يمكنه أن يرى ضوءا ولا يسمع صوتا.
وتوفي يوم الخميس ثامن عشر ذي الحجة من هذه السنة، ودفن بمقبرة جامع المنصور.
3522- علي بن أحمد بن علي، أبو القاسم البسري البندار
[1] :
ولد في صفر سنة ثمانين وثلاثمائة، وسمع أبا طاهر المخلص، وأبا أحمد الفرضي، وأبا الحسن بن الصلت في آخرين، وكانت له إجازة من ابن بطة، وكان ثقة صالحا، وكان يسكن درب الزعفراني، ثم انتقل إلى باب المراتب، وحدثنا عنه جماعة من مشايخنا.
وتوفي في يوم سادس رمضان، ودفن من الغد في مقبرة جامع المدينة.
__________
[1] في الأصل: «البزار» .
ومن ت: «البراز» وما أثبتناه هو من ص، والكامل لابن الأثير.
والبندار: هذه النسبة إلى من يكون مكثرا من شيء يشتري منه من هو أسفل منه أو أخف حالا وأقل مالا منه، ثم يبيع ما يشتري منه من غيره، وهذه لفظة عجمية (الأنساب 2/ 311) .
انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 426. وشذرات الذهب 3/ 346)(16/221)
ثم دخلت سنة خمس وسبعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في يوم الثلاثاء حادي عشر صفر ورد بشير أن السلطان جلال الدولة أجاب إلى تزويج ابنته من الخليفة، وأن فخر الدولة أخذ يده على ذلك، وكان الخليفة قد تقدم إلى الوزير فخر الدولة بالخروج إلى أصبهان لذلك، فخرج ومعه الهدايا والألطاف بنحو من عشرين ألف دينار، فوصل إلى أصبهان، فخرج نظام الملك والأمراء فاستقبلوه، واتفق أن توفي داود ابن السلطان، وانزعج السلطان لذلك، فلما انقضى الشهر خاطب فخر الدولة نظام الملك في هذا فقال: ما استقر في هذا شيء، فان رأيتم أن تجردوا الطلب من والدة الصبية. فقيل له: أنت الذي تتولى هذا. فمضى إليها فقال لها [1] : إن أمير المؤمنين راغب في ابنتك. فقالت: قد رغب إلى في هذا ملك غزنه [بابنه] [2] وغيره من الملوك، وبذل كل واحد أربعمائة ألف دينار، فإن أعطاني أمير المؤمنين هذا القدر كان هو أحب إلى، فقال لها: رغبة أمير المؤمنين لا تقابل بهذا.
وجرى في ذلك مراجعات انتهت إلى تسليم خمسين ألف دينار عن حق الرضاع، وهذه عادة الأتراك عند التزويج، ومائة ألف دينار بكتب المهر. فقيل لها: ما في صحبتنا مال معجل ونحن نحصل ها هنا عشرة آلاف، وننفذ من بغداد أربعين ألفا. فوقع الرضا بهذا، وشرع في تحصيل العشرة آلاف، فلم يكن لها وجه، وعرف السلطان ذلك فتقدم
__________
[1] «ولها» سقطت من ص، ت.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/222)
بتأخيره لينفذ الكل من بغداد. وقالت خاتون: إذا ملكت ابنتي بأمير المؤمنين فأريد أن يخرج إلى أمه [1] وعمته وجدته، ومن يجري/ مجراهن من أهل بيته، والمحتشمون من 108/ أأهل دولته، وأحضر خواتين غزنة، وسمرقند، وخراسان، ووجوه البلاد، ويكون العقد بمحضرهم. فطلب الوزير فخر الدولة أن تعطيه يدها على ذلك لتقع الثقة، فأعظم نظام الملك عندها أن تردها بغير قضاء حاجته، فأذن السلطان في ذلك وأعطى يده، وكانت من خاتون اقتراحات منها: أن لا يبقى في دار الخليفة سرية ولا قهرمانة، وأن يكون مقامه عندها.
[وصول مؤيد الملك إلى بغداد]
ووصل في جمادى الآخرة [2] مؤيد الملك إلى بغداد، فخرج الموكب لتلقيه إلى النهروان، وخرج إليه عميد الدولة [3] فلقيه في الحلبة، وضربت له الدبادب والبوقات في وقت الفجر والمغرب والعشاء بإزاء دار الخلافة، فثقل ذلك، وروسل حتى تركه.
[وجدت امرأة مقتولة ملقاة في درب الدواب]
وفي يوم الأحد سلخ شعبان: وجدت امرأة مقتولة ملقاة في درب الدواب، فاستدعى صاحب المعونة والحارس، وأمر بالاستكشاف عن هذا، فقال بعض المجتازين: هاهنا إنسان أعرج يخبز القطائف، يعرف هذه الأمور. فاستدعوه وتقدموا إليه بالبحث عن هذا فذكر أن بعض المماليك الأتراك فعل هذا، فاحضر الغلام فأنكر [وبهته الأعرج] [4] فقال بعض الرجالة: على المرأة آثار تبن وهذا يدل على [5] أنها قتلت في موضع فيه تبن. فقيل له: فتش [6] الدور هناك، فبدأ بدار الأعرج، فرأى التبن، فنبش تحت الدرجة فوجد حليا ودنانير كانت مع المرأة، فبهت الأعرج وحمل إلى الوزير فاستخلاه [7] ولطف به، فأقر بأنه في هذه الليلة جمع بين هذه المرأة وبين رجل، وأنها أخذت من الرجل قراريط/، وأنه طالبها بأجرته فقالت: خذ ما تريد. فوقع عليها 108/ ب
__________
[1] في الأصل: «إلى أخته»
[2] في الأصل: «جمادى الأولى»
[3] في الأصل: «عميد الملك»
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ص: «وذلك يدل على»
[6] في الأصل: «ففتش» .
[7] في الأصل: «فاستخلانه»(16/223)
فقتلها، وأخذ ما معها من الحلي والدنانير، ورمى بها، فسمع الشهود إقراره بذلك فحبس، وحضرت ابنة المرأة وطالبت بقتله فقتل في يوم السبت سادس رمضان بالحلبة، ودفن هناك.
[تكامل عمارة جامع القصر]
وفي شوال: تكاملت عمارة جامع القصر المتصل بدار الخلافة، وبني ما كان فيه خرابا، وأوسع وعمل له منبر جديد، وقد كان فخر الدولة عمل فيه سقاية، وأجرى فيها الماء من داره في قني تحت الأرض، وجعل لها فوارات، فانتفع الناس بذلك منفعة عظيمة.
وفي يوم الجمعة لخمس بقين من شوال: عبر قاص من الأشعرية يقال له:
البكري إلى جامع المنصور ومعه الفضولي الشحنة والأتراك والعجم بالسلاح فوعظ، وكان هذا البكري فيه حدة وطيش، وكان النظام قد أنفذ ابن القشيري فتلقاه الحنابلة بالسب، وكان له عرض فائق من هذا فأخذه النظام إليه، وبعث إليهم هذا الرجل، وكان ممن لا خلاق له، فأخذ يسب الحنابلة ويستخف بهم، وكان معه كتاب من النظام يتضمن الإذن له في الجلوس في المدرسة [1] ، والتكلم بمذهب الأشعرية، فجلس في الأماكن كلها، وقال: لا بد من جامع المنصور. فقيل لنقيب النقباء، فقال: لا طاقة لي بأهل باب البصرة فقيل: لا بد من مداراة هذا الأمر. فقال: ابعثوا إلى أصحاب الشحنة، فأقام على كل باب من أبواب الجامع تركيا، ونادى من باب البصرة وتلك الأصقاع دعوا لنا اليوم الجامع، فمنعهم من الحضور، وحضر الفضولي الشحنة والأتراك والعجم بالسلاح، وصعد المنبر وقال: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا 2: 102 [2] ما كفر 109/ أأحمد بن/ حنبل، وإنما أصحابه، وفجاء الآجر فأخذ النقيب قوام الجامع، وقال: هذا من أين؟ فقالوا: إن قوما من الهاشميين تبطنوا السقف وفعلوا هذا.
وكان الحنابلة يكتبون إليه العجائب فيستخف بهم في جوابها، واتفق أنه عبر إلى قاضي القضاة أبي عبد الله في يوم الأحد ثالث عشر شوال فاجتاز في نهر القلائين، فجرى بين أصحابه وأصحاب أبي الحسين بن الفراء سباب وخصام، فعاد إلى العميد وأعلمه
__________
[1] في الأصل: «في المدنية»
[2] سورة: البقرة، الآية: 102.(16/224)
بذلك، فبعث من وكل بدار ابن الفراء ونهبت الدار، وأخذ منها كتاب «الصفات» وجعله العميد بين يديه يقرئه لكل من يدخل إليه ويقول: أيجوز لمن يكتب هذا أن يحمى أو يؤوى في بلد؟
قَالَ المصنف: قرأت بخط ابن عقيل: أنه لما انفذ نظام الملك بأبي نصر [1] ابن القشيري تكلم بمذهب أبي الحسن، فقابلوه بأسخف كلام على ألسن العوام، فصبر لهم هنيئة، ثم أنفذ البكري [2] سفيها طرقيا شاهد أحواله الإلحاد، فحكى عن الحنابلة ما لا يليق باللَّه سبحانه، فأغرى بشتمهم وقال: هؤلاء يقولون للَّه ذكر فرماه الله في ذلك العضو بالخبيث فمات.
وفيها: حارب ملك شاه أخاه تكش، فأسره ثم من عليه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3523- إبراهيم بن علي بن سهل بن عبد الله، أبو إسحاق الحلبي
[3] .
سمع أبا القاسم بن بشران، وروى عنه أشياخنا. قَالَ شجاع بن فارس: ولد سنة خمس وتسعين وثلاثمائة. قال شيخنا أبو الفضل بن ناصر: توفي/ إبراهيم سنة خمس 109/ ب وسبعين وأربعمائة، ودفن بباب حرب.
3524- عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن محمد [4] بن يحيى بن منده العبدي، أبو عمرو بن أبي عبد الله
[5] .
من بيت العلم والحديث، سمع الحديث الكثير، وروى، ورحل الناس إليه من الأقطار،
__________
[1] «بأبي نصر» سقطت من ص، ت.
[2] في الأصل: «السكري» .
[3] الحلبي: بفتح الحاء المهملة واللام وفي آخرها الباء الموحدة، حلب بلدة كبيرة بالشام من ثغور المسلمين توصف برقة الهواء (الأنساب 4/ 189) .
[4] «بن محمد» سقطت من ت.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 123. وشذرات الذهب 3/ 348. والكامل 8/ 429) .(16/225)
وحدثنا عنه أشياخنا، وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة بأصبهان.
3525- أبو نصر علي ابن الوزير أبي القاسم هبة الله بن علي بن جعفر بن علكان بن محمد بن دلف بن أبي دلف العجلي الذي يقال له: ابن ماكولا
[1] .
ولد سنة عشرين وأربعمائة، سمع الكثير وسافر في طلب الحديث، وكان له علم به، وصنف كتاب «الإكمال» جمع فيه بين كتاب الدار الدارقطني في «المؤتلف والمختلف» وكتابي عبد الغني في «المؤتلف» وفي «مشتبه النسبة» وبين كتاب «المؤتنف» لأبي بكر الخطيب، ثم عمل كتابا آخر ذكر فيه أوهامهم في ذلك، وسافر بآخرة نحو كرمان ومعه جماعة من مماليكه الأتراك، فغدروا به وقتلوه، وأخذوا الموجود من ماله وذلك في هذه السنة.
3526- أبو منصور بن نظام الملك
[2] وكان يلي خراسان توفي في هذه السنة، وقيل إنه أراد ملك شاه قتله فسم لئلا ينكر بذلك أبوه.
__________
[1] هذه الترجمة ساقطة من ت.
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 123، 124. والنجوم الزاهرة 5/ 115. وتذكرة الحفاظ 4/ 5.
والمختصر في أخبار البشر لأبي الفداء 2/ 194. وفوات الوفيات 2/ 93. ووفيات الأعيان 3/ 305.
وتاريخ آداب اللغة 3/ 69. والأعلام 5/ 30. والكامل 8/ 429) .
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 424: أحداث سنة 473 هـ) .(16/226)
ثم دخلت سنة ست وسبعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[خرج توقيع إلى الوزير عميد الدولة بعزله]
أنه خرج توقيع يوم الجمعة لخمس بقين من صفر إلى الوزير عميد الدولة بعزله تضمنه: لكل أجل كتاب، انصرف من الديوان إلى دارك، وخل ما أنت منوط به من نظرك. فخرج هو وولداه وأهله إلى دار المملكة من غير استئذان الخليفة، ثم ساروا إلى ناحية خراسان، فكتب الخليفة إلى السلطان بأن بني جهير لا طريق إلى إعادتهم واستخدامهم، والتمس أن يبعدوا من العسكر/ ولا يؤوون، وكان السبب في هذا الثقة 110/ أبهم، فصاروا متهمين، فرتب في الديوان أبو الفتح المظفر ابن رئيس الرؤساء أبي القاسم ابن المسلمة منفذا وناظرا، وقد كان مرتبا على ابنيه الدار وغيرها، ولما وصل بنو جهير تلقوا وأكرموا، وعقد للوزير فخر الدولة على ديار بكر، وخلع عليه الخلع، وأعطى الكوسات، وأذن له في ضربها أوقات الصلوات الخمس بديار بكر، والصلوات الثلاث:
الفجر، والمغرب، والعشاء في المعسكر السلطاني.
وفي جمادى الآخرة: توفي الشيخ [1] أبو إسحاق الشيرازي، فأجلس مؤيد الملك مكانه أبا سعد عبد الرحمن بن المأمون المتولى.
وفي يوم الخميس النصف من شعبان: خلع الخليفة على الوزير أبي شجاع محمد بن الحسين خلع الوزارة، ولقب بظهير الدين، وكان أبو المحاسن بن أبي الرضا
__________
[1] «الشيخ» سقطت من ص، ت.(16/227)
قد نفق على السلطان كثيرا حتى عول عليه، واطرح نظام الملك، وضمن أبو المحاسن النظام بألف ألف دينار، فعرف النظام بذلك، فصنع سماطا ودعا السلطان إليه وخلا به بعد أن أقام مماليكه والأتراك على خيولهم، وكانوا أكثر من ألف غلام، وقال له: إن [قيل لك] [1] أيها السلطان إنني آخذ عشر أموالك وارتفق بالشيء من أعمالك وعمالك فإنني أخرجه إلى هذا العسكر الذي تراه بين يديك، فإن جامكيتهم تشتمل على مائتي ألف [2] دينار في كل سنة، وطرح بين يده ثبتا بما يتحصل له كل سنة، وأنه ما يكون أكثر من هذا المقدار، وقال: لو لم افعل هذا لاحتجت أن يخرج لهم كل سنة من خزانتك، وقد جمعتهم بسلاحهم، فتقدم بنقلهم إلى من تراه من الحجاب، ويكون هذا العشر الذي آخذه منصرفا إليهم، وأخلص من التعب، ومع هذا فقد خدمت جدك واباك وشيخت [3] في دولتكم، وأنا والله مشفق من مضيك على ما أنت عليه، وخائف من عقبى ما أنت خائض فيه، وحمل من الجواهر وغيرها ما ملأ به عينه، وضمن له استخراج مال آخر من 110/ ب المتكلمين عليه، فأطلعه السلطان على ما جرى في معناه وحلف له/، وقبض على أبي المحاسن وحمله إلى قلعة ساوة، وقورت عيناه بالسكين، وحملت إلى السلطان، فتقدم بطرحهما لكلب الصيد، وأخذ من ابن أبي الرضا مائتي ألف دينار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3527- الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي
[4] .
ولد سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وتفقه بفارس على أبي الفرج ابن البيضاوي،
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «تشتمل على ألوف دنانير» .
[3] في الأصل: «وسميت» .
[4] في ت: «إبراهيم بن علي بن يوسف أبو إسحاق الفيروزآبادي الشيرازي» وكذلك في ص. وفي الأصل: «الفيروزآبادي» أتت في آخر الاسم.
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 124، 125. وشذرات الذهب 3/ 349، 350، 351.
وطبقات السبكي 3/ 88. ووفيات الأعيان 1/ 26. والأعلام 1/ 51. والكامل 8/ 432. وتاريخ نيسابور ت 277) .(16/228)
وبالبصرة على الجزري [1] ، وببغداد على أبي الطيب الطبري، وسمع أبا علي بن شاذان والبرقاني وغيرهما، وبنى له نظام الملك المدرسة بنهر المعلى، وصنّف «المهذب» «والتنبيه» و «النكت» في الخلاف، و «اللمع» و «التبصرة» و «المعونة» و «طبقات الفقهاء» وكانت له اليد البيضاء في النظم [2] .
أخبرنا محمد بن ناصر قَالَ: أنشدني أبو زكريا بن علي السلار العقيلي:
كفاني إذا عز الحوادث صارم ... ينيلني المأكول [3] بالأثر والأثر
يقد ويفري في اللقاء كأنه ... لسان أبي إسحاق في مجلس النظر
وكثر أتباعه ومالوا إليه، وانتشرت تصانيفه لحسن نيته وقصده، وكان طلق الوجه، دائم البشر، مليح المحاورة، يحكى الحكايات الحسنة، وينشد الأشعار المليحة، وذلك أنه حضر عند يحيى بن علي بن يوسف بن القاسم بن يعقوب الصوفي برباطه بغزنة يعزيه عن ابن شيخه المطهر بن أبي سعيد بن أبي الخير، وكان قد غرق في الماء بالنهروان فأنشد.
/ غريق كأن الموت رق لأخذه ... فلان له في صورة الماء جانبه 111/ أ
أبي الله أن أنساه دهري فإنه ... توفاه في الماء الذي أنا شاربه
وكان يعيد الدرس في بدايته مائة مرة.
قَالَ [المصنف رحمه الله: قَالَ] [4] شيخنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي: قَالَ أبو إسحاق الشيرازي: كنت أشتهي وقت طلبي العلم الثريد بماء الباقلاء فلا يتيسر لي سنين [5] ، فما صح لي لاشتغالي بالدرس وأخذي السبق بالغدوات والعشيات، وكان يقول بترك التكلف حتى إنه حضر يوما الديوان فناظر مع أبي نصر ابن القشيري فأحس
__________
[1] في الأصل: «الجوري» .
وفي ت: «الجوزي»
[2] في ص: «من النظر» .
[3] في الأصل: «المأمون»
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ص، ت: «بماء الباقلاء سنين»(16/229)
في كمه بثقل فقال له: يا سيدي [1] ، ما هذا؟ فقال: قرصني الملاح.
وكان قشف العيش متورعا، ورأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام [2] فقال له: «يا شيخ» فكان يفتخر بهذا ويقول: سَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيخا [3] .
وحكى أبو سعد بن السمعاني عن جماعة من أشياخه: أنه لما قدم أبو إسحاق الشيرازي رسولا إلى نيسابور تلقاه الناس، وحمل إمام الحرمين أبو المعالي الجويني غاشيته، ومشى بين يديه [كالخدم] [4] وقال: أنا افتخر بهذا.
أنشدنا أبو نصر أحمد بن محمد الطوسي [5] قَالَ: أنشدنا أبو إسحاق لنفسه:
سألت الناس عن خل وفي ... فقالوا ما إلى هذا سبيل
تمسك إن ظفرت بود حر ... فإن الحر في الدنيا قليل
وأنبأنا أبو نصر قَالَ: صحبت الشيخ أبا إسحاق الشيرازي في طريق فأنشدني:
إذا طال الطريق عليك يوما ... فليس دواؤه إلا الرفيق
111/ ب/ تحدثه وتشكو ما تلاقي ... ويقرب بالحديث لك الطريق
وسئل يوما ما التأويل فقال: حمل الكلام علي أخفي محتمله.
توفي ليلة الأحد [6] الحادي والعشرين من جمادى الآخرة [7] من هذه السنة في دار المظفر ابن رئيس الرؤساء بدار الخلافة من الجانب الشرقي، وغسله أبو الوفاء بن عقيل [8] ، وصلى عليه بباب الفردوس لأجل نظام الملك، وأول من صلى عليه المقتدي بأمر
__________
[1] في الأصل: «يا سيدنا»
[2] في الأصل: «في النوم»
[3] «ويقول: سَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيخا» سقطت من ت، ص.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «الطريثي» .
[6] في الأصل: «ليلة الأربعاء»
[7] في الأصل: «من جمادى الأولى»
[8] في الأصل: «أبو الوفاء بن عفان»(16/230)
الله، وتقدم في الصلاة عليه [1] أبو الفتح المظفر ابن رئيس الرؤساء وهو حينئذ نائب بالديوان، ثم حمل إلى جامع القصر فصلى عليه، ودفن بباب أبرز، وقبره ظاهر.
والعجب أنه لم يقدر له الحج، قَالَ بعض أصحابه: لم يكن له شيء يحج به، ولو شاء [2] لحملوه على الأحداق. قَالَ: وكذلك أبو عبد الله الدامغاني لم يقدر له الحج، إلا أن ذاك كان يمكنه ولم يفعل.
وحدثني أبو يعلى بن الفراء قَالَ: رأيت أبا إسحاق الشيرازي في المنام فقلت له:
أليس قد مت؟ فقال: لا والله ما مت، ثم ابرأ إلى الله من المدرسة وما فيها. قلت: أليس قد دفنت في التربة التي تعرف ببيت فلان؟ فقال: لا والله ما مت.
3528- طاهر بن الحسين بن أحمد بن عبد الله، أبو الوفاء القواس
[3] .
ولد سنة تسعين وثلاثمائة، وقرأ القرآن الكريم علي أبي الحسن الحمامي، وسمع الحديث من هلال الحفار، وأبي الحسين بن بشران وغيرهما، وتفقه علي أبي الطيب الطبري، ثم تركه وتفقه على القاضي أبي يعلى، وأفتى ودرس، وكانت له حلقة بجامع المنصور وللمناظرة والفتوى، وكان ثقة ورعا زاهدا/، ولازم مسجده المعروف بباب 112/ أالبصرة لا يبرح منه خمسين سنه، روى لنا عنه أشياخنا.
وتوفي يوم الجمعة سابع عشر شعبان من هذه السنة، ودفن إلى جانب الشريف أبي جعفر في دكة الإمام أحمد بن حنبل.
3529- عبد الله بن عطاء بن عبد الله، أبو محمد [4] الإبراهيمي
[5] .
من أهل هراة، رحل في طلب الحديث، وعني بجمعه، سمع بهراة من أبي عمر المليحي [6] ، وأبي إسماعيل الأنصاري وغيرهما، وببوشنج من أبي الحسن
__________
[1] في الأصل: «وتقدم على الصلاة عليه»
[2] في ص، ت: «ولو أراد»
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 125. وشذرات الذهب 3/ 351، 352)
[4] في ت: «ابن محمد»
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 352، 353)
[6] في الأصل: «أبي عبد الله المليحي»(16/231)
عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداودي، وكان يخرِّج الأمالي، وسمع بنيسابور، وبأصبهان، وببغداد، حدثنا عنه مشايخنا، وكان حافظا متقنا.
قَالَ أبو زكريا بن منده الحافظ: كان حافظا صدوقا. وقدح فيه هبة الله بن المبارك السقطي فقال: كان يصحف أسماء الرواة والمتون، ويصر علي غلطه، ويركب الأسانيد على متون. والسقطي لا يقبل قوله. توفي [أبو محمد بن عطاء] [1] يوم الجمعة [2] في هذه السنة في طريق مكة حين عاد منها [3] .
3530- محمد بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن عبد الجبار بن مفلح، أبو طاهر بن أبي السقر [4] الأنباري الخطيب
[5] .
ولد ليلة الأربعاء منتصف ذي الحجة سنة ست وسبعين وثلاثمائة، وسمع خلقا كثيرا، وكان من الجوالين في الآفاق، والمكثرين من شيوخ الأمصار، وكان يقول: هذه كتبي أحب إلى من وزنها ذهبا، وكان ثقة ثبتا فاضلا صواما قواما، حدثنا عنه جماعة من 112/ ب أشياخنا، و/ قد سمع منه أبو بكر الخطيب، روي عنه في مصنفاته فقال: حدثنا محمد بن أحمد بن محمد اللخمي.
توفي في شعبان هذه السنة، وقيل: في جمادى الآخرة ودفن بالأنبار.
3531- محمد بن أحمد بن الحسن، أبو عبد الله بن جردة [6]
أصله من عكبرا، ورد بغداد فزوّجه أبو منصور بن يوسف ابنته، وكان شيخا لم ير أحسن منه، واظهر صباحة، وكان [أصل] [7] بضاعته [عشرة نصافي] [8] ينحدر بها من
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «ويوم الجمعة» سقطت من ص، ت.
[3] في ت: «مكة حيث عاد عنها»
[4] في ت، ص، والشذرات: «الصقر»
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 125. وشذرات الذهب 3/ 354.
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 125، 126 وفيه: «ابن جرادة» )
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/232)
عكبرا إلى بغداد، ووسع عليه الرزق حتى كان يحزر بثلاثمائة ألف دينار، وهو الذي دفع إلى قريش بن بدران عند مجيئه مع البساسيري عشرة آلاف دينار حتى حمى داره من النهب، وكان فيها خاتون خديجة زوجة القائم، ولما اجتمعت بعمها السلطان [1] طغرلبك أخبرته بحقه عليها، فجاء إلى داره شاكرا، وكانت داره بباب المراتب يضرب بها المثل، وكانت تشتمل على ثلاثين دارا وعلى بستان وحمام، ولها بابان علي كل باب مسجد، إذا أذن في أحدهما لم يسمع الآخر، وكان لا يخرج عن حال التجار في ملبسه ومأكله، وهو الذي بني المسجد المعروف به بنهر معلى، وقد ختم فيه القرآن ألوفا، توفي ليلة الأربعاء، ودفن يوم الأربعاء عاشر ذي القعدة من هذه السنة في التربة الملاصقة لتربة القزويني بالحربية.
__________
[1] «السلطان» سقطت من ص، ت.(16/233)
ثم دخلت سنة سبع وسبعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
113/ أ/ أن كوكبا انقض في ليلة الثلاثاء لعشر بقين من صفر من المشرق إلى المغرب كان حجمه كحجم القمر ليلة البدر، وضوءه كضوئه، وسار مدى بعيدا على تمهل وتؤدة في نحو ساعة، ولم يكن له شبه في الكواكب المنقضة.
وفي شوال: أعطى الخليفة الوزير أبا شجاع إقطاعا ببضعة عشر ألف دينار، وخرج التوقيع بمدحه الوافر.
وفي هذا الشهر: أعاد السلطان ملك شاه جماعة من أولاد العرب الذين أخذوا في وقعة بينهم وبين التركمان وجمالا كثيرة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3532- إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل بن أحمد [1] بن إبراهيم، أبو القاسم الجرجاني الإسماعيلي
[2] .
ولد سنة سبع وأربعمائة، وسمع الكثير، وكان دينا فاضلا متواضعا، وافر العقل، تام المروءة، صدوقا، يفتي ويدرس، وكان بيته جامعا لعلم الحديث والفقه، ودخل
__________
[1] «بن أحمد» سقطت من ص.
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 354. والكامل 8/ 438)(16/234)
بغداد سنة اثنتين وسبعين فحدث بها فسمع منه جماعة من شيوخنا وحدثونا عنه.
وتوفي بجرجان في هذه السنة.
3533- أحمد بن محمد بن دوست، أبو سعيد [1] النيسابوري الصوفي
[2] .
صحب أبا سعيد بن أبي الخير مدة، وسافر الكثير، وحج مرات حتى انقطعت طريق الحج، وكان يجمع جماعة من الفقراء ويخرج معهم ويدور في قبائل العرب فينتقل من حلة إلى حلة، وقدم مرة من البادية فنزل عند صاحبه أبي بكر/ الطّريثيثي، 113/ ب وكانت بينهما صداقة [3] وكانت له زاوية صغيرة فقال له: يا أبا بكر، لو بنيت للأصحاب موضعا أوسع من هذا وأرفع بابا. فقال له: إذا بنيت رباطا للصوفية فأجعل له بابا يدخل فيه جمل براكبه. فذهب أبو سعد إلى نيسابور فباع جميع أملاكه، وجاء إلى بغداد، وكتب إلى القائم بأمر الله يلتمس منه خربة يبني فيها رباطا، وكانت له خدمة في زمن البساسيري، فأذن له، وأمر بعرض المواضع عليه، فبنى الرباط وجمع الأصحاب، وأحضر أبا بكر الطريثيثي، وأركب رجلا جملا فدخل راكبا من الباب، فقال: يا أبا بكر، قد امتثلت ما رسمت. ثم جاء الغرق في سنة ست وستين فهدم الرباط، فأعاده أجود مما كان، وكان قبل بناء الرباط ينزل في رباط عتاب، فخرج يوما فرأى الخبز النقي، فقال في نفسه: إن الصوفية لا يرون مثل هذا، فإن قدر لي بناء رباط شرطت في سجله أن لا يقدم بين يدي الصوفية خشكار فهم الآن على ذلك.
وتوفي ليلة الجمعة ودفن من يومه تاسع ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن في مقبرة باب أبرز، وقد نيف على السبعين، وأوصى أن يستخلف ابنه، فاستخلف وكان له اثنتا عشرة سنة.
3534- أحمد بن المحسن بن محمد بن علي بن العباس بن أحمد بن العطار الوكيل، أبو الحسن بن أبي يعلي بن أبي بكر بن الحسن
[4] .
__________
[1] في ص، الأصل كما أثبتناه. ومن ت، الشذرات: «سعد»
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 126)
[3] «وكانت بينهما صداقة» سقطت من ص، ت.
[4] في ت: «أبي بكر بن أبي الحسن»(16/235)
ولد سنة إحدى وأربعمائة، وسمع أبا علي بن شاذان، وأبا القاسم الخرقي، وأبا الحسن بن مخلد وغيرهم، روى عنه أشياخنا، وكان عالما بالوكالة والشروط، متبحرا في 114/ أذلك حتى يضرب به/ المثل في الوكالة، وكان فيه ذكاء مفرط، ودهاء غالب.
قَالَ شيخنا عبد الوهاب الأنماطي: سمعت منه، وهو صدوق صحيح السماع، إلا أن أفعاله كانت مدبرة.
وقال شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي: طلق رجل امرأة فتزوجت بعد يوم، فجاء الزوج المطلق إلى القاضي أبي عبد الله البيضاوي وكان يلي القضاء بربع الكرخ، فقال له: طلقت أمس وتزوجها اليوم، فتقدم القاضي بأن تحضر المرأة [1] وتركب الحمار، ويطاف بها في السوق. فمضت المرأة إلى ابن محسن وأعطته مبلغا من المال، فجاء إلى القاضي وقال له: يا سيدنا القاضي، الله الله لا يسمع الناس هذا ويظنون أنك لا تعرف هذا القدر. فقال له القاضي: طلقها أمس وتزوجت اليوم، فأين العدة؟ فقال له: [2] هذه كانت حاملا فطلقها أمس، ووضعت الحمل [3] البارحة، ومات الولد، فتزوجت اليوم، فسكت القاضي وتخلصت المرأة.
توفي يوم الثلاثاء عاشر رجب من هذه السنة.
3535- عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحيم، أبو عبد الله.
أصله وأصل بني عبد الرحيم من براز الروم [4] للملك أبي كاليجار وللملك أبي نصر، وخلصت له أموال كثيرة، وكان كريما، وقتله أبو نصر في دار المملكة في رمضان هذه السنة وعمره تسع وأربعون سنة.
3536- عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر، أبو نصر الصباغ
[5] .
__________
[1] «المرأة» سقطت من ص، ت.
[2] «له» سقطت من ص.
[3] «الحمل» سقطت من ص.
[4] هكذا من جميع النسخ، فهنا سقط لعدم تناسق العبارة.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 126. وشذرات الذهب 3/ 355، 356. ووفيات الأعيان 3/ 217. وطبقات الشافعية 3/ 230. ونكت الهميان 193. ومفتاح السعادة 2/ 185. والأعلام 4/ 10. والكامل 8/ 437) .(16/236)
ولد سنة أربعمائة ببغداد، وسمع أبا الحسين [1] بن الفضل القطان، وبرع في الفقه، وكان فقيه العراق، وكان يضاهي الشيخ [2] أبا إسحاق الشيرازي، ويقدم عليه في معرفة المذهب وغيره، / وكان ثقة ثبتا دينا خيرا، ومن تصانيفه «الشامل» و «الكامل» 114/ ب و «تذكرة العالم» و «الطريق السالم» . ولي التدريس بالنظامية ببغداد قبل أبي إسحاق عشرين يوما، ثم بعد وفاة أبي إسحاق، وكان قد سافر إلى السلطان ففعل معه هناك كل جميل، فأقام بعد قدومه ثلاثة أيام يهنأ بذلك.
قَالَ أبو الوفاء بن عقيل: ما كان يثبت مع قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني ويشفى في مناظرته من أصحاب الشافعي مثل أبي نصر الصباغ.
توفي بكرة الثلاثاء ثالث عشر جمادى الأولى من هذه السنة، ودفن في داره بدرب السلولي من الكرخ، ثم نقل إلى مقبرة باب حرب.
3537- محمد بن أحمد
بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل، أبو الفضل المحاملي [3] .
ولد سنة ست وأربعمائة، وسمع أبا الحسين بن بشران، وأبا علي بن شاذان، وأبا الفرج بن المسلمة وغيرهم، وتفقه على أبيه، وأبوه صاحب التعليقة، وحدث عنه مشايخنا وكان فهما فطنا، ثم إنه دخل في أشغال الدنيا.
وتوفي يوم الخميس خامس رجب، ودفن بمقبرة باب حرب في هذه السنة.
3538- مسعود بن ناصربن عَبْد اللَّهِ بن أَحْمَد بن مُحَمَّد بن إسماعيل، أبو سعيد الشجري
[4] .
أقام مدة ببغداد يدور على الشيوخ ويفيد الواردين، سمع بها من أبي طالب بن غيلان، وأبي بكر بن بشران، وأبي القاسم التنوخي، وأبي محمد الخلال الجوهري.
وسمع بواسط، وبهراة، ونيسابور، وسجستان وغيرها، وجال في الآفاق، وسمع منه
__________
[1] في ص، والأصل: «أبا الحسن»
[2] «الشيخ» سقطت من ص، ت.
[3] في ت: «الحاملي»
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 127. وشذرات الذهب 3/ 357. والأعلام 7/ 221)(16/237)
أبو بكر الخطيب، وحصل كتبا كثيرة، ونسخا نفيسة، وكان حسن الخط، صحيح 115/ أالنقل، حافظا ضابطا متقنا ومكثرا، واحتبسه نظام الملك/ بناحية بيهق مدة، ثم بطوس للاستفادة [1] منه، ثم انتقل في آخر عمره إلى نيسابور فاستوطنها، ووقف كتبه فيها في مسجد عقيل.
وقال أبو بكر بن الخاضبة: وكان مسعود قدريا، سمعته يقرأ الحديث، فلما أتى على حديث أبي هريرة: «احتج آدم وموسى» في الحديث، وقال: «فحج آدم موسى» .
فجعل موسى فاعلا وآدم محجوجا، نوزع [2] في ذلك، وجرت قصة.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة بنيسابور، وصلى عليه أبو المعالي الجويني.
__________
[1] في الأصل: «وحبس نظام الملك بناحية بيهق مدة، ثم بطوس احتبس نظام الملك للاستفادة ... »
[2] في كل النسخ «وتفرع من ذلك»(16/238)
ثم دخلت سنة ثمان وسبعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[وصول الخبر بأن أرجان زلزلت]
أنه وصل الخبر في المحرم بأن أرجان زلزلت [1] وما تاخمها من النواحي، وهلك خلق، وسقطت منارة الجامع، وهلك تحت الردم أمم من الآدميين والمواشي.
[هبوب ريح عظيمة]
وفي ربيع الأول: هبت ريح عظيمة بعد العشاء، واسودت الدنيا وادلهمت، وكثر الرعد والبرق، وعلا على السطوح رمل عظيم وتراب، وكانت النيران تضطرم في جوانب السماء، ووقعت صواعق بألسن والبوازيج، وكسرت بالنيل نخيل كثيرة، وغرقت سفن، وخر كثير من الناس على وجوههم، فاستمر ذلك إلى نصف الليل حتى ظنوا أنها القيامة، ثم انجلت.
[ولد للمقتدي ولد سماه حسينا وكناه أبا عبد الله]
وفي هذا الشهر: ولد للمقتدي ولد سماه: حسينا، وكناه: أبا عبد الله، وجلس النائب بالديوان العزيز بباب الفردوس للتهنئة به، وضربت الطبول والبوقات، وكثرت الصدقات، / وخرج توقيع من أمير المؤمنين وفيه قد رفع إلى مجلس العرض الأشرف 115/ ب حال بني اليهود وتظاهرهم [2] بما حظر على أهل الذمة المظاهرة به، فمتى تعدوا شرطا مما أخذ منهم نقضوا العهد، وبرئت منهم الذمة. قَالَ الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ 24: 63 [3] .
__________
[1] في الأصل: «وتزلزلت»
[2] في الأصل: «وظاهرهم»
[3] سورة: النور، الآية: 63.(16/239)
[فتح فخر الدولة ميافارقين عنوة]
وفي جمادى الأولى [1] : فتح فخر الدولة أبو نصر ميافارقين عنوة، فتم له بذلك الاستيلاء على ديار بكر.
[بدأ الطاعون ببغداد]
وفيه: بدأ الطاعون ببغداد ونواحيها، وكان عامة أمراضهم الصفراء، بينا الرجل في شغله أخذته رعدة فخر لوجهه، ثم عرض لهم شناج وبرسام وصداع، وكان الأطباء يصفون مع هذه الأمراض أكل اللحم لحفظ القوة، فإنهم ما كانت تزيدهم الحمية إلا قوة مرض، وكانوا يسمونها: مخوية، وتقول الأطباء: ما رأينا مثل هذه الأمراض لا تلائمها المبردات ولا المسخنات، واستمر ذلك إلى آخر رمضان فمات منه نحو عشرين ألف ببغداد، وكان المرض يكون [2] خمسة أيام وستة ثم يأتي الموت، وكان الناس يوصون في حال صحتهم، وكان الميت يلبث يوما ويومين لعدم غاسل وحامل وحافر، وكان الحفارون يحفرون عامة ليلتهم بالروحانية ليفي ذلك بمن يقبر نهارا، ووهب المقتدي للناس ضيعة تسمى الأجمة فامتلأت بالقبور، وفرغت قرى من أهلها منها المحول.
وحكى بعض الأتراك أنه مر بالمحول، فرأى كثرة الموتى، ورأى طفلة على باب 116/ أبيت تنادي: هل من مسلم يؤجر في فيأخذني، فإن أبي وأمي/ وأخوتي هلكوا في هذا البيت. قَالَ: فنزلت فإذا بها في صدر أمها ميتة.
وحكى عبيد الله بن طلحة الدامغاني أن دربا من دروب التوثة مات جميع أهله فسد باب الدرب، وهلك عامة أهل باب البصرة، وأهل حربي، وعم هذا الطاعون خراسان، والشام، والحجاز، وتعقبه موت الفجأة، ثم أخذ الناس الجدري في أطفالهم، ثم تعقبه موت الوحوش في البرية، ثم تلاه موت الدواب والمواشي، ثم قحط الناس، وعزت الألبان واللحوم، ثم أصاب الناس بعد ذلك الخوانيق، والأورام، والطحال، وأمد المقتدى بأمر الله الفقراء بالأدوية والمال، ففرق ما لا يحصى، وتقدم إلى أطباء المارستان بمراعاة جميع المرضى.
[هبوب ريح سوداء]
وفي جمادى الآخرة: هبت ريح سوداء، وادلهمت السماء، وكان في خلال ذلك
__________
[1] في الأصل: «جمادى الآخرة»
[2] «فمات منه نحو عشرين ألف ببغداد وكان المرض يكون» سقطت من ص.(16/240)
نار وتراب كالجبال يسير بن السماء والأرض، فانجلت وقد هلك خلق كثير من الناس والبهائم، ودخل اللصوص الحمامات فأخذوا ثياب الناس، ونهبوا الأسواق، وغرقت سفن، وسقط رأس منارة باب الأزج.
[بدء الفتن بين أهل الكرخ ومحال السنة]
وفي شعبان: بدأت الفتن بين أهل الكرخ ومحال السنة، ونهبت قطعة من نهر الدجاج، وقلعت الأخشاب حتى من المساجد، وضرب الشحنة خيما هناك حتى انكف الشر.
وفي يوم الخميس ثاني عشر شعبان: خلع علي أبي بكر محمد بن المظفر الشامي في الديوان وولى قضاء القضاة.
قَالَ عبد الله بن المبارك السقطي: لما توفي [محمد بن علي] [1] الدامغانيّ وكان 116/ ب يحمل إليه أموال كثيرة من الأمصار، وترشح ولده لقضاء القضاة، وبذل مالا جزيلا فرأى أمير المؤمنين رفع الظنة عنه بقبول مال، فعدل إلى الشامي، فخرج التوقيع بولايته، فاستبشر الناس.
وفي رمضان: تكلم بهراة متكلم فلسفي فأنكر عليه عبد الله الأنصاري، فتعصب لذلك قوم فافتتنت هراة، وخرج ذلك المتكلم إلى فوسنج [2] بعد أن أثخن ضربا، وأحرقت داره، فلجأ إلى دار القاضي أبي سعد بن أبي يوسف مدرس فوسنج، فأتبعه قوم من أصحاب الأنصاري إلى فوسنج وهجموا عليه، ونالوا منه ومن أبي سعد، فافتتنت فوسنج، وسود باب مدرسة النظام، وكانت فيها جراحات فبعث النظام فقبض على الأنصاري، فأبعده عن هراة حتى خبت الفتنة، ثم أعاده إلى هراة.
وفي ذي القعدة: جاء سيل لم يشاهد مثله منذ سنين، فغرق عامة المنازل ببغداد، ودام يوما وليلة، وبقي أثر ذلك السحاب في البرية إلى الصيف.
[قبض بدر الجمالي أمير مصر على ولده الأكبر]
وفي هذا الشهر: قبض بدر الجمالي أمير مصر على ولده [3] الأكبر وأربعة من
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «بوشيخ» وكذلك في المواضع التالية.
[3] في ص: «ابنه»(16/241)
الأمراء، كان الولد قد واطأهم على قتل أبيه لينفرد بالملك، فوشى بذلك خازن أحد الأمراء، فأخذ الأربعة، وضرب رقابهم وصلبهم، وعفى أثر ولده، فقال قوم: قطع عنه القوت فمات، وقال قوم: غرقه، وقال قوم: دفنه حيا، وكان بدر هذا قد نفى عن مصر والقاهرة كل من وقعت عليه سيماء العلم بعد أن قتل خلقا كثيرا من العلماء، وقال:
العلماء أعداء هذه الدولة هم الذين ينبهون العوام على ما يقولونه، ونفى مذكري أهل السنة، وحمل الناس أن يكبروا خمسا على الجنائز، وأن يسدلوا أيمانهم في الصلاة، وأن يتختموا في الأيمان، وأن يثوبوا في صلاة الفجر «حي على خير العمل» وحبس أقواما رووا فضائل الصحابة.
[زيادة نيل مصر]
وزاد نيل مصر في هذه السنة زيادة لم يعهدوها منذ سنين وكثر الخصب.
[عودة الفتن بين أهل الكرخ والسنة]
وفي ذي الحجة عادت [1] الفتن بين أهل الكرخ والسنة، وأحرق شطر من الكرخ ومن باب البصرة، وعبر الشحنة فأحرق من باب البصرة، وقتل هاشميا فعبر أهل باب البصرة إلى الديوان، ورجموا المتعيشين في الحريم، وغلقوا الدكاكين، فنفذ من منع الشحنة منهم، وأصلح بينهم.
ومما حدث في هذه السنة: أن رجلا من الهاشميين يقال له: ابن الحب كانت له بنت فهويها جار لهم وهويته فافتضها، فدخل أبوها فرآها على تلك الحال فغشي عليه، ثم أفاق بعد زمان وجرد سيفا وعدا ليقتلها، فهربت إلى جيرانها، ثم ظفر بها فسألها عن الحال فاعترفت [2] ، فمضى إلى الديوان في جماعة من الهاشميين يستنفر على الرجل، فلم تثبت له بينة ولا أقر الرجل، فحبس الشريف ابنته في بيت، وسد عليها الباب، وكان لها أخ يرمي إليها من روزنة البيت يسيرا من القوت فعلم فعلم أبوها فأخرجه من الدار، فبقيت أياما ليس لها قوت فماتت.
ومما حدث: أن قوما وقعوا على حاج مصر فقتلوا خلقا كثيرا منهم، وأخذوا أموالهم، وعاد من سلم غير حاج، وخرج توقيع من المقتدى بأمر الله بنقض ما علا من دور بني الحرر [اليهود] [3]
__________
[1] في ص: «ثارت»
[2] في الأصل «فأخبرته»
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/242)
وسد أبواب لهم كانت تقابل الجامع، وأخذ عليهم غض الصوت بقراءة التوراة في منازلهم، وإظهار الغيار على رءوسهم، ونودي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتقدم إلى والي كل محلة بالسد من الطائفة الصمدية، وأريقت الخمور، وكسرت الملاهي، ونقضت دور أهل الفساد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3539- أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن أبي أيوب، [أبو بكر] [1] الفوركي، وهو سبط أبي بكر بن فورك
[2] :
نزل بغداد واستوطنها وكان متكلما مناظرًا واعظا، وكان ختن أبي القاسم القشيري على ابنته، وكان يعظ في النظامية فوقعت بسببه الفتنة في المذاهب، وكان مؤثرا للدنيا، طالبا للجاه، لا يتحاشى من لبس الحرير، وقد سمع من أصحاب الأصم، وقيل لأبي منصور بن جهير: نحضره لنسمع منه؟ فقال: الحديث أصلف من الحال التي هو عليها.
فاستحسن الناس ذلك منه.
وقال شيخنا أبو الفضل بن ناصر: كان داعية إلى البدعة يأخذ كسر الفحم [3] من الحدادين ويأكل منه.
وتوفي في شعبان هذه السنة عن نيف وستين سنة، ودفن عند قبر الأشعري بمشرعة الروايا من الجانب الغربي.
3540- الحسين بن علي، أبو عبد الله المردوسي
[4] :
كان رئيس زمانه، وكان قد خدم في زمن بني بويه، وبقي إلى زمان المقتدي، وارتفع أمره حتى كانت ملوك الأطراف تكتب إليه عبده وخادمه، وكان كامل المروءة، لا
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 127)
[3] في الأصل: «مكسر الفحم»
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 127 وفيه: الحسن بن علي» )(16/243)
يسعى إلا في مكرمة، وكان كثير البر والصدقة، والصوم والتهجد، وحفر لنفسه قبرا وأعد كفنا قبل وفاته بخمسين سنة، وتوفي عن خمس وتسعين ودفن بمقبرة باب التبن.
3541- حمزة بن علي بن محمد بن عثمان، أبو الغنائم ابن السواق البندار
[1] :
ولد سنة اثنتين وأربعمائة، وسمع من أبي الحسين بن بشران وغيره، وكان ثقة صدوقا من أثبت المحدثين، حدثنا عنه أشياخنا، وتوفي في شعبان هذه السنة.
3542- عبد الله بن محمد، أبو الحسن البستي
[2] :
قاضي الحريم الشريف، ولد سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، وتوفي في هذه السنة.
3543- عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مأمون بن علي، أبو سعد المتولي
[3] :
ولد سنة ست وعشرين وأربعمائة، وسمع الحديث، وقرأ الفقه على جماعة، ودرس بالنظامية ببغداد بعد أبي إسحاق، ودرس الأصول مدة، ثم قَالَ: الفروع أسلم، وكان فصيحا فاضلا، وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشر شوال من هذه السنة، وصلى عليه أبو بكر الشامي، ودفن بمقبرة باب أبرز.
3544- عبد الملك بن عبد الله [4] بن يوسف، أبو المعالي الجويني، الملقب: إمام الحرمين
[5] :
من أهل نيسابور، و «جوين» قرية من قرى نيسابور، ولد سنة سبع عشرة
__________
[1] البندار: بضم الباء الموحدة وسكون النون وفتح الدال المهملة وفي آخرها الراء: هذه النسبة إلى من يكون مكثرا من شيء يشتري منه من هو أسفل منه أو أخف حالا وأقل مالا منه ثم يبيع ما يشتري منه غيره، وهذه لفظة أعجمية (الأنساب 2/ 311) .
[2] السبتي: نسبة إلى بست، وهي بلدة من بلاد كابل بين هراة وغزنة (الأنساب 2/ 208)
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 128. وشذرات الذهب 3/ 358. ووفيات الأعيان 3/ 133.
والأعلام 3/ 323. والكامل 8/ 442)
[4] في ت: «عبيد الله
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 128. وشذرات الذهب 3/ 358: 362. ووفيات الأعيان 1/ 287. ومفتاح السعادة 1/ 440، 2/ 188. والأعلام 4/ 160. وطبقات السبكي 3/ 249.
والكامل 8/ 441)(16/244)
وأربعمائة، وتفقه في صباه على والده وله دون العشرين سنة، فأقعده مكانه للتدريس [1] [فأقام التدريس] [2] ، وسمع الحديث الكثير في البلاد، وفي بغداد من أبي محمد الجوهري، وروى عنه شيخنا زاهر بن طاهر الشحامي، وخرج إلى الحجاز فأقام بمكة أربع سنين، وعاد إلى نيسابور فجلس للتدريس ثلاثين سنة، وقد سلم إليه التدريس والمحراب والمنبر والخطابة ومجلس التذكير يوم الجمعة، وكان يحضر درسه كل يوم نحو ثلاثمائة، وتخرج به جماعة من الأكابر [3] ، حتى درسوا في حياته، وصرف أكثر عنايته في آخر عمره إلى تصنيف الكتاب الذي سماه: «نهاية المطلب في دراية المذهب» وكان الشيخ أبو [4] إسحاق يقول له: أنت إمام الأئمة. 118/ ب وكان الجويني قد بالغ في الكلام، وصنف الكتب الكثيرة فيه، ثم رأى أن مذهب السلف أولى، فروى عنه أبو جعفر الحافظ أنه قَالَ: ركبت البحر الأعظم، وغصت في الّذي نهى عنه [5] أهل الإسلام كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطف بره وإلا فالويل لابن الجويني.
وأنبأنا أبو زرعة، عن أبيه محمد بن طاهر المقدسي قَالَ: سمعت أبا الحسن القيرواني وكان يختلف إلى درس أبي المعالي الجويني يقرأ عليه الكلام يقول: سمعت أبا المعالي اليوم يقول: يا أصحابنا، لا تشتغلوا بالكلام، فلو علمت أن الكلام يبلغ إلى ما بلغ ما اشتغلت به.
قَالَ المصنف رحمه الله: وشاع عن أبي المعالي أنه كان يقول إن الله يعلم جمل الأشياء ولا يعلم التفاصيل، فوا عجبا! أترى التفاصيل يقع عليها اسم شيء أو لا؟ فإن وقع عليها اسم شيء فقد قال الله وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 2: 29 [6] وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ 21: 81 [7] .
__________
[1] في الأصل: «للدرس» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «الكبار» .
[4] «الشيخ» سقطت من ص، ت.
[5] في ص، ت: «الّذي نهى أهل الإسلام عنه»
[6] سورة: البقرة، الآية: 29.
[7] سورة: الأنبياء، الآية: 81.(16/245)
ونقلت من خط أبى الوفاء بن عقيل قَالَ: قدم أبو المعالي الجويني بغداد أول ما دخل الغز، وتكلم في أبي إسحاق، وأبي نصر بن الصباغ، وسمعت كلامه قَالَ: وذكر الجويني في بعض كتبه ما خالف به إجماع الأمة، فقال: إن الله تعالى يعلم المعلومات 119/ أمن طريق الجملة لا من طريق التفصيل. قَالَ: وذكر لي الحاكي عنه وهو من الفضلاء: من مذهبه أنه ذكر على ذلك شبهات سماها حججا برهانية. قَالَ ابن عقيل:
فقلت له: يا هذا، تخالف نص الكتاب، قَالَ الله تعالى: وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ 6: 59 [1] وقال:
يَعْلَمُ ما في أَنْفُسِكُمْ 2: 235 [2] وَيَعْلَمُ ما في الْأَرْحامِ 31: 34 [3] ويَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى 20: 7 [4] وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 2: 29 [5] ثم انتقل إلى بيان علم ما لم يكن أن لو كان كيف كان يكون فقال لَوْ رُدُّوا لَعادُوا 6: 28 [6] وهذا من جهة السمع، فأما من جهة العقل فإنه خلق جميع الأشياء الكليات والجزئيات، وهذا غاية الدليل على الإحاطة بتفاصيل أحوالها، ومعلوم أن دقائق حكمته المدفونة في النحل وهو ذباب من سمع وبصر [وتهد] [7] إلى دقائق الإتقان في عمل البيوت والادخار للأقوات ما يبطل هذا، ولو صح ما قَالَ كانت الجزئيات في حيز الإهمال، ومن نفي عن نفسه الجهل وأثبت لها العلم كيف يقال فيه هذا. وقد عجبت من تهجمه بمثل هذا، وهذه المقالة غاية الضلالة، هذا كله كلام ابن عقيل.
وحكى هبة الله بن المبارك السقطي قَالَ: قَالَ لي محمد بن الخليل البوشنجي:
حدثني محمد بن علي الهريري وكان تلميذ أبي المعالي الجويني قَالَ: دخلت عليه في مرضه الذي مات فيه وأسنانه تتناثر من فيه ويسقط منه الدود لا يستطاع شم فيه [8] ، فقال:
هذا عقوبة تعرضي بالكلام فاحذره.
__________
[1] سورة: الأنعام، الآية: 59.
[2] سورة: البقرة، الآية: 235.
[3] سورة: لقمان، الآية: 34.
[4] سورة: طه، الآية: 7.
[5] سورة: البقرة، الآية: 29.
[6] سورة: الأنعام، الآية: 28.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] في الأصل: «فمه»(16/246)
مرض الجويني أياما، وكان مرضه غلبة الحرارة وحمل إلى بشتنقان لاعتدال 119/ ب الهواء فزاد ضعفه، وتوفي ليلة الأربعاء بعد العشاء الخامس والعشرين من ربيع الآخر من هذه السنة عن تسع وخمسين سنة، ونقل في ليلته إلى البلد، ودفن في داره، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين فدفن إلى جانب والده، وكان أصحابه المقتبسون من علمه نحو أربعمائة يطوفون في البلد وينوحون [1] عليه.
3545- محمد بن أحمد ابن ذي البراعتين، أبو المعالي.
من أهل باب الطاق، حدث عن أبي القاسم بن بشران، وحدث عنه شيخنا أبو القاسم السمرقندي، وكان يتصرف في أعمال السلطان.
وقال شيخنا ابن ناصر: كان رافضيا لا تحل الرواية عنه.
توفي في رمضان هذه السنة.
3546- محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد [2] بن الوليد، أبو علي المعتزلي
[3] .
من الدعاة، كان يدرس [4] علم الاعتزال، وعلم الفلسفة والمنطق، فاضطره أهل السنة إلى أن لزم بيته خمسين سنة لا يتجاسر أن يظهر، ولم يكن عنده من الحديث إلا حديث [5] واحد لم يرو غيره، سمعه من شيخه أبي الحسين بن البصري، ولم يرو أبو الحسين غيره، وهو قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِذَا لَمْ تَسْتَحْي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» [6] فكأنهما خوطبا بهذا الحديث لأنهما لم يستحييا من بدعتهما التي خالفا بها السنة، وعارضاها بها ومن فعل ذلك فما استحيا.
ولهذا الحديث قصة عجيبة: وهو أنه رواه القعنبي عن شعبة، ولم يسمع من شعبة
__________
[1] في ت: «يوحون» .
[2] «بن أحمد» سقطت من ت.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 129. وشذرات الذهب 3/ 362. ولسان الميزان 5/ 56.
والكامل حوادث سنة 478 (8/ 441) . والأعلام 5/ 315)
[4] في الأصل: «يدري»
[5] في ص: «سوى حديث» .
[6] حديث: «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» أخرجه البخاري من صحيحه 9/ 25، وأورده السيوطي في الدرر المنتشرة برقم 70، وعزاه للبخاريّ.(16/247)
غيره، وفي سبب ذلك قولان: أحدهما: أن القعنبي قدم البصرة ليسمع من شعبة ويكثر، فصادف مجلسه وقد انقضى، فمضى إلى منزله فوجد الباب مفتوحا وشعبة على 120/ أالبالوعة، فهجم فدخل من غير استئذان وقال: أنا غريب قصدت من بلد/ بعيد لتحدثني، فاستعظم شعبة ذلك وقال: دخلت منزلي بغير إذني، وتكلمني وأنا على مثل هذه الحال، اكتب: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ رَبَعِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قَالَ: «إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» ، ثم قَالَ: والله لا حدثتك غيره ولا حدثت قوما أنت معهم.
والثاني: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنَّاءُ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكَشِّيُّ قَالَ: حدثني بَعْضُ الْقُضَاةِ عَنْ بَعْضِ وَلَدِ الْقَعْنَبِيِّ قَالَ: كَانَ أَبِي يَشْرَبُ النَّبِيذَ وَيَصْحَبُ الأَحْدَاثَ، فَقَعَدَ يَوْمًا يَنْتَظِرُهُمْ عَلَى الْبَابِ، فَمَرَّ شُعْبَةُ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ يَهْرَعُونَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: شُعْبَةُ. قَالَ: وَأَيُّ شُعْبَةَ؟ قِيلَ: مُحَدِّثٌ. فَقَامَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ أَحْمَرُ فَقَالَ لَهُ: حَدِّثْنِي. قَالَ لَهُ: مَا أَنْتَ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. فَشَهَرَ سِكِّينَهُ فَقَالَ:
أَتُحَدِّثُنِي أَوْ أَجْرَحُكَ. فَقَالَ لَهُ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ رَبَعِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» ، فرمى سكينه ورجع إلى منزله، فأهراق ما عنده، ومضى إلى المدينة فلزم مالك بن أنس، ثم رجع إلى البصرة وقد مات شعبة، فما سمع منه غير هذا الحديث.
وقال شيخنا ابن ناصر: كان ابن الوليد داعية إلى الاعتزال، لا تحل الرواية عنه.
قَالَ المصنف رحمه الله: قرأت بخط أبي الوفاء بن عقيل قَالَ: جرت مسألة بين 120/ ب أبي علي بن الوليد وأبي يوسف القزويني في إباحة الولدان في الجنة، أي في إمراجهم في جماعهم وإنشاء شهوتهم لذلك، قَالَ أبو علي بن الوليد: لا يمتنع أن يجعل من جملة لذاتهم ذلك لزوال المفسدة فيه في الجنة، لأنه إنما منع منه في الدنيا لما فيه من قطع النسل، وكونه محلا للأذى وليس في الجنة ذلك، ولذلك أمرجوا في شرب الخمر لما أمن من السكر وغائلته من العربدة والعداوة، وزوال العقل، فلما أمن ذلك من شربها لم يمنع من الالتذاذ بها. فقال أبو يوسف: إن الميل إلى الذكور عاهة، وهو قبيح(16/248)
في نفسه، إذ لم يخلق هذا المحل للوطء، ولهذا لم يبح في شريعة، بخلاف الخمر، وإنما خلق مخرجا للحدث، وإذا كان عاهة فالجنة منزهة عن العاهات. فقال أبو علي [1] : إن العاهة هي التلويث بالأذى، وإذا لم يكن أذى لم يكن إلا مجرد الالتذاذ، فلا عاهة.
قَالَ ابن عقيل: قول أبي يوسف كلام جاهل، إنما حرم بالشرع، وكما عادت الأجزاء كلها لاشتراكها في التكليف ينبغي ان تعاد القوى والشهوات، لانها تشارك الأجزاء في التكليف [2] ويتعصب بالمنع من قضاء أوطارها، والممتنع من هذا معالج طبعه بالكف، وفينبغي أن تقابل هذه المكابدة بالإباحة. ثم عاد وقال: لا وجه لتصوير اللواط، لأنه ما يثبت أن يخلق لأهل الجنة مخرج غائط، إذا لا غائط.
توفي ابن الوليد في ليلة الأحد ثالث ذي الحجة من هذه السنة [3] [وصلى عليه أبو طاهر الزينبي] [4] ودفن بالشونيزيه.
3547- محمد بن علي [بن محمد] [5] بن الحسين [6] بن عبد الملك بن عبد الوهاب بن حمويه، أبو عبد الله الدامغاني
[7] :
ولد في ليلة الاثنين ثامن ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة بدامغان، وتفقه ببلده، ثم دخل إلى بغداد يوم الخميس سادس عشرين رمضان سنة تسع عشرة فتفقه 121/ أعلى أبي عبد الله الحسين بن علي الصيمري، وأبي الحسين أحمد بن محمد القدوري، وسمع منهما الحديث، وبرع في الفقه، وخص بالعقل الوافر والتواضع، فارتفع وشيوخه أحياء، وانتهت إليه الرئاسة في مذهب العراقيين، وكان فصيح العبارة،
__________
[1] في الأصل: «أبو الوليد»
[2] «ينبغي ان تعاد القوى والشهوات لانها تشارك الأجزاء في التكليف» هذه العبارة ساقطة من ت.
[3] «في هذه السنة» سقطت من ت.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من ص الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في ت: «بن الحسن»
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 129.
وشذرات الذهب 3/ 362. والجواهر المضية 2/ 96. واللباب 1/ 406. ومعجم البلدان 4/ 27.
والوافي بالوفيات 4/ 139. والأعلام 6/ 276. والكامل 8/ 442)(16/249)
كثير النشوار في درسه، سهل الأخلاق، روى عنه شيوخنا، وعانى الفقر في طلب العلم، فربما استضوأ بسراج الحارس.
وحكى عنه أبو الوفاء ابن عقيل أنه قَالَ: كان لي من الحرص على الفقه في ابتداء أمري أني كنت أخذ المختصرات وأنزل إلى دجلة أطلب أفياء الدور [1] الشاطئية والمسنيات، فأنظر في الجزء وأعيده، ولا أقوم إلا وقد حفظته، وفأدّى بي السعي إلى مسناة الحريم الطاهري، فجلست في فيئها الثخين، وهوائها الرقيق، واستغرقني النظر، فإذا شيخ حسن الهيئة قد اطلع على، ثم جاءني بعد هنيهة فراش فقال: قم معي. فقمت معه حتى جاء بي إلى باب كبير وعليه جماعة حواش، فدخل بي إلى دار كبيرة وفيها دست مضروب ليس فيها أحد، فأدفاني منه فجلست، وإذا بذلك الشيخ الذي اطلع على قد خرج فاستدناني منه، وسألني عن بلدي فقلت: دامغان، وكان علي قميص خام وسخ وعليه آثار الحبر، فقال: ما مذهبك، وعلى من تقرأ؟ فقلت: حنفي، قدمت منذ سنين وأقرأ على الصميري، وابن القدوري. فقال: من أين مؤنتك؟ قلت: لا جهة لي أتمون 121/ ب منها. فقال: ما تقول في مسألة كذا وكذا [2] من الطلاق؟ وبسطني ثم قَالَ: تجيء كل خميس إلى ها هنا. فلما جئت أقوم أخذ قرطاسا وكتب شيئا [ودفعه إلى] [3] وقال:
تعرض هذا على من فيه اسمه وتأخذ [4] ما يعطيك. فأخذته ودعوت له، فأخرجت من باب آخر غير الذي دخلت منه، وإذا عليه رجل مستند إلى مخدة، فتقدمت [إليه فقلت] [5] : من صاحب هذه الدار؟ فقال: هذا ابن المقتدر باللَّه. فقال: فما معك؟
فقلت: شيء كتبه لي. فقال: بخطه، أين كان الكاتب؟ فقلت: على من هذا؟ فقال:
على رجل من أهل باب الأزج: عشر كارات دقيق سميد فائق، وكانت الكارة تساوي ثمانية دنانير، وكتب لك بعشرة دنانير. فسررت ومضيت إلى الرجل، فأخذ الخط ودهش، وقال: هذا خط مولانا الأمير.، فبادر فوزن الدنانير وقال: كيف تريد الدقيق؟
__________
[1] في الأصل: «أتقيا البيوت»
[2] «وكذا» سقطت من ص، ت.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ص: «وخذ» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/250)
جملة أو تفاريق؟ فقلت: أريد كارتين منها، وثمن الباقي. ففعل فاشتريت كتبا فقهية بعشرين وكاغدا بدينارين.
وشهد عند أبي عبد الله بن ماكولا قاضي القضاة في يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين، فلما توفي ابن ماكولا قَالَ القائم بأمر الله لأبي منصور بن يوسف: قد كان هذا الرجل- يعني ابن ماكولا- قاضيا حسنا نزها، ولكنه كان خاليا من العلم، ونريد قاضيا عالما دينا. فنظر ابن يوسف إلى عميد الملك [1] الكندري هو المستولي على الدولة، وهو الوزير، وهو شديد التعصب لأصحاب الإمام [2] أبي حنيفة، فأراد التقرب إليه، فاستدعى أبا عبد الله الدامغانيّ فولى قاضي القضاة يوم الثلاثاء تاسع ذي القعدة سنة سبع وأربعين، وخلع عليه، وقرئ عهده، وقصد خدمة السلطان 122/ أطغرلبك في يوم الأربعاء عاشر ذي القعدة، فأعطاه دست ثياب وبغلة، واستمرت ولايته ثلاثين سنة، ونظر نيابة عن الوزارة مرتين: مرة للقائم بأمر الله، ومرة للمقتدي.
وكان يوصف بالأكل الكثير، فروى الأمير باتكين بن عبد الله الزعيمي قَالَ:
حضرت طبق الوزير فخر الدولة ابن جهير، وكان يحضره الأكابر، فحضر قاضي القضاة محمد بن على، فأحببت أن أنظر إلى أكله، فوقفت بإزائه، فأبهرني كثرة أكله حتى جاوز الحد، وكان من عادة الوزير أن ينادم الحاضرين على الطبق، ويشاغلهم حتى يأكلوا، ولا يرفع يده إلا بعد الكل، فلما فرغ الناس من الأكل قدمت إليهم أصحن الحلوى، وقدم بين يدي قاضي القضاة صحن فيه قطائف بسكر [وكانت الأصحن] [3] كبارا، يسع الصحن منها أكثر من [4] ثلاثين رطلا، فقال له الوزير يداعبه: هذا برسمك.
فقال: هلا أعلمتموني. ثم أكله حتى أتى على آخره.
مرض أبو عبد الله الدامغاني يوم الأربعاء سابع عشر رجب، وكان الناس يدخلون فيعودونه إلى آخر يوم الأربعاء الرابع والعشرين من رجب، فحجب عن الناس الخميس
__________
[1] في الأصل: «إلى عبد الملك»
[2] «الإمام» سقطت من ص، ت.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] «أكثر من» سقطت من ص.(16/251)
والجمعة أو توفي ليلة السبت الرابع والعشرين من رجب. وقد ناهز الثمانين. فنزع الفقهاء طيالستهم يوم موته، وصلى عليه ابنه أبو الحسن، ودفن بداره بنهر القلائين، ثم نقل إلى مشهد أبي حنيفة.
3548- محمد بن علي بن المطلب، أبو سعد
[1] :
122/ ب كان قد قرأ النحو واللغة [2] ، والسير، والآداب، وأخبار الأوائل، وقال شعرا كثيرا، إلا أنه كان كثير الهجو، ثم مال عن ذلك، وأكثر الصوم والصلاة والصدقة، وروى الحديث عن ابن بشران، وابن شاذان، وغيرهما، وغسل مسودات شعره، وأحرق بعضها بالنار، وتوفي فِي هذه السنة وهو ابن ست وثمانين سنة.
3549- محمد بن أبي طاهر، العباسي، ويعرف بابن الرجحي
[3] :
تفقه على أبي نصر ابن الصباغ وشهد عند الدامغاني وناب في القضاء فحمدت طريقته وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن بمقبرة الجامع.
3550- منصور [بن دبيس] [4] بن علي بن مزيد
[5] :
توفي [6] [وتولى الإمارة ابنه سيف الدولة صدقة] [7] وتوفي في رجب هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 130) .
[2] في الأصل: «كان قد قرأ المعنية»
[3] في الأصل، ص: «الرحى» وفي البداية والنهاية: «الرجيحي» وما أثبتناه من ت.
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 130)
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ت زيادة: «بن صدقة» ولم أجدها في أي مصدر نقل له ترجمة، ولعلها سهو من الناسخ.
انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 445 وفيات سنة 479.
والبداية والنهاية 12/ 130. والأعلام/ 299. وتاريخ ابن خلدون 4/ 280)
[6] «توفي» سقطت من ت.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/252)
3551- هبة الله [بن عبد الله] [1] بن أحمد بن السيبي [2] ، أبو الحسن
[3] :
ولد سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، وسمع أبا الحسين بن بشران، وابن أبي الفوارس، وابن الحمامي، وابن شاذان، وكان مؤدبا للمقتدي، ثم أدب أولاده.
توفي في محرم هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب، وبلغ خمسا وثمانين سنة.
وكان ينشد من إنشائه:
رجوت الثمانين من خالقي ... لما جاء فيها عن المصطفى
فبلغنيها وشكرا له ... وزاد ثلاثا بها أردفا
وها أنا منتظر وعده ... لينجزه فهو أهل الوفا
3552- أبو البركات الموسوي [4] الشريف:
كان له نقابة المشهد بسامراء، وكان من ظراف البغداديين وكرمائهم، وكان يصلي عامة الليل، وتوفي في شعبان هذه السنة، عن ثلاثة عشر ولدا ذكرا، وبنت واحدة.
3553- الجهة [5] القائمية: أم ولد القائم بأمر الله، الذخيرة والسيدة:
123/ أتوفيت يوم الجمعة رابع عشرين جمادى الآخرة، وأخرجت عشية الجمعة، وصلى عليها ابن ابنها المقتدي بأمر الله، وحملت في الطيا إلى باب الطاق، فوصلت بعد عتمة، ومشى الناس كلهم سوى الوزير إلى التربة [6] بشارع الرصافة، وجلس للعزاء بها ثلاثة أيام، وكانت قد أوصت بجزء من مالها للحج والصدقات والقرب، ويذكر عنها الصوم والصلاة والورع.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ص: «السبتي»
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 13/ 130، وفيه: «هبة الله بن أحمد» . والكامل 8/ 441 وفيه:
«هبة الله بن محمد» )
[4] في ت: «الموسوي»
[5] «الجهة» سقطت من ت.
[6] في ت، ص: «الترب» .(16/253)
3554- يحيى بن محمد بن القاسم، أبو المعمر المعروف: بابن طباطبا العلوي
[1] :
وكان بقية شيوخ الطالبيين، وكان هو وأخوه نسابتهم، وكان ينزل بالبركة من ربع الكرخ، وكان مجمعا لظراف الطالبيين وعلمائهم وشعرائهم وفضلائهم، وكان يذهب مذهب الإمامية وقد قرأ [2] طرفا من الأدب.
وتوفي في رمضان هذه السنة، وهو آخر بني طباطبا ولم يعقب.
__________
[1] انظر ترجمته في: (النجوم الزاهرة 5/ 123. ولسان الميزان 6/ 276. وهدية العارفين 2/ 519.
وروضة الألباء 441. وروضات الجنات 218. والأعلام 8/ 164)
[2] في الأصل: «وكان قرأ» .(16/254)
ثم دخلت سنة تسع وسبعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في المحرم تقدم أمير المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونودي بذلك في الأسواق، وأريقت الخمور، وكسرت الملاهي، ونقضت دور يلجأ إليها/ 123/ ب المفسدون.
[قتل رجلان كان السبب في قتلهما امرأة]
وفيه: قتل رجلان كان السبب في قتلهما أن امرأة كانت تطر وتأخذ أموال الناس وتنفقها عليهما، ثم مالت إلى أحدهما دون الآخر، فظفر به الآخر فقتله، فظفرت بالقاتل أخت المقتول [فجرحته، فجاء أخوها] [1] فقتله فقبرا من ساعتهما.
[قتل منفوخة المسلحي بالكرخ]
وفيه: قتل منفوخة المسلحي بالكرخ بين السورين، فرت الشحنة وكبس دار الطاهر نقيب الطالبيين، وقد كان لجأ إليها جماعة من المتهمين، فقبض عليهم وأخذ منهم أموالا، فاتفقت السنة والشيعة على الاستغاثة على الشحنة، فتغيب فطلبه الأتراك، فأخذ مسحوبا إلى الباب فاعتقل، وأمر برد ما أخذ وأخرج منفوخة فأحرق على بابه [2] .
[تقدم المقتدى بإحضار زعيم الكفاة أبي منصور محمد بن محمد بن الحسين بن المعوج]
وفي صفر: تقدم المقتدى بإحضار زعيم الكفاة أبي منصور محمد بن محمد بن الحسين بن المعوج إلى الديوان فخلع عليه، فحضره أرباب الدولة، وخرج التوقيع بتقليده المظالم، وكان فيه: «ولما رأى أمير المؤمنين في محمد بن محمد بن الحسين
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ص: «فأحرق على تل» .(16/255)
من العفاف والديانة والثقة والصيانة قلده المظالم، وقد أخذ عليه [تقوى] [1] الله وطاعته والسعي في كل ما كان يزلفه عنده ويقربه من أمير المؤمنين» فكان كل ما قرئ هذا قبل الأرض، ثم خرج فجلس بباب النوبي، ثم دعا الأمراء بالمعروف فكانوا أعوانه، وكان صيّنا نزها.
[ثوران الفتنة بين السّنّة والشيعة]
24/ أوفي هذا الشهر: ثارت الفتنة بين السنة والشيعة/، وقتل جماعة منهم أبو الحسن بن المهتدي الخطيب، وكانت الوقعة بين جامع المنصور والقنطرة العتيقة، فتولى قتال أهل السنة العميد والشحنة، ثم حاصر الطائفتان أياما فلم يقدر أحد أن يظهر، فجبي لهما مال تولى جبايته النقيبان، فتقدم أمير المؤمنين بالقبض على النقيبين [فحبس النقيبين] [2] ، فأنكرا ما فعلا، وألزم العميد الشحنة رد ما أخذا.
وفي هذا الشهر: قدم خدم ابن أبي هاشم [من مكة] [3] بخرق الدم معلقة على حراب الأضاحي، وخرج حجاب الديوان لتلقيهم، وعادوا والقراء بين أيديهم، فنزلوا وقبلوا العتبة الشريفة، وصاروا إلى دار الضيافة، فأدر عليهم ما جرت به العادة.
وبعث في هذه السنة صفائح ذهب وفضة لتعلق [4] على الباب ففعل ذلك، وقلع كل ما كان [على الباب مما] [5] عليه اسم صاحب مصر، وكتب اسم المقتدى.
وفي صفر أيضا: دخل عريف الصناع والفعلة والصناع معه على العادة إلى دار الخلافة، فخرج المقتدي باللَّه [6] يمشي في الدار، فخرج إليه ثلاثة من الرجال فقبلوا الأرض وقالوا: نحن رجال من رؤساء نهر الفضل صودرنا وعوقبنا، ولنا أربعة أشهر على الباب لم ينجز لنا حال، فتوصلنا إلى أن دخلنا في حد الروز جارية فقال: فمن فعل بكم هذا؟ قالوا: ابن زريق الناظر بواسط، فوعدهم الجميل فخرجوا، وتقدم من ساعته
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ص، ت: «لتطبق» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] «باللَّه» سقطت من ص، ت.(16/256)
بإيضاح الحال، فإن كان كما ذكروا فليعزل ابن زريق عن أعمال واسط، وليصعد به منكلا. ثم تقدم إلى صاحب المظالم أن لا يطوى حال أحد من الرعية، ثم وصل 124/ ب أولئك وأحدرهم وأصحبهم من يستوفي من ابن زريق ما لهم، وينفذ فيه ما تقدم به.
[وصول الشريف العلويّ الدبوسي]
وفي جمادى الأولى: وصل الشريف العلوي الدبوسي، كان قد استدعاه النظام للتدريس بمدرسته ببغداد فتلقى، وكان بعيد النظر في معرفة الجدل، فدرس في النظامية بعد موت أبي سعد المتولى.
وفي جمادى الآخر: بدأ الطاعون بالعراق، وكان عامة أمراضهم حمى الربع، ثم يتعقبها الموت، فلما كثر ذلك أمر المقتدى بتفرقة الأدوية والأشربة على المحال، ثم فض عليهم المال.
[وقوع نار بواسط]
وفي هذا الشهر: وقعت نار بواسط فأحرقت سوق الصيدلة من الجانبين، ووصل صدقة بن مزيد من المعسكر السلطاني من أصبهان فنزل النهروان، وطلب من الديوان أن يتلقى كما كانت عادة أبيه فلم يجب إلى ذلك [1] ، فعدل إلى بلاده.
[سار ملك شاه فنزل الموصل]
وفي هذا الشهر: سار ملك شاه فنزل الموصل في رجب، ثم مضى إلى قلعة جعبر، وقد كان تحصن بها شاري [2] يعرف بسابق بن جعبر في عدد من السلوح [3] يغيرون ويلجئون إليها، فراسله السلطان في تسليمها وأن يؤمنه على نفسه وماله، فلم يجب، فنصب العرادات، ونقب السور، وفتحت وقتل عامة من كان فيها، وقبض على سابق، وأرادوا قتله بالسيف، فوقعت عليه زوجته وقالت: لا أفارقه أو [4] تقتلوني معه، فألقوه من أعلى السور فتكسر، ثم ضرب بالسيوف نصفين فألقت نفسها وراءه فسلمت، فقال لها السلطان: ما حملك على هذا؟ فقالت: إنا قوم لم يتحدث عنا بالخنا، فخفت أن يخلو بي من الترك في القلعة، فيقول الناس/ شاءوا. فاستحسن ذلك منها.
125/ أ
[وقوع صاعقة في خان الخليفة]
وفي رجب: وقعت صاعقة في خان الخليفة المقابل لباب النوبي فأحرقت جزءا
__________
[1] في الأصل: «لذلك» .
[2] في ص: «شار» .
[3] في ص: «العلوج» .
[4] في ص: «حتى تقتلوني» .(16/257)
من كنيسة الخان، وفتتت أسطوانة حتى صارت رميما، وسقط منها مثل كباب القطن الكبار نارا، فخر الناس على وجوههم، وسقطت أخرى بخرابة ابن جردة فقتلت غلاما تركيا، وسقطت أخرى على جبل آمد فصار رمادا، ووقعت صواعق في البرية لا تحصى في ديار الشام.
[كثرة الوحول في الطرقات]
وفي رمضان: كثرت الوحول في الطرقات، فأمر أمير المؤمنين بتنظيفها، وأقيم عدد من الفعلة لتنظيفها [1] ومائة من البهائم لنقلها.
وفي أول يوم من شوال: حضر الموكب النقيبان والأشراف والقضاة والشهود، فنهض بعض المتفقهة وأورد أخبارا في مدح الصحابة، وقال: ما بال الجنائز تمنع من ذكر الصحابة عليها بمقابر قريش وربع الكرخ [والسنة ظاهرة] [2] ويد أمير المؤمنين الباسطة القاهرة [3] . فطولع بما قَالَ، فخرج [التوقيع] [4] بما معناه: أنهى ما ارتكب بمقابر قريش من إخمال [5] ذكر صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي عنهما، وتورطهم في هذه الجهالة، واستمرارهم على هذه الضلالة التي استوجبوا بها النكال، واستحقوا العظيم الخزي والوبال، وإنما يتوجه العتب في ذلك نحو نقيب الطالبيين ولولا ما تدرع به من جلباب الحلم [6] ، وأسباب يتوخاها لتقدم في فرضه ما يرتدع به الجهال، فليؤجر بإظهار 125/ ب شغل السنة في مقابر باب التبن وربع الكرخ من ذكر الصحابة/ على الجنائز، وحثهم على الجمعة والجماعة، والتثويب «بالصلاة خير من النوم» وذكر الصحابة على مساجدهم ومحاريبهم أسوة بمساجد السنة، والتقدم بمكاتبة ابن مزيد ليجري على هذه السّنّة [7] في بلاده فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ 24: 63 [8] .
__________
[1] «لتنظيفها» سقطت من ص.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص: «ويد أمير المؤمنين قاهرة» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «احتمال» .
[6] في ص، ت: «الحكم»
[7] في ص، ت: «السيرة» .
[8] سورة النور، الآية: 63.(16/258)
وفي شوال: وصل رسول السلطان بكتب تتضمن الدعاء للمواقف المقدسة، والاعتذار من تأخره عن الخدمة، وأنه بسعادة الخدمة فتح حلب، وأنطاكية، والرها، وقلعة جعبر، وطرفا [1] من بلاد الروم، وهو في أثر هذه الخدمة، فخرج من بغداد النقيبان طراد والمعمر، فخدماه بالموصل، وتلاهما عفيف، ثم ذوو المناصب، فلما وصل الصالحين نفذ من الإقامات ما لا يحصى، وخرج الموكب لتلقية، فتوجه الوزير أبو شجاع والنقيبان والجماعة والقراء والطبول والبوقات فبلغوه عن المقتدى [بأمر الله] [2] السلام [3] والتهنئة بالتقدم، فقام وقبل الأرض ثم دخل بغداد.
[وقوع الفتنة بين السّنّة والشيعة]
وفي شوال: وقعت الفتنة بين السنة والشيعة، وتفاقم الأمر إلى أن نهبت قطعة من نهر الدجاج، وطرحت النار، وكان ينادي على نهوب الشيعة إذا بيعت في الجانب الشرقي: هذا مال الروافض وشراؤه وتملكه حلال.
وفي ذي الحجة: قدم السلطان أبو الفتح ملك شاه إلى بغداد ألزمته خاتون بهذا لتنقل ابنتها إلى الخليفة، فدخل دار المملكة والعوام يترددون إليه ولا يمنعون، وضرب 126/ أالوزير نظام الملك سرادقة في الزاهر ليقتدي به العسكر ولا ينزلون في دور الناس، فلم يقدم أحد على النزول في دار أحد، وركب السلطان إلى مشهد الإمام [4] أبي حنيفة رضي الله عنه [5] فزاره، وعبر إلى قبر معروف وقبر موسى بن جعفر والعوام بين يديه، وانحدر إلى سلمان فزاره، وأبصر إيوان كسرى، وزار مشهد الحسين عليه السلام، وأمر بعمارة سوره، ويمم إلى مشهد علي عليه السلام فأطلق لمن فيه ثلاثمائة دينار، وتقدم باستخراج نهر من الفرات يطرح الماء إلى النجف فبدئ فيه، وعمل له الطاهر نقيب العلويين [المقيم هناك] [6] سماطا كبيرا.
__________
[1] في الأصل: «جازها» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] «السلام و» سقطت من ص.
[4] «الإمام» سقطت من ص.
[5] «رضى الله عنه» سقطت من ص.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/259)
وفي ليلة الاثنين سابع ذي الحجة: مضت والدة الخليفة وعمته إلى خاتون في دار المملكة، فضربت سرادقا من الدار إلى دجلة، ونزلت إليهما فخدمتهما، وصعدتا إلى دار المملكة، ثم نزلتا وهي معهما وانحدرن.
وفي ليلة الخميس سابع عشر هذا الشهر: وصل النظام إلى الخليفة من التاج ومشي وحده إلى أن وصل إليه وهو جالس من وراء الشباك فخدم، فقربه وأدناه وأخرج يده من الشباك إليه فقبلها ووضعها علي عينه، وخاطبه بما جمله به.
وكان جماعة من الفقراء يأوون إلى كويخات بباب الغربة، فتقدم أمير المؤمنين بأن يشتري لكل واحد دارا بالمقتدية، وبالمسعودة، والمختارة، وملكوها ونقضت كويخاتهم.
126/ ب وتوفي فقير صاحب مرقعة بجامع المنصور كان/ يسأل الناس، فوجدوا في مرقعته ستمائة دينار مغربية.
وظهر فيها بين ديار بني أسد وواسط عيّار مقطوع اليد اليسرى، كان يقع علي القفل بنفسه فيقتل ويمثل ويأخذ المال، وكان يغوص عرض دجلة في غوصتين، وكان يقفز خمسة عشر ذراعا، ويتسلق الحيطان الملس، ولا يقدر [1] عليه فخرج عن أرض العراق سالما.
وفي هذه السنة: صنع سيف الدولة سماطا للسلطان جلال الدولة بظاهر الأجمة في الجانب [2] الشرقي، ذكر أنه ذبح ألف كبش ومائة رأس دواب وجمال، وأنه سبك عشرين ألفا منا سكرا، وكان السماط أحسن شيء، وقد علق عليه ما صنع من منفوخ السكر من الطيور والوحوش، وأنواع التماثيل، فحضر السلطان، وأشار إلى شيء منه، ثم نهب وانتقل إلى طعام خاص، ومجلس عبي له سرادق ديباج فيه خيم ديباج اشتمل على خمسمائة قطعة من أواني الفضة، وزين بتماثيل الكافور والعنبر و [الندو] [3]
__________
[1] في الأصل: «ولا يقتدر» .
[2] في الأصل: «في باب الشرقي» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/260)
المسك الأذفر، فجلس وقضي منه وطرا، فلما نهض خدم سيف الدولة بحمل عشرين ألف [1] دينار، والسرادق والأواني، وقبل الأرض بين يديه وانصرف.
وفي هذه السنة: وقعت العرب علي الحاج فقاتلوهم يومهم، وأمسوا يسألون الله النجاة، فبلغ العرب أن قوما منهم علموا خلو أبياتهم فاستاقوا مواشيهم فولوا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3555-/ إبراهيم بن عبد الواحد بن طاهر بن الطيب، أبو الخطاب القطان
[2] 1/ أ.
سمع البرقاني، والخرقي، وعبد الله بن بشران، روى عنه شيخنا عبد الوهاب، وأثنى عليه فقال: كان خيرا كيسا، توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
3556-[إسماعيل بن] [3] زاهر بن محمد بن عبد الله [بن محمد بن عبد الله] [4] أبو القاسم النوقاني من أهل نيسابور
[5] .
ولد سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، سمع بالبلاد من خلق كثير، وكان ثقة صدوقا فقيها أديبا حسن السيرة، روى عنه أشياخنا، وتوفي في هذه السنة.
3557- الحسن بن محمد بن القاسم، أبو علي بن زينة
[6] .
سمع من هلال الحفار، وأبي الحسن الحمامي، وغيرهما، روى عنه شيخنا أبو محمد المقرئ. توفي في صفر هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «بعشرين ألف دينار» .
[2] القطّان: بفتح القاف وتشديد الطاء المهملة وفي آخرها نون. هذه النسبة إلى بيع القطن (الأنساب 10/ 184) .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت.
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 363. وتاريخ نيسابور ت 318) .
[6] في ت: «بن رينة» .(16/261)
3558- ختلغ بن كنتكين، أبو منصور أمير الحاج
[1] .
كان شجاعا، وله وقعات مع عرب البرية، وكانوا يخافونه، وكان حسن السيرة محافظا على الصلوات في جماعة، يختم القرآن كل يوم، ويختص به العلماء والقراء، وله آثار جميلة في المشاهد والمساجد والمصانع بين مكة والمدينة، ولبث في إمرة الحاج اثنتي عشرة سنة، توفي في يوم الخميس بين الظهر والعصر سابع جمادى الأولى من هذه السنة، فبلغ ذلك النظام فقال: مات ألف رجل.
3559- صافي عتيق القائم بأمر الله
[2] .
قرأ القرآن، وصاحب الأخيار، وتبع أبا علي بن موسى الهاشمي الحنبلي، فأخذ 127/ ب من هديه، وكان متورعا له تهجد وعبادات/ وبر وصدقات، وأعتق عند موته عبيده وإماءه، وأوصى لكل منهم بجزء من ماله، ووقف على أبواب البر، وأجاز ذلك المقتدي، وصلى عليه ثم حمل إلى تربة الطائع فقبر هناك.
3560- عَبْد اللَّهِ بن أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ [عبد الصمد] [3] بن المهتدي، أبو جعفر أبو أبي الفضل
[4] .
سمع أبا القاسم بن بشران وغيره، روى عنه شيخنا أبو القاسم السمرقندي، وكان من ذوي الهيئات النبلاء والخطباء الفصحاء، وكان صاحب مفاكهة وأشعار، وطرف وأخبار، توفي في شعبان هذه السنة، ودفن في مقبرة جامع المدينة.
3561- عبد الخالق بن هبة الله بن سلامة بن نصر، أبو عبد الله المفسر الواعظ
[5] .
ولد سنة تسعين وثلاثمائة، وسمع أباه وأبا علي بن شاذان وغيرهما، وكان له
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 132، وفيه: «جنفل قنلغ» هكذا محرفا. والكامل 8/ 452 وفيه: «قنلغ أمير الحاج» ) .
[2] في ت: «صافي عتيق القائم» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ت: «أبو جعفر أبو الفضل» .
[5] في ت: «الواغض» .(16/262)
سمت [1] ووقار، وكان كثير التهجد والتعبد.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة وهو ابن أربع وتسعين، ودفن بمقبرة الجامع.
3562- عبد الواحد بن محمد [2] بن عبد السميع، أبو الفضل العباسي
[3] .
من ولد الواثق، روى الحديث، وكان ثقة صالحا.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة عن نيف وتسعين، ودفن بمقبرة الجامع.
3563- علي بن أبي نصر بن ودعة.
كان يؤثر عنه الخير والأمانة والديانة، وكان رئيس التجار بالموصل.
توفي ببغداد، وحملت جنازته إلى الموصل فكان يوما مشهودا [4] .
3564- علي بن فضال، أبو الحسن المجاشعي النحوي
[5] .
سمع الحديث، وكان له علم غزير وتصانيف حسان، إلا أنه مضعَّف [6] في الرواية، توفي في ربيع الأول من هذه السنة، ودفن بباب أبرز.
3565- علي بن أحمد بن علي، أبو القاسم، المعروف: بابن الكوفي
[7] .
سمع ابن شاذان/، وابن غيلان، وغيرهما، وقرأ القرآن على أبي العلاء 128/ أالواسطي وغيره، وولي النظر بالمارستان العضدي، فأحسن مراعاة المرضي.
وتوفي في رجب هذه السنة، ودفن بالشونيزية.
__________
[1] في الأصل: «وكان له سمعت ووقار» خطأ.
[2] «بن محمد» سقطت من ت.
[3] في ت: «العباس» .
[4] في ت: «يوما مشهورا» .
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 132.
وشذرات الذهب 3/ 363. وبغية الوعاة 345.
ولسان الميزان 4/ 249. وإرشاد الأريب 5/ 289.
وإرشاد الأريب 289. وإنباه الرواة 2/ 299. والأعلام 4/ 319. والكامل 8/ 450)
[6] في ص: «يضعف» .
[7] في ت: «المعروف بالكوفي»(16/263)
3566- محمد بن أحمد، أبو علي التستري
[1] .
كان متقدم البصرة في الحال والمال وله مراكب في البحر، حفظ القرآن، وسمع الحديث، وانفرد برواية سنن أبي داود عن أبي عمر، وكان حسن المعتقد، صحيح السماع، وتوفي في رجب هذه السنة.
3567- مُحَمَّد بن أحمد بن [2] القزاز المطيري
[3] .
روي الحديث، ونظم الشعر، وكانت له يد في القراءات إلا أنهم حكوا عنه تسمحا في الرواية، توفي المطيري عن مائة وثلاث عشرة سنة.
3568- محمد [بن محمد] [4] بن أحمد ابن المسلمة، أبو علي بن أبي جعفر.
ولد سنة إحدى وأربعمائة، وروى عن هلال [5] الحفار وغيره، فروى عنه أشياخنا، وتوفي في رمضان هذه السنة، ودفن بباب حرب، وكان زاهدا صموتا ثقة.
3569- محمد بن محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد الوهاب بْن سليمَان بْن عبد الله بْن محمد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ العباس بن عبد المطلب [6] ، أبو نصر بن أبي طاهر بن علي
[7] .
ولد في صفر سنة تسع وثمانين وثلاثمائة [8] ، وسمع من المخلص وأبي بكر بن
__________
[1] في الأصل: «الشيرى» .
انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 363 وفيه: «أبو علي التستري علي بن أحمد بن علي البصري السقطي» .
والكامل لابن الأثير 8/ 450، وفيه: «أبو علي محمد بن أحمد الشيرى البصري» . والبداية والنهاية 12 12/ 132، وفيه: «علي بن أحمد التستري» )
[2] «ابن» سقطت من ت.
[3] في ت: «الطيري»
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت.
[5] في ت: «هلال الخفار» .
[6] «بن عبد المطلب» سقطت من ت.
[7] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 364)
[8] في الأصل، ص: «سبع وثمانين وثلاثمائة»(16/264)
زنبور، وأبي الحسن الحمامي وغيرهم، وتزهد [في شبابه] [1] فانقطع في رباط أبي سعد الصوفي، ثم انتقل إلى الحريم الطاهري، وكان ثقة، وعاش ثلاثا وتسعين سنة، فلم يبق في الدنيا من سمع أصحاب البغوي [2] غيره، وكان آخر من حدث عن المخلص، وحدثنا عنه أشياخنا، وآخر من حدثنا عنه سعيد [3] بن أحمد بن البناء، وتوفي في ليلة 128/ ب السبت الحادي والعشرين من جمادى الآخرة، وصلى عليه أخوه الكامل، ودفن في مقابر الشهداء قريبا من باب حرب.
3570- محمد بن عبد القادربن محمد بن يوسف، أبو بكر.
سمع الكثير من أبي [الحسين بن بشران، وأبي] [4] الحسن الحمامي، وابن أبي الفوارس وغيرهم، روي عنه أشياخنا وكان رجلا صالحا، قليل المخالطة لا يخرج إلا في أوقات الصلوات، يتشدد في السنة، حضر أخوه مجلس أبي نصر القشيري فهجره.
وقال شيخنا ابن ناصر: كان عالما متقنا ذا ورع وتقى وثقة كثير السماع.
توفي ليلة الخميس ثالث ربيع الأول، ودفن بمقبرة باب حرب.
3571- مطلب الهاشمي
كان خطيبا قديما ثم اقتطعه القائم بأمر الله إلى إمامته، فكان يصلي به، وكان خيرا [5] حسن المعتقد، يذهب إلى مذهب أحمد بن حنبل.
توفي في رمضان هذه السنة وهو في عشر السبعين.
3572- هبة الله ابن القاضي [6] محمد بن علي بن المهتدي، أبو الحسن الخطيب.
ولد في سنة تسع عشرة وأربعمائة، وروى عن البرقاني وغيره، وكان إليه القضاء
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «المقرئ» .
[3] في ت: «سعد»
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ت: «وكان حيزا» .
[6] في الأصل، ت: «أبي الحسن» وقد ذكرت كنيته في نهاية اسمه في ص كما أثبتناها.(16/265)
بعد أبيه، وخرج في أيام الفتنة بين أهل الكرخ وباب البصرة، فوقع فيه سهم [1] فمات ودفن يوم الجمعة تاسع عشر صفر عند أبيه خلف القبة الخضراء.
3573- يحيى بن الحسين بن إسماعيل بن زيد، أبو الحسين الحسني
[2] .
وكان مفتي طائفته علي مذهب زيد بن علي، وكان له معرفة 129/ أبالأصول/ والحديث.
__________
[1] في ت: «سم» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 132، وفيه: «يحيى بن إسماعيل الحسيني» ) .(16/266)
ثم دخلت سنة ثمانين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه نودي في يوم الخميس غرة المحرم برفع الضرائب والمكوس بتوقيع شريف صدر عن المقتدي بأمر الله، وكتبت ألواح ألصقت علي الجوامع بتحريم ذلك.
[خروج السلطان ملك شاه إلى ناحية الكوفة للصيد]
وخرج السلطان ملك شاه في رابع المحرم إلى ناحية الكوفة للصيد فاصطاد هو وعسكره ألوفا حتى بني من حوافرها منارة كبيرة عند الرباط الذي أمر ببنائه بالسبيعي بقرب الرحبة في طريق مكة، وهي باقية إلى الآن، وتسمى: منارة القرون، وقيل إنه كان فيها أربعة آلاف رأس.
وخرج نظام الملك إلى المشهد بالكوفة والحائر فزارهما.
وفي يوم السبت سابع عشر المحرم: بعث المقتدي ظفر الخادم فاستدعى السلطان ملك شاه [1] ، فأنفذ إليه الطيار، فلما وصل السلطان إلى باب الغربة قدم إليه مركوب الخليفة بمركب جديد صيني وسرج من لبد أسود، فركبه ووصل إلى الخليفة فأمره بالجلوس فامتنع، فأمره ثانيا وأقسم عليه حتى جلس، وتقدم بإضافة الخلع عليه، ولم يزل نظام الملك يأتي بأمير أمير إلى تجاه السدة فيقول للأمير بالفارسية: هذا أمير المؤمنين، ثم يقول للخليفة: هذا العبد الخادم/ فلان بن فلان ولايته كذا، وعسكره 129/ ب كذا، وذلك الأمير يُقَبِّل الأرض، وكانوا أكثر من أربعين أميرًا، وكان في جملة الأمراء
__________
[1] «ملك شاه» سقطت من ص.(16/267)
آيتكين خال السلطان، فلما حضر استقبل القبلة، وصلي بإزاء الخليفة ركعتين، واستلم الحيطان، ومسح بيده وجسمه، وعاد السلطان وعلية الخلع والتاج والطوقان، وكمشتكين الجامدار يرفع ذيله عن يمينه، وسعد الدولة يرفعه عن شماله، فمثل بين يدي السدة وقبَّل الأرض دفعات، فقلده سيفين فقال الوزير أبو شجاع: يا جلال الدولة، هذا سيدنا ومولانا أمير المؤمنين الذي اصطفاه الله بعز الإمامة، واسترعاه الأمة، فقد أوقع الوديعة عندك موقعها، وقلدك سيفين لتكون قويا علي أعداء الله. فسأل تقبيل يد الخليفة فلم يجبه، فسأل تقبيل خاتمه فأعطاه إياه فقبله ووضعه علي عينه، وحضر الناس بأجمعهم فشاهدوا الخليفة والسلطان، ثم انكفأ وحمل بين يديه ثلاثة ألوية، وثلاث أفراس في السفن، وأربعة علي الطريق، واستقبل من داره بالدبادب والرايات، ونثرت الدراهم والدنانير، وأنفذ إليه الخليفة سريرا مذهبا ومخادًا.
وفي يوم الاثنين ثاني عشر محرم: جاء نظام الملك إلى دار ابنة مؤيد الملك، فبات بها وجاء من الغد إلى المدرسة، ولم يكن رآها نهارا، وجلس بها وقرئ عليه فيها الحديث، وأملى أيضا الحديث، وبات بدار ولده، وعاد إلى الزاهر من الغد.
130/ أوأنفذ السلطان في ثامن عشر المحرم إلى الخليفة صندوقين/ فيهما مال وعمل للأمراء سماطا، ثم اجتاز السلطان في الحريم ولم يكن رآه، وخرج إلى الحلبة، ثم عاد بعد أيام فجاز فيه، فنثرت عليه الدراهم والدنانير وأثواب الديباج وغلق البلد لذلك، ثم عبر في هذا اليوم إلى الجانب الغربي، فدخل العطارين والقطيعتين، ومضي إلى الشونيزي والتوثة، ونزل دجلة.
قَالَ المصنف: وقرأت بخط ابن عقيل قَالَ: دخل نظام الملك بغداد أواخر سنة ثمانين، فلم يدرك رجلا يومئ إليه من أهل العلم.
وفي يوم الأحد خامس عشرين محرم: أمر الناس بتعليق وتزيين البلد لأجل زفاف خاتون بنت ملك شاه إلى المقتدي، وكان الزفاف في مستهل صفر، ونقل الجهاز على مائة وثلاثين جملا، وبين يديه البوقات والطبول والخدم في نحو ثلاثة آلاف فارس، ونثر عليه بغداد، ثم نقل بعد ذلك شيء آخر على أربعة وسبعين بغلا، وكان على ستة منها(16/268)
الخزانة وهي اثنا عشر صندوقا من فضة، وبين يديها ثلاثة وثلاثون فرسا، والخدم والأمراء بين يدي ذلك.
فلما كانت عشية الجمعة سلخ محرم ركب الوزير أبو شجاع إلى خاتون زوجة السلطان فقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها 4: 58 [1] وقد أذن في نقل الوديعة إلى الدار العزيزة. فقالت: السمع والطاعة للمراسم الشريفة [2] ، فجاء نظام الملك وأبو سعد المستوفي والأمراء وكل واحد معه الأمناء الكثيرة [3] ، ثم جاءت خاتون الخليفة من وراء ذلك كل في محفة مرصعة بالجوهر وقد أحاط عجفتها مائتا جارية من خواصها 130/ ب بالمراكب العجيبة، فوصلت إلى الخليفة فأهديت إليه تلك الليلة.
فلما كان يوم السبت مستهل صفر صبيحة البناء أحضر الخليفة عسكر السلطان على سماط استعمل فيه أربعون ألفا منّا سكرا، وخرج السلطان ليلة الزفاف إلى الصيد على عادة الملوك فغاب ثلاثة أيام.
[تقدم السلطان بالنداء لا حريم إلا لأمير المؤمنين]
وفي خامس صفر: تقدم السلطان بالنداء في سوق المدرسة: لا حريم إلا لأمير المؤمنين، وهذا الموضع داخل في حريمه.
وفي هذا اليوم: هرب تركي إلى دار الخليفة من أجل أنه أخذ صبيا فأدخل في دبره دبوسا فمات، فسلمه الخليفة إلى أصحاب الملك فصلب.
وفي نصف صفر: خرج ملك شاه من بغداد نحو أصفهان ومعه نظام الملك، وخرج الوزير أبو شجاع فودعه بالنهروان.
[ولد للسلطان ولد سماه محمودا]
وفي هذا الشهر: ولد للسلطان ولد سماه محمودا، وهو الذي خطب له بالمملكة بعده، وحضر الناس صبيحة ذلك اليوم فحملوا الأموال، وجلس للتهنئة، ونفذ إليه الموكب يهنئه.
[وقع حريق في أحطاب جمعت لشواخير الآجر]
وفي ربيع الأول: وقع حريق في أحطاب جمعت في أشهر لشواخير الآجر
__________
[1] سورة: النساء، الآية: 58.
[2] في الأصل: «للمراسيم الشريفة»
[3] في الأصل: «معه الأضواء الكثيرة»(16/269)
بالحلبة، قصد إيقاع النار فيها عدو لأصحابها، فأصاب من تلك النار سطوح الناس والحريم كله، حتى كأن في كل سطح شموعا، فخرج الناس لإطفائه فما قدر أحد أن يقاربه من خمسمائة ذراع إلى أن انتهى الحطب فخمدت النار.
وفي ربيع الأول: غرق ستون مركبا ببحر الشام، وهلك فيها ثلاثمائة رجل، ورمى 131/ أقوم أنفسهم/ إلى الماء فنجوا.
[وصول الكتب السلطانية تتضمن سؤال الخدمة الشريفة]
وفي شعبان: وصلت الكتب السلطانية تتضمن سؤال الخدمة الشريفة أن يتقدم إلى خطباء المنابر بذكر الأمير أحمد بن ملك شاه تالي ذكر أبيه، وكان السلطان قد جعله ولي عهده وسار في ركابه، ففعل ذلك، ونثرت الدنانير على الخطباء.
وفي هذا الشهر: زلزلت همذان وما داناها من أرض الجبل، فرجفت بهم الأرض سبعة أيام، ووقعت منازل كثيرة، وهلك خلق كثير تحت الردم، وسقط برجان من قلعة همذان، وهلك من سوادها ناحيتان، وخرج الناس إلى الصحراء حتى سكنت ثم عادوا.
وفي رابع ذي القعدة: ولد للمقتدي من خاتون ابنة السلطان ولد فسماه جعفرا، وكناه: أبا الفضل، وزين البلد لأجله، وجلس الوزير للهناء بباب الفردوس، ونصبت القباب بنهر معلى [1] ، وزينت سوق الصيارفة بأواني الذهب والفضة والجواهر، وأظهر الكافوريون تماثيل من الكافور، وأظهر قوم من صناعتهم عجبا، فسير الملاحون سفينة على عجل، وأظهر الطحانون أرحاء تطحن على وجه الأرض.
[وقوع القتال بين أهل الكرخ وأهل باب البصرة]
وفي هذا الشهر: وقع القتال بين أهل الكرخ وأهل باب [البصرة] [2] ، وأصعد أهل باب الأزج [3] ناصرين أهل باب البصرة بالزينة والسلاح والأعلام، فقصدهم سعد الدولة، فمنعهم عن العبور وقاتلهم وأخذ سلاحهم، فانطفأت الفتنة بذلك.
131/ ب/ وفي ذي الحجة: خرج المرسوم أنه قد أنهى حال يهود بطريق خراسان وبلاد ابن مزيد لا يلبسون غيارا، ولهم شعور كالأتراك، ويكنون بكنى المسلمين، فتقدم
__________
[1] في الأصل: «بباب معلى»
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «باب الكرخ» .(16/270)
بخروج من عين من العدول والفقهاء فهذبوا نواحي بغداد، وقصدوا حلة ابن مزيد فهذبوها، وجاء رجل يدعى النبوة وأنه خاطبه الجبل والملائكة، فتصفح حاله فإذا به من مهوسي العرب، فكادوا يحملونه إلى المارستان ثم صفح عنه، وزود فرحل.
وفي هذه السنة: بنيت التاجية بباب أبرز، وجددت على الزاهر مسناة كان لها أساس قائم، وغرس فيه نخل وشجر وسور عليها، وذلك بأمر السلطان ملك شاه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3574- إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن سعيد، أبو القاسم السامري من أهل نيسابور
[1] :
سمع الحديث الكثير من أبي بكر الحيري [2] ، وأبي سعيد الصيرفي [3] ، وابن باكويه وغيرهم، وسافر البلاد، وعبر وراء النهر. روى عنه أشياخنا، وكان ثقة فاضلا له حظ من الأدب ومعرفة بالعربية، وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة بنيسابور.
3575- شافع بن صالح بن حاتم، أبو محمد الجيلي
[4] :
سمع من أبي علي بن المذهب والعشاري، وأبي يعلى بن الفراء وعليه تفقه.
توفي في صفر هذه السنة.
3576- طاهر بن الحسين، أبو الوفاء البندنيجي الهمذاني
[5] :
كان شاعرا مبرزا، له قوة في لزوم ما لا يلزم، وله قصيدتان إحداهما في مدح نظام
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 133، وفيه: «إسماعيل بن إبراهيم بن موسى» . والكامل 8/ 452، وفيه: «إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن سعد أبو القاسم الساوي» وتاريخ نيسابور ت 326، وفيه: «إسماعيل بن عبد الله بن موسى أبو القاسم الساوي» )
[2] في الأصل: «أبي بكر الحري»
[3] في الأصل: «أبي بكر الصيرفي» .
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 364) .
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 133. والكامل 8/ 452)(16/271)
132/ أالملك وهي/ نيف وأربعون بيتا غير معجمة كلها أولها.
لاموا ولو علموا ما اللوم ما لاموا ... ورد لومهم هم وآلام
وأخرى معجمة كلها نحوها في العدد، وكان قويا في علم النحو واللغة والعروض، ولم يمدح لابتغاء عرض، وكان يعد ذلك عارا.
توفي في رمضان هذه السنة عن نيف وسبعين سنة بالبندنيجين.
3577- عبد الله بن نصر، أبو محمد الحجادي
[1] .
سمع الحديث، وصحب الزهاد، وتفقه على مذهب أحمد بن حنبل، وكان خشن العيش في عبادته [2] ، وحج على قدميه بضع عشرة سنة ودفن في ربيع الأول من هذه السنة [3] بباب حرب.
3578- عبد الملك بن الحسن بن خيرون بن إبراهيم، أبو القاسم [4] الدباس، أخو أبي الفضل ابن خيرون أبو شيخنا أبي منصور
[5] .
كان رجلا صالحا من خيار البغداديين، روى عنه ابنه، وشيخنا عبد الوهاب.
توفي في ذي الحجة من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
3579- فاطمة بنت علي [6] المؤدب، المعروفة: ببنت الأقرع الكاتبة
[7] :
سمعت أبا عمر بن مهدي وغيره، حدثنا عنها أشياخنا، وكان خطها مستحسنا في الغاية، وكانت تكتب على طريقة ابن البواب، وكتب الناس على خطها، وأهلت لحسن
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 364)
[2] في الأصل: «في عبادته تفقه»
[3] «في ربيع الأول من هذه السنة» سقطت من ص، ت.
[4] «أبو القاسم» سقطت من ص.
[5] الدبّاس: بفتح الدال المهملة وتشديد الباء المنقوطة بواحدة وفي آخرها السين المهملة. هذه الحرفة لمن يعمل الدبس أو يبيعه (الأنساب 5/ 267)
[6] في ت: «فاطمة بنت الحسن بن علي ... » .
[7] انظر ترجمتها في: (البداية والنهاية 12/ 134. وشذرات الذهب 3/ 365. والكامل 8/ 453)(16/272)
خطها لكتابة كتاب «الهدنة» إلى ملك الروم من الديوان العزيز، وسافرت إلى بلاد الجبل إلى عميد الملك أبي نصر الكندري.
وسمعت شيخنا أبا بكر محمد بن عبد الباقي البزار يقول: الكاتبة فاطمة بنت الأقرع تقول: كتبت ورقة لعميد الملك الكندري فأعطاني ألف دينار.
وتوفيت في محرم هذه السنة، ودفنت بباب أبرز.
3580- محمد بن أمير المؤمنين المقتدى [بأمر الله]
[1] .
توفي عن جدري وقد قارب تسع سنين، فاشتدت الرزيئة فيه، وجلس للعزاء بباب الفردوس ثلاثة أيام، وحضر الناس على طبقاتهم، فخرج التوقيع يتضمن أن أمير المؤمنين أولى من اقتدى بكتاب الله وسنة رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم، / والله تعالى يقول: الَّذِينَ إِذا 2: 156 [132/ ب] أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156 [2] الآية.
وذكر حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما مات ولده إبراهيم، وقد عزى أمير المؤمنين نفسه بما عزى الله تعالى به الأمة بعد نبيه بقوله: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ 33: 21 [3] فإنا للَّه وإنا إليه راجعون، تسليما لحكمه ورضا بقضائه، فليعلم الحاضرون ما رجع إليه أمير المؤمنين وأن العلم الشريف محيط بحضورهم، وليؤذن لهم في الانكفاء.
3581- محمد بن [محمد] [4] بْن زيد [بْن علي بن موسى] [5] بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني، ذو الكنيتين: أبو المعالي وأبو الحسن، الملقب: بالمرتضى [ذو الشرفين] [6] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 133)
[2] سورة: البقرة، الآية: 156.
[3] سورة: الأحزاب، الآية: 21.
[4] «بن محمد» سقطت من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 133. وشذرات الذهب 3/ 365)(16/273)
ولد سنة خمس وأربعمائة، وسمع الحديث الكثير، وصحب أبا بكر الخطيب، وتلمذ له وأخذ عنه [1] علم الحديث، فصارت له به معرفة حسنة، وسمع بقراءته الكثير من شيوخه، وروى عنه الخطيب في مصنفاته، وكان بغدادي المولد والمنشأ، ثم سكن سمرقند، وأملى الحديث بأصبهان وغيرها، وكان يرجع إلى عقل كامل، وفضل وافر، ورأي صائب، وصنف فأجاد، وكان له دنيا وافرة، وكان يملك نحو أربعين قرية بنواحي كش، وكان يخرج زكاة ماله ثم يتنفل بالصدقة الوافرة، فكان ينفذ إلى جماعة من الأئمة الأموال إلى كل بلد واحد من ألف دينار إلى خمسمائة إلى سبعمائة [2] ، فربما بلغ ببعثه عشرة آلاف دينار، وكان يقول: هذه زكاة مالي، وأنا غريب لا أعرف الفقراء ففرقوها أنتم عليهم، وكل من أعطيتموه شيئا من المال فابعثوه إلى حتى أعطيه عشر الغلة، وكان يصرف أمواله إلى سبل البر [3] .
وحسده قاضي البلد فقال للخضر بن إبراهيم وهو ملك ما وراء النهر: إن له بستانا ليس للملوك مثله. فبعث إليه أني أريد أن أحضر بستانك. فقال للرسول: لا سبيل إلى 133/ أذلك، لأني عمرته من المال الحلال ليجتمع عندي فيه/ أهل الدين، فلا أمكنه من الشرب فيه. فأخبر الأمير فغضب، وأعاد الرسول فأعاد الشريف الجواب، وأراد أن يقبض عليه فاختفى، وطلب فلم ير، فأظهروا أن الخضر قد ندم على ما كان فعل، فظهر فبعث إليه الأمير بعد مدة نريد أن نشاورك في مهمات، فحضر فحبسه واستولى على أمواله.
فحكى بعض وكلائه قَالَ: توصلت إليه وقلت إنهم يأخذون مالك من غير اختيارك فأعطهم ما يريدون وتخلص. فقال: لا أفعل وقد طاب لي الحبس والجوع، فإني كنت أفكر في نفسي منذ مدة وأقول من يكون من أهل [4] بيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لا بد أن يبتلى في ماله ونفسه، وأنا قد ربيت في النعم والدولة، فلعل في خللا، فلما وقعت هذه الواقعة
__________
[1] في الأصل: «وأحدث عنه»
[2] في الأصل: «سبعمائة إلى خمسمائة»
[3] في الأصل: «إلى جهة البر» .
[4] «أهل» سقطت من ص، ت.(16/274)
فرحت بها، وعلمت أن نسبي صحيح متصل بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا أفعل شيئا إلا برضى الله تعالى، فمنعوه من الطعام فمات.
وكان هذا في هذه السنة، وأخرج في الليل من القلعة، فلما علم ولده نقله إلى موضع آخر، فقبره هناك يزار.
وحكى أبو العباس جعفر بن أحمد الطبري قَالَ: رأيت المرتضى أبا المعالي بعد موته وهو في الجنة بين يديه مائدة طعام موضوعة. فقيل له: ألا تأكل؟ قَالَ: لا حتى يجيء ابني فإنه غدا يجيء، فلما انتبهت من نومي قتل ابنه الظهر في ذلك اليوم.
3582- محمد بن أبي سعد، أحمد بن الحسن بن علي بن سليمان بن الفرج، أبو الفضل المعروف بالبغدادي، وهو من أهل أصبهان.
ولد في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، وسمع وحدث ووعظ، وكان يوصف بالفصاحة والعلم بالتفسير والمعاني. روى عنه ولده أبو سعد شيخنا وعبد الوهاب الحافظ. توفي ببغداد [1] عند رجوعه من الحج في صفر هذه السنة.
3583- محمد بن هلال بن المحسن بن إبراهيم، أبو الحسن الصابي، / الملقب: 133/ ب بغرس النعمة
[2] .
سمع أباه وأبا علي بن شاذان. وذيل على تاريخ والده الذي ذيله أبوه على تاريخ ثابت بن سنان الذي ذيله على تاريخ ابن جرير، وكان له صدقة ومعروف، وخلف سبعين ألف دينار [3] . توفي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن في داره بشارع ابن عوف، ثم نقل إلى مشهد علي عليه السلام.
قَالَ المصنف [رحمه الله] [4] : ونقلت من خط أبى الوفاء بن عقيل قَالَ: حضرنا عند بعض الصدور فقال: هل بقي ببغداد مؤرخ بعد ابن الصابي؟ فقال القوم: لا!
__________
[1] في ت: «توفي في بغداد»
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 134. ونفحة الشام 114. وحلية البشر 1522. ومقدمة ديوانه والأعلام 7/ 132. والكامل 8/ 453)
[3] في أول: «توفي في ذي القعدة» حتى: «وكان هذا ستر عورة» مكانه في ت في آخر الترجمة.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/275)
فقال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه، يخلو هذا البلد العظيم من مؤرخ حنبلي- يعنى ابن عقيل نفسه- هذا مما يجب حمد الله عليه، فإنه لما كان البلد مملوءًا بالأخيار وأهل المناقب قيض الله لها من يحكيها، فلما عدموا وبقي المؤذي والذميم الفعل أعدم المؤرخ، وكان هذا ستر عورة.
وحكى عنه هبة الله بن المبارك السقطي: أنه كان يجازف في تاريخه، ويذكر ما ليس بصحيح، قَالَ: وقد ابتنى بشارع ابن أبي عوف دار كتب، ووقف فيها نحوًا من أربعمائة مجلد في فنون العلوم، ورتب بها خازنا يقال له: ابن الأقساسي العلوي، وتكرر العلماء إليها سنين كثيرة ما لم تزل له أجرة، فصرف الخازن وحك ذكر الوقف من الكتب وباعها، فأنكرت ذلك عليه فقال: قد استغنى عنها بدار الكتب النظامية.
قَالَ المصنف: فقلت بيع الكتب بعد وقفها محظور. فقال: قد صرفت ثمنها في الصدقات.
3584- هبة الله بن علي بن محمد بن أحمد المحلى، أبو نصر
[1] :
سمع ابن المهتدي، وابن المأمون، والخطيب وخلقا كثيرا، وكتب الكثير، وكان حلو الخط، وصنف وجمع وأنشأ الخطب والمواعظ، وأدركته المنية قبل بلوغ [2] زمان الرواية، وإنما سمع منه القليل، فتوفي في هذه السنة ودفن بمقبرة جامع المنصور.
3585- أبو بكر بن عمر
[3] .
أمير الملثمين، كان بأرض غانة في مجاهدة الكفار، وقام له ناموس لم يقم مثله لأحد بالدين والزهد، وكان يركب إذا ركب أصحابه، ويطعم إذا طعموا، ويجوع إذا 134/ أجاعوا/ وقد قيل إنه لم يتوجه في وجه من مجاهدة أو دفع عدو في أقل من خمسمائة ألف كل يعتقد طاعة الله تعالى في طاعته، وكان يحفظ الحرمات، ويراعي قوانين الإسلام مع صحة المعتقد، وموالاة الدولة العباسية، فأصابته نشابة في حلقه فمات بها في هذه السنة عن نيف وستين سنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 134 وفيه: «المجلي» ) .
[2] «بلوغ» سقطت من ص، ت.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 134)(16/276)
ثم دخلت سنة احدى وثمانين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[شروع أهل باب البصرة ببناء القنطرة الجديدة]
أن أهل باب البصرة شرعوا في بناء القنطرة الجديدة في صفر، ونقلوا الآجر في أطباق الذهب والفضة وبين أيديهم البوقات والدبادب، وجاء إليهم أهل المحال وأهل باب الأزج فاجتازوا بامرأة تسقي الماء، فجعلوا يتناولون منها ويقولون: السبيل [فاتفق أنه] [1] جاز سعد الدولة [2] ، فاستغاثت المرأة إليه، فأمر [3] بإبعادهم عنها، فضربهم الأتراك بالمقارع، فجذبوا سيوفهم وضربوا وجه فرس بنمياز حاجبه فرمته، فحمل سعد الدولة الحنق فصعد من سميريته راجلا ومعه النشاب، فحمل عليهم أحدهم، فطعنه بأسفل القطعة فخبطه في الماء والطين، وحرصوا أن يقع هذا الرجل فما قدروا عليه، وأخذ ثمانية من القوم لم يكن معهم سلاح فقتل واحد، وقطعت أعصاب ثلاثة.
[بناء أهل الكرخ عقدا لأنفسهم]
وفي ربيع الآخر: بنى أهل الكرخ عقدا لأنفسهم.
وفي هذا الشهر: ابتاع تركي من أصحاب خاتون زوجة الخليفة من طواف شيئا، فتنابذا فضربه [التركي] [4] فشجه، فاستغاثت العامة، فخرج توقيع الخليفة بإبعاد
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «فاجتاز سعد الدولة» .
[3] في الأصل: «فاستغاثت به فأمر»
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/277)
الأتراك أصحاب خاتون من الحريم، وأن لا يبيت أحد منهم فيه. فأخرجوا من ساعتهم على أقبح صورة، فباتوا بدار المملكة.
وفي هذه السنة: فتح ملك شاه سمرقند.
وفيها: حج الوزير أبو شجاع واستناب ابنه أبا منصور وطراد بن محمد الزينبي.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
134/ ب
3586- أحمد بن أبي حاتم، عبد الصمد بن أبي الفضل التاجر الغورجي الهروي، أبو بكر
[1] .
سمع أبا محمد الجراحي، حدثنا عنه أبو الفتح الكروخي.
وتوفي في يوم الثلاثاء تاسع عشر ذي الحجة فجأة.
3587- أحمد بن محمد بن الحسن بن الخضر، أبو طاهر الجواليقي، والد شيخنا أبي منصور
[2] .
سمع أبا القاسم عبد الملك بن بشران، وروى عنه شيخنا عبد الوهاب.
