فأبطأتم (فتح الباري: 8/34) .
7 تقدم برقم (108) .(1/285)
وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين في اليوم العاشر من شوال، فيبقى عشرة أيام من شهر شوال، فإذا كان حصار الطائف شهرا فيكون قد أخذ عشرين يوما من ذي القعدة، ويكون قد بقى عشرة أيام من ذي القعدة فلا تكفي لرجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة وانتظاره هوازن بضع عشرة ليلة ثم بعد ذلك إحرامه بالعمرة وعوده إلى الجعرانة كل هذا في ذي القعدة ثم خروجه إلى المدينة وقد وصلها لست ليال بقيت من ذي القعدة في قول ابن حزم وابن هشام1.
ومثل هذا ما أخرجه مسلم وأحمد من حديث السميط عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الطائف فحاصرهم أربعين يوما.
وهذا سياقه عند مسلم: قال: حدثنا عبيد الله2 بن معاذ وحامد3 بن عمر ومحمد بن عبد الأعلى. قال ابن معاذ: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه4 قال: حدثني السميط عن أنس بن مالك قال: افتتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت. فصفت الخيل ثم صفت المقاتلة" الحديث وفيه "قال فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم "يال5 المهاجرين! يال المهاجرين" ثم قال: "يال الأنصار! يال الأنصار" قال: قال أنس: هذا الحديث عمية6.
____________________
1 ابن حزم: جوامع السيرة ص 248 وابن هشام: السيرة النبوية 2/500 وابن كثير: البداية والنهاية 4/368 والزرقاني: شرح المواهب: 3/42 والسهيلي الروض الأنف 7/255.
2 عبيد الله هو: ابن نصر العنبري أو عمرو البصري.
3 حامد بن عمر بضم أوله كذا هو في تهذيب التهذيب 2/169 والخلاصة للخزرجي 1/189 والتاريخ الكبير للبخاري 3/125. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/300 ووقع في التقريب الطبعة المصرية 1/146 (عمرو) بفتح أوله وهو خطأ.
4 هو سليمان بن طرخان التيمي، أبو المعتمر البصري.
5 قوله: "يال المهاجرين! يال المهاجرين! " ثم قال: "يال الأنصار يال الأنصار! " قال النووي: "هكذا في جميع النسخ في المواضع الأربعة (يال) بلام مفصولة مفتوحة، والمعروف وصلها بلام التعريف التي بعدها" (شرح النووي على مسلم 3/102) .
قال محمد فؤاد عبد الباقي: "وهي لام الجر، إلا أنها تفتح في المستغاث به، فرقا بينها وبين مستغاث له، فيقال يالزيد لعمرو، بفتح الأولى وكسر في الثانية" (التعليق على صحيح مسلم 2/337. (انظر شرح قطر الندى لابن هشام ص 218) .
6 قوله: "هذا حديث عمية": قال النووي: "هذه اللفظة ضبطوها في صحيح مسلم على أوجه:
أحدها: (عمية) بكسر العين والميم وتشديد الميم والياء.
قال القاضي: "كذا روينا هذا الحرف عن عامة شيوخنا، وفسر بالشدة".
والثاني: (عمية) كذلك إلا أنه بضم العين.
والثالث: (عمية) بفتح العين وكسر الميم المشددة، وتخفيف الياء وبعدها هاء السكت، أي حدثني عمي، قال القاضي: على هذا الوجه معناه عندي: جماعتي أي: هذا حديثهم، قال صاحب العين (العم) الجماعة قال القاضي: وهذا أشبه بالحديث.
الرابع: كذلك إلا أنه بتشديد الياء وهو الذي ذكره الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين، وفسره بعمومتي أي: هذا حديث فصل أعمامي أو هذا الحديث الذي حدثني به أعمامي كأنه حدث بأوّل الحديث عن مشاهدة، ثم لعله لم يضبط هذا الموضوع لتفرق الناس فحدثه به من شهده من أعمامه أو جماعته الذين شهدوه ولهذا قال بعده: قال قلنا لبيك يا رسول الله. والله أعلم" (شرح النووي على صحيح مسلم 3/102) .(1/286)
قال: قلنا: لبيك يا رسول الله! قال: فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فأيم الله! ما أتيناهم حتى هزمهم الله". قال: فقبضنا ذلك المال ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة. ثم رجعنا إلى مكة فنزلنا قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الرجل المائة من الإبل.
ثم ذكر باقي الحديث، كنحو حديث قتادة1، وأبي التياح2، وهشام3 بن زيد4.
136- وأخرج ابن سعد من مرسل مكحول5: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما"6.
وقد وهم العلماء السميط في هذا الحديث في موضعين:
الأول: قوله: (قد بلغنا ستة آلاف) قال القاضي عياض: هذا وهم من الراوي عن أنس، والصحيح ما جاء في الرواية الأولى: عشرة آلاف ومعه الطلقاء، لأن المشهور في كتب المغازي أن المسلمين كانوا يومئذ اثني عشر ألفا: عشرة آلاف شهدوا الفتح، وألفان من أهل مكة ومن انضاف إليهم.
____________________
1 هو ابن دعامة السدوسي.
2 أبو التياح - بفتح أوله وتشديد التحتانية، وآخره مهملة- هو: يزيد بن حميد الضبعي- بضم المعجمة وفتح الموحدة.
3 هشام بن زيد بن أنس بن مالك الأنصاري.
4 تقدم تخريجه برقم (46) .
5 مكحول هو أبو عبد الله الشامي، ثقة فقيه، كثير الإرسال، مشهور، من الخامسة (ت بضع عشرة ومائة) / م عم (التقريب 2/273 وتهذيب التهذيب 10/289) .
6 الطبقات الكبرى 2/159 ووقع في شرح المواهب 3/31 رواه ابن مسعود وهو خطأ والصواب ابن سعد.(1/287)
الثاني: قوله: "فحاصرنا الطائف أربعين ليلة".
قال ابن كثير بعد إيراده لهذا الحديث عند أحمد: "وهكذا رواه مسلم من حديث معتمر بن سليمان وفيه من الغريب قوله: أنهم كانوا يوم هوازن ستة آلاف، وإنما كانوا اثني عشر ألفا.
وقوله: إنهم حاصروا الطائف أربعين ليلة، وإنما حاصروها قريبا من شهر ودون1 العشرين ليلة فالله أعلم". ا. هـ 2.
والحديث في الصحيحين من طريق هشام بن زيد عن أنس بن مالك فقال فيه: "وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عشرة آلاف ومعه الطلقاء"3 ولم يتعرض لحصار الطائف.
وروى سميط عن أنس فقال: "بأنهم كانوا ستة آلاف، وذكر مدة الحصار أربعين ليلة"4.
وقد وهمه العلماء.
وقد وردت أحاديث في مدة الحصار الطائف وهي:
138- ما أخرجه البيهقي عن موسى بن عقبة، وعن عروة بن الزبير وهذا سياق حديث موسى بن عقبة قال: ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكمة عند حصن الطائف بضع عشرة ليلة يقاتلهم، قال: وقطعوا طائفة من أعنابهم ليغيظوهم بها، فقالت ثقيف: لا تفسدوا الأموال فإنها لنا ولكم، قال: واستأذنه المسلمون في مناهضة الحصن فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أرى أنّ نفحته وما أذن فيه الآن" 5.
____________________
1 كذا في البداية والنهاية (ودون العشرين ليلة) . ولعل الصواب (أو دون العشرين ليلة) لأن دون العشرين ليلة لا يقال فيها شهر أو قريب من شهر.
2 البداية والنهاية 4/356.
3 تقدم الحديث برقم (40) .
4 تقدم الحديث برقم (46) .
5 البيهقي: السنن الكبرى 9/84 ودلائل النبوة 3/47 ب.(1/288)
وحديث موسى بن عقبة معضل، لأنه لم يسمع أحداً من الصحابة سوى أم خالد1 كما حدث هو عن نفسه2.
وفيه: محمد بن عبد الله بن عتاب العبدي لم أجد ترجمته.
وفي حديث عروة بن الزبير الإرسال لأن عروة ولد في خلافة عمر ابن الخطاب3.
وفيه: أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد لم أجد ترجمته.
وأخرج الطبري عن عروة بن الزبير أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف نصف شهر وهذا سياقه:
حدثنا علي4 بن نصر بن علي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثنا أبي5 قال أخبرنا أبان العطار قال: حدثنا هشام بن عروة عن عروة قال: "سار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين من فوره ذلك - يعني منصرفه من حنين - حتى نزل الطائف، فأقام نصف شهر يقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقاتلتهم ثقيف من وراء الحصن، ولم يخرج إليه في ذلك أحد منهم، وأسلم من حولهم من الناس كلهم، وجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفودهم. ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحاصرهم إلا نصف شهر حتى نزل الجعرانة، وبها السبي الذي سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين من نسائهم وأبنائهم" الحديث"6.
والحديث مرسل وإسناده حسن.
____________________
1 أم خالد: هي أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، صحابية بنت صحابي، ولدت بأرض الحبشة وتزوجها الزبير بن العوام وولدت له عمرا وخالدا، وعمرت دهرا طويلا حتى لحقها موسى بن عقبة / خ د س (التقريب 2/590 وتهذيب التهذيب 12/400) .
2 تهذيب التهذيب 10/362.
3 انظر التقريب 2/19.
4 علي بن نصر بن علي بن نصر الجهضمي.
5 هو عبد الصمد بن عبد الوارث تقدمت تراجمهم في حديث (9) .
6 الطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/82 وتقدم الحديث برقم (106) وأنساب الأشراف للبلاذري ص 366.(1/289)
138- وأخرج البيهقي من طريق أسلم1 عن أبي عبيدة2 - رضي الله عنه - "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف ونصب عليهم المنجنيق سبعة عشرة يوماً" 3.
والحديث فيه عبد الله بن عمرو البصري لم أجد ترجمته وقد وصف في سياق السند بأنه كان حافظا.
وأخرج خليفة بن خياط من حديث عبد الرحمن بن عوف أن مدة الحصار كانت سبع عشرة أو تسع عشرة وهذا سياقه:
139- حدثنا عبيد الله4 بن موسى عن طلحة5 بن جبر عن المطلب6 بن عبد الله عن مصعب7 بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه8: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصرهم سبع عشرة، أو تسع عشرة فلم يفتحها" 9.
____________________
1 أسلم العدوي، مولى عمر بن الخطاب ثقة مخضرم، (ت 80 وقيل بعد سنة 60) ع (التقريب 1/64 وتهذيب التهذيب 1/266) .
2 هو عامر بن عبد الله بن الجراح أبو عبيدة القرشي الفهري، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، شهد بدرا وما بعدها، ومات شهيدا بطاعون عمواس (سنة 18) /ع (التقريب 1/388 وتهذيب التهذيب 5/73) .
(السنن الكبرى 9/84) .
4 عبيد الله بن موسى بن أبي المختار ثقة، تقدم في حديث (70) .
5 طلحة بن جبر ويقال ابن جبير قال ابن أبي حاتم: "روى عن المطلب بن عبد الله، وعنه عبيد الله بن موسى"، قال ابن معين: "طلحة بن جبر لا شيء" (الجرح والتعديل 4/480) ، وقال الذهبي: "وهاه الجوزجاني"، فقال: "غير ثقة" وقال ابن معين: "لا شيء" وقال مرة: "ثقة" (ميزان الاعتدال 2/338) وقال ابن حجر: بعد أن نقل فيه قول الذهبي: قال: "ذكره ابن حبان في الثقات"، وقال جعفر بن جرير الطبري: "طلحة ممن لا تثبت بنقله حجة" (لسان الميزان 3/210) وفي المستدرك (طلحة بن خير) بالخاء المعجمة فلعله خطأ (المستدرك 2/120) .
6 المطلب بن عبد الله بن حنطب بن الحارث المخزومي، صدوق كثير الإرسال والتدليس، من الرابعة أخرج حديثه الأربعة (التقريب 2/254 وتهذيب التهذيب 10/178) ، وقد وقع في التقريب الطبعة المصرية، وفي تهذيب التهذيب التعليم له بعلامة أبي داود والأربعة، وهو خطأ، فإن أبا داود من الأربعة (انظر: ميزان الاعتدال 4/129) . وفي الخلاصة 3/34 وقع فيها علامة الترمذي والأربعة وهو خطأ أيضا.
7 هو القرشي الزهري، قال ابن أبي حاتم: كان مع ابن الزبير، قتل يوم الحرة روى عن أبيه، روى عنه المطلب بن عبد الله بن حنطب سمعت أبي يقول ذلك (الجرح والتعديل 8/303 وتاريخ البخاري الكبير 7/350) .
8 هو عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري أحد العشرة المبشرين بالجنة.
9 تاريخ خليفة ص 89.(1/290)
وأخرج بن أبي شيبة والفسوي والحاكم الجميع من طريق عبيد الله ابن موسى أخبرنا طلحة بن جبر به1.
وأخرجه أبو يعلى من طريق ابن أبي شيبة2.
إلاّ أن ابن أبي شيبة وأبا يعلى قالا: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة أو ثمان عشرة ليلة فلم يفتحها".
وقال الحاكم في روايته: "فحاصرهم ثمانية أو سبعة"3، والحديث صححه الحاكم.
وتعقبه الذهبي فقال: طلحة ليس بعمدة.
قلت: وفيه أيضاً: المطلب بن عبد الله، كثير التدليس والإرسال وقد عنعن، وفيه مصعب بن عبد الرحمن لم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحاً ولا تعديلاً، وأخرج ابن أبي شيبة من حديث عبد الله بن سنان أن مدة حصار الطائف كانت خمسة وعشرين يوما وهذا سياقه:
140- حدثنا يزيد4 بن هارون قال أنا قيس عن أبي حصين5 عن عبد الله6 بن سنان "أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف خمسة وعشرين يوما يدعو عليهم في دبر كل صلاة" 7.
____________________
1 ابن أبي شيبة: التاريخ ص 85-86 أ- ب رقم 665. والفسوي: المعرفة والتاريخ 1/282.
والحاكم: المستدرك 2/120-121.
2 أبو يعلى: المسند 1/103رقم 301.
3 لعل قوله ثمانية أو سبعة، ثمانية عشر يوما أو سبعة عشر يوما حتى يوافق بقية الروايات.
4 يزيد بن هارون بن زاذان السلمي، ثقة متقن عابد، تقدم في حديث (26) .
5 هو عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي الكوفي - أبو حصين - بفتح المهملة - ثقة ثبت سني، وربما دلس، من الرابعة (ت127) ويقال: بعدها /ع (المصدر السابق 2/10و7/126) .
6 عبد الله بن سنان كوفي، قال ابن أبي حاتم: روى عن ابن مسعود وسعد ابن مسعود، روى عنه الأعمش وأبو حصين، سمعت أبي يقول ذلك، ثم ساق بسنده إلى يحيى بن معين أنه قال: عبد الله بن سنان ثقة (الجرح والتعديل 5/68 والتاريخ الكبير للبخاري 5/111) .
وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من طبقات الكوفيين بعد الصحابة فقال: "عبد الله بن سنان الأسدي بني خزيمة ويكنى أبا سنان، روى عن علي وعبد اله بن مسعود والمغيرة بن شعبة، وتوفي أيام الحجاج قبل الجماجم وكان ثقة وله أحاديث" (الطبقات الكبرى 6/178) .
7 تاريخ ابن أبي شيبة ص 85 و86 ب ورقم 665.(1/291)
والحديث ضعيف لأن فيه قيس بن الربيع وصف بأنه صدوق سيء الحفظ وقد تغير لما كبر، فأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به1.
وفيه الإرسال والمرسل من قسم الحديث الضعيف.
والحديث فيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على ثقيف وهو مخالف لما ورد في الآثار من أن الصحابة طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو على ثقيف فقال: اللهم اهد ثقيفاً" كما سيأتي.
وخلاصة القول أن الأحاديث الواردة في مدة حصار الطائف لم تتحد في تعيين المدة كما تقدم بيان ذلك وهذه خلاصتها:
أ- كانت مدة الحصار بضعا وعشرين ليلة وهي رواية ابن إسحاق.
ب- كانت مدة ثلاثين ليلة أو قريباً من ذلك وهي رواية أخرى عن ابن إسحاق ورواية أبي داود في المراسيل.
ج- أن مدة الحصار كانت أربعين يوما وهو حديث أنس عند أحمد ومسلم وقد بينا أن هذا الحديث والذي قبله لا يستقيم مع بقية الأحاديث.
د- أن الحصار دام بضع عشرة ليلة وهي رواية البيهقي عن موسى ابن عقبة وعروة بن الزبير.
هـ أن مدة الحصار كانت نصف شهر وهي رواية الطبري من مرسل عروة بن الزبير أيضا، ورواية الواقدي2.
وكان الحصار سبعة عشر يوماً وهو حديث أبي عبيدة بن الجراح عند البيهقي.
ز- كانت مدة الحصار سبع عشرة أو ثمان عشرة أو تسع عشرة كما في حديث عبد الرحمن بن عوف عند خليفة بن خياط وغيره.
ح- أن مدة الحصار كانت خمسة وعشرين يوماً كما ورد في حديث عبد الله بن سنان عند ابن أبي شيبة.
____________________
1 انظر: التقريب 2/128 وتهذيب التهذيب 8/391 وميزان الاعتدال 3/393.
2 انظر حديث الواقدي برقم (167) .(1/292)
والظاهر في هذا أن مدة الحصار كانت بضع عشرة ليلة كما رجح ذلك ابن حزم رحمه الله، وقال: هو الصحيح بلا شك1.
والبضع من الثلاث إلى التسع، فإذا أخذنا بأول إطلاقاته وهو الثلاث فتكون مدة الحصار ثلاث عشرة ليلة بناء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل الطائف في عشرين من شهر شوال فيكون الحصار قد أخذ ثلاثة أيام من شهر ذي القعدة، وهو قريب من قول من قال بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد من الطائف إلى الجعرانة فوصلها في اليوم الخامس من ذي القعدة 2.
وأقام بها ثلاث عشرة ليلة، ثم اعتمر منها وذهب إلى المدينة فوصلها لست بقين من ذي القعدة، أو في أوّل ذي الحجة.
قال ابن سيد الناس: "والمعروف عند أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة"3.
فأقام بها ثلاث عشرة ليلة فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة ليلا وأحرم بعمرة ودخل مكة فطاف وسعى وحلق ورجع إلى الجعرانة من ليلته فكأنه كان بائتا بها، ثم رجع إلى المدينة فدخلها لست بقين من ذي القعدة، قاله ابن هشام، وقيل لثلاث بقين4.
وعند ابن إسحاق: فقدم المدينة في بقية ذي القعدة، أوفي أول ذي الحجة5.
وقد نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم منجنيقا في مدة حصاره لثقيف وقد مر بنا حديث أبي عبيدة في ذلك وهو عند البيهقي، ومرسل مكحول عند ابن سعد وهو بإسناد حسن6.
____________________
1 جوامع السيرة لابن حزم ص 243-و248.
2 انظر فتح الباري لابن حجر 8/48.
3 وأخرج ابن سعد وأبي شيبة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم ثم اعتمر منها، وذلك لليلتين بقيتا من شوال" (الطبقات الكبرى لابن سعد2/171 وتاريخ ابن أبي شيبة ص 87 أ-ب رقم 665 قال ابن سيد الناس: وهذا ضعيف (شرح المواهب3/41) .
4 الواقدي: المغازي 3/958، والديار بكري: تاريخ الخميس 2/116-117، والزرقاني: شرح المواهب 3/41-42، و4/2-3، وابن كثير: البداية والنهاية 4/368 وابن حجر: فتح الباري 8/48.
5 سيرة ابن هشام 2/500، والسهيلي: الروض الأنف 7/255.
6 انظر حديث (137) وحديث (139) .(1/293)
وأخرجه أبو داود في مراسيله: عن محمد1 بن بشار عن يحيى2 بن سعيد عن سفيان3 عن ثور4 عن مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف وإسناده5 صحيح6.
ورواه الترمذي معضلا فقال: قال قتيبة7: ثنا وكيع8 عن رجل عن ثور9 بن يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف.
قال قتيبة: قلت لوكيع: "من هذا الرجل؟ "
قال: "صاحبكم عمر10 بن هارون"11.
قال الزيلعي: "ورواه أبو داود في المراسيل وابن سعد في "الطبقات" عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم".
____________________
1 هو أبوبكر بندار.
2 هو أبو سعيد القطان ص 177.
3 هو الثوري.
4 ثور بن يزيد أبو خالد الحمصي، ثقة ثبت إلا أنه يرى القدر، من السابعة /خ ع (التقريب 1/121 وتهذيب التهذيب2/33) .
5 البيهقي: السنن الكبرى 9/84 وتقدم الحديث برقم (136) . عند ابن سعد وأنه نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما.
6 نصب الراية للزيلعي 3/382-383.
7 قتيبة بن سعيد بن جميل - بفتح الجيم - ابن طريف الثقفي، أبو رجاء البغلاني- بفتح الموحدة وسكون المعجمة - ثقة ثبت، من العاشرة (ت 240) /ع (التقريب 2/123 وتهذيب التهذيب 8/358) .
8 وكيع بن الجراح تقدمت ترجمته في حديث (29) .
9 وقع في المشكاة المصابيح 2/1157 حديث (3959) عن ثوبان بن يزيد ونسبه للترمذي، وهو خطأ وإنما هو "ثور بن يزيد" وانظر ذخائر المواريث للنابلسي 4/313 حديث (11950) ومقدمة تحفة الأحوذي 2/40.
10 عمر بن هارون بن يزيد الثقفي مولاهم، البلخي، متروك وكان حافظا من كبار التاسعة (ت 194) /ت ق (التقريب 2/64 وتهذيب التهذيب 7/501-505) .
11 الترمذي: السنن 4/186 كتاب الاستئذان والآداب، في ضمن باب ما جاء في الأخذ من اللحية.
قال المباركفوري: "فإن قلت: ما وجه ذكر التّرمذي في هذا المقام حديث المنجنيق؟ قلت: لعلّ وجه ذكره ههنا أن يتبين أن الرجل المذكور في حديث المنجنيق هو عمر ابن هارون المذكور في سند حديث الباب".
أو وجه ذكره أن يتبين أن وكيعا مع جلالة قدره، قد روى عن عمر بن هارون حديث المنجنيق، والله أعلم (تحفة الأحوذي 8/45) .(1/294)
ورواه العقيلي1 في "ضعفائه" مسندا من حديث عبد الله2 بن خراش عن العوام3 بن حوشب عن أبي صادق4 عن علي قال: "نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم المنجنيق على أهل الطائف" 5.
141- وأخرج أبو داود وأيضاً من مرسل عكرمة6 أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المجانيق على أهل الطائف7.
وقال الشافعي: "نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة" 89.
وعند الواقدي وابن سعد: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد السير إلى الطائف بعث الطفيل10 بن عمرو إلى ذي الكفين، صنم عمرو11 بن حممة الدوسي يهدمه وأمره
____________________
1 هو الحافظ الإمام أبو جعفر محمد بن عمر بن موسى بن حماد العقيلي صاحب كتاب "الضعفاء الكبير" قال الحافظ أبو الحسن بن سهل القطان أبو جعفر ثقة جليل عالم بالحديث مقدم في الحفظ (ت 322) (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/833-834) .
2 عبد الله بن خراش - بالخاء المعجمة - ابن حوشب الشيباني أبو جعفر الكوفي، ضعيف، وقال محمد بن عمار الموصلي: كذاب / ق (ت بعد 160) (التقريب 1/412 وتهذيب التهذيب 5/197-198، والخلاصة للخزرجي 2/52) .
3 العوام بن حوشب بن يزيد الشيباني، أبو عيسى الواسطي، ثقة ثبت فاضل، من السادسة، (ت 148) / ع (التقريب 2/89 وتهذيب التهذيب 8/163) .
4 أبو صادق الأزدي - الكوفي، صدوق وحديثه عن علي بن أبي طالب مرسل من الرابعة / س ق (التقريب 2/436 وتهذيب التهذيب 12/130) .
5 الزيلعي: نصب الراية 3/382-383.
وانظر الحديث في منتخب كنز العمال للمتقي المهندي 4/173 مع مسند أحمد، وقد نسبه للعقيلي أيضا.
6 عكرمة بن عبد الله مولى عبد الله بن عباس، ثقة ثبت عالم، تقدم في حديث (67) .
7 كتاب المراسيل ص 37.
8 عرادة: بالتشديد: شيء أصغر من المنجنيق (القاموس المحيط 1/313) .
9 الأم 4/161 والسنن الكبرى للبيهقي 9/84.
10 الطفيل بن عمرو بن طريف الأزدي الدوسي، يلقب ذا النور، قدم مكة قديما ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها فمشت إليه قريش وقالت له: يا طفيل إنّك قدمت بلادنا وإن هذا الرجل بين أظهرنا قد فرق جماعتنا وإنما قوله كالسحر، تحذره من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الطفيل شريفا في قومه، شاعرا لبيبا فأبى الله إلا أن يسمعه كلام الحق فسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاد إلى قومه داعية وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل له آية تكون له عونا على قومه فدعا له فكان نور في طرف عصاه فجعل القوم يتراءون ذلك النور في طرف سوطه. وبعد فتح مكة، طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعثه إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة (أسد الغابة 3/78-81 والإصابة 2/225 وسيرة ابن هشام 1/382-385.
11 هو عمرو بن حممة - بضم المهملة وفتح الميم الخفيفة بعدها مثلها الدوسي، ذكر أبو بكر بن دريد أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم والذي ذكره غيره أنه مات في الجاهلية، كان أحد حكام العرب في الجاهلية وأحد المعمرين يقال: إنه عاش ثلاثمائة وتسعين سنة (الإصابة 2/533 و1/249) وانظر كتاب الأصنام لابن الكلبي ص 37 وسيرة ابن هشام 1/382-385.(1/295)
أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف، فخرج سريعا إلى قومه فهدم ذا الكفين وجعل يحشوالنار في جوفه ويقول:
يا ذا الكفين لست من عبادك ... ميلادنا أقدم من ميلادكا
إني حشوت النار في فؤادك
قال: "وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعاً فوافوا النبي صلى الله عليه وسلم، بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام، وقدم بدبابة ومنجنيق" 1.
وعند الواقدي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور أصحابه فقال له سلمان الفارسي: يا رسول الله، أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم فإنا كنا بأرض فارس ننصب المنجنيقات على الحصون وتنصب علينا، فنصيب من عدونا ويصيب منا بالمنجنيق، وإن لم يكن المنجنيق طال الثواء2 فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل منجنيقاً بيده، فنصبه على حصن الطائف.
ويقال: قدم بالمنجنيق يزيد3 بن زمعة ودبابتين.
ويقال: "خالد4 بن سعيد قدم من جرش بالمنجنيق ودبابتين"5.
____________________
1 الواقدي: المغازي 3/923 وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/157.
2 الثواء: ثوى بالمكان ثواء وأثوى به أطال الإقامة به (القاموس 4/310) .
3 يزيد بن زمعة بن الأسود القرشي الأسدي، قال ابن كلبي، كان من السابقين هاجر إلى أرض الحبشة، وقال ابن سعد: بل هو مسلمة الفتح، كان من أشراف قريش وكانت إليه المشورة في الجاهلية، قتل بالطائف وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ابن الزبير، وقال ابن إسحاق:
قتل في حنين، (أسد الغابة 5/488 والإصابة 3/655) .
4 خالد بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي، يكنى أبا سعيد، أسلم قديما هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وأقام بها حتى قدم مع جعفر بن أبي طالب، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء، وفتح مكة وحنينا والطائف وتبوك، استشهد في خلافة أبي بكر (أسد الغابة 2/97) .
5 مغازي الواقدي 3/927 وانظر السنن الكبرى للبيهقي 9/84، ودلائل النبوة له ص 48 ب وشرح المواهب: للزرقاني 3/31 وزاد المعاد: 1/130 و3/99.(1/296)
وقال ابن هشام: "حدثني من أثق به، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من رمى في الإسلام بالمنجنيق"1.
رمى أهل الطائف 2.
وهذه الآثار تتقوى بمجموعها وهي نص في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف وجرى على هذا أصحاب السير والمغازي.
وتدل هذه الآثار أيضا على جواز مثل هذا الفعل مع الأعداء إذا تحصنوا داخل حصونهم ولم يتمكن المسلمون منهم إلا بهذا، وعلى جواز إصابة أطفالهم ونسائهم ممن لا شأن له في القتال تبعا للمقاتلين إذ لا يمكن التميز بين المقاتلين وغيرهم من نساء وأطفال في مثل هذا الهجوم.
قال الشافعي: "إذا تحصن العدو في جبل أو حصن أو خندق أو بحسك أو بما يتحصن به، فلا بأس أن يرموا بالمجانيق والعرادات والنيران والعقارب والحيات وكل ما يكرهونه، وأن يبثقوا عليهم الماء ليغرقوهم أو يوحلوهم فيه، وسواء كان معهم الأطفال والنساء والرهبان أولم يكونوا؛ لأن الدار غير ممنوعة بإسلام ولا عهد، وكذلك لا بأس أن يحرقوا شجرهم المثمر ويخربوا عامرهم وكل ما لا روح فيه من أموالهم، فإن قال قائل: ما الحجة فيما وصفت وفيهم الولدان والنساء المنهي عن قتلهم؟ قيل الحجة فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة، ونحن نعلم أن فيهم النساء والولدان، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع أموال بنى النضير وحرقها"3. ثم ساق في ذلك عدة أدلة تدل على جواز ذلك وهي مبسوطة في محلها.
____________________
1 قال الزرقاني: "وأما أول منجنيق رمي به فمنجنيق إبراهيم الخليل عليه السلام، عمله إبليس لما أرادوا رميه في النار. وأما في الجاهلية فيذكر أن جذيمة - بضم الجيم وفتح المعجمة مصغراً - ابن مالك المعروف بالأبرش أوّل من رمى به وهو من ملوك الطوائف"، (شرح المواهب اللدنية 3/31 وانظر: كتاب المعارف لابن قتيبة ص 241، وفي سيرة الحلبية: قال: "تقدم في غزوة خيبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد في أحد حصونها آلة حرب ودبابات ومنجنيقات وأنه نصب المنجنيق على حصن البرئ، وهذا يخالف قول بعضهم لم ينصب المنجنيق إلا في غزوة الطائف، إلا أن يقال بأنه في خيبر نصبه ولم يرم به وفي الطائف نصبه ورمى به فلا مخالف" (السيرة الحلبية 2/742و743و3/80-81) انظر الروض الأنف للسهيلي 7/235و266-267.
2 سيرة ابن هشام 2/483.
3 الشافعي: الأم4/160وانظر زاد المعاد 3/503 لابن قيم الجوزية وانظر ص 546.(1/297)
رسم بيان(1/298)
رسم بيان(1/299)
المبحث الثاني: ما صدر من التعليمات العسكرية للمسلمين في حصار - الطائف
مر بنا أن المشركين لما انهزموا في موقعة حنين وباءوا بالفشل، انسحبوا إثر ذلك فتوجه بعضهم نحو نخلة وأوطاس، وتوجهت أكثر ثقيف نحو الطائف ومعهم مالك بن عوف النصرى1، فدخلوا مدينة الطائف وكانت مدينة محصنة قوية ذات أسوار وحصون، ولها أبواب تغلق عليها، وأدخلوا فيها من الأقوات ما يكفيهم لسنة واستعدوا استعداداً كاملاً وتهيأوا للقتال، ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين، سار إلى الطائف حتى نزل قريبا من أسوار المدينة وعسكر هناك، فصوب المشركون نبالهم نحو المسلمين كأنها رجل من جراد فأوقعوا بالمسلمين خسائر في الأرواح، فقرر رسول الله صلى الله عليه وسلم الانسحاب بعيدا عن مرمى النبال وفكر المسلمون في وسيلة يستطيعون بها التغلب على ثقيف وإجبارهم على الاستسلام، ورأوا أن أحسن وسيلة في ذلك هي نصب المنجنيق2 عليهم ودك حصونهم بالدبابات، وغير أن أهل الطائف أحبطوا تلك المحاولات التي قام بها المسلمون، إذ حموا قطعا من حديد بالنار وألقوها على الدبابات الخشبية فحرقتها، فانسحب المسلمون المحتمون بها من تحتها لئلا يحترقوا، فرمتهم ثقيف بالنبل بعد انكشافهم من حماية الدبابات، فكان هذا مما زاد في جرأة ثقيف، وامتناعها عن الاستسلام، حتى أن بعضهم كان يقول:
نحن قسي وقسنا أبونا
والله لا نسلم ما حيينا. ... وقد بنينا حائطا حصينا.
وعند ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعنابهم ونخيلهم وتحريقها إغاظة لهم، فسارع المسلمون إلى ذلك وقطعوا قطعا ذريعا، حتى نادى الثقفيون يا محمد لم تقطع
____________________
1 انظر ص 252.
2 انظر حديث (137) و (139) و (141) .(1/300)
أموالنا؟ إما أن تأخذها إن ظهرت علينا، وإما أن تدعها لله وللرحم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإني أدعها لله وللرحم" 1.
ثم حث المسلمين على الرمي في سبيل الله، ورغبهم في ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: "من رمى بسهم في سبيل الله فله به درجة في الجنة" كما ورد ذلك في حديث أبي نجيح2 السلمي عند أبي داود وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند أحمد:
142- قال: حدثنا روح3 قال ثنا هشام4 بن أبي عبد الله عن قتادة5 عن سالم6 بن أبي الجعد عن معدان7 بن أبي طلحة عن أبي نجيح السلمي قال: حاصرنا مع النبي صن الطائف فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من بلغ بسهم فله درجة في الجنة" قال: فبلغت يومئذ ستة عشر سهما، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل فهو عدل محرر" الحديث 8.
____________________
1 الأم: للشافعي 7/323 والسيرة النبوية لابن هشام 2/478-483، والروض الأنف للسهيلي 7/231-234 ومغازي الواقدي 3/924-929 والطبقات الكبرى لابن سعد 2/158 وأنساب الأشراف للبلاذري ص 367، والتلخيص الحبير لابن حجر 4/112 والرسول القائد لمحمود شيت خطاب ص 251.
2 هو عمرو بن عبسة - بموحدة ومهملتين مفتوحات - ابن عامر بن خالد السلمي - من سليم بن منصور أبو نجيح - بالنون المفتوحة وكسر الجيم - صحابي مشهور أسلم قديما وهاجر بعد أحد - ثم نزل الشام/م ع (التقريب2/74، تهذيب التهذيب 8/69 والإصابة 3/5 كلها لابن حجر، وأسد الغابة لابن الأثير 4/251-252) .
ووقع في الطبقات الكبرى لابن سعد 4/214 في سياق نسب عمرو بن عبسة فقال ابن سليم بن (منظور) بالظاء المعجمة وهو خطأ والصواب ابن (منصور) بالصاد المهملة.
3 روح بن عبادة بن العلاء، ثقة فاضل، التقريب 1/253 وتهذيب التهذيب 3/293 وتذكرة الحفاظ للذهبي 1/349-350) .
4 هشام بن أبي عبد الله الدستوائي - بفتح الدال وسكون السين المهملتين وفتح المثناة - أبو بكر البصري - واسم أبيه - سنبر - بمهملة ثم نون ثم موحدة، وزن جعفر - ثقة ثبت، وقد رمي بالقدر، من كبار السابعة (ت 154) / ع (المصادر السابقة 2/319و11/43و1/164) وقد سقط من تهذيب التهذيب (علامة من أخرج له) .
5 ابن دعامة السدوسي ثقة ثبت، تقدم في حديث (48) .
6 سالم بن أبي الجعد رافع، الغطفاني الأشجعي، مولاهم، الكوفي، ثقة وكان يرسل كثيرا من الثالثة، اختلف في سنة وفاته/ع (التقريب1/279 وتهذيب التهذيب3/432) .
7 معدان بن أبي طلحة ويقال: ابن طلحة، اليعمري - بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة - شامي، ثقة من الثانية / م ع (المصدر السابق 2/263، و10/228) .
8 المسند: 4/113 و384 وتمام الحديث: "ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة، وأيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما فإن الله عز وجل جاعل وفاء كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله عز وجل جاعل وفاء كل عظم من عظامها من عظام محررها من النار".(1/301)
والحديث صحيح، وقد صرح قتادة بالتحديث عند البيهقي، وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وأبو داواد الطيالسي وابن حبان والحاكم والبيهقي كلهم من طريق قتادة به1.
وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وأبو نجيح هو عمرو بن عبسة السلمي.
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين"، فإن أبا نجيح هذا: هو عمرو2 بن عبسة السلمي. ووافقه الذهبي.
وأورده ابن كثير عن البيهقي ثم قال: "ورواه أبو داود والترمذي وصححه3 والنسائي من حديث قتادة به"4.
وكان من التعليمات العسكرية أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي، أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر، فخرج جماعة فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفع كل واحد منهم إلى رجل من المسلمين يمونه، فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة وزاد من ألمهم5.
وكان ذلك من أعظم التدابير العسكرية التي أضعفت من قوة المشركين وفتت في عضدهم ومعنوياتهم وفرقت جمعهم، توضح هذا الأحاديث الآتية:
____________________
1 أبو داود: 2/354-355 كتاب العتق، باب أي الرقاب أفضل دون "من شاب شيبة في الإسلام".
والترمذي: السنن 3/96 كتاب الجهاد، باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله، بقصة "الرمي" فقط.
والنسائي: السنن 6/23 كتاب الجهاد، باب ثواب من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل، بقصة "الرمي" أيضا.
وفي السنن الكبرى، بقصة "العتق" انظر تحفة الأشراف8/163 حديث (10768) .
وأبو داود الطيالسي كما في منحة المعبود 2/109-110.
وابن حبان: كما في موارد الظمآن ص294و396دون"من شاب شيبة في الإسلام".
والحاكم: المستدرك 2/95-96و121و 3/49-50.
والبيهقي: السنن الكبرى 9/61 و10/272 ودلائل النبوة 3/ 48أ.
2 لعله احتراز من أبي نجيح العرباض بن سارية السلمي فإنه لم يخرج له سوى الأربعة، انظر (التقريب 2/17) .
3 وقع في البداية والنهاية "رواه أبو داود والترمذي وصححه النسائي" والظاهر أن العبارة هكذا: "رواه الترمذي وصححه والنسائي وأن حرف العطف سقط من "النسائي". لأن النسائي أخرج هذا الحديث في سننه ولم يصححه والذي صححه هو الترمذي.
4 البداية والنهاية 4/349.
5 الطبقات الكبرى لابن سعد 2/158-159.(1/302)
قال البخاري: حدثنا محمد1 بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عاصم قال: سمعت أبا عثمان2، قال سمعت سعدا3 - وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله - وأبا بكرة4 وكان تسور5 حصن الطائف في أناس فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم" الحديث6.
والحديث أخرجه أحمد من طريق خالد الحذاء وعاصم الأحول، والدارمي من طريق عاصم عن أبي عثمان به.
ولفظ الدارمي: "هذا أول من رمى بسهم في سبيل الله، وهذا تدلى من حصن الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحديث7.
144- قال البخاري: وقال هشام وأخبرنا معمر عن عاصم عن أبي العالية8 أو أبي عثمان النهدي قال: "سمعت سعدا أو أبا بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم"، قال عاصم:
____________________
1 محمد بن بشار: هو بندار، وغندر هو محمد بن جعفر، وشعبة هو ابن الحجاج، وعاصم: ابن سليمان الأحول.
2 هو عبد الرحمن بن مل - بلام ثقيلة والميم مثلثة - أبو عثمان النهدي - بفتح النون وسكون الهاء، مشهور بكنيته، مخضرم من كبار الثانية، ثقة ثبت عابد، (ت 95) وقيل بعد ذلك وعاش (130) وقيل أكثر/ع التقريب 1/499) .
3 هو ابن مالك بن أبي وقاص، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة (الإصابة 2/33 وأسد الغابة 2/366 وانظر سيرة ابن هشام 1/591، الطبقات الكبرى لابن سعد 2/7 في كون سعد أول من رمى بسهم في سبيل الله.
4 هو نفيع بن الحارث بن كلدة - بفتحتين - ابن عمرو الثقفي، أبو بكرة صحابي مشهور بكنيته، تدلى من حصن الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم فأعتقه يومئذ (التقريب 2/306وتهذيب التهذيب10/469والإصابة3/571-572 وأسد الغابة 5/354 و6/38) .
5 وعند الدارمي "تدلى من حصن الطائف" قال ابن حجر: "المعنى تسور من أسفله إلى أعلاه ثم تدلى منه (فتح الباري 8/46) .
6 البخاري: الصحيح 5/129 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف و8/131 كتاب الفرائض، باب من ادعى إلى غير أبيه "وتمام الحديث" فقالا: سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام" واقتصر مسلم على هذا الجزء منه من حديث خالد الحذاء وعاصم الأحوال وكذا ابن ماجه من حديث عاصم (انظر: صحيح مسلم 1/80 كتاب الإيمان باب بيان من رغب عن أبيه وهو يعلم، وابن ماجه2/870 كتاب الحدود، باب من ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه.
7 أحمد: المسند 1/169 و174 و179 و5/38 و46، والدارمي: السنن 2/160 كتاب السير، باب في الذي ينتمي إلى غير مواليه و2/248 كتاب الفرائض، باب من ادعى إلى غير أبيه، وعند خليفة بن خياط من طريق شعبة عن عاصم الأحوال عن أبي عثمان قال: "سبق أبو بكرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف" (تاريخ خليفة ص 89) .
8 هو رفيع - بالتصغير - ابن مهران، أبو العالية، الرياحي - بكسر الراء وبالتحتانية (التقريب 1/252 وتهذيب التهذيب 3/284) .(1/303)
قلت: "لقد شهد عندك1 رجلان حسبك بهما، قال: أجل، أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل الله، وأما الآخر فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف"2.
قال ابن حجر: "هشام هو ابن يوسف الصنعاني، ولم يقع لي موصولا إليه.
وقد أخرجه عبد الرزاق عن معمر لكن عن أبي عثمان وحده، عن أبي بكرة وحده، وبغير شك، وغرض المصنف منه، ما فيه من بيان من أبهم في الرواية الأولى فإن فيها "تسور من حصن الطائف، في أناس" وفي هذا "فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف".
ثم قال: "وفيه رد على من زعم أن أبا بكرة لم ينزل من سور الطائف غيره، وهو شيء قاله موسى بن عقبة وتبعه الحاكم، وجمع بعضهم بين القولين، بأن أبا بكرة نزل وحده أولا، ثم نزل الباقون بعده وهو جمع حسن"3.
قلت: حديث عبد الرزاق المشار إليه هذا سياقه:
____________________
1 الخطاب لأبي عثمان أو لأبي العالية، وعند أبي داود قال عاصم: فقلت: "يا أبا عثمان لقد شهد عندك رجلان أيما رجلين" انظر: ص 305.
قال ابن حجر: "وقد وقع في رواية هشيم عن خالد الحذاء عند مسلم في أول هذا الحديث قصة ولفظه: "عن أبي عثمان قال: لما ادعى زياد لقيت أبا بكرة فقلت: ما هذا الذي صنعتم؟ إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ادعى إلى غير أبيه وهو ويعلم فالجنة عليه حرام".
فقال أبو بكرة: "وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم "والمراد بزياد الذي ادعى: زياد بن سمية وهي أمه كانت أمة للحارث بن كلدة، فزوجها لمولاه عبيد فأتت بزياد على فراشه وهم بالطائف قبل أن يسلم أهل الطائف، فلما كان في خلافة عمر بن الخطاب سمع أبو سفيان بن حرب كلام زياد عند عمر وكان بليغا فأعجبه فقال: إني لأعرف من وضعه في أمه ولو شئت لسميته، ولكن أخاف من عمر، فلما ولي معاوية بن أبي سفيان الخلافة كان زياد على فارس من قبل عليّ بن أبي طالب، وأراد معاوية مداراته، فأطمعه في أنه يلحقه بأبي سفيان فأصغى زياد إلى ذلك فجرت في ذلك خطوب إلى أن ادعاه معاوية وأمَّره على البصرة ثم على الكوفة وأكرمه، وسار زياد سيرته المشهورة، وسياسته المذكورة، فكان كثير من الصحابة والتابعين ينكرون ذلك على معاوية، محتجين بحديث "الولد للفراش" وإنما خص أبو عثمان أبا بكرة بالإنكار لأن زيادا كان أخاه من أمه، وقد نصح أبو بكرة زيادا عن هذا الادعاء فامتنع فحلف أبو بكرة لا يكلم زياداً أبداً، قال السهيلي: وقد غلط ابن قتيبة فجعل سمية هذه المذكورة أم عمار بن ياسر، ثم قال: سمية أم عمار كانت تحت ياسر أبي عمار وقتلها أبو جهل في أوّل المبعث". (ابن حجر: فتح الباري 12/54 والإصابة 1/580 و3/571 وابن عبد البر: الاستيعاب 1/567 و3/567 و4/23 مع الإصابة والروض الأنف: 7/275 وكتاب المعارف لابن قتيبة ص 111-112 و125 و151.
2 البخاري: الصحيح 5/129 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف.
3 ابن حجر: فتح الباري 8/46.(1/304)
قال عبد الرزاق: عن معمر عن عاصم بن سليمان قال: حدثنا أبو عثمان النهدي عن أبي بكرة: "أنه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو محاصر أهل الطائف - بثلاثة وعشرين عبدا فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم الذين يقال لهم العتقاء" 1.
وعند أبي داود قال عاصم: قلت: يا أبا عثمان لقد شهد عند رجلان أيما رجلين؟ فقال: أما أحدهما فأوّل من رمى بسهم في سبيل الله أو في الإسلام - يعنى سعد بن مالك - والآخر قدم من الطائف في بضعة2 وعشرين رجلا على أقدامهم"الحديث3.
وقد جاء عند ابن إسحاق تسمية بعضهم من مرسل عبد الله بن مكرم الثقفي وهذا سياقه:
145- قال ابن إسحاق حدثني عبد الله 4 بن مكرم الثقفي قال: "لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف خرج إليه رقيق من رقيقهم أبو بكرة عبد الحارث بن كلدة، والمنبعث5 وكان اسمه المضطجع، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
1 المصنف5/301.
وفي مسند أحمد 4/363 عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والمهاجرون والأنصار أولياء بعضهم لبعض، والطلقاء من قريش، والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة" وفيه شريك بن عبد الله القاضي، صدوق يخطئ كثيرا.
2 وعند الواقدي وابن سعد: فخرج منهم بضعة عشر رجلا (مغازي الواقدي: 3/931 وطبقات ابن سعد 2/159) .
3 سنن أبي داود 2/623 كتاب الأدب، باب في الرجل ينتمي إلى غير مواليه. وسياق الحديث: حدثنا النفيل أخبرنا زهير أخبرنا عاصم الأحول حدثني أبو عثمان قال: حدثني سعد بن مالك قال سمعته أذناني ووعاه قلبي من محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام"، قال: فلقيت أبا بكرة فذكرت ذلك له، فقال: سمعته أذاني ووعاه قلبي من محمد صلى الله عليه وسلم، قال عاصم: فقلت: يا أبا عثمان لقد شهد عندك رجلان. إلخ.
4 عبد الله بن مكرم الثقفي روى عن عبد الله بن قارب، وعنه ابن إسحاق قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول ذلك (الجرح والتعديل 5/181) ، البخاري: التاريخ الكبير 5/211، وفي سيرة ابن هشام، الروض الأنف، والسنن الكبرى للبيهقي "عبد الله ابن مكدم" بالدال المهملة بدل (الراء) وعند السهيلي 7/238 قال ابن إسحاق حدثني من لا أتهم عن عبد الله بن مكدم.
5 المنبعث - بمضمومة وسكون نون وفتح موحدة، وكسر عين مهملة، وبمثلثة - كان عبدا لعثمان بن عامر بن معتب، نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان محاصرا الطائف وأسلم (أسد الغابة لابن الأثير 5/262) والإصابة لابن حجر 3/457-358 والمغني لابن طاهر الهندي ص 75 وفي هذا الحديث استحباب تغيير الاسم إلى ما هو أحسن منه، وكان ذلك من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى البخاري من حديث سعيد بن المسيب أن جده حزنا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما اسمك؟ قال: اسمي حزن، قال: بل أنت سهل، قال: ما أنا بمغير اسما سمانيه أبي"، قال: قال ابن المسيب: فما زالت فينا الحزونة بعد.
"صحيح البخاري8/37 كتاب الأدب، باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه" وأخرجه أبو داود في سننه 2/586 كتاب الأدب، باب في تغيير الاسم القبيح ولفظه عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "ما اسمك"؟ قال: حزن، قال: أنت سهل، قال: لا، السهل يوطأ ويمتهن، قال سعيد: فظننت أنه سيصيبنا بعده حزونة" وجاء في غزوة حنين أيضا من حديث رائطة بنت مسلم عن أبيها أنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فقال له: "ما اسمك؟ قال: غراب، قال: لا، بل اسمك مسلم"، (البخاري: الأدب المفرد ص 287 والتاريخ الكبير 7/252 وابن سعد 5/462) . وابن حجر: الإصابة 3/417 وإسناده ضعيف.
قال الدميري في حياة الحيوان 2/105: "وإنما غير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه لأن الغراب حيوان خبيث الفعل، خبيث المطعم، ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله في الحل والحرم".(1/305)
المنبعث ويحنس1 ووردان2 في رهط من رقيقهم فأسلموا فلماقدم وفد أهل الطائف، فأسلموا، قالوا: يا رسول الله رد علينا رقيقنا الذين أتوك؟ قال: "لا، أولئك عتقاء الله" ورد على ذلك الرجل ولاء عبده، فجعله له" 3.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق ابن إسحاق إلا أنه قال: "فلما قدم وفد أهل الطائف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا، قالوا يا رسول الله: رد علينا رقيقنا الذين أتوك فقال: "لا، أولئك عتقاء الله عز وجل ورد على كلّ رجل ولاء عبده فجعله إليه"4.
____________________
1 يحنس - بضم التحتية وفتح المهملة والنون المشددة وسين مهملة - النبال كان عبد اليسار بن مالك. (أسد الغابة 5/469 وشرح المواهب 3/32) .
2 وردان: هو جد الفرات بن زيد بن وردان، وكان وردان عبدا لعبد الله بن ربيعة بن خرشة الثقفي (أسد الغابة 5/445) .
وزاد الواقدي: الأزرق بن عقبة أبو عقبة الثقفي كان عبدا لكلدة الثقفي من بني مالك، وقيل كان عبدا للحارث بن كلدة طبيب العرب، إبراهيم بن جابر كان عبدا لخرشة الثقفي، ويسار، كان عبدا لعثمان بن عبد الله ونافع أبو السائب كان عبدا لغيلان بن سلمة الثقفي، فأسلم غيلان بعد فرد النبي صلى الله عليه وسلم إليه ولاءه، ومرزوق غلام لعثمان بن عامر، وزاد ابن حجر: "الأزرق زوج سمية والدة زياد بن عبيد الذي صار يقال له زياد بن أبيه، ونافع مولى الحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب"، قال ابن حجر ويقال: "كان فيهم زياد بن سمية، والصحيح أنه لم يخرج حينئذ لصغره، ثم قال: ولم أعرف أسماء الباقين"، وقال الواقدي: "كل هؤلاء أعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه ويحمله، فكان أبو بكرة إلى عمرو بن سعيد بن العاص والأزرق إلى خالد بن سعيد، ووردان إلى أبان بن سعيد، ويحنس النبال إلى عثمان بن عفان، وكان يسار بن مالك إلى سعد ابن عبادة، وإبراهيم بن جابر إلى أسيد بن الحضير، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرئوهم القرآن ويعلموهم السنن، فلما أسلمت ثقيف تكلمت أشرافهم في هؤلاء المعتقين - فيهم الحارث بن كلدة - يردوهم في الرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أولئك عتقاء الله، لا سبيل إليهم، وبلغ ذلك من اهل الطائف مشقة شديدة، واغتاظوا على غلمانهم".
وعند السهيلي: "وجعل النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء العبيد لساداتهم حين أسلموا" (مغازي الواقدي 3/931-932 وفتح الباري 8/45-46) .
3 الزيلعي: نصب الراية 3/282 وابن كثير: البداية والنهاية 4/348 واللفظ له.
4 السنن الكبرى 9/229 و10/308 ودلائل النبوة 3/48 أ.(1/306)
ثم قال: "هذا منقطع"1.
وهكذا قال السهيلي: "بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ولاء هؤلاء العبيد لسادتهم حين أسلموا، وقال: كل هذا ذكره ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام"2.
والحديث في سيرة ابن هشام والروض الأنف وليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد على أهل الطائف ولاء عبيدهم، وهذا نصه:
قال ابن إسحاق: "وحدثني من لا اتهم عن عبد الله بن مكرم عن رجال من ثقيف، قالوا: لما أسلم أهل الطائف تكلم نفر منهم في أولئك العبيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا، أولئك عتقاء الله، وكان ممن تكلم فيهم الحارث بن كلدة" 3.
ثم قال ابن هشام: "وقد سمى ابن إسحاق من نزل من أولئك العبيد، وكذا أورد ابن حجر في ترجمته الحارث بن كلدة"4.
ما رواه أحمد وغيره من حديث ابن عباس وهذا سياقه عند أحمد:
146- قال: حدثنا أبو معاوية5 ثنا حجاج6 عن الحكم7 عن مقسم8 عن
____________________
1 المراد بالمنقطع هنا المرسل كما صرح بذلك الزيلعي، لأن المنقطع أعم من المرسل فيشمل كل ما لم يتصل إسناده عند العلماء.
2 الروض الأنف 7/274-275.
3 يفهم من هذا أن ابن إسحاق لا يروي عن ابن مكرم مباشرة.
4 سيرة ابن هشام2/485، والروض الانف 7/238،و274-276، والإصابة1/29، 288 و3/458، و633، و649، ومغازي الواقدي3/931، وطبقات ابن سعد 2/159 وأسد الغابة 1/413 و5/262 و445، 469، والزرقاني: شرح المواهب 3/31-32 والديار بكري: تاريخ الحميس 2/111) .
5 هو محمد بن خازم - بمعجمتين - أبو معاوية الضرير الكوفي عمي وهو صغير ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره من كبار التاسعة (ت195) /ع (التقريب 1/157 وتهذيب التهذيب 9/137) .
6 حجاج بن أرطأة - بفتح الهمزة - ابن ثور بن هبيرة النخعي أبو أرطأة الكوفي القاضي، أحد الفقهاء، صدوق كثير الخطأ والتدليس من السابعة (ت 145) / بخ م عم (التقريب 1/152 وتهذيب التهذيب 2/196) .
وقال الذهبي: "وأكثر مانقم عليه التدليس، وكان فيه تيه لا يليق بأهل العلم، وكان يقول: أهلكني حب الشرف" (ميزان الاعتدال 1/458-460، وتذكرة الحفاظ 1/186) . ووقع في ميزان الاعتدال ذكر علامة النسائي بعد علامة الأربعة وهو خطأ لأن النسائي داخل في الأربعة.
7 الحكم هو ابن عتيبة ثقة، ثبت، فقيه، تقدمت ترجمته في حديث (73) .
8 مقسم هو ابن بجرة أو ابن نجدة، صدوق وكان يرسل، تقدم في حديث (75) .(1/307)
ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أعتق رسول الله يوم الطائف من خرج من عبيد المشركين" 1. ورواه عن يحيى2 بن زكريا ثنا حجاج به.
ولفظه: "لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف أعتق من رقيقهم". ورواه عن يزيد بن هارون ثنا الحجاج به.
ولفظه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتق من جاءه من البعيد قبل مواليهم إذا أسلموا3 وقد أعتق يوم الطائف رجلين". رورواه عن عبد القدوس4 بن بكير بن خنيس ثنا الحجاج به.
ولفظه: "حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف فخرج إليه عبدان فأعتقها5، أحدهما أبو بكرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتق العبيد إذا خرجوا إليه". ورواه عن نصر6 بن باب عن الحجاج به.
ولفظه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف من خرج إلينا من العبيد فهو حر، فخرج عبيد من العبيد فيهم أبو بكرة، فأعتقهم رسول الله 7.
والحديث رواه سعيد8 بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وخليفة بن خياط
____________________
1 أحمد: المسند1/223-224 و349 و362.
2 يحيى بن زكريا بن أبي زائدة الهمداني - بسكون الميم - أبو سعيد الكوفي، ثقة متقن، من كبار التاسعة (ت183أو184) /ع (التقريب2/347 وتهذيب التهذيب11/208) .
3 وعند سعيد بن منصور "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتق العبيد إذا جاءوا قبل مواليهم" ولم يذكر إسلاما. (زاد المعاد لابن القيم الجوزية 3/503) .
4 عبد القدوس بن بكير بن خنيس - بمعجمة ونون مصغرا - الكوفي أبو الجهم قال أبو حاتم: لا بأس به، من التاسعة / ت ق (التقريب 1/515، وتهذيب التهذيب 6/369 وميزان الاعتدال 2/642. وسقط من مسند أحمد كلمة (عبد) فصار حدثنا القدوس وهو خطأ.
5 وعند البيهقي "أن عبدين خرجا من الطائف فأسلما فأعتقهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما أبو بكرة", (السنن الكبرى 9/230) .
6 نصر بن باب الخراساني أبو السهل المروزي، نزل بغداد تركه جماعة (ت 193) تعجيل المنفعة لابن حجر ص 275، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13/278 وميزان الاعتدال للذهبي 4/250.
7 مسند أحمد 1/236 و243 و248.
8 سعيد بن منصور بن شعبة أبو عثمان الخراساني، نزيل مكة ثقة مصنف وكان لا يرجع عما في كتابه لشدة وثوقه به (ت 227) وقيل بعدها /ع (التقريب 1/306، وتهذيب التهذيب 4/89) .(1/308)
والدارمي وأبو يعلى والطحاوي والطبراني والبيهقي كلهم من طريق حجاج بن أرطأة عن مقسم به1. بألفاظ مختلفة.
ومدار الحديث على الحجاج وهو مدلس، وقد عنعن وبقية رجاله ثقات.
وأروده الهيثمي وقال: "رواه أحمد والطبراني باختصار وفيه الحجاج ابن أرطأة وهو ثقة، ولكنه مدلس"2.
147- ما رواه أحمد وابن سعد والطحاوي من حديث عامر الشعبي وهذا سياقه عند أحمد:
قال: حدثنا يحيى3 بن آدم ثنا مفضل4 بن مهلهل عن المغيرة5 عن شباك6 عن الشعبي7 عن رجل8 من ثقيف قال: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فلم يرخص لنا". الحديث.
____________________
1 زاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/503 وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/160، وابن أبي شيبة: التاريخ ص 85، 86 ب برقم 665 وكنز العمال 10/362 ومنتخب كنز العمال 4/173 مع المسند أحمد كلاهما لعلاء الدين المتقي الهندي وخليفة بن خياط: تاريخ خليفة ص 89.
والدارمي: السنن 2/155 كتاب السير، باب في عبيد المشركين يفرون إلى المسلمين، وأبو يعلى: المسند 3/253 أرقم 303. والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/278. والطبراني: المعجم الكبير11/387و390،والبيهقي: السنن الكبرى9/229-230.
2 مجمع الزوائد 4/245.
3 يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، مولى بني أمية، ثقة حافظ فاضل، من كبار التاسعة (ت 203) / ع (التقريب 2/341 وتهذيب التهذيب 11/175) .
4 مفضل بن مهلهل، السعدي، أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة ثبت، نبيل عابد، من السابعة (ت 167) / م س ق (التقريب 2/271، وتهذيب التهذيب 10/275) .
5 مغيرة بن مقسم - بكسر الميم - الضبي مولاهم، أبو هشام الكوفي، الأعمى ثقة متقن، إلا أنه كان يدلس، ولا سيما عن إبراهيم النخعي من السابعة (ت 136) على الصحيح / ع (التقريب 2/270 وتهذيب التهذيب 10/275) .
6 شباك - بكسر أوله ثم موحدة خفيفة ثم كاف - الضبي الكوفي، الأعمى ثقة، له ذكر في صحيح مسلم، وكان يدلس، من السادسة، / م د س ق (التقريب 1/345 وتهذيب التهذيب 4/302) .
7 هو عامر بن شراحيل الشعبي - بفتح المعجمة - أبو عمرو، ثقة مشهور فقيه فاضل، من الثالثة، قال مكحول: ما رأيت أفقه منه. (ت بعد 100) / ع التقريب 1/387 وتهذيب التهذيب 5/65) .
8 قوله عن (رجل) هذا الإبهام لا يضر لأنه صحابي كما هو الظاهر من سياق الحديث، والصحابة كلهم عدول وعند ابن سعد: "أن ثقيفا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.(1/309)
وفيه: "وسألناه أن يرد أبا بكرة فأبى وقال: "هو طليق الله وطليق رسوله".
وكان أبو بكرة خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حاصر الطائف فأسلم 1.
ورواه عن علي2 بن عاصم أخبرنا مغيرة عن شباك عن عامر أخبرني فلان الثقفي قال: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث فلم يرخص لنا" الحديث وفيه "سألناه أن يرد إلينا أبا بكرة وكان مملوكا وأسلم قبلنا، فقال: لا، هو طليق الله ثم طليق رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ورواه عن الوركاني3 ثنا أبو الأحوص4 عن مغيرة بن شباك عن الشعبي عن رجل من ثقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: "نحوه ولم يسق لفظه"5. والحديث رواه ابن سعد والطحاوي كلاهما من طريق مغيرة عن شباك عن الشعبي به 6.
غير أن ابن سعد ساقه بسندين أسقط الشعبي في أحدهما.
وأورده الهيثمي وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات 7.
148- حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر الطائف بثلاثة وعشرين عبدا فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الذين يقال لهم عتقاء".
قال الهيثمي: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح"8.
____________________
1 مسند أحمد 4/168 ونص الحديث "عن الشعبي عن رجل من ثقيف قال: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فلم يرخص لنا: فقلنا: إن أرضنا أرض باردة فسألناه أن يرخص لنا في الطهور فلم يرخص لنا، وسألناه أن يرخص لنا في الدياء فلم يرخص لنا فيه ساعة، وسألناه أن يرد إلينا أبا بكرة فأبى، وقال: "هو طليق الله وطليق رسوله". وكان أبو بكرة خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حاصر الطائف فأسلم.
2 علي بن عاصم بن صهيب، صدوق تقدم في حديث (97) .
3 هو محمد بن جعفر بن زياد الوركاني - بفتحتين - أبو عمران الخراساني نزيل بغداد، ثقة من العاشرة (ت 228) /م د س (التقريب 2/150 وتهذيب التهذيب 9/93-94 وتاريخ بغداد2/116-117.
4 أبو الأحوص: هو سلام بن سليم الحنفي ثقة متقن تقدم في حديث (26) .
5 مسند أحمد 4/168 و310.
6 ابن سعد: الطبقات الكبرى 7/15و16. والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/278.
7 مجمع الزوائد 4/245.
8 مجمع الزوائد 4/245.(1/310)
149- حديث غيلان بن سلمة الثقفي أن نافعا1 كان عبدا لغيلان ففر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيلان مشرك، فأسلم غيلان فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ولاءه".
قال الهيثمي: "رواه الطبراني: وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات"2.
150- ما واه أبو داود من مرسل عبد ربه3 بن الحكم ولفظه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر أهل الطائف خرج إليه أرقاء من أرقائهم فأسلموا فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أسلم مواليهم بعد ذلك رد رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء - يعني إليهم" 4.
151- حديث ابن عباس رضي الله عنهما من طريق أبي شيبة عن الحكم عن مقسم عنه قال: "لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم الطائف أمر مناديا فنادى "أيما عبد خرج فهو حر". فخرج إليه عبدان فأعتقهما" 5.
قال الهيثمي: رواه الطبراني: "وفيه إبراهيم بن عثمان أبو شيبة وهو متروك"6.
152- حديث أبي أمامة7 - رضي الله عنه - قال: "تدلى عبد من حصن الطائف فجاءه مولاه، فقال يا رسول الله رد علي غلامي، فقال: إن العبد إذا أسلم قبل مولاه لم يرد إليه، وإذا أسلم المولى ثم أسلم العبد دفع إليه" 8.
____________________
1 هو نافع أبو السائب مولى غيلان بن سلمة أورده ابن الأثير في أسد الغابة: 5/302 وابن حجر في الإصابة 3/548 وساقا هذا الحديث في ترجمته.
2 مجمع الزوائد 4/246 وانظر السنن الكبرى للبيهقي 10/308.
3 عبد ربه بن الحكم بن سفيان بن عبد الله، ويقال: ابن عثمان ابن بشير الثقفي الطائفي مجهول، من الثالثة، وأرسل حديثا/مد (التقريب1/470 وتهذيب التهذيب6/126 وفيه ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن القطان الفاسي: لا يعرف حاله.
4 أبو داود: كتاب المراسيل ص 40 وانظر: الزيلعي: نصب الراية 3/281-282.
5 الطبراني: المعجم الكبير 11/398.
6 مجمع الزوائد 4/245 وانظر التقريب 1/39.
7 هو صدى - بالتصغير - ابن عجلان، أبو أمامة الباهلي، صحابي مشهور سكن الشام، ومات بها، سنة: (86) / ع (التقريب1/366 وتهذيب التهذيب4/420) .
8 مجمع الزوائد 4/245-246 والمعجم الكبير للطبراني 8/298.(1/311)
قال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه عمر1 بن موسى بن وجيه وهو متروك".
وهذه الأحاديث تدل على أن العبد إذا نزل في حال الحصار وأسلم ولحق بالمسلمين قبل سيده صار حرا، وهل يصير حراً حكماً شرعياً، أو ذلك راجع إلى اشتراط الإمام له، فيه خلاف بين العلماء:
قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله -: "ومنها2 أن العبد إذا أبق من المشركين ولحق بالمسلمين، صار حراً، ثم أورد حديث سعيد بن منصور المتقدم"3.
153- ثم قال: وروى سعيد بن منصور أيضا قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبد وسيده قضيتين، قضى أن العبد إذا خرج من دار الحرب قبل سيده أنه حر، فإن خرج سيده بعده لم يرد عليه، وقضى أن السيد إذا خرج قبل العبد ثم خرج العبد، رد على سيده.
ثم أورد حديث الشعبي المتقدم4، ثم قال: قال ابن المنذر: "وهذا قول كل من يحفظ من أهل العلم"5.
وأورد ابن كثير: حديث الحجاج بن أرطأة ثم قال: "تفرد به أحمد6 ومداره على الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف، لكن ذهب الإمام أحمد إلى هذا فعنده أن كل عبد جاء من دار الحرب إلى دار الإسلام، عتق حكماً شرعياً مطلقاً عاماً، وقال آخرون: إنما كان هذا شرطا لا حكماً عاماً، ولو صح الحديث7 لكان التشريع العام أظهر، كما في قوله عليه السلام: "من قتل قتيلا فله سلبه8" 9.
____________________
1 هو عمر بن موسى بن وجيه الأنصاري الدمشقي، قال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال ابن عدي: هو ممن يضع الحديث متنا وإسنادا (ميزان الاعتدال 3/224) ووقع في مجمع الزوائد: عمر بن إبراهيم بن وجيه وهو خطأ.
2 أي الأحكام المأخوذة من هذه الغزوة.
3 انظر الحديث رقم (146) .
4 انظر: حديث (147) .
5 زاد المعاد 3/115، 503-504.
6 انظر الحديث رقم (146) .
7 يعني: حديث الحجاج بن أرطأة.
8 هذا الحديث متفق عليه من حديث أبي قتادة انظر الحديث رقم (62) .
9 ابن كثير: البداية والنهاية 4/347-348.(1/312)
قلت: هذا الحديث مداره على الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف. وضعفه آت من قبل تدليسه وقد عنعن1.
قال الذهبي: "وأكثر ما نقم على الحجاج التدليس، وفيه تيه لا يليق بأهل العلم".
وقال أيضاً: "كان حجاج يقول: أهلكني حب الشرف"2. إهـ.
ومثله يتقوى حديثه بالمتابعات والشواهد، وقد جاء عند عبد الرزاق بإسناد صحيح ما يؤيد هذا الحديث في مسألة عتق عبيد المشركين، والحديث أيضاً عند البخاري وأبي داود ولا تعرض فيه لإسلام أو عدمه وإنما فيه مجرد نزول العبيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 3.
وقد وردت أحاديث أخرى بأسانيد فيها الصحيح وغيره وهي دالة على ما دل عليه حديث الحجاج بن أرطأة، وقد تقدم سياق ذلك.
وهذه الأحاديث نص في كون العبد إذا أسلم ولحق بالمسلمين قبل سيده صار حرا، ويرى الإمام أحمد ذلك حكما شرعيا بينما يراه الشافعي شرطا حيث قال: وإذا استأمن العبد من المشركين على أن يكون مسلما ويعتق فذلك للإمام، أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصار ثقيف من نزل إليه من عبيد فأسلموا فشرط لهم أنهم أحرار فنزل إليه خمسة عشر عبدا من عبيد ثقيف فأعتقهم ثم جاء سادتهم بعدهم مسلمين، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردهم إليهم فقال: "هم أحرار لا سبيل عليهم، ولم يردهم" 4.
قلت: يؤيد القائلين بأن هذا حكما لا شرطا ما رواه أبو داود والترمذي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا سياقه عند أبي داود:
____________________
1 وقد وضعه ابن حجر في المرتبة الرابعة من طبقات المدلسين، وهي المرتبة التي اتفق العلماء على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم، إلاّ بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل ص 8 و37.
2 ميزان الاعتدال 1/460.
3 انظر حديث (144) .
4 الشافعي: الأم 4/201.(1/313)
154- قال: حدثنا عبد العزيز1 بن يحيى الحراني، قال حدثني محمد2 - يعني ابن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبان3 بن صالح بن منصور4 بن المعتمر عن ربعي5 بن حراش عن علي بن أبي طالب قال: "خرج عبدان6 إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني يوم الحديبية قبل الصلح فكتب إليه مواليهم، فقالوا: يا محمد والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك، وإنما خرجوا هربا من الرق، فقال ناس: صدقوا يا رسول الله، ردهم إليهم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا وأبى أن يردهم، وقال: "هم عتقاء الله عز وجل" 7.
والحديث فيه محمد بن إسحاق مدلس وقد عنعن.
ورواه الترمذي من غير طريق ابن إسحاق لكن فيه سفيان8 بن وكيع ولفظه عن ربعي بن حراش قال أخبرنا علي بن أبي طالب بالرحبة9 قال: لما كان يوم
____________________
1 عبد العزيز بن يحيى بن يوسف البكائي - بفتح الباء والكاف المشددة - أبو الأصبغ الحراني، صدوق، ربما وهم من العاشرة (ت235) / د س (التقريب 1/513 وتهذيب التهذيب 6/362) .
2 محمد بن سلمة بن عبد الله الباهلي، ثقة (التقريب 2/166) .
3 أبان بن صالح بن عمير بن عبيد القرشي مولاهم وثقه جماعة، ووهم ابن حزم فجهله، وابن عبد البر فضعفه، من الخامسة (ت بضع عشرة ومائة) خت عم (المصدر السابق 1/30 و1/94) .
4 منصور بن المعتمر بن عبد الله السلمي، أبو عتاب - بمثناة ثقيلة ثم موحدة - الكوفي، ثقة ثبت، وكان لا يدلس، من طبقة الأعمش (ت 132) / ع (التقريب 2/276 الطبعة المصرية، وص 348 الطبعة الهندية، تهذيب التهذيب 10/312-315، وتذكرة الحفاظ: 1/142 وسير أعلام النبلاء 5/402 كلاهما للذهبي، والخلاصة للخزرجي 3/58، والمغني لابن طاهر الهندي ص 53، ووقع في التقريب بطبعتيه "أبو عثاب" بمثلثة ثقيلة، ولعله خطأ.
5 ربعي - بكسر أوله وسكون ثانية - ابن حراش - بكسر المهملة وآخره معجمة - أبو مريم العبسي، الكوفي، ثقة عابد مخضرم من الثانية (ت100) وقيل غير ذلك/ع (التقريب1/243وتهذيب التهذيب3/236-237والخلاصة للخزرجي 1/317) .
والمغني لابن طاهر ص 20 و32.
6 عبدان: بكسر العين وضمها وسكون الباء، جمع عبد بمعنى المملوك (عون المعبود 7/368) .
7 أبو داود: السنن 2/59 كتاب الجهاد، باب في عبيد المشركين يلحقون بالمسلمين فيسلمون.
8 قال عنه ابن حجر في التقريب 1/312 كان صدوقا إلا أنه ابتلي بوراقه فادخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح فلم يقبل، فسقط حديثه.
9 الرحبة: أي: رحبة الكوفة والرحب فضاء وفسحة بالكوفة كان علي بن أبي طالب يقعد فيها لفصل الخصومات (المباركفوري: تحفة الأحوذي 10/217) .(1/314)
الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل1 بن عمرو وأناس من رؤساء المشركين، فقالوا: يا رسول الله: خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا وليس لهم فقه في الدين، وإنما خرجوا فرارا من أموالنا وضياعنا2 فارددهم إلينا فإن لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم رقابكم بالسيف على الدين، وقد امتحن الله قلوبهم3 على الإيمان، قالوا: من هو يا رسول الله؟
فقال له أبو بكر: "من هو يا رسول الله، وقال عمر: من هو يا رسول الله؟ قال: "هو خاصف النعل، وكان أعطى عليا نعله يخصفها، قال: ثم التفت4 إلينا علي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".
ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث ربعي عن علي5.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن يحيى الحراني ثنا محمد بن سلمة الحراني عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح به. مثل لفظ أبي داود6.
____________________
1 سهيل بن عمرو بن عبد شمس القرشي، أحد أشراف قريش وعقلائهم وخطبائهم وساداتهم وهو الذي أرسلته قريش يوم صلح الحديبية للتفاوض مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أسلم سهيل يوم الفتح، وروى عنه انه قال: والله لا أدع موقفا وقفته مع المشركين إلا وقفت مع المسلمين مثله، ولا نفقة أنفقتها مع المشركين إلا أنفقت على المسلمين مثلها لعل أمري أن يتلو بعضه بعضا، وموقفه من أهل مكة يوم الردة مشهور. توفي سهيل رضي الله عنه بالشام في طاعون عمواس سنة (18) ، وقيل استشهد باليرموك وقيل بمرج الصغر. (أسد الغابة: لابن الأثير 2/480 والإصابة لابن حجر 2/93-94) ومعجم البلدان 5/101.
2 الضياع: جمع ضيعة وهو ما يكون منه معاش الرجل كالصنعة والتجارة والزراعة وغير ذلك (النهاية لابن الأثير 3/108) .
3 قال المباركفوري: "قد امتحن الله قلوبهم: أي اختبرها، كذا وقع في بعض النسخ بجمع الضمير وهو راجع إلى قوله: ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا ووقع في بعض النسخ (قلبه) بإفراد الضمير وهو الظاهر، والضمير راجع إلى من (يخفصها) أي يخرزها من الخصيف وهو الضم والجمع (تحفة الأحوذي 10/218) .
4 قوله: ثم التفت إلينا علي فقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كذب علي" إلخ مقصود علي رضي الله عنه بالالتفات إليهم وذكر حديث "من كذب" على أنه قد سمع الحديث المذكور من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكذب عليه. (المصدر السابق 10/218) .
5 الترمذي: السنن 5/297-298 كتاب المناقب، باب المناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
6 السنن الكبرى 9/229.(1/315)
قال صاحب عون المعبود: "وإنما غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم عاضوا حكم الشرع فيهم بالظن والتخمين، وشهدوا لأوليائهم المشركين بما ادعوه أنهم خرجوا هرباً من الرق، لا رغبة في الإسلام وكان حكم الشرع فيهم، أنهم صاروا بخروجهم من ديار الحرب مستعصمين بعروة الإسلام لا يجوز ردهم إليهم، فكان معاونتهم لأوليائهم تعاوناً على العدوان1.
155- وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي من حديث أبي الزبير2 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء عبد فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة، ولم يشعر أنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "بعنيه" فاشتراه بعبدين أسودين3، ثم لم يبايع أحدا بعد، حتى يسأله: "أعبد هو؟ " 4. واللفظ لمسلم.
قال الشافعي - رحمه الله -: "ولو كان الإسلام يعتقه لم يشتر منه حرا، ولكنه أسلم غير خارج من بلاد منصوب عليها الحرب"5.
وخلاصة ما تضمنه الرويات السابقة أمور:
الأول: أن من التدابير العسكرية الناجحة التي استخدمها المسلمون بتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم:
الأمر بقطع أعناب ثقيف ونخيلهم وتحريقها إغاظة لهم وهزا لمعنوياتهم وكان في ذلك نكاية بالغة بهم، حتى طالبوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعها لله وللرحم، فلما بلغته مناشدتهم له بذلك، تركها، ولكن بعد أن أثر بدون شك في نفوس القوم وأضعف عزائمهم.
____________________
1 عون المعبود 7/368-369.
2 هو محمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير المكي.
3 والحديث فيه جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلا إذا كان يدا بيد، وهذا مما لا خلاف فيه، والخلاف في بيعه متفاضلا إذا كان نسيئة (تهذيب السنن لابن قيم الجوزية9/208-212 مع عون المعبود، وعون المعبود9/208 وتحفة الاحوذي 4/438.
4 مسلم: الصحيح3/1225 كتاب المساقاة، باب جواز بيع الحيوان من جنسه متفاضلا. والنسائي: السنن 7/135 كتاب البيعة، باب بيعة المماليك و7/257 كتاب البيوع باب بيع الحيوان بالحيوان يدا بيد متفاضلا. وابن ماجه: السنن 2/958 كتاب الجهاد، باب البيعة. البيهقي: السنن الكبرى 9/230.
5 المصدر السابق 9/230.(1/316)
الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم حث المسلمين يومئذ على الرمي فقال: "من رمى بسهم في سبيل الله فله درجة في الجنة"، فكان في ذلك حافز قوي للمسلمين على التسابق في الرمي للفوز بدرجات عظيمة في الجنة حتى قال أحدهم: بلغت يومئذ ستة عشر سهما، وكانت تلك السهام الكثيرة، تنهال على ثقيف كالوابل الغزير فزلزل ذلك كفار ثقيف زلزالا شديدا وحصرهم في حصنهم وشل قدرتهم الدفاعية، حتى تركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الأمر، لا لعجز عن مناجزتهم، ولكن رأى أن ثقيفا مآلها الإسلام أو الاستسلام فقد أحيطت بالمسلمين من كل مكان فلماذا يتعرض جيش المسلمين لخسائر كبيرة في حصار مدينة حصينة مآلها إلى السقوط دون أية ضحايا، طال الوقت أم قصر؟
وهل بوسع الطائف أن تقاوم طويلا وحدها بعد أن دخلت مكة في الإسلام ودانت المناطق من حولها للمسلمين؟
وكيف تصرف إنتاجها الزراعي وكيف تقوم بتجاراتها وكل مواصلاتها مقطوعة؟ وقبل ذلك كله فقد جاء في بعض الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لم يأذن لي في فتح الطائف الآن، وأنه صلى الله عليه وسلم لما قال له أحد الصحابة: "ادع الله على ثقيف، فقال: الله اهد ثقيفا وائت بهم، فقد علم صلى الله عليه وسلم أن ثقيفا ستفيق من غفلتها وتستيقظ من سباتها وستأتي بنفسها تعلن ولاءها لرسول الله صلى الله عليه وسلم والانضمام تحت رايته وهذا الذي حصل بالفعل كما سياتي ذلك في مبحث إيفاد ثقيف.