قَالَ شيخنا ابن ناصر: كان شيخا صالحا متعبدا من أهل البيوتات القديمة ببغداد، ذا مذهب حسن وتعبد، وكان جده الخضر صاحب قرى وضياع، ودخل كثير.
وتوفي أبو طاهر فجأة في رجب هذه السنة.
3588- عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن جعفر، أبو إسماعيل الأنصاري الهروي
[3] .
ولد في ذي الحجة سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، وكان كثير السهر بالليل، وحدث وصنف، وكان شديدا على أهل البدع، قويا في نصرة السنّة، حدثنا عنه أبو الفتح الكروخي.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 365. والكامل 8/ 456)
[2] انظر ترجمته في: (الأنساب 3/ 336، 337) الجواليقيّ: هذه النسبة إلى الجواليق، وهي جمع جوالق، ولعل بعض أجداد المنتسب إليها كان يبيعها أو يعملها. (الأنساب 3/ 335)
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 135. والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 64. والأعلام 4/ 122. والكامل 8/ 456) .(16/278)
وأنبأنا محمد بن ناصر عن المؤتمن بن أحمد الحافظ قَالَ: كان عبد الله الأنصاري لا يشد على الذهب شيئا، ويتركه كما يكون ويذهب إلى قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ» وكان لا يصوم رجب، وينهى عن ذلك ويقول: ما صح في فضل رجب وفي صيامه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يملي في شعبان وفي رمضان، ولا يملي في رجب، توفي بهراة في يوم الجمعة وقت غروب الشمس رابع عشرين ذي الحجة من هذه السنة.
3589- عبد الملك بن أحمد، أبو طاهر السيوري
[1] .
سمع أبا القاسم بن بشران وغيره، روى عنه أشياخنا، وكان شيخا صالحا دينا خيرا، وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن من الغد بمقبرة باب الدير.
3590- عبد العزيز بن طاهر بن الحسين بن علي، أبو طاهر الصحراوي [2] ، من أهل باب البصرة
[3] .
حدث عن ابن رزقويه [4] وغيره بشيء يسير، وكان صالحا زاهدا فآثر العزلة، واشتغل بالتعبد، وكان مقيما في جامع المدينة. 135/ أوتوفي في/ شعبان هذه السنة، ودفن في المقبرة الشونيزية.
3591- محمد بن أحمد بن محمد بن علي، أبو الحسين ابن الآبنوسي
[5] :
ولد في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وسمع من الدار الدارقطني، وابن شاهين، وابن حبابة، والكتاني، والمخلص، وغيرهم، وكان سماعه صحيحا، حدثنا عنه أشياخنا، وتوفي في ليلة الاثنين تاسع عشرين شوال هذه السنة [6] ، ودفن في مقبرة باب حرب.
__________
[1] السّيوري: هذه النسبة إلى عمل السيور، وهي جمع السير، وهي أن تقطع الجلود الدقاق، ويحاط بها السروج (الأنساب 7/ 231، 232)
[2] في الأصل: «السحراوي» .
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 456) .
[4] في الأصل: «ابن رزقونة»
[5] انظر ترجمته في: (الأنساب 1/ 93) الأبنوسي: هذه النسبة إلى أبنوس، وهو نوع من الخشب البحري يعمل منه أشياء، وانتسب جماعة إلى تجارتها ونجارتها (الأنساب 1/ 93)
[6] في الأصل: «هذه السنة وتوفي في»(16/279)
3592- محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن جعفر، أبو الحسن الباقرحي
[1] :
ولد في شعبان سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، وسمع من أبي الحسين [2] ابن المتيم، وأبي الحسن بن رزقويه، وابن شاذان، وغيرهم، وحدثنا عنه أشياخنا، وهو من الثقات أهل بيت الحديث والعلم والعدالة، من ظراف البغداديين.
وتوفي في يوم الأحد ثاني رمضان هذه السنة [3] ودفن في باب حرب.
3593- محمد بن أحمد بن محمد، أبو جابر الزهري من ولد عبد الرحمن بن عوف
[4] .
سمع أبا عبد الله أحمد بن عبد الله المحاملي، وأبا علي الحسين بن علي بن بطحاء وغيرهما، روى عنه شيخنا أبو القاسم السمرقندي.
توفي في يوم الأربعاء عاشر شوال هذه السنة.
3594- محمد بن الحسين بن علي بن محمد بن محمود، أبو يعلى السراج
[5] :
من أهل همذان، سمع صحيح البخاري من كريمة بنت أحمد بن محمد بن أبي حاتم المروزية بمكة، وبمصر من أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي، وحدث عن أبي محمد الجوهري، وتوفي في صفر هذه السنة.
3595- محمد [6] بن القاسم بن محمد بن عامر القاضي الأزدي، من ولد المهلب بن أبي صفرة
[7] .
سمع أبا محمد الجراحي، روى عنه أبو الفتح الكروخي.
وتوفي في جمادى الآخرة بهراة.
__________
[1] هذه الترجمة سقطت من ت. انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 456)
[2] في الأصل: «أبي الحسن»
[3] «هذه السنة» سقطت من ص، ت.
[4] الزهري: هذه النسبة إلى زهرة بن كلاب بم مرة بن كعب بن لؤيّ، وهي من قريش (الأنساب 6/ 328)
[5] السرّاج: بفتح السين وتشديد الراء، وفي آخرها جيم. هذا منسوب إلى علم السرج، وهو الّذي يوضع على الفرس (الأنساب 7/ 65)
[6] في ت: «محمود بن القاسم»
[7] الأزدي: هذه النسبة إلى أزد شنوءة. بفتح الألف وسكون الزاي وكسر الدال المهملة، وهو أزد بن الغوث ابن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبإ (الأنساب 1/ 197)(16/280)
ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين واربعمائة
135/ ب فمن الحوادث فيها:
[درس أبو بكر الشاشي في المدرسة التي بناها تاج الملك وسمّاها التاجية]
أنه في تاسع عشر المحرم درس أبو بكر الشاشي في المدرسة التي بناها تاج الملك أبو الغنائم بباب أبرز، ووقفها علي أصحاب الشافعي، وسماها: التاجية.
وفي ثالث صفر: ورد إلى بغداد بزان وصواب بعثهما السلطان إلى المقتدي، فطلبا تسليم خاتون إليهما، وكانت خاتون قد أكثرت الشكاية إلى أبيها من أعراض الخليفة عنها، فأجاب الخليفة إلى ذلك، وخرجت وأصحبها الخليفة النقيبين الكامل والطاهر وجماعة من الخدم، وخرج معها ابنها الأمير أبو الفضل جعفر بن المقتدي، وكان خروجها يوم الأربعاء سادس عشر ربيع الأول، وخرج الوزير عشية الخميس مشيعا لهم إلى النهروان، وكان بين يدي محفة الأمير [1] أبي الفضل، ووصل الخبر في ثاني شوال بموتها بأصفهان بالجدري، فجلس الوزير أبو شجاع بباب الفردوس [2] للعزاء بها سبعة أيام، ووصل النقيبان من أصبهان في ثالث عشر شوال.
[خروج أبي محمد التميمي وعفيف لتعزية السلطان]
وفي سلخ ذي الحجة: خرج أبو محمد التميمي وعفيف لتعزية السلطان، فأما التميمي فعاد من أصبهان لأن السلطان توجه إلى ما وراء النهر وأكبر الخليفة عوده بغير إذن، ويمم عفيف إلى السلطان.
[كبس أهل باب البصرة الكرخيين]
وفي عشية الجمعة تاسع عشر صفر: كبس أهل باب البصرة الكرخيين، فقتلوا
__________
[1] في الأصل: «محفتها الأمير»
[2] «بباب الفردوس» سقطت من ص، ت.(16/281)
رجلا وجرحوا آخر، فأغلقت أسواق الكرخ، ورفعت المصاحف علي القصب، وما زالت الفتن تزيد وتنقص إلى جمادى الأولى، فقويت نارها، وقتل خلق كثير، واستولى أهل المحال على قطعة كبيرة من الكرخ فنهبوها، فنزل خمار تاش نائب الشحنة على دجلة ليكف الفتنة فلم يقدر، وكان أهل الكرخ يخرجون إليه وإلى أصحابه الإقامة، 136/ أوكان أهل باب البصرة يأتون/ ومعهم سبع أحمر يقاتلون تحته، وعزموا على قصد باب التبن فمنعهم أهل الحربية والهاشميون من ذلك، وركب حاجب الخليفة وخدمه، والقضاة: أبو الفرج بن السيبي [1] ، ويعقوب البرزبيني [2] ، وأبو منصور ابن الصياغ، والشيوخ: أبو الوفاء بن عقيل، وأبو الخطاب، وأبو جعفر بن الخرقي المحتسب، وعبروا إلى الشحنة وقرءوا منشورا بالكرخ من الديوان وفيه: قد حكى عنكم أمور فيجب أن نأخذ علماءكم على أيدي سفهائكم، وأن يدينوا بمذهب أهل السنة، فأذعنوا بالطاعة.
فبينا هم علي ذلك جاء الصارخ من نهر [3] الدجاج: الحقونا. ونصب أهل الكرخ رايتين على باب المساكين، وكتبوا على مساجدهم: خير الناس بعد رسول الله أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي.
وفي غد يوم القتال نهب أهل الكرخ شارع ابن أبي عوف، وكان في جملة ما نهب دار أبي الفضل بن خيرون، فقصد الديوان مستنفرا ومعه الناس، ورفع العامة الصلبان على القصب، وتهجموا [4] على الوزير أبي شجاع في حجرته [من الديوان] [5] وكثروا من الكلام الشنيع، ولم يصل حاجب الباب في جامع القصر [6] إشفاقا من العامة، وكان قد مات يومئذ هاشمي من أهل باب الأزج بنشابة وقعت فيه، فقتل العامة علويا ورموه في خربة الحمام، وزاد أمر الفتنة وأمر الخليفة بمكاتبة سيف الدولة أبي الحسن صدقة بن
__________
[1] في الأصل: «النسبي» .
[2] في الأصل: «الزينبي» .
[3] في ص: «وجاء الصارخ من نحو الدجاج»
[4] في الأصل: «فهجموا»
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «من جامع البصرة» .(16/282)
مزيد بإنفاذ جند، ففعل وخلع عليهم، وجعل عليهم، أبو الحسن الفاسي، فنقض دور الذين قتلوا العلوي، وحلق شعور من ليس بشريف ولا جندي/، وقتل قوم، ونفي قوم، 136/ ب فسكنت الفتنة.
قَالَ المصنف: ونقلت من خط أبى الوفاء بن عقيل قَالَ: عظمت الفتنة الجارية بين السنة وأهل الكرخ، فقتل فيها نحو مائتي قتيل، ودامت شهورا من سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وانقهر الشحنة، واتحش السلطان، وصار العوام يتبع بعضهم بعضا في الطرقات والسفن، فيقتل القوى الضعيف، ويأخذ ماله، وكان الشباب قد أحدثوا الشعور والجمم، وحملوا السلاح، وعملوا الدروع، ورموا عن القسي بالنشاب والنبل، وسب أهل الكرخ الصحابة وأزواج رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم على السطوح، [وارتفعوا إلى سب النبي صلى الله عليه وسلم] [1] ، ولم أجد من سكان الكرخ من الفقهاء والصلحاء من غضب ولا انزعج عن مساكنتهم، فنفر المقتدي إمام العصر نفرة قبض فيها على العوام، وأركب الأتراك، وألبس الأجناد الأسلحة، وحلق الجمم والكلالجات، وضرب بالسياط، وحبسهم في البيوت [2] تحت السقوف، وكان شهر آب، فكثر الكلام على السلطان وقال العوام:
هلك الدين مات السنة، ونصبت البدعة، ونرى أن الله ما ينصر إلا الرافضة فنرتد عن الإسلام.
قَالَ ابن عقيل: فخرجت إلى المسجد وقلت: بلغني أن أقواما يتسمون بالإسلام والسنة قد غضبوا على الله وهجروا شريعته، وعزموا على الارتداد وقد ارتدوا، فإن المسلمين أجمعوا على أن العزم على الكفر كفر، فلقد بلغ الشيطان منهم كل مبلغ حيث دلس عليهم نفوسهم، وغطى عيوبهم، وأراهم أن إزالة النصرة عنهم مع استحقاقهم لها، ولم يكشف عن عوار أديانهم حيث صب عليهم النعم صبا، وأرخص أسعارهم، وأمن ديارهم، وجعل سلطانهم، رحيما لطيفا، وجعل لهم [3] وزيرا صالحا يجتهد في 37/ أإخراج الحكومات المشتبهة إلى الفقهاء ليخلص [4] دينه من التبعات، ويأخذ الإجماع
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وحبسهم في العوق» .
[3] في الأصل: «وجعل له»
[4] في ص، ت: «ليسلم»(16/283)
في أكثر العبادات، ولا يتكبر ولا يحتجب، فأمرجوا في المعاصي، ثم انتقلوا إلى بناء العقود بالطبول، ولهج منهم قوم بسب، فلما نهض السلطان بعصبية دينية أو سياسة، وقد استحقوا قطع الرءوس، وتخليد الحبوس، فقعد الحمقى في مأتم النياحة يقولون:
هل رأيتم في الزمن الماضي مثل ما جرى على أهل السنة في هذه الدولة، طاب والله الانتقال عن الإسلام لو كان ما نحن فيه حقا لنصره الله. وحملوا الصلبان في حلوقهم، ودعوا بشعار الرفض، وقالوا: لا دين إلا دين أهل الكرخ، وهل كانوا على الدين فيخرجوا، وهل الدين النطق باللسان من غير تحقيق معتقد، وأس المعتقد من قوم تناهوا في العصيان والشرود عن الشرع، وسفكوا الدماء، فلما فرضوا بعذاب ردعا لهم ليقلعوا أنكروا وتسخطوا، فأردتم أن يتبع الحق أهواء كم ويسكت السلاطين عن قبيح أفعالكم، حتى تفانون بالخصومة والمحاربة [1] ، فلا في أيام السعة والدعة شكرتم النعم، ولا في أيام التأديب سلمتم للحكيم الحكم، فليتكم لما فسدت دنياكم أبقت بقية من أمر أديانكم [2] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3596- أحمد بن محمد بن صاعد بن محمد بن أحمد، أبو نصر النيسابورىّ
[3] :
137/ ب ولد سنة عشر وأربعمائة، وسمع بنيسابور/ من جده أبي العلاء صاعد بن محمد، ومن أبيه محمد بن صاعد، وعمه إسماعيل بن صاعد، وأبي بكر الحيري، وأبي سعيد الصيرفي، وسمع ببخارا من أبي سهل الكلاباذي، وأبي ثابت البخاري، وسمع ببغداد من أبي الطيب الطبري وغيره. روى عنه أشياخنا، وكان في صباه من أجمل الشباب وأجمعهم لأسباب السيادة من الفروسية والرمي، وصار رئيس نيسابور، وأملى الحديث، وتوفي في شعبان هذه السنة، ودفن بنيسابور.
__________
[1] في الأصل: «تفانون بالمخاصمة والمضاربة»
[2] في الأصل: «دينكم»
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 366) .
والكامل 8/ 462، 463، وتاريخ نيسابور ت 246) .(16/284)
3597- أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أبو الفتح المقرئ
[1] .
مقرى أصبهان، قرأ القراءات على جماعة، وسمع الحديث من جماعة.
وتوفي في هذه السنة.
3598- أحمد [2] بن محمد بن أحمد، أبو العباس الجرجاني قاضي البصرة
[3] .
سمع من أبي طالب بن غيلان، وأبي القاسم التنوخي، وأبي محمد الجوهري، وغيرهم، وكان رجلا جلدا ذكيا، وتوفي في هذه السنة في طريق البصرة.
3599- عبد العزيز بن محمد بن علي [4] بن إبراهيم بن ثمامة، أبو نصر الهروي
[5] .
سمع أبا محمد الجراحي، وتوفي في رمضان بهراة.
3600- عبد الصمد بن أحمد بن علي، أبو محمد السليطي، المعروف بطاهر النيسابوري
[6] .
رازي المولد والمنشأ، نيسابوري الأصل، رحل البلاد، وسمع الحديث الكثير ونسخ الكثير [7] ، وجود الضبط، وكان أحد الحفاظ وأوعية العلم، سمع من ابن المذهب، وأبي الحسن الباقلاوي، وأبي الطيب الطبري، وأبي محمد الجوهري، وخرج له الأمالي، وكان صدوقا، توفي بهمذان في هذه السنة.
3601- علي بن أبي يعلي بن زيد، أبو القاسم الدبوسي
[8] .
من أهل دبوسة بلدة بين سمرقند وبخارا، ولي التدريس بالنظاميّة في بغداد،
__________
[1] في ت: «البغوي»
[2] في ت: «عبد العزيز بن محمد»
[3] انظر ترجمته في: «طبقات السبكي 3/ 31. والأعلام 1/ 214) .
[4] «بن علي» سقطت من ت.
[5] في ت: «المروي» .
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 135.
وتاريخ نيسابور ت 1161)
[7] «ونسخ الكثير» سقطت من ت، ص.
[8] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 135. والكامل 8/ 463)(16/285)
138/ أوتوحد في الفقه والجدل، وسمع الحديث، وتوفي ببغداد في شعبان هذه السنة.
3602- علي بن محمد بن علي الطراح أبو الحسن [1] المدير.
توفي في ذي الحجة [2] .
3603- أبو الحسن [3] بن [علي بن] [4] المعوج.
كاتب الزمام [5] توفي في هذه السنة.
3604- عاصم بن الحسن بن محمد بن علي بن عاصم بن مهران أبو الحسين العاصمي
[6] .
ولد سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، وهو من أهل الكرخ، يسكن باب الشعير، من ملاح البغداديين وظرفائهم، له الأشعار الرائقة النادرة المستحسنة، وكان من أهل الفضل والأدب، وسمع أبا عمر عبد الواحد بن مهدي، وأبا الحسين بن المتيم، وأبا الحسين بن بشران وغيرهم، وحدث عن أبي بكر الخطيب [7] ، وكان ثقة متقنا، حدثنا عنه أشياخنا كثيرا.
وأنشدونا من شعره:
ماذا على متلون الأخلاق ... لو زارني وأبثه أشواقي
وأبوح بالشكوى إليه تذللا ... وأفض ختم الدمع من آماقي
فعساه يسمح بالوصال لمدنف ... ذي لوعة وصبابة مشتاق
أسر الفؤاد ولم يرقّ لموثق ... ما ضره لو جاد بالإطلاق
__________
[1] في الأصل: «أبو الحسين»
[2] في ت: «توفي بذي الحجة»
[3] في الأصل: «أبو الحسين»
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.
[5] في ت: «الرمام»
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 136. واللباب 2/ 105. والأعلام 3/ 248. والكامل 8/ 463) .
[7] في الأصل: «عن المثنى عن أبي بكر الخطيب»(16/286)
إن كان قد لسعت عقارب صدغه ... قلبي فإن رضابه درياقي
يا قاتلي ظلما بسيف صدوده ... حاشاك تقتلني بلا استحقاق
ما مذهبي شرب السلاف وإنني ... لأحب شرب سلافة الأرياق
وسقيتني دمعي وما يروى به ... ظمأى ولكن لا عدمت الساقي
ومن شعره الرائق:
لهفي على قوم بكاظمة ... ودعتهم والركب معترض
لم تترك العبرات مذ بعدوا ... لي مقلة ترنو وتغتمض
رحلوا [1] فطرفي دمعه هطل ... جار وقلبي حشوه مرض
وتعوضوا لا ذقت فقدهم ... عني وما لي عنهم عوض 138/ ب
أقرضتهم قلبي على ثقة ... بهم فما ردوا الذي اقترضوا
وله:
أتعجبون من بياض لمتي ... وهجركم قد شيب المفارقا
فإن تولت شرتي فطالما ... عهدتموني مرخيا غرانقا
لما رأيت داركم خالية ... من بعد ما ثورتم الأيانقا
بكيت في ربوعها صبابة ... فأنبتت مدا معي شقائقا
[أنبأنا عبد الوهاب الأنماطي، قَالَ: أنشدنا عاصم بن الحسن لنفسه:] [وله أيضا:
] [2] قَالَ المصنف رحمه الله: سمعت شيخنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي يقول:
قَالَ عاصم: مرضت فغسلت شعري، وكان [غسلي] [3] له في المرض.
__________
[1] في الأصل: «دخلوا»
[2] في ت زيادة عدة أبيات غير مقروءة أثبتنا منه ما استطعنا، ولم نستطع قراءة الباقي، وهذه الأبيات ساقطة من جميع النسخ سوى ت.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/287)
توفي عاصم في جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن في مقبرة جامع المدينة.
3605- محمد بن أحمد بن حامد بن عبيد، أبو جعفر البخاري البيكندي المتكلم، المعروف: بقاضي حلب
[1] .
داعية إلى الاعتزال، ورد بغداد في أيام أبي منصور عبد الملك بن محمد بن يوسف فمنعه أن يدخلها. فلما مات [ابن يوسف] [2] دخلها وسكنها، ومات بها.
قَالَ شيخنا عبد الوهاب: كان كذابا.
توفي في هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3606- محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل، أبو الفتح الأصبهاني، ويعرف: بسمكويه
[3] .
ولد بأصبهان سنة تسع وأربعمائة، ثم نزل هراة مدة، ثم خرج عنها، وكان من الحفاظ المعروفين بالطلب والرحلة، وسمع الكثير، وجمع الكتب، وورد بغداد، فسمع أبا محمد الخلال وغيره، ثم خرج إلى ما وراء النهر، وكتب بها ورجع إلى هراة فتديرها، وكان على رأى العلماء والصالحين مشغولا بنفسه عمّا لا يعنيه.
وتوفي بنيسابور ليلة الأربعاء سابع عشر ذي الحجة من هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 136. والجواهر المضية 2/ 8. ولسان الميزان 5/ 61.
والأعلام 5/ 315)
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 136، وفيه: «المعروف بمسلرفة» . وشذرات الذهب 3/ 3661. وتاريخ نيسابور ت 139) .(16/288)
ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين واربعمائة
139/ أفمن الحوادث فيها:
أنه ورد أبو عبد الله الطبري الفقيه في المحرم بمنشور من نظام الملك بتولية التدريس بالنظامية، فدرس بها، ثم وصل في ربيع الآخر أبو محمد عبد الوهاب الشيرازي ومعه منشور بالتدريس بها، فتقرر أن يدرس فيها هذا يوما وهذا يوما.
وفي ربيع الآخر: خلع على أبي القاسم علي بن طراد، وكتب له منشور بنقابة العباسيين بعد أبيه.
[ورد البصرة رجل كان ينظر في علم النجوم]
وفي جمادى الأولى: ورد البصرة رجل كان ينظر في علوم النجوم يقال له: تليا، واستغوى جماعة، وادعى أنه الإمام المهدي، وأحرق البصرة فأحرقت دار كتب عملت قبل عضد الدولة، وهي أول دار [كتب] [1] عملت في الإسلام، وخربت وقوف البصرة التي وقفت على الدواليب التي تدور، وتحمل الماء فتطرحه في قناة الرصاص الجارية إلى المصانع التي أماكنها على فرسخ من الماء.
وحكى طالوت بن عباد: أنه رأى محمد بن سليمان أمير البصرة في المنام فَقَالَ لَهُ: مَا فعل الله بك؟ فَقَالَ: غفر لي ولولا حوض المربد لهلكت.
وكان محمد قد ابتدأ بهذا المصنع عند خروجه إلى مكة، وعاد إلى البصرة، فاستقبل بمائة فشربه وصلى على جانبه ركعتين شكرا للَّه تعالى على تمام هذه
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/289)
المصلحة، فأصبح طالوت، فعمل مصنعا وقف عليه وقوفا.
قَالَ المصنف: وقرأت بخط ابن عقيل: استفتى على المعلمين في سنة ثلاث 139/ ب وثمانين فأخرجهم/ ظهير الدين- يعني من المساجد- وبقي خالوه مجيرا، وكان رجلا صالحا من أصحاب الشافعي في مسجد كبير يصونه ويصلي فيه بهم. وينظفه، فاستثنى بالسؤال فيه فقال قائل: لم يخص هذا.
قَالَ ابن عقيل: قد ورد التخصيص بالفضائل في المساجد خاصة، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُدُّوا هَذَهِ الْخَوْخَاتِ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ إِلا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ» وَلا نَشُكُّ أَنَّهُ إِنَّمَا خَصَّهُ لِسَابِقَتِهِ، وَهَذَا فَقِيهٌ يَدْرِي كيف يصان المساجد، وله حرمة، وهو فقير لا يقدر على استئجار منزل فجاز تخصيصه بهذا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3607- جعفر بن محمد بن جعفر بن المكتفي باللَّه [أبو محمد]
[1] .
سمع أبا القاسم بن بشران، حدث عنه شيخنا عبد الوهاب وأثنى عليه ووصفه بالخيرية، وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب، وبلغ تسعا وستين سنة.
3608- محمد بن أحمد بن عمر [2] ، أبو يعلى المؤذن
[3] .
سمع أبا الْحَسَن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم الهاشمي، وكان شيخنا صالحا خيرا، روى عنه أشياخنا.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن في مقبرة الخلد على شاطئ الفرات.
3609- محمد بن محمد بن جهير، أبو نصر
[4] .
وزر للقائم والمقتدي، ولد بالموصل، ثم أعادته الأقدار إلى الموصل، فمات بها.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «ابن عمر» سقطت من ت.
[3] في ت: «المؤدب» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 136. وشذرات الذهب 3/ 369، 370، 371. والوافي بالوفيات 1/ 272. والأعلام 7/ 22. والكامل 8/ 464)(16/290)
3610- محمد بن علي بن الحسن أبو طالب الواسطي
[1] .
حدث عن القاضي أبي الحسين بن المهتدي وغيره. سمع منه صاعد بن 140/ أسيار. وكان الرجل من أهل بغداد فخرج إلى خراسان فتوفي بها في صفر.
3611- محمد بن علي بن محمد بن جعفر، أبو سعد الرسيم
[2] .
ولد في سنة أربعمائة، وسمع من أبي الحسين بن بشران، وأبي الحسن القطان وغيرهما، روى عنه شيخنا عبد الوهاب، وأثنى عليه وقال: كان رجلا فيه خير، وتوفي في هذه السنة، ودفن فِي مقبرة جامع المدينة.
3612- محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن أبي عثمان عمر بن محمد بن عثمان ابن المنتاب الدقاق، وهو أخو أبي محمد، وأبي تمام، وهو أصغرهم
[3] .
سمع أبا عمر بن مهدي، وأبا الحسين بن بشران، وابن رزقويه وغيرهم، حدثنا عنه أشياخنا، وكان ثقة دينا.
وتوفي في يوم الأربعاء للنصف من جمادى الآخرة، ودفن في مقبرة الشونيزية.
3613- محمد بن أحمد بن محمد بن اللحاس [4] العطار، ويعرف: بابن الجبان
[5] .
سمع ابن رزقويه، وابن بشران، وابن أبي الفوارس وغيرهم، حدثنا عنه عبد الوهاب وقال: كان رجلا صالحا وكان مزاحا.
وتوفي يوم الجمعة ثامن رجب في هذه السنة، ودفن بباب حرب.
3614- محمد بن أحمد [بن محمد] [6] بن عمر، أبو يعلي.
سمع أبا الحسن علي بن عبد الله الهاشمي العيسوي، روى عنه أشياخنا، وتوفي في يوم السبت سابع عشر ذي القعدة، ودفن في مقبرة الخلد على شاطئ الفرات.
__________
[1] في ت: «الوسطي» .
[2] في ت: «الرسمي» .
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 369)
[4] في ت: «ابن محمد اللحاس»
[5] في ت: «بابن الحيان»
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/291)
ثم دخلت سنة اربع وثمانين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
140/ ب/ أنه لما أحرق المُنَجِّمُ البصرةَ كتب إلى واسط يدعوهم إلى طاعته ويقول: أنا الإمام المهدي صاحب الزمان، آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأهدي الخلق إلى الحق، فإن صدقتم بي أمنتكم من العذاب، وإن عدلتم عن الحق خسفت بكم فآمنوا باللَّه وبالإمام المهدي.
وفي رابع عشر صفر: خرج توقيع الخليفة بإلزام أهل الذمة بلبس الغيار والزنار، والدرهم الرصاص المعلق في أعناقهم مكتوب عليه: ذمي، وأن تلبس النساء مثل هذا الدرهم في حلوقهن عند دخول الحمام ليعرفن، وأن تلبس الخفاف فردا أسود وفردا أحمر، وجلجلا في أرجلهن، وشدد الوزير أبو شجاع في هذا، فأجابه المقتدي إلى ما أشار به، وأسلم حينئذ أبو سعد بن الموصلا يا كاتب الإنشاء، وابن أخته أبو نصر هبة الله بحضرة الخليفة.
[قدوم أبي حامد الغزالي للتدريس بالنظاميّة]
وفي جمادى الأولى: قدم أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي من أصبهان إلى بغداد للتدريس بالنظامية، ولقبه نظام الملك: بزين الدين، شرف الأئمة، وكان كلامه معسولا وذكاؤه شديدا.
وفي يوم الخميس تاسع رمضان: خرج التوقيع بعزل الوزير أبي شجاع، وكان السبب أن أصحاب السلطان [1] شكوا منه، فصادف ذلك غرض النظام في عزله، فأكد
__________
[1] في الأصل: «أن قوما شكوا»(16/292)
نوبته، وكتب السلطان إلى الخليفة يشكو منه، فصادف ذلك ضجرا من الخليفة من أفعاله التي تصدر عن قلة رغبة في الخدمة، فعزله وكان يكسر أعراض الديوان والعسكر متابعة للشرع، حتى إنه لما فتحت سمرقند على يدي ملك شاه جاء البشير/ فخلع عليه 141/ أفقال: وأي بشارة هذه، كأنه قد فتح بلدا من بلاد الكفر، وهل هم إلا قوم مسلمون استبيح منهم ما لا يستباح من المسلمين. فبلغ هذا السلطان مع ما في قلب الخليفة فعزله وهو في الديوان، فانصرف إلى داره على حالته مع حواشيه، وأنشد حينئذ:
تولاها وليس له عدو ... وفارقها وليس له صديق
فلما كان يوم الجمعة عاشر الشهر: خرج إلى الجامع من داره بباب المراتب ماشيا متلفعا بمنديل من قطن مع جماعة من العلماء والزهاد، فعظمت العامة ذلك وشنعوا، وقال الأعداء: إنما قصد الشناعة، فأنكر عليه أشد الإنكار، وألزم منزله، وأخذ الجماعة الذين مشوا معه فأهينوا، ثم وردت كتب النظام بأن يخرج من بغداد فأخرج إلى در أورد وهو موطنه قديما، فأقام هناك مدة، ثم استأذن في الحج فأذن له، فجاء إلى النيل فأقام بها، فلم تطب له لكثرة منكرها، فمضى [1] إلى مشهد علي عليه السلام، ثم سافر إلى مكة، فلما أراد الخروج إلى مكة صلحت له نية نظام الملك، فبعث إليه يقول: أنا أسألك أن أكون عديلك، وكان النظام قد استعد ذلك، لكن لم يقدر له، فقال للرسول:
تخدم عنى وتقول منذ أطبق دواتي أمير المؤمنين لم أفتحها، ولولا ذلك لكتبت الجواب، وأنا أعادل بالدعاء، وناب ابن الموصلايا، ولقب: أمين الدولة، وخلع عليه، وتقدم إلى أبي محمد التميمي، ويمن الخادم بالخروج إلى باب السلطان لاستدعاء أبي 141/ ب منصور بن جهير، وتقرير وزارته.
وفي خامس عشرين رمضان: رضي الخليفة عن أبي بكر الشامي قاضي القضاة، وخرج إليه توقيع يأمره فيه بالإغضاء عما كان من الشهود والوكلاء في حقه، كانوا قد بالغوا في عداوته، وخرج الشهود في صحبته لتلقي السلطان مع ابن الموصلايا، ومعه فتيت لإفطاره، ولم يقبل من أحد شيئا [2] .
__________
[1] في الأصل: «فجاء إلى مشهد»
[2] في ص: «ولم يقبل ما يحمل إليه»(16/293)
وفي رمضان دخل السلطان ملك شاه إلى بغداد وخرج لتلقيه ابن الموصلايا، ونزل نظام الملك بدار ولده مؤيد الملك.
وفي ذي القعدة: خرج ملك شاه وابنه وابن بنته الذي أبوه المقتدي في خلق عظيم وزي عظيم إلى الكوفة.
وفي ذي القعدة: استوزر أبو منصور بن جهير- وهي النوبة الثانية من وزارته- للمقتدي وخلع عليه، وركب إليه نظام الملك إلى دار بباب العامة فهنأه.
وفي ذي الحجة عمل السلطان ملك شاه الصدق بدجلة، وهو إشعال النيران والشموع العظيمة في السميريات، والزواريق الكبار، وعلى كل زورق قبة عظيمة، وخرج أهل بغداد للفرجة، فباتوا على الشواطئ وزينت دجلة بإشعال النار، وأظهر أرباب المملكة كنظام الملك وغيره من زينتهم ما قدروا عليه، وحملوا [1] في السفن بأنواع الملاهي، وأخذوا السفن الكبار فألقوا فيها الحطب وأضرموا فيها النار، 142/ أوأحدروها [2] من/ مسناة دار معز الدولة إلى دار نظام الملك، ونزل أهل محال الجانب الغربي كل واحد معه شمعة واثنتان، وكان على سطح دار المملكة إلى دجلة حبال قد أحكم شدها، وفيها سميرية [3] يصعد بها رجل في الحبال، ثم ينحدر بها وفيها نار، وصف الشعراء ما جرى تلك الليلة فقال أبو القاسم المطرز:
وكل نار على العشاق مضرمة ... من نار قلبي أو من ليلة الصدق
نار تجلت بها الظلماء واشتبهت ... بسدفة الليل فيها غرة الفلق
وزارت الشمس فيها البدر واصطلحا ... على الكواكب بعد الغيظ والحنق
مدت على الأرض بسطا من جواهرها ... ما بين مجتمع وار ومفترق
مثل المصابيح إلا أنها نزلت ... من السماء بلا رجم ولا حرق
أعجب بنار ورضوان يسعرها ... ومالك قائم منها على فرق
__________
[1] في الأصل: «وعلموا من السفن»
[2] في ص، ت: «وأحدروا من مسناة»
[3] في الأصل: «سمارية»(16/294)
في مجلس ضحكت روض الجنان له ... لما جلت ثغرة عن واضح يقق
وللشموع عيون كلما نظرت ... تظلمت من يديها أنجم الغسق
من كل مرهفة الأعطاف كالغصن ... المياد لكنه عار من الورق
إني لأعجب منها وهي وادعة ... تبكي وعيشتها في ضربة العنق]
[1] ومن غد تلك الليلة أخرج تليا المنجم وشهر وعلى رأسه طرطور بودع، والدرة تأخذه وهو على جمل يشتم الناس ويشتمونه.
قَالَ المصنف: ونقلت من خط أبى الوفاء بن عقيل قَالَ: لما دخل جلال الدولة أي نظام الملك في هذه السنة قَالَ: أريد استدعي بهم وأسألهم عن مذهبهم، فقد قيل لي إنهم مجسمة- يعني الحنابلة- فأحببت أن أسوغ كلاما يجوز أن يقال إذا سأل فقلت:
ينبغي لهؤلاء الجماعة يسألون عن صاحبنا، فإذا أجمعوا على حفظه لأخبار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلموا أنه كان ثقة فالشريعة ليست بأكثر من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله إلا ما كان للرأي فيه مدخل من الحوادث الفقهية، فنحن على مذهب ذلك الرجل الذي أجمعوا على تعديله كما أنهم على مذهب قوم أجمعنا على سلامتهم من البدعة، فإن وافقوا أننا على مذهبه فقد أجمعوا على سلامتنا معه، لأن متبع السليم سليم وإن ادعى علينا أنا تركنا مذهبه وتمذهبنا بما يخالف الفقهاء، فليذكروا ذلك ليكون الجوانب بحسبه، وإن قالوا أحمد ما شبه وأنتم شبهتم، قلنا: الشافعي لم يكن أشعريا، وأنتم أشعرية، فإن كان مكذوبا عليكم فقد كذب علينا، ونحن/ نفزع في التأويل مع نفسي التشبيه، فلا يعاب 142/ ب علينا إلا ترك الخوض والبحث، وليس بطريقة السلف، ثم ما يريد الطاعنون علينا ونحن لا نزاحمهم على طلب الدنيا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3615- عبد الرحمن بن أحمد بن علك، أبو طاهر
[2] .
ولد بأصبهان، وسمع الحديث، وتفقه بسمرقند، وهو كان السبب في فتحها،
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 138. وشذرات الذهب 3/ 372. والكامل 8/ 475، 476)(16/295)
وكان من رؤساء الشافعية حتى قَالَ يحيى بن عبد الوهاب بن منده: لم نر فقيها في وقتنا أنصف منه ولا أعلم، وكان بهيج المنظر، فصيح اللهجة، ذا مروءة [1] وكانت له حال عظيمة، ونعمة كبيرة، وكان يقرض الأمراء الخمسين ألف دينار وما زاد، وتوفي ببغداد، فمشى تاج الملك وغيره في جنازته من [المدرسة] [2] النظامية إلى باب أبرز، ولم يتبعه راكب سوى نظام الملك، واعتذر بعلو السن، ودفن بتربة أبي إسحاق إلى جانبه، وجاء السلطان عشية ذلك اليوم إلى قبره.
قَالَ ابن عقيل: جلست إلى جانب نظام الملك بتربة أبي إسحاق والملوك [3] قيام بين يديه، واجترأت على ذلك بالعلم، وكان جالسا للتعزية بابن علك، فقال: لا إله إلا الله، دفن في هذا المكان أرغب أهل الدنيا في الدنيا يعني ابن علك وأزهدهم فيها يعني أبا إسحاق ورئي ليلة دفن عنده أبو طاهر كأنه قد خرج من قبره وجلس على شفير القبر، وهو يحرك أصبعه المسبحة ويقول: يا بني الأتراك يا بني الأتراك. فكأنه يستغيث من جواره.
143/ أ
3616- علي بن أحمد بن عبد الله بن النظر أبو طاهر/ الدقاق
[4] .
توفي يوم الأربعاء سادس عشر صفر.
3617- علي بن الحسين بن قريش، أبو الحسن البناء.
ولد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، حدثنا عنه أشياخنا.
وتوفي يوم الجمعة سابع عشر ذي الحجة ودفن بباب حرب.
3618- عفيف القائمي.
كان له اختصاص بالقائم، وكانت فيه معان.
3619- محمد بن عبد السلام بن علي بن عمر بن عفان، أبو الوفاء الواعظ.
__________
[1] في الأصل: «ذابر»
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «بتربة أبي إسحاق إلى جانبه والملوك»
[4] الدقاق: بفتح الدال المهملة والألف بين القافين الأولى مشددة. هذه النسبة إلى الدقيق وعمله وبيعه.
(الأنساب 5/ 325)(16/296)
سمع أبا علي بن شاذان حدثنا عنه أشياخنا، وكان يسكن نهر طابق ويعظ، وله قبول، ولما رأى أصحاب أحمد بن حنبل ابن عفان قد مالأ الأشاعرة في أيام ابن القشيري هجروه، وتوفي يوم الأحد رابع عشر [1] جمادى الآخر، ودفن في داره بقطيعة عيسى.
3620- محمد بن عبد السلام بن علي بن نظيف، أبو سعد الصيدلاني
[2] .
سمع أبا طالب الزهري، وأبا الحسين النهرواني، حدثنا عنه أشياخنا.
توفي في يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة.
3621- محمد بن أحمد بن علي بن حامد، أبو نصر المروزي
[3] 144/ أ.
كان إماما في القراءات، أوحد وقته [4] ، وصنف فيها التصانيف، وسافر الكثير في طلب علم القرآن، وغرق مرة في البحر فذكر أنه كان الموج يلعب به، فنظر إلى الشمس وقد زالت، ودخل وقت الظهر فغاص في الماء، ونوى الظهر، وشرع في الصلاة [على حسب الطاقة] [5] فخلص ببركة ذلك. وتوفي في يوم الأحد ثاني عشر ذي الحجة من هذه السنة، وهو ابن نيف وتسعين سنة.
3622- مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ بن الحسين، أبو بكر الناصح الحنفي قاضي قضاة الري
[6] .
سمع وحدث، وكان فقيها مناظرا متكلما يميل إلى الاعتزال، وكان وكلاء مجلسه يميلون إلى أخذ الرشى، فصرف عن قضاء نيسابور، وتوجه إلى الري قاضيا، وتوفي في رجب هذه السنة.
__________
[1] في ت، ص: «الأحد رابع جمادى»
[2] الصيدلاني: بفتح الصاد المهملة، وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين، وفتح الدال المهملة، وبعدها اللام ألف، والنون. هذه النسبة لمن يبيع الأدوية والعقاقير، واشتهر بهذه النسبة جماعة كثيرة (الأنساب 8/ 122)
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 138. والأعلام لابن قاضي شهبة وفيات 484 هـ. وإرشاد الأريب 6/ 338. واللباب 3/ 36 وفيه توفي سنة 481 هـ. والأعلام 5/ 316)
[4] في الأصل: «أوجد عقيده»
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 138. وشذرات الذهب 3/ 372. والفوائد البهية 179.
والجواهر المضية 2/ 64. والأعلام 6/ 228. والكامل 8/ 476) .(16/297)
ثم دخلت سنة خمس وثمانين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن السلطان ملك شاه تقدم في المحرم ببناء سوق المدينة لمقاربة داره التي بمدينة طغرلبك، وبنى فيها خانات الباعة، وسوقا عنده، ودروبا، وآدر، وبنت خاتون حجرة لدار الضرب، ونودي أن لا تعامل إلا بالدنانير، ثم بعمارة الجامع الذي تمم بأخرة على يدي بهروز الخادم في سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وتولى السلطان تقدير هذا الجامع بنفسه وبدرهم منجمه وجماعة من الرصديين، وأشرف على ذلك قاضي القضاة أبو بكر الشامي، وجلبت أخشابه من جامع سامرا، وكثرت العمارة بالسوق، واستأجر نظام الملك بستان الجسر وما يليه من وقوف المارستان [مدة خمسين سنة] [1] وتجرد لعمارة ذلك دارا وأهدى له أبو الحسن الهروي خانه، وتولى عمارة ذلك أبو سعد بن سمحا اليهودي، وابتاع تاج الملك أبو الغنائم دار الهمام وما يليها بقصر بني المأمون، ودار ختلغ أمير الحاج، وبنى جميع ذلك دارا، وتولى عمارتها الرئيس أبو طاهر ابن الأصباغي.
وفي المحرم: قصد الأمير جعفر بن المقتدي أباه أمير المؤمنين ليلا فزاره ثم عاد.
وفي المحرم: مرض نظام الملك فكان يداوي نفسه بالصدقة، فيجتمع عنده خلق من الضعفاء فيتصدق عليهم، فعوفي.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/298)
وفي النصف من ربيع الأول: توجه السلطان خارجا إلى أصفهان، وخرج صحبته الأمير أبو الفضل بن المقتدي.
[وقوع حريق بنهر معلى]
وفي يوم الثلاثاء تاسع جمادى الأولى: وقع الحريق بنهر معلى في الموضع المعروف بنهر الحديد إلى خرابة الهراس/ وإلى باب دار الضرب، واحترق سوق الصاغة، والصيارف، والمخلطيين، والريحانيين من الظهر إلى العصر، وهلك خلق كثير من الناس، ومن جملتهم الشيخ مالك البانياسي المحدث، وأبو بكر بن أبي الفضل الحداد، وكان من المجودين في علم القرآن، وأحاطت النار بمسجد الرزاقين ولم يحترق، وتقدم الخليفة إلى عميد الدولة أبي منصور بن جهير، فركب وو وقف عند مسجد ابن جردة، وتقدم بحشر السقاءين والفعلة، فلم يزل راكبا حتى طفئت النار.
وفي مستهل رمضان: توجه السلطان من أصفهان إلى بغداد بنية غير مرضية، ذكر عنه أنه أراد تشعيث أمر المقتدي، وكان معه النظام، فقتل النظام في عاشر رمضان في الطريق، ووصل نعيه إلى بغداد في ثامن عشر رمضان، فلما قارب السلطان بغداد خلع المقتدي على وزيره عميد الدولة أبي منصور تشرفا له وجبرا لمصابه بنظام الملك، فإنه كان يعتضد به [1] ، وهو الذي سفر له في عوده إلى منصبه، وكان عميد الدولة قد تزوج بنت النظام، فخرج في الموكب للتلقي يوم الخميس ثاني عشرين رمضان، وسار إلى النهروان، وأقام إلى العصر من يوم الجمعة، ودخل ليلة السبت [ودخل السلطان إلى دار المملكة يوم السبت] [2] ومنع تاج الملك العسكر أن ينزل في دار أحد وركب عميد الدولة وأربها معه إلى دار السلطان، فهنأه عن الخليفة بمقدمة وبعث السلطان إلى الخليفة يقول: لا بد أن تترك لي بغداد وتنصرف إلى أي البلاد شئت، فانزعج الخليفة من هذا انزعاجا شديدا، ثم قَالَ: أمهلني شهرا. فعاد الجواب: لا يمكن أن تؤخر ساعة. فقال الخليفة لوزير السلطان: سله أن يؤخرنا عشرة أيام. فجاء إليه فقال: لو أن رجلا من العوام أراد أن ينتقل من دار تكلف/ للخروج، فكيف بمن يريد أن ينقل أهله 144/ ب ومن يتعلق به، فيحسن أن تمهله عشرة أيام. فقال: يجوز. فلما كان يوم عيد الفطر صلى
__________
[1] في الأصل: «كان يقتدي به»
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/299)
السلطان بالمصلى [1] العتيق، وخرج إلى الصيد فافتصد، فأخذته الحمى، وكان قد فوض الأمر إلى تاج الملوك أبي الغنائم، وأوقع عليه اسم الوزارة واستقر أن تفاض عليه الخلع يوم الاثنين رابع شوال فمنع هذا الأمر الذي جرى، وركب عميد الدولة مع الجماعة إلى السلطان فلم يصلوا إليه، ونقل أرباب الدولة أموالهم إلى حريم الخليفة، وتوفي السلطان فضبطت زوجته زبيدة خاتون العسكر بعد موته أحسن ضبط، فلم يلطم خد، ولم يشق ثوب، وبعثت بخاتم السلطان مع الأمير قوام الدولة صاحب الموصل إلى القلعة التي بأصبهان تأمر صاحبها بتسليمها، وأتبعته بالأمير قماج، فاستوليا على أمور القلعة، وساست الأمور سياسة عظيمة. وأنفقت الأموال التي جمعها ملك شاه فأرضت بها العسكر، وكانت تزيد على عشرين ألف ألف دينار، واستقر مع الخليفة ترتيب ولدها محمود في السلطنة وعمره يومئذ خمس سنين وعشرة أشهر، وخطب له على منابر الحضرة، وترتب لوزارته تاج الملك أبو الغنائم المرزبان بن خسرو، وجاء عميد الدولة بخلع من الخليفة فأفاضها على محمود، ودخل إلى أمه فعزّاها وهنأها عن الخليفة، ثم خرج العسكر وخاتون وولدها المعقود له السلطنة ووزيره هذا يوم الثلاثاء السادس والعشرين من شوال، وحمل الأمير أبو الفضل جعفر بن المقتدي إلى أبيه، ودخل أولئك إلى أصبهان، وخطب لمحمود بالحرمين، وراسلت أمّه الخليفة أن يكتب له عهدا، فجرت في ذلك محاورات إلى أن اقتضى الرأي أن يكتب له عهد باسم السلطنة و [راسلت أمّه الخليفة أن يكتب له عهدا باسم السلطنة] [2] خاصة، ويكتب للأمير أنر عهد في تدبير الجيوش، ويكتب لتاج الملك عهد بترتيب العمال وجبايات الأموال، فأبت الأم إلا أن يستند ذلك كله إلى ابنها [محمود] [3] فلم يجب الخليفة وقال: هذا لا يجيزه الشرع واستفتى الفقهاء، فتجرد أبو حامد الغزالي وقال: لا يجوز إلا 145/ أما قاله/ الخليفة، وقال المشطب بن محمد الحنفي: يجوز ما قالته [4] الأم، فغلب قول الغزالي.
__________
[1] في ص: «صلى الصلاة بالمصلى»
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ص: «ما رامته الأم»(16/300)
وفي شوال: قتل ابن سمحا اليهودي.
وفي ذي القعدة: طمع بنو خفاجة في الحاج لموت السلطان، وبعد العسكر، فهجموا عليهم حين خرجوا من الكوفة، فأوقعوا عَلَى ابن ختلغ [1] الطويل [أمير الحاج] [2] وقتلوا أكثر العسكر، وانهزم باقيهم إِلَى الكوفة، فدخل بنو خفاجة الكوفة فأغاروا وقتلوا، فرماهم الناس بالنشاب فأعروا الرجال والنساء، فبعث من بغداد عسكر، فانهزم بنو خفاجة ونهبت أموالهم، وقتل منهم خلق كثير.
فأما مماليك النظام فإنهم بعده أووا إِلَى بركيارق ابن السلطان ملك شاه الكبير، وخطبوا له بالري، وانحاز إليه أكثر العسكر سوى الخاصكية، فإنّهم التجئوا إِلَى خاتون، ففرقت عليهم ثلاثة آلاف ألف دينار، وأنفذتهم إلى قتال بركيارق، وكان مدبر العسكر وزعيمه الوزير تاج الملك، فالتقى الفريقان في سادس عشر ذي الحجة بقرب بروجرد، فاستأمن أكثر الخاصكية إِلَى بركيارق، ووقعت الهزيمة، وأسر تاج الملك وقتل.
وجاء الخبر بما نزل بأهل البصرة من البرد الَّذِي في الواحدة منه خمسة أرطال، وبلغ بعضه ثلاثة عشر رطلا، فرمى الأبراج المبنية بالجص والآجر، وقصف قلوب النخل وأحرقها، وكان معه ريح فقصف عشرات ألوف من النخل، واستدعى قاضي واسط ابن حرز إِلَى بغداد فعزل وقلد القضاء أبو علي الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم الفارقي، ووصل إِلَى واسط في جُمَادَى الأولى.
ذكر من تُوُفّي في هذه السنة من الأكابر
3623- أحمد بن إبراهيم بْن عُثْمَان، أبو غالب الآدمي القاري
[3] .
سمع أبا علي/ بن شاذان وغيره، روى عنه شيخنا عبد الوهاب، وأثنى عليه ووصفه 145/ ب
__________
[1] في الأصل: «فأوقعوا بهم بمحمد ابن ختلع الطويل» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] الآدمي: بمد الألف وفتحها وفتح الدال المهملة وفي آخرها الميم. هذه النسبة إلى آدم وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه وإن كانت هذه النسبة لجميع ولد آدم عليه السلام عامة (الأنساب 1/ 97)(16/301)
بالخير، وكان حسن التلاوة لكتاب الله العزيز، يقرأ بين أيدي الوعاظ، توفي في ذي الحجة من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب أبرز.
3624- جعفر بن يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أبو الفضل التميمي المعروف بالحكاك من أهل مكة
[1] .
ولد سنة سبع عشرة، وقيل: سنة ست وأربعمائة، ورحل في طلب الحديث إلى الشام، والعراق، وفارس، وخوزستان، والجبل، وأصبهان. وسمع من خلق كثير منهم: أبو نصر السجزي، وأبو ذر الهَرَويّ [2] وأكثر عن العراقيين، وخرج لأبي الحسين ابن النقور أجزاء من مسموعاته، وتكلم على الأحاديث بكلام حسن، وكان حافظا متقنا أديبا فهما ثقة صدوقا خيرا، وكان يترسل عن ابن أبي هاشم أمير مكة إلى الخلفاء والأمراء، ويتولى ما يوقع له من مال وكسوة، وكان من ذوي الهيئات النبلاء، حدثنا عنه أشياخنا وآخر من حدث عنه أبو الفتح ابن البطي، توفي يوم الجمعة رابع عشر صفر حين قدم من الحج، وكانت وفاته بالكوفة، ودفن في مقبرة البيع [3] .
3625- الحسن بن علي بن إسحاق بن العباس، أبو علي الطوسي، الملقب: نظام الملك وزير السلطانين ألب أرسلان وولده ملك شاة نسقا متتاليا تسعا وعشرين [4] سنة.
ولد بطوس، وكان من أولاد الدهاقين وأرباب الضياع بناحية بيهق، كان عالي الهمة إلا أنه كان فقيرا مشغولا بالفقه والحديث، ثم اتصل بخدمة أبي علي بن شاذان المعتمد عليه ببلخ، فكان يكتب له، وكان يصادره كل سنة، فهرب منه فقصد داود بن ميكائيل والد السلطان ألب أرسلان، وعرفه رغبته في خدمته، فلما دخل عليه أخذ بيده فسلمه إلى ولده ألب أرسلان، وقال: هذا حسن الطوسي، فتسلمه واتخذه والدا لا
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 140. وشذرات الذهب 3/ 373. والعقد الثمين 3/ 433.
والعبر للذهبي 3/ 307 وتذكرة الحفاظ 4/ 12. والأعلام 2/ 130) .
[2] «والجبل، وأصبهان. وسمع من خلق كثير منهم أبو نصر الجزي وأبو ذر الهروي» ساقطة من ص.
[3] في الأصل: «من مقبرة السبيع» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 140. وشذرات الذهب 3/ 373، 374. ووفيات الأعيان 2/ 128. والكامل 8/ 478: 481. والروضتين 1/ 25. والأعلام 2/ 202. وتاريخ دولة آل سلجوق)(16/302)
تخالفه، وقيل: بل خدم ابن شاذان/ إلى أن توفي فأوصى به إلى ألب أرسلان فلما صار 146/ أالملك إِلَى ألب أرسلان [1] دبر له الملك فأحسن التدبير، فبقي في خدمته عشر سنين ثم مات، وازدحم أولاده على الملك، وطغى الخصوم، فدبر الأمور، ووطد الملك لملك شاة فصار الأمر كله إليه وليس للسلطان إلا التخت والصيد، فبقي على هذه عشرين سنة ودخل على المقتدي، فأذن له في الجلوس بين يديه وقال له: يا حسن رضي الله عنك برضا أمير المؤمنين وأهل الدين [2] عنك، وكان مجلسه عامرا بالفقهاء وأئمة المسلمين وأهل التدين حتى كانوا يشغلونه عن مهمات الدولة، فقال له بعض كتابه: هذه الطائفة من العلماء قد بسطتهم في مجلسك حتى شغلوك عن مصالح الرعية ليلا ونهارا، فإن تقدمت أن لا يوصل أحد منهم [3] إلا بإذن، وإذا وصل جلس بحيث لا يضيق عليك مجلسك. فقال: هذه الطائفة أركان الإسلام، وهم جمال الدنيا والآخرة، ولو أجلست كلا منهم على رأسي لاستقللت لهم ذلك [4] .
وكان إذا دخل عليه أبو القاسم القشيري وأبو المعالي الجويني يقوم لهما ويجلسهما في مسند ويجلس في المسند على حالته.
فإذا دخل عليه أبو علي الفارمذي قام وأجلسه في مكانه وجلس بين يديه، فامتعض من هذا الجويني فقال لحاجبه في ذلك فأخبره، فقال: هو والقشيري وأمثالهما قالوا لي: أنت أنت، وأطروني بما ليس في، فيزيدني كلامهم تيها، والفارمذي يذكر لي عيوبي، وظلمي فأنكر [5] وأرجع عن كثير مما أنا فيه. وكان المتصوفة تنفق عليه حتى إنه أعطى بعض متمنيهم [6] في مرات ثمانين ألف دينار.
أنبأنا علي بن عبيد الله عن أبي محمد التميمي قَالَ: سالت نظام الملك عن سبب
__________
[1] «فلما صار الملك إلى ألب أرسلان» سقطت من ص.
[2] «وأهل الدين» سقطت من ص، ت.
[3] في ص، ت: «أحد إلا بإذن» .
[4] في الأصل: «لاستقللت له ذلك» .
[5] في الأصل: «فانكسر» .
[6] في الأصل: «متمنيهم» .(16/303)
146/ ب تعظيمه الصوفية فقال: أتاني صوفي وأنا في خدمة/ بعض الأمراء، فوعظني وقال:
أخدم من تنفعك خدمته، ولا تشتغل بما تأكله الكلاب غدا فلم أعرف معنى قوله، فشرب ذلك الأمير من الغد، وكانت له كلاب كالسباع تفرس الغرباء بالليل، فغلبه السكر وخرج وحده فلم تعرفه الكلاب فمزقته، فعلمت أن الرجل كوشف بذلك فأنا أطلب أمثاله.
وكان للنظام من المكرمات ما لا يحصى كلما سمع الأذان أمسك عما هو فيه، وكان يراعي أوقات الصلوات، ويصوم الاثنين والخميس، ويكثر الصدقة، وكان له الحلم والوقار وأحسن خلاله مراعاة العلماء، وتربية العلم، وبناء المدارس والمساجد والرباطات والوقوف عليها، وأثره العجيب ببغداد هذه المدرسة وسقوفها الموقوف عليها، وفي كتاب شرطها أنها وقف على أصحاب الشافعي أصلا وفرعا، وكذلك الأملاك الموقوفة عليها شرط فيها أن يكون على أصحاب الشافعي أصلا وفرعا، وكذلك شرط في المدرس الذي يكون بها والواعظ الذي يعظ بها ومتولي الكتب، وشرط أن يكون فيها مقرئ القرآن، ونحوي يدرس العربية، وفرض لكل قسطا من الوقف، وكان يطلق ببغداد كل سنة من الصلات مائتي كر، وثمانية عشر ألف دينار.
ولما طالت ولايته تقررت قواعده قبل قدره، ولما عبر في جيحون [1] وقع للملاحين بأجرتهم على عامل أنطاكية بعشرة آلاف دينار، وملك من الغلمان الأتراك ألوفا، وحدث بمرو، ونيسابور، والري، وأصبهان، وبغداد، وأملى في جامع المهدي، وفي مدرسته، وكان يقول: إني لأعلم أنى لست أهلا للرواية، ولكني أريد أن أربط نفسي على قطار النقلة لحديث/ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحدث عنه جماعة من شيوخنا منهم أبو الفضل الأرموي، وآخر من روى عنه أبو القاسم العكبري، وكان النظام يقول: كنت أتمنى أن يكون لي قرية ومسجد أتخلى فيه بطاعة ربي، ثم تمنيت بعد ذلك قطعة من الأرض بشربها أقوت برفعها، وأتخلى في مسجد في جبل، ثم الآن أتمنى أن يكون لي رغيف كل يوم وأتعبد [2] في مسجد.
__________
[1] في الأصل: «ولقد عبر في جيحون» .
[2] في ت، ص: «لي رغيف وأتعبد»(16/304)
وقال: رأيت إبليس في النوم-[1] فقلت له: ويلك، خلقك الله ثم أمرك بسجدة فلم تفعل، وأنا الحسن أمرني بالسجود فأنا أسجد له كل يوم سجدات فقال:
من لم يكن للوصال أهلا ... فكل إحسانه ذنوب
وكان له أولاد جماعة وزر منهم خمسة للسلاطين، وزر أحمد بن النظام لمحمد ابن ملك شاة وللمسترشد، خرج النظام مع ملك شاة يقصد العراق من أصفهان يوم الخميس غرة رمضان وكان آخر سفرة سافرها فلما أفطر ركب في محفة وسير به فبلغ إلى قرية قريبة من نهاوند فقال: هذا الموضع قتل فيه جماعة من الصحابة زمن عمر، فطوبى لمن كان معهم [2] ، فقتل تلك الليلة اعترضه صبي ديلمي على صفة الصوفية معه قصة، فدعا له وسأل تناولها فمد يده ليأخذها فضربه بسكين في فؤاده، فحمل إلى مضربه فمات، وقتل القاتل في الحال بعد أن هرب فعثر بطنب خيمة فوقع، فركب السلطان إلى معسكره فسكنهم، وذلك في ليلة السبت عاشر رمضان، وكان عمره ستا وسبعين سنة، وعشرة أشهر، وتسعة عشر يوما.
وشاع بين الناس أن السلطان سئم طول عمره وصور له أعداؤه كثرة ما يخرج من الأموال، وقد كان عثمان بن النظام رئيس مرو فأنفذ السلطان مملوكا له كبيرا قد جعله شحنة فاختصما، فقبض عليه عثمان وأخرق به، فلما أطلقه/ قصد السلطان مستغيثا، 147/ ب فاستدعى السلطان أرباب الدولة وقال: امضوا إلى خواجه حسن وقولوا له إن كنت شريكي في الملك فلذلك حكم، وان كنت تابعي فيجب أن تلزم حدك، وهؤلاء أولادك قد استولوا على الدنيا، ولا يقنعهم حتى يخرجوا من الحرمة [3] . فلما أبلغوه قَالَ لهم:
قولوا له أما علم أني شريكه في الملك، وأنه ما بلغ إلا بتدبيري، أو ما يذكر حين قتل أبوه كيف جمعت الناس عليه، وعبرت بالعساكر النهر، وفتحت الأمصار، وصار الملك بحسن تدبيري بين راج للرأفة ووجل من المخافة، وبعد هذا فقولوا له وعرفوه [4] أن
__________
[1] في الأصل: «رأيت إبليس في المنام»
[2] في الأصل: «لمن كان منهم»
[3] في الأصل: «فيجب قوا الحرمة» .
[4] في ت، ص: «فقولوا له أن ثبات القلنسوة» .(16/305)
ثبات القلنسوة مصدوق بفتح هذه الدواة، ومتى أطبقت هذه زالت تلك فحكى ذلك للسلطان، فما زال يدبر عليه فيقال إنه ألف عليه بمواطأة تاج الملك أبي الغنائم من قتله، فلم تطل مدة السلطان بعده، وإنما كان بينهما خمسة وثلاثون يوما، فكان في ذلك عبرة، فكان الناس يتحدثون أن السلطان إنما رضي بقتله لأن السلطان كان قد عزم على تشعيث أمر المقتدي، ودبر ذلك تاج الملك وخاتون زوجة السلطان لأنها أرادت من السلطان أن ينص على ولدها محمود فثناه عن رأيه النظام، فخشوا من النظام تثبيطا عن مرادهم.
ووصل نعي نظام الملك إلى بغداد يوم الأحد ثامن عشر رمضان، فجلس عميد الدولة للعزاء به في الديوان ثلاثة أيام، وحضر الناس على طبقاتهم، وخرج التوقيع يوم الثالث. وفي آخره، وفي بقاء معز الدولة [1] مما يجبر المسلمين، ويعضد أمير المؤمنين.
قَالَ المصنف: ونقلت من خط أبى الوفاء بن عقيل قال: رأينا في أوائل أعمارنا [ناسا] [2] طاب العيش معهم، من العلماء والزهاد وأعيان الناس، وأما النظام فإن سيرته بهرت العقول جودا وكرما وحشمة وإحياء لمعالم الدين، فبنى المدارس، ووقف عليها 148/ أالوقوف/ ونعش العلم وأهله، وعمر الحرمين، وعمر دور الكتب، وابتاع الكتب فكانت سوق العلم في أيامه قائمة، والعلماء مستطيلين على الصدور من أبناء الدنيا، وما ظنك برجل كان الدهر في خفارته، لأنه كان قد أفاض من الإنعام ما أرضى الناس، وإنما كانوا يذمون الدهر لضيق أرزاق واختلال أحوال، فلما عمهم إحسانه امسكوا عن ذم زمانهم.
قَالَ ابن عقيل: بلغت كلمتي هذه وهي قوله كان الدهر في خفارته جماعة من الوزراء والعمداء فسطروها [3] واستحسنها العقلاء الذين سمعوها.
قَالَ ابن عقيل: وقلت مرة في وصفه ترك الناس بعده موتى أما أهل العلم والفقراء
__________
[1] في الأصل: «معز الدولة» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص: «فشطروها» .(16/306)
ففقدوا العيش بعده بانقطاع الأرزاق [1] ، وأما الصدور والأغنياء فقد كانوا مستورين بالغناء عنهم، فلما عرضت [2] الحاجات إليهم عجزوا [3] عن تحمل بعض ما عود [4] من الإحسان، فانكشفت معايبهم من ضيق الصدور [5] ، فهؤلاء موتى بالمنع وهؤلاء موتى بالذم [6] ، وهو حي بعد موته بمدح الناس لأيامه، ثم ختم له بالشهادة فكفاه الله أمر آخرته كما كفى أهل العلم أمر دنياهم، ولقد كان نعمة من الله علي أهل الإسلام فما شكروها فسلبوها.
قَالَ المصنف رحمه الله: وقد رثاه مقاتل بن عطية [المسمى بشبل الدولة] [7] فذكر هذا المعنى:
كان الوزير نظام الملك لؤلؤة ... يتيمة صاغها الرحمان من شرف
عزت فلم تعرف الأيام قيمتها ... فردها غيرة منه إلى الصدف
3626- عبد الباقي بن محمد بن الحسين بن داود بن ناقيا، أبو القاسم الشاعر
[8] .
من أهل الحريم الطاهري، ولد سنة عشر وأربعمائة، وسمع أبا القاسم الخرقي وغيره، وكان أديبا حدث عنه أشياخنا، ورموه بأنه كان يرى رأي الأوائل، ويطعن على الشريعة، / وقال شيخنا عبد الوهاب الأنماطي: ما كان يصلي، وكان يقول في السماء 148/ ب نهر من خمر، ونهر من لبن، ونهر من عسل ما سقط منه شيء قط سقط [9] هذا الذي يخرب البيوت ويهدم السقوف.
توفي في محرم هذه السنة، ودفن بباب الشام، وأنبأنا عمر بن ظفر المغازلي قال:
__________
[1] في الأصل: «الارفاق» .
[2] في الأصل: «عرفت»
[3] في ص: «الحاجات عجزوا»
[4] في الأصل: «ما حمل من الإحسان»
[5] في ص: «من ضيق الأخلاق» .
[6] في الأصل: «موتى بالذم، وهؤلاء موتى بالمنع»
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 141 وفيه: «بن ياقيا» . والكامل 8/ 486) .
[9] في ص: «شيء قط هذا الّذي»(16/307)
سمعت أبا الحسن علي بن محمد الدهان يقول: دخلت على أبي القاسم بن ناقيا بعد موته لأغسله فوجدت يده مضمومة فاجتهدت على فتحها فإذا فيها مكتوب.
نزلت بجار لا يخيب ضيفه ... أرجى نجاتي من عذاب جهنم
وإني على خوفي من الله واثق ... بإنعامه والله أكرم منعم
3627- عبد الرحمن بن محمد، أبو محمد العماني
[1] .
كان يتولى قضاء ربع الكرخ ببغداد ثم ولي قضاء البصرة.
وتوفي في رمضان هذه السنة.
3628- مالك بن أحمد بن علي بن إبراهيم، أبو عبد الله البانياسي
[2] .
وبانياس بلد من بلاد الغور قريب من فلسطين، ولد سنة ثمان وتسعين، وهذا الرجل له اسمان وكنيتان يقال له: أبو عبد الله مالك، وأبو الحسن على، وكان يقول سماني أبي مالكا، وكناني بابي عبد الله، وأسمتني أمي عليا، وكنتني بأبي الحسن، فأنا أعرف بهما لكنه اشتهر بما سماه أبوه، سمع أبا الحسن بن الصلت وهو آخر من حدث عنه في الدنيا، وسمع من أبي الفضل بن أبي الفوارس، وأبا الحسين بن بشران، وحدثنا عنه مشايخنا آخرهم أبو الفتح ابن البطي، وكان ثقة.
واحترق بسوق الريحانيين يوم الثلاثاء بين الظهر والعصر تاسع عشر جمادى الآخرة من هذه السنة [وهلك فيه جماعة من الناس] [3] فاحترق فيه مالك البانياسي، وكان في غرفته [4] ودفن يوم الأربعاء.
3629- ملك شاه، ويكنى: أبا الفتح بن أبي شجاع محمد ألب أرسلان ابن داود بن ميكائيل بن سلجوق الملقب جلال الدولة
[5] .
__________
[1] العمّاني: بفتح العين المهملة، والميم المشددة، وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى «عمّان» وهو موضع بالشام (الأنساب 9/ 52)
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 142. وشذرات الذهب 3/ 376)
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ص: عشرقبه»
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 142. وشذرات الذهب 3/ 376. والكامل 8/ 481: 484.
ووفيات الأعيان 5/ 283: 289)(16/308)
عمر القناطر، وأسقط المكوس والضرائب وحفر الأنهار الخراب، وبنى الجامع الذي يقال له جامع السلطان الّذي يقال له/ انه جدد بناه [1] ببغداد، وبنى مدرسة أبي 149/ أحنيفة والسوق، وبنى منارة القرون من صيودة، وهي التي بظاهر الكوفة، وبنى مثلها وراء النهر، وتذكر ما اصطاده بنفسه، فكان عشرة آلاف فتصدق بعشرة آلاف دينار، وقال: إني خائف من الله سبحانه من إرهاق روح لغير مأكله، وخطب له من أقصى بلاد الترك إلى أقصى بلاد اليمن، وراسله الملوك حتى قَالَ النظام: كم من يوم وقعت بإطلاق إذ مات لرسل ملك الروم، واللان، والخزر، والشام، واليمن، وفارس وغير ذلك. قال:
وإن خرج هذا السلطان في السنة أكثر [2] من عشرين ألف ألف دينار، وكانت السبل في زمانه آمنة، وكانت نيته في الخير جميلة، وكان يقف للمرأة والضعيف ولا يبرح إلا بعد إنصافهم.
ومن محاسن ما جرى له في ذلك أن بعض التجار قَالَ: كنت يوما في معسكره، فركب يوما إلى الصيد، فلقيه سوادي يبكي فقال له: مالك؟ [فقال له] [3] يا خيلباشي كان معي حمل بطيخ هو بضاعتي فلقيني ثلاثة غلمان فأخذوه. فقال له: امض إلى العسكر، فهناك قبة حمراء، فاقعد عندها ولا تبرح إلى آخر النهار، فأنا أرجع وأعطيك ما يغنيك. فلما عاد قَالَ للشرابي قد اشتهيت بطيخا ففتش العسكر وخيمهم ففعل، فأحضر البطيخ فقال: عند من رأيتموه؟ فقال: في خيمة فلان الحاجب. فقال: أحضروه فأحضر [4] فقال له: من أين لك هذا البطيخ؟ فقال: جاء به الغلمان. فقال: أريدهم هذه الساعة. فمضى وقد أحس بالشر، فهرب الغلمان خوفا من ان يقتلهم، وعاد وقال: قد هربوا لما علموا ان السلطان يطلبهم فقال: احضروا السوادي، فأحضر فقال له: هذا بطيخك الذي أخذ منك؟ قَالَ: نعم فقال: هذا الحاجب مملوك أبي ومملوكي، وقد سلمته إليك [و] وهبته لك، ولم يحضر الذين أخذوا مالك، وو الله لئن تركته لا ضربن رقبتك. / فأخذ السوادي بيد الحاجب وأخرجه، فاشترى الحاجب نفسه منه بثلاثمائة 149/ ب دينار، فعاد السوادي إلى السلطان فقال: يا سلطان قد بعت المملوك الذي وهبته لي بثلاثمائة دينار. فقال: قد رضيت بذلك؟ قَالَ: نعم. فقال: اقبضها وامض مصاحبا.
__________
[1] «الّذي يقال له أنه جدد بناه» سقطت من ص.
[2] في ص: «نجو من» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] «فأحضر» سقطت من ص.(16/309)
ومن محاسن أفعاله أنه لقي إنسانا تاجرا على عقبة معه بغال عليها متاع فذهب أصحابه ينحون البغال إلى صاحب الخيل، [1] فقال: لا تفعلوا نحن على خيل يمكننا أن نصعد إلى هناك، وهذه البغال عليها أثقال وفي ترقيتها خطر، فصعد على الجادة إلى أن مضى التاجر بأحماله، ثم عاد، ولقي امرأة تمشي فقال لها: إلى أين؟ قالت: إلى الحج. قال: كيف تقدرين على ذلك؟ قالت: أمشي إلى بغداد واطرح نفسي هناك على من يحملني لطلب الثواب، فأخرج ما كان في خريطته من الدنانير فطرحه في إزارها، وقال: خذي هذا فاشتري منه مركوبا، واصرفي بقيته في نفقتك، ولما توجه إلى حرب أخيه تكش اجتاز بمشهد على بن موسى الرضا بطوس فدخل للزيارة ومعه النظام، فلما خرجا قَالَ له: يا حسن، بما دعوت؟ فقال: دعوت الله أن يظفرك بأخيك فقال: إنني لم اسأل ذلك، وإنما قلت: اللَّهمّ إن كان أخي أصلح للمسلمين منى فظفره بي، وإن كنت أصلح لهم فظفرني به.
وجاء إليه تركماني قد لازم تركمانيا فقال له: إني وجدت هذا قد ابتنى بابنتي، وأريد أن تأذن لي في قتله. فقال: لا تقتله ولكنا نزوجها به، ونعطي المهر من خزانتنا عنه. فقال: لا أقنع إلا بقتله. فقال: هاتوا سيفا. فجيء به فأخذه وسله وقال للرجل:
تعال. فتعجب الناس وظنوا أنه يقتل الأب، فلما قرب منه أعطاه السيف وأمسك بيده الجفن، وأمره أن يعيد السيف إلى الجفن فكلما رام [2] الرجل ذلك قلب السلطان 150/ أالجفن فلم يمكنه من إدخال السيف فيه، فقال: ما لك لا تدخل السيف؟ / فقال: يا سلطان، ما تدعني. فقال: كذلك ابنتك لو لم ترد ما فعل بها هذا الرجل، ولما أمكنه غصبها وقهرها، فإن كنت تريد قتله [لأجل فعله] [3] فاقتلهما جميعا، فبقى الرجل لا يرد جوابا، وقال: الأمر للسلطان. فأحضر من زوجه بها [4] وأعطى المهر من الخزانة.
ودخل على هذا السلطان واعظ فحكى له أن بعض الأكاسرة انفرد عن عسكره،
__________
[1] في الأصل: «جانب الخيل»
[2] في الأصل: «فكل رام»
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «من زوجها به»(16/310)
فجاز على بستان فطلب منه ماء ليشرب، فأخرجت له صبية إناءً فيه ماء قصب السكر والثلج فشربه، فاستطابه فقال: هذا كيف يعمل؟ فقالت: من قصب السكر يزكو عندنا حتى نعصره بأيدينا فيخرج منه هذا الماء. فقال: احضريني شيئا آخر منه [فمضت وهي لا تعرفه] [1] فنوى في نفسه اصطفاء المكان لنفسه وتعويضهم عنه، فما كان بأسرع من أن خرجت باكية فقال لها: ما لك؟ فقالت. نية سلطاننا قد تغيرت علينا. فقال لها: من أين علمت؟ قالت كنت آخذ من هذا الماء ما أريد من غير تعسف، والآن فقد اجتهدت في العصر فلم يسمح ببعض ما كان يخرج عفوا. فعلم صدقها فقال: ارجعي الآن فإنك تلقين الغرض، ونوى أن لا يفعل ما عزم عليه، فخرجت ومعها ما شاءت وهي مستبشرة.
فلما حكى الواعظ هذا قَالَ له السلطان: أنت تحكي لي مثل هذا فلم لا تحكي للرعية أن كسرى اجتاز وحده على بستان فقال للناطور: ناولني عنقودا من الحصرم [فقد كظني العطش واستولت على الصفراء] [2] فقال له: ما يمكنني، فإن السلطان لم يأخذ حقه منه فما يمكنني جنايته، فعجب من حضر وكان فيهم نظام الملك، من مقابلة السلطان تلك الحكاية بهذه، واستدلوا على قوة فطنته، وقد سار هذا السلطان من أصبهان إلى أنطاكية، وعاد إلى بغداد، فما نقل أن أحدا من عسكره أخذ شيئا بغير حق ودخل إلى بغداد ثلاث مرات وكان الناس يخافون الغلاء فيظهر الأمر/ بخلاف ما ظنوا، وكانت 150/ ب السوقة تخترق عسكره ليلا ونهارا، والسوادي يطوف بالتين والدجاج في وسط العسكر ولا يخافون ولا يبيعون إلا بما يريدون. وتقدم بترك المكوس فقال له أحد المستوفين يا سلطان، العام قد أسقطت من خزائن أموالك ستمائة ألف ونيفا فيما هذا سبيله، فقال:
المال مال الله، والعبيد عبيده، والبلاد بلاده، وإنما يبقى في ذلك، فمتى راجعني أحد في ذلك تقدمت بضرب عنقه.
وذكر هبة الله بن المبارك بن يوسف السقطى في تاريخه قَالَ: حدثني عبد السميع بن داود العباسي قَالَ: قصد ملك شاه رجلان من أهل البلاد السفلي من أرض العراق يعرفان: بابني غزال، من قرية تعرف بالحدادية، فتعلقا بركابه وقالا: نحن من
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/311)
أسفل واسط من قرية تعرف بالحدادية [1] ، مقطعة لخمارتكين الحلبي، صادرنا على ألف وستمائة دينار، وكسر ثنيتي أحدنا والثنيتان بيده، وقد قصدناك أيها الملك لتقتص لنا منه، فقد شاع من عدلك ما حملنا على قصدك، فإن أخذت بحقنا كما أوجب الله عليك وإلا فاللَّه الحاكم بالعدل بيننا. وفسر على السلطان ما قالاه. قَالَ عبد السميع:
فشاهدت السلطان وقد نزل عن فرسه وقال: ليمسك كل واحد منكما بطرف كمي واسحباني إلى دار حسن هو نظام الملك [فأفزعهما] [2] ذلك، ولم يقدما عليه، فأقسم عليهما إلا فعلا، فأخذ كل واحد منهما بطرف كمه وسارا به إلى باب النظام، فبلغه الخبر، فخرج مسرعا وقبل الأرض بين يديه وقال أيها السلطان المعظم، ما حملك على هذا؟ فقال: كيف يكون حالي غدا بين يدي الله [3] إذا طولبت بحقوق المسلمين وقد قلدتك هذا الأمر لتكفيني مثل هذا الموقف، فان تطرق على الرعية ثلم لم يتطرق إلا بك وأنت المطالب، فانظر بين يديك، فقبل/ الأرض وسار في خدمته، وعاد من وقته، فكتب بعزل خمارتكين وحل إقطاعه، ورد المال إليها [4] وقلع ثنيتيه إن ثبت عليه البينة، ووصلهما بمائة دينار، وعادا من وقتهما.
واستحضر ملك شاه مغنية مستحسنة بالري فأعجبته بغنائها واستطابه، فتاقت نفسه إليها فقالت له: يا سلطان، إني أغار على هذا الوجه الجميل أن يعذب بالنار وإن بين الحلال والحرام كلمة. فقال: صدقت. واستدعى القاضي فزوجه إياها وكان هذا السلطان قد أفسد عقيدته الباطنية، ثم رجع إلى الصلاح.
قَالَ المصنف: نقلت من خط ابن عقيل قَالَ: كان الجرجاني الواعظ مختصا بجلال الدولة فاستسرني أن الملك قد أفسده الباطنية، فصار يقول لي: أيش هو الله؟
وإلى ما تشيرون بقولكم الله؟ فبهت وأردت جوابا حسنا فكتبت: اعلم أيها الملك أن هؤلاء العوام والجهال يطلبون الله من طريق الحواس، فإذا فقدوه جحدوه، وهذا لا يحسن بأرباب العقول الصحيحة، وذلك أن لنا موجودات ما نالها الحس، ولم يجحدها العقل، ولم يمكننا جحدها لقيام دلالة العقل على إثباتها، فان قَالَ لك أحد من هؤلاء:
__________
[1] «تعرف بالحدادية» سقطت من ص، ت.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص: «عند الله»
[4] في ص: «ورد المال عليهما وقال: وقلع ... »(16/312)
لا يثبت إلا ما نرى فمن هاهنا دخل الإلحاد على جهال العوام الذين يستثقلون الأمر والنهي، وهم يرون أن لنا هذه الأجساد الطويلة العميقة التي تنمي ولا يعد [1] وتقبل الأغذية وتصدر عنها الأعمال المحكمة كالطب، والهندسة، فعلموا أن ذلك صادر عن أمر وراء هذه الأجساد المستحيلة وهو الروح والعقل، فإذا سألناهم هل أدركتم هذين الأمرين بشيء من إحساسكم؟ قالوا: لا لكنا أدركناهما من طريق الاستدلال بما صدر عنهما من التأثيرات. قلنا: فما بالكم جحدتم الإله حيث فقدتموه حسا مع ما صدر عنه من إنشاء الرياح والنجوم، وإدارة الأفلاك، وإنبات الزرع، وتقليب الأزمنة؟ وكما أن لهذا الجسد روحا وعقلا بهما قوامه، ولا يدركهما الحس، لكن شهدت بهما أدلة العقل من حيث الآثار، كذلك الله سبحانه وتعالي، وله المثل الأعلى، ثبت بالعقل لمشاهدة الإحساس من آثار صنائعه، وإتقان أفعاله. قَالَ: فحكى لي أنه أعاده عليه فاستحسنه، وهش إليه، ولعن أولئك، وكشف إليه ما يقولون له [2] ثم إن السلطان ملك شاه قدم بغداد وبعت إلى الخليفة يقول له: تنح عن بغداد. فقال: أجلني عشرة أيام على ما سبق ذكره في حوادث [السنين] [3] فتوفي السلطان في ليلة الجمعة النصف من شوال، وقد ذكروا في سبب موته ثلاثة أقوال: أحدها: أنه خرج إلى الصيد بعد صلاة العيد فأكل من لحم الصيد وافتصد فحم فمات. والثاني: أنه طرقته حمى حادة فمات.
والثالث: أن خردك سمه في خلال هلك به، وكان عمره سبعا وثلاثين سنة، ومدة ملكه تسع عشرة سنة وأشهر، ودفن في الشونيزية، ولم يصل عليه أحد.
3630- المرزبان بن خسرو [4] ، أبو الغنائم الملقب [5] تاج الملك
[6] .
وهو الذي بنى التاجية ببغداد، وبنى تربة الشيخ [7] أبي إسحاق، وعمل لقبره
__________
[1] هكذا في ص، وفرت مطموسة، وهذا الجزء الّذي بين المعقوفتين ساقط من الأصل كما سنشير.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل فقط.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. وفي الأصل: «على ما سبق ذكر في الحوادث»
[4] في ص، الأصل: «خسروه»
[5] في ص: «المسمى»
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 144)
[7] «الشيخ» سقطت من ص.(16/313)
ملبنا، وكان قد زعم ملك شاه أن يستوزره بعد النظام فهلك ملك شاه، فتولى أمر ابنه محمود، وخرج ليقاتل بركيارق فقتل، وقطعه غلمان النظام إربا إربا لما كانوا ينسبون إليه من قتل النظام، ومثلوا به [1] وذلك في ذي الحجة من هذه السنة.
3631- هبة الله بن عبد الوارث بن علي بن أحمد بن بوري، أبو القاسم الشيرازي
[2] .
أحد الرحالين في طلب الحديث، الجوالين في الآفاق، البالغين منه، سمع 151/ ب بخراسان/ والعراق، وقومس، والجبال، وفارس، وخوزستان، والحجاز، والبصرة، واليمن، والجزيرة، والشامات، والثغور، والسواحل، وديار مصر، وكان حافظا متقنا ثقة صالحا خيرا ورعا، حسن السيرة، كثيرة العبادة، مشتغلا بنفسه، وخرج التخاريج، وصنف، وانتفع جماعة من طالب الحديث بصحبته، وقد سمع من أبي يعلى بن الفراء، وأبي الحسين بن المهتدي، وأبي الغنائم بن المأمون، وأبي علي بن وشاح، وجابر بن ياسين، ودخل صريفين فرأى أبا محمد الصريفيني فسأله: هل سمعت شيئا من الحديث؟ فأخرج إليه أصوله فقرأها عليه وكتب إلى بغداد فأخبر الناس فرحلوا إليه، وكان هبة الله بن عبد الوارث يحكي عن والدته فاطمة بنت علي قالت: سمعت أبا عبد الله محمد بن أحمد المعروف بابن أبي زرعة الطبري قَالَ: سافرت مع أبي إلى مكة فأصابتنا فاقة شديدة فدخلنا مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وبتنا طاويين، وكنت دون البالغ، فكنت أجيء إلى أبي وأقول: أنا جائع. فأتى بي أبي إلى الحضرة وقال: يا رسول الله، أنا ضيفك الليلة. وجلس فلما كان بعد ساعة رفع رأسه وجعل يبكي ساعة، ويضحك ساعة. فقال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضع في يدي دراهم، ففتح يده فإذا فيها دراهم وبارك الله فيها إلى أن رجعنا إلى شيراز وكنا ننفق منها. توفي هبة الله في هذه السنة.
152/ أبمرو، وكانت علته البطن، فقام/ في ليلة وفاته سبعين مرة أو نحوها، في كل مرة يغتسل في النهر إلى أن توفي على الطهارة. رحمه الله وإيانا وجماعة المسلمين [3] .
__________
[1] من الأصل: «إربا إربا ومثلوا به لما كانوا ينسبون إليه من قتل النظام، وذلك في ... »
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 144.
وشذرات الذهب 3/ 379 (وفيات سنة 486) وتذكرة الحفاظ 4/ 14، وفيه: «هبة الله بن عبد الرازق تصحيف. والأعلام لابن قاضي شهبة (وفيات سنة 485) . والأعلام 8/ 73. والكامل 8/ 486) .
[3] «رحمه الله وإيانا وجماعة المسلمين» سقطت من ص، ت.(16/314)
خاتمة الناسخ
[1] آخر الجزء السادس عشر، يتلوه في الجزء السابع عشر دخول سنة ست وثمانين وأربع مائة.
وكان الفراغ منه في حادي عشر ربيع الآخر سنة ست وثمانمائة. أحسن الله نقضها بخير وعافية بمنه وكرمه وغفر لمن استكتبه وكتبه ولمن نظر فيه ودعا لهما بالمغفرة والرحمة وجميع المسلمين. آمين آمين آمين.
والحمد للَّه رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
__________
[1] هذه الخاتمة في نسخة الأصل (أحمد الثالث) فقط.(16/315)
[المجلد السابع عشر]
ثم دخلت سنة ست وثمانين واربعمائة
بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم صلى الله على سيدنا مُحَمَّد وآله وصحبه فمن الحوادث فيها:
أنه كان قد قدم إلى بغداد في شوال سنة خمس وثمانين رجل من أهل مرو واسمه أردشير بن منصور أبو الحسين العبادي، ثم خرج إلى الحج، فلما قدم جلس في النظامية سنة ست، وحضره أبو حامد الغزالي المدرس بها، وكان الغزالي يحاضره ويسمع كلامه منذ قدم بغداد، فلما جلس كثر الناس عليه حتى امتلأ صحن المدرسة وأروقتها وبيوتها وغرفها وسطوحها، وعجز المكان فكان يجلس في قراح ظفر، وفي كل مجلس يتضاعف الجمع وذرعت الأرض التي عليها الرجال خاصة فكان طولها مائة وسبعين ذراعا وعرضها [1] مائة وعشرين ذراعا، وكان النساء أكثر من ذلك، فكانوا على سبيل الحزر ثلاثين ألفا، وكان صمت هذا الرجل أكثر من نطقه، وكانت آثار الزهادة بينة عليه، وكان إذا تكلم كلمة ضجوا وهاموا، وترك أكثر الناس معايشهم، وحلق أكثر الصبيان شعورهم، وأووا إلى المساجد والجوامع، وتوفروا على الجماعات، وأريقت الأنبذة والخمور، وكسرت آلات الملاهي.
وحكي إسماعيل بن أبي سعد الصوفي قال [2] : كان العبادي ينزل رباطًا وكان في الرباط بركة كبيرة [3] يتوضأ فيها، فكان الناس ينقلون منها الماء بالقوارير والكيزان تبركا حتى كان يظهر فيها نقصان الماء.
__________
[1] في الأصل: «الرجال خاصة فكانت مائة وسبعين ذراعا طولا وعرضها» ..
[2] في الأصل: «بن أبي سعد الصيرفي.
[3] في ص: «كان العبادي ينزل في رباطنا بركة كبيرة» . وما أوردناه من الأصل، ت.(17/3)
2/ ب وحدثني أبو منصور الأمين أنه قام إليه رجل ليتوب، فقال له: قف/ مكانك ليغسلك ماء المطر. فوقف، فوقع ماء المطر وأظنه قال: وليس في السماء قزعة. قال:
وقال يومًا: يا أبا منصور، أشتهي توثا شاميا وثلجا فإن حلقي قد تغير. قال: فعبرت إلى الجانب المغربي ولي ثم بساتين، فطفت واجتهدت فلم أجد [1] ، فرجعت قبيل الظهر، فدخلت إلى الدار وكان أصحابه فيها وهو منفرد في بيت، فقلت لأصحابه: من جاء اليوم؟ فقالوا: جاءت امرأة فقالت: قد غزلت غزلا وأحب أن تقبل مني ثمنه [2] ، فأخبرناه فقال: ليس لي بذلك عادة، فجلست تبكي فرحمها فقال: قولوا لها تشتري ما يقع في نفسها، فخرجت فاشترت توثا شاميا وثلجا وجاءت به.
وقال لي أبو منصور: ودخلت يوما عليه فقال لي: يا أبا منصور، قد اشتهيت أن تعمل لي دعوة فاشتريت الدجاج، وعقدت الحلوى، وغرمت أكثر من أربعين دينارا، فلما تم ذلك جلس يفرقه [و] [3] يقول: احمل هذا إلى الرباط الفلاني وإلى الموضع الفلاني. فلما انتهينا رآني كأني ضيق الصدر، إذ لم يتناول منه شيئا، فغمس إصبعه الصغرى في الحلوى، وقال: يكفي هذا. قال وكنت أراصده في الليل، فربما تقلب طول الليل على الفراش، ثم قام وقت الفجر فصلى بوضوئه. وكان معه طعام قد جاء به من بلدة، فلم يأكل من غلة بغداد.
وحكى لي عبد الوهاب بن أبي منصور الأمين عن أبيه قال: دخلت على العبادي وهو يشرب مرقة فقلت في قلبي: ليته أعطاني [4] فضلته لأشربها لعلي أحفظ القرآن.
قال: فناولني ما فضل منه، وقال: اشربه على تلك النية. فشربته ورزقني الله حفظ القرآن.
وحكى لي أن هذا الرجل تكلم في الربا وبيع القراضة بالصحيح، فمنع من الجلوس، وأمر بالخروج من البلد فخرج.
__________
[1] في الأصل: «فلم أجده» .
[2] في الأصل: «أن يقبل مني» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «ليتني أعطاني» .(17/4)
[خطبة تاج الدولة تتش لنفسه بالسلطنة]
وفي هذه السنة: خطب تاج الدولة تتش [لنفسه] [1] بالسلطنة، وقصد الرحبة ففتحها عنوة ودخل في/ طاعته آقسنقر صاحب حلب [2] ، وبوزان صاحب الرها [3] ، ووزر له الكافي ابن فخر الدولة بن جهير وملك ديار بكر والموصل وبعث إلى الخليفة يلتمس إقامة الخطبة له ببغداد، فتوقف وانفصل بعد ذلك عن تتش آقسنقر وبوزان، وتوجه بركيارق إلى حرب تتش [4] ، فاستقبلهم بباب حلب، فكسرهم وأسر بوزان وآقسنقر، وصلبهما.
[بدء الفتن بالجانب الغربي]
وفي جمادى الآخرة: بدأت الفتن في الجانب الغربي، وقطعت بها طرق السابلة، وقتل أهل النصرية مسلحيا يعرف بابن الداعي، وأنفذ سعد الدولة أصحابه فأحرقوا النصرية، وتتبع المفسدين فهربوا، ثم اتصلت الفتن بين أهل باب البصرة والكرخ، ووقع القتال على القنطرة الجديدة، وأنفذ سعد الدولة إلى الكرخ فنهبت وأحرقت.
[ولد الولد الخليفة ولد]
وفي شعبان: ولد الولد الخليفة ولد، وهو أبو منصور الفضل ابن ولي العهد أبي العباس أحمد المستظهر، والفضل هو المسترشد.
وفي يوم الجمعة سادس عشر ذي القعدة: خرج الوزير أبو منصور بن جهير في الموكب لتلقي السلطان بركيارق، فهنأه عن الخليفة بالقدوم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3632- جعفر بن المقتدي
[5] :
الّذي كان من خاتون بنت ملك شاه، توفي يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادي الأولى من هذه السنة، وجلس الوزير عميد الدولة للعزاء به ثلاثة أيام.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «آق سنقر صاحب حلب» .
[3] في الأصل: «وتوران» .
[4] في الأصل: «وتوجه إلى بركيارق وتوجه بركيارق إلى حرب تتش» .
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 145، والكامل 8/ 491) .(17/5)
3633- أحمد بن محمد بن أحمد، أبو العباس اللباد:
أبهري الأصل، أصبهاني المولد والمنشأ، أحد عدول أصبهان، رحل البلاد وسمع الكثير، وجمع الشيوخ، وكان ثقة، حسن الخلق سليم، مضت أموره على السداد، قتل في أيام الباطنية مظلوما في شوال هذه السنة.
3634-/ سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان، أبو مسعود الأصبهاني
[1] :
ولد في رمضان سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، ورحل في طلب الحديث، [وطلب] [2] وتعب وجمع ونسخ. وسمع أبا بكر بن مردويه، وأبا نعيم، وأبا علي بن شاذان، وأبا بكر البرقاني، وخلقا كثيرا. سمع منه أبو نعيم، وأبو بكر الخطيب، وكان له معرفة بالحديث، وصنف التصانيف، وخرج على الصحيحين، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة بأصبهان.
3635- عبد الله بن عبد الصمد بن علي بن المأمون، أبو القاسم
[3] :
حدث عنه شيخنا ابن ناصر، توفي في ربيع الآخر، ودفن في داره بقصر بني المأمون.
3636- عبد بن علي بن زكرى، أبو الفضل الدقاق
[4] :
سمع أبا الحسين بن بشران، وسمع منه أشياخنا، وتوفي يوم الثلاثاء.
3637- عبد الواحد بن علي بن محمد بن فهد، أبو القاسم العلاف
[5] :
سمع أبا الفرج الغوري [6] ، وأبا الفتح بن أبي الفوارس، وهو آخر من حدث
__________
[1] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1197: 1200، وفيه: «الأصبهاني الملخي» ، والبداية والنهاية 12/ 145، وشذرات الذهب 3/ 377) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ت: «ابن علي بن المأمون بن القاسم» .
[4] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1199، وفيه: «عبد الله بن علي بن زكري» ، وشذرات الذهب 3/ 378، وفيه: «عبد الله بن علي بن أحمد بن محمد بن زكري» ) .
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 378) .
[6] في الأصل: «أبو القاسم الغوري» .(17/6)
عنهما. سمع منه أشياخنا، وتوفي يوم الجمعة سادس عشر ذي القعدة، ودفن بباب حرب.
3638- عبد الواحد بن أحمد بن الحصين الدسكري، أبو سعد الفقيه
[1] :
صحب أبا إسحاق الشيرازي، وروى الحديث، ثم خدم في المخزن [2] ، وكان مألفا لأهل العلم، وكان يقول: ما غمر بدني [3] هذا في لذة قط، وتوفي يوم الثلاثاء العشرين من رجب، ودفن بباب حرب.
3639- علي بن أحمد بن يوسف بن جعفر.
توفي في هذه السنة.
3640- أبو الحسن الهكّاري
[4] :
والهكارية جبال فوق الوصل، فيها قرى، ابتنى أربطة وقدم [إلى] [5] بغداد فنزل في رباط الزوزني، وسمع الحديث من أبي القاسم بن بشران، وأبي بكر الخياط، وغيرهما. وكان صالحا من أهل السنة كثير التعبد، وحدث فسمع منه أبو المظفر ابن التريكى الخطيب [6] ، وكان يقول: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام في المدرسة في الروضة فقلت: يا رسول الله، أوصني. فقال: «عليك باعتقاد مذهب أحمد بن حنبل، ومذهب الشافعي/، وإياك ومجالسة أهل البدع» توفي في محرم هذه السنة، وورد 4/ أالخبر بذلك إلى بغداد.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 145، وفيه: «عبد الواحد بن أحمد بن المحسن الدشكري» ، والكامل 8/ 491) .
[2] في ص: «ثم خرج في المخزن» .
[3] في الأصل: «ما عني بدني» . وفي البداية والنهاية: «وما مشي قدمي هاتين في لذة» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 145، وفيه: «علي بن أحمد بن يوسف» ، وشذرات الذهب 3/ 378، 379، والكامل 8/ 491) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «المظفر بن البريكي الخطيب» .(17/7)
3641- علي بن محمد بن محمد، أبو الحسن الخطيب الأنباري، ويعرف بابن الأخضر
[1] :
سمع أبا أحمد الفرضي، وهو آخر من حدث في الدنيا عنه، وتوفي بالأنبار في شوال، روى عنه أشياخنا آخرهم أبو الفتح ابن البطي، وبلغ من العمر خمسا وتسعين سنة.
3642- علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن علي بن محمد بن دلف بن أبي دلف العجلي، أبو نصر بن ماكولا
[2] :
ولد سنة اثنتين وأربعمائة، وكان حافظا للحديث، وصنف كتاب «المؤتلف والمختلف» فذكر فيه كتاب عبد الغني، وكتاب الدارقطني، والخطيب، وزاد عليهم زيادات كثير، وسماه: كتاب «الإكمال» وكان نحويا مبرزا [3] ، غزل الشعر، فصيح العبارة، وسمع من أبي طالب. قال أبو طالب الطبري [4] : وحدث كثيرا، وسمعت شيخنا عبد الوهاب يطعن فيدينه ويقول: العلم يحتاج إلى دين. وقتل في خوزستان في هذه السنة أو في السنة بعدها [5] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 145، وتذكرة الحفاظ 1199، وشذرات الذهب 3/ 379) .
[2] انظر ترجمته في: (فوات الوفيات 2/ 93، وكشف الظنون 1637، ووفيات الأعيان 1/ 333، والكامل 8/ 491 وآداب اللغة 3/ 69، والمختصر في أخبار البشر، لأبي الفداء 2/ 194، وتذكرة الحفاظ 1201 والنجوم الزاهرة 5/ 115، والأعلام 5/ 30) .
[3] في الأصل: «كان محدثا مبرزا» .
[4] في الأصل: «أبو الطيب الطبري» .
[5] في نسخة الأصل (أحمد الثالث) : «قال الناسخ:
ورأيت هاهنا بحاشية الأصل مكتوب ما مثاله: قد ورد أن ابن ماكولا قتل هذا في سنة خمس وسبعين وأربع مائة. وذكره ها هنا.
ثم وجدت بخط القدوة أبو الدرياقوت الحموي بحاشية الأصل مكتوب على سنة خمس وسبعين وأربعمائة موضع قتله ما مثاله: ابن ماكولا هذا مات سنة ست وثمانين.
وقد ذكره هناك، وذكره هاهنا وهم. هذا ما وجدت مكتوبا في الموضعين، والمكتوب في سنة ست وثمانين ليس بخط ياقوت الحموي، فعلى هذا يقع أنه قتل في هذه السنة لقول ياقوت والله أعلم بالصواب» .(17/8)
3643- نصر بن الحسن بن القاسم بن الفضل، أبو الليث، وأبو الفتح التنكتي [1] وكان له كنيتان:
من أهل تنك بلدة عند الشاش ما وراء النهر، ولد سنة ست وأربعمائة، وطاف البلاد، وسار من الشرق/ إلى الغرب، وجال في بلاد الأندلس، وأقام بها مدة، وسمع 4/ ب من جماعة، وحدث بصحيح مسلم وبالمتفق لأبي بكر الجوزقي، حدثنا عنه شيوخنا، وكان نبيلا صدوقا أمينا ثقة، من أهل الثروة [2] ، كثير النعم، حسن الزي، مليح البشر، كريم الأخلاق، قومت تركته بعد موته مائة ألف وثلاثين ألف دينار.
توفي في ذي القعدة من هذه السنة بنيسابور، ودفن بالحيرة [3] .
3644- يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن سطور، أبو علي البرزبيني
[4] :
سمع أبا إسحاق البرمكي، وتفقه على القاضي أبي يعلى ابن الفراء، ودرس في حياته وصنف، وحدث فروى عنه أشياخنا، وشهد عند أبي عبد الله الدامغاني في سنة ثلاث وخمسين هو والشريف أبو جعفر ورد إليه قضاء باب الأزج.
وتوفي في شوال هذه السنة عن سبع وسبعين سنة، ودفن بمقبرة [دار] [5] الفيل إلى جانب عبد العزيز غلام الخلال.
__________
[1] في الأصل: «وأبو الفتح التقتلي» .
وانظر ترجمته في: « (شذرات الذهب 3/ 379، وفيه: «أبو الفتح نصر بن الحسن السكشي» ،.
والكامل 8/ 492) .
[2] في الأصل: «من ذوي الثروة» .
[3] في الأصل: «ودفن بالحريم» .
[4] في الأصول: «أبو علي البرذباني» . وضبطه السمعاني كما أوردناه.
وفي بعض أصول الأنساب المخطوطة: «ابن أحمد بن منظور» .
وانظر ترجمته في: (ذيل طبقات الحنابلة، والكامل 8/ 492، لابن رجب 1/ 92، واللباب 1/ 111، وطبقات الحنابلة 2/ 245، وفيه: «أبو علي البرزيني» ، والأنساب السمعاني 2/ 147، وشذرات 3/ 3/ 384، والأعلام 8/ 194) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/9)
ثم دخلت سنة سبع وثمانين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه لما قدم السلطان بركيارق بن ملك شاه بغداد تقرر مع الخليفة المقتدي بأن يحمل السلطان إليه المال الذي ينسب إلى البيعة، وأن يخطب له بالسلطنة على رسم أبيه، وتقدم الخليفة إلى أبي سعد بن الموصلايا كاتب الإنشاء أن يكتب عهده، فكتب ورتبت الخلع وذلك يوم الجمعة رابع عشر محرم، وحمل العهد إلى الخليفة يوم الجمعة فوقع فيه، وتأمل الخلع، ثم قدم إليه الطعام فتناول منه وغسل يده، وأقبل على النظر في العهد وهو أكمل ما كان صحة وسرورا وبين يديه قهرمانته شمس النهار فقال لها: من هذه الأشخاص الذين قد دخلوا علينا بغير إذن؟ قالت: فالتفت فلم أر أحدا، ورأيته قد 5/ أتغيرت حالته استرخت يداه [1] ورجلاه، وانحلت قواه، وسقط إلى الأرض/ فظننتها غشية لحقته، ومرة غلبته، فحللت إزرار ثيابه فوجدته لا يجيب داعيا، فحققت موته، ثم أنها تماسكت وتشجعت وقالت لجارية كانت عنده: ليس هذا وقت يظهر فيه الهلع، فإن ظهر منك صياح قتلتك. وأفردتها في حجرة وأغلقت عليها الباب، ثم نفذت بمن استدعى يمنا الخادم وهو صهر القهرمانة على ابنتها، فلما حضر أمرته باستدعاء الوزير عميد الدولة ابن جهير، فمضى إليه عند اختلاط الظلام، فلما شعر به ارتاع وخرج إليه، فأمره بالحضور فحضر والأفكار تتلاعب به، فلما رأى القهرمانة أجلها زيادة على ما جرت به عادته معها [2] ، فدخلت الحجرة إلى أن قالت: قد عجزت عن الخدمة وقد عولت
__________
[1] في الأصل: «ورأيته قد تغيرت حالاه وارتخت يداه ورجلاه» .
[2] في الأصل: «ما جرت به العادة معها» .(17/10)
على سؤال أمير المؤمنين أن يأذن لي في الحج، وأنت شفيعي إليه وأسألك أن تحفظني في مغيبي كما تحفظني في مشهدي، وأخذت عليه الأيمان أن يتوفر على مصالحها، فلما استوثقت منه استنهضته، فدخل على الخليفة فرآه مسجى فأجهش بالبكاء، وأحضروا ولي العهد المستظهر فعرّفوه الحال وعزوه عن المصيبة، وهنئوه بالخلافة، وبايعوه.
فقد بان بما ذكرنا أنه من حوادث هذه السنة موت المقتدي وخلافة المستظهر.
قال شيخنا أبو الفضل بن ناصر: كانت ببغداد زلزلة في محرم سنة سبع وثمانين بين العشائين، فحدث بعدها موت المقتدي، وخروج تتش وقتله، ومجيء بركيارق إلى بغداد [1] ، وغير ذلك من الفتن والحروب وغلاء السعر.
__________
[1] في ت، ص: «ومجيء ابن أبق إلى بغداد» .(17/11)
باب ذكر خلافة المستظهر باللَّه
ولما بويع المستظهر وهو ابن ست عشرة سنة وشهرين، واسمه، أحمد بن المقتدي، ويكنى: أبا العباس، وأمه أم ولد، كان كريم الأخلاق، لين الجانب، سخي النفس، مؤثرا للإحسان، حافظا للقرآن، محبا للعلم، منكرا للظلم، فصيح اللسان، له شعر مستحسن/ منه قوله:
أذاب [حر] [1] الهوى في القلب ما جمدا ... يوما مددت على رسم الوداع يدا
فكيف أسلك نهج الاصطبار [2] وقد ... أرى طرائق في مهوى الهوى قددا
قد أخلف الوعد بدر قد شغفت به ... من بعد ما قد وفي دهرا بما وعدا
إن كنت أنقض عهد الحب في خلدي ... من بعد هذا فلا عاينته أبدا
ولما بويع المستظهر استوزر أبا منصور ابن جهير، وقال له: الأمور مفوضة إليك والتعويل فيها عليك، فدبرها بما تراه. فقال: هذا وقت صعب، وقد اجتمعت العساكر ببغداد مع هذا السلطان الذي عندنا، ولا بد من بذل الأموال التي تستدعي إخلاصهم وطاعتهم. فقال له: الخزائن بحكمك فتصرف فيها عن غير استنجاز ولا مراجعة ولا محاسبة. فقال: ينبغي كتمان هذه الحال إلى أن يصلح نشرها، وأنا أستأذن في إطلاع ابني الموصلايا على الحال [3] فهما كاتبا الحضرة. فقال المستظهر: قد أذن في ذلك، وفي جميع ما تراه. فخرج إلى الديوان واستدعى ابني الموصلايا وقال لهما: قد حدث حادثة عظيمة. وتفاوضوا فيما يقع عليه العمل. فركب عميد الدولة باكرا إلى السلطان بركيارق يوم السبت وهو متشجع فخلع عليه [4] ، وعاد إلى بيت النوبة فأنهى الحال إلى المستظهر، وجرى الأمر في ذلك على أسدّ نظام إلا أن الإرجاف انتشر في هذا اليوم، ثم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «أسلك لهج الاصطبار» .
[3] في الأصل: «اطلاع ابني الموصلي على الحال» .
[4] في الأصل: «يوم السبت ومعه الموكب مستجمع فخلع عليه» .(17/12)
تكاثر في يوم الأحد، ثم زاد يوم الاثنين، فوقع الوزير إلى أرباب المناصب بالحضور، فحضر طراد بن محمد من باب البصرة في الزمرة العباسية مظهرين شعار المصيبة، وجاء/ نقيب الطالبيين المعمر على مثل ذلك في زمرة العلويّة، فضجّ الناس بالبكاء، 6/ أثم اظهر موت المقتدى بعد ثلاثة أيام، وذلك يوم الثلاثاء ثامن عشر المحرم، فأخرج في تابوت وصلى عليه المستظهر، ولم يحضر السلطان بل حضر أعيان دولته، وأرباب المناصب، وأهل العلم مثل الغزالي، والشاشي، وابن عقيل، فبايعوه وكان المتولى لأخذ البيعة على الكل الوزير أبو منصور بن جهير.
وكان المستظهر كريما فحكى أبو الحسن المخزني قال: أخرج إلينا من الدار أربع عشرة جبة طلساء قد تدنست أزياقها تزيد قيمتها على خمسمائة دينار، فسلمها إلى مطري، وظننت أن كتاب المخزن قد أثبتوها، ولم تطلب مني ولا ذكرت بها، واتصلت أشغالي ومضى على هذا حدود من ثلاث سنين، فخرج إلينا من طلب الجباب، فأنكرت الحال، وقلت: متى كان هذا وفي أي وقت؟ فذكروني الوقت ومن جاء بها، فتذكرت وما علمت إلى من سلمتها، فاستدعيت كل مطري جرت عادته بخدمة المخزن فحضروا وفيهم الذي سلمتها إليه، فتأملته وقد استحال لونه، فقلت له: أين الجباب؟ فلم ينطق، فعاودته فسكت، فأمرت بضربه فقال: أصدقك، لما أصلحت الجباب لم تلتمس مني، وبقيت سنة وعملت بعدها أعمالا كثيرة للمخزن، وما ذكرت لي فعلمت أنها قد نسيت، وكان علي دين، فبعت واحدة، ثم مضى زمان فلم تطلب فبعت أخرى، ثم أخرى، إلى أن بقي عندي منها ست جباب فبعتها جملة وجهزت ابنة لي، والله ما في يدي منها خيط [1] ، ولا من ثمنها حبة، وما لي سوى ثمن دويرة البنت والرحل الذي جهزتها به، فقلت: ويلك/، خاطرت بدمي، وعرضتني للتهمة، ودخلت على أبي القاسم بن 6/ ب الحصين صاحب المخزن، فعرفته فتقدم بتقييده وحمله إلى الحبس، ثم طولع المستظهر بالحال، وترقب أن يتقدم بقطع يده إظهارا للسياسة، فوقع أن أمر بالجواب:
كانت المقابلة لمن فرضه الحفظ إذ فرط، فالذنب للراعي إذ نعس لا للذئب إذ اختلس [2] ، والذي انصرف فيه ثمن الثياب أنفع لأربابها منها، فليخل سبيل هذا، ولا
__________
[1] في الأصل: «والله ما في بيتي منها خيط» .
[2] في الأصل: «لا المذنب إذ اختلس» .(17/13)
يعرض لدار بنته ورحلها، [والله المعين] [1] .
وفي ربيع الآخر: رأى بعض اليهود مناما: أنهم سيطيرون فجاء فأخبرهم فوهبوا أموالهم وذخائرهم وجعلوا ينتظرون الطيران فلم يطيروا، فصاروا ضحكة بين الأمم.
وفي ثالث عشر شعبان: ولي أبو الحسن الدامغاني قضاء القضاة، ولاه الوزير عميد الدولة شفاها، وتقدم بإفاضة الخلع في الديوان، وعبر بنهر القلائين ومعه النقيبان وحجاب الديوان، وأتي محلته والفتنة قائمة فسكنت، فجلس وحكم، وولي أخاه أبا جعفر القضاء بالرصافة، وباب الطاق، ومن أعلى بغداد إلى الموصل، وغيرها من البلاد، بعد أن قبل شهادته، وكانت الفتنة بين أهل نهر طابق وأهل باب الأرحاء، فاحترقت نهر طابق وصارت تلولا، فلما احترقت نهر طابق عبر يمن وصاحب الشرطة، فقتل رجلا مستورا، فنفر الناس عنه، وعزل في اليوم الثالث من ولايتة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3645- عبد الله المقتدي باللَّه، أمير المؤمنين
[2] :
7/ أتوفي فجأة ليلة/ السبت خامس عشر محرم هذه السنة، وكان عمره ثمانيا وثلاثين سنة [3] وثمانية أشهر وسبعة أيام، وكانت مدة خلافته تسع عشرة سنة وثمانية أشهر إلا يومين.
3646- خاتون
[4] :
زوجة السلطان ملك شاه، تسمى تركان وهي بنت طراج، وأبوها من نسل أفراسياب ملك الفرس، وكانت حازمة حافظة شهمة، وكان معها من الأتراك إلى حين وفاتها عشرة آلاف، وقد ذكرنا كيف زمت الأمور حين وفاة السلطان وحفظت أموال السلطان فلم يذهب منها شيء، وهي صاحبة أصبهان باشرت الحروب ودبرت الجيوش وقادت العساكر، وتوفيت في رمضان هذه السنة، فانحل أمر ابنها محمود بموتها، وعقد الأمر لبركيارق بن ملك شاه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 493، والبداية والنهاية 12/ 146، وشذرات الذهب. 38، 381) .
[3] في ص، والمطبوعة: «ثمانيا وعشرين سنة» .
[4] انظر ترجمتها في: (البداية والنهاية 2/ 148) .(17/14)
ثم دخلت سنة ثمان وثمانين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[ورود يوسف بن أبق إلى بغداد]
ورود يوسف بن أبق التركماني إلى بغداد في صفر أنفذه تاج الدولة أبو سعيد تتش بن محمد ألب أرسلان لإقامة الدعوة له، فأخرج إليه من الديوان حاجب، فلما لقيه ضربه وأراد خروج الوزير، فعلم أنه طالب مكيدة، ودخل بغداد فاستدعى سيف الدولة صدقة بن منصور وكان نافرا من تاج الدولة، ولم يغير الخطبة في بلاده لبركيارق لما غيرها الديوان فخيم سيف الدولة بباب الشعير، فرحل ابن ابق فنهب باجسرى، وقرر على شهربان ثلاثة آلاف دينار، ونهب طريق خراسان، فقال الوزير لحاجبه: قل للورامية استلأموا بسدفة- يريد ألبسوا السلاح/ في ظلمة الليل- فقال لهم 7/ ب الحاجب: قال لكم مولانا ناموا في الصفة.
فقال ورام بن أبي فراس: فكأنا برحنا من الصفة. فعاد الحاجب فقال له الوزير:
ما الذي قلت؟ فأخبره، فضحك وقال: شر المصائب ما يضحك. ثم إن الخليفة ستدعى ابن أبق فدخل فقبل الأرض خارج الحلبة ونزل بدار المملكة، واستعد أهل بغداد السلاح وتحارسوا، لأنه كان عازما على نهب بغداد، فوصل أخو يوسف [1] فأخبره بقتل تاج الدولة، فانهزم قاصدا إلى حلب. وكانت الوقعة بين تاج الدولة وبركيارق يوم الأحد سابع عشر صفر سنة ثمان وثمانين بموضع بقرب الري، وكان تاج الدولة في القلب فقتل في أول من قتل.
__________
[1] في الأصل: «أخوه يوسف» .(17/15)
وفي يوم الجمعة تاسع عشر ربيع الأول: خطب لولي العهد أبي منصور الفضل ابن المستظهر باللَّه، ولقب عمدة الدين.
[خروج الوزير عميد الدولة أبي منصور]
وفي ثامن عشر ربيع الآخر: خرج الوزير عميد الدولة أبو منصور فخط السور على الحريم وقدره ومعه المساح، وتقدم بجبايات المال الذي يحتاج إليه عقارات الناس ودورهم، وأذن للعوام في الفرجة والعمل، وحمل أهل المحال السلاح والأعلام والبوقات والطبول، ومعهم المعاول والسبسلات وأنواع الملاهي من الزمور والحكايات والخيالات، فعمل أهل [باب] [1] المراتب من البواري المقيرة [2] على صورة الفيل وتحته قوم يسيرون [3] به، وعملوا زرافة كذلك، وأتى أهل قصر عيسى 8/ أبسميرة/ كبيرة [4] فيها الملاحون يجدفون وهي تجري على هاذور، وأتى أهل سوق يحيى بناعورة تدور معهم في الأسواق، وعمل أهل سوق المدرسة قلعة خشب تسير على عجل، وفيها غلمان يضربون بقسي البندق والنشاب، وأخرج قوم بئرا على عجل وفيها حائك ينسج، وكذلك السقلاطونيون، وكذلك الخبازون، جاءوا بتنور وتحته ما يسير به والخباز يخبز ويرمي الخبز إلى الناس.
وكتب أبو الوفاء بن عقيل إلى الوزير ابن جهير إِحراق العوام بالشريعة في بناء السور، فكان فيه مما نقلته من خطه: لولا اعتقادي صحة البعث، وأن لنا دارا أخرى لعلى أكون فيها على حال أحمدها لما بغضت نفسي [5] إلى مالك عصري، وعلى الله أعتمد في جميع ما أورده بعد أن أشهده أني محب متعصب، لكن إذا تقابل دين محمد ودين بني جهير فو الله ما أزن هذه بهذه، ولو كنت كذلك كافرا، فأقول: ان كان هذا الخرق الذي جرى بالشريعة عن عمد لمناصبة واضعها فما بالنا نعتقد الختمات ورواية الأحاديث، وإذا نزلت بنا الحوادث تقدمنا مجموع الختمات والدعاء عقيبها ثم بعد ذلك
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «المراتب من السواري المقيرة» .
[3] في الأصل: «وبجنبه قوم يسيرون» .
[4] في الأصل: «بسميرية كبيرية» .
[5] في الأصل: «فيها على حال أمورها لما نعيت نفسي» .(17/16)
طبول وسواني ومخانيث وخيال وكشف عورات الرجال مع حضور النساء إسقاطا لحكم الله، وما عندي يا شرف الدين [أن فيك] [1] أن تقوم لسخطه من سخطات [2] الله، ترى بأي وجه تلقى محمدا صلى الله عليه وسلم، بل لو رأيته في المنام مقطبا كان ذلك يزعجك/ في 8/ ب يقظتك، وأي حرمة تبقى لوجوهنا وأيدينا وألسنتنا عند الله إذا وضعنا الجباه ساجدة، ثم كيف نطالب الأجناد تقبيل عتبة ولثم ترابها، ونقيم الحد في دهليز الحريم صباحا ومساء على قدح نبيذ مختلف فيه، ثم تمرح العوام في المنكر المجمع على تحريمه، هذا مضاف إلى الزنا الظاهر بباب بدر، ولبس الحرير على جميع المتعلقين والأصحاب [3] ، يا شرف الدين اتق سخط الله فإن سخطه لا تقاومه سماء ولا أرض، [4] فإن فسدت حالي بما قلت [5] ، فلعل الله يلطف بي ويكفيني حوائج الطباع، ثم لا تلمنا على ملازمة [6] البيوت والاختفاء عن العوام، لأنهم إن سألونا لم نقل إلا ما يقتضي الإعظام [7] لهذه القبائح، والإنكار لها والنياحة على الشريعة، أترى لو جاءت معتبة من الله سبحانه في منام، أو على لسان نبي أن لو كان قد بقي للوحي نزول، أو ألقى إلى روع مسلم بإلهام، هل كانت إلا إليك، فاتق الله تقوى من علم مقدار سخطه، فقد قال:
فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ 43: 55 [8] وقد ملأتكم في عيونكم مدائح الشعراء، ومداجاة المتمولين بدولتكم، الأغنياء الذين خسروا الله فيكم فحسنوا لكم طرائقكم، والعاقل من عرف نفسه، ولم يغيره مدح من لا يخبرها.
وفي شعبان: شهد أبو الخطاب الكلوذاني وأبو سعيد المخرمي.
[جرح السلطان بركيارق]
وفي رمضان جرح السلطان بركيارق، جرحه رجل سجزي كان ستريا على بابه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «لسخطة من سخط الله» .
[3] في الأصل: «على جميع المتدلقين والأصحاب» .
[4] في الأصل: «فإن سخطه لا يقاومه سماء ولا أرض» .
[5] في الأصل: «فإن فسدت حالي بها قلت» .
[6] في الأصل: «ثم لا تلومونا على ملازمة» .
[7] في الأصل: «إن سألونا لو فعل إلا ما فيقتضي الإعظام» .
[8] سورة: الزخرف، الآية: 55.(17/17)
9/ أبعد الإفطار، فأخذ الجارح وأقر على رجلين سجزيين أنهما أعطياه مائة دينار/ ليقتله، فقتل وقررا فاعترفا، فضربا فلم يقرا على من أمرهما بذلك، [وعذّبا بأنواع العذاب فلم يذكرا من [1] وضعهما] فترك أحدهما تحت يد الفيل فقال: خلصوني حتى أقر بالحال.
فلما خلى التفت إلى رفيقه فقال له: يا أخي، لا بد من هذه القتلة فلا تفضح أهل سجستان بإفشاء الأسرار، فقتلا وبعث يمن الخادم إلى السلطان مهنئا له بالسلامة.
وفي ذي القعدة: خرج أبو حامد الغزالي من بغداد متوجها إلى بيت المقدس تاركا للتدريس في النظامية، زاهدا في ذلك، لابسا خشن الثياب بعد ناعمها، وناب عنه أخوه في التدريس، وعاد في السنة الثالثة من خروجه وقد صنف كتاب «الإحياء» فكان يجتمع إليه الخلق الكثير كل يوم في الرباط فيسمعونه منه، ثم حج في سنة تسعين، ثم عاد إلى بلده.
وفي يوم عرفة: خلع على القاضي أبي الفرج عبد الوهاب بن هبة الله السيبي، ولقب بشرف القضاة، ورد إليه ولاية القضاء بالحريم وغيره.