الثالث: ذلك النداء الموجه إلى العبيد الذين يعيشون تحت سيطرة سادات ثقيف "أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر"1 فما أن بلغهم هذا النداء الإسلامي حتى تسابقوا إلى المسلمين واحدا بعد آخر طلبا للحرية ورغبة في الخلاص من ظلم جبابرة الجاهلية فكانت مكافأتهم على هذه التضحية من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعتقهم وخلصهم من رق الجاهلية وأغلالها، وأسلموا وحسن إسلامهم وحسن إسلامهم وكان في ذلك إضعاف لشوكة ثقيف وخلخلة لصفوفهم من داخلها، وكان عدد العبيد الذين نزلوا من حصن الطائف ولحقوا بالمسلمين ثلاثة وعشرين عبدا2.
__________
1 انظر حديث (151) والطبقات الكبرى لابن سعد 2/158-159.
2 انظر حديث رقم (144) .(1/317)
المبحث الثالث: عدد القتلى من الفريقين في غزوة الطائف
كان الجيش الإسلامي قد عسكر قريبا من حصن الطائف فأخذت ثقيف تقذف المسلمين بالنبال مما أدى إلى حدوث خسائر في صفوف المسلمين، فاضطر المسلمون إلى الانسحاب بعيدا عن مرمى النبال، ضرب المسلمون حصارهم الشديد على أهل الطائف فترة من الزمن 1، غير أن هذا الحصار لم يفت في عضد ثقيف حتى تستسلم، ذلك أن ثقيفاً قد استعدت قبل ذلك وأدخلت داخل حصنها ما يكفيها من الأقوات لمدة سنة، ولما طال مقام المسلمين في هذا الحصار حاولوا الهجوم على حصن الطائف ودك أسوار المدينة، فدخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة خشبية مغشاة بالجلود وزحفوا بها إلى جدار الطائف ليخرقوه، فأرسلت ثقيف على تلك الدبابة سكك الحديد محماة بالنار، فأحرقتها فانسحب المسلمون المحتمون بها من تحتها لئلا يحترقوا، فرمتهم ثقيف بالنبل بعد انكشافهم من حماية الدبابة، فقتلوا رجالا من المسلمين ممن كتب الله لهم الشهادة في سبيله.
وفيما يلي الآثار الواردة في ذلك:
156- روى النسائي أخبرنا إسحاق2 بن إبراهيم قال: أنبأنا وكيع قال: حدثنا سعيد3 بن السائب عن رجل يقال له: عبيد الله4 بن معية قال: "أصيب
____________________
1 تقدم ذلك مبينا في مبحث حصار الطائف ص 278.
2 إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه، ووكيع: هو ابن الجراح.
3 سعيد بن السائب بن يسار الثقفي تقدم في حديث (90) ثقة، عابد.
4 عبيد الله بن معية - مصغرا، ويقال: عبد الله مكبرا، ويقال: عبيد بدون إضافة، من الثانية، حديثه مرسل / س (التقريب 1/453 وتهذيب التهذيب 6/41 وقال: قال ابن أبي حاتم عن أبيه: أدرك الجاهلية، وقال غيره ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه إبراهيم بن ميسرة وأثنى عليه أخيرا، وسعيد بن السائب.
قال صالح بن أحمد عن أبيه: "عبيد الله بن معية ليس بمشهور بالعلم"، قال ابن أبي حاتم: "فذكرته لأبي فقال: هو كما قال".
ثم قال ابن حجر: "وقع اسمه في سنن النسائي عبد الله مكبرا، وكذلك ذكره المؤلف هاهنا، وأما البخاري ويعقوب بن سفيان وغير واحد ممن بعدهم، فذكروا في عبيد الله مصغرا، قلت: في سنن النسائي الموجودة بأيدينا (عبيد الله مصغرا) وفي الإصابة 2/441 قال: عبيد الله بن معية - بفتح أوله وكسر ثانية وتشديد الياء التحتانية السوائي العامري من أهل الطائف، قال ابن السكن له صحبة ورواية، ويقال: إنه أدرك الجاهلية، وقال ابن منده: له صحبة، وقال أبو عمر: يقال: إنه شهد الطائف، وأخرج النسائي والبغوي من طريق وكيع عن سعيد بن السائب سمعت شيخاً من بني عامر أحد بني سواءة يقال له عبيد الله بن معية قال أصيب رجلان من المسلمين "الحديث"" (انظر الجرح والتعديل: لابن أبي حاتم 5/333، وتاريخ الفسوي 3/383 والاستيعاب 2/435، وأسد الغابة 3/398 و533 والبخاري: التاريخ الكبير 5/373 وقال: أردك الجاهلية، عن النبي صلى الله عليه وسلم.(1/318)
رجلان من المسلمين يوم الطائف فحملا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أن يدفنا حيث أصيبا، وكان ابن معية ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم 1.
ورواه ابن سعد فقال: أخبرنا وكيع بن الجراح وحميد2 بن عبد الرحمن الرواسي عن سعيد بن السائب الطائفي قال: سمعت شيخنا من بني سواءة أحد بني عامر بن صعصعة يقال له: عبيد الله بن معية.
قال وكيع في حديثه: "وكان ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو قريبا من ذلك، وقال حميد: وكان قد أدرك الجاهلية، قال: قتل رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند باب بني سالم3 من الطّائف يوم الطّائف، فحملا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغه ذلك فبعث أن يدفنا حيث أصيبا أو حيث لقيا، فدفنا فيما بين مقتلهما وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبرا حيث لقيا" 4.
ورواه ابن أبي شيبة فقال: حدثنا وكيع عن سعيد بن السائب به"5.
والحديث فيه عبيد الله بن معية وقد ذكره ابن سكن وابن منده في الصحابة، وقال ابن عبد البر: "يقال: إنه شهد الطائف، ثم أورد له هذا الحديث وعلى هذا فيكون الحديث متصلا".
لكن ابن حجر: "ذكر التقريب بأن عبيد الله من الثانية وأن حديثه مرسل فالله أعلم"6.
____________________
1 السنن 4/65 كتاب الجنائز، باب أين يدفن الشهيد.
2 حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي - بضم الراء بعدها همزة خفيفة - أبو عوف الكوفي، ثقة من الثامنة، (ت 189 أو 190 وقيل بعدها) / ع (التقريب 1/203 وتهذيب التهذيب 3/44) .
3 بنو سالم بطن من ثقيف سكن واد من روافد لية الجنوبية. معجم قبائل الحجاز للبلادي ص 196.
4 الطبقات الكبرى 5/517.
5 تاريخ ابن أبي شيبة ص 86 و87.أرقم 665.
6 الاستيعاب 2/331 و435 و439 وأسد الغابة 3/398و533و548 وتهذيب التهذيب 6/41 والتقريب 1/453 والإصابة2/441) .(1/319)
ما رواه ابن سعد: أخبرنا عمرو1 بن عاصم الكلابي، أخبرنا أبو الأشهب2 أخبرنا الحسن3 قال: حاصر رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أهل الطائف، قال فرمى رجل4 من فوق سورها فقتل" 5 والحديث إسناده حسن وهو مرسل.
ما رواه البيهقي عن عروة بن الزبير في حصار الطائف، فحاصرهم بضع عشرة ليلة، وقاتلته ثقيف بالنبل والحجارة، وهم في حصن الطائف وكثرت القتلى في المسلمين، وفي ثقيف" الحديث6.
والحديث مرسل، وفيه محمد7 بن عمرو بن خالد أبو علاثة.
ما أخرجه ابن إسحاق قال: "حدثني عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى الطائف نزل قريبا من حصن الطائف فضرب به عسكره فقتل ناس من أصحابه بالنبل، وذلك أن العسكر اقترب من حصن طائف، فكانت النبل تنالهم" الحديث وفيه أيضا: " حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف ليخرقوه، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديدة محماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثقيف بالنبل فقتلوا منهم رجالا" 8.
وقد ورد تسميتهم عند ابن إسحاق فقال:
____________________
1 عمرو بن عاصم بن عبيد الله الكلابي، صدوق تقدم في حديث (71) .
2 هو جعفر بن حيان - بمفتوحة وشدة مثناة تحت - السعدي، أبو الأشهب العطاردي - بضم العين وفتح الطاء المهملتين، وبعد الألف راء ودال مهملتان مكسورتان - البصري، مشهور بكنيته، ثقة من السادسة (ت165) /ع (التقريب1/130وتهذيب التهذيب2/88واللباب في تهذيب الأنساب2/345،والمغني لمحمد طاهر الهندي ص 25 و57) .
3 هو الحسن بن أبي الحسن البصري، الأنصاري مولاهم ثقة فقيه فاضل مشهور وكان يرسل كثيرا ويدلس، وهو رأس أهل الطبقة الثالثة (ت110) / ع (التقريب 1/165 وتهذيب التهذيب 2/263) .
4 وعند الواقدي 3/930: أن رجلا من المسلمين من مزينة رمى أبا محجن الثقفي، فلم يصنع شيئا، فرماه أبو محجن فقتله.
5 الطبقات الكبرى لابن سعد2/159 وسيأتي سياق الحديث تاما مع الحكم عليه برقم (167) .
6 السنن الكبرى 9/84. وتقدم برقم (137) .
7 لم أجد ترجمته.
8 سيرة ابن هشام 2/482-483، ودلائل النبوة للبيهقي 3/48أوقد تقدم الحديث بتمامه مع الحكم عليه برقم (133) .(1/320)
157- وهذه تسمية من استشهد من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف: من قريش، ثم من بني أمية بن عبد شمس: سعيد1 بن سعيد بن العاص بن أمية وعرفطة2بن جناب، حليف لهم، من الأسد3بن الغوث.
ومن بني تيم بن مرة: عبد الله4 بن أبي بكر الصديق، رمى بسهم، فمات منه بالمدينة، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن بني مخزوم: عبد الله5 بن أبي أمية بن المغيرة، من رمية رميها يومئذ.
____________________
1 هو ابن عبد شمس القرشي أخو أبان وخالد وعمرو أولاد أبي أحيحة، كان إسلامه قل فتح مكة بيسير، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على سوق مكة، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف خرج معه، فاستشهد يومئذ.
2 عرفطة - بضم المهملة وسكون الراء وضم الفاء وطاء مهملة - ابن جناب بجيم ونون خفيفة الأزدي، وعند ابن هشام وموسى بن عقبة ابن (حباب) بضم المهملة وخفة الموحدة - وهو حليف بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.
3 وهو الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، ويقال فيه: أسد بالسين الساكنة.
4 هو شقيق أسماء بنت أبي بكر، ثبت ذكره في صحيح البخاري في قصة الهجرة عن عائشة قالت: وكان عبد الله بن أبي بكر يأتيهما بأخبار قريش وهو غلام شاب فطن فكان يبيت عندهما ويخرج من السحر فيصبح مع قريش وقال ابن عبد البر: وكان إسلامه قديما ولم يسمع له بمشهد إلا شهوده الفتح وحنينا والطائف فرماه أبو محجن الثقفي بسهم فدمل جرحه حتى انتقض به فمات منه في أول خلافة أبيه وذلك سنة إحدى عشرة فيما ذكر الواقدي (انظر: الاستيعاب 2/8 و2/258 و3/155 وأسد الغابة2/390 و3/188 و299 و4/25 والإصابة:2/47 و283 و475 وشرح المواهب اللدنية 3/30) .
5 عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي القرشي أخو أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم من أبيها وابن عمة رسول الله عاتكة بنت عبد المطلب، كان أبوه من أجواد قريش، وكان عبد الله ابن أبي أمية شديدا على المسلمين، وهو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً} . [سورة الإسراء، الآيتان: 90-91] .
ثم هداه الله للإسلام فهاجر هو وأبو سفيان بن الحارث ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيل الفتح فلقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرف مكة فالتمسا الدخول عليه صلى الله عليه وسلم فمنعهما، فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت: يا رسول الله، ابن عمك - تعني أبا سفيان، وابن عمتك وصهرك - تعني عبد الله -، فقال: لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي فهتك عرضي، وأما ابن عمتي فقال لي بمكة ما قال، ثم أذن لهما، فدخلا عليه، فأسلما، وحسن إسلامهما، وشهد عبد الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة مسلما وحنينا والطائف ورمي من الطائف بسهم فقتله، ومات يومئذ.
له ذكر في الصحيحين من طريق زينب بنت أبي سلمة عن أمها أم سلمة قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي مخنث فسمعه يقول: لعبد الله بن أبي أمية، إن فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل هؤلاء عليكن" الحديث انظر رقم (241) (الاستيعاب 2/262، وأسد الغابة 3/177 والإصابة 2/277، وشرح المواهب اللدنية 3/30) .(1/321)
ومن بني عدي بن كعب: عبد الله1بن عامر بن ربيعة حليف لهم.
ومن بنى سهم بن عمرو: السائب2 بن الحارث بن قيس بن عدي، وأخوه عبد الله بن الحارث.
ومن بني سعد بن ليث: حجيلة3 بن عبد الله.
واستشهد من الأنصار: من بني سلمة: ثابت4 بن الْجَذَع.
ومن بني مازن بن النجار: الحرث5 بن سهل بن صعصعة.
____________________
1 عبد الله بن عامر بن ربيعة بن مالك بن عامر العنزي - بسكون النون - حليف بني عدي بن كعب، ثم حليف الخطاب والد عمر بن الخطاب، وهو من عنز بن وائل، أخي بكر بن وائل، القبيلة المشهورة من ربيعة ابن نزار.
وقيل: هو من مذحج من اليمن، وعبد الله هذا هو الأكبر صحب هو وأبوه رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستشهد يوم الطائف وهو مع رسول الله وله أخ يقال له: عبد الله بن عامر وهو الأصغر له رؤية قيل توفي رسول الله وله أربع سنين، وقيل خمس سنين.
2 السائب بن الحارث بن قيس بن عدي (وقال ابن إسحاق والواقدي: ابن عدي بن سعيد بدل (سعد) بن سهم القرشي السهمي، أحد السابقين إلى الإسلام هاجر إلى الحبشة هو وأخوه عبد الله بن الحارث واستشهد هو وأخوه عبد الله بالطائف فيما ذكره ابن إسحاق والواقدي والزبير بن بكار وجماعة.
وذكر موسى بن عقبة ومعمر بن راشد عن الزهري أن السائب جرح يوم الطائف وأنه عاش بعد ذلك إلى أن استشهد بالأردن يوم فحل - بكسر الفاء وسكون الحاء - في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة أول خلافة عمر بن الخطّاب، وقال ابن الكلبي: كانت وقعة فحل سنة أربع عشرة.
وأما عبد الله بن الحارث فذكر ابن إسحاق والزبير بن بكار أنه استشهد يوم الطائف وقيل: إنه قتل يوم اليمامة شهيدا هو وأخوه أبو قيس، وقد انقرض بنو الحارث بن قيس بن عدي (الاستيعاب 2/102 و279 و357 وأسد الغابة 2/312 و3/206 و286 والإصابة 2/ 8 و292 و329.
3 جليحة - بضم الجيم وفتح اللام وسكون التحتانية وحاء مهملة - ابن عبد الله بن محارب بن ناشب بن غيرة- بكسر الغين المعجمة، وفتح الياء تحتها نقطتان، ثم راء وهاء - ابن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة، والليثي، ذكره ابن إسحاق والواقدي فيمن استشهد بالطائف وهو مع رسول الله. وقيل: في جده "الحارث" بدل (محارب) .
4 ثابت بن الجذع - بفتح المعجمة وبالمهملة - واسم الجذع: ثعلبة ابن زيد بن الحارث ابن حرام - بفتح الحاء المهملة وبالراء - ابن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة - بكسر اللام، السلمي شهد العقبة وبدراً والمشاهد كلها، وقتل يوم الطائف شهيدا.
5 الحارث بن سهل بن أبي صعصعة الأنصاري من مازن بن النجار استشهد يوم الطائف، لا تعرف له رواية، قال ابن الأثير: "هكذا الحارث بن سهل ذكره يونس ابن بكير، وزياد البكائي، وسلمة الأبرش الجميع عن ابن إسحاق، وقال أبو جعفر النفيلي عبد الله بن محمد عن محمد بن سلمة الباهلي عن ابن إسحاق: حباب بن سهل بدل (الحارث) ".
وقال ابن حجر: "ويحتمل أن يكونا أخوين"، (الاستيعاب 1/190و307، وأسد الغابة 1/ 265 و348 و396 والإصابة1/190 و242 و280 وشرح المواهب اللدنية 3/30) .(1/322)
ومن بني ساعدة: المنذر1 بن عبد الله.
ومن الأوس: رُقَيم2 بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية.
فجميع من استشهد بالطائف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلا:
سبعة3 من قريش، وأربعة4 من الأنصار، ورجل5 من بنيليث6 هكذا ساقه ابن إسحاق بدون إسناد.
158- وممن أصيب في هذه الغزوة أبو سفيان بن حرب فقد فقئت عينه، وذلك فيما رواه ابن الزبير بن بكار عن سعيد7 بن عبيد الثقفي قال: "رميت أبا سفيان يوم الطائف فأصبت عينه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه عيني أصيبت في سبيل الله، فقال: "إن شئت دعوت الله فردت عليك وإن شئت فالجنة، فقال: الجنة" 8.
____________________
1 المنذر بن عبد الله بن قوال بن وقش بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة الأنصاري الخزرجي الساعدي، ذكره ابن إسحاق والواقدي، فيمن استشهد يوم الطائف، لكن عند الواقدي المنذر بن عبد بدون إضافة، وسمى ابن عبد البر: أباه عبادا ثم أعاده في المنذر بن عبد الله، ثم قال: هو المنذر بن عباد فيما أظن.
2 رقيم- بضم الراء وفتح القاف، ولوذان: بضم اللام وسكون الواو وذال معجمة- أبو ثابت الأنصاري، الأوسي، كذا نسبه أبو نعيم وابن منده.
وقال الكلبي بعد ثعلبة: "ابن أكال بن الحارث بن أمية بن معاوية بن مالك بن عوف، استشهد يوم الطائف في قول ابن إسحاق وعروة وموسى بن عقبة وابن الكلبي وابن شهاب".
وذكره الواقدي: فيمن استشهد في حنين (الاستيعاب 2/533 و3/460) وأسد الغابة 2/235 و5/268 والإصابة 2/520 و3/460 وشرح المواهب اللدنية 3/24 و30. وفي مجمع الزوائد 6/190 (رقيب) بالباء الموحدة، والصواب (رقيم) بالميم.
3 هم: سعيد بن سعيد بن العاص، وعرفطة بن جناب، وعبد الله بن أبي بكر وعبد الله ابن أبي أمية، وعبد الله بن عامر، والسائب بن الحارث وأخوه عبد الله بن الحارث بما فيهم حلفاؤهم.
4 هم: الحارث بن سهل، والمنذر بن عبد الله، ورقيم بن ثابت وثابت بن الجذع.
5 هو: جليحة بن عبد الله، وقد تقدم بيان ذلك.
6 سيرة ابن هشام 2/486-487 وتاريخ خليفة ص 90-92 وتاريخ الطبري 3/85 وجوامع السيرة لابن حزم ص 243-244 والروض الأنف 7/239 والبداية والنهاية 4/351 وتاريخ الخميس 2/112 والسيرة الحلبية 3/78 وشرح المواهب 3/30، ومغازي الواقدي 3/922 و938 إلا أنه جعل. (يزيد بن زمعة بن الأسود) بدل (رقيم بن ثابت) أما ابن إسحاق فذكر يزيد من شهداء حنين، وانظر مجمع الزوائد 6/190.
7 سعيد بن عبيد بن أبي أسيد بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف ابن ثقيف الثقفي جد إسماعيل بن طريح الشاعر، (الإصابة 2/49) .
8 الإصابة 2/179 وشرح المواهب 3/33-34 والسيرة الحلبية 3/77.(1/323)
وأخرجه ابن عساكر من طريق سعيد بن عبيد ربه.
ولفظه: "قال رأيت أبا سفيان بن حرب يوم الطائف قاعدا في حائط أبي يعلى يأكل فرميته فأصبت عينه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذه عيني أصيبت في سبيل الله" الحديث 1.
وأورده السيوطي فقال: أخرج الزبير بن بكار وابن عساكر من طرق عن سعيد بن عبيد الثقفي، ثم ساق هذا الحديث2.
قال الزرقاني: "وفي هذا قوة إيمان أبي سفيان وثبات يقينه بعدما كان من المؤلفة"3.
وقد جاء عند ابن مندة خلاف هذا، وذلك أنه جعل أبا سفيان بن حرب هو الذي رمى سعيد بن عبيد ففقأ عينه.
قال ابن حجر: "روى ابن مندة من طريق إسماعيل بن طريح حدثني أبي عن جدي أن أبا سفيان رمى سعيد بن عبيد جده يوم الطائف بسهم فأصاب عينه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله إن هذه عيني أصيبت في سبيل الله، فقال: إن شئت دعوت الله فرد عليك عينك، وإن شئت فعين في الجنة، قال: عين في الجنة".
ثم قال ابن مندة: "وهذا غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه".
قال ابن حجر: "قلت: فيه لفظة منكرة، فإن أبا سفيان في حصار الطائف كان مسلما فكيف يرمي سعيدا إن كان سعيدا مسلما، وأظن الصواب: أن أبا سفيان رماه سعيد".
ويؤيد ذلك ما أخرجه الزبير بن بكار من هذا الوجه فقال عن سعيد بن عبيد قال: رأيت أبا سفيان يوم الطائف قاعدا في حائط يأكل فرميته فأصبت عينه، فذكر الحديث.
____________________
1 كنْز العمال 10/262 ومنتخب كنز العمال 4/172 مع المسند.
2 الخصائص الكبرى 2/92.
3 شرح المواهب اللدنية 3/34.(1/324)
وروى ابن عائذ1 عن الوليد2 عن سعيد3 بن عبد العزيز أن عين أبي سفيان أصيبت يوم الطائف.
159- وروى أبو الفرج4 الأصبهاني من طريق أسامة5 بن زيد الليثي عن القاسم6 بن محمد قال: لم يزل السهم الذي أصاب عبد الله بن أبي بكر عند أبي بكر حتى قدم وفد الطائف فأراهم إياه فقال سعيد بن عبيد: هذا سهمي أنا بريته وأنا رميت به، فقال أبو بكر: الحمد لله الذي أكرمه بيدك ولم يهنك بيده7.
ثم قال ابن حجر: "وله طريق أخرى في ترجمة عبد الله بن أبي بكر، فثبتت بذلك صحبة سعيد بن عبيد، وتحررت الرواية الأولى، ولله الحمد"8.
وفي الصحيحين وغيرهما أن المسلمين في حصار الطائف قاتلوا ثقيفا قتالا شديدا حتى كثرت الجراحات في المسلمين 9.
فهذا الحديث صريح في أن المسلمين نالهم في هذا الحصار جراحات شديدة، وقد قتل بعضهم كما ورد ذلك في كتب التواريخ وغيرها، وقد تقدم بيان ذلك وهذا ما يتعلق بإصابة المسلمين في هذه الغزوة.
____________________
1 هو محمد بن عائذ تقدم في ص 414.
2 الوليد: هو ابن مسلم القرشي الدمشقي ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية تقدم في حديث (118) .
3 سعيد بن عبد العزيز التنوخي - بفتح التاء وضم النون المخففة - الدمشقي ثقة إمام، سواه أحمد بالأوزاعي وقدمه أبو مسهر على الأوزاعي، ولكنه اختلط في آخر عمره، من السابعة (ت 167) وقيل بعدها / خ م ع التقريب 1/301 وتهذيب التهذيب 4/59) .
4 هو علي بن الحسين بن محمد أبو الفرج الأصبهاني الأموي، صاحب كتاب الأغاني، قال الذهبي: شيعي، وهذا نادر في أموي، كان إليه المنتهى في معرفة الأخبار وأيام الناس، والشعر والغناء والمحاضرات يأتي بأعاجيب بحدثنا وأخبرنا، وكان طلبه في حدود الثلاثمائة فكتب ما لا يوصف كثرة حتّى لقد اتهم. والظاهر أنه صدوق (284-356) ميزان الاعتدال 3/123، وانظر تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 11/398 ولسان الميزان لابن حجر 4/221) .
5 أسامة ابن زيد الليثي مولاهم، أبو زيد المدني، صدوق يهم، من السابعة (ت 153) خت م ع (التقريب 1/53 وتهذيب التهذيب 1/208-210) .
6 القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي، ثقة أحد الفقهاء بالمدينة قال أبو أيوب: ما رأيت أفضل منه، من كبار الثالثة (106) على الصحيح / ع (التقريب 2/120 وتهذيب التهذيب 8/333) .
7 عند الواقدي في المغازي 3/930: أن الذي رمى عبد الله بن أبي بكر هو أبو محجن الثقفي، وانظر السنن الكبرى للبيهقي 9/98.
8 ابن حجر: الإصابة 2/49-50 و179، و283، وانظر كنز العمال 10/361 ومنتخب كنز العمال 4/172 مع المسند.
9 سيأتي تخريج الحديث برقم (169) .(1/325)
وأما ما يتعلق بإصابات المشركين في الأرواح وغيرها، فقد تقدم في حديث عروة بن الزبير قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف بضع عشرة ليلة، وقاتلته ثقيف بالنبل والحجارة وهم في حصن الطائف، وكثرت القتلى في المسلمين، وفي ثقيف" 1.
فهذا الأثر صريح في أن القتل كثر في المشركين أيضا، غير أن المصادر الموجودة بأيدينا لم تنص إلا على ثلاثة فقط وفيما يلي ما ذكره العلماء في هذا الصدد:
160- أخرج أبو داود في كتاب المراسيل عن عكرمة قال: لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف أشرفت امرأة فكشفت قبلها فقالت: هادونكم فارموا فرماها رجل من المسلمين فما أخطأ ذلك منها.
وفي رواية "فما أخطأ أن قتلها، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توارى" 2.
وعند الواقدي: "أن أهل الطائف أخرجوا امرأة ساحرة، فاستقبلت الجيش بعورتها وذلك حين نزل النبي صلى الله عليه وسلم يدفعون بذلك عن حصنهم"3.
فلعل هذه المرأة الساحرة هي الواردة في حديث عكرمة.
161- ما أخرجه الواقدي أن يزيد4 بن زمعة بن الأسود خرج على فرس له فسأل ثقيفا الأمان يريد يكلمهم، فأعطوه الأمان، فلما دنا منهم رموه بالنبل فقتلوه.
وخرج هذيل بن أبي الصلت أخو أمية5 بن أبي الصلت من باب الحصن، ولا يرى عنده أحدا، ويقال: إن يعقوب6 بن زمعة كمن له فأسره حتى أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "قاتل أخي يا رسول الله! فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى به إليه، فأمكنه النبي صلى الله عليه وسلم فضرب عنقه" 7.
____________________
1 انظر الحديث رقم (137) .
2 أبو داود: كتاب المراسيل ص 37.
3 مغازي الواقدي 3/926.
4 هذا على قول الواقدي أن يزيد استشهد في الطائف وذكره ابن إسحاق فيمن استشهد في حنين.
5 هو أمية بن أبي الصلت الثقفي الشاعر المشهور، وهو الذي صدقه النبي صلى الله عليه وسلم في شعره حيث قال: قد كاد أمية أن يسلم قال ابن حجر:"لم يختلف أصحاب الأخبار أنه مات كافرا، وصح أنه عاش حتى رثى أهل بدر" (الإصابة 1/129) .
6 يعقوب بن زمعة الأسدي (الإصابة 3/668) .
7 مغازي الواقدي 3/926.(1/326)
162- ما أخرجه الواقدي أيضا: "أن رجلا من المشركين كان يقوم على حصن الطائف فيقول: "روحوا رعاء الشاء! روحوا جلابيب محمد! "1.
أترون نتباءس على أحبل2 أصبتموها من كرومنا؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم روح مروحا إلى النار".
قال سعيد بن أبي وقاص: "فأهوى له بسهم فوقع في نحره، وهوى من الحصن ميتا، قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد سر بذلك" 3.
هذا ما ذكرته المصادر عن قتلى المشركين، وقد ظهر من النصوص السابقة أن هذه الغزوة كانت من المواقع الشديدة بين المسلمين والمشركين، وقد أصيب المسلمون فيها بجراحات شديدة واستشهد عدد من الصحابة وقد وقع لثقيف المحاصرة قتل في الأرواح وحرق لثمارهم واشتد بأس المسلمين عليهم، واستمر حصارهم مدة من الزمن غير يسيرة4، وعلى الرغم من ذلك كله لم تلن قناة المشركين من ثقيف ولم يستسلموا حتى تركهم المسلمون على ما هم عليه من عدم استسلامهم للمسلمين كما سنوضح ذلك في المبحث الآتي:
__________
1 جلابيب: لقب من كان أسلم من المهاجرين، لقبهم بذلك المشركون، وأصل الجلابيب الأزر الغلاظ كانوا يلتحفون بها، فلقبوهم بذلك (لسان العرب 1/265-266) .
2 أحبل: جمع حبلة - بفتح الحاء والباء- وهي الأصل أو القضيب من شجر الأعناب، والكروم: العنب (ابن الأثير: النهاية 1/334) .
3 مغازي الواقدي 3/929-930.
4 تقدم الخلاف في مدة الحصار في مبحث (حصار الطائف) (278) .(1/327)
المبحث الرابع: فك الحصار عن الطائف والعودة إلى الجعرانة
كانت مدة حصار الطائف تتراوح ما بين بضعة عشر يوما إلى أربعين يوما كما مر توضيح ذلك1.
وفي أثناء هذا الحصار كانت المفاوضة مستمرة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل الطائف.
163- فقد روى ابن عساكر2 عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف حنظلة3 بن الربيع إلى أهل الطائف فكلمهم فاحتملوه ليدخلوه حصنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لهؤلاء وله مثل أجر غزاتنا هذه"، فلم يقم إلا العباس بن عبد المطلب حتى أدركه في أيديهم قد كادوا أن يدخلوه الحصن فاحتضنه العباس، وكان رجلاً شديداً، فاختطفه من أيديهم وأمطروا على العباس الحجارة من الحصن، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له حتى انتهى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم 4.
وذكر ابن الأثير وابن حجر عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حنظلة بن الربيع إلى أهل الطائف يقول لهم أتريدون الصلح أم لا؟ 5.
____________________
1 في مبحث حصار الطائف. (278) .
2 ابن عساكر: هو الإمام الحافظ الكبير محدث الشام فخر الأئمة ثقة الدين أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي الشافعي صاحب التصانيف (التاريخ الكبير) (499-571) (تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1328و1333) .
3 حنظلة بن الربيع بن صيفي - بفتح المهملة بعدها تحتانية ساكنة - التميمي الأسيدي - بضم الهمزة وفتح السين المهملة وكسر المثناة التحتنية المشددة - أبو ربعي المعروف بحنظلة الكاتب لأنه ممن كتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أخي أكثم بن صيفي حكيم العرب، وهو القائل لأبي بكر الصديق نافق حنظلة (مات بعد علي معتزلا للفتنة) (أسد الغابة 2/65، واللباب 1/61 كلاهما لابن الأثير وتهذيب التهذيب 3/60 والإصابة 1/359 والتقريب 1/206 كلها لابن حجر) .
4 كنْز العمال 10/361-362 ومنتخب كنز العمال 4/172 مع مسند أحمد كلاهما لعلاء الدين المتقي الهندي.
5 أسد الغابة 2/65 والإصابة 1/359 وتهذيب التهذيب 3/60.(1/328)
وعند ابن إسحاق أيضا من حديث عمرو بن شعيب قال: وتقدم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة إلى الطائف فناديا ثقيفاً:
أن أمنونا1 حتى نكلمكم فأمنوهما، فدعوا نساء من نساء قريش وبني كنانة ليخرجن إليهما، وهما2 يخافان عليهن السباء، فأبين، منهن3: أمنة4 بنت أبي سفيان، كانت عند عروة بن مسعود، له منها داود بن عروة، والفراسية بنت سويد بن عمرو بن ثعلبة5، لها عبد الرحمن6 بن قارب.
والفقمية7 أميمة بنت الناسئ8 أمية بن قلع، فلما أبين عليهما قال لهما ابن الأسود بن مسعود: "يا أبا سفيان ويا مغيرة، ألا أدلكما على خير مما جئتما له، إن مال بني
____________________
1 وعند الوقدي: 3/929 فقالا: أمنوا حتى نتكلم.
2 وعند الواقدي: "وهم يخافون السباء".
3 وعند الواقدي: منهم ابنة أبي سفيان بن حرب".
4 قال ابن هشام: "ويقال إن أم داود ميمونة بنت أبي سفيان، وكانت عند أبي مرة بن عروة بن مسعود فولدت له داود بن أبي مرة"، وكذا سماها ابن سعد وقال ابن حجر: "آمنة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية، ذكرها ابن إسحاق في غزوة الطائف وهي: أميمة بالتصغير، وكانت تحت صفوان بن أمية" (سيرة ابن هشام 2/483 والطبقات الكبرى لابن سعد 8/240، والإصابة لابن حجر 4/225 و241 و358) .
5 عند الواقدي: كانت عند قارب بن الأسود، لها منه عبد الرحمن بن قارب.
6 عبد الرحمن بن قارب بن الأسود الثقفي، تابعي أرسل حديثا فذكره بعضهم في الصحابة. وأخرج من طريق أبي أوبيس عن إسحاق عن عبد الله بن مكرم عن عبد الرحمن بن قارب في قصة وفد ثقيف.
قال البخاري وأبو حاتم: "هو مرسل".
قال ابن حجر: "قلت: وقد تقدم في الربيع بن قارب أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فحمله على ناقة وكساه برداء وسماه عبد الرحمن، فإن يكن هو هذا فالحكم على أن حديثه مرسل، وأنه تابعي مردود وإن يكن غيره فلا إشكال، ويريد بالمغايرة أن هذا ثقفي، وهذا عبسي، والله أعلم" (الإصابة 1/505 و2/418 و3/154) .
7 وعند الواقدي: وامرأة أخرى، ولم يسمها.
8 النسيء: التأخير من تأخير الشهور بعضها إلى بعض:
قال ابن إسحاق: "وكان أول من نسأ الشهور على العرب، فأحلت منها ما أحل، وحرمت منها ما حرم - القلمس وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن عامر ابن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة، ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد ابن حذيفة، ثم قام بعد عباد: قلع بن عباد، ثم قام بعد قلع أمية بن قلع، ثم قام بعد أمية: عوف بن أمية، ثم قام بعد عوف: أبو ثمامة جنادة بن عوف، وكان آخرهم وعليه قام الإسلام، وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه، فحرم الأشهر الأربعة: رجب وذا القعدة وذا الحجة، والمحرم فإذا أراد أن يحل منها المحرم فأحلوه، وحرم مكانه صفر فحرموه إلخ" (سيرة ابن هشام 1/44) .
وأبو ثمامة هذا ذكره ابن حجر في الإصابة ونقل عن السهيلي أنه وجد له خبرا يدل على إسلامه (الإصابة 1/246-247 و4/30 و1/67 بناء على أنه قيل في اسمه أمية ذكره في القسم الأول.(1/329)
الأسود بن مسعود حيث علمتما وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين الطائف نازلا بواد يقال له العقيق"1.
إنه ليس بالطائف مال أبعد رشاء ولا أشد مؤنة ولا أبعد عمارة من مال بني الأسود، وإن محمدا إن قطعه لم يعمر أبدا، فكلماه فليأخذه لنفسه أو ليدعه لله والرحم، فإن بيننا وبينه من القرابة ما لا يجهل، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه لهم.
وأخرج البيهقي من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال: استأذن عيينة2 بن حصن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي أهل الطائف يكلمهم لعل الله أن يهديهم،
____________________
1 في القاموس المحيط 3/266: العقيق موضع بالمدينة، وباليمامة وبالطائف وبتهامة وبنجد، وستة مواضع أخر وعند الواقدي: بواد يقال له العمق.
قال ياقوت: "عمق - بفتح أوله وسكون ثانيه، وآخره قاف - واد من أودية الطائف نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاصر الطائف، وفيه بئر ليس بالطائف أطول رشاء منه (معجم البلدان 4/156) .
وقال البلادي في معجم المعالم الجغرافية ص 213-214 و216: "إذا كان يقصد نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء حصار الطائف فإنه لم يكن بالعقيق، وإنما كان بين الطائف ووج، والطائف أنذاك كان إلى الجنوب مما يعرف اليوم بباب الربع إلى جنوب غربي مسجد ابن عباس.
وقد نصت نصوص كثيرة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نازلا في موضع مسجد عبد الله بن عباس اليوم، أما العقيق فواد إلى الشمال من الطائف، ويعرف بعقيق الطائف، وهو اليوم داخل فيها، ولا يمكن أن ينْزل العقيق من يريد حصار الطائف، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء من الشمال ثم طوق الطائف من الجنوب، وذلك ليحيل بين ثقيف وبين مددهم من بني نصر القانطنين شرق وجنوب الطائف، وبين ثقيف أيضا وبين أموالهم في لية وما حولها.
وقد علمنا أن العقيق في شمال الطائف ولو أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيه لما تجشم هذا التطويق الذي استلزم مدة ويومين على الأقل، ولكن يظهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما انسحب عن الطائف نزل العقيق، وكان مال بني الأسود لعله بوادي (لقيم) أو قربه فخافت ثقيف أن يقطع نخلة، وبهذا تستقيم الرواية، إذ أن رسول الله عندما انسحب كان طريقه على دحنا إلى الجعرانة وهذا يقضي أن يكون سلك من الطائف على أسفل العقيق ثم على لقيم ثم على دحنا ثم على الثنايا ثم على حنين ثم على الجعرانة".
2 عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية - بالجيم مصغرا - بن لوذان ابن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بفيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان أبو مالك الفزاري، يقال: كان اسمه حذيفة فلقب عيينة لأنه كانت أصابته شجة فجحضت عيناه قال ابن السكن: له صحبة، وكان من المؤلفة، ولم يصح له رواية أسلم قبل الفتح وشهدها وشهد حنينا والطائف، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني تميم فسبى بعض بني العنبر، ثم كان ممن ارتد في عهد أبي بكر الصديق، ومال إلى طليحة فبايعه ثم عاد إلى الإسلام، وكان فيه جفاء سكان البوادي.
دخل مرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون إذن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين الإذن؟ " فقال: ما استأذنت على أحد من مضر".
كان عيينة في الجاهلية يقود عشرة آلاف مسلح، وهو عم الحر بن قيس الرجل الصالح، ولعيينة بن حصن مواقف مع عمر بن الخطاب ومع عثمان ومواقفة في الإسلام غير محمودة وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحمق المطاع. (الاستيعاب 3/167، وأسد الغابة 4/331، والإصابة 3/54) .
وانظر ترجمة الحر بن قيس في أسد الغابة لابن الأثير وأنه جاء إلى المدينة مع وفد بني فزارة بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك.(1/330)
فأذن له فأتاهم فقال: "تمسكوا بمكانكم والله لنحن أذل من العبيد، وأقسم بالله لو حدث به1 حدث لتملكن العرب عزا ومنعة فتمسكوا بحصنكم وإياكم أن تعطوا بأيديكم، ولا يتكاثرن عليكم قطع هذه الشجر، ثم رجع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا قلت لهم؟ قال: قلت لهم وأمرتهم بالإسلام ودعوتهم إليه وحذرتهم النار ودللتهم على الجنة. قال: "كذبت بل قلت لهم كذا وكذا. فقال: صدقت يا رسول الله أتوب إلى الله وإليك من ذلك" 2..
والحديث أخرجه أبو نعيم وفي كليهما محمد3 بن عمرو بن خالد الحراني أبو علاثة.
وأخرجه الواقدي ولفظه: وقال عيينة: "يا رسول الله، ائذن لي حتى آتي حصن الطائف فأكلمهم، فأذن له، فجاءه فقال: أدنو منكم وأنا آمن؟ قالوا: نعم، وعرفه أبو محجن4 فقال: إذن فدنا فقال: ادخل فدخل عليهم الحصن، فقال فداؤكم أبي وأمي! والله لقد سرني ما رأيت منكم والله لو أن في العرب أحدا غيركم! والله ما لاقى محمد مثلكم قط، ولقد مل المقام، فاثبتوا في حصنكم، فإن حصنكم حصين، وسلاحكم كثير، وماءكم واتن5 لا تخافون قطعه! قال: فلما خرج قالت ثقيف لأبي محجن فإنا كرهنا دخوله، وخشينا أن يخبر محمدا بخلل إن رآه في حصننا، وقال أبو محجن: أنا كنت أعرف له، ليس منا أحد أشد على محمد منه وإن كان معه، فلما رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ما قلت لهم؟
____________________
1 الضمير في (به) يرجع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
2 البيهقي: دلائل النبوة 3/48 أ- ب وأبو نعيم: دلائل النبوة ص 464 وابن كثير: البداية والنهاية 4/348-349 والسيوطي: الخصائص الكبرى 2/97، وانظر حديث (132) .
3 لم أجد ترجمته وهو من شيوخ الطبراني وانظر المعجم الصغير للطبراني 2/39.
4 أبو محجن الثقفي الشاعر مختلف في اسمه له صحبة، وهو الذي سجنه سعد بن أبي وقاص من أجل شربه الخمر وكان ذلك يوم القادسية، ولما دارت المعركة رحاها استأذن أبو محجن من زوجة سعد بن أبي وقاص أن تفكه من السجن وتعطيه فرس سعد وأعطاها العهد أن يعود من المعركة فقاتل قتال الأبطال وعاد إلى سجنه فعفا عنه سعد وتاب من شرب المسكرات (الإصابة 4/173-176) .
5 الواتن: الشيء الثابت الدائم في مكانه، والماء المعين الدائم (القاموس المحيط4/274) .(1/331)
قال: "قلت ادخلوا في الإسلام، والله لا يبرح محمد عقر داركم حتى تنزلوا فخذوا لأنفسكم أمانا، قد نزل بساحة أهل الحصون قبلكم قينقاع والنضير وقريظة وخيبر أهل الحلقة والعدة والآطام فخذلتهم ما استطعت ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت عنه، حتى إذا فرغ من حديثه، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبت! قلت لهم كذا وكذا للذي قال. قال عيينة: "أستغفر الله! "
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، دعني أقدمه فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتحدث الناس أني أقتل أصحابي" ويقال: أن أبا بكر - رضي الله عنه - أغلظ له يومئذ وقال: "ويحك يا عيينة! إنما أنت أبدا توضع في الباطل، كم لنا منك من يوم بني النضير وقريظة وخيبر، تجلب علينا وتقاتلنا بسيفك ثم أسلمت كما زعمت فتحرض علينا عدونا! "
قال: "أستغفر الله يا أبا بكر وأتوب إليه، لا أعود أبدا"1!
وكان استعصاء ثقيف وعدم استسلامهم في ذلك الوقت هو أن الله - جل وعلا - لم يأذن في فتح الطائف حينئذ وأن ثقيفاً ستأتي معلنة إسلامها وولاءها للمسلمين عما قريب بدون مشقة وقتال، ولذا فقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحابة بترك حصار الطائف ولما رأى في أصحابه الرغبة في مواصلة القتال والتصميم على الفتح، أذن لهم في ذلك وقال: اغدوا على القتال، فغدوا فأصابتهم جراحات شديدة من وقع نبال ثقيف فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته في ترك الحصار، ففرح الصحابة بذلك وعملوا أن ما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصواب، وسارعوا إلى الرحيل، طالبين من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو على ثقيف جزاء صنيعهم السيئ ضد المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم "اللهم اهد ثقيفا" وقد ذكر ابن كثير الحكمة في تأخير الفتح عامئذ فقال:
وكانت الحكمة الإلهية تقتضي أن يؤخر الفتح عامئذ لئلا يستأصلوا قتلا، لأنه قد تقدم أنه عليه السلام لما كان خرج إلى الطائف فدعاهم إلى الله تعالى وإلى أن يؤووه حتى يبلغ رسالة ربه عز وجل وذلك بعد موت عمه أبي طالب، فردوا عليه قوله وكذبوه، فرجع مهموما فلم يستفق إلا عند قرن الثعالب، فإذا هو بغمامة وإذا فيها جبريل
____________________
1 مغازي الواقدي 3/932-933.(1/332)
فناداه ملك الجبال، فقال: يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام وقد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، فإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل أستأني بهم، لعل الله أن يخرج من أصلابهم مَنْ يعبده، لا يشرك به شيئاً". فناسب قوله: "بل أستأني أن لا يفتح حصنهم لئلا يقتلوا عن آخرهم وأن يؤخر الفتح ليقدموا بعد ذلك مسلمين في رمضان من العام المقبل"1. إهـ.
وفيما يلي الأحاديث الواردة في هذا المقام:
164- أخرج ابن أبي شيبة فقال: حدثنا عبد الوهاب2 الثقفي عن عبد الله3 بن عثمان بن خشيم عن أبي الزبير4 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف فجاءه أصحابه فقالوا: يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم فقال: اللهم اهد ثقيفاً مرتين. قال: وجاءته خولة5 فقالت: إن بنت خزاعى6 ذات حلي فنفلني حليها إن فتح الله عليك الطائف غدا، قال: إن لم يكن أذن لنا في قتالهم، فقال رجل تراه عمر يا رسول الله ما مقامك على قوم لم يؤذن لك في قتالهم، قال: "فأذن في الناس بالرحيل فنزل الجعرانة فقسم بها غنائم حنين، ثم دخل منها بعمرة ثم انصرف إلى المدينة" 7.
والحديث مرسل.
____________________
1 البداية والنهاية 4/352 والزرقاني: شرح المواهب 3/33 وانظر: حديث رقم (08) . وانظر: ص 339 تعليقة (3) .
2 عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت، الثقفي، أبو محمد البصري، ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين، من الثامنة، (ت 194) /ع (التقريب 1/528 وتهذيب التهذيب 6/449) .
ورمز له الذهبي (بصح) إشارة إلى توثيقه وأنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه (ميزان الاعتدال 3/680) .
3 عبد الله بن عثمان بن خثيم - بالمعجمة والمثلثة، مصغراً - القاري المكي أبو عثمان، صدوق، من الخامسة (ت132) / خت م ع (التقريب 1/432 وتهذيب التهذيب 5/314) .
4 أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق مدلس تقدم في حديث (109) .
5 خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم السلمية، امرأة عثمان بن مظعون، يقال كنيتها أم شريك. ويقال لها خويلة بالتصغير، وكانت صالحة فاضلة وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم في قول بعض العلماء (الاستيعاب 4/289-290 وأسد الغابة 7/93 والتقريب 2/596 وتهذيب التهذيب 12/415 والإصابة 4/291 وطبقات ابن سعد 8/158.
6 في سيرة ابن هشام 2/484 وكذا في الإصابة فقالت خولة: أعطني حلي بادية بنت غيلان بن سلمة أو حلي الفارعة بنت عقيل وكانتا من أحلى نساء ثقيف) وعند الواقدي الفارعة بنت خزاعي 3/935.
7 تاريخ ابن أبي شيبة ص 85 و86 ب رقم (665) .(1/333)
ورواه البيهقي من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة مرسلا ولفظه: وأقبلت امرأة يقال لها خولة بنت حكيم وكانت ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تحت عثمان بن مظعون فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما يمنعك أن تنهض إلى أهل الطائف، قال: "لم يؤذن لنا حتى الآن فيهم، وماأظن أن نفتحها الآن"، فأقبل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فلقيها خارجة من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل ذكر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، قالت: أخبرني أنه لم يؤذن له في قتال الطائف بعد، فلما رأى ذلك عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله ألا تدعو الله على أهل الطائف وتنهض لعل الله يفتحها فإن أصحابك كثير وقد شق عليهم الحبس ومنعهم معاشهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يؤذن لنا في قتالهم" فلما رأى ذلك عمر قال: أفلا آمر الناس فلا يسرحوا ظهرهم حتى يرتحلوا بالغداة؟
قال: "بلى فانطلق عمر حتى أذن في الناس بالقفول وأمرهم أن لا يسرحوا ظهرهم، فأصبحوا فارتحل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه".
ودعا النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ركب قائلا: "اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم" 1.
165- وأخرجه ابن إسحاق بلاغا فقال: ثم إن خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية، وهي امرأة عثمان بن مظعون قالت: يا رسول الله أعطني إن فتح الله عليك الطائف حلي بادية2 بنت غيلان بن سلمة أو حلي الفارعة بنت عقيل، وكانتا من أحلى نساء ثقيف. فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "وإن كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة؟ "
فخرجت خويلة فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله ماحديث حدثتنيه خويلة، زعمت أنك قلته؟ قال: قد قلته، قال: أو ما أذن لك فيهم يا رسول الله؟
____________________
1 البيهقي: دلائل النبوة 3/49ب وانظر ابن كثير: البداية والنهاية 4/350 والسيوطي: الخصائص الكبرى 2/97-98 وانظر حديث (132) .
2 بادية بنت غيلان بن سلمة الثقفي أسلمت عند إسلام أبيها ولها رواية.
قال ابن حجر: "وقد حكى ابن منده: في ضبطها وجهين: (بادية) بالموحدة (ونادية) بالنون، وقال: إنه وهم، وحكى غيره فيها: بالموحدة أوّلها، ثم نون بعد الدال" (بادنة) الإصابة 4/249 وأسد الغابة 7/34.
وقال السهيلي في الروض الأنف 7/271 "وأما بادية بنت غيلان فقيل فيها" "بادنة" بالنون والصحيح "بادية بالياء".(1/334)
قال: لا، قال: أفلا أؤذن بالرحيل؟ قال: بلى، فأذن عمر بالرحيل"، فلما استقل الناس نادى سعيد1 بن عبيد بن أسيد بن أبي عمر بن علاج ألا إن الحي مقيم، قال: يقول عيينة بن حصن: أجل، والله مجدة كراما، فقال له رجل2 من المسلمين: قاتلك الله يا عيينة، أتمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئت تنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم!
فقال: "إني والله ما جئت لأقاتل ثقيفا معكم، ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف، فأصيب من ثقيف جارية أطؤها، لعلها تلد لي رجلا، فإن ثقيفا قوم مناكير"3.
166- وأخرج ابن أبي شيبة قال: حدثنا حسين4 بن علي عن زائدة5 قال: قال عبد الملك6، قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو محاصر ثقيفاً ما رأيت الملك منذ نزلت منزلي هذا، قال: "فانطلقت خولة بنت حكيم السلمية فحدثت ذلك عمر بن الخطاب،
____________________
1 هكذا ساق ترجمته ابن إسحاق والطبري والسهيلي وابن كثير والواقدي إلاّ أنه قال "سعد" بدل "سعيد".
وقد تقدم في حديث (158) ص 323 في سياق نسبه غير هذا.
2 وعند الواقدي: فقال عمرو بن العاص: قاتلك الله، تمدح قوما مشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئت تنصره؟
فقال: "إني والله ما جئت معكم أقاتل ثقيفاً، ولكن أردت أن يفتح محمد الطائف فأصيب جارية من ثقيف فأطأها لعلها تلد لي رجلا فإن ثقيف قوم مباركون. فأخبر عمرو النبي صلى الله عليه وسلم بمقالته، فتبسم صلى الله عليه وسلم ثم قال: "هذا الحمق المطاع".
3 سيرة ابن هشام 2/484 والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/85.
والسهيلي: الروض الأنف 7/237 وابن الأثير: الكامل 2/181.
والواقدي: المغازي 3/935 والديار بكري: تاريخ الخميس 2/111.
والحلبي: السيرة الحلبية 3/81 والبداية والنهاية 4/350 لابن كثير.
ومناكير: أصحاب دهاء وفطنة (ابن الأثير: النهاية 5/115) . والفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/148) .
4 الحسين بن علي بن الوليد الجعفي - بضم الجيم وسكون العين المهملة - المقرئ، ثقة عابد، من التاسعة (ت 203 - أو 204) / ع (التقريب 1/177 وتهذيب التهذيب 2/357) .
5 زائدة بن قدامة الثقفي، أبو الصلت الكوفي، ثقة ثبت، صاحب سنة، من السابعة (ت160) وقيل بعدها / ع (التقريب 1/256 وتهذيب التهذيب 3/306) .
6 عبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي، حليف بني عدي الكوفي، ويقال له: الفرسي - بفتح الراء والفاء ثم المهملة - نسبة إلى فرس له سابق، كان يقال له القبطي - بكسر القاف وسكون الموحدة وربما قيل ذلك أيضا لعبد الملك، ثقة فقيه، تغير حفظه وربما دلس من الثالثة (ت 136) / ع (التقريب 1/521 وتهذيب التهذيب 6/411) .(1/335)
فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له قولها، فقال: صدقت، فأشار عمر على النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل، فارتحل النبي صلى الله عليه وسلم" 1 والحديث مرسل ورجاله ثقات.
167- وأخرج ابن سعد قال: أخبرنا عمرو2 بن عاصم الكلابي، أخبرنا أبو الأشهب3 أخبرنا الحسن4 قال: حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف، قال: فرمى رجل من فوق سورها فقتل، فأتى عمر فقال: "يا نبي الله ادع على ثقيف، قال: إن الله لم يأذن في ثقيف، قال: فكيف نقتل في قوم لم يأذن الله فيهم؟ قال: فارتحلوا، فارتحلوا5.
والحديث مرسل، ورجاله ثقات.
وعند ابن إسحاق بلاغا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق وهو محاصر ثقيفا: "يا أبا بكر، إني رأيت أني أهديت لي قعبة6 مملوءة زبدا، فنقرها ديك فهراق ما فيها". فقال أبو بكر: "ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا لا أرى ذلك" 7.
168- وروى الواقدي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما مضت خمس عشرة ليلة من حصارهم استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم نوفل8 بن معاوية الديلي، فقال: "يا نوفل ما تقول أو ترى؟ "
____________________
1 تاريخ ابن أبي شيبة ص 86 و87 أرقم (665) .
2 عمرو بن عاصم: صدوق تقدمت ترجمته في حديث (71) .
3 أبو الأشهب: هو جعفر بن حيان، ثقة، تقدمت ترجمته في حديث (156) .
4 الحسن: هو البصري، ثقة فقيه، فاضل مشهور تقدمت ترجمته في حديث (156) ومرسله ضعيف عند العلماء (انظر تدريب الراوي للسيوطي ص 123-124) .
5 الطبقات الكبرى 2/159.
6 قعبة: القعب: القدح الضخم الجافي، أو إلى الصغر، أو يروي الرجل، جمع أقعب وقعاب وقعبة. والزبد: بضم الزاي وسكون الموحدة: زبد اللبن القاموس المحيط 1/118و297) .
7 سيرة ابن هشام 2/484 وتاريخ الرسل والملوك 3/84 والروض الأنف 7/236، ومغازي الواقدي 3/936 وتقدم الحديث برقم (164) .
8 نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر الديلي - بكسر المهملة وسكون التحتانية - أبو معاوية شهد بدراً والخندق مع المشركين وكان له ذكر ونكاية.
ثم أسلم وشهد الفتح وحنينا والطائف، ونزل المدينة فمات بها في خلافة معاوية وقيل في أول خلافة يزيد، عاش نوفل مائة وعشرين سنة، ستون سنة في الجاهلية وستون سنة في الإسلام (التقريب 2/309 وتهذيب التهذيب 10/492) .(1/336)
فقال نوفل يا رسول الله، ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك شيئا".
قال أبو هريرة: "ولم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في فتحها"1.
وعنده أيضا: "قال: قال أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، وهو على حصن الطائف: يا عبيد محمد، إنكم والله ما لاقيتم أحدا يحسن قتالكم غيرنا، تقيمون ما أقمتم بشر محبس، ثم تنصرفون لم تدركوا شيئا مما تريدون.
نحن قسي وقسا أبونا
والله لا نسلم ما حيينا2
وقد بنينا طائفا حصينا
فناداه عمر: "يا ابن حبيب والله لنقطعن عليك معاشك حتى تخرج من جحرك هذا، إنما أنت ثعلب في جحر يوشك أن يخرج، فقال أبو محجن: إن قطعتم يا ابن الخطاب حبات عنب، فإن في الماء والتراب ما يعيد ذلك".
فقال عمر: "لا تقدر أن تخرج إلى ماء ولا تراب، ولن نبرح عن باب جحرك حتى تموت! "
قال: يقول أبو بكر: "يا عمر لا تقل هذا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤذن له في فتح الطائف، فقال عمر: وهل قال لك هذا رسول الله؟ "
فقال: نعم، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لم يؤذن لك يا رسول الله في فتحها؟ قال: "لا".قال: أفلا أؤذن في الناس بالرحيل! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلى" فأذن عمر بالرحيل، فجعل المسلمون يتكلمون، يمشي بعضهم إلى بعض، فقالوا: ننصرف ولا نفتح الطائف!
____________________
1 مغازي الواقدي 3/936-937 وطبقات ابن سعد 2/159 وزاد المعاد 3/497 والبداية والنهاية 4/350 والسيرة الحلبية 3/82 وفتح الباري 8/45) .
2 في مغازي الواقدي: "نحن قسي وأبونا قسا" وهذا لا يستقيم مع ما بعده وقد صوبتها من أنساب الأشراف للبلاذري الذي هو تلميذ ابن سعد المعروف، بكاتب الواقدي، وانظر أنساب الأشراف ص 367.(1/337)
لا نبرح حتى يفتح الله علينا؟ والله إنهم لأذل وأقل من لاقينا قد لقينا جمع مكة وجمع هوازن، ففرق الله تلك الجموع! وإنما هؤلاء ثعلب في جحر، لو حصرناهم لماتوا في حصنهم هذا! وكثر القول بينهم والاختلاف، فمشوا إلى أبي بكر فتكلموا، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: الله ورسوله أعلم، والأمر ينزل عليه من السماء، فكلموا عمر فأبى وقال: قد رأينا الحديبية ودخلني في الحديبية من الشك ما لا يعلمه إلا الله، وراجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بكلام ليت أني لم أفعل، وأن أهلي ومالي ذهبا ثم كانت الخيرة لنا من الله فيما صنع، فلم يكن فتح كان خيراً للناس من صلح الحديبية – بلا سيف دخل فيه من أهل الإسلام مثل من كان دخل – من يوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم كتب الكتاب، فاتهموا الرأي، والخيرة فيما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن أراجعه في شيء من ذلك الأمر أبدا! والأمر أمر الله وهو يوحي إلى نبيه ما يشاء! 1.
وهذه الآثار تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤذن له في فتح الطائف، وقد تقدم ما نقله ابن كثير من الحكمة في ذلك2.
ولذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى صعوبة الموقف وتأزم الأمور وكثرة الإصابات في أصحابه، أشار إليهم بترك الحصار والرجوع إلى الجعرانة ولكن لما رأى تحمس أصحابه وتصميمهم على الفتح ورغبتهم في ذلك واصل بهم حتى وافقوا في نهاية المطاف وعلموا أن المصلحة فيما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو صريح حديث الصحيحين وغيرهما، وهذا سياقه عند البخاري:
169- حدثنا علي3 بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن أبي العباس الشاعر الأعمى عن عبد الله4 بن عمرو قال: لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف،
____________________
1 مغازي الواقدي 3/935-936.
2 ص 332.
3 علي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان: هو ابن عيينة، وعمرو: هو ابن دينار، وأبو العباس: هو السائب بن فرخ المكي الأعمى.
4 اختلف في هذا الحديث هل هو عن عبد الله بن عمرو بن العاص أو عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ومدار الحديث على سفيان بن عيينة، وقد اختلف فيه عليه، فمنهم من قال عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومنهم من رواه عبد الله بن عمرو بن العاص ومنهم من رواه بالشك، وقد رجح كونه عن عبد الله بن عمر بن الخطاب:
يحيى بن معين، والدارقطني، وأبو زيد المروزي، وأبو بكر البرقاني قال ابن حجر: واخرج الحديث الطبراني من رواية إبراهيم بن يسار وهو ممن لازم ابن عيينة جدا، والذي قال عن ابن عيينة في هذا الحديث: "عبد الله بن عمر" وهم الذين سمعوا منه متأخراً كما نبه عليه الحاكم، وقد بالغ الحميدي في إيضاح ذلك فقال في مسنده في روايته لهذا الحديث عن سفيان "عبد الله بن عمر بن الخطاب" وأخرجه البيهقي في الدلائل من طريق عثمان الدارمي عن عليّ بن المديني قال: "حدثنا به سفيان غير مرة يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب لم يقل عبد الله بن عمرو بن العاص. وعند أبي عوانة: بلغني أن إسحاق بن موسى الأنصاري وغيره قالوا": "عبد الله بن عمرو" ورواه عنه - أي سفيان - من أصحابه ممن يفهم ويضبط فقالوا: "عبد الله ابن عمر".
وعند أحمد في هذا الحديث: فقيل لسفيان: ابن عمرو، قال: لا. ابن عمر (شرح النووي لصحيح مسلم 4/409 وفتح الباري 8/44-45 و 10/505) .(1/338)
فلم ينل منهم شيئا، قال: إنا قافلون إن شاء الله، فثقل1 عليهم وقالوا: نذهب ولا نفتحه2، وقال مرة: نقفل، فقال: اغدوا على القتال، فغدوا، فأصابهم جراح، فقال: إنا قافلون غدا إن شاء الله، فأعجبهم فضحك3 صلى الله عليه وسلم. وقال سفيان مرة: فتبسم. قال: قال الحميدي: حدثنا سفيان بالخبر كله4.
ورواه عن قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار به ولفظه لما كان رسول الله بالطائف قال: إنا قافلون غدا إن شاء الله، فقال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نبرح أو نفتحها5، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فاغدوا على القتال، فغدوا
____________________
1 وعند أحمد: "فكان المسلمون كرهوا ذلك".
2 وعند مسلم: قال أصحابه "نرجع ولم نفتحه".
وعند ابن أبي شيبة: "فقال المسلمون نرجع ولم نفتحه".
وعند أبي يعلى فقال أصحابه: "نرجع ولم نفتح".
وعند أبي عوانة فقال المسلمون: "نرجع ولم نفتحه".
3 قال النووي::معنى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قصد الشفقة على أصحابه والرفق بهم بالرحيل عن الطائف لصعوبة أمره، وشدة الكفار الذين فيه، وتقويتهم، مع أنه صلى الله عليه وسلم علم أو رجا أنه سيفتحه بعد هذا بلا مشقة، كما جرى، فلما رأى حرص أصحابه على المقام والجهاد أقام، وجد في القتال، فلما أصابتهم الجراح رجع إلى مكان قصده أولا من الرفق بهم ففرحوا بذلك، لما رأوا من المشقة الظاهرة، ولعلهم نظروا فعلموا أن رأي النبي صلى الله عليه وسلم أبرك وانفع وأحمد عاقبة وأصوب من رأيهم، فوافقوا على الرحيل، وفرحوا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تعجبا من سرعة تغير رأيهم" شرح صحيح مسلم 4/410) وشرح المواهب 3/33.
4 البخاري: الصحيح 5/128 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف.
5 قوله: (لا نبرح أو نفتحها)
قال ابن التين: "ضبطناه بالرفع والصواب: النصب، لأن "أو" إذا كانت بمعنى "حتى أو إلى أن نصبت"، وهي هنا كذلك (فتح الباري 10/505) . وانظر: قطر الندى لابن هشام ص:68،وشرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 2/346.(1/339)
فقاتلوهم قتالا شديدا، وكثر فيهم الجراحات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا قافلون غدا إن شاء الله، قال فسكتوا1، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ورواه عن عبد الله بن محمد2 حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار به، ولفظه قال: "حاصر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطائف فلم يفتحها، فقال: إنا قافلون إن شاء الله، فقال المسلمون: "نقفل ولم نفتح؟ " قال: فاغدوا على القتال، فغدوا فأصابتهم3 جراحات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا قافلون غدا إن شاء الله، فكأن4 ذلك أعجبهم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم" 5.
ورواه مسلم والحميدي وابن أبي شيبة وأحمد وأبو يعلى وأبو عوانة والبيهقي كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار به6.
وعند الواقدي من حديث أبي هريرة قال: "وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ابن الخطاب فأذن في الناس بالرحيل فضج الناس من ذلك وقالوا: نرحل ولم يفتح علينا الطائف؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فاغدوا على القتال"، فغدوا فأصابت المسلمين جراحات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا قافلون إن شاء الله، فسروا بذلك وأذعنوا وجعلوا يرحلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده".
____________________
1 وعند أحمد: "فسر المسلمون، وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم".
2 هو أبو بكر بن أبي شيبة.
3 وعند الحميدي "فأصابتهم جراحة شديدة".
4 وعند الحميدي "فكأنهم اشتهوا ذلك وسكنوا إليه، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5 البخاري: الصحيح 8/20 كتاب الآداب، باب التبسم والضحك و9/113 كتاب التوحيد، باب في قوله الله تعالى: تؤتي الملك من تشاء إلخ.
6 مسلم: الصحيح 3/1402 كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الطائف.
الحميدي: المسند 2/309، وابن أبي شيبة: التاريخ ص 85و 86 أرقم 665.
وأحمد: المسند 2/11، وأبو يعلى: المسند 5/529 أرقم (305) .
وأبو عوانة: المسند 4/213 و 214، والبيهقي: دلائل النبوة 3/49 أ - ب.(1/340)
فلما ارتحلوا واستقلوا قال: "قولوا آيبون تائبون لربنا حامدون" 1.
وقيل: "يا رسول الله ادع على ثقيف، فقال: اللهم اهد ثقيفا وآت بهم" 2.
وحديث الدعاء على ثقيف أخرجه الترمذي وأحمد من حديث أبي الزبير، مسندا، وابن أبي شيبة مرسلا.
170- وهذا سياق الترمذي: حدثنا أبو سلمة3 يحيى بن خلف أخبرنا عبد الوهاب4 الثقفي عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قالوا: "يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم، فقال: "اللهم أهد ثقيفا" 5. ثم قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب".
قال الألباني: "هذا الحديث على شرط مسلم ولكنه من رواية أبي الزبير معنعنا وهو مدلس".
____________________
1 هكذا ذكر هذا الدعاء الواقدي وابن سعد في هذه الغزوة، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر ما يشهد لهذا ولفظه:
قال ابن عمر: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون. صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده". (البخاري 3/7 كتاب العمرة، باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو) . و4/61 كتاب الجهاد، باب ما يقول إذا رجع من الغزو. و5/93 كتاب المغازي، باب غزوة الخندق، و 8/69 كتاب الدعوات، باب الدعاء إذا أراد سفراً أو رجع. ومسلم 2/980 كتاب الحج، باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره. ورواه مالك في الموطأ 1/421 كتاب الحج، باب جامع الحج.
2 الواقدي: المغازي 3/936-937، وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/159 والزرقاني شرح المواهب 3/34 وانظر الحديث رقم (167) .
3 يحيى بن خلف الباهلي، أبو سلمة البصري، الجوباري - بجيم مضمومة وواو ساكنة ثم موحدة - صدوق من العاشرة (ت 242) /م د ت ق (التقريب 2/346 وتهذيب التهذيب 11/204) .
4 عبد الوهاب ثقة، وعبد الله بن عثمان صدوق، وقد تقدمت ترجمتها في حديث (164) .
5 الترمذي: السنن 5/385-386 كتاب المناقب، باب في ثقيف وبني حنيفة.(1/341)
وقد تابعه عبد الرحمن1 بن سابط عند أحمد، ولكنه لم يسمع من جابر، كما قال ابن معين2.
وهذا سياق حديث أحمد المشار إليه قال:
حدثنا محمد3 بن الصباح ثنا إسماعيل4 بن زكريا عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط وأبي الزبير عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهد ثقيفاً".
قال عبد الله5: "وسمعته أنا من محمد بن الصباح، فذكر مثله"6.
وهذه المتابعة لا تجدي شيئا لأن عبد الرحمن بن سابط لم يسمع من جابر فيكون الحديث منقطعا.
وأورد الذهبي هذا الحديث في ترجمة إسماعيل بن زكريا ثم قال: تفرد به عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم7.
والحديث رواه ابن أبي شيبة عن عبد الوهاب الثقفي عن عبد الله ابن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير مرسلاً8.
____________________
1 عبد الرحمن بن سابط، ويقال عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط وهو الصحيح ثقة كثير الإرسال من الثالثة (ت 118) م د ت س ق (التقريب 1/480 وتهذيب التهذيب 6/180) .
2 حاشية مشكاة المصابيح 3/1690 وحاشية فقه السيرة للغزالي ص 432 ودفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على البوطي 7-8 و34-35 وانظر: تهذيب التهذيب 6/180.
3 محمد بن الصباح الدولابي، أبو جعفر البغدادي، صاحب السنن- ثقة حافظ، من العاشرة (ت 227) /ع (التقريب 2/171 وتهذيب التهذيب 9/229) .
4 إسماعيل بن زكريا بن مرة، الخلقاني - بضم المعجمة وسكون اللام بعدها قاف- أبو زياد الكوفي، لقبه شقوصا- بفتح المعجمة وضم القاف الخفيفة وبالمهملة - صدوق يخطئ قليلا، من الثامنة (ت 174 وقيل قبلها) / ع (المصدر السابق 1/69و1/297 وتاريخ بغداد 6/218 وميزان الاعتدال 1/229) . وقد وقع في التقريب أن وفاة إسماعيل 94 أي بعد المائة وهو خطأ.
5 عبد الله هو ابن أحمد بن حنبل.
6 مسند أحمد 3/343.
7 ميزان الاعتدال 1/228-229.
8 تاريخ ابن أبي شيبة ص 85و86 ب رقم 665 وانظر حديث رقم (164) .(1/342)
وأخرج البيهقي عن عروة بن الزبير مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا حين ركب فقال: "اللهم أهدهم واكفنا مؤنتهم" 1.
والخلاصة أن الدعاء لثقيف رواه ابن سعد من مرسل الحسن البصري2 وساقه مرة أخرى بدون إسناد، ورواه الترمذي وأحمد مسندا من حديث أبي الزبير، ورواه عنه ابن أبي شيبة مرسلاً.
وأبو الزبير مدلس وقد عنعن3.
وتابعه عبد الرحمن بن سابط عند أحمد، ولكن جزم ابن معين بأن عبد الرحمن لم يسمع من جابر، فيكون الحديث منقطعا.
وساقه ابن إسحاق بدون إسناد4.
ورواه البيهقي من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة مرسلا. وفيه أيضا أبو علاثة5.
فالحديث له ثلاث طرق: طريق أبي الزبير وقد عنعن وهو مدلس.
وابن إسحاق ساقه بدون إسناد، وهو من صغار التابعين فيكون الحديث معضلا. وطريق البيهقي، وفيها الإرسال، وراو لم توجد ترجمته. وطريق ابن سعد من مرسل الحسن البصري، ومرسله ضعيف عند العلماء، فالحديث بجميع طرقه ضعيف.
وهذه الآثار تدل على رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم وشفقته، حتى مع ألد أعدائه حيث طلب منه الصحابة أن يدعو على ثقيف. فدعا لهم بالهداية وقد استجاب الله دعاءه وجاءوا مسلمين بعد ذلك بدون عناء أو مشقة.
____________________
1 دلائل النبوة 3/49 ب وانظر حديث (138) .
2 تقدم الحديث برقم (167) .
3 وقد وضعه ابن حجر في المرتبة الثالثة من مراتب المدلسين وهذه المرتبة لمن أكثر من التدليس ولم يحتج من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقا، ومنهم من قبلهم. (انظر: طبقات المدلسين ص 7و 32) .
4 سيرة ابن هشام 2/488 والبداية والنهاية لابن كثير 4/350 و352 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/33و35 و4/6.
5 هو محمد بن عمرو بن خالد الحراني، لم أجد ترجمته.(1/343)
وقد ذكر ابن إسحاق أن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من الطائف كانت على دحنا1 حتى نزل الجعرانة فيمن معه من الناس، وكان بها سبي هوازن 2.
وعند الواقدي فأخذ على دحنا ثم على قرن المنازل، ثم على نخلة حتى خرج إلى الجعرانة3.
171- وأخرج الطبري من طريق ابن إسحاق عن عبد الله 4 بن أبي بكر أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد معه حنينا قال: والله إني لأسير إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة لي، وفي رجلي نعل غليظة إذا زحمت ناقتي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقع حرف نعلي على ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوجعه، قال: فقرع قدمي بالسوط، وقال: "أوجعتني فتأخر عني فانصرفت"، فلما كان الغد إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمسني، وقال: قلت: هذا والله لما كنت أصبت من رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمس، قال: فجئته وأنا أتوقع فقال لي: "إنك قد أصبت رجلي بالأمس، فأوجعتني فقرعت قدمك بالسوط، فدعوتك لأعوضك منها، فأعطاني ثمانين نعجة، بالضربة التي ضربني" 5.
والحديث فيه عنعنة ابن إسحاق، وفيه انقطاع فإن عبد الله بن أبي بكر لم أجد في ترجمته أنه روى عن أحد من الصحابة سوى أنس بن مالك.
وعند الواقدي وابن سعد نحو هذه القصة6 وأن صاحبها هو أبو رهم7 الغفاري، لكن ذكر ابن عبد البر وابن الأثير وابن حجر: "أن أبا رهم الغفاري
____________________
1 دحنا - بفتح أوله وسكون ثانية، ونون، يروى مقصورا وممدودا، وهي من مخاليف الطائف (معجم البلدان 2/444) .
2 سيرة ابن هشام 2/488 وتاريخ الرسل والملوك 3/86 والروض الأنف 7/241.
3 مغازي الواقدي 3/939.
4 عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، المدني، ثقة من الخامسة (ت 135) / ع (التقريب 1/405، وتهذيب التهذيب 5/164) .
5 الطبري: تاريخ الرسل ة الملوك 3/93.
6 مغازي الواقدي 3/939 والطبقات الكبرى لابن سعد 4/244.
7 هو كلثوم بن الحصين أبو رهم - بضم الراء - صحابي مشهور من أصحاب الشجرة أسلم قديما وشهد أحد واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة مرتين، مرة في عمرة القضاء، ومرة في غزوة الفتح في خروجه إلى مكة وحنين والطائف فلم يزل أميرا عليها حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف (الاستيعاب 3/316 و4/69 مع الإصابة، وأسد الغابة:4/493و6/117، والإصابة 4/70-71 والتقريب 2/136، وتهذيب التهذيب 8/443) .(1/344)
استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة عند خروجه إلى غزوة الفتح فلم يزل عليها حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطائف"1.
وقد حصلت نحو هذه القصة لأبي رهم ولكن في غزوة تبوك جاء ذلك عند الإمام أحمد في مسنده ولفظه:
172- قال أبو رهم الغفاري: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فلما فصل سرى ليلة فسرت قريبا منه وألقي علي النعاس فطفقت أستيقظ وقد دنت راحلتي من راحلته فيفزعني دنوها خشية أن أصيب رجله في الغرز فأوخر راحلتي حتى غلبتني عيني نصف الليل فركبت راحلتي راحلته ورجل النبي صلى الله عليه وسلم في الغرز فأصابت رجله فلم أستيقظ إلا بقوله حس2، فرفعت رأسي، فقلت: استغفر لي يا رسول الله" الحديث3.
والحديث ضعيف لأن فيه ابن أخي أبي رهم4.
وعند الواقدي أيضا أن مثل هذا حصل لعبد الله بن أبي حدرد في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى الجعرانة، فقال: وكان عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي يقول: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرة وهو يحادثني، فجعلت ناقتي تلصق بناقته، وكانت ناقتي شهمة 5 فجعلت أريد أن أنحيها فلا تطاوعني، فلصقت بناقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصيبت رجله فقال: "أخ6! أوجعتني! فرفع رجله من الغرز7 كأنها جمارة، ودفع رجلي بمحجن في يده، فمكث ساعة لا يتحدث، فوالله ما نزلت حتى ظننت أن سينْزل في عذاب".
____________________
1 انظر المصادر السابقة.
2 حس - بكسر السين والتشديد، وفتح الحاء المهملة - كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مضة أو أحرقه غفلة، كالجمرة والضربة ونحوهما. (النهاية في غريب الحديث 1/385) .
3 مسند أحمد 4/349-350.
4 قال عنه ابن حجر في التقريب 2/534 ابن أخي أبي رهم "مقبول" من شيوخ الزهري، من السادسة / ع وانظر تهذيب التهذيب 12/318.
5 شهمة: أي جلدة (مختار الصحاح ص 350) .
6 أخ: بفتح الهمزة وسكون الخاء: كلمة تكره وتأوه (القاموس المحيط 1/256) .
7 الغرز: ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب، وقيل: هو الكور مطلقا مثل الركاب للسرج.
والجمارة: قلب النخلة وشحمها شبه ساقه صلى الله عليه وسلم ببياضها، والمحجن: عصا معقفة الرأس (النهاية في غريب الحديث 1/294و347، 3/359) .(1/345)
قال: فلما نزلنا قلت لأصحابي: إني أرعى لكم! ولم يكن ذلك يوم رعيتي، فلما أرحت الظهر عليهم قلت: هل جاء أحد يبغيني؟
فقالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يبغيك، فقلت في نفسي: هي والله هي! قلت: من جاء؟
قالوا رجل من الأنصار، قال: فكان أكره إلي وذلك أن الأنصار كانت فيهم علينا غلظة، قال: ثم جاء بعد رجل من قريش يبتغيني، قال: فخرجت خائفا حتى واجهت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يبتسم في وجهي وقال: أوجعتك بمحجني البارحة، ثم قال: خذ هذه القطة من الغنم، قال: فأخذتها فوجدتها ثمانين شاة ضائنة1.
ثم قال الواقدي أيضا: وكان أبو زرعة2 الجهني يقول: "لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يركب من قرن راحلته القصواء وطئت له على يديها، والزمام في يدي مطوى، فركب على الرحل وناولته الزمام، ودرت من خلفه فخلف الناقة بالسوط كل ذلك يصيبني، فالتفت إلي فقال: أصابك السوط؟ قلت: نعم بأبي وأمي! قال: فلما نزل الجعرانة إذا ربضة3 من الغنم ناحية من الغنائم فسأل عنها صاحب الغنائم فخبره عنها بشيء لا أحفظه، ثم صاح: أين أبو زرعة؟ قال: قلت: ها أنا ذا! قال: خذ هذه الغنم بالذي أصابك من السوط أمس، قال: فعددتها فوجدتها عشرين ومائة رأس، قال: فتأثلت4 بها مالاً5.
173- وعند الواقدي أيضا من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: اعترض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أسلم معه غنم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فقال: يا رسول الله، هذه هدية قد أهديتها لك، قال: وممن أنت؟
قال: رجل من أسلم، قال: إني لا أقبل هدية مشرك، قال: يا رسول الله إني مؤمن بالله وبرسوله قد سقت الصدقة إلى بريدة بن الحصيب لما لي بعينه مصدقا،
____________________
1 مغازي الواقدي 3/939-940 وقوله: شاة ضائنة: أي من الضأن وهي الشاة من الغنم، وهي خلاف المعز (النهاية لابن الأثير 3/69) .
2 هو: معبد بن خالد الجهني أبو زرعة (انظر الإصابة 3/439) .
3 الربضة - بكسر الراء وسكون الموحدة: الجماعة من الغنم والناس، والأصل للغنم. (لسان العرب9/9) .
4 تأثل مالا: اكتسبه واتخذه وثمره (المصدر السابق13/8) .
5 مغازي الواقدي 3/940.(1/346)
قال: وأقبل بريدة فلحق النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: صدق يا رسول الله، هذا من قومي شريف ينزل بالصفاح1، قال: فما أقدمك إلى نخلة؟ قال: هي أمرع2 من الصفاح اليوم، ثم قال: نحن على ظهر كما ترى، فالحقنا بالجعرانة، قال: فخرج يعدو عراض3 ناقة رسول الله وهو يقول: يا رسول الله، فأسوق الغنم معي إلى الجعرانة؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسقها، ولكن تقدم علينا الجعرانة فنعطيك غنما أخرى إن شاء الله. قال: يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا في عطن4 الإبل، أفأ صلي فيه؟ قال: لا، قال: فتدركني وأنا في مراح5 الغنم، فأصلي فيه؟ قال: نعم، قال: يا رسول الله، ربما تباعد منا الماء ومع الرجل زوجته فيدنو منها؟
____________________
1 الصفاح - بالكسر وآخره حاء مهملة: موضع بين حنين وأنصاب الحرم على يسرة الداخل إلى مكة من مشاش (معجم البلدان 3/412) .
وقال عاتق البلادي: "الصفاح: أرض خارج حدود الحرم على طريق العراق، إذا خرجت من أنصاب الحرم متجاوزا ثنية خل سرت فيها، وهي جرد أبيض سيله جنوبا إلى المغمس ثم عرنة، ويشرف عليها من الشمال جبل الستار ويغذيها بقسم كبير من مياهه". (معالم مكة المكرمة التاريخية والأثرية ص 153) .
2 أمرع الوادي: اكلأ، والمريع: الخصيب المكلئ، كالمراع، جمع أمرع وأمراع، ومرع الوادي مثلثة الراء مراعة أكلأ كأمرع (مختار الصحاح ص 622 والقاموس المحيط 3/84 والمعجم الوسيط 2/861) .
3 عراض: بكسر المهملة أي يسير حذاءه معارضا له (النهاية 3/211) .
4 العطن: بالتحريك مبرك الإبل حول الحوض، ومربض الغنم حول الماء لتعاد للشرب مرة ثانية (النهاية 3/258 والقاموس المحيط 4/248) .
5 المراح: بضم الميم: حيث تأوى إليه الماشية بالليل، مختار الصحاح ص 262، والمصباح المنير 1/288-289) .
وقد جاء الأمر بالصلاة في مرابض الغنم والنهي عنها في أعطان الإبل، في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل". أخرجه الترمذي في سننه 1/217-218 كتاب الصلاة وقال: حسن صحيح.(1/347)
ق ال: نعم، ويتيمم1، قال: يا رسول الله، وتكون فينا الحائض، قال: تيمم، قال: فلحق النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فأعطاه مائة شاة2.
موقف سراقة
وكان ممن اعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى الجعرانة: سراقة بن مالك بن جعشم وكان معه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه له في أثناء هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، توضح ذلك الأحاديث الآتية:
174- قال الواقدي: وقال سراقة3 بن جعشم: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منحدر من الطائف إلى الجعرانة، فتحصلت4، والناس يمضون أمامه أرسالاً5، فوقعت في مقنب6 من خيل الأنصار فجعلوا يقرعوني7 بالرماح ويقولون: إليك! إليك! ما أنت؟
وأنكروني، حتى إذا دنوت وعرفت أنه يسمع صوتي أخذت الكتاب الذي كتبه
____________________
1 وقد جاء في حديث أبي ذر الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير". رواه الترمذي 1/81 كتاب الطهارة، باب التيمم للجنب وصححه.
2 مغازي الواقدي 3/941-942.
3 سراقة بن مالك بن جعشم - بضم الجيم والمعجمة بينهما عين مهملة - ابن مالك ابن عمرو بن تيم بن مدلج - بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام آخره جيم - ابن مرة بن مناة بن كنانة الكناني المدلجي يكنى أبا سفيان صحابي مشهور كان ينزل قديدا، كان من مسلمة الفتح كذا ذكره ابن حجر، وعند ابن إسحاق أنه أسلم في الجعرانة. مات سراقة سنة 24 في خلافة عثمان وقيل بعد عثمان. (الطبقات الكبرى لابن سعد 1/188و232 و 5/90 والاستيعاب لابن عبد البر 2/119 مع الإصابة، وأسد الغابة لابن الأثير 2/331) . التقريب 1/284 وتهذيب التهذيب 3/456 والإصابة 2/19 كلها لابن حجر.
4 تحصل: تجمع وثبت. (القاموس المحيط 3/357) .
5 أرسالاً: أفواجا وفرقا متقطعة يتبع بعضهم بعضا، واحدهم رسل: بفتح الراء والسين. (النهاية لابن الأثير 2/222) .
6 مقنب: بكسر أوله: جماعة الخيل والفرسان (المصدر السابق 4/111) .
7 يقرعوني بالرماح: القرع الضرب بالسوط ونحوه (المصدر السابق 4/43) .(1/348)
أبو بكر، فجعلته بين أصبعين من أصابعي، ثم رفعت يدي وناديت: أنا سراقة بن جعشم، وهذا كتابي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم وفاء، أدنوه! فأدنيت منه، فكأني أنظر إلى ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرزة كأنها جمارة، فلما انتهيت إليه سلمت، وسقت إليه الصدقة فما ذكرت شيئا أسأله عنه إلا أني قلت: يا رسول الله، أرأيت الضالة من الإبل تغشى حياضى وقد ملأتها لإبلي، هل لي من أجر إن أسقيتها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، في كل ذات كبد حرى1 أجر" 2.
وذكر ابن إسحاق هذه القصة في سياق حديث الهجرة، وبين أن مجيء سراقة وإسلامه كان في الجعرانة، وأنه بعد ذلك رجع إلى قومه وساق صدقته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
175- وهذا سياقه: قال: حدثني الزهري أن عبد الرحمن3 بن مالك بن جعشم حدثه عن أبيه4، عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم قال: "لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة، جعلت قريش فيه مئة ناقة لمن رده عليهم".
قال: "فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا، حتى وقف علينا فقال: والله لقد رأيت ركبة5 ثلاثة مروا آنفا، وأني لأراهم محمدا وأصحابه، قال: فأومأت
____________________
1 حرى: بفتح أوله بوزن فعلى. والمعنى: أن في سقي كل ذي كبد حرى أجرا (النهاية 1/364) .
2 مغازي الواقدي: 3/941.
3 عبد الرحمن بن مالك بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو بن المدلجى وثقه النسائي وابن حبان، من الثالثة/خ ق (التقريب1/496 وتهذيب التهذيب6/263 وقال ابن هشام: هو عبد الرحمن بن الحارث بن مالك بن جعشم (1/491) .
4 مالك بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو المدلجي، وأكثر ما يأتي منسوبا إلى جده، ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وهو أخو سراقة الصحابي، قال ابن حجر: وأبوه مالك بن جعشم لم أر من ذكره في الصحابة، فالظاهر أنه مات في الجاهلية فيكون لمالك بن مالك إدراك، إن لم يكن له صحبة.
أخرج له خ ق (التقريب 2/226 وتهذيب التهذيب 10/21 والإصابة 3/485) .
5 ركبة: بالتحريك، أقل من الركب، والركب من أسماء الجمع، كنفر ورهط (النهاية 2/256و257) .(1/349)
إليه بعيني: أن أسكت، ثم قلت: إنما هم بنو فلان، يبتغون ضالة لهم، قال: لعله، ثم سكت، قال: ثم مكثت قليلا ثم قمت فدخلت بيتي، ثم أمرت بفرسي، فقيد لي إلى بطن الوادي، وأمرت بسلاحي فأخرج لي من دبر حجرتي، ثم أخذت قداحي1 التي استقسم بها، ثم انطلقت فلبست لأمتي2. ثم أخرجت قداحي، فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره "لا يضره"3 قال: وكنت أرجوا لأن أرده4 على قريش، فآخذ المائة الناقة قال: فركبت على أثره، فبينا فرسي يشتد بي عثر بي فسقطت عنه قال: فقلت: ما هذا؟
قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره "لا يضره" قال: فأبيت إلا أن أتبعه، قال: فركبت في أثره فبينا فرسي يشتد بي عثر بي، فسقطت عنه، قال: فقلت: ما هذا؟ قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره "لا يضره" قال: فأبيت إلا أن أتبعه، فركبت في أثره فلما بدا لي القوم ورأيتهم، عثر بي فرسي، فذهبت يداه في الأرض، وسقطت عنه، ثم انتزع يديه من الأرض، وتبعتهما دخان كالإعصار5، قال: فعرفت حين رأيت ذلك أنه ظاهر، قال: فناديت القوم: فقلت: أنا سراقة بن جعشم، انظروني أكلمكم، فوالله لا أريبكم ولا يأتيكم من شيء تكرهونه، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "قل له: وما تبتغي منا؟ "
____________________
1 القداح - بكسر أوله: جمع قدح، بكسر أوّله وسكون ثانيه، والاستقسام: طلب الذي قسم له وقدر مما لم يقسم ولم يقدر، وهو استفعال منه، وكانوا في الجاهلية، إذا أراد أحدهم سفرا أو تزويجا، أو نحو ذلك من المهام ضرب بالأزلام وهي القداح، وكان على بعضها مكتوب: أمرني ربي وعلى الآخر: نهاني ربي، وعلى الآخر غفل. فإن خرج "أمرني" مضى لشأنه، وإن خرج "نهاني" أمسك، وإن خرج "الغفل" عاد، وأجالها وضرب بها أخرى إلى أن يخرج الأمر والنهي (المصدر السابق 2/311 و 4/20و63) .
2 اللأمة مهموزة: الدرع، وقيل السلاح، ولأمه الحرب أداته، وقد يترك الهمز تخفيفا (المصدر السابق 4/220) .
3 لا يضره: أي السهم المكتوب فيه هذه الكلمة.
4 في شرح المواهب: تعرض لهم بعد رواحهم من عند أم معبد، وذكر ابن سعد أن ذلك كان في قديد وكان يوم الثلاثاء. (شرح المواهب اللدنية 1/346 والطبقات الكبرى لابن سعد 1/232) .
5 الإعصار: ريح معها غبار شديد. (القاموس المحيط 2/90) .(1/350)
قال: فقال ذلك أبو بكر1، قال: قلت: تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك، قال: اكتب له يا أبا بكر، قال: فكتب لي كتابا في عظم، أو في رقعة2، أو في خزفة3 ثم ألقاه إليّ، فأخذته، فجعلته في كنانتي4، ثم رجعت، فسكت فلم أذكر شيئا مما كان حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرغ من حنين والطائف، خرجت ومعي الكتاب لألقاه فلقيته، قال: فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار، قال: فجعلوا يقرعونني بالرماح، ويقولون إليك! إليك! ماذا تريد؟
قال: فدنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته، والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة، قال: فرفعت يدي بالكتاب، ثم قلت يا رسول الله، هذا كتابك لي، أنا سراقة بن جعشم، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم وفاء وبر، أدنه"، قال: فدنوت منه، فأسلمت. ثم تذكرت شيئا أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فما أذكره، إلا أني قلت: "يا رسول الله، الضالة5 من الإبل تغشى حياضي، وقد ملأتها لإبلي، هل لي من أجر في أن أسقيها؟ قال: "نعم، في كل ذات كبد حرى أجر".
ثم رجعت إلى قومي، فسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي6.
والحديث رواه موسى بن عقبة فقال: حدثنا ابن شهاب قال: حدثني عبد الرحمن بن مالك بن جعشم المدلجي أن أباه مالكا أخبره أن أخاه سراقة بن جعشم
____________________
1 عند ابن إسحاق والواقدي: "أن الذي كتب لسراقة هو أبو بكر الصديق".
وعند البخاري: "أنه عامر بن فهيرة" قال الزرقاني: "والجمع بين هذا أن عامراً لما كتب طلب سراقة كتابة أبي بكر الصديق لشهرته وعظمته". (شرح المواهب 1/348) .
2 الرقعة: بالضم المراد بها هنا قطعة من أدم كما جاء عند البخاري.
3 الخزف، محركة: كل ما عمل من طين وشوى بالنار حتى تكون فخارا. (القاموس المحيط 3/132) .
4 الكنانة: بالكسر: الجعبة التي يجعل فيها السهام. (النهاية 1/274، القاموس المحيط 4/264) .
5 هذا الجزء من الحديث رواه ابن ماجه من طريق ابن إسحاق، وأحمد من طريق ابن إسحاق أيضا ومن طريق معمر عن الزهري (سنن ابن ماجه: 2/1215 كتاب الأدب، باب فضل صدقة الماء، مسند أحمد: 4/175) .
(سيرة ابن هشام 1/489-491) .(1/351)
أخبره "أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة جعلت قريش لمن رده عليهم مائة ناقة" الحديث1.
وأخرج الحميدي هذا الحديث مختصرا في قدوم سراقة إلى الجعرانة وسؤاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا سياقه:
حدثنا سفيان قال: سمعت الزهري يخبر عن ابن سراقة2 أو ابن أخي سراقة عن سراقة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فلم أدر ما أسأله عنه. فقلت: يا رسول الله إني أملأ حوضي أنتظر ظهري يرد علي فتجيء البهمة3 فتشرب فهل لي من أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لك في كل كبد حرى أجر"
قال سفيان: "هذا الذي حفظت عن الزهري، واختلط علي من أوله شيء فأخبرني وائل بن داود عن الزهري بعض هذا الكلام لا أخلص ما حفظت من الزهري وما أخبرنيه وائل، قال سراقة: أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة فجعلت لا أمر على مقنب من مقانب الأنصار إلاّ قرعوا رأسي، وقالوا: إليك! إليك! فلما انتهيت إليه، رفعت الكتاب، وقلت: أنا يا رسول الله قال: وقد كان كتب لي أمانا في رقعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم، اليوم يوم وفاء وبر وصدق" 4.
وقصة تفاصيل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعرض سراقة له أثناء الهجرة ومحاولته القبض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبه في نهاية الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب أمن، ثابت في صحيح البخاري من حديث عائشة (دون مجيء سراقة إلى الجعرانة) 5.
__________
1 البيهقي: دلائل النبوة 2/219-221 وحصل خطأ مطبعي في الدلائل وهو: حتى إذا فتح الله مكة وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل "خيبر" والصواب: من أهل حنين لأن خيبر فتحت قبل فتح مكة.
2 ابن سراقة: هو محمد بن سراقة (ذكره ابن الأثير وابن حجر في ترجمة والده ولم أجد ترجمته، والحديث رواه ابن إسحاق وموسى بن عقبة كلاهما عن الزهري عن ابن أخي سراقة بن مالك وهو عبد الرحمن بن مالك، ورواه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فقال: عن ابن أخي سراقة، والبخاري عن عقيل عن الزهري، فقد رواه عن الزهري بدون شك ابن إسحاق وموسى بن عقبة ومعمر وعقيل.
3 البهمة: هي ولد الضأن الذكر والأنثى، والجمع بهم (النهاية 1/168) وقال حبيب الرحمن الأعظمي المحقق لمسند الحميدي، وفي نسخة (ظ) بهيمة، قلت: وهذه اللفظة أشمل ولعلها أرجح من لفظ (بهمة) وذلك لأن في حديث ابن إسحاق وموسى بن عقبة فتأتي الضالة من الإبل، والإبل لا تدخل في لفظ بهمة، وتدخل في لفظ بهيمة؛ لأن البهيمة كل ذات أربع قوائم ولو في الماء، أو كل حيى لا يميز جمع بهائم. (القاموس المحيط 4/82 والمصباح المنير 1/81) .
4 الحميدي: المسند 2/401وأحمد: المسند 4/175.
5 البخاري: الصحيح5/49-52 كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.(1/352)
الفصل الثالث: في تقسيم الغنائم
المبحث الأول: الفرق بين الغنيمة والفيئ والنفل
...
المبحث الأول: الفرق بين الغنيمة والفيء والنفل
ذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الألفاظ الثلاثة لا فرق بينها في أصل اللغة وأنها تلتقي وتجتمع في مطلق الزيادة والرجوع، وذلك أن الغنيمة في أصل اللغة: زيادة وعطية من الله عز وجل لهذه الأمة على ما هو أصل الأجر والثواب للمجاهد، أو أنها زيادة لهذه الأمة بعد أن كانت الغنائم محرمة على غيرها من الأمم الماضية".
ويشهد لهذا ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:
176- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي" الحديث.
وفيه: "وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي" 1.
____________________
1 البخاري: الصحيح 1/62-63 كتاب التيمم، باب قول الله تعالى (فلم تجدوا ماء، الخ) و79-80 باب وجعلت لي الأرض مسجدا وطهوراً. ومسلم: الصحيح 1/370 كتاب المساجد ومواضع الصلاة.(1/353)
والفيء: مأخوذ من فاء يفيء إذا رجع كأنه في الأصل للمسلمين فرجع إليهم، وهو الغنيمة شيء واحد، فجميع ما أخذ من الكفار على أي وجه كان يسمى غنيمة وفيئا.
والنفل: بالتحريك - الغنيمة والهبة والتطوع، وجمعه أنفال، ونفال، والنفل - بالسكون وقد تحرك - معناه الزيادة. وهي زيادة عما فرضه الله تعالى، ومنه قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} ، [سورة الإسراء، الآية: 79] .
فسمى سبحانه صلاة التطوع نافلة، لأنها زيادة أجر لهم على ما كتب لهم من ثواب ما فرض عليهم1.
والفرق بين هذه الألفاظ الثلاثة إنما هو في الاصطلاح الشرعي ذلك أن الغنيمة في الاصطلاح هي المال المأخوذ من الكفار بايجاف 2 الخيل والركاب.
قال القرطبي: "واعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} ، [سورة الأنفال، من الآية:41] .
مال الكفار: إذا ظفر المسلمون على وجه الغلبة والقهر، ولا يقتضي اللغة هذا التخصيص، ولكن عرف الشرع قيد بهذا اللفظ النوع".
ثم قال: "وقد سمى الشرع الواصل من الكفار إلينا من الأموال باسمين: غنيمة، وفيئا.
فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب يسمى غنيمة، لزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفا.
____________________
1 كتاب الأموال لأبي عبيد ص 428 و430 والنهاية لابن الأثير 3/389-390 و482 و5/99، ولسان العرب لابن منظور1/119 و121 و122 و14/194-196 و15/342 والقاموس المحيط، للفيروزآبادي1/24 و4/59 و158 والمصباح المنير للفيومي 2/545 و757 ومختار الصحاح لأبي بكر الرازي ص: 482 و516 و674، وفتح الباري: 6/239 و8/47-48، وهدي الساري ص 196 و197 كلاهما لابن حجر.
2 الإيجاف: سرعة السير، والركاب: ككتاب: الإبل التي يسار عليها، واحدها راحلة ولا واحد لها من لفظها، وجمعها: ركب بضم الكاف، ككتب وركا بات وركائب. (لسان العرب لابن منظور1/414 و11/267-368) والقاموس المحيط للفيروز آبادي 1/75 و3/303.(1/354)
والفيء: مأخوذ من فاء يفيء إذا رجع، وهو كل مال دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف"1.
وقال محمد الأمين الشنقيطي: "اعلم أن أكثر العلماء: فرقوا بين الفيء والغنيمة. فقالوا: الفيء ما يسره الله للمسلمين من أموال الكفار من غير انتزاعه منهم بالقهر، كفيء بني النضير.
وأما الغنيمة: فهي ما انتزعه المسلمون من الكفار بالغلبة والقهر، وهذا التفريق يفهم من قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} الآية مع قوله: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} ، [سورة الحشر، الآية: 6] .
فإن قوله تعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ} الآية. ظاهر في أنه يراد به بيان ما أوجفوا عليه، وما لم يوجفوا عليه كما ترى.
ثم قال رحمه الله: وعلى هذا القول فلا إشكال في الآيات، لأن آية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} ذكر فيها حكم الغنيمة، وآية {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِه} ذكر فيها حكم الفيء.
وأشير لوجه الفرق بين المسألتين بقوله: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} أي فكيف يكون غنيمة لكم، وأنتم لم تتعبوا فيه ولم تنتزعوه بالقوة من مالكيه، ثم قال: وقال بعض العلماء، إن الغنيمة والفيء شيء واحد، فجميع ما أخذ من الكفار على أي وجه كان غنيمة وفيئا، وهذا قول قتادة رحمه الله، وهو المعروف في اللغة والعرب تطلق اسم الفيء على الغنيمة2.
ثم قال: ولكن الاصطلاح المشهور عند العلماء هو ما قدمنا من الفرق بينهما وتدل له آية الحشر المتقدمة.
____________________
1 الجامع لأحكام القرآن 8/1-2 والفتاوى لابن تيمية 28/269 و562، وتفسير ابن كثير 2/284 و310 وتكملة المجموع 18/136 لمحمد حسين العقبي وأضواء البيان للشنقيطي2/352، وروائع البيان للصابوني1/588 وفتح القدير للشوكاني: 2/309، وجامع البيان للطبري 9/171 و10/2.
2 ومنه قول مهلهل بن ربيعة التغلبي:
فلا وأبي جليلة ما أفأنا
من النعم المؤبل من بعير
ولكنا نهكنا القوم ضربا
على الأثباج منهم والنحور
يعني أنهم لم يشتغلوا بسوق الغنائم ولكن بقتل الرجال، فقوله: أفأنا يعني غنمنا. (أضواء البيان 2/353) .(1/355)
وعلى القول قتادة: فآية الحشر مشكلة مع آية الأنفال، ولأجل ذلك الإشكال قال قتادة: إن آية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} ناسخة لآية {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِه} وهذا القول الذي ذهب إليه باطل بلا شكّ، ولم يلجئ قتادة إلى هذا القول إلاّ دعواه اتحاد الفيء والغنيمة، فلو فرق بينهما كما فعل غيره، لعلم أن آية الأنفال في (الغنيمة) وآية الحشر في (الفيء) ولا إشكال.
ووجه بطلان قول قتادة المذكور:
أن آية: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} نزلت بعد وقعة بدر، قبل قسم غنيمة بدر، بدليل حديث علي - رضي الله عنه - الثابت في صحيح مسلم1 الدال على أن غنائم بدر خمست، وآية التخميس التي شرعه الله بها هذه.
وإما آية الحشر فهي نازلة في غزوة بني النضير بإطباق العلماء، وغزوة بني النضير بعد غزوة بدر بإجماع المسلمين.
ولا منازعة فيه البتة، فظهر من هذا عدم صحة قول قتادة - رحمه الله - تعالى وقد ظهر لك أنه على القول بالفرق بين الغنيمة والفيء لا إشكال في الآية، وكذلك على قول من يرى أمر الغنائم والفيء راجعا إلى نظر الإمام، فلا منافاة على قوله بين آية الحشر، وآية التخميس إذا رآه الإمام، والله أعلم2.
الفيء في الاصطلاح: "هو كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، كأموال بني النضير فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب".
أي: لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة، بل استسلم بنو النضير وصارت أموالهم فيئا أفاءه الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فتصرف فيه كما أمره الله سبحانه فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح العامة التي ذكرها الله في آيات سورة الحشر3.
____________________
1 انظر الحديث في صحيح مسلم 3/1568-1570 كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر الحديث مطول وفيه "أن عليا قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم، يوم بدر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا أخرى من الخمس يومئذ" والحديث أخرجه البخاري أيضا في 4/62 كتاب فرض الخمس، باب فرض الخمس.
2 أضواء البيان2/345و352-354 وانظر: فتح الباري6/198،وجامع بيان للطبري 10/1 و2.
3 انظر تفسير ابن كثير 4/335 ومجموع الفتاوى لابن تيمية 28/562 وفتح الباري لابن حجر 6/269. وأوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/321.(1/356)
وقد تقدم أن أكثر العلماء فرقوا بين الفيء والغنيمة، وأن الفيء: هو ما يسره الله للمسلمين من أموال الكفار من غير انتزاعه منهم بالقهر.
ومن العلماء من قال: إن الغنيمة والفيء شيء واحد، فجميع ما وصل إلينا من أموال الكفار على أي وجه كان يسمى فيئا وغنيمة.
والمشهور عند العلماء الفرق بينهما كما تقدم1.
والنفل في الاصطلاح هو: ما يعطيه الإمام لبعض الجيش دون بعض سوى سهامهم، يفعل ذلك بهم على قدر الغناء2 عن الإسلام والنكاية في العدو3.
177- وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى نجد فخرجت فيها، فأصبنا إبلا وغنما، فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرا، اثني عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيراً بعيراً" 4.
وعنه - رضي الله عنهما - "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش".
زاد مسلم: والخمس في ذلك واجب كله5.
قال أبو عبيد: "وفي هذا النفل الذي ينفله الإمام سنن أربع لكل واحدة منهن موضع غير موضع الأخرى:
فإحداهن: في النفل الذي لا خمس فيه.
____________________
1 انظر ص 355-357.
2 الغناء: بفتح الغين المعجمة، ممدودا، معناه النفع والكفاية (لسان العرب لابن منظور 19/376 وهدي الساري لابن حجر ص 164.
3 النكاية: هي كثرة القتل والجراح في العدو. (النهاية لابن الأثير 5/117 ولسان العرب لابن منظور 20/215 والقاموس المحيط للفيروز آبادي 4/397) .
4 البخاري: الصحيح 4/71 كتاب فرض الخمس، باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين إلخ.
و5/131 كتاب المغازي، باب السرية التي قبل نجد. ومسلم: الصحيح 3/1368-1369 كتاب الجهاد والسير، باب الأنفال.
قال النووي: "قوله (والخمس في ذلك واجب كله) . (كله) مجرور تأكيد لقوله (في ذلك) وهذا تصريح بوجوب الخمس في كل الغنائم ورد على من جهل فزعم أنه لا يجب، فاغتر به بعض الناس، وهذا مخالف للإجماع، وقد أوضحت ذلك في جزء جمعته في قسمة الغنائم إهـ.. (شرح النووي لصحيح مسلم 4/350) .
5 انظر: الحاشية السابقة.(1/357)
والثانية: في النفل الذي يكون من الغنيمة بعد إخراج الخمس.
والثالثة: في النفل الذي يكون من الخمس نفسه.
والرابعة: في النفل من جملة الغنيمة قبل أن يخمس منها شيء.
فأما الذي لا خمس فيه فإنه السلب، وذلك أن ينفرد الرجل بقتل المشرك فيكون له سلبه خالصا من غير أن يخمس أو يشركه فيه أحد من أهل العسكر.
وأما الذي يكون من الغنيمة بعد الخمس، فهو أن يوجه الإمام السرايا في أرض الحرب فتأتي بالغنائم، فيكون للسرية مما جاءت به الربع أو الثلث بعد الخمس.
وأما الثالث فأن تحاز الغنيمة كلها ثم تخمس، فإذا صار الخمس في يدي الإمام نفل منه على قدر ما يرى.
وأما الذي يكون من جملة الغنيمة، فما يعطي الأدلاء على عورة العدو1 ورعاء الماشية والسوق لها، وذلك أن هذا منفعة لأهل العسكر جميعا.
ثم قال: وفي كل ذلك أحاديث واختلاف.
ثم أورد الأدلة على كل مسألة من هذه المسائل المتقدمة"2.
وقال الطبري - بعد أن ذكر اختلاف العلماء في المعنى المراد من الأنفال في قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} ودليل كل - وأولى هذه الأقوال بالصواب في معنى الأنفال من قال: هي زيادات يزيدها الإمام بعض الجيش أو جميعهم، إما من سلبه على حقوقهم من القسمة، وإما مما وصل إليه بالنفل، أو ببعض أسبابه، ترغيبا له، وتحريضا لمن معه من جيشه، على ما فيه صلاحهم وصلاح المسلمين، أو صلاح أحد الفريقين، وقد يدخل في ذلك ما قال ابن عباس أنه الفرس والدرع ونحو ذلك 3.
____________________
1 يعني على كشف مواطن الضعف في العدو والأماكن التي يسهل الدخول عليه منها.
2 كتاب الأموال لأبي عبيد ص 430-431 و438 و444 و449.
3 انظر قول ابن عباس عند مالك في الموطأ 2/455 كتاب الجهاد، باب ما جاء في سلب في النفل والطبري في الجامع البيان 9/170 ولفظه عن القاسم بن محمد قال: سمعت رجلا سأل ابن عباس عن الأنفال، فقال ابن عباس: الفرس من النفل، والسلب من النفل، ثم عاد لمسألته، فقال ابن عباس ذلك أيضا، ثم قال الرجل: الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي؟
قال القاسم: "فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه فقال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه".(1/358)
ويدخل ما قاله عطاء من أن ذلك ما عاد من المشركين إلى المسلمين من عبد أو فرس1.
لأن ذلك أمره إلى الإمام إذا لم يكن ما وصلوا إليه لغلبة وقهر، يفعل ما فيه صلاح أهل الإسلام.
وقد يدخل فيه ما غلب عليه الجيش بقهر.
ثم قال: وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب، لأن النفل في كلام العرب، إنما هو الزيادة على الشيء، يقال منه نفلتك كذا وأنفلتك: إذا زدتك فإذا كان معناه ما ذكرنا، فكل من زيد من مقاتلة الجيش على سهمه من الغنيمة إن كان ذلك لبلاء أبلاه، أو لغناء كان منه عن المسلمين، بتنفيل الوالي ذلك إياه، فيصير حكم ذلك له كالسلب الذي يسلبه القاتل، فهو منفل ما زيد من ذلك لأن الزيادة وإن كانت مستوجبة في بعض الأحوال بحق، فليست من الغنيمة التي تقع فيها القسمة.
وكذلك كل ما رضخ لمن لا سهم له في الغنيمة فهو نفل، لأنه وإن كان مغلوبا عليه، فليس مما وقعت عليه القسمة، فالفصل إذا كان الأمر على ما وصفنا بين الغنيمة والنفل: أن الغنيمة هي ما أفاء الله على المسلمين من أموال المشركين بغلبة وقهر نفل منه منفل، أو لم ينفل.
والنفل: هو ما أعطيه الرجل على البلاء والغناء عن الجيش على غير قسمة2.
وبعد أن ذكرنا الفرق بين الغنيمة والفيء والنفل في الاصطلاح الشرعي يحسن بنا أن نذكر حكم كل من الغنيمة والفيء والنفل تكميلا للغرض المقصود من هذا المبحث.
فأقول: الغنائم قسمان: ثابت ومنقول ولكل منهما حكمه الخاص به.
فحكم الثابت كالأرض المفتوحة عنوة والعقار راجع إلى الإمام فهو بالخيار بين قسمها بين الغانمين وبين وقفها في مصالح المسلمين، أو قسم بعضها ووقف البعض، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنواع الثلاثة، فقسم قريظة والنضير، ولم يقسم
____________________
1 انظر: قول عطاء: في المصدر السابق 9/169-170 ولفظه عن عطاء بن أبي رباح في قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} قال: يسألونك فيما شذ من المشركين إلى المسلمين في غير قتال من دابة أو عبد، فهو نفل للنبي صلى الله عليه وسلم.
2 الطبري: جامع البيان 9/171.(1/359)
مكة، وقسم شطر خيبر وترك شطرها الآخر وهذا هو المشهور من أقوال العلماء أن الإمام مخير بين قسم الأراضي وبين وقفها إن رأى المصلحة في ذلك1.
وإن كانت منقولة فإن جمهور العلماء على أن للغانمين فيها أربعة أخماس وأنها ملك لهم تقسم بينهم للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم سهم له، وسهمان لفرسه.
وأن أصل الغنائم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة بقوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول} وأن هذه الآية منسوخة بآية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} . الآية.
قال القرطبي: "لما بين الله تعالى حكم الخمس وسكت عن الباقي، دل ذلك على أنه ملك للغانمين"2.
وقال ابن تيمية: "فالواجب في المغنم تخميسه، وصرف الخمس إلى من ذكره الله تعالى، وقسمة الباقي بين الغانمين".
قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "الغنيمة لمن شهد الوقعة، وهم الذين شهدوها للقتال، قاتلوا أولم يقاتلوا، ويجب قسمتها بينهم بالعدل، فلا يحابي أحد، لا لرياسته، ولا لنسبه، ولا لفضله، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يقسمونها، وما زالت الغنائم تقسم بين الغانمين في دولة بني أمية، ودولة بني العباس، لما كان المسلمون يغزون الروم والترك والبربر، ولكن يجوز للإمام أن ينفل من ظهر منه زيادة نكاية: كسرية تسرت من الجيش أو رجل صعد حصناً عالياً ففتحه، أو حمل على مقدم العدو فقتله، فهزم العدو ونحو ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه كانوا ينفلون لذلك"3.
وقال الشوكاني: "وقد ادعى ابن عبد البر الإجماع على أن آية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} بعد قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} وأن أربعة أخماس الغنيمة مقسومة على الغانمين.
____________________
1 انظر الفتاوى لابن تيمية 17/492 وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/328و329 ونيل الأوطار للشوكاني 8/16-17.
2 تفسير أبي السعود 5/23 وفتح الباري 6/198، وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/3.
3 الفتاوى 28/280-271و 29/316.(1/360)
وأن قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} نزلت حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر".
ثم قال الشوكاني: "وقد حكى الإجماع جماعة من أهل العلم على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين وممن حكى ذلك ابن المنذر1 وابن عبد البر والداودي2 والمازري3 والقاضي عياض وابن العربي"4.
والأحاديث الواردة في قسمة الغنيمة بين الغانمين، وكيفيتها كثيرة جدا وقال القرطبي: ولم يقل أحد فيما أعلم - أن قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} الآية، وناسخ لقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية. بل قال الجمهور: إن قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} ، ناسخ وهم الذين لا يجوز عليهم التحريف ولا تبديل لكتاب الله 5.
وقال محمد الأمين الشنقيطي: إعلم أن جماهير علماء المسلمين على أن أربعة أخماس الغنيمة للغزاة الذين غنموها، وليس للإمام أن يجعل تلك الغنيمة لغيرهم.
ويدل لهذا قوله تعالى: {غَنِمْتُمْ} فهو يدل على أنها غنيمة لهم، فلما قال: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} علمنا أن الأخماس الأربعة الباقية لهم لا لغيرهم، ونظير ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} أي: ولأبيه الثلثان الباقيان إجماعا، فكذلك قوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} أي: للغانمين ما بقي، وهذا القول هو الحق الذي لا شك فيه، ثم أشار إلى الإجماع الذي ذكره الشوكاني ثم قال: وخالف في ذلك بعض أهل العلم وهو قول كثير من المالكية، ونقله عنهم المازري أيضا قالوا: للإمام أن يصرف الغنيمة فيما يشاء من مصالح المسلمين ويمنع منها الغزاة الغانمين، واحتجوا
____________________
1 ابن المنذر: هو أبو بكر محمد بن إبراهيم تقدمت ترجمته في حديث (56) .
2 هو أبو الحسين عبد الرحمن بن محمد بن مظفر الداودي (374-467) هـ (فتح الباري 1/6 ومعجم المؤلفين لكحالة 5/192.
3 المازري هو أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازري الفقيه المالكي كان ثقة متقنا، شرح صحيح مسلم بكتاب سماه "المعلم بفوائد كتاب مسلم" (ت 536) (ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/285) .
4 هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الأشبيلي ابن العربي، العلامة الحافظ القاضي (468-543) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 4/1294-1298) .
5 فتح القدير للشوكاني 2/309 وانظر أوجز المسالك إلى موطأ مالك للكندهلوي 8/308، وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/2 و3.(1/361)
لذلك بأدلة منها قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول} الآية.
قالوا: الأنفال: الغنائم كلها، والآية محكمة لا منسوخة، احتجوا أيضا بما وقع في فتح مكة، وقصة حنين، قالوا: إنه صلى الله عليه وسلم فتح مكة عنوة ومن على أهلها فردها عليهم، ولم يجعلها غنيمة ولم يقسمها على الجيش، فلو كان قسم الأخماس الأربعة على الجيش واجبا لفعله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة.
وكذلك غنائم هوازن في غزوة حنين، أعطى منها عطايا عظيمة جدا، ولم يعط الأنصار منها مع أنهم من خيار المجاهدين، الغانمين معه صلى الله عليه وسلم، فلو كان يجب قسم الأخماس الأربعة على الجيش الذي غنمها لما وزعت الغنائم على غير الغانمين، ثم قال: وأجاب الجمهور عن هذه الاحتياجات بأن آية: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} منسوخة بآية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} .
وأما الجواب عما وقع في فتح مكة، فإن مكة وإن كانت فتحت عنوة على المشهور، فإنها ليست كغيرها من البلاد التي ليست لها هذه الحرمة.
وأما ما وقع في قصة حنين فالجواب عنه ظاهر، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم استطاب نفوس الغزاة عن الغنيمة ليؤلف بها قلوب المؤلفة قلوبهم لأجل المصلحة العامة للإسلام والمسلمين وقد عوضهم نفسه صلى الله عليه وسلم فإن الأنصار لما قالوا يمنعنا ويعطي قريشا وسيوفنا تقطر من دمائهم فجمعهم وكلمهم بقوله: "يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم" فرضي القوم وطابت نفوسهم، وقالوا: "رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا" 1
قال الشوكاني: "وليس لغيره صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا القول"2. وأجاب ابن تيمية عن هذا أيضا فقال: "ولو فتح الإمام بلدا وغلب على ظنه أن أهله يسلمون ويجاهدون جاز أن يمن عليهم بأنفسهم وأموالهم وأولادهم كما فعل صلى الله عليه وسلم بأهل مكة، فإنهم أسلموا
____________________
1 أضواء البيان 2/354، و356، و357، وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/3-4.
2 فتح القدير 2/309.(1/362)
كلهم بلا خلاف، بخلاف أهل خيبر فإنه لم يسلم أحد، فأولئك قسم أرضهم لنهم كانوا كفارا مصرين على الكفر، وهؤلاء تركها لهم لأنهم كلهم صاروا مسلمين، والمقصود بالجهاد أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم ليتألفهم على الإسلام، فكيف لا يتألفهم بإبقاء ديارهم وأموالهم"1.
والخلاصة أن القول الأرجح في هذا أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين الذين شهدوا الوقعة هذا إذا كانت الغنائم منقولة وأما غير المنقول، فيخير الإمام بين قسمها ووقفها، وهذا هو الظاهر من نصوص الشريعة، والله أعلم.
وأما الفيء:
فقد بين الله عز وجل حكمه ومصارفه في قوله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} . [سورة الحشر، الآيتان: 6و7] .
قال ابن كثير في شرح هذه الآيات: "يقول تعالى: مبينا ما الفيء وما صفته وما حكمه، فالفيء كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، كأموال بني النضير هذه فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، أي لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة، بل نزل أولئك من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفاء هـ الله على رسوله، ولهذا تصرف فيه كما يشاء فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله - عز وجل - في هذه الآيات، فقال تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} أي: من بني النضير، {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} يعني: الإبل {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي: هو قادر لا يغالب ولا يمانع بل هو القاهر لكل شيء ثم قال تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} أي: جميع البلدان التي تفتح هكذا فحكمها حكم أموال بني النضير ولهذا
____________________
1 الفتاوى 17/493.(1/363)
قال تعالى {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} إلى آخرها والتي بعدها فهذه مصارف أموال الفيء ووجوهه.
178- ثم قال: روى الإمام أحمد فقال: حدثنا سفيان عن عمرو ومعمر عن الزهري عن مالك1 بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف المسلمون بخيل أو ركاب، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة، وكان ينفق على أهله منها نفقة سنة، وقال مرة قوت سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل"2.
ثم قال: "هكذا أخرجه أحمد ههنا مختصرا، وقد أخرجه الجماعة3 في كتبهم إلا ابن ماجة من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري به"4.
وقال ابن حجر: "واختلف العلماء في مصرف الفيء، فقال مالك: الفيء والخمس سواء يجعلان في بيت المال ويعطى الإمام أقارب النبي صلى الله عليه وسلم بحسب اجتهاده".
وفرق الجمهور بين خمس الغنيمة وبين الفيء، فقالوا: الخمس موضوع فيما عينه الله فيه من الأصناف المسمين في آية الخمس من سورة الأنفال5، لا يتعدى به إلى غيرهم، وأما الفيء فهو الذي يرجع النظر في مصرفه إلى رأي الغمام بحسب المصلحة.
ثم قال: "انفرد الشافعي - كما قال ابن المنذر وغيره - بأن الفيء يخمس وأن أربعة أخماسه للنبي صلى الله عليه وسلم، وله خمس الخمس كما في الغنيمة وأربعة أخماس الخمس لمستحق نظيرها من الغنيمة".
____________________
1 مالك بن أوس بن الحدثان - بمهملتين مفتوحتين ومثلثة- النصري- بالنون أبو سعيد المدني، له رؤية، وروى عن عمر، مات سنة 92 وقيل (91) /ع 0 التقريب 2/223) .
2 انظر الحديث في مسند أحمد 1/25و48، والبخاري 4/31 كتاب الجهاد باب المجن ومن تترس بترس صاحبه، ومسلم 3/1376 كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء، والنسائي 8/119-120 كتاب قسم الفيء وأبو داود 2/125 كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والترمذي 3/81-82 أبواب السير باب ما جاء في تركة النبي صلى الله عليه وسلم.
3 المراد بالجماعة: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
4 تفسير ابن كثير 4/335.
5 هي قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية 41 من سورة الأنفال.(1/364)
وقال الجمهور: "مصرف الفيء كله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتجوا بقول عمر: "فكانت هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة".
وتأول الشافعي قول عمر المذكور بأنه يريد الأخماس الأربعة1.
وقال النووي: "وقد أوجب الشافعي الخمس في الفيء، كما أوجبوه كلهم في الغنيمة، وقال جميع العلماء سواه: لا خمس في الفيء ثم قال: يؤيد الجمهور بأنه لا خمس في الفيء قوله في حديث الباب "كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة".
وقد ذكرنا أن الشافعي أوجبه، ومذهبه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له من الفيء أربعة أخماس وخمس خمس الباقي2.
وقال ابن تيمية في أثناء كلامه على الفيء، ومن الفيء ما ضربه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على الأرض التي فتحها عنوة ولم يقسمها، كأرض مصر وأرض العراق - إلا شيئا يسيرا منها - وبر الشام، وغير ذلك، فهذا الفيء لا خمس فيه عند جماهير الأئمة: كأبي حنيفة، ومالك وأحمد، وإنما يرى تخميسه الشافعي وبعض أصحاب أحمد، وذكر ذلك رواية عنه.
قال ابن المنذر: "لا يحفظ عن أحد قبل الشافعي أن في الفيء خمسا كخمس الغنيمة"، ثم قال ابن تيمية: "وهذا الفيء لم يكن ملكا للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته عند أكثر العلماء".
وقال الشافعي وبعض أصحاب أحمد: "كان ملكا له"، ثم قال: "وأما مصرفه بعد موته صلى الله عليه وسلم، فقد اتفق العلماء على أن يصرف منه أرزاق الجند المقاتلين، الذين يقاتلون الكفار، فإن تقويتهم تذل الكفار، فيؤخذ منهم الفيء، وتنازعوا هل يصرف في سائر مصالح المسلمين، أم تختص به المقاتلة؟ "
____________________
1 فتح الباري 6/208 و269 وعون المعبود 8/186-187.
2 شرح مسلم للنووي 4/361 وفتاوى ابن تيمية 28/564-565 وفتح القدير للشوكاني 5/198، ومعنى قول الشافعي رحمه الله أنّ مال الفيء يقسم خمسة أقسام، فأربعة من هذه الخمسة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والخمس الباقي يقسم أيضا خمسة أقسام فلرسول الله صلى الله عليه وسلم منها خمسا والأربعة الأخماس الباقية تقسم على المذكورين في آية خمس الغنيمة، انظر: الأم، للشافعي: 4/64-66.(1/365)
على القولين للشافعي، ووجهين في مذهب الإمام أحمد، لكن المشهور في مذهبه، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك: "أنه لا يختص به المقاتلة، بل يصرف في المصالح كلها. أهـ"1.
وأما النفل فقد تقدم حكمه2.
والخلاصة في هذا أن الغنيمة والنفل والفيء تلتقي في الأصل اللغوي، وتفترق في المعنى الشرعي.
وأن أربعة أخماس الغنيمة لمن شهد الوقعة حق ثابت لهم، وأن الفيء يصرف في مصالح المسلمين، حسب المصلحة الراجحة، وأن النفل يرجع فيه إلى رأي الإمام فيعطي كلا على حسب غنائه وبلائه في مصلحة الإسلام والمسلمين.
__________
1 ابن تيمية: الفتاوى 28/564-565.
2 تحت حديث (177) .(1/366)
المبحث الثاني: جفاء الأعراب وغلظتهم
لقد عرف الأعراب بالجشع والحرص على أتفه متاع الدنيا مع الغلظة وشراسة الطبع والجفاء، لبعدهم عن مواطن الوعي الاجتماعي وتحررهم من قيود النظام وقوانين الحضارة الإنسانية، فالأعراب قوم من العرب يعيشون في البوادي ويتتبعون مواقع القطر وأماكن الخصب، ولا تجمعهم قرية ولا يحكمهم قانون ولا يخضعون لسلطان وقد سجل القرآن على هؤلاء الأعراب أشد الكفر والنفاق وأسوأ الجهل والفظاظة الأمر الذي يؤدي إلى كل تصرف وحشي وكل قول غليظ جاف.
قال تعالى: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} . [سورة التوبة: آية 97و98] .
وتاريخ الأعراب في الجاهلية حافل بالهمجية والفوضى وما يتبع من تصرفات نادة عن الذوق والوعي والمسئولية.
والإسلام جاء ليستنقذ هؤلاء التعساء وغيرهم من الظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان، وقد استمرت الدعوة الإسلامية في طريقها لتخليص هذه النفوس المأفونة من رق الكفر وأغلال الجاهلية فأقبل على هذه الدعوة المحمدية من علم الله فيه الخير فتحرر من تقاليد الجاهلية وانحرافها في الفكر والسلوك في العقيدة والعمل بيد أنّ كثيراً من هؤلاء الجاهليّين ظل شاكاً في حقيقة الدعوة الإسلامية يتربص بها الدوائر يخرج مع المسلمين لا حباً في نصر الدين وإنما للحصول على الغنائم ويبدوا أن فرار الأعراب يوم حنين لا يبعد أن يكون من دوافعه ريب في قلوبهم وشك في إيمانهم، على أنهم ليسوا على درجة واحدة في ذلك.
ومن الظواهر العجيبة التي تستحق التنبيه أن هؤلاء الأعراب كانوا أول من فر من ميدان القتال فصاروا سببا مباشرا في انكشاف المسلمين بادئ الأمر أمام جموع(1/367)
هوازن كما كانوا في نهاية المعركة أحرص الناس على الغنائم وأشدهم غلظة في القول يوضح ذلك الموقف المشار له في الأحاديث الآتية:
ما رواه مسلم وأحمد من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "افتتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم، قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف، وعلى مجنبة خيلنا خالد بن الوليد، قال: فجعلت خيلنا تلوى خلف ظهورنا فلم نلبث أن انكشفت خيلنا، وفرت الأعراب ومن نعلم من الناس" الحديث1.
وما رواه البخاري وغيره من حديث جبير بن مطعم وهذا سياقه عند البخاري:
179- قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح2 عن ابن شهاب قال: أخبرني عمر بن محمد ابن جبير بن مطعم أن محمد بن جبير قال: أخبرني جبير بن مطعم أنّه بينا هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس مقبلاً3 من حنين علقت4 رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأعراب يسألونه حتى اضطروه5 إلى
____________________
1 تقدم تخريجه برقم (46) .
2 صالح: هو ابن كيسان.
3 مقبلا: قال ابن حجر: منصوب على الحال، للكشمهيني: "مقفله من حنين" وهو بفتح الميم وسكون القاف وفتح الفاء وباللام يعني: زمن رجوعه (فتح الباري 6/35 و254) .
قلت: وهو كذلك عند عبد الرزاق وأحمد وأبي يعلى والطبراني (مقفله من حنين) وعند الطبري "مقبله من حنين".
4 علقت: بفتح العين وكسر اللام الخفيفة بعدها قاف - أي نشبوا وتعلقوا - قال ابن حجر: وفي رواية الكشميهيني: "فطفقت" وهو بوزنه ومعناه (فتح الباري 6/35، و254 ولسان العرب 12/95) .
وعند البخاري أيضا "فعلقت الناس يسألونه" وعند عبد الرزاق وأحمد والطبراني "علقه الأعراب" وعند الطبري "عاقت رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب".
5 اضطروه إلى سمرة: أي ألجؤه، والسمرة: بفتح المهملة وضم الميم، شجرة طويلة متفرقة الرأس قليلة الظل، صغيرة الورق والشوك صلبة لخشب، قاله ابن التين. وقال الخطابي: ورق السمرة أثبت وظلها أكثف، ويقال: هي شجرة الطلح وقال الدوادي: السمرة هي العضاه. (فتح الباري 6/35 و254 ولسان العرب 6/45) . وعند الطبراني: "حتى اضطره بسدرة خطفت رداءه". ذ(1/368)
سمرة فخطفت1 رداءه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اعطوني ردائي، فلو كان عدد هذه العضاه2 نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا، ولا كذوبا3 ولا جبانا" 4.
قال ابن حجر: "في هذا الحديث: ذم الخصال المذكورة وهي البخل والكذب والجبن، وأن إمام المسلمين لا يصلح أن يكون فيه خصلة منها، وفيه ما كان في النبي صلى الله عليه وسلم من الحلم وحسن الخلق وسعة الجود والصبر على جفاة الأعراب، وفيه جواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة لخوف ظن أهل الجهل به خلاف ذلك، ولا
____________________
1 قوله فخطفت رداءه: وعند عبد الرزاق وهو على راحلته.
قال ابن حجر: "وفي مرسل عمرو بن سعيد عند عمر بن شبة (في كتاب مكة) حتى عدلوا بناقته عن طريق، فمرت بسمرات فانتهسن ظهره وانتزعن رداءه، فقال: "ناولني ردائي" فذكر نحو حديث جبير ابن مطعم وفيه "فنَزل ونزل الناس معه فأقبلت هوازن فقالوا: جئنا نستشفع بالمؤمنين إليك، ونستشفع بك إلى المؤمنين" فذكر القصة. (فتح الباري 6/254) .
والزرقاني شرح المواهب 3/40 ووقع عنده (عمرو بن شبة) وصوابه (عمر) .
2 والعضاه بكسر المهملة بعدها معجمة خفيفة، وفي آخرها هاء، يقرأ في الوصل وفي الوقف بالهاء. واختلف في واحدها فقيل: عضة - بفتحتين - مثل شفة وشفاه، والأصل عضهة وشهقة فحذفت الهاء، وقيل: واحدها عضاهة.
قال القزاز: "العضاه: شجر الشوك كالطلح والعوسج والسدر، ويدخل فيه السمر" (فتح الباري 6/254، ولسان العرب 17/411) .
3 وعند عبد الرزاق وأحمد وأبي يعلى والطبري والطبراني "ولا كذابا" قال الزرقاني: أي إذا جربتموني لا تجدوني ذا بخل ولا ذا كذب ولا ذا جبن، فالمراد نفي الوصف من أصله، لا نفي المبالغة التي تدل عليها الثلاثة، لأن كذوبا من صيغ المبالغة، وجبانا صفة مشبهة، وبخيلا يحتمل الأمرين.
قال ابن المنير: "وفي جمعه صلى الله عليه وسلم بين هذه الصفات اللطيفة لأنها متلازمة، وكذا أضدادها الصدق والكرم والشجاعة، وأصل المعنى هنا الشجاعة فإن الشجاع واثق من نفسه بالخلف من كسب سيفه فبالضرورة لا يبخل، وإذا سهل عليه العطاء لا يكذب بالخلف في الوعد، لأن الخلف إنما ينشأ من البخل".
وقوله: "فلو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم: تنبيه بطريق الأولى لأنّه إذا سمح بمال نفسه فلأن يسمح بقسم غنائمهم عليهم أولى، واستعمال (ثم) هنا بعدما ما تقدم ذكره ليس مخالفا لمقتضاها، وإن كان الكرم يتقدم العطاء، لكن علم الناس بكرم الكريم إنما يكون بعد العطاء، وليس المراد (بثم) الدالة على تراخي العلم بالكرم عن العطاء، وإنما التراخي هنا لعلو رتبة الوصف، كأنه قال: أعلى من العطاء بما لا يتعارف أن يكون العطاء عن كرم، فقد يكون عطاء بلا كرم، كعطاء البخيل ونحو ذلك". (شرح المواهب اللدنية 3/40-41) والكندهلوي أوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/321-322.
4 البخاري: الصحيح 4/19 كتاب الجهاد، باب الشجاعة في الحرب والجبن 4/75 كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم من الخمس ونحوه.
وعبد الرزاق: المصنف 5/243. وأحمد: المسند 4/82-84.
وأبو يعلى: المسند 6/683 أرقم 306. الطبري: تهذيب الآثار كما في كنز العمال 10/357، ومنتخب كنز العمال 4/170، والمواهب اللدنية 1/167. والطبراني: المعجم الكبير 2/134-136. أبو عبيد: كتاب الأموال ص 354.(1/369)
يكون ذلك من الفخر المذموم، وفيه رضاء السائل للحق بالوعد إذا تحقق عن الواعد التنجيز، وفيه أن الإمام مخير في قسم الغنيمة إن شاء بعد فراغ الحرب، وإن شاء بعد ذلك"1.
والحديث رواه الطبراني أيضا والطبري من طريق نافع2 بن جبير ابن مطعم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: وهو عند ثنية الأراكة3 وهو يعطي حين فرغ من حنين، فاضطره الناس إلى سلمة 4 فانتزع غصن من السلمة رداءه، فالتفت إلينا بوجهه مثل شقة القمر، فقال: "أعطوني ردائي فأعطيناه إياه، ثم قال: تخافون علي البخل، فوالذي نفسي بيده لو كان عندي صواحي هذا الجبل لأعطيتكموه". وقال: "صوحا الجبل5 جانبا مقادمه ومآخره"6
وقال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم" 7.
180- وما رواه الطبري أيضا من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين سأله الناس فأعطاهم من البقر والغنم والإبل، حتى لم يبق شيء من ذلك، فقال: "فماذا تريدون أتريدون أن تبخلوني؟ فوالله ما أنا بخيل ولا جبان ولا كذوب، فجذبوا ثوبه حتى بدا منكبه فكأنما انظر حين بدا منكبه إلى شقة قمر من بياضه" 8.
____________________
1 ابن حجر: فتح الباري 6/254، والزرقاني: شرح المواهب 3/41.
2 نافع بن جبير بن مطعم النوفلي، أبو محمد، أو أبو عبد الله، المدني، ثقة فاضل، من الثالثة (ت 199) /ع (التقريب 2/295، وتهذيب التهذيب 10/404) .
3 ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان 1/135 قال: أراك بالفتح وآخره كاف: وهو وادي الأراك، قرب مكة ونقل عن الأصمعي أن أراك جبل لهذيل، وقيل هو موضع من نمرة، في موضع من عرفة.
4 السلم: بفتحتين: نوع من العضاه (لسان العرب 15/188) .
5 الصوح: بفتح الصاد وضمها: الجانب من الرأس والجبل، ووجه الجبل القائم كأنه حائط، وصوحا الوادي حائطاه. لسان العرب3/352،والقاموس المحيط1/235) .
6 كنْز العمال 10/358 ومنتخب كنز العمال 4/170 ونسبه للطبري في تهذيبه، وانظر المعجم الكبير للطبراني 2/142.
7 مجمع الزوائد 8/280.
8 منتخب كنز العمال 4/171 مع مسند أحمد ونسبه لابن جرير الطبري وقال: سنده على شرط الشيخين.(1/370)
وكان سبب هذا الفعل الصادر من الأعراب وغيرهم هو ما صرح به حديث عمرو بن شعيب عند ابن إسحاق وغيره وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رد على هوازن سبيهم خاف الناس أن يرد إليهم الأموال أيضا فطالبوا بقسم الأموال بإلحاح شديد1.
وهذا سياق الحديث عن ابن إسحاق:
قال: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا، فقالوا يا رسول الله إنا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فأمنن علينا من الله عليك، الحديث وفيه: "ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من رد سباياً حنين إلى أهلها، ركب، واتبعه الناس يقولون: يا رسول الله اقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم، حتى ألجئوه إلى شجرة، فاختطفت رداءه، فقال: "ردوا علي ردائي أيها الناس فوالله أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا" الحديث2.
والحديث رواه أبو داود والنسائي وأحمد وابن الجارود والطبري والبيهقي، الجميع من طريق ابن إسحاق منهم المختصر ومنهم المطول، وقد صرح بالتحديث عند ابن الجارود والطبري والبيهقي، وكذا عند ابن هشام3 فالحديث حسن لذاته4.
وقد تابع ابن إسحاق على وصل هذا الحديث - يحيى5 بن سعيد الأنصاري
____________________
1 انظر البداية والنهاية: لابن كثير 4/355.
2 سيرة ابن هشام 2/488-490 و 492 والروض الأنف 7/241-243 و245 و 279 -280.
3 أبو داود: السنن 2/57 كتاب الجهاد، باب في الفداء الأسير بالمال والنسائي: السنن 6/220 كتاب الهبة7/119كتاب قسم الفيء، وأحمد: المسند2/184 و218 وابن الجارود: المنتقى ص:362، والطبري: تاريخ الرسل والملوك3/86-87و89-90.
والبيهقي: السنن الكبرى 6/336-337 و7/17 و9/75 ودلائل النبوة 3/54-55 ب أب.
4 انظر الألباني: تخريج أحاديث فقه السيرة للغزالي ص 426 وصحيح الجامع الصغير 6/280 وإرواء الغليل 5/36-37 و73-74، وتقدم الحديث برقم (130) مع تراجم رواته، وسيأتي تحت رقم (288) .
5 ثقة ثبت تقدم في حديث (109) .(1/371)
عند ابن أبي شيبة والطبراني، ومحمد1 بن عجلان وعمرو2 بن دينار عند الطبراني والبيهقي الجميع عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده3.
ورواه مالك عن عبد الرحمن4 بن سعيد عن عمرو بن شعيب فأرسله ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صدر من حنين، وهو يريد الجعرانة سأله الناس حتى دنت به ناقته من شجرة، فتشبكت5 بردائه، حتى نزعه عن ظهره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ردوا علي ردائي أتخافون أن لا أقسم بينكم ما أفاء الله عليكم، والذي نفسي بيده لو أفاء الله عليكم مثل سمر تهامة نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا" الحديث 6.
قال ابن عبد البر: "لا خلاف عن مالك في إرساله".
____________________
1 محمد بن عجلان المدني، صدوق، إلا أنه اختلط عليه أحاديث أبي هريرة من الخامسة (ت 148) خت م ع (التقريب 2/190 وتهذيب التهذيب 9/341) وقال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء 6/317-322.
محمد بن عجلان: الإمام القدوة الصادق بقية الأعلام، وختم ترجمته بقوله: وقد ذكرت ابن عجلان في الميزان فحديثه إن لم يبلغ رتبة الصحيح فلا ينحط عن رتبة الحسن (انظر ميزان الاعتدال 3/644 وتذكرة الحفاظ 1/165.
2 عمرو بن دينار المكي، أبو محمد الأثرم، الجمحي مولاهم ثقة ثبت من الرابعة (ت 126) / ع (التقريب 2/69 وتهذيب التهذيب 8/28-30) .
3 ابن أبي شيبة: التاريخ ص 87 أرقم 665 والطبراني: كما في مجمع البحرين 2/235 و 244 رقم 77 ومجمع الزوائد 5/338-339 كلاهما للهيثمي.
4 قال الألباني: "عبد الرحمن بن سعيد، هكذا لم أجد من ترجمه، لكن شيوخ مالك كلهم ثقات كما هو معلوم لدى العلماء بالرجال"، (إرواء الغليل 5/74) .
وقال الكندهلوي: "إنما هو عبد ربه بن سعيد، هكذا في النسخ الهندية وبعض المصرية، وفي بعضها عبد الرحمن بن سعيد وليس الصحيح، وهو عبد ربه بن سعيد بن قيس الأنصاري، أخو يحيى بن سعيد له في الموطأ مرفوعا ثلاثة أحاديث هذا ثانيها.
وفي التقصي: له ثلاثة أحاديث، وذكر من جملتها هذا الحديث ولم يذكر عبد الرحمن بن سعيد في شيوخ مالك في الموطأ إهـ. (أوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/320) .
قلت: الأحاديث المشار إليها في "التقصي" هي في ص 105-106 من التقصي وهي برقم (328 و329 و330) .
وقد قرأت الموطأ بتصحيح محمد فؤاد عبد الباقي من أوله إلى آخره فلم أجد مالكا روى عن عبد الرحمن بن سعيد وإنما وجدته روى عن عبد ربه بن سعيد خمسة أحاديث من جملتها حديث الباب، وهي في الموطأ1/289-290 و2/457 و514، و574، و589، وهي في كتاب الجهاد، باب ما جاء في الفلول، وكتاب الفرائض، باب ميراث الجدة، وكتاب الطلاق، باب ما جاء في طلاق العبد، وباب عدة المتوفى زوجها إذا كانت حاملاً، وكتاب الصيام، باب ما جاء في صيام الذي يصبح جنبا.
وأرقامها: (و6، و10 و22 و49 و83) ذكر صاحب التقصي منها رقم (10 و22 و83) فقط وهي عنده رقم 328 و329 و330 ولم يذكر حديث رقم (6/49) وهما في الموطأ 2/514 و2/574 من كتاب الفرائض وكتاب الطلاق وانظر ترجمة عبد ربه بن سعيد في التقريب 1/470 وتهذيب التهذيب 6/126.
5 تشبكت: أي نشبت (القاموس المحيط 3/308) .
6 الموطأ 2/457.(1/372)
قال الكاند هلوي: "ووصله النسائي، قال الحافظ بإسناد حسن من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن جده. وأخرجه النسائي أيضاً بإسناد حسن من حديث عبادة، قاله الزرقاني. ثم قال: قلت: ووصله أبو داود أيضاً برواية حماد عن ابن إسحاق بهذا السند"1.
وأورد ابن كثير حديث ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثم قال: وهذا السياق يقتضي أنه عليه السلام رد إلى هوازن سبيهم قبل القسمة كما ذهب إليه محمد بن إسحاق بن يسار خلافا لموسى بن عقبة وغيره2.
ثم قال: "وفي صحيح البخاري من طريق الليث عن عقيل عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوا أن ترد إليهم أموالهم ونساؤهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "معي من ترون واحب الحديث إليّ أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال. وقد كنت استأنيت بكم" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظهرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبيّن لهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلاّ إحدى الطائفتين، قالوا: إنا نختار سبينا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاءوا تائبين وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول يفيء الله علينا فليفعل".
فقال الناس: "قد طيبنا ذلك يا رسول الله، فقال لهم: "إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم". فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بأنهم قد طيبوا وأذنوا" فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن 3 إلى أن قال: والمقصود من هذا
____________________
1 أوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/320. وسنن النسائي 6/220 كتاب الهبة و 7/119 كتاب قسم الفيء. وسنن أبي داود 2/57 كتاب الجهاد، باب في الفداء الأسير بالمال.
2 انظر قول موسى بن عقبة عند البيهقي في دلائل 3/54 أ. وابن حجر: فتح الباري 8/33 وانظر ص (436) تعليقة (6) من مبحث قدوم وفد هوازن إلى الجعرانة.
3 قال ابن حجر:" القائل: فهذا الذي بلغنا إلخ هو الزهري" (فتح الباري 8/34) وانظر الحديث في صحيح البخاري 5/126 كتاب المغازي باب ويوم حنين وقد تقدم برقم (108) .(1/373)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد إلى هوازن سبيهم بعد القسمة كما دل عليه السياق وغيره، وظاهر سياق حديث عمرو بن شعيب الذي أورده محمد بن إسحاق عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد إلى هوازن سبيهم قبل القسمة، ولهذا لما رد السبي وركب علقت الأعراب برسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون اقسم علينا فيئتنا حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه، فقال: "ردوا علي ردائي أيها الناس، فوالذي نفسي بيده لو كان لكم عدد هذه العضاه نعما لقسمته فيكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا". كما رواه البخاري عن جبير بن مطعم بنحوه.
ثم قال: "كأنهم خشوا أن يرد إلى هوازن أموالهم كما رد إليهم نسائهم وأطفالهم فسألوه قسمة ذلك فقسمها - عليه الصلاة والسلام - بالجعرانة كما أمره الله عز وجل1.اهـ.
قلت: وقد وردت أحاديث غير هذا تدل على أن قدوم وفد هوازن، كان بعد قسم سبيهم بين المسلمين، كما سيأتي ذلك في قدوم وفد هوازن2. والذي يهمنا هنا هو ما حصل من هؤلاء الأعراب وغيرهم من الطلقاء وغوغاء الناس الذين لم يكن همهم إلا الحصول على الغنيمة سواء أكان قدوم وفد هوازن بعد قسم نسائهم وأطفالهم على المسلمين، أم كان قدومهم قبل ذلك.
وهذه الأحاديث تدل على حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعة صدره وصبره على عتاة الأعراب وغيرهم من ضعفاء الإيمان، ويزيد ذلك وضوحا ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:
181- كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة3 ومعه بلال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي4 فقال: "ألا تنجز لي ما وعدتني" 5.
____________________
1 ابن كثير: البداية والنهاية 4/354، 355 وانظر فتح الباري 8/33، 34.
2 انظر ص 435.
3 قال ابن حجر: أنكر الدوادي: الشارح قوله: أن (الجعرانة) بين مكة والمدينة، وقال: إنما هي بين مكة والطائف، وكذا جزم النووي بان الجعرانة بين الطائف ومكة، وهو قول عياض والفاكهي. (فتح الباري 8/46) .
4 وعند مسلم: "رجل أعرابي".
5 وعند مسلم: "ألا تنجز لي يا محمد! ما وعدتني".
قال ابن حجر: "يحتمل أن الوعد كان خاصا به، ويحتمل أن يكون عاما، وكان طلبه أن يعجل نصيبه من الغنيمة فإنه صلى الله عليه وسلم، كان أمر أن تجمع غنائم حنين بالجعرانة، وتوجه هو بالعساكر إلى الطائف، فلما رجع منها قسم الغنائم حينئذ بالجعرانة فلهذا وقع في كثير ممن كان حديث عهد بالإسلام استبطاء الغنيمة واسنتجاز قسمتها 0 فتح الباري8/46.(1/374)
فقال له: "أبشر، فقال، قد أكثرت علي من أبشر1. فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: "رد البشرى2، فاقبلا أنتما، قالا: قبلنا، ثم دعا بقدح3 فيه ماء، فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه، ثم قال: اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وابشرا، فأخذ القدح ففعلا 4، فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة" 5
قال النووي: "في الحديث: فضيلة ظاهرة لأبي موسى وبلال وأم سلمة - رضي الله عنهم -، وفيه استحباب البشارة واستحباب الازدحام فيما يتبرك به وطلبه ممن هو معه، والمشاركة فيه" 6.
ومجموع ما مضى من الأحاديث صريح في الدلالة على ضعف إيمان هؤلاء الجشعين على غنائم حنين وعلى سوء أدبهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم في أقوالهم وأفعالهم، ويؤخذ منها أيضا أن هم هؤلاء هو المغنم لأنهم فروا في ميدان القتال وأصابهم الهلع والجشع بعد النهاية المعركة على الغنائم، وفي ذلك دلالة واضحة على أن نفوس هؤلاء الأعراب والطلقاء ونحوهم، ولم تتهذب بأخلاق الإسلام ولم ترسخ في نفوسهم العقيدة الإسلامية ويظهر أن كثيرا من هؤلاء حسن إسلامهم فيما بعد وأصبحوا جنوداً باسلة في صفوف الجيش الإسلامي، وقد كان لحكمة الرسول صلى الله عليه وسلم وحلمه على هؤلاء وقسمه بينهم تلك الغنائم الهائلة أثر كبير في تحسن إسلامهم ورضا نفوسهم وإيقانهم بأن هذا الكرم العظيم الذي لا يقادر قدره لا يصدر إلا من رسول حق لا يخشى الفقر ولا يقيم لحطام الدنيا وزنا. والله أعلم.
__________
1 أبشر: بهمزة قطع، أي بقرب القسمة، أو بالثواب الجزيل على الصبر (المصدر السابق 8/46) .
وعند مسلم: "فقال له الأعرابي"
2 عند مسلم: "إن هذا قد رد البشرى".
3 القدح: بفتح القاف والدال- آنية للشرب تروي الرجلين، وقيل هو اسم يجمع صغارها وكبارها، والجمع أقداح. ومتخذها قداح، وصنعته القداحة.
(لسان العرب لابن منظور3/388 والقاموس المحيط للفيروزآبادي 1/241، ومختار الصحاح لبي بكر الرازي ص 523) .
4 عند مسلم "ففعلا ما أمرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادتهما أم سلمة من وراء الستر: أفضلا لأمكما مما في إنائكما"
قال ابن حجر: "أم سلمة هي: زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي أم المؤمنين ولهذا قالت: لأمكما" (فتح الباري 8/46-47) .
5 البخاري: الصحيح 5/129 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف و 1/42 كتاب الوضوء، باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة، ذكر طرفا منه، انظر فتح الباري 1/295و302و8/46، ومسلم: الصحيح 4/1943 كتاب الفضائل الصحابة، باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين.
6 النووي: شرح صحيح مسلم 5/367.(1/375)
المبحث الثالث: اعتراض ذي الخويصرة التميمي على الرسول صلى الله عليه وسلم في قسم الغنائم
كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر - وهو لحنين - بالغنائم أن تجتمع وأن تحبس في الجعرانة حتى يعود من الطائف، ثم توجه صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين إلى الطائف فضرب عليها الحصار كما مر ذلك مفصلاً1.
ثم قرر صلى الله عليه وسلم العودة إلى الجعرانة فوصلها ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة، وأقام بها ثلاث عشرة ليلة ينتظر هوازن لعلها أن تقدم مسلمة فيرد إليها سبيها وأموالها، ولما لم تقدم في هذه المدة2، شرع صلى الله عليه وسلم في توزيع الغنائم حسب ما تقتضيه المصلحة العامة، فوضعها في موضعها اللائق بها، غير أن بعض أهل الزيغ والنفاق عباد الدينار والدرهم انتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صنيعه هذا ونسبه إلى الجور والظلم فخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بلهجة قاسية تنبئ عما انطوت عليه نفسه من الحقد والغل والبعد عن هدي الإسلام وتعاليمه السامية "يا محمد اعدل" فتألم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وغضب غضبا شديدا حتى طلب عمر بن الخطاب الإذن منه في قتل هذا المنافق الخبيث، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم منعه من ذلك وقال: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي". ذلك أن هذا القائل معدود في الصحابة وله شيعة وأتباع، فالحكمة تقتضي عدم قتله وأن يتركه وما تولى، وهذا ما دلت عليه الأحاديث الآتية:
أ- فقد جاء في حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - عند البخاري ومسلم وغيرهما وهذا سياقه وهذا سياق مسلم:
182- حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر، أخبرنا الليث3 عن يحيى4 بن سعيد عن أبي الزبير5 عن جابر بن عبد الله قال:
____________________
1في مبحث (حصار الطائف) ص (278) .
2 انظر: مبحث (فك الحصار عن الطائف والعودة إلى الجعرانة) ، ص (328) .
3 الليث: هو ابن سعد الفهمي.
4 هو الأنصاري النجاري.
5 أبو الزبير، هو: محمد بن مسلم بن تدرس المكي.(1/376)
أتى رجل1 رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها يعطي الناس، فقال: يا محمد! اعدل2.
قال: "ويلك3! ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خبت4 وخسرت، إن لم أكن أعدل".
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "دعني5 يا رسول الله فأقتل هذا
____________________
1 وعند أحمد "رجل من بني تميم" وفي حديث أبي سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو ابن العاص أنه ذو الخويصرة التميمي، انظر حديث (184) وتعليقة (4) من ص 384 وفتح الباري 8/69.
2 وعند البخاري: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنيمة الجعرانة إذ قال له رجل: اعدل، قال: "لقد شقيت إن لم أعدل" وعند الحميدي: قال قال أبو الزبير: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم حنين بالجعرانة والتبر في حجر بلال، فجاءه رجل فقال: يا محمد اعدل فإنك لم تعدل، قال: "ويحك، فمن يعدل إذا لم أعدل".
وعند ابن ماجة "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وهو يقسم التبر والغنائم وهو في حجر بلال، فقال رجل: اعدل يا محمد، فإنك لم تعدل، فقال: "ويلك ومن يعدل بعدي إذا لم أعدل"؟
وعند أحمد: قال أبو الزبير سمعت جابراً يقول: بصر عيني وسمعت أذني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وفي ثوب بلال فضة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبضها للناس يعطيهم، فقال رجل: اعدل.
وعند الطبراني عن جابر، قال: "أبصرت عيناي وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبضها للناس فيعطيهم، فقال له رجل: يا رسول الله! اعدل".
3 ويل: كلمة تقال لمن وقع في هلكة يستحقها، والويل: حلول الشر وكلمة عذاب (هدي الساري لابن حجر ص 207 والمعجم الوسيط 2/1061) .
4 عند البخاري وأحمد "لقد شقيت إن لم أعدل".
قال النووي: قوله: "خبت وخسرت" روي بفتح التاء فيهما وضمهما ومعنى الضم ظاهر، وتقدير الفتح خبت أنت أيها التابع إذا كنت لا أعدل لكونك تابعا ومقتديا بمن لا يعدل، والفتح أشهر".
وقال ابن حجر: في رواية البخاري "لقد شقيت": هو بضم المثناة للأكثر، ومعناه ظاهر ولا محذور فيه والشرط لا يستلزم الوقوع؛ لأنه ليس ممن لا يعدل حتى يحصل له الشقاء، بل هو عادل فلا يشقى، ثم قال: وحكى عياض فتحها ورجحه النووي، وحكاه الإسماعيلي عن رواية شيخه المنيعي من طريق عثمان بن عمر عن قرة والمعنى: "لقد شقيت أي ضللت أنت أيها التابع حيث تقتدي بمن لا يعدل أو حيث تعتقد في نبيك هذا القول الذي لا يصدر عن مؤمن" (انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 3/106 وفتح الباري لابن حجر 6/243) .
5 وعند ابن ماجة: "دعني يا رسول الله حتى أضرب عنق هذا المنافق" وعند أحمد فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله دعني أقتل هذا المنافق الخبيث". وعنده أيضا فقال عمر: يا رسول الله ألا أقوم فأقتل هذا المنافق، قال: "معاذ الله أن تتسامع الأمم أن محمد يقتل أصحابه" وقد جاء في بعض طرق حديث أبي سعيد الخدري في الصحيحين أن خالد بن الوليد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله أيضا، قال ابن حجر: "ولا تنافي في ذلك لاحتمال أن يكون كل منهما سأل في ذلك، ثم رأيت عند مسلم من طريق جرير عن عمارة بن القعقاع بسنده فيه: "فقام عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: لا، ثم أدبر فقام إليه خالد بن الوليد سيف الله فقال يا رسول الله أضرب عنقه؟ قال: لا.".
فهذا نص في أن كليهما سأله..
ثم قال: وقد استشكل سؤال خالد في ذلك لأن بعث علي إلى اليمن كان عقب بعث خالد بن الوليد إليها والذهب المقسوم أرسله علي من اليمن كما في صدر حديث ابن أبي نعم عن أبي سعيد، ويجاب بأن عليّاً لما وصل إلى اليمن رجع خالد منها إلى المدينة فأرسل علي الذهب فحضر خالد قسمته.
وأما حديث عبد الله بن عمرو فإنه في قصة قسم وقع بالجعرانة من غنائم حنين والسائل في قتله عمر بن الخطاب جزما، وقد ظهر أن المعترض في الموضعين واحد. فتح الباري 8/69 و12/291 و293) .
وانظر تخريج حديث أبي سعيد الخدري تحت (184) تعليقة (4) ص 384 وحديث عبد الله بن عمرو (184) .(1/377)
المنافق، فقال: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي. إن هذا1 وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم2 يمرقون منه3 كما يمرق السهم من الرمية" 4.
حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال: سمعت يحيى ابن سعيد يقول أخبره أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله.
____________________
1 عند ابن ماجة "إن هذا في أصحابي أو أصيحاب له". وعند الحميدي وابن الجارود: "فإن هذا مع أصحاب له أو في أصحاب له".
2 وعند ابن ماجة وأحمد: "لا يجاوز تراقيهم".
وعند أحمد أيضا "لا يجاوز حناجرهم أو تراقيهم".
وعند الطبراني: "لا يجاوز حلوقهم - أو حناجرهم"
والحناجر جمع حنجرة وهي الحلقوم وهو العظم الناتيء في وسط الحلق.
والتراقي جمع ترقوة - بفتح أوله وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو- وهي العظم الذي بين نقرة النحر والعاتق، وهما ترقوتان من الجانبين.
والمعنى أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها، وقيل لا يعملون بالقرآن فلا يثابون على قراءته فلا يحصل لهم إلا سرده.
وقيل: المراد أنهم ليس لهم فيه حظ إلاّ مروره على ألسنتهم لا يصل إلى حلوقهم فضلاً عن أن يصل إلى قلوبهم لأن المطلوب تعقله وتدبره ووقوعه في القلب.
(النهاية لابن الأثير 1/187، و449، وشرح صحيح مسلم للنووي 3/107 وفتح الباري 12/293 وهدي الساري ص 92 و108، كلاهما لابن حجر) .
3 وعند ابن ماجة وأحمد والحميدي وابن الجارود: "يمرقون من الدين"
وعند أحمد أيضا والطبراني "يمرقون من الدين مرور السهم من الرمية".
وعند احمد أيضا "يمرقون من الدين كما يمرق المرماة من الرمية".
وفي حديث أبي سعيد الخدري "يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية".
قال القاضي عياض: "معناه يخرجون منه خروج السهم إذا نفذ من الصيد من جهة أخرى، ولم يتعلق به شيئ منهم". (شرح النووي على صحيح مسلم 3/107) .