وفي هذه السنة: اصطلح أهل الكرخ مع بقية المحال، وتزاوروا وتواكلوا وتشاربوا، وكان هذا من العجائب.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3647- أحمد بن الحسن بن أحمد بن خيرون، أبو الفضل الباقلاوي
[2] :
ولد لثلاث بقين من جمادي الآخرة سنة ست وأربعمائة، وسمع الحديث الكثير وكتبه، وله به معرفة حسنة، روى عنه أبو بكر الخطيب، وحدثنا عنه أشياخنا، وكان من الثقات، / وشهد عند أبي عبد الله الدامغاني، ثم صار أمينا له، ثم ولي إشراف خزانة
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 149، وفيه: «الحسن بن أحمد بن خيرون أبو الفضل، المعروف بالباقلاني» ، وتذكرة الحفاظ 1207: 1209، وفيهما: «الباقلاني ... ، وشذرات الذهب 3/ 383، والكامل 8/ 507) .(17/18)
الغلات، وتوفي ضحوة يوم الخميس رابع عشر رجب هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3648- تتش بن ألب أرسلان
[1] :
قتل في وقعة كانت بينه وبين بركيارق ابن ملك شاه، وكان وزير تتش أبو المظفر علي بن نظام الملك، فأسر في الوقعة، وكان وزير بركيارق أبو بكر عبد الله بن نظام [2] الملك، فأطلق له أبا المظفر فعزله بركيارق واستوزر أبا المظفر.
3649- حمد بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن مسهرة، أبو الفضل الحداد الأصبهاني
[3] :
سمع خلقا كثيرا، وقدم بغداد في سنة خمس وثمانين، فروى «الحلية» عن أبي نعيم وغيره، وكان أكبر من أخيه أبي علي المعمر، وكان إماما فاضلا عالما، صحيح السماع، محققا في الأخذ. توفي في هذه السنة.
3650- رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن إبراهيم بن عبد الله [بن الهيثم بن عبد الله]
[4] :
وكان عبد الله اسمه: عبد اللات، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، وعلمه وأرسله إلى اليمامة والبحرين ليعلمهم أمر دينهم، وقال: «نزع الله من صدرك وصدر ولدك الغل والغش إلى يوم القيامة» .
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 149، والكامل 8/ 494، شذرات الذهب 3/ 384) .
[2] في الأصل: «عبيد الله بن نظام الملك» .
[3] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1199، وأرخ وفاته في سنة 486، وقال: «وقيل في سنة ثمان» .)
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وانظر ترجمته في: (المنهج الأحمد 2/ 164، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 77، والعبر 3/ 104، 320، والكامل 8/ 507، وشذرات الذهب 3/ 384، وهدية العارفين 1/ 367، والأعلام 3/ 19، والبداية والنهاية 12/ 150، وفيه: «رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز، أبو محمد التميمي» ) .(17/19)
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: [سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أبي يقول: سمعت أبي يقول] [1] : سمعت علي بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ:
هَتَفَ الْعِلْمُ بِالْعَمَلِ، فإن أجابه وإلا رحل.
10/ أولد أبو محمد رزق الله سنة أربعمائة، وقيل: سنة إحدى وأربعمائة، / وقرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي، وقرأ بالقراءات السبع وسمع أبا عمر بن مهدي، وابن البادا وابني بشران [2] ، وأبا علي بن شاذان [3] ، وخلقا كثيرا، وأخذ الفقه عن القاضي أبي علي بن أبي موسى الهاشمي، وشهد عند أبي عبد الله الحسين بن علي بن ماكولا قاضي القضاة في يوم السبت النصف من شعبان هذه السنة، ولم يزل شاهدا إلى أن ولي قضاء القضاة أبو عبد الله الدامغاني بعد موت ابن ماكولا، [فترك الشهادة] [4] ترفعا عن أن يشهد عنده، فلم يخرج له، فجاء قاضي القضاة إليه مستدعيا لمودته وشهادته عنده، فلم يخرج له عن موضعه، ولم يصحبه مقصوده، وكان قد اجتمع للتميمي القرآن [5] ، والفقه، والحديث، والأدب، والوعظ، وكان جميل الصورة، فوقع له القبول بين الخواص والعوام، وجعله الخليفة رسولا إلى السلطان في مهام الدولة، وله الحلقة في الفقه والفتوى والوعظ بجامع المنصور، فلما انتقل إلى باب المراتب كانت له حلقة في جامع القصر، يروي فيها الحديث ويفتي، وكان يجلس فيها شيخنا ابن ناصر، وكان يمضي في السنة أربع دفعات في رجب، وشعبان، وعرفة، وعاشوراء، إلى مقبرة الإمام أحمد ويعقد هناك مجلسا للوعظ، حدثنا عنه أشياخنا، وقال ابن عقيل: كان سيد الجماعة من أصحاب أحمد يمنا ورياسة وحشمة أبو محمد التميمي، وكان أحلى الناس عبارة في النظر وأجرأهم قلما في الفتيا وأحسنهم وعظا.
أنشدنا ابن ناصر قال: أنشدنا أبو محمد التميمي لنفسه:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «المادا وابني بشران» .
[3] في الأصل: «وأبا علي بن بشران» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ص: «وكان قد اجتمع للتميمي القراءات» .(17/20)
أفق يا فؤادي من غرامك واستمع ... مقالة محزون عليك شفيق
علقت فتاة قلبها متعلق ... بغيرك فاستوثقت غير وثيق
فأصبحت موثوقا وراحت طليقة ... فكم بين موثوق وبين طليق/
10/ ب وتوفي ليلة الثلاثاء خامس عشر جمادي الأولى من هذه السنة، وصلى عليه ابنه أبو الفضل عبد الواحد، ودفن في داره بباب المراتب بإذن المستظهر، ولم يدفن بها أحد قبله، ثم توفي ابنه أبو الفضل سنة إحدى وتسعين، فنقل معه والده إلى مقبرة باب حرب [1] ، ودفن إلى جانب أبيه وجده وعمه بدكة الإمام أحمد عن يمينه.
3651- عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار، أبو يوسف القزويني
[2] :
أحد شيوخ المعتزلة المجاهرين بالمذهب الدعاة، قرأ على عبد الجبار الهمذاني، ورحل إلى مصر وأقام بها أربعين سنة، وحصل أحمالا من الكتب، فحملها إلى بغداد، وكان قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني يكرمه ويقوم له، وروى الحديث ببغداد عن أبي عمر بن مهدي، وفسّر القرآن في سبعمائة مجلد، وجمع فيه العجب، حتى أنه ذكر قوله تعالى: «وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ» 2: 102 [3] في مجلد، قال ابن عقيل:
كان رجلا طويل اللسان، يعلم تارة ويسفه أخرى، ولم يكن محققا في علم، وكان يفتخر ويقول: أنا معتزلي، وكان ذلك جهلا منه، لأنه يخاطر بدمه في مذهب لا يساوي، قال:
وبلغني عنه أنه لما وكل به الأتراك مطالبة بما اتهموه به من إيداع بني جهير الوزراء عنده أموالا، قيل له: ادع الله. فقال: ما للَّه في هذا شيء، هذا فعل الظلمة.
قال ابن عقيل: هذا قول خرف، لأنه أن قصد بذلك التعديل ونفي الجور فقد
__________
[1] في الأصل: «فنقل معه ولد إلى مقبرة» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 150، وتاريخ قزوين 358، وتذكرة الحفاظ 1208، والجواهر المضيئة 1/ 315، وطبقات السكبي 5/ 121، وطبقات المفسرين للسيوطي 19، والعبر 3/ 321، وشذرات الذهب 3/ 385، والكامل 8/ 507، ولسان الميزان 4/ 11، والنجوم الزاهرة 5/ 156، وطبقات المفسرين للداوديّ 1/ 308، والأعلام 4/ 7، ودول الإسلام 2/ 12، وكتاب الروضتين 1/ 28) .
[3] سورة: البقرة، الآية: 105.(17/21)
أخرج الله سبحانه وتعالى عن التقدير، ثم هب أنه ليس هو المقدر لذلك أليس بقادر على المنع والدفع.
قال شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي: دخل أبو يوسف على نظام الملك وعنده أبو محمد التميمي ورجل آخر أشعري، فقال له: أيها الصدر، قد اجتمع عندك رءوس أهل النار. فقال: كيف؟ فقال: أنا معتزلي وهذا مشبه [1] ، وذاك أشعري، وبعضنا يكفّر بعضا.
11/ أتوفي أبو يوسف/ في ذي القعدة من هذه السنة [وقد بلغ ستا وتسعين سنة] [2] ، وما تزوج إلا في آخر عمره، ودفن بمقبرة الخيزران قريبا من أبي حنيفة.
3652- محمد بن حسين بن [3] عبد الله بن إبراهيم، أبو شجاع الوزير ابن الوزير الروذراوريّ [4] الأصل- بلدة من ناحية همذان- أهوازي [5] المولد:
الوزير ابن الوزير، لأن أبا يعلى الحسين [6] كاتبه القائم وهو بالأهواز بوزارته، وخاطبه بها فوصله الكتاب يستدعي له وهو ميت، وكان أبو شجاع قد قرأ الفقه والعربية، وسمع الحديث من جماعة منهم: أبو إسحاق الشيرازي، وصنف كتبا منها كتابه الذي ذيله على «تجارب الأمم» ووزر للمقتدي سليما من طمع، وكان يملك حينئذ عينا ستمائة ألف دينار، فأنفقها في الخيرات والصدقات.
وقال أبو جعفر بن الخرقي: كنت أنا من أحد عشر يتولون إخراج صدقاته، فحسبت ما خرج على يدي فكان مائة ألف دينار، ووقف الوقوف، وبنى المساجد، وأكثر الأنعام على الأرامل واليتامى، وكان يبيع الخطوط الحسنة، ويتصدق بثمنها ويقول:
__________
[1] في الأصل: «أنا معتزلي وهذا شبهي» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «محمد بن الحسن» .
[4] في الأصل: «الروتداوري» . وفي المطبوعة: «الروذراوريّ» . وما أوردناه من باقي المراجع.
[5] انظر ترجمته في: (وفيات الأعيان 2/ 69، والوافي بالوفيات 3/ 3، وطبقات السبكي 3/ 56، والأعلام 6/ 101، والبداية والنهاية 12/ 150، 151، والكامل 8/ 505) .
[6] في الأصل: «أبا يعلى الحسن» .(17/22)
أحب الأشياء إلي الدينار والخط الحسن، فأنا أخرج للَّه محبوبي. ووقع مرض في زمانه، فبعث إلي جميع أصقاع البلد أنواع الأشربة والأدوية، وكان يخرج العشر من جميع أمواله النباتية على اختلاف أنواعه، وعرضت عليه رقعة من بعض الصالحين يذكر فيها: أن امرأة معها أربعة أطفال أيتام، وهم عراة جياع. فقال للرجل: امض الآن إليهم، واحمل معك ما يصلحهم، ثم خلع أثوابه وقال: والله لا لبستها ولا دفئت حتى تعود وتخبرني أنك كسوتهم وأشبعتهم، فمضى وعاد فأخبره وهو يرعد من البرد.
حكى حاجبه الخاص به قال: [استدعاني ليلة، وقال:] [1] إني أمرت بعمل قطائف، فلما حضر بين يدي ذكرت نفوسا تشتهيه فلا تقدر عليه، فنغص ذلك علي أكله، ولم أذق منه/ شيئا، فأحمل هذه الصحون إلى أقوام فقراء. فحملها الفراشون 11/ ب معه، وجعل يطرق أبواب المساجد بباب المراتب، ويدفع ذلك إلى الأضراء المجاورين بها.
وكان يبالغ في التواضع، حتى ترك الاحتجاب فيكلم المرأة والطفل، وأوطأ العوام والصالحين مجلسه، وكان يحضر الفقهاء الديوان في كل مشكل، وكانوا إذا أفتوا في حق شخص بوجوب حق القصاص عليه سأل أولياء الدم أخذ شيء من ماله وأن يعفوا، فإن فعلوا وإلا أمر بالقصاص، وأعطى ذلك المال ورثة المقتول الثاني، ولقد جرت منه عصبية مرة في ليل الغيم فأمر ابن الخرقي المحتسب أن يجلس بباب النوبي ويكرم الناس بالإفطار، وأحضر أطباقا فيها لوز وسكر، وبعث إلى أبي إسحاق الخزاز بباب المراتب ليمنعه من صلاة التراويح تلك الليلة فلم يمتنع ذلك وقرأ «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى» 96: 9- 10 [2] فعدد في هذا الشهر أن صام الناس ثمانية وعشرين يوما فأسقط في يده وذبح البقر، وصدق بصدقات وافرة، وعاهد الله سبحانه أن لا يتعصب في الفروع أبدا.
وفي زمانه أسقطت [3] المكوس، وألبس أهل الذمة الغيار، وتقدم إلى ابن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] سورة: العلق، الآية: 9.
[3] في الأصل: «وفي زمانه سقطت» .(17/23)
الخرقي المحتسب أن يؤدب كل من فتح دكانه يوم الجمعة ويغلقه يوم السبت من البزازين وغيرهم، وقال: هذه مشاركة لليهود في حفظ سبتهم. وكان قد سمع أن النفاطين والكلابزية يقفون على دكاكين [1] المتعيشين فيأخذون منهم كل أسبوع شيئا، فنفذ من يمنعهم من الاجتياز بهم. وحج في وزارته سنة ثمانين، فبذل في طريقه الزاد والأدوية، وعم أهل الحرمين بصدقات، وساوى الفقراء في إقامة المناسك والتعبد، وكانت به وسوسة في الطهارة.
قال المصنف رحمه الله: ونقلت من خط أبى الوفاء بن عقيل أنه كتب إليه لأجل وسوسته: أما بعد، فإن أجل محصول عند العقلاء بإجماع الفقهاء الوقت، فهو غنيمة 12/ أينتهز فيها الفرص [2] ، والتكاليف كثيره، والأوقات خاطفة، وأقل متعبد به/ الماء، ومن اطلع على أسرار الشريعة علم قدر التخفيف، فمن ذلك قوله: «صبوا على بول الأعرابي ذنوبا من ماء» [3] وقوله في المنى: «أمطه عنك بأذخرة» وقوله في الخف: «طهوره إن تدلكه بالأرض» وفي ذيل المرأة: «يطهره ما بعده» [4] وقوله عليه السلام: «يغسل بول الجارية وينضح بول الغلام» [5] وكان يحمل بنت أبي العاص في الصلاة، ونهى الراعي عن إعلام السائل له عن الماء، وما يرده وقال: «ائت لنا طهورا» وقال: «يا صاحب البراز لا تخبره» فإن خطر بالبال نوع احتياط في الطهارة كالاحتياط في غيرها من مراعاة الإطالة وغيبوبة الشمس والزكاة، فإنه يفوت من الأعمار ما لا يفي به الاحتياط في الماء، الذي أصله الطهارة وقد صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب، وركب الحمار، وما عرف من خلقه التعبد بكثرة الماء الّذي أصله الطهارة وقد توضأ من سقاية المسجد، ومعلوم حال الأعراب الذين بان من أحدهم الإقدام على البول في المسجد، وتوضأ من جرة نصرانية، وما احترز تعليما لنا وتشريعا وإعلاما أن الماء على أصل الطهارة، وتوضأ من
__________
[1] في الأصل: «الكلابزية يقفوا» .
[2] في ص: «ينتهز فيها الغرض» .
[3] راجع تلخيص الحبير 1/ 31.
[4] أخرجه أبو داود في السنن 383، والترمذي 143، وابن ماجة 531، وأحمد بن حنبل 6/ 290، والبيهقي في السنن 2/ 406، وسنن الدارميّ 1/ 189، ومصنف ابن أبي شيبة 1/ 56.
[5] أخرجه عبد الرزاق في المصنف 1488.(17/24)
غدير كان ماؤه نقاعة الحناء، فأما قوله: «تنزهوا من البول» [1] فإن للتنزه حدا معلوما، فإما الاستشعار فإنه إذا علق نما وانقطع الوقت بما لا يقتضى بمثله الشرع.
قال ابن عقيل: كان الوزير أبو شجاع كثير البر للخلق، كثير التلطف بهم، فقدم من الحج وقد اتفق نفور العوام نفورا أريقت فيها الدماء، وانبسط حتى هجموا على الديوان، وبطشوا بالأبواب والستور، فخرج من الخليفة إنكار عليه، وأمره أن يلبس أخلاق السياسة لتنحسم مادة الفساد، فأدب وضرب وبطش، فانبسطت فيه الألسنة بأنواع التهم، حتى قال قوم: ها هو إسماعيلي وهبط عندهم ما تقدم من إحسانه. قال ابن عقيل: فقلت لنفسي: أفلس من الناس كل الإفلاس، ولا تثقي/ بهم، فمن يقدر 12/ ب على إحسان هذا إليهم وهذه أقوالهم عنه. قال ابن عقيل: وقد رأيت أكثر أعمال الناس لا يقع إلا للناس إلا من عصم الله من ذاك، إني رأيت في زمن أبي يوسف [2] كثيرا من أهل القرآن والمنكرون لإكرام أصحاب عبد الصمد، وكثر متفقهة الحنابلة، ومات فاختل ذلك فاتفق ابن جهير، فرأيت من كان يتقرب إلى الشيخ بالصلاح يتقرب إلى ابن جهير برفع أخبار العاملين [3] ، ثم جاءت الدولة النظام، فعظم الأشعرية، فرأيت من كان يتسخط على بنفي التشبيه غلوا في مذهب أحمد، وكان يظهر بغضي يعود [علي] [4] بالغمض على الحنابلة، وصار كلامه ككلام رافضي وصل إلى مشهد الحسين فأمن وباح، ورأيت كثيرا من أصحاب المذاهب انتقلوا ونافقوا، وتوثق بمذهب الأشعري والشافعي طمعا في العز والجرايات، ثم رأيت الوزير أبا شجاع يدين بحب الصلحاء والزهاد، فانقطع البطالون إلى المساجد، وتعمد خلق للزهد، فلما افتقدت ذلك قلت لنفسي: هل حظيت من هذا الافتقاد بشيء ينفعك؟ فقالت البصيرة: نعم، استفدت أن الثقة خيبة، فالغنى بهم إفلاس وليس ينبغي [5] أن يعول على غير الله.
__________
[1] أخرجه الدار الدّارقطنيّ في سننه 1/ 127، وراجع نصب الراية 1/ 128.
[2] في الأصل: «في زمن ابن يوسف» .
[3] في ص: «كان يتقرب إلى ابن جهير يرفع أخبار العاملين» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ص: «ولكن ينبغي» .(17/25)
قال المصنف: ولما عزل الوزير أبو شجاع خرج إلى الجامع [يوم الجمعة] [1] فانثالت عليه العامة تصافحه وتدعو له، فكان ذلك سببا لالتزامه بيته، والإنكار على من صحبه، وبني في دهليز داره مسجدا وكان يؤذن ويصلي فيه، ثم وردت كتب نظام الملك بإخراجه من بغداد، فأخرج إلى بلدة، [فأقام مدة] [2] ، ثم استأذن في الحج فأذن له فخرج.
قال أبو الحسن [بن] [3] عبد السلام: اجتمعت به في المدينة فقبل يدي فأعظمت ذلك، فقال لي: قد كنت تفعل هذا بي فأحببت أن أكافئك. وجاور بالمدينة، فلما مرض مرض الموت حمل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فوقف بالحضرة وبكى وقال: يا رسول الله، قال الله عز وجل «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ 4: 64 13/ ألَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله/ تَوَّاباً رَحِيماً» 4: 64 [4] وقد جئت معترفا بذنوبي وجرائمي أرجو شفاعتك، وبكى.
وتوفي من يومه ودفن بالبقيع عند قبر إبراهيم عليه السلام بعد أن صلى عليه بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوّر به الحضرة وذلك في منتصف جمادي الآخرة من هذه السنة وهو ابن إحدى وخمسين سنة، وكان له شعر حسن، فمنه قوله:
ما كان بالإحسان أولاكم ... لو زرتم من [كان] [5] يهواكم
احباب قلبي ما لكم والجفا ... ومن بهذا الهجر أغراكم
ما ضركم لو عدتم مدنفا ... ممرضا من بعد قتلاكم
أنكرتمونا مذ عهدناكم ... وخنتمونا مذ حفظناكم
لا نظرت عيني سوى شخصكم ... ولا أطاع القلب إلاكم
جرتم وخنتم وتحاملتم ... على المعنى في قضاياكم
يا قوم ما أخونكم في الهوى ... وما على الهجران أجراكم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] سورة: النساء، الآية: 64.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/26)
حولوا وجوروا وانصفوا أو اعدلوا ... في كل حال لا عدمناكم
ما كان أغناني عن المشتكى ... إلى نجوم الليل لولاكم
سلوا حداة العيس هل أوردت ... ماء سوى دمعي مطاياكم
أو فاسألوا طيفكم هل رأى ... طرفي أغفي بعد مسراكم
أحاول النوم عسى أنني ... في مستلذ النوم ألقاكم
ما آن أن تقضوا غريما لكم ... يخشاكم أن يتقاضاكم
يستنشق الريح إذا ما جرت ... من نحو نجد أين مسراكم
وله أيضا:
لو أنكم عاينتم بعد مسراكم ... وقوفي على الأطلال أندب مغناكم
أنادي وعيني قد تفيض بذكراكم ... أيا خلتي لم أبعد البين مرماكم
ولم غبتم عن ناظري بعد رؤياكم ... ولم نعب البين المشتّ وأقصاكم/ 13/ ب
3653- محمد بن المظفر بن بكران الحموي [1] الشامي:
ولد سنة أربعمائة، وحج في سنة سبع عشرة وأربعمائة، وتفقه ببلده بعد حجه، ثم قدم إلى بغداد فتفقه على أبي الطيب الطبري، وسمع من أبي القاسم بن بشران، وغيره، وشهد عند قاضى القضاة أبى عبد الله الدامغاني في ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين [2] ، وزكاة القاضي أبو يعلى بن الفراء، وأبو الحسن [3] بن السمناني، وناب عنه في القضاء بربع المدينة. حدثنا عنه أشياخنا، وكان حسن الطريقة، خشن الأخلاق وفيه حدة، وكان ثقة عفيفا نزها لا يقبل من سلطان عطية ولا من صديق هدية، ولازم مسجدا بقطيعة [أم] [4] الربيع، يؤم أهله، ويدرس ويقرأ عليه الحديث زائدا على خمس وخمسين سنة، ولما مات أبو عبد الله الدامغاني أشار به الوزير أبو شجاع على المقتدي
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 151، وفيه: «أبو بكر الشاشي» ، وشذرات الذهب 3/ 391، والكامل 8/ 507، وفيه: «محمد بن المظفر الشاشي» ) .
[2] في الأصل: «في ربيع الأول من هذه السنة سنة اثنتين وخمسين» .
[3] في الأصل: «أبو الحسين» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/27)
فقلده قضاء القضاة في رمضان سنة ثمان وسبعين، وخلع عليه، وقرئ عهده ولم يرتزق على القضاء شيئا، ولم يغير ملبسه ومأكله وأحواله قبل القضاء، وكان يتولى القضاء بنفسه، ولا يستنيب أحدا ولا يحابي مخلوقا، فلما أقام الحق نفرت عنه قلوب المبطلين، ولفقوا له معايب لم يلصق به منها شيء، وكان غاية تأثيرها أنه سخط عليه الخليفة، ومنع الشهود من إتيان مجلسه، وأشاع عزله فقال: لم يطر على فسق استحق به العزل. فبقي كذلك سنتين وشهورا، وأذن لأبي عبد الله محمد بن عبيد الله الدامغاني في سماع البينة، فنفذ من العسكر بأن الخبر قد وصل إلينا أن الديوان قد استغنى عن ابن بكران، ونحن بنا حاجة إليه، فيسرح إلينا، فوقع الامساك عنه، ثم صلح رأي الخليفة فيه، وأذن للشهود في العود إلى مجلسه، فاستقامت أموره، وحمل إليه يهودي جحد مسلما ثيابا ادعاها عليه، فأمر ببطحه وضربه فعوقب فأقر، فعاقبه الوزير أبو شجاع على ذلك، واغتنم أعداؤه الفرصة في ذلك، فصنف أبو بكر الشاشي كتابا في الرد عليه 14/ سماه: «الرد على من حكم بالفراسة [1] / وحققها بالضرب والعقوبة» وقد ذكر أن الذي فعله له وجه ومستند من كلام الشافعي.
قال المصنف: نقلت من خط أبي الوفاء بن عقيل قال: أخذ قوم يعيبون على الشامي ويقولون: كان يقضي بالفراسة ويواقعه، قال: فضرب كرديا حتى أقر بمال أخذه غصبا وكان ضربه بجريدة من نخلة داره، فقلت: أعرف دينه وأمانته، ما كان ذلك بالفراسة، لكن بأمارات، واذا تأملتم الشرع وجدتم أنه يجوز التعويل على مثلها، فإنه إذا رأى صاحب كلالجات ورعونة يقال إنه رجم سطحا لإجل طائر، فكسر جرة، وكان عنده خبر أنه يلعب بالطيور، فقال: بل هذا الشيخ رجم. وقد ذهب مالك إلى التوصل إلى الإقرار بما يراه الحاكم على ما حكاه بعض الفقهاء، وذلك يستند إلى قوله: «إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ من قُبُلٍ» 12: 26 [2] ومن حكمنا بعقد الأزج، وكثرة الخشب، ومعاقد القمط، وما يصلح للمرأة وما يصلح للرجل، والدباغ والعطار إذا تخاصما في جلد، وهل اللوث في القسامة إلى نحو هذا.
__________
[1] في الأصل: «على من حكم بالسياسة» .
[2] سورة: يوسف، الآية: 26.(17/28)
وحمل يوما إلى دار السلطان ليحكم في حادثة، فشهد عنده المشطب بن محمد بن أسامة الفرغاني الإمام، وكان فقيها من فحول المناظرين، فرد شهادته [فقال:
ما أدري لأي علة رد شهادتي [1] ؟] فقال الشامي: قولوا له كنت أظن أنك عالم فاسق، والآن أنت جاهل فاسق، أما تعلم أنك تفسق باستعمال الذهب؟ وكان يلبس خاتم الذهب والحرير، وادعى عنده بعض الأتراك على رجل شيئا فقال: ألك بينة؟ قال:
نعم. قال: من؟ قال: فلان والمشطب. فقال: لا أقبل شهادته لانه يلبس الحرير. فقال التركي: السلطان ملك شاه ووزيره نظام الملك يلبسان الحرير! فقال الشامي: ولو شهدا عندي في باقة بقل ما قبلت شهادتهما.
توفي الشامي يوم الثلاثاء عاشر شعبان هذه السنة، ودفن بتربة له عند قبر أبي العباس بن سريج على باب قطيعة الفقهاء من الكرخ.
3654- محمد بن أبي نصر، فتوح بن عبد الله [2] بن حميد، أبو عبد الله الحميدي [3] الأندلسي:
من أهل المغرب، من جزيرة يقال لها ميرقة قريبة من الأندلس/ ولد، قبل 14/ ب العشرين وأربعمائة، وسمع ببلده الكثير، وبمصر، وبمكة، وبالشام، وورد بغداد فسمع من أصحاب الدار الدارقطني وابن شاهين، وكان حافظا دينا نزها عفيفا، كتب من مصنفات ابن حزم الكثير، وكتب تصانيف الخطيب، وصنف فأحسن، ووقف كتبه على طلبه العلم فنفع الله بها، حدثنا عنه أشياخنا.
وتوفي ليلة الثلاثاء سابع عشر ذي الحجة، ودفن بمقبرة باب أبرز، ثم نقل في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «فتوح بن أبي عبد الله» .
وجاء اسمه في الأعلام: «محمد بن فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد الأزدي الميورقي الحميدي، أبو عبد الله بن أبي نصر» .
[3] انظر ترجمته في: (ابن خلكان 1/ 458، وبغية الملتمس 113، ومفتاح السعادة 1/ 13، ونفح الطيب 1/ 381، والكامل 8/ 508، والبداية والنهاية 12/ 152، وشذرات الذهب 3/ 392، الأعلام 6/ 327، 328، تذكرة الحفاظ 1218) .(17/29)
صفر سنة إحدى وتسعين إلى باب حرب، فدفن في دكة بشر الحافي.
3655- هبة الله بن علي بن عقيل، أبو منصور بن أبي الوفاء
[1] :
ولد في ذي الحجة سنة أربع وسبعين، وتوفي وهو ابن أربع عشرة سنة، وكان قد حفظ القرآن وتفقه، وظهر منه أشياء تدل على عقل غزير ودين عظيم، وكان هذا الصبي قد طال مرضه، وأنفق عليه أبوه مالا في المرض وبالغ، قرأت بخط أبيه أبي الوفاء قال:
قال لي ابني لما تقارب أجله: يا سيدي قد أنفقت وبالغت في الأدوية والطب والأدعية، وللَّه سبحانه في اختيار، فدعني مع اختيار الله، قال: فو الله [ما] [2] أنطق الله سبحانه ولدي بهذه المقالة التي تشاكل قول إسحاق لإبراهيم «افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ» 37: 102 [3] إلا وقد اختار الله له الحظوة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 152) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] سورة: الصافات، الآية: 102.(17/30)
ثم دخلت سنة تسع وثمانين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في ربيع الأول كثر العبث من بني خفاجة، وأتوا إلى المسجد بالحائر، فتظاهروا فيه بالمنكر، فوجه إليهم سيف الدولة عسكرا فكبسوهم في المشهد، وأخذوا عليهم أبوابه، وقتل منهم خلق عند الضريح، ومن أعجب العجائب [1] أن أحدهم ركب فرسه وصعد إلى سور المشهد، وألقى نفسه وفرسه، فنجوا جميعا.
حكم المنجمون بطوفان يكون في الناس
وفي هذه السنة: حكم المنجمون بطوفان يكون في الناس، يقارب طوفان نوح، / وكثر الحديث فيه، فتقدم المستظهر باللَّه بإحضار ابن عيشون المنجم [2] ، فقال: إن 15/ أطوفان نوح عليه السلام اجتمع في برج الحوت الطوالع السبعة، والآن فقد اجتمع في برج الحوت من الطوالع ستة وزحل لم يجتمع معهم، فلو اجتمع معهم [3] كان طوفان نوح، ولكن أقول إن مدينة أو بقعة من البقاع يجتمع فيها عالم من بلاد كثيرة فيغرقون ويكون من كل بلد الواحد والجماعة، فقيل: ما يجتمع في بلد ما يجتمع في بغداد، وربما غرقت، فتقدم بأحكام المسنيات والمواضع [4] التي يخشى منها الانفجار، وكان الناس ينتظرون الغرق، فوصل الخبر بأن الحاج حصلوا في وادي المناقب بعد نخلة،
__________
[1] في الأصل: «ومن العجب» .
[2] في الأصل، والكامل: بإحضار ابن عيسون المنجم» ، وفي البداية: «عبسون» .
[3] في ص: «فلو كان معهم» .
[4] في ص: «المسنات والمواضع» . وفي البداية والنهاية: «المسيلات» . وما أوردناه عن الأصل، ت، والكامل.(17/31)
فأتاهم سيل عظيم، فنجا منهم من تعلق برءوس الجبال، واذهب الماء الرحال والرجال، فخلع على ذلك المنجم وأجرى له جراية.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3656- أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن محمد بن خداداد الكرخي الباقلاوي، أبو طاهر بن أبي علي
[1] :
سمع من أبى على بن شاذان، وأبى القاسم بن بشران، وأبى بكر البرقاني، وغيرهم. وكان ثقة ضابطا، وكان جميل الخصال، مقبلا على ما يعنيه، زاهدا في الدنيا، حدث عنه عبد الوهاب الأنماطي وغيره من أشياخنا. قال شيخنا عبد الوهاب:
كان يتشاغل يوم الجمعة بالتعبد ويقول: لأصحاب الحديث من السبت إلى الخميس ويوم الجمعة أنا بحكم نفسي للتكبير إلى الصلاة وقراءة القرآن، وما قرئ عليه في الجامع حديث قط. قال: ولما قدم نظام الملك إلى بغداد أراد أن يسمع من شيوخها فكتبوا له أسماء الشيوخ، وكتبوا في جماعتهم اسم أبي طاهر، وسألوه أن يحضر داره، 15/ ب فامتنع فألحوا فلم/ يجب. قال أبو الفضل بن خيرون: قرابتي وما أنفرد أنا بشيء عنه ما سمعته قد سمعه، وأنا في خزانه الخليفة فما يمتنع عليكم، فأما أنا فلا أحضر.
وتوفي ليله الاثنين الرابع من ربيع الآخر، ودفن بمقبرة باب حرب.
3657- أحمد بن عمر بن الأشعث، أبو بكر السمرقندي والد شيخنا أبى القاسم
[2] :
ولد سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، وقرأ القرآن على أبي علي الأهوازي بالقراءات التي صنفها، وكان مجودا، وكان ينسخ المصاحف، وسمع الحديث الكثير، وروى عنه أشياخنا.
وتوفي يوم الأحد سابع عشرين من رمضان [3] ، ودفن بمقابر الشهداء بباب حرب إلى جانب أبي بكر الدينَوَريّ الزاهد.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1227، وفيه: «الباقلاني» ، وشذرات الذهب 3/ 392) .
[2] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1227) .
[3] في ص: «الأحد سادس عشرين من رمضان» .(17/32)
3658- إبراهيم بن الحسين، أبو إسحاق الخزاز
[1] :
كان من الزهاد،. توفي يوم السبت تاسع ربيع الآخر، ودفن بمقبرة باب حرب.
ونقلت من خط أبى الوفاء بن عقيل [قال [2] : كان الشيخ أبو إسحاق الخزاز شيخا صالحا بباب المراتب، وهو أول من لقنني كتاب الله بدرب الديوان بالرصافة، وكان من عادته الامساك عن الكلام في رمضان، وكان يخاطب بآي القرآن في أغراضه وسوانحه وحوائجه، فيقول في إذنه: ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ 5: 23، ويقول لابنه في عشية الصوم من بَقْلِها وَقِثَّائِها 2: 61 آمرا له بشراء البقل، فقلت له: هذا تعتقده عباده، وهو معصية فصعب عليه فبسطت الكلام، وقلت: ان هذا القرآن العزيز نزل في بيان أحكام الشريعة فلا يستعمل في أغراض دنيوية وما عندي أن هذا بمثابة صرك السدر والأشنان في ورق المصحف أو توسدك له فهجرني وهجرته مدة.
3659- حمزة بن محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن إِسْمَاعِيل بن عامر [3] بن عبيد الله بن الزبير بن العوام القرشي، أبو القاسم
[4] :
ولد سنة ثمان وأربعمائة، وسكن نهر الدجاج، وسمع أبا القاسم الخرقى، وأبا علي بن شاذان. روى عنه مشايخنا، وكان صالحا دينا ثقة.
وتوفي يوم الجمعة ثاني شعبان هذه السنة ودفن بمقبرة الشونيزية.
3660- سليمان بن أحمد بن محمد أبو الربيع السرقسطي
[5] :
من أهل الأندلس دخل بغداد، وأقام بها وسمع أبا القاسم بن بشران، وأبا العلاء الواسطي ومن بعدهما كأبي بكر الخطيب، وغيره. وكانت له معرفة باللغة. وروى عنه أشياخنا لكنهم جرحوه، فقال أبو منصور بن خيرون: نهاني عمي أبو الفضل أن أقرأ عليه
__________
[1] الخزاز: بفتح الخاء، وتشديد الزاي الأولى.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ت: «بن إبراهيم بن أسعد» .
[4] في ت: «القرشي ابن القاسم» .
[5] السرقسطي: نسبة إلى سرقسطة، وهي بلدة ساحل البحر من بلاد الأندلس.
وانظر ترجمته في: (الأنساب 7/ 72) .(17/33)
القرآن، وقال ابن ناصر: كان كذابا يلحق سماعاته.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
3661- عبد الله بن إبراهيم، بن عبد الله، أبو حكيم الخبري
[1] :
وخبر [2] إحدى بلاد فارس، وهو جد شيخنا أبي الفضل بن ناصر لأمة، تفقه على أبى إسحاق، وسمع من الجوهري وغيره، وكانت له معرفة تامة بالفرائض، وله فيها تصنيف وله معرفة بالأدب واللغة، وكان مرضى الطريقة، وحدثني عنه شيخنا أبو الفضل بن ناصر، قال: كان يكتب المصاحف فبينا هو يوما قاعدا مستندا يكتب وضع القلم من يده واستند، وقال: والله ان كان هذا موتا فهذا موت طيب ثم مات.
3662- عبد المحسن بن محمد بن علي بن أحمد، أبو منصور الشيحي [3] التاجر:
ويعرف بابن شهدانكة، من أهل النصرية، وسمع ببغداد أبا طالب ابن غيلان، وأبا القاسم التنوخي، وأبا الحسن القزويني، وأبا إسحاق البرمكي، والجوهري، ورحل إلى الشام وديار مصر فسمع بها من جماعة وأكثر عن أبى بكر الخطيب بصور، وأهدى إليه الخطيب تاريخ بغداد بخطه، وقال: لو كان عندي أعز منه لأهديته له لانه حمل الخطيب من الشام إلى العراق، وروى عنه الخطيب في تصانيفه فسماه عبد الله، وكان يسمى عبد الله وكان ثقة خيرا دينا.
توفي يوم الاثنين سادس عشر جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3663- عبد الملك بن إبراهيم بن أحمد] [4] الهمذاني
[5] :
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 153، وفيه: «عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله، أخو حكيم الخيريّ» ) .
[2] في ت، ص: «أبو حكيم الخيريّ. وخير» .
والتصويب من الأنساب.
[3] في الأصل: «أبو منصور الشيخى» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 153، وفيه: «عبد المحسن بن علي بن أحمد الشبخي التاجر» ، وشذرات الذهب 3/ 392) .
[4] انتهى السقط من الأصل الّذي بدأ أثناء ترجمة إبراهيم بن الحسين، وقد وضعناه بين معقوفتين.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 153، والكامل 9/ 6) .(17/34)
سمع أبا على الحسن بن على الشاموخي [1] وغيره. روى عنه أشياخنا، وكان يعرف العلوم الشرعية والأدبية، إلا أن علم الفرائض والحساب انتهى إليه [2] ، وكان قد تفقه على أقضى القضاة أبى الحسن الماوردي، وكان يحفظ «غريب الحديث» لأبي عبيد، و «المجمل» لابن فارس، وكان عفيفا زاهدا، وكان يسكن درب رياح، وكان الوزير أبو شجاع قد نص عليه لقضاء القضاة فأجابه المقتدى، فاستدعاه فأبى أشد الإباء، واعتذر بالعجز وعلوّ السن، وعاود الوزير أن لا يعاود ذكره في هذا الحال.
أنبأنا شيخنا عبد الوهاب الأنماطي قال: سمعت أبا الحسن بن أبي الفضل الهمذاني يقول: كان والدي إذا أراد أن يؤدبني يأخذ العصا بيده ويقول: نويت أن أضرب ابني تأديبا كما أمر الله، ثم يضربني. قال أبو الحسن: وإلى أن ينوى ويتم النية كنت أهرب.
توفي يوم الأحد تاسع عشر رمضان من هذه السنة، ودفن عند قبر ابن سريج.
3664- محمد بن أحمد بن عبد الباقي/ بن منصور، أبو بكر، ويعرف بابن الخاضبة 16/ أالدقاق
[3] :
كان معروفا بالإفادة، وجودة القراءة، وحسن الخط، وجودة النقل، وجمع علم القراءات والحديث، وأكثر عن أبى بكر الخطيب، وأصحاب المخلص، والكتاني.
حدثنا عنه شيوخنا وكانوا يثنون عليه، وعاجلته المنية قبل الرواية. توفي ليلة الجمعة ثاني ربيع الأول، ودفن في المقبرة المعروفة بالأجمة المتصلة بباب [4] أبرز.
أنبأنا أبو زرعة، عن أبيه محمد بن طاهر قال: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد الدقاق المعروف بابن الخاضبة يقول [5] : لما كانت سنة الغرق وقعت داري على قماشي
__________
[1] في الأصل: الحسن بن علي الشامرخي» وفي ت: «الحسن بن علي السامرخي» .
[2] في الأصل: «والحساب انتقل إليه» .
[3] في الأصل: «ويعرف بابن الحاضنة» . والتصحيح من ت، ص، وتذكرة الحفاظ.
وانظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1224: 1227، والبداية والنهاية 12/ 153، وفيه: «المعروف بابن الحاضنة» ، وشذرات الذهب 3/ 393) .
[4] في ص: «بالأجمة بباب أبرز» بإسقاط: «المتصلة» .
[5] في الأصل: «المعروف بابن الحاضنة» .(17/35)
وكتبي، ولم يبق لي شيء، وكانت لي عائلة، وكنت أورق للناس، فكتبت صحيح مسلم تلك السنة سبع مرات، فنمت ليلة فرأيت في المنام كأن القيامة قد قامت ومناد ينادى:
أين ابن الخاضبة؟ فأحضرت فقيل لي: ادخل الجنة، فلما دخلت استلقيت على فراشي، ووضعت إحدى رجلي على الأخرى، وقلت: استرحت والله من النسخ.
3665- محمد بن على بن عمير، أبو عبد الله القهندزي [1] العميري:
خرج من هراة إلى الحجاز سنة عشرين وأربعمائة، وركب البحر، وخرج إلى عدن، وزبيد، ووصل إلى مكة بعد سنتين، وسمع بها، ثم انصرف إلى بغداد وسمع بها، وبهراة، ونيسابور، وسجستان، وغير ذلك من البلاد، سمع المؤتمن وغيره، وكان متقنا [فهما] [2] فقيها فاضلا دينا خيرا ورعا زاهدا، حدث بالكثير.
وتوفي فِي محرم هَذِهِ السنة.
3666- محمد بْن علي بن محمد، أبو ياسر الحمامي
[3] :
قرأ على أبى بكر الخياط وغيره، وكتب الكثير من علوم القرآن والحديث، وسمع من أبى محمد الخلال، وأبي جعفر ابن المسلمة، والصريفيني، وغيرهم، وكان ثقة إماما في القراءات والحديث، سمع أشياخنا منه.
وتوفي يوم الثلاثاء تاسع المحرم ودفن بمقبرة باب حرب.
16/ ب أنشدني أبو الفتح/ بن أبي السعادات الوكيل قال: أنشدنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن الحسين المدنى، قال: أنشدني أبو ياسر الحمامي:
دحرجني الدهر [4] إلى معشر ... ما فيهم للخير مستمتع
إن حدثوا لم يفهموا لفظة ... أو حدثوا ضجوا فلم يسمعوا
__________
[1] في ت: «أبو عبد الله القهدري» . وفي الأنساب 10/ 274: «نسبة إلى قهندز، بلا دشتى» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ت: «ابن ياسر الحمامي» .
[4] في الأصل: «وحرجني الدهر» .(17/36)
3667- محمد بن أحمد بن محمد [1] ، أبو نصر الرامشي
[2] :
من أهل نيسابور، ولد سنة أربع وأربعمائة، وسافر الكثير، وسمع الكثير، ورحل في طلب القراءات والحديث، وكان مبرزا في علوم القرآن، وله حظ في علم العربية، وأملى بنيسابور [سنين] [3] وتوفي في هذه السنة.
3668- منصور بن محمد بن عبد الجبار [بن أحمد] [4] بن محمد، أبو المظفر السمعاني
[5] :
من أهل مرو، تفقه على أبيه أبى منصور على مذهب أبى حنيفة حتى برع في الفقه وبرز على أقرانه من الشبان، ثم ورد بغداد في سنة إحدى وستين، وسمع الحديث الكثير بها، واجتمع بأبي إسحاق الشيرازي، وأبى نصر بن الصباغ، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي، فلما رجع إلى بلده اضطرب أهل بلده، وجلب عليه العوام، وقالوا طريقة ناظر عليها أكثر من ثلاثين سنة ثم تحول عنها، فخرج إلى طوس [6] ، ثم قصد نيسابور، ووعظ وصنف «التفسير [7] » و «البرهان» ، و «الاصطلام [8] » ، وكتاب «القواطع»
__________
[1] في ت: «محمد بن محمد بن أحمد» .
[2] في الأصل: «أبو نصر المارشي» . والتصحيح من الأنساب. «والرامشي: نسبة إلى رامش، وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه» .
وانظر ترجمته في: (الأنساب للسمعاني 6/ 50، وفيه: «محمد بن محمد بن محمد بن هميماه الرامشي» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من ت.
[5] هو جد السمعاني صاحب الأنساب.
وانظر ترجمته في: (النجوم الزاهرة 5/ 160، ومفتاح السعادة 2/ 191، واللباب 1/ 563، وتذكرة الحفاظ 1227، وشذرات الذهب 3/ 393، والطبقات الكبرى للسبكي 4/ 21، وفيه: «منصور بن أحمد» ، والأعلام 7/ 303، 304، والبداية والنهاية 12/ 153، 154، والعبر 3/ 326، ومرآة الجنان لليافعي 3/ 151، والأنساب لحفيده السمعاني 7/ 139، وطبقات المفسرين للداوديّ 651) .
[6] في الأصل: «فخرج إلى الطوس» .
[7] «التفسير» : ساقطة من ص. وكتابه التفسير هذا مخطوط في ثلاث أجزاء.
[8] وهو في الرد على أبي زيد الدبوسي، وهو مخطوط توجد منه نسخة في معهد المخطوطات.(17/37)
في أصول الفقه، وكتاب «الانتصار» في الحديث، وغير ذلك، وأملى الحديث، وكان يقول: ما حفظت شيئا فنسيته. وسئل عن أخبار الصفات فقال: عليكم بدين العجائز، وسئل عن قوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى 20: 5 [1] فقال:
جئتماني لتعلما سر سعدى ... تجداني بسر سعدى شحيحا
إن سعدى لمنية المتمني ... جمعت عفة ووجها صبيحا
توفي أبو المظفر في ربيع الأول من هذه السنة، ودفن في مقبرة مرو، رحمه الله وإيانا وجميع المسلمين.
__________
[1] سورة: طه، الآية: 5.(17/38)
ثم دخلت 17/ أسنة تسعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[كبس على أبي نصر في يوم عاشوراء]
أنه في يوم عاشوراء كبس على أبى نصر بن جلال الدولة أبي طاهر ابن بويه، وكان يلقب: بهاء الدولة، وكان قد أقطعه جلال الدولة ملك شاه المدائن، ودير العاقول، وغيرهما، فلما كبس عليه هرب إلى بلد سيف الدولة صدقة، ثم تنقل في البلاد، وكان قد ثبت عليه عند القاضي أمور أوجبت إراقة دمه [1] ، وقضت بارتداده، وبنيت داره بدرب القيار [2] مسجدين أحدهما لأصحاب الشافعيّ، والآخر لأصحاب أبي حنيفة.
[في ربيع الآخر تظاهر العيارون]
وفي ربيع الآخر: تظاهر العيارون بالفتك في الجانب الغربي.
[قتل إنسان باطني على باب النوبي]
وفي شوال: قتل إنسان باطني على باب النوبي أتى من قلاعهم بخوزستان، وشهد عليه بمذهبه شاهدان دعاهما هو إلى مذهبه، فأفتى الفقهاء بقتله منهم ابن عقيل، وكان من أشدهم عليه، فقال له الباطني: كيف تقتلوني وأنا أقول لا إله إلا الله؟ قال ابن عقيل: أنا اقتلك. قال: بأي حجة؟ قال: بقول الله عز وجل: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا 40: 84- 85 [3] .
__________
[1] في الأصل: «أوجبت سفك دمه» .
[2] في الأصل: «داره بدار القيار» .
[3] سورة: غافر، الآية: 84، 85.(17/39)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3669- أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن زكريا بن دينار، أبو يعلى البصرى العبدي [1] ، يعرف بابن الصواف
[2] :
ولد سنة أربعمائة، وكان ينزل القسامل [3] إحدى محال البصرة، دخل بغداد في سنة إحدى وعشرين، وسمع أبا على بن شاذان، وأبا بكر البرقاني، وسمع بالبصرة من 17/ ب أبى عبد الله بن داسة وغيره، وكان/ فقيها مدرسا زاهدا خشن العيش متصونا ذا سمت ووقار وسكينة، وكان إماما في عشرة علوم. وتوفي في رمضان هذه السنة.
3670- إبراهيم بْن عبد الوهاب بن مُحَمَّد بن إسحاق، [أبو إسحاق] [4] بن أبي عمر بن أبي عبد الله بن [5] منده.
ولد في صفر سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وسمع من أبيه وغيره، وكان كثير التعبد والتهجد، وتوفي في بادية الكوفة متوجها إلى مكة في هذه السنة.
3671- محمد بن على بن الحسين، أبو عبد الله القطيعي الكاتب
[6] .
سمع أبا القاسم بن بشران، وحدث وروى عنه شيوخنا، وتوفي في يوم الجمعة ثالث رمضان، ودفن في مقبرة باب حرب.
3672- محمد بن محمد بن عبيد الله، أبو غالب [7] البقال:
سمع أبا على بن شاذان، وأبا القاسم بن بشران، وأبا القاسم الخرقى وغيرهم، حدثنا عنه أشياخنا، وكان صدوقا، نزل إلى دجلة ليتوضأ فغرق في يوم الاثنين سادس
__________
[1] في الأصل: «العبديّ البصري» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 154، وشذرات الذهب 3/ 394) .
[3] في الأصل: «كان ينزل السامل» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ت.
[5] في ت: «أبو عمر بن أبي عبد الله» .
[6] القطيعي: نسبة إلى القطيعة، وهي مواضع وقطائع في مجال متفرقة ببغداد.
[7] هذه الترجمة ساقطة من ت.(17/40)
عشرين رجب [1] فأخرج، وحمل إلى داره، واخرجت جنازته من الغد فصلى عليه، ثم حمل إلى مقبرة باب حرب.
3673- المعمر بن محمد بن المعمرين أحمد بن محمد، أبو الغنائم [2] الحسيني الطاهر، ذو المناقب، نقيب الطالبيين
[3] :
وكان جميل الصورة، كريم الأخلاق، كثير التعبد، لا يحفظ عنه أنه آذى مخلوقا، ولا شتم حاجبا [4] ، وسمع الحديث ورواه، وتوفي بداره بالكرخ بنهر البزازين ليلة الجمعة ثامن عشر ربيع الأول، وحمل من الغد إلى الجامع المنصور فصلى عليه، ثم حمل إلى مشهد مقابر قريش فدفن به، ومات عن اثنتين وسبعين سنة، ولى النقابة منها اثنتين وثلاثين سنة وثلاثة أشهر، وتولى مكانه ابنه أبو الفتوح حيدرة، ولقب بالرضى ذي الفخرين، ورثاه أبو عبد الله بن عطية بأبيات منها:
هل ينفعن من المنون [5] حذار ... أم للإمام من الردى أنصار
هيهات ما دون الحمام إذا دنا ... وزر ولا يسطاع منه حذار
نفذ القضاء على الورى من عادل ... في حكمه وجرت به الأقدار
ما لي أرى الآمال تخدع بالمنى ... عدة تطول وتقصر الأعمار
والناس في شغل وقد أفناهم ... ليل يكر عليهم ونهار
ويد المنية شثنة مبسوطة ... في كل أنملة لها أظفار
لو كان يدفع بطشها [6] عن مهجة ... ويرد حتفا معقل وجدار
لفدت ربيعة ذا المناقب واشترت ... حُبًّا له طول البقاء نزار
خرجت ذرى المجد المنيف وأصبحت ... عرصات ربع المجد وهي قفار
__________
[1] في ص: «سادس عشر رجب» .
[2] في المطبوعة: «أبو القائم» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 155) .
[4] في الأصل: «ولا شتم صاحبا» .
[5] في الأصل: «هل يشفعن من المنون» .
[6] في الأصل: «لو كان يرفع بطشها» .(17/41)
وخلا مقام النسك من تسبيحه ... وبكت على صلواته الأسحار
[1]
3674- يحيى بن [أحمد بن أحمد بن محمد بن] علي السيبي
[2] :
ولد سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة [3] ، فرحل الناس إليه، وكان صالحا ثقة صدوقا دينا، وتوفي ليلة السبت خامس عشرين ربيع الآخر، وكان عمره مائة وثلاثا وخمسين سنة وثلاثة أشهر وأياما، وكان صحيح الحواس، قرأ عليه القرآن والحديث.
__________
[1] في ص، والأصل: «وبكت على صلحائه الأشعار» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وقال السمعاني: «السيبي بكسر السين المهملة، وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، وفي آخرها الباء المنقوطة بواحدة، هذه النسبة إلى سيب، وظني أنها قرية بنواحي قصر ابن هبيرة. (الأنساب 7/ 215) .
وانظر ترجمته في: (الأنساب 7/ 216، والبداية والنهاية 12/ 155، وفيه: «يحيى بن أحمد بن محمد بن علي البستي» ، وشذرات الذهب 3/ 396، وفيه: «السبتي» ، والكامل 9/ 12) .
[3] في ص: «ولد سنة ثلاث وثلاثين، وثلاثمائة» .(17/42)
ثم دخلت سنة إحدى وتسعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[كثرة الاستنفار على الإفرنج]
أنه في شهر ربيع الآخر كثر الاستنفار على الإفرنج وتكاثرت الشكايات [1] بكل مكان، ووردت كتب السلطان بركيارق إلى جميع الأمراء يأمرهم بالخروج مع الوزير ابن جهير لحربهم/، واجتمعوا في بيت النوبة وبرز سيف الدولة صدقة [فنزل] [2] 18/ ب بقرب الأنبار، وضرب سعد الدولة مضاربة بالجانب الغربي، ثم انفسخت هذه العزيمة، ووردت الأخبار بان الإفرنج ملكوا أنطاكية، ثم جاءوا إلى معرة النعمان فحاصروها، ودخلوا وقتلوا ونهبوا. وقيل: إنهم قتلوا ببيت المقدس سبعين ألف نفس، وكانوا قد خرجوا في ألف ألف.
وفي شعبان: خرج أبو نصر ابن الموصلايا إلى المعسكر إلى نيسابور مستنفرا على الإفرنج برسالة من الديوان.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3675- طراد بن محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد الوهاب بْن سليمَان بْن عبد الله بْن محمد بن إبراهيم الإمام بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ [3] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس، أبو الفوارس بن أبي الحسن بن أبي القاسم بن [1] أبي تمام:
__________
[1] في ص: «على الافرنج وتواترت الشكايات» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «بن سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إبراهيم بن عبد الله بن عباس» .(17/43)
من ولد زينب بنت سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس [2] ، وهي أم ولد عبد الله بْن محمد بْن إبراهيم الإمَام بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عباس. حدث عنها أحمد بن منصور الرمادي [3] ، وكناها أم على.
ولد في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة [4] ، وسمع الحديث [5] الكثير والكتب الكبار، وسمع من أبى نصر النرسي، وهلال الحفار، والحسين بن عمرو بن برهان [6] ، وهو آخر من حدث عنهم، ورحل إليه من الأقطار، وأملى بجامع المنصور، واستملى له أبو على البرداني، وكان يحضر مجلسه جميع المحدثين والفقهاء، وحضر إملاءه قاضى القضاة أبو عبد الله الدامغاني، وحج سنة تسع وثمانين فأملى بمكة والمدينة، وبيته معروف في 19/ أالرئاسة/ ولى نقابة العباسيين بالبصرة، ثم انتقل إلى بغداد، وترسل من الديوان العزيز إلى الملوك، وساد الناس رتبة ورأيا، ومتع بجوارحه، وقد حدث عنه جماعة من مشايخنا [7] [وقد] [8] تورع قوم عن الرواية عنه لتصرفه وصحبته للسلاطين، ولما احتضر بكى أهله فقال: صيحوا وا مختلساه إنما يبكى على من سنه دان، فأما من عمره مترام فما فائدة البكاء عليه.
وتوفي في سلخ شوال هذه السنة، وقد جاوز التسعين، ودفن في داره بباب البصرة، ثم نقل في ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين إلى مقابر الشهداء فدفن بها.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 396، والنجوم الزاهرة 5/ 162، والأعلام 3/ 225، وتذكرة الحفاظ 1228، والكامل 9/ 17) .
[2] في ص: «عبد الله بن العباس» .
[3] في الأصل: «منصور الرمادي» .
[4] في الأصل: «ولد سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة» .
[5] «الحديث» : ساقطة من ص.
[6] في الأصل: «الحسن بن عمر بن برهان» .
[7] في الأصل: «وأشياخنا» .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/44)
3676- عبد الله بن سمعون [1] بن يحيى بن أحمد، أبو محمد السلمى، القيسي [2] القيرواني.
سمع من ابن غيلان، والجوهري، وخلقا كثيرا في البلدان، وقرأ ونقل، وكانت له معرفة بالنقل، روى عنه أشياخنا.
وتوفي في رمضان هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3677- عبد الواحد بن علوان بن عقيل بن قيس، أبو الفتح [3] الشيباني.
حدثنا عنه أبو محمد المقرئ. وتوفي في رجب هذه السنة.
3678- مُحَمَّد بن أحمد بن محمد [4] ، أبو عبد الله الميبذي
[5] :
وميبذة بلدة [6] من كورة اصطخر قريبة من يزدورد [7] ، قدم بغداد، وسمع الكثير من ابن المسلمة، وابن النقور، وغيرهما، وكان له معرفة باللغة والأدب.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن بمقبرة المارستان في غربي بغداد.
3679- محمد بن الحسين بن محمد، أبو سعد الحرمي
[8] .
من أهل مكة، نزل هراة ورحل إلى البلاد في طلب العلم، وسمع الكثير، وكان من الزهاد الورعين، لا يخالط أحدا، وكانوا يعدونه من الأبدال [9] .
توفي في رمضان هذه السنة.
__________
[1] في (ص) : «عبد الله بن سمعون» .
[2] نسبته هذه إلى القيروان كلمة فارسية. (الأنساب للسمعاني 10/ 286) .
[3] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1228) .
[4] في الأصل: «محمد بن محمد بن أحمد» .
[5] في الأصل: «أبو عبد الله المندي» .
[6] في الأصل: «ومندة بلدة» .
[7] في الأنساب يزدجرد.
[8] في ت، والشذرات: «أبو سعد الجرمي» . وفي المطبوعة: «أبو سعد المخرمي» . وما أوردنا، عن الأصل وتذكرة الحفاظ.
وانظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1228، وفيه: «محمد بن الحسن» ، وشذرات الذهب 3/ 397) .
[9] في ص: «وكانوا يعدونه من البدلاء» .(17/45)
3680- محمد بن محمد بن أحمد بن حمزة، أبو الوضاح [1] العلوي.
تفقه على أبيه، وبرع في الفقه ودرس. وتوفي في شوال هذه السنة وهو ابن أربع وخمسين سنة.
19/ ب
3681- المظفر، أبو الفتح ابن رئيس الرؤساء/ أبى القاسم ابن [2] المسلمة.
كانت داره مجمعا لأهل العلم والدين والأدب، ومن جملة من أقام بها إلى أن توفي أبو إسحاق الشيرازي.
توفي المظفر خامس ذي القعده من هذه السنة، ودفن عند أبي إسحاق الشيرازي.
3682- هبة الله بن عبد الرزاق، بن محمد بن عبد الله بن الليث، أبو الحسن الأنصاري [3] الأشهلي:
ولد سنة اثنتين وأربعمائة، وسمع أبا الفتح هلال بن محمد الحفار، وأبا الفضل عبد الواحد التميمي، وهو آخر من حدث عنه. روى عنه أشياخنا، وكان من ذوي الهيئات وأرباب الديانات، وأحد قراء الموكب، عمر حتى حمل عنه، وكان صحيح السماع.
توفي في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن في مقبرة الشونيزي.
__________
[1] في ت: «ابن الوضاح العلويّ» .
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 17) .
[3] الأشهلي نسبة إلى بني عبد الأشهل من الأنصار.
وانظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1229، وشذرات الذهب 3/ 397) .(17/46)
ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[أخذ الإفرنج بيت المقدس وقتل سبعين ألف مسلم]
أخذ الإفرنج بيت المقدس في يوم الجمعة ثالث عشر شعبان، وقتلوا فيه زائدا على سبعين ألف مسلم، وأخذوا من عند الصخرة نيفا وأربعين قنديلا فضة كل قنديل وزنه ثلاثة آلاف وستمائة درهم، وأخذوا تنور فضة وزنه أربعون رطلا بالشامي [1] ، وأخذوا نيفا وعشرين قنديلا من ذهب، ومن الثياب وغيره ما لا يحصى، وورد المستنفرون من بلاد الشام، وأخبروا بما جرى [2] على المسلمين، وقام القاضي أبو سعد الهروي قاضى دمشق [في الديوان] [3] ، وأورد كلاما أبكى الحاضرين، وندب من الديوان من يمضى إلى العسكر ويعرفهم حال هذه المصيبة، ثم وقع التقاعد فقال أبو المظفر الأبيوردي قصيدة في هذه الحالة فيها [4] :
وكيف تنام العين ملء جفونها ... على هنوات أيقظت كل نائم
وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم ... ظهور المذاكي أو بطون القشاعم/ 20/ أ
تسومهم الروم الهوان وأنتم ... تجرون ذيل الخفض فعل المسالم
إلى أن قال:
وتلك حروب من يغب عن غمارها ... ليسلم يقرع بعدها سنّ نادم
__________
[1] في الأصل: «وزنه أربعين رطلا بالشامي» .
[2] في الأصل: «وانصرفوا بما جرى» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «في هذه الحال منها» .(17/47)
يكاد لهن المستجن بطيبة [1] ... ينادى بأعلى الصوت يا آل هاشم
أرى أمتى لا يشرعون إلى العدى ... رماحهم والدين واهي الدعائم
ويجتنبون الثأر خوفا من الردى ... ولا يحسبون العار ضربة لازم
أترضى صناديد الأعاريب بالأذى ... وتغضى على ذل كماة الأعاجم
وليتهم أن لم يذودوا حمية ... عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم
وإن زهدوا في الأجر إذ حمي الوغى ... فهلا أتوه رغبة في المغانم
ذكر ابتداء أمر السلطان محمد بن ملك شاه [2]
كان أبو شجاع محمد بن ملك شاه هو وسنجر أخوين لأب وأم، وكان محمد ببغداد لما مات أبوه، وخرج إلى أصبهان مع أخيه محمود [لما خرجت تركان خاتون بابنها محمود] [3] حاصرها بأصبهان بركيارق، فأقام عنده فأقطعه كنجة وأعمالها، وسار محمد مع بركيارق إلى بغداد لما دخلها سنة ست وثمانين، فقتل محمد أتابكه واستولى على إقليم كنجة، ولحق به مؤيد الملك، وحسن له طلب الملك وصار وزيرا له، واجتمع إليه النظامية وغيرهم، وخطب لنفسه، وضرب الطبل، وخرج أكثر عسكر بركيارق إليه، وأنفذ رسولا إلى بغداد [فخطب له] [4] في ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين، وكانت له مع بركيارق خمس وقائع.
20/ ب وفيها: زادت الأسعار ومنع القطر، وبلغ الكر تسعين دينارا/ ببغداد وواسط، ومات الناس على الطرقات، واشتد أمر العيارين في المحال.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3683- أحمد بن عبد القادر، بن محمد بن يوسف، أبو الحسين المحدث الزاهد
[5] :
__________
[1] في ص: «يكاد لهن المستجد بطيبة» .
[2] «بن ملك شاه» : ساقطة من ص.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1230، وشذرات الذهب 3/ 397) .(17/48)
ولد سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، وسافر الكثير، ووصل إلى بلاد المغرب، وسمع الحديث الكثير من ابن بشران، وابن شاذان، وخلق كثير، وحدثنا عنه أشياخنا. وتوفي في شعبان، ودفن في مقابر الشهداء.
3684- إبراهيم بن مسعود، بن محمود بن سبكتكين
[1] :
قد ذكرنا حالة محمود بن سبكتكين في أيام القادر باللَّه، ولما مات ملك مكانه ابنه مسعود، ثم أخذ واعتقل، وآل الأمر إلى إبراهيم، فملك. فحكى أبو الحسن الطبري الفقيه الملقب بالكيا قال: أرسلني إليه السلطان بركيارق، فرأيت في مملكته ما لا يتأتى وصفه، فدخلت عليه وهو جالس في طارمة عظيمة بقدر رواق المدرسة النظامية، وباب فضة بيضاء بطول قامة الرجل [2] وفوق ذلك إلى السقف صفائح الذهب الأحمر، وعلى باب الطارمة الستور التنيسي، وللمكان شعاع يأخذ بالبصر عند طلوع الشمس عليه، وكان تحته سرير ملبس بصفائح الذهب، وحواليه التماثيل المرصعة من الجوهر واليواقيت، فسلمت عليه وتركت بين يديه هدية كانت معى، فقال: نتبرك بما يهديه العلماء. ثم أمر خادمه أن يطوف بي في داره [3] ، فدخلنا إلى خركاه عظيمة قد ألبست قوائمها من الذهب، وفيها من الجواهر واليواقيت شيء كثير، وفي وسطها سرير من العود الهندي، وتمثال طيور بحركات، إذا جلس الملك صفقت بأجنحتها، إلى غير ذلك من العجائب، فلما عدت رويت له الخبر/ عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لمناديل سعد بن معاذ في 21/ أالجنة أحسن من هذا [4] » . فبكى. قال: وبلغني أنه كان لا يبني لنفسه منزلا حتى يبنى للَّه مسجدا أو مدرسة.
توفي في رجب هذه السنة وقد جاوز السبعين، وملك فيها اثنتين وأربعين سنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 157) .
[2] «النظامية ... قامة الرجل» : ساقطة من ص.
[3] في الأصل: «أن يطروني في داره» .
[4] الحديث: أخرجه البخاري في صحيحه في الأيمان النذور، الباب 3، حديث 13، والمناقب، الباب 72، ومسلم في الصحيح في الفضائل، الباب 70، حديث 4، 5، 6.(17/49)
3685- أتز الأمير
[1] :
كان السلطان بركيارق قد ولاه فارس جميعها، ثم ولاه إمارة العراق [2] ، وانتدب لقتال الباطنية، ثم عزم على ترك بركيارق وطاعة السلطان محمد، وكان إقطاعه يزيد على عشرة آلاف ألف دينار، فجلس ليله على طبقة فهجم عليه ثلاثة نفر من الأتراك المولدين بخوارزم، وكانوا قد دخلوا في حيلة، فصدم أحدهم المشعل فرمى به، وصدم الآخر شمعة فأطفأها، وجذب الآخر سكينين فقتلة بهما فافلت اثنان وقتل الثالث، ونهب ماله، وحمل إلى داره بأصبهان فدفن بها.
3686- بركة بن أحمد [بن عبد الله] [3] ، أبو غالب الواسطي
[4] :
ولد سنة عشر وأربعمائة، وسمع أبا القاسم بن بشران، وأبا عبد الله المحاملي، حدث عنه شيخنا عبد الوهاب وأثنى عليه، وكان ثقة.
وتوفي يوم الاثنين ثالث عشر ذي الحجة ودفن بمقبرة الشونيزية.
3687- عبد الباقي بن يوسف بن علي بن صالح، أبو تراب المراغي
[5] :
ولد سنة ثلاث وأربعمائة [6] ، سمع ببغداد أبا القاسم بن بشران [7] ، وأبا علي بن شاذان، وأبا محمد السكرى، وأبا على ابن المذهب، وأبا بكر بن بشران، وأبا محمد الجوهري وأبا الطيب الطبري، وتفقه عليه، وسمع بالموصل وبأصبهان ونيسابور ونزلها، وتشاغل بالتدريس والمناظرة والفتوى، وكان يقول: أحفظ أربعة آلاف مسأله في الخلاف، وأحفظ الكلام فيها، ويمكنني أن أناظر في جميعها. وكان يحفظ من/ 21/ ب الحكايات والأشعار والملح الكثير، وكان صبورا على الكفاف معرضا عن كسب الدنيا
__________
[1] كذا في الأصل وفي باقي النسخ والمطبوعة: «أنر» .
[2] في ص: «ولاه ولاية العراق» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ت: «ابن غالب الواسطي» .
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 157، وفيه: «أبو تراب البراعي» ، تذكرة الحفاظ 1230، وتاريخ نيسابور 1197، وشذرات الذهب 3/ 398) .
[6] في ص، والبداية: «سنة احدى وأربعمائة» .
[7] العبارة من: «وأبا عبد الله المحاملي ... » أثناء ترجمة بركة بن أحمد، إلى هنا ساقطة من ت.(17/50)
على طريق السلف، بعث إليه منشور بقضاء همذان فقال: أنا في انتظار المنشور من الله تعالى على يدى ملك الموت، وقدومي الآخرة أليق من منشور القضاء بهمذان، وقعودي في هذا المسجد ساعة على فراغ القلب أحب إلى من علم الثقلين.
توفي في ذي القعدة من هذه السنة عن ثلاث وتسعين سنة.
3688- علي بن الحسين بن علي بن أيوب، أبو الحسن البزاز
[1] :
ولد سنة عشر وأربعمائة في شوال، وسمع أبا علي بن شاذان، وأبا محمد الخلال، وأبا العلاء الواسطي، حدثنا عنه أشياخنا. توفي يوم عرفه ودفن في مقبرة جامع المنصور.
__________
[1] انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ 1230، وشذرات الذهب 3/ 398) .(17/51)
ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[وصول بركيارق إلى خوزستان بحال سيئة]
أن بركيارق وصل إلى خوزستان بحال سيئة لميل الناس إلى السلطان محمد، وكان مع بركيارق ينال، وهو أمير عسكره، ثم خاف منه فرحل عنه إلى الأهواز، فصادر أهلها، وأصعد بركيارق إلى واسط، فهرب أعيان البلد، فدخل العسكر فعاثوا ونهبوا وقلعوا الأبواب، واستخرجوا الذخائر وفعلوا ما لا يفعل الروم، وحمل إلى السلطان قوم ذكر أنهم جاءوا للفتك، وأقر رئيسهم بذلك، فأمر به السلطان فبطح وضربه فقسمه [1] نصفين، ثم رحل السلطان إلى بلاد سيف الدولة صدقة، ففعلت العساكر نحوا مما فعلت بواسط، والتقى سيف الدولة بالسلطان وأصعد معه إلى بغداد، وكان سعد الدولة الكوهرائين [2] مخيما بالشفيعي مقيما على المباينة لبركيارق، والطاعة للسلطان محمد، 22/ أفلما علم بوصوله إلى زريران رحل إلى النهروان في ليلة الجمعة النصف من صفر/ وسارت معه زوجة مؤيد الملك وهي ابنة القاسم بن رضوان، فلما كان يوم الجمعة منتصف صفر قطعت خطبة محمد، وأقيمت لبركيارق.
[خروج الوزير عميد الدولة لاستقبال السلطان]
وفي يوم السبت سادس عشر صفر: خرج الوزير عميد الدولة لاستقبال السلطان بركيارق إلى جسر صرصر في الموكب، وعاد من يومه، ودخل السلطان بغداد يوم
__________
[1] في الأصل: «فضرب وبطح فقسمه» .
[2] في الأصل: «سعد الدولة الكوهراي» .(17/52)
الأحد، وجلس على السرير في دار المملكة، وسرّ العوام النساء والصبيان قدومه، ونفذ الخليفة إليه هدية تشتمل على خيل وسلاح.
[تقرر وزارة العميد أبي المحاسن]
وفي ربيع الأول: تقررت له وزارة العميد أبي المحاسن عبد الجليل بن علي بن محمد الدهستاني، ولقب بنظام الدين، وجلس للنظر في دار المملكة، وخرج إلى حلوان فانضاف إليه سعد الدولة وغيره، ودخلوا معه إلى بغداد، فخرج الموكب يتلقاه، ثم نفذت له الخلع في يوم آخر مع عميد الدولة فاحتبسه عنده، واستدعى أبا الحسن الدامغاني، وأبا القاسم الزينبي، وأبا منصور حاجب الباب، وقال لهم أبو المحاسن: ان السلطان يقول لكم: قد عرفتم ما نحن فيه من الإضاقة ومطالبة العسكر، وهذا الوزير ابن جهير قد تصرف هو وأبوه في ديار بكر والجزيرة والموصل في أيام جلال الدولة، وجبوا أموالها وأخذوا ارتفاعها، وينبغي أن يعاد كل حق إلى حقه. فخرجوا إلى الوزير فاعلموه بالحال فقال: أنا مملوك ولا يمكنني الكلام إلا بإذن مولاي. فاستأذنوا في الانصراف فأذن لهم، فعرفوا الخليفة الحال، فكتب الخليفة إلى السلطان كتابا مشحونا بالعتب والتهديد والغلظه، وقال فيه: فلا يغرك إمساكنا عن مقابلة الفلتات، فو حقّ السالف من الآباء المتقدمين بحكم رب السماء لئن قصر في أن يعاد شاكرا وبالحباء موفورا لنفعلن! فقرئ الكتاب على السلطان، / وآل الأمر إلى أن أحضر عميد الدولة بين يدي 22/ ب السلطان، ووعده عنه وزيره بالجميل، وقال: السلطان يقول لك إننا ثقلنا عليك كما يثقل الولد على والده، لضرورات دعت. فانطلق والأمراء بين يديه، وصحح مائة ألف وستين ألف دينار.
والتقى السلطان بركيارق ومحمد في يوم الأربعاء رابع رجب بمكان قريب من همذان، وكانت الغلبة لأصحاب محمد، فانهزم بركيارق في خمسين فارسا، فنزل على فرسخ من المصاف حتى استراح والتأم إليه عسكره، فلقي أخاه سنجر، فانهزم أصحاب سنجر ثلاثين فرسخا فاشتغل أصحاب بركيارق بالنهب، وأسرت أم أخوي السلطان سنجر ومحمد فأكرمها، وقال: إنما ارتبطتك ليطلق أخي من عنده من الأسارى، فأنفذ سنجر من كان عنده من الأسارى وأطلقها.
[قطع خطبة السلطان بركيارق وإعادة خطبة السلطان محمد]
وفي يوم الجمعة رابع عشر رجب: قطعت خطبة السلطان بركيارق وأعيدت خطبة السلطان محمد
.(17/53)
[زيادة أمر العيارين]
وفي شعبان: زاد أمر العيارين بالجانب الغربي حتى أخذوا عيبتين ثيابا لقاضي القضاة أبي عبد الله [1] الدامغاني فلم يردوهما إلا بعد تعب.
وتقدم الخليفة إلى الأمير يمن بتهذيب البلد، فعبر الأمير في ثالث عشرين شعبان، فأخذ جماعة منهم فقتلهم.
ومن عجيب ما اتفق: أن رجلا من العيارين أعور هرب، وأخذ على رأسه سلّة [2] فيها خزف، ولبس جبة صوف، وخرج قاصدا للدجيل ليخفي حاله، فاتفق أن خادما للخليفة خرج ليتصيد، فكان يتطير بالعور، فلقيه أعوران فتطير بهما، فرأى غلمانه هذا العيار، فصاحوا به ونادوا أستاذهم ليقولوا له هذا ثالث، فظن العيار أنهم قد عرفوه، فدخل مزرعة، فارتابوا بهربته وجدوا في طلبه، فأخذوه ومعه سيف تحت ثيابه، فبحثوا عن حاله فعرفوه فقتلوه.
[كثرة الجرف بالعراق]
23/ أوفي آخر شعبان: كثر الجرف بالعراق/ والوباء، وامتنع القطر، وزاد المرض، وعدمت الأدوية والعقاقير، ورئي نعش عليه ستة موتى، ثم حفر لهم زبية فألقوا فيها.
[حريق بخرابة ابن جردة]
وفي هذا الشهر: وقع حريق بخرابة ابن جردة، فهلك معظمها، وكانت الريح عاصفة فأطارت شرارة فأحرقت دارا برحبة الجامع، وأخرى فأحرقت ستارة دار الوزير بباب العامة.
[القبض على الوزير عميد الدولة]
وفي رمضان: قبض على الوزير عميد الدولة، وعلى إخوته زعيم الرؤساء أبي القاسم وأبي البركات بن جهير الملقب بالكافي راسله الخليفة بأبي نصر بن رئيس الرؤساء، ويمن، فلما خرج من الديوان معهما قدم عليه المركوب وقد أحسن بما يراد منه، فقال: أنا أساويكما في المشي.
[قتل شحنة أصبهان]
وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان: قتل شحنة أصبهان في دار السلطان محمد، قتله باطني، وقد كان يتحرز منهم ويلبس درعا تحت ثيابه، فأغفل تلك الليلة
__________
[1] كذا في الأصول.
[2] في ص: «على رأسه سكة» .(17/54)
لبس الدرع وخرج إلى دار السلطان، فضربه الباطني بسكين في خاصرته، وقتل معه اثنين، ومات في تلك الليلة جماعة من ولد هذا الشحنة، فأخرج من داره خمس جنائز.
[قتل أمير بالري]
وفي ذي الحجة: قتل أمير بالري، قتله باطني، فحمل الباطني إلى فخر الملك بن نظام الملك فقال له: ويحك، أما تستحي؟ هتكت حرمتي وأذهبت حشمتي، وقتلته في داري. فقال الباطني: العجب منك [انك] [1] تذكر أن لك حرمة مهتوكة، أو دارا مملوكة، أو حشمة تمنع من الدماء المسفوكة، أو ما تعلم أننا قد أنفذنا إلى ستة نفر أحدهم أخوك وفلان وفلان، فقال له: وأنا في جملتهم؟ فقال: أنت أقل من أن تذكر أو أن تدنس نفوسنا بقتلك. فعذب على أن يقر من أمره بذلك، فلم يقر فقتله.
وفي هذه السنة: خرج من/ الأفرنج ثلاثمائة ألف فهزمهم المسلمون وقتلوهم، 23/ ب فلم يسلم منهم سوى ثلاثة آلاف هربوا ليلا، وباقي الفل هربوا مجروحين.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3689- أحمد بن عبد الوهاب بن الشيرازي، أبو منصور الواعظ
[2] :
تفقه على أبي إسحاق، ورزق في الوعظ قبولا.
وتوفي في شعبان هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
3690- أحمد بن محمد بن عمر بن محمد، أبو القاسم، المعروف بابن الباغبان
[3] :
من أهل أصبهان، سمع الحديث الكثير تحت ضر شديد، وكان رجلا صالحا.
وتوفي في شعبان هذه السنة.
3691- أحمد بن أحمد بن الحسن، أبو البقاء الوكيل
[4] :
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ت: «أحمد بن عبد الوهاب ابن الشيرازي» .
[3] الباغبان: نسبة إلى حفظ الباغ، وهو البستان.
وانظر ترجمته في: الأنساب للسمعاني 2/ 44) .
[4] «الوكيل» : ساقطة من ص، ط.(17/55)
كان وكيلا بين يدي أبي عبد الله الدامغانيّ، وقد سمع من ابن النقور، والصريفيني وأبي بكر الخطيب، وكان يضرب به المثل في الدهاء والحذق في صناعته.
وتوفي قبل أوان الرواية في هذه السنة.
3692- الحسين بن أحمد [1] بن محمد بن طلحة، أبو عبد الله النعالي
[2] :
سمع أبا سعيد الماليني [3] ، وأبا الحسين بن بشران في آخرين، وعاش تسعين سنة، فاحتاج الناس إلى إسناده مع خلوة من العلم، حدثنا عنه أشياخنا. وتوفي في صفر هذه السنة، ودفن بمقبرة جامع المنصور.
3693- سلمان بن أبي طالب، عبد الله بن محمد الفتى، أبو عبد الله الحلواني، والد الحسن بن سلمان [4] الفقيه الذي درس في النظامية ببغداد
[5] :
سمع أبا الطيب الطبري، وأبا طالب بن غيلان، وأبا محمد الجوهري، وغيرهم، وحدث وكان له معرفة تامة باللغة والأدب، قرأ على الثمانيني، وغيره، وقال الشعر، ونزل أصبهان فقرأ عليه أكثر أئمتها وفضلائها الأدب، وكان جميل الطريقة.
وتوفي في هذه السنة بأصبهان.
3694- سعد الدولة الكوهرائين
[6] :
24/ أوكان من الخدم الأتراك الذين ملكهم/ أبو كاليجار بن سلطان الدولة من بهاء الدولة بن عضد الدولة، وانتقل إليه من امرأة، وكان الكوهرائين بعد إقبال الدنيا عليه ومسير الجيوش تحت ركابه يقصد مولاته، ويسلم عليها، ويستعرض حوائجها، وبعث به أبو كاليجار مع ابنه أبي نصر إلى بغداد فاعتقل طغرلبك أبا نصر، ولم يبرح معه
__________
[1] في ت: «أحمد بن أحمد» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 399) .
[3] في ت: «أبا سعد الماليني» .
[4] في ت: «سليمان» .
[5] انظر ترجمته في: «شذرات الذهب 3/ 399، وفيه: «سليمان بن عبد الله بن الفتى، أبو عبد الله النهرواني» .
[6] في الأصل: الكوهراي» . وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 26) .(17/56)
الكوهرائين، ومضى معه إلى القلعة، فلما توفي خدم الكوهرائين [ألب أ] [1] رسلان ووقاه بنفسه لما جرحه يوسف، فلم يغن عنه، فلما ملك جلال الدولة ملك شاه جاء إلى بغداد في رسالة، وجلس له القائم بأمر الله في صفر سنة ست وستين، وأعطاه عهد جلال الدولة، وأقطعه ملك شاة واسط، وكان قد جعل إليه الشحنكية ببغداد، ثم قبل ذلك نال دنيا واسعة، فرأى ما لم يره خادم يقاربه من نفوذ الأمر، وكمال القدرة والجاه وطاعة العسكر، ولم ينقل أنه مرض ولا صدع، ونال مراده في كل عدو له، وذكر أنه لم يجلس إلا على وضوء، وكان يصلي بالليل ولا يستعين على وضوئه بأحد، ولا يعلم أنه صادر أحدا ولا ظلمه، إلا أنه كان يعمل رأيه في قتل من لا يجوز قتله من اللصوص ويمثل بهم، ويزعم أن ذلك سياسة، ولما اختصم محمد وبركيارق كان مع بركيارق فكبا به الفرس فسقط وعليه سلاحه فقتل، ثم حمل إلى بغداد فدفن بها في الجانب الشرقي، وتربته مقابل رباط أبي النجيب.
3695- عبد الرزاق الصوفي الغزنوي
[2] :
كان مقيما في رباط عتاب، وكان خيرا يحج سنين على التجريد، واحتضر وقد قارب مائة سنة ولا كفن له، فقالت له زوجته وهو يجود بنفسه: إنك تفتضح إذا لم يوجد لك كفن. فقال لها: لو وجد كفن لافتضحت.
ومات/ في هذه السنة.
3696- أبو الحسن البسطامي شيخ رباط ابن [3] المحلبان:
وكان لا يلبس إلا الصوف شتاء وصيفا، وكان يحترم ويقصد، فخلف مالا مدفونا يزيد على أربعة آلاف دينار، وكان عبد الرزاق على ما ذكرنا فتعجب الناس من تفاوت حاليهما وكلاهما شيخ رباط.
3697- عبد الباقي بن حمزة بن الحسين، أبو الفضل الحداد [4] القرشي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] نسبته هذه إلى غزنة أو غزنين، وهي قصبة زابلستان الواقعة في طرف خراسان، بينها وبين الهند، وهي اليوم احدى مدن أفغانستان.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 158، والكامل 9/ 30) .
[3] البسطامي: نسبة إلى بسطام، وهي بلدة بقومس مشهورة.
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 399) .(17/57)
سمع من الجوهري وغيره، وكان له يد في الفرائض والحساب، وكان شيخنا أبو الفضل ابن ناصر يثني عليه ويوثقه، وتوفي في شعبان هذه السنة.
3698- عبد الصمد بن علي بن الحسين ابن البدن، أبو القاسم
[1] :
من أهل نهر القلائين، والد شيخنا عبد الخالق. قال شيخنا عبد الوهاب الأنماطي: كان شيخ المحملة يضرب ويعاقب، ولكنه كان سنيا.
توفي يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادي الأولى، ودفن في داره بنهر القلائين.
3699- عبد الملك بن محمد بن الحسن، أبو سعد السامري
[2] .
سمع الحديث من ابن النقور، وابن المهتدي، والزينبي، وغيرهم، وحدث ببغداد، وشهد عند أبي عبد الله الدامغاني في سنة خمس وستين، وكان حجاجا وإليه كسوة الكعبة، وعمارة الحرمين، والنظر في المارستانين العضدي، والعتيق، والجوامع بمدينة السلام، والجسر، والترب بالرصافة، وكان كثير الصدقة، ظاهر المعروف، وافر التجمل، مستحسن الصورة، كامل الظرف، روي عنه أشياخنا، وآخر من روى عنه شهدة بنت الإبري.
وتوفي في رجب هذه السنة، ودفن بمقبرة الخيزران عند قبر أبي حنيفة.
3700- عبد القاهر بن عبد السلام بن على أبو الفضل [3] العباسي.
25/ أمن أهل مكة، وكان نقيب الهاشميين/ بها، وكان من خيارهم ومن ذوي الهيئات النبلاء، سمع الحديث بمكة، واستوطن بغداد، وأقرأ بها [4] ، وكان قيما بالقراءات، فقرأ عليه من مشايخنا أبو محمد [5] ، وأبو الكرم ابن الشهرزوري [6] .
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
__________
[1] في ت: «ابن الحسن بن البدن» .
[2] السامري نسبة إلى بلدة على الدجلة فوق بغداد بثلاثين فرسخا يقال لها: سرّ من رأى. (الأنساب 7/ 14) .
[3] انظر ترجمته في: شذرات الذهب 3/ 400) .
[4] في الأصل: «واستوطن بغداد وأقرانها.
[5] في ص: «فقرأ عليه من أشياخنا» .
[6] في الأصل: «أبو الكرم ابن السهرودي» .(17/58)
3701- محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبدوس بن كامل، أبو الحسين الدلال ويعرف بالزعفراني
[1] :
سمع أبا بكر النقاش، والشافعي، روى عنه أبو القاسم التنوخي، وكان ثقة، وأخذ الفقه عن أبي بكر الرازي.
3702- محمد بن علي بن السحين بن جداء، أبو بكر العكبريّ:
[2] كان من العلماء الصالحين، نزل يتوضأ في دجلة فغرق في ربيع الأول من هذه السنة.
3703- مُحَمَّد بن جعفر بن طريف البجلي الكوفي، أبو غالب
[3] .
سمع أبا الحسين ابن قدوية غيره، وسماعه صحيح، وهو ثقة، روى عنه شيوخنا، وتوفي يوم الثلاثاء العشرين من جمادي الآخرة.
3704- محمد بن محمد بن محمد بن جهير الوزير، أبو منصور بن أبي نصر الوزير بن الوزير، الملقب عميد الدولة
[4] .
كان حسن التدبير، كافيا في مهمات الخطوب، كثير الحلم، لم يعرف أنه عجل على أحد بمكروه، وقرأ الأحاديث على المشايخ، وكان كثير الصدقات، يجيز العلماء، ويثابر على صلاتهم، ولما احتضر القائم أوصى المقتدي بابن جهير، وخصه بالذكر
__________
[1] نسبته هذه لقرية بين همذان وأستراباذ. يقال لها الزعفرانية.
وانظر ترجمته في: (الأنساب 6/ 282، وأرخ وفاته في سنة ثلاث أو أربع وتسعين وثلاثمائة. وتاريخ بغداد 1/ 98، ووفاته أيضا فيه سنة 394) .
[2] نسبته هذه إلى بلدة على الدجلة فوق بغداد بعشرة فراسخ من الجانب الشرقي.
[3] البجلي: نسبة إلى قبيلة بجيلة.
[4] في الأصل: «محمد بن محمد بن جهير الوزير أبو نصر ابن أبي منصور الوزير بن الوزير الملقب عميد الدولة» .
وفي ت: «محمد بن الوزير أبي نصر محمد بن جهير أبو منصور» . وما أوردناه من الشذرات والوافي.
وانظر ترجمته في: (الوافي بالوفيات 1/ 272، وشذرات الذهب 3/ 440، والبداية والنهاية 12/ 159) .(17/59)
الجميل، فقال: يا بني، قد استوزرت ابن المسلمة، وابن دارست، وغيرهما، فما رأيت مثل ابن جهير. وكان عميد الدولة قد خدم ثلاثة خلفاء، ووزر لاثنين منهم، تقلد وزارة المقتدي في صفر سنة اثنتين وسبعين فبقي فيها خمس سنين، ثم عزل بالوزير أبي 25/ ب شجاع، ثم عاد بعد عزل أبي شجاع/ في سنة أربع وثمانين، فلم يزل إلى أن مات المقتدي، ثم دبر المستظهر التدبير الحسن ثماني سنين وأحد عشر شهرا وأربعة أيام، وكان عيبه عند الناس الكبر، وكانت كلمه معدودة، فإذا كلم شخصا قام ذلك مقام بلوغ الأمل [1] ، حتى أنه قال يوما لولد أبي نصر بن الصباغ: اشتغل وأدأب، وإلا كنت صباغا بغير أب: فلما نهض المقول له ذلك من مجلسه هنأه الناس بهذه العناية، ثم آل أمره إلى أن قبض عليه وحبس في باطن دار الخلافة، فأخرج من محبسه ميتا [2] في شوال، فحمل إلى داره فغسل بها، ودفن في التربة التي استجدها في قراح ابن رزين، وكان فيها قبور جماعة من ولده، ومنع أصحاب الديوان دفنه، وأخذوا الفتاوي بجواز بيع تربته لأنه لم يثبت البينه بأنه وقفها ولم يتم لهم ذلك.
3705- محمد بن صدقة بن مزيد، أبو المكارم، الملقب بعز الدولة، وأبوه سيف [3] الدولة:
كان ذكيا شجاعا، فتوفي وجلس الوزير عميد الدولة في داره للعزاء به ثلاثة أيام، للصهر الذي كان بينهما، وخرج إليه في اليوم الثالث توقيع يتضمن التعزية له والأمر بالعود إلى الديوان، فعزاه قائما، وخرج قاضي القضاة أبو الحسن الدامغاني إلى حلة سيف الدولة برسالة من دار الخلافة تتضمن التعزية لأبيه، واتفق في مرضه أنه أتى أبوه [4] بديوان أبي نصر بن نباتة، فبصر في توقيع قصيدة، قال يعزي سيف الدولة [5] أبا الحسن علي بن حمدان ويرثى ابنه أبا المكارم محمدا، فأخذ من حضره المجلدة من
__________
[1] في الأصل: «فإذا كلم شخصا كان ذلك عنده مقام بلوغ الأمل» .
[2] في الأصل: «فأخرج من مجلسه ميتا» .
[3] في الأصل: «وأبوه بسيف الدولة»
[4] في الأصل: «في مرضه أنهم أقوه» .
[5] في ص: «في توقيع سيده، قال: تعزية سيف الدولة» .(17/60)
يده وأطبقه، فعاد وأخذه/ وفتحه وخرج ذلك وأراه قصيدة ابن نباتة التي يقول فيها: 26/ أ
فإن بميّافارقين حفيرة ... تركنا عليها ناظر الجود داميا
وحاشاك سيف الدولة اليوم أن ترى ... من الصبر خلوا أو إلى الحزن ظاميا
ولما عدمنا الصبر بعد محمد ... أتينا أباه نستعيد التعازيا
[1]
3706- يحيى بن عيسى [2] بن جزلة، أبو علي [3] الطبيب:
كان نصرانيا فلازم أبا علي بن الوليد ليقرأ عليه المنطق، فلم يزل أبو علي بن الوليد [4] يدعوه إلى الإسلام، ويذكر له الدلالات الواضحة، والبراهين البينة حتى أسلم، واستخدمه أبو عبد الله الدامغاني في كتب السجلات، وكان يطيب أهل محلته وسائر معارفه بغير أجرة، بل احتسابا، وربما حمل إليهم الأدوية بغير عوض، ووقف كتبه قبل وفاته، وجعلها في مسجد أبي حنيفة.
__________
[1] في ص: «أباه نستفيد التعازيا» .
[2] في ت: «يحيى بن جذلة» . بإسقاط «عيسى» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 159، والكامل 9/ 30) .
[4] «أبا علي بن الوليد» ساقطة من ص.(17/61)
ثم دخلت سنة اربع وتسعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[ولاية أبي الفرج ابن السيبي قضاء باب الأزج]
أنه في المحرم ولي أبو الفرج ابن السيبي قضاء باب الأزج، حين مرض حاكمها أبو المعالي عزيزي، ولما توفي عزيزي وقع إلى أبي الفرج ابن السيبي أن ينوب عنه أبو سعيد المخرمي [1] ، وتقررت وزارة الخليفة [2] لأبي المحاسن عبد الجليل بن محمد 26/ ب الدهستاني، وهو الذي استوزره بركيارق، ولقبه نظام الدين/، وجددت عمارة ديوان الخليفة ونظريته، وعين على حضوره فيه، وإفاضة الخلع عليه يوم السبت سادس صفر، فوصلت من بركيارق كتب تستدعيه، فسارع إلى ذلك، وبطل ما عزم عليه، وشهد في جمادي الآخرة عند أبي الحسن الدامغاني أبو العباس أحمد بن سلامة الكرخي المعروف بابن الرطبي، وأبو الفتح محمد بن عبد الجليل الساوي، وأبو بكر محمد بن عبد الباقي شيخنا.
[قتل السلطان بركيارق خلقا من الباطنية]
وفي هذه السنة: قتل السلطان بركيارق خلقا من الباطنية ممن تحقق مذهبه، ومن اتهم به، فبلغت عدتهم ثمانمائة ونيفا [3] ، ووقع التتبع لأموال من قتل منهم، فوجد لأحدهم سبعون بيتا من الزوالي المحفور، وكتب بذلك كتاب إلى الخليفة، فتقدم
__________
[1] في ص: «أبو سعد المخرمي» .
[2] في ص: «وتفردت وزارة الخليفة» .
[3] في ص: «فبلغت عدتهم ثلاثمائة ونيف» .(17/62)
بالقبض على قوم يظن فيهم ذلك المذهب، ولم يتجاسر أحد أن يشفع في أحد لئلا يظن ميله إلى ذلك المذهب، وزاد تتبع العوام لكل من أرادوا، وصار كل من في نفسه شيء من إنسان يرميه بهذا المذهب، فيقصد [وينهب] [1] حتى حسم هذا الأمر فانحسم، وأول ما عرف من أحوال الباطنية في أيام [ملك شاه] [2] جلال الدولة، فإنّهم اجتمعوا فصلوا صلاة العيد في ساوة، ففطن بهم الشحنة، فأخذهم وحبسهم، ثم أطلقهم، ثم اغتالوا مؤذنا من أهل ساوة، فاجتهدوا أن يدخل معهم فلم يفعل، فخافوا أن ينم عليهم فاغتالوه فقتلوه، فبلغ الخبر إلى نظام الملك، وتقدم بأخذ من يتهم بقتله فقتل المتهم، وكان نجارا، فكانت أول فتكة لهم قتل نظام الملك/ وكانوا يقولون: قتلتم منا نجارا، 27/ أوقتلنا به نظام الملك، فاستفحل أمرهم بأصبهان لما مات ملك شاه، فآل الأمر إلى أنهم كانوا يسرقون الإنسان فيقتلونه ويلقونه في البئر، فكان الإنسان إذا دنا وقت العصر ولم يعد إلى منزله يئسوا منه، وفتش الناس المواضع، فوجدوا امرأة في دار الأزج فوق حصير، فأزالوها فوجدوا تحت الحصير أربعين قتيلا، فقتلوا المرأة، وأخربوا الدار والمحلة، وكان يجلس رجل ضرير على باب الزقاق الّذي فيه الدار، فإذا مرّ به إنسان سأله أن يقوده خطوات إلى الزقاق، فإذا حصل هناك جذبه من في الدار، [واستولوا عليه] [3] ، فجد المسلمون [4] في طلبهم بأصبهان، وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وأول قلعة تملكتها الباطنية قلعة في ناحية يقال لها: الروذناذ من نواحي الديلم، وكانت هذه القلعة لقماج صاحب ملك شاه، وكان مستحفظها متهما بمذهب القوم، فأخذ ألفا ومائتي دينار وسلم إليهم القلعة في سنة ثلاث وثمانين في أيام ملك شاة، فكان متقدمها الحسن بن الصباح- وأصله من مرو- وكان كاتبا للأمير عبد الرزاق بن بهرام، إذ كان صبيا، ثم سار إلى مصر [5] ، وتلقى من دعاتهم المذهب، وعاد داعية للقوم، ورأسا فيهم، وحصلت له هذه القلعة، وكانت سيرته في دعائه أنه لا يدعو إلا غبيا، لا يفرق بين شماله ويمينه،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «فضح المسلمون» .
[5] في ص: «ثم صار إلى مصر» .(17/63)
ومن لا يعرف أمور الدنيا، ويطعمه الجوز والعسل والشونيز، حتى يتسبط دماغه، ثم يذكر له حينئذ ما تم على [أهل] [1] بيت المصطفي من الظلم والعدوان، حتى يستقر/ 27/ ب ذلك في نفسه، ثم يقول له: إذا كانت الأزارقة والخوارج سمحوا بنفوسهم في القتال مع بني أمية، فما سبب تخلفك بنفسك في نصرة أمامك؟ فيتركه بهذه المقالة طعمة للسباع. وكان ملك شاة قد أنفذ إلى هذا ابن الصباح يدعوه إلى الطاعة، ويتهدده إن خالف، ويأمره بالكف عن بث أصحابه لقتل العلماء والأمراء [2] ، فقال في جواب الرسالة والرسول حاضر: الجواب ما ترى، ثم قال لجماعة وقوف بين يديه: أريد أن أنفذكم إلى مولاكم في قضاء حاجة، فمن ينهض لها؟ فاشرأب كل واحد منهم لذلك، وظن رسول السلطان أنها رسالة يحملها إياهم، فأومأ إلى شاب منهم، فقال له: أقتل نفسك. فجذب سكينه وضرب بها غلصمته [فخر ميتا] [3] ، وقال لآخر: ارم نفسك من القلعة. فألقى نفسه فتمزق، ثم التفت إلى رسول السلطان فقال: أخبره أن عندي [من هؤلاء] [4] عشرين ألفا هذا حد طاعتهم لي، وهذا هو الجواب. فعاد الرسول إلى السلطان ملك شاه، فأخبره بما رأى، فعجب من ذلك وترك كلامهم، وصار بأيديهم قلاع كثيرة، فمنها قلعة على خمسة فراسخ من أصبهان، كان حافظها تركيا، فصادقه نجار باطني، وأهدى له جارية وفرسا ومركبا، فوثق به، واستنابه في حفظ المفاتيح، فاستدعى النجار ثلاثين رجلا من أصحاب ابن عطاش، وعمل دعوة، ودعا التركي 28/ أوأصحابه، وسقاهم الخمر، فلما سكروا دفع الثلاثين بالحبال إليه، وسلم/ إليهم القلعة، فقتلوا جماعة من أصحاب التركي، وسلم التركي وحده فهرب، وصارت القلعة بحكم ابن عطاش، وتمكنوا وقطعوا الطرقات ما بين فارس وخوزستان، فوافق الأمير جاولي سقاوو [5] جماعة من أصحابه حتى أظهروا الشغب عليه، وانصرفوا عنه، وأتوا إلى الباطنية وأشاعوا الموافقة لهم، ثم أظهر أن الأمراء بني برسق يقصدونه [6] ، وأنه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «لقتل الأمراء والعلماء» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ص: «الأمير جاولي شقاوة» .
[6] في الأصل: «أن الأمراء بني بريق» .(17/64)
على ترك البلاد عليهم، والانصراف عنهم، فحادت طائفة [1] من أصحابه عنه، فلما سار بلغ الباطنية حده، فحسن له أصحابه المنحازون إليهم أتباعه، والاستيلاء على أمواله، فساروا إليه بثلاثمائة من صناديدهم، فلما توسطوا الشعب عاد عليهم ومن معه من أصحابه [2] ، فقتلوهم، فلم يفلت إلا ثلاثة نفر تسلقوا في الجبال، فغنم خيلهم وأموالهم، وتهذبت الطرق بهلاكهم، وتبعهم بعض الأمراء، وقتل خلقا منهم ابن كوخ الصوفي، وكان قد أقام ببغداد بدرب زاخي في الرباط مدة، وكان يحج في كل سنة بثلاثمائة من الصوفية، وينفق عليهم الألوف من الدنانير، وقتل جماعة من القضاة اتهموا بهذا المذهب، وكان قد حصل بعسكر بركيارق جماعة، واستغووا خلقا من الأتراك، فوافقوهم في المذهب، فاستشعر أصحاب السلطان ولازموا لبس السلاح، ثم تتبعوا من يتهم، فقتلوا أكثر من مائة، وثم بلد يعرف بالصمير- هو سواد يقارب المشان- يعتقد أهله في ابن الشيباش [2] وأهل بيته، وكان له نارنجيات انكشفت لبعض أتابعه، ففارقه وبين للناس أمره، فكان مما أخبر به عنه أنه قال: أحضرنا يوما جديا مشويا ونحن جماعة من أصحابه، فلما أكلناه أمر برد عظامه إلى التنور فردت، وترك على التنور طبقا ثم رفعه بعد ساعة، فوجدنا جديا حيا يرعى حشيشا، ولم نر للنار أثرا، ولا للرماد خبرا، فتلطفت حتى عرفت هذه النارنجية، وذاك أنى وجدت ذلك التنور يفضى إلى سرداب، وبينهما طبق حديد يدور بلولب، فإذا أراد إزالة النار عنه فركه، فينزل إليه. ويترك مكانه طبقا آخر مثله. وستأتي أخبار ابن الشيباش فيما بعد [3] إن شاء الله تعالى.
[قصد بركيارق خوزستان]
وفي هذه السنة: قصد بركيارق خوزستان، وانضم إليه أولاد برسق، وكان أمير آخر قد مات، وانضم إليه عسكره مع أياز [4] ، فتوجه أياز من همذان بعسكره، واتصل ببركيارق، وسار طالبا لأخيه محمد، فالتقيا وعلى ميمنة بركيارق أياز، وعلى الميسرة أولاد برسق، فانهزمت طلائع محمد، ورجعت إلى القلب فأنهزم السلطان مُحَمَّد ورجع
__________
[1] في الأصل: «ومن معهم من أصحابه» .
[2] في ص: «ابن الشبشاش» .
[3] في ص: «ابن الشبشاش فيما بعد» .
[4] في ص: «وصار عسكره مع أياز» .(17/65)
مؤيد الملك، وهرب، فادركه [1] غلمان بركيارق فأسروه فقتل، وخرج الزعيم ابن جهير متنكرا فقصد حلة سيف الدولة.
[فتح الخليفة جامع القصر]
وفي رمضان هذه السنة: تقدم الخليفة بفتح جامع القصر وان يصلى فيه [صلاة] [2] التراويح، ولم تكن العادة جارية بذلك، ورتب [فيه] [3] للإمامة أبو الفضل محمد بن أبي جعفر عبد الله بن أحمد بن المهتدى، وأمر بالجهر بالبسملة والقنوت على مذهب الشافعيّ، وبيّض الجامع، وعمّر وكسى، وحملت إليه الأضواء، وأمر المحتسب أن ينهى النساء عن الخروج ليلا للتفرج.
[أرسل السلطان محمد إلى أخيه سنجر يلتمس مالا]
29/ أوفي هذه السنة: أرسل السلطان محمد إلى أخيه سنجر/ يلتمس منه مالا وكسوة، فوقع التقسيط بذلك على أهل نيسابور الكبار والصغار والضعفاء [4] ، حتى جبيت الحمامات والخانات، وترددت الرسل بينهما، فوقع الصلح، وسارا وقد بلغهما تفرق العساكر عن بركيارق، فلما وصلا إلى دامغان [أخربوها فعفت] [5] ، وأخربوا ما أتوا عليه من البلاد، وعم الغلاء تلك الأصقاع حتى شوهد رجل يأكل كلبا مشويا في الجامع، وإنسان يطاف به في الأسواق وفي عنقه [يد] [6] صبي قد ذبحه وأكله.
[مضى بركيارق إلى بغداد]
ومضى بركيارق إلى بغداد ومعه الأمير إياز، فوصل إلى بغداد في خمسة آلاف فارس، وخرج الموكب لتلقيه، ثم دخل بعده ولده ملك شاه بن بركيارق، فاستقبله أهل المناصب من النهروان، وحمل إليه من دار الخلافة تعويذ من ذهب، فيه مصحف جامع، فعلق عليه، وكان عمره سنة وشهورا.
[خطب الشريف أبو تمام ابن المهتدى بجامع القصر]
وفي عيد الفطر: خطب الشريف أبو تمام ابن المهتدى بجامع القصر، فأراد أن يدعو لبركيارق فدعا للسلطان محمد غلطا لا عن قصد، فأتى أصحاب بركيارق إلى
__________
[1] في ص: «فانهزمت طلائع محمد وهرب مؤيد الملك فأدركه غلمانه» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص: «أهل نيسابور الكبار والضعفاء» بإسقاط «الصغار» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/66)
الديوان وقالوا: قد ولف [1] علينا. فعزل ثم أعيد بعد جمعتين.
وفي يوم الأضحى: بعث الخليفة للسلطان منبرًا فنصب في دار المملكة، وصلى هناك الشريف أبو الكرم، وأنفذ إليه جملا للأضحية، وحربة للنحر، وكان السلطان محمومًا، فلم يمكنه النحر بيده، ولما وصل السلطان بركيارق لم يرد سيف الدوله إلى خدمته، وكان متجنيا فراسله السلطان بركيارق، فأبى وقال: لا أصحب السلطان، مع كون الوزير الأعز معه، فإن سلمه إليّ فأنا المخلص، وقال الوزير: قد نفذ إلى سيف الدولة قبل ذلك أنه قد اجتمع عليك للخزانة السلطانية ألف ألف دينار، فإن أديتها وإلا فبلدك مقصود، فلما قرأ الكتاب طرد الرسول/ وكان الرسول العميد، وكانت كيفيّة 29/ ب طرده: أنه نزل في خيمة فأمر سيف الدولة بأن يقطعوا أطنابها، فوقعت الخيمة عليه، فخرج وركب في الحال، وكتب إلى سيف الدولة من الطريق:
لا ضربت لي بالعراق خيمة ... ولا علت أناملي على قلم
إن لم أقدها من بلاد فارس ... شعث النواصي فوقها سود اللمم
حتى ترى لي في الفرات وقعة ... يشرب منها الماء [2] ممزوجا بدم
وقطع سيف الدولة خطبة السلطان، وخطب لمحمد فراسل السلطان بركيارق الخليفة بأن المطالب قد امتنعت، ولا بد من إعانتنا بشيء ونصرفه إلى العسكر، فتقرر الأمر على خمسة آلاف دينار، وصححت إلى عشر ذي الحجة.
واتفق أن رئيس جبلة هرب من الإفرنج، ونزل الأنبار، فسمع الأعز بذلك، فقصده وأخذ منه ألف قطعة ومائتي قطعة من المصاغ وثلاثين ألف دينار غير الثياب والآلات.
ووصل السلطان محمد وأخوه سنجر إلى النهروان، وكان بركيارق مريضا فعبروه إلى الجانب الغربي، ودخل محمد وسنجر بغداد في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة، وقطعت خطبة بركيارق وخطب لمحمد في الديوان، ونصبت مطردان، وقام
__________
[1] في ص: «الديوان انه قد تدولف» .
[2] في الأصل: «يشرب فيها الماء» .(17/67)
الخطيب فخطب له، ونزل محمد بدار المملكة، وسنجر بدار سعد الدولة، ووصل بركيارق إلى واسط، ونهب عسكره، فقصد إليه القاضي أبو علي الفارقي فوعظه، وسأله منع العسكر من النهب، ثم سار نحو الجبل.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3707- أحمد بن محمد بن عبد الواحد بن الصباغ، أبو منصور
[1] :
30/ أسمع الحديث/ من الجوهري، وأبى الطيب الطبري، وتفقه عليه وعلى ابن عمه أبى نصر بن الصباغ، وشهد عند قاضى القضاة أبى عبد الله الدامغانيّ سنة ست وستين، وكان ينوب في القضاء بربع الكرخ عن القاضي أبى محمد الدامغاني، وولى الحسبة بالجانب الغربي، وكان فاضلا في الفقه، وكان يصوم الدهر، ويكثر الصلاة.
وتوفي في محرم هذه السنة.
3708- أسعد بن مسعود بن على بن محمد بن إبراهيم العتبى، من ولد عتبة بن غزوان
[2] :
من أهل نيسابور، ولد سنة أربع وأربعمائة، وسمع من أبى بكر الحيرى، وأبى سعيد الصيرفي، وعبد الغافر الفارسي، وغيرهم، وكان في شبابه يتصرف في الأعمال، ثم ترك العمل وتاب، وتزهد ولزم البيت، وأملى الحديث مدة.
وتوفي في هذه السنة بنيسابور.
3709- سعد بن على بن الحسن بن القاسم، أبو منصور العجليّ
[3] :
من أهل أسداباذ، انتقل إلى همذان، وكان مفتيها. سمع ببغداد من أبي الطيب الطبري، وأبي طالب العشاري، وأبي إسحاق البرمكي، والقزويني، والجوهري، وسمع بمكة، والمدينة، والكوفة، وغيرهما [4] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 160، وفيه: «الصباح» بدلا من «الصباغ» ، والكامل 9/ 44) .
[2] العتبي: نسبة إلى عتبة بن أبي سفيان، وهم جماعة من أولاده.
[3] العجليّ: «نسبة إلى بني عجل» .
[4] في ص: «وغيرها» .(17/68)
3710- عبد الله بن الحسن بن أبي منصور، أبو محمد الطبسي:
[1] جال الأقطار، وسمع من الشيوخ الكثير، وخرج لهم التخاريج [2] ، وكان أحد الحفاظ، ثقة صدوقا عارفا بالحديث ورعا، حسن الخلق.
وتوفي في هذه السنة بمروالروذ.
3711- عبد الرحمن بن أحمد بن محمد النويري، المعروف بالزاز السرخسي
[3] :
نزيل مرو، ولد في سنة إحدى أو اثنتين [4] وثلاثين وأربعمائة، وسمع الحديث من خلق كثير، وأملى ورحل إليه الأئمة والعلماء، وكان حافظا لمذهب الشافعي، وكان متدينا ورعا محتاطا في مطعمه، ورأى رجل في المنام رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم/ فقال له: قل له 30/ ب أبشر، فقد قرب وصولك إلي وأنا أنتظر قدومك، رأى ذاك ثلاث ليال [5] ، ثم جاءه فبشره، فعاش بعد ذلك سنتين، وتوفي في هذه السنة.
3712- عزيزي بن عبد الملك بن منصور، أبو المعالى الجيلي القاضي، يلقب: شيذله
[6] :
ولى القضاء بباب الأزج، وسمع الحديث من جماعة، وكان شافعيا لكنه كان يتظاهر بمذهب [7] الأشعري، وكانت فيه حدة وبذاءة لسان، توفي في صفر هذه السنة، ودفن في مقبرة باب أبرز مقابل تربة الشيخ أبى إسحاق، وسر أهل باب الأزج بوفاته.
__________
[1] نسبته هذه إلى «طبس» وهي بلدة في برية، بين نيسابور وأصبهان وكرمان.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 160) .
[2] في ص: «وخرج لهم التاريخ» .
[3] في ت: «البزاز» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 400، والبداية والنهاية 12/ 160، وفيه: «الرزاز» ) .
[4] في الأصل: «ولد في سنة ثلث إحدى أو اثنتين ...
[5] في الأصل: «رأى ذلك ثلاث ليال» .
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 160، وفيه: «عزيز بن عبد الملك» ، وشذرات الذهب 3/ 401، والكامل 9/ 44) .
[7] في الأصل: «كان يناظر بمذهب الأشعري» .(17/69)
فإنه سمع يوما رجلا يقول: من وجد لنا حمارا؟ فقال: يدخل باب الأزج ويأخذ من شاء. وقال يوما بحضرة نقيب النقباء طراد: لو حلف حالف أنه لا يرى إنسانا فرأى أهل باب الأزج لم يحنث، فقال النقيب: أيها الثالب [1] ، من عاشر قوما أربعين صباحا صار منهم [2] .
3713- محمد بن أحمد بن عبد الباقي بن الحسن بن محمد بن طوق، أبو الفضائل الربعي [3] الموصلي:
تفقه على أبى إسحاق الشيرازي، وسمع الحديث من أبى الطيب الطبري، وأبى إسحاق البرمكي، وأبى القاسم التنوخي، وابن غيلان، والجوهري، وغيرهم، وكتب الكثير، وروى عنه أشياخنا، وقال عبد الوهاب الأنماطي: كان فقيها صالحا فيه خير.
توفي في صفر هذه السنة، ودفن بالشونيزي.
3714- محمد بن أحمد بن محمد، أبو طاهر الرحبي:
[4] سمع الحديث الكثير، وكتب وكان صالحا، وتوفي في المحرم من هذه السنة، ودفن بمقبرة جامع المنصور.
قال أبو المواهب ابن فرجية المقرئ: رأيته في المنام وكأنه قد صر من شفته أو لسانه شيء، فقلت له في ذلك، فقال: لفظة من حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيرتها برأيي، ففعل بي هذا.
3715- محمد بن أحمد بن عيسى بن عباد الشروطيّ أبو بكر
[5] :
30/ أمن أهل الدينور، ثم انتقل إلى/ همذان، ودخل بغداد فسمع أبا إسحاق البرمكي، وكان فقيها فاضلا صدوقا زاهدا [و] [6] توفي في نصف صفر.
__________
[1] في الأصل: «أيها المثالب» .
[2] في ص: «أربعين صباحا كان منهم» .
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 44) .
[4] الرّحبي: نسبة إلى بني رحبة.
[5] الشروطي نسبة لمن يكتب الصطاك والسجلات، لأنها مشتملة على الشروط.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/70)
3716- محمد بن الحسن، أبو عبد الله الراذاني نزيل أوانا
[1] :
كان فقيها مقرئا من الزهاد المنقطعين والعباد الورعين له كرامات. سمع من القاضي أبى يعلى وغيره وبلغني أن ولدا له صغيرا طلب منه غزالا وألح عليه فقال له يا بنى غدا يأتيك غزال.
[فلما كان الغد] [2] جاء غزال فوقف على باب الشيخ وجعل يضرب بقرنيه الباب إلى أن فتح له ودخل فقال الشيخ لابنه أتاك الغزال.
توفي أبو عبد الله في جمادى الأولى من هذه السنة.
3717- مُحَمَّد بن علي بن المحسن، أبو [الحسن بن أبي] القاسم [3] التنوخي
[4] :
قبل قاضى القضاة أبو عبد الله شهادته في سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة.
وتوفي في شوال هذه السنة وانقرض بيته.
3718- محمد بن على [5] بن عبيد الله بن أحمد بن صالح بن سليمان بن ودعان، أبو نصر الموصلي القاضي
[6] :
قدم بغداد في سنة ثلاث وسبعين [7] ومعه جزء فيه أربعون حديثا عن عمه أبى الفتح، وهي التي وضعها زيد بن رفاعة الهاشمي وجعل لها خطبة فسرقها أبو الفتح بن ودعان عم أبي نصر هذا وحذف خطبتها وركب على كل حديث شيخا إلى شيخ الذي روى عنه ابن رفاعة وقد روى أبو نصر هذا أحاديث غيره والغالب على حديثه المناكير والموضوع. توفي بالموصل في ربيع الآخر من هذه السنة [8] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 161، وفيه: «أبو عبد الله المرادي» ) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] من هذه الترجمة تبدأ نسخة الطوبخانة، وسنرمز لها ب (ط) .
[5] في ص، ط، ت: «محمد بن عبيد الله» .
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 161، والكامل 9/ 44، ولسان الميزان 5/ 305، والأعلام 6/ 277) .
[7] في ط: «سنة ثلاث وستين» .
[8] في ص: «في ربيع الأول من هذه السنة» .(17/71)
3719- محمد بن منصور، أبو سعد المستوفي في الملقب بشرف الملك
[1] :
31/ ب من أهل خوارزم وكان جليل القدر/ وكان يتعصب لأصحاب أبي حنيفة وهو الذي بني المدرسة الكبيرة بباب الطاق وبنى القبة على قبر أبي حنيفة [2] ، وبنى مدرسة بمرو ووقف فيها كتبا نفيسة، وبنى أربطة في المفاوز وعمل مصالح كثيرة، ثم ترك الأشغال وكان الملوك يصدرون عن رأيه، ولم يتنعم أحد تنعمه ولا راعى أحد نفسه في مطعمة ومشربه ومركبه، حتى أنه كان يشرب ماء خوارزم بأصبهان ويزعم أنه يمرئه وأنه عليه نشأ، وكان يأكل حنطة مرو ببلاد الشام وهي أجود الحنطة، وبذل لجلال الدولة [ملك شاه] مائة ألف دينار حتى عز له عز الأشراف، وكانت خاتون الجلالية قد قسطت على أرباب الأموال مالا فقسطت عليه [3] جملة وافرة نوبتين، فقال لبعض من يدخل إليها: اعلم أن الذي أخذ منى لا يؤثر عندي، فإن لي ذخائر جمة وجميع [4] ذلك كسبته في أيامهم وإن لم يعلموا بأن ما أخذ مني لم يغير حالي واستوحشوا مني وأسأل أن تعرفها أنني الخادم الذي لم يغيره حال، وأن مالي بين أيديهم فأخبرت خاتون بذلك، فاسترجحت عقله وأمن بذلك [5] من ضرر.
توفي أبو سعد فِي جمَادى الآخرة من هَذِهِ السنة بأصبهان.
3720- محمد بن منصور بن النسوي المعروف بعميد خراسان
[6] :
ورد بغداد في زمن طغرلبك وحدث عن أبي حفص عمر بن أحمد بن مسرور وكان كثير الرغبة في الخير بنى بمرو مدرسة ووقفها على أبي بكر بن أبي المظفر/
__________
[1] في الأصل: «الملقب بشرف الملة» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 161) .
[2] «هو الّذي بنى ... على قبر أبي حنيفة» : سقطت من ص.
[3] في ص: «قسطت بأصبهان مالا فقسطت عليه» .
[4] في ص: «ذخائر جمة وكل ذلك» .
[5] «بذلك» سقطت من ص.
[6] في الأصل: «ابن الصوفي المعروف بعميد خراسان» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 161، وفيه: «محمد بن منصور القسري» ) .(17/72)
السمعاني وأولاده فهم فيها إلى الآن وبنى مدرسة بنيسابور وفيها تربته.
توفي في شوال هذه السنة.
3721- محمد بن المبارك بن عمر، أبو حفص ابن الخرقى القاضي المحتسب
[1] :
كان حافظا للقرآن صارما في حسبته ولى الحسبة سنة ثلاث وسبعين، وكان المتعيشون يخافونه ومنع [2] قوام الحمامات أن يمكنوا أحدا يدخل [3] بغير مئزر، وتهددهم على ذلك بالإشهار.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
3722- مؤيد الملك بن نظام الملك
[4] :
كان قد أشار على السلطان محمد بطلب السلطنة، فلما تم له ذلك استوزره فبقي سنة وأحد عشر شهرا، ثم كانت وقعة بين محمد وبركيارق فأسر مؤيد الملك وقتل في جمادي الآخرة من هذه السنة، وقد قارب عمره خمسين سنة.
3723- نصر بن أحمد بن عبد الله بن النظر، أبو الخطاب البزار [5] القارئ.
ولد سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة سمع ابن رزقويه، وأبا الحسين بن بشران، وأبا محمد عبد الله بن عبيد الله البيع وهو آخر من حدث عنهم، وعمر حتى صار إليه الرحلة من الأطراف [6] وانتشرت عنه الرواية، وكان شيخا صالحا صدوقا صحيح السماع، حدثنا عنه أشياخنا.
توفي في ربيع الأول من هذه السنة [ودفن في مقبرة باب حرب] [7] .
__________
[1] في ت: «القاضي المحسب» .
[2] في الأصل: «يخافونه ونهى» .
[3] في ط: «يدخلها»
[4] راجع الكامل، في أحداث هذه السنة.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 161، وفيه: «نصر بن أحمد بن عبد الله بن البطران الخطابي» ، شذرات الذهب 3/ 402، والكامل 9/ 45، وفيه: «ابن البطر» ) .
[6] في الأصل: «حتى صارت إليه الرحلة من الآفاق» .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/73)
ثم دخلت سنة خمس وتسعين واربعمائة [1]
[القبض على الكيا أبي الحسن]
فمن الحوادث فيها:
أنه في يوم الخميس سادس محرم قبض على الكيا أبي الحسن على بن محمد المدرس بالنظامية، فحمل إلى موضع أفرد له، ووكل به جماعة، وذلك أنه رفع عنه إلى السلطان محمد بأنه باطني، فتقدم بالقبض عليه فتجرد في حقه أبو الفرج بن السيبي القاضي، وأخذ المحاضر، وكتب أبو الوفاء بن عقيل خطه له بصحة الدين، وشهد له بالفضل وخوطب من دار الخلافة في تخليصه فاستنقذ.