4 الرمية بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتانية، أي الشيء الذي يرمى به ويطلق على الطريدة من الوحش إذا رماها الرامي، وهي فعيلة بمعنى مفعولة (فتح الباري 6/618 و12/288 و289 وهدي الساري ص: 125 وشرح النووي على صحيح مسلم 3/107 والنهاية لابن الأثير 2/268-269) .(1/378)
ح- وحدثنا أبو بكر1 عن أبي شيبة حدثنا زيد2 بن الحباب، حدثنا قرة3 بن خالد حدثني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم غنائم، وساق الحديث4.
والحديث رواه أحمد والطبراني والبيهقي الجميع من طريق يحيى بن السعيد عن أبي الزبير به5.
ورواه ابن ماجة والحميدي وابن الجارود كلهم من طريق سفيان ابن عيينة عن أبي الزبير به6.
ورواه أيضا أحمد من طريق معان7 ابن رفاعة حدثنا أبو الزبير به8.
فقد روى هذا الحديث عن أبي الزبير يحيى بن سعيد الانصاري وعيينة ومعان بن رفاعة وقرة بن خالد كما هو عند مسلم9 من طريق زيد بن الحباب عن قرة بن خالد عن أبي الزبير10.
ورواه البخاري عن مسلم بن إبراهيم وأحمد عن أبي عامر11 والعقدي كلاهما عن قرة بن خالد عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله.
____________________
1 هو عبد الله بن محمد.
2 زيد بن الحباب - بضم المهملة وموحدتين -.
3 قرة بن خالد - بضم القاف وتشديد الراء ثم هاء- السدوسي.
4 مسلم: الصحيح 2/740 كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم.
5 أحمد المسند 3/353 والطبراني 2/200-201 والبيهقي دلائل النبوة 3/53أ.
6 ابن ماجة: السنن1/61 في المقدمة باب في ذكر الخوارج والحميدي المسند2/534 وابن الجارود: المنتقى ص 363.
7 معان - بضم أوله وتخفيف المهملة أخره نون - ابن رفاعة السلامي بتخفيف اللام الشامي - لين الحديث، كثير الإرسال، من السابعة/ ق (التقريب 2/258 وتهذيب التهذيب 6/369 و10/201 وميزان اعتدال 4/134. والخلاصة للخزرجي 3/82-83 ووقع في المسند (معاذ) بالذال المعجمة وهو خطأ.)
8 المسند 3/354-355
9 الحديث عند مسلم من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري ومن طريق قرة بن خالد كلاهما عن أبي الزبير.
10 تقدم في حديث 182
11 هو عبد الملك بن عمرو القيسي، أبو عامر العقدي - بفتح المهملة والقاف- ثقة من التاسعة (ت 204أو 205) / ع التقريب 1/521 وتهذيب التهذيب 6/409 وتذكرة الحفاظ للذهبي 1/347 والخلاصة للخزرجي 2/178 وقد سقطت من تهذيب التهذيب علامة من أخرج له) .(1/379)
فقرة في هذا السند يروي عن عمرو بن دينار بدل أبي الزبير.
وهذا سياق الحديث عند البخاري:
قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا قرة بن خالد حدثنا عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنيمة بالجعرانة إذ قال له رجل: اعدل، فقال له: "شقيت إن لم أعدل" 1.
ب- وفي حديث عبد الله بن مسعود عند البخاري ومسلم وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري:
183- قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير2 عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا3 في القسمة: فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجل: "والله إن هذه القسمة ما عدل فيها4 وما أريد بها وجه الله فقلت والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فأخبرته5، فقال: "فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ "
____________________
1 البخاري: الصحيح 4/72 كتاب فرض الخمس، باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين إلخ.
وأحمد: المسند 3/332.
قال ابن حجر: "وقد خالف زيد بن الحباب مسلم بن إبراهيم فيه فقال: "عن قرة عن أبي الزبير" "بدل" عمرو بن دينار أخرجه مسلم، وسياقه أتم، ورواية البخاري أرجح فقد وافق شيخه على ذلك عن قرة عثمان بن عمر - هو ابن فارس - عند الإسماعيلي، والنضر بن شميل عند أبي نعيم، فاتفاق هؤلاء الحفاظ الثلاثة أرجح من انفراد زيد بن الحباب على ما في رواية هؤلاء كلهم عن قرة عن عمرو (فتح الباري 6/242-243) .
قلت: وكون الحديث عند قرة عن شيخين هو الظاهر بمعنى أن قرة روى الحديث عن أبي الزبير وعن "عمرو بن دينار" ويكون قد وافقه في روايته عن "أبي الزبير" ابن عيينة ويحيى بن سعيد ومعان بن رفاعة ووافقه في روايته عن (عمرو بن دينار) عثمان بن عمر والنضر بن شميل وأبو عامر العقدي.
2 جرير: هو ابن عبد الحميد بن قرط.
ومنصور: هو ابن معتمر.
وأبو وائل: هو شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي.
3 عند مسلم "ناسا".
4 وعند مسلم "إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله".
5 عند مسلم "فأتيته فأخبرته بما قال، قال: فتغير وجهه حتى كان كالصرف ثم قال: "فمن يعدل" الخ.(1/380)
رحم1 الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر".
وأخرجاه من طريق حفص بن غياث حدثنا الأعمش2 قال: سمعت شقيقا يقول: قال عبد الله: "قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسمة - كبعض ما كان يقسم - فقال رجل من الأنصار 3: والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله، قلت: أما4 لأقولن للنبي صلى الله عليه وسلم فأتيته - وهو في بعض أصحابه - فساررته5 فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وتغير وجهه وغضب حتى وددت أني لم أكن أخبرته، ثم قال: "قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر" 6.
____________________
1 عند مسلم "ثم قال: يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر" قال: قلت: "لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا".
2 الأعمش هو سليمان بن مهران.
3 قوله: "فقال رجل من الأنصار" قال ابن حجر: "وفي رواية الواقدي: أنه معتب بن قثير من بني عمرو بن عوف وكان من المنافقين، وفيه تعقب على مغلطاي حيث قال: لم أر أحداً قال إنه من الأنصار إلاّ ما وقع هنا، وجزم بأنه حرقوص بن زهير السعدي، وتبعه ابن الملقن وأخطأ في ذلك فإن قصة حرقوص غير هذه كما سيأتي قريبا من حديث أبي سعيد الخدري" اهـ.
(فتح الباري 8/56 و69 و10/512 و11/138 و12/292، وانظر: مغازي الواقدي 3/949 والروض الانف 7/289 وانظر الحديث رقم (206) وقد ذكر ابن حجر معتب بن قشير في الإصابة 3/443 فقال قيل إنه كان منافقا، وقيل إنه تاب، وقد ذكره ابن إسحاق فيمن شهد بدرا.) .
4 قوله (أما لأقولن) قال ابن حجر: "قال ابن التين: هي بتخفيف الميم ووقع في رواية (أما) بتشديدها، وليس ببين ثم قال ابن حجر قلت: "وقع للكشميهني "أم" بغير ألف وهو يؤيد التخفيف ويوجه التشديد على أن في الكلام حذفا تقديره أما إذا قلت: ذلك لأقولن" (فتح الباري 10/512) .
5 عند مسلم "فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فساررته فغضب من ذلك غضبا شديدا واحمر وجهه حتى تمنيت أني لم أذكره له".
6 البخاري: الصحيح 4/75 كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس الخ.
و5/131 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، و8/22 كتاب الأدب باب الصبر على الأذى، والأدب المفرد ص 141 واللفظ له.
ومسلم: الصحيح 2/739 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه.
قال ابن حجر: "وفي الحديث جواز إخبار الإمام وأهل الفضل بما يقال فيهم مما لا يليق بهم ليحذورا القائل، وفيه بيان ما يباح من الغيبة والنميمة لأن صورتها موجودة في صنيع ابن مسعود هذا، ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن قصد ابن مسعود كان نصح النبي صلى الله عليه وسلم وإعلامه بمن يطعن فيه ممن يظهر الإسلام ويبطن النفاق ليحذر منه، وهذا جائز كما يجوز التجسس على الكفار ليؤمن من كيدهم، وقد ارتكب الرجل المذكور بما قال إثما عظيما فلم يكن له حرمة.
وفيه أن أهل الفضل قد يغيظهم ما يقال فيهم مما ليس فيهم، ومع ذلك فيتلقون ذلك بالصبر والحلم كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم اقتداء بموسى - عليه السلام -.
وأشار بقوله صلى الله عليه وسلم: "قد أوذي أوذي أخي موسى بأكثر من ذلك فصبر" إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} . قد حكي في صفة أذاهم له ثلاث قصص:
إحداها: قولهم هو آدر وذلك أن اليهود كانوا يغتسلون عراة يرى أحد بعضهم عورة بعض وكان موسى - عليه السلام - حييا لا يحب أن يرى أحد عورته فاتهموه لأنه آدر.
الثانية: إتهامهم له بقتل هارون وذلك أنه توجه معه إلى زيارة فمات هارون فدفنه موسى، فطعن فيه بعض بني إسرائيل وقالوا: أنت قتلته.
الثالثة: إتهامهم له بانه زنى بامرأة وذلك بتواطئ قارون مع بني إسرائيل، حتى يقام عليه الحد فيرجم حتى يموت فيستريحوا منه، وقد برأه الله مما قالوا فيه من زور وبهتان". (انظر فتح الباري 6/438ز448 و 8/56 و10/476و512) .(1/381)
والحديث رواه البخاري أيضا من طريق سفيان الثوري، ومن طريق أبي حمزة السكري محمد بن ميمون، ومن طريق شعبة بن الحجاج الجميع عن الأعمش به1.
ورواه أحمد عن أبي معاوية الضرير محمد بن خازم عن الأعمش به. ومن طريق شعبة عن الأعمش به2.
كما رواه أيضا من طريق عاصم بن بهدلة عن أبي وائل، ولفظه يخالف ما تقدم بعض المخالفة وهذا سياقه: حدثنا يونس، حدّثنا حماد - يعني ابن زيد عن عاصم3 عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال: لما قسم رسول الله غنائم حنين بالجعرانة، ازدحموا عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عبدا من عباد الله بعثه الله إلى قومه فضربوه وشجوه4، قال: فجعل يمسح الدم عن جبهته ويقول: رب اغفر لقومي إنهم لا يعلمون" قال عبد الله كأني انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الدم عن جبهته يحكي الرجل ويقول: "رب اعفر لقومي إنهم لا يعلمون".
حدثنا عفان ثنا حماد بن سلمة قال أنا عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: تكلم رجل من الأنصار كلمة فيها موجدة على النبي صلى الله عليه وسلم فلم تقرني نفسي أن أخبرت بها النبي صلى الله عليه وسلم، فلوددت أني افتديت منها بكل أهل ومال، فقال: "قد آذوا
____________________
1 البخاري: الصحيح 4/125 كتاب أحاديث الأنبياء. و5/131كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، و8/16 كتاب الأدب، باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه، و8/54-55 كتاب الاستذان، باب إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارة والمناجاة، و8/62 كتاب الدعوات، باب قوله الله تعالى (وصل عليهم) .
2 أحمد المسند: 1/380 و411 و441، ورواه أيضا أبو يعلى في مسنده 5/470-471 ب - أو5/479 أرقم 305، والبيهقي دلائل النبوة 3/52 ب.
3 عاصم بن بهدلة بن أبي النجود الأسدي مولاهم الكوفي، أبو بكر المقرئ، صدوق له أوهام حجة في القراءة وقال الذهبي هو حسن الحديث وقد تقدم في حديث119.
4 الشج مختص من الجراح بالرأس والوجه (هدي الساري ص 137) .(1/382)
موسى - عليه الصلاة والسلام - أكثر من ذلك فصبر، ثم أخبر أن نبيا كذبه قومه وشجوه حين جاءهم بأمر الله، فقال وهو يمسح الدم عن وجهه "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" 1.
ج- ما أخرجه ابن إسحاق من حديث عبد الله بن عمرو وهذا سياقه:
184- قال: حدثني أبو عبيدة 2 بن محمد بن عمار بن يسار عن مقسم3 أبي
____________________
1 مسند أحمد 1/453 و 456 وفي الصحيحين من طريق الأعمش حدثني شقيق قال: قال عبد الله: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: "رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" لفظ البخاري. (صحيح البخاري 9/14 كتاب استتابة المرتدين) باب (5) . وصحيح مسلم 3/1417 كتاب الجهاد والسير باب غزوة أحد.
قال النووي: "قوله (يحكى نبيا من الأنبياء الخ) فيه ما كانوا عليه صلوات الله وسلامه عليهم من الحلم والتصبر، والعفو والشفقة على قومهم، ودعائهم لهم بالهداية والغفران وعذرهم في جنايتهم على أنفسهم بأنهم لا يعلمون وهذا النبي المشار إليه من المتقدمين، وقد جرى لنبينا صلى الله عليه وسلم مثل هذا في أحد" (شرح النووي على صحيح مسلم 4/434) وأشار ابن حجر إلى ما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، ثم قال: وعند أحمد من رواية عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال نحو ذلك يوم حنين لما ازدحموا عليه عند قسمة الغنائم". (فتح الباري 12/282) ، وعلى هذا فتكون هذه الحكاية حصلت في غزوة أحد، وفي غزوة حنين.
2 كذا في الحديث: (أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر) والحديث عند أحمد في المسند 2/219 من طريق ابن إسحاق وفي نهاية الحديث قال عبد الله بن أحمد: أبو عبيدة اسمه محمد وهو ثقة، وأخوه سلمة بن محمد ابن عمار لم يرو عنه الأعلى بن زيد، ولا يعلم خبره.
ومقسم ليس به بأس ولهذا الحديث طرق في هذا المعنى وطرق أخر في هذا المعنى صحاح قلت:
وقد وثق أبا عبيدة ابن معين وقال أبو حاتم: منكر الحديث وعقب الذهبي عليه بقوله: قلت: صدوق إن شاء الله، وختم ترجمته بقوله: وثقه غير واحد. (ميزان الاعتدال 4/549) .
أما ابن حجر فقال عنه في التقريب2/448: أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، أخو سلمة، وقيل هما واحد "مقبول" من الرابعة / ع (انظر تهذيب التهذيب 12/160-161) .
وعلى كل فإن أبا عبيدة يكون من رجال الحسن على أقل تقدير وقد حسن هذا الحديث ابن حجر نفسه في فتح الباري 12/291.
3 مقسم قال عنه ابن حجر في التقريب 2/273: صدوق وكان يرسل وفي التهذيب التهذيب 10/288-289. وثقه أحمد بن صالح المصري والعجلي ويعقوب بن سفيان والدارقطني.
وقال أبو حاتم: صالح الحديث لا بأس به.
وضعفه ابن سعد والساجي وابن حزم.
ورمز له الذهبي في ميزان الاعتدال 4/176 (بصح) إشارة إلى توثيقه، ثم قال: والعجب من أن البخاري أخرج له في صحيحه، وذكره في كتاب الضعفاء فساق له حديث شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس: "احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم" ثم روى عن شعبة أن الحكم لم يسمع من مقسم حديث الحجامة. وانظر: التاريخ للبخاري ص: 133-134 وقد تقدمت ترجمة مقسم في حديثها (75) .(1/383)
القاسم، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: خرجت أنا وتليد1 بن كلاب الليثي حتى أتينا عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو يطوف بالبيت معلقا نعله2 بيده، فقلنا له: هل حضرت رسول الله حين كلمه التميمي3 يوم حنين؟
قال: "نعم جاء رجل من بني تميم، يقال له ذو الخويصرة4، فوقف عليه وهو
____________________
1 تليد بن كلاب الليثي، ذكره ابن حجر في الإصابة 1/188-189 في القسم الرابع فيمن ذكر في الصحابة على سبيل التصحيف والغلط، وقال: استدركه الذهبي في التجريد، فقال حديثه في مسند أحمد في قول ذي الخويصرة "اعدل".
رواه ابن إسحاق عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن مقسم عن رجل عنه، ثم عقب ابن حجر على قول الذهبي هذا بقوله قلت: والحديث المذكور وقع في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص من مسند أحمد، وليس لتليد بن كلاب فيه رواية، بل له فيه مجرد ذكر.
ثم ساق حديث الباب عن أحمد من طريق ابن إسحاق، ثم قال: وكذا أخرجه الطبراني في المعجم الكبير في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص وقد تبين أن مقسما أخذ هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص مشافهة، وليس في السياق ما يقتضي أن يكون لتليد بن كلاب صحبة ولا له فيه رواية.
2 عند أحمد والطبري "معلقا نعليه".
3 عند أحمد (حين يكلمه) .
4 جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري: أن علي بن أبي طالب بعث من اليمن بذهبية فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر: بين عيينة والأقرع بن حابس وزيد الخيل، وعلقمة بن علاثة.
فقال ذو الخويصرة رجل من بني تميم، يا رسول الله اعدل، قال: "ويلك من يعدل إذا لم أعدل" فقال عمر: ائذن لي فلأضرب عنقه "قال: "لا، إن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية" الحديث.
قال ابن حجر: "تنبيه: هذه غير القصة المتقدمة في غزوة حنين وقد وهم من خلطها بها".
ثم قال: "ولمسلم من حديث جابر بن عبد الله نحو حديث أبي سعيد وفيه فقال: عمر: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق، فقال: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم"، يمرقون منه، لكن القصة التي في حديث جابر صرح في حديثه بأنها كانت منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة، وكان ذلك في ذي القعدة سنة ثمان، وكان الذي قسمه النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ فضة كانت في ثوب بلال، وكان يعطي كل ما جاء منها".
والقصة التي في حديث أبي سعيد صرح في رواية ابن أبي نعيم عنه أنها كانت بعد بعث عليّ إلى اليمن، وكان ذلك في سنة تسع، وكان المقسوم فيها ذهبا وخص به أربع أنفس، فهما قصتان في وقتين اتفق في كل منهما إنكار القائل، وصرح في حديث أبي سعيد أنه ذو الخويصرة التميمي ولم يسم القائل في حديث جابر ووهم من سماه ذا الخويصرة ظانا إتحاد القصتين.
ووجدت لحديث جابر شاهدا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل يوم حنين وهو يقسم شيئا، فقال: يا محمد اعدل، ولم يسم الرجل أيضا. وسماه محمد بن إسحاق بسند حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص وأخرجه أحمد والطبري أيضا ولفظه: أتي ذو الخويصرة التميمي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الغنائم بحنين فقال: يا محمد اعدل، فذكر نحو هذا الحديث المذكور، فيمكن أن يكون تكرر ذلك منه في الموضعين عند قسمة الغنائم حنين وعند قسمة الذهب الذي بعثه علي فظهر أن المعترض في الموضعين واحد إهـ.
(فتح الباري 8/68 و12/291 و293 بتصرف، وحديث أبي سعيد في البخاري 4/109 و159-160 و5/134 و6/56 و162 و8/32 و15 و102 و130، ومسلم: الصحيح 2/741-746، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج.
والروايات الواردة في هذا الباب جاء فيها بأن القائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم "لعدل" أنه رجل، وفي بعضها رجل من بني تميم وفي بعضها ذو الخويصرة التميمي، وفي بعضها ابن ذي الخويصرة التميمي وفي بعضها عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي، وقد اتفقت جميعها بأنه تميمي، وجاء عن الثعلبي ومن طريقه أخرجه الواحدي في أسباب النُّزول، فقال: ابن ذي الخويصرة التميمي وهو حرقوص بن زهير أصل الخوارج.
وكذا جاء عند أبي يعلى من طريق أفلح بن عبد الله بن المغيرة.
قال ابن حجر: "وما أدري من الذي قال هو حرقوص، وقد اعتمد على ذلك ابن الأثير، فترجم لذي الخويصرة في الصحابة، ثم ذكر رواية الثعلبي وقال في نهايتها: فقد جعل في هذه الرواية اسم ذي الخويصرة حرقوها". والله أعلم
قال ابن حجر: "وقد زعم بعضهم بأنه ذو الثدية وليس كذلك، وأكثر ما جاء ذكر هذا القائل في الأحاديث مبهما، ووصف بأنه مشرف الوجنتين غائر العينين ناشز الجبهة محلوق الرأس. الخ اهـ.
والخلاصة: أن تسمية القائل حرقوصا، جاء في رواية الثعلبي وقد قال ابن تيمية: الثعلبي: في نفسه خير ودين ولكنه حاطب ليل وقال ابن كثير: يوجد في كتبه من الغرائب شيء كثير".
وأما رواية أبي يعلى فإن فيها أبا معشر السندي، وهو ضعيف وأيضا فإن أفلح بن عبد الله قد روى هذا الحديث عن الزهري، فقال عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود عن أبي سعيد الخدري، بينما رواه عن الزهري معمر وشعيب فقالا: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري، ورواه الأوزاعي عن الزهري فقال فيه عن أبي سلمة الضحاك المشرقي عن أبي سعيد الخدري، ولذا فقد قال ابن حجر: وقد شذ أفلح بن عبد الله بن المغيرة عن الزهري، فروى هذا الحديث عنه فقال عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة عن أبي سعيد الخدري، أخرجه أبو يعلى.
(انظر فتح الباري12/292بتصرف، وأسد الغابة2/172والبداية النهاية لابن كثير 12/40 والتبيان في علوم القرآن للصابوني ص:211 وأسباب النزول للواحدي ص:167 ومسند أبي يعلى1/119 و2/120 رقم 301 ومجمع الزوائد6/234.(1/384)
يعطي الناس، فقال: يا محمد، قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أجل1 كيف رأيت؟ فقال: لم أرك عدلت، قال: "فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "ويحك! 2 إذا لم يكن العدل عندي، فعند من يكون! " فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله ألا أقتله؟ فقال: "لا دعه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون3 في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية، ينظر في النصل4، فلا يوجد شيء، ثم في القدح5،
____________________
1 أجل: بفتحتين: حرف جواب بمعنى "نعم".
2 ويحك: كلمة زجر لمن أشرف على هلكة.
3 يتعمقون في الدين: التعمق: التنطع والتعمق البعيد الغور الغالي في القصد المتشدد في الأمر الذي يطلب أقصى غايته.
4 النصل: حديدة السهم والرمح.
5 القدح: بالكسر السهم قبل أم يراش وينصل جمعه قداح وأقاديح.(1/385)
فلا يوجد شيء ثم في الفوق1، فلا يوجد شيء، سبق الفرث2 والدم" 3.
والحديث رواه أحمد والطبري والبيهقي الجميع من طريق ابن إسحاق به4.
وأورده الهيثمي ثم قال: "رواه أحمد والطبراني باختصار ورجال أحمد ثقات"5.
وقال ابن حجر: "بسند حسن"6.
ثم قال ابن إسحاق: "وحدثني محمد7 بن علي بن الحسين أبو جعفر بمثل حديث أبي عبيد وسماه ذا الخويصرة".
وحدثني عبد الله8 بن أبي نجيح عن أبيه9 بمثل ذلك10.
ومما مضى من الأحاديث يتبين لنا جفاء من صدر منه هذا القول السيء وخبث طويته حيث خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم ذلك الخطاب اللاذع المملوء بالحقد والغلظة والشراسة، كما يتضح لنا جليا حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحمله لملاقاة هذا القول وغيره إقتداء بسلفه
____________________
1 الفوق: طرف السهم الذي يباشر الوتر.
2 الفرث: ما يوجد في الكرش (النهاية 1/26 و3/299 و480 و4/20 و5/67 والقاموس المحيط 1/171 و241 و256 و3/268 و278، و327 و4/57 وهدي الساري ص 75 و160 و166 و170 و195 و207.
قال ابن حجر: "في معنى الحديث: أي يخرجون من الإسلام بغتة كخروج السهم إذا رماه رام قوي الساعد فأصاب ما رماه فنفذ منه بسرعة بحيث لا يعلق بالسهم ولا بشيء منه من المرمى شيء فإذا التمس الرامي سهمه وجده ولم يجد الذي رماه فينظر في السهم ليعرف هل أصاب أو أخطأ فإذا لم يره علق فيه شيء من الدم ولا غيره ظن أنه لم يصبه والفرض أنه أصابه، وإلى ذلك أشار بقوله "سبق الفرث والدم" أي: جاوزهما ولم يتعلق فيه منهما شيء، بل خرجا بعده" (فتح الباري 6/618 و 12/294) .
3 سيرة ابن هشام 2/496 والروض الأنف 7/251 والبداية والنهاية 4/362.
4 أحمد: المسند 2/219 والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/92. والبيهقي: دلائل النبوة 3/53 أ.
5 مجمع الزوائد 6/227-228.
6 فتح الباري 12/291.
7 هو الباقر ثقة فاضل تقدم في حديث (19) .
8 عبد الله بن أبي نجيح، يسار المكي، أبو يسار الثقفي مولاهم ثقة رمي بالقدر، وربما دلس، من السادسة (ت 131تو بعدها) / ع (التقريب 1/456 وتهذيب التهذيب 6/54) .
9 هو يسار المكي، أبو نجيح مولى ثقيف، مشهور بكنيته، ثقة من الثالثة وهو والد عبد الله بن أبي نجيح (ت109) / م د ت س (التقريب 2/274 وتهذيب التهذيب 11/377) .
10 سيرة ابن هشام 2/497 والروض الأنف 7/251 وتاريخ الرسل الملوك 3/92.(1/386)
الصالح من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر" إن صفة الصبر والحلم من أبرز الصفات التي يجب أن تتوافر في المسلم اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ذلك أن طريق الدعوة إلى الإسلام محفوف بالمكاره والمصاعب، فالإيذاء والبطش والاتهام والتعيير والسخرية، كلها من العقبات التي تزدحم في وجه العاملين الدائبين في الدعوة إلى الله عز وجل، كي تثبط هممهم وتشل حركتهم وتصرفهم عن الدعوة إلى الله.
ومن هنا فإن مهمة الداعية أن يتحمل ما يقال له من لذعات وسخرية وأن يقابل ذلك بالصبر والحلم، ولهذا كانت التوجيهات القرآنية والنبوية تفيض بالحث على التحلى بالصبر والحلم والأناة، وفي هذه الحادثة بالذات نرى كيف قابل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك القول السيّئ "يا محمد اعدل لم أرك عدلت" كان مقتضى ذلك قتله ولكن رسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، واكتفى بقوله: "ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل".
ثم قال: "رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر".
ولقد قال بعض الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ائذن لي في قتل هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي".
ذلك أن هذا القائل معدود في الصحابة، فلو أمر بقتله لقال الذي لا يعرف حقيقة الأمر إن محمدا يقتل أصحابه فكان في ذلك تنفير الناس عن الدخول في الإسلام، وتشويه سمعته، ولعل هذا وجه الحكمة في عدم معاقبة هذا القائل مع تصريحه بما يوجب قتله وإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن له أصحابا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.
وقد بوب البخاري بقوله: "باب من ترك قتال الخوارج للتآلف ولئلا ينفر الناس عنه" ثم ساق حديث أبي سعيد الخدري1.
قال ابن حجر: "في أثناء شرحه للحديث، قوله: "فإن له أصحابا" "هذا ظاهره أن ترك الأمر بقتله بسبب أن له أصحابا" بالصفة المذكورة، وهذا لا يقتضي ترك قتله مع ما أظهره من مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم بما واجهه.
____________________
1 الصحيح 9/15 كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم.(1/387)
فيحتمل أن يكون لمصلحة التألف كما فهمه البخاري، لأنه وصفهم بالمبالغة في العبادة مع إظهار الإسلام، فلو أذن في قتلهم لكان ذلك تنفيرا عن دخول غيرهم في الإسلام1.اهـ.
وقال المارزي: "وجه الحكمة في ترك قتل هذا القائل: يحتمل أن يكون لم يفهم منه الطعن في النبوة، وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة، والمعاصي ضربان: كبائر وصغائر، فهو صلى الله عليه وسلم معصوم من الكبائر بالإجماع، واختلفوا في الصغائر، ومن جوزها منع من إضافتها إلى الأنبياء على طريق التنقيص، وحينئذ فلعله صلى الله عليه وسلم لم يعقب هذا القائل: لأنه لم يثبت عليه ذلك، وإنما نقله عنه واحد، وشهادة الواحد لا يراق بها الدم"2.
وقد رد هذا القاضي عياض بقوله:
"هذا التأول باطل يدفعه قوله "اعدل يا محمد" "واتق الله يا محمد" وخاطبه خطاب المواجهة بحضرة الملأ حتى استأذن عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد النبي صلى الله عليه وسلم في قتله، فقال: "معاذ الله أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه" فهذه هي العلة، وسلك معه مسلكه مع غيره من المنافقين الذين آذوه، وسمع منهم في غير موطن ما كرهه، لكنه صبر استبقاء لانقيادهم وتأليفاً لغيرهم، لئلا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه فينفروا، وقد رأى الناس هذا الصنف في جماعتهم وعدوه من جملتهم"3اهـ.
والخلاف طويل في تكفير الخوارج وقتالهم، وليس هذا محله وقد ذكرنا ما يتطلبه المقام.
وأورد ابن تيمية اعتراض هذا المعترض على قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستئذان عمر بن الخطاب في قتله، وجواب الرسول صلى الله عليه وسلم له بقوله: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي".
____________________
1 فتح الباري 12/293.
2 شرح النووي على صحيح مسلم 3/106.
3 شرح النووي على صحيح مسلم 3/106.(1/388)
ثم قال: "فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع عمر من قتله إلا لئلا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، ولم يمنعه لكونه في نفسه معصوماً كما قال في حديث حاطب بن أبي بلتعة عندما كتب لأهل مكة: يخبرهم بغزو الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: "إنه شهد بدرا وما يدرك لعل الله اطلع على أهل بدر" فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".
فبيّن صلى الله عليه وسلم أنه باق على إيمانه، وأنه صدر منه ما يغفر له الذنوب فعلم أن دمه معصوم، وهنا علل بمفسدة زالت فعلم أن قتل مثل هذا القائل في غزوة حنين إذا أمنت هذه المفسدة جائز.
ثم قال: "ومما يشبه هذا أن عبد الله بن أبي لما قال: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" استأمر عمر في قتله فقال: "إذن ترعد له أنوف كثيرة بالمدينة" وقال: "لا يتحدث الناس أنّ محمداً يقتل أصحابه".
فعلم أن من آذى النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الكلام جاز قتله كذلك مع القدرة، وإنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتله لما خيف في قتله من نفور الناس عن الإسلام لما كان ضعيفاً1.
__________
1 ابن تيمية: الصارم المسلول على شاتم الرسول ص 178-179 بتصرف، وانظر: قصة حاطب وعبد الله بن أبي غزوة بني المصطلق ص 172 و184 و187 و189، وحاشية ص 211 تعليقة (6) من غزوة بني المصطلق أيضاً.(1/389)
المبحث الرابع: في بيان حكمة توزيع الغنائم على قوم دون آخرين
في نهاية غزوة حنين وزع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم بطريقة لم تكن مألوفة للصحابة من قبل، فقد خص صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم بالحظ الأوفر من هذه الغنائم.
ولقد أحدث ذلك التقسيم في نفوس أجلاء الصحابة تساؤلا فيما بينهم وعجب بعض مشاهير الصحابة من ذلك الأسلوب الذي اتبع في توزيع غنائم حنين وظن بعض الصحابة أن في ذلك حرمانا لهم وهم القاعدة الصلبة التي تحطمت عليها جحافل الشرك في الغزوات كلها ومنها غزوة حنين، ولم يكن أولئك المؤلفة قلوبهم ومن شاكلتهم ليبلغوا معشار ما بلغه مشاهير الصحابة من النجدة والجهاد والصمود في وجوه أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا كان لا بد للباحث أن يبين الحكمة في توزيع غنائم حنين خاصة إذا ظهر أنها قد خفيت على أولئك العظماء من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تظهر لهم إلا بعد أن بين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الحكمة من ذلك، فاستبانوا الأمر وزال عنهم الإشكال، وسوف نمضي سياق النصوص الواردة في هذا الصدد لندرك من خلال التأمل والتدبر فيها وجه الحكمة في توزيع الغنائم ويزول الإشكال الذي عبر عنه بعض الأنصار بقولهم: "إن هذا لهو العجب إن سيوفنا تقطر من دمائهم وإن غنائمنا ترد عليهم"1.
لقد حظي بهذه الغنائم الطلقاء والأعراب والرؤساء الذين يحملون الحقد للإسلام ونبي الإسلام والذين كانوا من جملة الأسباب في هزيمة المسلمين في بداية المعركة فقد جاء في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن أم سليم اتخذت يوم حنين خنجرا فكان معها، فرآها أبو طلحة فقال: يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجر! 2، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذا الخنجر"؟ قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله يضحك، قالت: يا رسول الله
____________________
1 انظر: 419-420 من مبحث موقف الأنصار من توزيع الغنائم تحت الحديث 203.
2 تقدم تخريجه برقم (47) و (60) .(1/390)
اقتل من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن" وفي حديثه أيضا قال: "افتتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينا" الحديث وفيه: "ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف، وعلى مجنبة خيلنا خالد بن الوليد، وقال: فجعلت خلينا تلوي خلف ظهورنا فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الأعراب ومن نعلم من الناس" 1.
وفي حديث صفوان بن أمية - رضي الله عنه - عند مسلم والترمذي وغيرهما وهذا سياق الترمذي:
185- "حدثنا الحسن2 بن علي الخلال أخبرنا يحيى3 بن آدم عن ابن المبارك4 عن يونس5 عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن صفوان بن أمية قال: "أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وإنه لأبغض الخلق إلي، فمازال يعطيني حتى أنه لأحب الخلق إلي".
قال أبو عيسى: "حدثني بن علي بهذا أو شبهه".
ثم قال: حديث صفوان: "رواه معمر وغيره عن الزهري عن سعيد ابن المسيب أن صفوان بن أمية قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن هذا الحديث أصح وأشبه، إنما سعيد بن المسيب أن صفوان بن أمية"6.
وعند مسلم عن ابن شهاب قال: "غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح فتح مكة، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين فاقتتلوا بحنين، فنصر الله دينه والمسلمين وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم، ثم مائة، ثم مائة" 7.
____________________
1 تقدم تخريجه برقم (46) .
2 هو الحرواني ثقة حافظ.
3 هو ابن سليمان الكوفي أبو زكريا مولى بني أمية ثقة حافظ.
4 هو عبد الله بن المبارك، ثقة ثبت.
5 هو ابن يزيد الأيلي ثقة، إلا أنه في روايته عن الزهري وهما قليلا، قاله ابن حجر في التقريب 2/386.
6 الترمذي: السنن 2/88 كتاب الزكاة باب ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم.
7 وعند الواقدي: "ويقال إن صفوان طاف مع النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يتصفح الغنائم إذ مر بشعب مما أفاء الله عليه، وفيه غنم وإبل ورعاؤها مملوء فأعجب صفوان، وجعل ينظر إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعجبك يا أبا وهب هذا الشعب؟ قال: نعم، قال: هو لك وما فيه. فقال صفوان: أشهد ما طابت بهذا نفس أحد قط، إلا نبي وأشهد أنك رسول الله (مغازي الواقدي 3/946) .
وانظر: أنساب الأشراف للبلاذري ص 362.(1/391)
قال ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب أن صفوان قال: "والله! لقد أعطاني1 رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي" 2.
والحديث عند الترمذي وابن سعد وأحمد والطبراني بلفظ عن سعيد بن المسيب "عن صفوان بن أمية" وظاهره الاتصال وعند مسلم والفسوي وابن عبد البر والبيهقي: "أن صفون بن أمية"3 وظاهره الانقطاع بين "سعيد بن المسيب وصفوان بن أمية".
وقد رجح الترمذي الأخير.
____________________
1 وعند أحمد: "أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وإنه لأبغض الناس إلي فمازال يعطيني حتى صار وإنه لأحب الناس إلي".
وعند ابن سعد: "لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وإنه لمن أبغض الناس إليّ، فما زال يعطيني حتى إنه لمن أحبّ الناس إليّ".
2 مسلم: الصحيح 4/1806كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال: "لا وكثرة عطائه ".
والترمذي: السنن 2/88 كتاب الزكاة، باب ماجاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم.
وابن سعد: الطبقات الكبرى 5/449 والطبراني المعجم الكبير 8/60 وأحمد: المسند 3/401 و6/465 وقد رواه بسندين:
الأول: قال حدثنا زكريا بن عدي عن سعيد بن المسيب عن صفوان بن أمية به.
والثاني: حدثنا زكريا بن عدي قال أنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد ابن المسيب عن صفوان بن أمية به.
ففي سند أحمد الأوّل زكريا بن عدي عن سعيد بن المسيب مباشرة، وفي السند الثاني بينه وبين سعيد بن المسيب ثلاثة من الرواة، وبهذا يكون قد سقط من السند الأوّل ثلاثة من الرواة.
وأيضاً فقد ذكر ابن حجر في تقريبه: سعيد بن المسيب من كبار الطبقة الثانية وزكريا في كبار العاشرة، فبينهما ثمان طبقات (انظر: التقريب 1/261و305) .
3 الفسوي: المعرفة والتاريخ 1/309 وابن عبد البر: الشفا 1/123، والبيهقي: السنن الكبرى 7/19.
وحديث صفوان هذا نسبه الزرقاني في شرح المواهب اللدنية 3/37 للبخاري ومسلم ونسبه السفاريني في شرح ثلاثيات مسند أحمد 2/28-29، للبخاري دون مسلم، والظاهر أن نسبته للبخاري خطأ وإنما هو عند مسلم عن أبي الطاهر، وأحمد ابن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب، وقد نسبه ابن الجوزي والمزي والنابلسي لمسلم دون البخاري.
انظر: تحفة الأشراف للمزي 4/189، حديث (4944) . وذخائر المواريث للنابلسي 1/270 حديث (2423) وتلقيح فهوم أهل الأثر لابن الجوزي ص 394.
والحديث رواه الطبري أيضا في جامع البيان 10/162 من طريق معمر عن الزهري قال: قال صفوان بن أمية الخ بإسقاط "سعيد بن المسيب".(1/392)
وأيده ابن العربي في عارضة الأحوذي حيث قال: الصحيح من هذا عن سعيد بن المسيب أن صفوان بن أمية؛ لأن سعيدا لم يسمع من صفوان شيئا وإنما يقول الراوي فلان عن فلان إذا سمع شيئا ولو حديثاً واحداً، فيحمل سائر الأحاديث التي سمعها من واسطة عنه على العنعنة، فأما إذا لم يسمع منه شيئا فلا سبيل إلى أن يحدث عنه لا بعنعنة ولا بغيرها1. اهـ.
إن هذا العطاء الجزيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤلفة قلوبهم وغيرهم ليدل على علو نفسه وغزارة جوده وعظيم سخائه، ومعرفته الكاملة بالدواء الذي يحسم الداء من أصله.
إن الحكمة والسياسة العادلة في هذا العطاء لأقوام دون آخرين هي إنقاذ أناس من النار بحطام زائل من الدنيا، ووكل آخرين إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، والإيمان واليقين، ويدل على هذا حديث عمرو ابن تغلب عند البخاري وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري:
186- حدثنا محمد2 بن معمر قال حدثنا أبو عاصم3 عن جرير بن حازم، قال سمعت الحسن4 يقول حدثنا عمرو5 بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي6 بمال أو سبي7 فقسمه، فأعطى رجالا وترك رجالا فبلغه أن الذين ترك عتبوا8، فحمد9 الله ثم أثنى عليه ثم قال: "أما بعد: فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع
____________________
1 انظر: المباركفوري: تحفة الأحوذي 3/335 والألباني: تخريج أحاديث فقه السيرة للغزالي ص 427-428.
2 هو ابن ربعي القيسي البصري البحراني - بالموحدة والمهملة.
3 أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد الشيباني.
4 الحسن: هو البصري.
5 عمرو بن تغلب - بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام ثم الموحدة - النمري - بفتح النون والميم - صحابي تأخر إلى الأربعين / خ س ق (التقريب 2/66 وتهذيب التهذيب 8/8-9) .
6 وفي لفظ عند البخاري والفسوي "قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم مال، فأعطى قوماً ومنع آخرين، فكأنهم عتبوا عليه" وعند أحمد "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه شيء فأعطاه ناسا وترك ناسا فبلغه عن الذين ترك أنهم عتبوا وقالوا".
7 قال ابن حجر: "في رواية الكشميهني "بشيء" وهو أشمل" (فتح الباري 6/254) وفي رواية أحمد "أتاه شيء".
8 عتب عليه يعتب ويعتب عتبا ومعتباً، والاسم المعتبة بفتح التاء وكسرها من الموجدة والغضب (النهاية 3/175) .
9 وعند أحمد "فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: " إني أعطي ناسا وأدع ناساً وأعطي رجالا وأدع رجالاً"، وعنده أيضاً، "إني أعطي أقواماً وأرد آخرين".(1/393)
أحب إلي من الذي أعطي ولكن أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع1 وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى2 والخير، فيهم عمرو بن تغلب3. "فوالله4 ما أحب أن لي بكلمة5 رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم"6. تابعه يونس7.
وفي حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأعطي رجالاً حدثاء عهد بكفر أتألفهم أو قال: أستألفهم" 8.
187- وفي حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً، فقلت: يا رسول الله! اعط فلاناً؛ فإنه مؤمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أو مسلم" أقولها ثلاثاً، ويردها على ثلاثاً "أو مسلم" ثم قال: "إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة9 أن يكبه الله في النار" 10.
____________________
1 الجزع - محرك ضد الصبر، والهلع: أشد الجزع والضجر. (النهاية 5/269 ومختار الصحاح ص:103،و697) .وفي لفظ عند البخاري "إني أعطي قوماً أخاف ظلعهم وجزعهم".وعنده وعند الفسوي "أعطي أقواماً لما في قلوبهم من الجزع والهلع".
2 الغني: بالكسر والقصر: ضد الفقر (مختار الصحاح ص: 483) وفي لفظ عند البخاري "من الخير والغنى".
3 وفي لفظ عند البخاري وأحمد والفسوي وأبي نعيم "منهم عمرو بن تغلب".
4 وعند البخاري أيضا "فقال عمرو بن تغلب: ما أحب أن لي بكلمة رسول الله الخ" وعند أحمد "قال: وكنت جالساً تلقاء وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم".
5 قوله: "ما أحب أن لي بكلمة من رسول الله الخ" أي التي قالها في حقه وهي إدخاله إياه في أهل الخير والغنى.
وقيل المراد: "الكلمة التي قالها في حق غيره، فالمعنى: لا أحب أن يكون لي حمر النعم بدلا من الكلمة المذكورة التي لي، أو يكون لي ذلك، وتقال تلك الكلمة في حقي" (فتح الباري 6/253) .
6 البخاري: الصحيح 2/10، كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد) 4/74 كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي يعطي المؤلفة وغيرهم من الخمس ونحوه.
و9/125-126 كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً} وأحمد: المسند 5/65 والفسوي: المعرفة والتاريخ 1/330 وأبو نعيم: حلية الأولياء 2/11 والبيهقي: السنن الكبرى 7/18) .
7 قال ابن حجر: "يونس هو: ابن عبيد، وقد وصله أبو نعيم في مسند يونس بن عبيد له، بإسناده عنه عن الحسن عن عمر بن تغلب" (فتح الباري 2/405) والمعنى: أن يونس تابع جريراً في شيخه الحسن البصري.
8 انظر مبحث موقف الأنصار من توزيع الغنائم حاشية (4) ص: 418.
9 وفي لفظ "خشية أن يكب في النار على وجهه".
10 البخاري: الصحيح 1/11 كتاب الإيمان، باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة الخ، 2/105-106،كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: {لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} ، ومسلم: الصحيح1/132-133كتاب الإيمان، باب تأليف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه، والنهي عن القطع بالإيمان من غير دليل قاطع، و2/732-733 كتاب الزكاة باب إعطاء من يخاف على إيمانه واللفظ له وأحمد: المسند1/176-182.(1/394)
قال ابن حجر: "الرجل المتروك اسمه: جعيل بن سراقة الضمري، سماه الواقدي في المغازي"1.
قلت: قول الواقدي المشار إليه هو "قال سعد بن أبي وقاص: يا رسول الله، أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة، وتركت جعيل بن سراقة الضمري!.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما والذي نفسي بيده، لجعيل بن سراقة خير من طلاع2 الأرض كلها مثل عيينة والأقرع، ولكني تألفتهما ليسلما ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه" 3.
188- وأخرج ابن إسحاق قال: حدثني محد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن قائلا قال: لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه: يا رسول الله اعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة ومائة وتركت جعيل بن سراقة الضمري! "4.
ثم ساق مثل حديث الواقدي.
وأورده ابن حجر في الإصابة ثم قال: هذا مرسل حسن: لكن له شاهد موصول.
189- روى الروياني5 في مسنده وابن عبد الحكم6 في فتوح مصر من طريق بكر7 بن سوادة عن أبي سالم8 الجيشاني عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "كيف ترى جعيلا؟ ".
____________________
1 فتح الباري 1/80.
2 طلاع الأرض، أي ما يملؤها حتى يطلع عنها ويسيل (النهاية 3/133) .
3 مغازي الواقدي 3/948.
4 سيرة ابن هشام 2/496 وتاريخ الرسل والملوك 3/91 والروض الأنف 7/250.
5 الروياني، هو: الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن هارون، صاحب المسند المشهور مات سنة سبع وثلاث مائة (تذكرة الحفاظ للذهبي 1/752-758) .
6 هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري، ثقة من الحادية عشرة (ت 257) س / له تاريخ مصر وغيره (التقريب 1/487 وتهذيب التهذيب 6/208، وشجرة النور الزكية في طبقات المالكية ص 67.
7 بكر بن سوادة بن ثمامة الجذامي أبو ثمامة المصري، ثقة فقيه من الثالثة (ت بضع وعشرين ومائة / خت م ع التقريب 1/106 وتهذيب التهذيب 1/483) .
8 هو سفيان بن هانئ المصري، أبو سالم الجيشاني - بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها معجمة - تابعي مخضرم، شهد فتح مصر، ويقال له صحبة، مات بعد ثمانين / م د س (المصدر السابق 1/312و4/123) وفي الإصابة (2/113) قال ابن مندة اختلف في صحبته، ثم قال ابن حجر، قلت: "اتفق البخاري ومسلم وأبو حاتم والعجلي وابن حبان على أنه تابعي، وقال ابن يونس: شهد فتح مصر وله رواية عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وكان قد وفد عليه وصحبه وروى أيضا عن أبي ذر وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم، وروى عنه ابنه سالم وحفيده سعيد بن سالم ويزيد بن أبي حبيب وبكر بن سوادة وآخرون ومات بالإسكندارية في إمرة عبد العزيز بن مروان، وكان عبد العزيز بن مروان أميراً على مصر من قبل أبيه واستمر عشرين سنة من سنة (60) إلى سنة (86) وهو والد عمر بن عبد العزيز (تهذيب التهذيب 6/356) .(1/395)
قلت: مسكينا كشكله من الناس.
قال: "وكيف ترى فلانا؟ "
قلت: سيد من السادات
قال: "لجعيل خير من ملء الأرض مثل هذا".
قال: قلت يا رسول الله، فلان هكذا وتصنع به ما تصنع.
قال: "إنه رأس قومه فتألفهم". إسناده صحيح وأخرجه ابن حبان من وجه آخر عن أبي ذر، ولكن لم يسم جعيلا1.
190- وأخرجه البخاري من حديث سهل بن سعد، فأبهم جعيلا وأبا ذر2.
وأخرجه أبو نعيم من طريق بكر بن سوادة أيضاً3.
____________________
1 الحديث أخرجه ابن حبان مطولا كما في موارد الظمآن ص 635 وفيه "قال أبو ذرّ: سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل من قريش قال: "هل تعرف فلانا؟ " قلت: نعم يا رسول الله.
قال: "فكيف تراه أو تره"؟ قلت: إذا سأل أعطي، وإذا حضر أدخل قال: "ثم سألني عن رجل من أهل الصفة" قال: هل تعرف فلانا؟ قلت: لا والله ما أعرفه يا رسول الله، فما زال يحليه وينعته حتى عرفته يا رسول الله فقلت: قد عرفته يا رسول الله، قال: فكيف تراه؟ فقلت: هو رجل مسكين من أهل الصفة فقال: "هو خير من طلاع الأرض من الآخر"، قلت: "يا رسول الله أفلا يعطى من بعض ما يعطى من بعض الآخر؟ فقال: إذا أعطي خيرا فهو أهله، وإذا صرف عنه فقد أعطي حسنة".
2 الإصابة 1/239 والحديث في صحيح البخاري 7/8، كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين 8/80، كتاب الرقاق، باب فضل الفقر، ولفظه: "عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: مرّ رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما تقولون في هذا؟ " قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال: أن يستمع"، قال: ثم سكت،. فمرّ رجل من فقراء المسلمين، فقال: ما تقولون في هذا؟ "، قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال: أن لا يستمع"، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا خير من ملء الأرض مثل هذا".
وأخرجه أيضا ابن ماجه في 2/1379 كتاب الزهد، باب فضل الفقراء، قال ابن حجر: في هذا الحديث قوله (مر برجل) لم أقف على اسمه ويؤخذ من رواية ابن إسحاق أنه عيينة بن حصن الفزاري، والأقرع بن حابس ثم ساق حديث ابن إسحاق.
وأما المار الثاني: فإني لم أقف على اسمه ويؤخذ مما أخرجه الروياني في مسنده وابن عبد الحكم (في فتوح مصر) أنه جعيل بن سراقة (فتح الباري 9/136 و11/227) .
3 حلية الأولياء 1/353.(1/396)
191- وفي حديث رافع بن خديج - رضي الله عنه - عند مسلم وغيره وهذا سياق مسلم:
حدثنا محمد1 بن أبي عمر المكي حدثنا سفيان2 عن عمر3 بن سعيد بن مسروق عن أبيه4، عن عباية5 بن رفاعة عن رافع بن خديج قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب وصفوان6 بن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس كل إنسان منهم مائة من الإبل، وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك، فقال عباس بن مرداس:
أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع؟
فما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس7 في المجمع
وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تخفض اليوم لا يرفع
قال: فأتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة.
ثم قال مسلم: وحدثنا أحمد بن عبدة الضبي أخبرنا ابن عيينة عن عمر بن سعيد بن مسروق بهذا الإسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنائم حنين فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة من الإبل، وساق الحديث بنحوه.
وزاد: وأعطى علقمة بن علاثة8 مائة9.
وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما كان يوم حنين آثر رسول
____________________
1 هو العدني.
2 هو ابن عيينة.
3 هو أخو سفيان الثوري.
4 هو سعيد بن مسروق الثوري.
5 عباية - بفتح أوله والموحدة الخفيفة وبعد الألف تحتانية - خفيفة ابن رفاعة بن رافع ابن خديج الأنصاري الزرقي، من الثالثة.
6 تقدم في حديث (185) ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه مائة من الغنم، ثم مائة، ثم مائة.
7 قوله (يفوقان مرادس) ، قال النووي: هو كذا في جميع الروايات غير مصروف وهو حجة لمن جوز ترك الصرف بعلة واحدة، وأجاب الجمهور بأنه في ضرورة الشعر (شرح النووي 3/103) .
8 علاثة: بضم العين المهملة وتخفيف اللام وبثاء مثلثة المصدر السابق 3/103.
9 مسلم: الصحيح 2/737 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه، والحميدي: المسند 1/200، والمعجم الكبير للطبراني 4/325، والبيهقي: دلائل النبوة 3/51 ب.(1/397)
الله صلى الله عليه وسلم أناساً في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى ناساً من أشراف العرب، فآثارهم يومئذ في القسمة" الحديث1.
وفي حديث أنس بن مالك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى أبا سفيان وعيينة والأقرع وسهيل بن عمرو في الآخرين يوم حنين" الحديث2.
وفي لفظ "لما أفاء الله على رسوله أموال هوازن فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل كل رجل" 3.
وفي لفظ: "وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من غنائم كثيرة فقسم في المهاجرين والطلقاء" 4.
وفي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه قال: "لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم" الحديث5.
192- وعند الطبراني قال: حدثنا إسحاق6 بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق عن معمر7 عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، وعن هشام بن عروة عن أبيه، قال أعطى النبي صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام يوم حنين عطاء
____________________
1 تقدم تخريجه برقم (183) .
2 انظر حديث (204) .
3 انظر تحت حديث (203) تعلقة (6) ص 417) .
4 انظر تحت حديث (203) ص: (416) .
5 انظر تخريجه برقم: (205) .
6 إسحاق بن إبراهيم بن عباد أبو يعقوب - الدبر - بفتح الدال المهملة والباء الموحدة وبعدها راء - راوي كتب عبد الرزاق عنه.
وقد استصغر في عبد الرزاق فسمع منه تصانيفه وهو ابن سبع سنين أو نحوها وقد روى عن عبد الرزاق أحاديث منكرة فوقع التردد فيها، هل هي منه فانفرد بها، أو هي معروفة مما تفرد به عبد الرزاق. وقد احتج بالدبري أبو عوانة في صحيحه وغيره وأكثر عنه الطبراني.
قال الدارقطني في رواية الحاكم: "صدوق ما رأيت فيه خلافا، إنما قيل لم يكن من رجال هذا الشأن قلت: ويدخل في الصحيح! قال: إي والله وقد رمز له الذهبي بـ (صح) إشارة إلى أنه ثقة، مات سنة 285 على الأشهر أو 287" (ميزان الاعتدال 1/181-182 ولسان الميزان لابن حجر 1/349-350 واللباب لابن الأثير 1/489) .
7 أي: إن معمراً روى هذا الحديث عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير. ورواه أيضا عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير.(1/398)
فاستقبله1 فزاده، فقال: يا رسول الله أي عطيتك خير؟ قال: "الأولى". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا حكيم بن حزام إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذها بسخاوة نفس وحسن أكلة بورك له فيه، ومن أخذه باستشراف نفس وسوء أكلة لم يبارك له، وكان الذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى". قال: ومنك يا رسول الله، قال: "ومني". قال: "فوالذي بعثك بالحق لا أرزأ2 بعدك أحداً شيئاً أبداً". قال: "فلم يقبل ديوانا 3 ولا عطاء حتى مات" 4.
فكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: "اللهم إني أشهدك على حكيم بن حزام أني ادعوه لحقه من هذا المال وهو يأبى، فقال: "إني والله لا أرزاك ولا غيرك، فمات حين مات وإنه لمن أكثر قريش مالاً"5.
والحديث أخرجه الواقدي من طريق سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير عن حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين، مائة من الإبل فأعطنيها، ثم سألته مائة فأعطنيها، ثم سألته مائة فأعطنيها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا حكيم بن حزام، إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه" الحديث.
ثم قال الواقدي أيضا وحدثني ابن أبي الزناد6 قال: "أخذ حكيم المائة الأولى ثم ترك" 7.
____________________
1 لعل الصواب: فاستقله.
2 لا أرزأ: أي لا آخذ من أحد شيئا بعدك (النهاية 2/218) .
3 الديوان - ويفتح مجتمع الصحف، والكتاب يكتب فيه أهل الجيش، وأهل العطية، وأول من وضعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، جمعه دواوين ودياوين (القاموس المحيط 4/224) .
4 قال ابن حجر: "وإنما امتنع حكيم من أخذ العطاء مع أنه حقه لأنه خشي أن يقبل من أحد شيئا فيعتاد الأخذ فتتجاوز به نفسه إلى ما لا يريده ففطمها عن ذلك وترك ما يريبه، وإنما أشهد عليه عمر - رضي الله عنه - لأنه أراد أن لا ينسبه أحد لم يعرف باطن الأمر إلى منع حكيم من حقه" (فتح الباري 3/336) .
5 المعجم الكبير للطبراني 3/210.
6 ابن أبي الزناد: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان.
7 مغازي الواقدي 3/945.(1/399)
193- والحديث في الصحيحين وغيرهما من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير نحوه1 وليس فيه لفظ "حنين".
ومن المعلوم أن حكيم بن حزام من مسلمة الفتح، ومن مؤلفة قلوبهم، وأن هذا تأليف لأهل مكة إنما كان في غزوة حنين.
كما صرّح حديث الطبراني والواقدي بذلك، وأن تلك الأموال الكثيرة إنما كانت في غزوة حنين، ولم يقع بعد فتح مكة، غزوة حصلت فيها مثل تلك الغنائم في العهد النبوي سوى غزوة حنين، إن هذه العطايا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقعت من نفوس القوم موقعها وظهرت الحكمة جلية من وراء ذلك، وهو استئلاف أناس للدخول في الإسلام أو تثبيتهم عليه، ووكل آخرين إلى إيمانهم.
قال ابن حجر: "اقتضت حكمة الله أن غنائم الكفار لما حصلت ثم قسمت على من لم يتمكن الإيمان من قلبه لما بقي من الطبع البشرى في محبة المال فقسمه فيهم لتطمئن قلوبهم وتجتمع على محبته، لأنها جلبت على حب من أحسن إليها، ومنع أهل الجهاد من أكابر المهاجرين ورؤساء الأنصار مع ظهور استحقاقهم لجميعها، لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصورا عليهم، خلاف قسمته على المؤلفة، لأن فيه
____________________
1 البخاري: الصحيح 2/104 كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة، و4/5 كتاب الوصايا، باب تأويل قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} و4/73 كتاب الفرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة وغيرهم من الخمس، و8/79 كتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا المال خضرة حلوة". ومسلم: الصحيح 2/717 كتاب الزكاة، باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، الترمذي: السنن 4/56 كتاب صفة القيامة.
والنسائي: السنن 5/45 كتاب الوكالة، باب اليد العليا، 5/75-77 من كتاب الزكاة أيضا، باب مسألة الرجل في أمر لا بد منه.
والحميدي: المسند 1/253 والدارمي: السنن 1/326 كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة و2/219 كتاب الرقاق، باب الدنيا خضرة حلوة. واحمد: المسند 3/434 والطبراني: المعجم الكبير 3/210-213 والبيهقي: السنن الكبرى 4/196 وقد نسب المزي في الأطراف وتبعه صاحب ذخائر المواريث - هذا الحديث للترمذي في كتاب الزهد عن سويد بن نصر، ولم أجده في كتاب الزهد بعد مراجعته مراراً في الطبعة التي بين يدي، وقد تحصلت على الحديث في كتاب القيامة، وهو عن سويد بن نصر.
(انظر: الأطراف للمزي 3/74 حديث: (3426) ، وذخائر المواريث 1/197، حديث 1788) .(1/400)
استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم فلما كان ذلك العطاء سببا لدخولهم في الإسلام ولتقوية قلب من دخل فيه قبل تبعهم من دونهم في الدخول، فكان في ذلك عظيم المصلحة". إهـ1.
194- "وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه" 2.
ومن خلال ما سبق من النصوص التاريخية والأحاديث النبوية تبرز أمامنا حقيقتان:
الأولى: دقة نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمق معرفته بدخائل النفوس البشرية وما يقوم اعوجاجها، حيث أعطى تلك العطايا السخية ومنح تلك المنح الهائلة لأناس يعادونه، وكفار لم يدخلوا في دين الله بعد وآخرين يتألف بهم قومهم لعلهم يهتدون ويسلمون، وكانت النتيجة التي توخها صلى الله عليه وسلم من تخصيص هؤلاء الذين تألفهم بهذه العطايا أن أسلموا وحسن إسلامهم وكانوا جنودا صادقين في الدفاع عن الإسلام والانخراط في سلك المهاجرين والأنصار الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه كما دلت على ذلك النصوص السابقة.
وعلى وجه الإيجاز كانت تلك الأعطيات بردا وسلاما على نفوس أولئك النفر وشفاء لما في صدورهم من مرض الضلال وحب المادة وقد عبروا أنفسهم عن هذا الإحساس وهذا التحول النفسي الخطير حين قال بعضهم "أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وإنه لأبغض الخلق إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لحب الخلق إلي" وكفى بهذه النتيجة العظيمة دليلا على حسن ذلك التقسيم للغنائم، وأنه واقع موقعه، وكيف لا يكون كذلك وهو عمل المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
____________________
1 فتح الباري 8/49.
2 صحيح مسلم 4/1806 كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال: لا، وكثرة عطائه.(1/401)
الحقيقة الثانية: في هذه الغزوة تجلت قوة إيمان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وثباتهم العظيم أمام مغريات المادة وأنهم كانوا كما قيل "يقلون عند الطمع ويكثرون عند الفزع"1.
بل إنهم أعظم من هذا بكثير كانت غايتهم - رضي الله عنهم - الدفاع عن دينه ونشر الحق، ولم تكن المادة مسيطرة على نفوسهم ولا باعثة لهم على الجهاد كما يزعم ذلك أعداء اله من المستشرقين وأذنابهم، وهذا الموقف العظيم لهم من أعظم الأدلة على طهارة نفوسهم ووضوح هدفهم ونبل مقاصدهم في جهادهم في سبيل الله، ولقد رباهم الرسول الله صلى الله عليه وسلم التربية الإسلامية الكاملة في معناها، ووثق صلى الله عليه وسلم من إيمانهم ووكلهم إلى هذا الإيمان، وما كان تساؤلهم في مبدأ توزيع الغنائم ولا تعجبهم من ذلك التقسيم لها إلا بسبب خفاء الحكمة عليهم في ذلك حتى بين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم الحكمة من ذلك فرضوا وسلموا له تسليما ولم يبق في نفوسهم حرج ولا ميل عن الحق، بل كانوا مغتبطين بما أوضحه الرسول صلى الله عليه وسلم لهم من أنه وكلهم إلى ما في قلوبهم من الغنى والخير والإيمان واليقين.
وما دام الحديث عن المؤلفة قلوبهم والحكمة من إعطائهم فيحسن بنا أن نعرفهم ونسرد أسماءهم كما ذكر ذلك أهل المغازي وغيرهم فنقول:
____________________
1 ذكر ذلك الجاحظ في البيان والتبيين 2/45 بلفظ "فمن كلامه صلى الله عليه وسلم حين ذكر الأنصار فقال: "أما والله ما علمتكم إلا لتقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع" ولم أجده في كتاب من كتب الحديث.(1/402)
المؤلفة قلوبهم
أ- المؤلفة: جمع مؤلف، مأخوذ من التأليف، وهو المدارة والإيناس، يقال: تألف فلان فلانا إذا داراه وآنسه وقاربه وواصله حتى يستمليه1 إليه.
ب- وفي الاصطلاح: هم السادة المطاعون في عشائرهم ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره، أو يرجى بعطيته قوة الإيمان منه، أو إسلام نظيره، أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها، أو الدفع عن المسلمين2.
قال ابن حجر: "المراد بالمؤلفة ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلاما ضعيفا، وقيل كان فيهم من لم يسلم بعد كصفوان بن أمية، وقد اختلف في المراد بالمؤلفة قلوبهم الذين هم أحد المستحقين للزكاة فقيل: كفار يعطون ترغيبا في الإسلام، وقيل مسلمون لهم أتباع كفار ليتألفوهم وقيل مسلمون أوّل ما دخلوا في الإسلام ليتمكن الإسلام من قلوبهم".
ثم قال: "وأما المراد بالمؤلفة هنا: فهذا الأخير، لقوله في الحديث "فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم" 3.
195- وقال ابن إسحاق4: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم وكانوا أشرافاً من أشراف الناس، يتألفهم ويتألف بهم قومهم، فأعطى أبا سفيان بن حرب مئة بعير5، وأعطى ابنه معاوية مائة بعير، وأعطى حكيم ابن حزام مئة بعير6، وأعطى
____________________
1 القاموس المحيط 3/119 ولسان العرب 10/ 353 والمصباح المنير 1/26) .
2 جامع البيان للطبري 10/161 والإفصاح لابن هبيرة 1/224-225، والمغني لابن قدامة 6/428-429 والعدة شرح العمدة للمقدسي ص 142-143 والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف لعلاء الدين المرداوي 3/227 وتاريخ الخميس للدياربكري 2/114 والسيرة الحلبية لبرهان الحلبي3/85 والفقه على المذاهب الأربعة للجزيري 1/623 و624 و625 ومنهاج المسلم للجزائري ص 256.
3 فتح الباري 8/48.
4 وساق الطبري أسماء المؤلفة قلوبهم من غير طريق ابن إسحاق: فقال: حدثنا عبد الأعلى قال: ثنا محمد بن ثور عن معمر عن يحيى بن أبي كثير: أن المؤلفة قلوبهم الخ (جامع البيان 10/161-162.
5 وأربعين أوقية فضة، وأعطى ابنه معاوية ويزيد كل واحد مثله، فقال أبو سفيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله إنك لكريم فداك أبي وأمي، والله لقد حاربتك فلنعم المحارب كنت، ولقد سالمتك فنعم المسالم أنت جزاك الله خيراً (مغازي الواقدي 3/944-945) .
6 وعند الواقدي: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه مائة، ثم مئة ثم مئة، ثم وعظه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ المائة الأولى ثم ترك.(1/403)
الحارث1 بن الحارث بن كلدة مئة بعير، وأعطى الحارث بن هشام مئة بعير، وأعطى سهيل بن عمرو ومئة بعير2، وأعطى حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس مئة بعير3، وأعطى العلاء4 ابن جارية الثقفي حليف بني زهرة مئة بعير، وأعطى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر مئة بعير، وأعطى صفوان بن أمية مئة بعير5، فهؤلاء أصحاب المئين.
وأعطى دون المائة رجالا من قريش منهم:
مخرمة بن نوفل الزهري6، وعمير بن وهب الجمحي7.
وهشام8 بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي لا أحفظ ما أعطاهم وقد عرفت أنها دون المئة.
وأعطى سعيد بن يربوع بن عن كثة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل9،
____________________
1 كان أبوه طبيب العرب وحكيمها، وهو من المؤلفة قلوبهم، وكان من أشراف قومه وأما أبوه الحارث بن كلدة فمات أوّل الإسلام ولم يصح إسلامه.
(انظر: أسد الغابة 1/384 و420 و2/45 و3/10 و5/209 و491 و6/148-149) وانظر: ترجمة الحارث بن كلدة في الإصابة 1/288) .
2 زاد الزرقاني: (أخوه سهل) (شرح المواهب 3/37 وأسد الغابة 2/475.
3 انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 5/454.
4 العلاء بن جارية - بجيم وتحتية- كذا في الإصابة 2/497 وشرح المواهب اللدنية 3/37 ووقع في أسد الغابة 4/73 وفتح الباري 8/48.
العلاء بن (حارثة) بالحاء المهملة والمثلثة وكذا في جامع البيان للطبري 10/162 وعند الواقدي 3/946 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه خمسين بعيرا.
5 تقدم في حديث (185) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه مائة من النعم ثم مائة، ثم مائة.
6 وعند الواقدي 3/946 وأسد الغابة 5/125 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه خمسين بعيرا.
7 في شرح المواهب قال: أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين من الإبل وذكر ابن عبد البر في المؤلفة: عمير بن ودقة وقال: "لم يبلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل من غنائم حنين وكذا قيس بن مخرمة وعباس بن مرداس وهشام بن عمرو وسعيد بن يربوع وسائر المؤلفة قلوبهم أعطاهم مائة مائة" (الاستيعاب 2/489) .
وقال ابن حجر: "لم يذكر ابن إسحاق عمير بن ودقة في المؤلفة وذكر بدله "عمير بن وهب الجمحي" وبدل "قيس بن مخرمة" "مخرمة بن نوفل" الإصابة 3/35) .
8 وعند الواقدي 3/946 أعطاه خمسين من الإبل.
9 انظر الاستيعاب: لابن عبد البر 2/489 مع الإصابة، والإصابة 2/51-52.(1/404)
وأعطى السهمي خمسين من الإبل1، وأعطى عباس بن مرداس أبا عمر فسخطها، فعاتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عباس بن مرداس يعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم
كانت نهابا تلافيتها ... بكري على المهر في الأجرع 2
وإيقاظي القوم أن يرقدوا ... إذا هجع الناس لم أهجع
فأصبح نهبي ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع3
وقد كنت في الحرب ذا تدرا ... فلم أعط شيئا ولم أمنع
إلاّ أفائل4 أعطيتها ... عديد قوامها الأربع
وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان شَيْخِيَّ في المجمع5
وما كنت دون امرئ منها ... ومن تضع اليوم لا يرفع
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا به، فاقطعوا عني لسانه، فأعطوه حتى رضي6، فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم" 7.
____________________
1 قال ابن حجر: "قال ابن هشام: اسمه عدي بن قيس السهمي، وروى ابن مردويه من طريق بكر بن بكار عن علي بن المبارك عن يحيى ابن أبي كثير في تسمية المؤلفة عدي بن قيس السهمي".
ثم قال ابن حجر: "عند ذكره قيس بن عدي السهمي: قال: ذكره ابن إسحاق في السيرة الكبرى، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم فيمن أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين في المؤلفة دون المائة".
وذكره الواقدي فيمن أعطاه مائة، ثم قال: "فلا أدري هل عدي بن قيس، وقيس بن عدي واحد انقلب، أو اثنان".
وقال الزرقاني: "قال الشامي: الظاهر أنهما اثنان، لاتفاق ابن إسحاق والواقدي على ذلك". (انظر الإصابة 2/471 و3/35 و255 ومغازي الواقدي 3/946 وشرح المواهب اللدنية 3/37) .
2 الأجرع: الأرض ذات الحزونة متشاكل الرمل. (المعجم الوسيط 1/118) .
3 قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم: أن عباس بن مرداس أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت القائل:
فأصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة
، فقال أبو بكر الصديق: بين عيينة والأقرع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هما واحد.
فقال أبو بكر: أشهد أنك كما قال الله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} ، [سورة يّس: من الآية: 69] . (سيرة ابن هشام 2/494) . ونسبه ابن كثير: لعروة بن الزبير وموسى بن عقبة عن الزهري (البداية والنهاية 4/360) .
4 في القاموس المحيط 3/329: أفيل: كأمير ابن المخاض فما فوقه، والفصيل، جمعه أفال كجمال، وأفائل.
5 شيخي: يعني أباه مرداسا، ويروى "شَيْخِيَّ" بتشديد الياء يريد أباه وجده، قال ابن هشام: "أنشدني يونس النحوي" فما كان حصن ولا حابس.. يفوقان (مرداس) في المجمع واستشهد بهذا البيت على ترك صرف ما ينصرف لضرورة الشعر.
6 وعند مسلم في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم له مائة انظر حديث (191) .
7 سيرة ابن هشام 2/492-494 والروض الأنف 7/246-248.(1/405)
الحديث أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم به، ثم ساق سندا آخر عن عبد الله الأعلى عن محمد بن ثور عن معمر عن يحيى بن أبي كثير ثم ساق جملة من المؤلفة1.
وقد سرد ابن هشام تسمية المؤلفة قلوبهم ونسبهم إلى بطونهم فقال:
196- حدثني من أثق به من أهل العلم في إسناد له، عن ابن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: "بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وغيرهم، فأعطاهم يوم الجعرانة من غنائم حنين:
أ- من بني أمية بن عبد شمس: أبو سفيان بن حرب بن أمية، وطليق بن سفيان بن أمية، وخالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية2.
ب- ومن بني عبد الدار بن قصي: شيبة3 بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، وأبو السنابل4 بن بعكك ابن الحارث بن عميلة بن السباق بن عبد الدار، وعكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار.
ج- ومن بني مخزوم بن يقظة: زهير5 بن أبي أمية بن المغيرة، والحارث بن هشام بن المغيرة، وهشام بن الوليد بن المغيرة، وسفيان بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وخالد بن هشام بن المغيرة، والسائب بن أبي السائب بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
____________________
1 تاريخ الرسل والملوك 3/90 وجامع البيان 10/161-162.
2 وزاد غيره فيهم: معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن أبي سفيان. وانظر حديث (195) وخالد بن أسيد - بفتح الهمزة وكسر السين هو أخو عتاب بن أسيد، وطليق بن سفيان كان هو وابنه حكيم بن طليق من المؤلفة قلوبهم، وعند ابن حزم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى طليقاً وخالد بن أسيد كل واحد دون المائة (جوامع السيرة ص (246) وانظر: أسد الغابة 2/89 و3/96) .
3 هو الذي حاول الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وكان ممن ثبت بعد ذلك وقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر ابن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه دون المائة.
4 أبو السنابل: جمع سنبلة، وبعكك - بموحدة فمهملة، فكافين وزن جعفر - كره ابن حزم فيمن أعطي دون المائة، وكذا عكرمة بن عامر بن هاشم.
5 قيل أنه أخو أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزاد بعضهم في بني مخزوم: سعيد بن يربوع انظر حديث (195) . وعبد الرحمن بن يربوع، عثمان بن وهب المخزومي.(1/406)
د- ومن بني عدي بن كعب: مطيع بن الأسود بن حارثة بن نضلة، وأبو جهم بن حذيفة بن غانم1.
هـ- ومن بني جمح بن عمرو: صفوان بن أمية بن خلف، وأحيحة2 بن أمية بن خلف، وعمير بن وهب بن خلف، وعمير بن وهب بن خلف.
و ومن بني سهم: عدي بن قيس بن حذافة السهمي3.
ز- ومن بني عامر بن لؤي: حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس ابن عبدود، وهشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب.
ومن أفناء القبائل:
ح- من بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة: نوفل بن معاوية بن عروة ابن صخر بن رزن بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل.
ط- ومن بنى قيس، ثم من بني عامر بن صعصعة ثم من بني كلاب ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة: علقمة4 بن علاثة بن عوف بن الأحوص ابن جعفر بن كلاب، ولبيد5 بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب.
____________________
1 انظر: أسد الغابة 2/261، و534، و112، و3/501، و4/73، 5/191، و6/57، وجوامع السيرة لابن حزم ص 246) .
2 أحيحة - بمهملتين مصغرا - أخو صفوان بن أمية، كان من المؤلفة قلوبهم (انظر أسد الغابة 1/69، والإصابة 1/23، شرح المواهب 3/37) .
3 تقدم في حديث (195) حاشية ص 405 تعليقة (1) قول ابن حجر: فلا أدري هل عدي بن قيس وقيس بن عدي واحد انقلب أو اثنان.
وزاد الزرقاني في شرح المواهب 3/37: الجد بن قيس السهمي وقال: أورده ابن الجوزي في التلقيح. وقد راجعت أسد الغابة والإصابة فلم أجد من اسمه الجد بن قيس السهمي، وإنما الموجود الجد بن قيس الأنصاري السلمي وكان ممن يظن فيه النفاق وفيه نزل قوله تعالى:
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} ، [سورة التوبة، الآية: 49] . (أسد الغابة: 1/327 والإصابة 1/228) .
4 قال ابن حجر: ثبت ذكره في الصحيح في حديث أبي سعيد الخدري من رواية عبد الرحمن بن أبي نعم عنه قال: بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهبية في تربتها، فقسمها بين (أربعة نفر: عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وعلقمة بن علاثة / وزيد الخيل) الحديث (الإصابة 2/503) .
والحديث في صحيح البخاري 4/109 كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى (وإلى عاد أخاهم هودا) . وصحيح مسلم: 2/741-742 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام، إلخ.
وكذا ثبت ذكره في حديث رافع بن خديج عند مسلم انظر حديث (191) .
5 في أسد الغابة 4/516: وكان لبيد بن ربيعة، وعلقمة بن علاثة العامريان من المؤلفة قلوبهم، وحسن إسلامهما.(1/407)
ي- ومن بني عامر بن ربيعة: خالد بن هوذة بن ربيعة بن عمرو ابن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وحرملة بن هوذة بن ربيعة بن عمرو.
ك- ومن بني نصر بن معاوية: مالك بن عوف بن سعيد بن يربوع.
ل- ومن بني سليم بن منصور: عباس بن مرداس بن أبي عامر: أخو بني الحارث بن بهثة بن سليم1.
م- ومن بني غطفان، ثم من بني فزارة: عيينة بن حصن بن حذيفة ابن بدر.
ن- ومن بني تميم ثم من بني حنظلة: الأقرع بن حابس بن عقال، من بني مجاشع بن دارم2.
فهؤلاء تسعة وعشرون شخصا ذكرهم ابن هشام.
قلت: وزاد غيره:
س- في بني أمية بن عبد شمس: معاوية بن أبي سفيان، يزيد بن أبي سفيان، خالد بن أسيد، طليق بن سفيان وابنه حكيم بن طليق3.
ع- وفي بني مخزوم بن يقظة: سعيد بن يربوع، وعبد الرحمن بن يربوع، عثمان بن وهب المخزومي، عكرمة بن أبي جهل4.
ف- وفي بني سهم: الجد بن قيس السهمي5.
ص- وفي بني سليم: عمير بن مرداس اخو عباس بن مرداس.
ق- ومن بني هاشم: أبو سفيان الحارث بن عبد المطلب6.
____________________
1 وزاد ابن الجوزي: عمير بن مرداس، أخو عباس بن مرداس، ذكر ذلك ابن حجر في الفتح 8/48 والزرقاني في شرح المواهب اللدنية 3/37) .
2 سيرة ابن هشام 2/494 -496 والروض الأنف 7/248-250.
3 انظر حاشية ص 406 تحت حديث (196) والقاموس المحيط 3/118.
4 انظر شرح المواهب اللدنية 3/37.
5انظر: حاشية ص407تعليقة (3) تحت حديث (196) والقاموس المحيط3/118-119.
6 انظر جامع البيان للطبري 10/162، نصب الراية للزيلعي 2/394 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/37.(1/408)
ر- ومن ثقيف: العلاء بن جارية الثقفي1، وأسيد2 بن جارية الثقفي، والأخنس3 بن شريق، عمير بن الأخنس بن شريف4.
ش- ومن بني تميم: عمرو بن الأهتم5.
ت- ومن بني أسد بن عبد العزى: حكيم بن حزام6.
ث- ومن بني عبد مناف: جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف النوفلي7.
خ-ومن بني نبهان: زيد بن مهلهل النبهاني، المعروف بزيد الخيل8.
ذ- ومن بني عبد شمس بن عبدود: سهيل بن عمرو العامري، وأخوه سهيل بن عمرو9.
ض-كعب بن الأخنس10.
فهؤلاء اثنان وخمسون رجلا.
قال الزرقاني: "وقد سردهم ابن الجوزي11 في التلقيح وابن طاهر12 في "مبهماته" والحافظ في "الفتح" والبرهان13 في "النور" وهو أحسنهم وعند كل ما ليس
____________________
1 انظر حديث (195) .
2 أسيد - بفتح الهمزة - (أسد الغابة 1/109 وشرح المواهب اللدنية 3/37) .
3 شرح المواهب اللدنية 3/37.
4 الإصابة 3/28-29.
5 أسد الغابة 4/196 وفتح الباري 8/48 وشرح المواهب اللدنية 3/37.
6 انظر حديث (195) .
7 انظر القاموس المحيط 3/118.
8 انظر القاموس المحيط 3/118 وتعليقة (4) من حاشية ص 407
9 انظر شرح المواهب الدنية 3/37 وحديث (195) وتعليقة (2) من ص 404.
10 انظر شرح المواهب اللدنية 3/37.
11 هو أبو الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي، وكتابه هذا يسمى "تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التواريخ والسير" وقد راجعته فلم أجده ذكر أسماء المؤلفة قلوبهم على نحو ما أشار الزرقاني.
12 هو أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي المعروف (بابن القيسراني) (ولد سنة 448 وتوفي سنة 507) (تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1242-1245 والكتاني: الرسالة المستطرقة ص 102) .
13 هو برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل الطرابلسي الأصل (طرابلس الشام) المعروف (بسبط ابن العجمي) ، ولد سنة: (753هـ) ، وتوفي سنة: (84) ، وله كتاب يسمى: (نور النبراس على سيرة ابن سيد الناس) . (البدر الطالع للشوكاني 1/28-30 ومعجم المؤلفين لكحالة 1/92-93) .(1/409)
عند الآخر، ثم ساقهم الزرقاني فأوصلهم سبعة وخمسين رجلا ثم قال: فهؤلاء سبع وخمسون نفسا".
ثم قال: قال الحافظ: "وفي عد العلاء بن جارية ومالك بن عوف النصرى نظر. وقد قيل إنهما أتيا طائعين من الطائف إلى الجعرانة"1.اهـ.
وهؤلاء المؤلفة قلوبهم حسن إسلامهم وصاروا مجاهدين في سبيل الله الناشرين للدين الإسلامي في الآفاق، والذابين عنه.
قال ابن حزم: "وقد حسن إسلام جميع المؤلفة قلوبهم، حاشا عيينة ابن حصن فلم يزل مغموزاً".
وكان المؤلفة - مع حسن إسلامهم - متفاضلين في الإسلام، منهم الفاضل المجتهد: كالحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، حيكم بن حزام. وفيهم خيار دون هؤلاء: كصفوان بن أمية، وعمرو بن وهب، ومطيع بن الأسود/ ومعاوية بن أبي سفيان. وسائرهم لا نظن بهم إلا الخير.
وكان ممن أسلم يوم الفتح وبعده، من الأشارف نظراء من ذكرنا - ووثق رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحة إيمانهم، وقوة نياتهم في الإسلام لله تعالى فلم يدخلهم مدخل من
____________________
1 شرح المواهب اللدنية 3/36-37.وانظر: مغازي الواقدي3/944-948 والطبقات الكبرى لابن سعد2/152-153 وتاريخ خليفة بن خياط ص:90، والتفسير لابن أبي حاتم 4/114أرقم 283، وكتاب المنمق في أخبار قريش لمحمد بن حبيب البغدادي ص 532-533 وكتاب المعارف لابن قتيبة ص: 149، وجامع البيان للطبري 10/100 و161-162، وجوامع السيرة لابن حزم ص 245-247، ولسان العرب 10/353 ونصب الراية للزيلعي 2/394 والقاموس المحيط للفيروز آبادي 3/118-119 وفتح الباري لابن حجر 8/48 وتاريخ الخميس للديار بكري 2/114، والسيرة الحلبية لبرهان الدين الحلبي 3/84-85 ونيل الأوطار للشوكاني 7/308، وسيأتي في الأحكام بيان من أين يعطون وهل حكمهم باق أولا انظر ص (684) .(1/410)
أعطاه - عكرمة بن أبي جهل، وعتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، وجبير1 بن مطعم2.
قال ابن الجوزي: "اعلم أن من المؤلّفة أقواماً تؤلفوا في بدء الإسلام ثم تمكن الإسلام في قلوبهم فخرجوا بذلك عن حدّ المؤلّفة".
وإنما ذكرهم العلماء في المؤلفة اعتبار ببداية أحوالهم، وفيهم من لم يعلم منه حسن الإسلام، والظاهر بقاؤه على حالة التأليف، ولا يمكن أن يفرق بين من حسن إسلامه، وبين من لم يحسن إسلامه، لجواز أن يكون من ظننا به شرا أنه على خلاف ذلك، إذ الإنسان قد يتغير عن حاله ولا ينقل إلينا أمره، فالواجب أن نظن بكل من نقل عنه الإسلام خيراً.
197- وقد جاء عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان3 الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم لشيء يعطاه من الدنيا، فلا يمسي حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما فيها"4.
__________
1 قد عد في المؤلفة جبير بن مطعم وعكرمة بن أبي جهل انظر فقرة (ث) و (ع) ص 408-409.
2 جوامع السيرة ص 248.
3 الحديث في صحيح مسلم ولفظه "عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنما بين جبلين، فأعطاه إياه، فأتى قومه فقال: أي قوم أسلموا فوالله إن محمدا ليعطي عطاء ما يخاف الفقر".
فقال أنس: "إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلاّ الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها" (4/1806 كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط، فقال: لا وكثرة عطائه.
4 السيرة الحلبية 3/85-86.(1/411)
المبحث الخامس: موقف الأنصار من توزيع الغنائم وخطبة الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم
...
المبحث الخامس: موقف الأنصار من توزيع الغنائم وخطبة الرسول فيهم
وجد الأنصار في أنفسهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لم ينلهم ما نال غيرهم من الغنائم، مع بلائهم الشديد في هذه الغزوة وفي غيرها من معارك الإسلام الفاصلة.
ولقد كانوا - لكثرة عددهم وشدة بأسهم في الحرب- أعمدة أساسية للجيش النبوي في أية معركة ضد أعداء الإسلام، فهم الذين ناصروا هذا الدين وقام على كواهلهم، وفتحوا قلوبهم وأبوبهم لكل من جاءهم من إخوانهم المهاجرين الفارين بدينهم، وناضلوا أشد النضال من أجل إقامة هذا الدين وتثبيت دعائمه.
ولقد سجل الله لهم ذلك في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ، [سورة الحشر، الآية: 9] .
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ، [سورة الأنفال، الآية: 74] .
فهم أنصار الله وأنصار رسوله صلى الله عليه وسلم حقا وصدقاً.
198- وفي صحيح البخاري من طريق غيلان بن جرير قال: "قلت لأنس بن مالك: اسم الأنصار1 كنتم تسمون به. أم سماكم الله؟ قال: بل سمانا الله"2.
ولقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم تلك المواقف العظيمة وأثنى عليهم ثناء عطرا وأوصى بهم خيرا، وكان ذلك في آخر رمق من حياته صلى الله عليه وسلم.
____________________
1 الأنصار: جمع ناصر، كأصحاب وصاحب، أو جمع نصير كأشراف وشريف واللام فيه للعهد، أي أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد الأوس والخزرج، وكانوا قبل ذلك يعرفون بابني قيلة، اسم امرأة - بقاف مفتوحة وياء تحتانية ساكنة - وهي الأم التي تجمع القبيلتين - فسماهم النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار، فصاروا علما عليهم، وأطلق ذلك على أولادهم، وحلفائهم، ومواليهم وخصوا بهذه المنقبة العظمى لما فازوا به دون غيرهم من القبائل من إيواء النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، والقيام بأمرهم، ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم، (شرح ثلاثيات مسند أحمد 1/673) .
2 5/26 كتاب المناقب، باب مناقب الأنصار والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم.(1/412)
199- فقد روى البخاري من حديث هشام بن زيد بن أنس بن مالك قال: سمعت أنس بن مالك يقول: "مر أبو بكر والعباس - رضي الله عنهما - بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال: ما يبكيكم؟ 1، قالوا ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال: فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي2 وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم" 3.
200- وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ملحفة متعطفا بها على منكبيه، وعليه عصابة دسماء4، حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد أيها الناس إن الناس يكثرون وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام5، فمن ولي منكم أمراً يضر فيه أحداً أو ينفعه فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم" 6.
____________________
1 قال ابن حجر: "لم أقف على اسم الذي خاطبهم بذلك هل هو أبو بكر الصديق أو العباس بن عبد المطلب ويظهر لي أنه العباس. (فتح الباري 7/121) .
2 كرشي- الكرش بوزن الكبد، لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان والكرش أيضا الجماعة من الناس.
والعيبة: بفتح المهلمة وسكون المثناة بعدها موحدة أراد أنهم بطانته وموضع سره، والذين يعتمد عليهم في أموره أي أنتم خاصتي وموضع سري، والعرب تكني عن القلوب والصدور بالعياب، لأنها مستودع السرائر كما أن العياب مستودع الثياب (النهاية في غريب الحديث 3/327، و4/163-164، ومختار الصحاح ص: 567 وفتح الباري 7/121.
وفي القاموس المحيط 1/109 والعيبة: زنبيل من أدم وما يجعل فيه الثياب ومن الرجل موضع سره، جمعه عيب، وعيبات وعياب.
3 5/29 كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم.
4 دسماء: أي لونها كلون الدسم وهو الدهن، وقيل المراد أنها سوداء لكن ليست خالصة السواد ويحتمل أن تكون اسودت من العرق أو من الطيب كالغالية، وقد تبين من حديث أنس أنها كانت حاشية البرد، والحاشية غالبا تكون من لون غير الأصل. (فتح الباري 7/122) .
5 قوله: "إن الناس يكثرون وتقل الأنصار"، فيه إشارة إلى دخول قبائل العرب والعجم في الإسلام وهم أضعاف أضعاف قبيلة الأنصار، فمهما فرض الأنصار من الكثرة كالتناسل فرض في كل طائفة من أولئك، فهم أبدا بالنسبة إلى غيرهم قليل، ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم اطلع على أنهم يقلون مطلقا فأخبر بذلك فكان كما أخبر؛ لأن الموجودين الآن من ذرية علي بن أبي طالب ممن يتحقق نسبه إليه أضعاف من يوجد من قبيلتي الأوس والخزرج ممن يتحقق نسبه وقس على ذلك ولا التفات إلى كثرة من يدعي أنه منهم بغير برهان.
وقوله: "حتى يكونوا كالملح في الطعام"، وفي لفظ "بمنزلة الملح في الطعام" أي في القلة، لأنه جعل غاية قلتهم الانتهاء إلى ذلك والملح بالنسبة إلى جملة الطعام جزء يسير منه والمراد بذلك المعتدل (فتح الباري 7/122) .
6 البخاري: الصحيح 5/29 كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم و 4/164 كتاب المناقب، باب علامات النبوة.(1/413)
وقد جعل صلى الله عليه وسلم حبهم من علامات الإيمان، وبغضهم من علامات النفاق.
201- فقد ورد في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "آية الإيمان حب الأنصار، آية النفاق بغض الأنصار" 1.
202- وفي حديث البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم - أو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم - "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله" 2.
203- وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم - أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم 3-، "لو أن الأنصار سلكوا واديا4 أو شعباً، لسلكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة5 لكنت امرأ من الأنصار"، فقال أبو هريرة: "ما ظلم
____________________
1 المصدر السابق 5/27، كتاب المناقب، باب حب الأنصار واللفظ له، ومسلم الصحيح 1/85، كتاب الإيمان باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - من الإيمان وعلاماته الخ.
2 البخاري: الصحيح 5/27 كتاب مناقب الأنصار، باب حب الأنصار، ومسلم: الصحيح 1/85 كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار من الإيمان الخ.
3 وعند أحمد: "قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبو القاسم".
4 واديا: هو المكان المنخفض، وقيل الذي فيه ماء والمراد هنا بلدهم.
والشعب: بكسر الشين المعجمة، وهو اسم لما انفرج بين جبلين، وقيل الطريق في الجبل.
وأراد صلى الله عليه وسلم بهذا: التنبيه على جزيل ما حصل لهم من ثواب النصرة والقناعة بالله ورسوله عن الدنيا، ومن هذا وصفه فحقه أن يسلك طريقه ويتبع حاله.
قال الخطابي:" لما كانت العادة أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب، فإذا تفرقت في السفر الطرق سلك كل قوم منهم واديا وشعبا فأراد أنه مع الأنصار" (فتح الباري 8/51-52) .
5 قوله: "ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار"، قال الخطابي: "أراد بهذا الكلام تألف الأنصار واستطابة نفوسهم والثناء عليهم في دينهم حتى رضي أن يكون واحداً منهم لولا ما يمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها وقد اختلف العلماء في تمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الانتساب إلى الأنصار، لولا مانع الهجرة":
فقال بعضهم: "لم يرد بذلك الانتقال عن نسب آبائه، لأنه ممتنع قطعا، وإنما أراد النسبة إلى دارهم، ولولا أن النسبة الهجرية لا يسعه تركها ويحتمل أنه لما كان الأنصار أخواله لكون أم عبد المطلب منهم، أراد أن ينتسب إليهم بهذه الولادة لولا مانع الهجرة".
وقال بعضهم: "معناه لتسميت باسمكم وانتسبت إليكم كما كانوا ينتسبون بالحلف، لكن خصوصية الهجرة وتربيتها سبقت فمنعت من ذلك، وهي أعلى وأشرف فلا تتبدل بغيرها.
وقيل: "التقدير لولا أن ثواب الهجرة أعظم لاخترت أن يكون ثوابي ثواب الأنصار ولم يرد ظاهر النسب أصلا".
وقيل: "لولا التزامي بشروط الهجرة ومنها ترك الإقامة بمكة فوق ثلاثة لاخترت أن أكون من الأنصار فيباح لي ذلك، أي الإقامة بمكة" (فتح الباري 8/51 بتصرف) .(1/414)
- بأبي وأمي- آووه ونصروه، أو كلمة أخرى"1.
ومن هنا لم يكن الرسول الله صلى الله عليه وسلم - بحرمانه الأنصار من الغنائم يجهل حقهم أو يحط من قدرهم حاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك، وإنما تركهم ثقة منه بقوة إيمانهم وسخاوة نفوسهم، وأعطى الغنائم أناساً يخاف هلعهم وجزعهم ويتألفهم على الإسلام.
ويبدوا أن الأنصار خفي عليهم ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم من توزيع الغنائم على ذلك النحو، فصدرت منهم هذه المقالة:
"إذا كانت الشدة فنحن ندعى، وترد غنائمنا على غيرنا"2.
ولما بلغت هذه المقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم في مكان واحد بين لهم وجهة نظره في إيثاره المؤلفة قلوبهم، فزال ما علق بأذهان الأنصار وطابت نفوسهم، وبرهنوا بذلك على صدق إخلاصهم لله في جهادهم وعظيم حبهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم، وأن متاع الدنيا لم يكن غاية لجهادهم.
وهذا ما تدل عليه الأحاديث الآتية:
1- حديث أنس بن مالك وقد جاء عنه من أربعة أوجه.
أ- من طريق هشام بن زيد بن أنس بن مالك عنه قال:
"لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بذراريهم ونعمهم ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عشرة آلاف، ومعه الطلقاء، فأدبروا عنه حتى بقي وحده"3.
____________________
1 وعند أحمد: "فقال أبو هريرة فما ظلم بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم لآووه ونصروه، قال: وأحسبه قال: "وواسوه".
وفي لفظ "لقد آووه ونصروه وكلمة أخرى".
وفي لفظ: "قال أبو هريرة: وما ظلم بأبي وأمي لقد آووه ونصروه أو واسوه ونصروه".
قال ابن حجر: قوله: " (ما ظلم) ، أي: ما تعدى في القول المذكور ولا أعطاهم فوق حقهم، ثم بين وجه ذلك بقوله "آووه ونصروه".
وقوله: "لسلكت في وادي الأنصار" أراد بذلك حسن موافقتهم له لما شاهده من حسن الجوار والوفاء بالعهد وليس المراد أنه يصير تابعاً لهم، بل هو المتبوع المفترض الطاعة على كل مؤمن" (فتح الباري 7/112) .
2 البخاري: الصحيح 5/26 كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار 9/70 كتاب التمني، باب ما يجوز من اللو واللفظ له، وأحمد المسند 2/410، و414 و469 وإسحاق بن راهويه: المسند ص: 22 أ- ب رقم 377.
3 وعند أحمد وابن أبي شيبة: "فلما التقوا ولى الناس".(1/415)
قال فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما شيئاً1، قال: فالتفت عن يمنيه فقال: "يا معشر2 الأنصار! " فقالوا: لبيك يا رسول الله! 3 أبشر نحن معك، قال: وهو على بغلة بيضاء4 فنَزل فقال: أنا عبد الله ورسوله5، فانهزم المشركون6 وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم كثيرة، فقسم في المهاجرين والطلقاء7، ولم يعط الأنصار شيئا، فقالت الأنصار: إذا كانت الشدة8 فنحن ندعى، وتعطى الغنائم غيرنا!.
فبلغه ذلك، فجمعهم في قبة9 فقال: "يا معشر الأنصار! ما حديث بلغني عنكم" فسكتوا، فقال: "يا معشر الأنصار10! أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد صلى الله عليه وسلم تحوزونه إلى بيوتكم" 11.
قالوا: بلى يا رسول الله! رضينا قال: فقال: "لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لأخذت12 شعب الأنصار".
____________________
1 وعند أحمد وابن أبي شيبة: "ونادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما كلام".
2 المعشر: كمسكن الجماعة وأهل الرجل (القاموس المحيط 2/90) .
3 وعند البخاري: "قالوا: لبيك يا رسول الله وسعديك، لبيك نحن بين يديك".
4 وعند أحمد وابن أبي شيبة: "والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ على بغلة بيضاء".
5 وعند أحمد وابن أبي شيبة: "فنزل وقال: إني عبد الله ورسوله".
6 وعند ابن أبي شيبة: "ثم نزل إلى الأرض فالتقوا فهزموا ". وعند احمد: "ثم نزل بالأرض والتقو فهزموا".
7 وعند البخاري: "فأعطى الطلقاء والمهاجرين". وعند ابن أبي شيبة "وأصابوا من الغنائم، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم الطلقاء وقسم فيها".
8 وعند البخاري: "إذا كانت شديدة فنحن ندعى ويعطى الغنيمة غيرنا". وعند أحمد: "ندعى عند الكرة وتقسم الغنيمة لغيرنا".
9 وعند أحمد وابن أبي شيبة: "فجمعهم وقعد في قبة". وعند البخاري ومسلم في لفظ وأحمد: "فجمعهم وقعد في قبة من أدم". والقبة: من الخيام: بيت صغير مستدير، وهو من بيوت العرب (النهاية (4/3) .
10 وعند أحمد وابن أبي شيبة فقال: "أي: معشر الأنصار".
11 تحوزونه بالحاء المهملة والزاي من الحوز وهو الضم يقال: حزت الشيء أحوزه حوزا وحيازة ضممته وجمعته، وكل من ضم إلى نفسه شيئا فقد حازه (المصباح المنير للفيومي 1/188) .
12 عند البخاري "لاخترت شعب الأنصار".(1/416)
قال هشام1: فقلت: يا أبا حمزة! أنت شاهد ذاك؟ 2 قال: وأين أغيب عنه.
ب- من طريق الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن أناساً3 من الأنصار قالوا يوم حنين، حين أفاء الله على رسوله4 من أموال هوازن ما أفاء فطفق رسول الله، يعطي رجالاً من قريش5 المائة من الإبل فقالوا: يغفر الله6 لرسول الله، يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم! قال أنس بن مالك: فحدث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم فأرسل إلى الأنصار، فجمعهم في قبة من أدم7 فلما اجتمعوا8، جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما حديث بلغني عنكم؟ " فقال له فقهاء الأنصار9: أما ذوو رأينا10 يا رسول الله! فلم يقولوا شيئاً،
____________________
1 قال ابن حجر: "هو موصول بالإسناد المذكور، أبو حمزة: هو أنس بن مالك". اهـ.
قلت: والإسناد المشار إليه هو: حدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن معاذ حدثنا ابن عون عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك (انظر فتح الباري 8/53و55) .
2 عند البخاري: "وأنت شاهد ذلك؟ ".
3 عند البخاري: "قال ناس من الأنصار". وعند أحمد: "أن ناسا من الأنصار".
4 عند البخاري: "حين أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ما أفاء من أموال هوازن".
5 عند البخاري: "يعطي رجالا المائة من الإبل".
وعند أحمد: "يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل كل رجل".
6 عند البخاري وأحمد: "فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال الزرقاني: قالوا ذلك توطئة وتمهيدا لما بعده من العتاب، كقوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 43] . شرح المواهب 3/38.
7 قوله:"من أدم":بفتح الهمزة المقصورة والدال جلد مدبوغ (شرح المواهب3/39) .
8 وعند أحمد: "ولم يدع أحدا غيرهم".
وعند البخاري "ولم يدع معهم غيرهم، فلما اجتمعوا قام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما حديث بلغني عنكم".
9 عند أحمد "فقالت الأنصار".
10 عند البخاري "أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا" وتقدم في ص: 416 في رواية هشام بن زيد عن أنس "فقال: يا معشر الأنصار ما حديث بلغني عنكم" فسكتوا.
قال ابن حجر: "يحمل على أن بعضهم سكت وبعضهم أجاب، وفي رواية أبي التياح عن أنس عند الإسماعيلي فجمعهم فقال: "ما الذي بلغني عنكم؟ " قالوا: "هو الذي بلغك، وكانوا لا يكذبون".
ولأحمد من طريق ثابت عن أنس بت مالك "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى أبا سفيان وعيينة والأقرع وسهيل بن عمرو في الآخرين يوم حنين، فقالت الأنصار: يا رسول الله سيوفنا تقطر من دمائهم وهم يذهبون بالمغنم" فذكر الحديث وفيه "ثم قال: أقلتم كذا وكذا؟ قالوا نعم، وكذا ذكر ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري أن الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمقالتهم سعد بن عبادة ولفظه: "لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطي من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت منهم القالة، فدخل عليه سعد بن عبادة فذكر له ذلك فقال له: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: ما أنا إلاّ من قومي: قال: فاجمع لي قومك فجمعهم" الحديث. وأخرجه أحمد من هذا الوجه وهذا يعكر على الرواية التي فيها: "أما رؤساؤنا فلم يقولوا شيئا"؛ لأن سعد بن عبادة من رؤساء الأنصار بلا ريب إلا أن يحمل على الأغلب الأكثر، وأن الذي خاطبه بذلك سعد بن عبادة ولم يرد إدخال نفسه في النفي أو أنه لم يقل لفظا وإن كان - رضي الله عنه - رضي بالقول المذكور فقال: ما أنا إلا من قومي وهذا أوجه اهـ. (فتح الباري 8/50) انظر حديث 204و 206.(1/417)
وأما أناس1 منا حديثة أسنانهم، قالوا2: يغفر الله لرسوله يعطي قريشاً وتركنا3، وسيوفنا تقطر من دمائهم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإني أعطي4 رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وترجعون5 إلى رحالكم6 برسول الله؟ فوالله، لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به".
فقالوا: بلى يا رسول الله، قد رضينا، قال: "فإنكم ستجدون7 أثرة8 شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله، فإني على الحوض9 قالوا: سنصبر10.
ج- من طريق شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال: جمع11 رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار، فقال: أفيكم12 أحد من غيركم؟ ".
____________________
1 عند البخاري وأحمد: "وأما ناس".
2 وعند أحمد: "فقالوا: كذا وكذا اللذي قالوا".
3 وعند البخاري "من حديث شعبة عن قتادة عن أنس" يعطي قريشاً ويدعنا.
4 عند البخاري البخاري: "إني لأعطي رجالاً حديث عهدهم بكفر".
وعند أحمد: "إني لأعطي رجالاً حدثاء عهد بكفر أتألفهم، أو قال أستألفهم ومعنى: أتألفهم، أي: أستميل قلوبهم بالإحسان ليثبتوا على الإسلام، رغبة في المال".
5 عند البخاري "وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم".
6 رحالكم: بالحاء المهملة، أي بيوتكم، وهي رواية قتادة عن أنس. انظر ص (419) (فتح الباري 8/51) .
7 عند البخاري "سترون بعدي أثرة شديدة".
(أثرة) قال النووي: فيها لغتان: إحداهما ضم الهمزة وإسكان الثاء، وأصحها وأشهرهما بفتحهما جميعاً. والأثرة: الاستئثار بالمشترك، أي يستأثر عليكم ويفضل عليكم غيركم بغير حق (شرح النووي على صحيح مسلم 3/99) .
9 وعند البخاري: "موعدكم الحوض". وعند أحمد "فإني فرطكم على الحوض".
10 وعند مسلم أيضاً: "قالوا: نصبر" وعند البخاري "قال أنس فلم يصبروا" وعند البخاري أيضا وأحمد: "قال أنس: فلم نصبر".
11 وعند البخاري والترمذي: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من الأنصار" وعند البخاري أيضا "دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار".
12 وعند البخاري وأحمد: "هل فيكم أحد من غيركم".(1/418)
فقالوا: لا، إلاّ ابن أخت لنا1، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ابن أخت القوم منهم فقال: "إن قريشا حديث2 عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم3 وأتألفهم، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم؟ " لو سلك الناس واديا4 وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار".
د- وفي لفظ من طريق أبي التياح5 قال سمعت أنس بن مالك قال: لما
____________________
1 قوله: "إلا ابن أخت لنا"، قال ابن حجر: "هو النعمان بن مقرن المزني كما أخرجه أحمد من طريق شعبة عن معاوية بن قرة في حديث أنس هذا وكانت أم النعمان أنصارية" (فتح الباري 6/552و 12/49) قلت: والحديث في مسند أحمد 3/19 بإسناد صحيح وسياقه: حدثنا وكيع ثنا شعبة قال قلت لمعاوية بن قرة أسمعت أنسا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنعمان بن مقرن ابن أخت القوم منهم قال: نعم، قال النووي: "استدل بحديث الباب من يورث ذوي الأرحام وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وآخرين".
ومذهب مالك والشافعي وآخرين أنهم لا يرثون، وأجابوا بأنه ليس في هذا اللفظ ما يقتضي توريثه، وإنما معناه أن بينه وبينهم ارتباطاً وقرابة، ولم يتعرض للإرث، وسياق الحديث يقتضي أن المراد أنه كالواحد منهم في إفشاء سرهم بحضرته ونحو ذلك اهـ. شرح النووي على صحيح مسلم (3/99-100) .
قلت: بوب البخاري بقوله: "باب مولى القوم من أنفسهم وابن أخت القوم منهم" ثم ساق حديث: "ابن أخت القوم منهم أو من أنفسهم". قال ابن حجر: وكأن البخاري رمز إلى الجواب بإيراد هذا الحديث، لأنه لو صح الاستدلال بقوله "ابن أخت القوم منهم" على إدارة الميراث لصح الاستدلال به على أن العتيق يرث ممن أعتقه لورود مثله في حقه، فدل على أن المراد بقوله "من أنفسهم" كذا "منهم" في المعاونة أو الانتصار والبر والشفقة ونحو ذلك لا في الميراث.
ثم قال ابن حجر: "وقال ابن أبي جمرة: الحكمة في ذكر ذلك إبطال ما كانوا عليه في الجاهلية من عدم الالتفات إلى أولاد البنات فضلاً عن أولاد الأخوات حتى قال قائلهم:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا
بنوهن أبناء الرجال الأباعد
فأراد بهذا الكلام التحريض على الألفة بين الأقارب. اهـ. (فتح الباري 12/49) .
2 قال ابن حجر: "كذا وقع بالإفراد في الصحيحين، والمعروف حديثو عهد، وكتبها الدمياطي بخطه "حديثو عهد" وفيه نظر. وقد وقع عند الإسماعيلي "إن قريشا كانوا قريب عهد".اهـ. (فتح الباري 8/54) .
وقال محمد فؤاد عبد الباقي بعد أن أشار إلى ما ذكره ابن حجر قال: "وفعيل يستوي فيه الإفراد وغيره (تعليقه على صحيح مسلم، وهذا معروف في اللغة انظر: شرح ابن عقيل (1/61) .
3 قوله: (أن أجبرهم) قال ابن حجر: "كذا للأكثر - بفتح أوله وسكون الجيم بعدها موحدة ثم راء مهملة - للسرخسي والمستملي: بضم أوله وكسر الجيم بعدها تحتانية ساكنة ثم زاي - من الجائزة" (فتح الباري 8/54) .
4 وعند الترمذي: "لو سلك الناس واديا أو شعبا، وسلكت الأنصار وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبهم"، وعند البخاري: "لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار".
5 أبو التياح - بمثناة ثم تحتانية ثقيلة آخره مهملة- هو يزيد بن حميد.(1/419)
فتحت مكة قسم الغنائم في قريش1 فقالت الأنصار: إن هذا لهو العجب2 إن سيوفنا تقطر من دمائهم3، وإن غنائمنا ترد عليهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم، فقال: "ما الذي بلغني عنكم؟ ". قالوا: هو الذي بلغك، وكانوا لا يكذبون، قال: "أما ترضون4 أن يرجع الناس بالدنيا إلى بيوتهم، وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لو سلك الأنصار وادياً أو شعبا وسلكت الأنصار وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار" 5.
ورواه مسلم وأحمد والبيهقي الجميع عن طريق السميط السدوسي عن أنس بن مالك قال: افتتحنا مكة ثم غزونا حنينا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت" الحديث.
____________________
1 وعند البخاري وأحمد: "فقسم الغنائم في قريش" وفي لفظ عند البخاري أيضا "لما كان يوم فتح مكة قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم بين قريش فغضبت الانصار".
قال ابن حجر: "ووقع عند القابسي: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم "غنائم قريش" ولبعضهم "غنائم من قريش" وهو خطأ؛ لأنه يوهم أن مكة لما فتحت قسمت غنائم قريش، وليس كذلك بل المراد بقوله: "يوم فتح مكة" زمن فتح مكة وهو يشمل السنة كلها، ولما كانت غزوة حنين ناشئة عن غزوة فتح مكة أضيفت إليها" (فتح الباري8/54) .
2 وعند البخاري: "والله إن هذا لهو العجب".
3 وعند البخاري وأبي يعلى: "إن سيوفنا تقطر من دماء قريش".
4 عند البخاري "أولا ترضون أن يرجع الناس بالغنائم إلى بيوتهم وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم؟ ".
5 البخاري: الصحيح 4/74 كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطى المؤلفة وغيرهم، الخ و145 كتاب المناقب، باب ابن أخت القوم منهم ومولى القوم منهم 5/26 و28 كتاب فضائل أصحاب النبي، باب مناقب الأنصار والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم الخ.
وباب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار اصبروا حتى تلقوني على الحوض و 130و 131 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، و 7/ كتاب اللباس، باب القبة الحمراء من أدم.
و8/130 كتاب الفرائض، باب مولى القوم من أنفسهم وابن الأخت منهم و9/106 كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى، وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، ومسلم: الصحيح 2/733-736 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه واللفظ له، وأحمد: المسند 3/165-166 و169 و176 و222 و249 و275 و276، و277، و279-280.
والترمذي: السنن 5/371 كتاب المناقب، باب في فضل الأنصار وقريش، والسنائي: السنن 5/80، كتاب الزكاة، باب ابن أخت القوم منهم، مختصرا جدا، وابن أبي شيبة: التاريخ ص 90.
وأبو يعلى: المسند 3/292 و307 و337 ورقم 303.
والبيهقي: السنن الكبرى 6/337-338 ودلائل النبوة 3/50-51، هكذا أخرج هؤلاء الأئمة هذا الحديث مطولاً ومختصراً. تقدم برقم (40) .(1/420)
وفيه: "قال فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا للمهاجرين يا للمهاجرين" ثم قال: "يا للأنصار يا للأنصار".
قال أنس: هذا حديث عمية، قال: قلنا لبيك يا رسول الله، قال: فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأيم الله ما أتيناهم حتى هزمهم الله، قال: فقبضنا ذلك المال، ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة ثم رجعنا إلى مكة، قال: فنزلنا فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الرجل المائة ويعطي الرجل المائة1 قال: فتحدث الأنصار بينهم، أما من قاتله فيعطيه، وأما من لم يقاتله فلا يعطيه، قال: فرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمر بسراة2 المهاجرين والأنصار أن يدخلوا عليه، ثم قال: "لا يدخل على إلاّ أنصاري أو الأنصار" قال: فدخلنا القبة حتى ملأنا القبة، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الأنصار – أو كما قال- ما حديث أتاني؟ " قالوا ما أتاك يا رسول الله؟ قال: "ألا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تدخلوا بيوتكم؟ ".
قالوا: رضينا يا رسول الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أخذ الناس شعبا وأخذت الأنصار شعبا، لأخذت شعب الأنصار" قالوا: يا رسول الله رضينا قال: "فارضوا أو كما قال" 3.
204- ورواه أحمد وابن أبي شيبة عن يزيد4 بن هارون قال: أنبأنا حميد5 عن أنس قال: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وعيينة بن حصن مائة من الإبل، فقال ناس من الأنصار: يعطي6 رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
1 هذا العطاء كان بالجعرانة؛ لأن قسمة الغنائم كانت بها، ولا يفهم من قوله رجعنا إلى مكة أن قسم الغنائم كان بمكة.
2 سراة المهاجرين والأنصار: أي أشرافهم (النهاية 2/363) .
3 أحمد: المسند 3/157 واللفظ له، مسلم: الصحيح 2/736 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه، والبيهقي دلائل النبوة 3/50 أ، وتقدم برقم (46) .
4 هو ابن زاذان السلمي مولاهم، أبو خالد الواسطي.
5 هو ابن أبي حميد الطويل.
6 وفي لفظ عند أحمد أيضاً: "فقالت الأنصار: أيعطي غنائمنا من تقطر سيوفنا من دمائهم، أو تقطر دماؤهم من سيوفنا".(1/421)
غنائمنا ناس تقطر سيوفهم من دمائنا أو تقطر سيوفنا من دمائهم، فبلغه ذلك فأرسل إلى الأنصار فقال: "هل فيكم من غيركم؟ ". قالوا: لا، إلا ابن أخت لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ابن الأخت القوم منهم، أقلتم1 كذا وكذا؟ أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد إلى دياركم؟ ". قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "والذي نفسي2 بيده، لو أخذ الناس وادياً أو شعباً، أخذت وادي الأنصار أو شعبهم، الأنصار كرشي وعيبتي، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار" 3.
ورواه أحمد أيضا من:
أ- طريق ثابت البناني عن أنس بن مالك إلا أنه قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان وعيينة والأقرع وسهيل بن عمرو في الأخيرين يوم حنين. فقالت الأنصار: يا رسول الله سيوفنا تقطر من دمائهم، وهم يذهبون بالمغنم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فجمعهم في قبة له حتى فاضت، فقال: "أفيكم أحد من غيركم؟ ". قالوا: لا، إلا ابن اختنا، قال: "ابن الأخت القوم منهم". ثم قال: "أقلتم كذا وكذا؟ " قالوا: نعم، قال: "أنتم الشعار4 والناس دثار، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دياركم" الحديث5.
ب- حدثنا عبيدة6 بن حميد عن حميد عن أنس بن مالك قال: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين عيينة والأقرع وغيرهما، فقالت الأنصار: أيعطي غنائمنا من تقطر
____________________
1 وعند ابن أبي شيبة فقال: قلتم كذا وكذا؟ ".
2 وفي لفظ عند أحمد: "والذي نفس محمد بيده".
3 أحمد: المسند 3/201 واللفظ له وابن أبي شيبة: التاريخ ص 92 ب.
4 الشعار: بكسر المعجمة بعدها مهملة خفيفة، الثوب الذي يلي الجلد من الجسد، والدثار: بكسر المهملة ومثلثة خفيفة: الذي فوق الشعار، وأرد أنهم بطانته وخاصته وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم (فتح الباري 8/52 والنهاية 2/100 و480 والقاموس المحيط 2/27و 59) .
5 مسند أحمد 3/246. وقال ابن حجر: إسناده على شرط مسلم 8/50.
6 عبيدة - بفتح أوله هو الكوفي أبو عبد الرحمن المعروف بالحذاء صدوق نحوي ربما أخطا (التقريب 1/547) .(1/422)
سيوفنا من دمائهم، أو تقطر دماؤهم من سيوفنا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعا الأنصار فقال: "يا معشر الأنصار، أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد إلى دياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: والذي نفس محمد بيده لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، الأنصار كرشي وعيبتي، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار" 1.
ج- حدثنا بن أبي عدي2 عن حميد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر الأنصار ألم آتكم ضلالا3 فهداكم الله عز وجل بِيَ، ألم آتكم متفرقين فجمعكم الله بي، ألم آتكم أعداء فألف الله بين قلوبكم بي؟ ". قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "أفلا تقولون جئتنا خائفا فأمناك4 وطريداً فآوينك ومخذولاً 5 فنصرناك؟ "6. فقالوا: بل7 لله تبارك وتعالى المن به علينا ولرسوله صلى الله عليه وسلم 8.حمد وابن أبي شيبة عن يزيد
____________________
1 مسند أحمد 3/188 وإسناده حسن.
2 هو محمد بن إبراهيم.
3 ضلالاً: بالضم والتشديد جمع ضال والمراد هنا ضلالة الشرك بالهداية الإيمان، وقد رتب صلى الله عليه وسلم ما من الله عليهم على يديه من النعم ترتيبا بالغا فبدأ بنعمة الإيمان التي لا يوازها شيء من أمر الدنيا، وثنى بنعمة الألفة وهي أعظم من نعمة المال، لأن الأموال تبذل في تحصيله وقد لا تحصل، وقد كانت الأنصار قبل الهجرة في غاية التنافر والتقاطع لما وقع بينهم من حرب بعاث وغيرها، فزال ذلك كله بالإسلام، كما قال الله تعالى: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} ، [سورة الأنفال، من الآية: 63] ، (فتح الباري 8/50) .
4 خائفاً فأمناك: بمناصرتنا لك، وقيامنا بنصرتك، وطريداً: من بلدك قد آذاك قومك.
5 مخذولاً: أي غير منصور يقال: خذله خذلا وخذلانا - بالكسر - ترك نصرته.
6 فنصرناك: أي: على من عاداك وآزرناك على من ناوأك.
(بل) إضراب عما قال صلى الله عليه وسلم، وعدد من أياديهم ومنهم. (لله) سبحانه وتعالى: (المن علينا ولرسوله) صلى الله عليه وسلم، إذ هدانا الله تعالى به إلى الدين القويم والصراط المستقيم. والمن: بفتح الميم، وتشديد النون - العطاء والإحسان. ومن أسمائه تعالى؟ المنان، هو المنعم المعطي من المن الذي هو العطاء (السفاريني: شرح ثلاثيات مسند أحمد 1/676-677) النهاية لابن الأثير 4/365.
8 أحمد: المسند 3/104-105 و253 قال ابن حجر: وإسناده صحيح (فتح الباري 8/51) . والحديث من ثلاثيات الإمام أحمد.(1/423)
وفي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم عند البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا سياقه عند البخاري:
205- حدثنا موسى1 بن إسماعيل، حدثنا وهيب2، عن عمرو3 بن يحيى بن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم، قال:
لما أفاء4 الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم5، ولم يعط الأنصار شيئا، فكأنهم وجدوا6 إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: "يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة 7 فأغناكم الله بي؟ ". كلما قال شيئا، قالوا: الله ورسوله أمن 8. قال: "ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " 9. قال: "كلما قال شيئا، قالوا: الله ورسوله أمن.
____________________
1 هو المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف.
2 وهيب - مصغراً - هو ابن خالد بن عجلان.
3 هو ابن عمارة بن أبي الحسن المازني، المدني.
4 قوله: "لما أفاء الله على رسوله يوم حنين"، أي: أعطاهم غنائم الذين قاتلهم يوم حنين، وأصل الفيء الرد والرجوع، ومنه سمي الظل بعد الزوال فيئا لأنه رجع من جانب إلى جانب، فكأن أموال الكفار سميت فيئا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين إذا الإيمان هو الأصل والكفر طاريء عليه، فإذا غلب الكفار على شيء من المال فهو بطريق التعدي، فإذا غنمه المسلمون منهم فكأنه رجع إليهم ما كان لهم (فتح الباري 8/47-48) .
5 المؤلفة قلوبهم: بدل من الناس وهو بدل بعض من كل (المصدر السابق 8/48) .
6 يقال وجد عليه يجد ويجد جداً وجدة وموجدة إذا غضب، وفي الحب والحزن وجد يجد وجداً فقط. (القاموس المحيط 1/343) .
قال ابن حجر: "وفي (مغازي سليمان التيمي) أن سبب حزنهم أنهم خافوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الإقامة بمكة، والأصح ما في الصحيح حيث قال: إذ لم يصبهم ما أصاب الناس" على أنه لا يمتنع الجمع وهذا أولى" (فتح الباري 8/50) .
قلت: وفي مرسل قتادة عند الطبري "أن الأنصار قالوا) والله ما قلنا ذلك إلا حرصا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم" (انظر ص 433) .
وعليه فيكون الجمع أظهر من غيره فالأنصار قالوا ما قالوا للسببين وهما خوفهم من بقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة كما جاء ذلك صريحا في صحيح مسلم وكما في هذا الأثر عن قتادة، وحينما شاهدوا قسم الغنائم على الأعراب والطلقاء وغيرهم من أهل مكة ولم ينالوا منها شيئا ازداد خوفهم وصدر منهم ما صدر من القول فبين لهم بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الحكمة في قسمة الغنائم وبين لهم أنه معهم في الحياة والممات فقال المحيا محياكم والممات مماتكم".
(انظر ص 433 تعليقة (1) .
7 عالة بالمهملة أي فقراء لا مال لكم، العيلة الفقر، جمع عائل وهو الفقير (النهاية لابن الأثير 3/323) وفتح الباري لابن حجر 8/50.
8 أمن بفتح الهمزة والميم والنون المشددة: أفعل تفضيل من المن. (المصدر السابق 8/50) .
9 وعند أحمد: "ما يمنعكم أن تجيبوني" وعند مسلم: "فقال: ألا تجيبوني".(1/424)
قال: "لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا 1، ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة2 والبعير، وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها3، الأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" 4.
____________________
1 قوله: "لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا". وعند مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر "أما إنكم لو شئتم أن تقولوا كذا وكذا، وكان من الأمر كذا وكذا" لأشياء عددها زعم عمرو - وهو ابن يحيى المازني المدني راوي الحديث - أنه لا يحفظها.
قال ابن حجر: "وهذا رد على من قال أن الراوي كنى عن ذلك عمدا على طريق التأدب، وقد جوز بعضهم أن يكون المراد جئتنا ونحن على ضلالة فهدينا بك "وفيه بعد، فقد فسر ذلك في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عند ابن إسحاق ولفظه: "أما والله لشئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم: أتيتنا مكذباً فصدقناك، مخذولا فنصرناك وطريداً فآويناك وعائلاً فواسيناك" ونحوه في مغازي أبي الأسود عن عروة مرسلا، وابن عائذ من حديث ابن عباس موصولا، وفي مغازي سليمان التيمي أنهم قالوا في جواب ذلك: "رضينا عن الله ورسوله" وكذا ذكر موسى بن عقبة في مغازيه بغير إسناد.
وأخرجه أحمد عن ابن عدي عن حميد عن أنس بلفظ "أفلا تقلون جئتنا خائفا فأمناك وطريدا فآويناك، ومخذولاً فنصرناك" فقالوا: "بل لله تبارك وتعالى المن وعلينا ولرسوله صلى الله عليه وسلم".
وروى أحمد من وجه آخر عن أبي سعيد قال: "قال رجل من الأنصار لأصحابه: لقد كنت أحدثكم أنه لو قد استقامت الأمور قد آثر عليكم قال: فردوا عليه ردا عنيفا" الحديث وفيه "قال: أفلا تقولون قاتلك قومك فناصرناك وأخرجك قومك فآويناك؟ ". قالوا: "نحن لا نقول ذلك يا رسول الله، أنت تقوله". ثم قال ابن حجر: "وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا منه وإنصافا وإلا ففي الحقيقة الحجة البالغة والمنة الظاهرة في جميع ذلك له عليهم، فإنه لولا هجرته إليهم وسكناه عندهم لما كان بينهم وبين غيرهم فرق، وقد نبه على ذلك، بقوله صلى الله عليه وسلم "ألا ترضون" الخ، فنبههم على ما غفلوا عنه من عظيم ما اختصوا به منه بالنسبة إلى ما حصل عليه غيرهم من غرض الدنيا الفانية". (فتح الباري 8/51 بتصرف يسير) .
2 الشاة والبعير: اسم جنس فيهما والشاة تقع على الذكر والأنثى وكذا البعير (فتح الباري 8/51) وعند مسلم (بالشاء والإبل) .
3 وعند مسلم وابن أبي شيبة وأحمد "وشعبهم".
4 البخاري: الصحيح 5/129 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف و9/70 كتاب التمني باب ما يجوز من اللو، وفي تحفة الأشراف، للمزي 4/34 حديث (5303) ، قال رواه البخاري في المغازي بتمامه، وفي التمني ببعضه عن موسى بن وهيب والصواب عن موسى عن وهيب، ب (عن) بدل (بن) .
5 مسلم: الصحيح 2/738 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه، وابن أبي شيبة: التاريخ ص: 94 ب وأحمد: المسند4/42.(1/425)
والحديث رواه مسلم وابن أبي شيبة وأحمد الجميع من طريق عمرو بن يحيى به1.
وروى ابن إسحاق من حديث أبي سعيد الخدري قال:
206- وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود2 بن لبيد عن أبي سعيد3 قال: لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا، في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت منهم القالة4، حتى قال قائلهم: لقد لقي والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه5 فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال: يا رسول الله إن هذا الحي6 من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء، قال: "فأين أنت من ذلك يا سعد؟ ". قال: يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي، قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة7، قال: فخرج سعد، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة، قال: فجاء رجال
____________________
1 مسلم: الصحيح 2/738 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه، وابن أبي شيبة: التاريخ ص: 94 ب وأحمد: المسند4/42.
2 محمود بن لبيد بن عقبة بن رافع الأوسي الأشهلي، أبو نعيم المدني صحابي صغير، وجل روايته عن الصحابة (ت 96 وقيل 97) / ب خ م ع (التقريب 2/233) وفي تهذيب التهذيب 3/387 والإصابة 3/387 وأسد الغابة 5/117-118 اختلف العلماء في صحبته ورجح البخاري صحبته وأيده ابن عبد البر. انظر: الاستيعاب 3/423-424 مع الإصابة.
3 أبو سعيد: هو سعد بن مالك بن سنان الأنصاري، له ولأبيه صحبة.
4 القالة: الكلام الرديء وفي القاموس 4/42: القال والقيل والقالة في الشر.
5 وعند الواقدي: "أما حين القتال فنحن أصحابه، وأما حين القسم فقومه وعشيرته، ووددنا أنا نعلم ممن كان هذا إن كان هذا من الله صبرنا، وإن كان هذا من رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم استعتبناه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب من ذلك غضبا شديداً فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يقول فِيَّ قومك" قال: ما يقولون يا رسول الله؟ قال: يقولون: أما حين القتال فنحن أصحابه، وأمّا حين القسم فقومه وعشيرته، ووددنا أنانعلم من أين هذا إن كان من قبل الله صبرنا وإن كان من رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم استعتبناه، فأين أنت من ذلك يا سعد؟ فقال سعد: يا رسول الله، ما أنا إلا كأحدهم، وإنا لنحب أن نعلم من أين هذا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فاجمع من كان هاهنا من الأنصار في هذه الحظيرة"، الخ (مغازي الواقدي 3/956-957) .
6 الحي: هو اسم لمنْزل القبيلة سميت القبيلة به؛ لأن بعضهم يحيا ببعض (فتح الباري 1/131 وفي القاموس 4/322 والحي: البطن من بطونهم جمعه أحياء.
7 الحظيرة: هي الموضع الذي يحاط عليه لتأوي إليه الغنم والإبل يقيهما البرد والريح. (النهاية لابن الأثير 4/414) .(1/426)
من المهاجرين فتركهم فدخلوا، وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا له أتاه سعد، فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: "يا معشر الأنصار: ما قَالَةٌ بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم؟ ". ألم آتكم ضلالا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قال: بلى، الله ورسوله أمن وأفضل، ثم قال: "ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟ ".
قالو: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ولرسوله المن والفضل، قال: صلى الله عليه وسلم: "أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم، ولصدقتم، أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولاً1 فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلاً2 فآسيناك، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة3 من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار، أن يذهب النّاس بالشاة والبعير، وترجعون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار4، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء
____________________
1 الخذل والخذلان ترك الإغاثة والنصرة (المصدر السابق 2/16 ولسان العرب لابن منظور 13/214 والقاموس المحيط للفيروز آبادي 3/367) .
2 عائلاً: فقيراً: وآسيناك: أي جعناك كأحدنا، والمواساة: المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق، وأصلها الهمزة فقبلت واو تخفيفا. (النهاية 1/50 والقاموس المحيط 4/299) .
3 اللعاعة: بالضم: نبت ناعم في أول ما ينبت، يعنى أن الدنيا كالنبات الأخضر قليل البقاء (النهاية 4/254 ولسان العرب 10/195 والقاموس المحيط 3/81) .
4 وذكر الواقدي في مغازيه 3/958: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الأنصار ليكتب لهم بالبحرين كتابا من بعده تكون لهم خاصة دون الناس، فهي يومئذ أفضل ما فتح الله عليه من الأرض، فأبو وقالوا: ماحاجتنا بالدنيا بعدك يا رسول الله؟ قال: "أمالا فسترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله، فإن موعدكم الحوض، وهو كما بين صنعاء وعمان، وآنيته أكثر من عدد النجوم". اهـ.
قلت: وإشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنصار أن يكتب لهم كتاباً بالبحرين ثابت في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك وليس فيه أن ذلك كان في غزوة حنين.
ولفظه: "دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار ليكتب لهم بالبحرين، فقالوا: لا والله حتى تكتب لإخواننا من قريش بمثلها، فقال: ذاك لهم ما شاء الله على ذلك يقولون له قال: "فإنكم سترون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني".
وفي لفظ "دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين، فقالوا: لا، إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها" وفي لفظ "دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار ليقطع لهم بالبحرين، فقالوا: يا رسول الله إن فعلت فاكتب لإخواننا من قريش بمثلها، فلم يكن ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني".
(البخاري: الصحيح 3/100 كتاب المساقاة، باب القطائع و4/78 كتاب الجزية، باب ما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم من البحرين الخ و 5/28 كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار اصبروا حتى تلقوني على الحوض وقال ابن حجر: "وذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم - بعد قسمة الغنائم بالجعرانة - أرسل العلاء ابن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي عامل البحرين يدعوه إلى الإسلام فأسلم وصالح مجوس تلك البلاد على الجزية وكان ذلك في سنة الوفود سنة تسع من الهجرة" (فتح الباري 6/262. وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد 1/263 و4/359-360، فهذا يدل على أن الكتابة للأنصار بالبحرين متأخرة عن غزوة حنين.(1/427)
الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم1، وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا 2.
والحديث رواه أحمد وابن أبي شيبة والطبري والبيهقي الجميع من طريق ابن إسحاق3.
ورواه أحمد أيضا من غير طريق ابن إسحاق وذلك من الأوجه الآتية:
207- أ- حدثنا يحيى4 بن أبي بكير ثنا الفضيل5 بن مرزوق عن عطية العوفي قال: قال أبو سعيد قال رجل من الأنصار لأصحابه أما والله لقد كنت أحدثكم أنه لو قد استقامت الأمور قد آثر عليكم، قالوا: فردوا عليه ردا عنيفا، قال: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجاءهم فقال لهم أشياء لا أحفظها، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "فكنتم لا تركبون الخيل، فكلما قال: قال لهم شيئاً، قالوا بلى يا رسول الله، قال: فلما رآهم لا يردون عليه شيئا، قال: "أفلا تقولون: قاتلك قومك فنصرناك وأخرجك قومك فآويناك؟
____________________
1 أخضلوا لحاهم - بفتح الهمزة وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمتين - أي بلوها بالدموع (النهاية 2/43 وشرح ثلاثيات مسند أحمد 1/679) .
2 سيرة ابن هشام 2/498-500 والروض الأنف 7/252-254 وهو حسن لذاته.
3 أحمد: المسند 3/67و76-77 وابن أبي شيبة: التاريخ ص 92 ب-أ، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/93-94، والبيهقي: دلائل النبوة 3/51 أ,
4 هو: الكرماني، كوفي الأصل نزل بغداد ثقة من التاسعة (ت 208أو 209) / ع (التقريب 2/344، وتهذيب التهذيب 11/190) .
5 هو الأغر - بالمعجمة والراء - الرقاشين الكوفي، أبو عبد الرحمن ووقع في البداية والنهاية لابن كثير 4/359 (يحيى بن بكير) عن (الفضل) بن مرزوق وهو خطا مطبعي، والصواب: يحيى بن أبي بكير (والفضيل) .(1/428)
قالوا: نحن لا نقول ذلك يا رسول الله أنت تقوله، قال: "يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون أنتم برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "يا معشر الأنصار ألا ترضون أن الناس لو سلكوا واديا وسلكتم واديا لسلكت وادي الأنصار؟ " قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، الأنصار كرشي وأهل بيتي وعيبتي التي آوي إليها، فاعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم".
قال أبو سعيد: "قلت لمعاوية1 أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أننا سنرى بعده أثرة"، قال معاوية: "فما أمركم، قلت: أمرنا أن نصبر قال: فاصبروا إذا"2.
والحديث ضعيف؛ لأن فيه عطية3 العوفي، وفضيل4 بن مرزوق.
ب- حدثنا إبراهيم5 بن خالد ثنا رباح 6 عن معمر عن الأعمش عن أبي صالح 7 عن أبي سعيد الخدري قال: اجتمع أناس من الأنصار فقالوا: آثر علينا غيرنا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فجمعهم ثم خطبهم فقال: "يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله؟ قالوا: صدق الله ورسوله، قال: "الم تكونوا ضلالا فهداكم الله؟ " قالوا: صدق الله ورسوله، قال: "ألم تكونوا فقراء فأغناكم الله؟ " قالوا: صدق الله ورسوله.
____________________
1 هو معاوية بن أبي سفيان.
2 مسند أحمد 3/89.
3 هو ابن جنادة - بضم الجيم بعدها نون خفيفة - أبو الحسن قال عنه ابن حجر: صدوق يخطئ كثيرا، كان متشيعاً مدلّساً، وقال ابن حبان: سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث فلما مات أبو سعيد جعل يجالس الكلبي ويحضر قصصه فإذا قال الكلبي قال رسول الله بكذا فيحفظه وكناه أبا سعيد ويروي عنه فإذا قيل له: من حدثك بهذا؟.
فيقول: "حدثني أبو سعيد فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري وإنما أراد الكلبي، فلا يحل الاحتجاج به ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب.
4 قال عنه ابن حجر: "صدوق يهم ورمي بالتشيع" وقال أحمد: "لا يكاد يحدث عن غير عطية العوفي. وقال ابن حبان: كان يخطئ على الثقات، ويروي عن عطية الموضوعات" (انظر: التقريب 2/113 و344 وتهذيب التهذيب 7/298-300 و11/190 والمجروحين لابن حبان 2/176و 209) .
5 هو ابن عبيد القرشي الصنعاني المؤذن، ثقة (تهذيب التهذيب 1/117 والتقريب 1/35) .
6 رباح: هو ابن زيد القرشي مولاهم الصنعاني، ثقة (تهذيب التهذيب 3/233 والتقريب 1/242) .
7 أبو صالح هو ذكوان السمان الزيات المدني ثقة ثبت (تهذيب التهذيب 3/219) .(1/429)
ثم قال: "ألا تجيبونني؟ " ألا تقولون: "أتيتنا طريدا فآويناك، وأتيتنا خائفا فآمنك؟ ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبقران - يعني البقر- وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم فتدخلونه بيوتكم؟ لو أن الناس سلكوا واديا أو شعبة1 وسلكتم وادياً أو شعبة سلكت واديكم أو شعبتكم، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، وإنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" 2.
ورواه عبد بن حميد من طريق معمر عن الأعمش به3.
والحديث من رواية معمر عن الأعمش4.
وفيه عنعنة الأعمش وهو مدلس5.
ج- من حديث جابر بن عبد الله وهذا سياقه:
208- حدثنا موسى6 حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر ابن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتحت حنين بعث سرايا فأتوا بالإبل والشاء فقسموها في قريش، قال: "فوجدنا أيها الأنصار عليه، فبلغه ذلك فجمعنا فخطبنا
____________________
1 في القاموس المحيط 1/82 والشعبة بالضم: المسيل في الرمل وما صغر من التلعة وما عظم من سواقي الأودية وصدع في الجبل يأوي إليه المطر، وتجمع على شعب وشعاب.
2 أحمد: المسند 3/57.
3 المسند: 2/121 ب رقم 323.
4 قال ابن معين: "إذا حدثك معمر عن العراقيين فخالفه إلاّ عن الزهري وابن طاوس فإن حديثه عنهما مستقيم، فأمّا أهل الكوفة وأهل البصرة فلا، وما عمل في حديث الأعمش شيئاً".
وفي التقريب: "معمر بن راشد ثقة ثبت فاضل، إلا أن في روايته عن ثابت وهشام بن عروة والأعمش شيئا". (تهذيب التهذيب 10/245 والتقريب 2/266) .
5 تدليس تسوية وهو شر أنواع التدليس وهو مذموم جدا، وهو أن يعمد الراوي إلى ضعيف بين ثقتين لقي أحدهما الآخر فيسقطه ويروي الحديث عن شيخه عن الأعلى لكونه سمع منه أو أدركه فيوهم الآخرين أن الحديث عن الثقة عن الثقة الآخر، وأنه لا يوجد واسطة بينهم والحال أن بينهما رجلا ضعيفا وقد أسقطه قال ابن حجر: فيقبل من الثقة ما صرح فيه بالحديث ويتوقف عما عداه. (انظر: جامع التحصيل للعلائي ص116-117،وطبقات المدلسين لابن حجر ص11،وص23.
6 قال ابن كثير في البداية والنهاية 4/359 بأن موسى هو ابن عقبة صاحب المغازي، لم يدركه الإمام أحمد - رحمه الله -، ذلك أن وفاة موسى كانت سنة (141 أو 142 هـ-) .
وكانت ولادة الإمام أحمد سنة (164هـ) فبين ولادة أحمد ووفاة موسى (23أو 22 سنة) ، والظاهر أن موسى هنا هو ابن داود الضبي، فإنه من تلاميذ ابن لهيعة ومن شيوخ أحمد، (انظر: تهذيب الكامل للمزي 7/692 وتهذيب التهذيب لابن حجر 10/342) .(1/430)
فقال: "ألا ترضون أنكم أعطيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله لو سلكت الناس واديا وسلكتم شعبا لاتبعت شعبكم".
قالوا: رضينا يا رسول الله 1.
قال الهيثمي: رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث وبقية رجاله رجال الصحيح2.
قلت: وفيه أبو الزبير - محمد بن مسلم بن تدرس - وهو مدلس وقد عنعن.
وأخرج الطبراني نحوه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما3.
قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه محمد بن جابر السحيمي وهو ضعيف وقد وثق4.
209- وأخرجه البزار أيضا من حديث ابن عباس مختصراً5، قال الهيثمي: وفيه حفص بن عمر العدني وهو ضعيف6 وقال ابن الطهراني7: كان ثقة8.
وروى الطبري من حديث قتادة، فقال: حدثنا بشر9 بن معاذ، قال ثنا يزيد عن قتادة، قوله: "لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين" قال ... وذكر لنا أنه خرج يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر ألفا، عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وألفان من الطلقاء" الحديث.
____________________
1 أحمد: المسند 3/347.
2 مجمع الزوائد 10/30.
3 المعجم الكبير 12/196.
4 مجمع الزوائد 10/31.
5 كشف الأستار 2/353.
6 انظر: التقريب 1/188 وتهذيب التهذيب 2/410 والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/182.
7 لعله محمد بن حماد أبو عبد الله الرازي الطهراني - بكسر المهملة وسكون الهاء - ثقة - حافظ لم يصب من ضعفه من التاسعة (ت 271) فإنه يعرف بابن الطهراني كما في تهذيب التهذيب ووقع في الخلاصة للخزرجي الظهراني - بالظاء المعجمة وهو خطأ فقد قال ابن الأثير بأنه منسوب إلى طهران الري بالطاء المهملة. (انظر: التقريب 2/155 وتهذيب التهذيب 9/124-126) وميزان الاعتدال 3/527 وتذكرة الحفاظ 2/610 وسير أعلام النبلاء 12/628 كلها للذهبي والخلاصة للخزرجي 2/395 واللباب لابن الأثير 2/291.
8 مجمع الزوائد 6/189.
9 بشر: هو العقدي، ويزيد: هو ابن زريع، وقتادة: هو ابن دعامة السدوسي، تقدموا في حديث (1) و (47) .(1/431)
وفيه: "فلما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم، وأتى الجعرانة فقسم بها مغانم حنين، وتألف أناساً من الناس فيهم أبو سفيان بن حرب والحارث ابن هشام، وسهيل بن عمرو، والأقرع بن حابس، فقالت الأنصار: حن الرجل إلى قومه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة له من أدم، فقال: يا معشر الأنصار، ما هذا الذي بلغني ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله، وكنتم أذلة فأعزكم الله1 وكنتم وكنتم، قال: فقال: سعد بن عبادة - رضي الله عنه -: ائذن لي فأتكلم، قال: تكلم، قال: أما قولك: كنتم ضلالا فهداكم الله، كنا كذلك، وكنتم أذلة فأعزكم الله، فقد علمت العرب ما كان حي من أحياء العرب أمنع لما وراء ظهورهم منا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا سعد أتدري من تكلم". فقال: نعم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو سلكت الأنصار وادياً والناس وادياً لسلكت وادياً الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار".
وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "الأنصار كرشي وعيبتي، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم".
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الأنصار أما ترضون أن ينقلب الناس بالإبل والشاء، وتنقلبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم؟ ".
فقالت الأنصار: "رضينا عن الله ورسوله، والله ما قلنا ذلك إلا حرصا على
____________________
1 قوله: "وكنتم أذلة فأعزكم الله"، هذه الجملة جاءت في حديث أبي سعيد الخدري وكان جواب الأنصار: "صدق الله ورسوله" انظر ص 429 وفي هذا الحديث فقال سعد بن عبادة "فقد علمت العرب ما كان حي من أحياء العرب أمنع لما وراء ظهورهم منا" وكلا الحديثين ضعيف.
والأحاديث الصحيحة لم ترد فيها هذه الجلمة "وكنتم أذلة فأعزكم الله" كما أن هذا الجواب من سعد بن عبادة لم يرد في الأحاديث الصحيحة وقد تفرد بها قتادة وسندها ضعيف، ولا شك أن عزة الإسلام أرفع وأمنع من المنعة والحمية التي كان عليها الأنصار قبل الإسلام، وما كان لسعد بن عبادة في يقينه وعظيم إيمانه أن يخفى عليه ذلك، ولا أن يجيب الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الجواب، وبخاصة أن الروايات الصحيحة لم ترد فيها الجملة وقد سلم الأنصار لكل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.(1/432)
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ورسوله1 يصدقانكم ويعذرانكم" 2.
والحديث فيه قتادة من صغار التابعين ولم يصرح بمن حدثه 3.
وروى البيهقي نحوه من مرسل عروة بن الزبير وموسى بن عقبة4.
وهذه الآثار يشد بعضها بعضا، وتؤيدها الأحاديث الصحيحة الواردة في هذا المبحث وقد تقدمت.
وهي تدل على أن الأنصار وجدوا في أنفسهم حيث اختص بالغنائم غيرهم ولم ينلهم منها شيء، حتى حصل منهم ما حصل وتكلم منهم من تكلم، وكان ذلك قبل أن تظهر لهم وجه الحكمة في توزيع الغنائم على سائر القبائل دونهم، ولما تبين لهم الأمر واتضح الحال، وعرفوا الهدف الذي قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم، طابت نفوسهم واغتبطوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ورضوا به قسما وحظا وعلموا يقينا أن الذي حظوا به لا يوازيه ولا يدانيه شيء، وما الدنيا وحطامها أمام رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وتمنيه أن يكون واحدا منهم ووجوده بين أظهرهم حيا وميتا، إنه لشرف عظيم حظيت به الأنصار دون سائر القبائل.
وقد أشار ابن حجر إلى وجه الحكمة في قسم غنائم حنين على المؤلفة دون غيرهم ممن قوي إيمانه، فقال: "اقتضت تلك الحكمة أن تقسم تلك الغنائم في المؤلفة قلوبهم ويوكل من قبله ممتلئ بالإيمان إلى إيمانه، ثم كان من تمام التأليف رد من سبي
____________________
1 جاءت جملة: "إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم" في صحيح مسلم3/1408 كتاب الجهاد، باب فتح مكة من حديث أبي هريرة مطول وفيه "وجاءت الأنصار فأطلقوا بالصفا، فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، قال أبو سفيان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن".
فقالت الأنصار: "أما الرجل فقد أخذته الرأفة بعشيرته ورغبة في قريته ونزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "قلتم: أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته، ألا فما اسمي إذا (ثلاث مرات) أنا محمد بن عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم والممات مماتكم" قالوا: والله ما قلنا إلا ضنا بالله ورسوله، قال: "فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم".
2 جامع البيان 10/100-101 وتقدم الحديث برقم (42) .
3 فهو من مراسيل قتادة ومراسيله بمنزلة الريح، كما قال: يحيى بن سعيد القطان. انظر فتح المغيث 1/148 وتدريب الراوي للسيوطي ص 125.
4 تقدم الحديث برقم (43) .(1/433)
من المشركين إليهم، فانشرحت صدورهم للإسلام فدخلوا طائعين راغبين، وجبر ذلك قلوب أهل مكة بما نالهم من النصر والغنيمة، عما حصل لهم من الكسر والرعب فصرف عنهم شر من كان يجاورهم من أشد العرب من هوازن وثقيف بما وقع بهم من الكسرة، وبما قيض لهم من الدخول في الإسلام، ولولا ذلك ما كان أهل مكة يطيقون مقاومة تلك القبائل مع شدتها وكثرتها.
وأما قصة الأنصار وقول من قال منهم فقد اعتذر رؤساؤهم بأن ذلك كان من بعض أتباعهم، ولما شرح لهم صلى الله عليه وسلم ما خفي عليهم من الحكمة فيما صنع رجعوا مذعنين ورأوا أن الغنيمة العظمى ما حصل لهم من عود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلادهم، فسلوا عن الشاة والبعير والسبايا من الأنثى والصغير، بما حازوه من الفوز العظيم، مجاورة النبي الكريم لهم حيا وميتا. وهذا دأب الحكيم يعطي كل أحد ما يناسبه"1. اهـ.
____________________
1 فتح الباري 8/49 وانظر: زاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/377 والصارم المسلول لابن تيمية ص 189-194.(1/434)
الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف
المجلد الثاني
(تابع) الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك
الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف بعد المعركة
المبحث الأول: في قدوم وفد هوازن إلى الجعرانة مسلمين
...
المبحث الأول: في قدوم وفد هوزان إلى الجعرانة مسلمين
بعد انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف توجه إلى الجعرانة وكان بها السبايا والغنائم، فأخر قسم الغنائم بضع عشرة ليلة، رجاء أن تقدم هوزان مسلمة، فيرد إليهم ما أخذ منهم، ولما لم تقدم في هذه المدة أخذ صلى الله عليه وسلم في توزيع الغنائم.
ثم قدمت وفود هوزان بعد ذلك فأعلنت إسلامها، وطلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليها ما فقدته من السبايا وأموال، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي وإما المال، وقد كنت استأنيت بكم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين، قالوا فإنا نختار سبينا".
يدل على ذلك الأحاديث الآتية:
أ- حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم عند البخاري وغيره وهذا سياق البخاري:
حدثنا يحيى1 بن بكير حدثنا الليث عن عقيل2 عن ابن شهاب3 عن عروة أن
____________________
1 هو يحيى بن بكير المخزومي مولاهم المصري (تهذيب التهذيب 11/237) .
2 عقيل - بالضم - ابن خالد بن عقيل - بالفتح (تهذيب التهذيب 7/255) .
3 هو محمد بن مسلم الزهري.(2/447)
مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه1 أن النبي صلى الله عليه وسلم حين جاء وفد هوزان2 مسلمين3.
____________________
1 وفي لفظ عند البخاري وأحمد والبيهقي "عن ابن شهاب قال: وزعم عروة أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه".
وعند البخاري أيضاً: "وعن ابن شهاب ذكره عروة أن مروان والمسور بن مخرمة أخبراه".
وعنده عند البيهقي "عن ابن شهاب: حدثني عروة بن الزبير أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه".
2 قال النووي: "الوفد الجماعة المختارة للتقدم للقاء العظماء واحدهم وافد". اهـ
قال الزرقاني: "وكأنه استعمال عرفي، وإلا ففي اللغة أن الوفد القادم مطلقاً مختاراً للقاء العظماء أم لا، راكبا أم لا، قال في القاموس: وفد إليه وعليه يفد وفدا ووفودا ووفادة وإفادة قدم، وورد نحوه في الصحاح وغيره". إهـ
وقال القسطلاني: "وكان ابتداء الوفود على النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من الجعرانة في آخر سنة ثمان وما بعدها" إهـ.
وقال ابن إسحاق: "بعد غزوة تبوك" إهـ.
وقال ابن هشام: "كانت سنة تسع تسمى سنة الوفود" إهـ.
قال القسطلاني: "وقد سرد محمد بن سعد "في الطبقات" الوفود وتبعه الدمياطي في "السيرة" له وابن سيد الناس ومغلطاي والحافظ زين الدين العراقي ومجموع ما ذكر يزيد على الستين" إهـ.
قال الزرقاني: "والمتبادر من مثل هذه العبارة أن الوفود لا يبلغون السبعين عرفا، وقد سردهم الشامي فزادوا على المائة، فلعل الجماعة اقتصروا على المشهورين، أو الآتين لترتيب مصالحهم، وذكر المصنف خمسا وثلاثين روما للإيجاز" إهـ. (انظر المواهب اللدنية للقسطلاني1/243 وشرح المواهب للزرقاني 4/2 والقاموس للفيروز آبادي 1/346 ومختار الصحاح لأبي بكر الرازي ص 729-730 وسيرة ابن هشام 2/559 والطبقات الكبرى لابن سعد 1/299-359 ولم يذكر وفد هوزان كما قال ابن حجر (الفتح: 8/33) .
3 وفي لفظ عند البخاري وأحمد والبيهقي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوزان مسليمين" إلخ.
قال ابن حجر: "ساق الزهري هذه القصة من هذا الوجه مختصرة وقد ساقها موسى ابن عقبة في "المغازي" مطولة ولفظه: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف في شوال إلى الجعرانة وبها السبي يعني سبي هوزان، وقدم عليه وفد هوزان مسلمين، فيهم تسعة نفر من أشرافهم فأسلموا، وبايعوا ثم كلموه فقالوا: يا رسول الله إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات والعمات والخالات وهن مخازي الأقوام، فقال: "سأطلب لكم وقد وقعت المقاسم فأي الأمرين أحب إليكم: السبي أم المال؟ قالوا: خيرتنا يا رسول الله بين الحسب والمال فالحسب أحب إلينا، ولا نتكلم في شاة ولا في بعير، فقال: "أما الذي لبني هاشم فهو لكم، وسوف أكلم لكم المسلمين، فكلموهم وأظهروا إسلامكم"، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الهاجرة، قاموا فتكلموا خطباؤهم فأبلغوا ورغبوا إلى المسلمين في رد سبيهم، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغوا فشفع لهم وحض المسلمين عليه وقال: "قد رددت الذي لبني هاشم عليهم".
ثم قال ابن حجر: "فاستفيد من هذه القصة عدد الوفد وغير ذلك مما لايخفى، وقد أغفل محمد بن سعد - لما ذكر الوفود - وفد هوزان هؤلاء مع أنه لم يجمع أحد في الوفود أكثر مما جمع.
وممن سمي من وفد هوزان زهير بن صرد وأبو مروان - ويقال أبو ثروان أوله مثلثة بدل ميم، ويقال أبو برقان بموحدة وقاف - وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم ذكره ابن سعد".
وعند ابن إسحاق من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده تعيين الذي خطب لهم في ذلك… وهو زهير بن صرد (فتح الباري 8/33، ودلائل النبوة للبيهقي3/54 أ. وعند ابن سعد "وقدم وفد هوزان على النبي صلى الله عليه وسلم وهم أربعة عشرة رجلا ورأسهم زهير بن صرد (الطبقات الكبرى 2/153 وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/475) .(2/448)
فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم1، فقال لهم: معي من ترون2، وأحب الحديث إلي أصدقه3، فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال4، وقد كنت استأنيت5 وكان النبي صلى الله عليه وسلم انتظرهم6 بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين، قالوا: فإنا نختاروا سبينا، فقام في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله7، ثم قال: "أما بعد فإن
____________________
1 عند أبي داود "أن يرد إليهم أموالهم" دون ذكر السبي.
قال صاحب عون المعبود: "كذا في النسخ الحاضرة، وفي رواية البخاري أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم" (عون المعبود 7/357) .
2 وفي لفظ عند البخاري: "إن معي من ترون".
والمعنى: أن معي من ترون من السبايا غير التي قسمت بين الغانمين وبوب البخاري في كتاب الوكالة بقوله: "باب إذا وهب شيئا لوكيل أو شفيع قوم جاز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لوفد هوزان حين سألوه المغانم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "نصيبي لكم".
وعند ابن إسحاق من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما ما لكم لي ولبني عبد المطلب فهو لكم" فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله، والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم أجابهم برد ما عنده صلى الله عليه وسلم في ملكه. عون المعبود 7/357 وانظر ص (443) .
3 قوله: "وأحب الحديث إلي أصدقه"، مبتدأ وخبر، والمعنى: فالكلام الصادق، والوعد الصادق أحب إلي فما قلت لكم هو كلام صادق، وما وعدتكم به فعلي إيفاؤه (المصدر السابق 7/357) .
4 وفي لفظ عند البخاري "إما المال وإما السبي".
5 وفي لفظ عند البخاري والبيهقي "وقد كنت استأنيت بهم".
وعند البخاري والبيهقي أيضا وأحمد "وقد استانيت بكم".
واستأنيت: بالمثناة قبل الألف المهموزة الساكنة ثم نون مفتوحة وتحتانية ساكنة أي انتظرت وأخرت قسم السبي لتحضروا فأبطأتم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك السبي بغير قسمة وتوجه إلى الطائف فحاصرها ثم رجع عنها إلى الجعرانة ثم قسم الغنائم هناك، فجاءه وفد هوزان بعد ذلك فبين لهم أنه أخر القسم بضع عشرة ليلة ليحضروا فأبطأوا. (فتح الباري 5/171 و8/34 وهدي الساري ص: 82 وعون المعبود 7/357-358) .
6 وفي لفظ عند البخاري وأحمد والبيهقي "كان أنظرهم رسول الله بضع عشرة ليلة".
وعند البخاري أيضا "وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم آخرهم بضع عشرة ليلة".
7 وعند أحمد "فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله".(2/449)
إخوانكم هؤلاء جاءونا تائبين1، وإني أردت أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب2 ذلك فليفعل، ومن أحب أن يبقى على حظه حتى نعطيه إياه من أوّل ما يفئ3 الله علينا فليفعل"، فقال الناس: طيبنا4 يا رسول الله لهم5، فقال لهم:
____________________
1 وفي لفظ للبخاري وأحمد والبيهقي "فإن إخوانكم قد جاءونا تائبين" قال ابن حجر: "قال ابن بطال: كان الوفد رسلاً من هوزان، وكانوا وكلاء وشفعاء في رد سبيهم، فشفعهم النبي صلى الله عليه وسلم فيهم، فإذا طلب الوكيل أو الشفيع لنفسه ولغيره فأعطي ذلك فحكمه حكمهم، وقال الخطابي: فيه أن إقرار الوكيل على موكله مقبول؛ لأن العرفاء بمنزلة الوكلاء فيما أقيموا له من أمرهم، وبهذا قال أبو يوسف، وقيده أبو حنيفة ومحمد بالحاكم".
وقال مالك والشافعي وابن أبي ليلى: لا يصح إقرار الوكيل على الموكل، قال ابن حجر: "وليس في الحديث حجة للجواز لأن العرفاء ليسوا وكلاء وإنما هم كالأمراء عليهم، فقبول قولهم في حقهم بمنزلة قبول قول الحاكم في حق من هو حاكم عليه". (فتح الباري 4/484) .
2 يطيب: بضم أوله وفتح الطاء المهملة، وتشديد التحتانية المكسورة، والمعنى فمن أحب منكم أن يعطيه عن طيب نفس منه من غير عوض فليفعل. (المصدر السابق 8/34 وعون المعبود 7/358 وقال السهيلي: "عوض رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم تطب نفسه بالرد مما كان بيده واستطاب نفوس الباقين، وذلك أن المقاسم كانت قد وقعت فيهم فلا يجوز للإمام أن يمن على الأسرى بعد القسم، ويجوز له ذلك قبل المقاسم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر حين من عليهم، وتركهم عمالا للمسلمين في أرضهم التي افتتحوها عنوة" (الروض الأنف 7/281) .
3 يفيء: بفتح أوله ثم فاء مكسورة وهمزة بعد التحتانية الساكنة، أي يرجع إلينا من مال الكفار من خراج أو غنيمة أو غير ذلك، ولم يرد الفيء الاصطلاحي وحده (فتح الباري 5/178) .
وقال ابن الأثير: "أراد بما يفيئه الله عليه: الخمس الذي جعله الله له من الفيء خاصة دون الناس، فإنه يعطي كل من أخذ منه شيئاً عوضه من ذلك". (جامع الأصول 8/409) .
قال ابن حجر: "واستدل بالحديث على القرض إلى أجل مجهول، لقوله "حتى نعطيه من أوّل ما يفيء الله علينا" (فتح الباري 4/484) .
4 طيبنا: بتشديد التحتانية وسكون الباء الموحدة، أي رضينا بذلك. وفي رواية موسى بن عقبة "فأعطى الناس ما بأيديهم، إلا قليلاً من الناس سألوا الفداء" وفي رواية عمرو بن شعيب "فقال المهاجرون: "ما كان لنا فهو لرسول الله، وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله، وقال الأقرع بن حابس: "أما أنا وبنو تميم فلا، وقال عيينة: اما أنا وبنو فزارة فلا".
وقال عباس بن مرداس: "أما أنا وبنو سليم فلا، فقالت بنو سليم: بل ما كان لنا فهو لرسول الله".
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء نصيبه". (فتح الباري 8/34 ودلائل النبوة للبيهقي3/54أوانظر: حديث عمرو بن شعيب ص (441) .
قال ابن قيم الجوزية: "ولم يتخلف منهم أحد غير عيينة بن حصن فإنه أبى أن يرد عجوزا صارت في يده ثم ردها بعد ذلك" (زاد المعاد 3/476) .
5 وفي لفظ عند البخاري والبيهقي "قد طيبنا ذلك يا رسول الله لهم". وفي لفظ عند البخاري أيضا وأحمد "قد طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم".(2/450)
"إنا لا ندري من أذن منكم فيه ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم1 أمركم، فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم طيبوا2 وأذنوا وهذا الذي بلغنا من سبي هوزان.
هذا آخر قول الزهري، يعني فهذا الذي بلغنا.