[جلوس المستظهر لمحمد وسنجر]
وفي يوم الثلاثاء حادي عشر المحرم: جلس المستظهر لمحمد وسنجر واجتمع أرباب المناصب في التاج ونزل كمال الدولة في الزبزب وأصعد إلى دار المملكة فاستدعاهما فنزلا في الزبزب، وكان الطيار قد شعث وغاب وهو الذي انحدر فيه والدهما جلال الدولة أبو الفتح ملك شاه إلى دار الخلافة حين جلس له المقتدي بأمر الله، وانحدر فيه طغرلبك حين جلس له القائم بأمر الله، وهذا الطيار كان لجلال الدولة أبي طاهر بن بويه، وأنفق عليه زائدا على عشرة آلاف دينار، وأهداه للقائم وجددت عمارته في سنة سبع وأربعين واتسعت في أيام المقتدي، فجددت عمارته وحط إلى دجلة، فكان للناس في تلك الأيام من الفرجة بدجلة عجائب ثم هدم.
__________
[1] في الأصل: «قال الناسخ: وجدت على حاشية الأصل بخط أبي الدر ياقوت الحموي: قد سقطت ذكر سنة خمس وتسعين واربعمائة. هذا ما وجدته والله أعلم» . وهذه السنة ساقطة من نسخة ص، وكتب على حاشيتها: «قد سقط ذكر سنة خمس وتسعين» .
واستدركناها من ت، ط.(17/74)
فنزلا في الزبزب فانحدرا إلى دار الخلافة ومعهما الحشر، وقد شهروا للسلام وقدم لهما مركوبان من مراكب الخليفة وبين يديهما أمراء الأجناد، وكان على كتف المستظهر البردة المحمدية وفي يده القضيب، ودخلا فقبلا الأرض فأمر الخليفة كمال الدولة بإفاضة الخلع عليهما، وعقد الخليفة لوائين بيده وكانت الخلع على محمد سيفا وطوقا وسوادا وسيفا ولواء [1] ، وقبل بين يدي السلطان خمسة أرؤس خيلا بمراكب، أحدها مركب صيني وبين يدي الآخر ثلاثة، فوعظهما الخليفة وأمرهما بالتطاوع، وقرأ عليهما وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا 3: 103 [2] ثم انصرفا.
فلما كان يوم السبت منتصف محرم خرج سنجر متقدما لأخيه قاصدا ممالكه بخراسان، وخرج محمد يوم الأربعاء تاسع عشر المحرم فارجف يوم الجمعة حادي عشرين المحرم بدنو السلطان بركيارق فأمر الخليفة كمال الدولة وأمراء بالمضي إلى محدم وسنجر وإعادتهما، فلقي محمدا فرده وفاته سنجر، وعزم الخليفة على النهوض لنصرة السلطان محمد وأمر بالاحتراز والاستعداد، وجمع السفن فبذل السلطان محمد القيام بهذه الخدمة وأنه يكفيه عناية النهوض، ودخل سيف الدولة صدقه إلى الخليفة فتقدم بتطويعه وقال: إن الخليفة يعضد بك بالصارم العضب [3] .
[وخرج السلطان مُحَمَّد] ثامن عشر المحرم [4] ، فسار إلى النهروان وبعث الخليفة إليه من أعلمه أنه قد ولاه ما وراء بابه، وأرسل سعادة الخادم ومعه منجوق وأخرج معه أبو علي الحسن بن محمد الاستراباذي الحنفي وأبو سعد بن الحلواني ليكونا مع السلطان محمد في جميع مواقفه، ويعلما الناس أن الإمام قد ولاه ما وراء بابه فلحقوه بالدسكرة ثم التقى هو وبركيارق وآل الأمر إلى الصلح على أن يكون لسلطان بركيارق ومحمد الملك، وأن يضرب له ثلاث نوب، وجعل له من البلاد جنزة وأعمالها وآذربيجان وديار بكر وديار مضر وديار ربيعة، وهذه البلاد تؤدي ألف ألف دينار وثلاثمائة
__________
[1] «ولواء» : ساقطة من ط.
[2] سورة: «آل عمران، الآية: 103.
[3] في ط: «وقال ان الخليفة يعتقد منك الصارم العضب» .
[4] في ت: «ثامن عشرين المحرم» .(17/75)
ألف دينار وبضعة عشر ألف دينار ثم لم يف محمد فعوود، وجرى عليه المكروه.
وفي رجب: قبل قاضي القضاة أبو الحسن الدامغاني شهادة أبي الحسين وأبي خازم ابني القاضي أبي يعلى بن الفراء.
وفي هذه السنة: قدم إلى بغداد أبو المؤيد عيسى بن عبد الله الغزنوي ووعظ في الجامع وأظهر المذهب الأشعري ومال معه صاحب المخزن ابن الفقيه فوقعت فتنة وجاز يوما من مجلسه ماضيا إلى منزله برباط أبي سعد الصوفي، فرجم من مسجد ابن جردة فارتفع بذلك سوقه وكثر أصحابه، وخرج من بغداد في ربيع الآخر سنة ست وتسعين، كفانت إقامته سنة وبعض أخرى.
وفي رابع رمضان: استوزر للمستظهر أبو المعالي الأصفهاني، وعزل في رجب سنة ست وتسعين، واعتقل في الحبس أحد عشر شهرا ثم أطلق.
[القبض على أبي المعالى هبة الله بن المطلب]
وفي العشرين من رمضان، قبض على أبي المعالى هبة الله بن المطلب، ورتب مكانه أبو منصور نصر بن عبد الله الرجي، ثم قبض عليه في السنة الآتية وأعيد أبو المعالي بن المطلب.
[وقوع نار بنهر معلى]
وفي ذي القعدة: وقعت نار بنهر معلى فأحرقت ما بين درب سرور إلى درب المطبخ طولا وعرضا، وكان سببها أن بعض الكناسين وضع سراجه في أصل شريجة قصب فأكلها فاحترقت أموال عظيمة.
وفي ذي الحجة بعث كتاب من الخليفة إلى صدقه، وقد لقب بملك العرب.
وفي ذي الحجة: قتل رجل امرأة لسيدة الذي يخدمه على هدى منه لها، وذلك أنها ضررته في سيده فقتلها وأمكنه أن يهرب فلم يفعل، ونادى: يا معشر الناس أما فيكم من يقتلني فإني قتلت هذه المرأة ولا عذر لي في مقامي بعدها، قالوا: أنا نخاف من هذه السكين التي بيدك، فألقى إليهم السكين فحملوه إلى باب النوبي، فأقر بالقتل فاحضر زوج المرأة معه إلى رحبة الجامع، فأعطى سيفا فضرب به رأس القاتل وأبانه أذرعا في ضربة واحدة.
[تعمير صدقة بن منصور الحلة]
وفي هذه السنة: عمر صدقة بن منصور الحلة، وإنما كان ينزل هو وأبوه في البيوت القريبة.(17/76)
وفيها جرى لجكرميش- وكان من مماليك جلال الدولة ملك شاه، ثم صارت الجزيرة والخابور بيده- أن جماعة من السواد أتوه يشكون من عمالهم، فعمل دعوة اشتملت على ألف رأس من الغنم والبقر وغير ذلك من الدجاج والحلواء، ولم يحضر الخبز ثم دعا وجوه العسكر فعجبوا إذ لم يروا خبزا، وقالوا: ما السبب في هذا؟ فقال:
الخبز إنما يجيء من الزرع، والزرع إنما يكون بعمارة السواد، وقد أضررتم بأهل إقطاعكم فاستغلوه الآن انتم بتحصيل الطعام، فعملوا بالتوصية وتابوا.
وفي هذه السنة: عم الرخص كثيرا ببغداد في الطعام وفي الفواكه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3724- الأعز
[1] :
وزير السلطان بركيارق، قتلته الباطنية بباب أصبهان.
3725- الحسن بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الفضل، أبو علي الكرماني الشرقي الصوفي:
رحل في طلب الحديث، وعنى بجمعه وسمع الكثير، وكان فيه دين وعبادة وزهد يصلي بالليل، لكنه روى ما لم يسمع فافسد ما سمع، وكان المؤتمن أبو نصر يقول: هو كذاب.
توفي هذه السنة وقد جاوز السبعين.
3726- محمد بن أحمد بن عبد الواحد، أبو بكر الشيرازي يعرف بابن الفقير
[2] :
شيخ صالح، سمع أبا القاسم بن بشران، وروى عنه شيخنا عبد الوهاب، وقال:
كان يخرب فبر أبي بكر الخطيب، ويقول: كان كثير التحامل على أصحابنا يعني الحنابلة، إلى أن رأيته يوما وأخذت الفأس من يده، وقلت: هذا كان رجلا حافظا إماما
__________
[1] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 50) .
[2] في ت: «المعروف بابن الفقير» .(17/77)
كبير الشأن وتوبته فتاب [1] ولم يعد.
وتوفي في محرم هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3727- محمد بن محمد بن عبد العزيز النحاس، أبو الفرج قاضي العراق
[2] :
ولد سنة ست عشرة وأربعمائة، وولي القضاء سنة أربع وستين.
توفي في هذه السنة.
3728- محمد بن هبة الله، أبو نصر البندنيجي الضرير الشافعي
[3] :
قرأ على أبي إسحاق الشيرازي، ومضى إلى مكة فأقام مجاورا بها أربعين سنة متشاغلا بالعبادة والتدريس والفتيا ورواية الحديث.
أنشدنا أبو نصر أحمد بن محمد الطوسي، قال: أنشدني أبو نصر محمد بن هبة الله البندنيجي:
عدمتك نفس ما تملى بطالتي ... وقد مر أخواني وأهل مودتي
أعاهد ربي ثم أنقض عهده ... وأترك عزمي حين تعرض شهوتي
وزادي قليل لا أراه مبلغي ... أللزاد أبكي أم لطول مسافتي
3729- أبو القاسم، صاحب مصر، الملقب المستعلي [4] :
توفي في ذي الحجة ورتب مكانه ابنه أبو علي وسنه سبع سنين ولقب الآمر بأحكام الله] [5] .
__________
[1] في ط: «كبير الشأن ومؤثر ثقة فتاب» .
[2] «قاضي العراق» : ساقطة من ص.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 162، والكامل 9/ 60) .
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 402، والبداية والنهاية 12/ 162) .
[5] إلى هنا انتهى الساقط من الأصل، وص، وهو سنة (495) بتراجمها.(17/78)
ثم دخلت سنة ست وتسعين واربعمائة
32/ ب فمن الحوادث فيها:
أنه لما انهزم السلطان محمد من الوقعة التي كانت بينه وبين بركيارق دخل أصبهان، وكان فيها جماعة قد استحلفهم فقوى جأشه بهم، ورم البلد وجدد [عمارة] [1] سور القلعة، وأقبل بركيارق في خمسة عشر ألفا فحاصره وعدد أصحاب محمد قليل، فضاقت الميرة على محمد، فقسط على أهل البلد على وجه القرض فأخذ مالا عظيما ثم عاود عسكره الشغب، فأعاد التقسيط بالظلم والعذاب، وبلغ الخبز عشرة أمناء بدينار، ورطل لحم بربع دينار، ومائة منا تبنا بأربعة دنانير، وقلعت أخشاب المساجد وأبواب الدكاكين، هذا والقتال على أبواب البلد، وينال صاحب محمد يحرق الناس بالمصادرة، وعسكر بركيارق في رخص كثير [2] ، ثم إن محمدا خرج في أصحابه سرا من بعض أبواب البلد فلم يصبح إلا على فراسخ، فندب بركيارق من يطلبه، فلحقه أياز وقد نزل لضعف خيله من قلة العلوفة فبعث إلى إياز يقول له: بيننا عهد ولي في عنقك إيمان، فقال: امض في دعة الله، فقال: خيلي ضعيفة فبعث إليه فرسا [3] ، وبغلة [وأخذ علمه] [4] وثلاثة أفراس محملة دنانير وأسر من أصحابه [5] أميرين، وعاد إياز فأخبر بركيارق/ فلم يسره سلامة أخيه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «في رخص عظيم» .
[3] في ص، ط: «فدفع إليه فرسا» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «محملة دنانير وأخذ من أصحابه» .(17/79)
وفي صفر: لقب أبو الحسن الدامغاني بتاج الإسلام مضافا إلى قاضي القضاة.
وفي يوم الاثنين ثالث عشرين ربيع الأول: أعيدت الخطبة لبركيارق فخطب في الديوان، ثم تقدم إلى الخطباء في السابع والعشرين من هذا الشهر، بأن يقتصروا على ذكر الخليفة، ولا يذكروا احدا من السلاطين المختلفين.
ثم التقى السلطان محمد وبركيارق في يوم الأربعاء في جمادي الآخرة، فوقعت الحرب بينهما فانهزم محمد إلى بعض بلاد أرمينية على أربعين فرسخا من الوقعة، ثم سار منها إلى خلاط ثم عاد إلى تبريز [1] ، ومضى بركيارق إلى زنجان، ثم وقع بينهما صلح.
وكان سيف الدولة صدقة يحافظ على الخطب لمحمد، فجاء في ربيع الآخر إلى نهر الملك، ثم نزل بالعلويين [2] ، فخرج إليه العلويون يسألونه الأمان لبلدهم، فأجاب وبعث الخليفة إليه يخبره بانزعاج الناس، فلم يلتفت ونقل أهل بغداد من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي بالحريم، ومن الحريم إلى دار الخليفة، وبلغ الخبز ثلاثة أرطال بقيراط، واستبيح السواد وافتضت الأبكار، وبعث الخليفة قاضي القضاة أبا الحسن وأبا 33/ ب نصر/ بن الموصلايا إلى سيف الدولة، فلما قربا قدم لهما مركوبين من مراكيبه وقام لهما واحترمهما وأجاب بالطاعة لأمير المؤمنين، ونهض من خيمته وأنفذ لهما [3] دراريج [مشوية] [4] وقال: هذه صدناها، فلم يتناول قاضي القضاة شيئا من الطعام واعتذر بأنه لا يأكل في سفره ما يحوجه إلى البروز لحاجة، ثم سار وسار معه سيف الدولة إلى صر صر، وعانقه لما ودعه ورجع [5] .
[خلع على زعيم الرؤساء أبي القاسم علي بن محمد بن محمد بن جهير]
وفي رمضان: خلع على زعيم الرؤساء أبي القاسم علي بن محمد بن محمد بن جهير واستوزره المستظهر، ودخل ينال صاحب السلطان محمد إلى بغداد، وأفسد
__________
[1] في ص: «ثم حضر إلى تبريز» .
[2] في ص، ط: «ثم نزل المدائن» .
[3] في ط: «وأنفذ إليهم» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ص، ط: «وعانقه لما أراد عبوره ورجع» .(17/80)
القرى وقسط عليها وأكثر الظلم، فروسل بقاضي القضاة فعرفه قبح الظلم وحرمة الشهر، فزاده ذلك عتوا وجاء العيد، فصلى بالحسبة [1] وأمر بضرب البوقات والطبول عند دار العميد بقصر ابن المأمون، واحتبس سفنا وصلت للخليفة فقرر عليها شيء يعطاه، ثم أصعد إلى أوانا فنهب الدنيا وعاث أقبح عيث، ثم آل أمر ينال إلى أن هرب من السلطان [2] ، ثم آل أمره إلى أن قتل. وتقدم بنقض السوق التي استجدها جلال الدولة ملك شاه بالمدينة المعروفة بطغرلبك، وكانت مرسومة بالصباغين بعد خروجه والسوق التي كان بها البزازون أيام دخوله، والمدرسة التي بنتها تركان خاتون وكانوا قد/ أنفقوا 34/ أعلى ذلك الأموال الجمة فنقض ذلك كله.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3730- أحمد بن علي بن عبد الله [3] بن سوار، أبو طاهر المقرئ
[4] :
ولد سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، وكان ثقة ثبتا مأمونا إماما في علم القراءات، وصنف فيها كتبا [وسمع الحديث الكثير] [5] .
وتوفي في يوم الأربعاء رابع شعبان، ودفن عند قبر معروف.
3731- أحمد بن محمد بن أحمد بن حمزة، أبو الحسين الثقفي
[6] :
ذكر أنه من ولد عروة بن مسعود الثقفي ولد قبل سنة ثلاثين وأربعمائة، ودخل بغداد في شبيبته، وسمع أبا القاسم التنوخي، وأبا محمد الجوهري، وتفقه على أبى عبد الله الدامغانيّ. روى عنه شيخنا عبد الوهاب قال: وكان [خيرا] ثقة [7] .
__________
[1] في ت: «فصلى بالحلبة» .
[2] في الأصل: «إلى أن هرب عن السلطان» .
[3] في شذرات الذهب: «أحمد بن علي بن عبيد الله» .
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 403، والبداية والنهاية 12/ 163، وفيه: «عبد الله» ) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ص.
[6] الثقفي نسبة إلى ثقيف، وهو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن، وقيل إن اسم ثقيف قيس.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/81)
3732- محمد بن الحسن، أبو سعد البرداني الحنبلي
[1] :
كان من الفقهاء. توفي في محرم هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3733- محمد بن عبيد الله [2] بن محمد بن أحمد بن كادش، أبو ياسر العكبري الحنبلي المفيد
[3] :
سمع قاضى القضاة أبا الحسن الماوردي وغيره، ونسخ [4] وكان مفيد بغداد، وروى عنه شيخنا أبو القاسم السمرقندي وغيره. وتوفي في صفر هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3734- أبو المعالى الصالح
[5] :
34/ ب سكن باب الطاق [6] ، وكان مقيما بمسجد/ هناك معروف [به إلى اليوم] [7] سمع وعظ ابن أبي عمامة فتاب وتزهد.
حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ ابن قسامي الفقيه، قال: حدثني أبو الحسن ابن بَالانَ، وَكَانَ ثِقَةً قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْمَعَالِي الصالح، وحدثني مسعود بن شيرازاد [8] [الْمُقْرِئُ] [8] ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْمَعَالِي الصَّالِحَ، يَقُولُ: ضَاقَ بِيَ الأَمْرُ فِي رَمَضَانَ حَتَّى أَكَلْتُ فِيهِ رُبْعَيْنِ بَاقِلَّى، فَعَزَمْتُ عَلَى الْمُضِيِّ إِلَى رَجُلٍ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِي أَطْلُبُ مِنْهُ شَيْئًا، فَنَزَلَ طَائِرٌ فَجَلَسَ عَلَى مَنْكِبِي، وَقَالَ: يَا أَبَا الْمَعَالِي أَنَا الْمَلِكُ الْفُلانِيُّ لا تَمْضِ إِلَيْهِ نَحْنُ نَأْتِيكَ بِهِ فَبَكَرَ الرَّجُلُ إِلَيَّ.
حدثني أبو محمد عبد الله بن علي المقرئ، قال: كان أبو المعالى لا ينام إلّا
__________
[1] هذه النسبة إلى بردان، وهي قرية من قرى بغداد.
[2] في الأصل: «محمد بن عبد الله» .
[3] في الأصل: «الحنبلي المعيد» .
وانظر ترجمته في (شذرات الذهب 3/ 404) .
[4] في الأصل: «وغيره، وأسمع» .
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 163، والكامل 9/ 69) .
[6] في ت: «ساكن باب الطاق» .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[8] في الأصل: «مسعود بن سرار» .(17/82)
جالسا، ولا يلبس إلا ثوبا واحدا شتاء كان أو صيفا، وكان إذا اشتد البرد عليه يشد المئزر بين كتفيه، قال: وكنت يوما عنده فقيل له: قد جاء سعد الدولة شحنة بغداد، فقال:
اغلقوا الباب، فجاء فطرق الباب، وقال: ها أنا قد نزلت عن دابتي، وما أبرح حتى يفتح لي، ففتح له [فدخل] [1] فجعل يوبخه على ما [هو] [2] فيه، وسعد الدولة يبكى بكاء كثيرا، فانفرد بعض أصحابه وتاب على يده.
توفي أبو العالي في هذه السنة، ودفن قريبا من قبر أحْمَد.
3735- أبو المظفر الخجندي
[3] :
الفقية الشافعي المدرس بأصفهان، وينسب إلى المهلب بن أبي صفرة قتله علوي [4] بالري في الفتنة بين السنة والشيعة، وقتل العلوي.
3736- السيدة بنت القائم [بأمر الله] [5] ، أمير المؤمنين:
كانت زوجة/ طغرلبك أول ملوك السلجوقية، وكانت كثيرة الصدقة توفيت في هذه السنة وحملت إلى الرصافة في الزبزب [6] ، وجلس للعزاء بها ببيت النوبة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «أبو المظفر الحميدي» .
وفي ت: «أبو المظفر بن الخجنديّ» .
والخجنديّ نسبة إلى خجند، وهي بلدة كبيرة كثيرة الخير على طرف سيحون من بلاد الشرق، ويقال لها بزيادة التاء «خجندة» أيضا.
وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 69) .
[4] في الأصل: «قتلوه علوي» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 163، والكامل 9/ 69) .
[6] في ص، ط: «التي كانت زوجة طغرلبك، توفيت، وكانت كثيرة الصدقة، وحملت إلى الرصافة في الزبزب» .(17/83)
ثم دخلت سنة سبع وتسعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن الإفرنج اجتمعوا بالشام فحاربهم المسلمون فقتلوا منهم اثنى عشر ألفا، ورجعوا غانمين.
[وقوع منارة واسط]
وفي يوم الحادي والعشرين [1] من المحرم: وقعت منارة واسط، وكان حامد بن العباس قد ابتناها للمقتدر [في] [2] سنة أربع وثلاثمائة، وكان أهل واسط يفتخرون بها وبقبة الحجاج، ولما وقعت المنارة لم يهلك تحتها أحد، وارتفع في واسط من البكاء والعويل ما لا يكون لفقد آدمي.
[ترك الشرطة من الجانب الغربي]
وفي هذه السنة: كانت الشرطة قد تركت من الجانب الغربي [3] لاستيلاء العيارين عليه، وكانت الشحن تعجز [4] عن العيارين فلا يقع بأيديهم إلا الضعفاء فيأخذون منهم ويحرقون بيوتهم فرد إلى النقيبين إلى أبي القاسم باب البصرة، وجميع محال أهل السنة، وإلى الرضا الكرخ ورواضعه فانكف الشر، ثم عاد وتأذى الناس بالشحنة، وكان قد عول على النهب فاجتمع الناس إلى الديوان شاكين، فقرر مع النقيبين تقسيط ألفي دينار ومائتي دينار منها على الكرخ خمسمائة والباقي على سائر المحال، فأهلك ذلك
__________
[1] في ص، ط: «وفي يوم الثالث والعشرين» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ط: «قد نزلت من الجانب الغربي» .
[4] في ط: «وكانت الشحنة تعجز» .(17/84)
الضعفاء، وقرر على أهل التوثة/ أربعون دينارا فأسقط عنهم النقيب عشرة، فلم يقدروا 35/ ب على أداء الباقي فقصدوا الأماكن يستجبون الناس، فدخلوا على ابن [1] الشيرازي البيع، فتصدق عليهم بدينار، وكانوا أهل قرآن وتدين وصلاح.
[وقوع الصلح بين محمد وبركيارق]
وفي هذه السنة: وقع الصلح بين محمد وبركيارق، وكان السبب أن بركيارق بعث القاضي أبا المظفر الجرجاني وحمد بن عبد الغفار سفيرين بينه وبين أخيه في الصلح، فجلس الجرجاني واعظا، وحضر السلطان محمد فذكر ما أمر الله تعالى به من إصلاح ذات البين والنهى عن قطيعة الرحم، فأجاب محمد إلى الصلح وحلف كل واحد من الأخوين يمينا لصاحبه على الوفاء، وذكر لكل واحد من البلاد ما يخصه، ووصل الخبر إلى بغداد، فخطب لبركيارق في الديوان، ثم خطب له في الجوامع وقطعت خطبة محمد.
وفي هذه السنة [2] : أخرج أبو المؤيد عيسى بن عبد الله الغزنوي الواعظ من بغداد لغلبته على قلوب الناس، وتوفي بأسفرايين.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3737- أحمد بن الحسين بن الحداد المستعمل، أبو المعالى
[3] :
سمع الجوهري، والعشاري، وتوفي يوم الأربعاء السادس والعشرين من ربيع الآخر، ودفن بمقبرة باب حرب.
3738- أحمد بن على بن الحسين بن زكريا، أبو بكر الطّريثيثيّ المعروف بابن بهذا المقرئ [الصوفي]
[4] :
__________
[1] «ابن» : ساقطة من ص.
[2] في الأصل: «وفيها» .
[3] في ط، ت: «أحمد بن علي بن الحسين بن الحداد» .
[4] في ت: «المعروف بابن بهذ» . وفي ط، ص: «المعروف بابن زهراء» . وفي الشذرات: «ويعرف بابن زهر» . ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/85)
ولد في شوال [1] سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، حدث عن أبى الحسن الحمامي، وأبى على بن شاذان وغيرهما وتتلمذ في التصوف إلى أبي سعيد بن أبي الخير شيخ 36/ أالصوفية بنيسابور، وكان صيتا يؤذن كل ليله على سطح رباط أبي سعيد/ الصوفي [2] ، فيسمع صوته في جانبي بغداد، وكان سماعه صحيحا كثيرا، فأفسد سماعه بأن روى ما لم يسمع وادعى أنه سمع من أبى الحسن ابن رزقويه، وما يصح ذلك.
قال شجاع بن فارس: حال الطريثيثي في الضعف أشهر من أن يخفي، أجمع الناس على ضعفه، قال شيخنا عبد الوهاب: كان مخلطا، قال شيخنا أبو القاسم السمرقندي: دخلت على الطريثيثي وكان يقرأ عليه جزء من حديث أبى الحسين بن رزقويه، فقلت: متى ولدت؟ فقال في سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، قلت: ففي هذه السنة توفي ابن رزقويه، ثم قمت فأخرجت وفيات الشيوخ بخط أبى الفضل ابن خيرون فحملت إليه، واذا فيه مكتوب: «توفي أبو الحسن ابن رزقويه سنه اثنتى عشرة» ، فأخذت الجزء من يده وقد سمعوا فيه، فضربت على السماع [3] ، فقام ونفض سجادته وخرج من المسجد. قال شيخنا بن ناصر: كان كذابا.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن بباب حرب.
3739- أحمد بن بندار بن إبراهيم، أبو ياسر البقال الدينَوَريّ
[4] :
حدث ببغداد، وكان ثقة، وروى عنه أشياخنا.
وتوفي في يوم الأربعاء خامس عشر رجب، ودفن بباب أبرز.
والطريثيثى نسبة إلى «طريثيث» ، وهي ناحية كبيرة من نواحي نيسابور بها قرى كثيرة، ويقال لها بالعجمية «ترشيز» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 405، والكامل 9/ 76، وفيه: «علي بن أحمد بن زكريا، الطريثيثي» ) .
__________
[1] «في شوال» : ساقطة من ص.
[2] في ص، ط: «رباط أبي سعد الصوفي» .
[3] في ص، ط: «فضربت على التسميع» .
[4] في الأصل: «الدينَوَريّ البقال» . وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 404، 405) .(17/86)
3740- أحمد بن محمد بن على، أبو بكر القصار، يعرف بابن الشبلي
[1] :
سمع أبا عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن الخلال، روى عنه شيخنا أبو القاسم ابن السمرقندي. وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
3741- إِسْمَاعِيل بن على بن الحسين بن على، أبو علي الجاجرمي الأصم
[2] :
من أهل نيسابور، ولد سنة ست وأربعمائة وسمع/ أبا سعيد البصروي [3] ، وأبا 36/ ب عثمان الصابوني، وأبا عبد الله بن باكويه وغيرهم، ورد بغداد فسمع منه شيخنا أبو القاسم السمرقندي، وكان واعظا زاهدا حسن الطريقة.
توفي في محرم هذه السنة، ودفن في مشهد محمد بن إسحاق بن خزيمة.
3742- إِسْمَاعِيل بن محمد بن عثمان بن أحمد، أبو الفرج القومساني
[4] :
من أهل همذان، سمع بهمذان من أبيه وجده وجماعة، وورد بغداد فسمع بها من أبي الحسين بن المهتدي، وأبى محمد الصريفيني، وجابر بن ياسين، وابن النقور، وابن البسري وغيرهم. وكان حافظا حسن المعرفة بالرجال والمتون، صدوقا ثقة أمينا دينا تاركا للخوض فيما لا يعنيه.
وتوفي في محرم هذه السنة.
3743- أزدشير بن منصور [5] ، أبو الحسن العبادي الواعظ
[6] .
__________
[1] القصار: بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة وفي آخرها الراء.
[2] في الأصل: «إسماعيل بن علي بن الحسن بن علي، أبو الحسن علي الجاجري» . وفي ت:
«إسماعيل بن علي بن الحسن، أبو علي الجابرتي الأصم» .
والجاجرميّ نسبة إلى جاجرم، وهي بلدة بين نيسابور وجرجان مليحة، وهي ناحية كبيرة كثيرة القرى، أول حدودها متصلة بجوين، وآخرها متصلة بجرجان، وبعض قراها في الجبال.
وانظر ترجمته في: (تاريخ نيسابور 334، وشذرات الذهب 3/ 405) .
[3] في ص، ت: «سمع أبا سعيد النضروي» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 164، وفيه: «إسماعيل بن محمد بن أحمد بن عثمان» ) .
[5] في ص، ط، والمطبوعة: «أردشير بن منصور» .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ نيسابور 407، وفيه: «أزدشير بن أبي منصور» ، والبداية والنهاية 12/ 164) .(17/87)
سمع بمرو ونيسابور من جماعة، وقدم بغداد فسمع ابن خيرون وقد ذكرنا قدومه إلى بغداد ونفاقه على أهلها في حوادث [1] سنة ست وثمانين، وخرج من بغداد.
فتوفي بمرو في غرة جمادى الأولى من هذه السنة.
3744- الحسين بن علي بن أحمد بن محمد ابن البسري، أبو عبيد الله
[2] :
ولد سنة عشر وأربعمائة، [وروى عن أبي محمد بن عبد الجبار السكري، وهو آخر من حدث عنه، سمع منه في سنة أربع عشرة وأربعمائة] [3] .
وتوفي ليلة الأربعاء ثالث عشر جمادي الآخرة [4] ، ودفن في مقبرة جامع المنصور.
3745- عبد الرحمن بن عمر بن عبد الرحمن، أبو مسلم السمناني
[5] :
سمع أبا علي بن شاذان، وروى عنه أشياخنا، وتوفي يوم الثلاثاء تاسع المحرم ودفن بالشونيزية.
3746- علي بن عبد الرحمن بن هارون بن عبد الرحمن، أبو الخطاب ابن الجراح [6] :
37/ أولد سنة عشر وأربعمائة، / وحدث، وأقرأ ببغداد، وكان من أهل الفضل والأدب، وكان من أهل البيوتات المعروفة في الرئاسة، وصنف قصيدتين في القراءات، وسمى احداهما بالمكملة، والأخرى بالمبعدة [7] روى عنه أشياخنا.
توفي سحرة يوم الثلاثاء العشرين من ذي الحجة، ودفن بمقبرة باب أبرز عند أبي إسحاق الشيرازي.
__________
[1] في ص، ط: «ونفاقه على أهلها في» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 405، والكامل 9/ 76) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص، ط: «ثالث عشرين جمادى الآخرة» . والجملة كلها ساقطة من ت.
[5] السّمناني، نسبة لبلدة من بلاد قومس بين الدامغان وخوار الري، يقال لها سمنان. أو إلى قرية من قرى نسا.
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 406) .
[6] في ص، ط: «بن عبد الرحمن بن هرمز» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 406) .
[7] في الأصل: «والأخرى بالمسجدة» .(17/88)
3747- العلاء بن الحسن بن وهب بن موصلايا، أبو سعد الكاتب
[1] :
نال من الرفعة في الدنيا ما لم ينله أبناء جنسه، فإنه ابتدأ في خدمة دار الخلافة في أيام القائم سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، فخدمها خمسا وستين [2] سنة، وأسلم في سنة أربع وثمانين، وناب عن الوزارة في أيام المقتدى وأيام المستظهر نوبا كثيرة، وكان كثير الصدقة كريم الفعال حسن الفصاحة، ويدل على فصاحته وغزارة علمه ما كان ينشئه من مكاتبات الديوان والعهود.
وحكى بعض أصحابه، قال: شتمت يوما غلاما لي فوبخني، وقال: أنت قادر على تأديب الغلام أو صرفه فأما الخنا والقذف فإياك والمعاودة له فإن الطبع يسرق من الطبع، والصاحب يستدل به على المصحوب.
توفي في هذه السنة فجأه.
3748- محمد بن أحمد بن عمر، أبو عمر النهاوندي [الحنفي]
[3] :
بصري ولد سنة عشر وأربعمائة، وقيل سنة سبع. وولى القضاء بالبصرة مدة، وكان فقيها عالما. سمع من جماعة. منهم: أبو الحسن الماوردي.
توفي في صفر هذه السنة بالبصرة [4] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 164، والكامل 9/ 75) .
[2] في ط: «فخدمها خمسا وخمسين سنة» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 164) .
[4] في ت: «تم المجلد الثاني والعشرون. بسم الله الرحمن الرحيم ثم دخلت سنة ثمان ... » .
وكتب على هامشها: «هذه الأوراق الأربعة مكررة» .(17/89)
ثم دخلت سنة ثمان وتسعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
37/ ب أن بركيارق توجه إلى بغداد، فمرض بيزدجرد فخلع [1] على ولده ملك شاه، وأسند وصيته إلى إياز ومات فقصد إلى بغداد واجلس الصبي على التخت وله من عمره أربع سنين وعشرة أشهر، ومضى إليه الوزير أبو القاسم ابن جهير وخدمه كما كان يخدم أباه بمحضر من إياز. ثم انفصل إياز إلى مكان من روشن دار المملكة حتى قصده الوزير وخدمه خدمة مفردة، وكان إياز هو المستولي على الأمور، ونزل أياز دار سعد الدولة ببغداد، وحضر من أصحابه الديوان قوم فطالبوا بالخطبة، فخطب له بالديوان بعد العصر، وخوطب بجلال الدولة، وخطب له يوم الجمعة مستهل جمادي الأولى في جوامع بغداد، ونثر عند ذكره الدراهم والدنانير، وكان سيف الدولة قد ظاهر هذا العسكر بالعداوة وجمع خمسة عشر ألف فارس، فنفذ إليه إياز هدايا، فبعث في جوابها ثلاثة آلاف دينار على ما هو عليه، وعلم أياز بقرب السلطان محمد فخيم بالزاهر، وشاور أصحابه فقووا عزمه على الثبات، وكان أشدهم في ذلك ينال، فقال له وزيره المسمى بالصفي: كلهم أشار بغير الصواب وإنما الصواب مصالحة السلطان محمد.
فلما كان يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادي الأولى [2] قصد الأتراك نهر معلى وجمعوا السفن من المشارع إلى معسكرهم بالزاهر، فلما كان يوم الجمعة ثاني عشرين جمادى
__________
[1] في ص، ط: «ببروجرد) .
[2] في ص، ط: «يوم الثلاثاء تاسع جمادى الأولى» .(17/90)
الأولى نزل السلطان محمد الرملة. وانزعج أهل بغداد وخافوا امتداد الفساد، فركب إياز حتى أشرف/ على عسكر محمد، فوقع في نفسه الصلح فاستدعى وزيره الصفي وأمره 38/ أبالعبور إلى السلطان محمد، وأن يصالحه، وقال: إني لو ظفرت لم يسكن صدري على نفسي والصواب أن أغمد سيوف الإسلام المختلفة.
فعبر وزيره واجتمع بالوزير سعد الملك أبي المحاسن وحضرا بين يدي السلطان محمد فأدى الصفي رسالة صاحبه واعتذر عما جرى منه بسابق القدر، فوافق من السلطان قبولا، وعبر ابن جهير والموكب إلى محمد فلقوه وحضر الكيا الهراسي، فتولى أخذ اليمين المغلظة على السلطان محمد، وأمن الناس، وعمل إياز دعوة للسلطان محمد في دار سعد الدولة، فحضر السلطان وخدمه بغلمان أتراك بالخيول والأسلحة الظاهرة وبجواهر نفيسة منها الجبل البلخشي الذي كان لمؤيد الملك بن نظام الملك.
واتفق أن الأتراك مازحوا رجلا فالبسوه سلاحا وخفا وقميصه فوق ذلك ونالوه بأيديهم، فدنا من السلطان فسأل عنه، فأخبر أن تحت قميصه سلاحا فاستشعر ونهض من مكانه.
فلما كان يوم الخميس ثالث عشر جمادي الآخرة استدعى السلطان الأمراء سيف الدولة وإياز وغيرهما، فحضروا فخرج إليهم الحاجب، وقال: السلطان يقول لكم بلغنا نزول الأمير أرسلان بن سليمان بديار بكر وينبغي أن يجتمع آراؤكم على من يتجهز لقتاله، فقال الجماعة: هذا أمر لا يصلح إلا للأمير إياز، فقال إياز: ينبغي أن اجتمع مع سيف الدولة ونتعاضد على ذلك، فخرج الحاجب، فقال: السلطان يقول لكما قوما فادخلا لتقع المشورة/ ها هنا، فدخلا إليه وقد رتب أقواما لقتل إياز، فلما دخل أياز بادره 38/ ب أحدهم بضربة أبان بها رأسه، وأما سيف الدولة فغطى وجهه بكمه، وأما الوزير سعد الملك فأظهر أنه أخذته غشية، وأخرج إياز مقتولا في زلي [1] ورأسه مقطوع على صدره، فألقى بازاء دار السلطان، وركب عسكر إياز إلى داره فنهبوها، وجمع بين بدنه ورأسه قوم من المطوعة، وكفنوه في خرقة خام وحملوه إلى مقبرة الخيزران.
__________
[1] «زلي» : كلمة فارسية معناها طنفسة.(17/91)
[إزالة الغيار عن أهل الذمة]
وفي ثاني عشر رجب: أزيل الغيار عن أهل الذمة الّذي كانوا ألزموه في سنة أربع وثمانين، ولا يعرف سبب زواله.
وفي هذا الشهر: مضى ابن جهير في الموكب فخلع على السلطان محمد، وقصد دار وزيره سعد الملك، وحمل إليه من دار الخليفة الدست والدواة والخلع.
وي هذا الشهر قصد الوزير سعد الملك المدرسة النظامية، وحضر تدريس إلكيا الهراسي بها ليرغب الناس في العلم.
وأنفذ السلطان محمد إلى الوزير الزعيم الخلع الكاملة فلبسها في الديوان، وأنفذ إلى كل واحد من الديوان تختا [1] من الثياب، وجاء سعد الملك إلى دار الزعيم مسلما وزائرا.
وفي شعبان: خرج السلطان محمد من بغداد ورتب البرسقي شحنة العراق وفوض العمارة إلى محمد بن الحسن البلخي ورد أمر واسط إلى سيف الدولة صدقة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3749- أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد، أبو علي البرداني الحافظ
[2] :
39/ أولد في سنة ست وعشرين وأربعمائة، وسمع أبا القاسم/ الأزجي، وأبا الحسن القزويني، وأبا طالب بن غيلان، والبرمكي، والعشاري والجوهري، واستملى له خلقا كثيرا، وكتب الكثير، وسمع الكثير، وأول سماعه في سنة ثلاث وثلاثين عن أبي طالب العشاري، وكان ثقة ثبتا صالحا.
وتوفي في ليلة الخميس حادي عشرين شوال، ودفن بمقبرة باب حرب.
3750- إياز الأمير
[3] :
قد ذكرنا قتله في الحوادث.
__________
[1] في ص، ط: «كل واحد من الكتاب تختا» .
[2] البرداني نسبة إلى بردان، وهي قرية من قرى بغداد.
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 408، وتذكرة الحفاظ 1232، والكامل 9/ 86) .
[3] راجع حوادث هذه السنة.(17/92)
3751- بركيارق السلطان ابن ملك شاه، أبو المظفر
[1] .
أرادت أم محمود بن ملك شاه من السلطان أن ينص على ابنها محمود، فعرفه نظام الملك ما في ذلك من الخطر، فنص على بركيارق، وكان ذلك سببا لقتل نظام الملك، وورد بركيارق إلى بغداد ثلاث مرات، وقطعت خطبته بهاست دفعات.
توفي فِي ربيع الأول من هذه السنة، وهو ابن أربعة وعشرين سنة وشهرين بعلة السل والبواسير.
3752- ثابت بن بندار بن إبراهيم بن الحسن بن بندار البقال، أبو المعالي يعرف بابن [2] الحمامي:
وهو من أهل باب خراسان، ولد سنة ست عشرة وأربعمائة، وسمع أبا الحسن بن رمة، وأبا بكر البرقاني، وأبا علي بن شاذان في خلق كثير. وحدث وأقرأ، وكان ثقة ثبتا صدوقا، حدثنا عنه أشياخنا آخرهم ولده يحيى.
وكان أبو بكر بن الخاضبة يقول: ثابت ثابت، وقال شيخنا عبد الوهاب: كان ثقة مأمونا دينا كيسا خيرا.
توفي في ليلة الأحد ثالث عشرين جمادي الآخرة، ودفن بمقبرة باب حرب قريبا من قبر القاضي أبي يعلى.
3753- عيسى بن عبد الله بن القاسم، أبو المؤيد الغزنوي
[3] :
كان واعظا شاعرا كاتبا، ورد بغداد فسمع/ السراج بن الطيوري، ووعظ بها 39/ ب ونفق ونصر مذهب الأشعري، فأخرج من بغداد فخرج في السنة التي قبل هذه، وقيل في هذه السنة [4] ، وربما قيل في السنة التي بعدها، خرج يقصد غزنة فتوفي في الطريق بأسفرايين.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 407، 408، والبداية والنهاية 12/ 164، 165، والكامل 9/ 498) .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 408، وتذكرة الحفاظ 1232، الكامل 9/ 86) .
[3] الغزنوي نسبة إلى غزنة، وهي بلدة أول من بلاد الهند.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 165، والكامل 9/ 87) .
[4] في ص، ط: «فأخرج من بغداد في هذه السنة» .(17/93)
3754- محمد بن أحمد بن محمد بن قيداس، أبو طاهر [1] الحطاب:
ولد في رمضان سنة عشر واربعمائة، وسكن التوثة، وسمع أبا علي بن شاذان، وأبا محمد الخلال، وغيرهما. روى عنه أشياخنا.
وتوفي في محرم هذه السنة، ودفن في الشونيزيه.
3755- محمد بن أحمد [بن إبراهيم] [2] بن سلفة بن أحمد الأصفهاني
[3] :
كان شيخا صالحا عفيفا، حدث عن أبي الخطاب نصر بن النظر، وأبي الحسين بن الطيوري، وغيرهما.
وتوفي في هذه السنة.
3756- محمد بن على بن الحسن بن أبي علي الصقر، أبو الحسن الواسطي
[4] :
سمع الحديث ورواه وتفقه على أبي إسحاق الشيرازي، وقرأ الأدب، وقال الشعر، وكان ظريفا. روى عنه شيخنا أبو الفضل بن ناصر.
ومن أشعاره اللطيفة:
من قال لي جاه ولي حشمة ... ولي قبول عند مولانا
ولم يعد ذاك بنفع على ... صديقه لا كان من كانا
توفي في هذه السنة بواسط.
__________
[1] في الأصل: «أبو طاهر الخطاب» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 409) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من ت.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 165) .
[4] في طبقات الشافعية: «محمد بن علي بن الحسين بن علي بن عمر أبو الحسن بن أبي الصقر» .
وانظر ترجمته في: (طبقات الشافعية 3/ 80، والبداية والنهاية 12/ 165، والكامل 9/ 86) .(17/94)
ثم دخلت سنة تسع وتسعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[خروج رجل بنهاوند ادعى النبوة]
أنه ظهر في المحرم رجل بسواد نهاوند ادعى النبوة، وتبعه خلق من الرستاقية، وباعوا أملاكهم ودفعوا إليه [1] أثمانها، وكان يهب جميع ما معه لمن يقصده، وسمى أربعة/ من أصحابه أبا بكر وعمر وعثمان وعلي، وكان يدعي معرفة النجوم والسحر، 40/ أوقتل بنهاوند.
[خرج رجل من أولاد ألب أرسلان فطلب السلطنة]
وخرج رجل من أولاد ألب أرسلان فطلب السلطنة، فقبض عليه فكان بين مدة خروجه واعتقاله شهران، فكان أهل نهاوند يقولون: خرج عندنا في مدة شهرين مدع للنبوة، وطالب للملك واضمحل أمرهما اسرع من كل سريع.
وفي النصف من رجب وهو نصف شباط: توالت الغيوم، وزادت دجلة حتى قيل انها زادت على سنة الغرق.
[هلاك الغلات]
وهلكت في هذه السنة [2] الغلات، وخربت دور كثيرة وانزعج الخلق، فلما أهل رمضان نقص الماء، وقدر في هذه الزيادة أمر عجيب، وذلك أن نقيب النقباء أبو القاسم الزينبي أشرفت داره بباب المراتب على الغرق، فأقام سميريات ليصعد فيها إلى باب البصرة، فتقدمت منهن سفينة فيها تسع جوار لهن أثمان ومعهن صبية أراد أهلها زفافها
__________
[1] في ص: «ودفعوا إليهم أثمانها» .
[2] «في هذه السنة ... » من هنا حتى ترجمة المؤمن بن أحمد بن علي في وفيات سنة 507 ساقط من نسخة ترخانة (ت) .(17/95)
في هذه الليلة على زوجها، فأشفقوا فيها على الغرق فحملوها معهن، فلما وصلت السفينة مشرعة الرباط غرقت بمن فيها، فأمسك النقيب من الإصعاد وتسلى بمن بقي عمن مضى، وأقامت أم الصبية عليها المأتم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3757- سهل بن أحمد بن علي الأرغياني، أبو الفتح [1] الحاكم:
وأرغيان قرية بنواحي نيسابور. سمع الحديث الكثير وتفقه، وكان حافظا للمذهب، وعلق أصول الفقه على الجويني، وناظر ثم ترك المناظرة وبنى رباطا ووقف عليه وقوفا، وتشاغل بقراءة القرآن، وأدام التعبد.
وتوفي في محرم هذه السنة.
40/ ب
3758- عمر بن المبارك بن عمر، / أبو الفوارس:
ولد سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، وقرأ القرآن، وسمع الحديث من أبي القاسم بن بشران، وأبي منصور السواق، وأبي الحسن القزويني وغيرهم، وأقرأ السنين الطويلة وختم القرآن عليه ألوف من الناس. وروى الحديث الكثير، فحدثنا عنه ابن بنته أبو محمد المقرى، وكان من كبار الصالحين الزاهدين المتعبدين حتى إنه كان له ورد بين العشائين يقرأ فيه سبعا من القرآن قائما وقاعدا، فلم يقطعه مع علو السن.
وتوفي ضحى نهار يوم الأربعاء سادس عشر المحرم عن سبع وسبعين [2] ممتعا بسمعه وبصره وعقله، وأخرج من الغد فصلى عليه سبطه أبو محمد في جامع القصر، وحضر جنازته ما لا يحد من الناس، حتى ان الأشياخ ببغداد كانوا يقولون: ما رأينا جمعا قط هكذا لا جمع ابن القزويني [ولا جمع ابن الفراء] [3] ولا جمع الشريف أبي جعفر،
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ نيسابور 787، والبداية والنهاية 12/ 166) .
[2] في ص: «عن سبع وتسعين» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/96)
وهذه الجموع التي تناهت إليها الكثرة وشغل الناس ذلك اليوم وفيما بعده عن المعاش، فلم يقدر أحد من نقاد الباعة في ذلك الأسبوع على تحصيل نقده.
وقال لي أبو محمد سبطه: دخل إلى رجل بعد رجوعي من قبر جدي، فقال لي:
رأيت مثل هذا الجمع قط [1] ؟ فقلت: لا، فقال لي: ذاك من ها هنا خرج، يشير إلى المسجد ويأمرني فيه بالاجتهاد.
ورئي أبو منصور في النوم، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بتعليم الصبيان فاتحة الكتاب.
3759- محمد بن عبد الله بن يحيى: أبو البركات، ويعرف بابن الشيرجي، وبابن الوكيل المقرئ
[2] :
ولد يوم الجمعة العشرين من رمضان سنة ست وأربعمائة، وقرأ القرآن على أبي العلاء الواسطي وغيره، وسمع الحديث من أبي القاسم بن بشران وغيره، وتفقه/ على 41/ أأبي الطيب الطبري سنين، وسكن الكرخ، وروى عنه أشياخنا [3] ، وكان يتهم بالاعتزال.
وتوفي يوم الثلاثاء خامس عشر ربيع الأول من هذه السنة، ودفن في مقبرة الشونيزي.
3760- محمد بن عبيد الله بن الحسن بن الحسين، أبو الفرج البصري
[4] :
قاضي البصرة، سمع من علماء البصرة، ثم ورد بغداد فسمع أبا الطيب الطبري، وأبا القاسم التنوخي، وأبا الحسن الماوردي، وأبا محمد الجوهري، وغيرهم. وسمع بالكوفة والأهواز وبواسط وغيرها، وكان يعرف الآداب [5] . سمع من أبي القاسم الرقي،
__________
[1] في الأصل: «رأيت مثل ذلك الجمع قط» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 410، وفيه: «أبو البركات بن الوكيل محمد بن عبد الله بن يحيى الخباز الدباس الكرخي الشافعيّ» ) .
[3] في ص: «روى عنه مشايخنا» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 166) .
[5] في ص: «وكان يعرف الأدب» .(17/97)
وابن برهان، وله فصاحة ومحفوظ كثير، وكان ممن يخشع قلبه عند الذكر ويبكي، وكانت له مروءة تامة.
توفي بالبصرة في محرم هذه السنة.
3761- محمد بن محمد بن الطيب، أبو الفضل الصباغ
[1] :
ولد في ذي الحجة سنة عشرين وأربعمائة، وسمع أبا القاسم بن بشران، وحدثنا عنه أشياخنا.
وتوفي يوم السبت غرة ربيع الأول، ودفن بباب حرب.
3762- مهارش بن مجلى، أبو الحارث
[2] .
صاحب الحديثة، وهو الّذي أكرم القائم بأمر الله، وفعل معه الجميل الذي قد سبق ذكره حين خرج القائم بأمر الله، من داره يوم فتنة البساسيري وكان كثير [3] الصلاة والصدقة، محبا للخير، فبلغ ثمانين سنة.
توفي في هذه السنة.
__________
[1] الصّبّاغ نسبة إلى من يصبغ الثياب بالألوان.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 166) .
[3] في ص، ط: «حين خرج القائم من داره، وكان كثير» .(17/98)
ثم دخلت سنة خمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه [في سابع المحرم] [1] دخل صبي إلى بيت أخته فوجد عندها رجلا، فقتلها وهرب، وكان ذلك بالنصرية، فركب الشحنة، وخرب المحلة.
[قتل فخر الملك أبي المظفر]
وفي يوم عاشوراء: / قتل فخر الملك أبو المظفر بن نظام الملك، وهو أكبر 41/ ب أولاده، قتله باطني على وجه الاغتيال، وكان فخر الملك قد رأى في ليلة عاشوراء التي قتل فيها الحسين عليه السلام، وهو يقول له: عجل إلينا والليلة أفطر عندنا [2] . فانتبه مشفقا من ذلك فشجعوه وأمروه أن لا يبرح يومه هذا من داره، وكان صائما فلما صار وقت العصر، خرج من حجرة كان فيها إلى بعض دور النساء، فسمع صوت متظلم بحرقة، وهو يقول: ذهب المسلمون ما بقي من يكشف ظلامة ولا من يأخذ لضعيف حق [3] ، ولا من يفرج عن ملهوف، فقال: أدنوه مني فقد عمل كلامه في قلبي، فلما أتوه به، قال: ما حالك؟ فدفع إليه رقعة، فبينما هو يتأملها ضربه بسكين في مقتله فقضى نحبه، وكان ذلك بنيسابور وهو يومئذ وزير سنجر فقرر فأقر على جماعة من أصحاب فخر الملك أنهم ألفوه وكذب عليهم، وإنما كان باطنيا يريد أن يقتل بيده وسعايته فقتل من عين عليه، وكانوا برآء ثم قتل هو بعد ذلك.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص: «عجل إلينا وأفطر الليلة عندنا» .
[3] في ص، ط: «ولا من يأخذ بيد ضعيف» .(17/99)
وفي رابع عشر صفر: خرج الوزير أبو القاسم على بن جهير من داره بباب العامة إلى الديوان على عادته، فلما استقر في الديوان وصل إليه أبو الفرج بن رئيس الرؤساء وبهج وشافهاه بعزله [1] ، فانصرف إلى داره ماشيا، ومشيا معه، وكان سيف الدولة صدقه قد قرر أمره لما رد إلى الوزارة أنه متى تغير الرأي فيه عزل مصونا، فقصد دار سيف الدولة بعد عزله، وهو يقول في الطريق: أمنك الله يا سيف الدولة يوم الفزع الأكبر كما أمنتني. فأقام بدار سيف الدولة إلى أن نفذ إليه قوما من الحلة، فخرج معهم هو وولده وأصحابه.
وكانت مدة وزارته ثلاث سنين وخمسة أشهر وأياما، وكان قد استفسد في وزارته 42/ أهذه قلوب جماعة/ عليه منهم: قاضي القضاة أبو الحسن الدامغاني، وصاحب المخزن أبو القاسم ابن الفقيه. وأمر الخليفة بنقض داره التي بباب العامة، وكان في ذلك عبرة من جهة أن أبا نصر بن جهير بناها بأنقاض دور الجانب الغربي وباب محول على يدي صاحب الشرطة أبي الغنائم بن إِسْمَاعِيل، وكان هذا الشرطي يأخذ أكثر ذلك لنفسه ويحتج بعمارة هذه الدار ولا يقدر الضعفاء على منعه [2] ، فكانت عاقبة الظلم الخراب وذهاب الأموال، فلما عزل استنيب قاضي القضاة أبو الحسن، وجعل معه أبو الحسين بن رضوان مشاركا له وجالسا إلى جانبه، ثم استدعي إلى حضرة الخلافة يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع الأول أبو المعالي هبة الله بن محمد بن المطلب، فكلمه بما شد أزره وشافهه بالتعويل عليه وتقدم بإفاضة الخلع عليه، فخرج إلى الديوان، وقرأ أبو الحسين بن رضوان عهده وهو من إنشاء ابن رضوان.
[استدعاء أبي القاسم بن الحصين صاحب المخزن]
وفي هذا اليوم استدعى أبو القاسم بن الحصين صاحب المخزن إلى باب الحجرة فخلع عليه هناك إبانة لمحله، ورفعا لمنزلته.
[قبض السلطان على وزيره أبي المحاسن]
وفي ثالث شعبان، قبض السلطان على وزيره أبي المحاسن وصلبه بظاهر أصبهان مع جماعة من أعيان الكتاب، واستوزر نظام الملك أبا نصر أحمد بن نظام الملك [3] .
__________
[1] في ص، ط: «رئيس الرؤساء ومهج وشافهاه بعزله» .
[2] في ص: «ولا يقدر الضعفاء على الكلام» .
[3] في الأصل: «نظام الملك أحمد أبا نصر بن نظام الملك» .(17/100)
[وفي ذي القعدة عول في ديوان الزمام على أبي الحسن علي بن صدقة، وخلع عليه، ولقب عميد الدولة] [1] .
[ترتيب أبي جعفر عبد الله الدامغانيّ حاجب الباب]
وفي هذه السنة. رتب أبو جعفر عبد الله الدامغاني حاجب الباب، ولقب بمهذب الدولة، وخلع عليه فخلع الطيلسان، وقد كان إليه القضاء بربع الطاق وقطعة كبيرة من البلاد نيابة عن أخيه، فشق ذلك على أخيه لكونه قاضي القضاة.
[وصول رأس أحمد بن عبد الملك ابن عطاش ورأس ولده معه]
وفي آخر ذي الحجة: وصل إلى بغداد رأس أحمد بن عبد الملك/ بن عطاش، 42/ ب ورأس ولده معه، وهو متقدم الباطنية بقلعة أصفهان، وهذه القلعة بناها السلطان جلال الدولة ملك شاه، وسبب بنائه لها أنه ورد عليه بعض متقدمي الروم، وأظهر الإسلام فخرج معه في بعض الأيام للصيد فهرب منه كلب معروف بجودة العدو إلى الجبل، فصعد السلطان وراءه وطاف في الجبل حتى وجده، فقال [له] [2] الرومي: لو كان هذا الجبل عندنا لبنينا عليه قلعة ينتفع بها ويبقى ذكرها، فثبت هذا الكلام في قلبه فبناها وانفق عليها ألف ألف ومائتي ألف دينار، فكان أهل أصفهان يقولون حين ابتلوا بابن عطاش: انظروا إلى هذه القلعه كان الدليل على موضعها كلب، والمشير ببنائها [3] كافر، وخاتمة أمرها هذا الملحد.
ولما رجع هذا الرومي إلى بلده، قال: إني نظرت إلى أصفهان وهو بلد عظيم والإسلام به ظاهر [4] فلم أجد شيئا أشتت به شملهم [5] غير مشورتي: على السلطان ببناء هذه القلعة.
ولما مات السلطان آل أمرها إلى الباطنية، فاستولى عليها ابن عطاش اثنتي عشرة سنة فلما سيقت الممالك للسلطان محمد [6] اهتم بأمر الباطنية، فنزل بهذه القلعة،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ط، ص: «موضعها كلب والمشير بها» .
[4] في ص: «والإسلام به قاهر» .
[5] في ص، ط: «اشتت به شملهم» .
[6] في ص، ط: «فلما سيقت الممالك إلى السلطان» .(17/101)
فحاصرها سنة فأرسلوا إليه أن ينفذ إليهم من يناظرهم، فأنفذ فلم يرجعوا، ثم ضاق الأمر بهم فأذعنوا بالطاعة فأخرجهم إلى أماكن التمسوها ونقضها في ذي القعدة من هذه السنة، وقتل رئيسها ابن عطاش وسلخه، وقتل ابنه وألقت زوجته نفسها من أعلى القلعة ومعها جوهر نفيس، فهلكت وما معها.
وكان هذا ابن عطاش في أول أمره طبيبا، فأخذ أبوه في أيام طغرلبك لأجل مذهبه، فأراد قتله فأظهر التوبة ومضى إلى الري، وصاحب أبا علي النيسابوري وهو متقدمهم هناك وصاهره وصنف رسالة في الدعاء إلى هذا المذهب سماها «العقيقة» .
43/ أومات في سواد الري، فمضى/ ولده إلى هذه القلعة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3763- أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد، أبو الفتح الحداد الأصفهاني ابن أخت أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله [1] بن منده:
ولد سنة ثمان وأربعمائة، وسمع من خلق كثير، روى عنه شيخنا عبد الوهاب فأثنى عليه ووصفه بالخيرية والصلاح، وكان من أهل الثروة.
وتوفي في رجب هذه السنة بأصبهان.
3764- جعفر بن أحمد بن الحسين [2] بن أحمد ابن السراج أبو محمد [3] القارئ:
ولد سنة ست عشرة وأربعمائة، قرأ القرآن بالقراءات وأقرأ سنين، وسمع أبا علي بن شاذان، وأبا محمد الخلال، والبرمكي، والقزويني وخلقا كثيرا، وسافر إلى بلاد الشام ومصر، وسمع بدمشق وطرابلس، وخرج له الخطيب فوائد في خمسة أجزاء، وتكلم على الأحاديث، وكان أديبا شاعرا لطيفا صدوقا ثقة، وصنف كتبا حسانا وشعره
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 410، والكامل 9/ 112) .
[2] في الأصل: «جعفر بن أحمد بن الحسن» .
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 411، والبداية والنهاية 12/ 168، وفيه: «جعفر بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن جعفر السراج» ، والكامل 9/ 112) .(17/102)
مطبوع، وقد نظم كتبا كثيرة شعرا فنظم كتاب «المبتدإ» ، وكتاب «مناسك الحج» ، وكتاب «الخرقى» ، وكتاب «التنبيه» وغيرها، حدثنا عنه أشياخنا، وآخر من حدث عنه شهدة بنت الإبري، قرأت [عليها] [1] كتابه المسمى «بمصارع العشاق» بحق سماعها منه.
ومن أشعاره:
بان الخليط فأدمعي ... وجدا عليهم تستهل
وحدا بهم حادي الفرا ... ق عن المنازل فاستقلوا
قل للذين ترحلوا ... عن ناظري والقلب حلوا
ودمي بلا جرم أتيت ... غداة بينهم استحلوا
/ ما ضرهم لو أنهلوا ... من ماء وصلهم وعلوا
43/ ب أنبأنا أبو المعمر الأنصاري، قال: أنشدنا جعفر ابن السراج لنفسه في مدح أصحاب الحديث:
قل للذين بجهلهم ... أضحوا يعيبون المحابر
والحاملين لها من ... الأيدي بمجتمع الأساور
لولا المحابر والمقالم ... والصحائف والدفاتر
والحافظون شريعة ... المبعوث من خير العشائر
والناقلون حديثه عن ... كابر ثبت وكابر [2]
لرأيت من شيع الضلال ... عساكرا تتلو عساكر
كل يقول بجهله ... والله للمظلوم ناصر
سميتهم أهل الحديث ... أولى النهى وأولى البصائر
حشوية فعليكم ... لعن يزيركم المقابر
هم حشو جنات النعيم ... على الأسرة والمنابر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص: «عن كابر ثبت فكابر» .(17/103)
رفقاء أحمد كلهم ... عن حوضه ريان صادر
كان جعفر السراج صحيح البدن لم يعتره في عمره [1] مرض يذكر، فمرض أياما.
وتوفي ليلة الأحد العشرين من صفر هذه السنة، ودفن بالمقبرة المعروفة بالأجمة من باب أبرز.
3765- سعد بن محمد، أبو المحاسن
[2] .
وزير السلطان محمد، صلبه السلطان على ما سبق ذكره.
3766- عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن عبد الواحد، أبو محمد الشيرازي الفارسي
[3] :
سمع الحديث الكثير وتفقه، ولاه نظام الملك التدريس بمدرسته ببغداد [4] سنة ثلاث وثمانين، فبقي بها مدة يدرس ويملي الحديث إلا أنه لم يكن له انس بالحديث 44/ أفكان يصحف تصحيفا/ ظريفا، فحدثهم بالحديث الذي فيه: «صلاة في أثر صلاة كتاب في عليين» ، فقال: «كنار في غلس» . فقيل: ما معنى هذا؟ فقال: النار في الغلس تكون أضوأ.
توفي في رمضان هذه السنة.
3767- علي بن نظام الملك
[5] :
قتل يوم عاشوراء وهو ابن ست وستين سنة وذكرنا في الحوادث كيف كان ذلك.
3768- محمد بن إبراهيم، أبو عبد الله الأسدي
[6] :
__________
[1] في ص: «صحيح البدن بمعتره في عمره» .
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 111) .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 168، وشذرات الذهب 3/ 413، والكامل 9/ 112) .
[4] في ت: «ولاه نظام الملك التدريس ببغداد» .
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 167، والكامل 9/ 100) .
[6] انظر ترجمته في: (معاهد التنصيص 3/ 201، والأعلام 5/ 295، والبداية والنهاية 12/ 169) .(17/104)
ولد بمكة سنة احدى وأربعمائة [1] ، ونشأ بالحجاز ولقي أبا الحسن التهامي في صباه فتصدى لمعارضته، ثم خرج إلى اليمن ثم توجه إلى العراق واتصل بخدمة الوزير أبي القاسم المغربي، ثم عاد إلى الحجاز ثم سافر إلى خراسان.
ومن بديع شعره.
قلت ثقلت إذ أتيت مرارا ... قال ثقلت كاهلي بالأيادي
قلت طولت قال لا بل تطولت ... وأبرمت [2] قال حبل الوداد
توفي بغزنة في عاشر محرم هذه السنة. [3]
3769-[محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن البغدادي، أبو غالب الباقلاوي:
[4] ولد سنة احدى وأربعمائة، وسمع أبا عبد الله المحاملي، وأبا علي بن شاذان، وأبا بكر البرقاني، وأبا العلاء الواسطي وغيرهم. حدثنا عنه أشياخنا، وهو من بيت الحديث، وكان شيخا صالحا كثير البكاء من خشية الله تعالى، صبورا على إسماع الحديث.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
3770- المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم بن أحمد، أبو الحسين الطيوري الصيرفي، ويعرف بابن الحمامي:
[5] ولد في ربيع الأول سنة احدى عشرة وأربعمائة، وسمع أبا علي بن شاذان، وأبا الفرج الطناجيري، وأبا الحسن العتيقي، وأبا محمد الخلال. وانحدر إلى البصرة فسمع بها، وكان مكثرا صالحا أمينا صدوقا متيقظا، صحيح الأصول، صينا ورعا، حسن
__________
[1] في الأصول: «سنة إحدى وأربعين وأربعمائة» . وهو خطأ.
[2] في المطبوعة: «قال لا بل تولت» .
[3] في الأصل: «قال الناقل لهذه النسخة: لم أجد في النسخة المنقول منها سنة إحدى وخمسمائة، ولا سنة اثنين وخمسمائة» . ثم بدأ سنة ثلاث وخمسمائة. وما أوردناه من باقي النسخ.
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 412، وفيه: «أبو غالب الباقلاقي ... الفامي» ) .
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 412) .(17/105)
السمت، كثير الصلاة، سمع الكثير ونسخ بخطه ومتعه الله بما سمع حتى انتشرت عنه الرواية. حدثنا عنه أشياخنا وكلهم أثنوا عليه ثناء حسنا وشهدوا له بالصدق والأمانة مثل عبد الوهاب وابن ناصر وغيرهما، وذكر عن المؤتمن أنه كان يرميه بالكذب وهذا شيء ما وافقه فيه أحد.
وتوفي في منتصف ذي القعدة من هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3771- المبارك بن الفاخر بن محمد بن يعقوب، أبو الكرم النحوي
[1] :
سمع الحديث من أبي الطيب الطبري، والجوهري وغيرهما. وكان مقرئا في النحو، عارفا باللغة، غير أن مشايخنا جرحوه، كان شيخنا أبو الفضل ابن ناصر سيء الرأي فيه يرميه بالكذب والتزوير، وكان يدعى سماع ما لم يسمعه.
توفي في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3772- يوسف بن علي، أبو القاسم الزنجاني الفقيه.
[2] تفقه على أبي إسحاق، وبرع في الفقه، وكان من أهل الدين.
أَنْبَأَنَا أَبُو الْمَعْمَرِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ يُوسُفَ بْنَ عَلِيٍّ الزَّنْجَانِيَّ، يَقُولُ سَمِعْتُ شَيْخَنَا أَبَا إِسْحَاقَ بْنَ عَلِيِّ ابن الفيروزآبادي، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْقَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ يَقُولُ: كُنَّا فِي حَلَقَةِ النَّظَرِ بِجَامِعِ الْمَنْصُورِ فَجَاءَ شَابٌّ خُرَاسَانِيٌّ فَسَأَلَ مَسْأَلَةَ الْمُصَرَّاةِ وَطَالَبَ بِالدَّلِيلِ، فَاحْتَجَّ الْمُسْتَدِلُّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْوَارِدِ فِيهَا، فَقَالَ الشَّابُّ وَكَانَ خَبِيثًا: أَبُو هُرَيْرَةَ غَيْرُ مَقْبُولِ الْحَدِيثِ، قَالَ الْقَاضِي: فَمَا اسْتَتَمَّ كَلامَهُ حَتَّى سَقَطَتْ عَلَيْهِ حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ سَقْفِ الْجَامِعِ فَوَثَبَ النَّاسُ مِنْ أَجْلِهَا، وَهَرَبَ الشَّابُّ مِنْ يَدِهَا فَلَمْ يُرَ لَهَا أَثَرٌ.
توفي يوسف في صفر هذه السنة، ودفن عند أبي حامد الأسفراييني.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 412، وفيه: «المبارك بن فاخر، أبو الكرم الدباس الأديب» .
والكامل 9/ 112) .
[2] الزنجاني نسبة إلى زنجان، وهي بلدة على حد أذربيجان من بلاد الجبل.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 169) .(17/106)
ثم دخلت سنة احدى وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[تجديد الخلع المستظهرية]
أنه جددت الخلع المستظهرية في أول المحرم على الوزير أبي المعالي هبة الله بن محمد بن المطلب، ووصل إلى الخليفة وشافهه بما رفع قدره ولم يصل معه إلا أبو القاسم بن الحصين صاحب المخزن.
[دخول السلطان محمد إلى بغداد]
وفي ربيع الآخر: دخل السلطان محمد إلى بغداد واصطاد في طريقه صيدا كثيرا، وبعث أربع جمازات عليها أربعون ظبيا هدية إلى دار الخلافة، وكان على الظباء وسم السلطان جلال الدولة ملك شاه فإنه كان يصيد الغزلان فيسمها ويطلقها.
ومضى الوزير أبو المعالي في الموكب لخدمة السلطان وحمل معه شيئا من ملابس الخليفة، وأخرج مجلدا بخط الخليفة يشتمل على دعاء رواه العباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقام السلطان فدعا وشكر هذا الاهتمام، وانصرف الوزير وصاحب المخزن إلى دار نظام الملك وقد كان حاضرا أداء الرسالة إلى السلطان لكنه سبق إلى داره، فأدى الوزير رسالة عن الخليفة تتضمن مدح بيته وسلفه، فقام وقبل الأرض ودعا وشكر، وخرج السلطان إلى مشهد أبي حنيفة فدخل فاجتمع إليه الفقهاء، فقال: هذا يوم قد انفردت فيه مع الله تعالى فخلوا بيني وبين المكان، فصعدوا إلى أعاليه، فأمر غلمانه بغلق الأبواب، وأن لا يمكنوا الأمراء من الدخول، وأقام يصلي ويدعو ويخشع، وأعطاهم خمسمائة دينار، وقال: اصرفوا هذه في مصالحكم وادعوا لي. ومرض نحو عشرة من غلمانه الصغار، فبعث بهم المتولى لأمورهم إلى المارستان، فلما علم بعث(17/107)
مائة دينار فصرفت في مصالح المكان، وخرج يوما فرأى الفقهاء حول داره وهم نحو من أربعمائة، فأمر بكسوتهم جميعا، وحملت إليه قسي بندق فلما رآها قال: قد ذكرت بها شيخا من الأتراك قد تعطل فأتوه به فأعطاه ثلاثين دينارا، وكان أصحابه لا يظلمون أحدا ولا يتعرضون بأذى، ولقد جاء بعض الصبيان الأتراك إلى بعض البيادر فقال: بيعوني تبنا، فقالوا: التبن عندنا مبذول للصادر والوارد فخذ منه ما أحببت، فأبى، وقال: ما كنت لأبيع رأسي بمخلاة تبن فإن أخذتم ثمن ذلك وإلا انصرفت، فباعوه بما طلب، ثم كثر الفساد فعاثوا وصعب ضبطهم.
وكان صدقة بن مزيد قد باين هذا السلطان، وكان السبب أن سرخاب الديلمي عصى على السلطان فاستجار بصدقة، فطلبه فامتنع من تسليمه، فسار السلطان إليه وآل الأمر إلى الحرب، وصار مع صدقة أكثر من عشرين ألفا فالتقوا وكانت الوقعة في رجب، فصف صدقة عسكره فجعل في ميمنته ابنه دبيس، وسعيد بن حميد ومعهما خفاجة وجماعة من الأكراد، وفي مقابلتهم من العسكر السلطاني البرسقي والسعدية. وكان في ميسرته ابنه بدران ومعه عبادة بأسرها، وفي مقابلتهم من العسكر السلطاني الأمير أحمد بك وجماعة من الأمراء، وكان سيف الدولة في قلب عسكره ومعه سرخاب الديلمي، وأبو المكارم حماد بن أبي الجبر، فأما خفاجة وعبادة فلزمت مواضعها وحمل قلب عسكر سيف الدولة وحمل معهم فحصلت خيولهم في الطين والماء، وكانت الأتراك تخرج من أيديهم في رمية واحدة عشرة آلاف نشابة، وتقاعد عن صدقة جماعة من العرب فصاح صدقة: يال خزيمة، يال ناشرة، يال عوف، وجعل يقول: أنا تاج الملوك، أنا ملك العرب، فأصابه سهم في ظهره وأدركه غلام اسمه بزغش [1] من السعدية أحد أتباع الأتراك الواسطيين، وهو لا يعرفه، فجذبه عن فرسه فسقطا إلى الأرض جميعا، فقال له صدقة- وهو بارك بين يديه يلهث لهثا شديدا: ارفق. فضربه فرمى قحفه ثم حز رأسه وحمله، وانهزم أصحابه وأسر منهم حماد بن أبي الجبر، ودبيس بن صدقة، وسرخاب الديلمي الذي نشأت الفتنة بسببه، وأخذ دبيس فحلف على خلوص النية،
__________
[1] في ص: «أدركه غلام اسمه برغش» .(17/108)
وأطلق وزادت القتلى على ثلاثة آلاف، وأخذ من زوجته خمسمائة دينار وجواهر، وكانت الوقعة بعد صلاة الجمعة تاسع عشر رجب.
[عزل أبي سعد ابن الحلواني]
وفي رمضان: عزل أبو سعد ابن الحلواني عن الحسبة، وعول على القاضي أبي العباس ابن الرطبي.
[عزل الوزير ابن المطلب]
وفي هذا الشهر عزل الوزير ابن المطلب، وعول على نقيب النقباء أبي القاسم وقاضي القضاة أبي الحسن في النيابة في الديوان والاشتراك في النظر، وقبض على الوكيل أبي القاسم بن الحصين، وحمل إلى القلعة ثم أعيد الوزير.
[عزل مهذب الدولة عن حجبة الباب]
وفي يوم الفطر: عزل مهذب الدولة أبو جعفر ابن الدامغاني عن حجبة الباب، واستنيب أبو العز المؤيدي.
وفي ذي الحجة: وقع حريق في خرابة ابن جردة وبقي مقدار منا بين الصلاتين، وذهب من العقار ما تزيد قيمته على ثلاثمائة ألف دينار، وتلفت نفوس كثيرة وتخلص قوم بنقوب نقبوها في سور المحلة، وخرجوا إلى مقابر باب أبرز، وكان هذا المكان قد احترق في سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة وعمره أهله، ثم أتى عليه هذا الحريق، ثم عاد الحريق في عدة أماكن بدرب القيار وغيره مرارا متوالية فارتاع الناس لذلك وأقاموا على سطوحهم من يحفظها، ونصب بعضهم الخيم في أعاليها، وذلك في حر شديد، وأعدوا في السطوح حباب الماء وبقوا على ذلك أياما حتى تعطلوا عن معايشهم.
وظهر على جارية قوم أحبت رجلا فوافقته على المبيت في دار مولاها مستترا، وعول بأن يأخذ زنفليجة كانت هناك، فلما أخذها طرحا النار وخرجا، فأظهر الله تعالى أمرهما فافتضحا.
وظهر في هذه السنة صبية عمياء تتكلم في أسرار الناس، وبالغ الناس في التحيل لعلم حالها فلم يعلموا، قال ابن عقيل: وأشكل أمرها على العلماء والخواص والعوام حتى إنها كانت تسأل عن نقوش الخواتيم وما عليها وألوان الفصوص وصفات الأشخاص وما في دواخل البنادق من الشمع والطين من الحب المختلف والخرز، وبالغ أحدهم في ترك يده على ذكره فقيل لها: ما الذي في يده؟ فقالت: يحمله إلى أهله وعياله. وثبت(17/109)
بالتواتر أن جميع ما يتكلم به أبوها في السؤال لها: «ما في يد فلان؟ وما الذي قد خبأه هذا الرجل؟» فتقول في ذلك تفاصيل لا يدركها البصر، فاستحال أن يكون بينها وبين أبيها ترجمة لأمور مختلفة.
قال ابن عقيل: ليس في هذا إلا أنه خصيصة من الله سبحانه كخواص النبات والأحجار فخصت هذه بإجراء ما يجري على لسانها من غير اطلاع على البواطن.
قال المصنف رحمه الله: وقد حكى إبراهيم بن الفراء أنه أخذ شيئا يشبه الحنطة وليس بحنطة فأخطأت هذه المرة في حزره.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3773- إبراهيم بن مياس بن مهدي بن كامل، أبو إسحاق القشيري
[1] :
من أهل دمشق، سمع الكثير وأكثر عن الخطيب وكتب من تصانيفه، وورد بغداد، فسمع من ابن النقور. وكان ثقة.
وتوفي في شعبان هذه السنة.
3774- إسماعيل بن عمرو بن محمد، أبو سعيد البحيري
[2] :
من أهل نيسابور، ومن بيت الحديث، سمع الكثير، وكان ثقة دينا، وكان يقرأ الحديث للغرباء، قرأ صحيح مسلم على عبد الغفار عشرين مرة.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
3775- أحمد بن عبد الله بن منصور القيروانيّ، أبو بكر
[3] :
توفي في رمضان، ودفن في باب أحرب، وحدث عن الجوهري وغيره.
__________
[1] هذه النسبة إلى قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، قبيلة كبيرة ينسب إليها كثير من العلماء.
وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 123) .
[2] في ص: «أبو سعد البختري» ، وفي المطبوعة «أبو سعد النجيرمي» . والتصحيح من تاريخ نيسابور.
وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 123، وتاريخ نيسابور 339، والكامل 9/ 123) .
[3] القيرواني: نسبة إلى القيروان، وهي بلدة بالمغرب عند افريقيا، وهي كلمة فارسية.(17/110)
3776- حيدرة بن أبي الغنائم المعمر [1] بن عبد الله، أبو الفتوح العلوي نقيب الطالبيين:
وكان عفيفا متشاغلا بالعلوم، غزير الأدب، مليح الصورة، توفي في هذه السنة وعمره ثمان وثلاثون سنة، ومدة ولايته النقابة اثنتا عشرة سنة وثلاثة أشهر، وولى بعده أخوه أبو الحسن علي.
3777- صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد، أبو الحسن الأسدي الملقب بسيف الدولة
[2] :
كان كريما، ذا ذمام عفيفا من الزنا والفواحش، كأن عليه رقيبا من الصيانة، ولم يتزوج على زوجته قط ولا تسرى، وقيل: أنه لم يشرب مسكرا ولا سمع غناء ولا قصد التسوق في طعام، ولا صادر أحدا من أصحابه، وكان تاريخ العرب والأماجد كرما ووفاء، وكانت داره ببغداد حرم الخائفين، فلما خرج سرخاب الحاجب عن طاعة السلطان محمد التجأ إليه فأجاره، ثم طلبه السلطان منه فلم يسلمه، فجاء السلطان محاربا له على ما سبق ذكره في هذه السنة وهو ابن خمس وخمسين سنة، وكانت إمارته اثنتين وعشرين سنة غير أيام، وحمل فدفن في مشهد الحسين عليه السلام.
__________
[1] في ص: «بن أبي الغنائم بن المعمر» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 2، البداية والنهاية 12/ 170، والكامل 9/ 113) .(17/111)
ثم دخلت سنة اثنتين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه شرع في عمارة جامع السلطان، وأتمه بهروز الخادم، وفوض إليه السلطان محمد عمارة دار المملكة وملاحظة الأعمال بالعراق، فحفر السواني وعمر، فرخصت الأسعار، وبنى رباطا للصوفية قريبا من النظامية، ومنع النساء أن يعبرن مع الرجال في السميريات، ثم وقع الغلاء فبيعت الكارة بثمانية دنانير.
وفي هذه السنة: عزل الوزير ابن المطلب في حادي عشرين رجب، وكان أبو القاسم علي بن جهير بأصفهان فاستدعى للوزارة بإذن السلطان، وجلس في وزارة المستظهر في شوال.
وفي يوم الجمعة الثاني والعشرين من شعبان: تزوج المستظهر بخاتون بنت ملك شاه، وكانت الوكالة للوزير نظام الدين أحمد بن نظام الملك أخي الوزير أحمد، والخطيب أبو العلاء صاعد بن محمد الفقيه الحنفِي.
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
3778- الحسن العلويّ، أبو هاشم رئيس همذان
[1] :
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 170) .(17/112)
وكان قد صادره السلطان على تسعمائة ألف دينار فأداها في نيف وعشرين يوما، ولم يبع فيها ملكا ولا عقارا.
3779- صاعد بن محمد بن عبد الرحمن، أبو العلاء البخاري القاضي
[1] :
من أهل أصبهان، ولد بها في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، وسمع الحديث بها وببغداد ومكة، وتفقه على مذهب أبي حنيفة، وبرع حتى صار مفتي البلد، وكان متدينا.
وقتل في الجامع يوم الفطر من هذه السنة.
3780- عبيد الله بن علي [2] ، أبو إِسْمَاعِيل الخطبي:
قاضي أصفهان، قتله الباطنية بها.
3781- عبد الواحد بن إسماعيل، بن أحمد بن محمد، أبو المحاسن الروياني
[3] :
من أهل آمل طبرستان، ولد سنة خمس عشرة وأربعمائة، ورحل إلى الأقطار، وعبر ما وراء النهر، وسمع الحديث، واقتبس العلوم، وتفقه، وكان يحفظ مذهب الشافعيّ، ويقول: لو احترقت كتب الشافعيّ لأمليتها من حفظي، وله مصنفات في المذهب والخلاف.
توفي شهيدا مقتولا ظلما يوم عاشوراء هذه السنة بآمل في الجامع يوم الجمعة.
3782- محمد بن عبد الكريم بن محمد بن خشيش، أبو سعيد الكاتب
[4] :
ولد سنة أربع عشرة وأربعمائة، وسمع أبا علي بن شاذان، وأبا الحسن بن مخلد وغيرهما، وروى عنه أشياخنا، وكان ثقة خيرا صحيح السماع، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن بباب حرب.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 4، والكامل 9/ 133) .
[2] في ص: «عبد الله بن علي» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 4،. والبداية والنهاية 12/ 170) .
[3] الروياني: نسبة إلى رويان، وهي بلدة بنواحي طبرستان.
[4] في ص: «أبو سعد الكاتب» .(17/113)
3783- محمد بن عبد القادر بن أحمد بن الحسين، أبو الحسين ابن السماك الواعظ المعدل
[1] :
روى عن أبي القاسم الأزجي، والتوزي وغيرهم، روى لنا عنه أشياخنا، وقال شيخنا أبو الفضل بن ناصر: لا تحل الرواية عنه لأنه كان كذابا، ولم يكن في عدالته بمرضى.
توفي في رجب هذه السنة، ودفن في داره بنهر معلى.
3784- هبة الله بن أحمد بن محمد بن علي بن إبراهيم بن سعد، أبو عبد الله البزدوي الموصلي
[2] :
ولد سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وسمع أبا القاسم بن بشران وغيره، روى عنه أشياخنا وكان فاضلا صالحا صحيح السماع، عمر حتى انتشرت عنه الرواية، وتوفي في رمضان هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3785- يحيى بن علي بن محمد بن الحسن بن بسطام الشيباني التبريزي، أبو زكريا
[3] :
أحد أئمة اللغة، كانت له معرفة حسنة بالنحو واللغة، قرأ على أبي العلاء وغيره، وتخرج به جماعة من أهل اللغة، وصاحبه الأكبر شيخنا أبو منصور ابن الجواليقي، وقال شيخنا أبو منصور ابن خيرون: ما كان أبو زكريا بمرضى الطريقة، قال شيخنا ابن ناصر: ولكنه كان ثقة فيما يرويه. وصنف التصانيف الكثيرة، وتوفي فجاءة في
__________
[1] في ت: «الواعظ العدل» .
[2] البزدوي: هذه النسبة إلى بزدة، وهي قلعة حصينة على ستة فراسخ من نسق على طريق بخارى.
[3] التبريزي: نسبة إلى تبريز، وهي من بلاد أذربيجان، أشهر بلدة بها.
وانظر ترجمته في: (الأنساب 3/ 21، وشذرات الذهب 4/ 5، وابن خلكان 2/ 233، وآداب اللغة 3/ 37، ومفتاح السعادة 1/ 175، وإرشاد الأريب 7/ 286، ومرآة الجنان 3/ 172، والأعلام 8/ 157، 158، والبداية والنهاية 12/ 171، والكامل 9/ 134) .(17/114)
جمادي الآخرة من هذه السنة، وصلى عليه أبو طالب الزينبي، ودفن إلى جانب تربة أبي إسحاق الشيرازي بباب أبرز.
أنبأنا أبو منصور ابن الجواليقي، قال: أنشدنا أبو زكريا قال: كتب إلى العميد الفياض:
قل ليحيى بن علي ... والأقاويل فنون
غير أني لست من يكذب ... فيها ويخون
أنت عين الفضل إن مد ... ت إلى الفضل العيون
أنت من عزبه الفضل ... وقد كان يهون
فقت من كان وأتعبت ... لعمري من يكون
وإذا قيس بك الكل ... فصحو ودجون
وإذا فتش عنهم ... فالأحاديث شجون
قد سمعنا ورأينا ... فسهول وحزون
ووزنا بك من كان ... فقيل وقيون
إنك الأصل ومن ... دونك في العلم غصون
إنك البحر وأعياني ... ن ذوى الفضل عيون
ليس كالسيف وإن حلى ... في الحكم الجفون
ليس كالفذ المعلى ... ليس كالبيت الحجون
ليس كالجد وإن ... آنس هزل ومجون
ليس في الحسن سواء ... أبدا بيض وجون
ليس كالأبكار في اللطف ... وإن راقتك عون
إن ودى لك عما ... يصم الود مصون
ليس لي منه ظهور ... تتنافي وبطون
بل لقلبي منه صب ... بالمعافاة مكون
غلق الرهن وقد يغلق ... في الحب الرهون
ومن الناس أمين ... في هواه وخؤون(17/115)
قال أبو زكريا: فكتبت إليه:
قل للعميد أخي العلا الفياض ... أنا قطرة من بحرك الفياض
شرفتني ورفعت ذكرى بالذي ... ألبستنيه من الثنا الفضفاض
إني أتيتك بالحصى عن لؤلؤ ... أبرزته عن خاطر مرتاض
ولخاطري عن مثل ذاك توقف ... ما إن يكاد يجود بالأنقاض
أيعارض البحر الغطامط جدول ... أم درة تقتاس بالرضراض
يا فارس النظم المرصع جوهرا ... والنثر يكشف غمة الأمراض
لا تلزمني من ثنائك موجبا ... حقا فلست لحقه بالقاضي
ولقد عجزت عن القريض وربما ... أعرضت عنه أيما أعراض
أنعم علي ببسط عذري إنني ... أقررت عند نداك بالانفاض] [1]
__________
[1] إلى هنا انتهى السقط في نسخة أحمد الثالث (الأصل) والّذي بدأ ترجمة «محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن البغدادي» في وفيات سنة 500، والاستدراك من ص، ط، وهو ساقط من ت أيضا.(17/116)
ثم دخلت سنة ثلاث وخمسمائة
44/ ب فمن الحوادث فيها:
[أخذ الإفرنج طرابلس]
أخذ الإفرنج طرابلس.
وفيها: أن الوزير أبا المعالي بن المطلب خرج مستترا في أزار وخف من دار الخلافة ومعه ولداه، فنزل دجلة وصعد دار السلطان فاستجار بها.
[دخول السلطان بغداد]
وفي ربيع الآخر: دخل السلطان بغداد وعزل ابن قضاعة عن عمارة بغداد، وولي مكانه عميد الدولة بن صدقة أبو علي.
وفي شعبان: نزل الوزير نظام الدين أحمد بن نظام الملك إلى السميرية فضربه باطني في عنقه بسكين فبقى مريضا مدة وسلم، وقبض على الباطني وسقى الخمر فلما سكر أقر على جماعة من الباطنية بمسجد في محلة المأمونية فقتلوا وقتل معهم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3786- أحمد بن علي [بن أحمد] ، أبو بكر العلثي
[1] :
كان في حداثته يجصص الحيطان ويتنزه عن عمل النقوش والصور، وكان لا يقبل
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 6، وفيه: «العلبي، أبو بكر الزاهد الحنبلي» ، والبداية والنهاية 12/ 171، وفيه: «أبو بكر العلويّ» ) .(17/117)
من أحد شيئا عفافا وقناعة، وكان له عقار قد ورثة من أبيه، وكان يبيع منه شيئا فشيئا ويتقوت به، واشتغل بالعبادة، وصحب القاضي أبا يعلى وقرأ عليه طرفا من الفقه، وسمع منه الحديث، وحدث عنه بشيء يسير، وكان إذا حج يزور القبور بمكة ثم يجيء إلى قبر الفضيل فيخط بعصاه الأرض، ويقول: يا رب ها هنا، فقدر له أن حج في سنة ثلاث وخمسمائة فوقع من الجمل مرتين وشهد عرفة محرما، وتوفي عشية ذلك اليوم في 45/ أعرفات، / فحمل إلى مكة وطيف به حول البيت، ودفن يوم النحر عند قبر الفضيل، ولما بلغ خبره إلى بغداد صلى الناس عليه صلاة الغائب فامتلأ الجامع من الناس.
3787- أحمد بن المظفر بن الحسين بن عبد الله بن سوسن، أبو بكر التمار
[1] :
ولد سنة إحدى عشرة وأربعمائة روى عنه جماعة، وحدثنا عنه أشياخنا.
قال شجاع بن فارس الذهلي: كان ضعيفا جدا، قيل له: بماذا ضعفتموه؟ فقال:
بأشياء ظهرت منه دلت على ضعفه، منها أنه كان يلحق سماعاته في الأجزاء.
وتوفي في صفر هذه السنة، ودفن بباب حرب.
3788- عمر بن عبد الكريم بن سعدويه، [2] أبو الفتيان الدهستاني
[3] :
رحل وطلب الحديث، فدار الدنيا، وخرج على المشايخ وانتخب، وكان ممن يفهم هذا الشأن، وكان ثقة، سمع أبا يعلى بن الفراء وغيره [4] ، وصحح عليه الصحيحين أبو حامد الغزالي، وتوفي بسرخس في هذه السنة.
3789- محمد ويعرف بأخي حمادي
[5] :
قال المصنف: قرأت بخط أبي شجاع الذهلي مات محمد ويعرف بأخي حمادي
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 7، وتذكرة الحفاظ 1239) .
[2] في الأصل: «عبد الكريم بن سعيدويه» .
[3] الدّهستاني: نسبة إلى دهستان، وهي بلدة مشهورة عند مازندران وجرجان بناها عبد الله بن طاهر في خلافة المهدي. وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 7، وتذكرة الحفاظ 1237، والبداية والنهاية 12/ 171، 172، وفيه: « ... بن سعدويه الفتيان الدهقاني» ) .
[4] في الأصل: «سمع أبا يعلى بن الفراء وغيرهما» .
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 172) .(17/118)
من أهل الجانب الشرقي يوم الخميس سادس محرم سنة ثلاث وخمسمائة، وكان رجلا صالحا كان له مرض شارف منه التلف، فَرَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي منامه فعوفي من ذلك المرض، فانقطع عن مخالطة الناس، فلزم المسجد نحو أربعين سنة، وكان لا يخرج منه إلا في أيام الجمعات لصلاة الجمعة، ثم يعود إليه.
وحدثني أبو محمد عبد الله بن علي المقرئ، عن أخي حمادي قال: خرجت في يدي عيون فانتفخت فأجمع الأطباء على قطعها، فبت ليلة على سطح قد رقيت إليه، فقلت: في الليل يا صاحب هذا الملك/ الذي لا ينبغي لغيره هب لي شيئا بلا شيء، 45/ ب فنمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام، فقلت: يا رسول الله يدي أنظر إليها فقال:
مدها، فمددتها فأمر يده عليها وأعادها، وقال: قم، فقمت وانتبهت والخرق التي قد شدت بها مخانق، فقمت في الليل ومضيت إلى باب الأزج إلى قرابة لي، فطرقت الباب، فقالت المرأة لزوجها: قد مات فلان، تعنيني وظنت أني مخبر قد جاء يخبرها بذلك، فلما فتحت الباب فرأتني تعجبت ورجعت إلى باب الطاق فرأيت الناس من عند دار السلطان إلى منزلي خلقا لا يحصى معهم الجرار والأباريق، فقلت: ما لكم؟ فقالوا: قيل لنا أن رجلا قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ها هنا يتوضأ من بئر، فقلت في نفسي: إن مضيت لم يكن لي معهم عيش، فاختفيت في الخرابات طول النهار.
قال المصنف: هذا الرجل مدفون في زاوية كانت له بالجانب الشرقي مما يلي قبر أبي حنيفة، وقد زرت قبره.
3790- هبة الله بن محمد بن علي الكرماني، أبو المعالي بن المطلب الوزير:
ولد سنة أربعين وأربعمائة وسمع من أبي الحسين بن المهتدي.
وتوفي يوم الأحد ثاني شوال هذه السنة، ودفن بباب أبرز.(17/119)
ثم دخلت سنة اربع وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[وصول الخبر بأن الافرنج ملكوا الشام]
أنه وصل الخبر بأن الإفرنج ملكوا الشام، فقام التجار فمنعوا الخطبة في جامع السلطان، فقال السلطان: لا تعارضوهم، وبعث عبيدا ومعهم ولد للسلطان.
وخرج شيخنا أبو الحسن الزاغوني إلى الغزاة، ورافقه جماعة فبلغني أنهم ساروا إلى بعض الأماكن ورجعوا [1] .
[جلوس ابن الشجري في حلقة النحويين]
46/ أوجلس الشريف أبو السعادات/ ابن الشجري في حلقة النحويين بجامع المنصور، وحضر عنده الأكابر.
وخرج زين الإسلام أبو سعد الهروي لاستدعاء خاتون بنت ملك شاه زوجة الخليفة المستظهر، فدخلت بغداد يوم السبت ثامن عشرين رجب من هذه السنة، ونزلت بدار المملكة عند أخيها السلطان محمد، وزينت بغداد، ونقل جهازها في رمضان، فكان على مائة واثنين وستين جملا وسبعة وعشرين بغلا، وجاءت النجائب [2] والمهور والجواري المزينات، وغلقت الأسواق، ونصبت القباب، وتشاغل الناس بالفرح، وكان الزفاف في ليلة العاشر من رمضان.
وجلس أبو بكر الشاشي يدرس في [المدرسة] النظامية في شعبان، وحضر عنده وزير السلطان وأرباب الدولة.
__________
[1] في ص، ط: «إلى بعض الأماكن وعادوا» .
[2] في الأصل، ص: وجاءت الجنائب» .(17/120)
ووصل إلى بغداد حاج خراسان، ثم رحلوا إلى الكوفة، فقيل لهم: أن الطريق ليس بها ماء، فعادوا ولم يحج منهم أحد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3791- أحمد بن محمد بن محمد بن عبيد الله بن الكاتب، أبو المكارم، ويعرف بابن السكري
[1] :
ولد سنة خمس وعشرين وأربعمائة، وسمع الأمير أبا محمد الحسن بن علي بن المقتدر [2] ، وروى عنه شيخنا عبد الوهاب الأنماطي.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3792- إِسْمَاعِيل بن محمد بن عبد الغافر، أبو عبد الله بن أبي الحسين الفارسي
[3] :
من أهل نيسابور المحدث ابن المحدث، ولد سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، وسمع من أبي حسان المزكي وغيره. وقدم بغداد فسمع من ابن المهتدي، والجوهري، وأبي الغنائم ابن المأمون. روى عنه شيخنا البسطامي، وغيره.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة، وهو ابن إحدى وثمانين سنة.
3793- إدريس بن حمزة/ بن علي، أبو الحسن الشامي الرمليّ العثماني
[4] : 46/ ب من أهل الرملة، بلدة من بلاد فلسطين، تفقه علي أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي، ثم ببغداد على أبي إسحاق الشيرازي، ودخل إلى بلاد خراسان، وخرج إلى وراء النهر، وسكن سمرقند، وفوض إليه التدريس بها إلى أن توفي في هذه السنة، وكان من فحول المناظرين.
__________
[1] في ت: «ويعرف بابن اليشكري» .
[2] في ص، ط: «الحسن بن عيسى بن المقتدر» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ نيسابور 340، وفيه: «إسماعيل بن عبد الغافر، أبو عبد الله الفارسيّ» ، وشذرات الذهب 4/ 7) .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 172، وفيه: «أبو الحسن الشاشي» ، والكامل 9/ 142) .(17/121)
3794- عبد الوهاب بن هبة الله بن السيبي [1] ، أبو الفرج مؤدب ولد الخليفة المقتفي
[2] :
روى عنه المقتفي الحديث، وتوفي يوم السبت عشرين محرم هذه السنة عند عوده من الحج قبل وصوله إلى المدينة بيوم، وحمل إلى المدينة فصلى عليه بها، ودفن بالبقيع.
3795- علي بن محمد بن علي، أبو الحسن الطبري الهراسي، ويعرف بإلكيا
[3] :
ولد في ذي القعدة سنة خمس وأربعمائة، وتفقه على أبي المعالي الجويني، وكان حافظا للفقه، كان يعيد الدرس في ابتدائه بمدرسة نيسابور على كل مرقاة من مراقي مسمع مرة، وكانت المراقي سبعين، وسمع الحديث، وكان فصيحا جهوريّ الصوت [4] ، ودرس بالنظاميّة بغداد مدة، واتهم برأي الباطنية، فأخذ فشهد له جماعة بالبراءة من ذلك منهم أبو الوفاء بن عقيل.
وتوفي يوم الخميس غرة محرم هذه السنة، ودفن بمقبرة باب أبرز، عند الشيخ أبي إسحاق الشيرازي.
__________
[1] في الأصل: «ابن اسبتي» .
[2] في ص: «ولد الخليفة» بإسقاط «المقتفي» .
[3] انظر ترجمته في: (وفيات الأعيان 1/ 327، وفيه: «الكيا بكسر الكاف في اللغة الأعجمية: الكبير القدر» ، وطبقات الشافعية 4/ 281، وشذرات الذهب 4/ 8، والأعلام 4/ 329، البداية والنهاية 12/ 172، 173، الكامل 9/ 142) .
[4] في الأصل: «وكان فصيحا جوهري الصوت» .(17/122)
ثم دخلت سنة خمس وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[بعث السلطان محمد إلى الإفرنج الأمير مودود]
أنه كان قد بعث السلطان محمد إلى الإفرنج الأمير مودود في خلق عظيم، فخرج فوصل إلى جامع دمشق، فجاء باطني في زي المكدين فطلب منه شيئا فضربه في فؤاده فمات.
[الخلع على ابن الخزري]
وفي ربيع الأول: خلع على ابن الخزري بباب الحجرة، وخرج إلى/ الديوان 47/ أونثر عليه دنانير.
ووجد رجل أعمى على سطح الجامع ومعه سكين مسمومة، وذكر أنه أراد الخليفة.
[ولد للخليفة ولد من بنت السلطان]
وولد للخليفة ولد من بنت السلطان، وضربت الدبادب والبوقات، وقعد الوزير للهناء في باب الفردوس وتوفي أخ للمستظهر فقطع ضرب الطبل أياما وجلس للعزاء [1] به بباب الفردوس [2] .
وعزل أحمد بن نظام الملك عن الوزارة في تاسع رمضان، وكانت مدة وزارته أربع سنين واحد عشر شهرا.
__________
[1] في ص: «وقعد أياما» .
[2] العبارة: «وتوفي أخ للمستظهر ... بباب الفردوس» جاءت في الأصل في آخر الترجمة.(17/123)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3796- الحسن بن عبد الواحد بن الحصين، أبو القاسم
[1] :
صاحب مخزن الخليفة المستظهر باللَّه، تمكن من الدولة تمكنا كثيرا، وكان يعزل ويولي من الوزير إلى من دونه، فقبض عليه السلطان محمد وحمله إلى القلعة بكنجة، فتوفي في هذه السنة.
3797- علي بن محمد بن علي بن محمد بن يوسف، أبو الحسن ابن العلاف
[2] :
ولد سنة ست وأربعمائة، وروي عن أبي القاسم بن بشران، وأبي الحسن الحمامي، وغيرهما. وكان سماعه صحيحا، ومتع بسمعه وبصره وجوارحه إلى أن توفي في هذه السنة [عن ثمان وتسعين سنة [3] .
3798- عبد الملك بن محمد بن الحسين [4] ، أبو محمد البوزجاني:
سمع أبا الحسن القزويني، وروى عنه أشياخنا، وكان شيخا صالحا.
وتوفي في محرم هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب [5] .
3799- محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الغزالي
[6] :
ذكر أنه ولد سنة خمسين وأربعمائة، وتفقه على أبي المعالي الجويني، وبرع/ 47/ ب في النظر في مدة قريبة، وقاوم الأقران وتفقه وتوحد، وصنف الكتب الحسان في الأصول
__________
[1] في ص: «ابن عبد الواحد بن الحسين» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 10) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «بن محمد بن الحسن» .
[5] «ودفن في مقبرة باب حرب» : ساقطة من ص، ط.
[6] في الأصل: «محمد أبو حامد بن محمد بن محمد الغزالي» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 10: 13، ووفيات الأعيان 1/ 463، وطبقات الشافعية 4/ 101، والوافي بالوفيات 1/ 277، ومفتاح السعادة 2/ 191- 210، وآداب اللغة 3/ 97، والأعلام 7/ 22، 23، والبداية والنهاية 12/ 173، 174) .(17/124)
والفروع التي انفرد بحسن وضعها وترتيبها وتحقيق الكلام فيها، حتى أنه صنف في حياة أستاذه الجويني، فنظر الجويني في كتابه المسمى «بالمنخول» ، فقال له: دفنتي وأنا حي هلا صبرت حتى أموت؟ وأراد أن كتابك قد غطى على كتابي، ووقع له القبول من نظام الملك، فرسم له التدريس بمدرسته ببغداد، فدخل بغداد في سنة أربع وثمانين ودرس بها وحضره الأئمة الكبار كابن عقيل وأبي الخطاب، وتعجبوا من كلامه واعتقدوه فائدة، ونقلوا كلامه في مصنفاتهم، ثم إنه ترك التدريس والرئاسة، ولبس الخام الغليظ، ولازم الصوم، وكان لا يأكل إلا من أجرة النسخ، وحج وعاد ثم رحل إلى الشام، وأقام ببيت المقدس ودمشق مدة يطوف المشاهد، وأخذ في تصنيف كتاب «الإحياء» في القدس، ثم أتمه بدمشق إلا أنه وضعه على مذهب الصوفية، وترك فيه قانون الفقه، مثل أنه ذكر في محو الجاه، ومجاهدة النفس أن رجلا أراد محو جاهه فدخل الحمام فلبس ثياب غيره ثم لبس ثيابه فوقها، ثم خرج يمشي على مهل حتى لحقوه فأخذوها منه وسمي سارق الحمام.
وذكر مثل هذا على سبيل التعليم للمريدين قبيح لأن الفقه يحكم بقبح هذا، فإنه متى كان للحمام حافظ وسرق سارق قطع، ثم لا يحل لمسلم أن يتعرض لأمر يأثم الناس به في حقه.
وذكر أن رجلا اشترى لحما فرأى نفسه تستحيي من حمله إلى بيته فعلقه في عنقه ومشى.
وهذا في غاية القبح/ ومثله كثير ليس هذا موضعه. 48/ أوقد جمعت أغلاط الكتاب وسميته «إعلام الإحياء بأغلاط الإحياء» [1] وأشرت إلى بعض ذلك في كتابي المسمى «بتلبيس إبليس» مثل ما ذكر في كتاب النكاح أن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت الذي تزعم أنك رسول الله، وهذا محال، وإنما كان سبب إعراضه فيما وضعه عن مقتضى الفقه أنه صحب الصوفية فرأى حالتهم الغاية، وقال: إني أخذت الطريقة من أبي علي الفارمذي، وامتثلت ما كان يشير به من
__________
[1] في ص: «وسميته أغلاط الإحياء بأغلاظ الأحياء» .(17/125)
وظائف العبادات واستدامة الذكر إلى أن جزت تلك العقابت وتكلفت تلك المشاق وما حصلت ما كنت أطلبه.
ثم أنه نظر في كتاب أبي طالب المكي وكلام المتصوفة القدماء فاجتذبه ذلك بمرة عما يوجبه الفقه، وذكر في كتاب الإحياء من الأحاديث الموضوعة وما لا يصح غير قليل، وسبب ذلك قلة معرفته بالنقل، فليته عرض تلك الأحاديث على من يعرف، وإنما نقل نقل حاطب ليل.
وكان قد صنف للمستظهر كتابا في الرد على الباطنية، وذكر في آخر مواعظ الخلفاء، فقال: روي أن سليمان بن عبد الملك بعث إلى أبي حازم ابعث إلى من إفطارك، فبعث إليه نخالة مقلوة، فبقي سليمان ثلاثة أيام لا يأكل، ثم أفطر عليها، وجامع زوجته فجاءت بعبد العزيز، فلما بلغ ولد له عمر بن عبد العزيز.
وهذا من أقبح الأشياء، لأن عمر ابن عم سليمان، وهو الذي ولاه فقد جعله ابن ابنه، فما هذا حديث من يعرف من النقل شيئا أصلا.
وكان بعض الناس شغف بكتاب الإحياء فاعلمته بعيوبه، ثم كتبته له فأسقطت ما 48/ ب يصلح إسقاطه/ وزدت ما [يصلح أن] [1] يزاد.
ثم أن أبا حامد عاد إلى وطنه مشتغلا بتعبده، فلما صار الوزارة إلى فخر الملك أحضره وسمع كلامه وألزمه بالخروج إلى نيسابور، فخرج ودرس، ثم عاد إلى وطنه واتخذ في جواره مدرسة ورباطا للصوفية [2] ، وبنى دارا حسنة، وغرس فيها بستانا، وتشاغل بحفظ القرآن وسمع الصحاح.
سمعت إِسْمَاعِيل بن علي الموصلي الواعظ يحكى عن أبي منصور الرزاز الفقيه، قال: دخل أبو حامد بغداد فقومنا ملبوسه ومركوبة خمسمائة دينار، فلما تزهد وسافر وعاد إلى بغداد فقومنا ملبوسه خمسة عشر قيراطا.
وحدثني بعض الفقهاء، عن أنوشروان- وكان قد وزر للخليفة-، أنه زار أبا حامد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص: «ورباطأ للمتصوفة» .(17/126)
الغزالي، فقال له أبو حامد: زمانك محسوب [عليك] [1] وأنت كالمستأجر فتوفرك على ذلك أولى من زيارتي، فخرج أنوشروان، وهو يقول: لا إله إلا الله، هذا الذي كان في أول عمره يستزيدني فضل لقب في ألقابه كان يلبس الذهب والحرير فآل أمره إلى هذا الحال.
توفي أبو حامد يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة من هذه السنة بطوس، ودفن بها وسأله قبيل الموت بعض أصحابه: أوص، فقال: عليك بالإخلاص، فلم يزل يكررها حتى مات.
3800- محمد بن علي بن محمد، أبو الفتح الحلواني:
سمع أبا الحسين بن المهتدي وغيره، وتفقه على الشريف أبي جعفر، وحدث بشيء يسير.
توفي يوم عيد الأضحى من هذه السنة، ودفن بباب حرب.
3801- مودود الأمير:
قد ذكرنا في الحوادث كيفية قتله، وكيف قتله الباطنية في دمشق.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/127)
ثم دخلت سنة ست وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أن أبا علي المغربي كان من الزهاد معروفا بين الصوفية بالزهادة والقناعة، كان يأتيه كل يوم روزجاري برغيفين من كد يده فيأكلهما ثم عن له أن يشتغل بصنعة الكيمياء فأخذ إلى دار الخلافة وانقطع خبره.
[جلوس ابن الطبري مدرسا بالنظاميّة]
وفي جمادي الآخرة: جلس ابن الطبري بالنظامية مدرسا، وعزل الشاشي.
[دخول يوسف بن أيوب الهمذاني الواعظ إلى بغداد]
ومن الحوادث: دخول يوسف بن أيوب الهمذاني الواعظ إلى بغداد، وكان قد دخلها بعد الستين والأربعمائة، فتفقه على الشيخ [1] أبي إسحاق حتى برع في الفقه، ثم عاد إلى مرو فاشتغل بالتعبد، واجتمع في رباطه خلق زائد عن الحد من المنقطعين إلى الله تعالى، وعاد إلى بغداد في هذه السنة فوعظ بها، فوقع له القبول، وقام إليه رجل متفقه يقال له ابن السقاء، فآذاه في مسألة، فقال له: اجلس فإني أجد من كلامك رائحة الكفر، ولعلك تموت على غير دين الإسلام فاتفق [2] بعد مديدة أن ابن السقاء خرج إلى بلاد الروم وتنصر، وقام إليه ابنا أبي بكر الشاشي، فقالا له: إن كنت تتكلم على مذهب الأشعري وإلا فلا تتكلم، فقال: اجلسا لا متعكما الله بشبابكما، فماتا ولم يبلغا الشيخوخة.
__________
[1] «الشيخ» : ساقطة من ص، ط.
[2] «فاتفق» : ساقطة من ص، ومكانها بياض في ط.(17/128)
قال المصنف: ورأيت بخط شيخنا أبي بكر بن عبد الباقي البزاز، قال: في يوم الخميس ثالث عشر ذي القعدة من سنة ست وخمسمائة سمع صوت هذه عظيمة/ في 49/ ب أقطار بغداد بالجانبين الشرقي والغربي، وسمعت أنا صوتها وأنا جالس في المارستان حتى ظننت أنه صوت حائط قد ذهب بالقرب منا، ولم يعلم ما هو ولم يكن في السماء غيم، فيقال: صوت رعد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3802- أحمد بن الفرج [بن عمر] ، أبو نصر الدينَوَريّ والد شيختنا شهدة
[1] :
سمع القاضي أبا يعلى، وابن المأمون، وابن المهتدي، وابن النقور، وابن المسلمة، وأبا بكر الخطيب. روى عنه جماعة منهم ابنته شهدة، وكان خيرا متزهدا حسن السيرة.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة [2] .
3803- صاعد بن منصور بن إِسْمَاعِيل بن صاعد، أبو العلاء الخطيب
[3] :
من أهل نيسابور، سمع الحديث الكثير، وروى عنه شيخنا أبو شجاع النظامي [4] ، وكان الجويني يثني عليه، وخلف أباه في الخطابة والتدريس والتذكير. ولي قضاء خوارزم، وأملى الحديث.
وتوفي في رمضان هذه السنة.
3804- عبد الملك بْن عبد الله بن أحمد بن رضوان، أبو الحسين:
حدث عن أبي محمد الجوهري، وروى عنه أبو المعمر الأنصاري [5] ، وكان خيرا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 148) .
[2] في ص، ط: «وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 2/ 175، الكامل 9/ 148) .
[4] في ط: «أبو شجاع البسطامي» .
[5] في الأصل: «أبو معمر الأنصاري» .(17/129)
صالحا كثير الصدقة والبر، وكان كاتب المستظهر باللَّه على ديوان الرسائل.
وتوفي في شوال هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3805- محمد بن الحسين بن إِسْمَاعِيل أبو جعفر البرزائي:
من أهل طبرستان، رحل في طلب الحديث، وسمع الكثير بالعراق والحجاز والجبال، وكان صالحا صدوقا. وتوفي في هذه السنة.
3806- محمد بْن محمد بن أيوب أبو محمد القطواني:
من أهل سمرقند، وقطوان على خمسة فراسخ منها، سافر البلدان، وسمع 50/ أالكثير، وكان/ إماما واعظا فاضلا، له القبول التام بين الخواص والعوام، وحظي عند الملوك، وكان يأمرهم بالمعروف من غير محاباة، ووعظ يوما في الجامع وصلى العصر، ثم ركب فرسا له فسقطت قطعة من السور فنفر الفرس ورماه، فاندقت عنقه فحمل إلى داره فتوفي [وقت الفجر] [1] يوم السبت سادس رجب سنة ست وخمسمائة.
3807- المعمر بن علي بن المعمر، أبو سعد بن أبي عمامة الواعظ
[2] :
ولد سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وسمع ابن غيلان والخلال والجوهري وغيرهم، وكان يعظ وجمهور وعظه حكايات السلف، وكان له خاطر حاد وذهن بغدادي وتماجن، وكان يحاضر المستظهر باللَّه، قال يوما في وعظه: أهون ما عنده أن يجعل لك أبواب الوصي توابيت.
ولما دخل نظام الملك وزير السلطان ملك شاه إلى بغداد صلى في جامع المهدي الجمعة، فقام أبو سعد بن أبي عمامة، فقال: الحمد الله ولي الأنعام، وصلى الله على من هو للأنبياء ختام، وعلى آله سرج الظلام، وعلى أصحابه الغر الكرام، والسلام على صدر الإسلام ورضي الإمام زينه الله بالتقوى وختم عمله بالحسنى وجمع له بين خير
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 14. وفيه: «أبو سعد بن أبي عمارة» ، والبداية والنهاية 12/ 175، وفيه: «أبو سعد بن أبي عمار الواعظ» ) .(17/130)
الآخرة والدنيا معلوم، يا صدر الإسلام أن آحاد الرعية من الأعيان مخيرون في القاصد والوافد إن شاءوا وصلوه، وإن شاءوا قطعوه، [1] فأما من توشح بولائه وترشح لآلائه فليس مخيرا في القاصد والوافد، لأن من هو على الحقيقة أمير فهو في الحقيقة أجير، قد باع نفسه وأخذ ثمنه، فلم يبق له من نهاره ما يتصرف فيه على اختياره، ولا له أن يصلى نفلا ولا يدخل معتكفا دون التبتل لتدبيرهم، / والنظر في أمورهم، لأن ذلك فضل وهذا 50/ ب فرض لازم، وأنت يا صدر الإسلام وإن كنت وزير الدولة، فأنت أجير الأمة استأجرك جلال الدولة بالأجرة الوافرة لتنوب عنه في الدنيا والآخره، فأما في الدنيا ففي مصالح المسلمين [2] ، وأما في الآخرة فلتجيب عند رب العالمين، فإنه سيقفه بين يديه ويقول له: ملكتك البلاد وقلدتك أزمة العباد فما صنعت في إقامة البذل وإفاضة العدل؟ فلعله يقول: يا رب اخترت من دولتي شجاعا عاقلا حازما وسميته قوام الدين نظام الملك وها هو قائم في جملة الولاة، وبسطت يده في السوط والسيف والقلم، ومكنته من الدينار والدرهم، فاسأله يا رب ماذا صنع في عبادك وبلادك؟ أفتحسن أن تقول في الجواب نعم تقلدت أمور العباد وملكت أزمة العباد فبثثت النوال وأعطيت الأفضال حتى إنى أقربت من لقائك ودنوت من تلقائك اتخذت الأبواب والنواب والحجّاب والحجاب ليصدوا عنى القاصد ويردوا عنى الوافد، فاعمر قبرك كما عمرت قصرك، وانتهز الفرصة ما دام الدهر يقبل أمرك، فلا تعتذر فما ثم من يقبل عذرك، وهذا ملك الهند وهو عابد صنم ذهب سمعه فدخل عليه أهل مملكته يعزونه في سمعه، فقال: ما حزني لذهاب هذه الجارحة من بدني ولكن لصوت المظلوم كيف لا أسمعه فأغيثه، ثم قال: إن كان قد ذهب سمعي فما ذهب بصرى، فليؤمر كل ذي ظلامة أن يلبس الأحمر حتى إذا رأيته عرفته فأنصفته.
وهذا أنوشروان قال له رسول/ ملك الروم: لقد أقدرت عدوك عليك بتسهيل الوصول إليك، فقال: إنما أجلس هذا المجلس لأكشف ظلامة وأقضى حاجة، وأنت يا صدر الإسلام أحق بهذه المأثرة، وأولى بهذه المعدلة، وأحرى من أعد جوابا لتلك المسأله، فإنه الله الذي تكاد السموات يتفطرن منه في موقف ما فيه إلا خاشع أو خاضع
__________
[1] في ص، ط: «إن شاءوا فصلوه» .
[2] في الأصل: «في الدنيا فلمصالح المسلمين» .(17/131)
أو مقنع، ينخلع فيه القلب، ويحكم فيه الرب، ويعظم الكرب، ويشيب الصغير، ويعزل الملك والوزير: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى 89: 23 [1] يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً 3: 30 [2] وقد استجلبت لك الدعاء وخلدت لك الثناء مع براءتي من التهمة، فليس لي في الأرض ضيعة ولا قرية ولا بيني وبين أحد حكومة ولا بي بحمد الله فقر ولا فاقة.
فلما سمع نظام الملك هذه الموعظة بكى بكاء طويلا وأمر له بمائة دينار فلم يأخذها [3] ، وقال: أنا في ضيافة أمير المؤمنين ومن يكون في ضيافته يقبح أن يأخذ عطاء غيره، فقال له: فضها على الفقراء، فقال: الفقراء على بابك أكثر منهم على بابى. ولم يأخذ شيئا.
توفي أبو سعد في ربيع الأول من هذه السنة.
__________
[1] سورة: الفجر، الآية: 23.
[2] سورة: آل عمران، الآية، 30.
[3] في ص، ط: «بمائة دينار فأبى أن يأخذ» .(17/132)
ثم دخلت سنة سبع وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[الوقعة الكبرى بين المسلمين والإفرنج]
الوقعة الكبيرة بين المسلمين والإفرنج، قتل من الإفرنج ألف وثلاثمائة، وغنم المسلمون منهم الغنيمة العظيمة، واستولوا/ على جميع سوادهم، وفوضت شحنكية 51/ ب بغداد إلى بهروز، ووزر للمستظهر أبو منصور الحسين بن الوزير أبى شجاع.
وفي هذه السنة حج بالناس زنكي بن برسق.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3808- أحمد بن على بن بدران، أبو بكر الحلواني المقرئ الزاهد المعروف بخالوه:
[1] سمع أبا الطيب الطبري، وأبا محمد الجوهري، والعشاري، وابن النقور، وقرأ بالقراءات، وحدث، وخرج له الحميدي مشيخة قرئت عليه، وكان من أهل الخير والدين، وتوفي ليله الأربعاء منتصف جمادى الأولى، ودفن بباب حرب.
3809- أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمروس، أبو العباس [2] المالكي:
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 16، وفيه: «ويعرف بحالوية» وتذكرة الحفاظ 1241، والكامل 9/ 151) .
[2] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1241، وفيه: «أحمد بن محمد بن عروس» ) .(17/133)
أحد الفقهاء المالكية، ولد في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وكانت له إجازة من أبى على ابن شاذان، وكان صدوقا متيقظا صالحا.
وتوفي في رمضان هذه السنة، وصلى عليه شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي البزاز.
3810- إِسْمَاعِيل بن أحمد بن الحسين بن على بن موسى، أبو علي بن بكر [1] البيهقي:
ولد سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، ووالده العالم المعروف صاحب التصانيف، وسمع هو من أبيه، وأبى الحسن عبد الغافر، وأبى عثمان الصابوني، وسافر الكثير، وسكن خوارزم قريبا من عشرين سنة، ودرس بها ثم مضى إلى بلخ، فأقام بها مدة، وورد بغداد وحدث بها، وورد نيسابور في هذه السنة [فسمعوا منه، ثم خرج إلى بيهق.
فتوفي بها في هذه السنة] [2] وكان فاضلا مرضى الطريقة.
52/ أ
3811- شجاع بن أبي شجاع، فارس/ بن الحسين [بن فارس بن الحسين] [3] بن غريب بن زنجويه بن بشير بن عبد الله بن المنخل بن شريك بن محكان بن ثور بن سلمة بن شعبة بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن على بن بكير بن وائل بن قاسط هيت بن قصي [4] بن دعمى بن جذيلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، أبو غالب الذهلي [5] الحافظ:
ولد في رمضان سنة ثلاثين وأربعمائة، وسمع أباه، وأبا القاسم الأزجى، وأبا الحسن بن المهتدى، والجوهري، والبرمكي، والتنوخي، وأبا طالب ابن غيلان، والعشاري، وغيرهم. وكتب الكثير، وكان ثقة مأمونا ثبتا فهما، وكان يورق للناس.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ نيسابور 341، وفيه: «أبو علي الخسروجردي» ، والبداية والنهاية 176.
والكامل 9/ 151) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص: «ابن قاسط بن هنب بن أفصى» .
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 16، والبداية والنهاية 12/ 176، وتذكرة الحفاظ 1240، والكامل 9/ 151) .(17/134)
قال شيخنا عبد الوهاب: دخلت عليه، فقال: توبني، قلت: من إيش؟ قال: قد كتبت شعر ابن الحجاج سبع مرات، وأنا أريد أتوب.
وكان مفيد أهل بغداد والمرجوع إليه في معرفة الشيوخ، وشرع في تتمة تاريخ بغداد، ثم غسل ذلك قبل موته بعد أن أرخ بعد الخطيب، وتوفي في عشية الأربعاء ثاني جمادى الأولى، ودفن بمقبرة باب حرب قريبا من ابن سمعون.
3812- علي بن محمد بن علي، أبو منصور [1] الأنباري:
سمع الحديث من ابن غيلان، ولجوهري، وأبى يعلى بن الفراء، وتفقه عليه.
وأفتى ووعظ بجامع القصر، وجامع المنصور، وجامع المهدى، وشهد عند أبى عبد الله الدامغاني، وولى قضاء باب الطاق.