____________________
1 عرفاؤكم: بالمهملة والفاء جمع عريف بوزن عظيم، وهو القائم بأمر طائفة من الناس، يلي أمورهم ويتعرف أحوالهم، سمي بذلك لكونه يتعرف أمورهم حتى يعرف بها من فوقه عند الاحتياج.
قال ابن حجر: قال ابن بطال: "في الحديث مشروعية إقامة العرفاء؛ لأن الإمام لا يمكنه أن يباشر جميع الأمور بنفسه فيحتاج إلى إقامة من يعاونه ليكفيه ما يقيمه فيه".
قال: "والأمر والنهي إذا توجه إلى الجميع يقع التواكل فيه من بعضهم فربما وقع التفريط، فإذا أقام على كل قوم عريفاً لم يسع كل أحد إلا القيام بما أمر به".
وقال ابن المنير: "في الحاشية: يستفاد منه جواز الحكم بالإقرار بغير إشهاد، فإن العرفاء ما أشهدوا على كل فرد فرد شاهدين بالرضاء، وإنما أقر الناس عندهم وهم نواب الإمام فاعتبر ذلك، وفيه أن الحاكم يرفع حكمه إلى حاكم آخر مشافهة فينفذه إذا كان كل منهما في محل ولايته. ثم عقب ابن حجر على هذا فقال قلت: وقع في سير الواقدي أن أبارهم الغفاري كان يطوف على القبائل حتى يجمع العرفاء واجتمع الأمناء على قول واحد".
ثم قال ابن حجر: "وفي الحديث أن الخبر الوارد في ذم العرفاء لا يمنع إقامة العرفاء، لأنه محمول - إن ثبت - على أن الغالب على العرفاء الاستطالة ومجاوزة الحد وترك الإنصاف المفضي إلى الوقوع في المعصية ثم قال والحديث المذكور: أخرجه أبو داود من طريق المقدام بن معد يكرب رفعه: "العرافة حق ولابد للناس من عريف، والعرفاء في النار".
ولأحمد وصحّحه ابن خزيمة من طريق عباد بن أبي علي عن أبي حازم عن أبي هريرة رفعه "ويل للأمراء، وويل للعرفاء".
قال الطيبي: "وقوله: "والعرفاء في النار" ظاهر أقيم مقام الضمير يشعر بأن العرافة على خطر، ومن باشرها غير آمن الوقوع في المحذور المفضي إلى العذاب، فهو كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} ، [سورة النساء، الآية:10] ، فينبغي للعاقل أن يكون على حذر منها لئلا يتورط فيما يؤديه إلى النار".
قال ابن حجر: "ويؤيد هذا التأويل الحديث الآخر حيث توعد الأمراء بما توعد به العرفاء، فدل على أن المراد بذلك الإشارة إلى أن كل من يدخل في ذلك لا يسلم، وأن الكل على خطر، والاستثناء مقدرا في الجميع. وأما قوله "العرافة حق" فالمراد به أصل نصبهم، فإن المصلحة تقتضيه، لما يحتاج إليه الأمر من المعاونة على ما يتعاطاه بنفسه، ويكفي في الاستدلال لذلك وجودهم في العهد النبوي، كما دل عليه حديث الباب" (فتح الباري 13/169-170) .
قلت: حديث أبي داود المشار إليه أخرجه أبو داود في سننه 2/19 كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب في العرافة، بلفظ "إن العرافة حق ولا بد للناس من العرفاء، ولكن العرفاء في النار".
قال المنذري: "في إسناده مجاهيل" (عون المعبود 8/153) ، والحديث عند أبي داود باللفظ المذكور ليس من طريق المقدام بن معد يكرب كما قال ابن حجر - رحمه الله -، ويخرج قول الطيبي: أقيم الظاهر مقام الضمير على لفظ أبي داود هذا، وحديث أحمد في المسند 2/352 وعباد بن أبي علي قال فيه ابن حجر في التقريب 1/393 "مقبول".
2 طيبوا: بفتح الطاء المهملة وتشديد التحتانية، أي حملوا أنفسهم على ترك السبايا حتى طابت بذلك، يقال طيبت نفسي بكذا إذا حملتها على السماح به من غير إكراه فطابت بذلك.
قال ابن حجر: "وتقدم في غزوة حنين ما يؤخذ منه أن نسبة الإذن وغيره إليهم حقيقة، ولكن سبب ذلك مختلف فالأغلب الأكثر طابت أنفسهم أن يردوا السبي لأهله بغير عوض، وبعضهم رده بشرط التعويض" (فتح الباري 13/169) .(2/451)
والحديث رواه البخاري أيضا عن سعيد بن عفير قال: حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب به1.
ورواه البخاري أيضا وأبو داود كلاهما من طريق سعيد2 بن أبي مريم حدثنا الليث به3.
ورواه البخاري أيضا والنسائي والبيهقي الجميع من طريق موسى ابن عقبة عن ابن شهاب عن الزهري به4.
ورواه البخاري أيضا وأحمد والبيهقي الجميع من طريق ابن أخي الزهري5 عن عمه به6.
رواه البيهقي أيضا من طريق يحيى بن بكير وعبد الله7 بن صالح المصريّين أن الليث بن سعد حدثهما قال: حدثني عقيل ابن شهاب به.
ثم قال عقب هذا الحديث في "السنن الكبرى" رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير8.
وفي "دلائل النبوة" بعد أن ساقه قال: رواه البخاري في الصحيح عن سعيد بن عفير وعبد الله9 بن يوسف عن الليث10.
____________________
1 تقدم الحديث برقم (108) .
2 هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء، أبو محمد المصري (تهذيب التهذيب 4/17) .
3 أبو داود: السنن 2/57 كتاب الجهاد، باب في فداء الأسير بالمال.
4 النسائي: في السنن الكبرى مختصرا بقصة العرفاء كما في تحفة الأشراف للمزي 8/373 حديث. (11251) .
5 ابن أخي الزهري هو: محمد بن عبد الله بن مسلم (التقريب 2/180) .
6 أحمد: المسند 4/326، والبيهقي: السنن الكبرى 9/64.
7 عبد الله بن صالح: هو المعروف بكاتب الليث (التقريب 1/423) .
8 6/360.
9 عبد الله بن يوسف التنسي - بمثناة ونون ثقيلة بعدها تحتانية ثم مهملة- أبو محمد (التقريب 1/463 وتهذيب التهذيب 6/86) .
10 3/54أ.
قال ابن حجر: في "النكت الظراف" بعد أن ذكر مواضع هذا الحديث في صحيح البخاري.
قلت: ذكر البيهقي في "الدلائل" أن البخاري أخرجه عن عبد الله بن يوسف عن الليث، ولم أره أنا فيه أهـ. (انظر النكت على هامش تحفة الأشراف للمزي 8/373) .
قلت: وقد تتبعت مواضع هذا الحديث في صحيح البخاري حسبما ذكره المزي في "تحفة الأشراف" والنابلسي "في الذخائر" وعبد الله الغنيمان في "دليل القاري" فلم أجد البخاري روى هذا الحديث عن عبد الله بن يوسف.
(انظر تحفة الأشراف 8/373 حديث 11251) وذخائر المواريث 3/95 حديث (6201) ودليل القاري ص 31 حديث (129) الرقم العام والخاص (2) .(2/452)
ب- ما رواه ابن إسحاق وغيره من حديث عمرو بن شعيب وهذا سياقه:
عن ابن إسحاق قال: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن وفد هوزان أتوا1 رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا، فقالوا: "يا رسول الله إنا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك، قال: وقام رجل2 من هوزان، ثم أحد بني سعد بن أبي بكر، يقال له: زهير3 يكنى أبا صرد فقال:
يا رسول الله4 إنما في الحظائر عماتك وخالاتك
____________________
1 وعند النسائي: "قال كنا عند رسول اله صلى الله عليه وسلم إذ أتته وفد هوزان، فقالوا: يا محمد إنا أصل وعشيرة، وقد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك".
وعند أحمد: "قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وجاءته وفود هوزان، فقالوا: يا محمد إنا أصل وعشيرة فمنّ علينا من الله عليك، فإنه قد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك".
وعند الطبري: "قال أتى وفد هوزان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة، وقد أسلموا فقالوا: يا رسول الله إنا أصل وعشيرة".
وعند البيهقي "قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين فلما أصاب من هوزان ما أصاب من أموالهم وسباياهم أدركه وفد هوزان بالجعرانة وقد أسلموا فقالوا يا رسول الله لنا أصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك".
2 وعند الطبري "فقام رجل من هوزان - أحد بني سعد بن بكر، وكان بنو سعد هم الذين أرضعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقال له: زهير بن صرد وكان يكنى بأبي صرد".
3 زهير - بضم الزاي وفتح الهاء وسكون التحتية- ابن صرد - بضم الصاد وفتح الراء ودال مهملات، مصروف ليس معدولاً - السعدي الجشمي أبو صرد، وقيل: أبو جرول، سكن الشام وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد قومه من هوزان (أسد الغابة لابن الأثير 2/262، وكتاب المغني لابن طاهر الهندي ص 46 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 4/4) وصرف (صرد) ؛ لأنه اسم جنس، وليس علما، قال الخضري في حاشيته على شرح ابن عقيل في الكلام على العلم المعدول، قوله: "العلم المعدول"، أي: عدلا تقديريا فإن طريق العلم بعدل هذا النوع سماعه غير مصروف مع علة العلمية فقط، فيقدر فيه العدل لئلا يترتب المنع على علة واحدة فلو سمع مصروفا لم يحكم بعدله، كأدد، وكذا غير العلم من اسم الجنس كنغر وصرد إلخ (حاشية الخضري 2/107) .
4 وعند البيهقي في "الدلائل " وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال: يا رسول الله إنما في الحظائر من السبايا خالاتك وعماتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك "وعند الطبري" فقال رسول الله: "نساؤنا عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كفلنك"، وعند الواقدي في المغازي 3/949-950 "وكان في الوفد عم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، قال: يومئذ: يا رسول الله إنما في هذه الحظائر من كان يكفلنك من عماتك وخالتك وحواضنك، وقد حضناك في حجورنا وأرضعناك بثدينا، ولقد رأيتك مرضعا فما رأيت مرضعاً خيرا منك، ورأيتك فطيماً فيما رأيت فطيماً خيراً منك، ثم رأيتك شاباً، فما رأيت شاباً خيراً منك، وقد تكاملت فيك خلال الخير، ونحن مع ذلك أهلك وعشيرتك فامنن علينا من الله عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد استأنيت بكم حتى ظننت أنكم لا تقدمون، وقد قسم السبي وجرت فيهم السهمان".
الحديث، وعنده أيضا "ويقال: أن أبا الصرد زهير بن صرد قال يومئذ: إنما في هذه الحظائر أخواتك وعماتك وبنات عماتك، وخالاتك وبنات خالاتك وأبعدهن قريب منك يا رسول الله، بأبي أنت وأمي إنهن حضنك في حجورهن وأرضعنك بثديهن، وتوركنك على أوراكهن، وأنت خير المكفولين".(2/453)
وحواضنك1 اللاتي كن يكفلنك ولو أنا ملحنا2 للحارث بن أبي شمير، أو النعمان بن المنذر، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به، رجونا عطفه وعائدته علينا وأنت خير المكفولين، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ "3. فقالوا: "خيرتنا يا رسول الله بين أموالنا وأحسابنا، بل ترد إلينا نسائنا وأبناءنا4 فهو أحب إلينا، فقال لهم: "أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وإذا ما أنا صليت الظهر بالناس5، فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا، فسأعطيكم عند ذلك، وأسأل لكم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر، قاموا فتكلموا6 بالذي أمرهم به، فقال
____________________
1 الحواضن: جمع حاضنة وهي التي تقوم بتربية الصبي والحضانة: بالفتح فعلها، والحضن: بالكسر الجنب وهما حضنان. (اللسان 16/178-279 ومختار الصحاح ص 142) .
2 قال ابن هشام: "ويروي ولو أنا ما لحنا الحارث بن أبي شمر أو النعمان ابن المنذر" أهـ. قلت: "وهي رواية البخاري في التاريخ الصغير".
والملح: بالفتح والكسر: الرضع والممالحة المراضعة (النهاية لأبن الأثير 4/354، والروض الأنف للسهيلي 7/279) .
وعند الطبراني في معجمه الكبير: 5/312 ولو أنا لحقنا الحارث بن أبي شمر والنعمان ابن المنذر، ثم نزل بنا منه إلخ.
3 وعند النسائي: فقال: "اختاروا من أموالكم أو من نسائكم وأبنائكم"، فقالوا: "قد خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا، بل نختار نساءنا وأبناءنا".
وعند أحمد:"فقال: اختاروا بين نسائكم وأموالكم وأبنائكم، قالوا: خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا، نختار أبناءنا" وعند البيهقي "نساؤكمو أبناؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ فقالوا: يا رسول الله خيرتنا بين أحبابنا وبين أموالنا أبناؤنا ونساؤنا أحب إلينا".
4 وعند أحمد "بل ترد علينا نساؤنا وأبناؤنا بالبناء للمفعول، وعند الطبري: "بل ترد علينا أموالنا ونساؤنا" ولفظ (أموالنا خطأ) والصواب "أبناءنا ونساءنا" لأنه خيرهم بين الأموال والأحساب دون الجمع بينهما.
5 وعند النسائي "فإذا صليت الظهر فقوموا فقولوا: إنا نستعين برسول الله على المؤمنين، أو المسلمين في نسائنا وأبنائنا" وعند أحمد "فإذا صليت بالناس الظهر" وعند الواقدي "وإذا صليت الظهر بالناس فقولوا: إنا لنستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله".
6 عند النسائي: "قاموا فقالوا ذلك". وعند أحمد: "قال: ففعلوا".
وعند الطبراني: "قاموا فكلموه بما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وعند البيهقي: "قاموا فقالوا ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وعند الواقدي: " قاموا فتكلموا بالذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم".
فقالوا: "إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله".(2/454)
رسول اله صلى الله عليه وسلم: "وأما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم"، فقال المهاجرون: "وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم1. فقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا. وقال عيينة بن حصن: أما أن وبنو فزازة فلا. وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا. فقالت بنو سليم: بلى، ما كان لنا فهو لرسول الله2. قال: يقول عباس بن مرداس لبنو سليم: وهنتموني3، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي4، فله بكل إنسان ست فرائض5، من أول سبي أصيبه، فردوا إلى الناس أبنائهم ونسائهم" الحديث.
والحديث رواه أبو داود من طريق حماد بن سلمة عن ابن إسحاق مختصرا عقب حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة.
ورواه النسائي وأحمد كلاهما من طريق حماد بن سلمة بتمامه.
ورواه الطبري من طريق سلمة بن الفضل الأبرش.
والبيهقي من طريق يونس بن بكير كلاهما عن ابن إسحاق بتمامه.
ورواه أيضا أحمد من طريق إبراهيم بن سعد.
والبيهقي من طريق يونس بن بكير.
____________________
1 وعند الطبراني: "وقالت الأنصار مثل ذلك".
2 وعند النسائي: "فقامت بنو سليم فقالوا: كذبت ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم".
وعند أحمد: "قالت بنو سليم: لا ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وعند البيهقي: "فقالت بنو سليم: بل ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم".
3 وهنتموني: أضعفتموني وفي القاموس المحيط 4/276: وهنه وأوهنه ووهنه: أضعفه.
4 وعند النسائي: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس ردوا عليهم نساءهم وأبناءهم فمن تمسك من هذا الفيء بشيء فله علينا ستة فرائض من أوّل شيء يفئه الله عز وجل علينا".
وعند أحمد: "فمن تمسك بشيء من الفيء فله علينا ستة فرائض من أول شيء يفيئه الله علينا".
وعند الطبراني: "فله ست قلائص من أول فيء نصيبه" وعند الواقدي: "وتمسكت بنو سليم مع الأقرع بالسبي، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الفداء ست فرائض، ثلاث حقاق وثلاث جذاع".
5 الفرائض: جمع فريضة: يريد به: البعير المأخوذة في الزكاة سمي به فريضة، لأنه الواجب على رب المال، ثم سمي البعير فريضة في غير الزكاة. (جامع الأصول 8/409) .(2/455)
والطبراني من طريق محمد بن سلمة الباهلي ثلاثتهم عن ابن إسحاق إلى قوله "نسائهم وأبنائهم"1.
ورواه البخاري في "التاريخ الصغير" من طريق عبد الله بن إدريس عن ابن إسحاق إلى قوله "ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم"2.
وأورده الهيثمي، ثم قال: "رواه أبو داود باختصارٍ كثير، ورواه أحمد، ورجال أحد إسناديه ثقات"3. اهـ.
والحديث رواه النسائي أيضا تاما كما بينت ذلك.
ويشهد له حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم4.
ج-ما رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة من حديث زهير بن صرد وهذا سياقه من المعجم الصغير قال:
210-حدثنا عبيد الله5 بن رماحس القيسي برمادة الرملة6 سنة أربع وسبعين ومائتين، حدثنا أبو عمر زياد7 بن طارق وكان قد أتت عليه8 عشرون ومائة
____________________
1 الطبراني المعجم الكبير 5/312.
2 التاريخ الصغير ص 5 ورواه الواقدي أيضا في مغازيه 3/949-954. وتقدم تخريجه برقم (130) ص 227 وتحت حديث رقم (180) ص 371.
3 مجمع الزوائد 6/187-188.
4 تقدم الحديث في ص 435.
5 عبيد الله بن رماحس - بضم الراء وفتح الميم وكسر الحاء المهملة وفي آخره سين مهملة- الجشمي- بضم الجيم وفتح الشين المعجمة - القيسي الرمادي الرملي.
قال الذهبي: روى عن زياد بن طارق، وعنه الأمير بدر الحمامي، وأبو القاسم الطبراني، وأحمد بن إسماعيل بن عاصم، وأبو سعيد بن الأعرابي والحسن بن زيد الجعفري، ومحمد بن إبراهيم بن عيسى المقدسي.
ثم قال الذهبي: وكان معمرا، رأيت للمتقدمين فيه جرحا، وما هو بمعتمد عليه (ميزان الاعتدال 2/90و3/6 والاستيعاب لابن عبد البر 1/577مع الإصابة، واللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير 2/35و36 ومعجم البلدان لياقوت 3/66 وتاريخ بغداد 7/105و106 وقد حصل في هذه الترجمة خطأ مطبعي في معاجم الطبراني الثلاثة وغيرها، في كلمة (رماحس) فوقعت في المعجم الصغير (رما حبيب) وفي الكبير (رماحي) وفي الأوسط (رماجس) بالجيم، وكذا في لسان الميزان لابن حجر.
وفي شرح المواهب اللدنية (دماحش) والصواب ما أثبتناه.
6 هي رمادة فلسطين كما في معجم البلدان. وفي شرح المواهب الدنية (بزيادة الرملة) الزاي والياء وهو خطأ.
7 زياد بن طارق بن أبي جرول، نكرة لا يعرف، تفرد عنه عبيد الله ابن رماحس (ميزان الإعتدال 2/90) .
وقال ابن حجر: "وقد ضبطه الدارقطني في المؤتلف والمختلف بفتح الزاي وتشديد الياء، فكان ينبغي إفراده. ثم قال: وقال أبو منصور البارودي في كتاب "معرفة الصحابة" أنه مجهول" (لسان الميزان 2/495) .
8 في المعجم الكبير: "وكان قد لبث عليه عشرون ومائة سنة".(2/456)
سنة سمعت أبا جرول زهير1 بن صرد الجشمي يقول: لما أسرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يوم هوزان وذهب يفرق السبي والشاء2 أتيته وأنشأت أقول هذا الشعر:
أمنن علينا رسول الله في كرم
...
فإنك المرء نرجوه وننتظر3
أمنن على بيضة قد عاقها قدر
...
مملها في دهرها غير4
أبقت لنا الدهر هتافا على حزن
...
على قلوبهم الغَمَّاء والغَمَر5
إن لم تداركهم نعماء تنشرها
...
يا أرجح الناس حلما حين يختبر6
أمنن على نسوة قد كنت ترضعها
...
إذ فوك تملأه من مخضها الدرر7
إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها
...
وإذ يزينك ما تأتي وما تذر8
لاتجعلنا كمن شالت نعماته
...
واستبق منه فإنا معشر زهر9
إنا لنشكر للنعماء إذ كفرت
...
وعندنا بعد هذا اليوم مدخر10
____________________
1 تقدمت ترجمته ص (441) وعلى أنه يكنى أبا صرد أيضاً.
2 في المعجم الكبير: "وذهب يفرق الشبان والسبي". والظاهر أنه خطأ؛ لأن الشبان من جملة السبي.
3 أمنن: بهمزة مضمومة فميم ساكنة فنون مضمومة فأخرى ساكنة، أي: أحسن إلينا من غير طلب ثواب ولا جزاء. (ورسول الله) منادى بحرف نداء محذوف، (والمرء) بفتح الميم وبالراء والهمزة (وأل) لاستغراق أفراد الجنس أي أنت المرء الجامع للصفات المحمودة المتفرقة في الرجال.
(بيضة) أهل العشيرة، و (غير) بكسر المعجمة وفتح الياء: تغير حال وانتقالها من صلاح لفساد.
(الدهر) نصب معمول (أبقت) ، (وهتافا) بفتح الهاء وفوقية وفاء أي ذا هتف أي صوت مشتمل على (حزن) بفتحتين. (والغماء) بفتح المعجمة وشد الميم أي الحزن لأنه يغطي السرور. (والغمر) بفتح المعجمة وتكسر وميم مفتوحة وراء: الحقد.
(إن لم تداركهم نعماء تنشرها) عليهم هلكوا فجواب إن محذوف أو شرط في (أبقيت) فلا حذف.
(ترضعها) بفتح الفوقية: و (مخضها) بفتح الميم وسكون المعجمة: لبنها الخالص، و (الدرر) بكسر المهملة وفتح الراء الأولى: كثرة اللبن وسيلانه جمع درة.
(يزينك) بفتح الياء وكسر الزاي، و (تذر) أي تترك.
(شرح المواهب اللدنية 4/4-5)
(لاتجعلنا) بتشديد النون، و (شالت) ارتفعت، (والنعامة) باطن القدم، ومعنى شالت نعامته أي هلك.
(وزهر) بضمتين. والأزهر من الرجال: الأبيض النير الحسن وهو أحسن البياض كأنه له بريقا (اللسان 5/430) .
10 "النعماء" بفتح النون وإسكان العين وميم والمد: النعمة.
(إذ كفرت) بالبناء للمجهول، وكفران النعمة: جحدها وسترها وعدم الاعتراف بها لمسديها، و (مدخر) بميم مضمومة فمهملة مشددة فمعجمة مفتوحتين فراء.(2/457)
فألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمهاتك إن العفو مشتهر1
يا خير من مرحت كمت الجياد له ... عند الهياج إذا ما استوقد الشرر2
إنا نؤمل عفوا منك تلبسه ... هذى البرية إذ تعفو وتنتصر3
فاعفو عفا الله عما أنت راهبه ... يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر4
قال: فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشعر، قال صلى الله عليه وسلم: "ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم". وقالت قريش: "ما كان لنا فهو لله ولرسوله"، وقالت الأنصار: "ما كان لنا فهو لله ولرسوله". لم يرو عن زهير بن صرد بهذا التمام إلا بهذا الإسناد. تفرد به عبيد الله5.
ومن طريقه رواه الخطيب في تاريخه6.
____________________
(فألبس) بفتح الهمزة وكسر الموحدة، (إن العفو مشتهر) أي حسنه بين الناس.
(مرحت) بفتح الميم والراء والحاء المهملة: نشطت و (كمت) بضم الكاف وسكون الميم وفوقية جمع كميت و (الجياد) بكسر الجيم و (الهياج) بكسر الهاء وخفة التحتية وجيم: القتال، والكميت من الخيل بين الأسود والأحمر.
(انظر: المصباح المنير 2/654-655) .
(نؤمل) نرجو، و (تلبسه) بضم الفوقية وسكون اللام وكسر الموحدة، (هذى البرية) إشارة للنسوة التي طلب العفو عنهن.
ووقع في المعجم الكبير للطبراني: (هادي البرية) بهاء ودال مهملة وهو منادي أي يا هادي البرية، (إذ تعفو وتنتصر) أي فتجمع بين الحسنين النصر والعفو.
(فاعفو) بواو الإشباع أو حكي لغة من يجري المعتل مجرى الصحيح.
وفي المعجم الكبير للطبراني "فاعف" بحذف الواو و (راهبه) بموحدة أي خائفة، والظفر: الفوز (شرح المواهب اللدنية للزرقاني 4/5) .
وقد وردت بعض هذه الأبيات من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عند الطبراني في المعجم الكبير 5/312 من طريق محمد بن سلمة عن ابن إسحاق، والبيهقي في الدلائل 3/54-55 من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق.
وساق السهيلي هذه الأبيات في الروض الأنف 7/280.
ثم قال: لم يذكر ابن إسحاق شعر زهير في النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين في رواية البكائي، وذكره في رواية إبراهيم بن سعد عنه.
قلت: "وهذه الرواية ساقها ابن عبد البر في الاستيعاب 1/575-577 مع الإصابة من رواية إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق".
5 المعجم الصغير: 1/236-237. والكبير: 5/311-312. والأوسط 2/244 رقم 77 "مجمع البحرين".
6 تاريخ بغداد: للخطيب البغدادي7/105-106.(2/458)
قال الهيثمي: "رواه الطبراني في ثلاثة، وفيه من لم أعرفهم"1.
والحديث أعله الذهبي بالجهالة، والانقطاع، أما الجهالة: فقد قال عن عبيد الله بأنه لم يعرف فيه جرحا ولا تعديلا، وقال عن زياد بأنه نكرة لا يعرف.
وأما الانقطاع فقد قال في أثناء ترجمة عبيد الله: ثم رأيت الحديث الذي رواه، له علة قادحة.
قال أبو عمر بن عبد البر في شعر زهير: "رواه عبيد الله بن رماحس عن زياد بن طارق، عن زياد بن صرد بن زهير، عن أبيه، عن جده زهير ابن صرد، فعمد عبيد الله إلى الإسناد وأسقط رجلين منه، وما قنع بذلك حتى صرح بأن زياد بن طارق قال حدثني زهير، كذا في معجم الطبراني وغيره بإسقاط اثنين من سنده"2.
ورد هذا ابن حجر فقد نقل قول الذهبي هذا، ثم قال: "وهذا الذي قاله المؤلف3 تحكم لا دليل له عليه ولا له فيما حكاه عن ابن عبد البر ترجمة قائمة".
وسياقه يقتضي أن هذا كلّه كلام ابن عبد البر، وليس كذلك، بل من قوله، فعمد عبيد الله إلى آخر الترجمة، قاله المؤلف من عند نفسه بانيا على صحة ما حكاه ابن عبد البر.
ثم ساق ابن حجر بإسناده إلى كتاب "الاستيعاب" لابن عبد البر أنه قال: "زهير بن صرد الجشمي السعدى من بني سعد بن بكر وقيل يكنى أبا جرول كان رئيس قومه وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد هوزان إذ فزع من حنين فساق أبو عمر القصة، ثم أسندها من طريق ابن إسحاق، ثم قال في آخره إلا أن في الشعر بيتين لم يذكرهما محمد بن إسحاق في حديثه، وذكرهما عبيد الله بن رماحس عن زياد بن طارق عن زياد بن صرد بن زهير بن صرد عن أبيه عن جده زهير بن صرد أبي جرول أنه حدثه هذا الحديث" انتهى كلام ابن عبد البر.
ثم قال ابن حجر: "فهذا كما تراه حكاه ابن عبد البر مرسلا ولم يسق إسناده إلى
____________________
1 مجمع الزوائد 6/186-187.
2 ميزان الاعتدال 3/6.
3 يريد الذهبي.(2/459)
عبيد الله بن رماحس حتى يعلم…ثم قال: والحديث رواه عن عبيد الله الستة1 الذين ذكرهم المؤلف2، وأبو بكر محمد ن أحمد بن محمويه العسكرية وأبو الحسين أحمد بن زكريا، وعبيد الله بن علي بن خواص، فهؤلاء عدد من الثقات رووه عن عبيد الله بن رماحس أنه قال: حدثنا زياد قال سمعت أبا جرول زهير بن الصرد، فالظاهر أن قولهم أولى بالصواب، والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد لا سيما وهو لم يسم.
ثم أورد ابن حجر عدة طرق لهذا الحديث عن الطبراني وغيره من العلماء كلها تدور على عبيد الله بن رماحس، ثم قال في نهاية تلك الطرق فكملت ذلك عندي عدة من رواه عن عبيد الله بن رماحس غير الطبراني أربعة عشر نفسا".
ثم قال: "فالحديث حسن الإسناد، لأن راوييه مستوران لم يتحقق أهليتهما ولم يجرحا، ولحديثهما شاهد قوي3، وصرحا بالسماع، وأما رميا بالتدليس لا سيما تدليس التسوية الذي هو أفحش أنواع التدليس، إلا في القول الذي حكيناه آنفا عن ابن عبد البر، ولا يثبت ذلك إن شاء الله".اهـ. كلام ابن حجر بتصرف4.
وخلاصة القول في هذا أن ابن حجر يرى أن الحديث متصل وأنه من ثلاثيات الطبراني5 وهو حسن بالمتابعة، وأن ما قاله ابن عبد البر عن هذا الحديث بأنه منقطع قول بدون برهان. وأن ما بناه الذهبي على قول ابن عبد البر في تضعيف هذا الحديث غير سديد.
ما رواه ابن سعد والطبري من مرسل سعيد بن المسيب وهذا سياقه عند الطبري: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال ثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب، أنهم أصابوا يومئذ ستة آلاف سبي، ثم جاء قومهم مسلمين بعد ذلك، فقالوا: يا رسول الله، أنت خير الناس وأبر الناس، وقد أخذت أبناءنا ونساءنا
____________________
1 انظر حديث (210) تعليقه (5) ص 444.
2 يريد الذهبي.
3 من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند ابن إسحاق انظر ص 441-444.
(لسان الميزان 4/99-104 وفتح الباري 8/34 والإصابة 1/553 والاستيعاب 1/575-577 مع الإصابة، والمواهب اللدنية 1/234-235، وشرح المواهب 4/4-6) .
5 أي أن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه ثلاثة أنفس.(2/460)
وأموالنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عندي من ترون، وإن خير القول أصدقه، اختاروا إما ذَرَارِيَّكم، ونساءكم، وإما أموالكم"، قالوا: ما كان نعدل بالأحساب شيئا.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن هؤلاء قد جاءوني مسلمين وإنا خيرناهم بين الذراري والأموال، فلم يعدلوا بالأحساب شيئا، فمن كان بيده منهم شيء، فطابت نفسه أن يرده فليفعل ذلك، ومن لا، فليعطنا، وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيئا فنعطيه مكانه"، فقالوا: يا نبي الله رضينا وسلمنا، فقال: "إني لا أدري، لعل منكم من لا يرضى، فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا" فرفعت إليه العرفاء أن قد رضوا وسلموا 1.
والحديث رواه عبد الرزاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير غير أنه فصل قول كل واحد عن الآخر، وهذا سياقه:
فقال: قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم سبى يومئذ ستة آلاف سبي من امرأة وغلام، فجعل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبا سفيان بن حرب.
ثم قال: قال الزهري: وأخبرني عروة بن الزبير قال لما رجعت هوزان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أنت أبر الناس وأوصلهم، وقد سبي أموالنا ونساؤنا، وأخذت أموالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني كنت استأنيت بكم ومعي من ترون، وأحب القول إلي أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين، إما المال، وإما السبي" فقالوا: "يا رسول الله: أما إذا خيرتنا بين المال وبين الحسب، فإنا نختار الحسب- أو قال: ما كنا نعدل بالحسب شيئا – فاختاروا نسائهم وأبناءهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطب في المسلمين، "فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاءوا مسلمين، أو مستسلمين وإنا قد خيرناهم بين الذراري والأموال، فلم يعدلوا بالأحساب، وإني قد رأيت أن تردوا إليهم أبناءهم ونساءهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب أن يكتب علينا حصته من ذلك حتى نعطيه من بعض ما يفيئه الله علينا فليفعل، قال: فقال المسلمون: طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني لا أدري من أذن في ذلك ممن لم يأذن، فأمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا،
____________________
1 جامع البيان 10/102، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/155.
وتقدم برقم (107) .(2/461)
فلما رفعت العرفاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الناس قد سلموا ذلك وأذنوا فيه، رد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوزان نساءهم وأبناءهم وخير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كان أعطاهن رجالا من قريش بين أن يلبثن عند من عنده، وبين يرجعن إلى أهلن".
قال الزهري: "فبلغني أن امرأة منهم كانت تحت عبد الرحمن بن عوف فخيرت فاختارت أن ترجع إلى أهلها وتركت عبد الرحمن، وكان معجبا بها، وأخرى عند صفوان بن أمية فاختارت أهلها".
قال الزهري: "فأخبرني سعيد بن المسيب قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قسم بين المسلمين ثم اعتمر من الجعرانة بعد ما قفل من غزوة حنين، ثم انطلق إلى المدينة، ثم أمر أبا بكر على تلك الحجة1. ما رواه ابن أبي شيبة من مرسل عبد الله بن عبيد وهذا سياقه:
211- حدثنا عبيد الله2 بن موسى قال: أنا موسى3 عن أخيه عبد الله4 بن عبيد أن نفرا من هوزان جاءوا بعد الوقعة، فقالوا: يا رسول الله إنا نرغب في رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: في أي ذلك ترغبون أفي الحسب أم في المال؟
قالوا: بل في الحسب والأمهات والبنات، وأما المال فسيرزقنا الله، قال: أما أنا فأرد ما في يدي وأيدي بني هاشم من عورتكم، وأما الناس فسأشفع لكم إليهم، إذا صليت إن شاء الله، فقوموا وقولوا كذا وكذا، فعلمهم ما يقولون، ففعلوا ما أمرهم به، وشفع لهم ولم يبق أحد من المسلمين إلا رد ما في يده من عورتهم غير الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن، امسكا الأموال التي في أيديهما 5.
____________________
1 مصنف عبد الرزاق 5/380-382.
المشهور أن الأمير على تلك الحجة كان عتاب بن أسيد.
انظر تفسير ابن كثير 2/332 وص (723) .
2 عبيد الله بن موسى بن أبي المختار تقدم في حديث (70) .
3 موسى بن عبيدة - بضم أوله - ابن نشيط - بفتح النون وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة - الربذي - بفتح الراء والموحدة ثم المعجمة، أبو عبد العزيز المدني، ضعيف، ولا سيما في عبد الله بن دينار، وكان عابدا من صغار السادسة (ت153) / ت ق. (التقريب 2/286، وتهذيب التهذيب 10/356-360) .
4 عبد الله بن عبيدة بن نشيط، أخو الذي قبله ثقة من الرابعة قتلته الخوارج بقديد سنة (130) / خ (التقريب 1/431 وتهذيب التهذيب 5/309) .
5 تاريخ ابن أبي شيبة ص 91ب.(2/462)
والحديث مرسل، وفيه موسى بن عبيد وهو ضعيف.
وهذه الآثار يقوي بعضها بعضاً وتعتضد بالأحاديث السابقة واللاحقة.
ما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر في إعطاء عمر بن الخطاب جارية من سبي هوزان وهذا سياقه:
212- حدثني أبو طاهر1 أخبرنا عبد الله بن وهب حدثنا جرير ابن حازم أن أيوب2 حدثه أن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف فقال رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام فكيف ترى؟ قال: "اذهب فاعتكف يوما" 3. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه جارية من الخمس فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس سمع عمر بن الخطاب أصواتهم يقولون أعتقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ فقالوا: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس. فقال عمر: يا عبد الله! اذهب إلى تلك الجارة فخل سبيلها 4.
والحديث رواه البخاري من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم الجاهلية، الحديث وفيه: "قال: وأصاب عمر جاريتين5 من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة، قال فمن رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبي حنين فجعلوا يسعون في السكك، فقال عمر: يا عبد الله انظر ما هذا؟
____________________
1 أبو طاهر: هو أحمد بن عمرو بن السرح - بمهملات - المصري التهذيب 1/64.
2 هو أيوب السختياني (تهذيب التهذيب 1/397 و10/413) .
3 سياتي الكلام على نذر عمر الإعتكاف في الأحكام تحت حديث (271) ص 618.
4 مسلم: الصحيح 3/1277 كتاب الإيمان: باب النذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم ورواه البيهقي في السنن الكبرى 6/338 من طريق الحسن بن سفيان ثنا أبو طاهر ثنا ابن وهب ثنا جرير بن حازم به. ثم قال: "رواه مسلم في الصحيح عن أبي طاهر واستشهد به البخاري".
5 في بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه جارية فقط، قال ابن حجر: "يجمع بين الروايات بأن عمر أعطى إحدى جاريتيه ابنه عبد الله بن عمر، كما هو في رواية ابن إسحاق" (فتح الباري8/36) وانظر رواية ابن إسحاق حديث (213) ص455.(2/463)
فقال: "من رسول الله صلى الله عليه وسلم على السبي، قال: اذهب فأرسل الجاريتين". الحديث1.
فقد روى الحديث هنا مرسلا بإسقاط ابن عمر، ثم قال: ورواه معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر في النذر.
ثم أعاد حديث حماد بن زيد في المغازي مرسلا أيضا ثم اتبعه برواية معمر عن أيوب موصولا، ولكن في قصة النذر فقط.
ثم قال: وقال بعضهم: حماد2 عن أيوب عن نافع عن ابن عمر.
ورواه جرير بن حازم وحماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم3 اهـ.
قال ابن حجر: "كذا رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع مرسلا ليس فيه ابن عمر، وسيأتي في المغازي أن البخاري نقل أن بعضهم4 رواه عن حماد بن زيد موصولا، وهو عند مسلم وابن خزيمة لكن في القصة الثالثة المتعلقة بعمرة الجعرانة، لا في جميع الحديث"5.
____________________
1 البخاري: الصحيح 4/74 كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه والحديث اشتمل على ثلاث مسائل:
نذر عمر بن الخطاب الاعتكاف في الجاهلية، واعطاه جاريتين من سبي هوزان، وعمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مكن الجعرانة.
2 حماد: هنا هو ابن زيد، فإنه ذكر عقبه رواية حماد بن سلمة وهي مخالفة لسياقه. (فتح الباري 8/35) .
3 البخاري: الصحيح 5/127 كتاب المغازي، باب ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا إلخ. وانظر سياق الحديث تحت رقم (271) .
ورواه مسلم في الصحيح 3/1278 كتاب الإيمان، باب نذر الكافر وما فيه إذا سلم عقب رواية جرير بن حازم من طريق عبد الرزاق عن معمر به، وقال: اعتكاف يوم، ثم ذكر بمعنى حديث جرير بن حازم. ورواه أحمد في مسنده 2/35 عن عبد الرزاق عن معمر به ولفظه:
"قال: لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من حنين سأل عمر عن نذر كان نذره في الجاهلية، اعتكاف يوم فأمره به، فانطلق عمر بين يديه، قال: وبعث معي بجارية كان أصابها يوم حنين، قال: فجعلتاها في بعض بيوت الأعراب حين نزلت فإذا أنا بسبي حنين قد خرجوا يسعون ويقولون: أعتقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال عمر لعبد الله: اذهب فأرسلها، قال: فذهبت فأرسلتها".
4 هذا البعض المبهم هو أحمد بن عبدة الضبي، انظر ص (454) .
5 رواه مسلم في الصحيح 3/1278 كتاب الأيمان، باب نذر الكافر، وما يفعل فيه إذا أسلم، وابن خزيمة في صحيحه 3/347 كلاهما عن أحمد بن عبدة الضبي حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع قال: ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فقال: لم يعتمر منها، قال: وكان عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية. ثم ذكر نحو حديث جرير بن حازم ومعمر عن أيوب، لفظ مسلم.(2/464)
وذكر هنا1 أن معمرا وصله أيضا عن أيوب، ورواية معمر وصلها في المغازي وهو في قصة النذر فقط2.
وذكر في المغازي أيضا أن حماد بن سلمة رواه موصولا3، وهو أيضا في النذر فقط.
وقال في المغازي هكذا ذكر البخاري حديث حماد بن زيد عن أيوب مرسلا مختصرا، ثم عقبه برواية معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولا تاما.
وقد عاب الإسماعيلي جمعهما4 لأن قوله: "لما قفلنا من حنين" لم يقع في رواية حماد بن زيد أي الرواية الأولى المرسلة.
والجواب أن البخاري إنما نظر إلى أصل الحديث لا إلى النقص والزيادة في ألفاظ الرواة.
وإنما أورد طريق حماد بن زيد المرسلة للإشارة إلى أن روايته مرجوحة، لأن جماعة من أصحاب شيخه أيوب خالفوه فيه فوصلوه، بل بعض أصحاب حماد بن زيد رواه عنه موصولا5، كما أشار إليه البخاري أيضاً هنا6.
على أن رواية حماد بن زيد وإن لم يقع فيها ذكر القفول من حنين صريحا لكنه فيها ضمنا كما سأبينه، وقد وقع في رواية بعضهم، ما ليس عند معمر أيضا مما هو ادخل في المقصود الباب كما سأبينه، فأما بقية اللفظ الرواية الأولى7 فقد ساقها في فرض
____________________
1 يريد في كتاب فرض الخمس 4/74.
2 انظر: الرواية في تعليقه (3) من ص 452.
3 وراوية حماد بن سلمة أخرجها أحمد في مسنده 2/153.
فقال حدثنا عبد الصمد وعفان قالا: ثنا حماد بن سلمة أنا أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنه: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فقال: "إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام".
قال عبد الصمد: "ومعه غلام من سبي هوزان فقال له: اذهب فاعتكف، فذهب فاعتكف فبينما هو يصلي إذ سمع الناس يقولون: أعتق رسول الله سبي هوزان، فدعا الغلام فأعتقه.
4 يعني رواية حماد بن زيد ورواية معمر.
5 هو أحمد بن عبدة الضبي، انظر ص 452 تعليقة (4) .
6 يريد في المغازي.
7 يريد رواية حماد بن زيد.(2/465)
الخمس بلفظ "أن عمر قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان عليَّ اعتكاف ليلة1 في الجاهلية فأمره أن يفي به.
قال: "وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة". الحديث.
وكذا أورده الإسماعيلي2 من طريق سليمان3 بن حرب وأبي ربيع الزهراني وخلف بن هشام كلهم عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع "أن عمر كان عليه اعتكاف ليلة في الجاهلية، فلما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة سأله عنه، فأمره أن يعتكف" لفظ أبي الربيع.
ثم قال ابن حجر: قلت: "وكان نزول النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة بعد رجوعه من الطائف بالاتفاق، وكذا سبي حنين إنما قسم بعد الرجوع منها، فاتحدت رواية حماد بن زيد ومعمر معنى، وظهر رد ما اعترض به الإسماعيلي".
وأما رواية من رواه عن حماد بن زيد موصولا فأشار إليه البخاري بقوله: "وقال بعضهم عن حماد إلخ" فالمراد بحماد بن زيد، فإنه ذكر عقبه رواية حماد بن سلمة وهي مخالفة لسياقه4.
والمراد بالبعض المبهم: أحمد بن عبدة الضبي، كذلك أخرجه الإسماعيلي من طريقه فقال: أخبرني القاسم هو ابن زكريا حدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: "كان عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن يفي به".
وكذا أخرجه مسلم وابن خزيمة5 عن أحمد بن عبدة وذكرا فيه إنكار ابن عمر عمرة الجعرانة، ولم يسق مسلم لفظه6.
____________________
1 لفظ الحديث "اعتكاف يوم".
2 الإسماعيلي: هو أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل، تقدم
3 سليمان بن حرب الأزدي، الواشحي - بمعجمة ثم مهملة - البصري ثقة إمام حافظ، وأبو ربيع الزهراني هو: سليمان بن داود العتكي ثقة، وخلف بن هشام بن ثعلب البغدادي المقري ثقة (انظر تهذيب التهذيب 3/156 و4/178 و190، والتقريب 1/226 و322 و324) .
4 رواية حماد بن سلمة عند أحمد انظر ص 453 تعليقه (3) .
5 انظر: الرواية في ص 453 تعليقة (1) .
6 فتح الباري 6/252-253 و8/35-36.(2/466)
وفي هدي الساري قال: قال الدارقطني حديث حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر أصاب جاريتين من سبي حنين، وفي أوله أن عمر قال: نذرت نذرا هكذا أخرجه مرسلا.
ووصل حديث النذر حماد بن سلمة وجرير بن حازم وجماعة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر وهو صحيح.
ووصل حديث الجاريتين جرير بن حازم عن أيوب وقول حماد أصح1.
ثم عقب ابن حجر على هذا فقال: قلت: "إذا صح أصل الحديث صح قول من وصله وقد بين البخاري الخلاف فيه، وقد قدمناه أنه في مثل هذا يعتمد على القرائن والله الموفق"2.اهـ.
ما أخرجه أحمد والطبري من طريق ابن إسحاق وهذا لفظ أحمد:
213- حدثنا يعقوب3 ثنا أبي4 عن ابن إسحاق حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر قال: "أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب جارية من سبي هوزان فوهبها لي فبعثت بها إلى أخوالي من بني جمح5 ليصلحوا لي منها حتى أطوف بالبيت ثم آتيهم، وأنا أريد أن أصيبها6 إذا رجعت إليها، قال: فخرجت من المسجد حين فرغت فإذا الناس يشتدون فقلت: ما شأنكم؟ قالوا: رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءنا ونساءنا، قال: قلت: تلك صاحبتكم في بني جمح فاذهبوا فخذوها، فذهبوا فأخذوها 7.
والحديث في سيرة ابن هشام عن ابن إسحاق لكن ذكر قبله مرسل أبي وجزة السعدي ثم ذكر عقبه حديث عبد الله بن عمر، فقال: وحدثني أبو وجزة8 يزيد بن
____________________
1 يعني الإرسال. وحماد: يعني ابن زيد.
2 هدي الساري ص364
3 هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري.
4 هو إبراهيم بن سعد.
5 جمح: بضم الجيم وفتح الميم وفي آخره حاء مهملة هو: جمح بن عمرو بن هصيص ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النصر (اللباب في تهذيب الأنساب 1/291) .
6 أن أطأها بملك اليمين.
7 مسند أحمد 2/69 وتاريخ الرسل والملوك 3/88.
8 ثقة تقدم في حديث (122) .(2/467)
عبيد السعدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه جارية، يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة بن هلال بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر، وأعطى عثمان بن عفان جارية، يقال لها زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان، وأعطى عمر بن الخطاب جارية فوهبها لعبد الله بن عمر ابنه.
ثم قال ابن إسحاق: "فحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، قال: "بعثت بها إلى أخوالي من بني جمح" الحديث1.
قال ابن إسحاق: "وأما عيينة بن حصن، فأخذ عجوزا من عجائز هوزان، وقال حين أخذها: أرى عجوزا إني لأحسب لها في الحي نسبا، وعسى أن يعظم فداؤها.
فلما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا بست فرائض، أبى أن يردها، فقال له زهير أبو صرد: خذها عنك، فوالله ما فوها ببارد ولا ثديها بناهد2، ولا بطنها بوالد، ولا زوجها بواجد3، ولا درها بماكد4، فردها بست فرائض حين قال هل زهير ما قال: "فزعموا أن عيينة لقي الأقرع بن حابس، فشكا إليه ذلك فقال: إنك والله ما أخذتها بيضاء5 غريرة، ولا نصفا وثيرة".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوزان، وسألهم عن مالك بن عوف6 ما فعل؟ فقالوا هو في الطائف مع ثقيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخبروا مالكاً أنه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله، وأعطيته مائة من الإبل"، فأتى مالكا بذلك، فخرج إليه من
____________________
1 سيرة ابن هشام 2/490 وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/87 والروض الأنف للسهيلي7/243 ودلائل النبوة للبيهقي 3/55 ب.
(ولا ثديها بناهد) أي مرتفع يقال نهد الثدي، إذا ارتفع عن الصدر وصار له حجم.
(بواجد) أي: أن زوجها لا يحزن عليها إذا ذهبت لأنها عجوز لا ولد فيها ومع ذلك فهي سيلطة اللسان فهو لا يحبها.
(ولا درها بماكد) أي دائم، والموكد: التي يدوم لبناها ولا ينقطع.
(بيضاء غريرة) الغريرة هي الشابة الحديثة التي لم تجرب الأمور (ولا نصفا وثيرة) النصف بالتحريك: المرأة بين الحداثة والمسنة، والوثيرة من النساء السمينة.
(النهاية لابن الأثير 3/355 و4/348-349 و5/135 و156، الروض الأنف للسهيلي 7/284 والقاموس المحيط للفيروز آبادي 2/152، و3/200.
6 هو رئيس هوزان في غزوة حنين.(2/468)
الطائف، وقد كان مالكا خاف ثقيف على نفسه أن يعملوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ما قال، فيحبسوه فأمر براحلته فهيئت له، وأمر بفرس له، فأتى به إلى الطائف، فخرج ليلا، فجلس على فرسه، فركض حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تحبس، فركبها، فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدركه بالجعرانة أو بمكة، فرد عليه أهله وماله، وأعطاه مائة من الإبل، فأسلم فحسن إسلامه.
فقال مالك بن عوف حين أسلم:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... في الناس كلهم بمثل محمد
أوفى وأعطى للجزيل إذا اجْتُدِى1 ... ومتى تشأ يخبرك عما في غد
وإذا الكتيبة عردت أنيابها ... بالسِّمَهْرِيّ وضرب كل مهند2
فكأنه ليث على أشباله ... وسط الهَباء خادر في مرصد3
فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، وتلك القبائل: ثمالة، وسلمة4، وفهم، فكان يقاتل بهم ثقيفا لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه، حتى ضيق عليهم.
____________________
1 إذا اجتدي: أي إذا طلب منه شيء.
2 عردت أنيابها: قويت واشتدت، والسمهري: الرمح والمهند السيف.
3 الهباءة: الغبار يثور عند اشتداد الحرب، والخادر: الأسد في عرينه، وهو حينئذ أشد ما يكون بأسا على أشباله، يصفه بالقوة، والمرصد: المكان يرقب منه، يصفه باليقظة. (القاموس المحيط 1/294 و313 و349 و2/18 و52 و4/402) .
4 قال السهيلي: "هكذا تقيد في النسخة (سلمة) بكسر اللام، والمعروف من قبائل قيس: سلمة بالفتح إلا أن يكون من الأزد، فإن ثمالة المذكورين معهم حي من الأزد، وفهم من دوس، وهم من الأزد أيضاً".
وأمهم: جديلة وهي من غطفان بن قيس بن عيلان، على أنه لا يعرف من الأزد سلمة بكسر اللام في الأنصار، وهم من الأزد، (الروض الأنف 7/285-286) .
وثمالة: بضم الثاء المثلثة، اسمه عوف بن أسلم بن أحجن بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث.
وفهم: هم فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد. (اللباب في تهذيب الأنساب 2/448 و 1/241-242 و263) .(2/469)
فقال أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي:
هابت الأعداء جانبنا ... ثم تغزونا بني سلمة
وأتانا مالك بهم ... ناقضا للعهد والحرمة
وأتونا في منازلنا ... ولقد كنا أولى نقمة1
والحديث رواه الطبري عن ابن إسحاق دون شعر مالك بن عوف.
ثم قال في نهاية الحديث: "هذا آخر حديث أبي وجزة"2.
فهو يشير إلى أن هذا الحديث رواه ابن إسحاق عن أبي وجزة ولكنه في سيرة ابن هشام وكذا عند الطبري فصل بين حديث أبي وجزة بحديث عبد الله بن عمر، فالقسم الأول من حديث أبي وجزة إلى وأعطى عمر بن الخطاب جارية، فوهبها لعبد الله بن عمر.
وتمامه: وأما عيينة بن حصن الخ.
وعلى هذا فالحديث مرسل فإن أبا وجزة من صغار التابعين فقد ذكره ابن حجر في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين3.
والأحاديث المتقدمة تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر قسم الغنائم بعد انصرافه عن الطائف ووصوله إلى الجعرانة بضع عشرة ليلة ثم وزع الغنائم بعد ذلك، ثم قدمت عليه وفود هوزان بعد أن تم توزيع السبايا والأموال بين المسلمين.
فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليهم سبيهم وأموالهم، فأجابهم رسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يرد إليهم إحدى الطائفتين: إما السبي وإما المال، فاختاروا سبيهم، فرده عليهم بعد أن استطاب نفوس المسلمين في ذلك4.
كما تدل الأحاديث أيضا على جواز استرقاق العرب كغيرهم من سائر الكفار من الأعاجم من يهود ونصارى وغير ذلك، وهو قول جمهور العلماء.
وقد أشرت إلى هذه المسألة في رسالتي غزوة بني المصطلق5 فلا حاجة إلى إعادة القول في هذه المسألة هنا.
__________
1 سيرة ابن هشام 2/490-492. الروض الأنف 7/243-245.
2 تاريخ الرسل والملوك 3/87-89.
3 انظر: التقريب (2/368، و1/5) .
4 انظر: ص: (373) .
5 ص: (359-362) .(2/470)
المبحث الثاني: في إيفاد ثقيف جماعة منهم إلى المدينة للتفاوض مع الرسول صلى الله عليه وسلم
كان من أمر ثقيف أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاصر الطائف واستعصت عليه انصرف عنها إلى الجعرانة، فطلب منه الصحابة أن يدعوا على ثقيف.
فقال: "اللهم اهد ثقيفا".
وفي لفظ: "اللهم اهد ثقيفا واكفنا مؤنتهم".
وعند الواقدي: "اللهم اهد ثقيفا وأت بهم" 1.
وقد سبق إسلام مالك بن عوف النصري الذي كان فيه إضعاف لمعنويات ثقيف حيث صار مالكا جنديا من جنود الإسلام فضايق ثقيفا وشدد عليها، حتى وصف أبو محجن الثقفي هذا الفعل من مالك بأنه نقض للذي كان بينهم وبينه ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم2، واستاءت ثقيف لذلك وصار الأمر يزداد عليها شدة يوما بعد يوم، فكان أول من فكر في خلاص ثقيف من هذه الأزمة التي كانوا هم السبب في إيجادها عروة بن مسعود الثقفي، فقد كان هو وسلمة بن غيلان بجرش يتعلمان صنعة العرادات والمنجنيق والدبابات، ولم يشهد حنينا ولا حاصر الطائف، وإنما قدما وقد انصرف رسول اله صلى الله عليه وسلم عن الطائف، فنصبا المنجنيق والعارادات والدبابات وأعدا للقتال، ثم ألقى الله في قلب عروة الإسلام وغيره عما كان عليه3.
وفيما يلي ما نقله ابن إسحاق في هذا الصدد قال:
214- وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان، وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف.
وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم، اتبع أثره عروة بن
____________________
1 تقدم الحديث برقم (170) وانظر مغازي الواقدي 3/937.
2 انظر: "ص (457) .
(سيرة ابن هشام 2/478 ومغازي الواقدي 3/960 والطبقات الكبرى لابن سعد 1/312 و5/503 ودلائل النبوة لأبي نعيم ص 466-468) .(2/471)
مسعود الثقفي، حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة، فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما يتحدث قومه - إنهم قاتلوك، وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيهم نخوة1 الامتناع الذي كان منهم، فقال عروة: "يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارهم2.
-وكان فيهم كذلك محببا مطاعا - فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه، لمنتزلته فيهم، فلما أشرف لهم على علية3 له، وقد دعاهم إلى الإسلام، وأظهر لهم دينه، رموه بالنبل من كل وجه، فأصابه سهم فقتله، فتزعم بنو مالك أنه قتله رجلا منهم، يقال له أوس بن عوف4، أخو بني سالم بن مالك.
وتزعم الأحلاف أنه قتله رجل منهم، من بني عتاب بن مالك، يقال له وهب بن جابر5".
فقيل لعروة: "ما ترى في دمك؟ " قال: "كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إلي، فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم، فدفنوه معهم6 فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه:
____________________
1 نخوة الامتناع: "أي كبر وعجب، وأنفة وحمية (النهاية 5/34) .
2 قال ابن هشام: "ويقال من أبصارهم".
3 العلية: "بضم العين وكسرها وتشديد التحتية: "الغرفة". وعند الواقدي وابن سعد "حتى إذا طلعت الفجر أوفى على غرفة فأذن بالصلاة". (القاموس المحيط4/366 ومختار الصحاح ص453 وشرح المواهب اللدنية4/7) .
4 أوس بن عوف بن جابر بن سفيان بن عبد ياليل بن سالم بن مالك بن حطيط من جشم بن ثقيف، كذا نسبه ابن حبان في الصحابة، وقال: "كان في وفد ثقيف"، وزعم أبو نعيم: "أنه: "هو أوس بن حذيفة، نسب إلى عوف أحد أجداداه، وليس كذلك لاختلاف النسبين، وعند الدارمي أن قاتله: "أوس بن أبي أوس الثقفي وأوس ابن أبي أوس هو أوس بن حذيفة"، وانظر ترجمة أوس والخلاف في ذلك في حديث (221) ص 472 و (الإصابة 1/86 وأسد الغابة 1/174) .
وقال الواقدي: "والأثبت عندنا أن قاتله أوس بن عوف" (المغازي 3/961، وطبقات ابن سعد 5/510.
5 في شرح المواهب 4/7: "وهب بن جارية".
6 وعند ابن سعد "فرماه رجل من بني مالك يقال له أوس بن عوف، فأصاب أكحله فلم يرقأ دمه، وقام غيلان بن سلمة وكنانة بن عبد ياليل والحكم بن عمرو بن وهب ووجوه الأحلاف، فلبسوا السلاح وحشدوا، فلما رأى عروة ذلك"، قال: "قد تصدقت بدمي على صاحبه لأصلح بذلك بينكم، وهي كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إلي"، وقال: "ادفنوني مع الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" (الطبقات الكبرى 1/312و5/405) .(2/472)
"إن مثله في قومه كمثل صاحب ياسين1 في قومه" 2.
هكذا ساقه ذلك ابن إسحاق بدون سند، وذكر أن عروة بن مسعود أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل المدينة.
قال ابن كثير: "هكذا ذكر موسى بن عقبة قصة عروة بن مسعود ولكن زعم أن ذلك كان بعد حجة أبي بكر الصديق". وتابعه أبو بكر البيهقي في ذلك وهذا بعيد". والصحيح أن ذلك قبل حجة أبي بكر كما ذكره ابن إسحاق3.
وذكره ابن حجر والزرقاني عن موسى بن عقبة عن الزهري وأبي الأسود عن عروة بن الزبير4.
وأورده الهيثمي في المجمع فقال:
215- وعن عروة بن الزبير قال: "لما أنشأ الناس الحج سنة تسع قدم عروة بن مسعود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى قومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أخاف أن يقتلوك"، قال: "لو وجدوني نائماً ما أيقظوني، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قومه مسلماً فرجع عشاءا فجاء ثقيف يحيونه، فدعاهم إلى الإسلام، فاتهموه وأغضبوه وأسمعوه5، فقتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل عروة مثل صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه". ثم قال الهيثمي: "رواه الطبراني، وروى عن الزهري نحوه، وكلاهما مرسل وإسنادهما حسن"6.
____________________
1 قال السهيلي: "قوله: "كمثل صاحب ياسين في قومه". يحتمل أن يريد به المذكور في سورة ياسين، الذي قال لقومه: " (اتبعوا المرسلين) فقتله قومه، واسمه حبيب بن مري، ويحتمل أن يريد صاحب الياس، وهو اليسع، فإن إلياس يقال في اسمه ياسين أيضا". (الروض الأنف 7/371) .
(سيرة ابن هشام 2/537-338 والروض الأنف 7/331-332 وتاريخ الرسل والملوك 3/96) .
(البداية والنهاية 5/29 ودلائل النبوة للبيهقي 3/74ب) .
(الإصابة2/477 وشرح المواهب4/6 والمعجم الكبير للطبراني17/147-148) .
5 في الإصابة: "فدعاهم إلى الإسلام ونصح لهم فعصوه وأسمعوه من الأذى فلما كان من السحر قام على غرفة له فأذن فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله" وبه يظهر المعنى وكذا في المعجم الكبير للطبراني 17/148.
6 مجمع الزوائد 9/386 والمعجم الكبير للطبراني 17/147-148 ودلائل النبوة للبيهقي 3/74، والخصائص الكبرى للسيوطي 2/144-146".(2/473)
وذكر ابن سعد أن عروة قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة تسع من الهجرة، فأسلم فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه، ونزل على أبي بكر الصديق، فلم يدعه المغيرة بن شعبة حتى حوله إليه1".
وقال الواقدي: "وهو الأثبت"2.
وروى الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:
216- حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبو عبيدة بن فضيل بن عياض ثنا عبد الله3 بن معاذ الصنعاني عن معمر4 عن عثمان5 الجزري عن مقسم6 عن ابن عباس قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود إلى الطائف، فرماه رجل بسهم فقتله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أشبه هذا بصاحب ياسين" 7".
قال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه أبو عبيدة8 بن الفضيل وهو ضعيف"9. وقد تداول هذه القصة أصحاب المغازي والسير في كتبهم".
ثم إن ثقيفا أقامت بعد قتل عروة بن مسعود أشهرا ثم تشاوروا فيما بينهم على نبذ الخلافات التي كانت بينهم، وعلى أن يتحدوا جميعا على أمر يأمنون فيه على
____________________
1 الطبقات الكبرى لابن سعد 5/503".
2 مغازي الواقدي 3/961-962".
3 عبد الله بن نشيط - بفتح النون بعدها معجمة - الصنعاني، صاحب معمر، صدوق، تحامل عليه عبد الرزاق، من التاسعة (ت190) /ت ق (التقريب 1/452 وفي تهذيب التهذيب 6/38 قال ابن حجر: "ذكر ابن خلفون أنه مات سنة (181) .
4 معمر: "هو ابن راشد (تهذيب التهذيب 10/243) .
5 عثمان الجزري كذا في مجمع الزوائد وقد استدركه - حمدي عبد المجيد السلفي المحقق لمعجم الطبراني - على الهيثمي، بأنه مجهول".
والذي وجدته أنا في شيوخ معمر وتلاميد مقسم هو (عبد الكريم الجزري) . انظر تهذيب التهذيب 6/373-375، فالله أعلم".
6 مقسم هو ابن بجرة ويقال: "ابن نجدة أبو القاسم صدوق يرسل تقدم في حديث (75) .
7 المعجم الكبير للطبراني 11/407-408.
8 قال الذهبي في ميزان الاعتدال 4/549، "فيه لين"، وقال ابن الجوزي: "ضعيف"، وقد وثقه الدارقطني، فلا يلتفت إلى كلام ابن الجوزي". اهـ وساق ابن حجر كلام الذهبي هذا وزاد: "وذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج حديثه في صحيحه وكذلك الحاكم ولم يذكره أحد ممن صنف في الضعفاء".
ثم قال ابن حجر: "وسلف ابن الجوزي في تضعيف أبي عبيدة الجوزقاني" لسان الميزان 7/79".
9 مجمع الزوائد9/386.(2/474)
أنفسهم وأموالهم وذلك بأن يبعثوا وفدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم للتفاوض معه على الدخول في الإسلام، وذلك أنهم تيقنوا أن لا طاقة لهم بحرب القبائل من حولهم وقد أسلمت وبايعت، وأخذ أمر الإسلام يعلو يوما بعد يوم، وأن دولة الأصنام قد أخذت طريقها في الأفول".
قال ابن إسحاق: "ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرا، ثم إنهم ائتمروا بينهم، ورأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا".
217- حدثني يعقوب1 بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس: "أن عمرو2 بن أمية أخا بني علاج، كان مهاجرا لعبد بن عمرو (لشيء كان بينهم) 3 - وكان عمرو بن أمية من أدهى العرب - فمشى إلى عبد ياليل ابن عمرو، حتى دخل داره، ثم أرسل إليه أن عمرو بن أمية يقول لك: "اخرج إلي، قال: "فقال عبد ياليل للرسول ويك! أعمرو أرسلك إلي؟ "
قال: "نعم، وها هو واقفا في دارك4، فقال: "إن هذا لشيء ما كنت أظنه، لعمرو كان أمنع في نفسه من ذلك، فخرج إليه، فلما رآه رحب به فقال له عمرو: "إنه قد نزل بنا أمر ليست معه هجرة، إنه كان من أمر هذا الرجل5 ما قد رأيت، قد أسلمت العرب كلها6، وليست لكم بحربهم طاقة، فانظروا في أمركم".
____________________
1 انظر ترجمته في التقريب 2/376 وتهذيب التهذيب 11/392 وهو ثقة".
2 قال ابن حجر: "له ذكر في مغازي ابن إسحاق لما أسلمت ثقيف، وأنه بنى عند مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف حيث كان يحاصرها مسجدا". وقد اختلف في اسمه ففي مختصر السيرة هكذا". وعند الأموي في المغازي عن ابن إسحاق أبو أمية بن عمرو بن وهب (الإصابة 2/524 و4/11) . وانظر ص 283".
3 ما بين القوسين من شرح المواهب 4/7 والذي في سيرة ابن هشام "الذي بينهما سيء" ولا يظهر منه المراد".
4 عند الواقدي: "وكان عبد ياليل يحب صلحه ويكره أن يمشي إليه فقال عبد ياليل: "إن هذا شيء ما كنت أظنه بعمرو، وما هو إلا عن أمر قد حدث وكان أمرا سوءا ما لم يكن من ناحية محمد".
5 يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
6 عند الواقدي: "وقد أسلمت العرب كلها وليست لكم بهم طاقة، وإنما نحن في حصننا هذا، ما بقاؤنا فيه وهذه أطرافنا تصاب! ولا نأمل من أحد منا يخرج شبرا واحدا من حصننا هذا، فانظروا في أمركم! قال عبد ياليل: "قد والله رأيت ما رأيت، فما استطعت أن أتقدم بالذي تقدمت به، وإن الحزم والرأي الذي في يديك" (المغازي 3/962) .(2/475)
فعند ذلك ائتمرت ثقيف بينهما، وقال بعضهم لبعض: "أفلا ترون أنه لا يأمن لكم سرب1، ولا يخرج منكم أحد إلا اقتطع، فأتمروا بينهم، وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا، كما أرسلوا عروة2 فكلموا عبد ياليل بن عمرو بن عمير، وكان سن عروة3 بن مسعود، وعرضوا ذلك عليه، فأبى أن يفعل، وخشي أن يصنع به إذا رجع كما صنع بعروة، فقال: "لست فاعلا حتى ترسلوا معي رجالا فأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف، وثلاثة من بني مالك فيكونوا ستة، فبعثوا مع عبد ياليل: "الحكم4 بن عمرو بن وهب بن معتب، وشرحبيل5 بن غيلان بن سلمة ابن معتب6".
ومن بني مالك: "عثمان7 بن أبي العاص بن بشر بن عبد دهمان، أخا بني يسار، وأوس8 بن عوف، أخا بني سالم بن عوف ونمير9 بن خرشة بن ربيعة10 أخا بني الحارث فخرج بهم عبد ياليل11 وهو ناب12 القوم وصاحب أمرهم13، ولم يخرج بهم إلا خشية من مثل ما صنع بعروة ابن مسعود، لكي يشغل كل رجل منهم
____________________
1 وعند ابن كثير نقلا عن موسى بن عقبة قال: "كان الوفد بضعة عشر رجلا فيهم كنانة بن عبد ياليل - وهو رئيسهم - وفيهم عثمان بن أبي العاص وهو أصغر الوفد (البداية والنهاية 5/30) ، وهو أيضا قول الواقدي، وعد فيهم سفيان ابن عبد الله، وجعل رئيسهم وصاحب أمرهم (عبد ياليل) بدل كنانة ابن عبد ياليل) (المغازي للواقدي 3/963) .
وعند ابن سعد أن الوفد السبعون رجلا من الأحلاف وبني مالك، فيهم عبد ياليل وابناه كنانة وربيعة، وشرحبيل بن غيلان بن سلمة، والحكم بن وهب بن معتب، وعثمان بن أبي العاص وأوس بن عوف ونمير بن خرشة بن ربيعة، وهؤلاء الستة رؤساؤهم". ثم قال: "وقال بعضهم: "كانوا جميعا بضعة عشرة رجلا، وهو أثبت (الطبقات الكبرى 1/313 و5/511) .
2 كذا قال ابن إسحاق بأن عبد ياليل ممن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف وقال موسى بن عقبة وابن الكلبي وأبو عبيدة وغيرهم، إنما الذي وفد ابنه مسعود ابن عبد ياليل". قال ابن عبد البر: "وهو الصحيح" (أسد الغابة 3/512) وقد ذكر ابن حجر عبد يايليل فمن غلط فيه من الصحابة فقال: "ذكره ابن حبان في الصحابة وقال: "كانت له صحبة وكان من الوفد، وقال غيره إنما هذا لولد مسعود". (الإصابة 2/432 و3/158) .
وقال الزرقاني: "لكن صاحب الإصابة وغيره ترجموا مسعود بن عمرو وقالوا: "إنه أخو عبد يايليل لابنه، ولم يذكروا لابنه ترجمة".
(شرح المواهب 4/7) وانظر ترجمة مسعود بن عمرو (الإصابة 3/412 و1/307 في ترجمة أخيه حبيب".
3 ناب القوم: "سيدهم (القاموس المحيط 1/135) .
4 وعند الواقدي "وهو رأسهم وصاحب أمرهم، لكنه أحب أن يرجعوا أن يسهل كل رجل رهطه".
5 السرب: "المسلك والطريق (النهاية 2/356) .
6 عند الواقدي "كما خرج عروة بن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم".
7 عند الطبري "وكان في سن عروة". وفي النهاية 2/412: "يقال فلان سن فلان، إذا كان مثله في السن".
8 انظر ترجمته في الإصابة 1/347".
9 المصدر السابق 2/145".
10 وعند الواقدي: "وهؤلاء الأحلاف رهط عروة".
11 انظر ترجمته في الإصابة 2/460، وانظر ص 467 تعليقة (2) .
12 المصدر السابق 1/86".
13 المصدر السابق 3/574(2/476)
إذا رجعوا إلى الطائف رهطه، فلما دنوا إلى المدينة، ونزلوا قناة1، ألفوا بها المغيرة بن شعبة، يرعى في نوبته ركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، - وكانت رعيتها نوبا على أصحابه صلى الله عليه وسلم- فلما رآهم ترك الركاب عند الثقفيّين، وضبر2 يشتد يبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم عليه، فلقيه أبو بكر الصديق قبل أن يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره عن ركب ثقيف أن قد قدموا يريدون البيعة والإسلام، بأن يشرط لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شروطا ويكتتبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا في قومهم وبلادهم وأموالهم، فقال أبو بكر للمغيرة: "أقسمت عليك بالله لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدثه3، ففعل المغيرة، فدخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بقدومهم عليه، ثم خرج المغيرة إلى أصحابه، فروح الظهر معهم، وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية4، ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عليهم قبة في ناحية مسجده5، كما يزعمون".
____________________
1 قناة: "بالفتح واد بالمدينة يأتي من الطائف ويمر بالعاقول ثم يمضي شمالا في موازاة الحرة، ثم يمر بقبور الشهداء جنوب جبل أحد". معجم البلدان 4/401 والمدينة بين الماضي والحاضر للعياشي ص 490".
وعند الواقدي: "فلما كانوا بوادي قناة مما يلي دار حرض نزلوا فيجدون نشرا من الإبل، فقال قائلهم: "لو سألنا صاحب الإبل لمن الإبل، وخبرنا خبر محمد فبعثوا عثمان بن أبي العاص، فإذا هو المغيرة بن شعبة يرعى في نوبته ركاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" وانظر معالم الجزيرة للبلادي ص 257".
وحرض: "بضمتين واد صغير في أرض الزبير بن العوام يسيل من بعض جبال الضليعات الحمر والدقاقات حتى يصب في قناة، والحرض هو الإشنان". معجم البلدان 2/242 والمدينة بين الماضي والحاضر للعياشي ص 491 و493".
2في القاموس المحيط2/74:ضبر الفرس والمقيد يضبر ضبرا وضبرانا جمع قوائمه ووثب".
3 وعند الواقدي "فقال أبو بكر: "أقسمت بالله عليك لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم حتى أكون أنا أخبره - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرهم ببعض الذكر - فأبشره بمقدمهم، فدخل أبو بكر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، والمغيرة على الباب، ثم خرج إلى المغيرة فدخل المغيرة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسرور، فقال يا رسول الله، قدم قومي يريدون الدخول في الإسلام بأن تشرط لهم شروطا، ويكتبون كتابا على من وراءهم من قومهم وبلادهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يسألون شرطا ولا كتابا أعطيته أحدا من الناس إلا أعطيتهم فبشرهم! فخرج المغيرة راجعا فخبرهم ما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشرهم".
4 وعند الواقدي "فكل ما أمرهم المغيرة فعلوا إلا التحية، فإنهم قالوا: "أنعم صباحا ودخلوا المسجد فقال الناس: "يا رسول الله، يدخلون المسجد وهم مشركون؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الأرض لا ينجسها شيء".
5 وفي زاد المعاد نقلا عن موسى بن عقبة فقال المغيرة بن شعبة: "يا رسول الله أنزل قومي علي فأكرمهم، فإني حديث الجرح فيهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أمنعك أن تكرم قومك، ولكن أنزلهم حيث يسمعون القرآن" وكان من جرح المغيرة في قومه أنه كان أجير الثقيف، وأنهم أقبلوا من مصر حتى إذا كانوا ببعض الطريق، عدا عليهم وهم نيام، فقتلهم ثم أقبل بأموالهم حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما الإسلام فنقبل، وأما المال فلا فإنا لا نغدر" وأبى أن يخمس ما معه، وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف في المسجد، وبنى لهم خياما لكي يسمعوا القرآن، ويروا الناس إذا صلوا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب لا يذكر نفسه، فلما سمعه وفد ثقيف، قالوا: "يأمرنا أن نشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يشهد به في خطبته، فلما بلغه قولهم، قال: "فإني أول من شهد أني رسول الله" (زاد المعاد 3/596) وذكر نحو هذا الواقدي وأصل قصة إسلام المغيرة في الصحيح انظر ص 496 تعليقة (2) .(2/477)
فكان خالد بن سعيد بن العاص، هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اكتتبوا كتابهم، وكان خالد هو الذي كتب كتابهم، وكان خالد هو الذي كتب كتابهم بيده، وكانوا لا يطعمون طعاما يأتيهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم، وقد كان فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية، وهي اللات1 لا يهدمها ثلاث سنين، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عليهم فما برحوا يسألونه سنة سنة، ويأبى عليهم، حتى سألوا شهرا واحد بعد مقدمهم، فأبى أن يدعها شيء مسمى، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يتسلموا بتركها من سفائهم ونسائهم وذراريهم ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فيهدماها، وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة، وأن لا يكسروا أوثانهم بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه2، وأما الصلاة فإنه لا خير في دين لا
____________________
1 اللات: "قال ابن كثير: "كانت اللات صخرة بيضاء منقوشة عليها بيت بالطائف له أستار وسدنة، وحوله فناء معظم عند أهل الطائف، وهم ثقيف ومن تبعها يفتخرون بها على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش".
قال ابن جرير: "وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم الله، فقالوا: "اللات يعنون مؤنثة منه تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا".
وحكي عن ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس أنهم قرءوا اللات: "بتشديد التاء وفسروه بأنه كان رجلا يلت للحجيج في الجاهلية السويق فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه".
ثم قال ابن كثير: "وقد بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة وأبا سفيان صخر ابن حرب، فهدماها وجعلا مكانها مسجدا بالطائف".
(تفسير بن كثير 4/ 253و254) إهـ".
قلت: "جعل مكان اللات مسجدا: "جاء عند أبي داود وابن ماجه والطبراني والحاكم من حديث محمد بن عبد الله بن عياض عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طاغيتهم" (سنن أبي داود 2/118 كتاب الصلاة باب في بناء المساجد، وسنن ابن ماجه 1/245كتاب المساجد، باب أين يجوز بناء المساجد والمعجم الكبير للطبراني 9/39، والمستدرك للحاكم 3/618، والحديث فيه محمد بن عبد الله بن عياض الطائفي، وقال ابن حجر: "مقبول، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي: "لا يعرف (التقريب 2/179 وتهذيب التهذيب 9/271 وميزان الإعتدال 3/602".
2 وعند ابن قيم الجوزية: "فقال كنانة بن عبد ياليل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل أنت مقاضينا حتى نرجع إلى قومنا؟ "
قال: "نعم، أن انتم أقررتم بالإسلام أقاضيكم، وإلا فلا قضية ولا صلح بيني وبينكم"، وأنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص لهم الزنى، والربا والخمر، "فأبى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقال: "هي عليكم حرام وتلا الآيات الواردة في ذلك فارتفع القوم فخلا بعضهم ببعض، فقالوا: "ويحكم إنا نخاف إن خالفناه يوما كيوم مكة، انطلقوا نكاتبه على ما سألناه، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: "نعم لك ما سألت، أرأيت الربة - يعنون اللات- ماذا نصنع فيها؟
قال: "اهدموها" قالوا: "هيهات لو تعلم الربة أنك تريد هدمها لقتلت أهلها، فقال عمر بن الخطاب: "ويحك يا ابن عبد ياليل، ما أجهلك إنما الربة حجر، فقالوا: "إنا لم نأتك يا ابن الخطاب، وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "تول أنت هدمها، فأما نحن فإنا لا نهدمها أبدا، قال: "فسأبعث إليكم من يكفيكم هدمها" فكاتبوه (انظر زاد المعاد 3/596-597) ، ومغازي الواقدي (3/966-967) .(2/478)
صلاة فيه، فقالوا: "يا محمد، فسنؤتيكها، وإن كانت دناءة1".
فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابهم، أمر عليهم عثمان2 بن أبي العاص، وكان من أحدثهم سنا، وذلك كان أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن3، فقال أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، إني قد رأيت هذا الغلام منهم من أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن"4".
والحديث رواه الطبري من هذا الطريق5".
وقال الألباني: "ضعيف ذكره ابن هشام عن ابن إسحاق معضلا، والجملة الأخيرة وصلها أبو داود وأحمد عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص مرفوعا نحوها،
____________________
1 عند الواقدي: "فقالوا: "يا محمد، أما الصلاة فسنصلي، وأما الصيام فسنصوم، وتعلموا فرائض الإسلام وشرائعه".
2 عثمان بن أبي العاص بن بشر بن عبد بن دهمان بن عبد الله بن همام الثقفي أبو عبد الله نزيل البصرة، أسلم في وفد ثقيف، فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف، وأقره أبو بكر زمن خلافته ثم استعمله عمر بن الخطاب على البحرين وعمان سنة خمس عشرة ثم سكن البصرة، حتى مات بها سنة خمسين وقيل سنة إحدى وخمسين، وكان هو الذي منع ثقيفا عن الردة، خطبهم فقال: "كنتم آخر الناس إسلاما فلا تكونوا أولهم ارتداداً".
(أسد الغابة 3/579-581 والإصابة2/460 وشرح المواهب4/7-8، والاستيعاب 3/91 ووقع في شرح المواهب "عثمان بن أبي العاص بن بشر بن عبيد ابن درهمان" ولعله خطأ".
3 وذكر موسى بن عقبة "أن وفدهم كانوا إذا أتو رسول الله خلفوا عثمان ابن أبي العاص في رحالهم فإذا رجعوا وسط النهار جاء هو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن العلم فاستقرأه القرآن، فإن وجده نائما، ذهب إلى أبي بكر الصديق فلم يزل دأبه حتى فقه في الإسلام وأحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا شديدا (زاد المعاد 3/596، والبداية والنهاية 5/31) والطبقات الكبرى لابن سعد 5/508) .
(السيرة النبوية لابن هشام 2/538-540، الورض الأنف 7/332-335، وزاد المعاد3/595-597، والبداية والنهاية 5/29-31 وتاريخ الخميس2/134-136، وشرح المواهب 4/6-8 والطبقات الكبرى لابن سعد 1/312-314 و5/508 ومغازي الواقدي 3/960-968) .
5 تاريخ الرسل والملوك 3/97-99".(2/479)
ورجاله ثقات، لكن الحسن وهو البصري مدلس وقد عنعنه1".
قلت: "الحديث المشار إليه عند أبي داود وأحمد وهو أيضا عن أبي داود الطيالسي والطبراني وهذا سياقه عند أبي داود:
218- حدثنا أحمد2 بن علي بن سويد - يعني ابن منجوف - اخبرنا أبو داود3 عن حماد بن سلمة عن حميد4 عن الحسن5 عن عثمان بن أبي العاص أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلهم المسجد6 ليكون أرق لقلوبهم7، فاشترطوا عليه أن لا يحشروا8 ولا يعشروا وألا يجبوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكم أن تحشروا ولا
____________________
1 تخريج أحاديث فقه السيرة للغزالي ص 450".
2 أحمد بن عبد الله بن علي بن سويد بن منجوف - بنون ساكنة ثم جيم وآخره فاء - أبو بكر السدوسي، صدوق، من الحادية عشرة (ت 252) /خدس". التقريب 1/18 وتهذيب التهذيب 1/48) .
3 هو سليمان بن داود بن الجارود أبو داود الطيالسي". (تهذيب التهذيب 4/182) .
4 حميد بن أبي حميد الطويل أبو عبيدة تقدم في حديث (22) .
5 الحسن بن أبي الحسن أبو سعيد البصري تقدم في حديث (156) .
6 عند الطيالسي "أنزلهم في قبة في المسجد".
7 قوله: "ليكون أرق لقلوبهم" أرق هاهنا: "اسم تفضيل من أرقه إرقاقا بمعنى ألانه وإِلاَنَةً، وهو عند سيبويه قياس من باب أفعل مع كونه ذا زيادة، ويؤيد كثرة السماع كقولهم هو أعطاهم للدينار وأولاهم، للمعروف، وهو عند غيره سماع مع كثرته، قاله الرضي في شرح الكافية".
فالمعنى أي ليكون إنزالهم المسجد أكثر وأشد إلانة وترقيقا لقلوبهم بسبب رؤيتهم حال المسلمين وخشوعهم وخضوعهم واجتماعهم في صلواتهم وفي عباداتهم لربهم (عون المعبود 8/267) .
8 أن لا يحشروا: "أي لا يجمعوا، والمراد به: "جمعهم إلى الجهاد، والنفير إليه، ولا يعشروا: "أي لا يؤخذ عشر أموالهم، وقيل: "أرادوا الصدقة الواجبة، ولا يجبوا: "بالجيم وتشديد الباء الموحدة، وأصل التجبية: "أن يقوم الإنسان قيام الراكع، وقيل: "هو أن يضع يده على ركبتيه وهو قائم، وقيل: "هو أن ينكب على وجهه باركا، وهو السجود".
والمراد بقوله (لا يجبوا) أي أنهم لا يصلون، ولفظ الحديث يدل على الركوع، لأنه صلى الله عليه وسلم قال لهم في الجواب "ولا خير في دين ليس فيه ركوع" والأفعال كلها مبنية للمجهول".
ويشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما سمح لهم بالجهاد والصدقة لأنهما لم يكونا بعد واجبين في العاجل، لأن الصدقة إنما تجب بحول الحول، والجهاد إنما يجب بحضور العدو، وأما الصلاة فهي واجبة في كل يوم وليلة في أوقاتها المؤقتة فلم يجز أن يشترطوا تركها". وقد سئل جابر بن عبد الله عن اشتراط ثقيف أن لا صدقة عليها ولا جهاد؟
فقال: "علم أنهم سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا انظر الحديث (220) .
(جامع الأصول لأبن الأثير 8/413-414 وعون المعبود لشمس الحق العظيم آبادي 8/267-268) وروى الإمام أحمد في المسند 5/224، والطبراني في الكبير 2/32 من حديث بشير بن الخصاصية قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه قال: "فاشترط علي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن أقيم الصلاة وأن أودي الزكاة، وأن أحج حجة الإسلام وأن أصوم شهر رمضان وأن أجاهد في سبيل الله، الحديث وفيه فقلت: "أما الصدقة والجهاد فلا أطيقهما قال: "فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حرك يده ثم قال: "فلا جهاد ولا صدقة فيم تدخل الجنة" قال: "فبايعته عليهن كلهن". قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/42 رجال أحمد موثقون، قال ابن الأثير في النهاية 3/239-240 فلم، يحتمل لبشير ما احتمل لثقيف، ويشبه أن يكون إنما لم يسمح له لعلمه أنه يقبل إذا قيل له وثقيف كانت لا تقبله في الحال، وهو واحد وهم جماعة فأراد أن يتألفهم ويدرجهم عليه شيئا فشيئا".(2/480)
تعشروا، ولا خير في دين ليس فيه ركوع"1.
والحديث رواه أحمد وأبو داود الطيالسي والطبراني الجميع من طريق حماد بن سلمة به2".
والحديث من رواية الحسن البصري عن عثمان بن أبي العاص، قال المنذري: "وقد قيل إن الحسن البصري لم يسمع من عثمان بن أبي العاص3". وكذا قال ابن حجر".
وجزم علي بن المديني بسماع الحسن من عثمان بن أبي العاص4".
وما ذكره ابن إسحاق وغيره في شأن وفد ثقيف قد جاء أكثره مفرقا في أحاديث كثيرة فيها الصحيح والحسن والضعيف وهي:
ما رواه مسلم وغيره من حديث جابر بن عبد الله وهذا سياقه عند مسلم:
219- حدثنا يحيى بن يحيى5 وإسماعيل بن سالم قالا: "أخبرنا هشيم عن أبي بشر عن سفيان عن جابر بن عبد الله أن وفد ثقيف سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: "إن أرضنا أرض باردة، فكيف بالغسل؟ فقال: "أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثا". قال ابن سالم في روايته: "حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر.
____________________
1 سنن أبي داود2/146كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب ما جاء في خبر الطائف".
2 أحمد: "المسند 4/218 وزاد في آخر الحديث "قال عثمان بن أبي العاص يا رسول الله: "علمني القرآن واجعلني إمام قومي".
وأبو داود الطيالسي كما في منحة المعبود 1/25 وزاد في آخر الحديث قال أبو داود: "قال ابن فضالة: "سمعت الحسن يزيد في هذا الحديث أن ثقيفا قالت: "سنعطيكها على قماة فيها". والطبراني: "المعجم الكبير 9/45".
3 عون المعبود 8/268 وانظر تهذيب التهذيب لأبن حجر 2/244".
4 العلل لابن المديني ص 54".
5 يحيى بن يحيى هو النيسابوري أبو زكريا، وإسماعيل بن سالم: "هو الصائغ البغدادي، وهشيم: "هو ابن بشير".
وأبو بشر: "هو جعفر بن إياس ابن أبي وحشية، وأبو سفيان: "هو طلحة بن نافع الإسكاف".(2/481)
وقال: "إن وفد ثقيف، قالوا: "يا رسول الله"1".
قال النووي: "قوله قال ابن سالم في روايته حدثنا هشيم قال حدثنا2 أبو بشر هذا فيه فائدة عظيمة من دقائق هذا العلم ولطائفه، وهي مصرحة بغزارة علم مسلم رحمه الله تعالى، ودقة نظره، وهي أن هشيما - رحمه الله تعالى - مدلس، وقد قال في الرواية المتقدمة، عن أبي بشر".
والمدلس إذ قال "عن" لا يحتج به إلا إذا أثبت سماعه ذلك الحديث من ذلك الشخص، الذي عنعن عنه، فبين مسلم أنه ثبت سماعه من جهة أخرى".
وهي رواية ابن سالم فإنه قال فيها: "أخبرنا أبو بشر3". اهـ".
والحديث رواه أبو داود الطيالسي قال: "حدثنا هشيم عن أبي بشر به، ولفظه "أن أهل الطائف قالوا يا رسول الله إن أرضنا أرض باردة، فما يجزئنا من غسل الجنابة؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثا" 4.
رواه الإمام أحمد من طريق أبي زبير عن جابر، فقال: "حدثنا موسى5 ثنا ابن لهيعة6 عن ابن الزبير7 قال سألت جابر عن الغسل، قال: "أتت ثقيف النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "إن أرضنا باردة، فكيف تأمرنا بالغسل؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما أنا فأصب على رأسي ثلاث مرات ولم يقل غير ذلك "8.
وأورده الهيثمي عن أنس بن مالك ثم قال: "رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح9". بلفظ: "أن وفد ثقيف قالوا: يا رسول الله إن أرضنا أرض باردة فما يكفينا من غسل الجنابة؟ قال: "أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثا".
____________________
1 صحيح مسلم 1/ 159 كتاب الحيض".
2 في المتن "أخبرنا".
3 شرح النووي على صحيح مسلم 1/624".
4 منحة المعبود 1/60".
5 موسى بن داود الضبي، أبو عبد الله الطرسوسي، نزيل بغداد، قاضي طرسوس صدوق فقيه زاهد، له أوهام، من صغار التاسعة (ت 217) م د س ق (التقريب 2/282 وتهذيب التهذيب 10/342) .
6 عبد الله بن لهيعة صدوق تقدم في حديث 0 64) .
7 محمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير المكي، صدوق تقدم في حديث (109) .
8 مسند الإمام أحمد 3/348 والفتح الرباني 2/131".
9 مجمع الزوائد 1/271".(2/482)
وأخرج أحمد أيضا من طريق أخرى فقال: "حدثنا يحيى بن آدم ثنا مفضل بن مهلهل عن مغيرة عن شباك عن الشعبي عن رجل من ثقيف قال: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فلم يرخص لنا، فقلنا: "إن أرضنا باردة فسألناه أن يرخص لنا في الطهور فلم يرخص لنا وسألناه أن يرخص لنا في الدباء1 فلم يرخص لنا فيه، وسألناه أن يرد إلينا أبا بكرة فأبى وقال: "هو طليق الله وطليق رسوله" الحديث2".
قال الهيثمي: "رواه أحمد ورجاله ثقات"3.
ما رواه أبو داود وأحمد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهذا سياقه عند أبي داود قال:
220- حدثنا الحسن4 بن الصباح أخبرنا إسماعيل5 يعني بن عبد الكريم - حدثني إبراهيم6 - يعني بن عقيل بن منبه- عن أبيه7 عن وهب8 قال: "سألت
____________________
1 الدباء: "القرع واحدها دباءة، ووزن الدباء: "فعّال، ولامه همزة لأنه لا يعرف انقلاب لامه عن واو أو ياء، قاله الزمخشري وأخرجه الهروي في هذا الباب على أن همزته زائدة".
أخرجه الجوهري في المعتل على أن همزته منقلبة، وكأنه أشبه".
ونهاهم عن الدباء، أي عن الإنتباذ فيه لأنه تسرع تسرع الشدة فيه فيؤدي إلى السكر (النهاية لابن الأثير 2/96) .
2 تقدم تخريجه برقم (147) .
3 مجمع الزوائد (4/245) .
4 الحسن بن الصباح البزار - آخره راء - أبو علي الواسطي نزيل بغداد، صدوق يهم، وكان عابدا فاضلا، من العاشرة (ت 249) هكذا قال عنه ابن حجر، وفي ميزان الاعتدال رمز له الذهبي بـ (صح) إشارة إلى أنه ثقة".
وقد روى عنه (خ د ت س) كما في هدي الساري لابن حجر وتهذيب التهذيب له، وسير أعلام النبلاء للذهبي والخلاصة للخزرجي".
وسقطت علامة النسائي من ميزان الاعتدال وتذكرة الحفاظ كلاهما للذهبي وفي تقريب التهذيب الطبعة المصرية بزيادة مسلم".
والظاهر أن الذي أخرج له هو البخاري والأربعة سوى ابن ماجه كما قال ابن حجر في هدي الساري (انظر التقريب 1/167 وتهذيب التهذيب 2/289-290 وسير أعلام النبلاء 2/262 وميزان الاعتدال 1/499 وتذكرة الحفاظ 2/476 وهدي الساري ص 397 والخلاصة 1/214) .
5 إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه - بالموحدة - أبو هشام الصنعاني، صدوق من التاسعة / د فق (التقريب 1/72، وتهذيب التهذيب 1/315) .
6 إبراهيم بن عقيل بن معقل الصنعاني، صدوق من الثامنة / د (التقريب 1/40 وتهذيب التهذيب 1/146) .
7 هو عقيل بن معقل بن منبه اليماني، ابن أخي وهب، صدوق، من السابعة/ د (التقريب 2/29 وتهذيب التهذيب 7/255) .
8 وهب بن منبه بن كامل اليماني، أبو عبد الله الأبناوي - بفتح الهمزة وسكون الموحدة بعدها نون- ثقة من الثالثة، (ت سنة بضع عشرة ومائة / خ م د ت س فق (التقريب 2/339 وتهذيب التهذيب 11/166-168) .(2/483)
جابر عن شأن ثقيف إذ بايعت، قال: "اشترطت على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولاجهاد، وأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا" 1. والحديث حسن لذاته".
ورواه أحمد قال ثنا حسن2 ثنا ابن لهيعة3 ثنا أبو الزبير قال: "سألت جابرا عن شأن ثقيف إذ بايعت". الحديث4".
ما رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد وغيرهم من حديث أوس بن حذيفة وهذا سياقه عند أحمد قال: "
221- حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا عبد الله5 بن عبد الرحمن الطائفي عن عثمان6 بن عبد الله بن أوس7 الثقفي عن جده أوس بن حذيفة قال: "كنت في الوفد
____________________
1 أبو داود: "السنن 2/146 كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب ما جاء في خبر الطائف".
2 الحسن بن موسى الأشيب - بمعجمة ثم تحتانية - أبو علي البغدادي قاضي الموصل وغيرها، ثقة من التاسعة (ت 209 أو 210) / ع (التقريب 1/171 وتهذيب التهذيب 2/323، ومسند أحمد 3/337".
3 ابن لهيعة: "هو عبد الله بن لهيعة، وأبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، تقدمت ترجمتهما".
4 المسند 3/341".
5 عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب أبو يعلى الطائفي الثقفي صدوق يخطأ ويهم تقدم في حديث (45) .
6 عثمان بن عبد الله بن أوس الثقفي الطائفي مقبول من الثالثة/ د ق (التقريب 2/11 وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 3/43:محله الصدق وثقه ابن حبان وفي تهذيب التهذيب 7/129 ذكره ابن حبان في الثقات له عند أبي داود وابن ماجه حديث في وفد ثقيف". وانظر: " (الخلاصة للخزرجي2/217) وقد سقطت علامة أبي داود من التقريب الطبعة المصرية".
7 أوس بن حذيفة وهو أوس بن أبي أوس، واسم أبي أوس حذيفة، وهو والد عمرو بن أوس الثقفي، روى عن النني صلى الله عليه وسلم وعن علي بن أبي طالب وعنه ابنه عمرو وابن ابنه عثمان بن عبد الله، والنعمان بن سالم وجماعة".
وفي مسند أحمد 3/8: "أوس بن أوس الثقفي وهو أوس بن حذيفة".
وقال البخاري في (التاريخ الكبير 2/ 15-16) : "أوس بن حذيفة الثقفي والد عمرو ابن أوس، ويقال: "أوس بن أبي أوس، ويقال أوس بن أوس 10 هـ".
وكذا قال ابن حبان في الصحابة".
وقال أبو نعيم في معرفة الصحابة: "اختلف المتقدمون في أوس هذا: "فمنهم من قال: "أوس بن حذيفة، ومنهم من قال: "أوس بن أبي أوس وكنى أباه، ومنهم من قال أوس ابن أوس".
وأما أوس بن أوس الثقفي، وقيل أوس بن أبي أوس، فروى عنه الشاميون، قال: "وتوفي أوس بن حذيفة سنة (49) ، وقال ابن حجر: "أوس بن أبي أوس: "هو أوس ابن حذيفة وأن أوس بن أوس: "غير أوس بن أبي أوس". وإنما قيل في أوس بن أوس هذا: "أوس بن أبي أوس، وقيل في أوس بن أبي أوس: "أوس بن أوس خطأ".
والتحقيق أنهما اثنان". تهذيب التهذيب 1/381-382 والإصابة 1/79-82 و1/133 وكذا فرق المزي بينهما في تحفة الأشراف 2/2و4 وأن أوس بن أوس ابن أبي أوس هو أوس بن حذيفة".(2/484)
الذين أتو النبي صلى الله عليه وسلم أسلموا من ثقيف1، من بني مالك أنزلنا في قبة له، فكان يختلف إلينا بين بيوته وبين المسجد، فإذا صلى العشاء الآخرة2 انصرف إلينا، ولا نبرح3 حتى يحدثنا ويشتكي قريشا ويشتكي أهل مكة ثم يقول: "لا سواء4 كنا بمكة مستذلين ومستضعفين فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب علينا ولنا5 فمكث عنا ليلة لم يأتينا حتى طال ذلك علينا بعد العشاء6، قال: "قلنا ما أمكثك عنا يا رسول الله؟
____________________
1 وعند أبي داود"قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، قال فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بن مالك في قبة له"، وعند ابن ماجه "فنزلوا الأحلاف على المغيرة بن شعبة" وعند أبي داود الطيالسي "قال: "قدمنا وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل الأحلافيون على المغيرة وأنزل المالكيين قبته" وكذا عند أبي نعيم "وعند الطبراني" قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفد ثقيف فأنزل عليه في قبة له، فنزل إخواننا من الأحلاف على المغيرة بن شعبة".
2 وعند أبي داود "قال كان كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا قائما على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام"
وعند ابن ماجه "فكان يأتينا كل ليلة بعد العشاء فيحدثنا قائما على رجليه، حتى يراوح بين رجليه".
وعند أبي نعيم "فكان يأتينا بعد العشاء الآخرة فيحدثنا".
وعند أبي داود الطيالسيي"قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا فيحدثنا بعد العشاء الآخرة حتى يراوح بين قدميه من طول القيام"
وعند ابن سعد "وكان ينصرف إليهم بعد العشاء الآخرة فيحدثهم قائما على رجليه، يرواح بين قدميه مما قد مل من القيام".
3 وعند أحمد أيضا "فلا يبرح يحدثنا ويشتكي قريشا"
وعند أبي داود الطيالسي "فكان أكثر ما يحدثنا اشتكاء قريش"
وعند أبي داود وابن ماجه "وأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه من قريش".
وعند ابن سعد "وأكثر ما يحدثهم اشتكاء أهل مكة وقريش".
وعند الطبراني "وكان أكثر حديثه تشكية قريش"
وعند أبي نعيم "فكان أكثر ما اشتكى قريشا".
4 لا سواء: "أي حالنا الآن غير ما كانت عليه قبل الهجرة (عون المعبود 4/271) وعند أبي داود أيضا "لا أنسى" "والمعنى لا أنسى أذيتهم وعداوتهم".
5 وعند أبي داود الطيالسي "فلما قدمنا المدينة انتصفنا من القوم، فكانت سجال الحرب علينا ولنا".
وعند أبي داود وابن ماجه "وكانت سجال الحرب بيننا وبينهم ندال عليهم ويدالون علينا".
وعند ابن سعد "وكانت الحرب بيننا وبينهم سجالا".
وعند الطبراني "فلما أتينا المدينة كانت الحرب سجالا علينا ولنا".
والسجال: "مرة لنا ومرة علينا (النهاية 2/344) .
6 وعند أبي داود "فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلنا لقد أبطأت عنا الليلة".
وعند ابن ماجه "فلما كان ذات ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه".
وعند أبي داود الطيالسي "فاحتبس عنا ليلة عن الوقت الذي كان يأتينا فيه ثم أتانا، فقلنا يا رسول الله احتبست عنا الليلة عن الوقت الذي كنت تأتينا فيه".
وعند ابن سعد "فاحتبس عنا ذات ليلة فقلنا: "يا رسول الله ما حبسك عنا الليلة؟ ". وعند الطبراني "فأبطأ علينا ذات ليلة فأطول فقلنا يا رسول الله لقد أبطأت".(2/485)
قال: "طرأ1 علي حزب من القرآن فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه". قال فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أصبحنا، قال: "قلنا كيف تحزبون القرآن؟ 2".
قالوا: "نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة وحزب مفصل3 من قاف حتى يختم"4.
والحديث رواه أبو داود وابن ماجه وأبو داود الطيالسي والطبراني وأبو نعيم كلهم من طريق عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي به5.
ورواه ابن سعد عن الضحاك بن مخلد والفضل بن دكين وعبد الملك6 بن
____________________
1 طرأ علي حزب من القرآن: "أي ورد وأقبل، يقال طرأ يطرأ مهموزا إذا جاء مفاجأة، كأنه فجأه الوقت الذي كان يؤدي فيه ورده من القراءة (النهاية 3/117، عون المعبود 4/271) .
وعند أبي داود وابن ماجه وأبي داود الطيالسي والطبراني "طرأ علي حزبي" وعند ابن سعد "أنه طرأ علي نفر من الجن، وبقي علي من حزبي شيء فكرهت أن أخرج من المسجد حتى أقرأه".
2 وعند أبي داود الطيالسي "قال فلما أصبحنا سألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحزاب القرآن كيف تحزبونه؟
فقالوا: "ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل".
وعند ابن سعد: "فلما أصبحنا قلنا: "لأصحابه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حدّثنا أنه طرأ عليه نفر من الجنّ وبقي عليه حزب من القرآن فكيف كنتم تحزبون القرآن؟ ".
فقالوا: "نحزبه ثلاث سور، خمس سور، سبع سور، تسع سور، احدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل ما بين قاف فأسفل".
وعند أبي داود "قال أوس: "سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: "ثلاث وخمس إلخ".
3 وعند أبي داود "وحزب المفصل وحده"
والمراد بالحزب: "هو ما يجعله الإنسان على نفسه من قراءة أو صلاة، والحزب الطائفة، والمعنى أنهم كانوا يجعلون للقرآن منازل، فالمراد (بالثلاث) البقرة، وآل عمران، والنساء، فهذه السور الثلاث منزل واحد من سبع منازل القرآن، (وخمس) من المائدة إلى براءة، و (سبع) من يونس إلى النحل، و (تسع) من بني إسرائيل إلى الفرقان، و (إحدى عشرة) من الشعراء إلى ياسين و (ثلاث عشرة) من الصفات إلى الحجرات، و (حزب المفصل) من قاف إلى آخر القرآن، فعلم من هذا أن في عصر الصحابة كان ترتيب القرآن مشهور على هذا النمط المعروف الآن". (النهاية 1/376 وجامع الأصول 2/476 وعون المعبود 4/272) .
4 مسند أحمد 4/9 و 343".
5 أبو داود: "السنن 1/321-322 كتاب شهر رمضان باب في تحزيب القرآن وابن ماجه: "السنن 1/427-428 كتاب الإقامة، باب في كم يستحب يختم القرآن، وأبو داود الطيالسي: "كما في منحة المعبود 2/4 والطبراني: "المعجم الكبير 1/190، أبو نعيم: "حلية الأولياء 1/347-348".
6 هو القيسي أبو عامر العقدي (تهذيب التهذيب 6/409) .(2/486)
عمرو أبي عامر، ومحمد1 بن عبد الله الأسدي، قالوا: "حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الثقفي، قال: "حدثني عثمان بن عبد الله بن أوس".
قال الفضل بن دكين ومحمد بن عبد الله وأبو عامر عن جده أوس ابن حذيفة2".
وقال الضحاك بن مخلد عن عمه3 عمرو بن أوس عن أبيه، الحديث4".
والحديث مدراه على عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن شيخه عثمان بن عبد الله، وقد قال ابن حجر: "عن عبد الله بن عبد الرحمن "صدوق يخطئ ويهم"5".
وقال عن عثمان بن عبد الله "مقبول"6".
ولكن عبد الله بن عبد الرحمن قد وثقه ابن حبان والعجلي، وابن المديني فيما حكى ابن خلفون78".
وعثمان بن عبد الله: "وثقه ابن حبان أيضا، وقال الذهبي: "محله الصدق9".
وعلى كل حال فإن قسم الحديث الأول وهو ما يتعلق بوفود ثقيف، ثابت في الأحاديث المتقدمة والأحاديث المتقدمة والأحاديث الآتية وهي:
____________________
1 الظاهر أنه محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأسدي أبو أحمد فإنه يروي عن سفيان الثوري، وقد ذكر ابن سعد أن محمدا هذا يروي عن سفيان بن سعيد". (الطبقات الكبرى 1/488 و5/521 وتهذيب التهذيب 9/254) .
2 تقدم في حديث (221) .
3 والمعنى: "أن عبد الله بن عبد الرحمن الثقفي في رواية الضحاك حدث عن عثمان بن عبد الله عن عمه عمرو بن أوس عن أبيه أوس بن حذيفة وهو جد عثمان".
والمعنى أن عثمان لم يرو عن جده مباشرة كما هو عند الباقين، وإنما روى عنه بواسطة عمرو بن أوس". وهذا لا مانع منه فقد يكون أخذ عثمان هذا الحديث عن عمه عمرو وعن جده، فكان تارة يرويه بواسطة وتارة بدون واسطة وقد ذكر ابن حجر أنه يروي عن جده أيضا".
4 الطبقات الكبرى 5/510-511".
5 انظر حديث (221) .
6 انظر حديث (221) .
7 هو: "الحافظ محمد بن إسماعيل بن محمد بن خلفون الإمام المجود أبو بكر الأزدي، الأندلسي نزيل إشبيلية، ولد سنة (555) ومات (636) كان بصيرا بصناعة الحديث حافظا للرجال متقنا، له كتاب سماه (المنتقى) في رجال الحديث في خمسة أسفار، وله كتاب "المفهم في شيوخ البخاري ومسلم) وله غير ذلك (تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1400) .
8 تهذيب التهذيب 5/299".
9 تهذيب التهذيب 7/129 وميزان الإعتدال 3/43".(2/487)
حديث أوس أيضا عند أحمد والنسائي وابن ماجه وغيرهم وهذا سياق أحمد:
222- ثنا محمد1 بن جعفر قال ثنا شعبة عن النعمان2 بن سالم قال: "سمعت أوسا3 يقول: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف فكنا4 في قبة فقام من كان فيها غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فساره5 فقال: "اذهب6 فاقتله".
ثم قال: "أليس7 يشهد أن لا إله إلا الله، قال: "بلى، ولكنه يقولها تعوذا8 فقال: "رده، ثم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها9 حرمت علي دماؤهم وأموالهم إلا بحقها".
____________________
1 هو (غندر) .
2 النعمان بن سالم الطائفي، روى عن جدته وعثمان بن أبي العاص وأوس بن أبي أوس، وعمرو بن أوس وغيرهم".
وعنه شعبة وسماك بن حرب وحاتم بن أبي صغيرة وغيرهم، ثقة من الرابعة وقيل هما اثنان/م ع (التقريب 2/304، وتهذيب التهذيب 10/453) .
3 هو أوس بن أبي أوس وهو أوس بن حذيفة".
انظر حديث (221) . ص 472 تعليقة (7) .
4 وعند النسائي "فكنت معه في قبة فنام من كان في القبة غيري وغيره فجاء رجل فساره إلخ".
وعند الدارمي "عن النعمان بن سالم قال: "سمعت أوس بن أبي أوس الثقفي، قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، قال: "وكنت في أسفل القبة ليس فيها أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم نائم، إذ أتاه رجل فساره الخ".
وعند أبي داود الطيالسي "عن أوس بن أبي أوس الثقفي وكان في الوفد قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في قبة وما من القوم أحد إلا أنا ثم غيري فجاء رجل فساره إلخ" كذا وقع والصواب وما من القوم أحد إلا نائم غيري، وعند أبي نعيم "عن أوس بن أوس الثقفي قال: "دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في فبته في مسجد المدينة، فأتاه رجل فساره بشيء لا ندري ما يقول".
5 ساره مسارة وسرارا بالكسر ناجاه (مختار الصحاح ص 295) .
6 وعند ابن ماجه: "اذهبوا به فاقتلوه" وعند أبي نعيم: "اذهب فقل لهم يقتلوه".
7 وعند أحمد أيضا "أن أوسا قال: "إنا لقعود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفة وهو يقص علينا ويذكرنا إذ جاءه رجل فساره فقال: "اذهبوا فاقتلوه" قال: "فلما ولّى الرجل دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيشهد أن لا إله إلا الله، قال رجل نعم نعم، يا رسول الله فقال: "اذهبوا فخلوا سبيله".
وعند ابن ماجه "فلما ولى الرجل دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هل يشهد أن لا إله إلا الله؟ " قال: "نعم، قال: "اذهبوا فخلوا سبيله".
وعند النسائي "فقال: "أليس يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ ". قال: "يشهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذره".
8 ولكنه يقولها تعوذا: "أي إنما أقر بالشهادة لا جئا إليها لا معتصما بها ليدفع عنه القتل، وليس بمخلص في إسلامه (النهاية 3/318) .
9 وعند ابن ماجه "فإذا فعلوا ذلك، حرم علي دماؤهم وأموالهم". وعند أبي داود الطيالسي "فإذا شهدوها فقد منعوا دماؤهم واموالهم". أو قال: "قد منعوا إلا بحقها".(2/488)
فقلت لشعبة: "أليس في الحديث ثم قال: "أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، قال شعبة: "أظنها معها1 وما أدري2".
والحديث صحيح وقد رواه النسائي وأبو داود الطيالسي والدارمي كلهم عن طريق شعبة عن النعمان بن سالم به3".
ورواه أبو نعيم من طريق سماك بن حرب عن النعمان بن سالم به4".
والحديث في هذه الطرق من رواية النعمان بن سالم قال: "سمعت أوسا بدون واسطة".
ورواه النسائي وابن ماجه وأحمد الجميع من طريق حاتم بن أبي صغيرة قال: "حدثني النعمان بن سالم أن عمرو بن أوس أخبره عن أبيه5 أوس، فوسط بين النعمان وأوس (عمرو بن أوس) وحاتم ثقة6.
فيخرج على أن النعمان بن سالم حمل هذا الحديث عن عمرو بن أوس عن أبيه أوس.
ثم لقي أوسا بعد ذلك فحمله عنه مباشرة، فكان بعد ذلك تارة يروي الحديث عن أوس بواسطة ابنه عمرو بن أوس، وتارة يرويه عن أوس مباشرة، ولا مانع من هذا، خاصة أنّ عمرو بن أوس من شيوخ النعمان بن سالم أيضا7".
ما رواه أبو داود الطيالسي من حديث أوس الثقفي قال:
____________________
1 وعند الدارمي "قال شعبة وأشك: "أن محمدا رسول الله".
2 مسند أحمد: "4/8-9".
3 النسائي: "السنن 7/74-75 كتاب تحريم الدم، وأبو داود الطيالسي: "كما في منحة المعبود 1/26".
والدارمي: "2/137 كتاب السير، باب في القتال على قول النبي صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله". وعنده وعند الطيالسي "عن النعمان بن سالم قال: "سمعت أوس بن أبي أوس".
4 حلية الأولياء1/347-348 وعنده عن النعمان بن سالم عن أوس بن أبي أوس".
5 النسائي: "السنن 7/74-75 كتاب تحريم الدم، وأحمد: "المسند 4/9 وابن ماجه: "السنن 2/1295 كتاب الفتن، باب الكف عمن قال: "لا إله إلا الله قال: "محمد فؤاد عبد الباقي في هذا الحديث إنه من زوائد ابن ماجه وإسناده صحيح، ورجاله ثقات، لكن الحديث في النسائي أيضا موجود، وأشار في الزوائد إلى شيء من ذلك".
6 انظر ترجمته في التقريب 1/137".
7 انظر تهذيب التهذيب 10/453".(2/489)
223- حدثنا قيس1 عن عمير2 بن عبد الله بن عبد الملك3 بن المغيرة الطائفي عن أوس الثقفي قال: "قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف فأقمنا عنده نصف شهر، فرأيته ينفتل عن يمينه وعن يساره"4".
ورواه الطحاوي من طريق قيس بن الربيع به فقال: "عن أوس بن أوس، أو أوس بن أويس، قال: "أقمت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف شهر فرأيته يصلي ويسلم عن يمينه وعن شماله5".
قال ابن حجر: "وعندي أن أوسا هذا هو أوس بن أبي أوس الثقفي المتقدم ذكره في القسم الماضي، وهم في اسم أبيه قيس بن الربيع، وقد رواه شعبة عن النعمان بن سالم سمعت رجلا جده أوس بن أبي أوس، قال: "كان جدي يصلي فيأمرني أن أناوله نعليه ويقول رأيت رسول الله يصلي في نعليه6".
ما رواه مسلم والنسائي وابن ماجه وأحمد والطبراني من حديث الشريد بن سويد وهذا سياقه عند مسلم قال:
224- حدثني يحيى7 بن يحيى أخبرنا هشيم - ح - وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا شريك8 بن عبد الله، وهشيم بن
____________________
1 قيس بن الربيع الأسدي، أبو محمد الكوفي، صدوق تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به تقدم في حديث (27) .
2 عمير بن عبد الله بن بشر الخثعمي الكوفي، ثقة من السادسة /مد (التقريب 2/86 وتهذيب التهذيب 8/148) .
3 عبد الملك بن المغيرة الطائفي من الرابعة، /مد ت (التقريب 1/523 وفي تهذيب التهذيب 6/426) قال: "ذكره ابن حبان في الثقات".
4 منحة المعبود 1/103-104، وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لا يجعل أحدكم للشيطان شيئا من صلاته يرى أنّ حقاً عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه، لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ينصرف عن يساره" لفظ البخاري ولفظ مسلم "أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله" وبوب البخاري بقوله (باب الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال، وساق الحديث (صحيح البخاري 1/140 وصحيح مسلم 1/392 كتاب صلاة المسافرين باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال) .
5 شرح معاني الآثار 1/269".
6 الإصابة 1/133 و1/79".
7 هو ابن بكير أبو زكريا النيسابوري".
8 شريك بن عبد الله القاضي النخعي الكوفي تقدم في حديث (26) .(2/490)
بشير عن يعلى1 عن عطاء عن عمرو2 بن الشريد، عن أبيه قال: "كان في وفد ثقيف رجل مجذوم3، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم "إنا قد با يعناك فارجع"4.
والحديث رواه النسائي وابن ماجه وأحمد كلهم من طريق هشيم عن يعلى بن عطاء به5".
____________________
1 يعلى بن عطاء العامري الليثي الطائفي (تهذيب التهذيب 11/403) .
2 عمرو بن الشريد بن سويد الثقفي أبو الوليد الطائفي (تهذيب التهذيب 8/47) وعند النسائي وابن ماجه من طريق هشيم عن يعلى بن عطاء عن رجل من آل الشريد يقال له عمرو عن أبيه الخ".
3 الجذام: "داء تتآكل منه الأعضاء وتتساقط (النهاية لابن الأثير 1/251، والمعجم الوسيط 1/113 والمصباح المنير 1/115) .
وعند أحمد: "قدم على النبي صلى الله عليه وسلم رجل مجذوم من ثقيف ليبايعه، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: "ائته فأخبره أنى قد بايعته فليرجع". وعند الطبراني: "ائته فاعلمه أنى قد بايعته فليرجع".
4 صحيح مسلم 4/1752 كتاب السلام، باب بيعة من به عاهة".
وفي معنى هذا الحديث قال النووي: "هذا الحديث موافق للحديث الآخر في صحيح البخاري" "وفر من المجذوم فرارك من الأسد" ثم نقل عن القاضي عياض أنه قال: "وقد اختلفت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة المجذوم، فثبت عنه الحديثان المذكوران، وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع المجذوم وقال له: "كل ثقة بالله وتوكلا عليه".
وعن عائشة قالت: "وكان لي مولى مجذوم فكان يأكل في صحافي ويشرب في أقداحي وينام على فراشي".
قال: "وقد ذهب عمر - رضي الله عنه - وغيره من السلف إلى الأكل مع المجذوم ورأوا أن الأمر باجتنابه منسوخ، والصحيح الذي قاله الأكثر ون ويتعين المصير إليه أنه لا نسخ، بل يجب الجمع بين الحديثين وحمل الأمر باجتنابه والفرار منه على الاستحباب والاحتياط، لا للوجوب وأما الأكل معه ففعله لبيان الجواز (شرح صحيح مسلم للنووي 5/87) . وزاد ابن حجر وجهاً ثالثاً؛ وهو الترجيح وقد سلكه فريقان:
الأول: "رجح الأخبار الدالة على نفي العدوى، ورد الأحاديث الدالة على ثبوت العدوى".
الثاني: "سلك في الترجيح عكس الفريق الأول، فرد الأحاديث الدالة على نفي العدوى، ورجح الأحاديث الدالة على ثبوت العدوى". ثم قال ابن حجر: "والجواب عن ذلك أن طريق الترجيح لا يسار إليها إلا مع تعذر الجمع، وهو ممكن فهو أولى". (فتح الباري 10/159-160) .اهـ".
وأحسن ما قيل في أوجه الجمع بين هذه الأحاديث أن تحمل أحاديث الفرار من ذوي العاهات وما يفهم منه وجود العدوى على استعمال الأسباب وأن المسلم ينبغي له الابتعاد عما يتوقع أن يكون سببا في وقوع العلل به، وتحمل أحاديث نفي العدوى والأكل مع ذوي العاهات المعدية على أن السبب بذاته غير مؤثر إلا بتقدير الله سبحانه وتعالى".
انظر: "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لعبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ص 307-308، وأطيب المنح في علم المصطلح لعبد الكريم مراد وعبد المحسن العباد ص 22-23) .
5 سنن النسائي 7/134 كتاب البيعة، باب بيعة من به عاهة. وسنن ابن ماجه 2/1172 كتاب الطب، باب الجذام". ومسند أحمد 4/390".(2/491)
ورواه أحمد أيضا والطبراني كلاهما من طريق شريك بن عبد الله عن يعلى ابن عطاء به1".
والحديث مداره على هشيم وشريك وهما مدلسان وقد عنعناه2".
ما رواه الطبراني من حديث عثمان ابن أبي العاص وهذا سياقه:
225- حدثنا يحيى3 بن أيوب العلاف المصري، ثنا سعيد4 بن أبي مريم ثنا محمد5 بن جعفر عن سهيل6 بن أبي صالح عن حكيم7 ابن حكيم بن عباد بن حنيف عن عثمان بن أبي العاص قال: "قدمت في وفد ثقيف حين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبسنا حللنا بباب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: "من يمسك لنا رواحلنا، وكل القوم أحب الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم وكره التخلف عنه، قال عثمان: "وكنت أصغر القوم، فقلت: "إن شئتم أمسكت لكم على أن عليكم عهد الله لتمسكن لي إذا خرجتم، قالوا: "فذلك لك، فدخلوا عليه ثم خرجوا، فقالوا: "انطلق بنا، قلت: "أين؟ فقالوا: "إلى أهلك فقلت ضربت من أهلي حتى إذا حللت بباب النبي صلى الله عليه وسلم أرجع ولا أدخل عليه وقد أعطيتموني من العهد ما قد علمتم، قالوا: "فاعجل فإنا قد كفيناك المسألة، لم ندع شيئا إلا سألناه عنه، فدخلت فقلت يا رسول الله: "ادعوا الله أن يفقهني في الدين ويعلمني، قال: "ماذا قلت؟ ".
____________________
1 مسند أحمد 4/389 والمعجم الكبير للطبراني 7/380".
2 ولكن الحديث في صحيح مسلم وقد قال النووي - رحمه الله - في مقدمة شرح مسلم 1/26: "واعلم أن ما كان في الصحيحين عن المدلسين بعن ونحوها فمحمول على ثبوت السماع من جهة أخرى، وقد جاء كثير منه في الصحيح بالطريقين جميعا فيذكر رواية المدلّس بعن ثم يذكرها بالسماع ويقصد به هذا المعنى الذي ذكرته".
3 يحيى بن أيوب بن بادي - بموحدة وزن وادي - العلاف الخولاني، صدوق من الحادية عشر (ت 289) / س (التقريب2/343 وتهذيب التهذيب11/185) .
4 سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم، ثقة ثبت فقيه".
5 محمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري الزرقي، مولاهم المدني، ثقة من السابعة/ ع (التقريب 2/150 وتهذيب التهذيب 9/94) .
6 سهيل بن أبي صالح، ذكوان السمان أبو يزيد المدني، صدوق، تغير حفظه بآخره، روى له البخاري مقروناً وتعليقاً من السادسة مات في خلافة المنصور / ع (التقريب 1/338 وتهذيب التهذيب 4/263) . وقال عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ 1/137: "سهيل بن أبي صالح في عداد الحفاظ، وفي سير أعلام النبلاء 5/458 قال عنه الإمام المحدث الكبير الصادق".
7 صدوق تقدم في حديث (19) .(2/492)
فأعدت عليه القول، فقال: "لقد سألتني شيئا ما سألني عنه أحد من أصحابك، اذهب فأنت أمير عليهم1 وعلى من تقدم من قومك وأم الناس بأضعفهم" 2.
فخرجت حتى قدمت عليه مرة أخرى، فقلت يا رسول الله اشتكيت بعدك، فقال: "ضع يدك اليمنى على المكان الذي تشتكي وقل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد سبع مرات" 3 ففعلت فشفاني الله عز وجل4".
____________________
1 وعنه الطبراني أيضا من طريق محمد بن سعيد بن عبد الملك عن المغيرة بن شعبة قال: "قال عثمان بن أبي العاص- وكان شاباً- وفدنا على النبي صلى الله عليه وسلم فوجدني أفضلهم أخذا للقرآن وقد فضلتهم بسورة البقرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد أمرتك على أصحابك وأنت أصغرهم فإذا أممت فأمهم بأضعفهم فإن وراءك الكبير والصغير والضعيف وذا الحاجة".
وأصل جعله أميرا على قومه وعلى أهل الطائف ثابت عند أحمد في مسنده 4/218 وابن ماجه في سننه 1/316 كتاب إقامة الصلاة باب من أم قوما فليخفف، وابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام 2/541 والطبراني في عدة مواضع من معجمه الكبير، وأشار إلى ذلك مسلم والترمذي (صحيح مسلم 1/342 كتاب الصلاة باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام) .
وسنن الترمذي 1/135 كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا ولفظه عند مسلم "آخر ما عهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أممت قوما فأخف بهم الصلاة".
2 جعله إمام قومه في الصلاة والأمر بتخفيف الصلاة هذا الجزء ثابت في صحيح مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص نفسه".
صحيح مسلم 1/341 - 342 كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، وكذا عند أحمد في مسنده 4/21-22 و216-217-218 وابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام 2/541، وأبو داود في سننه 2/234 كتاب الصلاة، باب أخذ الأجر على التأذين". والنسائي في سننه 2/20 كتاب الآذان، باب اتخاذ المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجرا". ابن ماجه في سننه 1/316 كتاب الإقامة، باب من أم قوما فليخفف". وأبو داود الطيالسي: "كما في منحة المعبود 1/132 والطبراني في معجمه الكبير، وعند أبي داود والترمذي والنسائي وأحمد والطبراني "واتخذ مؤذناً لا يأخذ على آذانه أجراً". وقال الترمذي بعد إخراجه: "حديث عثمان حديث حسن صحيح".
والعمل على هذا عند أهل العلم: "كرهوا أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا، واستحب للمؤذن أن يحتسب في أذانه".
وقد اختلف العلماء في أخذ المؤذن أجرا، والذي رجحه الشوكاني: "أن الأجرة إنما تحرم إذا كانت مشروطة، لا إذا أعطيها بغير مسألة (نيل الأوطار 2/65-66 وتحفة الأحوذي 1/618-620، وعون المعبود 2/235) .
3 هذا الجزء من الحديث جاء ما يؤيده عند مسلم في صحيحه 4/1728 كتاب السلام، باب استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء من طريق نافع بن جبير بن مطعم عن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضع يدك على الذي تألم من جسدك، وقل: "أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر".
4 المعجم الكبير للطبراني 9/33 و34، و37، و38، و39-41، و47، و48، و53". وقد عزا المحقق حمدي عبد المجيد السلفي تخريج حديث رقم (8340) إلى حديث (8338) وهو خطأ".(2/493)
قال الهيثمي: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، غير حكيم ابن حكيم بن عباد فقد وثق1".
حديث عبد الرحمن بن علقمة الثقفي عند النسائي وأبي داود الطيالسي وهذا سياقه عند النسائي: "
226- أخبرنا هناد2 بن السري قال: "حدثنا أبو بكر3 بن عياش عن يحيى4 بن هانئ عن أبي حذيفة5 عن عبد الملك6 بن محمد بن بشير بن عبد الرحمن7 بن علقمة الثقفي، قال: "قدم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم هدية،
____________________
1 مجمع الزوائد9/371".
2 هناد بن السري أبو السري الكوفي، ثقة". (التقريب 2/321) .
3 أبو بكر بن عياش - بتحتانية ومعجمة - ابن سالم الأسدي، الكوفي المقرئ، الحناط - بمهملة ونون - مشهور بكنيته، اختلف في اسمه". ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح من السابعة، (ت 194) وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين أخرج له البخاري والأربعة ومسلم في المقدمة، وقد سقطت علامة البخاري من التقريب الطبعة المصرية".
(التقريب 2/399 وتهذيب التهذيب 12/34 وهدي الساري ص 455، وميزان الاعتدال (4/499) .
4 يحيى بن هانئ بن عروة بن قعاص المرادي الكوفي أبو داود، ثقة من الخامسة، وروايته عن ابن مسعود مرسلة". د ت س (التقريب 2/359 وتهذيب التهذيب 11/293 والتاريخ الكبير للبخاري 8/309 والمزي في الأطراف 7/204 والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 9/195 والمعرفة والتاريخ للفسوي 3/238 كلهم قالوا: "يحيى بن هانئ وكذا في مسند الطيالسي، ووقع في سنن النسائي يحيى بن أبي هانئ".
فلعل لفظة "أبي" مقحمة من النساخ".
5 أبو حذيفة، غير منسوب، شيخ ليحيى بن هانئ بن عروة مجهول من السادسة، ويقال اسمه عبد الله بن محمد الكوفي /س (التقريب 2/410 وفي تهذيب التهذيب 12/69 روى عن عبد الملك بن نسير الكوفي، عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي في قدوم وفد ثقيف، وعنه يحيى بن هانئ بن عروة المرادي".
6 عبد الملك بن محمد بن بشير - ضبط ابن ماكولا بشيرا بالنون والسين المهملة - الكوفي، روى عنه عبد الرحمن بن علقمة الثقفي في وفد ثقيف، وعنه أبو حذيفة مجهول من السادسة وقال البخاري: "لم يتبن لي سماع بعضهم من بعض".
روى له النسائي هذا الحديث الواحد وقد اختلف فيه".
قال ابن عدي: "ليس له إلا الشيء اليسير (التقريب 1/522 وتهذيب التهذيب 6/419، والتاريخ الكبير 5/431 وميزان الاعتدال 2/663) وقال عبد الملك بن محمد لا يعرف ما روي عنه سوى أبي حذيفة عبد الله".
7 عبد الرحمن بن علقمة ويقال ابن أبي علقمة الثقفي مختلف في صحبته، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن وفد ثقيف قدموا عليه ومعهم هدية، وقيل رواه عن عبد الرحمن بن أبي عقيل عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وروى أيضا عن عبد الله بن مسعود وعنه أبو صخرة جامع بن شداد المحاربي وعبد الملك بن محمد بن بشير الكوفي، وعون بن أبي جحيفة، وفرق ابن أبي حاتم: "بين عبد الرحمن بن علقمة الرواي حديث وفد ثقيف، وبين عبد الرحمن بن علقمة الراوي عن ابن مسعود".
فقال عن الأول روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عن الثاني عبد الرحمن بن علقمة الثقفي ويقال ابن أبي علقمة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وروى عن ابن مسعود وعبد الرحمن بن أبي عقيل وجعل كل واحد منهما يروي عنه جامع بن شداد وعبد الملك ابن محمد بن بشير، فالله أعلم".
غير أنه جعل حديث وفد ثقيف من رواية عبد الرحمن بن علقمة، وكذا عمل البخاري".
والحاصل أن عبد الرحمن راوي حديث وفد ثقيف اختلف في صحبته، فقال الخطيب ذكره غير واحد في الصحابة".
وقال ابن عبد البر: "في سماعه عن النبي صلى الله عليه وسلم نظر، وقد ذكره جماعة في الصحابة ولا يصح له صحبة". (انظر: "التقريب 1/492 وتهذيب التهذيب 6/233 والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/248-273 والاستيعاب لابن عبد البر 2/416- 418 وأسد الغابة 3/476-477 والإصابة 2/412 وتاريخ البخاري 5/250".
وقد وقع في منحة المعبود "عن عبد الملك بن علقمة أبي علقمة الثقفي" والصواب "عن عبد الملك عن عبد الرحمن بن علقمة" أو ابن أبي علقمة". ووقع في ميزان الاعتدال 2/663". عن عبد الملك بن محمد بن بشير "عن عبد الرحمن عن علقمة". وفي الإصابة 2/411 أخرج ابن منده من طريق عون بن أبي جحيفة عن عبد الرحمن عن علقمة "والصواب" عن عبد الرحمن بن علقمة".(2/494)
فقال: "أهدية أم صدقة؟ 1 فإن كانت هدية فإنما يبتغى بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء الحاجة، وإن كانت صدقة فإنما يبتغى بها وجه الله عز وجل".
قالوا: "لا، بل هدية، فقبلها منهم وقعد معهم يسائلهم ويسائلونه2 حتى صلى الظهر مع العصر3".
والحديث رواه أبو داود الطيالسي عن أبي بكر بن عياش قال حدثنا يحيى بن هانئ به4".
قال ابن حجر: "ورواه أيضا إسحاق بن راهويه ويحيى5 الحِمَّاني في مسنديهما من طريق أبي حذيفة عن عبد الملك6 بن محمد بن بشير عن عبد الرحمن بن علقمة قال: "قدم وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم". الحديث.
وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده من هذا الوجه.
وذكره البخاري من طريق أبي حذيفة المذكور7".اهـ.
____________________
1 وعند أبي داود الطيالسي "فقال: "أصدقة أم هدية؟ ".
2 عند أبي داود الطيالسي "فسألوه فما زالوا يسألونه حتى ما صلوا الظهر إلا مع العصر".
3 سنن النسائي 6/236 كتاب العمري".
4 منحة المعبود 1/126-127".
5 يحيى بن عبد الحميد بن بشمين - بفتح الموحدة وسكون المعجمة - الحماني - بكسر المهملة وتشديد الميم، الكوفي، حافظ إلاّ أنهم اتهموه بسرقة الحديث، من صغار التاسعة (ت228) /م ع ويقال: "إنه أول من صنف المسند في الكوفة (التقريب 2/352 وتهذيب التهذيب 11/243 وميزان الاعتدال 4/392) .
6 وقع في الإصابة "من طريق أبي حذيفة عبد الملك بن محمد بن بشير" وهو خطأ". والصواب من طريق أبي حذيفة عن عبد الملك".
7 الإصابة 2/412". وانظر: "التاريخ الكبير للبخاري 5/250-252".(2/495)
والحديث ضعيف؛ لما يأتي:
أ- جهالة أبي حذيفة وشيخه عبد الملك بن محمد".
ب- في سماع عبد الملك بن محمد من عبد الرحمن بن علقمة نظر، فقد قال البخاري: "عبد الملك بن محمّد بن بشير عن عبد الرحمن ابن علقمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديثه في الكوفيين، ولم يتبين سماع بعضهم من بعض"1".
ج- الاختلاف في صحبة عبد الرحمن بن علقمة، وإذا لم تثبت صحبته فيكون الحديث منقطعا".
قال المزي: "حديث قدوم وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم، رواه النسائي في العُمْرَى عن هناد بن السري، عن أبي بكر بن عياش، عن يحيى بن هانئ ابن عروة عن أبي حذيفة عن عبد الملك بن محمد بن بشير، عن عبد الرحمن بن علقمة به".
رواه جماعة عن أبي بكر بن عياش هكذا، ولم يسموا "أبا حذيفة" ورواه أحمد بن يونس عن زهير بن معاوية عن يزيد أبي خالد الأسدي، عن عون بن أبي جحيفة، عن عبد الرحمن بن علقمة، عن عبد الرحمن بن أبي عقيل عن النبي صلى الله عليه وسلم2".
ما رواه ابن ماجه من حديث عطية بن سفيان وهذا سياقه:
227- حدثنا محمد3 بن يحيى ثنا أحمد4 بن خالد الوهبي، ثنا محمد بن إسحاق عن عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية5 بن سفيان بن عبد الله بن
____________________
1 المصدر السابق 5/531".
2 تحفة الأشراف 7/204 حديث (9707) وحديث أحمد بن يونس في المعرفة والتاريخ للفسوي 1/288، وانظر الإصابة 2/411".
3 محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي، النيسابوري ثقة حافظ جليل، من الحادية عشرة (ت 258) على الصحيح /خ ع". (التقريب 2/217 وتهذيب التهذيب 9/511) .
4 أبو سعيد الكندي صدوق، تقدم في حديث (32) .
5 عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعةالثقفي، صدوق، من الثالثة وهم من عده صحابياً /ق (التقريب 2/24 والإصابة 3/167 و2/502) وفي تهذيب التهذيب 7/226 قال: "ذكره الطبراني في الصحابة لأن في روايته عن عطية بن سفيان قال قدم وفد ثقيف، هكذا وقع عنده مرسلاً، لم يقل عن وفد ثقيف فظنه الطبراني صحابيا فذكره في المعجم، وتبعه أبو نعيم وذكره في المعرفة، وقال: "فيه نظر". اهـ". (والحديث في المعجم الكبير للطبراني 17/169 ومجمع الزوائد 2/28) .
ووقع في معجم الطبراني "عن عطية بن سفيان عن عبد الله" والصواب "عن عطية ابن سفيان بن عبد الله". فلظفة (ابن) حرفت إلى (عن) .(2/496)
ربيعة، قال: "ثنا وفدنا الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بإسلام ثقيف، قال: "وقدموا عليه في رمضان، فضرب عليهم قبة في المسجد فلما أسلموا صاموا ما بقي عليهم من الشهر"1".
في الزوائد: "في إسناد محمد بن إسحاق، وهو مدلس، وقد رواه بالعنعنة عن عيسى بن عبد الله، قال ابن المديني: "وتفرد بالرواية عنه". وقال: "عيسى ابن عبد لله مجهول2".
قلت: "في سيرة ابن هشام والروض الأنف نحو هذا الحديث وقد صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث وهذا سياقه:
حدثني عيسى3 بن عبد الله عن عطية بن سفيان بن ربيعة عن بعض وفدهم قال: "كان بلال يأتينا - حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من رمضان - بفطرنا وسحورنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتينا وإنا لنقول: "إنا لنرى الفجر قد طلع، فيقول: "قد تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسحر، لتأخير السحور، ويأتينا بفطرنا4 وإنا لنقول: "ما نرى الشمس كلها ذهبت بعد5، فيقول: "ما جئتكم حتى أكل رسول الله
____________________
1 سنن ابن ماجه 1/559 كتاب الصيام، باب فيمن أسلم في شهر رمضان".
2 انظر تهذيب التهذيب 8/217 والتقريب 2/99".
وقال عيسى بن عبد الله بن مالك الدار وهو مالك بن عياض العمري مولاهم، وقال بعضهم: "عبد الله بن عيسى بن مالك وهو وهم". التقريب 2/99".
3 وقع في سيرة ابن هشام والروض ألأنف: "حدثني عيسى بن عبد الله بن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي، فقوله: "عيسى بن عبد الله (بن عطية) خطأ والصواب: "عيسى بن عبد الله عن عطية، فحرف (عن) إلى (بن) فصار الاسمان اسما واحدا".
4 قال ابن هشام "بفطورنا وسحورنا".
5 تعجيل الفطر وتأخير السحور، ثابت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر".
ومن حديث زيد بن ثابت قال: "تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى لصلاة، قلت، كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: "قدر خمسين آية صحيح البخاري 3/26 كتاب الصيام، باب كم قدر بين السحور وصلاة الفجر و33 باب تعجيل الإفطار".
وصحيح مسلم 2/771 كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر".(2/497)
- صلى الله عليه وسلم - 1 ثم يضع يده في الجفنة فيلتقم منها"2".
قال ابن حجر: "اختلف في هذا الحديث على ابن إسحاق اختلافا كثيرا فقال يونس بن بكير في زيادات المغازي، حدثني إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري حدثني عبد الكريم حدثني علقمة بن سفيان، قال: "كنت في الوفد من ثقيف فضربت لنا قبة فكان بلال يأتينا بفطرنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم". الحديث، وكذا أخرجه البغوي والطبراني من طريق يونس بن بكير3".
وقال الطبراني: "تفرد به إسماعيل، وليس كما قال، فقد رواه البزار من رواية الضحاك بن عثمان عن عبد الكريم فقال: "عن علقمة بن سهيل الثقفي، وقال: "لا نعلم له غيره4".
ورواه ابن إسحاق، فقال ابن عبد البر: "اضطربوا فيه". ثم عقب ابن حجر على هذا بقوله: "قلت: "ورواه زياد البكائي عن ابن إسحاق عن عيسى عن عبد الله عن علقمة بن سفيان".
ورواه إبراهيم بن مختار عن ابن إسحاق عن عيسى عن سفيان5 ابن عطية فقلبه".
وقال أحمد بن خالد الذهبي عن ابن إسحاق عن عيسى عن عطية حدثنا وفدنا، أخرجه ابن ماجه، ورواية أحمد بن خالد أشبه بالصواب، فإن عطية بن سفيان تابعي معروف، ولم أقف في شيء من طرقه على تسمية والد سفيان.
____________________
1 وعند الوقدي "وكان بلال يأتيهم بفطرهم، ويخيل إليهم أن الشمس لم تغب، فيقولون: "ما هذا من رسول الله إلا استبار لنا، ينظر كيف إسلامنا، فيقولون: "يا بلال، ما غابت الشمس بعد، فيقول بلال: "ما جئتكم حتى أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم (مغازي الواقدي 3/968) .
والاستبار: "الامتحان والاختبار ليعلم حقيقة الشيء (النهاية 2/333) .
2 سيرة ابن هشام 2/540-541 والروض الأنف 7/335 والبداية والنهاية 5/32، وشرح المواهب 4/8".
3 روى هذا الحديث في الأوسط فإني لم أجده في المعجم الكبير والصغير والذي وجدته في المعجم الكبير من غير طريق يونس بن بكير".
وقد قال الهيثمي بعد إيراد هذا الحديث رواه الطبراني: "في الأوسط والكبير بنحوه، (وانظر سياق حديث الطبراني في الكبير ص 487 تعليقة (2) .
4 انظر رواية البزار 1/466-467 من كشف الأستار.
5 يعني هو عطية بن سفيان، فجعله سفيان بن عطية.(2/498)
وقد نسبه ابن مندة وغيره فقالوا: "علقمة بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي، وهذا هو نسب عطية التابعي: "ثم قال ابن حجر قلت: "قول الضحاك بن عثمان: "علقمة بن سهيل، أولى من قول إسماعيل: "علقمة بن سفيان، فإن علقمة في رواية ابن إسحاق محرف من عطية، بخلاف رواية عبد الكريم1". إهـ".
والحاصل أن ابن حجر رجح رواية أحمد بن خالد الذهبي وهي رواية ابن ماجه وفيها عيسى بن عبد الله مقبول".
والحديث أورده الهيثمي ثم قال: "رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير بنحوه، إلا أنه قال: "علقمة بن سفيان عن عبد الكريم عن علقمة، ولم أجد من اسمه عبد الكريم، وقد سمع من صحابي وبقية رجاله ثقات2".
وهذه والأحاديث المتعلقة بقدوم وفد ثقيف وموقفهم من الإسلام، فيها الصحيح والحسن والضعيف كما مر ذلك مفصلا، وقد بقي علينا مما يتعلق بثقيف "هدم اللات" وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم فيما يتعلق بيد "وج" وعضاهه، وفيما يأتي بيان ذلك:
____________________
1 الإصابة 2/502 و3/167 وتهذيب التهذيب 7/226 وأسد الغابة 4/43-44.
2 مجمع الزوائد 3/152 والمعجم الكبير للطبراني 17/169".
وهذا سياق الحديث في المعجم الكبير: "حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، حدثنا أحمد بن خالد الوهبي حدثنا محمد بن إسحاق عن عيسى بن عبد الله بن مالك عن عطية بن سفيان بن عبد الله قال: "قدم وفد من ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فضرب لهم قبة في المسجد فلما أسلموا صاموا معه".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/28 رواه الطبراني في الكبير وفيه محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعنه".
وقد وقع في المعجم الكبير للطبراني "عن عطية بن سفيان عن عبد الله" والصواب "عن عطية بن سفيان بن عبد الله"، بإسقاط "عن" بين سفيان وعبد الله، انظر حاشية ص 484 تعليقة (5) ما قاله ابن حجر حول حديث الطبراني هذا".(2/499)
(هدم اللات)
قال ابن إسحاق: "فلما فرغوا من أمرهم، وتوجهوا إلى بلادهم راجعين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أبا سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة في هدم الطاغية فخرجا مع القوم1، حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة بن شعبة أن يقدم أبا سفيان، فأبى ذلك أبو سفيان عليه، وقال: "ادخل أنت على قومك، وأقام أبو سفيان بما له بذي الهدم2، فلما دخل المغيرة بن شعبة، علاها يضربها بالمعول3، وقام قومه دونه - بنو متعب - خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة، وخرج نساء ثقيف حسرا4 يبكين عليها ويقلن:
____________________
1 قال الزرقاني: "كذا عند ابن إسحاق وغيره أن أبا سفيان والمغيرة ذهبا مع الوفد".
وفي رواية أنهم تأخروا عنهم أياما حتى قدموا، وأن الوفد لما قدموا تلقاهم ثقيف فقصدوا اللات ونزلوا عندها فسألوهم ماذا جئتم به، فقالوا: "أتينا رجلاً فظاً غليظاً قد ظهر بالسيف وداخ له العرب قد عرض علينا أمورا شدادا: "هدم اللات، فقالت ثقيف: "والله لا نقبل هذا أبدا، فقال الوفد: "أصلحوا السلاح وتهيئوا للقتال فمكثوا يومين أو ثلاثة، ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب فقالوا: "والله مالنا به من طاقة فارجعوا فأعطوه ما سأل، فقال الوفد: "فإنا قاضيناه وشرطنا ما أردنا، ووجدناه أتقى الناس، وأوفاهم وأرحمهم وأصدقهم، وقد بورك لنا ولكم في مسيرنا إليه، فاقبلوا عافية الله".
فقالت ثقيف: "فلم كتمتمونا هذا الحديث؟ ".
فقالوا: "أردنا أن ننزع من قلوبكم نخوة الشيطان - أي الكبر والعظمة - فأسلموا مكانهم ومكثوا أياما ثم قدم رسل النبي صلى الله عليه وسلم لهدم اللات". فإن صح هذا فيحتمل أنهم خرجوا من المدينة مصاحبين للوفد، ثم أخروهم في مكان لكي يستألف الوفد قومهم قبل قدومهما حتى لا يكون نزاع (شرح المواهب 4/9) .
قلت: "والقول بأن أبا سفيان والمغيرة لم يخرجا مع الوفد هو قول موسى بن عقبة والواقدي".
وعند موسى بن عقبة أيضا: "فقال كنانة بن عبد ياليل: "أنا أعلم الناس بثقيف فاكتموهم القضية وخوّفوهم بالحرب والقتال، وأخبروهم أن محمداً سألنا أموراً أبيناها عليه، سألنا أن نهدم اللات" الخ".
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر على الوفد الذي قدم لهدم اللات خالد بن الوليد".
وعند الواقدي: "أن الذي قال: "أنا أعلم الناس بثقيف خوفوهم الحرب". هو عبد ياليل". وأن الوفد استأذن من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينالوا من الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يتمكنوا من إسلام قومهم فرخص لهم". (زاد المعاد 3/597 والبداية والنهاية 5/33 ومغازي الواقدي 3/969) .
2 كذا "بذي الهدم".
وقال الزرقاني: "بذي الهرم" بالهاء والراء وهو محل بالطائف (شرح المواهب 4/9) وكذا في البداية والنهاية لابن كثير 5/33".
3 المعول: "بكسر الميم وإسكان المهملة وفتح الواو: "الفأس العظيمة يقطع بها الصخر، والجمع معاول (مختار الصحاح ص 463) .
4 حسر: "بضم الحاء وفتح السين المشددة وراء مهملات: "أي متكشفات". وعند موسى ابن عقبة "وقد استكفت ثقيف رجالها ونساءها والصبيان حتى خرج العواتق من الحجال، ولا يرى عامة ثقيف أنها مهدومة، ويظنون أنها ممتنعة، فقام المغيرة بن شعبة فأخذ الكرزين - يعني المعول - وقال لأصحابه: "والله لأضحكنكم من ثقيف، فضرب بالكرزين ثم سقط يركض برجله، فارتج أهل الطائف بصيحة واحدة وفرحوا وقالوا أبعد الله المغيرة قتلته الربة وقالوا لأولئك من شاء منكم فليقترب، فقام المغيرة فقال: "والله يا معشر ثقيف إنما هي لكاع حجارة ومدر، فاقبلوا عافية الله فاعبدوه، ثم إنه ضرب الباب فكسره، ثم علا سورها وعلا الرجال معه فما زالوا يهدمونها حجراً حجرا حتى سووها بالأرض وجعل سادنها يقول: "ليغضبن الأساس فليخسفن بهم، فلما سمع المغيرة قال لخالد: "دعني أحفر أساسها فحفروه حتى أخرجوا ترابها وجمعوا ماءها وبناءها، وبهتت عند ذلك ثقيف، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم أموالها من يومه وحمدوا الله على اعتزاز دينه ونصرة رسوله: " (البداية والنهاية 5/33-34، وشرح المواهب 4/9) .(2/500)
لتبكين دفاع ... أسلمها الرضاع1
لم يحسنوا المصاع
قال ابن إسحاق: "ويقول أبو سفيان - والمغيرة يضربها بالفأس: "وآهالك آهالك2 فلما هدمها المغيرة، وأخذ مالها وحليها3 أرسل إلى أبي سفيان وحليها مجموعة ومالها من الذهب والجزع4، وقد كان أبو مليح بن عروة وقارب بن الأسود قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفد ثقيف، حين قتل عروة، يريدان فراق ثقيف وأن لا يجامعاهم على شيء أبدا فأسلما، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم توليا ما شئتما؟ فقالا: "نتولى الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وخالكما أبا سفيان بن حرب"، فقالا: "وخالنا أبا سفيان بن حرب".
فلما أسلم أهل الطائف ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان والمغيرة إلى هدم الطاغية، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو مليح بن عروة أن يقضي عن أبيه عروة دينا كان عليه من مال الطاغية5، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم، فقال له قارب بن الأسود: "وعن الأسود يا رسول الله، فاقضه - وعروة والأسود أخوان لأب وأم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الأسود مات مشركا، فقال قارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، لكن تصل
____________________
1 سميت "دفاع" لأنها كانت تدفع عنهم، وتنفع وتضر على زعمهم "والرضاع" الئام، و"المصاع": "المضاربة بالسيوف، (القاموس المحيط 3/21 و30 و85) .
2 آهالك: "كلمة تقال في معنى التأسف والتحزن (مختار الصحاح ص 34) .
3 حليها: "بضم الحاء وكسر اللام والياء المشددة، جمع حلى بفتح فسكون، عطف خاص على عام (شرح المواهب 4/9) .
4 الجَزْع والجِزْع: "الخرز اليماني الصيني، فيه سواد وبياض تشبه به الأعين (القاموس المحيط 3/12) .
5 عند ابن سعد فقال أبو مليح: "يا رسول الله إن أبي قتل وعليه دين مائتا مثقال ذهب فإن رأيت أن تقضيه من حلي الربة، يعني اللات، فعلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم" فقال قارب بن الأسود: "يا رسول الله وعن الأسود بن مسعود أبي فإنه ترك دينا مثقال دين عروة، فاقضه عنه من مال الطاغية".(2/501)
مسلما ذا قرابة، يعني نفسه، إنما الدين علي، وإنما أن الذي أطلب به، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان أن يقضي دين عروة والأسود من مال الطاغية، فلما جمع المغيرة مالها، قال لأبي سفيان إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقضي عن عروة والأسود دينهما فقضى عنهما"1".
____________________
1 سيرة ابن هشام 2/ 541-542 والروض ألأنف 7/336-337 وتاريخ الطبري 3/99-100 وأسد الغابة 4/375-376 و6/299 والبداية والنهاية 5/32-34 والإصابة 3/219 و4/184 ومغازي الواقدي 3/969-973 والطبقات الكبرى لابن سعد 5/504-505".(2/502)
(كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم لثقيف) .
قال ابن إسحاق: "وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لهم:
228- بسم الله الرحمن الرحيم: "من محمد النبي، رسول الله، إلى المؤمنين: "عن عضاه1 وج وصيده لا يعضد، من وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه، فإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به إلى النبي محمد، وإن هذا أمر النبي محمّد صلى الله عليه وسلم، وكتب خالد بن سعيد: "بأمر الرسول محمّد بن عبد الله، فلا يتعداه أحد، فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم" 2".
هكذا ذكر ابن إسحاق بدون إسناد".
وقد جاء في "وج" أيضا حديث عروة بن الزبير عن أبيه عند أبي داود وأحمد والحميدي والبيهقي وهذا سياقه عند أبي داود:
____________________
1 عضاه: "بمهملة مكسورة ومعجمة وآخرها هاء، لا تاء - كل شجر ذي شوك "ووج" بفتح الواو وشد الجيم واد بالطائف، وغلط من قال بأنه بلد في الطائف، أي حصن من حصون الطائف".
وسميت "وجا" بوج بن عبد الحق من العمالقة وقيل من خزاعة".
(معجم البلدان 5/361 والقاموس المحيط 1/211 وشرح المواهب 4/9 و10 وفي المجاز بين اليمامة والحجاز ص: "264، و265 قال: "أما أودية الطائف فمن أبرزها وأنبهها ذكرا وادي "وج" وكانت المدينة تسمى باسمه قديما حتى أطيف حولها بسور فسميت الطائف، على ما جاء في الأخبار من تحصن ثقيف بمدينتهم حينما زاحمهم العرب على بلادهم". إ هـ".
وانظر: "معجم المعالم الجغرافية للبلادي ص 331 وفي مسند أحمد 6/409 والحميدي 1/160 من طريق عمر بن عبد العزيز الأموي قال: "زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج محتضنا أحد ابني ابنته وهو يقول: "والله إنكم لتجبنون وتبخلون وأنكم لمن ريحان الله عز وجل وأن آخر وطأة وطئها الله بوج".
وقال سفيان - ابن عيينة - مرة "إنكم لتبخلون وإنكم لتجبنون" لفظ أحمد، والحديث أخرجه الترمذي في سننه3/ 212 كتاب البر والصلة باب ما جاء في حب الوالد لولده "دون قوله عليه السلام" وإن آخر وطأة وطئها الله بوج".
وقال حديث ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة، لا نعرفه إلا من حديثه، ولا نعرف لعمر بن عبد العزيز سماعا من خولة".
قلت: "وفيه أيضا محمد بن أبي سويد "مجهول" كما في التقريب 2/168، وعند أحمد أيضا في مسنده 4/172 من طريق سعيد بن أبي راشد عن يعلى بن مرة العامري الثقفي "أنه جاء حسن وحسين يستبقان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمهما إليه، وقال: "إن الولد مبخلة مجبنة وأن آخر وطأة وطئها الرحمن عز وجل بوج" وفيه سعيد بن راشد "مقبول" كما في التقريب 1/295 وفسر وج بالطائف، والوطأة بالغزاة وكانت غزوة الطائف آخر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم (تحفة الأحوذي 6/36-38 الفتج الرباني 19/44) ورواه ابن ماجه (2/ 1209) ، كتاب الأدب". باب بر الوالد والإحسان إلى البنات من طريق سعيد بن أبي راشد بقصة الولد فقط".
(سيرة ابن هشام 2/542-543 والروض الأنف 7/337، وزاد المعاد 3/501 والبداية والنهاية 5/34 وشرح المواهب 4/9-10) .(2/503)
229- حدثنا حامد1 بن يحيى أخبرنا عبد الله2 بن الحارث عن محمد3 بن عبد الله بن إنسان الطائفي عن أبيه4 عن عروة بن الزبير عن الزبير قال: "لما أقبلنا5 مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من لية6 حتى إذا كنا عند السدرة7 وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في طرق قرن8 الأسود حذوها9، فاستقبل نخبا10 ببصره11 مرة واديه12، ووقف حتى اتقف13 الناس كلهم، ثم قال: "إن صيد وج وعضاهه حرم محرم الله،
____________________
1 حامد بن يحيى بن هانئ البلخي، أبو عبد الله، نزيل طرسوس، ثقة حافظ من العاشرة (ت 242) /د (التقريب 1/146 وتهذيب التهذيب 2/169) .
2 عبد الله بن الحارث بن عبد الملك المخزومي، أبو محمد المكي، ثقة، من الثامنة / م ع (التقريب 2/175 وتهذيب التهذيب 9/248) .
3 محمد بن عبد الله بن إنسان الثقفي الطائفي، لين الحديث من السادسة / د (التقريب 2/175 وتهذيب التهذيب 9/248) .
4 عبد الله بن إنسان الثقفي، لين الحديث من السادسة /د (التقريب 1/402 وتهذيب التهذيب 5/149) .
5 وعند أحمد والحميدي والبيهقي: "قال": "أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم".
6 لية: "بتشديد الياء وكسر اللام، من نواحي الطائف، مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرافه من حنين يريد الطائف (معجم البلدان 5/30) انظر ص 282".
وفي المجاز بين اليمامة والحجاز ص 243و253و255و266 قال: "لية واد أعلاه لثقيف وأسفله لنصر، وتمتاز منطقة "لية" بجودة الرمان".
7 السدرة: "شجرة النبق، وفي معجم البلدان 5/275-276 قال: "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق يقال لها الضيقة ثم خرج منها على نخب حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة".
8 القرن: "بفتح القاف وسكون الراء جبل صغير في الحجاز بقرب الطائف".
9 حذوها: "أي مقابل السدرة (عون المعبود 6/11) .
10 نخب: "بالفتح ثم الكسر ثم باء موحدة، واد بالطائف".
وقال الأخفش: "نخب بفتحتين واد بأرض هذيل، وقيل: "واد بالطائف على ساعة (معجم البلدان 5/275 والقاموس المحيط 1/130) وفي المجاز بين اليمامة والحجاز 265-266 قال: " (نخب) واد من أودية الطائف ينحدر شرقا بميل إلى الشمال جاعلا وادي "لية" وحمى "سيسد" يساره، وأعلاه "خشب" و"أم العراد" ويسيل فيه شعاب السداد الجنوبية، والردف وشعاب الحليفة الشمالية وينتظم قرى ومزارع إلى أن يفضي إلى ركبة".
11 ببصره: "متعلق استقبل النبي صلى الله عليه وسلم نخبا ببصره وعينه".
12 وقال مرة واديه: "أي وقال الراوي مرة أخرى (واديه) أي استقبل وادي الطائف وهو نخب، ووقف النبي صلى الله عليه وسلم (عون المعبود 6/12) .
13 اتقف: "مطاوع وقف، أي حتى وقفوا، يقال: "وقفته فوق واتقف، وأصله أوتقف على وزن افتعل، من الوقوف، فقلبت الواو ياء لسكونها وكسر ما قبلها ثم قلبت الياء تاء وأدغمت في تاء الافتعال، مثل وصفته فاتصف، ووعدته فاتعد". (النهاية 5/ 216 وجامع الأصول 9/354 ولسان العرب 11/279) .(2/504)
وذلك قبل1 نزوله الطائف وحصاره لثقيف"2".
والحديث أخرجه أحمد والحميدي كلاهما عن عبد الله بن الحارث ابن عبد الملك حدثني محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي عن أبيه به3".
وأخرجه البيهقي من طريق الحميدي4".
والحديث فيه علتان:
الأولى: "محمد بن عبد الله بن إنسان وأبوه عبد الله بن إنسان، فقد ساق البخاري هذا الحديث في ترجمة محمد بن إنسان، ثن قال: "ولم يتابع عليه".
وقال في ترجمة والده "عبد الله بن إنسان عن عروة بن الزبير عن أبيه"، روى عنه ابنه محمد "لم يصح حديثه"5".
وقال أبو حاتم: "محمد بن عبد الله بن إنسان ليس بالقوي، وفي حديثه نظر ولم يذكر في عبد الله جرحا ولا تعديلا6".
وقد لينهما ابن حجر كما تقدم7.
الثانية: "الانقطاع بين عروة وأبيه، فقد قال ابن قيم الجوزية: "في سماع عروة من أبيه نظر، وإن كان قد رآه"8.
وقال الدارقطني: "لا يصح سماعه من أبيه"9.
____________________
1 قوله: "وذلك نزوله الطائف".".". الخ" قال في عون المعبود 6/13: "ليس من قول أبي داود المؤلف ولا شيخه حامد بن يحيى، لأن أحمد بن حنبل أخرجه من طريق عبد الله بن الحارث وفيه هذه الجملة أيضا، فيشبه أن يكون هذا القول ما دون الزبير بن العوام الصحابي".
قلت: "وكذلك أخرج الحميدي عن عبد الله بن الحارث وفيه الجملة المذكورة".
2 سنن أبي داود 1/468 كتاب المناسك". تحت باب في مال - الكعبة".
3 مسند أحمد 1/165، ومسند الحميدي1/34".
4 السنن الكبرى 5/200
5 التاريخ الكبير 1/140و 5/45".
6 الجرح والتعديل 5/8 و7/294".
7 انظر حديث (229) .
8 زاد المعاد 3/508".
9 تهذيب التهذيب 7/185".(2/505)
وهي علة قادحة تمنع صحة الحديث بمفردها، كيف وقد انضم إليها ضعف محمد بن إنسان وأبيه".