وتوفي في جمادى الآخرة [من هذه السنة] . [2]
3813- محمد الأبيوردي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إسحاق بن الحسن بن منصور بن معاوية بن محمد بن عثمان بن عتبة بن عنبسة بن أبي سفيان صخر بن حرب، أبو المظفر/ بن أبي العباس:
[3] كانت له معرفة حسنة باللغة والنسب، سمع إِسْمَاعِيل بن مسعدة، وأبا بكر بن خلف، وأبا محمد السمرقندي، وأبا الفضل بن خيرون وغيرهم، وصنف «تاريخ أبيورد» و «المختلف والمؤتلف في أنساب العرب» وغير ذلك، وكان له الشعر الرائق غير أنه كان فيه تية وكبر زائد يخرج [4] صاحبه إلى الحماقة، فكان إذا صلى يقول: اللَّهمّ ملكني مشارق الأرض ومغاربها.
وكتب مرة إلى الخليفة قصة وكتب على رأسها الخادم المعاوي يعنى معاوية بن محمد بن عثمان لا معاوية بن أبي سفيان، فكره الخليفة النسبة إلى معاوية فأمر بكشط الميم ورد القصة [5] فبقيت الخادم العاوي.
__________
[1] الأنباري: نسبة إلى الأنبار، وهي بلدة قديمة على الفرات بينها وبين بغداد عشرة فراسخ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 176، وتذكرة الحفاظ 1241، وشذرات الذهب 4/ 18) .
[4] في الأصل: «وكان فيه نية وعجب زائد يخرج» .
[5] في ص، ط: «فرد البقية» .(17/135)
قال أحمد بن سعد العجلى: كان السلطان نازلا على باب همذان، فرأيت الأديب الأبيوردي راجعا من عندهم، فقلت له: من أين؟ فانشأ يقول ارتجالا. [1]
ركبت طرفي فأذرى دمعه أسفا ... عند انصرافي منهم مضمر الياس
وقال حتّى م تؤذيني فإن سنحت ... حوائج لك فاركبني إلى الباس
ومن شعره:
تنكر لي دهري ولم يدر أنني ... أعز وأحداث الزمان تهون
فظل يريني الخطب كيف اعتداؤه ... وبت أريه الصبر كيف يكون
توفي الأبيوردي بأصبهان في هذه السنة.
3814- محمد بن الحسن بن وهبان، أبو المكارم الشيباني:
[2] حدث عن الجوهري، والماوردي، وأبي الطيب الطبري، إلا أن علماء النقل طعنوا فيه، وكان السبب أنه سمع لنفسه من ابن غيلان في سنة خمسين وأربعمائة.
وابن غيلان توفي سنة أربعين، ومات يوم الأربعاء رابع عشر صفر، ودفن برباطه بالمقتدية.
53/ أ
3815- محمد بن طاهر بن علي بن أحمد/ أبو الفضل المقدسي [3] الحافظ.
ولد سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، وأول ما سمع وكتب في سنة ستين، وسافر وكتب الكثير، وكان له حفظ الحديث ومعرفة به، وصنف فيه إلا أنه صنف كتابا سماه «صفوة التصوف» يضحك منه من يراه ويعجب من استشهاده على مذاهب الصوفية بالأحاديث التي لا تناسب ما يحتج له من نصرة الصوفية، وكان داودي المذهب، فمن أثنى عليه فلأجل حفظه للحديث ومعرفته به وإلا فالجرح أولى به، ذكره أبو سعد ابن
__________
[1] في الأصل: «فأنشأ فقال ارتجالا» .
[2] الشيبانيّ: نسبة إلى شيبان، وهي قبيلة معروفة في بكر بن وائل، وهو شيبان بن ذهل بن ثعلبة.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 176، 177، وتذكرة الحفاظ 1241، 1242، وشذرات الذهب 4/ 18) .(17/136)
السمعاني وانتصر له بغير حجة بعد أن قال: سألت شيخنا إِسْمَاعِيل بن أحمد الطلحي الحافظ عن محمد بن طاهر فأساء الثناء عليه، وكان سيّئ الرأي فيه.
قال: وسمعت أبا الفضل ابن ناصر يقول محمد بن طاهر لا يحتج به، صنف كتابا في جواز النظر إلى المرد، وأورد فيه حكاية عن يحيى بن معين، [قال] [1] : رأيت جارية بمصر مليحة صلى الله عليها فقيل له تصلى عليها؟ فقال: صلى الله عليها وعلى كل مليح [2] ثم قال: كان يذهب مذهب الإباحة.
قال ابن السمعاني: وذكره أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الدقاق الحافظ فأساء الثناء عليه جدا، إلى أشياء ثم انتصر له السمعاني، فقال: لعله قد تاب.
فوا عجبا ممن سيره قبيحة فيترك الذم لصاحبها لجواز أن يكون قد تاب، فما أبله هذا المنتصر، ويدل على صحة ما قاله ابن ناصر من أنه كان يذهب مذهب الإباحة.
ما أنبأنا به أبو المعمر المبارك بن أحمد الأنصاري، قال أنشدنا أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي لنفسه:
دع التصوف والزهد الذي اشتغلت ... به جوارح أقوام من الناس
/ وعج على دير داريا فإن به ... الرهبان ما بين قسّيس وشماس 53/ ب
فاشرب معتقة من كف كافرة ... تسقيك خمرين من لحظ ومن طاس
ثم استمع رنة الأوتار من رشأ ... مهفهف طرفة أمضى من الماس
غنى بشعر امرئ في الناس مشتهر ... مدون عندهم في صدر قرطاس
لولا نسيم بذكراكم يروحني ... لكنت محترقا من حر أنفاسي
قال المصنف رحمه الله: فالعجب من ابن السمعاني قد روى عنه هذه القصيدة، وطعن الأكابر فيه ثم رد ذلك بلا شيء.
توفي محمد بن طاهر في ربيع [الأول] [3] من هذه السنة، ودفن بمقبرة العقبة
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص: «صلى الله عليها وكان على مليح» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/137)
بالجانب الغربي عند رباط البسطامي، ولما احتضر جعل يردد هذا البيت.
وما كنتم تعرفون الجفا ... فممن ترى قد تعلمتم
3816- محمد بن عبد الواحد بن الحسن، أبو غالب القزاز، ويعرف بابن زريق:
[1] سمع أبا إسحاق البرمكي، والقزويني، والعشاري، والجوهري، وقرأ القرآن بالقراءات على ابن شيطا وغيره. وكان ثقة، توفي ليلة الخميس خامس شوال.
3817- محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر، أبو بكر الشاشي [2] الفقيه:
ولد في محرم سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وسمع أبا يعلى بن الفراء، وأبا بكر الخطيب، وأبا إسحاق الشيرازي، وكان معيد درسه، وقرأ على أبي نصر بن الصباغ كتابه «الشامل» ، وصنف ودرس في النظامية، ثم عزل، وكان ينشد:
تعلم يا فتى والعود رطب ... وطينك لين والطبع قابل
فحسبك يا فتى شرفا وفخرا ... سكوت الحاضرين وأنت قائل
54/ أروى عنه أشياخنا، وكان أشعريا توفي في سحرة يوم السبت/ سادس عشر شوال، ودفن عند أبى إسحاق بباب أبرز.
3818- محمد بن مكي بن عمر بن محمد، أبو بكر، المعروف بابن دوست:
[3] ولد سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وسمع العشاري، والجوهري. وأبا بكر بن بشران، وكان سماعه صحيحا. روى عنه [4] أشياخنا.
وتوفي يوم الخميس ثالث عشر ربيع الأول، ودفن بمقبرة غلام الحلال بباب الأزج.
3819- المؤتمن بن أحمد بن على بن الحسن بن عبيد الله، أبو نصر الساجي المقدسي:
[5]
__________
[1] في ت: «ويعرف بابن رزيق» .
[2] انظر ترجمته في: «البداية والنهاية 12/ 177، 178، وشذرات الذهب 4/ 16) .
[3] ويعرف بابن دوست» .
[4] إلى هنا آخر السقط من نسخة ترخانة (ت) الّذي بدأ في أثناء أحداث سنة 499، وقد نبهنا عليه هناك.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 178، وتذكرة الحفاظ 1241، 1246، شذرات الذهب 4/ 20، والكامل 9/ 152) .(17/138)
ولد سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وتفقه على أبي الشيرازي مدة، وسمع من أصحاب المخلص والكتاني، ورحل في طلب الحديث إلى بيت المقدس، وأصبهان، وخراسان، والجبال، وقرأ على عبد الله الأنصاري الحديث، وحصل الكثير منه، وكان حافظا عارفا بالحديث معرفة جيدة خصوصا المتون، وكان حسن القراءة والخط، صحيح النقل، وما زال يسمع ويستفيد إلى أن مات، كان فيه صلف نفس وقناعة وصبر على الفقر وصدق وأمانة وورع، حدثنا عنه أشياخنا، وكلهم وصفه بالثقة والورع، وقد طعن فيه محمد بن طاهر المقدسي، والمقدسي أحق بالطعن، وأين الثريا من الثرى؟
توفي المؤتمن يوم السبت ثامن عشر صفر، ودفن بمقبرة باب حرب.
3820- هادي بن إِسْمَاعِيل، الحسيني العلوي الأصبهاني:
حدث عن أبي سعيد العيار، وروى عنه شيوخنا، وتوفي بعد عوده من الحج يوم الخميس العشرين من ربيع الأول، ودفن بمقبرة باب التبن.
3821- محمد بن علي، أبو بكر النوري:
سمع أبا جعفر ابن المسلمة، وأبا الحسن الملطى في آخرين، وتوفي في سلخ رجب.(17/139)
ثم دخلت سنة ثمان وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه وقع في جمادى الأولى حريق عظيم في الريحانيين ومنظرة باب بدر، وهلك فيه عقار جليل.
قال المصنف: ورأيت بخط شيخنا أبي بكر بن عبد الباقي البزاز، قال: ورد إلى بغداد في يوم الخميس سابع عشر رجب من سنة ثمان وخمسمائة كتاب ذكر فيه: أنه كان في ليلة الأحد ثامن عشر جمادى الآخرة من هذه السنة زلزله حدثت فوقع منها في مدينة الرها من سورها ثلاثة عشر برجا ووقع بعض سور حران، ووقعت دور كثيرة على عالم فهلكوا، وأنه خسف بسميساط، وخسف بموضع، وتساقط في بالس نحو مائة دار، وقلب بنصف القلعة وسلم نصفها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3822- أحمد بن الحسن بن أحمد، أبو العباس المخلطي الدباس
[1] :
سمع أبا الحسن بن المهتدى [2] ، والقاضي أبا يعلى ابن الفراء، وهو تلميذه وعليه تفقه، وأبا جعفر ابن المسلمة وغيرهم، وكان صالحا من أهل القرآن والستر والصيانة والثقة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 22) .
[2] في الأصل: «أبا الحسين بن المهتدي» .(17/140)
وتوفي في ليلة الأربعاء ثالث عشر جمادى الآخرة [1] ، ودفن بمقبرة باب حرب.
3823- أحمد بن عبد العزيز بن بعراج، أبو نصر الشيخ الصالح:
سمع أبا محمد الخلال، وأبا الحسن القزويني، والبرمكي وغيرهم. وكان سماعه صحيحا، وكان كثير التلاوة بالقرآن، وقرأ القراءات على أبى الخطاب الصوفي.
توفي ليلة الاثنين/ عاشر محرم ودفن بمقبرة باب حرب.
55/ أ
3824- أحمد بن عبيد الله بن محمد بن أبي الفتح أبو عبد الله [الدلال] [2] المقرئ:
سمع أبا محمد الخلال، وأبا طالب بن غيلان، وأبا الفجر الطناجيري، وكان صحيح السماع صالحا ستيرا.
وتوفي يوم السبت ثامن جمادى الأولى، ودفن بمقبرة معروف.
3825- دلال بنت أبي الفضل، محمد بن عبد العزيز بن المهتدي أخت أبى على بن المهتدى
[3] :
سمعت أباها، وتوفيت في محرم، ودفنت بباب حرب.
3826- علي بن أحمد بن فتحان، أبو الحسن الشهرزوري البقال:
ولد سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وسمع من ابن بشران، وابن المذهب وغيرهم وحدث وكان شيخًا مستورًا من أهل القرآن [4] .
وتوفي يوم الثلاثاء رابع جمادى الأولى، ودفن بمقبرة باب حرب.
3827- علي بن محمد بن محمد بن جهير، أبو القاسم ويلقب بالزعيم
[5] :
كان في أيام القائم وبعض أيام المقتدى متولى كتابة ديوان الزمام، ووزر
__________
[1] في ص: «الأربعاء ثاني جمادى الأولى» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل- وفي ت: بن أبي الفتح أبو غالب» .
[3] في ت: «دلال بنت أبي الفضيل» .
[4] «وكان شيخا مستورا من أهل القرآن» . الجملة ساقطة من ص، ط.
[5] في ص: «ويعرف بالزعيم» .(17/141)
للمستظهر نوبتين فبقى في الوزارة الأولى ثلاث سنين وخمسة أشهر وأياما، وولي بعده أبو المعالى بن المطلب ثم عزل، وأعيد الزعيم إلى الوزارة فأقام فيها خمس [1] سنين وخمسة أشهر إلى أن توفي المستظهر وتدرج في الولايات والمراتب خمسين سنة، وكان معروفا بالحلم والرزانة وجودة الرأي وحسن التدبير.
وتوفي يوم الاثنين سابع عشرين ربيع الأول.
3828- محمد بن المختار بن المؤيد أبو العز الهاشمي الحنبلي المعروف بابن الخص
[2] :
سمع أبا الحسن القزويني، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا على بن المذهب، 55/ ب والجوهري، والعشاري/ في آخرين، وكان ثقة أثنى عليه شيخنا محمد بن ناصر.
وتوفي الاثنين عاشر محرم.
3829- محمد بن أحمد بن محمد، أبو نصر القفال ابن بنت أبي بكر الأكفاني
[3] :
سمع أبا محمد الجوهري، وأبا الحسين بن الآبنوسي، وكان سبب موته أنه وقع من سطح داره فمات، ودفن بمقابر الشهداء.
__________
[1] في ص: «إلى الوزارة فبقي فيهما خمس» .
[2] هذه الترجمة في ت جاءت بعد الترجمة التالية:
[3] في الأصل، ت: «ابن بنت أبي بكر الأقفالي» .(17/142)
ثم دخلت سنة تسع وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه تكاملت عمارة الدار التي استجدها بهروز الخادم من الدار السلطانية، وحمل إليها إعيان الدولة الفروش الحسنة والكسي الرائقة، واستدعى القراء والفقهاء والقضاة والصوفية فقرءوا فيها القرآن ثلاثة أيام متوالية.
ووقع حريق في قراح أبي الشحم في جمادي الأولى، فهلكت فيه آدر ودكاكين كثيرة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3830- إِسْمَاعِيل بن محمد بن أحمد بن ملة، أبو عثمان بن أبي سعيد الأصبهاني
[1] :
سمع الكثير ووعظ، وقدم بغداد فحدث عن أبي بكر بن ريذة، وغيره [2] وأملى بجامع المنصور ثلاثين مجلسا، وكان مستمليه شيخنا أبو الفضل بن ناصر، ولم يكن شيخنا أبو الفضل راضيا عنه، وقال: وضع حديثا وأملاه، وكان يخلط.
توفي بأصبهان في هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 179، وفيه: «إسماعيل بن أحمد بن علي أبو عثمان ... » ، شذرات الذهب 4/ 23، والكامل 9/ 161) .
[2] في الأصل: «أبي بكر بن زبدة وغيره» .(17/143)
3831- منتخب بن عبد الله، أبو الحسن الدوامي المستظهري
[1] :
كان رجلا حازما خيرا كثير الصلاح، شهد له بذلك شيخنا أبو الفضل بن ناصر، 56/ أووقف كتبا على أصحاب الحديث منها مسند الإمام/ أحمد بن حنبل.
توفي ليلة السبت السابع من ذي الحجة من هذه السنة، وصلى عليه أبو الحسن ابن الفاعوس، ودفن عند منصور بن عمار بمقبرة أحمد.
3832- هبة الله بن المبارك بن موسى بن علي، أبو البركات السقطي
[2] :
أحد من طلب العلم والحديث [3] رحل في طلب الحديث إلى واسط والبصرة والكوفة والموصل وأصبهان والجبال، وبالغ في الطلب وتعب في الجمع، وكان فيه فضل ومعرفة وأنس بالحديث، فجمع الشيوخ وخرج التاريخ وأرخ لكنه أفسد ذلك بأن ادعى سماعا ممن لم يره منهم أبو محمد الجوهري، فإنه لا يحتمل سنه السماع منه، وسئل شيخنا ابن ناصر عنه، فقالوا: أثقة هو؟ فقال: لا والله حدث بواسط عن شيوخ لم يرهم، فظهر كذبه عندهم. روى عنه أبو المعمر الأنصاري.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة، وصلى عليه أبو الخطاب الكلواذاني، ودفن عند قبر منصور بن عمار بمقبرة باب حرب.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 179، وفيه «منجب بن عبد الله) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 179، وفيه «عبد الله بن المبارك» ، 4/ 26) .
[3] «طلب العلم والحديث» : ساقطة من ص، ط، ت.(17/144)
ثم دخلت سنة عشر وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[وقوع النار في حضائر الحطب]
أنه وقعت النار في حضائر الحطب، ودكاكين الحطب التي على دجلة [1] ، وأكلت النار الأعواد الكبار وجذوع النخل، وتطاير النار إلى دروب [2] باب المراتب فأحرق كنائسها، واحترقت الدور التي بدرب السلسلة، والدور الشارعة على دجلة من جملتها دار نور الهدى أبي [طالب] [3] الحسين بن محمد الزينبي، ورباط بهروز الذي بناه للصوفية، ودار الكتب التي بالنظامية إلا ان الكتب سلمت، وحملها الفقهاء إلى مكان يؤمن فيه من/ النار، وهذا الحريق كان بين العشائين.
56/ ب
[إقامة السلطان ببغداد طول السنة]
وأقام السلطان طول السنة [4] ببغداد، وقد كانت عادته المقام بباب همذان في زمان الصيف، وأجرى النهر البارع من نهر الجبل إليها، ورحل إلى النهروان وبعث إلى الخليفة [5] بغلة وأربعة أرؤس من خيل، وألف دينار مغربية مثقبة، وخمسة أمناء كافور، ومثلها مسكا وأربعين ثوبا سقلاطون، وطلب من الخليفة شيئا من ملبوسه ولواء ومصحفا.
__________
[1] في الأصل: «ودكاكين الحطب الّذي على دجلة» .
[2] في ص: «وتطاير الناس إلى دروب» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «وأقام السلطان أول السنة» .
[5] في ص: «ونفذ إلى الخليفة بغلة» .(17/145)
وفي جمادي الأولى من هذه السنة: رتب القاضي أبو العباس الرطبي على باب النوبي إلى جانب حاجب الباب، وخلع عليه بعد ذلك خلعة جميلة.
وفيها: دخل أمير الجيوش إلى مكة قاهرا لأميرها مذلا له، قال ابن عقيل:
فحكى لي أمير الجيوش أنه دخل إلى مكة بخفق البنود وضرب الكوسات ليذل السودان وأميرهم، قال: وحكاه لي متبجحا بذلك ذاهلا عن حرمة المكان فسمعته منه متعجبا وشهد قلبي أنه آخر أمره لتعاظم الكعبة عندي، وقلت: لما رجعت إلى بيتي أنظر إلى جهل هذا الحبشي ولم ينبهه أحد ممن كان معه من عالم بالشرع أو بالسير، وذكرت قوله خلأت القصواء، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ، فَلَمَّا أَعْطَاهُمْ مَا أَرَادُوا أُطْلِقَتُ نَاقَتُهُ، وَقَدْ صِينَ الْمَسْجِدُ عَنْ إِنْشَادِ ضَالَّةٍ حَتَّى قِيلَ لِطَالِبِهَا لا وَجَدْتَ، فَكَيْفَ بِحَبَشِيٍّ يَجِيءُ بِدَبَادِبِهِ مُعَظِّمًا لِنَفْسِهِ. فَلَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا، وَأَعْقَبَهُ اللَّه [سُبْحَانَهُ] [1] النَّكَالَ وَالاسْتِئْصَالَ.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3833-/ إبراهيم بن أحمد، أبو الفضل الخرمي:
سمع أبا محمد الصريفيني [2] ، وأبا الحسين بن النقور، نزل إلى دجلة ليتوضأ فلحقه شبه الدوار [3] فوقع في الماء فأخرج فحمل إلى بيته فمات.
قال شيخنا ابن ناصر: كان رجلا صالحا مستورا كثير تلاوة القرآن، محافظا على الجماعات، وحضرت غسله فرأيت النور عليه، فقبلت بين عينيه.
وتوفي في ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3834- أحمد بن قريش بن حسين، أبو العباس
[4] :
سمع أبا طالب بن غيلان، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا محمد الجوهري وأبا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] «المخرمي» : ساقطة من ص.
[3] في ص: «أبا محمد الصيرفي» .
[4] في الأصل: «أحمد بن حسين بن قراش» . وفي ت: «أحمد بن الحسين بن قريش» .(17/146)
الحسن القزويني، وغيرهما. وكان صحيح السماع، حدثنا عنه أشياخنا.
وتوفي يوم الأحد حادي عشر رجب، ودفن بباب حرب.
3835- أحمد بك الأمير
[1] :
كان إقطاعه في كل سنة أربعمائة ألف دينار، وجنده خمسة آلاف فارس، جاءه رجل ومعه قصة وهو يبكي وينتحب ويشكو الظلم، فسأله أن يوصل قصته إلى السلطان فتناولها منه، فضربه بسكين كانت معه فوثب عليه الأمير فتركه تحته، فجاء آخر فضرب الأمير بسكين فقطعه قطعا، فجاء ثالث فتمم الأمير.
3836- جاولي:
صاحب فارس، كانت له فيها حروب مع الكرمانية، وكان رجل الترك ورأسا فيهم.
3837- عبد الله بن يحيى بن محمد بن بهلول، أبو محمد السرقسطي الأندلسي:
من أهل سرقسطة من بلاد الأندلس، كان فقيها فاضلا لطيف الطبع مليح الشعر، ورد بغداد في حدود هذه السنة، ومن شعره:
/ ومهفهف يختال في أبراده ... مرح القضيب اللدن تحت البارح
أبصرت في مرآة فكري خده ... فحكيت فعل جفونه بجوارحي
ما كنت أحسب أن فعل توهمي ... يقوى تعديه فيجرح جارحي
لا غرو أن جرح التوهم خده ... فالسحر يعمل في البعيد النازح
3838- علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن بيان أبو القاسم الوزان
[2] :
ولد في ليله الاثنين ثالث عشر صفر سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وسمع أبا الحسن بن مخلد، وهو آخر من حدث عنه، وحدث عنه بجزء الحسن بن عرفة، وهو آخر من حدث بهذا الجزء، فألحق الصغار بالكبار، فكان يأخذ عنه دينارا من كل واحد،
__________
[1] انظر ترجمته في: (الكامل، وفيه: «أحمد يل» ) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 180، وفيه: «علي بن أحمد بن محمد بن الرزاز» ، وتذكرة الحفاظ 1261، وفيه: «أبو القاسم الرزاز» ، وشذرات الذهب 4/ 27، والكامل 9/ 166) .(17/147)
وسمع أبا القاسم بن بشران، وهو آخر من حدث عنه، وسمع خلقا كثيرا.
وتوفي ليلة الأربعاء سادس شعبان، ودفن بمقبرة باب حرب.
3839- عقيل بن على بن عقيل بن محمد بن عقيل، أبو الحسن ابن الإمام أبي الوفاء
[1] :
ولد ليلة إحدى وعشرين من رمضان سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وتفقه، وكان له فهم وحفظ حسن، سمع الحديث، وشهد عند قاضي القضاة محمد بن على الدامغاني، وتوفي في منتصف المحرم عن سبع وعشرين سنة، ودفن في داره بالظفرية، ثم نقل لما توفي أبوه فدفن في دكة أحمد بن حنبل.
وظهر من أبيه صبر جميل، دخل عليه بعض أصحابه وهو جالس يروحه بعد موته [2] فكأنه أحس من الداخل بإنكار ذلك، فقال له: انها جثة على كريمة فما دامت بين يدى لم يطب قلبي إلا بتعاهدها [3] ، فإذا غابت فهي في استرعاة من هو لها خير مني.
58/ أوقال: / لولا أن القلوب توقن باجتماع يا بني لتفطرت المرائر لفراق الأحباب.
قال المصنف: ونقلت من خطه قال: لما أصبت بولدي عقيل خرجت إلى المسجد إكراما لمن قصدني من الناس والصدور فجعل قارئ يقرأ: يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً 12: 78 [4] فبكى الناس وضج الموضع بالبكاء، فقلت له: يا هذا إن كان قصدك بهذا تقبيح الأحزان فهو نياحة بالقرآن، وما نزل القرآن للنوح، إنما نزل ليسكن الأحزان، فأمسك.
ونقلت من خط أبى الوفاء ابن عقيل، قال: ثكلت ولدين نجيبين أحدهما حفظ القرآن وتفقه مات دون البلوغ- يشير إلى ولده أبى منصور وقد ذكرنا وفاته في سنة ثمان وثمانين- والآخر مات وقد حفظ كتاب الله وخط خطا حسنا يشار إليه، وتفقه وناظر في الأصول والفروع، وشهد مجلس الحكم، وحضر الموكب وجمع أخلاقا حسنة ودماثة
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 179) .
[2] «بعد موته» : ساقطة من ص، ط.
[3] في الأصل: «بين يدي لم أزل تعاهدها» .
[4] سورة: يوسف، الآية: 78.(17/148)
وأدبا، وقال شعرا جيدا- يشير إلى عقيل هذا- قال: فتعزيت بقصة عمرو بن عبد ود العامري الذي قتله على عليه السلام، فقالت أمه ترثيه:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... ما زلت أبكي عليه دائم الأبد
لكن قاتله من لا يقاد به ... من كان يدعى أبوه بيضة البلد
[1] فقلت سبحان الله:
كذبت وبيت الله لو كنت صادقا ... لما سبقتني بالعزاء النساء
كما قال الشاعر:
كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا ... لما سبقتني بالبكاء الحمائم
[2] وذاك أن أم عمرو كانت يسليها ويعزيها جلالة القاتل والافتخار بأن ابنها مقتوله فهلا نظرت إلى قاتل ولدي وهو الأبدي/ الحكيم المالك الأعيان المربى [بأنواع] [3] 58/ ب الدلال [4] ، فهان القتيل والمقتول بجلاله القاتل، وقتله إحياء في المعنى إذ كان إماتهما على أحسن خاتمة، الأول لم يجر عليه قلم والآخر وفقه للخير وختم له بلوائح وشواهد دلت على الخير.
قال ابن عقيل: وسألني رجل فقال: هل للطف من علامة؟ فقلت: أخبرك بها عن ذوق، كانت عادتي التنعم فلما فقدت ولدي تبدلت خشن العيش. ونفسي راضية.
3840- محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار، أبو بكر بن [أبي] [4] المظفر السمعاني
[5] :
من أهل مرو، ولد سنة ست وستين وأربعمائة، سمع الحديث من أبيه وجماعة،
__________
[1] المشهور أنها أخته.
[2] في الأصل: «لو كنت عاشقا لما سبقتني بالنساء الحمائم» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 180، وتذكرة الحفاظ 1266، وشذرات الذهب 4/ 29، والكامل 9/ 166) .(17/149)
ثم رحل إلى نيسابور، فسمع بها وبالري وهمذان وبغداد والكوفة ومكة، وروى الحديث وورد بغداد ووعظ في النظامية، وخرج إلى أصبهان، فسمع بها وعاد إلى مرو، وأملى بها مائة وأربعين مجلسا في جامعها، وقد رأيت من إملائه فإنه لم يقصر، وكان علامة في الحديث والفقه [1] والأدب والوعظ، وطلب يوما للقراء في مجلس وعظه فأعطوه ألف دينار، قال شعرا كثيرا ثم غسله فلم يبق منه إلا القليل، وكتبت إليه رقعة فيها أبيات شعر، فكتب الجواب، وقال: فأما الأبيات فقد أسلم شيطان شعري.
وأدركته المنية وهو ابن ثلاث وأربعين سنة وأشهر، وتوفي في صفر هذه السنة، ودفن عند قبر أبيه بمرو.
3841- محمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الله ابن البناء، أبو نصر بن أبي علي
[2] :
سمع الجوهري وغيره، وكان له علم ومعرفة، وخلف أباه في حلقته بجامعي القصر والمنصور، وكان سماعه صحيحا، وكان ثقة/.
59/ أوتوفي ليلة الأربعاء سادس ربيع الأول، ودفن بمقبرة باب حرب.
3842- محمد بن علي بن محمد، أبو بكر النسوي
[3] :
سمع وحدث، وكان تزكية الشهود إليه بنسا، وكان فقيها على مذهب الشافعي دينا. وتوفي ببلده في هذه السنة.
3843- محمد بن علي الأصبهاني، أبو المكارم القصار، يعرف بمكرم:
سمع من الجوهري، والقزويني، وابن لؤلؤ، وحدث عنهم.
وتوفي يوم الأربعاء رابع عشر رجب، ودفن في داره بالمقتدية.
3844- محمد بن علي بن ميمون بن محمد، أبو الغنائم النرسي ويعرف بأبي الكوفي [4] : لأنه كان جيد القراءة في زمان الصبوة فلقبوه بأبيّ.
__________
[1] في ص: «عالما بالحديث» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 28) .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 180) .
[4] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1260، وشذرات الذهب 4/ 29) .(17/150)
ولد في شوال سنة أربع وعشرين، وسمع الكثير وأول سماعه سنة سبع وثلاثين [1] ، وكتب وسافر ولقي أبا عبد الله العلويّ العلامة، وهو مُحَمَّد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي [2] . وكان هذا العلوي يعرف الحديث، وكان صالحا، سمع ببيت المقدس وحلب ودمشق والرملة، ثم قدم بغداد فسمع البرمكي، والجوهري، والتنوخي، والطبري، والعشاري، وغيرهم. وكان يورق للناس بالأجرة، وقرأ القرآن بالقراءات، واقرأ، وصنف، وكان ذا فهم ثقه، ختم به علم الحديث ببلده.
أنبأنا شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي، قال: سمعت أبا الغنائم ابن النرسي يقول: ما بالكوفة أحد من أهل السنة والحديث إلا أبيا، وكان يقول: توفي بالكوفة ثلاثمائة وثلاثة عشر/ رجلا من الصحابة لا يتبين قبر أحد منهم إلا قبر علي عليه السلام، وقال: جاء 59/ ب جعفر بن محمد، ومحمد بن علي بن الحسين فزارا الموضع من قبر أمير المؤمنين علي، ولم يكن إذ ذاك القبر، وما كان إلا الأرض حتى جاء محمد بن زيد الداعي وأظهر القبر.
وقال شيخنا ابن ناصر: ما رأيت مثل أبي الغنائم في ثقته وحفظه، وكان يعرف حديثه بحيث لا يمكن أحدا أن يدخل في حديثه ما ليس منه، وكان من قوام الليل.
ومرض ببغداد وانحدر فأدركه أجله بحلة ابن مزيد يوم السبت سادس عشر شعبان، فحمل إلى الكوفة.
3845- محمد بن أحمد بن طاهر بن منصور [يعرف بخازن دار الكتب القديمة
[3] .
ومن ساكني درب المنصور [4]] بالكرخ، سمع ابن غيلان، والتنوخي، وغيرهما.
__________
[1] في ص: «سنة سبع وثمانين» .
[2] «العلامة، وهو مُحَمَّد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلويّ» : العبارة ساقطة من ص، ط.
[3] في ت: «محمد بن أحمد بن عامر بن أحمد، أبو منصور الخازن بدار الكتب النظامية من ساكني درب منصور» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 180) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/151)
وكان سماعه صحيحا، روى عنه أشياخنا إلا أنه كان يذهب مذهب الإمامية، وهو فقيه في مذهبهم ومفتيهم كذلك.
قال شيخنا ابن ناصر: وتوفي يوم السبت ثالث عشر شعبان، ودفن بمقابر قريش.
3846- محمد بن أبي الفرج، أبو عبد الله المالكي المعروف بالزكي المغربي
[1] :
من أهل صقلية، كان عارفا بالنحو واللغة، وورد العراق، وخرج إلى خراسان فجال فيها، ثم خرج إلى غزنة وبلاد الهند، ومات بأصبهان، وجرت بينه وبين جماعة من الأئمة مخاصمات آلت أن طعن فيهم، وكان يقول: الغزالي ملحد، وإذا ذكره قال:
الغزالي المجوسي.
3847- المبارك بن الحسين بن أحمد، أبو الخير الغسال المقرئ سبط الخواص
[2] :
ولد سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وسمع أبا الحسن ابن المهتدي، وأبا محمد 60/ أالخلال، وأبا جعفر ابن المسلمة، / وأبا يعلى بن الفراء وخلقا كثيرا، وقرأ [القرآن] [3] بالقراءات وأقرأ وحدث كثيرا، وكان ثقة.
وتوفي في غرة جمادي الأولى [4] ، ودفن بباب حرب.
3848- المبارك بن محمد، أبو الفضل بن أبي طالب الهمذاني المؤدب
[5] :
سمع القاضي أبا يعلى، وأبا جعفر ابن المسلمة. وكان من أهل السنة. قال شيخنا ابن ناصر: كان ثقة [6] . وتوفي ليلة الخميس خامس ربيع الآخر.
3849- محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذاني، أبو الخطاب
[7] :
ولد في شوال سنة اثنتين وثلاثين واربعمائة، وسمع أبا محمد الجوهري،
__________
[1] في المطبوعة: «محمد بن أبي الفوج» .
[2] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1261، وشذرات الذهب 4/ 27) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص، ط: «وتوفي في عشر جمادى الأولى» .
[5] في ت: «ابن محمد بن الفضل» .
[6] في ص، ط: «وكان شيخنا ابن ناصر يثني عليه.
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 180، وتذكرة الحفاظ 1261، وشذرات الذهب 4/ 27، والكامل 9/ 166) .(17/152)
والعشاري، وابن المسلمة، والقاضي أيا يعلى، وتفقه عليه وقرأ الفرائض [على الونى] [1] ، وصنف وانتفع بتصنيفه، وحدث وأفتى ودرس، وشهد عند قاضى القضاة أبى عبد الله الدامغاني، وكان ثقة ثبتا غزير الفضل والعقل، وله شعر مطبوع، حدثنا عنه أشياخنا.
أنشدنا محمد بن ناصر الحافظ، قَالَ أنشدنا أبو الخطاب محفوظ بن أحمد لنفسه:
دع عنك تذكار الخليط المنجد ... والشوق نحو الآنسات الخرد
والنوح في أطلال سعدى إنما ... تذكار سعدى شغل من لم يسعد
واسمع مقالي إن أردت تخلصا ... يوم الحساب وخذ بهديي تهتد
واقصد فإني قد قصدت موفقا ... نهج ابن حنبل الإمام الأوحد
[خير البرية بعد صحب محمد ... والتابعين إمام كل موحد] [2]
/ ذي العلم والرأي الأصيل ومن حوى ... شرفا علا فوق السها والفرقد 60/ ب
واعلم بأني قد نظمت مسائلا ... لم آل فيها النصح غير مقلد
وأجبت عن تسآل كل مهذب ... ذي صولة عند الجدال مسود
هجر الرقاد وبات ساهر ليله ... ذي همة لا يستلذ بمرقد
قوم طعامهم دراسة علمهم ... يتسابقون إلى العلا والسؤدد
قالوا بما عرف المكلف ربه؟ ... فأجبت بالنظر الصحيح المرشد
قالوا فهل رب الخلائق واحد؟ ... قلت الكمال لربنا المتفرد
قالوا فهل للَّه عندك مشبه؟ ... قلت المشبه في الجحيم الموصد
قالوا فهل تصف الإله؟ أبن لنا ... قلت الصفات لذي الجلال السّرمد
قالوا فهل تلك الصفات قديمة ... كالذات؟ قلت كذاك لم تتجدد
/ قالوا فأنت تراه جسما مثلنا [3] ؟ ... قلت المجسم عندنا كالملحد 61/ أ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «تراه جسما مثلنا» .(17/153)
قالوا فهل هو في الأماكن كلها؟ ... فأجبت بل في العلو مذهب أحمد
قالوا أتزعم أن على العرش استوى؟ ... قلت الصواب كذاك أخبر سيدي
قالوا فما معنى استواه؟ أبن لنا ... فأجبتهم هذا سؤال المعتدي
قالوا النزول؟ فقلت ناقلة له ... قوم تمسكهم بشرع محمد
قالوا فكيف نزوله؟ فأجبتهم ... لم ينقل التكييف لي في مسند
قالوا فينظر بالعيون؟ أبن لنا ... فأجبت رؤيته لمن هو مهتدي
[قالوا فهل للَّه علم؟ قلت ما ... من عالم إلا بعلم مرتدي] [1]
قالوا فيوصف أنه متكلم؟ ... قلت السكوت نقيصة المتوحد
قالوا فما القرآن؟ قلت كلامه ... من غير ما حدث وغير تجدد
قالوا الذي نتلوه؟ قلت كلامه ... لا ريب فيه عند كل مسدد
قالوا فأفعال العباد؟ فقلت ما ... من خالق غير الإله الأمجد
قالوا فهل فعل القبيح مراده؟ ... قلت الإرادة كلها للسيد
لو لم يرده لكان ذاك نقيصة ... سبحانه عن أن يعجز في الردي
قالوا فما الإيمان؟ قلت مجاوبا ... عمل وتصديق بغير تبلد
قالوا فمن بعد النبي خليفة؟ ... قلت الموحد قبل كل موحد
حاميه في يوم العريش ومن له ... في الغار مسعد يا له من مسعد
خير الصحابة والقرابة كلهم ... ذاك المؤيد قبل كل مؤيد
61/ ب/ قالوا فمن صديق أحمد؟ قلت من ... تصديقه بين الورى لم يجحد
قالوا فمن تالي أبي بكر الرضا؟ ... قلت الإمارة في الإمام الأزهد
فاروق أحمد والمهذب بعده ... نصر الشريعة باللسان وباليد
قالوا فثالثهم؟ فقلت مسارعا ... من بايع المختار عنه باليد
صهر النبي على ابنتيه ومن حوى ... فضلين فضل تلاوة وتهجد
أعني ابن عفان الشهيد ومن دعى ... في الناس ذا النورين صهر محمد
قالوا فرابعهم؟ فقلت مبادرا ... من جاز دونهم أخوة أحمد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/154)
زوج البتول وخير من وطئ الحصى ... بعد الثلاثة والكريم المحتد
أعني أبا الحسن الإمام ومن له ... بين الأنام فضائل لم تجحد
ولعم سيدنا النبي مناقب ... لو عددت لم تنحصر بتعدد
أعني أبا الفضل الذي استسقى به ... عمر أوان الجدب بين الشهد
ذاك الهمام أبو الخلائف كلهم ... نسقا إلى المستظهر بن المقتدي
صلى الإله عليه ما هبت صبا ... وعلى بنيه الراكعين السجد
وأدام دولتهم علينا سرمدا ... ما حن في الأسحار كل مغرد
قالوا أبان الكلوذاني الهدى ... قلت الذي فوق السماء مؤيدي
وله [أيضا] [1] :
ومذ كنت من أصحاب أحمد لم أزل ... أناضل عن أعراضهم وأحامي
وما صدني عن نصرة الحق مطمع ... ولا كنت زنديقا حليف خصام
/ ولا خير في دنيا تنال بذلة ... ولا في حياة أولعت بسقام 62/ أ
ومن جانب الأطماع عز وإنما ... مذلته تطلابه لحطام
توفي أبو الخطاب ليله الخميس الرابع والعشرين من جمادي الآخرة من هذه السنة، وصلى عليه بجامع القصر، وكان المتقدم في الصلاة عليه أبو الحسن بن فاعوس، ثم حمل إلى جامع المنصور فصلى عليه ثم [دفن] [2] إلى جانب أبى محمد التميمي في دكة أحمد بن حنبل.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/155)
ثم دخلت سنة احدى عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[زلزلة الأرض ببغداد يوم عرفة]
أنه زلزلت الأرض ببغداد يوم عرفة، وكانت الستور والحيطان تمر وتجيء، ووقعت دور ودكاكين في الجانب الغربي، فلما كان بعد أيام وصل الخبر بموت السلطان محمد بن ملك شاه.
قال شيخنا أبو الفضل [بن ناصر:] [1] كانت هذه الزلزلة وقعت الضحى وكنت في المسجد الذي على باب درب الدواب قاعدا في السطح مستندا إلى سترة تلى الطريق، فتحركت السترة حتى خرجت من الحائط مرتين، قال: وبلغني أن دكاكين وقعت بالجانب الغربي في القرية، ثم كان عقيبها موت السلطان محمد، موت المستظهر، ثم ما جرى من الحروب والفتن للمسترشد باللَّه مع دبيس بن مزيد، وغلا السعر حتى بلغ الكر ثلاثمائة دينار ولم يوجد، ومات الناس جوعا وأكلوا الكلاب والسنانير.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3850-/ أحمد القزويني
[2] :
[كان] [3] من الأولياء المحدثين، توفي في رمضان هذه السنة فشهده أمم لا تحصى، وقبره ظاهر يتبرك به في الطريق إلى معروف الكرخي.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل، ت: «العريني» وفي الكامل: العربيّ» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/156)
3851- الحسن بن أحمد [1] بن جعفر، أبو عبد الله الشقاق الفرضي الحاسب، صاحب أبى حكيم الطبري
[2] :
سمع أبا الحسين ابن المهتدى [3] وغيره، وتوحد في علم الحساب والفرائض.
وتوفي يوم الاثنين حادى عشرين ذي الحجة.
3852- الحسين بن الحسن، أبو القاسم القصار:
سمع الجوهري، وأبا يعلى ابن الفراء، وأبا الحسين بن المهتدى [4] ، وكان سماعه صحيحا، وتوفي في رجب.
3853- عبد الرحمن بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف
[5] :
سمع ابن المذهب، والبرمكي وغيرهما. وكان ثقة. حدثنا عنه أشياخنا، وتوفي ليلة الأحد عاشر شوال فجأه وقت صلاة المغرب، ودفن بمقبرة باب حرب في تربة أبى الحسين السوسنجردي [6] .
3854- علي بن أحمد ابن أبي منصور المطوعي الطبري، أبو الحسن:
سمع أبا جعفر، وحدث عنه.
وتوفي يوم الثلاثاء ثالث [7] جمادى الآخرة ودفن بباب أبرز.
3855- علي بن أحمد، أبو الحسن الطبري:
سمع من ابن غيلان وغيره، وكان مستورا، وكان سماعة صحيحا.
وتوفي في ذي القعدة، وبعضهم يقول: إنما توفي سنة اثنتي عشرة.
__________
[1] في ت: «الحسين بن أحمد» .
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 171) .
[3] في الأصل: «أبا الحسين ابن المهتدى» .
[4] «وغيره، وتوحد في علم الحساب ... وأبا الحسين بن المهتدي» . ساقطة من ت، وكتب على هامشها.
[5] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1251، وشذرات الذهب 4/ 31) .
[6] في الأصل: «تربة أبي الحسن السوسنجري» .
[7] في ص: مكان «ثالث» بياض.(17/157)
3856- لؤلؤ الخادم صاحب حلب
[1] فتك به قوم من الأتراك كانوا في جملته، وهو متوجه إلى قلعة جعبر.
3857- محمد بن سعيد بن إبراهيم بن نبهان، أبو علي الكاتب
[2] :
سمع أبا علي بن شاذان، وأبا الحسين بن الصابي جده لأمه، وأبا علي بن دوما، وبشرى، وهو آخر من حدث عنهم، وانتهى إليه الإسناد حدثنا عنه أشياخنا [3] .
63/ أقال شيخنا ابن ناصر: إلا أنه تغير قبل موته بسنتين/ وبقى مطروحا على فراشه لا يعقل، فمن سمع منه في تسع وعشر [4] فسماعه باطل، وكان يتهم بالرفض.
توفي ليلة الأحد سابع شوال، ودفن في داره بالكرخ.
قال شيخنا أبو الفضل: سمعته يقول مولدي سنة إحدى عشرة واربعمائة، ثم سمعته [مرة أخرى] [5] يقول مولدي سنة خمس عشر وأربع مائة فقلت له في ذلك، فقال:
أردت أن أدفع عنى العين لأجل علو السن، وإلا فمولدي سنة إحدى عشرة، فبلغ مائة سنة.
أنبأنا شيخنا أبو الفضل بن ناصر، قال: أنشدنا أبو على بن نبهان لنفسه في قصيدة:
لي أجل قدره خالقي ... نعم ورزق أتوفاه
حتى إذا استوفيت منه الذي ... قدر لي لم أتعداه
قال حرام كنت ألقاه ... في مجلس قد كنت أغشاه
صار ابن نبهان إلى ربه ... يرحمنا الله وإياه
__________
[1] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 170) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 181، وفيه: «محمد بن سعد بن نبهان» ، وتذكرة الحفاظ 1252، والكامل 9/ 171) .
[3] في ص، ط: «حدث عنه أشياخنا» .
[4] في ص، ط: فمن سمعه في تسع وعشر» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/158)
3858- مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ [1] بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بن محمد بن أحمد، أبو بكر الخطيب السجزي ثم البلخي:
ولى الخطابة ببلخ، وسمع من أبيه وغيره، وسمع بأصبهان من أحمد وغيره [2] ، وبنيسابور من أبى الفتح الطوسي، وبالعراق من عاصم وغيره، وكان فقيها فاضلا.
وتوفي في هذه السنة.
3859- محمد بن على بن أبي طالب [3] بن محمد، أبو الفضل بن أبي الغنائم المعروف بابن زبيبا
[4] :
ولد سنة ست وثلاثين وأربعمائة، وسمع من القاضي أبى يعلى، والجوهري، وابن المذهب وغيرهم. وكان أبوه من أصحاب القاضي.
قال شيخنا ابن ناصر: لم يكن بحجة، لأنه كان على غير السمت المستقيم.
3860- محمد بن ملك شاه، السلطان
[5] :
توفي بأصبهان في ذي الحجة من هذه السنة، عن سبع وثلاثين سنة، وقام بالسلطنة ابنه محمود، وفرق خزانته في العسكر/ وقيل كانت أحد [6] عشر ألف ألف 63/ ب دينار عينا، وما يناسب ذلك من العروض.
3861- المبارك بن طالب، أبو السعود الحلاوي المقرئ
[7] :
قرأ القرآن على أبى على ابن البناء، وأبي منصور الخياط وغيرهما، وسمع
__________
[1] في ت: «محمد بن عبد الرحمن» .
[2] في المطبوعة: «وسمع بأصبهان من حمد وغيره» .
[3] في ت: «ابن طالب» .
[4] في ط: «ابن أبي القاسم» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 31) .
[5] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 167) .
[6] في ص: «قيل كانت أه عشر ألف» .
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 182) .(17/159)
الحديث من الصريفيني وغيره، سمع منه أشياخنا، وكان نقي العرض آمرا بالمعروف، وانتقل من نهر معلى لكثرة المنكر بها، وأقام بالحربية حتى توفي في ربيع الأول من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3862- يمن بن عبد الله، الجيوشي أبو الخير:
أحد خدم المستظهر باللَّه، كان مهيبا جوادا، حسن التدبير، ذا رأى وفطنه ثاقبة، وارتقت به الأمور العالية حتى فوضت إليه إمارة الحاج، وبعث رسولا إلى السلطان من حضرة أمير المؤمنين مرارا، وسمع أبا عبد الله الحسين بن أحمد بن طلحة النعالي بإفادة أبى نصر الأصبهاني، وكان يؤم به في الصلوات، وحدث بأصبهان لما قدمها رسولا.
وتوفي بِهَا فِي ربيع الآخر من هَذِهِ السنة، ودفن هناك، وقد ذكرنا في حوادث السنة المتقدمة عن ابن عقيل في حقه كلاما يتعلق بالحج.(17/160)
ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[خطب للسلطان محمود بن محمد بن ملك شاه]
أنه خطب للسلطان محمود بن محمد بن ملك شاه أبى القاسم يوم الجمعة ثالث عشرين محرم.
[احتراق سوق الريحانيين]
وفي ربيع الآخر: احترقت سوق الريحانيين وسوق عبدون، وكان حريقا مشهودا وكان من عقد الحديد وعقد حمام السمرقندي إلى باب دار الضرب وخان الدقيق والصيارف.
[وفاة المستظهر باللَّه]
وفي هذا الشهر: توفي المستظهر باللَّه وولى ابنه المسترشد.
باب ذكر خلافة المسترشد باللَّه
/ واسمه الفضل، ويكنى أبا منصور، ومولده ليلة الأربعاء [1] رابع ربيع الأول سنة 64/ أأربع وثمانين وأربعمائة، وقيل: خمس وثمانين، وقيل: ست وثمانين، وسمع الحديث من مؤدبه أبى البركات أحمد بن عبد الوهاب السيبي، ومن أبى القاسم على بن بيان وحدث، قرأ عليه أبو الفرج محمد بن عمر ابن الأهوازي وهو سائر في موكبه إلى الحلبة
__________
[1] في ص، ط: «ومولده يوم الأربعاء» .(17/161)
فسمع ذلك جماعة وقرئ عنهم [وروى] عنه وزيره على بن طراد وأبو على بن الملقب، وكان شجاعا بعيد الهمة، وكانت بيعته بكرة الخميس الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، فبايعه إخوته وعمومته والفقهاء والقضاة وأرباب الدوله، وكان قاضى القضاة أبو الحسن على بن محمد الدامغاني هو المتولى لأخذ البيعة، لأنه كان ينوب في الوزارة.
قال المصنف: ونقلته من خط أبى الوفاء بن عقيل، قال: لما ولى المسترشد باللَّه تلقاني ثلاثة من المستخدمين يقول كل واحد منهم، قد طلبك أمير المؤمنين، فلما صرت بالحضرة قال لي قاضي القضاة وهو قائم بين يديه: طلبك [1] مولانا أمير المؤمنين ثلاث مرات، فقلت: ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، ثم مددت يدى فبسط لي يده الشريفة فصافحت بعد السلام وبايعت، فقلت: أبايع سيدنا ومولانا أمير المؤمنين المسترشد باللَّه على كتاب الله وسنة رسوله وسنة الخلفاء الراشدين ما أطاق واستطاع، وعلى الطاعة منى، وقبلت يدى وتركتها على عيني زيادة على ما فعلت في بيعة 64/ ب المستظهر تعظيما له/ وحده من بين سائر الخلفاء فيما نشأ عليه من الخير والخصال المحمودة [2] ، وتميزه بطريقة جده القادر، فبعثوا إلى مبرة عشرة دنانير، وكان رسمي في البيعة خمسين دينارا.
وبرز تابوت المستظهر يوم بيعة المسترشد بين الصلاتين فصلى عليه المسترشد، وكبر أربع تكبيرات، وجلس قاضي القضاة للعزاء بباب الفردوس ثلاثة أيام، ونزل الأمير أبو الحسن بن المستظهر عند تشاغلهم بالمستظهر من التاج في الليل وأخذ معه رجلا هاشميا من الحماة الذين يبيتون تحت التاج، فمضى إلى الحلة إلى دبيس صدقة فبقي عنده مدة فأكرمه، وأفرد له دار الذهب على أن يدخل عليه [3] كل يوم مرة ويقبل الأرض ويستعرض حوائجه، وبعث المسترشد نقيب النقباء أبا القاسم على بن طراد ليأخذ البيعة على دبيس، ويستعيد أخاه، فأعطى [دبيس] [4] البيعة، وقال: هذا عندي ضيف ولا يمكنني إكراهه على الخروج، فدخل النقيب على الأمير أبي الحسن وأدى رسالة
__________
[1] مكان «طلبك» بياض في ص، وفي ت: «قد طلبك» .
[2] في ص، ط: «من الخير ودحض أدوات اللهو» .
[3] في ص: «وكان يدخل عليه» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/162)
الخليفة إليه ومعها خط الخليفة بالأمان على ما يجب وخاتمه ليعود فلم يجب فرجع ووزر أبو شجاع [1] محمد بن أبي منصور بن [أبي] [2] شجاع، وكان عمره عشرين سنة صانعه لأبيه لأنه كان وزيرا للسلطان محمود، واستنيب له أبو القاسم على بن طراد، فكتب إلى الوزير أبو محمد الحريري صاحب المقامات:
هنيئا لك الفخر فافخر هنيا ... كما قد رزقت مكانا عليا
رقيت كآبائك [3] الأكرمين ... لدست الوزارة كفؤا رضيا
تقلدت أعباءها يافعا ... كما أوتي الحكم يحيى صبيا
/ وفي جمادي الآخرة: قبض على صاحب المخزن أبي طاهر ابن الخرزي، 65/ أوعلى ابن كمونة، وابن غيلان القاضي، وجماعة، وأرجف بأن هؤلاء كتبوا إلى الأمير أبي الحسن [يأمرونه] [4] بأن لا يطيع.
وتوفي ولد المسترشد الأكبر فدفن في الدار مع المستظهر، ثم توفي ولد له آخر [بالجدري] [5] فبكى عليه المسترشد حتى أغمي عليه.
وطولب ابن حمويه بمال فباع في يوم ثلاثة آلاف قطعة ثياب غير الأثاث والقماش، وأخرج ابن بكري من الحبس وقرر عليه ثلاثة آلاف دينار وخمسمائة، وتقدم ببيع أملاكه ليوفي، وأضيفت دار سيف الدولة إلى الجامع، وكتب دبيس ابن مزيد فتوى في رجل اشترى دارا فغصبها منه رجل [6] وجعلها مسجدا، هل يصح له ذلك أم يجب إعادتها إلى مكانها [7] ؟ فكتب قاضي القضاة وجماعة من الفقهاء: يجب ردها إلى مالكها وينقض وقفها، فرفع ذلك إلى المسترشد وطالب بداره التي أضيفت إلى الجامع، فأظهر
__________
[1] في الأصل: «وولي الوزير أبو شجاع» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «رتبا كآبائك» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «فغصبها منه إنسان» .
[7] في الأصل: «أم يجب إعادتها كما مكانها» .(17/163)
بها كتابا مثبتا في ديوان الحكم أنه اشتراها أبوه من وكيل المستظهر بخمسة عشر ألف دينار وانفق عليها ثمانية عشر ألف دينار.
وفي رجب: خلع المسترشد على دبيس جبه وفرجيه وعمامه وطوقا وفرسا ومركبا وسيفا ومنطقة ولواء، وحمل الخلع نقيب النقباء وابن السيبي ونجاح، وكان يوما مشهودا.
وفي رابع ذي القعدة: خلع المسترشد على نظر، ولقبه أمير الحرمين، وأعطى حقيبتين ولوائين وسبعة أحمال كوسات، وسار للحج.
65/ ب وفي ذي الحجة/ صرف أبو جعفر ابن الدامغاني عن حجبة الباب، وجلس أبو غالب ابن المعوج ثم خرج أبو الفرج بن طلحة [1] ، فجلس بباب النوبي وجلس ابن المعوج نائبه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3863- أحمد بن محمد، أبو العباس الهاشمي، يعرف بابن الزوال العدل
[2] :
ولد يوم عرفة سنة [اثنتين و] [3] أربعين، وسمع أبا الحسين بن المهتدي، وأبا جعفر ابن المسلمة، وأبا يعلى بن الفراء، وغيرهم روى عنه شيوخنا، وشهد عند أبي عبد الله الدامغاني، وكان يسلك طريقة الزهد والتقشف.
وتوفي ليلة الخميس وقت العتمة تاسع عشرين محرم، ودفن بمقبرة باب حرب.
3864- أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد، أبو منصور الحارثي:
ولد في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، وسمع من جماعة، وروى عنه شيخنا عمر بن محمد البسطامي [4] ، وكان له فضل، وتقدم ورياسة عريضة وجاه كثير، وتوفي في محرم هذه السنة.
__________
[1] في ص: «أبو الفتح بن طلحة» . وفي ت: «أبو الفتح بن طلحة» .
[2] في ت: «المعروف بابن الزوال» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «عمر بن محمد النظامي» .(17/164)
3865- أحمد المستظهر باللَّه، أمير المؤمنين ابن المقتدي
[1] :
بدأت به علة التراقي فمرض ثلاثة عشر يوما، وتوفي ليلة الخميس سادس عشرين ربيع الآخر من هذه السنة وكانت مدة عمره [2] إحدى وأربعين سنة وستة أشهر وسبعة أيام، وكانت خلافته أربعا وعشرين سنة وثلاثة أشهر وأحد عشر يوما.
قال المصنف رحمه الله: ورأيت بخط شيخنا أبي بكر بن عبد الباقي قال: توفي المستظهر نصف الليل، وغسله أبو الوفاء بن عقيل، وابن السيبي، وصلى عليه الإمام المسترشد باللَّه، ودفن في الدار، ثم أخرج في رمضان.
قال شيخنا أبو الحسن الزاغوني: إنما عجل إخراجه لأنه قيل إن المسترشد رآه في المنام وهو يقول له: أخرجني من/ عندك وإلا أخذتك إلى عندي. 66/ أ
3866- أرجوان جارية الذخيرة، أم المقتدي بأمر الله، تدعى [3] قرة العين:
كانت جارية أرمنية، وكان لها بر ومعروف، وحجت ثلاث حجج أدركت خلافة ابنها المقتدي وخلافة ابنه المستظهر وخلافة ابنه المسترشد، ورأت للمسترشد ولدا وتوفيت في هذه السنة.
3867- بكر بن محمد بن علي بن الفضل بن الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن إسحاق بن عثمان بن جعفر بْن عبد الله بْن جعفر بْن جابر بن عبد الله الأنصاري، أبو الفضل الزرنجري
[4] :
وزرنجر قرية من قرى بخارى على خمسة فراسخ منها، سمع الحديث الكثير من
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 182، وتذكرة الحفاظ 1249، وشذرات الذهب 4/ 33، والكامل 9/ 173) .
[2] في الأصل: «وكانت عدة عمره» .
[3] في ت: «أرجوان جارية الذخيرة ابن القائم بأمر الله، أم المقتدي بأمر الله» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 183) .
[4] الزرنجري: نسبة إلى زرنجرى، ويقال لها زرنكرى، وهي قرية من قرى بخارى.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 183، وتذكرة الحفاظ 1249، وشذرات الذهب 4/ 33، والكامل 9/ 179) .(17/165)
جماعة يكثر عددهم، وتفرد بالرواية عن جماعة [1] منهم لم يحدث عنهم، وتفقه على أبي مُحَمَّد عبد العزيز [2] بن أحمد الحلواني، وبرع في الفقه، فكان يضرب به المثل.
وحفظ مذهب أبي حنيفة، ويقولون: هو أبو حنيفة الصغير، ومتى طلب المتفقه منه الدرس ألقى عليه من أي موضع أراد من غير مطالعة ولا مراجعة لكتاب، وكان الفقهاء إذا أشكل عليهم شيء رجعوا إليه وحكموا بقوله ونقله، وسئل يوما عن مسألة فقال:
كررت هذه المسألة ليلة في برج من حصن بخارى أربعمائة مرة.
وتوفي في شعبان هذه السنة ببخارى.
3868- الحسين بن محمد، بن علي بن الحسن [بن محمد] [3] بن عبد الوهاب، أبو طالب الزّينبي:
[4] ولد في سنة عشرين وأربعمائة، وقرأ القرآن على أبي الحسين ابن البروي [5] وسمع من أبي طالب بن غيلان، وأبي القاسم التنوخي، وأبي الحسين ابن المهتدي وغيرهم. وانفرد في بغداد برواية الصحيح عن كريمة، وتفقه على أبي عبد الله الدامغاني، وبرع في الفقه وأفتى ودرس، وانتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة/ 66/ ب ببغداد، ولقب نور الهدى ولم يزل واليا للمدرسة التي بناها شرف الملك أبو سعد تدريسا، ونظرًا، وترسل إلى ملوك الأطراف من البلاد من قبل الخليفة وولي نقابة الطالبيين والعباسيين، وكان شريف النفس، كثير العلم، غزير الدين، فبقي في النقابة شهورا ثم حمل إليه هاشمي قد جنى جناية تقتضي معاقبته، فقال ما يحتمل قلبي أن
__________
[1] «يكثر عددهم، وتفرد بالرواية عن جماعة» . ساقطة من ص، ط.
[2] في ص، ط: «على أبي بكر عبد العزيز» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] قال السمعاني في نسبة الزينبي: «هذه النسبة إلى زينب بنت سليمان بن علي، وظني أنها زوجة إبراهيم الإمام أم أحمد بن محمد بن علي، والمنتسب إليها بيت قديم ببغداد» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 183، وفيه: «الحسين بن محمد بن عبد الوهاب الزينبي» ، وتذكرة الحفاظ 1249، وشذرات الذهب 4/ 34، والكامل 9/ 179) .
[5] هكذا في الأصول، وجاءت في المطبوعة: «أبي الحسين ابن التوزي» . وفي الهامش: هو أحمد بن علي بن الحسين المحتسب، توفي سنة 442» .(17/166)
أسمع المعاقبين وما أراهم، فاستعفي فأعفي واستحضر أخوه طراد من الكوفة، وكان نقيبها فولي النقابة على العباسيين.
وتوفي يوم الاثنين حادي عشر صفر هذه السنة، وصلى عليه ابنه أبو القاسم علي، وحضره الأعيان وأرباب الدولة والعلماء، وحمل إلى مقبرة أبي حنيفة، فدفن داخل القبة، ومات عن اثنتين وتسعين سنة، قال ابن عقيل: كان نور الهدي يقول: بلغ أبي العلم إلى ما لا أبلغه من العلم.
3869- رابعة بنت أبي حكيم إبراهيم، ابن عبيد الله الجيزي
[1] .
والدة شيخنا ابن ناصر، سمعت من الجوهري، وابن المسلمة، وابن النقور وغيرهم. وحدثت وروي عنها ولدها وغيره، وكانت خيرة.
توفيت يوم الأحد حادي عشر ذي القعدة ودفنت بمقبرة باب أبرز. [2]
3870- طلحة بن أحمد بن طلحة بن أحمد بن الحسن بن سليمان بن بادي بن الحارث بن قيس بن الأشعث بن قيس الكندي:
[3] ولد بدير العاقول بعد صلاة الجمعة الثالث والعشرين من شعبان سنة اثنتين.
وخمسين، وسمع من أبي محمد الجوهري في سنة ثلاث وخمسين، ومن القاضي أبي يعلى ابن الفراء، وأبي الحسين ابن المقتدى [4] / وأبي الحسين ابن النرسي، وأبي 67/ أجعفر ابن المسلمة، وابن المأمون، وابن النقور [5] ، والصريفيني، وابن الدجاجي، وابن البسري وقرأ الفقه على يعقوب البرزباني، وكان عارفا بالمذهب، حسن المناظرة، وكانت له حلقة بجامع القصر للمناظرة.
__________
[1] في ص: «رابعة بنت أبي حكيم ابن أبي عبد الله الحيريّ» .
وفي ت: «رابعة بنت أبي حكيم إبراهيم بن عبد الله الخبرتي» .
[2] في الأصل: «وكانت خيرة دفنت بعد وفاتها يوم الأحد حادي عشر ذي القعدة بمقبرة باب أبرز» .
[3] في شذرات الذهب: «أبو البركات العاقولي طلحة بن أحمد بن طلحة بن أحمد بن الحسين بن سليمان الفقيه الحنبلي القاضي» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 34) .
[4] في ص: «وأبي الحسين بن المهتدي» .
[5] في الأصل: «وابن البقور» .(17/167)
وتوفي في هذه السنة ودفن بمقبرة البلد [1] قريبا من أبي بكر عبد العزيز.
3871- محمد بن الحسين بن محمد، أبو بكر الأرسابندي [2] القاضي:
من قرية من قرى مرو، سمع الحديث ببخارى، وتفقه هناك على صاحب أبي زيد، ونظر في الأدب، وبرع في النظر، وولى القضاء، وكان حسن الأخلاق متواضعا جوادا، وورد بغداد فسمع بها أبا محمد التميمي وغيره إلا أنه يروى عنه التحريف في الرواية، فإنه كان يقول: عندنا أنه من صنف شيئا فقد أجاز لكل من يروى عنه ذلك.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة. وكتب على قبره:
من كان معتبرا ففينا معتبر ... أو شامتا فالشامتون على الأثر
3872- محمد بن حاتم بن محمد بن عبد الرحمن، أبو الحسن [3] الطائي.
من أهل طوس، ورد نيسابور وتفقه على الجويني، ثم سافر إلى البلاد إلى المشايخ، فسمع بها الحديث الكثير، ورجع إلى نيسابور، فتوفي بها في هذه السنة، وكان فقيها خيرا ذا كياسة.
3873- محمود بن الفضل بن محمود، أبو نصر [4] الأصفهاني:
سمع الكثير وكتب، وكان حافظا ضابطا ثقة مفيدا لطلاب العلم.
وتوفي يوم الاثنين سابع عشرين جمادي الأولى، ودفن بباب حرب قريبا من بشر الحافي.
3874- يوسف بن أحمد، أبو طاهر [5] الخرزي.
67/ ب/ كان صاحب المخزن للمستظهر، وكان لا يوفي المسترشد حق التعظيم وهو
__________
[1] في ط: «ودفن بمقبرة الفيل» .
[2] الأرسابندي: نسبة إلى أرسابند من قرى مرو على فرسخين منها.
وانظر ترجمته في: (الأنساب للسمعاني 1/ 184) .
[3] في ت: «أبو الحسين الطائي» .
[4] انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ 1250) .
[5] في الأصل: «يوسف بن حامد» . والخرزي نسبة إلى الخرز وبيعها.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 183، وفيه: «ويعرف بابن الجزري» ) .(17/168)
ولي عهد، فلما ولى أقره مديدة ثم قبض عليه في جمادي الأولى من هذه السنة وهلك.
وحدثني عبد الله بن نصر البيع، عن أبي الفتوح بن طلحة صاحب المخزن، قال:
كنا نخدم مع المسترشد وهو ولي عهد، وكان يقصر في حقه ابن الخرزي ويقف في حوائجه، فكنت ألزمه فأقول: لا تفعل، فيقول: أنا أخدم شابا في أول عمره يشير إلى المستظهر، وما أبالي، وكان المسترشد حنقا عليه يقول: لئن وليت لأفعلن به، فلما ولي خلا بي ابن الخرزي وأمسك ذيلي، وقال: الصنيعة، فقلت له: الآن وقد فعلت في حقه ما فعلت، فقال: انظر ما نفعل، فقلت: هذا رجل قد ولى ولا مال عنده فاشتر نفسك منه بمال، فقال: كم؟ فقلت: عشرين ألفا، فقال: والله ما رأيتها قط، قلت: لا تفعل، فلم يقبل، فانتظرنا البطش به فخلع عليه، ثم بعد أيام خلع عليه فكتبت إلى المسترشد [أقول] : [1] أليس هو الذي فعل كذا وكذا؟ فكتب في مكتوبي: خُلِقَ الْإِنْسانُ من عَجَلٍ 21: 37 [2] ثم عاد وخلع عليه، ثم تقدم بالقبض عليه، فأخذنا من داره ما يزيد على مائة ألف دينار من المال وأواني الذهب والفضة، ثم أخذنا مملوكا له كان يعرف باطنه، فضربناه فأومأ إلى بيت في داره فاستخرجنا منه دفائن أربعمائة ألف دينار، ثم تقدم إلينا بقتله.
3875- يحيى بن عثمان ابن الشواء، أبو القاسم الفقيه
[3] :
سمع أبا يعلى بن الفراء، وأبا الحسين بن النقور، وابن المهتدي وابن المسلمة، والجوهري، وتفقه على القاضي أبي يعلى، ثم على القاضي يعقوب، وكان فقيها حسنا، وسماعه صحيح، وقرأ بالقراءات.
وتوفي/ ليلة الثلاثاء تاسع عشر جمادي الآخره ودفن في باب حرب.
68/ أ
3876- يحيى بن عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن إبراهيم بن الوليد، ويعرف بابن منده، ومنده لقب إبراهيم، ويكنى يحيى أبا زكريا:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] سورة: الأنبياء، الآية: 37.
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 35، وفيه: «أبو القاسم ابن الشرا يحيى بن عثمان بن عبد الله البيع الأزجي الفقيه الحنبلي» ) .(17/169)
[1] ولد سنة أربع وثمانين وأربعمائة، وكان محدثا وأبوه وجده وأبو جده وجد جده وأبوه، وسمع يحيى الكثير، وكان ثقة حافظا صدوقا، وصنف وجمع، وقدم بغداد فأملى بها، وحدثنا عنه أشياخنا.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة. ولم يخلف في بيت ابن منده مثله، وقيل في سنة إحدى عشرة [2] .
3877- أبو الفضل ابن الخازن
[3] :
كان أديبا لطيفا ظريفا.
أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن علي الحراني، قال: حكى لي أبو الفتح بن زهمونة، قال: سافرت إلى أصبهان سنة ست وخمسمائة، فاتفق معي أبو الفضل ابن الخازن فقصدنا يوما دار شمس الحكماء أبي القاسم الأهوازي الطبيب لزيارته لمودة كانت بيننا، ولم يكن حاضرا. فدخلنا إلى حمام في الدار وخرجنا منه، فجلسنا في بستان فيها، فأنشدني الخازن ارتجالا:
وافيت منزله فلم أر صاحبا ... إلا تلقاني بوجه ضاحك
والبشر في وجه الغلام نتيجة ... لمقدمات ضياء وجه المالك
ودخلت جنته وزرت جحيمه ... فشكرت رضوانا ورأفة مالك
__________
[1] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1250، وفيه وفاته سنة 511، والكامل 9/ 180) .
[2] «وقيل في سنة احدى عشرة» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 183) .(17/170)
ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[خوطب الأكمل الزينبي بقضاء القضاة]
أنه في المحرم خوطب الأكمل الزينبي بقضاء القضاة/ وحكم في خامس عشرين 68/ ب محرم، وخلع في صفر بالديوان، ومضى إلى جامع المنصور للتثبيت.
[انفصال الأمير أبي الحسن بن المستظهر عن الحلة ودعوته لنفسه]
وفيها: أن الأمير أبا الحسن بن المستظهر انفصل عن الحلة في صفر، ومضى إلى واسط، ودعا إلى نفسه واجتمع معه الرجالة والفرسان بالعدة والسلاح وملكها وسوادها، وهرب العمال، وجبي الخراج، فشق ذلك على الخليفة، فبعث ابن الأنباري كاتب الإنشاء إلى دبيس وعرفه ذلك، وقال: أمير المؤمنين معول عليك في مبادرته، فأجاب بالسمع والطاعة وأنفذ صاحب جيشه عنان في جمع كثير، فلما سمع الأمير أبو الحسن ذلك رحل من واسط منهزما مع عسكره بالليل فضلوا الطريق وساروا ليلهم أجمع، ثم رجعوا إلى ناحية واسط حتى وصلوا إلى عسكر دبيس، لما لاح لهم العسكر انحرف الأمير أبو الحسن عن الطريق فتاه في البرية في عدد من خواصه، وذلك في شهر تموز، ولم يكن معهم ماء وكان بينهم وبين الماء فراسخ فأشرف على الهلاك حتى أدركه نصر بن سعد الكردي [1] فسقاه الماء وعادت نفسه إليه، ونهب ما كان معه من المال والتجمل [2] ، وحمل إلى دبيس وكان نازلا بالنعمانية فأصعد به إلى بغداد وخيم بالرقة، وبعث به إلى المسترشد بعد تسليم عشرين ألف دينار إليه قررت عنه، وكانت مدة
__________
[1] في الأصل: «أدركه نصر بن سعد الكردي» .
[2] في الأصل: «كان معه من مال وتجمل» .(17/171)
خروجه إلى ان أعيد أحد عشر شهرا، وكان مديره ابن زهمونه فشهر ببغداد على جمل وقد ألبس قميصا أحمر وترك في رقبته مخانق برم وخرز ووراءه غلام يضربه بالدرة، ثم قتل في الحبس وشفع في سعد الله بن الزجاجي فعفي عنه.
وصرف ولد الربيب عن الوزارة، ووزر أبو علي ابن صدقة، وخطب في يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول [1] من هذه السنة على منابر بغداد لولد الامام المسترشد 69/ أباللَّه، فقيل في الخطبة: اللَّهمّ أنله من الأمل/ العدة، وما ينجز له به موعوده في سلالته الطاهرة في مولانا الأجل عدة الدين المخصوص بولاية العهد في العالمين أبي جعفر منصور ابن أمير المؤمنين.
[ورود سنجر إلى الري وملكها]
وفي هذه السنة: ورد سنجر إلى الري فملكها، وحاربه ابن أخيه محمود فانهزم، وكان مع سنجر خمسة ملوك على خمسة أسرة منهم ملك غزنة، وكان معه من الباطنية ألوف، ومن كفار الترك ألوف، وكان معه نحو أربعين فيلا، ثم إن محمودا حضر عند سنجر فخدمه، [2] وعزل القاضي أبو علي الحسن بن إبراهيم الفارقي عن قضاء واسط، وولى أبو المكارم علي بن أحمد البخاري.
وفي ربيع الأول: قبلت شهادة الأرموي، وابن الرزاز، والهيتي، وأبي الفرج بن أبي خازم بن الفراء، وانفرد الإمام المسترشد أياما لا يخرج من حجرته الخاصة هو ووالدته وجارية، حتى أرجف عليه، وكان السبب مرضًا [3] وقيل: بل شغل قلبه.
وفي جمادي الأولى خلع علي أبي علي بن صدقة، ولقب جلال الدين، وظهر في هذا الشهر غيم عظيم، وجاء مطر شديد، وهبت ريح قوية أظلمت معها السماء، وكثر الضجيج والاستغاثة حتى ارتج البلد.
وذكر أن دبيسا راسل المسترشد: أنه كان من شرطي في إعادة الأمير أبي الحسن
__________
[1] في الأصل: «ثاني شهر ربيع الأول» .
[2] في الأصل: «أن محمودا خدم عند سنجر فخدمه» .
[3] «مرض» ساقطة من ص.(17/172)
أنى أراه أي وقت أردت، وقد ذكر أنه على حالة صعبة، فقيل له: إن أحببت أن تدخل إليه فافعل أو تنفذ من يختص بك فيراه، أو يكتب إليك بخطه، فأما أن يخرج هو فلا، وكان قد ندم على تسليمه.
وورد كتب من سنجر فيها إقطاع للخليفة بخمسين ألف دينار، وللوزير/ بعشرة 69/ ب آلاف، ورد إلى الوزير العمارة والشحنكية ووزارة خاتون.
وفي شعبان وصل ابن الطبري بتوقيع من السلطان بتدريس النظامية.
وعلى استقبال شوال بدئ بالبناء في التاج، وفي العشرين من شوال [1] وصل القاضي الهروي وتلقاه الوزير [2] بالمهد واللواء ومعه حاجب الباب والنقيبان وقاضي القضاة والجماعة، وحمل على فرس من الخاص، ونزل باب النوبي، وقبل الأرض، ثم حضر في اليوم الثالث والعشرين فوصل إلى المسترشد فأوصل له كتبا، وحمل من سنجر ثلاثين تختا من الثياب، وعشرة مماليك وهدايا كثيرة.
وفي العشر الأوسط من ذي الحجة: اعتمد أبو الحسين أحمد بن قاضي القضاة أبي الحسن الدامغاني إلى امرأة فأشهد عليها بجملة من المال دينا له عليها، وقال: هذه أختي زوجة ابن يعيش، وشهد عليهما شاهدان الأرموي والمنبجي، فلما علمت أخته وزوجها أنكرا ذلك وشكيا إلى المسترشد [فكشفت الحال] [3] فقال: إني أخطأت في اسمها، وإنما هي أختي الصغرى فأبدل اسم باسم، فوافقه على ذلك المنبجي، وأما الأرموي فقال: ما شهدت إلا على الكبرى، وكشط من الكتاب الكبرى، وكتب اسم الصغرى، فصعب هذا عند الخليفة، [4] وتقدم في حقه بالعظائم، واختفى أبو الحسين فحضر أخوه تاج القضاة عند شيخ الشيوخ إِسْمَاعِيل، وأحضر كتابا فيه إقرار بنت الزينبي [زوجة] [5] الوزير عميد الدولة [بن صدقة] [6] لأخيها قاضي القضاة الأكمل بجملة كبيرة
__________
[1] «بدئ بالبناء ... من شوال» : ساقطة من ص، ط.
[2] من هنا أعاد الناسخ في ت الأربع ورقات الساقطة أثناء أحداث سنة 498 هـ.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «فصعب هذا عند المسترشد» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/173)
من المال إما ثلاثة آلاف أو نحوها وفيه خطوط اثنى عشر شاهدا، وأنه ثبت على قاضي القضاة أبي الحسن الدامغاني أنه زور على أخته. وظهر هذا للشهود حتى رجعوا عن الشهادة، فإن كان أخي قد أخطأ ومعه شاهد واحد وخالفه شاهد واحد فهذا قاضي 70/ أالقضاة اليوم يكذبه اثنا عشر شاهدا، فكتب شيخ الشيوخ إلى الخليفة بالحال، / فخرج التوقيع بالسكوت عن القصتين جميعا، ذكر هذا شيخنا أبو الحسن ابن الزاغوني في تاريخه.
وفي هذه السنة: شدد التضييق على الأمير أبي الحسن وسد الباب وأبقى منه موضع تصل منه الحوائج ثم أحضره، وقال له: قد وجد في قبة دارك تشعيث ولعله منك وأنك قد عزمت على الهرب مرة أخرى، وجرى بينهما خطاب طويل وحلف أنه لم يفعل، وتنصل ثم أعيد إلى موضعه على التضييق.
وورد الخبر بان دبيس بن مزيد كسر المنبر الذي في مشهد علي عليه السلام والذي في مشهد الحسين، وقال: لا تقام ها هنا جمعة ولا يخطب لأحد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3878- إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن يوسف، أبو غالب النوبندجاني [1] الصوفي:
ونوبندجان من نواحي فارس، سمع من ابن المهتدي، وابن النقور وغيرهما، وحدث، وكان صالحا دينا.
وتوفي يوم الأحد خامس رجب، ودفن بمقابر الشهداء.
3879- أحمد بن محمد بن شاكر، أبو سعد صاحب ابن القزويني
[2] .
سمع منه ومن العشاري، والجوهري، وكان صالحا.
وتوفي يوم الثلاثاء خامس عشر صفر، ودفن بباب حرب.
3880- أحمد بن الحسن بن طاهر بن الفتح، أبو المعالي:
[3]
__________
[1] في الأصل: «النوبيدخان الصوفي» .
[2] في المطبوعة: «ابن شاكر الجزاء» . وفي ت: «ابن شاكر الحربي، أبو سعد صاحب ابن القزويني» .
[3] في ص: «أبو العالي» .(17/174)
ولد سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وسمع أبا الطيب الطبري، وأبا يعلى، وابن المهتدي، وابن المسلمة وغيرهم. وكان سماعه صحيحا.
وتوفي يوم الأحد خامس رجب، ودفن بمقابر الشهداء.
3881- علي بن محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن عبد الملك بن حموية [1] الدامغاني، أبو الحسن بن أبي عبد الله قاضي القضاة ابن قاضي القضاة
[2] :
ولد في رجب سنة تسع وأربعين وأربعمائة، وشهد عند أبيه/ أبي عبد الله في سنة 70/ ب ست وستين، وفوض إليه القضاء بباب الطاق، وما كان إلى جده أبي أمه القاضي أبي الحسن بن أبي جعفر السمناني من القضاء، وكان يوم تقلد القضاء وعدل ابن ست عشرة سنة، ولم يسمع أن قاضيا تولى أصغر من هذا، وولي القضاء لأربعة خلفاء: القائم والمقتدي إلى أن مات أبوه، ثم ولى الشافعي فعزل نفسه، وبعث إليه الشامي يقول له:
أنت على عدالتك وقضائك، فنفذ إليه يقول: أما الشهادة فإنها استشهدت، وأما القضاء فقضي عليه، وانقطع عن الولاية، واشتغل بالعلم، فقلده المستظهر قضاء القضاة في سنة ثمان وثمانين وكان عليه اسم قاضي القضاة وهو معزول في المعنى بالسيبي والهروي، ولم يكن إليه إلا سماع البينة في الجانب الغربي، لكنه كان يتطرى جاهه بالأعاجم ومخاطبتهم في معناه، ثم ولي المسترشد فأقره على قضاء القضاة ولا يعرف بأن قاضيا تولى لأربع خلفاء غيره، وغير شريح إلا أبا طاهر محمد بن أحمد بن الكرخي، قد رأيناه ولي القضاء لخمسة خلفاء، وإن كان مستنابا: المستظهر، والمسترشد، والراشد، والمقتفي، والمستنجد. [وناب] [3] أبو الحسن الدامغاني عن الوزارة في الأيام المستظهرية والمسترشدية بمشاركة غيره معه، وتفرد بأخذ البيعة وللمسترشد، وكان فقيها متدينا ذا مروءة وصدقات وعفاف، وكان له بصر جيد بالشروط والسجلات، وسمع الحديث من القاضي أبي يعلى بن الفراء، وأبي بكر الخطيب، والصريفيني وابن النقور، وحدث.
__________
[1] في ت: «ابن الحسن بن عبد الملك بن عبد الوهاب بن حمويه» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 185، شذرات الذهب 4/ 40، والكامل 9/ 189) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/175)
وكان قد تقدم إليه المستظهر بسماع قول بعض الناس فلم يره أهلا لذلك، فلم يسمع قوله وحدثني أبو البركات [1] بن الجلاء الأمين، قال: حضر أبو الحسن الدامغاني وجماعة أهل الموكب باب الحجرة، فخرج الخادم فَقَالَ: انصرفوا إلا قاضي القضاة، 71/ أفلما انصرفوا قال له الخادم: [2] إن أمير المؤمنين/ يحب يسمع كلامك، يقول لك:
أنحن نحكمك أم أنت تحكمنا؟ قال: فقال: كيف يقال لي هذا وأنا بحكم أمير المؤمنين؟ فقال: أليس يتقدم إليك بقبول قول شخص فلا تفعل؟ قال: فبكى ثم قال [لأمير المؤمنين [3]] : يا أمير المؤمنين إذا كان يوم القيامة جيء بديوان ديوان فسئلت عنه، فإذا جيء بديوان القضاء كفاك أن تقول وليته لذاك المدبر ابن الدامغاني فتسلم أنت وأقع أنا، قال: فبكى الخليفة، وقال: أفعل ما تريد.
وقد روى رفيقنا أبو سعد السمعاني، قال: سمعت أبا الحسن علي بن أحمد الأزدي يقول: دخل أبو بكر الشاشي على قاضي القضاة الدامغاني زائرا له فما قام قاضي القضاة، فرجع الشاشي وما قعد، وكان ذلك في سنة نيف وثمانين، فما اجتمعا إلّا بعد سنة خمسمائة في عزاء لابن الفقيه، فسبق الشاشي فجلس، فلما دخل الدامغاني قام الكل إلا الشاشي [4] فإنه ما تزحزح، فكتب قاضي القضاة إلى المستظهر يشكو من الشاشي أنه ما احترم حرمة نائب الشرع، فكتب المستظهر: ماذا أقول له، أكبر منك سنا وأفضل منك وأورع منك، لو قمت له كان يقوم لك، وكتب الشاشي إلى المستظهر، يقول: فعل في حقي وصنع ووضع مرتبة العلم والشيوخة، وكتب في أثناء القصة:
حجاب وإعجاب وفرط تصلف [5] ... ومد يد نحو العلا بتكلف
فلو كان هذا من وراء كفاية ... لهان ولكن من وراء تخلف
فكتب المستظهر في قصته: يمشي الشاشي إلى الدامغانيّ ويعتذر، فمضى
__________
[1] في ص: «فلم يسمع قوله وسمع أبا البركات» .
[2] «فقال: انصرفوا إلا قاضي ... قال له الخادم» : هذه العبارة ساقطة من ص، ط.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص: «قام الكل سوى الشاشي» .
[5] في الأصل: «وفرط تكلف» .(17/176)
امتثالا للمراسم، وكنا معه، فقام له الدامغاني قياما تاما، وعانقه واعتذر إليه، وجلسا طويلا يتحدثان، وكان القاضي يقول: تكلم والدي في المسألة الفلانية واعترض عليه فلان، وتكلم فلان في/ مسألة كذا وكذا واعترض عليه والدي إلى أن ذكر عدة مسائل، / 71/ ب فقال له الشاشي: ما أجود ما قد حفظت أسماء المسائل.
قال المصنف رحمه الله: وكان أبو الحسن ابن الدامغاني قصر أيضا في حق أبي الوفاء ابن عقيل، فكتب ابن عقيل إليه ما قرأته بخطه: «مكاتبة سنح بها الخاطر لتوصل إلى أبي الحسن الدامغاني قاضي القضاة يتضمن تنبيها له على خلال قد سولت له نفسه استعمالها، فهدت من مجد منصبه ما لا يتلافاه على طول الوقت في مستقبل عمره، لما خمره في نفوس العقلاء من ضعف رأيه وسوء خلقه الذي لم يوفق لعلاجه [1] ، وكان مستعملا نعمة الله تعالى في مداواة نقائصه. ومن عذيري ممن نشأ في ظل والد مشفق عليه قد حلب الدهر شطريه وأتلف في طلب العلم أطيبيه، أجمع أهل عصره على كمال عقله كما اجتمع العلماء على غزارة علمه، اتفق تقدمه في نصبه القضاء بالدولة التركمانية والتركية المعظمة لمذهبه، وفي عصره من هو أفضل منه بفنون من الفضل.
كأبي الطيب الطبري، وأخلق بالرياسة كالماوردي، وأبي إسحاق الفيروزآبادي، وابن الصباغ، فقدمه الزمان على أمثاله، ومن يربي عليه في الفضل والأصل فكان أشكر الناس لنعمة الله، فاصطنع من دونه من العلماء، وأكرم من فوقه من الفقهاء حتى أراه الله في نفسه فوق ما تمناه من ربه، وغشاه من السعادة ما لم يخطر بباله، حيث رأى أبا الطيب الطبري نظير أستاده الصيمري بين يديه شاهدا، وله في مواكب الديوان مانعا، / وتعجرف عليه أبو محمد التميمي فكان يتلافاه بجهده، ويأبى إلا إكرامه ويغشاه في تهنئة 72/ أوتعزية، حتى عرض عليه القائم الوزارة فأبى تعديه رتبة القضاء، فلما ولي ولده سلك طريقة عجيبة خرج بها عن سمت أبيه، فقدم أولاد السوقة، وحرم أولاد العلماء حقوقهم، وقبل شهادة أرباب المهن، وانتصب قائما للفساق الذين شهد بفسقهم لباسهم الحرير والذهب، ومنع أن يحكم ألا برأي أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وصاح في مجلسه بأعلى صوته أنه لم يبق في الأرض مجتهد، وهو لا يعلم ما تحت هذا الكلام من
__________
[1] في الأصل: «لم يوفق لفلاحه» .(17/177)
الفساد، وهو إخراج عن الإجماع الذي هو آكد أدلة الشرع، وليس لنا دليل معصوم سواه، جعله الله في هذه الشريعة خلف النبوة حيث كان نبيها خاتم الأنبياء لا يخلفه نبي، فجعل اجتماع أمته بدلا من نبوة بعد نبوة، وقد علم أن المقدم عليه نقيب النقباء تقدم مميز، وترك النظر صفحا، وتعاطى أن لا يخاطب أحدا بما يقتضيه حاله من شيوخه أو علم أو نسب الآباء فعاد ممقوتا إلى القلوب، وأهمله من لا حاجة إليه له، أصلحه الله لنفسه فما أغنانا عنه» .
وكتب ابن عقيل يوبخه أيضا على تقصير في حقه «من عذيري ممن خص بولاية الأحكام وقضاء القضاة والحكم في جميع بلاد الإسلام، فكان أحق الناس بالإنصاف، والإنصاف لا يختص بأحكام الشرع بل حقوق الناس التي توجبها قوانين السياسة وآداب الرئاسة مما يقتضي إعطاء كل ذي حق حقه، ويجب أن يكون هو المعيار لمقادير الناس لا سيما أهل العلم الذي هو صاحب/ منصبهم، ونراه على استمرار عادته يعظم الأعاجم الواردين من الخراسانية تعظيما باللفظ وبالنهوض لهم، وينفخ فيهم بالمدح حال حضورهم ثقة بالسماع، والحكاية عنهم، وبطل الثناء بعد خروجهم فيحشمهم ذلك في نفوس من لا يعرفهم، ويتقاعد عند علماء بلده ومشيخة دار السلام الذين قد انكشفت له علومهم على طول الزمان، ويقصر بأولاد الموتى منهم مع معرفته بمقادير أسلافهم والناس يتلمحون أفعاله، وأكثر من يخصهم بالتعظيم لا يتعدون هذه المسائل الطبوليات، ليس عندهم من الروايات والفروعيات خبر، مفلوسون من أصول الفقه والدين، لا يعتمدون إلا على الألقاب الفارغة، وإذا لم يسلك إعطاء كل ذي حق حقه لم يطعن ذلك في المحروم بل في الحارم، أما من جهة قصور العلم بالموازنة، أو من طريق اعتماد الحرمان لأرباب الحقوق، وذاك البخس البحت، والظلم الصرف، وذلك يعرض بأسباب التهمة في التعديل فيما سوى هذا القبيل، ولا وجه لقول متمكن من منصبه: لا أبالي، فقد بالي من هو أكبر منصبا، فقال عليه السلام: «لولا أن يقال أن محمدا نقض الكعبة لأعدتها إلى قواعد إبراهيم» فتوقى أن يقول الذين قتلهم وكسر أصنامهم، وهذا عمر يقول: «لولا أن يقال أن عمر زاد في كتاب الله لكتبت آية الرجم في حاشية المصحف» . ومن فقهه قال: في حاشية المصحف، لأن وضع الآي كأصل الآي، لا(17/178)
يجوز لأحد أن يضع آية في سورة من غير قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالوحي ضعوها على رأس كذا، فأنبأ بقوله في حاشية المصحف على هذا الفقه الدقيق.
فإن قال: لا أبالي بمن قال من/ علماء العراق كان العتب متضاعفا، فيقال: قد 73/ أظهر من أعظامك [1] الغرباء زيادة على محلهم ومقدارهم طلبا لانتشار اسمك بالمدحة، وعلماء العراق هم بالقدح أقوم، كما أنهم بأسباب المدح أعلم، فاطلب السلامة تسلم، والسلام» .
توفي أبو الحسن الدامغاني ليلة الأحد رابع عشر محرم عن ثلاث وستين سنة وستة أشهر، ولي منها قضاء القضاة عشرين سنة [2] وخمسة أشهر وأياما، وصلى عليه وراء مقبرة الشونيزية، تقدم في الصلاة عليه ابنه أبو عبد الله محمد، وحضر النقيبان والأكابر، ودفن في داره بنهر القلائين في الموضع الذي دفن فيه أبوه، ثم نقل أبوه إلى مشهد أبي حنيفة.
3882- علي بن عقيل بن محمد بن عقيل، أبو الوفاء الفقيه فريد دهره وإمام عصره:
[3] قال شيخنا أبو الفضل ابن ناصر: سألته عن مولده، فقال: ولدت في جمادي الآخرة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، وكذا رأيته أنا بخطه، وكان حسن الصورة، ظاهر المحاسن، حفظ القرآن، وقرأ القراءات على أبي الفتح بن شيطا وغيره، وكان يقول:
شيخي في القراءة ابن شيطا، وفي الأدب والنحو أبو القاسم بن برهان، وفي الزهد أبو بكر الدينَوَريّ، وأبو منصور بن زيدان، أحلى من رأيت وأعذبهم كلاما في الزهد، وابن الشيرازي، ومن النساء الحرانية، وبنت الجنيد، وبنت الغراد المنقطعة إلى قعر بيتها لم تصعد سطحا قط، ولها كلام في الورع، وسيد زهاد عصره، وعين الوقت أبو الوفاء القزويني ومن مشايخي في آداب التصوف أبو منصور ابن صاحب الزيادة العطار شيخ
__________
[1] في الأصل: «قد كان ظهر من إعظامك» .
[2] في الأصل: «تسعا وعشرين سنة» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 184، شذرات الذهب 4/ 35، والكامل 9/ 190) .(17/179)
زاهد مؤثر بما يفتح له فتخلق بأخلاق مقتدى الصوفية، ومن مشايخي في الحديث التوزي، وأبو بكر بن بشران، والعشاري، والجوهري، وغيرهم. ومن مشايخي في 73/ ب الشعر والترسل ابن شبل، وابن الفضل. وفي الفرائض/ أبو الفضل الهمذاني وفي الوعظ أبو طاهر ابن العلاف صاحب ابن سمعون، وفي الأصول أبو الوليد، وأبو القاسم ابن البيان، وفي الفقه أبو يعلى ابن الفراء المملوء عقلا وزهدا وورعا، قرأت عليه حين عبرت من باب الطاق لنهب الغز لها سنة أربع وأربعين، ولم أخل بمجالسته وخلواته التي تتسع لحضوري والمشي معه ماشيا، وفي ركابه إلى أن توفي، وحظيت من قربه لما لم يحظ به أحد من أصحابه مع حداثة سني، والشيخ أبو إسحاق [الشيرازي] [1] إمام الدنيا وزاهدها، وفارس المناظرة وواحدها، وكان يعلمني المناظرة، وانتفعت بمصنفاته، وأبو نصر ابن الصباغ، وأبو عبد الله الدامغاني، حضرت مجلس درسه ونظره من سنة خمسين إلى أن توفي، وقاضي القضاة الشامي انتفعت به غاية النفع، وأبو الفضل الهمذاني، 72/ ب وأكبرهم سنا وأكثرهم فضلا أبو الطيب الطبري حظيت برؤيته ومشيت في ركابه، وكانت صحبتي له حين انقطاعه عن التدريس والمناظرة فحظيت بالجمال والبركة.
ومن مشايخي أبو محمد التميمي كان حسنة العالم وماشطة بغداد، ومنهم أبو بكر الخطيب كان حافظ وقته، وكان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء وكان ذلك يحرمني علما نافعا، وأقبل علي أبو منصور بن يوسف فحظيت منه بأكثر من حظوة وقدمني في الفتاوى مع حضور من هو أسن مني، وأجلسني البرامكة بجامع المنصور لما مات شيخي سنة ثمان وخمسين، وقام بكل مؤنتي وتجملي فقمت من الحلقة أتتبع حلق 74/ أالعلماء لتلقط الفوائد، فأما أهل بيتي فإن بيت أبي فكلهم أرباب/ أقلام وكتابة وشعر وآداب، وكان جدي محمد ابن عقيل كاتب حضرة بهاء الدولة، وهو المنشئ لرسالة عزل الطائع وتولية القادر، ووالدي أنظر الناس، وأحسنهم جدلا وعلما، وبيت أمي بيت الزهري صاحب الكلام والمدرس على مذهب أبي حنيفة، وعانيت من الفقر والنسخ بالأجرة مع عفة وتقى، ولا أزاحم فقيها في حلقة، ولا تطلب نفسي رتبة من رتب أهل العلم القاطعة لي عن الفائدة، وتقلبت على الدول فما أخذتني دولة السلطان ولا عاقة
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/180)
عما اعتقد أنه الحق، فأوذيت من أصحابي حتى طل الدم، وأوذيت من دولة النظام بالطلب والحبس، فيا من خسرت الكل لأجله لا تخيب ظني فيك، وعصمني الله من عنفوان الشبيبة بأنواع من العصمة، وقصر محبتي على العلم وأهله، فما خالطت ملعابا ولا عاشرت إلا أمثالي من طلبة العلم.
وأفتى ابن عقيل ودرس، وناظر الفحول، واستفتى في الديوان في زمن القائم في زمرة الكبار، وجمع علوم الأصول والفروع، وصنف فيها الكتب الكبار، وكان دائم الاشتغال بالعلم حتى إني رأيت بخطه: إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصرى عن مطالعة أعمل فكري في حال [1] راحتي وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين.
وكان له الخاطر العاطر والبحث عن الغوامض والدقائق، وجعل كتابه المسمى «بالفنون» مناظرا لخواطره وواقعاته، ومن تأمل واقعاته فيه عرف غور الرجل، وتكلم على المنبر بلسان الوعظ مدة، فلما كانت سنة خمس وسبعين/ وأربعمائة جرت فيها فتن بين 74/ ب الحنابلة والأشاعرة فترك الوعظ واقتصر على التدريس، ومتعه الله بسمعه وبصره وجميع جوارحه.
قال المصنف: وقرأت بخطه، قال: «بلغت لاثنتي عشرة سنة وأنا في سنة الثمانين وما أرى نقصا في الخاطر والفكر والحفظ وحدة النظر وقوة البصر لرؤية الأهلة الخفية إلا أن القوة بالإضافة إلى قوة الشبيبة والكهولة ضعيفة» .
وكان ابن عقيل قوى الدين، حافظا للحدود، ومات ولدان له فظهر منه من الصبر ما يتعجب منه، وكان كريما ينفق ما يجد فلم يخلف سوى كتبه وثياب بدنه فكانت بمقدار كفنه وقضاء دينه، وكان إذ طال عمره يفقد القرناء والإخوان. [2] قال المصنف رحمه الله: فقرأت بخطه: رأينا في أوائل أعمارنا أناسا طاب العيش
__________
[1] في الأصل: «أعملت فكري» .
[2] في الأصل: «طال عمره لفقدان القرناء والإخوان» .(17/181)
معهم كالدينوري، والقزويني وذكر من قد سبق اسمه في حياته، ورأيت كبار الفقهاء كأبي الطيب وابن الصباغ وأبي إسحاق، ورأيت إِسْمَاعِيل والد المزكي تصدق بسبعة وعشرين ألف دينار، ورأيت من بياض التجار كابن يوسف وابن جرده وغيرهما، والنظام الذي سيرته بهرت العقول، وقد دخلت في عشر التسعين وفقدت من رأيت من السادات ولم يبق إلا أقوام كأنهم المسوخ صورا، فحمدت ربي إذ لم يخرجني من الدار الجامعة لأنوار المسار بل أخرجني ولم يبق مرغوب فيه فكفاني محنة التأسف على ما يفوت [1] ، لأن التخلف مع غير الأمثال عذاب، وإنما هون فقداني للسادات نظري [2] إلى الإعادة بعين اليقين، وثقتي إلى وعد المبدئ لهم [3] ، فلكأني أسمع داعي البعث وقد دعا كما 75/ أسمعت ناعيهم وقد نعى حاشي المبدئ لهم على تلك الأشكال والعلوم أن يقنع/ لهم في الوجود بتلك الأيام اليسيرة المشوبة بأنواع الغصص [4] وهو المالك، لا والله لا أقنع لهم إلا بضيافة تجمعهم على مائدة [تليق] [5] بكرمه، نعيم بلا ثبور، وبقاء بلا موت، واجتماع بلا فرقة، ولذات بغير نغصة.
وحدثني بعض الأشياخ أنه لما احتضر ابن عقيل بكى النساء، فقال: قد وقفت خمسين سنة فدعوني أتهنأ بلقائه.
توفي رضي الله عنه بكرة الجمعة ثاني عشر جمادي الأولى من هذه السنة، وصلى عليه في جامع القصر والمنصور، وكان الجمع يفوق الاحصاء. قال شيخنا ابن ناصر:
حزرتهم بثلاثمائة ألف، ودفن في دكة الإمام أحمد وقبره ظاهر [فما كان في مذهبنا أحد مثله.
وقال شيخنا أبو الحسن الزعفراني: دفن في الدكة بعد الخادم مخلص] [6] .
__________
[1] في ص: «فكفاني عنه التأسف على ما يفوت» .
[2] في الأصل: «فقداني السادات نظري» .
[3] في الأصل: «وثقتي إلى وعد المهدي» .
[4] في ت: «المشوبة بأنواع البعض»
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] «فما كان في مذهبنا ... الخادم المخلص» : الجملة ساقطة من الأصل، ص، ط، وأوردناها من ت.(17/182)
3883- محمد بن أحمد بن الحسين، أبو عبد الله اليزدي
[1] :
ولد سنة خمس وخمسين، وسافر في طلب القراءات البلاد البائنة، وعبر ما وراء النهر، وكان إذا قرأ بكى الناس لحسن صوته، وحدث بشيء يسير عن أبي إسحاق الشيرازي، وتوفي في هذه السنة.
3884- محمد بن طرخان بن بلتكين، أبو بكر [2] التركي:
سمع الكثير، وكتب، وكان له معرفة بالحديث، والأدب، وسمع الصريفيني، وابن النقور، وابن البسري. روى عنه أشياخنا ووثقوه.
توفي في صفر هذه السنة، ودفن بالشونيزية.
3885- محمد بن عبد الباقي، أبو عبد الله الدوري
[3] :
ولد سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، وسمع الجوهري، والعشاري، وأبا بكر بن بشران، وغيرهم. وكان شيخا صالحا ثقة خيرًا. وتوفي في صفر هذه السنة.
3886- المبارك بن علي بن الحسين، أبو سعد المخرمي
[4] :
ولد في رجب سنة ست وأربعين وأربعمائة، وسمع الحديث من أبى الحسين ابن المهتدى، وابن المسلمة، وجابر بن ياسين، والصريفيني، وأبى يعلى ابن الفراء، وسمع منه شيئا من الفقه، ثم تفقه على صاحبه أبى جعفر الشريف، ثم على يعقوب/ البرزبيني [5] ، وأفتى ودرس وجمع كتبا كثيرة ولم يسبق إلى جمع مثلها، 75/ ب
__________
[1] في المطبوعة: «أبو عبد الله البردي» . وفي الأصل: «البردى» بدون نقط. وما أوردناه من ت.
[2] في ص: «ابن بنتكين أبو بكر» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 41) .
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 41)
[4] في ت: «أبو سعيد المخرمي» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 185، وشذرات الذهب 4/ 40، وفيه: «المبارك بن علي بن الحسن بن بندار» ) .
[5] في الأصل: «البرينسي» .(17/183)
وشهد عند أبى الحسن الدامغاني في سنة تسع وثمانين، وناب في القضاء عن السيبي والهروي، وكان حسن السيرة جميل الطريقة شديد الأقضية، وبنى مدرسة بباب الأزج ثم عزل عن القضاء في سنة إحدى عشرة، ووكل به في الديوان على حساب وقوف الترب، فأدى مالا.
ثم توفي في ثاني عشر محرم هذه السنة، ودفن إلى جانب أبى بكر الخلال عند رجلي الإمام أحمد بن حنبل.(17/184)
ثم دخلت سنة اربع عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[خطب للسلطانين سنجر بن ملك شاه وابن أخيه محمود بن محمد]
أنه في المحرم خطب للسلطانين [أبى الحارث] [1] سنجر بن ملك شاه، وابن أخيه أبى القاسم محمود بن محمد جميعا في موضع واحد، وسمى كل واحد منهما شاهنشاه.
[ترتيب أبي الفتوح حمزة بن علي وكيلا ناظرا]
وفي أول صفر: رتب أبو الفتوح حمزة بن علي بن طلحة وكيلا ناظرا في المخزن، وكان قبل ذلك ينظر في حجبة الباب، فبقي في الحجبة سنة وشهرا وأياما، ثم نقل إلى المخزن.
[تمرد العيارون]
وتمرد العيارون في هذا الأوان وأخذوا زواريق منحدرة من الموصل ومصعدة إلى غيرها، وفتكوا بأهل السواد فتكات متواليات، وهجموا على العتابيين فحفظوا أبواب المحلة [2] ، ودخلوا إلى دور عيونها فأخذوا ما فيها وما في موازين المتعيشين، فتقدم الخليفة إلى إخراج أتراك دارية لقتالهم، فخرجوا وحاصروهم في الأجمة خمسة عشر يوما، ثم إن العيارين نزلوا في سفن وانحدروا إلى شارع دار الرقيق [3] دخلوا المحلة، وأقبلوا منها إلى الصحارى وقصد أعيانهم دار الوزير ابن صدقة بباب العامة [4] في ربيع
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وهجموا على الفاس ودخلوا عليهم فحفظوا أبواب المحلة» .
[3] في ص: «إلى شارع دار الدقيق» .
[4] في الأصل: «وقصدوا باب الوزير بن صدقة بباب العامة» .(17/185)
76/ أالأول وأظهروا/ التوبة، وخرج فريق منهم لقطع الطريق، فقتلهم أهل السواد بأوانا، وبعثوا رءوسهم إلى بغداد.
وفي ربيع الأول: ورد القاضي أبو جعفر عبد الواحد بن أحمد الثقفي قاضي الكوفة والبلاد الميزيدية، وكان دبيس الملقب بسيف الدوله نفذ به إلى الأمير إيلغازي ابن أرتق، فخطب منه ابنته فزوجه بها ونقلها إليه، فوردت صحبة أبى جعفر الحلة.
ووقعت الخصومة بين السلطان محمود وأخيه مسعود ابني محمد، وكان مسعود هو العاصي عليه فتلطفه محمود فلم يصلح، وقامت الحروب في ربيع الأول فانحاز البرسقي إلى محمود، وانهزم مسعود وعسكره، واستولى على أموالهم، وقصد مسعود جبلا بينه وبين موضع الوقعة اثنا عشر فرسخا فأخفى نفسه وأنفذ بركابي إلى المعسكر يطلب الأمان، فحضر بين يدى السلطان فقال له: يا سلطان العالم إن من السعادة أن أخاك لم يجد مهربا عنك، وقد نفذ يطلب الأمان وعاطفتك اجل متوسل به إليك، فقال له: وأيان هو؟ قال: في مكان كذا، فقال السلطان: ما نويت غير هذا، وهل إلا العفو والإحسان. واستدعى بالبرسقي، وقال له: تمضى إلى أخي وتؤمنه وتستدعيه.
واتفق بعد انفصال الركابي أنه ظفر يونس بن داود البلخي بمسعود فاحتال عليه، وقيل له: إن حملته إلى أخيه فربما أعطاك ألف دينار أو أقل، وان حملته إلى دبيس أو إلى الموصل وصلت إلى ما شئت، فعول على ذلك فجاء البرسقي فلم يره، فسار خلفه فلحقه على ثلاثين فرسخا، فأخذه وعرفه أمان أخيه له وأعاده إلى العسكر، وخرج الأعيان فاستقبلوه [1] ، ونزل عند أمه، ثم جلس السلطان محمود فدخل إليه، فقبل الأرض بين يديه، فضمه إليه وقبل بين عينيه وبكى كل واحد منهما، فكان هذا من محاسن أفعال محمود.
76/ ب ولما بلغ عصيان مسعود/ إلى سيف الدوله دبيس أخذ في أذية بغداد، وحبس مال السلطان، وورد أهل نهر عيسى ونهر الملك مجفلين إلى بغداد بأهاليهم ومواشيهم فزعا من سيف الدوله، لأنه بدأ بالنهب في أطرافهم، وعبر عنان صاحب جيشه فبدأ
__________
[1] في الأصل: «وخرج الأعمام فاستقبلوه» .(17/186)
بالمدائن فعسكر بها [1] ، وقصد يعقوبا وحاصرها، ثم أخذها عنوة، وسبيت الذراري، وافترشت النساء.
وكان سيف الدولة يعجبه اختلاف السلاطين ويعتقد أنه ما دام الخلاف قائما بينهم فأمره منتظم، كما استقام أمر والده صدقة عند اختلاف السلاطين، فلما بلغه كسر مسعود، وخاف مجيء محمود أمر بإحراق الأتبان والغلات، وانفذ الخليفة إليه نقيب الطالبيين أبا الحسن على بن المعمر فحذره وأنذره، فلم ينفع ذلك فيه، وبعث إليه السلطان بالتسكين، وأنه قد أعفاه من وطء بساطه، فلم يهتز لذلك، وتوجه نحو بغداد في جمادى الآخرة فضرب سرادقه بازاء دار الخلافة من الجانب الغربي، وبات أهل بغداد على وجل شديد وتوفيت والدة نقيب [2] الطالبيين فقعد في الكرخ للعزاء بها، فمضى إليه سيف الدولة فنثر عليه أهل الكرخ، وتهدد دار الخلافة، وقال: انكم استدعيتم السلطان فإن أنتم صرفتموه، وإلا فعلت وفعلت، فنفذ إليه أنه لا يمكن رد السلطان بل نسعى في الصلح فانصرف دبيس، فسمع أصوات أهل باب الأزج يسبونه، فعاد وتقدم بالقبض عليهم فأخذ جماعة منهم وضربوا بباب النوبي، ثم انحدر، ثم دخل السلطان محمود في رجب وتلقاه الوزير أبو على بن صدقة، وخرج إليه أهل باب الأزج، فنثروا عليه الدنانير وفوضت شحنكية [3] بغداد إلى برنقش الزكوي.
وفي شعبان هذه السنة بعث دبيس زوجته المسماة شرف خاتون بنت عميد الدولة ابن جهير إلى السلطان/ وفي صحبتها عشرون ألف دينار وثلاثة عشر رأسا من الخيل، 77/ أفما وقع الرضا عنه وطولب بأكثر من هذا، فأصر على اللجاج، ولم يبذل شيئا آخر، فمضى السلطان إلى ناحيته فبعث يطلب الأمان مغالطة لينهزم، فلما بعث إليه خاتم الأمان دخل البرية، فدخل السلطان الحلة فبات بها ليلة.
[تقدم المسترشد بإراقة الخمور]
وفي هذه السنة: تقدم المسترشد بإراقة الخمور التي بسوق السلطان ونقض بيوتهم.
__________
[1] في الأصل: «حبيشه فبدأ بالنهب في أطرفهم وبدأ بالمدائن فعسكر بها» .
[2] في ص، ط: «شديد ونعيت والدة نقيب» .
[3] في ص، ط: «الدنانير ونصت شحنكيته» .(17/187)
وفيها: رد وزير السلطان السميرمي المكوس والضرائب، وكان السلطان محمد قد أسقطها في سنه احدى وخمسمائة.
ودخل السلطان محمود فتلقاه الوزير والموكب، وطالب بالإفراج عن الأمير أبى الحسن، فبذل له ثلاثمائة ألف دينار ليسكت عن هذا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3887- أحمد بن عبد الوهاب بن هبه الله بن عبد الله ابن السيبي، أبو البركات:
[1] سمع أبا الحسين بن النقور، وأبا محمد الصريفيني، وأبا القاسم ابن البسري، وغيرهم. وحدث عنهم وروى عنه الخليفة المقتفي، وكان يعلم أولاد المستظهر، فأنس بالمسترشد، فلما صارت الخلافة إليه وقبض على ابن الخرزي رد إلى هذا الرجل النظر في المخزن، فولى ذلك سنة وثمانية أشهر، وكان كثير الصدقة متعهدا لأهل العلم، وخلف مالا حزر بمائة ألف دينار، وأوصى بثلثي ماله، ووقف وقوفا على مكة والمدينة.
ومات عن ست وخمسين سنة وثلاثة أشهر، وصلى عليه بالمقصورة في جامع القصر الوزير أبو على بن صدقة، وأرباب الدولة، ودفن عند جده أبى الحسن القاضي بباب حرب.
3888- أحمد بن على بن محمد بن الحسن بن عبدون، أبو سعد المقرئ:
[2] 77/ ب سمع/ أبا محمد التميمي، وأبا الفضل بن خيرون، وأبا الحسين ابن الطيوري [3] ، وكان ستيرا صالحا، يصلى في المسجد المعروف بالوراقين، وتوفي في ربيع الآخر، ودفن بباب حرب.
3889- أحمد بن محمد بن على البخاري، أبو المعالي:
ولد سنة ثلاثين، وسمع أبا طالب بن غيلان، والجوهري وغيرهما، وسماعه صحيح، وكان مستورا.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 187، والكامل 9/ 206، وفيه: «السبي» ) .
[2] في ت: «أبو سعيد المقرئ» .
[3] في الأصل: «وأبا الحسن ابن الطيوري» .(17/188)
وتوفي في هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3890- أحمد بن الخطاب، ويعرف بابن صوفان، أبو بكر الحنبلي:
سمع أبا بكر الخياط، وأبا على ابن البناء، وقرأ عليه القراءات، وكان صالحا مستورا، يقرئ القرآن، ويؤم الناس، وتوفي في ذي القعدة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3891- أحمد بن محمد بن أحمد، أبو الحسن الضبي المحاملي العطار:
[1] كان يبيع العطر، وكان مستورا، سمع أبا الحسين ابن الآبنوسي، وأبا الحسين الملطى، وأبا محمد الجوهري، روى عنه أبو المعمر الأنصاري، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن بباب الأزج.
3892- سعد الله بن علي بن الحسين بن أيوب، أبو محمد بن أبي الحسين:
[2] روى عن القاضي أبي يعلى، وأبي الحسين ابن المهتدي، وأبي جعفر ابن المسلمة، وابن النقور في آخرين، وكان ستيرا صالحا، صحيح السماع، حسن الطريقة.
توفي في رجب ودفن بالشونيزي.
3893- عبيد الله بن نصر بن السري الزاغوني [أبو محمد] [3] المؤدب والد شيخنا أبي الحسن
سمع أبا محمد الصريفيني، وابن المهتدي، وابن المسلمة، وابن المأمون، وخلقا كثيرا. وكان من حفاظ القرآن وأهل الثقة والصيانة والصلاح، وجاوز الثمانين.
وتوفي يوم الاثنين عاشر صفر، ودفن بمقبرة باب حرب.
3894- عبد الرحمن بن محمد بن شاتيل، أبو البركات الدباس:
[4] سمع القاضي أبا يعلى، وأبا بكر الخياط، وأبا جعفر ابن المسلمة، وابن المهتدي، وابن النقور، والصريفيني وغيرهم. وكان مستورا من أهل القرآن والحديث، وسماعه صحيح.
__________
[1] في ت: «أبو الحسين» .
[2] في ت: «سعد الله بن علي بن الحسين» .
[3] في الأصل: «عبد الله بن نصر» . وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] الدبّاس: نسبة إلى بيع الدبس.(17/189)
78/ أوتوفي في ليلة الاثنين سابع ذي القعدة، / ودفن بمقبرة باب حرب.
3895- عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة، أبو نصر ابن القشيري:
[1] قرأ على أبيه، فلما توفي سمع من أبي المعالي الجويني وغيرهما، وسمع الحديث من جماعة، وكان له الخاطر الحسن والشعر المليح، وورد إلى بغداد، ونصر مذهب الأشعري، وتعصب له أبو سعد الصوفي عصبية زائدة في الحد إلى أن وقعت الفتنة بينه وبين الحنابلة، وآل الأمر إلى أن اجتمعوا في الديوان فأظهروا الصلح مع الشريف أبي جعفر، وحبس الشريف أبو جعفر في دار الخلافة، ونفذ إلى نظام الملك وسئل أن يتقدم إلى ابن القشيري بالخروج من بغداد لإطفاء الفتنة، فأمره بذلك، فلما وصل إليه أكرمه وأمره بالرجوع إلى وطنه.
قال ابن عقيل: كان النظام قد نفذ ابن القشيري إلى بغداد فتلقاه الحنابلة بالسب، وكان له عرض فأنف من هذا فأخذه النظام إليه، ونفذ لهم البكري، وكان ممن لا خلاق له، وأخذ يسب الحنابلة ويستخف بهم.
توفي أبو نصر ابن القشيري في جمادي الآخرة من هذه السنة بنيسابور، وأقيم له العزاء في رباط شيخ الشيوخ.
3896- عبد العزيز بن علي بن عمر، أبو حامد الدينَوَريّ:
[2] كان أحد أرباب الأموال الكثيرة، وعرف بفعل الخير والإحسان إلى الفقراء، وكانت له حشمة، وتقدم عند الخليفة وجاه عند التجار، سمع أبا محمد الجوهري، روى عنه أبو المعمر الأنصاري.
وتوفي في هذه السنة بهمذان.
3897- محمد بن محمد بن علي بن الفضل، أبو الفتح الخزيمي:
[3]
__________
[1] في ت: «أبو نصر بن أبي القاسم» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 187، وفيه: «عبد الرحيم بن عبد الكبير بن هوازن» ، وشذرات الذهب 4/ 45، والكامل 9/ 206) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 188) .
[3] في ت: «الحرتمي» .(17/190)
دخل بغداد سنة تسع وخمسمائة، فحدث عن أبي القاسم القشيري وجماعة من نظرائه ووعظ، وكان مليح الإيراد، حلو المنطق، ورأيت من مجالسه أشياء قد علقت عنه فيها كلمات، ولكن أكثرها ليس بشيء، فيها أحاديث موضوعة، وهذيانات فارغة يطول ذكرها. فكان مما قال: أنه روى في الحديث المعروف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة فرأى بكشحها بياضا فقال: «ألحقي بأهلك» فزاد فيه: «فهبط جبريل، وقال: العلي الأعلى يقرئك/ السلام ويقول لك بنقطة واحدة من العيب ترد عقد النكاح ونحن بعيوب 78/ ب كثيرة لا نفسخ عقد الإيمان مع أمتك لك نسوة تمسكهن لأجلك امسك هذه لأجلي.
قال المصنف: وهذا كذب فاحش على الله تعالى وعلى جبريل، فإنه لم يوح إليه شيء من هذا، ولا عوتب في فراقها، فالعجب من نفاق مثل هذا الكاذب في بغداد ولكن على السفساف والجهال.
وكذلك مجالس أبى الفتوح الغزالي، ومجالس ابن العبادي فيها العجائب والمنقولات المتخرصة والمعاني التي لا توافق الشريعة، وهذه المحنة تعم أكثر القصاص، بل كلهم لبعدهم عن معرفة الصحيح، ثم لاختيارهم ما ينفق على العوام كيف ما اتفق.
احتضر الخزيمي بالري فأدركه حين نزعه قلق شديد، قيل له: ما [هذا الانزعاج العظيم؟] [1] فقال: الورود على الله شديد [2] ، فلما توفي دفن بالري عند قبر إبراهيم الخواص.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «فقال: القدوم على الله شديد» .(17/191)
ثم دخلت سنة خمس عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أن السلطان محمودا خرج من بغداد متصيدا، فورد الخبر إليه بوفاة جدته أم أبيه، فعاد عن متصيده وجلس للعزاء بها في حجرة من دار المملكة هو وخواصه، وجلس وزيره أبو طالب على بن أحمد وكافة أرباب الدولة واعيان العسكر في صحن الدار، وحضر عندهم الوزير أبو علي بن صدقة والموكب في الأيام الثلاثة بثياب العزاء، ونصب كرسي للوعظ، فتكلم عليه أبو سعد إِسْمَاعِيل بن أحمد، وأبو الفتوح أحمد بن محمد الغزالي إلى الطوسيان، وجاء ابن صدقة في اليوم الرابع ومعه الموكب لإقامة السلطان من العزاء وإفاضة الخلع عليه، ففعل ذلك وعزم السلطان محمود على الخروج من بغداد فقيل له: من دار الخلافة ينبغي أن تقيم في هذا الصيف عندنا، وكان ذلك من 79/ أخوف سيف الدولة، فقال/: إن معي هذه العساكر، فقيل له: أنا لا نترك غاية فيما يعود إلى الإقامة، واستقر أن يزيحوا العلة في نفقة أربعة أشهر، ففرغت خزائن الوكلاء، واستقر أن يؤخذ من دور الحريم ودكاكينه ومساكنه أجرة شهر، فكتبت بذلك الجرائد، ورتب لذلك الكتاب والمشرف والجهبذ، وجبي من ذلك مبلغ وافر في مدة ثلاثة أيام، فكثرت الشكايات، فنودي برفع ذلك وإعادة ما جبى على أربابه، والتفت إلى الاستقراض من ذوي الأموال.
وفي صفر: وجد مقتولًا بالمختارة، فجاء أصحاب الشحنة فكبسوا المحلة وطلبوا الحامي، فهرب فجاء نائب الشحنة إلى باب العامة بالعدد الكثيرة والسلاح الظاهر،(17/192)
وتوكل بدار ابن صدقة الوزير ووكل به عشرة، وبدار ابن طلحة صاحب المخزن، وبدار حاجب الباب ابن الصاحب، وقال: أنا أطالبكم بجناية المقتول.
وفي ربيع الآخر: أعيدت المطالبة بما ينسب إلى حق البيعة، وتزايد الأمر في ذلك وكثر الأذى.
وفي يوم الجمعة ثامن ربيع الأول: استدعى على بن طراد النقيب بحاجب من الديوان، فلما حضر قرأ عليه الوزير ابن صدقة توقيعا مضمونه: قد استغنى عن خدمتك، فمضى وأغلق بابه وكانت ابنته متصلة بالأمير أبى عبد الله بن المستظهر وهو المقتفي، فكان الوزير ابن صدقة يتقرب منه ولا يباسطه في دار الخلافة، فلما كان يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول انحدر الوزير أبو طالب السمري متفرجا، فلما حاذى باب الأزج عبر إليه على بن طراد وذكر له الحال فوعده ثم خاطبه في حقه فرضي عنه، وأعيد إلى النقابة في ثاني ربيع الآخر.