والخلاصة: "أنه ورد في "وج" حديثان:
الأول: "ما ذكره ابن إسحاق وهو بدون إسناد".
الثاني: "حديث عروة عن أبيه، وقد سمعت ما فيه".
ومن هنا اختلف العلماء في "وج" هل هو حرم أم لا، فذهب جمهور العلماء إلى أنه ليس بحرم، وأن الحديث الوارد فيه ضعيف لا تقوم بمثله حجة، تفرد به عبد الله بن إنسان وهو ضعيف ولا متابع له".
قال الخطابي: "ولست أعلم لتحريمه وجها إلا أن يكون ذلك التحريم إنما كان في وقت معلوم وفي مدة محصورة ثم نسخ، ويدل على ذلك قوله "وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره ثقيفا، ثم عاد الأمر إلى الإباحة كسائر بلاد الحل، ومعلوم أن عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزلوا بحضرة الطائف وحصروا أهلها ارتفقوا بما نالته أيديهم من شجر وصيد ومرفق، فدل ذلك على أنها حل مباح، وليس يحضرني في هذا وجه غير ما ذكرته"1.اهـ
قال في عون المعبود: "وفي ثبوت هذا القول أي كون تحريم "وج" قبل نزول الطائف نظر، لأن محمد بن إسحاق ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لثقيف كتابا وفيه "تحريم صيد وج وعضاهه وكان ذلك بعد وقعة الطائف وبعد إسلام أهلها"2". اهـ".
وقد صحح الشافعي حديث الباب وعمل بمقتضاه".
فقد أورد الذهبي الحديث في ترجمة عبد الله بن إنسان، ثم قال: "صحح الشافعي حديثه واعتمده3".
قلت: "وصححه الساعاتي4".
____________________
1 جامع الأصول 9/353-354 والنهاية 5/154-155". وعون المعبود 6/13".
2 المصدر السابق 6/13-14".
3 ميزان الاعتدال 2/393".
4 الفتح الرباني 23/300".(2/506)
وقال ابن حجر: "سكت عليه أبو داود، وحسنه المنذري1".
وسكت عليه عبد الحق2، فتعقبه ابن القطان3 بما نقل عن البخاري أنه لم يصح وكذا قال الأزدي4". اهـ5".
وقال ابن تيمية - في أثناء كلامه عن الحرم المكي والمدني: "وليس في الدنيا حرم لا بيت المقدس ولا غيره، إلا هذان الحرمان، ولا يسمى غيرهما حرما كما يسمي الجهال، فيقولون: "حرم المقدس، حرم الخليل فإن هذين وغيرهما ليسا بحرم باتفاق المسلمين، والحرم المجمع عليه حرم مكة".
وأما المدينة فلها حرم أيضا عند الجمهور، كما استفاضت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتنازع المسلمون في حرم ثالث: "إلا في "وج" وهو واد بالطائف، وهو عند بعضهم حرم، وعند الجمهور ليس بحرم"6".
وقال محمد الأمين الشنقيطي: "اعلم أن جماهير العلماء على إباحة صيد "وج" وقطع شجره".
وقال الشافعي رحمه الله تعالى: "أكره صيد وج، وحمله المحققون من أصحابه على كراهة التحريم، واختلفوا فيه على قول بحرمته، هل فيه جزاء كحرم المدينة، أو لا شيء فيه؟ ولكن يؤدب قاتله، وعليه أكثر الشافعية، ثم قال: "وحجة من قال بحرمة صيد "وج" ما رواه أبو داود".
وأحمد والبخاري في التاريخ، عن الزبير بن العوام - رضي الله عنه -".
"أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيد وج محرم" الحديث.
____________________
1 هو عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد الحافظ الكبير الإمام الثبت شيخ الإسلام زكي الدين أبو محمد المنذري الشافعي ثم المصري، له مختصر صحيح مسلم (581-656) . (الذهبي: "تذكرة الحفاظ 4/1436-1438) .
2 تقدمت ترجمته في حديث (127) .
3 هو أبو الحسن علي بن محمد الفاسي تقدمت ترجمته في حديث (63) .
4 هو الحافظ العلامة أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي الموصلي، نزيل بغداد له مصنف كبير في الضعفاء، وهو قوي النفس في الجرح، وهاه جماعة بلا مستند طائل (ت 374هـ) (الذهبي: "تذكرة الحفاظ 3/976) .
5 التلخيص الحبير 2/280".
6 مجموع فتاوى ابن تيمية 26/117-118".(2/507)
ثم ذكر ما قاله البخاري والذهبي وابن حجر في هذا الحديث، ثم قال: "فإذا عرفت هذا ظهر لك أن حجة الجمهور في إباحة صيد وج، وشجره كون الحديث لم يثبت، والأصل براءة الذمة1".
وبهذا يكون صيد وج وشجره حلالا، لعدم نهوض الدليل الدال على المنع من ذلك".
وخير ما نختم به هذا المبحث أن نذكر بعضا من الأحكام الفقهية التي ذكرها العلامة ابن قيم الجوزية فقال:
وفي قصة هذا الوفد من الفقه أن الرجل من أهل الحرب إذا غدر بقومه وأخذ أموالهم، ثم قدم مسلما، لم يتعرض له الإمام، ولا لما أخذه من المال ولا يضمن ما أتلفه قبل مجيئه من نفس ولا مال، كما لم يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ المغيرة من أموال الثقفيّين، ولا ضمن أتلفه عليهم، وقال "أما الإسلام فأقبل، أما المال فلست منه في شيء2، ومنها جواز إنزال المشرك في المسجد3، ولا سيما إذا كان يرجو إسلامه، وتمكينه من سماع القرآن، ومشاهدة أهل الإسلام وعبادتهم".
ومنها: "حسن سياسة الوفد، وتلطفهم حتى تمكنوا من إبلاغ ثقيف ما قدموا به فتصوروا لهم بصورة المنكر لما يكرهونه الموافق لهم فيما يهوونه حتى ركنوا إليهم واطمانوا فلما علموا أنه ليس لهم بد من الدخول في دعوة الإسلام أذعنوا، فأعلمهم الوفد أنهم بذلك قد جاؤوهم ولو فاجؤوهم به من أول وهلة لما أقروا به، ولا أذعنوا، وهذا من أحسن الدعوة وتمام التبليغ، ولا يتأتي إلا مع ألباء الناس وعقلائهم".
ومنها: "أن المستحق لإمرة القوم وإمامتهم أفضلهم وأعلمهم بكتاب الله وأفقههم في دينه".
____________________
1 أضواء البيان 2/167 وانظر: "عون المعبود 6/12-15 وشرح المواهب 4/10".
2 أصل القصة المغيرة هذه في صحيح البخاري 3/170 كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، وقد تقدم ص 465 تعليقاته (5) .
3 في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد". الحديث 1/83 كتاب الصلاة باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضا في المسجد".(2/508)
ومنها: "هدم مواضع الشرك التي تتخذ بيتا للطواغيت، وهدمها أحب إلى الله ورسوله، وانفع للإسلام والمسلمين من هدم الحانات والمواخير1، وهكذا حال المشاهد المبينة على القبور التي تعبد من دون الله، ويشرك بأربابها مع الله لا يحل إبقاؤها في الإسلام، ويجب هدمها، ولا يصح وقفها، ولا الوقف عليها، وللإمام أن يقطعها وأوقافها لجند الإسلام، ويستعين بها على مصالح المسلمين، وكذلك ما فيها من الآلات، والمتاع والنذور التي تساق إليها".
يضاهى بها الهدايا التي تساق إلى البيت الحرام، للإمام أخذها كلها وصرفها في مصالح المسلمين، كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم أموال بيوت هذه الطواغيت، وصرفها في مصالح الإسلام، وكان يفعل عندها ما يفعل عند هذه المشاهد، سواء من النذور لها، والتبرك بها، والتمسح بها، وتقبيلها واستلامها، هذا كان شرك القوم بها، ولم يكونوا يعتقدون أنها خلقت السماوات والأرض، بل كان شركهم بها كشرك أهل الشرك من أرباب المشاهد بعينه".
ومنها: "استحباب اتخاذ المساجد مكان بيوت الطواغيت، فيعبد الله وحده، لا يشرك به شيء في الأمكنة التي كان يشرك به فيها2 وهكذا الواجب في مثل هذه المشاهد أن تهدم، وتجعل مساجد إن احتاج إليها المسلمون وإلا أقطعها الإمام هي وأوقافها للمقاتلة وغيرهم".
ومنها: "أن العبد إذا تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وتفل عن يساره، ولم يضره ذلك، ولا يقطع صلاته3، بل هذا من تمامها وكمالها4".
__________
1 الحانوت: "دكان الخمار، ومحل التجارة وجمعه حوانيت، والحانة البيت الذي يباع فيه الخمر وهو الحانوت أيضا ويجمع على حانات". والمواخر والمواخير: "مجمع أهل الفسق والفساد". (المصباح المنير 1/190-191والقاموس المحيط 1/146 والمعجم الوسيط 1/201، و2/857) .
2 تقدم في الحاشية ص 466 تعليقة (1) حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي، في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طاغيتهم".
3 الحديث الوارد في هذا في صحيح مسلم وقد تقدم في حاشية ص 481 تعليقة (3) .
4 زاد المعاد 3/600-602".(2/509)
الباب الثالث: في بيان أبرز الأحكام المستنبطة من غزوة حنين
عقدت هذا الباب لبيان بعض الأحكام الفقهية التي تضمنتها هذه الغزوة وأحكامها كثيرة متشعبة".
وبما أن بحثي خاص بالناحية الحديثية والتاريخية، فقد رأيت أن أجتزئ بذكر الأحكام البارزة مع الإيجاز في تناولها، ولا شك أن بيان تواريخ التشريعات يخدم الناحية الفقهية والأصولية، كما يخدم الناحية التاريخية، فالتاريخ لهذه التشريعات يعرف الناسخ والمنسوخ عند التعارض، كما تتبين الظروف والملابسات التي أحاطت بالتشريع مما يفيد في معرفة علل الأحكام".(2/511)
الحكم الأول: جواز وطء المسبية بعد الاستبراء
لقد كان وطء السبايا بملك اليمين معلوما لدى الصحابة - رضي الله عنهم - لكثرة حروبهم وأخذ الأسرى من المشركين، وإنما التبس عليهم الأمر في غزوة حنين حيث أن المسبيات ذوات أزواج في قومهن وبعضهم معروف لدى الصحابة - رضوان الله عليهم -، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنَزلت الآية من سورة النساء بإباحة ذلك".
وهذا هو ما دل عليه حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم وغيره". وهذا سياقه عند مسلم:
230- حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري حدثنا يزيد ابن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن صالح1 أبي الخليل عن أبي علقمة2 الهاشمي عن أبي سعيد الخدرس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ، يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس3 فلقوا عدوا، فقاتلوهم، فظهروا عليهم4 وأصابوا لهم سبايا5 فكأن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا6 من غشيانهن من أجل أزواجهن
____________________
1 هو صالح بن أبي مريم الضبعي - بضم المعجمة وفتح الموحدة - أبو الخليل البصري".
2 أبو علقمة الفارسي المصري مولى بني هاشم، ويقال حليف الأنصار كان على قضاء إفريقية".
3 عند أبي داود "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين بعثا إلى أوطاس وعند الطبري "بعث يوم حنين سرية فأصابوا حيا من أحياء العرب يوم أوطاس". وعند البيهقي "بعث سرية يوم حنين فأصابوا جيشا من العرب يوم أوطاس".
4 عند البيهقي "فقاتلوهم وهزموهم".
5 سبايا: "جمع سبية، وهي المرأة تسبى، أي تؤسر، فعلية بمعنى مفعولة". (جامع الأصول 8/120 والنهاية 2/340) .
6 تحرجوا من غشيانهن: "أي خافوا الحرج، وهو الإثم، من غشيانهن أي من وطئهن من أجل أنهن زوجات، والمزوجة لا تحل لغير زوجها، فأنزل الله إباحتهن بقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية: "24] ". (شرح النووي على صحيح مسلم 3/637) .(2/513)
من المشركين1، فأنزل الله عز وجل في ذلك:
{وَالْمُحْصَنَاتُ2 مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية: "24] .
أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن".
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار3 قالوا: "حدثنا عبد الأعلى4 عن سعيد5 عن قتادة عن أبي الخليل، أن أبا علقمة الهاشمي حدث أن أبا سعيد الخدري حدثهم، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين سرية، بمعنى حديث يزيد بن زريع، غير أنه قال: "إلا ما ملكت أيمانكم منهن فحلال لكم، ولم يذكر: "إذا انقضت عدتهن".
____________________
1 وعند أحمد "أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابوا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج من أهل الشرك فكان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفوا وتأثموا من غشيانهن قال: "فنَزلت هذه الآية: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية: "24] ".
وعند الترمذي وأبي يعلى "عن أبي سعيد الخدري قال: "أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن أزواج في قومهن، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنَزلت: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية: "24] ، إلى. وعند أبي بعلى "عن أبي سعيد قال: "أصبنا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فنَزلت (المحصنات" الخ".
وعند الطبري والواحدي "عن أبي سعيد قال: "لما سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أوطاس قلنا يا رسول الله: "كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهم وأزواجهن؟
قال: "فنَزلت هذه الآية: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية: "24] ".
2 قال النووي "والمراد بالمحصنات هنا: "المزوجات، ومعناه: "والمزوجات حرام على غير أزواجهن إلا ما ملكتم بالسبي، فإنه ينفسخ نكاح زوجها الكافر، وتحل لكم إذا انقضى استبراؤها".
والمراد بقوله: "إذا انقضت عدتهن أي استبراؤهن، وهي بوضع الحمل عن الحامل، وبحيضة من الحائل، كما جاءت به الأحاديث الصحيحة (شرح النووي على صحيح مسلم 3/637) .
وقال المباركفوري "والمحصنات" بفتح الصاد باتفاق القراء، وهو معطوف على "أمهاتكم" أي حرمت عليكم المحصنات، أي ذوات الأزواج لأنهن أحصن فروجهن بالتزويج، "إلا ما ملكت أيمانكم" أي ما أخذتم من أزواج الكفار بالسبي وزوجها في دار الحرب لوقوع الفرقة بتباين الدارين، فتحل للغانم بملك اليمين بعد الاستبراء (تحفة الأحوذي 8/370و4/282 وعون المعبود 6/191) .
وهكذا رجح ابن كثير بأن المراد (بالمحصنات) هنا المزوجات وان المزوجة لا تحل بملك اليمين، ثم قال فإن في حديث أبي سعيد الخدري أن الآية نزلت في ذلك (تفسير بن كثير 1/473) .
وقال ابن القيم "وهو الصحيح" (زاد المعاد 5/131، وانظر أضواء البيان للشنقيطي 1/280-281) .
3 هو محمد بن بشار بن عثمان العبدي أبو بكر، بندار".
4 هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري السامي (تهذيب التهذيب 6/96) .
5 هو ابن أبي عروبة".(2/514)
وحدّثنيه يحيى1بن حبيب الحارثي حدثنا خالد2 (يعني ابن الحارث) حدثنا شعبة عن قتادة بهذا الإسناد، نحوه".
وحدثنيه يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد قال: "أصابوا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج فتخوفوا فأنزلت هذه الآية: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية: "24] .
وحدثني يحيى بن حبيب حدثنا خالد (يعني ابن الحارث) حدثنا سعيد عن قتادة، بهذا الإسناد، نحوه3".
والحديث فيه قتادة وهو مدلس وقد عنعن ولكن في الطريق الثانية روى عنه شعبة، ويحمل حديث شعبة عن قتادة على السماع جزما4".
وقد تابعه عثمان البتى عند الترمذي وأبي يعلى والطبري والواحدي في شيخه أبي الخليل.
والحديث رواه أبو داود والنسائي وأحمد والطبري والبيهقي والواحدي". الجميع من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن صالح أبي خليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري به5.
ورواه الترمذي وأبو يعلى كلاهما من طريق هشيم بن بشير أخبرنا عثمان6 البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - به7".
____________________
1 هو يحيى بن حبيب بن عربي الحارثي أبو زكريا البصري (تهذيب التهذيب 11/195) .
2 خالد بن الحارث بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري (تهذيب التهذيب 3/82) .
(صحيح مسلم 2/1079-1080 كتاب الرضاع، باب جواز وطء المسبية بعد الاستبراء وإن كان لها زوج انفسخ نكاحها بالسبي وتحفة الأشراف للمزي 3/498 حديث 4434) .
4 انظر: "فتح المغيث 1/176-177".
5 أبو داود: " (السنن 1/497 كتاب النكاح، باب في وطء السبايا، والنسائي: "السنن 6/91 كتاب النكاح، باب تأويل قول الله عز وجل {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، وأحمد: "المسند 3/84، والطبري: "جامع البيان 5/2 والبيهقي: "السنن الكبرى 9/124، والواحدي: "أسباب النزول ص 99) .
6 عثمان بن مسلم البتي - بفتح الموحدة، وتشديد المثناة- أبو عمرو البصري، صدوق، عابوا عليه الإفتاء بالرأي، من الخامسة (ت 143) /ع (التقريب 2/14وتهذيب التهذيب 7/153 وميزان الاعتدال 3/59 والخلاصة للخزرجي 2/221) .
7الترمذي: " (السنن 2/300 كتاب النكاح، باب ما جاء في الرجل يسبي الأمة ولها زوج، هل يحل له وطؤها؟، وأبو يعلى: "المسند 2/139أرقم 302) .(2/515)
فأسقط "أبا علقمة الهاشمي". ثم قال الترمذي: "هذا حديث حسن".
وهكذا رواه الثوري عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد".
وأبو الخليل اسمه صالح بن أبي مريم".
وروى همام1 هذا الحديث عن قتادة عن صالح أبي الخليل، عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، حدثنا بذلك عبد2 بن حميد أخبرنا حبان3 بن هلال أخبرنا همام، هكذا قال الترمذي في كتاب النكاح، وفي كتاب التفسير ساق طريق هشيم بن بشير الخالية من ذكر "أبي علقمة".
ثم قال: "وهكذا روى الثوري عن عثمان البتي عن أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه".
وليس في الحديث عن "أبي علقمة" ولا أعلم أن أحداً ذكر أبا علقمة في الحديث إلا ما ذكر "همام عن قتادة"4.اهـ.
قلت: "حديث الثوري المشار إليه:
أخرجه الطبري وأبو يعلى والواحدي من طريق أبي يعلى5.
____________________
1 همام بن يحيى بن دينار العوذي-بفتح المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة البصري، ثقة: "ربما وهم، من السابعة (ت 164أو 165) /ع (التقريب 2/321 وتهذيب التهذيب 11/67-70) .
2 عبد بن حميد بن نصر الكسي-بمهملة - وجاء أيضا بالمعجمة - أبو محمد قيل اسمه عبد الحميد، وبذلك جزم ابن حبان وغير واحد، ثقة، حافظ، من الحادية عشرة (ت249) /خت م ت (التقريب1/259 وتهذيب التهذيب 6/455 والخلاصة للخزرجي 2/188) .
3 حبان - بالفتح ثم موحدة- ابن هلال، أبو حبيب البصري، ثقة ثبت من التاسعة (ت 216) /ع (التقريب 1/146 وتهذيب التهذيب 2/170) .
(السنن 4/302 كتاب التفسير، تفسير سورة النساء) .
(تفسير الطبري 5/2 ومسند أبي يعلى: "2/131أرقم 302 وأسباب النزول للواحدي ص 98) .(2/516)
وكذا روى الطبراي والواقدي من طريق أشعث1 بن سوار عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري2".
وأخرجه الطبري أيضا من طريق معمر عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري قال: "نزلت في يوم أوطاس، أصاب المسلمون سبايا لهن أزواج في الشرك، فقال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية: 24] .
يقول: "إلا ما أفاء الله عليكم، قال: "فاستحللنا بها فروجهن".
وحديث همام بن يحيى أخرجه الترمذي نفسه في التفسير3، وأبو يعلى في مسنده4".
والحاصل أن سفيان الثوري وأشعث بن سوار وهشيم بن بشير رووا هذا الحديث عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري بإسقاط "أبي علقمة".
وقد وافق عثمان البتي على هذا قتادة عند مسلم من طريق شعبة وعند الطبري من طريق معمر كلاهما عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري بإسقاط "أبي علقمة" بين الخليل وأبي سعيد".
ورواه همام بن يحيى وسعيد بن أبي عروبة وشعبة الجميع عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري".
فقد تابع هماما "في ذكر أبي علقمة" سعيد بن أبي عروبة زشعبة كما هو عند مسلم وغيره".
وليس كما قال الترمذي - رحمه الله - بأن هماما وحده هو الذي ذكر "أبا علقمة" في هذا الحديث5، بل تابعه عليه اثنان وهما شعبة وسعيد بن أبي عروبة6".
____________________
1 أشعث بن سَوّار الكوفي الكندي النجار، الأفرق، الأثرم، صاحب التوابيت، قاضي البصرة، وهو قاضي الأهواز مولى ثقيف، ضعيف من السادسة بخ س ق متابعة (التقريب 1/79 وتهذيب التهذيب 1/532-534، وميزان الاعتدال 1/263-265) وقد تابعه سفيان الثوري عند أبي يعلى والطبري، وهشيم بن بشير عند الترمذي وأبي يعلى".
(تفسير الطبري 5/2، وأسباب النزول للواحدي ص 98-99) .
(4/301-302 تفسير سورة النساء) .
(2/148 ب برقم 302) .
5 انظر: " (تفسير ابن كثير 1/473 وتحفة الأحوذي 8/371) .
6 انظر: " (تفسير ابن كثير 1/473) .(2/517)
قال النووي في أثناء شرحه للحديث: "قوله: "حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري".
وفي الطريق الثاني: "عن عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي علقمة عن أبي سعيد الخدري".
وفي الطريق الآخر عن شعبة عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري من غير ذكر أبي علقمة".
هكذا هو في جميع نسخ بلادنا، وكذا ذكره أبو علي الغساني1عن رواية الجلودي2 وابن ماهان3".
قال: "وكذا ذكره أبو مسعود4 الدمشقي، قال: "ووقع في نسخة ابن الحذاء5 بإثبات "أبي علقمة" بين أبي خليل وأبي سعيد".
قال الغساني: "ولا أدري ما صوابه.
____________________
1 هو الحافظ الإمام الثبت محدث الأندلس أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد الجياني الأندلسي، الغساني، كان من جهابذة الحفاظ البصراء، بصيرا بالعربية واللغة والشعر والأنساب، صنف في ذلك كله ورحل الناس إليه وعولوا في النقل عليه وتصدر بجامع قرطبة وأخذ عنه الأعلام، جمع كتابا في رجال الصحيحين سماه: "تقيد المهمل وتمييز المشكل" (427-498هـ) .
(تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1233-1235) .
2 هو أبو أحمد محمد بن عيسى بن محمد بن عبد الرحمن الجلودي - بفتح الجيم - الزاهد النيسابوري، كان زاهدا ورعا، سمع أبا بكر بن خزيمة وإبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه، وهو راوي كتاب صحيح مسلم عن إبراهيم بن محمد بن سفيان، وكل من حدث به عن إبراهيم بن محمد سوى الجلودي فهو غير ثقة، مات سنة 385 هـ (اللباب في تهذيب الأنساب لأبن الأثير 1/287-288 ومقدمة النووي على شرح مسلم 1/4، و6/7 وقال: "الجلودي: "بضم الجيم بلا خلاف".
3 هو أبو العلاء عبد الوهاب عيسى بن عبد الرحمن بن ماهان الفارسي البغدادي، نزيل القاهرة والمتوفى بها سنة (387هـ) (ذيل تاريخ بغداد لابن النجار 1/375-378 رقم الترجمة (223) .
4 هو إبراهيم بن محمد بن عبيد أبو مسعود الدمشقي الحافظ، مصنف كتاب الأطراف على الصحيحين، وأحد من برز في هذا العلم كان صدوقا دينا ورعا فهما له عناية بالصحيحين (مات سنة 401هـ) . (تذكرة الحفاظ للذهبي 3/168-170هـ) . (ومقدمة تحفة الأحوذي للمباركفوري 1/76) .
5 هو القاضي أبو عبد الله محمد بن يحيى بن أحمد بن أحمد بن الحذاء التميمي الإمام الفقيه المحدث الحافظ له كتاب التعريف برجال الموطّأ، وكتاب الخطيب والخطباء وغير ذلك (347-316هـ) (شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ص 112) .(2/518)
وقال القاضي عياض: "قال غير الغساني إثبات أبي علقمة هو الصواب".
ثم قال النووي: "قلت ويحتمل أن إثباته وحذفه كلاهما صواب، ويكون أبو الخليل سمع بالوجهين، فرواه تارة كذا، وتارة كذا، وقد سبق في أول الكتاب بيان أمثال هذا1".
حديث أبي سعيد الخدري أيضا عند أبي داود وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند أبي داود قال: "
231- حدثنا عمرو2 بن عون أنبأنا شريك3 عن قيس4 بن وهب عن أبي الوداك5 عن أبي سعيد الخدري، ورفعه أنه قال في سبايا أوطاس6: "لا توطأ7 حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" 8.
____________________
1 شرح النووي على صحيح مسلم 3/636-637".
2 عمرو بن عون بن أوس الواسطي، أبو عثمان البزارالبصري، ثقة ثبت من العاشرة، (ت225) /ع (التقريب 2/76 وتهذيب التهذيب 8/86)
3 هو ابن عبد الله القاضي، صدوق يخطئ كثيرا تقدم في حديث (26) .
4 قيس بن وهب الهمداني الكوفي، ثقة من الخامسة /م د ق (التقريب 2/130) ، وفي تهذيب التهذيب (8/405) ، م ق د ت وهو الصواب فقد ذكر المباركفوري قيس بن وهب في رجال الترمذي (2/35) .
5 هو جبر بن نوف - بفتح النون وآخره فاء - الهمداني - بسكون الميم - البكالي - بكسر الموحدة وتخفيف الكاف - أبو الوداك - بفتح الواو وتشديد الدال وآخره كاف، كوفي صدوق يهم، من الرابعة / م د ت س ق (التقريب 1/125 وتهذيب التهذيب 2/60) . وقال الذهبي في: " (ميزان الاعتدال 4/584) : "صدوق مشهور ضعفه ابن حزم".
6 عند البيهقي "عن أبي سعيد الخدري قال: "أصبنا سايا يوم أوطاس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا توطأ حامل حتى تضع حملها ولا غير حامل حتى تحيض حيضة".
وعند الدارقطني: "لا يطأ رجل حاملا حتى تضع حملها ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة"، وعند أحمد "عن أبي سعيد قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أوطاس لا توطأ الحبلى حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة"، وعنده أيضا "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في سبي أوطاس: "لا يقع على حامل حتى تضع، وغير حامل حتى تحيض حيضة".
7 قوله: "لا توطأ حامل حتى تضع الخ) قال صاحب العون المعبود: "هو خبر بمعنى النهي، أي لا تجامعوا مسبية حاملاً حتى تضع حملها، ولا حائلا ذات أقراء حتى تحيض حيضة كاملة، ولو ملكها وهي حائض لا تعتد بتلك الحيضة حتى تستبرئ بحيضة مستأنفة، وإن كانت لا تحيض لصغرها أو كبرها، فاستبراؤها يحصل بشهر واحد أو بثلاثة أشهر، فيه قولان للعلماء أصحها الأول".
وفيه دليل على أن استحداث الملك يوجب الاستبراء، وبظاهره قال الأئمة الأربعة (عون المعبود 6/194) .
(سنن أبي داود 1/497 كتاب النكاح، باب في وطئ السبايا". وتحفة الأشراف 3/339 حديث 3990) .(2/519)
والحديث رواه الدارمي والدارقطني والحاكم والبيهقي الجميع من طريق شريك بن عبد الله به1".
وقال الحكام: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي".
والحديث مداره على شريك بن عبد الله القاضي، وقد قال فيه ابن حجر: "صدوق يخطئ كثيرا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة"2".
وقد صحح هذا الحديث الحاكم وسكت عنه الذهبي".
وقال عنه ابن حجر: "إسناده حسن3".
وتبعه الشوكاني4.
وللحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحيح لغيره وهي: "ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" من مرسل الشعبي وهذا سياقه:
232- حدثنا أبو خالد5 الأحمر عن داود6 قال: "قلت للشعبي7 إن أبا موسى8 نهى يوم تستر9 أن لا توطأ الحبلى، ولا يشارك المشركون في أولادهم فإن الماء يزيد في الولد، هو شيء قاله برأيه، أو رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أوطاس أن توطأ حامل حتى تضه أو حائل10 حتى تستبرأ " 11".
____________________
1 أحمد: "المسند: " (3/28، و62، و87، والدارمي: "السنن 2/92 كتاب النكاح باب في استبراء الأمة، والدارقطني: "السنن 4/112) . والحاكم: "المستدرك 2/195، البيهقي: "السنن الكبرى 7/449 و 9/124) .
(التقريب 1/351) .
(التلخيص الحبير 1/171-172) .
(نيل الأوطار6/343) .
5 هو سليمان بن حيان الأزدي، أبو خالد الأحمر الكوفي صدوق يخطئ من الثامنة (ت 190) أو قبلها /ع (التقريب 1/323 وتهذيب التهذيب 4/181، ورمز له الذهبي ب (صح) إشارة أنه ثقة (ميزان الاعتدال 2/200) .
6 داود بن أبي هند القشيري، مولاهم، أبو بكر، أو أبو محمد، البصري ثقة متقن، كان يهم بآخره، من الخامسة (ت 140) وقيل قبلها /خت م عم (التقريب 1/235 وتهذيب التهذيب 3/204 و 4/181) .
7 هو عامر بن شراحيل الشعبي ثقة فقيه فاضل مشهور (تقدم في حديث (147) .
8 هو عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري صحابي جليل فاضل".
9 تستر: "بالضم ثم السكون، وفتح التاء الأخرى، وراء، أعظم مدينة بخوزستان، وكان فتحها في عهد عمر بن الخطاب بقيادة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه (ياقوت: "معجم البلدان 2/29، و30 وابن الأثير: "اللباب 1/216) .
10 الحائل: "غير الحامل (النهاية لابن الأثير 1/463) .
11 نصب الراية للزيلعي 4/252".(2/520)
ورواه عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن زكريا1 عن الشعبي قال: "أصاب المسلمون نساء يوم أوطاس، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يقعوا على حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة"2.
قال الألباني: "إسناده مرسل صحيح، فهو شاهد3 قوي للحديث4".
233- ما رواه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن عمرو5 بن مسلم عن طاوس6 قال: "أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا في بعض مغازيه: "لا يقعن رجل على حامل، ولا حائل حتى تحيض" 7".
حديث روفيع عند أبي داود وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند أحمد:
234- حدثنا يعقوب8 قال حدثنا أبي9 عن ابن إسحاق10 قال: "حدثني
____________________
1 زكريا بن أبي زائدة، أبو يحيى الكوفي ثقة وكان يدلس، من السادسة/ ع (التقريب 1/261، وتهذيب التهذيب 3/329) .
2 المصنف 7/227".
3 الشاهد: "هو الخبر المشارك للفرد لفظا ومعنى أو معنى فقط مع الاختلاف في الصحابي، وقال بعضهم: "الشاهد ما حصل معنى سواء اتحد الصحابي أو اختلف".
والمتابعة: "هي الخبر المشارك للفرد لفظا اتحد الصحابي أو اختلف وقد يطلق كل من المتابعة والشاهد على الآخر؟ (تقريب النووي ص 155 مع تدريب الرواي، وتدريب الراوي ص 155 وأطيب المنح لعبد المحسن العباد وعبد الكريم مراد ص 20-21) .
4 إرواء الغليل 1/200".
5 عمرو بن مسلم الجندي - بفتح الجيم والنون - اليماني، صدوق له أوهام، من السادسة / عخ م د ت س (التقريب 2/79 وتهذيب التهذيب 8/104-105 وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 3/79 صالح الحديث) .
6 طاوس بن كيسان اليماني، أبو عبد الرحمن الحميري، ثقة فقيه فاضل من الثالثة (ت 106) وقيل بعد ذلك /ع (التقريب 1/377 وتهذيب التهذيب 5/8) .
7 المصنف 7/226-227".
8 يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو يوسف، المدني نزيل بغداد، ثقة فاضل، من صغار التاسعة (ت 208) / ع (التقريب 2/374 وتهذيب التهذيب 11/380) .
9 هو إبراهيم بن سعد أبو إسحاق المدني الزهري، نزيل بغداد ثقة حجة تكلم فيه بلا قادح، من الثامنة (ت 185) /ع (التقريب 1/35 وتهذيب التهذيب 1/121) .
10 هو محمد بن إسحاق بن يسار "صدوق" تقدم في حديث (1) .(2/521)
يزيد1 بن حبيب عن أبي مرزوق2 مولى تجيب3 عن حنش4 الصنعاني قال: "غزونا مع روفيع5 بن ثابت الأنصاري قرية من قرى المغرب يقال لها "جربة"6 فقام فينا خطيبا7 فقال: "أيها الناس إني لأقول فيكم8 إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فينا يوم حنين، فقال: "لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر يسقي ماءه زرع غيره 9 يعني - إتيان الحبالى من السبايا - وأن يصيب10 امرأة ثيبا من السبي حتى يستبرئها - يعني إذا اشتراها - وأن يبيع مغنماً حتى يقسم 11 وأن يركب دابة من فيء
____________________
1 يزيد بن أبي حبيب واسمه سويد الأزدي مولاهم، أبو رجاء ثقة تقدم في حديث (33) .
2 أبو مرزوق التجيبي - بضم المثناة وكسر الجيم - مولاهم المصري بالميم - نزيل برقة، اسمه حبيب بن شهيد على الأشهر، ثقة من الخامسة (ت 159) / د ق (التقريب 2/470-471، تهذيب التهذيب 12/228) .
3 عند أحمد "وتجيب) بطن من كندة".
4 حنش بن عبد الله، يقال بن علي بن عمرو السبائي - بفتح المهملة والموحدة بعدها همزة - أبو رشد بن الصنعاني، نزيل إفريقية، ثقة، من الثالثة (ت 100) م عم (التقريب 1/205، تهذيب التهذيب 3/57-58) ووقع في الإصابة 3/206 "حبيش" وهو خطأ".
5 رويفع - بالفاء - ابن ثابت بن السكن بن عدي بن حارثة الأنصاري المدني، صحابي،) سكن مصر، وولي إمرة برقة ومات بها سنة 56 / بخ د ت س (التقريب 1/254) .
(جربة) قال ياقوت: "هي بالفتح ثم السكون والباء الموحدة الخفيفة، وقد روى فيها أيضا بكسر الجيم قرية بالمغرب ثم أورد حديث رويفع هذا (معجم البلدان 2/118) ، وقال ابن الأثير في: " (اللباب 1/269) ، "بفتح الجيم والراء" وقد فتحت في عهد معاوية بن أبي سفيان، بقيادة فضالة بن عبيد بن نافذ الأنصاري سنة (49) (تاريخ الطبري 5/232) .
7 وعند أحمد أيضا: "عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح حنينا فقام فينا خطيبا" الخ، وعند الطبراني "عن حنش قال: "شهدت مع رويفع بن ثابت حين فتح جربة، فلما فتحها قام فينا خطيبا فقال: "لا أقول لكم إلا ما قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين".
8 وعند أبي داود والبيهقي "أما إني لا أقول لكم".
9 قوله: "أن يسقي ماءه زرع غيره) .
قال الساعاتي: "هو كناية عن وطأ الحامل، والمراد بالماء هنا "المني" وبالزرع: "ولد الغير (الفتح الرباني 14/105) .
وقال الخطابي: "شبه صلى الله عليه وسلم الولد إذا علق بالرحم بالزرع إذا نبت ورسخ في الأرض، وفيه كراهية وطء الحبالى إذا كان الحبل من غير الواطئ".
وقال ابن قيم الجوزية: "إذا وطئ الرجل الحامل صار في الحمل جزء منه فإن الوطء يزيد في تخلقه".
ثم نقل عن الإمام أحمد أنه قال: "الوطء يزيد في سمع الولد وبصره".
ثم قال ابن القيم: "وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى في قوله: "لا يحل لرجل أن يسقي ماءه زرع غيره" ومعلوم أن الماء الذي يسقى به الزرع يزيد فيه، ويتكون الزرع منه، وقد شبه وطء الحامل بساقي الزرع الماء، وقد جعل الله تبارك وتعالى محلّ الوطء حرثاً وشبّه النبيّ صلى الله عليه وسلم الحمل بالزرع ووطء الحامل بسقي الزرق". (تهذيب سنن أبي داود:6/193، مع عون المعبود (والتبيان في أقسام القرآن ص 222-224) .
10 وعند أبي داود والبيهقي "أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها".
11 أن يبيع مغنماً: "أي شيئا من الغنيمة حتى يقسم بين الغانمين ويخرج منه الخمس (عون المعبود 6/195) .(2/522)
المسلمين حتى إذا أعجفها1 ردها فيه، وأن يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه2 رده فيه"3.
والحديث رواه أبو داود عن النفيلي4 عن محمد5 بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب". الخ".
ثم قال: "حدثنا سعيد6 بن منصور حدثنا أبو معاوية7 عن ابن إسحاق بهذا الحديث قال: "حتى يستبرئها بحيضة" زاد فيه: "بحيضة" وهو وهم من أبي معاوية8".
وهو صحيح في حديث أبي سعيد".
ثم قال: "قال أبو داود: "الحيضة ليست بمحفوظة" وهو وهم من أبي معاوية9".
____________________
1 أعجفها: "أضعفها وأهزلها (النهاية 3/186) .
وفي عون المعبود: "قال في الفتح: "وقد اتفقوا على جواز ركوب دوابهم - يعني أهل الحرب - ولبس ثيابهم، واستعمال سلاحهم حال الحرب، ورد ذلك بعد انقضاء الحرب".
وشرط الأوزاعي فيه إذن الإمام، وعليه أن يرد كلما فرغت حاجته ولا يستعمله في غير الحرب، ولا ينتظر برده انقضاء الحرب لئلا يعرضه للهلاك". قال: "وحجته حديث رويفع المذكور". (عون المعبود 7/376) .
2 أخلقه: "بالقاف أي أبلاه". (مختار الصحاح ص 187)
(مسند أحمد: "4/108) .
4 هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل "ثقة حافظ" تقدم".
5 هو الباهلي الحراني ثقة تقدم في حديث (32) .
6 سعيد بن منصور أبو عثمان الخراساني صاحب السنن"ثقة"تقدم في حديث (146) .
7أبو معاوية الضرير محمد بن خازم"ثقة"أحفظ الناس لحديث الأعمش تقدم حديث (146) .
8 المعنى أن لفظ "حيضة" ليست بمحفوظة في حديث رويفع بن ثابت، وإنما فيه مجرد الاستبراء بدون قيد "بحيضة" وزيادتها وهم من أبي معاوية".
ولفظ "الحيضة" صحيح في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - "بلفظ: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" تقدم في ص 507 (عون المعبود 6/195-196) .
(سنن أبي داود 1/497-498 كتاب النكاح باب وطء السبايا و 2/61 كتاب الجهاد، باب في الرجل ينتفع من الغنيمة بشيء) .(2/523)
ورواه الطبراني من طريق إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب به1". دون ذكر السبايا".
ورواه البيهقي من طريق يونس2 بن بكير عن محمد بن إسحاق، ومن طريق أبي داود عن النفيلي عن محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق، ثم ساق حديث محمد بن إسحاق الوارد فيه أن خطبة رويفع كانت يوم "حنين".
ثم قال: "وفي رواية ابن بكير قال: "غزونا مع أبي3 رويفع الأنصاري، فذكره وقال: "يوم "خيبر" وزاد أن يصيب امرأة من السبي ثيبة".
والصحيح رواية محمد بن سلمة4".
والحديث رواه الدارمي والطبراني وأحمد5 بن خالد الوهبي ثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب به6".
وابن سعد من طريق عبد الله بن المبارك عن ابن إسحاق عن يزيد ابن أبي حبيب عن فلان7 الجيشاني أو قال عن أبي مرزوق مولى تجيب عن حنش عن رويفع به8".
وابن حبان من طريق ربيعة9 بن سليم التجيبي عن حنش بن عبد الله
____________________
(المعجم الكبير 5/15) .
2 هو ابن واصل الشيباني "صدوق يخطئ" تقدم".
3 لعل لفظ "أبي" خطأ لأنني لم أجد في ترجمته أن كنيته أبو رويفع".
(السنن الكبرى 7/449) .
5 أحمد بن خالد الوهبي "صدوق" تقدم في حديث (32) .
(سنن الدارمي 2/145، كتاب السير، باب في استبراء الأمة، والطبراني المعجم الكبير5/14) .
7 هكذا عند ابن سعد "عن فلان الجيشاني أو قال عن أبي مرزوق" وكل الطرق التي وقفت عليها فإن يزيد بن أبي حبيب يروي عن أبي مرزوق مباشرة، ولم أجد ترجمة فلان هذا، إلا إذا كان أبو مرزوق يقال له الجيشاني فالله أعلم".
(الطبقات الكبرى 2/114-115) ، وقال: "عن رويفع بن ثابت البلوي وهو خطأ فإن رويفع بن ثابت البلوي ليس له رواية في الكتب الستة ولذا لم يورده ابن حجر في التقريب وهذا الحديث من رواية رويفع بن ثابت الأنصاري، وقد ذكر رويفع البلوي في (4/354) ، من الطبقات) .
وفي الإصابة (1/522) : "رويفع بن ثابت البلوي، غير رويفع بن ثابت الأنصاري قاله ابن فتحون".
9 ربيعة بن سليم بن أبي سليم أو ابن سليمان التجيبي مولاهم أبو عبد الرحمن، ويقال أبو مرزوق، المصري، مقبول من السابعة /ت (التقريب 1/246 وفي تهذيب التهذيب 3/255) ذكره ابن حبان في الثقات، له في الترمذي حديث واحد في النهي عن سقي مائه زرع غيره وقد ذكر الألباني في إرواء الغليل (7/213) ، بأن ربيعة بن سليم هو أبو مرزوق التجيبي وهو خطأ فإن أبا مرزوق اسمه جبير بن شهيد كما في (التقريب 2/470-471) .(2/524)
الشيباني1 عن رويفع به". الجميع بلفظ "يوم خيبر"2 دون ذكر السبايا".
ورواه الطبراني من طريق ربيعة بن أبي سليم أنه سمع حنشا الصنعاني يحدث عن رويفع به3".
وأحمد من طريق الحارث4 بن يزيد عن حنش الصنعاني عن رويفع به5".
وابن الجارود من طريق أبي مرزوق التجيبي عن حنش الصنعاني عن رويفع به6".
والترمذي من طريق ربيعة7 عن سليم عن بسر8 بن عبيد الله عن رويفع بن ثابت به". بدون تقييد بغزوة خيبر أو حنين".
ثم قال الترمذي: "هذا حديث حسن".
وقد روي من غير وجه عن وريفع بن ثابت".
والعمل على هذا عند أهل العلم، لا يرون للرجل، إذا اشترى جارية وهي حامل، أن يطأها حتى تضع9". وفي الباب عن ابن عباس10
____________________
1 كذا وقع عند ابن حبان "الشيباني" بالشين المعجمة والمثناة التحتانية، والذي في التقريب والتهذيب بالسين المهملة والباء الموحدة".
(موارد الظمآن ص 403) .
(المعجم الكبير 5/15) .
4 الحارث بن يزيد الحضرمي، أبو عبد الكريم المصري، ثقة ثبت عابد، من الرابعة (ت 130) / م د س ق (التقريب 1/145 وتهذيب التهذيب 2/163) .
(المسند 4/108و109) .
(المنتقى ص 244) .
7 يقال فيه ربيعة بن سليم، وربيعة بن أبي سليم انظر ترجمته ص (512) .
8 بسر بن عبيد الله الحضرمي الشامي "ثقة حافظ" من الرابعة / ع (التقريب 1/97 وتهذيب التهذيب 1/438) وقد وقع في التقريب بسر "بن عبد الله" وفي تهذيب التهذيب 3/255 والإصابة 1/522 "بشر" بالشين المعجمة والصواب بالسين المهملة كما ذكره ابن حجر في التقريب وتهذيب التهذيب في باب "السين المهملة" وانظر: " (الخلاصة للخزرجي 1/122) .
(سنن الترمذي 2/299 كتاب النكاح، باب الرجل يشتري الجارية وهي حامل".
10 حديث ابن عباس أخرجه النسائي في سننه (7/264 كتاب البيوع، باب بيع المغنم قبل أن تقسم من طريق مجاهد عن ابن عباس) .
والدارقطني في سننه 3/257 من طريق عكرمة عن ابن عباس، والحاكم في (المستدرك 2/137) ، من طريق مجاهد عن ابن عباس، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وسياقه عنده "عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن بيع المغانم حتى تقسم وعن الحبالى أن يوطأن حتى يضعن ما في بطونهن، وقال: "أتسقي زرع غيرك؟
وعن أكل لحوم الحمر الإنسية وعن لحم كل ذي ناب من السباع".(2/525)
وأبي الدرداء1 والعرباض2 بن سارية، وأبي سعيد3".
وحديث رويفع قد حسنه الترمذي كما تقدم4".
حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الطبراني من طريق:
235- بقية بن الوليد عن إسماعيل بن عياش عن الحجاج بن أرطاة عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى في وقعة أوطاس أن يقع الرجل على الحامل حتى تضع" ثم قال الطبراني:
لم يروه عن داود بن أبي هند إلا الحجاج، تفرد به إسماعيل بن عياش ولا رواه عن إسماعيل إلا بقية5".
قال الهيثمي: "رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه بقية6 والحجاج7 بن أرطاة وكلاهما مدلس8".
____________________
1 أبو الدرداء هو عويمر بن زيد بن قيس الأنصاري وحديثه أخرجه مسلم في صحيحه (2/1065-1066 كتاب النكاح، باب تحريم وطء الحامل المسيبة "وأبو داود في سننه 1/497 كتاب النكاح باب وطء السبايا، وأبو داود الطيالسي منحة المعبود 1/239، وأحمد في مسنده 5/195) .
وسياق الحديث عند مسلم عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى بأمرأة مجح على باب فسطاط فقال: "لعله يريد أن يلم بها" فقالوا: "نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له؟ كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ " (والمجح هي الحامل التي قربت على ولادتها) .
2 حديث العرباض أخرجه الترمذي في سننه: " (3/18 كتاب الصيد، باب ما جاء في كراهية أكل المصبورة و63 كتاب السير باب ما جاء في كراهية وطء الحبالى من السبايا، وأحمد في مسنده 4/127 والحاكم في المستدرك 2/135) ، الجميع من طريق أم حبيبة بنت العرباض بن سارية عن أبيها".
وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي".
ومال الألباني إلى قول الترمذي بتضعيف هذا الحديث قال لأن أم حبيبة بنت العرباض "لم يرو عنها غير واحد، ولم يوثقها أحد لكن لا بأس بهذا الطريق في الشواهد" (إرواء الغليل 1/201) .
3 حديث أبي سعيد تقدم برقم (231) .
4 تقدم برقم (234) .
(المعجم الصغير 1/95) .
6 بقية بن الوليد قال عنه ابن حجر في التقريب 1/105 "صدوق كثير التدليس عن الضعفاء".
7 قال عنه ابن حجرفي التقريب 1/152: "صدوق كثير الخطأ والتدليس".
(مجمع الزوائد 5/4 والتلخيص الحبير لابن حجر 1/172) .
وقد جاء في حديث جابر بن عبد الله بإسناد صحيح عند الطيالسي كما في منحة المعبود 1/139 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى أن توطأ الحبالى من السبي".
وعن علي رضي الله عنه عند ابن أبي شيبة في مصنفه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توطأ الحامل حتى تضع، أو الحائل حتى تستبرأ بحيضة وقال ابن حجر: في التلخيص الحبير1/172 لكن في إسناده ضعف وانقطاع".وانظر نصب الراية للزيلعي4/252-253".(2/526)
وقد ذهب الألباني إلى أن حديث أبي سعيد الخدري صحيح بمجموع هذه الطرق1".
وهذه الأحاديث تدل على جواز وطء السبايا بوضع الحمل من ذوات الأحمال وبحيضة من غير ذوات الأحمال، وعلى أنه لا يجوز الوطء قبل الاستبراء، وفي أثناء الحمل". وتدل أيضا على أن النكاح الأول يبطل بوقوع السبي، سواء سبيت المرأة وحدها أم مع زوجها، سواء كانت المسبية كتابية أم غير كتابية، كما هو الظاهر من هذه الأحاديث".
ثم إن جمهور العلماء على إباحة وطء الأمة الكتابية بملك يمين، لعموم قوله تعالى: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} ، [سورة المؤمنون، من الآية: "6] ، ولجواز نكاح حرائرهم فيحل التسري بالإماء منهم، وأما إن كانت الأمة المملوكة مجوسية أو عابدة وثن ممن لا يحل نكاح حرائرهم، فجمهور العلماء على منع وطئها بملك يمين حتى تسلم".
قال النووي: "واعلم أن مذهب الشافعي ومن قال بقوله من العلماء أن المسبية من عبدة الأوثان وغيرهم من الكفار الذين لا كتاب لهم، لا يحل وطؤها بملك اليمين حتى تسلم، فما دامت على دينها فهي محرمة".
وهؤلاء المسبيات كن من مشركي العرب2 عبد الأوثان، فيؤول هذا الحديث3 وشبهه على أنهن أسلمن، وهذا التأويل لا بد منه والله أعلم"4". أهـ".
وأورد الشنقيطي نحو هذا ثم قال: "قال مقيده عفا الله عنه: "الذي يظهر من جهة الدليل - والله تعالى أعلم - جواز وطء الأمة بملك اليمين وإن كانت عابدة وثن أو مجوسية، لأن أكثر السبايا في عصره صلى الله عليه وسلم من كفارالعرب وهم عبدة أوثان، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم وطأهن بالملك لكفرهن، ولو كان حراما لبينه، بل قال صلى الله عليه وسلم: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" ولم يقل حتى يسلمن ولو كان ذلك شرطا لقاله".
____________________
(إرواء الغليل 1/200-201 و7/213 وصحيح الجامع الصغير 1/317) .
2 يريد سبي أوطاس".
3 يريد حديث أبي سعيد الخدري المتقدم برقم (230) .
4 شرح النووي على صحيح مسلم (3/637-638 والروض الأنف للسهيلي 7/281-282 وأضواء البيان للشنقيطي 1/286) .(2/527)
"وقد اخذ الصحابة السبايا فارس وهم مجوس، ولم ينقل أنهم اجتنبوهن حتى أسلمن"1.
وقد رد ابن القيم على القائلين باشتراط الإسلام، فإنه أورد حديث أبي سعيد الخدري الوارد في سبايا أوطاس ثم قال: "ودل هذا القضاء النبوي على جواز وطء الإماء الوثنيات بملك اليمين، فإن سبايا أوطاس لم يكن كتابيات، ولم يشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم في وطئهن إسلامهن، ولم يجعل المانع منه إلا الاستبراء فقط، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع مع أنهم حديثو عهد بالإسلام حتى خفي عليهم حكم هذه المسألة وحصول الإسلام من جميع السبايا وكانوا عدة آلاف بحيث لم يتخلف منهم عن الإسلام جارية واحدة مما يعلم أنه في غاية البعد، فإنهن لم يكرهن على الإسلام، ولم يكن لهن من البصيرة والرغبة والمحبة في لإسلام ما تقتضي مبادرتهن إليه جميعا، فمقتضى السنة، وعمل الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده جواز وطء المملوكات على أي دين كن، وهذا مذهب طاوس وغيره".
ومما يدل على عدم اشتراط إسلامهن، ما روى الترمذي في "جامعه" عن عرباض بن سارية، أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهن"2".
فجعل للتحريم غاية واحدة وهي وضع الحمل، ولو كان متوقفا على الإسلام لكان بيانه أهم من بيان الاستبراء".
وفي (السنن) و (المسند) "لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها" 3".
ولم يقل: "حتى تسلم، ولأحمد: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ينكحن شيئا من السبايا حتى تحيض"4".
ولم يقل: "تسلم".
وفي (السنن) "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة واحدة".
____________________
(أضواء البيان 1/286) .
2 تقدم تخريج الحديث في ص 514 تعليقة (2) .
3 انظر حديث (234) .
4 الحديث في مسند أحمد 4/109 من حديث رويفع بلفظ: "ولا ينكح ثيبا من السبي حتى تحيض".(2/528)
"ولم يقل: "وتسلم، فلم يجيء عنه اشتراط إسلام المسبية في موضع واحد البتة"1".
وقال في أثناء الكلام على سبايا بنى المصطلق في وقوع جويرية أم المؤمنين في سهم ثابت بن قيس وهي من صريح العرب، ولم يكونوا يتوقفون في وطء سبايا العرب على الإسلام، بل كانوا يطؤونهن بعد الاستبراء، وأباح الله لهم ذلك، ولم يشترط الإسلام، بل قال تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [النساء، من الآية: "24] . فأباح وطء ملك اليمين، وإن كانت محصنة إذا انقضت عدتها بالاستبراء".
وقال له سلمة بن الأكوع، لما استوهبه الجارية الفزارية من السبي: "والله يا رسول الله: "لقد أعجبتني، وما كشفت لها ثوبا"2 ولو كان وطؤها حراما قبل الإسلام عندهم، لم يكن لهذا القول معنى، ولم تكن قد أسلمت، لأنه قد فدى بها ناسا من المسلمين بمكة، والمسلم لا يفادى به، وبالجملة فلا نعرف في أثر واحد قط اشتراط الإسلام منهم قولا أو فعلا في وطء المسبية، فالصواب الذي كان عليه هديه وهدي أصحابه استرقاق العرب، ووطء إمائهن المسبيات بملك اليمين من غير اشتراط الإسلام"3". إهـ".
وهذا الذي ذهب إليه ابن القيم واضح في غاية الوضوح، وقد رجحه الشوكاني أيضا4".
ومما اختلفوا فيه، في هذا الباب:
1- هل جواز وطء المسبية وانفساخ نكاحها من زوجها الكافر، مشروط بسبيها وحدها، أو ذلك يحصل ولو سبيت مع زوجها؟
ذهب الشافعي إلى العموم فقد نقل عنه البيهقي قوله: "سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبي أوطاس وسبي بني المصطلق وأسر من رجال هؤلاء وهؤلاء، وقسم السبي فأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض ولم يسأل عن ذات زوج ولا غيرها، ولا هل سبي زوج مع امرأته ولا غيره"5.إهـ.
____________________
1 زاد المعاد 5/131-133 وانظر حديث (231) .
2 أخرجه مسلم في صحيحه: " (3/1375) ، كتاب الجهاد والسير، باب في التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى".
(زاد المعاد 3/113-114) .
(نيل الأوطار 6/347 وتحفة الأحوذي 8/370) .
(السنن الكبرى للبيهقي 9/124 وانظر الأم للشافعي 4/184) .(2/529)
ورجح هذا ابن القيم ورد على القائلين بخلافه1.
وقال الخطابي2 في "المعالم" في الحديث3 بيان أن الزوجين إذا سبيا معا فقد وقعت الفرقة بينهما كما لو سبى أحدهما دون الآخر، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأبو ثور4".
واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم السبي وأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض، ولم يسأل عن ذات زوج وغيرها، ولا عمن كانت سبيت منهن مع الزوج أو وحدها، فدل على أن الحكم في ذلك واحد".
وقال أبو حنيفة: "إذا سبيا جميعا فهما على نكاحهما5". إهـ.
وقال ابن قدامة: "وإذا سبي المتزوج من الكفار لم يخل من ثلاثة أحوال:
أحدها: "أن يسبي الزوجان معا فلا ينفسخ نكاحهما وبهذا قال أبو حنفية والأوزاعي. وقال مالك والثوري والليث والشافعي وأبو ثور ينفسخ نكاحهما لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [النساء، من الآية: "24] ، والمحصنات المتزوجات "إلا ما ملكت أيمانكم" بالسبي، قال أبو سعيد الخدري: "نزلت هذه الآية في سبي أوطاس، وقال ابن عباس: "إلا ذوات الأزواج من المسبيات، ولأنه استولى على محل حق الكافر فزال ملكه كما لو سباها وحدها".
الحال الثاني: "أن تسبي المرأة وحدها فينفسخ النكاح بلا خلاف علمناه، والآية دالة عليه، وقد روى أبو سعيد الخدري، قال: "أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن أزواج في قومهن فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنَزلت: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [النساء، من الآية: "24] .
إلا أن أبا حنيفة قال: "إذا سبيت المرأة وحدها ثم سبى زوجها بعدها بيوم لم ينفسخ النكاح".
____________________
(زاد المعاد 5/131، وانظر أضواء البيان للشنقيطي1/283) .
2 هو الإمام العلامة المفيد المحدث الرحال أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم".
3 يريد حديث أبي سعيد الخدري المتقدم برقم (230) .
4 هو إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي، أبو ثور الفقيه، صاحب الشافعي، ثقة (التقريب 1/35) .
(عون المعبود 6/191-192) .(2/530)
الحال الثالث: "سبي الرجل وحده فلا ينفسخ النكاح لأنه لا نص فيه ولا القياس يقتضيه، وقد سبى النبي صلى الله عليه وسلم سبعين من الكفار يوم بدر فمن على بعضهم وفادى بعضا فلم يحكم عليهم بفسخ أنكحتهم1". إهـ".
فأنت ترى أن القائلين بعدم فسخ النكاح فيما إذا سبيا معا، هم أبو حنيفة وأحمد والأوزاعي، وقد مال صاحب المغني إلى هذا ودافع عنه".
والظاهر في هذا أن الصواب ما ذهب إليه الشافعي ومالك وغيرهما لما سبق بيانه والله أعلم".
2- هل بيع الأمة يكون طلاقا لها من زوجها أخذا بعموم قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [النساء، من الآية: "24] . ذهب جماعة من العلماء إلى الأخذ بعموم الآية ورأوا أن بيع الأمة طلاق لها من زوجها2".
قال ابن كثير: "وقد خالفهم الجمهور قديما وحديثا، فرأوا أن بيع الأمة ليس طلاقا لها، لأن المشتري نائب عن البائع، والبائع كان قد أخرج عن ملكه هذه المنفعة3، وباعها مسلوبة عنها، واعتمدوا في ذلك على حديث بريرة4 المخرج في الصحيحين وغيرهما فإن عائشة اشترتها واعتقتها ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث، بل خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الفسخ والبقاء، فاختارت الفسخ، فلو كان بيع الأمة طلاقها كما قال هؤلاء، ما خيرها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما خيرها دل على بقاء النكاح وأن المراد من الآية المسبيات فقط"5".
وقال الشنقيطي: "وهو التحقيق في هذه المسألة"6. إهـ.
قلت: "وهو الظاهر المتبادر من النصوص، والله أعلم".
__________
(المغني 8/427 باختصار وتصرف، والإنصاف 4/135-136) .
2 ممن قال بهذا من الصحابة رضوان الله عليهم: "عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبي بن كعب، وأنس بن مالك ومن التابعين: "إبراهيم النخعي، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب". انظر: " (جامع البيان للطبري 5/2-4، وتفسير ابن كثير: "1/473-474) .
3 حيث زوجها لغيره".
4 حديث بريرة في صحيح البخاري (7/42 كتاب الطلاق، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة وصحيح مسلم 2/1143 كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق) .
(تفسير ابن كثير 1/473-474، والبداية والنهاية له 4/339-340) .
(أضواء البيان 1/282) .(2/531)
الحكم الثاني: وقوع العزل في أوطاس
العزل هو نزع الذكر بعد الإيلاج لينْزل خارج الفرج، وكان الصحابة يفعلون ذلك مع الإماء خشية أن تحمل الأمة فيمتنع بيعها لأنها تصير بذلك أم ولد1".
وقد جاء في هذا ما رواه الطّحاوي من حديث أبي سعيد الخدري وهذا سياقه:
236- قال: "حدثنا نصر2 بن مرزوق قال ثنا الخصيب3 وقال ثنا وهيب4 عن موسى5 بن عقبة عن محمد6 بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز7 عن أبي سعيد8 الخدري أنهم أصابوا سبايا يوم أوطاس، فأرادوا أن يستمعوا منهن ولا تحملهن، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "لا عليكم أن لا تفعلوا، فإن الله عز وجل قد كتب من هو خالق إلى يوم القيامة" 9".
____________________
1 انظر: " (هدي الساري ص: "156، والمصباح المنير للفيومي 2/485) .
2 نصر بن مرزوق أبو الفتح المصري، روى عن الخصيب بن ناصح وغيره". قال ابن أبي حاتم: "كتبنا عنه، وهو "صدوق" (الجرح والتعديل 8/472) .
3 الخصيب - بفتح أوّله وكسر المهملة - ابن ناصح الحارثي البصري، نزيل مصر صدوق يخطئ من التاسعة (ت 208) ، وقيل: " (207هـ) ، / سي (التقريب 1/223) ، وقال: "أبو زرعة: "ما به بأس إن شاء الله، وذكره ابن حبان في الثقات".
وقال: "ربما أخطأ (تهذيب التهذيب 3/143، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/397 والخلاصة 1/289-290) .
4 وهيب - بالتصغير - ابن خالد بن عجلان، الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، ثقة ثبت، لكنه تغير قليلاً بآخره من السابعة (ت165) وقيل بعدها/ ع (التقريب 2/339 وتهذيب التهذيب 11/169) .
5 موسى بن عقبة بن أبي عياش، ثقة فقيه إمام في المغازي تقدم في حديث 52".
6 محمد بن يحيى بن حبان - بفتح المهملة وتشديد الموحدة - ابن منقذ الأنصاري المدني، ثقة فقيه، من الرابعة (ت 121) /ع (التقريب 1/216، وتهذيب التهذيب 6/507) .
7 هو عبد الله بن محيريز - بالمهملة وراء آخره زاي مصغرا - ابن جنادة بن وهب الجمحي - بضم الجيم وفتح الميم بعدها مهملة المكي، كان يتيماً في حجر أبي محذورة بمكة، ثم نزل بيت المقدس ثقة عابد، من الثالثة (ت 99) وقيل بعدها / ع (التقريب 1/ 449، وتهذيب التهذيب 6/32) .
8 أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري له ولأبيه صحبة، استصغر في أحد، ثم شهد ما بعدها (التقريب 1/289) .
(شرح معاني الآثار 3/33) .(2/532)
وما رواه أحمد وأبو يعلى من حديث أبي سعيد الخدري أيضاً وهذا سياق أحمد قال:
237- ثنا أبو نعيم1 حدثنا يونس2 حدثني أبو الوداك3 جبر بن نوف قال: "حدثني أبو سعيد قال: "أصبنا سباياً يوم حنين، فكنا نعزل عنهن نلتمس أن نفاديهن من أهلهن، فقال بعضنا لبعض: "تفعلون هذا وفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتوه فسلوه، فأتيناه أو ذكرنا ذلك له، فقال: " ما من كل ماء يكون الولد إذا قضى الله أمراً كان". الحديث4.
والحديث روى عن أبي سعيد من طريقين:
الأولى: "فيها الخصيب وهو "صدوق يخطئ".
والثانية: "فيها أبو الوداك وهو "صدوق يهم"5".
والحديث بطريقه يعتضد ويرتقي إلى درجة الحسن لغيره6، وهو يدل على أن السؤال عن العزل وقع في غزوة أوطاس، وفي الصحيحين وغيرهما من طريق ابن محيريز عن أبي سعيد الخدري، أن ذلك كان في غزوة بني المصطلق وهي متقدمة على غزوة حنين". وسياق الحديث:
238- عن أبي سعيد قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من سبي العرب، فاشتهينا النساء، واشتدت علينا العزبة، وأحببنا
____________________
1 هو الفضل بن دكين - مصغرا - الكوفي واسم دكين عمر بن حماد بن زهير، التيمي مولاهم، الأحول، أبو نعيم الملائي - بضم الميم - مشهور بكنيته ثقة ثبت، من التاسعة (ت 218) وقيل (219) وهو من كبار شيوخ البخاري / ع (التقريب 2/110 وتهذيب التهذيب 8/270 والمغني لابن طاهر الهندي ص 31) .
2 يونس بن إسحاق السبيعي، أبو إسرائيل الكوفي، صدوق يهم قليلا من الخامسة (ت 152) على الصحيح /ز م ع (التقريب 2/384 وتهذيب التهذيب 11/433) . وختم الذهبي ترجمته بقوله: "صدوق ما به بأس" (ميزان الاعتدال 4/483) .
3 أبو الوداك صدوق يهم تقدم في حديث (231) .
4 أحمد: " (المسند 3/82) . وأبو يعلى: " (المسند 2/132 برقم 302) .
5 انظر: " (التقريب 1/125) .
6 في (أطيب المنح لعبد المحسن العباد وعبد الكريم مراد ص 16) . الحسن لغيره هو الخبر المتوقف عن قبوله كرواية المستور ونحوه إذا توبع بمثله أو أقوى منه.(2/533)
العزل، فأردنا أن نعزل وقلنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله، فسألناه عن ذلك فقال: "ما عليكم أن لا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة" لفظ البخاري1.
ولعل السؤال عن هذه المسألة حصل في الغزوتين معا، ولا مانع من ذلك خاصة إذا عرفنا أن كثيراً ممن حضرواً غزوة حنين لم يكونوا موجودين في غزوة بني المصطلق، مما يدل على خفاء مثل هذا الحكم على بعض منهم فلا يستبعد أن يسأل عن هذا الحكم في غزوة أوطاس أيضاً".
والحديث يدل على جواز العزل وعلى أنه لا يمنع شيئاً أراده الله وقدره من إيجاد ولد وعدمه".
239- وفي حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل، فقال: "اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها".
فلبث الرجل ثم أتاه فقال: "إن الجارية قد حبلت، فقال: "قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها" 2.
والخلاف في حكم العزل بين العلماء مشهور وقد تناولت هذه المسالة في غزوة بني المصطلق بأوسع من هذا3".
__________
(صحيح البخاري 3/129 كتاب العتق، باب من ملك من العرب رقيقا و5/96 كتاب المغازي، باب غزوة بني المصطلق من خزاعة و8/104 كتاب القدر، باب وكان أمر الله قدرا مقدورا، وصحيح مسلم 2/1061-1065) ، كتاب النكاح باب حكم العزل".
(صحيح مسلم 2/1064 كتاب النكاح باب حكم العزل، سنن أبي داود 1/501 كتاب النكاح، باب العزل واللفظ لمسلم) .
(ص 331) .(2/534)
الحكم الثالث: في مسئلة المتعة
...
الحكم الثالث: في مسألة المتعة
المتعة في اللغة الانتفاع1.
وفي الاصطلاح: "هي نكاح مؤقت إلى أجل مسمى، لا توارث فيه ولا طلاق، ينفسخ بانتهاء أجله".
وكان هذا النكاح مباحا في أوّل الإسلام ثم حرم في فتح مكة تحريما مؤبداً2".
وأطلق فتح مكة على أوطاس لاتصال الغزوتين ووقوعهما في سفرة واحدة، لأن عزوة أوطاس ناشئة عن فتح مكة3".
وقد جاء في إباحة المتعة عام أوطاس ما رواه مسلم وأحمد والدارقطني والبيهقي وأبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي من طريق الدارقطني الجميع من طريق:
240- أبي العميس4 عن إياس بن سلمة عن أبيه5، قال: "رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا، ثم نهى عنها" لفظ مسلم6".
ولفظ أحمد: "وخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها "7".
قال النووي: "قوله "رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثم نهى عنها" هذا تصريح بأنها أبيحت يوم فتح مكة، وهو ويوم أوطاس شيء واحد".
وقال أيضاً: "والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالا قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس، لاتصالهما،
____________________
(النهاية لابن الأثير 4/292، هدي الساري لابن حجر ص 185) .
(شرح النووي على صحيح مسلم3/554وانظر نكاح المتعة للأهدل ص61-62) .
(السنن الكبرى للبيهقي 7/204) .
4 هو عتبة بن عبد الله أبو العميس - بمهملتين مصغرا - الهذلي المسعودي الكوفي (التقريب 2/4، تهذيب التهذيب 7/97) .
5 هو سلمة بن الأكوع أبو مسلم وأبو إياس صحابي جليل".
(صحيح مسلم 2/1023 كتاب النكاح، باب نكاح المتعة) .
(مسند أحمد 4/55 والدارقطني: "السنن 3/258 والبيهقي: "السنن الكبرى 7/204، وأبو الفتح المقدسي تحريم نكاح المتعة ص 111) .(2/535)
ثم حرمت بعد ثلاثة أيام مؤبدا إلى يوم القيامة، واستمر التحريم"1.إهـ. ثم نقل عن القاضي عياض قوله: "واتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحا إلى أجل لا ميراث فيها، وفراقها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق".
ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا الروافض". وكان ابن عباس - رضي الله عنه - يقول: "بإباحتها، ورُوِيَ عنه أنه رجع عنه".
قال: "وأجمعوا على أنه متى وقع نكاح المتعة الآن حكم ببطلانه سواء كان قبل الدخول أو بعده إلا ما سبق عن زفر! 2".
وفي المسألة خلاف طويل في وقت تحريم المتعة وإباحتها، وهل تكررت الإباحة والتحريم أولاً، وهل يوجد من يقول بها سوى الشيعة أو لا، هذا ليس من مقصودنا في هذا المقام وإنما المقصود هنا هو توجيه حديث سلمة بن الأكوع، الوارد فيه أن المتعة أحلت يوم أوطاس، وقد ظهر من أقوال العلماء أن المراد بذلك يوم فتح مكة، وأطلق ذلك على أوطاس لاتصال الغزوتين".
وقد تقدم حديث ابن عباس وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى حنين في رمضان والناس مختلفون فصائم ومفطر3 والمعروف عند العلماء أن خروجه صلى الله عليه وسلم إلى غزوة حنين كان في شهر شوال، وأن خروجه في رمضان إنما كان في غزوة الفتح وبهذا القدر أكتفي في توجيه حديث سلمة بن الأكوع وهو أنّ صحيح في ذلك أن المتعة حرمت في فتح مكة بعد إباحتها ثلاثة أيام، وأطلق ذلك على عام أوطاس لوقوعها عقب الفتح مباشرة4".
__________
(شرح النووي على صحيح مسلم 3/553 و556 وفتح الباري 9/169، و170، وانظر السنن الكبرى للبيهقي 7/204 ورسالة الأهدل ص 162-166) .
(شرح النووي على صحيح مسلم 3/552و553و554 وفتح الباري 9/173-174 ونيل الأوطار 6/154-156) .
وقد نقل ابن قدامة في المغني 6/644 عن زفر "صحة النكاح وبطلان الشرط".
ونقل بن حجر: "عن أبي الفتح الأزدي أنه قال: "زفر غير مرضي المذهب والرأي إهـ، وهذا القول من الأزدي فيه نظر وإن كان قول زفر بصحة نكاح المتعة الآن مردود، إلا أن الإطلاق بأن زفر غير مرضي المذهب والرأي فيه نظر وذلك لأن الرجل قد وصف بالعبادة والعلم والصدق، وإن كان قد غلب عليه القول برأي أبي حنيفة ومن ثم ضعف في الحديث (وفيات الأعيان لابن خلكان 2/317-319، وميزان الاعتدال للذهبي 2/71 واللسان لابن حجر 2/476) .
3 تقدم الحديث برقم (31) وتوجيه ابن حجر له".
4 وقد أوجزت القول في حكم المتعة لكثرة الدراسات القديمة والحديثة المتصلة بهذا الموضوع ومن خير من استوعب أحكام المتعة من المعاصرين فضيلة الشيخ محمد عبد الرحمن الأهدل في رسالة الماجستير بعنوتن مرويات نكاح المتعة".(2/536)
الحكم الرابع: منع المخنثين من الدخول على النساء الأجنبيات
جاءت الشريعة الإسلامية بالمحافظة على الأعراض وسدت كل المنافذ التي يخشى منها على أعراض المجتمع الإسلامي، ومن ذلك حماية الأسرة المسلمة من دخول بعض الرجال الذين أطلق عليهم في عرف السلف المخنثون، وهم من خلق متخلقا بأخلاق النساء وزيهن وكلامهن وحركاتهن من غير تكلف، ولا إربة له في النساء أصلا، وهذا الضرب من الرجال شاذ في تكوينه، غير أن هذا الشذوذ خلقي جبلي فيه ولذلك كان بعض هؤلاء يدخلون على النساء بلا إنكار عليهم في ذلك ولكن لما بدر من بعضهم وصف النساء وتحديق النظر في مفاتن المرأة ومحاسنها حظر عليهم الشرع الإسلامي الدخول على النساء منعا للفتنة وسدا للذريعة وفي هذا الحكم وردت الأحاديث الآتية:
ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أم سلمة وهذا سياقه عند البخاري:
241- قال: "حدثنا الحميدي1 سمع سفيان حدثنا هشام عن أبيه عن زينب ابنة أبي سلمة عن أمها أم سلمة - رضي الله عنها -: "دخل عليّ2 النبي - صلى الله عليه وسلم - وعندي
____________________
1 الحميدي: "هو أبو بكر عبد الله بن الزبير صاحب المسند، سفيان: "هو ابن عيينة وهشام: "هو ابن عروة بن الزبير، وأم سلمة هي: "أم المؤمنين هند بنت أبي أمية".
قال ابن حجر: "وفي هذا الإسناد لطيفة: "رجل عن أبيه وهما تابعيان، وامرأة عن أمها وهما صحابيتان". (فتح الباري 8/44) .
2 وعند البخاري أيضاً " عن زينب ابنة أم سلمة عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وفي البيت مخنث".
وعند أيضا وعند مسلم "عن زينب عن أم سلمة أن مخنثا كان عندها ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت".
وعند أبي يعلى "عن زينب عن أم سلمة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في بيت أم سلمة وعنده مخنث جالس".(2/537)
مخنث1 فسمعته2 يقول لعبد الله3 بن أبي أمية: "يا عبد الله أرأيت إن فتح الله
____________________
1 المخنث: "بكسر النون وفتحها هو الذي يشبه النساء في أخلاقه وكلامه وحركاته، ويطلق عليه مخنث سواء فعل الفاحشة أو لم يفعل، قال النووي: "قال العلماء: "المخنث ضربان:
أحدهما: "من خلق كذلك ولم يتكلف التخلق بأخلاق النساء وزيهن وكلامهن وحركاتهن، بل هو خلقة خلقه الله عليها، فهذا لا ذم عليه ولا عتب ولا إثم ولا عقوبة؛ لأنه معذور لا صنع له في ذلك، ولهذا لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم أولا دخوله على النساء ولا خلقه الذي هو عليه حين كان من أصل خلقته، وإنما أنكر عليه بعد ذلك معرفته لأوصاف النساء، ولم ينكر صفته وكونه مخنثا".
الضرب الثاني: "من المخنث: "هو من لم يكن له ذلك خلقة، بل يتكلف أخلاق النساء وحركاتهن وهيئاتهن وكلامهن، ويتزي بزيهن، فهذا هو المذموم الذي جاء في الأحاديث الصحيحة لعنه، وهو بمعنى الحديث الآخر "لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين بالنساء من الرجال" وأما الضرب الأول فليس بملعون، ولو كان ملعونا لما أقره أولاً". والله أعلم".إهـ (شرح النووي على صحيح مسلم 5/25و26) وانظر تحفة الأحوذي 8/70) .
وقال ابن كثير: "المراد بالمخنث في عرف السلف الذي لا همة له في النساء وليس المراد به الذي يؤتى، إذ لو كان كذلك لوجب قتله حتما كما دل عليه الحديث، وكما قتله أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -" (البداية والنهاية 4/349، والروض الأنف 7/274 وفتاوى ابن تيمية 15/308-309) .
ونقل ابن حجر نحو قول النووي وقال: وأما ما كان ذلك من أصل خلقته فإنما يؤمر بتكلف تركه والإدمان على ذلك بالتدرج، فإن لم يفعل وتمادى دخله الذم، ولا سيما إذا بدا منه ما يدل على الرضا به، وأخذ هذا واضح من لفظ المتشبهين، وأما إطلاق من أطلق كالنووي وأن المخنث الخلقي لا يتجه إليه اللوم فمحمول على ما إذا لم يقدر على ترك التثني والتكسّر في المشي والكلام بعد تعاطيه المعالجة لترك ذلك، وإلا متى كان ترك ذلك ممكنا ولو بالتدرج فتركه بغير عذر لحقه اللوم". (فتح الباري 9/334-335و 10/332-333) .
2 وعند ابن ماجه "عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فسمع محنثا وهو يقول لعبد الله بن أبي أمية" الخ".
وعند الحميدي "عن أم سلمة قالت: "دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي مخنث فسمعه يقول لعبد الله بن أبي أمية" الخ".
3 وعند البخاري أيضا "فقال لعبد الله أخي أم سلمة". هكذا صرح في حديث أم سلمة أن القول الصادر من هذا المخنث كان لعبد الله بن أبي أمية أخي أم سلمة".
قال ابن حجر: "وروى المستغفري من مرسل محمد بن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى هيتا في كلمتين تكلم بهما من أمر النساء، قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: "إذا افتتحتم الطائف غدا فعليكم بابنة غيلان"، فذكر نحو حديث الباب وزاد "اشتد غضب الله على قوم رغبوا عن خلق الله وتشبهوا بالنساء"، ثم قال ابن حجر: "فيحمل على تعدد القول منه لكل منهما: "لأخي عائشة ولأخي أم سلمة".
والعجب أنه لم يقدر أن المرأة الموصوفة حصلت لواحد منهما؛ لأن الطائف لم يفتح حينئذ، وقتل عبد الله بن أبي أمية في حال الحصار، ولما أسلم غيلان بن سلمة وأسلمت بنته بادية تزوجها عبد الرحمن بن عوف".
ثم قال: "وذكر ابن إسحاق في المغازي أن اسم المخنث في حديث الباب ماتع وهو بمثناة وقيل بنون فروى عن محمد بن إبراهيم التيمي قال: "كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الطائف مولى لخالته فاختة بنت عمرو بن عائذ مخنث يقال له ماتع يدخل على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون في بيته لا يرى رسول الله أنه يفطن لشيء من أمر النساء مما يفطن له الرجال ولا أن له إربة في ذلك فسمعه يقول لخالد بن الوليد: "يا خالد إن افتتحتم الطائف، فلا تنفلتن منك بادية بنت غيلان بن سلمة، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان" الحديث…
وذكر البارودي في "الصحابة" من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن حفص أن عائشة قالت لمخنث كان بالمدينة يقال له أنة - بفتح الهزة وتشديد النون - ألا تدلنا على امرأة نخطبها على عبد الرحمن بن أبي بكر؟
قال: "بلى، فوصف امرأة تقبل بأربع وتدبر بثمان".
قال ابن حجر: "والراجح أن اسم المذكور في حديث الباب هيت، ولا يمتنع أن يتوارد في الوصف المذكور (فتح الباري 9/334-335) .(2/538)