وفي عشية [يوم] [1] الثلاثاء خامس ربيع الأول انقض كوكب، وصارت منه أعمدة عند انقضاضه وسمع عند ذلك صوت هزة عظيمة كالزلزلة [2] .
وفي ليلة النصف من ربيع الأول [3] خلع في دار السلطان على القاضي/ أبي 79/ ب سعد الهروي، وركب إلى داره بقراح ابن رزين، ومعه كافة الأمراء، ونفذ أمره في القضاء بجميع الممالك سوى العراق مراعاة لقاضي القضاة أبي القاسم الزينبي [4] لما يعلم من ميل المسترشد إليه، وخرج الهروي في هذا الشهر إلى سنجر برسالة من المسترشد ومن السلطان محمود وأصحب تشريفات وحملانا، وسار في تجمل كثير.
وفي يوم الثلاثاء تاسع جمادي الأولى: صرف كاتب ديوان الزمام عنه، وهو شمس
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وسمع عند ذلك صوت هذه الزلزلة» .
وما أوردناه من ت.
[3] «انقض كوكب ... النصف من ربيع الأول» : العبارة ساقطة من ص، ط.
[4] في ص، ط: «أبي عبيد الله الزينبي» ..(17/193)
الدولة أبو الحسن على بن هبة الله ابن الزوال، ووقع بذلك بالنظر في ديوان الزمام مضافا إلى ديوان الإنشاء.
[وقوع حريق في دار المملكة]
وفي عتمة يوم الأحد رابع جمادى الآخرة: وقع الحريق في دار المملكة، فاحترقت الدار التي استجدها بهروز الخادم، وكان السبب أن جارية كانت تختضب بالحناء في الليل، وقد أسندت الشمعة إلى خيش، فعلقت به النار، فما تجاسرت أن تنطق فاحترقت الدار، وكان السلطان نائما على السطح فنزل وهرب إلى سفينة، ووقف وسط دجلة، وقيل: أنه مضى إلى دار برنقش الزكوي، وذهب من الفرش والآلات والأواني واللؤلؤ والجوهر ما يزيد على قيمة ألف ألف دينار، وغسل غسالون التراب فظفروا بالذهب والحلي سبائك، ولم يسلم من الدار شيء ولا خشبة واحدة، وعاد السلطان إلى دار المملكة، وتقدم ببناء دار له على المسناة المستجدة، وأن تعمل آزاجا استظهارا، وأعرض عن الدار التي احترقت، وقال: إن أبي لم يتمتع بها ولا امتد بقاؤه بعد انتقاله إليها، وقد ذهبت أموالنا فيها فلا أريد عمارتها، ومضى الوزير ابن صدقة إليه مهنئا بسلامة نفسه.
[وصول الخبر بحريق جامع أصفهان]
ثم وصل الخبر من أصفهان بعد يومين بحريق جامع أصفهان، وأن ذلك كان في الليلة السابعة [والعشرين من ربيع الآخر] [1] قبل حريق الدار السلطانية بثمانية أيام، وهذا جامع كبير أنفقت الأموال في العمارة له، وكان فيه من المصاحف الثمينة نحو خمسمائة مصحف، من جملتها مصحف ذكر أنه بخط أبيّ بن كعب، واحترقت فيه 80/ أأخشاب/ اعترم عليها زائد على ألف ألف دينار، وورد من أصفهان بعد ذلك القاضي أبو القاسم إِسْمَاعِيل بن أبي العلاء صاعد بن محمد البخاري، ويعرف بابن الدانشمنده مدرس الحنفيين، وجلس في دار السلطان للوعظ في رمضان، وحضر السلطان وكافة أوليائه ثم اجتمع الشافعيون في دار الخلافة شاكين من هذا الوعظ، وذكروا أنه تسمح بذكر أصحابهم وغض منهم.
[قتل العيارين مسلحيا بالمختارة]
وقتل العيارون مسلحيا بالمختارة، فشكا الشحنة سعد الدولة إلى الديوان ما يتم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/194)
منهم، واستأذن في أخذ المتشبهين فأذن له فأخذ [1] من كان مستورا وغير مستور، فغلقت المساجد مع صلاة المغرب ولم يصل بها أحد العشاء.
وتصيد السلطان في شعبان، ثم قدم فمضى إليه القاضي الزينبي وابن الأنباري وإقبال ونظر والأماثل، فحلف السلطان بمحضر منهم للخليفة على الطاعة والمناصحة ثم أنفذ السلطان في عشية ذلك اليوم هدية إلى الخليفة.
فلما كان يوم الاثنين رابع عشرين شعبان جلس المسترشد في الدار الشاطئية المجاورة للمثمنة، وهى من الدور البديعة التي أنشأها المقتدى وتممها المسترشد، فجلس في قبة على سدة وعليه الثوب المصمت الأسود [2] ، والعمامة الرصافية، وعلى كتفه بردة النبي صلى الله علية وسلم، وبين يديه القضيب، وحضر الدار وزيره أبو على بن صدقة ورتب الأمور وأقام في كل باب حاجبا بمنطقة ومعه عشرون غلاما من الدار، وانفرد حاجب المخزن ابن طلحة في مكان ومعه التشريف، وجلس الوزير في كم الحيرتي [3] ، واستدعى له أرباب المناصب، وحضر متقدمو العلماء وأتى وزير السلطان أبو [الحسن على [4] بن] أحمد السميرمي [5] والمستوفي وخواص دولتهم، ثم وقف الوزير أبو علي بن صدقة عن يسار السدة والوزير/ أبو طالب عن يمينه، ثم أقبل السلطان محمود 80/ ب ويده في يد أخيه مسعود وكان قد نفذ إليه الزبزب مع إقبال [ونظر] [6] ، فلما صعد منه قدم مركوبة عند المثمنة فركب إلى باب الدركاه ثم مشى من هناك، فلما قرب استقبله الوزيران ومن معهما وحجبوه إلى بين يدي الخليفة، فلما قاربوا كشفت الستارة لهما ووقف السلطان في الموضع الذي كان وزيره قائما فيه وأخوه مما يليه فخدما ثلاث دفعات، ووقفا والوزير ابن صاعد يذكر له عن الخليفة أنسه به وتقربه وحسن اعتقاده فيه، ثم أمر الخليفة بإفاضة الخلع عليه فحمل إلى مجنب البهو ومعه أخوه وبر نقش وريحان،
__________
[1] في ص، ط: «في أخذ المتشبهين فأخذاه فأخذ من» .
[2] في المطبوعة: «الثوب المصمط» .
[3] في ص، ط، والأصل: «في كم الجاري» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ص: «أبو علي أحمد السميرمي» ، وفي ت: «السلطان أبو طالب علي بن السميرمي» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/195)
وتولى إفاضة ذلك عليه صاحب المخزن وإقبال ونظر، وفي الساعة التي كان مشتغلا فيها بلبس الخلع كان الوزيران قائمين بين يدي الخليفة يحضران الأمراء أميرا أميرا فيخدم ويعرف خدمته فيقبل الأرض وينصرف، ثم عاد السلطان وأخوه فمثلا بين يدي الخليفة وعلى محمود الخلع السبعة والطوق والتاج والسواران فخدما وأمر الخليفة بكرسي فجلس عليه السلطان، ووعظه الخليفة وتلا عليه قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ 99: 7- 8 [1] ، وأمره بالإحسان إلى الرعية، ثم أذن للوزير أبي طالب في تفسير ذلك عليه، ففسره وأعاد عنه أنه قال: وفقني الله لقبول أوامر مولانا أمير المؤمنين وارتسامها، فالسعادات معها متيسرة. وهي بالخيرات مبشرة، وسلم الخليفة إلى الوزيرين سيفين وأمرهما أن يقلدا بهما السلطان، فلما فعلا قال له: اقمع بهما الكفار والملحدين.
وعقد الخليفة بيده لوائين حملا معه، وخدم، ثم خرج فقدم إليه في صحن الدار 81/ أفرس من مراكب/ الخليفة بمركب حديد صيني وقيد بين يديه أربعة أفراس بمراكب ذهب، وأذن الخليفة بعد ذلك لأرباب الدولة وأهل العلم والأشراف والعدول، وعرفه الوزير رجلا رجلا منهم، والخليفة ملتفت إليه مصغ إلى أدعيتهم، معط لكل واحد ما يصلح من النظر إليه ومن خطابه، ثم صعد ابن صدقة في اليوم الذي يلي هذا اليوم في الزبزب إلى السلطان، فتعرف خبره عن الخليفة، وأفاض عليه الملابس التي كانت على الخليفة وقت جلوسه، وانحدر الوزير إلى دار الوزير أبي طالب فخلع عليه، وأطال مقامه عنده وخلوا في مهمات تجارياها.
[وقوع أمطار عظيمة]
وفي هذه السنة: وقعت أمطار عظيمة، ودامت واتصلت بجميع العراق، وأهلكت ما على رءوس النخل وفي الشجر من الأرطاب والأعناب والفواكه، وما كان في الصحاري من الغلات، فلما كان انتصاف الليل من ليلة السبت وهي ليلة الحادي والعشرين من كانون الثاني سقط الثلج ببغداد ودام سقوطه إلى وقت الظهر من الغد فامتلأت به الشوارع [2] والدروب، وقام نحو ذراع وعمل منه الأحداث صور السباع
__________
[1] سورة: الزلزلة، الآية: 7، 8.
[2] في الأصل: «إلى وقت الغد الظهر وامتلأت به الشوارع» . وفي ص، ط: «إلى وقت سقوطه من الغد الظهر فامتلأت به الشوارع» . وما أوردناه من ت.(17/196)
والفيلة، وعم سقوطه من بين تكريت إلى البطيحة، ونزل على الحاج بالكوفة.
وقد ذكرنا في كتابنا هذا أن الثلج وقع في سنين كثيرة في أيام الرشيد والمقتدر والمعتمد والطائع والمطيع والقادر والقائم، وما سمع بمثل هذا الواقع في هذه السنة، فإنه بقي خمسة عشر يوما ما ذاب، وهلك شجر الأترج والنارنج والليمون، ولم تهلك البقول والخضر، ولم يعهد سقوط الثلج بالبصرة إلا في هذه السنة.
أنبأنا أبو عبد الله ابن الحراني، قال: لما نزل الوفر ببغداد في سنة/ خمس عشرة، 81/ ب قال بعض شعراء الوقت:
يا صدور الزمان ليس بوفر ... ما رأيناه في نواحي العراق
إنما عم ظلمكم سائر الخلق ... فشابت ذوائب الآفاق
ونفذ من دار الخلافة بالقاضي أبي منصور إبراهيم بن سالم الهيتي نائب الزينبي برسالة من الخليفة ومن السلطان، وكتب من الديوان إلى إيلغازي بسلامته من غزاة غزاها، ويأمرانه بإبعاد دبيس وفسخ النكاح بينه وبين ابنته، وقد كان لها زوج قبل دبيس سلجوقي، وكان قد دخل بها فقبض السلطان عليه واعتقله فورد بغداد شاكيا من إيلغازي ومحتجا عليه بأن نكاحه ثابت، فروسل بالهيتي فقال له: ان النكاح فاسد، فقال إيلغازي: إن النكاح الذي فسخه عامي لا ينفذ فسخه، فأجاب بجواب ارضاه عاجلا وحلف على طاعة الخليفة والسلطان.
وأما سيف الدولة فإنه كاتب الخليفة كتبا يستميل بها قلبه، ويذكر طاعته، فروسل في جواب كتابه بمكتوب [1] يسلك معه فيه الملاطفة، فدخل الحلة وأخرج أهلها فازدحموا على المعابر، فغرق منهم نحو خمسمائة، ودخل أخوه النيل، وأخرج شحنة السلطان منها، وكان السلطان ببغداد فحثه الخليفة على دبيس، فندب السلطان الأمراء لقصد دبيس فلما قصدوه أحرق من دار أبيه، وخرج من الحلة إلى النيل، فأخذ منها من الميرة، ودخل الأزير وهو نهر سنداد الذي يقول فيه الأسود بن يعفر.
والقصر ذي الشرفات من سنداد
__________
[1] في الأصل: «في جواب ذلك بمكتوب» .(17/197)
فلما وصل العسكر الحلة وجدوها فارغة فقصدوا الأزير، فحاصره فراسله برنقش أن يحذر مخالفة السلطان وينفذ أخاه منصورا إلى الخدمة، فأجاب وخرج دبيس وعسكره ووقف بازاء عسكر برنقش فتحالفا وتعاهدا في حق منصور ونفذ به إليه، وعاد 82/ أالعسكر إلى بغداد ومعهم منصور، فحمله برنقش إلى/ خدمة السلطان، فأكرمه وبعثه مع برنقش إلى خدمة الخليفه.
ودخلت العرب من نبهان فيد فكسروا أبوابها وأخذوا ما كان لأهلها، فتوجع الناس لهم وعلموا أن خراب حصنهم سبب لانقطاع منفعة الناس من الحجيج، فعمل موفق [الخادم] [1] الخاتوني لهم أبوابا من حديد وحملها على اثني عشر جملا وأنفذ الصناع لتنقية العين والمصنع، وكانت العرب طموهما واغترم على ذلك مالا كثيرا، وتولى ذلك نقيب مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام، وأعيدت المكوس والمواصير. وألزم الباعة أن يرفعوا إلى السلطان ثلثي ما يأخذونه من الدلالة في كل ما يباع، وفرض على كل نول من السقلاطون ثمانية أقساط وحبة، ثم قيل للباعة: زنوا خمسة آلاف شكرا للسلطان فقد تقدم بإزالة المكس.
ومرض وزير السلطان محمود فعاده السلطان وهنأه بالعافية فعمل له وليمة بلغت خمسين ألف دينار وكان فيها الأغاني والملاهي.
وفي رجب: أخذ القاضي أبو عبد الله ابن الرطبي شواء من الأعاجم فشهره فمضى وشكا إلى العجم، فأقبل العجم في خمسة غلمان أتراك [2] فأخذوه وسحبوه إلى دار السلطان، وجرت فتنة، وغلقت أبواب الحديد، ورجمهم العامة فعادوا على العامة بالدبابيس، فانهزموا وحملوه، فلما شرح الحال لوزير السلطان أعيد مكرما، وطولب أهل الذمة بلبس الغيار، فانتهى الأمر إلى أن سلموا إلى الخليفة أربعة آلاف، وإلى السلطان عشرين ألف دينار، وأحضر الجالوت فضمنها وجمعها.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «في خمسة غلمان الترك» .(17/198)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3898-/ الحسن بن أحمد بن الحسن بن علي، أبو علي الحداد الأصفهاني:
[1] 82/ ب ولد سنة تسع عشرة [2] وأربعمائة وسمع أبا نعيم وغيره، انتهى إليه الإقراء والحديث بأصبهان.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة، عن ست وتسعين.
3899- خاتون السفرية:
[3] كانت حظية ملك شاه، فولدت له محمدا وسنجر، وكانت تتدين وتبعث حمال السبيل إلى طريق مكة، ولما حصلت في الملك بحثت عن أهلها وأمها وأخواتها حتى عرفت مكانهم، ثم بذلت الأموال لمن يأتيها بهم، فلما وصلوا إليها ودخلت أمها، وكانت قد فارقت أمها منذ أربعين سنة، فجلست البنت بين جوار يقاربنها في الشبه حتى تنظر هل تعرفها أم لا؟ فلما سمعت الأم كلامها نهضت إليها فقبلتها [4] وأسلمت الأم، فلما توفيت خاتون قعد لها السلطان محمود في العزاء على ما سبق ذكره. [5] وهذه المرأة تذكر في نوادر التاريخ [6] ، لأنهم قالوا: لا يعلم امرأه في الإسلام ولدت خليفتين أو ملكين سوى ولادة بنت العباس، لأنها ولدت لعبد الملك الوليد وسليمان ووليا الخلافة، وشاهفرند ولدت للوليد بن عبد الملك يزيد وإبراهيم، وكلاهما ولي الخلافة، والخيزران ولدت الهادي والرشيد، وهذه ولدت محمدا وسنجر، وكلاهما ولي السلطنة، وكان عظيما في ملكه.
3900- عبد الرزاق بن عبد الله، بن علي بن إسحاق الطوسي ابن أخي نظام [7] الملك.
كان [قد] [8] تفقه على الجويني، وأفتى وناظر، ثم وزر لسنجر، فترك طريقة
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 47) .
[2] في ت: «مولده سنة تسع عشرة» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 189، والكامل 9/ 154) .
[4] في ت: «نهضت إليها فقتلتها» .
[5] في الأصل: «في العزاء كما سبق ذكره» .
[6] في الأصل: «تذكر في التواريخ النادرة» .
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 189، والكامل 9/ 210) .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/199)
الفقهاء واشتغل بالجند وتدبير الممالك، وتوفي في هذه السنة.
3901- عبد الوهاب بن حمزة، [أبو سعد] الفقيه الحنبلي العدل:
[1] سمع ابن النقور، والصريفيني وغيرهما، وتفقه على الشيخ أبي الخطاب وأفتى، وشهد عند أبي الحسن الدامغانيّ، وكان مرضي الطريقة حميد السيرة [2] من أهل السنة، توفي في شعبان، ودفن بباب حرب.
3902-[علي بن يلدرك الكاتب، أبو الثناء [3] الزكي:
كان شاعرا ذكيا ظريفا مترسلا وله شعر مطبوع.
وتوفي في صفر هذه السنة، ودفن بباب حرب] [4] .
83/ أقال المصنف: نقلت من خط أبي الوفاء بن عقيل، قال: حدثني الرئيس/ أبو الثناء بن يلدرك وهو ممن خبرته بالصدق أنه كان بسوق نهر معلى، وبين يديه رجل على رأسه قفص زجاج، وذاك الرجل مضطرب المشي يظهر منه عدم المعرفة بالحمل، قال:
فما زلت أترقب منه سقطة لما رأيت من اضطراب مشيه، فما لبث أن زلق زلقة طاح منها القفص فتكسر جميع ما كان فيه، فبهت الرجل ثم أخذ عند الإفاقة من البكاء يقول: هذا والله جميع بضاعتي، والله لقد أصابني بمكة مصيبة عظيمة توفي على هذه ما دخل قلبي مثل هذه، واجتمع حوله جماعة يرثون له ويبكون عليه وقالوا: ما الذي أصابك بمكة؟
فقال: دخلت قبة زمزم وتجردت للاغتسال وكان في يدي دملج فيه ثمانون مثقالا فخلعته واغتسلت ولبست وخرجت. فقال رجل [من الجماعة] [5] هذا دملجك له معي سنين، فدهش الناس من إسراع جبر مصيبته.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 47) .
[2] في ط، ص: «مرضي الطريقة جميل السيرة» .
[3] في ص: «أبو البناء الزكي» والترجمة ساقطة من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/200)
3903- علي [بن] المدير، الزاهد:
[1] كان يسكن دار البطيخ من الجانب الغربي، وله مسجد معروف اليوم به، وله بيت إلى جانبه، وكان يتعبد، فتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، وصلى عليه بجامع القصر، وكان يوما مشهودا، وحمل ودفن في البيت الذي إلى جانب مسجده.
3904- محمد بن علي بن عبيد الله الدنف، أبو بكر المقرئ:
[2] ولد سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، وسمع ابن المسلمة، وابن المهتدي، والصريفيني، وابن النقور، ونظراءهم. وتفقه علي الشريف أبي جعفر، وكان من الزهاد الأخيار، ومن أهل السنة، وانتفع به خلق كثير، وحدث بشيء يسير.
وتوفي في شوال، ودفن بباب حرب.
3905- محمد بن محمد بن عبد العزيز بن العباس بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبيد الله بن المهتدي [3] ، أبو علي العدل الخطيب:
[4] ولد في جمادي الأولى سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وسمع ابن غيلان، / والقزويني، والجوهري، والطبري، ونظراءهم، وحدث عنهم وهو آخر من حدث عن 83/ ب العتيقي وأبي منصور ابن السواق وأبي القاسم بن شاهين، وكان ثقة عدلا دينا صالحا، وشهد عند أبي عبد الله الدامغاني، وهو آخر من بقي من شهود القائم بأمر الله، وكان من ظراف البغداديين ومحاسن الهاشميين، ومات عن ثلاث وثمانين سنة.
وتوفي يوم الجمعة خامس عشرين شوال، وحضر قاضي القضاة الزينبي والنقيبان والأعيان، ودفن بباب حرب.
3906- محمد بن محمد بن الجزري، أبو البركات [5] البيع:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ت. وفي ت: «على المدين الزاهد» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 47، وفيه: «محمد بن علي بن عبيد الدنف البغدادي» ) .
[3] في ت: «ابن عبيد الله بن المهدي» .
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 48) .
[5] في ت: «الخرزي» .(17/201)
سمع البرمكي والجوهري، وكان سماعه صحيحا.
وتوفي في ليلة الأحد خامس عشرين ذي القعدة، ودفن بباب حرب.
3907- نزهة المعروفة بأم السادة [1] ، أم ولد المسترشد:
توفيت وحملت إلى الرصافة، وخرج معها عميد الدولة بن صدقة والجماعة بالنيل.
3908- هزارسب بن عوض بن الحسن الهروي، أبو الخير:
[2] سمع من ابن النظر، وطراد، وأقرانهما الكثير، وكتب الكثير، وأفاد الطلبة من الغرباء والحاضرين، وكان ثقة من أهل السنة، خيرا واخترمته المنية قبل أوان الرواية.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
[1] في ص، ط، ت: «نزهة المعروفة بست السادة» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 48، وفيه: هزاراست» . والكامل 9/ 212،(17/202)
ثم دخلت سنة ست عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في عشية يوم الأحد خامس عشر المحرم استدعى الوزير أبو طالب علي بن أحمد السميرمي، وخاطبه في معنى دبيس فإن في قربه من مدينة السلام خطرا على أهلها، وإنا نؤثر مقام آقسنقر البرسقي عندنا لأنا لا نشك في نصحه، فوافق السلطان محمود على ذلك، وكوتب البرسقي لينحدر، وأرسل في ذلك سديد الدولة أبو عبد الله ابن الأنباري، فأقبل إلى بغداد فخرج وزير السلطان فتلقاه، ونصبت له الخيم بتولي فراشي الخليفة الخواص.
وفي يوم الأربعاء/ حادي عشر المحرم: قصد برنقش دار الخلافة ومعه منصور 84/ أأخو دبيس، وأنزل عند باب النوبي فقبل الأرض وجلس عند حاجب الباب ليطالع بحاله، ثم مضى برنقش إلى الديوان، وقال: إن السلطان يخاطب في الرضا عن منصور ويشفع في ذلك، فنزل الجواب عرف حضور منصور بالشفاعة المغيثية معتذرا مما جرى من الوهلات، وتقدم من الإساءات وما دام مع الرايات المغيثية فهو مخصوص بالعناية مشمول بالرعاية.
[زيادة الماء حتى خيف على بغداد من الغرق]
وفي هذه السنة: زاد الماء حتى خيف على بغداد من الغرق، وتقدم إلى القاضي أبي العباس ابن الرطبي [1] بالخروج إلى القورج ومشاهدة ما يحتاج إليه، وهذا القورج الذي غرق الناس منه في سنة ست وستين تولى عمارته نوشتكين خادم أبي نصر بن جهير
__________
[1] في الأصل: «أبي العباس الزيني» .(17/203)
وكتب اسمه عليه وضرب عليه خيمه ولم يفارقه حتى أحكمه، وغرم عليه ألوف دنانير من مال نفسه، وسأله محمد الوكيل أن يأخذ منه ثلاثة آلاف دينار ويشاركه في الثواب فلم يفعل، وقال: إخراج المال عندي أهون، وحاجتي إلى الله تعالى أكثر من حاجتي إلى المال.
وفي يوم الأربعاء رابع عشر [1] صفر: مضى الوزير أبو علي بن صدقة ومعه موكب الخليفة إلى القورج، واجتمع بالوزير أبي طالب، ووقفا على ظهور مراكبهما ساعة ثم انصرفا، فما استقر الناس في منازلهم حتى جاء مطر عظيم أجمع الأشياخ أنهم لم يروا مثله في أعمارهم، ووقع برد عظيم معه ولم يبق بالبلد دار إلا ودخل الماء من حيطانها [2] وأبوابها وخرج من آبار الناس.
وفي هذا الوقت: ورد الحاج شاكرين لطريقهم واصفين نعمة الله تعالى بكثرة الماء والعشب ورخص السعر، وكانت الكسوة نفذت على يدي [القاضي] [3] أبي الفتح 84/ ب ابن البيضاوي، وأقام بالمدينة لعمارة ما تشعث/ من مسجدها.
وفي عشية سلخ صفر: تقدم السلطان بالاستظهار على منصور بن صدقة، ونفذ إلى مكان فوثق عليه.
[خروج السلطان محمود من بغداد]
وفي يوم الأربعاء غرة ربيع الأول: خرج السلطان محمود من بغداد وكان مقامه بها سنة وسبعة أشهر وخمسة عشر يوما، ثم نودي في يوم الجمعة ثالث ربيع الأول بإسقاط المكوس والضرائب وما وضع على الباعة من قبل السلطان، ثم استدعى البرسقي إلى باب الحجرة، وفووض في أمر دبيس، فقابل ذلك بالسمع والطاعة، فخلع عليه وتوجه إلى صرصر، واقترح أن يخرج معه ابن صدقه، فاعتذر الخليفة بأن مهام الخدمة منوطة به، وأخرج عوضه أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم ابن الأنباري سديد الدولة، ونودي في الحريم أنه متى أقام جندي ولم يخرج للقتال فقد برئت منه الذمة، وعبر دبيس ونفذ إلى البرسقي يقول له: قد أغنيتك عن العبور وصرت معك على أرض واحدة، وظفر
__________
[1] في الأصل: «في يوم الأحد رابع عشر» .
[2] في الأصل: «إلا ودخل النار من حيطانها» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/204)
الأتراك بثلاثين رجلا من السواد [ية يريدون أن] [1] يفجروا نهرا فقتلهم الأتراك، ثم تصاف العسكران يوم الخميس سلخ ربيع الأول فأجلت الوقعة عن هزيمة البرسقي، فقد كان في خمسة آلاف فارس نصفهم لابس، وكان عسكر دبيس في خمسة آلاف فارس بأسلحة ناقصة، وعدد مقصرة إلا أن رجالته كانت كثيرة، وكان سبب هزيمة البرسقي أنه رأى في الميسرة خللا، فأمر بحط خيمته لتنصب عندهم ليشجعهم بذلك وكان ذلك ضلة من الرأي، لأنهم لما رأوا الخيمة قد حطت أشفقوا فانهزموا، وكان الحر شديدا فهلكت البراذين والهمالج عطشا وترقب الناس من دبيس بعد هذا [2] ما يؤذي فلم يفعل، وأحسن السيرة فيما يرجع إلى أعمال الوكلاء، وراسل الخليفة بالتلطف [3] ، وتقررت قواعد الصلح واستقر إنفاذ قاضي القضاة الزينبي ليحلف سيف الدولة/ على المستقر 85/ أفعله بعد الصلاح، فاستعفي فأعفي ونص على أبي العباس ابن الرطبي فخرج مع ناصح الدولة أبي عبد الله الحسين ابن جهير وتبعهما إقبال الخادم، وعادوا إلى الحلة، فقصدوا وقت دخولهم دار الوزير ابن صدقة ليوهموه خلاف ما هم عليه من تقرر الأحوال على عزله، فلم يخف عليه ولا على الناس، وعرف أن التقريرات استقرت بينهم عليه وانزعج وكان كل واحد من دبيس وابن صدقة معلنا بعداوة الآخر، فبكر ابن صدقة إلى الديوان على عادته، وجلس في الموكب، وكان يوم الخميس، وخرج جواب ما أنهى ثم استدعي إلى مكان وكل به فيه، ونهبت داره التي كان يسكنها بباب العامة ودور حواشيه وأتباعه، وقبض على حواشيه وعلى عز الدولة أبي المكارم ابن المطلب، ثم أفرح عنه ورد إليه ديوان الزمام بعد ذلك.
[استدعاء علي بن طراد إلى باب الحجرة]
وفي غداة يوم الجمعة الحادي والعشرين من جمادي الأولى: استدعى بأمر الخليفة [4] علي بن طراد إلى [باب] [5] الحجرة، وأخرجت له خلع من ملابس الخاص، ووقع له بنيابة الوزارة، وكان نسخة التوقيع: «محلك يا نقيب النقباء من
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وترقب الناس بعد هذا من دبيس ما يؤذي» .
[3] في ص: «وراسل الخليفة بالتلفظ» .
[4] في ص: «من جمادى الأولى تقدم الخليفة باستدعاء» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/205)
شريف الآباء وموضعك الحالي بالاختصاص والاختيار ما يقتضيه إخلاصك المحمود اختياره، الزاكية آثاره توجب التعويل عليك في تنفيذ المهام، والرجوع إلى استصوابك في النيابة التي يحسن بها القيام، وجماعة الأولياء والأتباع مأمورون بمتابعتك وامتثال ما تصرفهم عليه من الخدم في إبدائك وإعادتك، فاحفظ نظام الدين، وتقدم إلى من جرت عادته بملازمة الخدمة وسائر الأعوان، وتوفر على مراعاة، الأحوال بانشراح [1] صدر وفراغ 85/ ب بال، فإن الإنعام لك شامل، وبنيل آمالك/ كافل إن شاء الله» .
ثم تقدم الخليفة بعد مدة من عزل الوزير بإطلاقه إلى دار يمن، وجمع بينه وبين أهله وولده وفعل معه الجميل.
ثم قدم أقضى القضاة أبو سعد الهروي من العسكر بهدايا من سنجر ومال، وأخبر أن السلطان محمود قد استوزر عثمان بن نظام الملك، وقد [عول] [2] عثمان على القاضي الهروي بأن يخاطب الخليفة في أن يستوزر أخاه أبا نصر أحمد بن نظام الملك، وأنه لا يستقيم له وزارة وابن صدقة بدار الخلافة، وقال: أنا أتقدم إلى من يحاسبه على ما نظر للسلطان فيه من الأعمال ويحاققه. وأن أراد المسالمة فالدنيا بين يديه، فليتخير أي موضع أحب فليقم فيه، فتخير ابن صدقة حديثة الفرات ليكون عند سليمان بن مهارش، فأجيب وأخرج وحقر فوقع عليه يونس الحرمي، وجرت له معه قصص وضمانات حتى وصل الحديثة، ورأى في البرية رجلا فاستراب به، ففتش فإذا معه كتاب من دبيس إلى يونس يحثه على خدمة الوزير أبي علي وكتاب باطن يضمن له إن سلمه إليه ستة آلاف دينار عينا وقرية يستغلها كل سنة ألفي دينار.
واستدعى أبو نصر أحمد بن نظام الملك في نصف رمضان من داره بنقيب النقباء على بن طراد وابن طلحة صاحب المخزن، ودخل إلى الخليفة وحده، وخرج مسرورا، وأفردت له دار ابن جهير بباب العامة، وخلع عليه في شوال، وخرج إلى الديوان وقرئ عهده وكان علي بن طراد بين يديه يأمر وينهى، وأمر بملازمة مجلسه.
فأما حديث دبيس فقد ذكرنا ما تجدد بينه وبين الخليفة من الطمأنينة وأسباب
__________
[1] في الأصل: «مراعاة الأخوان بانشراح صدر» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/206)
الصلح، فلما كان ثاني رمضان بعث طائفة من أصحابه فاستاقوا مواشي نهر الملك، وكانت فيما قيل تزيد على مائة ألف رأس، فبعث الخليفة إليه عفيفا الخادم يقبح له ما فعل، فلما وصل إليه اخرج دبيس ما في نفسه وما عومل به من الأمور/ الممضة منها 86/ أأنهم ضمنوا له هلاك ابن صدقة عدوه، فأخرجوه من الضيق إلى السعة، وأجلسوا ابن النظام في الوزارة شيئا فشيئا ورياء [1] ، ومنها أنه خاطبهم في إخراج البرسقي من بغداد فلم يفعلوا، ومنها أنهم وعدوه في حق أخيه منصور أنهم يخاطبوا في إصلاح حاله وخلاصه من اعتقاله، وأنه كتب إليه من العسكر أن انحراف دار الخلافة هو الموجب لأخذه، ولو أرادوا إخراجه لشفعوا فيه فهم عفيف بمجادلته، فلم يصغ دبيس إليه، وقال له: قد أجلتكم خمسة أيام فإن بلغتم ما أريده وإلا جئت محاربا، وتهدد وتوعد فبادر عفيف بالرحيل وأتت رجالة الحلة [2] ، فنهبوا نهر الملك، وافترشوا النساء في رمضان، وأكلوا وشربوا، فجاء عفيف فحكى للخليفة ما جرى.
وفي ذي الحجة: أخرج المسترشد السرادق، ونودي النفير فأمير المؤمنين خارج إلى القتال عنكم يا مسلمين [3] .
وغلا السعر، فبلغ ثلاثة أرطال بقيراط، وأمر المسترشد أن يتعامل الناس بالدراهم عشرة بدينار والقراضة اثني عشر بدينار.
وخرج الخليفة يوم الجمعة الرابع والعشرين من ذي الحجة من داره وعبر إلى السرادق ومعه الخلق.
قال المصنف: ولنذكر مبتدأ أمر هذا دبيس كما نفعل في ابتداء أمور الدول، وذلك أن أول من نبغ من بيته مزيد، فجعل إليه أبو محمد المهلبي وزير معز الدولة أبي الحسين بن بويه حماية سورا وسادها، فوقع الاختلاف بين بني بويه، وكان يحمي تارة ويغير أخرى، وبعث به فخر الملك أبو غالب إلى بني خفاجة سنة القرعاء، فأخذ الثار
__________
[1] في ت: «في الوزارة سبا شأ ورياء» .
[2] في الأصل: «وأتت رجالته» .
[3] في الأصل: «خارج عن القتال عنكم يا مسلمين» .(17/207)
منهم ومات، فقام مقامه ابنه أبو الأعز دبيس، وكان عائنا قل أن يعجب بشيء إلّا هلك، 86/ ب حتى إنه نظر إلى ابنه بدران، فاستحسنه/ فمات، وكان يبغض ابن ابنه صدقة، وهو أبو دبيس هذا، فعوتب في هذا، فقال: رأيت في المنام كأنه قد بلغ أعنان السماء وفي يده فأس وهو يقلع الكواكب ويرمي بها إلى الأرض ووقع بعدها ولا شك أنه يبلغ المنزلة الزائدة وينفق في الفتن ويهلك أهل بيته، وتوفي أبو الأعز وخلف ثمانين ألف دينار، فولى مكانه ابنه منصور، ثم مات، فولي ابنه صدقة، فأقام بخدمة السلطان ملك شاه، ويؤدي إليه المال ويقصد بابه كل قليل، فلما قتل النظام استفحل أمره وأظهر الخلاف، وعلم أن حلته لا تدفع عنه فبنى [1] على تل بالبطيحة، وعول على قصده، أن دهمه عدو أو أمر وأن يفتح البثوق ويعتصم بالمياه وأخذ على ابن أبي الخير موثقا على معاضدته، ثم ابتاع من عربه مكانا هو على أيام من الكوفة، فأنفق عليه أربعين ألف دينار، وهو منزل يتعذر السلوك إليه وعمر الحلة، وجعل عليها سورا وخندقا، وأنشأ بساتين وجعل الناس [2] يستجيرون به، فأعطاه المستظهر دار عفيف بدرب فيروز، فغرم عليها بضعة عشر ألف دينار وتقدم الخليفة بمخاطبته بملك العرب، وكان قد عصى السلطان بركيارق، وخطب لمحمد، فلما ولى محمد صار له بذلك جاه عند محمد وقرر مع أخيه بركيارق أن لا يعرض لصدقه، وأقطعه الخليفة الأنبار، ودمما، والفلوجة، وخلع عليه خلعا لم تخلع على أمير قبله، فأعطاه السلطان واسطا، وأذن له في أخذ البصرة وصار يدل على السلطان الإدلال الذي لا يحتمله، وإذا وقع إليه رد التوقيع أو أطال مقام الرسول على مواعيد لا ينجزها، وأوحش أصحاب السلطان أيضا وعادى البرسقي، وكان يظهر بالحلة من سب الصحابة 87/ أما لا يقف عند حد، فأخذ العميد ثقة الملوك أبو جعفر فتاوى/ فيما يجب على من سب الصحابة، وكتب المحاضر فيما يجرى في بلد ابن مزيد من ترك الصلوات، وأنهم لا يعرفون الجمعة والجماعات ويتظاهرون بالمحرمات، فأجاب الفقهاء بأنه لا يجوز الإغضاء عنهم، وأن من قاتلهم فله أجر عظيم، وقصد العميد باب السلطان
__________
[1] في الأصل: «حلته لا تغني عنه فبنى» .
[2] في ص: «وأنشأ بساتين وصار الناس» .(17/208)
وقال: ان حال ابن مزيد قد عظمت، وقد قلت فكرته في أصحابك، وقد استبد بالأموال، وأهمل الحقوق ولو نفذت بعض أصحابك ملكته، ووصلت إلى أموال كثيرة عظيمة، وطهرت الأرض من أدناسه فإنه لا يسمع ببلده أذان ولا قرآن وهذه المحاضر باعتقاده والفتاوى بما يجب عليه وهذا سرخاب قد لجأ إليه وهو على رأيه في بدعته التي هي مذهب الباطنية، وكان قد اتفقا على قلب الدولة وإظهار مذهب الباطنية، [1] وكان السلطان قد تغير على سرخاب، فهرب منه إلى الحلة فتلقاه بالإكرام فراسله السلطان وطالبه بتسليمه [2] ، فقال: لا أفعل ولا أسلم من لجأ إلى، ثم قال لأولاده وأصحابه بهذا الرجل الّذي قد لجأ إلينا تخرب بيوتنا وتبلغ الأعداء منا المراد، وكان كما قال، فإن السلطان قصده فاستشار أولاده، فقال دبيس: هذا الصواب أن تسلم إلى مائة ألف دينار وتأذن لي في الدخول إلى الاصطبلات، فأختار منها ثلاثمائة فرس وتجرد معي ثلاثمائة فارس فاني أقصد باب السلطان وأعتذر عنك وأزيل ما قد ثبت في نفسه منك، وأخدمه بالمال والخيل، وأقرر معه أن لا يتعرض بأرضك، فقال بعض الخواص: الصواب أن لا تصانع من تغيرت فيك نيته، وإنما ترد بهذه الأموال من يقصدنا، فقال صدقة: هذا هو الرأي، فجمع عشرين ألفا من الفرسان، وثلاثين ألفا من الرجالة، وجرت الوقعة على ما سبق في كتابنا في/ حوادث تلك السنة، وذكرنا أن الخليفة بعث إلى صدقة ليصلح ما 87/ ب بينه وبين السلطان فأذعن ثم بدا له، وقد ذكرنا مقتله.
ثم نشأ له دبيس هذا ففعل القبائح، ولقي الناس منه فنون الأذى، وبشؤمه بطل الحج في هذه السنة لأنه كان قد وقعت وقعة بينه وبين أصحابه وأهل واسط، فأسر فيها مهلهل الكردي، وقتل فيها جماعة، ونفد المسترشد إليه يحذره من إراقة الدماء، [3] ويأمره بالاقتصار على ما كان لجده من البلاد، ويشعره بخروجه إليه إن لم يكف، فزاد في طغيانه وتواعد وأرعد، وأقبلت طلائعه فانزعج أهل بغداد، فلما كانت بكرة الثلاثاء ثالث شوال صلب البرسقي تسعة أنفس، ذكر أنهم من أهل حلب والشام، وأن دبيس بن
__________
[1] «وكان ... وإظهار مذهب الباطنية» : العبارة ساقطة من ص.
[2] في الأصل: «وطالبه التسلم له» .
[3] في ط: «ونفذ المسترشد إليه ينذره من اراقة الدماء» .(17/209)
صدقة أرسلهم لقتل البرسقي في تاسع ذي القعدة وضرب الخليفة سرادقه عند رقة ابن دحروج، ونصب هناك الجسر، ثم بعث القاضي أبو بكر الشهرزوري إلى دبيس، ينذره، وكان من جملة الكلام: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا 17: 15 [1] فاحتد وغضب، وكانت فرسانه تزيد على ثمانية آلاف، ورجالته عشرة آلاف، فأمر القاضي أبا بكر بمشاهدة العسكر فصلى المسترشد يوم الجمعة رابع عشرين ذي الحجة ونزل راكبا من باب الغربة مما يلي المثمنة، وعبر في الزبزب وعليه القباء والعمامة وبردة النبي صلى الله عليه وسلم على كتفيه، والطرحة على رأسه، وبيده القضيب، ومعه وزيره أحمد بن نظام الملك والنقيبان وقاضي القضاة الزينبي، وجماعة الهاشميين والشهود والقضاة والناس، فنزل بالمخيم وأقام به إلى أن انقضى الشهر، أعني ذا الحجة.
[وصول أبي الحسن علي بن الحسين الغزنوي ووعظ ببغداد]
88/ أوفي هذه السنة: / وصل أبو الحسن علي بن الحسين الغزنوي ووعظ ببغداد وصار له قبول، وورد بعده أبو الفتوح الأسفراييني ونزل برباط أبي سعد الصوفي، وتكلم بمذهب الأشعري، ثم سلم إليه رباط الأرجوانية والدة المقتدي، وورد الشريف أبو القاسم على بن يعلى العلوي، ونزل برباط أبي سعد أيضا، وتكلم على الناس، وأظهر السنة فحصل له نفاق عند أهل السنة، وكان يورد الأحاديث بالأسانيد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3909- الحسن بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مخلد، أبو علي الباقرحي
[2] :
ولد سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، وسمع أبا القاسم التنوخي، وأبا بكر بن بشران، والقزويني، وابن شيطا، والبرمكي، والجوهري وغيرهم، وكان رجلا مستورا من أولاد المحدثين، فهو محدث وأبوه وجده وأبو جده وجد جده.
وتوفي في هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
[1] سورة: الإسراء، الآية: 15.
[2] الباقرحي: نسبة إلى باقرح، وهي قرية من نواحي بغداد.
وانظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1256، وفيه: «الباخرحي» ، وشذرات الذهب 4/ 48) .(17/210)
3910- عبد الله بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث، أبو محمد السمرقندي:
[1] أخو شيخنا أبي القاسم، ولد بدمشق سنة أربع وأربعين وأربعمائة، ونشأ ببغداد فسمع الكثير من الصريفيني، وابن النقور وغيرهما، وسمع ببيت المقدس، وبنيسابور، وببلخ، وبسرخس، وبمرو، وبأسفرايين، وبالكوفة، وبالبصرة، وغير ذلك من البلاد، وصحب أباه والخطيب وجمع وألف، وكان/ صحيح النقل كثير الضبط، ذا فهم 88/ ب ومعرفة.
أنبأنا أبو زرعة بن محمد بن طاهر، عن أبيه، قال: سمعت أبا إسحاق المقدسي يقول: لما دخل أبو محمد السمرقندي بيت المقدس قصد أبا عثمان بن الورقاء، فطلب منه جزءا فوعده به ونسي أن يخرجه فتقاضاه فوعده مرارا، فقال له: أيها الشيخ لا تنظر إلى بعين [2] الصبوة فإن الله [قد] [3] رزقني من هذا الشأن ما لم يرزق أبا زرعة الرازي، فقال الشيخ: الحمد للَّه، ثم رجع إليه يطلب الجزء، فقال الشيخ: أيها الشاب إني طلبت البارحة الأجزاء فلم أجد فيها جزءا يصلح لأبي زرعة الرازي، فخجل وقام.
توفي أبو محمد يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الآخر من هذه السنة.
3911- عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف، أبو طالب بن أبي بكر بن أبي القاسم الأصفهاني، الأصل:
[4] ولد سنة ست وثلاثين واربعمائة، وسمع البرمكي، والجوهري، والعشاري، وابن المذهب وغيرهم، وسمع الكثير وحدث بالكثير سنين، وكان الغاية في التحري واتباع الصدق والثقة، وكان صالحا كثير التلاوة للقرآن [كثير الصلاة] [5] وهو آخر من حدث عن أبي القاسم الأزجي، وتوفي يوم السبت ثامن عشر ذي الحجة، ودفن بباب حرب.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 191، وتذكرة الحفاظ 1263، وشذرات الذهب 4/ 49، والكامل 9/ 218) .
[2] في الأصل: «أيها الشيخ لا تنظرني بعين» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1256، شذرات الذهب 4/ 49، والكامل 9/ 218) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/211)
3912- على بن أحمد [1] ، أبو طالب السميرمي:
[2] وسميرم قرية بأصبهان. كان وزير السلطان محمود، وكان مجاهرا بالظلم والفسق، وبنى ببغداد دارا على دجلة فأخرب المحلة المعروفة بالتوثة، ونقل آلاتها إلى [عمارة] [3] داره فاستغاث إليه أهل التوثة فحبسهم ولم يخرجهم إلا بغرم، وهو الذي 89/ أأعاد المكوس بعد عشر سنين من زمان إزالتها، / وكان يقول: لقد سننت على أهل بغداد السنن الجائرة [4] ، فكل ظالم يتبع أفعالي، وما أسلم في الدنيا، وقد فرشت حصيرا في جهنم، وقد استحييت من كثرة التعدي على الناس وظلمي من لا ناصر له، وقال هذا في الليلة التي قتل في صباحها، وكان سرادقه قد ضرب بظاهر البلد، وركب في بكرة ذلك اليوم، وقال: قد عزمت على الركوب والإلمام بالحمام، والعود عاجلا المسير في الوقت الذي اختاره المنجمون، فعاد ودخل الحمام ثم خرج وبين يديه من العدد ما لا يحصى من حملة السلاح والصمصامات والسيوف ولم يمكنه سلوك الجادة التي تلي دجلة لزيادة الماء هناك فقصد سوق المدرسة التي وقفها خمارتكين التتشي [5] واجتاز في المنفذ العتيق [6] الذي فيه حظائر الشوك، فلما خرج أصحابه بأجمعهم منه وبرز عنق بغلته ويداها وثب رجل من دكة في السوق فضربه بسكين فوقعت في البغلة، ثم هرب إلى [دار على] [7] دجلة فأمر بطلبه فتبعه الغلمان وأصحاب السلاح فخلا منهم المكان، فظهر رجل آخر كان متواريا فضربه بسكين في خاصرته ثم جذبه عن البغلة إلى الأرض وجرحه عدة جراحات، فعاد أصحاب الوزير فبرز لهم اثنان لم يريا قبل ذلك فحملا عليهم مع الذي تولى جراحته فانهزم ذلك الجمع من بين يدي هؤلاء الثلاثة ولم يبق من له قدرة على تخليصه، ولحلاوة الروح قام الوزير وقد اشتغلوا عنه بالحملات 89/ ب على أصحابه/ فأراد الارتقاء إلى بعض درج الغرف التي هناك فعاوده الذي جرحه فجره
__________
[1] في ص، والأصل: «علي بن حرب» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 191، وشذرات الذهب 4/ 50) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «أهل بغداد سنة الجائزة» .
[5] في ص، ط: «واجتاز في المنفذ الضيق» .
[6] في الأصل النفس. والتصحيح في الكامل 9/ 215.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/212)
برجله وجعل يكرر الضرب في مقاتله والوزير يستعطفه، ويقول له: أنا شيخ، فلم يقلع عنه وبرك على صدره وجعل يكبر، ويقول بأعلى صوته: الله اكبر أنا مسلم أنا موحد، هذا وأصحاب الوزير يضربونه على رأسه وظهره بسيوفهم ويرشقونه بسهامهم، وذلك كله لا يؤلمه، وسقط حين استرخت قوته فوجدوه لم يسقط حتى ذبحه كما يذبح الغنم، وقتل مع الوزير رجلان من أصحابه، وحملت جثة الوزير على بارية أخذت من الطريق إلى دار أخيه النصير، وحز رأس الذي تولى قتله، وقتل الأربعة الذين تولوا قتله وحز رأس القاتل خاصة. فحمل إلى المعسكر وجيء بالضارب الأول فقتل في المكان وألقيت رممهم بدجلة، وكانت زوجة هذا الوزير قد خرجت في بكرة اليوم الذي قتل فيه راكبة بغلة تساوي ثلاثمائة دينار بمركب لا يعرف قيمته وبين يديها خمس عشرة جنيبة بالمراكب الثقال المذهبة، ومعها نحو مائة جارية مزينات بالجواهر والذهب وتحتهن الهماليج بمراكب الذهب والفضة وبين أيديهم الخدم والغلمان والنفاطون بالشموع والمشاعل، فلما استقرت بالخيم المملوءة بالفرش والأموال والحمال جاءها خبر قتل زوجها، فرجعت مع جواريها وهن حواسر حواف، فأشبه الأمر قول أبي العتاهية.
رحن في الوشي وأصبحت ... عليهن المسوح
/ ولقول أبي العتاهية هذا قصة، وهو أن الخيزران قدمت على المهدي وهو بماسبذان في مائة قبة ملبسة وشيا وديباجا فمات فعادت إلى بغداد وعلى القباب المسوح السود مغشاة بها، فقال أبو العتاهية:
رحن فِي الوشي وأصبحن ... عليهن المسوح
كل نطاح من الدهر ... له يوم نطوح
لتموتن ولو عمرت ... مَا عُمَر نوح
فعلى نفسك نح لا ... بد أن كنت تنوح
[1] وكان قتل السميرمي يوم الثلاثاء سلخ صفر، وكانت مدة وزارته ثلاث سنين وعشرة أشهر وعشرين يوما. [2]
__________
[1] في الأصل: «فعلى نفسك نح إن كنت لا بد تنوح» .
[2] «وكانت مدة وزارته ... وعشرين يوما» : ساقطة من ت.(17/213)
3913- علي بن محمد بن فنين، أبو الحسن البزاز
[1] :
سمع أبا بكر الخياط، وأبا الحسين بن المهتدي، وأبا الحسين، ابن المسلمة، وغيرهم [2] . وحدث عنهم وقرأ بالقراءات، وكان سماعه صحيحا.
وتوفي ليلة الأحد خامس ذي الحجة، ودفن بباب حرب. [3]
3914-[علي بن مُحَمَّد المداري أبو الحسن
[4] :
سمع القاضي أبا يعلى وابن المهتدي وابن المسلمة وغيرهم. وحدث عنهم، وقرأ بالقراءات، وكان سماعه صحيحا، وتوفي ليلة الأحد خامس ذي الحجة، ودفن بباب حرب] .
3915- القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، [5] أبو محمد البصري الحريري صاحب المقامات:
[6] كان يسكن محلة بني حرام بالبصرة، ولد في حدود سنة ست وأربعين وأربعمائة، وسمع الحديث، وقرأ الأدب واللغة، وفاق أهل زمانه بالذكاء والفطنة والفصاحة وحسن العبارة، وأنشأ المقامات التي من تأملها عرف قدر منشئها.
وتوفي في هذه السنة بالبصرة.
__________
[1] في ص: «أبو الحسن البزار» .
[2] في الأصل: «وأبا الحسين بن النقور، وابن المسلمة وغيرهم» .
[3] في ت زيادة: «علي بن محمد المذاري، أبو الحسن: سمع القاضي أبا يعلى وابن المهتدي، وابن المسلمة وغيرهم، وحدث عنهم، وقرأ بالقراءات، وكان سماعه صحيحا، وتوفي ليلة الأحد خامس ذي الحجة، ودفن بباب حرب» .
[4] هذه الترجمة ساقطة من جميع النسخ، وأوردناها من ت.
[5] في ت: «القاسم بن محمد بن علي بن عثمان» .
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 191، وفيه: «القاسم بن علي بن محمد بن محمد بن عثمان» ، ووفيات الأعيان 1/ 419، ومفتاح السعادة 1/ 179، وطبقات السبكي 4/ 295، وخزانة البغدادي 3/ 117، ومعاهد التنصيص 3/ 272، وآداب اللغة 3/ 38، ومرآة الزمان 8/ 109، ونزهة الجليس 2/ 2، وابن الوردي 2/ 28، ودائرة المعارف الإسلامية 7/ 365، ومطالع البدور 1/ 9، وشذرات الذهب 4/ 50) .(17/214)
3916- محمد بن علي بن منصور بن عبد الملك، أبو منصور القزويني:
[1] قرأ القرآن على أبي بكر الخياط وغيره، وكان يقرئ الناس، وسمع أباه، وأبا طالب بن غيلان، / وأبا إسحاق البرمكي، وأبا الطيب الطبري، وأبا الحسن الماوردي، 90/ ب والجوهري وغيرهم، وكان صالحا خيرا له معرفة باللغة والعربية.
وتوفي في شوال هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
[1] في ت: «ابن منصور القزويني» .(17/215)
ثم دخلت سنة سبع عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه رحل المسترشد في المحرم، وكان إقبال الأمير الحاجب، ونظر صاحب العسكر فنزل بقرية تعرف بالحديثة من نهر ملك، فاستقبله البرسقي وجماعة من الأمراء الذين معه، ودخلوا عليه وحلفوا على المناصحة والمبالغة في الحرب، وقرأ أبو الفرج محمد بن عمر الأهوازي على المسترشد جزء الحسن بن عرفة وهو سائر، وكان قد ذكر ان جماعة من الباطنية وصلوا بغداد في زي الأتراك يقصدون الفتك، فتقدم أن يبعد كل مستعرب من الأتراك عن السرادق، وأمر بأن تحمل الأعلام الخاصة- وهي أربعة- أربعة من الخدم، وكذلك الشمسة ولا يدنو من المسترشد غير الخدم والمماليك، وسار المسترشد وعسكره يوم الأحد رابع المحرم إلى النيل، فلما تقاربوا رتب سنقر البرسقي بنفسه العسكر صفوفا، وكانوا نحو الفرسخ عرضا، وجعل بين كل صفين محالا للخيل، ووقف موكب الخليفة من ورائهم حيث يراهم ويرونه، ورتب دبيس عسكره صفا واحدا وجعل له ميمنة وميسرة وقلبا، وجعل الرجالة بين يدي/ 91/ أالفرسان بالتراس الكبار، ووقف في القلب من وراء الرجالة وقد منى عسكره ووعدهم نهب بغداد، فلما تراءى الجمعان بادرت رجاله دبيس فحملت وصاحوا: يا أكلة الخبز الحوارى والكعك الأبيض، اليوم نعلمكم الطعان والضرب بالسيف، وكان دبيس قد استصحب معه البغايا والمخانيث بالملاهي والزمور والدفوف يحرضون العسكر ولم يسمع في عسكر الخليفة إلا القرآن والتسبيح والتكبير والدعاء والبكاء.(17/216)
وفي هذه الليلة اجتمع أهل بغداد على الدعاء في المساجد وختام الختمات والابتهال في النصر فحمل عنتر بن أبي العسكر الكردي على صف الخليفة [فتراجعوا وتأخروا، وكان الخليفة] [1] ووزيره من وراء الصف خلف نهر عتيق، فلما رأى هزيمة الرجالة قال الخليفة لوزيره أحمد: يا نظام الدين ما ترى؟ قال: نصعد العتيق يا أمير المؤمنين، فصعد الخليفة والمهد والأعلام وجرد الخليفة سيفه وسأل الله تعالى النصر، وقال جماعة من عسكر دبيس: أن عنترا غدر فلم يصدق، قالوا: فلما رأوا المهد والعلم والموكب قد صعد على العتيق تيقن غدر عنتر فحمل [زنكي مع] [2] جماعة كانوا قد كمنوا في عسكر دبيس فكسروهم وأسروا عنتر بن أبي العسكر، ووقعت الهزيمة، وهرب دبيس ومن معه من خواصه إلى الفرات، فعبر بفرسه وسلاحه وقد أدركته الخيل ففاتهم، وذكر أن امرأة عجوزا كانت على الفرات قالت لدبيس دبير جئت فقال دبير من لم يجئ، وقتل الرجالة وأسر خلق كثير من عسكر دبيس، وكان الواحد منهم إذا قدم ليقتل قال:
فداك يا دبيس ثم يمد عنقه، ولم يقتل من عسكر الخليفة سوى عشرين فارسا، وعاد الخليفة منصورا فدخل بغداد يوم عاشوراء، وكانت غيبته من خروجه/ ستة عشر يوما، 91/ ب ولما عاد الخليفة من حرب دبيس ثار العوام ببغداد فقصدوا مشهد مقابر قريش ونهبوا ما فيه وقلعوا شبائكه وأخذوا ما فيه من الودائع والذخائر، وجاء العلويون يشكون هذا الحال إلى الديوان فأنهى ذلك، فخرج توقيع الخليفة بعد أن أطلق في النهب بإنكار ما جرى وتقدم إلى نظر الخادم بالركوب إلى المشهد وتأديب الجناة، ففعل ذلك ورد [بعض] [3] ما أخذ فظهر في النهب كتب فيها سب الصحابة وأشياء قبيحة.
[نقض دار علي بن أفلح]
وفي محرم هذه السنة: نقضت دار علي بن أفلح وكان المسترشد قد أكرمه ولقبه جمال الملك [4] ، فظهر أنه عين لدبيس فتقدم بنقض داره فهرب، وسنذكر حاله عند وفاته في زمان المقتفي إن شاء الله تعالى.
وفي صفر: عزم الخليفة على عمل السور فأشير عليه بالجباية من العقار، وتقدم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص: «ولقبه جمال الملوك» .(17/217)
من الديوان إلى ابن الرطبي فأحضر أبو الفرج قاضي باب الأزج، وأمر أن يجبى العقار لبناء السور، وابتدئ بأصحاب الدكاكين فقلق الناس لذلك فجمع من ذلك مال كثير ثم أعيد على الناس، فكثر الدعاء للخليفة وأنفق عليه من ماله، وكان قد كتب القاضي أبو العباس ابن الرطبي إلى المسترشد قصة يقول فيها: «الخادم أدام الله ظل المواقف المقدسة طالع بما يعتقد إن أداه أدى حق النعمة عليه، وإن كتمه كان مقصرا في تأديه ما يجب عليه وعالما أن الله يسأله عنه، فلو فرض في وقته قضاء شخص يقول له يا أحمد بن سلامة قد خدمت العلم منذ الصبى حتى انتهيت إلى سن الشيوخ، وطول العمر في خدمة العلم نعمة مقرونة بنعمة وخدمت إمام العصر خدمة زال عنها الارتياب عنده فيما تنهيه، وعرفت بحكم مخالطتك لأبناء الزمان أن الناصح قليل والمشفق نادر، [1] وهو أدام الله أيامه بنجوة عما تتحدث به الرعية لا تصل إليه حقائق الأحوال إلّا من جانب/ 92/ أمخصوص، فما عذرك عند الله في كتمانك ولست ممن يراد وأمثالك إلا لقول حق وإيراد صدق لا لعمارة ولا لجمع مال، فلم يجد لنفسه جوابا يقوم عذره عنده فكيف عند الله تعالى، وهذا الوقت الذي قد تجدد فيه من يتوهم أنه على شيء في خدمه وإثارة مال من جباية يغرر بنفسه مع الله تعالى وبمجد مولانا وأولى الأوقات باستمالة القلوب وإذاعة الصدقات وأعمال الصالحات هذا الوقت وحق الله يا مولانا أن الّذي تتحدث به الناس فيما بينهم [2] من أن أحدهم كان يعود من معيشته ويأوي إلى منزله فيدعو بالنصر والحفظ للدولة قد صاروا يجتمعون في المساجد والأماكن شاكين مما قد التمس منهم، ويقولون كنا نسمع أن في البلد الفلاني مصادرة فنعجب ونحن الآن في كنف الإمامة المعظمة نشاهد ونرى، والناس بين محسن الظن ومسيء، والمحسن يقول: ما يجوز أن يطلع أمير المؤمنين على ما يجري فيقر عليه، والمسيء الظن يقول: الفاعل لهذا أقل أن يقدم عليه إلا عن علم ورضا، وقد كاد كل ذي ولاء وشفقة يضل ويتبلد، وفي يومنا هذا حضر عند الخادم شيخ فقيه يعرف بإسماعيل الأرموي والخادم يذكر الدرس، فقال:
ليبك على الإسلام من كان باكيا
__________
[1] في ص، ط: «الناصح قليل والشفق فأكثر» .
[2] في ص، ط: «الّذي تتحدث به العوام» .(17/218)
وحكي أن له دويرات بالجعفرية أجرتها دينار قد طولب بسبعة دنانير، فيا مولانا الله الله في الدين والدولة اللذين بهما الاعتصام، فما هذا الأمر مما يهمل، وكيف يجوز أن يشاع عنا هذا الفعل الذي لا مساغ له في الشرع ويجعل الخلق شهودا وما يخلو في أعداء الدولة من يكون له مكاتب ومخبر يرفع هذا اليهم، فما يبلع الأعداء في القدح/ إلى مثل هذا وما المال ولماذا يراد إلا لإنجاد الأنصار والأولياء، وهل تنصرف الحقوق 92/ ب المشروعة إلا في مثل هذا، وليس إلا عزمة من العزمات الشريفة يصلح بها ضمائر الناس ويؤمر بإعادة ما أخذ من الضعفاء، وإن كان ما أخذ من الأغنياء باقيا أعيد، وإن مست حاجة إليه عوملوا فيه، وكتب قرضا على الخزائن المعمورة وجعل ذلك مضاهيا لما جرت به العوائد الشريفة عند النهضات التي سبقت واقترن بها النظر في تقديم الصدقات، وختام الختمات والخادم وإن أطال فإنه يعد ما ذكره ذمرا بالعرض لكثرة ما على قلبه منه والأمر أعلى» .
وكان الابتداء بعمارة السور يوم السبت النصف من صفر، وكان كل أسبوع تعمل أهل محلة ويخرجون بالطبول والجنكات [1] ، وعزم الخليفة على ختان أولاده وأولاد إخوته، وكانوا اثني عشر، فأذن للناس أن يعلقوا ببغداد فعلقت، وعمل الناس القباب، وعملت خاتون قبة بباب النوبي، وعلقت عليها من الثياب الديباج والجواهر ما أدهش الناس، وعملت قبة في درب الدواب على باب السيد العلوي، وعليها غرائب الحلي والحلل [2] ونصب عليها ستران من الديباج الرومي، ومقدار كل واحد منهما عشرين ذراعا في عشرين، وعلى أحدهما اسم المتقى للَّه، وعلى الآخر المعتز باللَّه، وأظهر الناس مخبئاتهم من الثياب والجوهر سبعة أيام بلياليهن.
ثم وصل الخبر بان دبيسا حين هرب مضى إلى غزية، فأضافوه وسألهم أن يحالفوه، فقالوا: ما يمكننا معاداة الملوك ونحن بطريق مكة وأنت بعيد النسب منا وبنو المنتفق أقرب إليك نسبا، فمضى إليهم وحالفوه وقصد البصرة في ربيع الأول وكبس
__________
[1] في الأصل: «ويخرجون بالطبول والحكايات» .
[2] في ص، ط: «وعليها غرائب منحوتة والحلل» .(17/219)
مشهد طلحة والزبير فنهب ما هناك، [1] وقتل خلقا كثيرا، وعزم على قطع النخل فصانعه 93/ أأصحابها/ عن كل رأس شيئا معلوما.
ووصل الخبر أن السلطان محمود قبض على وزيره شمس الدين عثمان بن نظام الملك، وتركه في القلعة لان سنجر كان أمره بإبعاده فحبسه، فقال أبو نصر المستوفي للسلطان: متى مضى هذا إلى سنجر لم نأمنه والصواب قتله هاهنا وإنفاذ رأسه، فبعث السلطان من ذبحه، وأرسل السلطان [2] محمود إلى الخليفة ليعزل أخا عثمان، وهو أحمد بن نظام الملك، فبلغ ذلك أحمد فانقطع في داره وبعث إلى الخليفة يسأله أن يعفي من الحضور بالديوان لئلا يعزل من هناك، فأجابه ولم يؤذ بشيء.
وناب أبو القاسم ابن طراد في الوزارة ثم بعث إلى عميد الدولة ابن صدقة وهو بالحديثة فاستحضر فأقام بالحريم الطاهري أياما، ثم نفذ له الزبزب وجميع أرباب الدولة ومع سديد الدولة خط الخليفة، فقرأه عليه وهو: «اجب يا جلال الدين داعي التوفيق مع من حضر من الأصحاب لتعود في هذه الساعة إلى مستقر عزك مكرما» ، فأقبل معهم من الحريم الطاهري، وجلس في الوزارة يوم الاثنين سادس ربيع الآخر.
وفي جمادى الآخرة: وصل ابن الباقرحي [3] ومعه كتب من سنجر ومحمود بتسليم النظامية إليه ليدرس فيها، فمنعه الفقهاء فالزمهم الديوان متابعته.
وفي آخر شعبان: وصل أسعد الميهني بأخذ المدرسة والنظر فيها، وفي نواحيها، وأزاله ابن الباقرحي عنها، ففعل واتفق الميهني والوزير أحمد بن النظام على ان دخل المدرسة قليل لا يمكن إجراء الأمر على النظام المتقدم، وأنهم يقنعون ببعض المتفقهة 93/ ب ويقطعون/ من بقي، فاختل بذلك أمر المدرس فدرس يوما واحدا، وامتنع الفقهاء من الحضور، وترك التدريس ثم مضى إلى المعسكر ليصلح حاله فأقام خواجا أحمد أبا الفتح بن برهان ليدرس نائبا إلى أن يأتى أسعد الميهني، فألقى الدرس يوما، فأحضره الوزير ابن صدقة، وأسمعه المكروه، وقال: كيف أقدمت على مكان قد رتب فيه
__________
[1] في الأصل: «في ربيع الأول وقصد مشهد طلحة فكبسه فنهب ما هناك» .
[2] «من ذبحه وأرسل السلطان» : ساقطة من ص، ط.
[3] في الأصل: «وصل ابن الباخرزي» .(17/220)
مدرس؟ ثم ألزمه بيته وتقدم إلى قاضى القضاة فصرفه عن الشهادة، وأمر أبا منصور ابن الرزاز بالنيابة في المدرسة.
واشتد الغلاء فبلغت كارة الدقيق الخشكار ستة دنانير ونصف.
ذكر من توفي هذه السنة من الأكابر
3917- أحمد بن عبد الجبار بن أحمد، أبو سعد الصيرفي أخو أبى [1] الحسين:
سمع من جماعة ولا نعرف فيه إلا الخير، توفي في هذه السنة.
3918- عبيد الله بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن مهرة، أبو نعيم بن مهرة، أبو نعيم بن أبي على [2] الحداد.
ولد سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وسمع بنيسابور وبهراة وبأصبهان وبغداد وغيرها الكثير، ورحل في الطلب، وعنى بالجمع للحديث، وقرأ الأدب، وحصل من الكتب ما لم يحصله غيره، وكان أديبا حميد الطريقة غزير الدمعة.
3919- عيسى بن إسماعيل بن عيسى بن إسماعيل، أبو زيد العلوي:
[3] من أولاد الحسن بن على بن أبي طالب من أهل أبهر، بلد عند زنجان، رحل إلى البلاد وسمع الحديث من جماعة، وكان يميل إلى طريقة التصوف ويغلب في السماع والوجد على زعمه، توفي في شوال هذه السنة، وصلى عليه بباب الطاق، ودفن في قبر قد حفره لنفسه/ في حياته.
94/ أ
3920- عثمان بن نظام الملك
[4] :
وزير السلطان محمود، كان قد طلبه سنجر فقبض عليه السلطان وحبسه، فقال أبو
__________
[1] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1265، وشذرات الذهب 4/ 53) .
[2] في ت: «عبد الله بن الحسن» ، وفي ص، ط: «عبيد الله بن الحسن» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 56، والكامل 9/ 225) .
[3] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1265، وفيه: «أبو نعيم عبيد الله بن الشيخ أبى علي الحسن بن أحمد بن الحسن الأصبهاني» ) .
[4] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 223) .(17/221)
نصر المستوفي: متى مضى هذا إلى سنجر لم تأمنه والصواب قتله وإنفاذ رأسه، فبعث السلطان إليه عنتر الخادم، فلما أتاه وعرفه ما جاء فيه قال: أمهلني حتى أصلي ركعتين، فقام واغتسل وصلى ركعتين وصبر لقضاء الله، وأخذ السيف من السياف فنظر فيه ثم قال: سيفي أمضى من هذا فاضرب به ولا تعذبني، فقتله بسيفه وبعث برأسه، فلما كان بعد قليل فعل بابى نصر المستوفي مثل ذلك.
3921- عثمان بن على بن المعمر بن أبي عمامة البقال، أبو المعالى أخو أبى سعد [1] الواعظ.
سمع من ابن غيلان وغيره، وقال شيخنا عبد الوهاب: جهدنا به أن نقرأ عليه فأبى، وقال: اشهدوا أنى كذاب، وكان شاعرا خبيث اللسان، ويقال: أنه كان قليل الدين يخل بالصلوات. مات في ربيع الآخر من هذه السنة.
3922- محمد بن أحمد بن محمد بن المهتدى، أبو الغنائم الخطيب العدل:
[2] سمع القزويني، والبرمكي، والجوهري، والتنوخي، والعشاري، والطبري، وغيرهم، وكان شيخا ذا هيئة جميلة وصلاح ظاهر، وسماعه صحيح، وكان شيخنا عبد الوهاب يثنى عليه ويصفه بالصدق والصلاح، وعاش مائة وثلاثين سنة وكسرا، ممتعا بجميع جوارحه [3] ، وكتب المستظهر في حقه هو شيخ الأسرة.
94/ ب توفي يوم الأحد ثاني عشر ربيع الأول، ودفن بباب/ حرب قريبا من بشر الحافي.
3923- محمد بن أحمد بن عمر القزاز، أبو غالب الحريري يعرف بابن الطيوري:
[4] أخو أبى القاسم شيخنا، وخال شيخنا عبد الوهاب الأنماطي سمع أبا الحسن زوج الحرة، والعشاري، وأبا الطيب الطبري، حدث وكان سماعه صحيحا، وكان خيرا صالحا، روى عنه شيخنا عبد الوهاب.
توفي ليلة الجمعة سابع عشر صفر، ودفن بباب حرب عند أبيه.
__________
[1] في ص: «أخو أبي سعيد» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 57، وفيه: «محمد بن محمد بن أحمد» ) .
[3] في ت: «وعاش بضعا وثمانين سنة ممتعا بجميع جوارحه» .
[4] في ت: «بعرف بابن الطبري» .(17/222)
3924- محمد بن على بن محمد، أبو جعفر:
من أهل همذان، يلقب بمقدم الحاج، حج كثيرا، وكان يقرأ القرآن بصوت طيب ويختم في مسجد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ختمة] [1] في كل سنة في ليلة واحدة قائما في الروضة، وسمع الحديث.
وتوفي في محرم هذه السنة بهمذان وهو ابن ست وستين سنة.
3925- محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق بن محمد، أبو الحسن الزعفراني الجلاب.
[2] .
ولد سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، وسمع القاضي أبا يعلى، وأبا الحسين ابن المهتدي، وابن المسلمة، والصريفيني وغيرهم، وتفقه على أبى إسحاق، ورحل في طلب العلم والحديث، وسمع بالبصرة وخوزستان وأصبهان والشام ومصر، وكان سماعه صحيحا، وكان ثقة له فهم جيد، وكتب تصانيف الخطيب وسمعها منه.
وتوفي يوم الأربعاء تاسع عشرين صفر، ودفن بالوردية.
3926- المبارك بن محمد بن الحسن، أبو العز الواسطي:
سمع وحدث ووعظ، إلا أنه كان يحكي عنه تخليط في وعظه وتفسيره للقرآن، توفي في رجب هذه السنة، رحمه اللَّه وإيانا وسائر المسلمين [3] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] الجلاب: نسبة لمن يجلب الرقيق والدواب من موضع إلى موضع.
وانظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1265، وشذرات الذهب 4/ 57) .
[3] «رحمه الله وإيانا وسائر المسلمين» : ساقطة من ص، ت، ط.(17/223)
95/ أ/
ثم دخلت سنة ثماني عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[ورود الأخبار بظهور الباطنية بآمد]
أنه وردت الأخبار [1] بأن الباطنية ظهروا بآمد وكثروا فنفر عليهم أهل البلد، فقتلوا منهم سبعمائة رجل.
وردت شحنكية بغداد إلى سعد الدولة برنقش الزكوي، وتقدم إلى البرسقي بالعود إلى الموصل، وسلم منصور بن صدقة إلى سعد الدولة ليوصله إلى دار الخلافة [2] ، [فوصل سعد الدولة وسلم منصور إلى دار الخلافة] [3] ، ووصل الخبر بوصول دبيس ملتجئا إلى الملك طغرل بن محمد بن ملك شاه، وأنهما على قصد بغداد، فتقدم الخليفة إلى ابن صدقة بالتأهب لمحاربتهما وجمع الجيوش، وتقدم إلى برنقش الزكوي بالتأهب أيضا، واستجاش الأجناد من كل جانب، فلم يزالوا يتأهبون إلى أن خرجت هذه السنة.
وفي ربيع الأول: وقع جرف وأمراض وعمت من بغداد إلى البصرة.
[تكامل عمارة المثمنة]
وفي جمادي الأولى: تكاملت عمارة المثمنة، وشرع المسترشد في أخذ الدور المشرفة على دجلة إلى مقابل مشرعة الرباط ليبني ذلك كله مسناة واحدة، ونقض الدار التي بنى في المشرعة، وذكر أن المسترشد تزوج ببنت سنجر، وأنه يريد أن يبني هذا المكان.
__________
[1] في ص، ط: «سعد الدولة ليسلمه إلى دار الخلافة» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «أن المسترشد يتزوج ببنت سنجر» .(17/224)
وفي رجب: تقدم إلى نظر وابن الأنباري، فمضيا إلى سنجر لاستحضار ابنته زوجة المسترشد، وكان المتولى للعقد والخطاب/ في ذلك القاضي الهروي. 95/ ب وفي شعبان: وصلت كتب إلى الديوان، بأن قافلة واردة من دمشق فيها باطنية قد انتدبوا لقتل أعيان الدولة مثل الوزير، ونظر فقبض على جماعة منهم وصلب بعضهم في البلد، اثنان عند عقد المأمونية واثنان بسوق الثلاثاء وواحد بعقد الجديد، وغرق جماعة، ونودي أي متشبه من الشاميين وجد ببغداد أخذ وقتل وأخذ في الجملة ابن أيوب قاضي عكبرا، ونهبت داره، وقيل أنه وجد عنده مدارج من كتب الباطنية، وأخذ آخر كان يعينهم بالمال، واخذ رجل من الكرخ.
وفي شوال: قبض على ناصح الدولة أبي عبد الله بن جهير أستاذ الدار، وقبض ماله ووكل به داره، وذكر أنه قرر عليه أربعون ألف دينار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3927- أحمد بن محمد بن أحمد بن سلم، أبو العباس بن أبي الفتوح الخراساني.
من أهل أصبهان، سمع بها من أبي عثمان سعيد بن أبي سعيد العيار الصوفي [1] ، وأبي عمر عَبْد الوهاب بْن أبي عَبْد اللَّه بْن منده، وبمكة من سعد الزنجاني وغيره، وحج خمس حجات وجاور بمكة سنين، وكان واعظا متصوفا، ووعظ ببغداد فنفق عليهم.
وتوفي بأصبهان في ربيع الآخر من هذه السنة، وكانت ولادته سنة ست وأربعين.
3928- أحمد بن علي بن تركان، أبو الفتح، ويعرف بابن [2] الحمامي:
لأن أباه كان حماميا، وكان على مذهب أحمد بن حنبل، وصحب أبا الوفاء ابن 96/ أعقيل، وكان بارعا في الفقه وأصوله، شديد الذكاء والفطنة، فنقم عليه أصحابنا أشياء لم
__________
[1] في ص: «ابن سعيد القزاز الصوفي» .
[2] في ت: «ويعرف بالحمامي» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 194، والكامل 9/ 231، وفيه: «أحمد بن علي بن برهان ... » ) .(17/225)
تحتملها أخلاقهم الخشنة فانتقل وتفقه على الشاشي والغزالي، ووجد أصحاب الشافعي على أوفي ما يريده من الإكرام، ثم ترقى وجعلوه مدرسا للنظامية فوليها نحو شهر، وشهد عند الزينبي.
وتوفي يوم الأربعاء سابع عشر جمادى الأولى، ودفن بباب أبرز.
3929- إبراهيم بن سمقايا، أبو إسحاق الزاهد:
كان من أعيان الصالحين، توفي في ربيع الأول من هذه السنة [1] .
3930- عبد الله بن محمد [2] بن على بن محمد، أبو جعفر الدامغاني:
[3] سمع الصريفيني، وابن المسلمة، وابن النقور، وشهد عند أبيه قاضى القضاة أبى عبد الله و [جعل قاضيا على ربع الكرخ من قبل أخيه قاضى القضاة] [4] أبى الحسن، ثم ترك ذلك وخلع الطيلسان وولى حجابة باب النوبي ثم عزل، وكان دمث الأخلاق عتيدا بالرياسة [5] .
وتوفي ليله الثلاثاء ثاني جمادى الأولى، ودفن بالشونيزية عند قبر ابن أخيه أبى الفتح السامري.
3931- عبيد الله بن عبد الملك بن أحمد الشهرزوري، أبو غالب البقال المقرئ:
[6] سمع من ابن المذهب، والجوهري وغيرهما، وحدث، وسماعه صحيح، وكان شيخا فيه سلامة.
3932- قاسم بن أبي هاشم:
أمير مكة، توفي في العشر الأوسط من صفر، وخلفه ابنه أبو فليتة فأحسن السياسة، [7] وأسقط المكس.
__________
[1] في ص: «توفي في هذه السنة» .
[2] في الأصل: «عبيد الله بن محمد» .
[3] في الدامغانيّ: بلدة من بلاد قومس.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «وكان دمث الأخلاق عبقا بالرياسة» .
[6] في ت: «ابن أحمد السهرودي» .
[7] في الأصل: «فأحسن النيابة» .(17/226)
3933- محمد بن على بن سعدون، أبو ياسر:
[1] سمع ابن المسلمة، وأبا القاسم الدجاجي، [2] وحدث، وتوفي بالمارستان.
3934- محمد بن الحسن بن كردي، أبو السعادات المعدل، ثم/ القاضي ببعقوبا.
96/ ب سمع ابن المسلمة، والصريفيني، وحدث، وشهد عند القاضي أبى عبد الله الدامغاني، وكان كثير الصدقة مشهودا له بالخير، وبلغ ثمانين سنة.
وتوفي ليله السبت غرة رمضان، ودفن بباب حرب.
3935- المبارك بن جعفر بن مسلم، أبو الكرم الهاشمي:
سمع الحديث الكثير من أبي محمد التميمي، وطراد وغيرهما، وكتب الكثير، وتفقه على أبى القاسم يوسف بن محمد الزنجاني، وعلى شيخنا أبى الحسن الزاغوني، وكان صالحا خيرا، وهو أول من لقنني القرآن وأنا طفل.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة عن أربعين سنة، ودفن بباب حرب.
__________
[1] في ص: «محمد بن علي بن سعد» .
[2] في الأصل، ص: «وأبا الغنائم الدجاجيّ» .(17/227)
ثم دخلت سنة تسع عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه لما التجأ دبيس بن صدقة إلى الملك طغرل بن محمد بن ملك شاه وحسن له أن يطلب السلطنة والخطبة، وقصد بغداد، وتقدم الخليفة بالاستعداد لمحاربتهما، وأمر بفتح باب من ميدان خالص في سور الدار مقابل الحلبة، وسماه باب النصر، وجعل عليه بابا من حديد، وبرز في يوم الجمعة خامس صفر وخرج سحرة يوم الاثنين ثامن صفر من باب النصر بالسواد وعليه البردة وبيده القضيب وعلية الطرحة والشمسة على رأسه، وبين يديه أبو على بن صدقة وزيره ونقيب النقباء أبو القاسم، وقاضي القضاة وإقبال الخادم، وأرباب الدولة يمشون في ركابه إلى أن وصلوا باب الحلبة، ثم ركب 97/ أالجماعة إلى أن وصلوا إلى صحن الشماسية، / فلما قربوا من السرادق ترجلوا كلهم ومشوا بين يدية إلى السرادق، ورحل يوم التاسع من صفر فنزل بالخالص ونزل طغرل ودبيس براذان، فلما عرفا خروج الخليفة عدلا عن طريق خراسان ونزلا برباط جلولاء، فخرج الوزير أبو على بن صدقة في عسكر كثير إلى الدسكرة، وتوجه الملك طغرل إلى الهارونية ورحل الخليفة فنزل الدسكرة فدبر الملك ودبيس ان يعبرا ديالى وتامرا ويكبسوا بغداد ليلا ويقطعوا الجسر بالنهروان ويحفظ دبيس المعابر ويشتغل طغرل بنهب بغداد، فعبرا تامرا فنزل طغرل بين ديالي وتامرا وعبر دبيس ديالي على أن يتبعه الملك، فمرض الملك تلك الليلة وتوالى مجيء المطر وزاد الماء في ديالى والخليفة نازل بالدسكرة لا يعلم بمكر دبيس فقصد دبيس مشرعة النهروان في مائتي فارس جريدة، فنزل هناك وقد(17/228)
تعب، وجاء المطر عليهم طول ليلتهم وليس معهم خيمة ولا زاد ولا عليف، فوصلت جمال قد نفذت من بغداد إلى الخليفة عليها الزاد والثياب فأخذها دبيس ففرقها على عسكره، فاكتسوا وشبعوا وغنموا.
وبلغ الخبر إلى بغداد بمجيء دبيس فانزعج الناس ودخلوا تحت السلاح، والتجأ النساء والمشايخ إلى المساجد وأعلنوا بالدعاء والاستغاثة إلى الله تعالى، وتأدى الخبر إلى الخليفة وأرجف في عسكره بأن دبيسا قد دخل بغداد وملكها، فرحل مجدا إلى النهروان، فلم يشعر دبيس إلا برايات الخليفة قد طلعت، فلما رآها قبل الأرض في مكانه، وقال: أنا العبد المطرود ما أن يعفي عن العبد المذنب فلم يجبه أحد، فعاود القول والتضرع، فرق له الخليفة، وهم بالعفو عنه أو مصالحته [1] فصرفه الوزير ابن صدقة [2] عن هذا الرأي، وبعث الخليفة نظر الخادم إلى بغداد/ بتطييب قلوب الناس 97/ ب ونادى في البلد بخروج العسكر بطلب دبيس والإسراع مع الوزير أبي علي بن صدقة، ودخل الخليفة داره، وكانت غيبته خمسة وعشرين يوما، ومضى دبيس والملك إلى سنجر فاستجارا به هذا من أخيه، وهذا من أخيه، وهذا من أمير المؤمنين فأجارهما ولبسا عليه، فقالا:
قد طردنا الخليفة، وقال: هذه البلاد لي، فقبض سنجر على دبيس واعتقله في قلعة يتقرب بذلك إلى المسترشد، وخرج سعد الدولة برنقش الزكوي في تاسع رجب إلى السلطان، واجتمع به خاليا، وأكثر الشكوى من الخليفة، وحقق في نفسه أن الخليفة يطلب الملك، وأنه خرج من داره مرتين [3] ، وكسر من قصده وان لم يدبر الأمر في حسم ذلك اتسع الخرق وصعب الأمر، وسيتضح لك حقيقة ذلك إذا أردت دخول بغداد والذي يحمله على ذلك وزيره أبو علي بن صدقة، وقد كاتب أمراء الأطراف وجميع العرب والأكراد فحصل في نفس السلطان من ذلك ما دعاه إلى دخول بغداد.
وفي هذه الأيام دخل أبو العباس ابن الرطبي يعلم الأمراء بدار الخليفة.
__________
[1] في الأصل: «وهم بالعفو عنه ومصالحته» .
[2] في الأصل: «فصرفه الوزير أبو علي» .
[3] في ص، ط: «وأنه خرج من داره نوبتين» .(17/229)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3936- آقسنقر البرسقي:
[1] صاحب الموصل، قتله الباطنية في مقصورة الجامع.
3937- هلال بن عبد الرحمن بن سريج بن عمر بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إبراهيم بْن سليمان بن بلال بن رباح مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم، كنيته أبو سعيد
[2] :
جال في بلاد الجبل وخراسان، ووصل إلى سمرقند، وجال في ما وراء النهر، ودخل بغداد، وكان شيخا جهوري الصوت [3] بالقرآن، حسن النغمة.
وتوفي في هذه السنة بسمرقند.
3938- هبة الله بن محمد بن علي، أبو البركات ابن البخاري:
[4] 98/ أولد سنة أربع وثلاثين، / وسمع من ابن غيلان، وابن المذهب، والجوهري، والعشاري، والتنوخي، وحدث عنهم، وكان سماعه صحيحا، وشهد عند أبي الحسن الدامغانيّ.
وتوفي في يوم الاثنين ثاني عشرين رجب، ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 195، وفيه: «آقسنقر البرشقي» ، والكامل 9/ 36، وذكر وفاته سنة 520) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 195، وفيه: «بلال بن عبد الرحمن» ، والكامل 9/ 234) .
[3] في الأصل: «وكان شيخا جوهري الصوت» .
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 60) .(17/230)
ثم دخلت سنة عشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه لما قاتل المسترشد طغرل بن محمد فرح بذلك محمود وكاتب الخليفة، فقال: قد علمت ما فعلت لأجلي وأنا خادمك وصائر إليك وتراسلا بالأيمان والعهود على أنهما يتفقان على سنجر، ويمضيان إلى قتاله، ويكون محمود في السلطنة وحده فلما علم سنجر، بذلك بعث إلى محمود، يقول له: أنت يميني والخليفة قد عزم على أن يمكر بي وبك، فإذا اتفقتما على فرغ منى وعاد إليك فلا تلتفت إليه وأنت تعلم أنه ليس لي ولد وذكر، وأنك ضربت معي مصافا، وظفرت بك، فلم أسئ إليك، وقتلت من كان سببا لقتالنا، وأعدتك إلى السلطنة، وجعلتك ولي عهدي، وزوجتك ابنتي، فلما مضت إلى الله تعالى زوجتك الأخرى، ورأيي فيك رأي الوالد فاللَّه الله ان تعول على ما قال لك، ويجب بعد هذا أن تمضي إلى بغداد ومعك العساكر فتقبض على وزير الخليفة ابن صدقة وتقتل الأكراد الذين قد دونهم وتأخذ النزل الذي قد عمله وجميع آلة السفر، وتقول: أنا سيفك وخادمك وأنت تعود إلى دارك على ما جرت به عادة آبائك، وأنا لا أحوجك إلى تعسف فإن فعل وإلا أخذته بالشدة وإلا لم يبق لك ولا لي معه حكم، ونفذ إليه رجلا، وقال: هذا يكون وزيرك، فلما وصل الرجل والرسالة انثنى عزمه عما كان عول عليه والتفت إلى قول عمه، وكتب صاحب الخبر إلى الخليفة/ بذلك فنفذ الخليفة 98/ ب إليه سديد الدولة ابن الأنباري يقول له: تقنع أن تتأخر في هذه السنة عن بغداد لقلة الميرة والناس في عقب الغلاء، فقال: لا بد لي من المجيء، واتفق أنه خرج شحنة بغداد(17/231)
برنقش الخادم إلى السلطان محمود يشكو من استيلاء الخليفة على ما ذكرنا في السنة قبلها فأوغر صدره على دخول بغداد وحقق في نفسه أن الخليفة مع خروجه ومباشرته الحرب بنفسه لا يقعد ولا يمكن أحدا من دخول بغداد من أصحاب السلطان من شحنة وعميد، فتوجه السلطان إلى بغداد، فلما سمع الخليفة نفذ إليه رسولا وكتابا إلى وزيره يأمر برد السلطان عن التوجه، فأبى وأجاب بجواب ثقل سماعه على الخليفة، فشرع الخليفة في عمل المضارب واعتداد السلاح وجمع العساكر، ونودي ببغداد يوم السبت عاشر ذي القعدة بعبور الناس إلى الجانب الغربي، وتقدم بإخراج سرادقه إلى ظاهر الحلبة [1] ، وانزعج الناس وعبروا إلى الجانب الغربي فكثر الزحام على المعابر والسفن، وبلغ أجرة الدار بالجانب الغربي ستة دنانير وخمسة، وتأذوا غاية التأذي [2] ، فلما اطمأن الناس وسكنوا بدار الخليفة من القتال، وقال: أخلى البلد عليه [3] ، وأخرج وأحقن دماء المسلمين، فنودي بالعبور إلى الجانب الشرقي فعبروا وحمل سرادق الخليفة إلى الجانب الغربي، فضرب تحت الرقة.
وتواتر مجيء الأمطار ودام الرعد والبرق ثلاثة أيام، وكادت الدور تغرق، وانهدم بعضها وعبرت الرايات والأعلام.
ثم خرج المسترشد من داره رابع عشرين ذي القعدة من باب الغربة وعبر في 99/ أالزبزب، وصعد إلى مضاربه، فلما عرف السلطان ذلك بعث برنقش الزكوي، / وأسعد الطغرائي فدخلا بغداد ومضيا إلى السرادق فجلسا على بابه زمانا إلى أن أذن لهما، وقد جلس لهما الخليفة على سريره فقبلا الأرض، وأديا رسالة السلطان وامتعاضه من انزعاج أمير المؤمنين، ثم خشنا في آخر الرسالة، وقال الخليفة: أنا أقول له يجب أن تتأخر في هذه السنة عن العراق فلا تقبل ما بيني وبينك إلّا السيف، ثم قال لبرنقش: أنت كنت السبب في مجيئه، وأنت فسدت قلبه، ثم هم بقتله فمنعه الوزير وقال: هو رسول، وكتب الجواب وبعثه معهما فخرجا إلى السلطان وهو بقر ميسين، وقد توجه إلى المرج
__________
[1] في الأصل: «بإخراج سرادقه إلى دار الحلبة» .
[2] في الأصل: «وتأذوا غاية الأذية» .
[3] في الأصل: «وقال: أخلى الدار عليه» .(17/232)
فأوصلا الكتاب إليه وعرفا الجواب، وأخبراه بما شاهداه من خروج الخليفة عن داره وكونه في مضاربه بالجانب الغربي، فامتلأ غيظا واستشاط، وأمر بالرحيل إلى بغداد.
وفي عاشر ذي الحجة: وهو يوم النحر أمر أمير المؤمنين بنصب خيمة كبيرة وبين يديها خيمة أخرى ومد شقتين من شقاق السرادق من غير دهليز، [1] ونصبوا في صدر الخيمة منبرا عاليا، وحضر خواص الخليفة ووزيره والنقباء وأرباب المناصب والأشراف والهاشميون والطالبيون، وخلق من الوجوه، وأقبل الخليفة ومعه ولده الراشد وهو ولى عهده، فوقف إلى جانب المنبر، وصلى بالناس صلاة العيد، وكان المكبرون خطباء الجوامع ابن الغريق وابن المهتدى وابن التريكي وغيرهم، فلما فرغ من الصلاة صعد المنبر، ووقف ولى العهد دونه بيده سيف مشهور فابتدأ فقال: «الله أكبر ما سحت الأنواء، وأشرق الضياء، وطلعت ذكاء، وعلت على الأرض السماء، الله أكبر ما همع سحاب، ولمع سراب، وأنجح طلاب وسر قادم بإياب، الله أكبر/ ما نبت نجم وأزهر، 99/ ب وأينع غصن، وأثمر، وطلع فجر وأسفر وأضاء هلال وأقمر، سبحان الذي جل عن الأشباه والنظير، وعجز عن تكييف ذاته الفكر والضمير لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير، الحمد للَّه ناصر أوليائه وخاذل أعدائه الذي لا يخلو من علمه مكان ولا يشغله شأن عن شأن، أحمده على تزايد نعمه، وأسأله الزيادة من بره وكرمه، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له، شهادة أجعلها لنفسي الوقاء، وأعدها ذخرا ليوم اللقاء، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه والكفر ممتد الرواق وقد ضرب بجرانه في الآفاق، فشمر فيه عن ساق وقوم أهل الزيغ والنفاق، صلى الله عليه وعلى إله الأخيار وأهل بيته الأطهار، وعلى عمه وصنو أبيه العباس ذي الشرف الشامخ والمجد الباذخ جد أمير المؤمنين أبي الخلفاء الراشدين، وعلى أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين وسلم، صلاة يزكيهم بها يوم الدين، وتجعلهم في جواره أعلى عليين.
عباد الله قد وضح السبيل لطالبيه ونطق الدليل للراغب فيه واستظهر الحق لظهور معانيه، فما للنفوس راغبة عن رشادها مشمرة عن فسادها مفرطة في إصدارها وإيرادها،
__________
[1] في الأصل: «شقاق السرادق من غير دهليز» .(17/233)
جاهلة بمعادها أو هي عصية [1] عن استعدادها، هيهات هيهات كم اخترمت المنية قبلكم، وساقت إلى الأرماس من كان أشد منكم ومثلكم، سلبتهم أرواحهم وقطعتهم أفراحهم ولم تخف جيوشهم ولا سلاحهم طالما أفنت أمما واستزلت قدما، وأمطرت 100/ أعليهم من الفناء ديما، ورمتهم من البلاء أسهما/ وحرمتهم من الآمال مغنما، وحملتهم من الأثقال مغرما، [2] ولم تراع فيهم محرما ذلوا بعد أن عزوا في دنياهم، وسادوا وجروا الجيوش إلى الأعداء وقادوا فعاد مطلقهم مأسورا وقائدهم بالشقاوة مقهورا، [3] قد عدموا نورا وسرورا فيا أسفا لهم ضيعوا زمنا وما اكتسبوا حسنا، كيف بهم إذا نشرت الأمم وأعيدت إلى الحياة الرمم، ونزل بذي الذنوب الألم، وظهر من أهل التقصير الأسف والندم، ذلك يوم لا يرحم فيه من شكا، ولا يعذر من بكى، ولا يجد الظالم لنفسه مسلكا، يوم يشتد فيه الفراق ويتزايد فيه القلق، وتثقل على أهلها الأوزار، وتلفح وجوه العصاة النار، وتذهل المرضعات، وتعظم التبعات، وتظهر الآيات، وتكاشف البليات، ولا يقال فيه من ندم، ولا ينجو من عذاب الله إلا من رحم، واعلموا عباد الله أن يومكم هذا يوم شرفه الله بتشريفه القديم، وابتلى فيه خليله إبراهيم بذبح ولده إِسْمَاعِيل، [وفداه بذبح عظيم] [4] ، وسن فيه النحر وجعله شعارا للسنة إلى آخر الدهر: «لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ» 22: 37 [5] البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، والجذع من الضأن، والثني من المعز عن واحد «فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» 22: 36 [6] .
ثم جلس بين الخطبتين، ثم قام إلى الثانية فحمد الله وكبر، وصلى [7] على النبي صلى الله عليه وآله
__________
[1] في ص، ط: «بمعادها أو هي عفية» .
[2] في ص، ط: «وحملتهم من الأنفال مغرما» .
[3] في ط: «وقائدهم بالشقاوة مشهورا» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] سورة: الحج، الآية: 37.
[6] سورة: الحج، الآية: 36.
[7] في الأصل: فحمد الله وكبر بين الخطبتين» .(17/234)
يمينا وشمالا ثم قال: اللَّهمّ أصلحني وأصلح لي ذريتي وأعنى على ما وليتني وأوزعني شكر نعمتك، ووفقني لما أهلتني له، وانصرني على ما استخلفتني/ فيه، واحفظني 100/ ب فيما استرعيتني ولا تخلني من خفايا لطفك التي عودتني «رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي من تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ 12: 101 [1] «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» 16: 90 [2] قال المصنف رحمه الله: نقلت هذه الخطبة من خط أبي عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن العباس الحراني الشاهد، وقد أجاز لي رواية ما يروى عنه، قال: حضرت هذه الخطبة مع قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي، وجماعة العدول، وكان خطباء الجوامع قياما تحت المنبر وهم المكبرون في أثناء الخطبة.
قال: فلما أنهى الخطبة وتخفز للنزول بادره الشريف أبو المظفر أحمد بن علي بن عبد العزيز الهاشمي فأنشده:
عليك سلام الله يا خير من علا ... على منبر قد حف أعلامه النصر
وأفضل من أم الأنام وعمهم ... بسيرته الحسنى وكان له الأمر
وأشرف أهل الأرض شرقا ومغربا ... ومن جده من أجله نزل القطر
لقد شرفت أسماعنا منك خطبة ... وموعظة فضل يلين لها الصخر
ملأت بها كل القلوب مهابة ... فقد رجفت من خوف تخويفها مصر
سما لفظها فضلا على كل قائل ... وجل [3] علاها أن يلم بها حصر
/ أشدت بها سامي المنابر رفعة ... تقاصر عن إدراكها الأنجم الزهر 101/ أ
وزدت بها عدنان مجدا مؤثلا ... فأضحى لها بين الأنام بك الفخر
وسدت بني العباس حتى لقد غدا ... يباهي بك السجاد والعالم الحبر
فلله عصر أنت فيه إمامه ... وللَّه دين أنت فيه لنا الصدر
__________
[1] سورة: يوسف، الآية: 101.
[2] سورة: النحل، الآية: 90.
[3] في الأصل: «كل قائل وجلت» .(17/235)
بقيت على الإسلام والملك كلما ... تقادم عصر أنت فيه أتى عصر
وأصبحت بالعيد السعيد مهنأ ... يشرفنا فيه صلاتك والنحر
ونزل فنحر بدنه بيده، ثم دخل السرادق ووقع البكاء على الناس ودعوا له بالتوفيق والنصر، وأمر بجمع السفن كلها فعبر بها إلى الجانب الغربي، وانقطع عبور الناس بالكلية.
وأما السلطان فإنه بلغ إلى حلوان، فبعث من هنالك الأمير زنكي إلى واسط، فأزاح عنها عفيف الخادم فهرب حتى لحق بالخليفة، وأمر الخليفة بسد أبواب داره جميعها سوى باب النوبي، ورسم لحاجب الباب القعود عليه لحفظ الدار، ولم يبق من أصحاب الخليفة وحواشيه في الجانب الشرقي سواه.
وأقبل السلطان في يوم الثلاثاء ثامن عشر ذي الحجة إلى بغداد، فنزل بالشماسية ودخل بعض عسكره إلى بغداد فنزلوا في دور الناس وانبثوا في الحريم وغيره، وأمر/ 101/ ب الخليفة بنقل الحرم والجواري إلى الحريم الطاهري من الجانب الغربي ونقل بعض رحله إلى دار العميد التي بقصر المأمون، ولم يزل السلطان يبعث الرسل إلى الخليفة ويتلطف به ويدعوه إلى الصلح والعود إلى داره، وهو لا يجيب، ثم وقف عسكر السلطان بالجانب الشرقي والعامة بالجانب الغربي [1] يسبون الأتراك، ويقولون: يا باطنية يا ملاحدة عصيتم أمير المؤمنين فعقودكم باطلة، وأنكحتكم فاسدة ثم تراموا بالنشاب.
قال المصنف رحمه الله: وفي هذه السنة حملت [2] إلى أبي القاسم على بن يعلى العلوي وأنا صغير السن فلقنني كلمات من الوعظ، وألبسني قميصا من الفوط، ثم جلس لوداع أهل بغداد عند السور مستندا إلى الرباط الذي في آخر الحلبة، ورقاني إلى المنبر فأوردت الكلمات وحزر الجمع يومئذ فكانوا [نحو] [3] خمسين ألفا، وكان يورد الأحاديث بأسانيدها، وينصر أهل السنة، ويقول: أنا علوي بلخي ما أنا علوي كرخي،
__________
[1] في ص، ط: «بالجانب الشرقي والعامي بالجانب الغربي» .
[2] في ص، ط: «وفي هذه السنة يقول المصنف حملت» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/236)
وسمعت منه الحديث وأجاز لي جميع مسموعاته ومجموعاته، وأنشدنا يوم وداعه، وذكر أنها لأبي القاسم الجميل النيسابوري، وأنه سمعها منه:
سروري من الدهر لقياكم ... ودار سلامي مغناكم
وأنتم مدى أملي ما أعيش ... وما طاب عيشي لولاكم
جنابكم الرحب مرعى الكرام ... فلا صوح الدهر مرعاكم
كأن بأيديكم جنة ... ونارا فأرجو وأخشاكم
فحياكم الله كم حسرة ... أراني فراق محياكم
حشا البين يوم ارتحلتم حشاي ... بنار الهموم وحاشاكم
فيا ليت شعري ومن لي بأن ... أعيش إلى يوم ألقاكم
إذا ازدحمت في فؤادي الهموم ... أعلل قلبي بذكراكم
تود جفوني لو أنها ... مناخ لبعض مطاياكم
/ وأستنشق الريح من أرضكم ... لعلي أحظى برياكم
فلا تنسوا العهد ما بيننا ... فلسنا مدى الدهر ننساكم
فها أنتم أولياء النعيم ... وها أنا بالرق مولاكم
وخرج العلوي من بغداد في ربيع الآخر من هذه السنة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3939- أَحْمَد بن مُحَمَّد بن محمد، أبو الفتوح الغزالي الطوسي
[1] :
أخو أبى حامد، كان متصوفا متزهدا في أول أمره، ثم وعظ فكان متفوها وقبله العوام. وجلس في بغداد في التاجية ورباط بهروز، وجلس في دار السلطان محمود فأعطاه ألف دينار، فلما خرج رأى فرس الوزير في دهليز الدار بمركب ذهب وقلائد وطوق فركبه ومضى فأخبر الوزير، فقال: لا يتبعه أحد ولا يعاد إلى الفرس، وخرج يوما
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 196، وفيه: «أبو الفتح الطوسي» ، وشذرات الذهب 4/ 60، والكامل 9/ 240) .(17/237)
إلى ناعورة فسمعها تئن، فرمى طيلسانه عليها، وكان له نكت لطيفة إلا أن الغالب على كلامه التخليط ورواية الأحاديث الموضوعة والحكايات الفارغة والمعاني الفاسدة، وقد علق عنه كثير من ذلك، وقد رأينا من كلامه الذي علق عنه وعليه خطه إقرار بأنه كلامه.
فمن ذلك أنه قال: قال موسى رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، 7: 143 قيل له: لَنْ تَرانِي 7: 143، فقال [1] :
هذا شأنك تصطفي آدم ثم تسود وجهه وتخرجه من الجنة، وتدعوني إلى الطور ثم تشمت بي الأعداء، هذا عملك بالأخيار، كيف تصنع بالأعداء.
وقال: نزل إسرافيل بمفاتيح الكنوز على رسول الله صلى الله عليه وسلم [2] وجبريل جالس عنده فاصفر وجه جبريل، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [يا إسرافيل [3]] هل نقص مما عنده شيئا، 102/ ب قال: لا، قال: ما لا ينقص الواهب/ ما أريده. وقال: دخل يهودي إلى الشيخ أبي سعيد، فقال أريد أن أسلم، فقال له: لا ترد، فقال الناس: يا شيخ تمنعه من الإسلام، فقال له: تريد ولا بد، قال: نعم، قال:
برئت من نفسك ومالك، قال: نعم، قال: هذا الإسلام عندي احملوه الآن إلى الشيخ أبي حامد حتى يعلمه لا- لا المنافقين يعني لا إله إلا الله- قال أحمد الغزالي: الذي يقول لا إله إلا الله غير مقبول ظنوا أن قول لا إله إلا الله منشور ولايته أفنسوا عزله [4] .
وحكى عنه القاضي أبو يعلى أنه صعد المنبر يوما، فقال: معاشر المسلمين كنت دائما أدعوكم إلى الله فأنا اليوم أحذركم منه، والله ما شدت الزنانير إلا من حبه، ولا أديت الجزية إلا في عشقه.
[وأنبأنا مُحَمَّد بن ناصر الحافظ، عن مُحَمَّد بن طاهر المقدسي قال: كان أحمد الغزالي آية من أيات الله تعالى في الكذب، توصل إلى الدنيا بالوعظ، سمعته يومًا بهمذان يقول: رأيت إبليس في وسط هذا الرباط يسجد لي فقال له: ويحك، إنه الله
__________
[1] في ص، ط: «قال موسى أرني قيل له لن، فقال» .
[2] في الأصل: «بمفاتيح الكنوز إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص: «ولايته أمنشوا عزله» . وفي ت: «ولايته ذا منشور عزله» .(17/238)
عز وجل أمره بالسجود لآدم فأبى. فقال: والله لقد سجد لي أكثر من سبعين مرة. فعلمت أنه لا يرجع إلى دين ومعتقد. قال: وكان يزعم أنه يَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عيانًا في يقظته لا في نومه، وكان يذكر على المنبر أنه كلما أشكل عليه أمر رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله على ذلك المشكل فدله على الصواب.
قال: وسمعته يومًا يحكي عن بعض المشايخ، فلما نزل سألته عنها فقال: أنا وضعتها في الوقت.
قال: وله من هذه الجهالات والحماقات ما لا يحصى.
قال مؤلف الكتاب:] [1] وكان أحمد الغزالي يتعصب لإبليس ويعذره، حتى قال يوما: لم يدر ذاك المسكين أن أظافر القضاء إذا حكت أدمت وقسى القدر إذا رمت أصمت ثم انشد.
وكنا وليلى في صعود من الهوى ... فلما توافينا ثبت وزلت
وقال: التقي موسى وإبليس عند عقبة الطور، فقال: يا إبليس لم لم تسجد لآدم؟ فقال كلاما كنت لأسجد لبشر يا موسى ادعيت التوحيد وأنا موحد، ثم التفت إلى غيره وأنت قلت أرني فنظرت إلى الجبل فأنا أصدق منك في التوحيد، قال: أسجد للغير ما سجدت من لم يتعلم التوحيد من إبليس فهو زنديق، يا موسى كلما ازداد محبة لغيري ازددت له عشقا.
قال المصنف [2] : لقد عجبت من هذا الهذيان الذي قد صار عن جاهل بالحال، فإنه لو كان إبليس [غار [3]] للَّه محبة ما حرض الناس على المعاصي، ولقد أدهشني نفاق هذا الهذيان في بغداد وهي دار العلم، ولقد حضر مجلسه يوسف الهمذاني، فقال: مدد كلام هذا شيطاني لا رباني ذهب دينه والدنيا لا تبقى له.
وشاع عن أحمد الغزالي [4] أنه كان يقول بالشاهد، وينظر إلى/ المردان 103/ أ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من ص، ط، والأصل. وأوردناها من ت.
[2] في ت: «قال مؤلف الكتاب» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص، ط: «وشاع عند أحمد الغزالي» .(17/239)
ويجالسهم، حتى حدثني أبو الحسين بن يوسف أنه كتب إليه في حق مملوك له تركي، فقرأ الرقعة ثم صاح باسمه، فقام إليه وصعد المنبر فقبل بين عينيه، وقال: هذا جواب الرقعة.
توفي أبو الفتوح في هذه السنة.
3940- بهرام بن بهرام، أبو شجاع البيع
[1] .
سمع الجوهري، والتنوخي، وكان سماعه صحيحا، وكان كريما، بنى مدرسة لأصحاب أحمد بباب الأزج عند باب كلواذى، ودفن فيها، ووقف قطعة من أملاكه على الفقهاء وسبل الخبر.
وكانت وفاته يوم الجمعة سادس عشر محرم.
3941- صاعد بن سيار بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم، أبو العلاء الإسحاقي
[2] :
من أهل هراة، سمع الحديث الكثير، وكان حافظا متقنا. روى عنه أشياخنا.
وتوفي بغورج، وغورج قرية على باب هراة [3] .
__________
[1] البيّع: نسبة لمن يتولى البياعة والتوسط في الخانات بين البائع والمشتري من التجار للأمتعة» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 197)
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 197، وتذكرة الحفاظ 1270، وشذرات الذهب 4/ 61) .
[3] في ص: «نجز الجزء الرابع من كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا دائما وأبدأ. ويتلوه في الّذي يليه إن شاء الله تعالى ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وخمسمائة» .(17/240)
ثم دخلت سنة احدى وعشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أن جماعة من عسكر السلطان محمود جاءوا ليدخلوا إلى دار الخلافة من باب النوبي فمنعتهم خاتون، فجاءوا إلى باب الغربة يوم الأربعاء رابع المحرم، ومعهم جماعة من الساسة والرعاع، وأخذوا مطارق الحدادين وكسروا باب الغربة، ودخلوا إلى التاج ونهبوا دار الخلافة مما يلي الشط، فخرج الجواري حاسرات يلطمن، فدخلن دار خاتون.
قال المصنف: فرأيتهن وأنا صبي يستشفعن وقد جئن صارخات، وجزن على باب المخزن فدخلن دار خاتون، وضج الناس كأن الدنيا تزلزلت، فأخبر الخليفة بالحال فخرج من السرادق، وأبو علي بن/ صدقه بين يديه وقدموا السفن في دفعة واحدة، 103/ ب ودخل العسكر في السلاح وترسوا في وجوههم وألبسوا الملاحين السلاح، ورماة النشاب من ورائهم، ورمى العيارون أنفسهم في الماء، فعبروا وعسكر السلطان مشغولون بالنهب، قد دخل منهم دار الخلافة نحو ألف في السلاح، فلما رأوا عسكر الخليفة قد عبر وقع عليهم الذلة فانهزموا، ووقع فيهم السيف، واختفوا في السراديب، فدخل عسكر الخليفة فأسروا جماعة وقتلوا جماعة من الأمراء، ونهب العوام دور أصحاب السلطان [ودخلوا [1]] دار وزيره، ودار العزيز بن نصر المستوفي، ودار أبي البركات الطبيب، وكانت عنده ودائع، فأخذ من داره ما قيمته ثلاثمائة ألف دينار، ودخلوا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/241)
رباط بهروز وتعرضوا للمتصوفة، وهرب أصحاب السلطان وقتل منهم عدة وافرة في الدروب والمضايق، وبقي الخليفة والوزير بالجانب الغربي حتى نقلت الحرم والرحل الذي كانوا أودعوه في الحريم الطاهري ودار العميد، ثم عبر الخليفة إلى داره يوم السبت سابع المحرم ومعه العساكر، وحفروا الخنادق ليلا عند أبواب الدروب والمسالك، ورتب على أبواب المحال من يحرسها من ورود أصحاب السلطان، فبقي القتال على هذا أياما، وجاء من عسكر السلطان خلق كثير فخرج إليهم الوزير والنقيب والعسكر، فغدر أبو الفتح ابن ورام في جماعة معه وانتقلوا إلى العسكر السلطاني، فلما كان يوم عاشوراء انقطع القتال وترددت الرسل ولان الأمر، وقال السلطان: أريد أن 104/ أتبعث لي من يحلفني، وأنفذ بعد ذلك وزيري ليستوثق لي، / فمال الخليفة إلى الصلح، فبعث قاضي القضاة الزينبي، وَإِسْمَاعِيل الصوفي ونيفا وثلاثين شاهدا من المعدلين، فاحتبسهم ستة أيام، فقال الناس: قد قبض عليهم، ويئس الناس من الصلاح، وحفرت الخنادق، وسدت العقود، وسلم كل قطر من بغداد إلى شحنة، وأجفل أهل الجانب الغربي خوفا لكونهم سبوا السلطان وشتموه، وكانوا يقولون: يا باطني لما لم تقدر على غزو الروم جئت تغزو الخليفة والمسلمين، ودخل برنقش الزكوي على السلطان فأغراه بالناس فنفر السلطان، وقال: أنت تريد أن أنهب المسلمين وأغير القبلة، ثم تقدم من وقته إلى الوزير، وقال: أحضر الجماعة، فاحضروا وقت المغرب فصلى قاضي القضاة بالسلطان المغرب وسلم عليه، فأذن له في الجلوس، وقرأ عليه مكتوب الخليفة فقام قائما وقبل الأرض وقال: سمعا وطاعة لأمير المؤمنين، ولم يخالف في شيء مما اقترح عليه وحلف، فعادوا بطيبة القلب وأصبح الناس مطمئنين، وفتحت العقود، وطمت الخنادق، ودخل أصحاب السلطان إلى البلد وهم [1] يقولون:
نحن منذ ثلاثة أيام ما أكلنا الخبز، ولو لم يقع الصلح متنا جوعا، وكان الخبز في معسكرهم كل منا بدانق ولم يوجد، وكانوا يسلقون الطعام في الماء ثم يأكلونه، وكان السعر في الحريم رخيصا، فما رئي سلطان قط حاصر بلدا فكان هو المحاصر إلا هذا، وظهر من السلطان حلم وافر عن العوام.
__________
[1] «وهم» : ساقطة من ص، ط، والمطبوعة.(17/242)
وحكى أبو المكارم بن رميضاء السقلاطوني، قال: رأيت أبا سعد بن أبي عمامة في المنام حين اختصم المسترشد باللَّه ومحمود وعليه ثياب بياض، فسلمت عليه وقلت له: من أين أقبلت؟ قال: من عند الإمام/ أحمد بن حنبل وها هو ورائي، فالتفت فرأيت 104/ ب أحمد بن حنبل ومعه جماعة من أصحابه، فقلت: إلى أين تقصدون؟ قالوا: إلى أمير المؤمنين المسترشد باللَّه لندعو له بالنصر، فصحبتهم وانتهينا إلى الحربية إلى مسجد ابن القزويني، فقال الإمام أحمد بن حنبل: ندخل نأخذ الشيخ معنا، فدخل باب المسجد، وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته [1] ، فإذا الصوت من صدر المسجد: وعليك السلام يا أبا عبد الله، الإمام قد نصر، قال: فانتبهت مرعوبا وكان كما قال الشيخ.
ثم ان أصحاب السلطان طلبوا ما نهب من دورهم، فتقدم الخليفة إلى حاجب الباب وكان ابن الصاحب أن يأخذ العوام الذين نهبوا دور الأتراك، فقبض على عالم كثير لا يحصى، واسترد ما أمكن، وأشهد عليهم أنه متى ظهر مع أحد شيء من النهب أبيح دمه، ثم نفذ الخليفة إقبالًا، وابن الأنباري، وابن الصاحب وفي صحبتهم خيل وبغال وجواشن وتخوت ثياب، ثم أسرج الزبزب للوزير وجلس فيه وحجاب الديوان معه، وركب أرباب الدولة في السفن حول الزبزب، ونزل العوام في السفن وعلى الشط، وكان يوما عظيما، فدخل إلى السلطان وأدى الرسالة، فقام السلطان وقبل الأرض، ثم أذن للوزير في الانكفاء، فنهض فركب في الزبزب إلى أن وصل إلى دار وزير السلطان فصعد، فقعد عنده زمانا يتحادثان، ثم خرج فرحا، وتمكن أصحاب السلطان من بغداد ونودي من قبل السلطان أنه قد فتح دار ضرب، فمن لم يقبل ديناره أبيح دمه، فسمع الوزير بذلك فضمن للسلطان كل شهر ألف دينار، وأزال دار الضرب، ثم أعيد حق البيع، وكثر الانبساط، وجاء وزير السلطان إلى الخليفة في/ رابع صفر، فدخل إليه 105/ أفأكرمه كرامة لم يكرم بها وزير قط، ثم خلع عليه وخلا هو وزير الخليفة فتحادثا طويلا [2] .
ومرض السلطان في المدائن وغشي عليه، ووقع من على الفرس، وكان مريضا
__________
[1] «ورحمة الله وبركاته» : ساقطة من ص، ط، والمطبوعة.
[2] في الأصل: «خلع عليه وجاء هو ووزير السلطان فتحادثا طويلا.(17/243)
مرضا شديدا، فبعث له الخليفة أدوية وهدايا، وبعث عشرة آلاف رطل خبز وعشرة أرؤس من البقر وتمرا كثيرا تصدق عنه، ثم ركب في حادي عشر صفر، ثم انتكس وأرجف عليه، وكان الخليفة قد هيأ له الخلع ليجيء إليه فيخلع عليه، فمنعه المرض، وأشار عليه الطبيب بالخروج من بغداد، فبعث الخليفة الخلع مع الوزير ابن صدقة فخلعها عليه وهو مطروح على جانبه، وانصرف ثم رحل السلطان في ثاني عشر ربيع الآخر، وأقام في المرج أياما، ورحل يطلب همذان، وفوض شحنكية بغداد إلى زنكي.
وجلس ابن سلمان يدرس في النظامية، ورخصت الأسعار ببغداد، ثم وصل الخبر من همذان في جمادى الآخرة بأن السلطان قبض على العزيز وصادره واعتقله، وعلى الوزير فصادره واعتقله، وكان السبب ان الوزير تكلم على العزيز، وأن يرنقش تكلم على الوزير، وقال للسلطان: هذا أخذ الأموال من الخليفة واتفق هو ووزيره [وتحالفا [1]] على أن يرحلا بك من بغداد [2] ولا تبلغ غرضا، فكل ما جرى عليك منه.
ثم بعث السلطان إلى أنوشروان وهو مقيم بالحريم الطاهري فاستوزر، فلم يكن 105/ ب له ما يتجهز به حتى بعث له/ الوزير جلال الدين من عند الخليفة الخيم والخيل وما يحتاج إليه، فرحل في مستهل رمضان إلى أصبهان، فأقام في الوزارة عشرة أشهر، ثم استعفى وعاد إلى بغداد.
[وصول بهروز الخادم إلى بغداد]
وفي اليوم الثالث من رمضان: وصل بهروز الخادم الملقب مجاهد الدين إلى بغداد وقد فوض السلطان إليه بغداد والحلة، وفوضت ولاية الموصل وما يجري مجراها إلى زنكي، فخرج إليها، وأرسل الخليفة علي بن طراد إلى سنجر لإبعاد دبيس من حضرته ومعه خلع فلبسها وأكرمه وأعطاه كوسات وأعلاما وبوقات، وأذن له في ضرب الطبل على بابه ثلاث صلوات، وأعطاه طوقا وفرسين وسيفين محلاة ولوائين، وبعث معه ابن صاعد خطيب نيسابور.
وجاء الخبر بأن سنجر قتل من الباطنية اثني عشر ألفا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص، ط: «على أن يرحل بك من بغداد» .(17/244)
ومن الحوادث في هذه السنة: أن أبا الفتوح الأسفراييني، وكان لا يعرف الحديث إنما هو في ذلك على عادة القصاص، سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات» فقال: هذا ليس بصحيح. والحديث في الصحيح. وقال: يوما على المنبر: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصبحت؟ قال: أعمى بين عميان، ضالا بين ضلال. فنقل ذلك إلى الوزير ابن صدقة فاستحضره فأقر وأخذ يتأول بتأويلات باردة فاسدة، فقال الوزير للفقهاء: ما تقولون؟ فقال ابن سلمان مدرس النظامية [1] : / لو قال هذا الشافعيّ 106/ أما قبلنا منه ويجب على هذا أن يجدد إسلامه وتوبته. فمنع من الجلوس بعد أن استقر أن يجلس ويشد الزنار ويتوب، ثم يرحل من بغداد، فنصره قوم من الأكابر يميلون إلى اعتقاده، فأعادوه إلى الجلوس، وكان يتكلم بما يسقط حرمة المصحف من قلوب الناس فافتتن به [2] خلق كثير.
[زيادة الفتن في بغداد]
وزادت الفتن في بغداد، وتعرض أصحاب أبي الفتوح بمسجد ابن جردة فرجموا ورجم معهم أبو الفتوح، وكان إذا ركب يلبس الحديد ومعه السيوف المجذبة تحفظه، ثم اجتاز بسوق الثلاثاء فرجم ورميت عليه الميتات. ومع هذا يقول: ليس هذا الذي نتلوه كلام الله إنما هو عبارة ومجاز، والكلام الحقيقي قائم بالنفس. فينفر أهل السنة كلما سمعوا هذا، فلما كان اليوم الذي دفن فيه أبو الحسن ابن الفاعوس انقلبت بغداد لموته، وغلقت الأسواق، وكان الحنابلة يصيحون على عادتهم هذا يوم سنى حنبلي لا قشيري ولا أشعري، ويصرخون بسبب أبي الفتوح، فمنعه المسترشد من الجلوس، وأمر أن لا يقيم ببغداد، وكان ابن صدقة يميل إلى مذهب أهل السنة فنصرهم.
فلما أن كان يوم الأحد العشرين من شوال: ظهر عند انسان وراق كراسة قد اشتراها في جملة كاغذ بذل من عنده فيها مكتوب القرآن، وقد كتب بين كل سطرين من القرآن سطر من الشعر على وزن أواخر لآيات، ففتش على كاتبها، فإذا به رجل/ معلم 106/ ب يقال له: ابن الأديب، فكبس بيته، فوجدوا فيه كراريس على هذا المعنى، فحمل إلى الديوان فسئل عن ذلك فأقر، وكان من أصحاب أبي الفتوح، فحمل على حمار، وشهر
__________
[1] في الأصل: «فقال ابن سليمان مدرس النظامية» .
[2] في ص: «من قلوب العوام فافتتن به» .(17/245)
في البلد ونودي عليه، وهمت العامة بإحراقه فانتعش أهل السنة، ثم أذن لأبي الفتوح فجلس، وظهر عبد القادر فجلس في الحلبة فتشبث به أهل السنة وانتصروا بحسن اعتقاد الناس به.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3942- أحمد بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله [1] بن محمود أبي عيسى بن المتوكل بن المعتصم بْن الرشيد بْن المهدي بْن المَنْصُور [2] ، أبو السعادات المتوكلي
[3] :
سمع أبا الغنائم ابن المأمون، وأبا جعفر ابن المسلمة، والخطيب وغيرهم، وكان سماعه صحيحا، وسمعت منه الحديث، وكتب لي إجازة بخطه، فذكر فيها نسبه الذي ذكرته.
وتوفي ليلة الخميس سابع عشرين رمضان مترديا من سطح داره بالتوثة، ودفن بمقبرة باب الدير، وبلغ ثمانين سنة.
3943-[عبد الجبار بن إبراهيم بن عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده، أبو نصر، الأصبهاني.
سمعت منه الحديث في سنة عشرين، وروى عن جماعة.
وتوفي في هذه السنة] . [4]
3944- علي بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس، أبو الحسن الدينَوَريّ
[5] :
سمع أبا الحسن القزويني، وأبا محمد الخلال، والجوهري وغيرهم، وسمعت عليه الحديث.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
__________
[1] في ت: «أحمد بن أحمد بن عبد الواحد بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ» .
[2] في ت: «ابن الرشيد بن المنصور» .
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 64) .
[4] هذه الترجمة ساقطة من جميع النسخ، وأوردناها من ت.
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 64) .(17/246)
3945- علي بن المبارك أبو الحسن المقرئ الزاهد ويعرف بابن الفاعوس
[1] :
كان من أصحاب الشريف أبي جعفر، وكان زاهدا يقرأ يوم الجمعة على الناس أحاديث قد جمعها بغير أسانيد.
حدثني أبو الحكم الفقيه، قال: كان يجيء ساقي الماء إلى حلقته فيأخذ منه الكوز ويشرب لئلا يظن أنه صائم.
وتوفي ليلة السبت تاسع عشر شوال، وانقلبت بغداد بموته، وغلقت الأسواق، وكان الجمع يفوق الاحصاء، واستغاث العوام بذكر السنة ولعن أهل البدعة [ودفن بقبر أحمد] [2]
3946- فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن فضلويه الرازي
[3] :
كانت واعظة متعبدة لها رباط/ تجتمع فيه الزاهدات، سمعت أبا جعفر ابن 107/ أالمسلمة، وأبا بكر الخطيب وغيرهما، وسمعت منها بقراءة شيخنا أبي الفضل بن ناصر، «كتاب ذم الغيبة» لإبراهيم الحربي، ومن مجالس ابن سمعون روايتها عن ابن النقور عنه، «ومسند الشافعيّ» وغير ذلك.
وتوفيت في ربيع الأول من هذه السنة.
3947- محمد بن الحسين بن بندار، أبو العز القلانسي المصري
[4] :
ولد سنة خمس وثلاثين واربعمائة، وقرأ بالقراءات، وسمع الحديث من ابن المهتدي، وابن المأمون، وابن المسلمة، وغيرهم. وعمر فرحل الناس إليه من الأقطار للقراءات، نسبه شيخنا عبد الوهاب الأنماطي إلى الرفض، وأساء الثناء عليه.
وقال شيخنا أبو الفضل بن ناصر: ألحق سماعه في جزء.
وتوفي في شوال هذه السنة، ودفن بواسط.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 64، والكامل 9/ 245) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ص، ط.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 198) .
[4] في ت: «أبو العز القلانسي المقرئ» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 64) .(17/247)
3948- محمد بن عبد الملك بن إبراهيم بن أَحْمَد، أَبُو الحسن بن أبي الفضل الهمذاني الفرضي
[1] :
من أصحاب التاريخ من أولاد المحدثين والأئمة، وذكر شيخنا عبد الوهاب ما يوجب الطعن فيه.
وتوفي فجاءة ليلة السبت سادس شوال [هذه السنة] [2] ، ودفن إلى جنب أبيه عند قبر أبي العباس بن سريج.
__________
[1] في ت: «محمد بن عبد الملك بن إبراهيم بن أحمد الهمذاني الفرضيّ» .
والفرضيّ: نسبة إلى الفريضة والفرض والفرائض، وهو علم المقدرات، ويقال في هذه النسبة: فرضي، وفارضي، وفرائضي.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 198، والكامل 9/ 245) :
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/248)
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه وصل علي بن طراد من عند سنجر ومعه رسول من عند سنجر وسأل أمير المؤمنين أن يؤذن له فيخطب على المنبر يوم الجمعة في جوامع بغداد فأذن له وخلع عليه [1] ، وخطب على المنابر كل جمعة في جامع.
وفي هذه- أعني السنة: توفي ابن صدقة الوزير وناب نقيب النقباء.
[مضى محمود إلى سنجر فاصطلحا]
وفيها مضى محمود إلى سنجر فاصطلحا بعد خشونة كانت بينهما، فسلم سنجر إليه دبيسا، وقال له: تعزل زنكي عن الموصل والشام وتسلم البلاد إلى دبيس، / وتسأل 107/ ب الخليفة أن يرضى عنه فأخذه ورحل.
وفي صفر: ظهرت ريح شديدة مع غيم كثير ومطر، واحمر الجو ما بين الظهر إلى العصر، وانزعج الناس، واحتملت الريح رملا أحمر ملأت به البراري والسطوح.
قال شيخنا ابن الزاغوني: وتقدم إلى نقيب النقباء ليخرج إلى سنجر فرفع إلى الخزانة ثلاثين ألف دينار ليعفي. وتقدم إلى شيخ الشيوخ فرفع خمسة عشر ألف دينار ليعفي.
وفي ربيع الأول: رتب أبو طاهر ابن الكرخي في قضاء واسط.
وفي جمادى الآخرة: رتب المنبجي في مدرسة خاتون المستظهرية رتبه موفق
__________
[1] في الأصل زيادة: «وخلع عليه فلبس السواد» .(17/249)
الخادم، وخرج بهروز لعمارة بثق النهروان ورتب الآلات.
وفي هذا الشهر: ظهر الخبر بتوجه دبيس إلى بغداد في عسكر عظيم، فانزعج أهل بغداد، وكوتب محمود فقيل له: إنك إن لم تمنعه من المجيء والا احتجنا أن نخرج إليه وينتقض العهد الذي بيننا وبينك، [فذكر أنه سيصل إلى بغداد] [1] ، وتطاولت للوزارة جماعة منهم عز الدولة بن المطلب، وابن الأنباري، وناصح الدولة ابن المسلمة، وأحمد بن النظام، فمنعوا من الخطاب في ذلك واجلس للنيابة في الديوان نقيب النقباء.
وفي رمضان: خلع على عز الدولة دراعة وعمامة بغير ذؤابة، وفرس ومركب، وجلس للهناء.
وفي شوال: وصل الخبر بأن السلطان محمود عزل أنوشروان من الوزارة، وكان هو قد سأل ذلك، وأخذ منه الدواة التي أعطاه والبغلة وصادر أهل همذان فأخذ منهم سبعين ألف دينار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3949- الحسن بن على بن صدقة الوزير
[2] :
وزر للمسترشد، وكان ذا رأي، ومدح المسترشد فقال:
وجدت الورى كالماء طعما ورقة ... وإن أمير المؤمنين زلاله
ولولا طريق الدين والشرع والتقى ... لقلت من الإعظام جل جلاله
توفي في ليلة الأحد من هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ت: «الحسين بن صدقة أبو علي الوزير» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 199، والكامل 9/ 248) .(17/250)
3950- الحسين بن علي [1] بن أبي القاسم، أبو علي اللامشي
[2] .
من أهل سمرقند، روى الحديث وتفقه، وكان يضرب به المثل في النظر، وكان خيرا دينا على طريق السلف، مطرحا للتكلف أمارا بالمعروف، بعث رسولا من خاقان ملك ما وراء النهر إلى دار الخلافة، فقيل له: لو حججت فقد وصلت بغداد، فقال: لا أجعل الحج تبعا لرسالتهم، فرجع إلى سمرقند.
وتوفي في رمضان هذه السنة، وهو ابن إحدى وثمانين سنة.
3951- محمد بن أسعد بن الفرج بن أحمد بن علي، أبو نصر الشيباني الحلواني
[3] :
سمع أبا الحسين ابن الغريق، وأبا الغنائم ابن المأمون، وأبا جعفر ابن المسلمة، وغيرهم. وكان ثقة يسكن نهر القلائين.
وتوفي في رمضان من هذه السنة.
3952- موسى بن أحمد بن محمد، أبو القاسم السامري
[4] :
كان يذكر أنه من أولاد أبي ذر الغفاري، وكان قد سمع [الحديث [5]] الكثير وقرأ بالروايات، وتفقه على شيخنا أبي الحسن ابن الزاغوني، وناظر ورأيته يتكلم كلاما حسنا.
وتوفي في رابع رجب، ودفن بمقبرة أحمد بن حنبل.
__________
[1] في الأصل: «الحسن بن علي» .
[2] في ص: «أبو علي الأمشي» .
واللامشي: نسبة إلى لامش من قرى فرغانة.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 199، وتذكرة الحفاظ 1272) .
[3] في ت: «محمد بن سعد بن الفرج» .
[4] في ت: «البشاوري» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/251)
ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها.
[دخول السلطان محمود إلى بغداد]
أنه دخل السلطان محمود إلى بغداد يوم تاسع عشر محرم، وأقام دبيس في بعض 108/ ب الطريق واجتهد في أن يمكن دبيس/ من الدخول أو أن يرضى عنه، ونفذ إلى زنكي ليسلم البلاد إلى دبيس فامتنع.
[ختم السلطان على أموال مدرسة الإمام أبي حنيفة]
وفي صفر: تقدم السلطان بالختم على [أموال] [1] مدرسة الإمام أبي حنيفة، ومطالبة وكلائه بالحساب [2] ، ووكل بقاضي القضاة الزينبي لأجل ذلك، وكان قد قيل له أن دخل المكان نحو ثمانين ألف دينار وما ينفق عليه عشرة.
وفي هذا الشهر: درس اسعد الميهني [3] بجامع القصر، لأن الوزير أحمد منعه من النظامية.
وفي الأحد سلخ ربيع الآخر: خلع المسترشد على نقيب النقباء أبي القاسم بن طراد واستوزره وضمن زنكي أن ينفذ للسلطان مائة ألف دينار وخيلا وثيابا على أن لا يغير عليه ساكنا، واستقر على الخليفة مثل ذلك على أن لا يولي دبيس، فباع الخليفة عقارا بالحريم وقرى وما زال يصحح. ثم ان دبيسا دخل بغداد بعد [4] جلوس الوزير في الوزارة
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «ومطالبة الوكلاء بالحساب» .
[3] في ص: «أسعد المهيني» .
[4] في الأصل: «دخل إلى بغداد بعد» .(17/252)
بثلاثة أيام، ودخل دار السلطان وركب في الميدان وقعد في دجلة في سفينة السلطان وراءه الناس، وجاء زنكي فألقى نفسه بين يدي السلطان وحمل معه هدايا فائقة فأكرمه وخلع عليه بعد ثلاثة أيام وأعاده إلى الموصل، ونفذ الخليفة إلى السلطان خلعا كان قد أعدها [له] [1] مع الوزير أبي القاسم الزينبي يوم الجمعة ثالث جمادى الآخرة، وكان الوزير في الزبزب والموكب في سفن والناس على دجلة، وفي السفن يدعون للخليفة والسلطان ويلعنون دبيسا.
وكان سنجر قد سلم دبيسا إلى ابنته امرأة محمود، فكانت هي التي تمانع عنه.
ورحل السلطان من العراق يطلب همذان يوم السبت رابع جمادى الآخرة وسلمت الحلة إلى بهروز والشحنكية/ أيضا. 109/ أواتفق أنه ماتت بنت سنجر التي كانت تدافع عن دبيس ومرض محمود فأخذ دبيس ولدا صغيرا لمحمود فلم يعلم به حتى قرب من بغداد فدون الخليفة العساكر وخرج بهروز من الحلة هاربا فقصدها دبيس فدخلها في رمضان، وبعث بهروز كاتبه يعلم السلطان بمجيء دبيس فوصلوا وهناك نظر الخادم قد بعث إلى السلطان ليقيمه من العزاء ويخلع عليه، فلما سمع نظر بذلك دخل على السلطان وعظم الأمر وقال [له] [2] : منعت أمير المؤمنين أن يدون وسلطت عليه عدوه وكيف يكون الحال؟ فبعث السلطان فاحضر قزل والأحمد يكي [3] ، وقال: أنتما ضمنتما دبيسا فلا أعرفه إلا منكما، فضمن الأحمد يكي ذلك [4] على نفسه، ورحل يطلب العراق، فبعث دبيس إلى الخليفة: إنك إن رضيت عني رددت أضعاف ما نفذ من الأموال، وأكون المملوك، فقال الناس: هذا لا يؤمن، وباتوا تحت السلاح طول رمضان. هذا ودبيس يجمع الأموال ويبيع الغلة وقسط على القرى حتى إنه حصل على ما قيل خمسمائة ألف دينار [5] ، وأنه قد دون عشرة آلاف
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص، ط: «الأحمد بيكي» . وفي الأصل: «الأحمد بلي» .
[4] في ص، ط، والأصل: «خمسمائة دينار» وما أوردناه من ت.
[5] وفي ت: «ويقسط على القرى حتى قيل إنه قد حصل خمسمائة ألف دينار» .(17/253)
فارس بعد أن وصل في ثلاثمائة، ثم إن الأحمد يكي [1] وصل إلى بغداد يوم الخميس تاسع عشر شوال، ودخل إلى الخليفة وأعطاه يده فقبلها، ثم خرج فعبر قاصدا [إلى] [2] الحلة.
ووصل الخبر بأن السلطان قد وصل إلى حلوان، وجاءت العساكر وضاق الوقت على الحاج فأمر عليهم أمير سار بهم في ثمانية عشر يوما فلقوا شدة، فلما سمع دبيس 109/ ب هذه الأخبار بعث إلى السلطان برسالة وخمسة وخمسين مهرا عربية/ قد انتقاها، ونفذ ثلاثة بغال عليها صناديق مال، وذكر بعض أصحاب دبيس أنه قد أعد للسلطان أن أصلح نوبته مع الخليفة ثلاثمائة حصان له وللخليفة مثقلة [بالذهب [3]] ، ومائتي ألف دينار، وإن لم يرض عنه دخل البرية، وأنه قد أعد الجمال والروايا والدقيق، فبلغه أن السلطان غير راض عنه في هذه النوبة فأخذ الصبي وخرج من الحلة لا يدري أين مقصده.
[وفي شعبان خلع على نور الدولة أبي الحسن علي بن طراد، وعقدت له النقابة على النقباء] ، [4] ثم خرج الوزير لاستقبال السلطان يوم الجمعة رابع ذي القعدة فلقيه بما يسره، وأعطاه فرسه ومركبه وكانت قيمتها ثلاثين ألف دينار [5] ، ثم مرض السلطان.
ووصل الخبر أن دبيسا دخل البصرة وأخذ منها أموالا كثيرة وجميع دخل السلطان والخليفة فبعث السلطان إليه عشرة آلاف فارس ومتقدمهم قزل، فلما علم دبيس جاء إلى نواحي الكوفة ثم قصد البرية وانقطع خبره.
وفي هذه السنة: خنق رجل يقال له ابن ناصر نفسه بحبل شده في السقف.
[قتل من كان يرمى بمذهب الباطنية في دمشق]
وفيها: قتل من كان يرمى بمذهب الباطنية في دمشق، وكان عددهم ستة آلاف.
وفيها: وصل الإفرنج إلى باب دمشق فنفذ بعبد الوهاب الواعظ من دمشق ومعه جماعة من التجار وهموا بكسر المنبر فوعدوا بأن ينفذ إلى السلطان ذلك.
__________
[1] في ص، ط: «الأحمد بيكي» . وفي الأصل: «الأحمد بكي» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص، ط: «منعلة بالذهب» . وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ط.
[5] في ص، ط: «وكانت قيمته ثلاثين ألف دينار» .(17/254)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3953- أسعد بن أبي نصر الميهني، أبو الفتح
[1] :
تفقه على أبي المظفر السمعاني وغيره، وبرع في الفقه، وفاق في النظر، وتقدم عند العوام والسلاطين، وحصل له مال كثير، ودخل بغداد، وفوض إليه التدريس في النظامية، وعلق بها جماعة/ تعليقة الخلاف، وأدركه الموت بهمذان في هذه السنة، فحكى بعض من كان يخدمه من الفقهاء قال: كنا معه في بيت وقد دنت وفاته، فقال لنا:
اخرجوا، فخرجنا فوقفنا على الباب وتسمعت فسمعته يلطم وجهه ويردد هذه الكلمات، ويقول: وا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وجعل يبكي ويلطم وجهه ويردد هذه الكلمات حتى مات.
3954- حمزة بن هبة الله بن محمد بن الحسن بن داود بن علي بن عيسى بن محمد بن القاسم بن الحسن [2] بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الغنائم بن أبي البركات بن أبي الحسن
[3] .
من أهل نيسابور، ولد سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وسمع الكثير، وحدث بالكثير، وضم إلى شرف النسب شرف التقوى، زيدي المذهب.
توفي في محرم هذه السنة.
3955- منصور بن هبة الله بن محمد، أبو الفوارس الموصلي الفقيه الحنفي:
كان من العدول، ثم ولي القضاء بنواح من سواد بغداد وكان من المجودين في النظر ومعرفة المذهب، وردت إليه الحسبة بالجانب الغربي.
وتوفي في صفر هذه السنة، ودفن بالخيزرانية.
3956- أبو المكارم بن المطلب، الملقب عز الدولة.
كان أستاذ دار الخليفة. فتوفي يوم الجمعة تاسع رجب هذه السنة.
__________
[1] في ص، ط: «الميهني أبو الفتح» . وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 700، وفيه: «المهيني» ، وتذكرة الحفاظ 1288، والكامل 9/ 523) .
[2] في الأصل: «القاسم بن الحسين» .
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 252) .(17/255)
ثم دخلت سنة اربع وعشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[ولاية ابن النرسي الحسبة]
أنه في خامس المحرم ولي ابن النرسي الحسبة، وعزل أبو عبد الله ابن الرطبي، وظهرت منه زلات كثيرة، وطولب بخمسمائة دينار.
قال شيخنا أبو الفضل بن ناصر: وكانت زلزلة عظيمة هائلة في [ليلة الجمعة] [1] السادس عشر من ربيع الأول سنة أربع وعشرين، وكان ذلك في آخر شباط، وكنت في 110/ ب المسجد بين العشائين فماجت الأرض مرارا كثيرة/ من اليمين عن القبلة إلى الشمال، فلو دامت هلك الناس، ووقعت دور كثيرة ومساكن في الجانب الشرقي والغربي، ثم حدث موت محمود وفتن وحروب.
ووردت الأخبار في العشر الأخير من جمادى الأولى أنه ارتفع سحاب عظيم ببلد الموصل فأمطر مطرا كثيرا.
[هدم تاج الخليفة على دجلة]
وفي هذه السنة: أمر بهدم تاج الخليفة على دجلة لانه اشرف على الوقوع، فلما نقض وجد في أعلاه في الركن الشمالي مصحف جامع قد جعل في غلاف من ساج ولبس بصحائف الرصاص في رق بخط كوفي، فلم يعلم لذلك معنى إلا ان يكون للتبرك به، ثم أعيد بناء التاج في تمام السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/256)
ووصل الخبر بكسر الإفرنج من دمشق، وأنه قتل في تلك الوقعة عشرة آلاف نفس ولم يفلت منهم سوى [1] أربعين نفرا.
ووصل الخبر بأن خليفة مصر الآمر بأمر الله قتل فوثب عليه غلام له أرمني، فملك القاهرة وفرق على من تبعه من العسكر مالا عظيما، وأراد أن يتأمر على العسكر فخالفوه ومضوا إلى ابن الأفضل الذي كان خليفة قبل المقتول فعاهدوه [2] ، وخرج فقصد القاهرة فقتلوا الغلام الذي في القاهرة، ونهبت ثلاثة أيام وملك ابن الأفضل.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3957- أحمد بن أبي القاسم بن رضوان صهر ابن يوسف:
سمع القاضي أبا يعلى، والجوهري، وكان سماعه صحيحا، وكان رجلا صالحا كثير الصدقة، وتوفي سحرة يوم الأحد غرة جمادى الآخرة، وصلى عليه بجامع القصر فحضر القضاة والفقهاء والشهود وأرباب المناصب والخلق الكثير، ودفن بباب حرب.
3958- إبراهيم بن عثمان بن محمد بن محمد، أبو إسحاق الغزي
[3] :
من أهل غزة بلدة بفلسطين، وبها ولد الشافعي، ولد في سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، وكان أحد فضلاء الدهر ومن يضرب به المثل في صناعة الشعر، وكان له خاطر/ مستحسن وشعر مليح، ومن أشعاره قوله في قصيدة يصف فيها الأتراك: 111/ أ
في فتنة من جيوش الترك ما تركت ... للرعد كراتهم [4] صوتا ولا صيتا
قوم إذا قوبلوا كانوا ملائكة ... حسنا وإن قوتلوا كانوا عفاريتا
__________
[1] في ص، ط: «ولم يسلم منهم سوى» .
[2] على هامش المطبوعة: «وهنا تخليط، وابن الأفضل وأبو لا شأن لهما بالخلافة، وإنما كان الأفضل وزيرا للآمر ولأبيه من قبله حتى قتله الآمر وسجن أولاده، ومنهم أحمد، فلما قتل الآمر أنابوا في الخلافة الحافظ، وهو عبد المجيد بن محمد بن المستنصر، والآمر هو أبو علي بن المستعلي بن المستنصر، واستوزر الحافظ أحمد بن الأفضل» .
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 67، والكامل 9/ 256) .
[4] في الأصل: «للرعل كراتهم» .(17/257)
وله:
إنما هذه الدنيا متاع [1] ... والسفيه الغوي من يصطفيها
ما مضى فات والمؤمل غيب ... ولك الساعة التي أنت فيها
وله من قصيدة:
ليت الذي بالعشق دونك خصني ... يا ظالمي قسم المحبة بيننا
ألقى الهزبر فلا أخاف وثوبه [2] ... ويروعني نظر الغزال إذا رنا
وله:
وقالوا بع فؤادك حين تهوى ... لعلك تشتري قلبا جديدا
إذا كان القديم هو المصافي ... وخان فكيف ائتمن الجديدا
وترك قول الشعر وغسل كثيرا منه، وقال:
قالوا هجرت الشعر قلت ضرورة ... باب البواعث والدواعي مغلق
خلت البلاد فلا كريم يرتجى ... منه النوال ولا مليح يعشق
ومن العجائب أنه لا يشترى ... ويخان فيه مع الكساد ويسرق
خرج الغزي من مرو إلى بلخ، فتوفي في الطريق فحمل إلى بلخ فدفن بها، وكان يقول: إني لأرجو أن يعفو الله عني ويرحمني لأني شيخ مسن قد جاوزت السبعين، ولأني من بلد الإمام الشافعي.
وكان موته في هذه السنة حقق الله رجاءه.
3959- الآمر باللَّه خليفة مصر
[3] :
111/ ب هجم عليه عشرة [غلمان] [4] من غلمان/ الأفضل الذي كان من قبله فقتلوه في ثاني ذي القعدة من هذه السنة.
__________
[1] في ص، ط: «إنما هذه الحياة متاع» .
[2] في الأصل: «فلا أخاف نيويه» .
[3] في الأصل: «قال الناسخ: هكذا وجدته ها هنا، وإنما وجدته في غير هذا التاريخ الآمر بأحكام الله، وهو الأليق، والله أعلم» . وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 255) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/258)
3960- الحسين بن محمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن الحسين عبيد الله [1] بن القاسم بن سليمان بن وهب أبو عبد الله النحوي الشاعر المعروف بالبارع أخو أبي الكرم المبارك بن فاخر النحوي لأمه
[2] :
ولد سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، وقرأ القرآن بالقراءات على أبي بكر الخياط، وأبى على ابن البناء، وغيرهما وأقرأ، وصنف له شيخنا أبو محمد المقرئ كتابا يتضمن الخلاف بما قرأه، وسمع الحديث من القاضي أبي يعلى ابن الفراء، وابن المسلمة، وأبي بكر الخياط، وغيرهم. وحدث عنهم.
قال المصنف: وسمعت منه الحديث، وكتب لي إجازة، وكان فاضلا عارفا باللغة والأدب، وله شعر مليح:
أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن عبد الوهاب البارع أنه قال:
ردي علي الكرى ثم اهجري سكني ... فقد قنعت بطيف منك في الوسن
لا تحسبي النوم مذ أوحشت أطلبه [3] ... إلا رجاء خيال منك يؤنسني
علمت بالهجر جنبي هجر مضجعه ... وبالفراق فؤادي صحبة الحزن
تركتني والهوى فردا أغالبه ... ونام ليلك عن هم يؤرقني
/ سلمت مما عناني فاستهنت به [4] ... لا يعرف الشجو إلا كل ذي شجن 12/ أ
شتان بين خلي مطلق وشج ... في ربقة الحب كالمصفود في قرن
الله في كبدي الحرى عليك وفي ... قلبي المعنّى بما كلفته الضمن
أمسيت يشهد باد من ضنا جسدي ... بداخل من جوى في القلب مكتمن
إن كان يوجب ضري رحمتي فرضا ... بسوء حالي وخلى للضنا بدني
__________
[1] في ص: «ابن محمد بن الحسن بن عبيد الله» .
[2] في ص، ط: «بن وهب الدباس، أبو عبد الله النحويّ» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 201، تذكرة الحفاظ 1274، وشذرات الذهب 4/ 69، والكامل 9/ 256) .
[3] في الأصل: «النوم قد أوحشت أطلبه» .
[4] في ص: «مما عناني فاستبهت» ، وفي ط: «فاشتبهت» . وما أوردناه من الأصل.(17/259)
يا هم نفسي في قرب وفي بعد ... وضن قلبي في حل وفي ظعن
لو قيل لي نل من الدنيا مناك لما [1] ... جعلت غيرك لي حظا من الزمن
منحتك القلب لا أبغي به ثمنا ... إلّا رضاك ووا فقري إلى الثمن
وله:
ذكر الأحباب والوطنا ... والصبا والألف والسكنا
فبكى شجوا [2] وحق له ... مدنف بالشوق حلف ضنا
أبعدت مرمى به طرحت [3] ... من خراسان به اليمنا
خلست من بين أضلعه ... بالنوى قلبا به ضمنا
من لمشتاق يميله ... ذات سجع [4] ميلت فننا
لم تعرض بالحنين بمن ... مسعد؟ إلا وقلت أنا
لك يا ورقاء أسوة من ... لم تذيقي طرفه الوسنا
11/ ب/ بك أنسى قبل أنسك بي ... فتعالي نبد ما كمنا
نتشاكى ما نجن إذا ... نحت شجوا صحت واحزنا
أنا لا أنت البعيد هوى ... أنا لا أنت الغريب هنا
أنا فرد يا حمام وها ... أنت والإلف القرين ثنا
اسرحا رأد النهار معا ... واسكنا جنح الدجى غصنا
وابكيا يا جارتيّ لما ... لعبت أيدي الفراق بنا
كم ترى أشكو البعاد وكم ... أندب الأطلال والزمنا
أين قلبي ما صنعت به؟ ... ما أرى صدري له سكنا
حان يوم النفر وهو معي ... فأبى أن يصحب البدنا
أبه حادي الرفاق حدا ... أم له داعي الفراق عنا
__________
[1] في ص: «الدنيا مناك فما» .
[2] في ص، ط: «فبكى شجوا.
[3] في الأصل، ص: «أبعدت مرمى به فرحت» .
[4] في ص: «ذات شجع» .(17/260)
لست يا الله أتهم في ... شأنه إلا ثلاث منا
خلسته لا أبرئها [1] ... عين ريم الخيف حين رنا
رفعت سجف القباب فلا ... الفرض أدينا ولا السننا
رشقتنا عن حواجبها [2] ... بسهام تنفذ الجننا
كم أخي نسك وذي ورع [3] ... جاء يبغي الحج فافتتنا
انصفوا يا موحشين لنا ... ليس هذا منكم حسنا
نحن وفد الله عندكم ... ما لكم جيرانه [4] ولنا
توفي البارع الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى من هذه السنة، ودفن بباب حرب، وكان قد ضر في آخر عمره، وكان شيخنا ابن ناصر يقول: فيه تساهل وضعف.
3961-/ سهل بن محمود بن محمد بن إِسْمَاعِيل أبو المعالي البراني
[5] : 113/ أوالبرّانية من قرى بخارى، سمع الحديث الكثير [وحدث [6]] وتفقه، خرج إلى مكة فأغارت العرب على الحاج فبقي هو ورفقاؤه حفاة عراة، ثم تنقلوا إلى مكة، وقد فاتت الرفقة فجاور مكة، ثم خرج إلى اليمن فركب البحر ثم مضى إلى كرمان ثم خراسان. وكان إماما فاضلا مناظرا واعظا متشاغلا بالتعبد.
وتوفي ببخارى في هذه السنة.
3962-[عباد بن حميد بن طاهر بن عبد الله الحسنابادي الأصفهاني:
سمع من جماعة، وروى لنا الحديث، وتوفي بعد العشرين والخمسمائة] [7] .
3963- محمد بن سعدون بن مرجا العبدري القرشي، أبو عامر الحافظ
[8] :
أصله من برقة من بلاد المغرب، ودخل إلى بغداد في سنة أربع وثمانين
__________
[1] في ص: «خلسة لا أثر بها» ، وكذا الأصل.
[2] في ص، والأصل: «رشقنا عن خواضبها» .
[3] في ص: «كم أخا سنك وذي ورع» .
[4] في الأصل، ص: «ما له جيرانه» .
[5] في الأصل: «سهل بن محمد بن محمود بن إسماعيل، أبو المعالي» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] هذه الترجمة ساقطة من جميع النسخ، وأوردناها من ت.
[8] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 102، وتذكرة الحفاظ 1272، وشذرات الذهب 4/ 70) .(17/261)
وأربعمائة، فسمع من طراد، وابن النظر، ومالك البانياسي، والحميدي، ونظرائهم، حتى سمع من مشايخنا أبا بكر بن عبد الباقي، وابن السمرقندي، وكان يذهب مذهب داود. وكانت له معرفة بالحديث حسنة وفهم جيد، وكان متعففا في فقره، ومرض يومين.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن في مقبرة غلام الخلال.
3964- هبة الله بن القاسم بن عطاء بن محمد أبو سعد المهرواني
[1] [كان [2]] حافظا لكتاب الله عز وجل، نبيلا من بيت العلم والورع والزهد والحديث، وكانت سيرته مرضية، انزوى في آخر عمره وترك مخالطة الناس [وأقبل على العبادة [3]] .
وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة.
__________
[1] في الأصل، ص، ط: «ابن عطاء بن محمد بن سعد» .
وانظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1275، وفيه: «المهراني» ، شذرات الذهب 4/ 73، والكامل 9/ 257) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/262)
ثم دخلت سنة خمس وعشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها.
أن دبيس بن صدقة ضل في طريقه فقبض عليه بحلة حسان بن مكتوم الكلبي من أعمال دمشق وانقطع أصحابه فلم يكن له منجى من العرب. فحمل إلى دمشق فحمله أميرها ابن طغتكين وباعه من زنكي [1] بن آقسنقر [صاحب الموصل والشام [2]] بخمسين ألف دينار، وكان زنكي عدوه فظن أنه سيهلكه، فلما حصل في قبضته أكرمه وخوله المال والسلاح وقدمه على نفسه.
فلما ورد الخبر بذلك خلع على الرسول وأخرج ابن الأنباري إلى جانب دمشق ليتوصل في أخذه وحمله إلى دار الخلافة، فلما وصل إلى الرحبة قبض عليه أمير الرحبة بتقدم زنكي إليه، وحمل إلى قلعة الموصل.
[وصول الخبر أن مسعودا أخا محمود قد انفصل عن سنجر]
ووصل الخبر في ربيع الأول أن مسعودا أخا محمود قد انفصل عن سنجر وجاء يطلب السلطنة، وقد اجتمع إليه جماعة من الأمراء والعساكر فاختلط أمر محمود وعزم أن يرحل إليه، فبعث إلى المسترشد يستأذنه، فأجابه: إنك تعلم ما بيني وبينك من العهد واليمين وإني لا أخرج ولا أدون عسكرا، وإذا خرجت عاد العدو وملك [3] الحلة وربما تجدد منه ما تعلم. فقال له: متى رحلت عن العراق وجدت له حركة وخفت على
__________
[1] في ص: «إلى دمشق فباعه أميرها ابن طغتكين من زنكي» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «وإذا خرجت عاد العهد وملك» .(17/263)
نفسك وعلى المسلمين وتجدد لي أمر مع أخي فلم أقدر على المجيء فقد نزلت عن اليمين التي بيننا، فمهما رأيت من المصلحة فافعله.
فخلع عليه الخلع السنية، وخرج ثم أرسل مسعود بما يطيب القلب فالتقيا وتحالفا [1] واعتنقا، وحمل مسعود الغاشية بين يديه، وبعث وزير محمود من الآلات ما 114/ أقوم مائة وخمسين ألف دينار، وأعطاه السلطان/ العساكر والأجناد ورحل
. وتوفي ولد المسترشد بالجدري، وكان ابن إحدى وعشرين سنة فقعدوا للعزاء به يومين، وقطع ضرب الطبل لأجله.
وفي رجب: أعيد الغيار على أهل الذمة.
وتوفي السلطان محمود، فأقاموا مكانه ابنه داود، وأقيمت له الخطبة ببلاد الجبل وآذربيجان، وكان أحمد بكى أتابكه، والوزير أبو القاسم الملقب قوام الدين وزيره، وقصد حرب عمه مسعود [وتقدم [2]] بقطع الجسر من رأس نهر عيسى ونصبه بباب الغربة يوم الأحد ثالث عشرين ذي القعدة فكثرت الأراجيف [لنقله] [3] وصار مستنزها مليحا يجتمع الناس بعد العصر تحت الرقة كما كانوا يجتمعون في الرحبة.
وفي يوم الاثنين الثاني عشر من شوال: أحضر كثير بن شماليق، وأبو المعالي بن شافع، وأبو المظفر ابن الصباغ وقد شهدوا شهادة زور [4] اعتمدوها، وأخذوا عليها رشوة كبيرة في دار مرهونة بكتاب دين ورهن، واعتمد الراهن وهي امرأة [5] أقرت بها بعد ذلك لابنتها تقصد بذلك إخراجها عن الرهن فأقروا على ذلك، فلما ثبت أنهم [6] شهدوا بالزور في القضية، أخرجوا إلى باب النوبي مع حاجب الباب وابن النرسي المحتسب [وأقيموا على الدكة [7]] ودرروا ثلاثتهم وحضر ذلك الخاص والعام، وأعيدوا إلى حجرة حاجب الباب.
__________
[1] في الأصل: «ثم أرسل معه بما يطيب قبله فالتقيا وتحالفا» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «ابن الصباغ وقرروا في شهادة الزور» .
[5] في الأصل: «واعتمد الراهن وهو امرأة» .
[6] تقصد بذلك ... فلما ثبت أنهم» : ساقطة من ص، ط.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/264)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3965- أحمد بن علي بن محمد، أبو السعود ابن المحلى [1] البزاز:
ولد/ سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة، وسمع أبا الحسين بن المهتدي، وأبا جعفر 114/ ب ابن المسلمة، وابن النقور، والخطيب، وغيرهم. وحدث عنهم، وكان سماعه صحيحا، وكان شيخا صالحا ذا هيبة وستر، سمعت منه الحديث، ورأيته يذكر بجامع المنصور في يوم عرفة.
وتوفي الاثنين ثامن ربيع الأول، ودفن بمقبرة جامع المنصور.
3966- أحمد بن محمد بن عبد القاهر، أبو نصر الطوسي
[2] :
سمع المهتدي، وابن المسلمة، وابن النقور، وكان سماعه صحيحا، وتفقه على أبي إسحاق، وكان شيخا لطيفا عليه نور.
قال المصنف: وسمعت منه الحديث، وأجاز لي جميع رواياته. وأنشدني أشعارا حسنة، فمنها أنه أنشدني:
على كل حال فاجعل الحزم عدة ... تقدمه بين النوائب والدهر
فإن نلت خيرا نلته بعزيمة ... وإن قصرت عنك الخطوب فعن عذر
وأنشدني:
لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا ... وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد
وقلت يا عدتي في كل نائبة ... ومن عليه لكشف الضر أعتمد
وقد [مددت] [3] يدي بالذل صاغرة ... إليك يا خير من مدت إليه يد
فلا تردنها يا رب خائبة ... فبحر جودك يروي كل من يرد
/ وكان أبو نصر الطوسي يصلي بمسجد في درب الشاكرية من نهر معلى، 115/ أ
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 73) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 202، وفيه: «الصوفي» بدلا من «الطوسي» ، شذرات الذهب 4/ 73) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/265)
ويروي الحديث، ثم سافر إلى الموصل.
فتوفي بها يوم السبت لحادي عشرين ربيع الأول من هذه السنة.
3967- الحسن بن سلمان بن عبد الله ابن الفتى، أبو علي الفقيه
[1] :
ورد بغداد ودرس بالنظامية ووعظ في جامع القصر، وكان له علم بالأدب ولم يكن قائما بشروط الوعظ، فكان يقول: أنا في الوعظ مبتدى، وأنا في الفقه منتهي. غير أنه أنشأ خطبا كان يذكرها في مجالس الوعظ [2] ينظم فيها مذهب الأشعري، فنفقت على أهل بغداد، ومال على أصحاب الحديث والحنابلة فاستلب عاجلا.
فتوفي في شوال هذه السنة، وغسله القاضي أبو العباس ابن الرطبي وصلى عليه في جامع القصر، ودفن في تربة الشيخ أبي إسحاق.
3968- حماد بن مسلم، الرحبي الدباس
[3] :
سمع الحديث من أبي الفضل وغيره إلا أنه كان على طريقة التصوف، يدعي المعرفة والمكاشفة وعلوم الباطن، وكان عاريا من علوم الشريعة [4] ، ولم ينفق إلا على الجهال، وكان ابن عقيل ينفر الناس عنه حتى إنَّه بلغه أنه يعطي كل من يشكو إليه الحصى [5] لوزة وزبيبة ليأكلها فيبرا، فبعث إليه ابن عقيل إن عدت إلى مثل هذا ضربت عنقك، وكان يقول: ابن عقيل عدوى وكان الناس ينذرون [6] له النذور فيقبل الأموال، 115/ ب ويفرقها على أصحابه، ثم كره قبول النذر لقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ «إِنَّ النذر يستخرج من البخيل» ، فصار يأكل بالمنامات، كان يجيء الرجل فيقول قد رأيت في المنام أعط حمادا كذا، فاجتمع له أصحاب ينفق عليهم ما يفتح له.
ومات في رمضان من هذه السنة، ودفن بالشونيزية.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 202، وفيه: «الحسن بن سليمان» ، والكامل 9/ 259) .
[2] في الأصل: «كان يذكرها في مجلس الوعظ» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 202، شذرات الذهب 4/ 73، والكامل 9/ 259) .
[4] في ص: «وكان عارية من علوم الشريعة» .
[5] في ص، ط: «يشكو إليه الحمى» .
[6] في المطبوعة: «فبعث إليه ابن عقيل عدوى، وصار الناس ينذرون» .(17/266)
3969- علي بن المستظهر، الأمير، أبو الحسن
[1] :
توفي في رجب هذه السنة، وحمل في الزبزب، وقعدوا للعزاء به.
3970- محمد بن أحمد بن الفضل [2] الماهياني:
وماهيان قرية من قرى مرو، تفقه بمرو على أبي الفضل التميمي، ثم مضى إلى نيسابور فأقام مدة عند أبي المعالي الجويني، وتفقه عليه، وسمع بها الحديث منه، ومن أبي صالح المؤذن، ومن أبي بكر الشيرازي، وأبي الحسن الواحدي، ثم سافر إلى بغداد، فأقام عند أبي سعد المتولي [3] يتفقه عليه، وسمع بها أبا نصر الزينبي وغيره، وتوفي في رجب هذه السنة، وقد قارب التسعين، ودفن بقريته ماهيان.
3971- محمد بن الحسن بن علي بن الحسن، أبو غالب الماوردي
[4] :
ولد سنة خمسين واربعمائة بالبصرة، وسمع الحديث الكثير [بالبصرة وبغداد وأصبهان وكتب بخطه الكثير [5]] ، وكان يورق للناس، وكان شيخا صالحا وسمعت عليه الحديث، وتوفي في رمضان هذه السنة، ودفن على باب مسجد الجنائز بقرب قبر معروف على الطريق، ورئي في المنام فقال: غفر الله لي ببركات حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأعطاني جميع ما أملته.
3972- محمد بن الحسين بن محمد بن علي، أبو تمام بن أبي طالب الزينبي
[6] :
بيته معروف، [7] ولد سنة ست وأربعين، وسمع من القاضيين ابن المهتدي، وابن الفراء وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة، وصلى عليه في جامع الخليفة ابن عمه علي بن طراد، ودفن في تربة أبي الحسن القزويني بالحربية.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 203) .
[2] في ت: «ابن أبي الفضل المباهياني» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 203، وفيه: «الماهاني» ) .
[3] في الأصل: «عند أبي سعيد» .
[4] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 260) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «محمد بن الحسن بن محمد» .
[7] في ت: «بكنيته معروف» .(17/267)
3973- محمد بن عمر بن عبد العزيز بن طاهر، أبو بكر الحنفي المقرئ يعرف بكاك
[1] :
من أهل بخارى سافر البلاد فسمع بنيسابور وبخارى وسمرقند [وهمذان] [2] وبغداد، وأقام بها مدة، ثم عاد إلى ما وراء النهر، وسكن سمرقند ثم عاد إلى الحجاز وحدث بالحرمين وغيرهما، وكان أديبا فاضلا صالحا مكثرا من الحديث.
وتوفي [بالأجفر] [3] في محرم هذه السنة.
3974- محمود [بن محمد] ، بن ملك شاه
[4] :
توفي يوم الخميس خامس عشر شوال من هذه السنة، وجلس الناس للعزاء به ثلاثة أيام.
3975- هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بن أحمد بن العباس بن الحصين، أبو القاسم الشيباني الكاتب
[5] :
ولد سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وبكر به أبوه وبأخيه أبي غالب عبد الواحد، فأسمعهما من أبي علي ابن المذهب، وأبي طالب بن غيلان، والتنوخي وغيرهم، وعمر حتى صار سيد أهل عصره، فرحل إليه الطلبة وازدحموا عليه، وكان ثقة صحيح السماع، وسمعت منه مسند الإمام أحمد جميعه، والغيلانيات جميعها، وأجزاء المزكي، وهو آخر من حدث بذاك، وسمعت منه غير ذلك بقراءة شيخنا ابن ناصر، وكنت/ ممن كتبها عنه، وتوفي بين الظهر والعصر في يوم الأربعاء رابع عشر شوال، وترك إلى يوم الجمعة، وأشرف على غسله شيخنا أبو الفضل بن ناصر وصلى عليه أيضا بوصية منه في جامع القصر، ثم حمل إلى جامع المنصور فصلى عليه شيخنا عبد الوهاب ابن المبارك الأنماطي، ودفن يومئذ بباب حرب عند بشر الحافي.
__________
[1] في ت: «المعروف بكاك» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 203، وشذرات الذهب 4/ 76، والكامل 9/ 259) .
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 203، وشذرات الذهب 4/ 77) .(17/268)
ثم دخلت سنة ست وعشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه كان قد جرى في أواخر السنة الماضية كلام يتعلق بدار الضرب وشكا العمال [1] أنهم يخسرون، فنهض ابن حريقا وكذبهم، وقال: بل يربحون كثيرا، وعرض هذا الكلام على صاحب المخزن ابن طلحة فأراه عن ذلك [2] ومنعه من الكلام فيه، فبلغ الخبر إلى المسترشد فأمر بحسابهم، فإذا ربحهم كثير، فظهر أن صاحب المخزن يعاونهم، وذكر أنه كان يأخذ منهم كل شهر سبعين دينارا فثبت ذلك عليه، فأمر المسترشد بنقل النظر في ذلك إلى الديوان فانكسر صاحب المخزن بذلك كسرة عظيمة، وكان تمام ذلك في أول المحرم هذه السنة فصار صاحب المخزن يجلس ساعة في المخزن بعد أن كان يكون فيه معظم النهار، ولا يحضر باب الحجرة لما ظهر من ذلك عليه.
وخرج التوقيع إلى شرف الدين الوزير بأنك المعتمد عليه، والأمر ما تأمر به وأنت المختص بالثقة، فقوي جأشه بذلك.
وفي المحرم: تقدم الخليفة بحراسة الغلات وأوجب ذلك الغلاء، فصار كر الشعير باثني عشر دينارا.
__________
[1] في ت: وشكا للعمال» .
[2] في المطبوعة فلولاه عن ذلك.(17/269)
ووصل مسعود بن محمود إلى بغداد في عشرة آلاف، وورد قراجا الساقي ومعه سلجوق شاه بن محمد، وكلاهما يطلب السلطنة، وانحدر زنكي بن آقسنقر الموصلي لينضم إلى مسعود، فلما بلغ تكريت خلف قراجا الملك سلجوق شاه في عدد يسير وأمرهم بمدافعة مسعود إلى أن يعود، وأسرى في يوم وليلة إلى تكريت فواقع زنكي فهزمه وأسر جماعة من أصحابه وعاد بهم، ثم دخل السفراء بينهم فوقع الاتفاق واجتمع مسعود وسلجوق وقراجا، وأحلفهم المسترشد على التوافق والطاعة والاجتماع، وكان قراجا يتحكم على مسعود [1] وسلجوق جميعا.
[أرجف الناس بمجيء سنجر]
وأرجف الناس بمجيء سنجر، فعمل السور [2] ، وجبي العقار، وظهر على كتاب كتبه الغزنوي إلى وزير سنجر فأهين، وخرجوا متوجهين لحرب السلطان سنجر بعد أن أفرد العراق جميعه للوكلاء ووقع الاتفاق واستظهر بالأيمان وألزم المسترشد قراجا بالخروج فكرهه ولم يجد بدا من الموافقة، فإنه تهدد وتوعد حتى قيل له: إن الذي تخاف من سنجر في الآجل نحن نعجله لك الآن.
وبعث سنجر يقول: أنا العبد، فما أردت مني فعلت، فلم يقبل منه وسار الجماعة وخرج المسترشد بعدهم بأيام من باب النصر في سادس جمادى الآخرة والكل مشاة بين 117/ ب يديه إلى ان خرج [من [3]] عقد السور، ثم تقدم [4] / بأن يركب الوزير وحده إلى ان خرجوا [من [5]] عقد السور، فركبوا وضج الناس بالدعاء، وباتوا يختمون الختمات ويدعون. 116/ ب ثم رحل في ثاني رجب، وقطعت خطبة سنجر في ثالث رجب وسار على تثبط إلى خانقين، فأقام بها، وورد سنجر إلى همذان فكانت الواقعة قريبا من الدينور، وكان مع سنجر مائة ألف وستون ألفا، وكان مع قراجا ومسعود ثلاثون ألفا فأحصى القتلى، فكانوا
__________
[1] في ص: «وكان قراجا متحكم على مسعود» .
[2] في ص: «فعمل السوء» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «أن خرج عقد الحلبة» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/270)
أربعين ألفا، فقتل قراجا وأجلس طغرل بن محمد على سرير الملك، وعاد سنجر إلى بلاده وكاتب دبيسا وزنكي بقصد بغداد وفتحها، فتوجها إليها من الموصل بالعدة التامة في سبعة آلاف فارس، فبلغ المسترشد اختلاط بغداد وكسرة العسكر، فخرج من السرادق بيده سيف مجذوب، وسكن العسكر وخاف على نفسه وعلى الخزانة وعاد من خانقين وزنكي ودبيس قد شارفا بغداد من غربيها، فعبر الخليفة إلى الجانب الغربي في ألفي فارس وضعف عنهما فطلب المقاربة فاشتطا وكرست ميسرته فكشف الطرحة ولبس البردة وجذب السيف وحمل العسكر فانهزما وقتلت من القوم مقتلة عظيمة، وطلب زنكي تكريت ودبيس الفرات.
[الوقعة بين طغرل بن محمد وداود بن محمود]
وفي هذه السنة: كانت الوقعة بين طغرل [1] بن محمد وبين داود بن محمود وآقسنقر الأحمد يكي، وكان الظفر فيها لطغرل بهمذان.
/ وفيها: وزر أنوشروان بن خالد للمسترشد، بعث إليه صاحب المخزن ابن 118/ أطلحة يقول له: ان أمير المؤمنين قد عول عليك في الوزارة، فينبغي أن تسارع إلى ذلك، فأخذ يعتذر ويقول قد عرف حالي، وإني لما وزرت للسلطان محمود طلبت الإقالة وقد رضيت من الدنيا بمكاني هذا، فقبل عني الأرض، وسل لي الإعفاء، فلم يعف، فأجاب فعرضت عليه دار ابن صدقة فامتنع، وقال: كإن له على حق، وذلك أنه كان يصله كل سنة بمال كثير فاقتصر على دار ابن ودعة فعمرت، وعاد دبيس بعد الهزيمة يلوذ ببلاده، وجمع جميعا وكانت الحلة وأعمالها في يد إقبال المسترشدي، وأمد بعسكر بغداد فهزم دبيس وحصل في أجمة فيها ماء وقصب ثلاثة أيام لا يطعم حتى أخرجه جماس على ظهره وخلصه، ووصل الملك داود والأحمد يكي إلى بغداد [2] ، ووصل ولد منصور بن سيف الدولة يوم السبت ثالث عشرين شعبان في خمسين فارسا، فلم يعلم به أحد حتى نزل، وقبل عتبة باب النوبي وتمور على الصخرة [3] ، وقال: أنا فلان بن فلان جئت إلى أمير المؤمنين فإما أن يلحقني بأبي فأستريح، وإما أن يعفو عني،
__________
[1] في الأصل: «كانت وقعة بين طغرل» .
[2] في الأصل: «والأحمد بلي» .
[3] في الأصل، ص، ط: «وتحرر على الصخرة» وما أوردناه من ت.(17/271)
فأنهى ذلك فعفي عنه [1] ، وأعطي دارا وإصطبلا ودنانير.
وفي يوم الجمعة تاسع عشرين شعبان: قبض الخليفة على الوزير شرف الدين، وقبض معه على الحسين بن محمد ابن الوزان كاتب الزمام، ووكل بالوزير بباب الغربة 118/ ب وأخذ من بيته خمسا/ وسبعين قطعة فضة سوى المراكب، ونيفا وثلاثين قطعة ذهب سوى المراكب، ووجد في داره البدنة [2] الحب التي أخذها دبيس من الأمير أبي الحسن لما أسره ومعضدة قيمتها مائة ألف دينار، ونقل من الرحل والأثاث ثلاثة أيام، ونحو خمسمائة رأس من خيل وإبل وبغال سوى ما ظهر من المال.
وفي آخر ذي القعدة: أخرج الوزير من الحبس وأخذ خطه بثلاثين ألفا.
قال شيخنا أبو الحسن: وأحضر نازح خادم خاتون المستظهرية فقيل له: أنت حافظ خاتون، وقد قذفت بابن المهير [3] ، فصفع وأخذت خيله وقريته، وقتل ابن المهير، وأظهر أنه هرب وأظهر أمرهما خدم، فكوتب سنجر بذلك وحل المسترشد إقطاعها وأقام معها في دارها من يحفظها إلى أن يأتي جواب سنجر، وأخذ إصطبل خيلها فبيع وعمر آدر وتألمت من ذلك وكتبت إلى سنجر، فقيل أنه كتب إليها يعلمها بما يريد أن يفتك بالدولة، فبعث المسترشد فأخذ الكتاب منها وهيجه ذلك على الخروج إلى القتال.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3976- أحمد بن حامد بن محمد أبو نصر المستوفي المعروف بالعزيز:
قبض عليه الأنسابازي وزير طغرل [4] ، وسلم إلى بهروز الخادم فحمله إلى قلعة تكريت فقتل فيها هذه السنة، وكان من رؤساء الأعاجم.
__________
[1] في الأصل: «فأنهى ذلك فاعفى عنه» .
[2] في الأصل: «وقد قذفت بابن المهر» .
[3] في ت: «أحمد بن حامد بن محمود» . وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 267) .
[4] في الأصل، ت: «قبض عليه النسابادي» .(17/272)
3977- أحمد بن عبيد الله بن محمد بن أحمد بن حمدان بن عمر بن عيسى بن إبراهيم/ بن سعد بن عتبة بن فرقد السلمي صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويعرف بابن كادش العكبريّ 119/ أويكنى أبا العز
[1] :
قال المصنف نقلت هذا النسب من خطه، سمع أقضى القضاة أبا الحسن الماوردي، وكان آخر من روى عنه، وأبا الطيب الطبري، والعشاري والجوهري وغيرهم، وكان مكثرا ويفهم الحديث، وأجاز لي جميع مسموعاته، قد أثنى عليه جماعة منهم أبو محمد ابن الخشاب.
وقد أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ، قال: سمعت إبراهيم بن سليمان الورديسي، يقول: سمعت أبا العز ابن كادش يقول: وضعت أنا حديثا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأقر عندي بذلك.
وكان شيخنا أبو الفضل بن ناصر سيئ الرأي فيه. وقال شيخنا عبد الوهاب: ما كان إلا مخلصا.
توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
3978- الحسين بن إبراهيم الدينَوَريّ، أبو عبد الله
[2] :
سمع طرادا والتميمي وغيرهما، وحدث وكان سماعه صحيحا.
وتوفي في يوم الأحد تاسع رمضان، ودفن بباب حرب.
3979- عبيد الله بن المظفر
[3] :
ابن رئيس الرؤساء توفي في هذه السنة، وكان أديبا فاضلا.
__________
[1] في ت: «ويعرف بابن الكادش العكبريّ ويكنا أبا العز» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 78، والكامل 9/ 267،.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 204) .
[3] في ص، ط: «عبد الله بن المظفر» .
وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 267) .(17/273)
3980- محمد بن محمد بن الحسين بن محمد ابن الفراء، أبو الحسين بن أبي يعلى
[1] :
ولد في شعبان سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، وسمع أباه، والخطيب، وأبا الغنائم ابن المأمون، وأبا الحسين ابن المهتدي، وابن النقور وغيرهم، وتفقه وناظر، وكان متشددا في السنة، وكان يبيت في داره بباب المراتب وحده فعلم بعض من كان 119/ ب يخدمه/ ويتردد إليه بأن له مالا، فدخلوا عليه ليلا فأخذوا المال وقتلوه في ليلة الجمعة عاشر محرم هذه السنة، وقدر الله أنهم وقعوا كلهم وقتلوا.
__________
[1] في الأصل: «أبو الحسن بن أبي يعلى» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 204، وشذرات الذهب 4/ 79، والكامل 9/ 267) .(17/274)
ثم دخلت سنة سبع وعشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه دخل مسعود بن محمود في صفر، فمضى الوزير في الموكب إلى داره ليهنئه ثم خطب له بالسلطنة، ومن بعده لداود ابن أخيه، ونثرت الدنانير بجامع القصر حين الخطبة وخلع عليهما وعلى الأمير آقسنقر الأحمد يكي بباب الحجرة، وعادوا في السفن وذلك في خامس ربيع الأول.
وفي آخر ذلك اليوم، خرج رحل المسترشد إلى الرملة، وخرج في صبيحة الاثنين سادس الشهر في شبارة مصعدا إلى مشرعة التستريين [1] ، وكان على صدر السفينة يرنقش البازدار قائما بيده سيف مشهور وآقسنقر الأحمد يكي قائما بين يديه، وفي الشبارة صاحب المخزن ونظر ومرتجى الخادم وركب من هناك إلى المضارب، ومشى الملكان بين يديه مسافة يسيرة، ثم أمرهما بالركوب فسيرهما إلى آذربيجان بعد أن خلع عليهما، وعاد هو وضم إليهما نظر الخادم ومعه خيمة سوداء ومهد ولواء لحرب طغرل فلقوه وهزموه واستقر مسعود بهمذان، وقتل آقسنقر الأحمد يكي، وظهر أنه قتله باطنية، واتهم مسعود بقتله، وضربت [2] الطبول ببغداد للبشارة.
/ وفي صفر: خلع على القاضيين ابن الكرجي، وابن يعيش، وولي ابن الكرجي 120/ أ
__________
[1] في ص، ط: «مشرعة البستريين» .
[2] في ص، ط: «واتهم مسعود بأنه وضع عليه وضربت» .(17/275)
القضاء والحسبة بنهر معلى، وولي ابن يعيش القضاء بباب الأزج، وسلم إليه النظر في الوقوف والتركات والترب.
وجمع دبيس جمعا بواسط، وانضم إليه الواسطيون، وابن أبي الخير، وبختيار، وشاق، فنفذ إليه البازدار وإقبال الخادم فهزموه وأسر بختيار.
وعزم المسترشد على المسير إلى الموصل، فعبرت الكوسات والأعلام من الجانب الشرقي إلى الغربي يوم السبت ثاني عشر شعبان، ونودي بالجانب الشرقي من تخلف من الجند بعد يومنا هذا ولم يعبر أبيح دمه.
ونزل أمير المؤمنين في الدار الزكوية التي على الصراة، ثم رحل عنها إلى الرملة، ثم إلى المزرفة ومعه نيف وثلاثون أميرا واثنا عشر ألف فارس، ونفذ إلى بهروز يقول له:
تنزل عن القلعة وتسلمها وتسلم الأموال وتدخل تحت الطاعة حتى نسلم إليك البلاد، فأجاب بالطاعة وقال: أنا رجل كبير عاجز عن الخدمة بل أنا أنفذ الإقامة وأنفذ مالا برسم الخدمة ففعل [1] وأعفي، ثم وصل المسترشد إلى الموصل في العشرين من رمضان فحاصرها ثمانين يوما وكان القتال كل يوم، ووصل إليه أبو الهيج الكردي المقيم بالجبل ومعه عساكر كثيرة، ثم ان زنكي كاتب الخليفة بأني أعطيك الأموال [2] وأرحل عنا، فلم يجبه ثم رحل، وقيل: كان السبب في رحيله أنه بلغه أن مسعودا غدر وقتل الأحمد يكي وخلع 120/ ب على دبيس. وتقدم الخليفة بنقض بستان العميد/ بقصر عيسى وأخذ آجره إلى السور [3] .
وتوفي شيخنا أبو الحسن ابن الزاغوني، وكانت له حلقه في جامع المنصور يناظر فيها قبل الصلاة ثم يعظ بعدها، وكان يجلس يوم السبت عند قبر معروف وفي باب البصرة وبمسجد ابن الفاعوس، فأخذ أماكنه أبو علي بن الراذاني، ولم أعطها أنا لصغر سني، فحضرت بين يدي الوزير أنوشروان، وأوردت فصلا من المواعظ فأذن لي في الجلوس في جامع المنصور، فتكلمت فيه فحضر مجلسي أول يوم جماعة أصحابنا
__________
[1] في الأصل: «مالا بحكم الخدمة ففعل» .
[2] في ص: «بأنى نعطيك» . وفي الأصل: «بالي عليك» . وما أردناه من ت.
[3] في الأصل: «وأخذ آجره إلى السرير» .(17/276)
الكبار من الفقهاء، منهم عبد الواحد بن شنيف، وأبو علي ابن القاضي، وأبو بكر بن عيسى، وابن قسامي وغيرهم، ثم تكلمت في مسجد عند قبر معروف وفي باب البصرة وبنهر معلى، واتصلت المجالس وكثر الزحام، وقوي اشتغالي بفنون العلوم، وسمعت من أبي بكر الدينَوَريّ الفقه، وعلى أبي منصور الجواليقي اللغة، وتتبعت مشايخ الحديث، وانقطعت مجالس أبي علي ابن الراذاني، واتصلت مجالسي لكثرة اشتغالي بالعلم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3981- أحمد بن سلامة، بن عبيد الله بن مخلد بن إبراهيم، أبو العباس ابن الرطبي الكرخي
[1] :
من كرخ جدان، تفقه على أبي إسحاق الشيرازي، وأبي نصر ابن الصباغ، ثم خرج إلى أصبهان فتفقه على محمد بن ثابت الخجندي، وسمع الحديث من أبي القاسم ابن البسري، وأبي نصر الزينبي، وغيرهما وولي القضاء بالحريم والحسبة أيضا/ وكان له قرب إلى خدمة الخليفة، وكان يؤدب أولاده، وتوفي ليلة [الاثنين مستهل] [2] 121/ أرجب من هذه السنة، وصلى عليه بجامع القصر، ودفن عند قبر الشيخ أبي إسحاق بباب ابرز، وقال رفيقنا موسى بن غريب بن شبابة التبريزي، وكان صاحب القاضي أبي العباس: دخلت عليه وهو في الموت وهو يأمر بتجهيزه وتكفينه وموضع دفنه وما على قلبه من مزعج كأنه ينتقل من دار إلى دار.
3982- أحمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الله ابن البناء، أبو غالب
[3] .
ولد سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وسمع أبا محمد الجوهري [4] ، وأبا
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 205، وتذكرة الحفاظ 1288، وشذرات الذهب 4/ 80، والكامل 9/ 272) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1288، وفيه: «أحمد بن أبي علي الحسن بن أحمد ... » ) .
[4] في الأصل: «وجمع أبا محمد الجوهري» .(17/277)
الحسين بن حسنون، وأبا يعلى القاضي، وأبا الحسين ابن المهتدي، وأبا الغنائم ابن المأمون، وغيرهم، وسمعت منه الحديث، وكان ثقة.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة، وقيل في صفر.
3983- أسعد بن صاعد بن إِسْمَاعِيل أبو المعالي الحنفي
[1] :
خطيب جامع نيسابور، سمع أباه، وجده، وأبا بكر الشيرازي وغيرهم، وكان من بيت العلم والقضاء والخطابة والتدريس والتذاكير، واشتغل بالعلم حتى أربى على أقرانه، وكانت إليه الخطابة والتذاكير والتدريس ببلده، وكان مقبولا عند السلاطين، ورد بغداد فسمع من شيخنا أبي القاسم بن الحصين.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة بنيسابور.
3984- الحسن بن محمد بن إبراهيم [بن أحمد] بن علي [أبو نصر] اليونارتي:
[2] ويونارت قرية من قرى أصبهان، ولد سنة ست وستين وأربعمائة، ورحل وسمع/ 121/ ب وجمع وكتب وخرج التاريخ، وكان مليح الخط حسن القراءة، وتوفي في شوال هذه السنة بأصبهان.
3985- علي بن عبيد الله [3] بن نصر بن السري الزاغوني، أبو الحسن
[4] :
قرأ القرآن بالقراءات، وسمع الحديث الكثير من الصريفيني، وابن النقور، وابن المأمون، وغيرهم. وقرأ من كتب اللغة والنحو، وتفقه على يعقوب البرزباني، وكان
__________
[1] في ت: «أسعد بن صاعد بن منصور بن إسماعيل» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ط، وأردناه من ت، وفي الأصل: «التورتاني، وتورتان قرية من قرى أصبهان، وهو خطأ، والتصحيح من تذكرة الحفاظ.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 205، وفيه: «البوباري» ، وتذكرة الحفاظ 1286، وشذرات الذهب 4/ 80) .
[3] في الأصل: «الحسن بن عبيد الله» .
[4] الزاغوني: «نسبة إلى قرية زاغونى من أعمال بغداد» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 205، وتذكرة الحفاظ 1288، وشذرات الذهب 4/ 80، والكامل 9/ 272) .(17/278)
متفننا في علوم، مصنفا في الأصول والفروع، وأنشأ الخطب والوعظ، ووعظ، وصحبته زمانا فسمعت منه الحديث وعلقت عنه من الفقه والوعظ، وتوفي في يوم الأحد سابع عشر محرم هذه السنة وصلي عليه بجامع المنصور وجامع القصر، [1] ودفن بباب حرب، وكان جمع جنازته يفوق الإحصاء.
3986- علي بن يعلى بن عوض أبو القاسم العلوي الهروي
[2] :
سمع من أبي عامر الأزدي جامع الترمذي [3] ، وسمع كثيرا من الحديث ووعظ، وكان له القبول بنيسابور [وغيرها [4]] ، وورد بغداد فوعظ، وسمع فيها مسند الإمام أحمد على شيخنا أبي القاسم بن الحصين، وكان يورد الأحاديث بأسانيدها ويظهر السنة، فحصل له ببغداد مال، وحملت إليه وأنا صغير السن وحفظني مجلسا من الوعظ، فتكلمت بين يديه يوم ودع الناس عند سور بغداد، ثم خرج وورد مرو.
فتوفي بمروالروذ في هذه السنة، ودفن بها.
3987- محمد بن أحمد بن يحيى، أبو عبد الله العثماني الديباجي
[5] :
من أولاد محمد بن عبد الله بن عمرو [6] بن عثمان بن عفان، أصل أبي عبد الله العثماني من مكة، وهو من أهل نابلس، ويقال له: القدسي، وسمع الحديث وتفقه، وكان غاليا/ في مذهب الأشعري، وكان يعظ بجامع القصر، وأنشد يوما في 122/ أمجلسه:
دع جفوني يحق لي أن أنوحا ... لم تدع لي الذنوب قلبا صحيحا
أخلقت بهجتي أكف المعاصي [7] ... ونعاني المشيب نعيا فصيحا
__________
[1] «وجامع القصر» : ساقط من ص، ط.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 205، والكامل 9/ 272) .
[3] في الأصل: «أبي علي الأزدي جامع التوجدي» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 205، والكامل 9/ 272، وفيه: «محمد بن أحمد بن علي، أبو عبد الله العثماني» ) .
[6] في ت: «من أولاد محمد بن بن الديباجي بن عبد الله بن عمر» .
[7] في ص ط: «أخلقت مهجتي أكف المعاصي» .(17/279)
كلما قلت قد برا جرح قلبي ... عاد قلبي من الذنوب جريحا
إنما الفوز والنعيم لعبد ... جاء في الحشر آمنا مستريحا
توفي العثماني يوم الأحد سابع عشرين صفر من هذه السنة [1] ، ودفن في الوردية.
3988- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عبيد اللَّه بْن الحسين بن دحروج أبو بكر
[2] :
سمع أبا الحسين ابن النقور والصريفيني، وحدث وروى عنه أشياخنا.
وتوفي في رجب هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3989- محمد بن أحمد بن محمد بن صاعد، أبو سعيد النيسابوري الصاعدي
[3] :
ولد سنة أربع وأربعين وأربعمائة، وسمع عبد الغافر بن محمد، وأبا القاسم القشيري، وأبا حفص عمر بن أحمد بن مسرور، وغيرهم. وقدم بغداد في سنة ثلاث وخمسمائة، حدث فسمع منه شيخنا عبد الوهاب، وشيخنا ابن ناصر، وخلق كثير، وكان رئيس بلدته وقاضيها، وكانت له دنيا واسعة ومنزلة عظيمة عند الخواص والعوام.
وتوفي بنيسابور يوم السبت ثاني عشر ذي الحجة من هذه السنة.
3990- محمد بن الحسين [4] بن علي بن إبراهيم بن عبد الله، أبو بكر ويعرف بالمزرفي
[5] :
ولم يكن من المزرفة وإنما كان انتقل إلى المزرفة أيام [6] الفتنة، فأقام بها مدة، فلما رجع قيل له المزرفي، ولد أبو بكر في سلخ سنة تسع وثمانين وأربعمائة، قرأ القرآن بالقراءات، وسمع الحديث الكثير من ابن المهتدي، وابن الصريفيني، وأقرأ
__________
[1] في الأصل: «الأحد سابع عشر صفر من هذه السنة» .
[2] في الأصل: «بن عبد الله بن الحسين» .
[3] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1288، وشذرات الذهب 4/ 82، والكامل 9/ 272) .
[4] في الأصل: «محمد بن الحسن» .
[5] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1288، وشذرات الذهب 4/ 81، وفيه: «المزرقي» ) .
[6] في الأصل: «انتقل أبوه إلى المزرفة أيام» .(17/280)
وروى وتفرد بعلم الفرائض، وسمعت منه الحديث، وكان ثقة ثبتا عالما حسن العقيدة.
وتوفي يوم السبت من محرم هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب، وقيل أنه مات في سجوده.
3991- محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن أحمد بن خلف، أبو خازم بن أبي يعلى ابن الفراء
[1] :
ولد سنة تسع وخمسين وأربعمائة، وسمع من ابن المسلمة [2] ، وابن المأمون، وجابر بن ياسين، وغيرهم، وكان من الفقهاء الزاهدين ومن الأخيار الصالحين.
توفي يوم الاثنين تاسع عشر صفر ودفن بداره بباب الأزج، ثم نقل في سنة أربع وثلاثين إلى مقبرة باب حرب، فدفن عند أبيه.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 206، تذكرة الحفاظ 1288، وشذرات الذهب 4/ 82) .
[2] في الأصل: «وسمع من ابن المنذر» .(17/281)
ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في المحرم قتل رجل يقال (له) علي الحمامي زوجته لأمر اتهمها به وهرب.
وخلع على إقبال الخادم خلع الملوك، ولقب ملك العرب سيف الدولة، فركب بالخلع فحضر الديوان فقرئ عليه منشور ونثر عليه دنانير.
ووقع الاتفاق مع زنكي بن آقسنقر، ووصلت رسله بالحمل والهدايا.
123/ أوعزل أنوشروان/ بن خالد عن الوزارة من غير أن يؤذي بسبب بل نزل في سفينة بعد العتمة وصعد إلى داره بالحريم، وأعيد إليها أبو القاسم بن طراد.
وقبض على نظر الخادم وحبس في سرداب واستصفيت أمواله [1] .
وفي ربيع الأول من هذه السنة: [2] خلع على الوزير ابن طراد خلع الوزارة وزيد في مركب الفرس طوقا وأعطى ثلاثة عشر عملا كوسات وأعماما ومهدا وركب إلى الديوان.
وفي جمادى الأولى: بعث القاضي الهيتي رسولا [3] إلى زنكي إلى الموصل، وعاد في جمادى الآخرة وبين يديه فرس ومركب ذهب خلعه عليه زنكي.
__________
[1] في الأصل: «وعزل أبو غزوان بن خالد» .
[2] في الأصل: «واستوقنت أمواله» .
[3] في الأصل: «بعث القاضي الهاتي رسولا» .(17/282)
وقدم رسول سنجر فخلع عليه وهيئت خلع لسنجر بمائة ألف ونيف وعشرين ألف دينار، فرحل بها ابن الأنباري مع رسول سنجر في جمادى الآخرة، ثم بعث المسترشد إلى بهروز الخادم إلى القلعة يقول له: أنت مقيم ومعك الأموال، فينبغي أن تعطينا منها شيئا نفرقه على العسكر [1] ، فأبى، فبعث إليه عسكرا فحاصره [2] ووقع القتال في أول شعبان، ثم صانع بإنفاذ مال.
وفي هذه الأيام حبس محمود المولد في ممطورة [3] ، واتهم بأنه يكتب ملطفات [4] .
وقدم البقش السلاحي طالبا للخدمة [5] مع المسترشد، وهو من أكابر الأتراك، وخلع الخليفة على جميع الأمراء ثم عرض العسكر يوم عيد الفطر ونودي: لا يختلط بالعساكر أحد من العوام، ومن ركب بغلا أو حمارا في هذا اليوم أبيح دمه فما تجاسر/ أحد أن يفعل ذلك، وخرج الوزير شرف الدين وصاحب المخزن وقاضي القضاة 123/ ب ونقيب النقباء وأرباب الدولة في زي لم ير مثله من الخيل المجفجفة [6] ، والعسكر اللابس والعدة الحسنة، وكل أمير يقبل في أصحابه بخلعة الخليفة فكان العسكر خمسة عشر ألف فارس سوى من كان غائبا عن البلد، ولم ير عيد خرج فيه [7] أرباب المناصب إلا هذا.
وفي حادي عشر شوال: وقع حريق في خان السلسلة الذي عند باب دار الخليفة، فتلف مال لا يحصى، وسببه أن الخاني طبخ فعلقت النار بشيء وهو لا يعلم، فلما علم ظن أنه لا يقدر على إطفائه فلم يفتح الباب لأحد فاستوعب النار الكل.
__________
[1] في الأصل: «تفرقه على العسكر» .
[2] في الأصل: «فبعث اليه عسكر الخاصة» .
[3] في الأصل: «في مطمورة» .
[4] في الأصل: «يكبت مطالعات» .
[5] في الأصل: «الصلاحي طالبا للخدمة» .
[6] في الأصل: «من الخيل المخففة» .
[7] في الأصل: «ولم يركب خرج فيه» .(17/283)
وفي هذه السنة: عاد طغرل إلى همذان، ومالت العساكر إليه، وتوطد له الملك وانحل أمر أخيه مسعود، وكان السبب أن الخليفة بعث بخلع إلى خوارزم شاه فأشار دبيس على طغرل فقال: الصواب أن تأخذ هذه الخلع وتظهر أن الخليفة قد نفذها لنا فلا يبقى مع مسعود أحد، وبعث الخليفة: إلى مسعود يستحثه على المجيء ليرفع منه، فدخل أصبهان في زي التركمان، وخاطر إلى أن دخل بغداد في نحو ثلاثين فارسا، فبعث إليه التحف الكثيرة، ووجدت ملطفات مع قوم إلى طغرل فاستكشف الوزير الحال، فإذا هي جواب مكتوب قد كتبه طغرل إلى الأمراء الذين مع الخليفة، وقد نفذ لهم خاتمه، فلما وقف على ذلك الخليفة قبض على أحد الأمراء فهرب البقية 124/ أإلى السلطان مسعود ورموا أنفسهم بين يديه [1] ، وقالوا: نحن عبيدك، / فإذا خذلتنا قتلنا الخليفة، فبعث الخليفة يطلبهم فقال: قد اجتمعوا بي فلا أسلمهم، فقال أمير المؤمنين: إنما أفعل هذا لأجلك وأنصبك نوبة بعد نوبة [2] . ووقع الاختلاف بينهما واختلط العسكر ومدوا أيديهم إلى أذى المسلمين، وتعذر المشي في الحال، فبعث إليه الخليفة يقول له: تنصرف إلى بعض الجهات وتأخذ العسكر الذين صاروا إليك، فرحل يوم الاثنين رابع عشرين ذي الحجة والقلوب غير طيبة، فأقام بدار الغربة.
وتواترت الأخبار بتوجه طغرل إلى العراق، فلما كان يوم السبت سلخ ذي الحجة نفذ الخليفة إلى مسعود الخلع والطوق والتاج وتخوت ثياب وتحف بثلاثين ألف دينار، وصحبها النقيبان ومرتجى الخادم، فلما وصلت الخلع إليه أقام ولم يرحل.
وفي هذا الشهر: نقضت دار خواجا بزرك على شاطئ دجلة في مشرعة درب زاخل، ونقلت آلتها إلى دار الخليفة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3992- أحمد بن إبراهيم، أبو الوفاء الفيروزآبادي
[3] :
__________
[1] في الأصل: «ورموا أنفسهم بين يديه» .
[2] في الأصل: «لأجلك وأنصرك نوبة بعد نوبة» .
[3] في ت: «أحمد بن علي بن إبراهيم» .(17/284)
وفيروزآباد أحد بلاد فارس، سمع الحديث من أبي طاهر الباقلاوي، وأبي الحسن الهكاري، وخدم المشايخ المتصوفين، وسكن رباط الزوزني المقابل لجامع المنصور، وكانت أخلاقه لطيفة، وكلامه مستحلى، كان يحفظ من سير الصالحين وأخبارهم [1] وأشعارهم الكثير، وكان على طرائقهم في سماع الغناء والرقص وغير ذلك، وكان يقول لشيخنا عبد الوهاب: إني لأدعو لك وقت السماع، وكان شيخنا يتعجب، ويقول: أليس هذا يعتقد أن ذلك وقت إجابة.
توفي أبو الوفاء ليلة الاثنين حادي عشر صفر هذه السنة، وصلى عليه من الغد بجامع المنصور خلق كثير، منهم أرباب الدولة، وقاضي القضاة. ودفن على باب الرباط، وعمل له يوم السبت ثالث عشر صفر دعوة عظيمة أنفق فيها مال بين جامع المنصور والرباط على عادة الصوفية إذا مات لهم ميت، فاجتمع من المتصوفة والجند والعوام خلق كثير.
3993- الحسن بن إبراهيم بن علي بن برهون، أبو علي الفارقيّ
[2] :
من أهل ميافارقين، ولد بها في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وتفقه بها على أبي عبد الله محمد بن بيان الكازروني، وكان صاحب المحاملي، فلما توفي الكازروني قصد أبا إسحاق الشيرازي في سنة ست وخمسين، فتفقه عليه، قال:
فنزلت في خان حذاء مسجد أبي إسحاق بباب المراتب، وكان يسكنه أصحاب الشيخ ومن يتفقه عليه، فإذا كثرنا كنا حوالي العشرين، وإذا قل عددنا كنا حوالي العشرة، وكان الشيخ أبو إسحاق يذكر التعليقة في أربع سنين فيصير المتفقه في هذه الأربع سنين فيها مستغنيا عن الجلوس بين يدي أحد، وكان يذكر درسا بالغداء ودرسا بالعشي، فلما كانت سنة ستين عبرت إلى الجانب الغربي إلى الشيخ أبي نصر بن وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 206، وفيه: «أحمد بن علي بن إبراهيم» ، وشذرات الذهب 4/ 82، وفيه: «أحمد بن علي الشيرازي» ) .
__________
[1] في الأصل، وت: «من سير الصوفية وأخبارهم» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 206، وفيه: «الحسن بن إبراهيم بن مرهون» ، وشذرات الذهب 4/ 85، والكامل 9/ 277) .(17/285)
الصباغ/ قرأت عليه الشامل، ثم عدت إلى الشيخ أبي إسحاق فلازمته إلى حين وفاته.
سمع أبو علي الحديث من أبي الغنائم ابن المأمون، وأبي جعفر ابن المسلمة، وأبي إسحاق، وولي القضاء بواسط وأعمالها وسكنها إلى حين وفاته، وكان زاهدا ورعا مهيبا، لا يحابي أحدا في الحكومات، وكان يتشاغل بإعادة العلم مع كبره، وكان 125/ أفي آخره عمره يقول لأصحابه إذا حضروا الدرس: كررت البارحة/ الربع الفلاني من المهذب، وكررت بارحة الأولى الربع الفلاني من الشامل، وكانت حواسه صحاحا وعقله كاملا.
وتوفي بواسط في محرم هذه السنة، وهو ابن ست وتسعين.
3994- عبد الله بن محمد [بن أحمد بن الحسين، أبو محمد] بن أبي بكر الشاشي
[1] :
ولد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وسمع أبا عبد الله بن طلحة النعالي وغيره، وتفقه على أبيه وناظر وأفتى، وكان فاضلا ظريف [الشمائل] [2] مليح المحاورة حسن العبارة، وحضرت مجلس وعظه، وكان ينشئ الكلام المطابق المجانس ويقوله في المجلس، سمعته يقول في مجلس وعظه: أين القدود العالية والخدود الوردية، امتلأت بها العالية والوردية. وهذا اسم مقبرتين في نهر معلى. وحضر يوما آخر النهار في التاجية للوعظ، وكان في السماء غير فارتجل في الطريق أبياتا وأنشدها في آخر المجلس، وهي:
قضية أعجب بها قضيه ... جلوسنا الليلة في التاجيه
والجو في حلته الفضيه ... صقالها قعقعة رعديه
__________
[1] في ت: «عبيد الله بن محمد بن أحمد بن الحسين، أبو محمد» . وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ص، ط.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 207، والكامل 9/ 277) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/286)
أعلامها شعشعة برقيه ... تنثر من أردانها العطريه
ذائب در ينشر البريه ... والشمس تبدو تارة جليه
ثم تراها مرة خفيه ... كأنها جارية حييه
حتى إذا كانت لنا العشيه ... نضت لباس الغيم بالكليه
وأسفرت في الجهة الغربيه ... صفراء في ملحفة ورسيه
كرامة أعرفها شاشية
ومن أشعاره:
الدمع دما يسيل من أجفاني ... إن عشت مع البكاء ما أجفاني
سجني شجني وهمتي سجاني ... والعاذل بالملام قد شجاني
والذكر لهم يزيد في أشجاني ... والنوح مع الحمام قد أشجاني
ضاقت ببعاد مهجتي أعطاني ... والبين يد الهموم قد أعطاني
توفي أبو محمد ثاني المحرم وصلى عليه بجامع مع القصر، ودفن عند قبر أبيه في تربة الشيخ أبي إسحاق.
3995- عبد الله بن المبارك [1] بن الحسن العكبري، أبو محمد المقرئ، ويعرف بابن نبال
[2] :
سمع أبا نصر الزينبي، وأبا الغنائم بن أبي عثمان، وعاصما وغيرهم، وحدث وتفقه على أبي الوفاء بن عقيل، وابي سعد البرداني، وكان صحيح السماع من أهل السنة، وباع ملكا له واشترى كتاب الفنون وكتاب الفصول لابن عقيل، ووقفهما على المسلمين.
وتوفي ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من جمادى الأولى، ودفن بباب حرب.
3996- عبد الخالق بن عبد الواسع [3] ، بن عبد الهادي بن عبد الله، أبو الفتوح ابن أبي رفاعة الأنصاري:
[4]
__________
[1] في ت: «عبيد الله بن المبارك» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 85) .
[3] في ت: «عبد الخلاق بن عبد الواسع» .
[4] «الأنصاري» : ساقطة من ص.(17/287)
جمع وحدث وكان جوادا، حسن الأخلاق، لطيف الشمائل، روى عنه أشياخنا.
وتوفي في شعبان هذه السنة.
3997- عبد الواحد بن شنيف، أبو الفرج
[1] :
126/ أتفقه على أبي علي البرداني، وكان مناظرا مجودا/ وأمينا من قبل القضاة ومشرفا على خزانة السلطان [2] ، وكانت له فطنة عظيمة وشجاعة وقوة قلب.
حدثني أبو الحسن بن عربية قال: كان تحت يده مال لصبي، وكان قد قبض المال وللصبي فهم وفطنة فكتب الصبي جملة التركة عنده وأثبت ما يأخذه من الشيخ، فلما مرض الشيخ أحضر الصبي، وقال له: أي شيء لك عندي؟ فقال: والله ما لي عندك شيء لأن تركتي وصلت إلي بحساب محسوب، وأخرج سبعين دينارا، وقال: خذ هذه لك فإني كنت أشتري لك بشيء من مالك، وأعود فأبيعه فحصل لك هذا المال.
وحدثني أبو الحسن قال: توفي رجل حشوي بدار القز، وكان أبو العباس الرطبي يتولى التركات، فكتب إليه الشيخ عبد الواحد: تتولى تركة فلان، فحضر وأعطى زوجته حقها وأعطى الباقي ذوي أرحامه، وكتب بذلك، فكتب ابن الرطبي مع مكتوبه إليه إلى المسترشد يخبره بما صنع، وأنه ورث ذوي الأرحام، فكتب المسترشد: نعم ما فعل إذ عمل بمذهبه، وإنما الذنب [3] لمن استعمل في هذا حنبليا، وقد علم مذهبه في ذلك.
وتوفي عبد الواحد في شعبان هذه السنة، وخلف مالا كثيرا.
3998- محمد بن أحمد بن علي القطان، ويعرف بابن الحلاج
[4] :
قرأ القراءات، وحدث عن أبي الغنائم ابن أبي عثمان، وكان خيرا زاهدا، كثير العبادة، دائم التلاوة، حسن الخلق، يسكن التوثة من الجانب الغربي، وكان الناس يزورونه ويتبركون به، كنت أزوره كل سبت وأنا صبي، فيدعو لي ويقرأ على صدري.
وتوفي ليلة الاثنين العشرين من جمادى الآخرة [5] ، وصلى عليه شيخنا عبد الوهاب الحافظ، ودفن بالشونيزية، وكان جمعه متوفرا.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 85) .
[2] في ص، ط: «ومشرفا على خزانة السقلاطون» .
[3] تكررت هنا العبارة: «وإنما الذنب لمن استعمل في هذا حنبليا» . في الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 207) .
[5] في ص، ط: «الاثنين العشرين من جمادى الأولى» .(17/288)
3999- محمد بن عبد الله بن أحمد، أبو نصر الأرغياني
[1] :
ولد سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وسمع أبا الحسن الواحدي، وأبا بكر بن خلف، وأبا علي بن نبهان [2] ، / وأبا المعالي الجويني، وعليه تفقه، وكان متنسكا 126/ ب ورعا، كثير العبادة، وتوفي بنيسابور في هذه السنة.
4000- محمد بن علي بن عبد الواحد الشافعي، أبو رشيد
[3] :
من أهل طبرستان، ولد سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، وحج وأقام بمكة مدة، وجمع الحديث، وحدث بشيء يسير، وكان زاهدا منقطعا مشتغلا بنفسه وكان قد ركب البحر، فلما وصل إلى بعض الجزائر خرج من السفينة وودع أصحابه، وقال: أريد أن أقيم ها هنا، فسألوه أن لا يقيم فلم يفعل، فتركوه وذهبوا في البحر فهاجت ريح فردتهم إليه، فسألوه أن يمضي معهم فما أجاب، فمضوا فهبت الريح مرة أخرى فردتهم إليه كذلك عدة نوب، ويسألونه فيأبى. فاجتمع التجار إليه وقالوا: تسعى في إتلاف نفوسنا وأموالنا فإنا كلما دفعنا ومضينا ردتنا الريح إليك فاصحبنا في دربند فإذا رجعنا فأقم هاهنا، فأجابهم وأقام معهم في دربند أياما ورجع إلى الجزيرة، وأقام بها سنتين، وكان في الجزيرة عين ماء [فكان] [4] يشرب منها ويتوضأ، ثم رجع إلى آمل فسكنها إلى أن توفي بها في جمادى الأولى من هذه السنة، وقبره بآمل معروف يتبرك به.
قال بعض أصحابه: ذهبت إلى الجزيرة التي كان انقطع فيها فرأيت ثعبانا يبتلع ابن آدم كما هو، فزرت موضع سجوده ورجعت [5] .
__________
[1] الأرغياني: نسبة إلى أرغيان، اسم لناحية من نواحي نيسابور بها عدة قرى مثل نسع وبان وراونير وغيرها.
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 89) .
[2] في الأصل: «وأبا علي بن شهاب» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 207، وفيه: «محمد بن عبد الواحد الشافعيّ» ، والكامل 9/ 277) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ص، ط: «فزرت مع سجوده ورجعت» .(17/289)
4001- هبة الله بن عبد الله بن أحمد عبد الله، أبو القاسم الواسطي الشروطي
[1] :
من أهل الكرخ، ولد سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، سمع أبا الغنائم بن المأمون، وأبا الحسين بن المهتدي، وأبا جعفر ابن المسلمة، وأبا بكر الخطيب، وكان ثقة صالحا فاضلا عالما مكثرا مقبلا على ما يعنيه.
توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
4002- أم المسترشد باللَّه
[2] :
توفيت وقت العتمة ليلة الاثنين تاسع عشر شوال هذه السنة، وأخرجت ليلا فدفنت في الرصافة [3] .
127/ أومن العجائب أنه نفذ تلك الليلة/ إلى أبي القاسم بن السياف في معنى حاجة لأجل الميتة فنفذ معهم ابنا له صغيرا ليعطيهم حاجتهم، فدخلوا ومعهم نقاط فوقع من النفط في أعدال قطن فاحترقت، وحصل الصبي في الخزانة وحده، وأحاطت به النار فلم يجد محيصا فاحترق.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 86، وفيه: «هبة الله بن أحمد الواسطي الشروطي» ) .
[2] في ت: «ومن العجائب باللَّه» وكتب فوق كلمة العجائب (ح) .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 207، والكامل 9/ 279) .
[3] في ت: «في الرصافة. أم المسترشد أنه نفذ» . وكتب فوق «المسترشد» (م) .(17/290)
ثم دخلت سنة تسع وعشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
قد ذكرنا أن أمير المؤمنين قال للسلطان مسعود ارحل عنا بأصحابك، وأنه أقام على دار الغربة متلوما فنفذ إليه الجاولي شحنة بغداد مصانعا له على الخروج، وأمر أن هو دافع أن يحط خيمه، ثم بعث إليه الخلع في سلخ ذي الحجة [1] ، ثم أحسن منه أنه قد باطن الأتراك واطلع منه سوء نية، فأخرج أمير المؤمنين سرادقه [2] ، وضربه عند رءوس الحيطان، وأخرج أرباب الدولة خيمهم، فوصل الخبر بأن طغرل مات يوم الأربعاء ثالث المحرم، فرحل مسعود جريدة فتلاحقه العسكر، وأعاد الخليفة سرادقه فوصل مسعود إلى همذان واختلف عليه العسكر وانفرد عنه قزل وسنقر وغيرهما، وأسرى إليهم ففرق شملهم، فورد منهم إلى بغداد جماعة، وأخبروا بسوء ضميره منهم البازدار وقزل وسنقر، وخرج أنوشروان في أصحابه وأهله إلى خراسان لوزارة السلطان مسعود فالتقى به الأمراء الداودية فأخذوا جميع ما معه.
وفي خامس عشر المحرم: لقي القاضي الهيتي في طريق مشهد أبي حنيفة، فأخذت ثيابه ونعليه [3] وطيلسانه [4] ، ووقع من البلغة فوهنت يده، وقيل: أنه ضرب بالسيف مرات فلم يعمل فيه، بل تقطع كتاب كان في كمه، وقيل: ان الذي فعل ذلك 127/ ب
__________
[1] في ص، ط: «في سلخ ذي القعدة» .
[2] «واطلع منه ... أمير المؤمنين سرادقه» : ساقطة من ص، ط.
[3] كذا بالأصل ولعله «وبغلته» .
[4] في ت: «ثيابه وطيلسانه» .(17/291)
جماعة من العسكر الخارجين، وقيل: بل حكم على زنكي فحقد عليه/ ففعل به ذلك.
وفي آخر المحرم: وصل ابن زنكي، وخرج الموكب فاستقبله ومعهم قاضي القضاة والنقيبان، ودخل من باب الحلبة في موكب عظيم، ونزل فقبل العتبة، وقال: أنا وأبي عبيد هذه الدولة، وما زالت العبيد تجني والموالي تصفح ونحن بحكم الخدمة في أي شيء صرفنا تصرفنا، وبذل أن يسلم مفاتيح الموصل وغيرها إلى الخليفة وأن يأتي أي وقت أمر، وبذل الأموال، وقيل: أنه قال: هذه والدتي وجماعة من النساء رهائن على ذلك، فبعث إليه الإقامة، وأنزل في الجانب الغربي في دار ابن الحاذوري الملاح.
وفي غرة صفر: وصل رسول دبيس يقول: أنا الخاطئ المقر بذنبه، فمهما تقدم إلى امتثلته، فمات رسوله فمضى إلى مسعود.
ووصل سديد الدولة ابن الأنباري من عند سنجر، وكان قد تلقى لما مضى من أربعة فراسخ، فلما أراد ابن الأنباري أن يخلع على سنجر وعلى أولاد أخيه، قال: ما أريد أن يكون الخلع إلا في يوم واحد وتبدأ بالأصحاب، وأكون أنا في الأخير وضرب نوبتية عظيمة خارج البلد، وضرب فيها تخت المملكة، وجلس وخلع على الأمراء والملوك، ثم صعد ابن الأنباري على التخت فأدى إليه رسالة الخليفة وسلم إليه المكتوب وهو في خريطة، فقام قائما ونزل وقبل الأرض وأعاد فصعد وترك الخريطة على ركبته، وألبس الخلع والتاج والطوق، ثم نزل سديد الدولة فقدم الفرس بالمركب وهو منعل بالذهب، وقدم مركب أمير المؤمنين بالسيور الفرس الذي يركبه، فنزل سنجر وقبل حافر الفرس، وعاد فصعد وجرى ذكر [1] طغرل فقال: أنا أعلم أنه أعقل من مسعود وأصلح لأمير المؤمنين، ولكني قد وليته ولا أرضى لنفسي أن أتغير، ثم كتب جواب الكتاب، وقال: أنا العبد المملوك.
وفي ربيع الأول: وصلت هدايا من بكبه من البصرة [2] فيها القنا، وناب الفيل، 128/ أ/ وآبنوس، وميس وفي قفصين، طاووسان ذكران وانثيان [3] .
__________
[1] في الأصل: «وعاد فركب وجرى ذكر» .
[2] في ص: «وصلت هدايا من نكية من البصرة» .
[3] في الأصل: «طاووس ذكران وانثيان» .(17/292)
[خلع على اثنين وعشرين أميرا من السلاحية]
وفي ربيع الآخر: خلع على اثنين وعشرين أميرا من السلاحية، ثم تواترت الأخبار بتغير مسعود التغير الكلي، وجمع العساكر وأن قصده بغداد فبعث الخليفة إلى بكبه فوعد بالمجيء، وصل دبيس إلى حلوان ومعه عسكر قد تقدمهم مسعود في المقدمة، وجمع مسعود العساكر وأقطعهم البلاد والعراق وعزم على المجيء إلى بغداد وتجهز، فلما سمع الخليفة ذلك بعث مقدمته إلى المرج، وهم الجاولي شحنة بغداد وكجبه وأرغش [1] ، وجماعة من السلاحية في ألفين وخمسمائة فارس، وقال: تقيمون هناك وتحفظون الطريق إلى أن أصل إليكم، وبعث إلى زنكي وكان على باب دمشق قد حاصرها لما قتل تاج الملوك وولي أخوه وكان صغيرا فطمع فيهم زنكي، فبعثوا إلى الخليفة حملا كثيرا، وخطا بخمسين ألف دينار، وقالوا: ادفع عنا زنكي ونحن نحمل هذا في كل عام، فبعث إليه تنح عنهم واخطب للصبي وتعال معه إلى العراق حتى اخطب له ونتساعد على مسعود، فقال: السمع والطاعة، وخطب للصبي.
وأما حديث مسعود: فإن عمه سنجر بعث بخادم يقول له: هؤلاء الأمراء الذين معك، وهم: البازدار، وابن برسق، وقزل، ويرنقش ما يتركونك تبلغ غرضا لأنهم عليك لا معك، وهم الذين أفسدوا أمر أخيك طغرل، فإذا وقفت على المكتوب فابعث إلى رءوسهم، فأطلعهم على المكاتبة، وقال: لو أردت بكم سوءا لفعلت، فقبلوا الأرض، وقالوا الآن علمنا أنك صافي القلب لنا، فابعث دبيسا في المقدمة فلما انفصلوا عنه قالوا ما وراء هذا خير فيجب أن نمضي إلى أمير المؤمنين فإن له في رقابنا عهدا، وهذا عقد به الغدر، فكتبوا إلى أمير المؤمنين إنا قد انفصلنا عن مسعود، ونحن في بلاد ابن برسق، فإن كان لك نية في الخروج فاخرج فنحن في يديك، وإلا فاخطب لبعض أولاد/ السلاطين، ونفذ به حتى نكون معه فأجابهم: كونوا على ما أنتم عليه فأنا صائر إليكم [2] 128/ ب وتجهز للخروج وبعث سديد الدولة اليهم يطيب قلوبهم ويعدهم بالإقطاع ويخبرهم أنه في أثره، فلما سمع مسعود بذلك رحل في جريدة ليكبسهم فانهزموا من بين يديه يطلبون العراق، فأخذ أموالهم ونهب البلاد وسبقهم سديد الدولة إلى بغداد مخبرا بالحال، فاعتد بالإقامة والتحف والأموال ليتلقاهم.
__________
[1] في ص: «وكجية وأرغش» .
[2] في ص: «ما أنتم عليه فاصابر إليكم» .(17/293)
ووقعت زلزلة شديدة ثلاث مرات ببغداد في جمادى الآخرة وقت الضحى حتى تحركت الجدران.
فلما كان يوم السبت حادي عشر رجب تقدم أمير المؤمنين إلى أصحابه بالخروج، وأخرج نوبتيته فضربها عند الثريا وأخرج أصحاب المراتب خيمهم وأنزعج أهل بغداد.
وعاد دبيس إلى مسعود فأخبره بخروج المقدمة وبما الناس عليه، فبعث معه خمسة آلاف فارس لينكبسوا على المقدمة فاتوا على غفلة فأخذوا خيلهم وأموالهم فأقبلوا عراة ودخلوا بغداد يوم الخميس سادس عشر رجب [1] ، فعرج بهم إلى دار السلطان وحملت لهم الفروش والأواني والإقامة، وبكر الأمراء الكبار فجاءوا في دجلة إلى بيت النوبة فأكرموا وخلع عليهم الخلع السنية، واطلق لهم ثمانون ألف دينار والبرك التام، ووعد بإعادة ما مضى منهم.
وفي هذا اليوم: قطعت خطبة مسعود، وخطب لسنجر، وداود، واستفتى الفقهاء فيما يقابل به مسعود على أفعاله فأفتوا بعزله وقتاله [فلما كان يوم الأحد أخرج الكوس والعلم والرحل] [2] ، فلما كان يوم الاثنين خرج أمير المؤمنين من باب البشرى [3] ، وركب في الماء ونزل الناس بالسفن وأحاط بالسفينة التي فيها أمير المؤمنين الأمراء والخدم بالسيوف المجذبة، وكان في سفينة البازدار على صدر السفينة بيده سيف مجذوب وقزل بين يديه بسيف مجذوب والجاولي وإقبال والخواص، وصعد عند الدكة 129/ أفركب/ ومشى الناس كلهم بين يديه إلى أن دخل السرادق، وكان قريبا من فرسخ لأنه كان عند رءوس الحيطان، وكان العوام يضجون بالدعاء ويقربون منه، فإذا هم الغلمان بمنعهم نهاهم أمير المؤمنين عن المنع، ثم رحل يوم الخميس ثامن شعبان في سبعة آلاف فارس، وكان مسعود بهمذان في نحو ألف وخمسمائة فارس، وكان أصحاب الأطراف يكاتبون أمير المؤمنين ويبذلون له طاعتهم فتريث في طريقه فاستصلح مسعود أكثرهم حتى صار في نحو خمسة عشر ألفا، وتسلل جماعة من أصحاب المسترشد فبقي في نحو من خمسة آلاف، ونفذ إليه زنكي نجدة فلم تلحق، وأرسل داود بن محمود [4]
__________
[1] في ص، ط: «يوم الجمعة سادس عشر رجب» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «من باب السري» .
[4] في ص: «داود بن محمد» .(17/294)
وهو بأذربيجان رسلا يشير بالميل إلى دينور ليوافي داود وابن محمد الخدمة، فلم يفعل المسترشد.
وضرب المصاف يوم الاثنين عاشر رمضان، فلما التقى الجمعان هرب جميع العسكر الذين كانوا مع المسترشد، وكان ميمنته البازدار، وقزل، ونور الدولة شحنة همذان، فحملوا على عسكر مسعود فهزمهم ثلاث فراسخ [1] ، ثم عادوا فرأوا الميسرة قد غدرت، فأخذ كل واحد منهم طريقا وأسر المسترشد وأصحابه، وأخذ ما كان معه من الأموال، وكانت صناديق المال على سبعين بغلا أربعة آلاف ألف دينار، وكان الرحل على خمسة آلاف جمل وأربعمائة بغل، وكان معه عشرة آلاف عمامة وبركان وعشرة آلاف قباء وجبة ودراعة، وعشرة آلاف قلنسوة مذهبة، وثلاثة آلاف ثوب رومي وممزوج ومعنبر [2] ودبيقي ومضى من الناس ما قدروه بعشرة آلاف دينار سوى الخيل والأثاث، ونادى مسعود في عسكره المال لكم والدم لي فمن قتل أقدته، ولم يقتل بين الصفين سوى خمسة أنفس غلطا، ونادى من أقام بعد/ الوقعة من أصحاب الخليفة ضربت 129/ ب عنقه، فهرب الناس فأخذوا بين الجبال أخذتهم التركمان والأكراد، ومنهم من أفلت عريانا، فوصلوا إلى بغداد وقد تشققت أرجلهم من الجبال والصخور، وبقي الخليفة في الأسر، فأما وزيره ابن طراد وصاحب مخزنه ابن طلحة، وقاضي القضاة الزينبي ونقيب الطالبيين وابن الأنباري فإنه بعث بهم إلى القلعة وبعث ببكبه شحنة إلى بغداد ومعه كتاب الخليفة إلى أستاذ الدار، يقول فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والحمد للَّه رب العالمين ليعتمد الحسن [3] بن جهير مراعاة الرعية والاشتمال عليهم وحمايتهم وكف الأذى عنهم، فقد ظهر من الولد غياث الدنيا والدين متع الله به في الخدمة ما صدق به الخدمة فليجتمع، وكاتب الزمام وكاتب المخزن على إخراج العمال إلى نواحي الخاص لحراستها فقد ندب من الجناب الغياثي هذا شحنة لذلك وليهتم بكسوة الكعبة فنحن في أثر هذا المكتوب إن شاء الله.
__________
[1] في ص: «عسكر محمود فهزمهم ثلاث فراسخ» .
[2] في ص: «وممزوج وتغيير» .
[3] في الأصل: «ليعتمد الحسين» .(17/295)
فلما كان يوم عيد الفطر نفر أهل بغداد ووثبوا على الخطيب وكسروا المنبر والشباك ومنعوا من الخطبة، وخرجوا إلى الأسواق يحثون على رءوسهم التراب ويبكون ويصرخون، فاقتتل أصحاب الشحنة والعوام، وخرج النساء حاسرات يندبن في الأسواق وتحت التاج، وكان الشحنة قد عزم أن يجوز في الأسواق، فاجتمع العوام على رجمه وهاشوا فاقتتل أصحاب الشحنة والعوام، فقتل من العوام مائة وثلاثة وخمسون، وهرب أبو الكرم الوالي، وحاجب الباب إلى دار خاتون، ورمى أصحاب الشحنة الأبواب الحديد التي على السور، وفتحوا فيه فتحات، وأشرفت بغداد على النهب، فنادى 130/ أالشحنة: لا ينزل أحد في دار أحد ولا يؤخذ من أحد شيء، / وإنما جئنا لنصلح، وأن السلطان سائر إلى العراق بين يدي أمير المؤمنين وعلى كتفه الغاشية، فسكن الناس وطلب السلطان من أمير المؤمنين نظر الخادم فانفذ فأطلقه وبعثه إليه، واختلف الأراجيف، فقوم يقولون: إن السلطان ينتظر جواب عمه سنجر، وقوم يقولون: يصل عن قليل، وقوم يقولون: ان داود قد عزم على قتال مسعود واستنقاذ الخليفة منه فسار مسعود إلى داود إلى باب مراغة واخذ الخليفة معه.
وزلزلت بغداد مرارا لا أحصيها، وكان مبتدأ الزلازل يوم الخميس حادي عشر شوال، فزلزلت يومئذ ست مرات ودامت كل يوم خمس مرات أو ست مرات إلى ليلة الجمعة سابع عشرين شوال، ثم ارتجت يوم الثلاثاء النصف من الليل حتى تفرقعت السقوف، وانتثرت الحيطان، وكنت في ذلك الزمان صبيا، وكان نومي ثقيلا لا انتبه إلا بعد الانتباه الكثير فارتج السقف تحتي وكنت نائما في السطح رجة شديدة حتى انتبهت منزعجا، ولم تزل الأرض تميد من نصف الليل إلى الفجر والناس يستغيثون.
ثم إن الشحنة والعميد عطلا دار الضرب وعملا دار ضرب عندهم بسوق العميد ودار الشحنة، وقبضوا على ابن طوق عامل الجاولي ونفذوا إلى ابن الحاجب ضامن [1] العقار، فقالوا: تجبي العقار وتسلمه إلينا، وقبضوا على ابن الصائغ متولي التركات الحشرية، وقالوا: نريد ما حصل عندك من التركات، وعوقوا قرى ولي العهد وختموا على غلاتها. فأفتك ذلك منهم بستمائة دينار حتى أطلقوها، وجاء تمر كثير للخليفة فبيع
__________
[1] في الأصل: «إلى ابن الحاسب ضامن» .(17/296)
فأخذ العميد والشحنة الثمن، وتفاقم الأمر واستسلم الناس وانقطع خبر العسكر.
فلما كان يوم الثلاثاء مستهل/ ذي القعدة وصل خمسمائة وعشرون ركابيا 130/ ب معهم [1] خط أمير المؤمنين إلى ولي العهد بوصول رسول سنجر إلى مسعود يقول فيه:
«ساعة وقوف الولد العزيز غياث الدنيا والدين مسعود على هذا المكتوب يدخل على أمير المؤمنين أعز الله أنصاره ويقبل الأرض بين يديه ويقف ويسأله العفو عنه والصفح عن جرمه وإقدامه ويتنصل غاية التنصل، فإنه قد ظهرت عندنا من الآثار السمائية والأرضية ما لا طاقة لنا بسماع مثلها دون المشاهد من الرياح العواصف والبروق الخواطف وتزلزل الأرض ودوام ذلك عشرين يوما، وتشويش العساكر وانقلاب البلدان، ولقد خفت على نفسي من جانب الله تعالى وظهور آياته وجانب المخلوقين والعساكر وتغيرهم علي، وامتناع الناس من الصلاة في الجوامع، وكسر المنابر، ومنع الخطباء ما لا طاقة لي بحملها، فاللَّه الله تتلافي أمرك وتحقن دم المسلمين، وتعيد أمير المؤمنين إلى مستقر عزه، وتسلم إليه دبيسا ليرى فيه رأيه، فإنه هو الذي أحوج أمير المؤمنين إلى هذا وأحوجنا أيضا نحن إلى مثل هذا، وعجل ولا تتأخر وتعمل له البرك وتنصب له السرادق وتضرب له التخت وتحمل له الغاشية بين يديه أنت وجميع الأمراء كما جرت عادتنا وعادة آبائنا في خدمة هذا البيت» .
فلما وقف على هذا المكتوب نفذ بالوزير شرف الدين أنوشروان ومعه نظر، فاستأذنا له فأذن له فدخل وقبل الأرض بين يديه [ووقف [2]] معتذرا متنصلا يسأل العفو والصفح عن جرمه، وأمير المؤمنين مطرق ساعة، ثم رفع رأسه فقال: قد عفي عن ذنبك فاسكن إلى ذلك وطب نفسا، وكان قد ضرب له السرادق فضرب له فيه سدة عالية/ ليجلس عليها، فقدم له فرسا لم يكن عند مسعود من خيل أمير المؤمنين اللاتي أخذت 131/ أسواه، وأقسم أنني لم يصل عندي [3] من خيل أمير المؤمنين سواه، وسأله الركوب إلى السرادق الذي قد ضرب له، فنهض وركب وسار وبين الموضعين نصف فرسخ ومسعود
__________
[1] في الأصل: «وعشرون ركابي معهم» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل» .
[3] في الأصل: «وأقسم إنني لم يحصل عندي» .(17/297)
بين يديه على كتفه الغاشية يحملها ويده في يازكة اللجام [1] ، وجميع الأمراء يمشون بين يديه إلى أن دخل السرداق وجلس على التخت الذي ضرب له، ووقف السلطان بين يديه والأمراء زمنا طويلا، ثم أنه تقدم بالجلوس فأبى، ثم سأل أمير المؤمنين أن يشفعه في دبيس فأجابه إلى ذلك، فجاءوا به مكتوفا بين أربعة أمراء اثنان من جانب واثنان من جانب واثنان من جانب ويداه مكتوفتان، ومع أحد الموكلين سيف مجذوب، وبيد الآخر شقة بيضاء فرموا به بين يدي السرير، وألقى السيف والشقة البيضاء عليه، وقالوا: كذا أمرنا ان نفعل به.
فقال مسعود: يا أمير المؤمنين هذا هو السبب الموجب لما جرى بيننا، فإذا زال السبب زال الخلاف، وهو الآن بين يديك فمهما تأمر يفعل به. وهو يتضرع ويبكي بين يدي السرير، ويقول: العفو عند المقدرة، وأنا أقل من هذه الحال، فعفا عنه، وقال: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ 12: 92 وتقدم بحل يديه وسأل دبيس السلطان [أن [2]] ينعم عليه أمير المؤمنين بتقبيل يده فأخذها وقبلها وأمرها على صدره ووجهه ونحره، وقال: يا أمير المؤمنين بقرابتك من رسول الله إلا ما عفوت عني وتركتني أعيش في الدنيا عيشا هنيئا فإن الذل والخوف منك قد أخذ مني بالحظ الأوفر، فأجابه إلى ذلك.
وأما بكبه الشحنة فإنه أقام رجالا لنقض سور بغداد، وقال: قد ورد منشور بذلك [3] فنقضت مواضع كثيرة، وكلف أهل الجانب الغربي الاجتماع على نقضه، وقال: أنتم عمرتموه بفرح فانقضوه كذلك، وضربت لهم الدبادب وجعلوه طريقا لهم، 131/ ب وأعادوا الباب الحديد/ الذي أخذ من جامع المنصور إلى مكانه.
فلما أهل هلال ذي القعدة وصل رسول من سنجر يستحث مسعودا على إعادة الخليفة إلى بغداد ووصل معه عسكر عظيم ووصل معه سبعة عشر من الباطنية، فذكر بعض الناس أنه ما علم أنهم معه، والظاهر خلاف ذلك وأنهم دبروا في قتله وأفردوا خيمة من خيمهم، فخرج السلطان ومعه العسكر ليلقى الرسول [4] فهجمت الباطنية على أمير
__________
[1] في الأصل: «في يازكة الجمام» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل» .
[3] في الأصل: «لنقض صور بغداد، وقال: قد ورد مرسوم بذلك» .
[4] في الأصل: «ومعه العسكر ليلقى العسكر» .(17/298)
المؤمنين فضربوه بالسكاكين إلى أن قتلوه وقتلوا معه جماعة من أصحابه، منهم أبو عبد الله بن سكينة، وذلك في يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة فركب العسكر وأحاط بالسرادق [1] ، وخرج القوم وقد فرغوا فقتلوا، وقيل إنهم احرقوا، وجلس السلطان [2] ، للعزاء ووقع النحيب والبكاء، وكان ذلك على باب مراغة، وغطى بسندسه إلى أن دفن بمراغة.
ووصل الخبر إلى بغداد ليلة السبت سادس عشرين من الشهر فاحترس الراشد وقبض على جماعة من أهله وإخوته، فوقع البكاء والنحيب وأغلق البلد، وكشطت البواري التي على باب النوبي، ونقض بعض دكة حاجب الباب، وأحضر الناس طول الليلة للمبايعة، وبات أستاذ الدار ابن جهير وصاحب الديوان أبو الرضا وحاجب الباب ابن الحاجب في صحن السلام، وكان الانزعاج في الدار طول الليل، فلما أصبحوا وقع البكاء والنحيب في البلد، وخرج الرجال حفاة مخرقين الثياب والنساء منشرات الشعور يلطمن، وينظمن الأشعار [3] التي من عادتهن قول مثلها في أحيان اللطم، وأشعار النساء البغداديات اللاتي ينظمنها في وقت اللطم طريفة المعنى [4] ، وأن كانت على غير صواب اللفظ، وكان مما لطمن به أن قلن:
يا صاحب القضيب ونور الخاتم ... صار الحريم بعد قتلك مأتم
اهتزت الدنيا ومن عليها ... بعد النبي ومن ولي عليها
قد صاحت البومة على السرادق ... يا سيدي ذا كان في السوابق
ترى تراك العين في حريمك ... والطرحة السودا على كريمك
وقعد الناس للعزاء في الديوان ثلاثة أيام، وتولى ذلك ناصح الدولة/ ابن جهير/ 132/ أوأبو الرضا صاحب الديوان، وحاجب الباب ابن الصاحب.
فلما كان في اليوم الثالث تقدم إلى الناس أن يعبروا بباب المسنية ويلبسوا ثياب الهناء ويحضروا البيعة بباب الحجرة، فحضروا يوم الاثنين سابع عشرين ذي القعدة [5] .
__________
[1] في ص، ط: «واحتاط بالسرادق» .
[2] في الأصل: «وقعد السلطان للعزاء» .
[3] في الأصل: «ويتلفظن الأشعار» .
[4] في ص، ط: «في وقت اللطم طريقة الغناء» .
[5] في ص: «يوم الاثنين ثامن عشرين ذي القعدة» .(17/299)
باب ذكر خلافة الراشد باللَّه
واسمه منصور، ويكنى أبا جعفر بن المسترشد، عهد إليه أبوه، وقيل أنه هم بخلعه فلم يقدر ذلك، وكان ببغداد حين قتل المسترشد بباب مراغة فكتب السلطان مسعود إلى الشحنة الذي من قبله ببغداد واسمه بكبه أن يبايع الراشد، فجاء أصحابه كالعميد والضامن، وجرت مراسلات ليدخل إلى الدار فاستقر أن يقوم من وراء الشباك مما يلي الشط، وجلس الراشد في المثمنة التي بناها المقتدي في الشباك الذي يلي الشط، وبايعه الشحنة من خارج الشباك، وذلك يوم الاثنين سابع عشرين [1] [من هذا الشهر بعد الظهر، وحضر الخلق من العلماء والقضاة والشهود والجند وغيرهم وظهر للناس] [2] ، وكان ابيض جسيما يشوبه حمرة مستحسنا، وكان يومئذ بين يديه أولاده وإخوته، وسكن الناس ونودي في الناس ان لا يظلم أحد أحدا، وأن يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ومن كانت له مظلمة فليشكها إلى الديوان النبوي، وفتح باب المخزن الذي سد، وسكن الناس إلا أن النقض في السور واستيفاء الارتفاع من البلدان والتصرف القبيح من غير معترض.
فلما كان يوم الأربعاء تاسع عشرين من ذي القعدة نادى أصحاب الشحنة أن يدعى الناس من المظالم إليهم فارتابت قلوب الناس لذلك، وانزعجوا في ثاني ذي الحجة، وأقيمت الدعوة والخطبة بالجوامع، ومضى إلى كل جامع حاجب وخادم 132/ ب وأتراك، وأقاموا الخطبة للراشد، ونثرت الدنانير وجلس ابن المطلب وابن الهاروني في المخزن ينظران نيابة، وجلس أبو الرضا بن صدقة في الديوان نيابة، / وكان حاجب الباب ابن الصاحب في الباب لم يتغير.
__________
[1] في الأصل: «سابع عشرين من هذه السنة» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/300)
فلما كان يوم الاثنين خامس ذي الحجة حضر الناس ببيت النوبة، وجلس الراشد وسلم إلى حاجب الباب إنهاء فأخذه ونهض قائما فقرأه، وكان فيه: «بسم الرحمن الرحيم لما أجل الله محل أنبيائه وجعله نائبا عنه في أرضه آمرا في سمائه وارتضاه خليفة على عباده وعاملا بالحق في بلاده تقدم بتصفح ما كان يجري على أيدي النواب في الأيام المسترشدية سقاها الله رحمة مستهلة السحاب وما عساه كان يتم من أفعالهم الذميمة فوقف من ذلك على سهم المطالبة بغير حق فاقتضى رأيه الشريف التقدم برفع المطالبة عنهم، وأبرز كل ما وجد وأوعز برده على أربابه [1] ليحظى الإمام الشهيد بزلفي ثوابه [2] ، وليعلم الخاصة والعامة من رأي أمير المؤمنين إيثاره رضا الله سبحانه» .
وأخرج من باب الحجرة أكياس فيها حجج الناس ووثائقهم وما كتب عليهم وما أخذ منهم فأعيد على أربابه، وشهد الشهود على كل منهم أنه قد أبرأ أمير المؤمنين مما يستحقه في ذمته، وتقدموا إلى خازن المخزن بإخراج ما عنده من الوثائق، فانصرف الناس يدعون لأمير المؤمنين ويترحمون على الماضي، وكان المتولي لقراءة الكتب وتسليمها إلى أربابها كثير بن شماليق.
ثم حضر الناس يوم الخميس وجرت الحال كذلك، وحضر يومئذ القاضي ابن كردي قاضي بعقوبا فتظلم، وكانت له هناك وثائق وقال: ما ظلمني إلا ابن الهاروني، وان أمير المؤمنين لم يأخذ مني شيئا، فكتب صاحب الخبر بذلك، فخرج الإنهاء بعزله، وقال الراشد: هذا القاضي قد كذب وفسق فإن المسترشد كان يأمر ابن الهاروني.
فلما كان يوم الجمعة تاسع ذي الحجة صلى على المسترشد في بيت النوبة، ونودي في بغداد بالصلاة عليه، فحضر الناس فلم يسعهم المكان، وأم الناس الراشد، وخرج الناس في العيد على العادة وتكاثر البكاء على المسترشد عند رؤية [3] الأعلام/ والموكب. 133/ أ
__________
[1] فب ص: «كاما وجودوا وأعوز برده على أربابه» .
[2] في الأصل: «الإمام الشهيد بلقيا توابه» .
[3] في المطبوعة: «وتكاثر الناس على المسترشد» وما أوردناه. من ت.(17/301)
وفي يوم الاثنين حادي عشر ذي الحجة [1] : قلد ابن جهير الوكالة وصاحب المخزن، وجعل ابنه أستاذ الدار.
ووصل يوم الاثنين ابن أخت دبيس في جمع، ودخل على الخليفة مبايعا ومعزيا، وقعد ابن النرسي في المخزن يفرق على الناس الذهب عوضا عن مشاهراتهم من الطعام، لأنه لم يكن في الخزائن طعام، وفي هذه الأيام مضى إلى زيارة علي ومشهد الحسين عليهما السلام خلق لا يحصون وظهر التشيع.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4003- أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر، أبو المظفر بن أبي بكر الفقيه الشاشي
[2] :
تفقه على أبيه، وسمع واخترمته المنية قبل زمان الرواية.
وتوفي في رجب هذه السنة، ودفن في داره برحبة الجامع.
4004- إِسْمَاعِيل بن عبد الملك بن علي، أبو القاسم الحاكمي
[3] :
سمع بنيسابور من أبي حامد الأزهري، وأبي صالح المؤذن وغيرهما. وتفقه على أبي المعالي الجويني، وبرع في الفقه، وكان ورعا، وكان رفيق أبي حامد الغزالي، وكان أكبر سنا من الغزالي، وكان الغزالي يكرمه ويخدمه.
وتوفي بطرسوس في هذه السنة، فدفن إلى جانب الغزالي.
4005- ثابت بن منصور بن المبارك، أبو العز الكيلي
[4] :
سمع الكثير وكتب الكثير، وروى عن أبي محمد التميمي، وأبي الغنائم بن أبي
__________
[1] في ص، ط: «في يوم الأحد حادي عشر ذي الحجة» .
[2] «الفقيه» : ساقطة من ص، ط.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 209) .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 209) .
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 93) .(17/302)
عثمان، وعاصم. ووقف كتبه قبل موته.
وتوفي في هذه السنة، وقيل في السنة التي قبلها.
4006- دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد، أبو الأغر الأسدي
[1] :
كان أبوه يحفظ الذمام، فلما ولي المسترشد مضى إليه الأمير أبو الحسن ظنا أنه على طريقة أبيه فأسلمه [2] . وجرت له وقائع مع المسترشد باللَّه، وكان ينهب القرى ويزعج البلاد، وقد سبق ذكر أفعاله، فلما قتل المسترشد عزم دبيس على الهرب ووجد له ملطفة قد بعثها إلى زنكي يقول له: لا تجيء واحتفظ نفسك، فبعث إليه السلطان/ غلاما أرمنيا من سلاحيته [3] ، فوقف على رأسه وهو ينكت الأرض بإصبعه فما أحس به 133/ ب حتى ضربه ضربة أبان بها رأسه، وقيل: بل قتل بين يدي السلطان، وذلك في حادي عشرين ذي الحجة، وكان بين قتل المسترشد وقتله ثمانية وعشرون يوما [4] .
4007- طغرل بن محمد بن ملك شاه
[5] :
توفي بباب همذان يوم الأربعاء ثالث محرم هذه السنة.
4008- علي بن الحسن بن الدرزيجاني
[6] :
كان شديد الورع كثير التعبد، وجرت مسألة المستحيل هل يدخل تحت القدرة، فقال: يدخل، فأنكره شيخنا أبو الحسن الزاغوني عليه، وجرت [7] بينهما ملاعنات، وبلغ الأمر إلى الديوان وكان لقلة علمه يظن أن المستحيل يتصور، وأن القدر يعجز عنه، والعجب ممن يدخل نفسه في شيء ليس من شغله.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 209، وشذرات الذهب 4/ 90، والكامل 9/ 285) .
[2] في الأصل: «على طريقة والده فأسلمه» .
[3] في الأصل تكررت «يقول لا تجيء» هنا.
[4] في ت: «أربعة وثلاثين يوما» .
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 209، والكامل 9/ 278) .
[6] في ص، ط: «الدرزنجاني» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 209، وفيه: «علي بن محمد النروجاني» ) .
[7] في الأصل: «فأنكره شيخنا الزغواني عليه أبو الحسن، وجرت» .(17/303)
توفي يوم الأحد حادي عشر ربيع الآخر، وصلي عليه في جامع المنصور [1] ، وتبعه خلق كثير إلى مقبرة باب حرب، فدفن هناك.
4009- الفضل أبو منصور المسترشد باللَّه، أمير المؤمنين
[2] :
كان له همة عالية وشجاعة وإقدام، وكان يباشر الحروب، وقد ذكرنا حروبه وما يدل على شجاعته وما آل أمره إليه من هجوم الباطنية عليه وقتلهم إياه في يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة على باب مراغة، وهناك دفن، ووصل الخبر إلى بغداد ليلة السبت سادس عشرين هذا الشهر فقعد له للعزاء به ثلاثة أيام، وكان عمره خمسة وأربعين سنة وشهورا، وكانت خلافته سبع عشرة سنة وثمانية أشهر وأياما.
4010- محمد بن محمد بن يوسف، أبو نصر القاساني
[3] :
من أهل مرو، وقاسان بالسين المهملة قرية من قرى مرو، ولد سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وسمع الحديث من جماعة وتفقه وأفتى وحدث، وكان غزير الفضل عفيفا ورعا، ورد بغداد حاجا بعد الخمسمائة.
وتوفي في محرم هذه السنة.
__________
[1] في ص: «في جامع القصر» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 207، 208، 209، وشذرات الذهب 4/ 86، والكامل 9/ 283) .
[3] في الأصل: «أبو نصر القلشاني» . وفي ت: «أبو نصر القاشاني» .(17/304)
ثم دخلت سنة ثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أن الراشد خلع على بكبه الشحنة خلعة تامة وعلى العميد/ وذلك [1] يوم السبت 134/ أغرة المحرم
[وصول الخبر بقتل دبيس]
ووصل الخبر بقتل دبيس فتعجب من تقارب موت المسترشد وقتل دبيس، وتفكروا في ان قتل المسترشد كان سبب قتله، لأنهم إنما كانوا يتركونه ليكون في وجه المسترشد.
وفي ثامن عشر المحرم وصل عفيف بجند، ووصل يرنقش الزكوي بجند، وقال لأمير المؤمنين: اعلم أنه قد جاء في أمور صعبة منها أنه مطالب [2] بخط كتبه المسترشد لمسعود ليتخلص بمبلغ هو سبعمائة ألف دينار، ومطالب لأولاده صاحب المخزن بثلاثمائة ألف، ومقسط على أهل بغداد خمسمائة ألف، وذلك من الأمور الصعبة. فلما سمع الراشد بذلك استشار أرباب الدولة فأشاروا عليه بالتجنيد، فكتب الخليفة إلى يرنقش: أما الأموال المضمونة فإنما كانت لإعادة الخليفة إلى داره سالما وذلك لم يكن، وأنا مطالب بالثأر، وأما مال البيعة فلعمري إلا أنه ينبغي أن تعاد إلى أملاكي وإقطاعي حتى يتصور ذلك، وأما ما تطلبونه من العامة فلا سبيل إليه وما بيننا إلا السيف.
ثم أحضر الشحنة وخلع عليه وأعطاه ثلاثة آلاف دينار، وقال: دون بهذه عسكرا
__________
[1] في الأصل: «وعلى العميد وولده» .
[2] في الأصل: «صعبة فيها أنه مطالب» .(17/305)
وجمع العساكر وبعث إلى يرنقش يقول له: قد علمنا في أي أمر جئت، وقد كنا تركنا البلد مع الشحنة والعميد ولم نعارضهما فلما جئت أنت بهذه الأمور الصعبة فما بيننا وبينك إلا الممانعة، وانزعج أهل بغداد وباتوا تحت السلاح، وحفظ [أهل] البلد [1] ، ونقل الناس إلى دار الخليفة ودار خاتون، وقيل للخليفة: إنهم قد عزموا على كبس البلد [وقت الصلاة فركب العسكر، وحفظ الناس البلد] [2] ، وقطع الجسر وحمل إلى باب الغربة وجرى في أطراف البلد قتال شديد ثم أصبح العسكر قد انقشعوا عن البلد [3] ، وأصبح الناس يتشاغلون بعمارة السور.
134/ ب وفي مستهل صفر: / وصل زنكي ويرنقش البازدار وإقبال وإياز صاحب محمود وعليهم ثياب العزاء، وحسنوا للراشد الخروج فأجابهم، واستوزر أبا الرضا ابن صدقة واجتمعوا على حرب مسعود، وجاء داود بن محمود بن محمد وأقام بالمزرفة.
فلما كان يوم الثلاثاء رابع صفر دخل داود دار المملكة، وأظهر العدل فبعث الراشد أرباب الدولة إليه ومعهم هدية، فقام ثلاث مرات يقبل الأرض.
ووصل صدقة بن دبيس في ثاني عشر صفر، وقبل الأرض بازاء التاج، وقال: أنا العبد ابن العبد قد جئت طائعا لأمير المؤمنين، وكان ابن خمس عشرة سنة.
فلما كان يوم الجمعة رابع عشر صفر: قطعت خطبة مسعود وخطب لداود، وقبض على إقبال الخادم ونهب ماله وانزعج العسكر لإجله ونفذ زنكي، وقال: هذا جاء في صحبتي وبقولي ولا بد من الإفراج عنه. ووافقه على ذلك البازدار، وغضب كجبه فمضى إلى زنكي فرتب مكانه غيره واستشعر كله وخافوا، وجاء أصحاب البازدار فخربوا عقد السور وأشرف البلد على النهب وغلا السعر، وجاء زنكي فضرب بازاء التاج، وسأل في إقبال سؤالا تحته إلزام، فأطلق فخرج يوم الاثنين من باب العامة وعلى رأسه قلنسوة كبيرة سوداء وعليه فروة في زي المكارية، فمضى إلى زنكي فوقعت
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل تكررت هنا: «وجرى في أطراف البلد قتال شديد ثم» .(17/306)
الصيحة في الدار، وأخذ أستاذ الدار والبوابون ووكل بهم، وقيل: كيف جرى هذا.
وكان السلطان مسعود قد افرج عن أرباب الدولة، وهم: الوزير علي بن طراد، وابن طلحة، وقاضي القضاة، ونقيب الطالبيين أبو الحسن بن المعمر، وسديد الدولة ابن الأنباري، فأما النقيب فتوفي حين حط من القلعة، وأما قاضي القضاة فانحدر إلى بغداد، فدخل على غفلة وأقام الباقون حتى وردوا مع مسعود إلى العراق.
وكان قبض الراشد على أستاذ داره أبي عبد الله/ بن جهير، وقيل إنه وجدت له 135/ أمكاتبات إلى دبيس، فقوى استشعار الناس وخافوا من الراشد.
وفي يوم الخميس ثاني عشر ربيع الأول مضى الموكب إلى زنكي، وعاد سوى الوزير وصاحب الديوان، فمن الناس من يقول: قبض عليهما، ومنهم من يقول: أنه خلا بهما وعنفهما، وقال: ما هذا الرأي؟ فقال أبو الرضا ما يقبل مني والآن فقد استجرت بك فما لي رأي في العود، فقال اجلس فأنت آمن على نفسك ومالك، ثم نفذ زنكي إلى الراشد يقول: أريد المال الذي أخذ من إقبال، وهو دخل الحلة، وذاك مال السلطان ونحن نحتاج إلى نفقة، وتردد القول في ذلك ثم نفذ الراشد إلى ابن صدقة: «كل ما أشير به يفعل ضده، وقد كان هذا الخادم إقبال بازاء جميع العسكر وأشرت أن لا يقبض عليه، فما قبل وأنا لا أوثر أن تتغير الدولة وينسب إلي فإن هذا الملعون ابن الهاروني قصده إساءة السمعة [وهلاك المسلمين [1]] وهو السبب في جميع ما جرى» .
فقبض على ابن الهاروني يوم الخميس ثامن عشر ربيع الأول، وجاء رسول زنكي فلقي الخليفة [وشكا [2]] مما جرى من ابن الهاروني وتأثيراته في المكوس والمواصير، وقال: الخادم يسأل أن يسلم إليه ليتقرب إلى الله بدمه، فقال له: ندبر في ذلك، ثم تقدم في بكرة الأحد حادي عشرين الشهر إلى أبي الكرم الوالي بقتله، فقتل في الرحبة وصلب على خشبة قصيرة ومثل به العوام، فلما جن الليل أخذه أهله وعفوا أثره، وظهرت له من الأموال والأثاث وأواني الذهب والفضة أمر عظيم، ووصل إلى الخليفة من ماله مائتا ألف وكانت له ودائع عند القضاة والتجار.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/307)
135/ ب وفي ثاني ربيع الآخر: قطعت جميع أموال الوكلاء، / وكان السبب أن زنكي طلب من الخليفة مالا يجهز به العسكر ليحدرهم إلى واسط، فقال الخليفة: البلاد معكم وليس معي شيء فاقطعوا البلاد، ثم استقر أن يدفع إلى زنكي ثلاثين ألفا مصانعة عن البلاد ويرد إليهم.
وفي سادس عشر هذا الشهر: بات الحرس تحت التاج يحفظونه استشعارا من زنكي، ثم إن زنكي أشار على ابن صدقة أن يكون وزير داود، فأجاب فخلع عليه وولى أبو العباس بن بختيار الماندائي قضاء واسط، واستوثق زنكي باليمين من الراشد، ثم جاء فعاهده وقبل يده وبعث الخليفة إلى أبي الرضا بن صدقة، فأشار عليه بالعود فجاء ففوض الأمور كلها إليه، ثم تقدم إلى السلطان داود والأمراء إلى قتال مسعود، وهم:
ألبقش، وزنكي، والبازدار، وبكبه، فساروا فوصلهم الخبر أن مسعودًا رحل يطلب العراق، فبعث الراشد فرد الأمراء والسلطان وضرب نوبتيته واستحلفهم، وقال: أريد أن أخرج معكم، وكان ذلك في يوم الثلاثاء ثاني عشرين شعبان، فلما كان يوم الأربعاء سلخ شعبان خرج الراشد فركب في الماء وصعد مما يلي باب المراتب، وسار الناس بين يديه حتى نزل السرادق ثم جدد اليمين على الأمراء، فلما كان بعد يومين أشار عليه زنكي بأن يضرب [1] عند جامع السلطان على دجلة ففعل، فلما كان عشية الأحد رابع رمضان جاء جاسوس لزنكي [2] ، فقال: قد عزم القوم على الكبسة، فرحل هو وأصحابه والخليفة، وضربوا داخل السور، وخرج هو في الليل جريدة سبعة آلاف ليضرب عليهم، فرحلوا عن ذلك المنزل وأصبح الناس على الخوف وتسلح العامة وعملوا في السور، وكان الأمراء ينقلون اللبن على الخيل منهم البازدار وبكبه وهما 136/ أنقضاه، وجاءت ملطفات إلى جميع الأمراء من مسعود فأحضروها/ جميعا وجحد ذلك شحنة بغداد [3] ، وكتب جوابها إلى مسعود فأخذه زنكي فغرقه [4] .
__________
[1] في ص: «أشار عليه ابن زنكي بأيضرب» .
[2] في الأصل: «جاسوس من لزنكي» .
[3] في الأصل: «وجحدها لك شحنة بغداد» .
[4] في الأصل: «فأخذه زنكي فغرقه» .(17/308)
وفي يوم الخميس ثامن رمضان: أخرجوا من دار الخليفة مصراعين حديدا، فحملت على العجل إلى هناك ونصبت على باب الظفرية في السور، فلما كان عشية الأحد حادي عشرين رمضان مضى من أصحاب مسعود جماعة فنزلوا قريبا من المزرفة، فعبر إليهم زنكي فهربوا.
فلما كان يوم الأربعاء جاء عسكر كثير إلى باب السور، فخرج إليهم رجالة وخيل ووقع القتال وجاء جماعة من الأمراء من عند مسعود [1] إلى الخليفة يستأمنون فقبلهم وخلع عليهم، وكان زنكي لا يستخدمهم، ويقول: استريحوا من تعبكم حتى ينقضي هذا البيكار.
وفي عشرين رمضان: وصل رسول من عند مسعود يطلب الصلح، يقول: أنا الخادم، فقرئت الرسالة على الأمراء فأبوا إلا المحاربة، وكثر العيارون وأخذوا المال قهرا، وجلسوا في المحال يأخذون من البزازين.
وبكر الناس لصلاة العيد مستهل شوال إلى جامع القصر، ولم يخرج موكب كما جرت العادة بل عيدوا داخل السور موضع المخيم بلى ان الطبول ضربت كما جرت العادة داخل الدار وعلى باب الدار ليلة العيد، وعيد كل إنسان في مخيمه، وعيد الخليفة على باب السرادق، وكان الخطيب ابن التريكي، ونفذ إلى كل أمير ما يخصه من المأكول من غير أن يمدوا سماطا.
ووصل في هذا اليوم أصحاب مسعود إلى الرصافة فدخلوها ودخلوا الجامع فكسروا أبوابه ونهبوا ما كان فيه من رحل المجاورين وكسروا شبابيك الترب وبالغوا في الفساد.
وفي يوم السبت ثاني شوال: وقع بين أهل باب الأزج والمأمونية/ وقتل منهم 136/ ب ثلاثة، ثم كثر فساد العيارين ففتكوا وقتلوا حتى في الظفرية، ودخلوا إلى دكاكين البزازين يطالبونهم بالذهب ويتهددونهم بالقتل فرتب شحنة بغداد، ونصبت شحنات
__________
[1] هنا في الأصل تكررت العبارة: «ووقع القتال وجاء جماعة من الأمراء من عند مسعود من الأمراء» .(17/309)
بالمحال، [1] ورتب على كل محلة شحنة، وأقيم له نزل على أهل المحلة فضجوا وقالوا:
ما برحنا من العيارين.
[وفي يوم الأثنين رابع شوال: جاء مسعود في خمسة آلاف فارس على غفلة، وخرج الناس للقتال] [2] .
[صلب اثنين من العيارين في درب الدواب]
وفي ثاني عشر شوال: صلب اثنان في درب الدواب من العيارين بسبب أنهما جبيا الدرب.
وفي ثامن عشرة: سد على باب السور الذي على باب السلطان بآجر وطين، وكان السبب أن العسكر خرجوا يطاردون فغدر منهم جماعة ومضوا إلى مسعود.
وفي تاسع عشره: قبض على ابن كسبرة، وأخذ أخذة هائلة، ووكل به، وكبس بيته وأثبت جميع ما فيه، فلما كانت ليلة الأربعاء أخرج وقت ضرب الطبل، ونصبت له خشبة في الرحبة، وأخذ مع امرأة مسلمة كان يتهم بها وكانت مستحسنة، فجيء بحلة من قصب وجعلت المرأة فيها وضربها النفاط بالنار فاحترقت الحلة، وخرجت المرأة هاربة عريانة، فعفي عنها وقد نالها بعض الحريق، وقدم هو ليقتل وقيل للقاتل: اعرض عليه الإسلام، فقال: أخشى أن اقتل بعد ذلك، فأسلم فآمنوه.
وجاء ركابي لزنكي فأخذه العيارون فقتلوه فشكا ذلك زنكي، وقال: أريد أن أكبس الشارع والحريم على العيارين فأطلق في ذلك فنهب الشارع والحريم وأخذ ما قيمته خمسمائة ألف دينار من الأبريسم والثياب والذهب والفضة والمصاغ، وكان فيه ودائع أهل حنيفة والرصافة والمحال والقرى.
وفي غرة ذي القعدة: أحضر الغزنوي فنصب له منبر فتكلم عند السرادق وكان السبب ضيق صدر وجده أمير المؤمنين، [واستغاث الناس ليطلقوا في الخروج، فقيل لهم ينبغي أن تصرفوا نفقاتكم إلى الجهاد بين يدي أمير المؤمنين] [3] ، ونفذ مسعود
__________
[1] في ص: «شحنة وست شحنات بالمحال» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/310)
عسكرا إلى واسط/ فأخذها والنعمانية فنهبها وضرب بقاع جازر، فمضى البازدار 137/ أفجلس بإزائه ونفذ الراشد العساكر، ومضى سيف الدولة يطلب الحلة، ونودي لا يبقى ببغداد من العسكر أحد، فرحل الناس وخرج الراشد فضرب بصرصر واستشعر بعض العسكر من بعض، فخشي زنكي من ألبقش والبازدار فعاد إلى ورائه، فرجع أكثر العسكر منهزمين، ودخل الراشد بغداد وقيل إن السلطان مسعودا كاتب زنكي سرا وحلف له أنه يقاره على بلاده وعلى الشام جميعه، وكاتب الأمراء، وقال: من منكم قبض على زنكي وقتله أعطيته بلاده فعرف زنكي ذلك فأشار على الراشد أن يرحل صحبته.
وفي ثاني ذي القعدة: قبض على أستاذ الدار ابن جهير، وعلى صاحب المخزن، وعلى خليفة الدويتي وعلى ابن فيه الناظر [1] في نفقة المخزن، وخلع على منكوبرس [2] ، ثم جلس أبو الفتوح بباب السرادق، فاستغاث إليه الحاج فأجيبوا بمثل ما قيل لهم قبل ذلك.
فلما كانت ليلة السبت رابع عشر ذي القعدة خرج الخليفة من باب البشرى وسار ليلا وزنكي قائم ينتظره [فدخل دار يرنقش [3]] ولم ينم الناس وأصبحوا على خوف شديد، فأخرجت خاتون أصحابها فحفظت باب النوبي، وظهر أبو الكرم الوالي [وحاجب الباب، فسكنوا الناس، وخرج أبو الكرم [4]] يطلب الخليفة فأخذ وحمل إلى مسعود، فأطلقه وسلم إليه البلد.
ورحل الراشد يوم السبت حين طلعت عليه الشمس ولم يصحبه شيء من آلة السفر لأنه لما بات في دار يرنقش أصبحوا، فقال لهم: اليوم مقام فأقضوا أشغالكم، فعبر ريحان الخادم ليحمل له طعاما، وعبر ابن الملقب ليفصل له ثيابا واهتم السفارون والمكارية بما يصلحهم، فرحل على غفلة فهموا بالعبور ولم يقدروا.
ودخل مسعود إلى/ بغداد يوم الأحد خامس عشر الشهر ونهبت دواب الجند، 137/ ب
__________
[1] كذا في جميع المخطوطات.
[2] في الأصل: «وخلع على المنكورس» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/311)
وكان الخليفة قد سلم الدار ومفاتيحها إلى خاتون، ووصل صافي الخادم فقال إن الخليفة لم يفعل صوابا بذهابه، وان السلطان له على نية صالحة، وسكن الناس ولم ينقطع ضرب الطبل، وإيقاد المنار [1] ، وكان أصحاب خاتون يقصدون باب النوبي للخدمة، ولما دخل السلطان بغداد أظهر العدل وشحن المحال ومنع النزل والنهب، واستمال قلوب الناس، وجمع القضاة والشهود [2] عند السلطان مسعود وقدحوا في الراشد وتولى ذلك الزينبي، وقيل: لم يقدحوا فيه إنما أخرج السلطان خطه، وكان قد كتب مع بكبه [3] : إنني متى جندت أو خرجت فقد خلعت نفسي من الأمر، فشهد الشهود أن هذا خط الخليفة، والأول أظهر.
وأحكم الوزير علي بن طراد النوبة، واحضر الفقهاء والقضاة وخوفهم وهددهم إن لم يخلعوه، وكتب محضر فيه أن أبا جعفر بن المسترشد بدا من أفعاله وقبح سيرته وسفكه الدماء المعصومة وفعل ما لا يجوز معه ان يكون إماما، وشهد بذلك ابن الكرجي، والهيتي، وابن البيضاوي، ونقيب الطالبيين، وابن الرزاز، وابن شافع، وروح ابن الحديثي، وقالوا: إن ابن البيضاوي شهد مكرها، وحكم ابن الكرجي قاضي البلد بخلعه يوم الاثنين سادس عشر الشهر بحكم الحاكم وولي المقتفي.
__________
[1] فس ص: «وإيقاد المنيار» .
[2] في الأصل: «واجتمع القضاة والشهود» .
[3] في الأصل: «قد كتاب مع نكية» .(17/312)
باب ذكر خلافة المقتفي باللَّه
واسمه محمد بن المستظهر باللَّه، ويكنى أبا عبد الله، وولي من أولاد المستظهر المسترشد والمقتفي وهما أخوان، وكذلك السفاح والمنصور أخوان، والهادي والرشيد أخوان، والواثق والمتوكل ابنا المعتصم أخوان، وأما ثلاثة إخوة/ فالأمين والمأمون 138/ أوالمعتصم بنو الرشيد [والمنتصر والمعتز والمعتمد بنو المتوكل] [1] ، والمكتفي والمقتدر والقاهر بنو المعتضد، والراضي والمتقي والمطيع بنو المقتدر، فأما أربعة أخوة فلم يكن إلا الوليد وسليمان ويزيد وهشام بنو عبد الملك.
ولد المقتفي في ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأمه ام ولد اسمها نسيم، وكانت جارية صفراء يقال لها: ست السادة، وكان يضرب بها المثل في الكرم، وسمع الحديث من مؤدبه أبي الفرج عبد الوهاب بن هبة الله بن السيبي.
وحدثنا الوزير أبو الفضل يحيى بن هبيرة، [قال:] [2] بويع المقتفي بعد أن خلع القاهر الراشد ووزر له علي بن طراد، ثم أبو نصر المظفر بن علي بن جهير، ثم أبو القاسم علي بن صدقة بن علي بن صدقة، ثم أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة، وكان قاضي القضاة في زمانه أبو القاسم الزينبي، ثم أبو الحسن الدامغاني، وكانت بيعة المقتفي العامة يوم الأربعاء ثامن عشر ذي القعدة، وجمع القضاة والشهود بعد ذلك فأطلعوهم على شيء من المنكر ونسبوه إلى الراشد، وخطب يوم الجمعة العشرين من ذي القعدة للمقتفي ومسعود ولم ينثر كما جرت العادة وإنما لقب المقتفي لسبب، فإنه وجد بخط أبي الفرج بن الحسين الحداد، قال: حكى بعض من أثق به أن المقتفي رأى
__________
[1] «والمنتصر والمعتز والمعتمد بنو المتوكل» : ساقطة من ص، ط.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/313)
في منامه قبل أن يلي بستة أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم و [هو] [1] يقول له: سيصل هذا الأمر إليك فاقتف بي فتلقب المقتفي لأمر الله.
ثم ان السلطان مسعودا بعد أن أظهر العدل ونادى بإزالة النزل من دور الناس ونهى 138/ ب عن النهب بعث فأخذ جميع ما كان في دار الخلافة من خيل وبغال/ وأثاث وذهب وفضة وزلالي وستور وسرادق وحصر ومساند، وطالب الناس بالخراج والبرات [2] ، ولم يترك في إصطبل الخاص سوى أربعة أرؤس من الخيل، وثلاثة من البغال برسم الماء، فقيل إنهم أخذوا ذلك ليحسبوا [3] مما تقرر على الخليفة [وكان قد تقرر عليه مائة وعشرين ألف دينار] [4] ، وقيل بل بايعوا على أن لا يكون عنده خيل ولا آلة سفر وأخذوا جواري خادمات وغلمان، وكان ابن الداريج ينوب عن العميد، فضمن أطيان سلاحية [5] الخليفة بمائة ألف دينار، فأخذت أموالهم ومضت خاتون إلى السلطان تستعطفه، فاجتازت بالسوق وبين يديها القراء والأتراك، وكان عندها جهات الراشد وأولاده، فعادت وقد تحرر جميع ما كان للخليفة من بلاده.
وفي خامس ذي الحجة قدم ابن دبيس فتلقى من عند صرصر بكاس من عند السلطان فشربه وهو يبكي ويرتعد، فبعث إليه فرس ومركب ودخل إلى السلطان وخرج سالما، وفي تلك الليلة جاءت أصحاب السلطان إلى صاحب المخزن يطالبونه بما استقر عليهم فأدخلهم إلى دار الخلافة، ودخل إلى حجر المسترشد والراشد وأظهر نساءهما وسراريهما وأمرهن بالكلام [6] ، وإظهار ما عندهن من المال وقال لأصحاب السلطان: خوفوهن، وأمر بكشف وجوههن، فأخذوا تلك الليلة ما قدروا عليه من حلي ومصاغ [7] ثم إن السلطان ركب سفينة ودخل على أمير المؤمنين المقتفي في تاسع ذي الحجة فبايعه، وقلد الوزير شرف الدين ديوان الخليفة، وكان قد قرر عليه مائة ألف وعشرين ألف دينار.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وطالب الناس بالخراج والترات» .
[3] في ت: «أخذوا ذلك ليحتسبونه» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أثبتناه من ت.
[5] في الأصل: «فضمن أعيان سلاحية» .
[6] في ص، ط: «وأمرهما بالكلام» .
[7] في ص، ط: «من حلي ومتاع» .(17/314)
وفي يوم الجمعة حادي عشرين ذي الحجة وصلت الأخبار بأن الراشد دخل إلى الموصل.
وفي رابع عشر الشهر أذن المقتفي/ في بيع عقاره وتوفية السلطان ما استقر عليه 139/ أمن الأموال، ورفع المصادرة [1] عن الناس، وكانت قد كثرت فلم يتجاسر أحد يشتري، وتقلد صاحب المخزن وزارة خاتون ومضى إلى خدمتها، وقلد الطاهر أبو عبد الله أحمد بن علي بن المعمر نقابة الطالبيين مكان أبيه.
ونهب عسكر زنكي في طريقهم بأوانا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4011- أحمد بن هبة الله بن الحسين، أبو الفضل الإسكاف المقرئ ويعرف بابن العالمة بنت الداري
[2] :
ولد سنة ثمان وخمسين، وتلقن القرآن على الشيخ أبي منصور الخياط، وقرأ بالقراءات على أبي الوفاء بن القواس، وغيره. وسمع أبا الحسين ابن النقور، والصريفيني وغيرهما، وسمعت منه الحديث، وكان ثقة أمينا.
وتوفي في شوال هذه السنة.
4012-[جوهرة بنت عبد الله بن عبد الكريم بن هوازن القشيري:
سمعت جدنا وحدثت، وتوفيت في هذه السنة] [3] .
4013- علي بن أحمد بن الحسن بن عبد الباقي، أبو الحسن الموحد المعروف بابن البقشلان:
كذا رأيته بخط شيخنا ابن ناصر الحافظ، وقال غيره: البقشلام بالميم، قال أبو
__________
[1] في الأصل: «من المال ودفع المصادرة» .
[2] في ت: «الرازيّ» .
[3] هذه الترجمة ساقطة من الأصل، ط، ص.(17/315)
زكريا بن كامل: إنما قيل له ابن البقشلام لأن أباه وجده مضيا إلى قرية يقال لها شلام، فبات بها وكانت كثيره البق فكان طول الليل يقول: بق شلام، ورجع إلى بغداد يحكي ذلك ويذكره فبقي عليه الاسم.
ولد أبو الحسن في شعبان سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، وسمع من القضاة أبي الحسين بن المهتدي [1] ، وأبي يعلى بن الفراء، وهناد النسقي، ومن أبي جعفر ابن المسلمة، وأبي الحسين ابن النقور، وأبي بكر بن سياووس [2] ، وغيرهم، وحدثنا عنهم، وكان سماعه صحيحا، وظاهره الثقة.
139/ ب قال شيخنا أبو الفضل ابن ناصر: كان في خدمة السلطان، وكان يظلم/ جماعة من أهل السواد وغيرهم، وكان في أيام الفتن مع أهل البدع، ولم يكن من أهل السنة ولا العارفين بالحديث، فلا يحتج بروايته.
وتوفي ليلة السبت خامس رمضان، ودفن بباب أبرز عند الظفرية.
4014- علي بن الخضر بن أسا أبو محمد الفرضي:
سمع أبا القاسم ابن البسري، وأبا الحسين [3] ابن النقور، وكان سماعه صحيحا، وحدث، وقرأ الفرائض على أبي حكيم الخبري، وأبي الفضل الهمذاني. وكان قيما بعلم الفرائض والحساب.
وتوفي يوم الأربعاء ثالث ربيع الأول، ودفن بباب أبرز.
4015- محمد بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن سعدويه، [أبو الحسن] الأصفهاني
[4] .
ولد سنة ست وأربعين واربعمائة، سمع الكثير وحدث وكان حسن السيرة ثقة ثبتا.
ذكره شيخنا أبو الفضل ابن ناصر، وأثنى عليه.
__________
[1] في الأصل: «أبي الحسين بن المهتدي» .
[2] في ص: «وأبي بكر بن سناووس» .
[3] في الأصل: «وأبا الحسن» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 95) .(17/316)
4016- محمد بن حمويه بن محمد بن حمويه، أبو عبد الله الجويني
[1] :
وجوين من نواحي نيسابور، روى الحديث وكان صدوقا، وكان من المشهورين بالعلم والزهد، وله كرامات، ودخل إلى بعض البلدان، فلما أراد الخروج ودعهم ببيتين فقال:
لئن كان لي من بعد عود إليكم ... قضيت لبانات الفؤاد لديكم
وإن تكن الأخرى وفي الغيب عبرة ... وحال قضاء فالسلام عليكم
توفي في هذه السنة، ودفن في بعض قرى جوين.
4017- محمد بن أحمد بن أفريغون، أبو بكر الأفراني النسفي
[2] :
وأفران من قرى نخشب [3] .
ورد إلى بغداد حاجا، ثم عاد إلى بلده، سمع الحديث ببلده وحدث، وكان فقيها صالحا، فتوفي يوم الأربعاء سادس عشرين شوال.
4018- محمد بن موهوب، أبو نصر الفرضي الحاسب الضرير
[4] :
كان على غاية في علمه.
4019- محمد بن عبد الله بن أحمد بن حبيب، أبو بكر العامري المعروف بابن الجنازة
[5] :
سمع ببغداد أبا محمد التميمي، وأبا الفوارس طراد، / وأبا الخطاب بن النظر، 140/ أوأبا عبد الله بن طلحة، وسمع بنيسابور من جماعة وببلخ وهراة، ودخل مرو، وجال في خرسان، وشرح كتاب «الشهاب» وكانت له معرفة بالحديث والفقه، وكان يتدين ويعظ ويتكلم على طريقة التصوف والمعرفة من غير تكلف الوعاظ، فكم من يوم صعد المنبر
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 211، وشذرات الذهب 4/ 95، والكامل 9/ 294) .
[2] في ص: «الأقراني» .
[3] في ص: «وأقران من قرى نخشب» .
[4] في ت: «محمد بن مواهب» .
[5] في ت: «بن الحبارة» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 211، والكامل 9/ 294) .(17/317)
وفي يده مروحة يتروح بها وليس عنده أحد يقرأ كما تفعل القصاص، وقرأت عليه كثيرا من الحديث والتفسير، وكان نعم المؤدب، يأمر بالإخلاص وحسن القصد، وكان ينشد:
كيف احتيالي وهذا في الهوى حالي ... والشوق أملك بي من عذل عذالي
وكيف أسلو وفي حبي له شغل ... يحول بين مهماتي وأشغالي
وبنى رباطا بقراح ظفر، فاجتمع جماعة من المتزهدين فلما احتضر قال له أصحابه: أوصنا، فقال: أوصيكم بثلاث: بتقوى الله، ومراقبته في الخلوة، واحذروا مصرعي هذا عشت إحدى وستين سنة، وما كأني رأيت الدنيا. ثم قال لبعض أصحابه:
انظر هل ترى جبيني يعرق؟ قال: نعم فقال: الحمد للَّه هذه علامة المؤمن. يريد بذلك قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المؤمن يموت بعرق الجبين [1] » ثم بسط يده عند الموت، وقال:
ها قد مددت يدي إليك [2] فردها ... بالفضل لا بشماتة الأعداء
وهذا البيت لأبي نصر القشيري تمثل به شيخنا هذا، وقال: أرى المشايخ بين أيديهم أطباق وهم ينتظرونني، ثم مات ليلة الأربعاء منتصف رمضان هذه السنة، ودفن في رباطه وجاء الغرق في سنة أربع وخمسين فهدم تلك المحلة والرباط وعفي أثر القبر.
4020- محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد بن أبي العباس، أبو عبد الله الصاعدي الفراوي
[3] :
من أهل نيسابور، وأبوه من أهل ثغر فراوة، سكن نيسابور فولد محمد بها على 140/ ب سبيل التقدير/ في سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، سمع صحيح البخاري من أبي عثمان سعيد بن أبي سعيد العيار، وسمع صحيح مسلم من أبي الحسين عبد الغافر الفارسيّ،
__________
[1] الحديث: أخرجه النسائي في الجنائز، الباب 5، حديث 2، والترمذي في الجنائز، الباب 10، وقال:
حسن، وابن ماجة في الجنائز، الباب 5، حديث 2.
[2] في الأصل: «ها قد بسطت يدي إليك» .
[3] في الأصل: «محمد بن الفضل بن محمد بن أحمد بن أبي العباس» . وفي ت: «محمد بن الفضل بن أحمد بن أحمد بن أبي العباس» .
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 211، والكامل 9/ 295) .(17/318)
وسمع بنيسابور من أبي عثمان الصابوني [1] ، وأبي بكر البيهقي، وأبي القاسم القشيري، وأبي المعالي الجويني وغيرهم، وورد بغداد حاجا فسمع بها من أبي نصر الزينبي وعاصم، وسمع بالمدينة وغيرها من البلدان، وكان فقيها مفتيا مناظرا محدثا واعظا ظريفا حسن المعاشرة طلق الوجه كثير التبسم [جوادا] [2] يخدم الغرباء بنفسه مع كبر السن وأملى أكثر من ألف مجلس وما ترك الإملاء إلى حين وفاته.
وقال عبد الرشيد بن علي الطبري: «الفراوي ألف راوي» .
وحدثني أبو محمد ابن الشاطر التاجر: أن ذلك كان مكتوبا على خاتمه «الفراوي ألف راوي» وحمل في رمضان هذه السنة إلى قبر مسلم بن الحجاج بنصراباذ فتمم عليه قراءة الصحيح عند قبر المصنف، فلما فرغ من القراءة بكى وأبكى الحاضرين، وقال:
لعل هذا الكتاب لا يقرأ علي بعد هذا.
فتوفي في شوال هذه السنة، وما قرئ عليه الكتاب بعد ذلك، وكان قد قرأ عليه الكتاب صاحبه عبد الرزاق بن أبي نصر الطبسي سبع عشرة مرة [ودفن عند قبر محمد بن إسحاق ابن خزيمة] [3] .
4021- المظفر بن الحسين، بن علي بن أبي نزار المردوسي، أبو الفتح بن أبي عبد الله
[4] :
ولد سنة ست وخمسين وأربعمائة، وكان أحد الحجاب ثم ترك ما كان فيه وغير لباسه ولبس الفوط وتزهد، وقد سمع أبا القاسم بن البسري، وأبا منصور بن عبد العزيز وغيرها.
__________
[1] في الأصل: «أبي بكر الصابوني» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «أبي نزار المردوس» .(17/319)
ثم دخلت سنة احدى وثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[ورود أبي البركات وزير السلطان مسعود]
أنه ورد أبو البركات ابن مسلمة وزير السلطان مسعود فقبض على أبي الفتوح بن طلحة [1] ، وقرر عليه مائة ألف دينار يحصلها من ماله ومن الناس ومن دار الخلافة، فبعث إليه المقتفي فقال: ما رأينا أعجب من أمرك أنت تعلم أن المسترشد سار إليك/ 141/ أبأمواله فجرى ما جرى وعاد أصحابه عراة، وولى الراشد ففعل ما فعل ثم رحل وأخذ ما بقي من الأموال ولم يبق في الدار سوى الأثاث فأخذته جميعه وتصرفت في دار الضرب ودار الذهب، وأخذت التركات والجوالي فمن أي وجه نقيم لك هذا المال؟ وما بقي إلا أن نخرج من الدار ونسلمها، فإني عاهدت الله تعالى أن لا آخذ [2] من المسلمين حبة واحدة ظلما، فلما سمع هذه الرسالة أسقط ستين وطالب بأربعين، وأما ما قرر من أموال الناس فأنكره السلطان ولم يكن منه، وأما ما كان من دار الخلافة فتلاشى ولم يتم، وقام صاحب المخزن من خاصه بعشرة آلاف دينار جبيت من الناس وتقدم السلطان بجباية العقار فلقي الناس من ذلك شدة وخرج رجل [صالح] [3] يقال له ابن الكواز [4] فلقي السلطان بالميدان، وقال له: «أنت المطالب بما يجري على الناس فما يكون جوابك
__________
[1] في الأصل: «أبي الفتوح بن الطلحة» .
[2] في الأصل: «أني لا آخذ» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «ابن الكدان» ، وفي ت: «ابن الكرار» .(17/320)
فانظر بين يديك، ولا تكن كمن إذا قيل [1] له اتق الله أخذته العزة بالإثم فأسقط ذلك» .
وقبض على أبي الكرم الوالي الهاشمي، فوقف جماعة من العيارين بالرحبة، فأخذوا ثياب الناس وقت السحر.
وورد الخبر بموت الفجاءة في همذان [2] وأصفهان فمات منهم ألوف حتى أغلقت الدور، ثم أعيدت الجباية [3] من العقار وضوعفت، ثم قطعت الجبايات، ووقعت مصادرات لأهل الأموال حتى إنهم أخذوا بإذخر الجوهري على رأس جمال ليصادر.
ووصل يمن العراق الخادم إلى بغداد رسولا من السلطان سنجر فأمر السلطان مسعودا بمبايعة المقتفي عنه، فدخل إليه في رجب فبايعه عن عمه سنجر، وتمت البيعة المقتفية في خراسان، وخرج هذا الخادم إلى الموصل فأخذ بيعة زنكي وأهل الشام، / ودفع الراشد عن زنكي فتوجه نحو آذربيجان.
141/ ب
[عقد للمقتفي على فاطمة بنت محمد بن ملك شاه]
وفي شعبان: عقد للمقتفي على فاطمة بنت محمد بن ملك شاه أخت مسعود وحضر والأكابر وتولى العقد وزير الخليفة، ووزير السلطان ونثرت الحبوب والجواهر وتماثيل الكافور والعنبر، وتوجه السلطان مسعود إلى الجبل وخلف نائبه بالعراق ألبقش الكبير السلاحي، فورد سلجوق شاه بن محمد إلى واسط والحلة وطمع في العراق فطرده ألبقش وكان مستضعفا، واجتمع جماعة من الأمراء والملك داود وعساكر آذربيجان فواقعوا السلطان مسعودا وجرت حروب عظيمة، ثم قصد مسعود آذربيجان وقصد داود همذان، ووصلها الراشد يوم الوقعة، وتقررت القواعد ان الخليفة يكتب لزنكي عشرة بلاد [4] ولا يعين الراشد، ونفذت الخطوط التي كتبت في حق الراشد بما يوجب الخلع إلى الموصل، واحضر هناك القضاة والشهود فقرئ عليهم المكتوب الذي أنفذ [من بغداد] [5] ، وفيه شهادة الشهود والقضاة، وأحضر قاضي القضاة وثبت الكتاب عنده، وخلع الراشد بالموصل وخطب للمقتفي ومسعود، وقطعت خطبة الراشد
__________
[1] في الأصل: «ولا تكن من إذا قيل» .
[2] في الأصل: «بموت الفجاءة في رمضان في همذان» .
[3] في ص، ط: «ثم عادت الجباية» .
[4] من هنا حتى: « ... من أصحاب مسعود خلق كثير» . ساقط من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/321)
وداود، فلما سمع الراشد بذلك نفذ إلى زنكي يقول له: غدرت، فقال: ما لي بمسعود طاقة فالمصلحة ان تمضي إلى داود، فمضى في نفر قليل وتخلى عنه وزيره ابن صدقة 142/ أودخل الموصل ولم يبق معه صاحب عمامة سوى أبي الفتوح/ الواعظ، وكان قد نفذ مسعود ألفي فارس للقبض عليه ففاتهم ومضى إلى مراغة، فدخل إلى قبر أبيه وحثا التراب على رأسه، فحمل إليه أهل البلد الأموال، وكان يوما مشهودا، وقوى داود وضرب المصاف مع مسعود فقتل من أصحاب مسعود خلق كثير [1] .
وفي يوم السبت ثاني عشرين ربيع الأول: جلس ابن الخجندي مدرسا [2] في النظامية.
وفي يوم الاثنين رابع عشرين من الشهر: قبض على صاحب المخزن ووكل به في دار السلطان على بقية ما استقر عليه من المال، ومات رجل فأخذ ماله أصحاب التركات فعاد أصحاب السلطان وأخذوا ماله من المخزن، وأخذت تركات الحشرية من الخليفة، وأخذوا الحفارين والغسالين وكتبوا عليهم، وأشهدوا أن لا يكتموهم شيئا فصاروا لا يقدرون على قبر ميت [3] إلا برقعة من العميد، ولم يبق للخليفة إلا العقار الخاص، وأعيد صاحب المخزن بعد أن كفل به جماعة وكتبوا خطوطهم بالضمان الوزير وسديد الدولة.
وفي يوم الاثنين تاسع ربيع الآخر: جلس أبو النجيب في دار رئيس الرؤساء بالقصر للتدريس وجعلت الدار مدرسة [4] وحضر عنده جماعة من الفقهاء والقضاة.
وفي يوم الجمعة ثالث عشره: بنيت دكة في جامع القصر للقاضي أبي يعلى بن الفراء في الموضع الذي كان يجلس فيه، ثم نقضت في يوم الخميس ثامن عشره، ومنع من 142/ ب كان/ يجلس ونودي بالجلوس في النظامية يوم الاثنين ثالث عشرين الشهر فاجتمع خلق عظيم، فحضر وزير السلطان فقعد والمستوفي والشحنة ونظر وسديد الدولة وجماعة الفقهاء والقضاة وحضرت يومئذ فكان لا يحسن يعظ ولا ندار في ذلك.
__________
[1] إلى هنا انتهى السقط الأول من ت.
[2] في الأصل: «جلس الخجدري مدرسا» .
[3] في الأصل: «فصاروا لا يقتدرون على قبر الميت» .
[4] «وجعلت الدار مدرسة» : ساقطة من ص، ط.(17/322)
وفي هذه السنة: [1] فشا الموت في الناس حتى كان يموت في اليوم مائة نفس.
وفي خامس عشر جمادى الأولى: جاء العيارون ليلا إلى سفينة قد ملئت رجالا وأموالا كثيرة لتنحدر إلى واسط، فحلوا رباطها من تحت التاج، وأحدروها وأخذوا ما فيها، وكان السلطان في بغداد.
وفي هذا الشهر: أعيدت بلاد الخليفة ومعاملاتها إليه والتركات، واستقر عن ذلك عشرة آلاف دينار.
وفي رابع عشرين هذا الشهر: أشهر أربع نسوة في الأسواق على بقر السائقين مسودات الوجوه لأنهن شربن المسكر في الشط مع رجال.
وفي يوم السبت حادي عشر جمادى الآخرة: عاد السلطان إلى بغداد بعد أن كان قد خرج، وكان السبب مكاتبة وردت من الموصل إلى دار الخلافة، فأنفذت إليه فاستعادوه، وحكى أنه كان في المكاتبة أن عسكر الموصل [2] والخليفة قد تحركوا للمجيء.
وفي شعبان: ضربت الطبول [3] على باب النوبي وجلس حاجب الباب والقاضي ابن كردي وقرءوا منشورا يشتمل معناه على الخطبة للمقتفي ولمسعود، والخلع على قاضي القضاة وإقبال/ وانحدارهم إلى بغداد، وأن قاضي القضاة جمع الجموع في 143/ أالموصل [4] وحكم بالكتب التي وصلت إليه، وأن الراشد لما علم بهذا ذهب نحو مراغة.
وفي هذا الشهر: عادت الجبايات مرة خامسة على الناس بعنف وشدة ظلم.
وقبض الشحنة على أبي الكرم الوالي إلى رباط أبي النجيب، فتاب وحلق شعره ولبس خرقة التصوف استقالة من الظلم، ثم خلع عليه وأعيد إلى شغله.
__________
[1] «وفي هذه السنة» : ساقطة من ت.
[2] في الأصل: «في المكاتبة أن دار الخلافة من الموصل إلى عسكر الموصل» .
[3] في الأصل: «وفي شعبان خرجت الطبول» .
[4] في الأصل: «جمع العساكر في الموصل» .(17/323)
وعملت عملة عظيمة بباب الأزج أخذ فيها شيء بألوف دنانير، وكانت خبازة تخبز لأولئك القوم، فحدثت ابنها بمالهم الكثير فحدث ذلك الرجل رفقة له من العيارين، فجاءوا في الليل فنقلوا ما في الدار فقالت صاحبة الدار لأمها: لما خرجوا نحمد الله إذ لم يدخلوا العرضي فإن فيه الحبوب والأمتعة، فسمعوا فعادوا ودخلوا وأخذوا ذلك، وقالوا:
لا تتهموا أحدا نحن الحماة بالموضع الفلاني، فسمع الجيران ومضوا فأخذ الشحنة أقواما من أولئك فصلبهم على جذوع، ثم أخذ منهم أموالا وحطهم في عافية.
وفي ليلة الثلاثين: لم ير الهلال، وكانت السماء مصحية فأصبح الناس صائمين لتمام ثلاثين يوما، فلما كانت ليلة إحدى وثلاثين لم ير الهلال أيضا وكانت السماء جلية صاحية، ومثل هذا لا يعرف فيما مر من التواريخ.
ومن العجائب أن ثلاثة من العيارين وقفوا في طريق الظفرية ليلا، فمر بهم أبو العز الحمامي فأخذوا ثيابه ثم تطلبوا وأخذ منهم اثنان، فلما كان بعد يومين جاء الثالث [هاربا] [1] من الرجالة، فدخل الحمام الذي فيه أبو العز الذي أخذت ثيابه فخلع الثياب على الفرند وهي قميصان وخشية فرآها الحمامي فعرفها فدخل إليه، وقال له: من أين لك هذه الثياب؟ فأقر أنه أخذها منه تلك الليلة، فنفذ إلى المستخدمين فأخذوه ولم يجدوا كتافا ففتشوا جيبه لعلهم يجدون شيئا من الذهب، فوجدوا حبلا مهيأ للكتاف فكتفوه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4022-[أحمد بن بركة بن يحيى البقال
[2] :
سمع أبا القاسم بن اليسري وعاصما وغيرها، وكان سماعه صحيحًا، وحدث، وتوفي ليلة الأربعاء تاسع عشر شعبان ودفن بالوردية] .
4023- أحمد بن محمد بن ثابت بن الحسن بن علي، أبو سعد الخجنديّ
[3] :
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] هذه الترجمة ساقطة من جميع النسخ، وأوردناه من ت.
[3] في الأصل: «أبو مسعود الحجري» . وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 211، والكامل 9/ 300) .(17/324)
ولد سنة ثلاث وأربعين، وهو ولد الإمام أبي بكر الخجندي، من أهل أصبهان، تفقه على والده، وولي التدريس بالنظامية نوبا عدة، وصرف، وسمع أبا القاسم علي بن عبد الرحمن بن عليك، وغيره.
وتوفي ببلده في غرة شعبان هذه السنة.
4024- عبد الملك بن علي بن عبد الملك بن محمد بن يوسف، أبو الفضل
[1] :
سمع الحديث الكثير من عاصم وأبي نصر الزينبي وغيرهما، وكان عليه نور.
توفي في ذي الحجة.
4025- محمد بْن أحمد بْن علي، أبو الحسن ابن الأبرادي
[2] :
تعبد وتفقه [3] ، وصحب أبا الحسن ابن الفاعوس [4] ، ووقف دار له بالبدرية فجعلها مدرسة لأصحاب أحمد بن حنبل.
توفي ليلة الخميس ثاني/ عشرين رمضان، ودفن بباب أبرز.
144/ أ
4026- محمد بن أحمد بن الحسن الجوهري البروجردي، أبو بكر:
سمع الحديث الكثير، ورحل إلى بغداد، وكانت له دنيا واسعة.
وتوفي في هذه السنة ببروجرد وكان رئيسها والمقدم بها.
4027- محمد بن علي بن حريث أبو طالب المعروف بابن الكوفية الخفاف
[5] :
سمع أبا نصر الزينبي، وحدث بشيء يسير وتوفي في رجب.
4028- نصر بن الحسين بن الحسن المقرئ، أبو القاسم، ويعرف بابن الحبار
[6] :
سمع طرادا، وابن النظر، وغيرها. وقرأ بالقراءات، وروى، وأقرأ، وقرأت عليه القرآن [7] . وتوفي في هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
[1] في ت: «ابن يوسف» ساقطة من ت.
[2] في ت: «أبو الحسين ابن البرادي» .
[3] في الأصل: «تعبد الفقيه وتفقه» .
[4] في ت: «ابن القاعوس» .
[5] في ص: «يعرف بابن الكوفية» .
[6] في الأصل: «ويعرف بابن الجبان» . وفي ت: «ويعرف بابن الجنازة» .
[7] في الأصل: «وقرأت عليه القراءات» .(17/325)
4029- هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري، أبو القاسم، ويعرف بابن الطبر
[1] :
ولد يوم الخميس وهو يوم عاشوراء سنة خمس وثلاثين وأربعمائة بالتستريين، وسمع الحديث من أبي الحسن ابن زوج الحرة، وأبي طالب العشاري، والبرمكي، وابن المأمون، والصريفيني وغيرهم. وقرأ القرآن بالقراءات على أبي بكر الخياط وغيره، وحدث وأقرأ، وكان صحيح السماع قوي التدين ثبتا، كثير الذكر دائم التلاوة، وهو آخر من حدث عن ابن زوج الحرة أبي الحسن، فحدث عن أبي الحسن هذا أبو بكر الخطيب، وأبو القاسم هذا وبين وفاتهما ثمان وسبعون سنة، وسمعت عليه الحديث الكثير وقرأت عليه، وكانت قوته حسنة، وكنت أجيء إليه في الحر فيقول: نصعد إلى سطح المسجد فيسبقني في الدرجة، ومتع بسمعه وبصره وجوارحه إلى أن توفي يوم 144/ ب الخميس/ ثاني جمادى الأولى من هذه السنة عن ست وتسعين سنة وأشهر، وكان شيخنا عبد الوهاب ابن أخته، ودفن بالشونيزية في تربة شيخنا عبد الوهاب الأنماطي، وهو الذي أم الناس في الصلاة عليه.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 211، وشذرات الذهب 4/ 97، والكامل 9/ 300) .(17/326)
ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[جيء بأحد عشر عيارا فصلبوا في الأسواق]
أنه جيء بأحد عشر عيارا فصلبوا في الأسواق وصلب رجل صوفي [من رباط البسطامي [1]] لكم صبيا فمات.
[الخبر بفتح الروم بزاعة]
وجاء الخبر بفتح الروم بزاعة، فقتلوا الذكور وسبوا النساء والصبيان، وجاء الناس يستنفرون، ومنع الخطبة والخطباء ببغداد وقلعوا طوابيق الجوامع [2] ، وجرت محن ونفذ السلطان مسعود إلى البقش كاسا ليشربها [فامتنع [3] خمسة أشهر ثم عزم على شربها، فتقدم إلى الولاة بالمحال والأسواق أن يشعلوا الشمع والقناديل والسرج في جميع المحال ليلا ونهارا ثلاثة أيام فتقدم إلى الولاة بذلك [4] ، وظهرت القينات والمعازف والنساء عليهن الثياب الملونات والمخانيث إلى أن شرب الكأس، ووصل مسعود إلى بغداد في مستهل جمادى الأولى، وقبض على ألبقش السلاحي، والي العراق، وولي بهروز الخادم العراق، وعقد للسلطان على سفري بنت دبيس بن صدقة، وكان السبب أنه كان أولاد دبيس في ضيق لأن السلطان أقطع أموالهم، فجاءت بنت دبيس وكانت أمها بنت عميد الدولة ابن جهير، وكانت في غاية الحسن فدخلت على خاتون زوجة المستظهر تستشفع بها إلى مسعود ليعيد عليها بعض ما أخذ منها وتشكو الضر فوصفت
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص، ط: «وقتلوا طوابيق الجوامع» . وفي تء: «وقلعوا طوابيق الجامع» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] «فتقدم إلى الولاة بذلك» : ساقطة من ص، ط.(17/327)
ذلك لمسعود، فقال مسعود: أحضريها عندك حتى احضر القضاة وأتزوجها، ففعلت فتزوجها، وتقدم إلى الوزير بأن تعلق بغداد سبعة أيام وذلك في سادس عشر جمادى الأولى، فظهر بالتعاليق فساد عظيم بضرب الطبول والزمور والحكايات، وشرب الخمر ظاهرا.
وفي جمادى الآخرة: قتل الشحنة صبيا مستورا من المختارة، فأمر السلطان بصلب الشحنة فصلب وحطه العوام فقطعوه.
وفي رمضان: وصف للسلطان [1] مسعود ابنة عمه قاورت بالحسن [2] ، فخطبها وتزوجها وعلق البلاد ثلاثة أيام.
وكان الراشد قد جمع العساكر الكثيرة وقوى أمره، فدخلوا عليه الباطنية فقتلوه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4030- أحمد بن محمد بن أحمد، أبو بكر بن أبي الفتح الدينَوَريّ شيخنا
[3] :
سمع الحديث من أبي محمد التميمي وأبي محمد السراج وغيرهما، وتفقه على أبي الحطاب الكلوذاني، وبرع في المناظرة، وكان أسعد الميهني يقول [4] : ما اعترض أبو بكر الدينَوَريّ على دليل أحد إلا ثلم منه ثلمة، سمعت عليه درسه مدة، وحدثنا 145/ ب شيخنا أبو بكر قال: كنا نتفقه/ على شيخنا أبي الخطاب فكنت في بدايتي أجلس في آخر الحلقة والناس منها على مراتبهم. فجرى بيني وبين رجل كان يجلس قريبا من الشيخ بيني وبينه رجلان أو ثلاثة كلام، فلما كان اليوم الثاني جلست في مجلسي كعادتي في آخر الحلقة، فجاء ذلك الرجل فجلس إلى جانبي فقال له الشيخ: لما تركت مكانك؟ فقال: أنا مثل هذا فأجلس معه يرزي [5] علي فو الله ما مضى إلّا قليل حتى
__________
[1] في ص: «وصل للسلطان مسعود» .
[2] في الأصل: «ابنة عمه قلوب بالحسن» . وفي ت: «ابنة عمه قاد بالحسن» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 213، وشذرات الذهب 4/ 98، والكامل 9/ 308) .
[4] في الأصل: «وكان أسعد المهيمني» .
[5] في ص، ط: «فأجلس معه يدري» .(17/328)
تقدمت في الفقه وقويت معرفتي به وصرت أجلس إلى جانب الشيخ وبيني وبين ذلك الرجل رجلان.
وأنشدني شيخنا أبو بكر لنفسه:
تمنيت أن تسمى فقيها مناظرا [1] ... بغير عناء فالجنون فنون
فليس اكتساب المال دون مشقة ... تلقيتها فالعلم كيف يكون
سمعت عليه الدرس مدة، وتوفي في جمادى هذه السنة، ودفن قريبا من قبر أحْمَد عند رجلي أبي منصور الخياط.
4031-[أحمد بن مُحَمَّد عبد الملك بن عبد القاهر أبو نصر الأسدي
[2] :
سمع أبا الفرج المخبري، وأبا بكر الخطيب وغيرهما، وحدث.
وتوفي في ربيع الآخر] .
4032- أحمد بن ظفر بن أحمد، أبو بكر المغازلي
[3] :
سمع أبا الغنائم بن المأمون، وأبا محمد الصريفيني، وأبا بكر الخياط، وأبا علي بن البناء وغيرهم. سمعت منه، وكان ثقة، وتوفي في رمضان هذه السنة.
4033- أحمد بن عمر [4] بن عبد الله، أبو نصر الأصبهاني
[5] :
رحل في طلب العلم والحديث، وسمع من خلق كثير وكتب الكثير وكان ثقة دينا.
4034- إبراهيم بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن حمدان، أبو تمام الصيمري البروجردي:
ولد سنة أربعين وأربعمائة ببروجرد، وسمع بها من يوسف الهمدانيّ وبمكة من
__________
[1] في الأصل: «تمنيت أن تمسي فقيها مناظرا» .
[2] هذه الترجمة ساقطة من جميع النسخ، وأوردناها من ت.
[3] في ت: «أبو بكر المغازي» .
[4] في ت: «إبراهيم بن عمر» .
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 98) .(17/329)
أبي معشر الطبري، وببغداد من الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وكان رئيس بروجرد.
وتوفي بها في هذه السنة.
4035- إِسْمَاعِيل بن أحمد بن عبد الملك النيسابوري، أبو سعد بن أبي صالح المؤذن
[1] .
ولد سنة اثنتين وخمسين، وتفقه على أبي المظفر السمعاني، وأبي المعالي 146/ أالجويني، وبرع في الفقه، وكانت له قدم عند الملوك والسلاطين، وكان/ كثير السماع، خرج له أبوه صالح بن صالح مائة حديث عن مائة شيخ، وكتب لي إجازة بجميع مسموعاته، وتوفي ليلة عيد الفطر من هذه السنة، ودفن يوم العيد.
4036- بدر بن الشيخي، مولى أبي منصور عبد المحسن بن محمد بن علي وعتيقه:
سمع أبا الحسين ابن المهتدي، وابن المسلمة، وابن النقور، وابن المأمون وغيرهم. وحدثنا عنهم، وكان سماعه صحيحا.
توفي يوم السبت رابع عشرين رمضان عن ثمانين سنة، ودفن بباب حرب عند مولاه.
4037- ألبقش السلاحي:
كان أميرا كبيرا قبض عليه السلطان، وحمله إلى قلعة تكريت، ثم أمر بعد قليل بقتله فغرق نفسه فأخرج من الماء فقطع رأسه وحمل إليه.
4038- زبيدة بركيارق [2] :
زوجة السلطان، توفيت بهمذان.
4039- عبد المنعم بن عبد الكريم بن هوازن، أبو المظفر القشيري
[3] :
آخر من بقي من أولاد أبي القاسم القشيري، ولد سنة خمس وأربعين وأربعمائة، أباه، وأبا بكر البيهقي، ويوسف المهرواني، وغيرهم. روى عنه شيخنا عبد الوهاب الأنماطي، ولى منه إجازة. وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 99) .
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 307) .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 213، وشذرات الذهب 4/ 99) .(17/330)
4040- عمر بن محمد بن عمويه، أبو الحفص السهروردي عم أبي النجيب الواعظ
[1] .
سمع طرادا، والتميمي وعاصما وغيرهم، وحدث ببغداد، وكان متقدم الصوفية في الرباط المعروف بسعادة الخادم، ورأيته ولم أسمع منه.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة، ودفن بالشونيزية عند قبر رويم.
4041- علي بن علي، بن عبيد الله، أبو منصور صاحب محمد الوكيل ويعرف بابن سكينة
[2] .
ولد سنة تسع وأربعين، وكان أمين الحاكم تحت يده أموال الأيتام، وكان يلقب أمين الأمناء سمع أبا محمد الصريفيني، وابن السراج، وابن العلاف وغيرهم. وحدث، وكان سماعه صحيحا، وسمعت منه، وسمعته يقول: من منع ماله الفقراء سلط الله عليه الأمراء.
توفي ليلة السبت/ سادس ذي القعدة عن ثلاث وثمانين سنة ودفن بالشونيزية.
146/ ب
4042- محمد بن إبراهيم بن محمد إبراهيم بن أحمد، أبو غالب الصيقلي الدامغاني:
ولد سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة، ورحل في طلب الحديث، فسمع الكثير [3] وكان متقدم الصوفية، وكان ثقة. ذكره شيخنا أبو الفضل بن ناصر، فقال: هو صالح ثبت أهل السنة. توفي في هذه السنة بكرمان.
4043- محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر، أبو الحسن الكرجي
[4] :
ولد سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وسمع بالكرج [5] وبهمذان وبأصبهان وبغداد، وكان محدثا فقيها شاعرا أديبا على مذهب الشافعي إلا أنه كان لا يقنت في الفجر، وكان
__________
[1] في ت: «أبو حفص السهرودي عم أبي ... » .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 100) .
[2] في ت: «علي بن عبيد الله» .
[3] في ت: «وسمع الكثير» .
[4] في ت: «أبو الحسن الكرخي من أهل الكرخ» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 213، وفيه: «أبو الحسن الكرخي، وشذرات الذهب 4/ 100) .
[5] في ت: «وسمع بالكرخ» .(17/331)
يقول إمامنا الشافعي: قال إذا صح عندكم الحديث فاتركوا قولي وخذوا بالحديث، وقد صح عندي أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك القنوت في صلاة الصبح. وصنف في المذهب والتفسير، وكان حسن المعاشرة ظاهر الكياسة ومن شعره:
تناءت داره عني ولكن ... خيال جماله في القلب ساكن
إذا امتلأ الفؤاد به فماذا ... يضر إذا خلت منه المساكن
توفي في هذه السنة.
4044- محمد بن فرجية، أبو المواهب المقرئ
[1] :
كان مليح الأداء للقراءات، وسمع الحديث، وأقرأ الناس.
وتوفي في صفر هذه السنة.
4045- منصور بن المسترشد، الملقب بالراشد أمير المؤمنين
[2] :
قد ذكرنا أنه استخلف بعد أبيه وأنه لما قصد السلطان مسعود بغداد خرج إلى ناحية الموصل، وأنه خلع وولي المقتفي وخرج الراشد من الموصل إلى بلاد أذربيجان، ثم مضى إلى أصفهان، وقوى ثم مرض مرضا شديدا. وفي سبب موته ثلاثة أقوال، أحدها أنه سقي السم ثلاث مرات، والثاني: أنه قتله قوم من الفراشين الذين كانوا في خدمته، والثالث: أنه قتله الباطنية وقتلوا بعده.
وكان موته في سابع عشرين رمضان، وبلغ الخبر فقعدوا له في العزاء يوما واحدا.
147/ أوقد ذكر أبو بكر الصولي/ أن الناس يقولون: كل سادس يقوم بأمر الناس منذ أول الإسلام لا بد وأن يخلع، وأنا تأملت هذا فرأيته عجيبا انعقد الأمر لنبينا صلى الله عليه وسلم ثم قام بعده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن فخلع، ثم معاوية ويزيد ومعاوية بن يزيد ومروان وعبد الملك وابن الزبير فخلع وقتل، ثم الوليد وسليمان وعمر ويزيد وهشام والوليد بن يزيد فخلع، ثم لم ينتظم لبني أمية أمرهم فتولى السفاح والمنصور والمهدي والهادي والرشيد والأمين فخلع وقتل، ثم المعتز والمهتدي والمعتمد والمعتضد
__________
[1] في ص: «محمد بن فرجية المقري» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 213، وشذرات الذهب 4/ 100، والكامل 9/ 305) .(17/332)
والمكتفي والمقتدر فخلع [1] . [ثم المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين فخلع وقتل، ثم القاهر والرضي والمتقي والمستكفي والمطيع والطائع فخلع، ثم القادر والقائم والمقتدي والمستظهر والمسترشد والراشد فخلع وقتل] [2] .
4046- أنوشروان بن خالد بن محمد القاساني [الضني من أهل قرية ضن، وهي من قرى قاسان] ، أبو نصر
[3] :
وزر للسلطان محمد والمسترشد باللَّه، وكان عاقلا مهيبا عظيم الخلقة، دخلت عليه فرأيت من هيبته ما أدهشني، وهو كان السبب في جمع المقامات التي أنشأها أبو محمد الحريري، فإن أبا القاسم عبد الله بن أبي محمد الحريري حكى أن والده كان جالسا في مسجده ببني حرام- إحدى محال البصرة- فدخل المسجد شيخ ذو طمرين، عليه أهبة السفر، رث الحالة، فصيح اللهجة حسن العبارة فسألوه من أين الشيخ؟
قال: من سروج، وكنيتي أبو زيد فعمل والدي المقامة الحرامية بعد قيامة من ذلك المجلس، واشتهر هذا فبلغ أنوشروان بن خالد وطلع بتلك المقامة، فأشار عليه بأن يضم إليها غيرها فأتمها خمسين، وكان أنوشروان كريما، سأله رجل خيمة فلم تكن عنده فبعث إليه مائة دينار، وقال: اشتر بها خيمة، فكتب إليه الرجل:
للَّه در ابن خالد رجلا ... أحيى لنا الجود بعد ما ذهبا
سألته خيمة ألوذ بها ... فجاد لي بل بخيمة ذهبا
وكتب إليه أبو محمد الحريري صاحب المقامات:
ألا ليت شعري والتمني تعلة ... وإن كان فيه راحة لأخي الكرب
أتدرون أني مذ تناءت دياركم ... وشط افتراقي عن جنابكم الرحب
أكابد شوقا ما يزال أواره ... يقلبني بالليل جنبا على جنب
وأذكر أيام التلاقي فأنثني ... لتذكارها بادي الاسا طائر اللبّ
__________
[1] «ثم المعتز، والمهتدي والمعتمد والمعتضد والمكتفي والمقتدر فخلع» . العبارة ساقط من ص، ط.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ط، ص، وأوردناه من ت.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 214، وشذرات الذهب 4/ 101، والكامل 9/ 311.)(17/333)
ولي حنة في كل وقت إليكم ... ولا حنة الصّادي الى البارد العذب
فو الله لو أني كتمت هواكم ... لما كان مكتوما بشرق ولا غرب
ومما شجا قلبي المعنّى وشفه ... رضاكم بإهمال الإجابة عن كتبي
وقد كنت لا أخشى مع الذنب جفوة [1] ... فقد صرت أخشاها وما لي من ذنب
ولما سرى الوفد العراقي نحوكم ... وأعوزني المسري إليكم مع الركب
جعلت كتابي نائبي عن ضرورة ... ومن لم يجد ماء تيمم بالترب
ونفذت أيضا بضعة من جوارحي ... لتنبئكم عن شرح حالي وتستنبي
147/ ب/ ولست أرى إذكاركم بعد خبركم ... بمكرمة حسبي اهتزازكم حسبي
توفي أنوشروان في رمضان هذه السنة، ودفن في داره بالحريم الطاهري، ثم نقل بعد ذلك إلى الكوفة فدفن بمشهد علي عليه السلام وكان يميل إلى التشيع.
__________
[1] في ص: «لا أخشى مع الذهب جفوة» .(17/334)
ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[طرد الكتاب اليهود والنصارى من الديوان]
أنه طردت الكتاب اليهود والنصارى من الديوان والمخزن، ثم أعيدوا في الشهر أيضا، وفرغ بهروز من المصلحة التي تصدى لحفرها، وهي نهر دجيل، وولي القضاء أبو يعلى بن الفراء قضاء باب الأزج في صفر.
وكانت زلزلة بجنزة أتت على مائتي ألف وثلاثين ألفا، فأهلكتهم، وكانت الزلزلة [1] عشرة فراسخ في مثلها.
قال المصنف: وسمعت شيخنا ابن ناصر يقول: قد جاء الخبر أنه خسف بجنزة وصار مكان البلد ماء أسود، وقدم التجار من أهلها فلزموا المقابر يبكون على أهاليهم.
ووصل رسول من ابن قاورت ملك كرمان إلى السلطان مسعود يخطب خاتون زوجة المستظهر ومعه التحف، فجاء وزير مسعود إلى دارها فاستأذنها فأذنت [2] ، فحضر القضاة دار السلطان ووقع الملاك على مائة ألف دينار، ونثرت الدراهم والدنانير، وذلك في ثامن عشر صفر، وسيرت إليه فكانت وفاتها هنالك.
وفي ربيع الأول: أزيلت المواصير والمكوس، ونقشت الألواح/ بذلك، 148/ ب واستوزر السلطان رجلا من رؤساء الري يقال له: محمد الخازن، فأظهر العدل، ورفع
__________
[1] في الأصل: «وكانت الزلزلة بجنزة أتت على مائتي ألف وثلاثين ألف فأهلكتهم وكانت الزلزلة» .
[2] في الأصل: «دارها فتأذنها فأذنت» .(17/335)
المكوس والضرائب، وكان حسن السيرة فدخل عليه رجلان يقال لاحدهما ابن عمارة.
والآخر ابن أبي قيراط يطلبان ضمان المكوس التي أزيلت بمائة ألف دينار، فرفع أمرهما إلى السلطان، فشهرا في البلد مسودين الوجوه وحبسا، فلم يتمكن أعداؤه مما يريدون منه فأوحشوا بينه وبين قراسنقر صاحب آذربيجان، فأقبل قراسنقر في العساكر العظيمة، وقال: إما حمل رأسه إلي أو الحرب، فخوفوا السلطان من حادثة لا تتلافي الفسخ، ففسح لهم في قتله على كره شديد فقتله تتر الحاجب [1] بيده من شدة حنقه، وحمل رأسه إلى قراسنقر.
وفي هذه السنة: قدم المغربي الواعظ، وكان يتكلم في الأعزية فأشير عليه بعقد مجلس الوعظ فوعظ، وكان ينشد بتطريب، وينده بالسجوع [2] ، فنفق على الناس نفاقا كثيرا فتأثر الغزنوي بذلك، ومنعه من الجلوس فتعصب له أقوام فأطلق في الجلوس واركب فرس وزير السلطان فطيف به في الأسواق، وأبيح له الجلوس أين شاء وقرر له الجلوس في دار السلطان، فيقال إن الغزنوي احتال حتى لم يقع ذلك.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر،
4047- أحمد بن عبد الباقي بن منازل، أبو المكارم الشيباني
[3] :
ولد سنة ستين، وسمع ابن النقور، وابن أبي عثمان، وعاصما. وكان شيخا صالحا مستورا، وسماعه صحيح، وحدث وتوفي في صفر هذه السنة، ودفن بباب حرب.
4048- زاهر بن طاهر بن محمد، أبو القاسم بن أبي عبد الرحمن بن أبي بكر/ 149/ أالشحامي
[4] :
__________
[1] في الأصل: «على كره من قتله تتر الحاجب» . وفي ص: «على كره شديد فقتله تنزو الحاجب» .
[2] في الأصل: «وينده بالشجوع» .
[3] لم أقف على ترجمته.
[4] في ص: «أبو محمد القاسم» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 215، وشذرات الذهب 4/ 102) .(17/336)
ولد سنة ست وأربعين وأربعمائة، ورحل في طلب الحديث وعمر، وكان مكثرا متيقظا صحيح السماع، وكان يستملي على شيوخ نيسابور، وسمع منه الكثير بأصبهان والري وهمذان والحجاز وبغداد وغيرها، وأجاز لي جميع مسموعاته، وأملى في جامع نيسابور قريبا من ألف مجلس، وكان صبورا على القراءة عليه، وكان يكرم الغرباء الواردين عليه ويمرضهم ويداويهم ويعيرهم الكتب، وحكى أبو سعد السمعاني أنه كان يخل بالصلاة [قال: وسئل عن هذا، فقال: لي عذر وأنا أجمع بين الصلوات] [1] . ومن الجائز ان يكون به مرض، والمريض يجوز له الجمع بين الصلوات، فمن قلة فقه هذا القادح رأى هذا الأمر المحتمل قدحا.
توفي زاهر في ربيع الآخر من هذه السنة بنيسابور، ودفن في مقبرة يحيى بن يحيى.
4049- عبد الله بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف، أبو القاسم بن أبي الحسين، أخو شيخنا عبد الخالق:
ولد سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وسمع من ابن المهتدي، وابن المسلمة، وابن المأمون، وابن النقور، والصريفيني [2] ، وغيرهم. وكان خيرا صالحا، وجاور بمكة سنين وسكن بغداد في الحربية.
وتوفي في رجب هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
4050-[عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علي بن جعفر أبو القاسم
[3] .
خطيب أصبهان، ولد في ربيع الآخر من سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، قدم علينا من سنة عشرين وخمسمائة. وروى لنا عن أبي الطيب عبد الرزاق بن عمر بن سمة.
وتوفي في هذه السنة] .
4051- عبد العزيز بْن عثمان بن إبراهيم بن محمد أبو محمد الأسدي
[4] :
من أهل بخارى، ولي القضاء بها، وهو من بيت العلم والحديث، من أولاد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ت: «والصيرفي» .
[3] هذه الترجمة ساقطة من جميع النسخ، وأوردناها من ت.
[4] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 312) .(17/337)
الأئمة، وكان وافرا وقورا سخيا محمود السيرة، ورد بغداد فسمع بها من جماعة منهم أبو طالب بن يوسف، وقد سمع ببلده وبالكوفة، وأملى ببخارى.
وتوفي في هذه السنة.
4052- علي بن أفلح، أبو القاسم الكاتب:
كان فيه فضل حسن، وله شعر مليح إلا أنه كان متجرئا كثير الهجو، وكان قد خلع 149/ ب عليه المسترشد باللَّه/ ولقبه جمال الملك، وأعطاه أربعة آدر في درب الشاكرية، وكان هو قد اشترى دورا إلى جانبها، فهدم الكل وأنشأ دارا كبيرة، وأعطاه الخليفة خمسمائة دينار، وأطلق له مائة جذع ومائتي ألف آجرة، وأجرى له إدرارا في كل سنة، فظهر أنه يكاتب دبيسا، وسبب ظهور ذلك أنه كان في المسجد الذي يحاذي دار السماك رجل يقال له مكي يصلي بالناس ويقرئ القرآن، فكان إذا جاء رسول دبيس أقام عند ذلك الإمام بزي الفقراء فاطلع على ذلك بواب ابن أفلح، واتفق أن ابن افلح غضب على بوابه فضربه فاستشفع بالناس عليه، فلم يرده، فمضى وأطلع صاحب الشرطة على ذلك فمضى فكبس المسجد وأخذ الجاسوس، وهرب ابن أفلح وإمام المسجد، وأمر المسترشد بنقض داره، وكان قد غرم عليها [عشرين] [1] ألف دينار، وكان طولها ستين ذراعا في أربعين، وقد أجريت بالذهب وعملت فيها الصور وفيها الحمام العجيب فيه بيت مستراح فيه بيشون [2] ، إن فركه الإنسان يمينا خرج الماء حارا، وإن فركه شمالا خرج باردا، وكان على أبواب الدار مكتوب:
إن عجب الزوار من ظاهري ... فباطني لو علموا أعجب
شيدني من كفه مزنة ... يحمل منها العارض الصبب
ودبجت روضة أخلاقه ... في رياضا نورها مذهب
صدر كسا صدري من نوره ... شمسا على الأيام لا تغرب
وكان على الطراز مكتوب:
ومن المروءة للفتى ... ما عاش دار فاخره
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص، ط، ت: «فيه بثيون» .(17/338)
فاقنع من الدنيا بها ... واعمل لدار الآخرة
/ هاتيك وافية بما ... وعدت وهذي ساحره
150/ أوكان على الحيرى مكتوب:
وناد كأن جنان الخلود ... أعارته من حسنها رونقا
وأعطته من حادثات الزمان ... أن لا تلم به موثقا
فأضحى يتيه على [كل] ما [1] ... بنى مغربا كان أو مشرقا
تظل الوفود به عكفا ... وتمسي الضيوف له طرقا
بقيت له يا جمال الملوك ... والفضل مهما أردت البقا
وسالمه فيك ريب الزمان ... ووقيت منه الذي يتقا
قال المصنف رحمه الله: وقد رأيت أنا هذه الدار بعد أن نقضوها، ثم ظهر أن ابن أفلح مضى إلى تكريت فاستجار ببهروز الخادم، ثم آل الأمر إلى أن عفي عنه.
ومن شعره المستحسن قوله:
دع الهوى لأناس يعرفون به ... قد مارسوا الحب حتى لان أصعبه
بلوت نفسك فيما لست تخبره ... والشيء صعب على من لا يجربه
افن اصطبارا وإن لم تستطع جلدا ... فرب مدرك أمرٍ عز مطلبه
أحنى الضلوع على قلب يحيرني ... في كل يوم ويعييني تقلبه [2]
تناوح الريح من نجد يهيجه ... ولا مع البرق من نعمان يطربه
وله في أخرى:
منع الشوق جفوني أن تناما ... وأذاب القلب وجدا وغراما
يا نداماي على كاظمة ... هل ترومون وقد بنت مراما
أنا مذ فارقتكم ذو ندم ... فتراكم يا نداماي نداما
يا خليلي قفا ثم اسألا ... عن غزال نبه الشوق وناما
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «ويعييني تطلبه» .(17/339)
150/ ب/ وقفا نسأل رسما عافيا ... أين من كان به قدما أقاما
وله في أخرى:
هذه الخيف وهاتيك منى ... فترفق أيها الحادي بنا
واحبس الركب علينا ساعة ... نندب الربع ونبكي الدمنا
فلذا الموقف أعددنا الأسى ... ولذا الدمن دموعي تقتنا [1]
زمنا كانوا وكنا جيرة ... يا أعاد الله ذاك الزمنا
بيننا يوم أثيلات النقا ... كان عن غير تراض بيننا
ومن رسائله أنه كتب إلى أبي الحسن ابن التلميذ كتابا يقول فيه: أطال الله بقاء سيدنا طول اشتياقي إليه، وأدام تمكينه دوام ثنائي عليه، وحرس نعمته حراسة ضميره للأسرار، وكبت أعداءه كبت صبري يوم تناءت به الدار عن سلامة انتقلت بعده من جسمي إلى ودي وعافية، كان يوم بينه بها آخر عهدي، وأنا أحمد الله العلي على ما يسوء ويسر، وأديم الصلاة على رسوله وآله المحجلين الغر، وبعد: فإني أذكر عهد التزاور ذكر الهائم الولوع، وأحن إلى عصر التجاور حنين الهائم إلى الشروع [2] :
وإني وحقك منذ ارتحلت ... نهاري حنين وليلي أنين
وما كنت أعرف قبل امرأ ... بجسم مقيم وقلب يبين
وكيف السلو إلى سلوتي [3] ... وحزني وفي وصبري خؤون
151/ أوعجيب أن لا أكون [4] كذلك، وقد أخذت حسن الوفاء عنه، واكتسبت/ خلوص الصفاء منه، وطريف أن لا أهيم به شغفا، وأجرى [5] على مفارقته أسفا، وقد فتنتني منه دماثة تلك [الأخلاق] [6] والشمائل التي شغلني كلفي بها عن كل شاغل، فما لي دأب
__________
[1] في ص: «ولذا الدم دموعي» . وفي الأصل: «ولذا الد اليوم دموعي» .
[2] في الأصل: «التجاوز حنين الحايم» .
[3] في الأصل: «وكيف السبيل إلى سلوتي» .
[4] في ص: «وعجبت أن لا أكون» .
[5] في ص: «أن لا أهيم به ضعفا وأجرى» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(17/340)
منذ سارت به الركائب سوى تذكر محاسنه التي تأدبت بجزيل آدابها ولا شغل منذ دعا البين فأجابه غير التفكير في فضائله التي تشبثت بفواضل أهدابها والابتهاج بوصف مشاهدته من خلائفه الزهر، والافتخار بمودته على أبناء الدهر، وإن كان ما ينتهي إليه اسطاعتي من الثناء عليه قد تناقله قبلي الرواة، وغنى طربا بذكره الحداة فإنني جئت مثنيا على خلاله [1] الرضية ما نسوه، وذاكرا من أفعاله المرضية كل صالح لم يذكروه.
فأجابه بجواب كتبت منه كلمات مستحسنة، وهي: كتبت إلى حضرة سيدنا مد الله في عمره امتداد أملي فيه، وأدام علوه دوام بره لمعتفيه، وحرس نعماه حراسة الأدب بناديه [2] ، وكبت أعداءه كبت الجدب نبت أياديه، على سلامة سلمت بتأميل إيابه، وعافية عفت لولا قراءة كتابه:
وإني وحقك مذ بنت عنك ... قلبي حزين ودمعي هتون
وأخلف ظني صبر معين ... وشاهد شكواي دمع معين
وللَّه أيامنا الخاليا ... ت لو رد سالف دهر حنين
وإني لأرعى عهود الصفاء ... ويكلؤها لك سر مصون
وأحفظ ودك عن قادح ... وود الأكارم علق ثمين
ولم لا ونحن كمثل اليدين ... وأنت بفضلك منها اليمين
إذا قلت أسلوك قال الغرام ... هيهات ذلك ما لا يكون
وهل في سلو له مطمع ... وصبري خؤون وودي أمين
4053- محمد بن حمزة بن إِسْمَاعِيل بن الحسن بن علي بن الحسين، أبو المناقب الحسيني [3] العلوي:
من أهل همذان، رحل إلى البلاد، وكتب الحديث الكثير فسمع وجمع، وكان يروي عن جده علي بن الحسين/ الحسيني أشعارا منها: 151/ ب
وما لك من دنياك إلا بليغة ... تزجى بها يوما وتقضي بها ليلا
__________
[1] في الأصل: «فإنني جئت شنيا على خلاله» .
[2] في ص: «حراسة الأدب بتأديبه» .
[3] في ت: «بن الحسين بن الحسن، أبو المناقب» .(17/341)
وما دونها مما جمعت فإنه ... لزيد وعمرو أو لأختهما ليلى
4054- محمد بن شجاع بن أبي بكر بن علي بن إبراهيم اللفتواني، أبو بكر
[1] .
ولفتوان قرية [2] من قرى أصبهان، ولد سنة سبع وستين وأربعمائة، وسمع أبا عمرو بن منده، وأبا محمد التميمي، وطرادا لما قدم أصبهان، وورد بغداد بعد العشرين وخمسمائة فسمع من مشايخها، وكان شيخا صالحا فقيرا ثقة متعبدا، حدثنا عنه أشياخنا.
وتوفي بأصبهان في جمادى الآخرة من هذه السنة.
خاتمة الناسخ
هذا آخر الجزء السابع عشر من المنتظم في أخبار الأمم، يتلوه في الجزء الثامن عشر دخول سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، وكان الفراغ منه في يوم الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة سنة ست وثمانمائة، أحسن الله عاقبتها وتعضد بخير بمنه وكرمه، غفر الله لمن استكتبه وكتبه أو نظر فيه، ودعا لهم بالمغفرة وخاتمه الخير بمنه وكرمه، والحمد للَّه رب العالمين، وصلوا على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
__________
[1] في الأصل: «إبراهيم اللفقواني، أبو بكر» .
وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 281) .
[2] في الأصل: «ولفنوان قرية» .(17/342)
[المجلد الثامن عشر]
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم دخلت سنة اربع وثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[بدأ بهروز يعمل سكر النهروانات]
أنه بدأ بهروز يعمل سكر النهروانات فبناه دفعتين وهو يتفجر، ثم استحكم في الثالثة، وما زال يعمل عليه إلى أن مات في سنة أربعين.
وولدت في هذه السنة ابنة قاور [1] من السلطان مسعود ولدا ذكرا، فعلقت بغداد وظهرت المنكرات، فبقيت ثمانية أيام فمضى ابن الكواز الزاهد إلى باب [ابن] [2] قاور وقال: إن أزلتم هذا وإلا بتنا في الجوامع، وشكونا إلى الله [3] تعالى فحطوا التعاليق فمات الولد
[تعليق البلد لأجل دخول خاتون]
وعلقت البلد لأجل دخول [4] خاتون بنت محمد زوجة المقتفي، وكانت قد وصلت مع أخيها مسعود، وأقامت عنده بدار المملكة ثم دخلت إلى الخليفة في زي عجيب وبين يديها زوجة السلطان مسعود بنت دبيس وبنت قاور، ويحجبها الوزير شرف الدين والمهد ومركب الخليفة [5] وذلك في جمادى الأولى.
ثم وقع في رجب إملاك السيدة بنت أمير المؤمنين [لمسعود] [6] ، وحضر وزير
__________
[1] في الأصل: «ابنة قاور» . وفي ت: «ابنة قاد» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «وشكرنا إلى الله تعالى» . والتصحيح من ص.
[4] في ت: «وعلقت بغداد لأجل دخول» .
[5] في الأصل: «فركب الخليفة» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/3)
الخليفة ووزير السلطان والوجوه، ونثر عليهم، وتمكن الوزير أبو القاسم بن طراد من الدولتين.
ونفذ الخليفة خدما وعمالا على البلاد من غير مشاورة الوزير وجرت بينهما وحشة وانقطع الوزير عن الخدمة، ثم وقع الصلح في [خامس عشر من] [1] شعبان، وخلع على الوزير واختصم أصحاب ترشك [وأصحاب الوزير، فبعث الوزير إلى السلطان] [2] مسعود فقبض عليه، فأشار الوزير بأن يكون في خدمة السلطان تحت ركابه، فأخذه مسعود في صحبته، فثقل ذلك على الخليفة لكونه من خاصته، 2/ ب ثم/ أشير على السلطان بإعادته فأعاده، ثم منع الوزير ثقة الدولة ابن الأبري من الدخول إلى الخليفة، وكان وكيله قديما فثقل ذلك على الخليفة فقبض على حاجب الوزير، فاستشعر الوزير من ذلك فقصد دار السلطان مسعود في سميرية وسط النهار، وأقام بها [وذلك في ذي القعدة من هذه السنة] [3] فروسل في العود إلى منصبه، فامتنع وكانت الكتب تعنون باسمه إلى أن ورد جواب مكتوبات الخليفة إلى السلطان من المعسكر يقول له: كلنا بحكمك فول من تريده واعزل من تريد، فبعث إليه على يدي صاحب المخزن وابن الأنباري ونجاح الخادم، فعزله من الوزارة وهو مقيم بدار المملكة، وذلك في ذي الحجة، واستناب قاضي القضاة الزينبي، وتقدم بفتح الديوان، وجرت الأمور على العادة، ثم إن قاضي القضاة مرض فاستنيب ابن الأنباري.
وتوفي رجل خير من باب الأزج ونودي عليه، واجتمع الناس في مدرسة عبد القادر للصلاة عليه فلما أريد غسله عطس وعاش، وأحضرت جنازة [رجل غيره] [4] أخرى فدخل عليه فصلى ذلك الخلق عليها.
وتكاثرت كبسات العيارين وصاروا يأخذون مجاهرة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/4)
وولي أبو الحسين الدامغاني [1] قضاء الجانب الغربي، وجلس ابن السهروردي للوعظ [2] في النظامية [في شعبان] [3] وحضر أرباب الدولة.
وفي رمضان عزل ابن الصاحب من باب النوبي، وولي مكانه ابن مسافر، ثم عزل في ذي الحجة وولي أبو غالب بن المعوج.
وغارت المياه من أقطار الأرض، ونقص ماء دجلة نقصا لم ير مثله، ورفعت كراسي الوعاظ من جامع القصر.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4055- أحمد بن جعفر بن الفرج، أبو العباس الحربي
[4] .
كان شيخا صالحا، حسن السمت، قليل الكلام مشغولا بالعبادة، سمع أبا عبد الله الحسين/ بن أحمد النعالي وغيره، وكان يقال أنه رئي بعرفات في بعض 3/ أالسنين التي لم يحج فيها، ودخل عليه بعض أهل الحربية قبل موته بيوم، فقال له: إذا كان غدا واتفق ما يكون- يعني موته- فاخرج من المحلة فإنك ترى عند العقد شيخا فقل له مات أحمد بن جعفر.
فلما مات خرج الرجل فرأى رجلا قائما على يمين الطريق، قال فقال لي قبل أن أكلمه مات الشيخ أحمد؟ فقلت: نعم، فمشى فاتبعته فلم ألحقه وغاب عني في الحال.
توفي في هذه السنة، وصلى عليه في تربة القزويني، ودفن بالحربية، ثم نقل بعد ذلك إلى مقبرة باب حرب.
4056- أحمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني، أبو القاسم
[5] .
توفي في شوال.
__________
[1] في ت، والأصل: «وولي أبو الحسن بن الدامغانيّ» .
[2] في ص، والأصل: «وجلس ابن الشهرزوريّ للوعظ» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 2/ 217)
[5] هذه الترجمة ساقطة من ت.(18/5)
4057- أحمد بن محمد بن الحسين بن علي، أبو الحسن [1] الياباني.
من أهل واسط، ولد بها وسمع بها من المشايخ، وانتقل إلى بغداد فسكنها، وسمع بها من أبي الخطاب نصر بن النظر، وأبي القاسم بن فهد، وكان حافظا لكتاب الله، دينا خيرا يبين آثار الصلاح على وجهه. توفي في شعبان هذه السنة ببغداد.
4058- أحمد بن منصور بن الموصل، أبو المعالي الغزال:
[2] .
سمع أبا الحسين بن النقور، وأبا نصر الزينبي وغيرهما، وحدث وكان خيرا يسقي الأدوية بالمارستان العضدي، وكان يعبر الرؤيا، أتاه رجل يوم الجمعة الثامن والعشرين من ربيع الآخر من هذه السنة فقال: رأيت البارحة في النوم كأنك قدمت في هذا الموضع، وأشار إلى خربة مقترنة بالمارستان، ففكر ساعة ثم قال: ترحموا علي، ثم مضى فصلى الجمعة في جامع المنصور، ورجع إلى المارستان فوصل قريبا من 3/ ب الموضع الذي عينه صاحب المنام فسقط ومات فجأة، ودفن بمقبرة باب حرب.
4059- إبراهيم بن سليمان بن رزق الله، أبو الفرج الورديسي الضرير:
وورديس قرية عند إسكاف، سمع أبا محمد التميمي وغيره، وكان فهما للحديث، حافظا لأسماء الرجال، ثقة، سمع الحديث الكثير وحدث بشيء يسير.
وتوفي يوم الجمعة سابع ربيع الأول، ودفن بباب حرب.
4060- ثابت بن حميد المستوفي:
قبض عليه الوزير البروجردي فحبسه في سرداب بهمذان في الشتاء بطاق قميص، فمات من البرد، وأخذ من ماله ثلاثمائة ألف دينار.
4061- جوهر الخادم الحبشي:
خادم سنجر المعروف بالمقرب، كان مستوليا على مملكته [3] ، متحكما فيها، فجاءه باطنية في زي النساء فاستغاثوا إليه فقتلوه بالري في هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: أبو الحسين الباباني» . وفي ت: «أبو الحسن البابامي» .
[2] في ص: «أحمد بن منصور، أبو المعالي الغزال» .
[3] في الأصل: «كان متوليا على مملكته» .(18/6)
4062- عبد السلام بن الفضل أبو القاسم [1] الجيلي.
سمع الحديث وتفقه على إلكيا الهراسي، وبرع في الفقه والأصول، وولي القضاء بالبصرة، وكان وقورا ذا هيئة [2] ، وجرت حكوماته على السداد، وكان أبو العباس بن المعتي الواعظ البصري يقول: ما بالبصرة ما يستحسن غير القاضي عبد السلام والجامع. توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
4063-[فضل الله بن مُحَمَّد بن عبد العزيز، أبو مُحَمَّد
[3] :
قاضي العراق، ولد في رجب سنة اثنتين وثلاثين وأربع مائة.
وتوفي في محرم هذه السنة] .
4064- فاطمة بنت عبد الله، الخيري [4] الفرضي:
ولدت في جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين وسمعت من ابن المسلمة وابن النقور والصريفيني وغيرهم وحدثت عنهم.
وتوفيت ليلة الاثنين خامس رجب هذه السنة ودفنت بباب أبرز.
4065- المهدي بن محمد، أبو البركات
[5] :
نشأ ببغداد وكان واعظا حسن العبارة، وسمع أبا الخطاب بن النظر، والحسين بن طلحة النعالي، وثابت بن بندار، وأبا الحسين بن الطيوري وغيرهم، فخسف بجنزة في هذه السنة، فهلك فيها عالم عظيم لا يحصى [6] من المسلمين منهم المهدي.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 217) .
[2] في ت: «وكان وقورا ذا هيبة» .
[3] هذه الترجمة ساقطة من كل الأصول، وأوردناها من ت.
[4] في ت: «فاطمة بنت إبراهيم بن عبد الله الخيريّ» .
[5] في ت: «المهدي بن محمد إسماعيل، أبو البركات العلويّ» .
[6] في ت: «فهلك فيها عالم لا يحصى» .(18/7)
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وخمسمائة
4/ أفمن الحوادث فيها/.
[استوزر أبو نصر المظفر ابن محمد بن جهير]
أنه استوزر أبو نصر المظفر بن محمد بن جهير [1] نقل من أستاذيةالدار إلى الوزارة.
ووصل إلى بغداد رجل أظهر الزهد والنسك [2] ، وأقام في قرية السلطان بباب بغداد، فقصده الناس من كل جانب، واتفق أن بعض أهل السواد دفن ولدا له قريبا [3] من قبر السبتي، فمضى ذلك المتزهد فنبشه ودفنه في موضع، ثم قال للناس في بعض الأيام: اعلموا أنني قد رأيت عمر بن الخطاب في المنام ومعه علي بن أبي طالب فسلمت عليهما وسلموا [4] علي، وقالا لي: ان في هذا الموضع صبي من أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وخطا لي المكان وأشار إلى ذلك الموضع، فحفروه فرأوا الصبي [5] وهو أمرد فمن وصل إلى قطعة من أكفانه فكأنه قد ملك الملك، وخرج أرباب الدولة وأهل بغداد وانقلب البلد وطرح في الموضع دساتيج الماء الورد والبخور، وأخذ التراب للتبرك، وازدحم الناس على القبر حتى لم يصل أحد من كثرة الزحام، وجعل الناس يقبلون يد الزاهد وهو يظهر التمنع والبكاء والخشوع، والناس
__________
[1] في ت: «استوزر أبو المظفر بن جهير» .
[2] في الأصل: «أظهر الزهد والتنسك» .
[3] في ت: «دفن ابنا له قريبا» .
[4] في ت: «فسلمت عليهما وسلما» .
[5] في ت: «فحفروه فوجدوا الصبي» .(18/8)
تارة يزدحمون عليه وتارة يزدحمون على الميت [وبقي الناس على هذا أياما] [1] والميت مكشوف يبصره الناس، ثم ظهرت رائحته وجاء جماعة من أذكياء بغداد فتفقدوا كفنه فوجدوه خاما ووجدوا تحته حصيرا جديدا فقالوا [2] : هذا لا يمكن أن يكون على هذه الصفة منذ أربعمائة سنة فما زالوا ينقبون عن ذلك حتى جاء السوادي فأبصره، وقال: هذا والله ولدي وكنت دفنته عند السبتي، فمضى معه قوم إلى المكان فرأوا القبر قد نبش وليس فيه ميت، فلما سمع الزاهد ذلك هرب فطلبوه ووقعوا به فأخذوه فقرروه فأقر أنه فعل ذلك حيلة. فأخذ واركب حمارا [3] وشهر، وذلك في ربيع الآخر من هذه السنة.
وفي يوم الاثنين تاسع ربيع الآخر [4] : نفذ السلطان مسعود كأسا/ لبهروز ليشربه 4/ ب فشربه وعلقت بغداد، وعمل سماعا عظيما في دار البرسقي، فحضر عنده أرباب الدولة وحضر جميع القيان [5] ، وأظهر الناس الطبول والزمور والفساد والخمور.
واعترض على شيخ الشيوخ إِسْمَاعِيل وقيل له لا تدخل ولا تخرج ولا يقربك أحد من أبناء الدنيا لأجل قربه من الوزير الزينبي.
وفي ربيع الآخر: أخذ المغربي الواعظ مكشوف الرأس [إلى باب النوبي] [6] لأنه وجد في داره خابية نبيذ مدفونة وآلات اللهو من عود وغيره، فحبس وانهال عليه الناس يسبونه، وكان ينكر ذلك ويقول: ان امرأته مغنية والآلات لها وما علمت [7] .
وفي جمادى الآخرة عزل جماعة من المعدلين ابن غالب، وأحمد بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ت: «حصيرا جديدا فتفقدوا» .
[3] في ت: «وركب حمارا وشهر» .
[4] في ت: «وفي يوم الاثنين تاسع عشر ربيع» .
[5] في ت: «وأظهر جميع القيان» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] في ت: «وما علم» .(18/9)
الشارسوكي، وابن جابر، وابن شافع، وابن الحداد، وابن الصباغ، وابن جوانوه، ثم عزل آخرون فقارب عدد الكل ثلاثين [1] .
وفي شوال: فتحت المدرسة التي بناها صاحب المخزن بباب العامة، وجلس للتدريس فيها أبو الحسن ابن الخل، وحضر قاضي القضاة الزينبي وأرباب الدولة والفقهاء، وحضرت مع الجماعة ووصل في ذي القعدة رسول من عند سنجر ومعه البردة والقضيب فسلمه إلى المقتفي [2] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4066- إِسْمَاعِيل بن محمد بن الفضل بن علي بن أحمد أبو القاسم [3] الطلحي:
من أهل أصبهان، ولد سنة تسع وخمسين سافر البلاد وسمع الكثير [ونسخ] [4] وأملى بجامع أصبهان قريبا من ثلاثة آلاف مجلس، وهو إمام في الحديث والتفسير واللغة، حافظ متقن دين، توفي في ليلة عيد الأضحى من هذه السنة بأصبهان.
أنبأنا شيخنا أبو الفضل بن ناصر، قال حدثني أبو جعفر محمد بن أبي المرجي الأصبهاني، [5] وهو ابن أخي إِسْمَاعِيل الحافظ، قال: حدثني أحمد الأسواري، وكان ثقة، وهو تولى غسل إِسْمَاعِيل بن محمد الحافظ، أنه أراد أن ينحي الخرقة عن سوأته 5/ أوقت الغسل فجذبها الشيخ إِسْمَاعِيل من يده [وغطى بها فرجه] [6] / فقال الغاسل:
أحياة بعد موت؟!.
__________
[1] في ت، والأصل: «ثم عزل آخرون يقارب عدد الكل ثلاثين» .
[2] في ت: «تم المجلد الثالث والعشرون. بسم الله الرحمن الرحيم، ذكر من توفي ... » .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 217، وفيه: «إسماعيل بن محمد بن علي» وشذرات الذهب 4/ 105، وتذكر الحفاظ 1277، ومرآة الجنان لليافعي 3/ 263، والنجوم الزاهرة 5/ 267، وطبقات المفسرين لابن الداوديّ 105، والأعلام 1/ 333، والكامل 9/ 318) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «محمد بن أبي الكرجي الأصبهاني» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/10)
4067- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد بن الحسن بن مبارك، أبو منصور القزاز المعروف بابن زريق:
[1] .
كان من أولاد المحدثين، سمعه أبوه وعمه الكثير [2] ، وكان صحيح السماع، وسمع شيخنا أبو منصور من ابن المهتدي، وابن وشاح، وأبي الغنائم ابن الدجاجي، وجابر بن ياسين، والخطيب، وأبي جعفر ابن المسلمة، وأبي محمد الصريفيني، وأبي بكر الخياط، وأبي الحسين بن النقور [3] ، وغيرهم، وكان ساكتا قليل الكلام، خيرا سليما، صبورا على العزلة، حسن الأخلاق.
وتوفي في شوال هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب [4] .
4068- عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار، أبو منصور ابن توبة أخي المقدم
[5] :
ولد سنة اثنتين وستين، وسمع أبا الحسين ابن النقور، وأبا محمد الصريفيني، وأبا منصور ابن العكبري، وأبا نصر الزينبي، وصحب أبا إسحاق الشيرازي، وكان ثقة دينا صدوقا مليح الشيبة، قيما بكتاب الله.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن بمقبرة باب أبرز.
4069- عطاء بن أبي سعد بن عطاء بن أبي عياض، أبو محمد الفقاعي الثعلبي
[6] :
من أهل هراة، ولد سنة أربع وأربعين وأربعمائة، وسمع ببغداد من أبي القاسم ابن البسري، وأبي نصر الزينبي، وطراد وغيرهم، وكان من المريدين لعبد الله بن محمد
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 106) .
[2] في ص: «سمعه أبوه وعمه الكبير» .
[3] في الأصل: «وأبي الحسن بن النقور» .
[4] في الأصل: «يقول الناسخ: وهذا أبو منصور القزاز الّذي معظم اعتماد الشيخ عليه في هذا التاريخ، ويحيل رواياته التاريخ عن الخطيب» .
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 108) .
[6] في الأصل: «ابن أبي العاصي، أبو محمد» .
وانظر ترجمته في: (الأنساب للسمعاني 9/ 322) .(18/11)
الأنصاري، فضرب المثل به في إرادته له وخدمته إياه، ولما خرج عبد الله الأنصاري إلى بلخ [جرت لعطاء مع النظام العجائب، وكان النظام يحتمله] [1] وخرج النظام إلى غزو الروم، فكان يعدو معه فوقع أحد نعليه فما التفت إليه، وخلع الآخر وعدا فأمسك النظام الدابة، وقال: أين نعلاك؟ قال: وقع أحدهما فما وقفت خشية ان تفوتني [2] ، فقال: فلم خلعت الآخر؟ قال: لأن شيخي الأنصاري أخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن 5/ ب يمشي/ الإنسان في نعل واحدة. فأعجب النظام ذلك، وقال: اكتب إن شاء الله حتى يرجع شيخك إلى هراة، اركب بعض الجنائب، فقال: شيخي في المحنة وأنا أركب بعض الجنائب؟ لا أفعل ذلك، فعرض عليه مالا فلم يقبل. وتحرك نعل فرس النظام، فنزل الركابي ليقلعه فوقف النظام الفرس فقعد عطاء قريبا منه، وجعل يقشر جلد رجله ويرمي [3] بها، وقال للنظام: ارم أنت نعل الخيل ونرمي نحن جلد الرجل ونبصر ما يعمل القضاء ولمن تكون العاقبة، وقال له النظام: إلى كم تقيم ها هنا؟ أما لك أم تبرها؟
فقال: نحن نحسن نقرأ، قال: وأي شيء مقصودك؟ فأخرج كتابا من أمه، وفيه: «يا بني إن أردت رضا الله ورضا أمك فلا ترجع إلى هراة ما لم يرجع شيخك الأنصاري» .
وآل الأمر إلى أن حبس ثم أخرج فقدم إلى خشبة ليصلب، فوصل في الحال من السلطان من أمر بتركه، فلما أطلق رجع إلى التظلم والتشنيع. وتوفي في هذه السنة.
4070- مُحَمَّد بن أَحْمَد بن محمد بن عبد الجبار بن توبة، أبو الحسين الأسدي العكبري
[4] :
ولد سنة خمس وخمسين وأربعمائة، وقرأ القرآن بروايات، وكان حسن التلاوة، وسمع الحديث من [أبي الغنائم] ابن المأمون، وأبي جعفر ابن المسلمة، وأبي محمد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص، ط: «وقفت خشيت أن تفوتني» .
[3] في ص: «وجعل يقشر ايا كان رجله ويرمى بها» .
[4] في ت: «بن عبد الجبار بن يوية، أبو الحسن، العكبريّ أخو المتقدم» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 107) .(18/12)
الصريفيني، وأبي الحسين ابن النقور، وأبي بكر الخطيب، وغيرهم، وقرأ شيئا من الفقه على أبي إسحاق، وكان له سمت ووقار وبهاء.
توفي يوم الثلاثاء سابع عشر صفر من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب أبرز.
4071- محمد بن عبد الباقي
بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الربيع بن ثابت بن وهب بن مشجعة بن الحارث بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأنصاري أحد الثلاثة الّذي تيب عليهم في قوله تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا 9: 118 [1] أبو بكر بن أبي طاهر ويعرف أبوه بصهر هبة الله [2] البزار.
ولد بالبصرة ونشأ بها وكنا نسأله عن مولده [3] ، فقال: أقبلوا على شأنكم فأني سألت القاضي/ أبا المظفر هناد بن إبراهيم النسفي عن سنه، فقال: أقبل على شأنك، 6/ أفاني سألت أبا الفضل محمد بن أحمد الجارودي عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك، فأني سألت أبا بكر محمد بن علي بن زحر المنقري عن سنه فقال: أقبل على شأنك، فاني سألت أبا أيوب الهاشمي عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا إِسْمَاعِيل الترمذي عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك، فأني سألت البويطي عن سنه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت الشافعي عن سنه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت مالك بن أنس عن سنه فقال لي: أقبل على شأنك، ثم قال لي: ليس من المروءة أن يخبر الرجل عن سنه [4] .
قال لنا شيخنا محمد بن عبد الباقي، ووجدت في طريق آخر قيل له: قال: لأنه إن كان صغيرا استحقروه وإن كان كبيرا استهرموه، ثم قال لنا: مولدي في يوم الثلاثاء عاشر صفر سنة اثنتين وأربعين واربعمائة، وذكر لنا أن منجمين حضرا حين ولدت فأجمعا أن العمر اثنتان وخمسون سنة، قال: وها أنا قد جاوزت التسعين، وأنشدني:
احفظ لسانك لا تبح بثلاثة ... سن ومال ما استطعت ومذهب
__________
[1] سورة: التوبة، الآية: 118.
[2] انظر ترجمته في: (مرآة الزمان 8/ 178، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 230، والبداية والنهاية 12/ 217، 18، وشذرات الذهب 4/ 108، والكامل 9/ 318) .
[3] في الأصل: «وكنا سألناه عن مولده» .
[4] في الأصل: «أن يخبر الرجل عن سنه» .(18/13)
فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة ... بممّوه ومكفر ومكذب
وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وأول سماعه الحديث من أبي إسحاق البرمكي في رجب سنة خمس وأربعين حضورا وسمع من أبي الحسن الباقلاني [1] [سنة ست وأربعين، وكان آخر من حدث في الدنيا عن أبي إسحاق البرمكي، وأخيه أبي الحسن علي بن عمر، والقاضي أبي الطيب الطبري، وأبي طالب العشاري، وأبي الحسن علي بن إبراهيم الباقلاوي] [2] ، وأبي محمد الجوهري، وأبي القاسم عمر بن الحسين الخفاف، وأبي الحسين محمد بن أحمد بن حسنون، وأبي علي الحسن بن غالب المنقري، 6/ ب وأبي الحسين بن الآبنوسي، وأبي طالب بن أبي طالب المكي، وأبي الفضل هبة الله/ ابن المأمون، فهؤلاء تفرد بالرواية عنهم، وقد سمع خلقا كثيرا يطول ذكرهم وكانت له إجازة من أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي، وأبي الفتح بن شيطا، وأبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي، وتفقه على القاضي أبي يعلى بن الفراء، وشهد عند قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، وعمر حتى ألحق الصغار بالكبار، وكان حسن الصورة حلو المنطق مليح المعاشرة، وكان يصلي بجامع المنصور فيجيء في بعض الأيام فيقف وراء مجلسي وأنا على منبر الوعظ فيسلم علي، وأملي الحديث في جامع القصر فاستملى شيخنا أبو الفضل بن ناصر، وقرأت عليه الكثير، وكان فهما ثبتا، حجة متقنا في علوم كثيرة، متفردا في علم الفرائض، وقال يوما: صليت الجمعة بنهر معلى ثم جلست انظر الناس يخرجون من الجامع فما رأيت احدا أشتهي أن أكون مثله، وكان يقول: ما أعلم أني ضيعت من عمري ساعة في لهو أو لعب، وما من علم إلا وقد حصلت بعضه أو كله، وكان قد سافر فوقع في أيدي الروم فبقي في أسرهم سنة ونصفا، وقيدوه وجعلوا الغل في عنقه وأرادو أن ينطق بكلمة الكفر فلم يفعل، وتعلم بينهم الخط الرومي، وسمعته يقول يجب على المعلم أن لا يعنف وعلى المتعلم أن لا يأنف.
وسمعته يقول: كن على حذر من الكريم إذا أهنته، ومن اللئيم إذا أكرمته، ومن العالم إذا أحرجته، ومن الأحمق إذا مازحته، ومن الفاجر إذا عاشرته. وسمعته يقول: من خدم المحابر خدمته المنابر.
__________
[1] في ص: «أبي الحسن الباقلاوي» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/14)
وأنشدني لنفسه:
بغداد دار لأهل المال طيبة ... وللمفاليس دار الضنك والضيق
/ ظللت حيران أمشي في أزقتها ... كأنني مصحف في بيت زنديق 7/ أ
وأنشدني [لنفسه] [1] :
لي مدة لا بد أبلغها ... فإذا انقضت وتصرمت مت [2]
لو عاندتني الأسد ضارية ... ما ضرني ما لم يجي الوقت
ورأيته بعد ثلاث وتسعين صحيح الحواس لم يتغير منها شيء، ثابت العقل، يقرأ الخط الدقيق من بعد، ودخلنا عليه قبل موته بمديدة، فقال: قد نزلت في أذني مادة وما أسمع، فقرأ علينا من حديثه وبقي على هذا نحوا من شهرين، ثم زال ذلك، وعاد إلى الصحة، ثم مرض فأوصى ان يعمق قبره زيادة على ما جرت به العادة، وقال: لأنه إذا حفر زيادة على ما جرت به العادة لم يصلوا إلي، وأن يكتب على قبره: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ 38: 67- 68 [3] ، ولم يفتر عن قراءة القرآن إلى أن توفي.
وتوفي يوم الأربعاء قبل الظهر ثاني رجب هذه السنة، وصلى عليه بجامع المنصور، وحضر قاضي القضاة الزينبي، ووجوه الناس، وشيعناه إلى مقبرة باب حرب، ودفن إلى جانب أبيه قريبا من قبر بشر الحافي.
4072- يوسف بن أيوب بن يوسف بن الحسن بن وهرة، أبو يعقوب الهمدانيّ
[4] :
من أهل بوزنجرد قرية من قرى همذان مما يلي الري، نزيل مرو، جاء إلى بغداد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص: «فإذا انقضت وتصرفت مت» .
[3] سورة: ص، والآية: 68.
[4] في ت: «ابن يوسف بن الحسن» .
وانظر ترجمته في: (هدية العارفين 2/ 552 ومرآة الزمان 8/ 180، وطبقات الشعراني 1/ 159، ومرآة الجنان 3/ 264، 265، وجامع كرامات الأولياء 2/ 289، والأعلام 8/ 220، وشذرات الذهب 4/ 110، 111، والبداية والنهاية 12/ 318) .(18/15)
بعد الستين وأربعمائة، فتفقه على الشيخ أبي إسحاق حتى برع في الفقه وعلم النظر، وسمع أبا الحسين ابن المهتدي، وأبا الغنائم، وأبا جعفر ابن المسلمة، وأبا بكر الخطيب، والصريفيني وأبا بكر ابن النقور وغيرهم، ورجع إلى بلده، وتشاغل بعلم المعاملة وتربية المريدين، فاجتمع في رباطه بمرو جماعة كثيرة من المنقطعين، وقال:
دخلت جبل زر لزيارة الشيخ عبد الله الجوشني [1]- وكان شيخه- قال: فوجدت ذلك 7/ ب الجبل معمورا بأولياء الله تعالى كثير المياه كثير الأشجار، وكل عين رأسها واحد/ من الرجال مشتغل بنفسه، صاحب مجاهدة، فكنت أدور عليهم وأزورهم ولا أعلم في ذلك حجرا لم تصبه دمعتي، وقدم إلى بغداد سنة ست وخمسمائة، فوعظ بها فظهر له قبول تام، وقام إليه رجل يعرف بابن السقاء فآذاه وجرت له في ذلك المجلس قصة قد ذكرتها في سنة ست، ثم عاد إلى مرو ثم خرج إلى هراة، ثم رجع إلى مرو، [ثم عاد إلى هراة، فلما رجع إلى مر] [2] وتوفي بقرية قريبة من هراة يوم الاثنين الثاني والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «الشيخ عبد الله الجوي» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/16)
ثم دخلت سنة ست وثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث، فيها:
[موت إبراهيم السهولي]
أنه مات إبراهيم السهولي [1] رئيس الباطنية، فأحرقه ولد عباس شحنة الري في تابوته.
[دخول خوارزم شاه]
وفيها: دخل خوارزم شاه مرو وفتك فيها مراغمة لسنجر حين تمت عليه الهزيمة، وقبض على أبي الفضل الكرماني متقدم الحنفيين، وعلى جماعة من الفقهاء.
[عمل بثق النهروان]
وفيها: عمل بثق النهروان [2] ، وخلع بهروز على الصناع جميعهم جباب ديباج رومي وعمائم قصب مذهبة وبنى عليه قرية سماها المجاهدية، وبنى لنفسه تربة هناك، ووصل السلطان عقيب فراغه وجريان الماء في النهر فقعد هو والسلطان في سفينة وسارا في النهر المحفور، وفرح السلطان بذلك وقيل انه عاتبه في تضييع [3] المال فقال له: قد أنفقت عليه سبعين ألف دينار، أنا أعطيك إياها من ثمن التبن وحده.
ثم أنه عزله من الشحنكية وولى قزل: فظهر من العيارين ما حير الناس، وذاك أن كل قوم منهم احتموا بأمير فأخذوا الأموال وظهروا مكشوفين، وكانوا يكبسون الدور بالشموع، ويدخلون الحمامات وقت السحر فيأخذون الأثواب، وكان ابن الدجاجي
__________
[1] في الأصل: «إبراهيم السهلوي» وفي ت: «إبراهيم البهلوي» .
[2] في ت: «وفيها تم شق النهروان» .
[3] في ص: «أنه كاتبه في تضييع» .(18/17)
8/ أجالسا ليلة بالحربية/ فكبسوها وأخذوا عمامته، ودخلوا إلى خان بسوق الثلاثاء بالنهار، وقالوا: ان لم تعطونا أحرقنا الخان، ولبس الناس السلاح لما زاد النهب، وأعانهم وزير السلطان، فظهروا وقتلوا المصالحة، وزادت الكبسات حتى صار الناس لا يظهرون من المغرب، ثم ان السلطان أطلق الناس في العيارين فتتبعوا ودخل مسعود إلى داره، ومضى إليه الوزير ابن جهير يوم الثلاثاء خامس عشرين ربيع الأول من هذه السنة، ودخل الوزير ابن طراد [1] إلى السلطان مسعود وسأله أن يسأل أمير المؤمنين ان يرضى عنه ويعيده إلى داره فسلمه إلى وزيره، وقال له: تمضي إلى [وتسأل] [2] أمير المؤمنين بشفاعتي وأخذه صحبته إلى داره التي في الأجمة وأقام عنده أياما والرسل تردد بينه وبين أمير المؤمنين والساعي في ذلك صاحب المخزن وأمير المؤمنين يعد ذنوبه ومكاتباته وإساءاته ومضى الوزير في الشفاعة، وجعل يقول: يا مولانا ما زالت العبيد تجني والموالي تعفو وقد اتصل السؤال من جانبي سنجر ومسعود فأجاب وعفا عنه.
فلما كان يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع الأول ركب الوزيران في الماء وجميع الأمراء والخدم والخواص ويرنقش الزكوي ودخلوا من باب الشط فقعدوا في بيت النوبة واستأذنوا فأذن لوزير السلطان وحده فدخل وقبل الأرض ووقف بين يدي أمير المؤمنين، وقال: يا مولانا السلطان سنجر يسأل ويتضرع الى أمير المؤمنين في قبول الشفاعة في الزينبي وكذلك مسعود يقبل الأرض ويقول له حق خدمة وأن كان بدا منه سيئة فقد قال الله تعالى: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ 11: 114 [3] وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا 24: 22 [4] ورأى أمير المؤمنين في ذلك أعلى فأخذ أمير المؤمنين يعدد سيئاته، ثم قال: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمن عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ 5: 95 [5] ، وقد أجبت السلطانين إلى سؤالهما وعفوت عنه ثم 8/ ب أذن له فدخل هو والأمراء/ فوقفوا وراء الشباك وكشفت الستارة فقبلوا الأرض بين يديه
__________
[1] في ت: «ودخل الوزير علي بن طراد» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] سورة: هود، الآية: 114.
[4] سورة: النور، الآية: 22.
[5] سورة: المائدة، الآية: 95.(18/18)
ثم مضى إلى داره وعاد الوزير إلى مسعود فأخبره بما جرى.
وفي جمادى الأولى في كانون الأول: أوقدت النيران على السطوح ببغداد ثلاث [ليال] [1] وضربت الدبادب والبوقات حتى خشي على البلد من الحريق، فنودي في الليلة الرابعة بإزالته.
[ورود الخبر بالوقعة التي جرت بين سنجر وبين كافر ترك]
وفي جمادى الآخرة: ورد الخبر بالوقعة التي جرت بين سنجر وبين كافر ترك، وكانت الوقعة فيما وراء النهر وبلغت الهزيمة إلى ترمذ وأفلت سنجر في نفر قليل فدخل إلى بلخ في ستة أنفس، وأخذت زوجته وبنت بنته زوجة محمود، وقتل من أصحاب سنجر مائة ألف أو أكثر، وقيل إنهم أحصوا من القتلى [2] أحد عشر ألفا كلهم صاحب عمامة وأربعة آلاف امرأة وكان سنجر قد قتل أخا خوارزم شاه فبعث خوارزم [3] إلى كافر ترك، وكان بينهما هدنة وقد تزوج إليه فسار إليه في ثلاثمائة ألف فارس، وكان هو معه مائة ألف فارس، فضربوا على سنجر فلم تر وقعة أعظم منها وكانت في محرم هذه السنة، [وقيل في صفر] [4] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4073- أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عمر بن الحسن بن حمدي، أبو جعفر العدل:
سمع الحديث من أبي محمد بن أيوب وغيره، وشهد عند أبي القاسم الزينبي، وكان له سمت حسن ودين وافر وطريقة مرضية ومذهب في النظافة شديد، وكان واصلا لرحمه، كثير التصدق على الفقراء، وكان يسرد الصوم ولا يفطر إلا الأيام المحرم صومها.
وتوفي ليلة الخميس حادي عشر ذي القعدة، وصلى عليه بجامع القصر، ودفن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص: «أنهم أخلصوا من القتلى» .
[3] في ص: «قد قتل أخا خوارزم شاه إلى كافر» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأضل.(18/19)
في داره بخرابة الهراس، ثم نقل بعد مدة إلى مقبرة باب حرب.
4074- أحمد بن محمد بن علي بن محمود بن إبراهيم بن ماخرة، أبو سعد الزوزني:
[1] 9/ أولد في ذي الحجة سنة تسع وأربعين/ وسمع القاضي أبا يعلى، وابن المسلمة، وابن المهتدي، وحدثنا عنهم، وهو آخر من حدث عن القاضي أبي يعلى، وكان قد مضى إلى صريفين فسمع الجعديات كلها من أبي محمد الصريفيني، وسمع من أبي علي بن وشاح وجابر بن ياسين وأبي [2] الحسين ابن النقور، وأبي منصور ابن العكبري، وأبي بكر الخطيب وغيرهم، وكانوا ينسبونه إلى التسمح في دينه، وحكى أبو سعد السمعاني أنه كان منهمكا في الشراب ولا أدري [3] من أين علم ذلك، ومرض فبقي خمسة وثلاثين يوما بعلة النصب لم يضطجع.
وتوفي يوم الخميس تاسع عشر شعبان من هذه السنة، ودفن يوم الجمعة عند رباط جده أبي الحسن الزوزني حذاء جامع المنصور.
قال شيخنا أبو الفضل ابن ناصر: رأيته في المنام وعليه ثياب حسنة، فقلت لَهُ: مَا فعل اللَّه بك؟ فَقَالَ: غفر لي، فقلت له: وأين أنت؟ قال: أنا وأبي في الجنة.
4075- إِسْمَاعِيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث، أبو القاسم السمرقندي:
[4] ولد بدمشق في رمضان سنة أربع وخمسين وسمع شيوخ دمشق ثم بغداد فسمع ابن النقور، وكان يلازمه حتى قال: سمعت منه جزء يحيى بن معين اثني عشرة مرة، وسمع الصريفيني، وابن المسلمة، وابن البسري وغيرهم. ثم انفرد بأشياخ لم يبق من
__________
[1] في ت: «أبو سعيد الزوزني» . وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 112) .
[2] في الأصل: أبا.
[3] في ص: «ولا أدري» .
[4] في ت: «بن أبي الأشعث بن أبي بكر» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 218، وشذرات الذهب 4/ 112، والكامل 9/ 325) .(18/20)
يروي عنهم غيره. وكان مكثرا فيه، وكان دلالا في بيع الكتب، فدار على يده حديث بغداد بأشياخ فادخر الأصول وسمع منه الشيوخ والحفاظ، وكان له يقظة ومعرفة بالحديث، وأملى بجامع المنصور زيادة على ثلاثمائة مجلس، وسمعت منه الكثير بقراءة شيخنا أبي الفضل بن ناصر، وأبي العلاء الهمذاني وغيرهما، وبقراءتي، وكان أبو العلاء يقول ما أعدل به احدا من شيوخ خراسان ولا العراق، وكان شيخنا أبو شجاع عمر بن أبي الحسن يقول: / أبو القاسم السمرقندي استاذ خراسان والعراق [1] . 9/ ب أنبأنا أبو القاسم السمرقندي قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم كأنه مريض وقد مد رجله فدخلت فجعلت أقبل أخمص رجليه وأمر وجهي عليهما، فحكيت هذا المنام لأبي بكر ابن الخاضبة فقال: أبشر يا أبا القاسم بطول البقاء وبانتشار الرواية [عنك] [2] لأحاديث رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فإن تقبيل رجليه اتباع أثره، وأما مرض النبي صلى الله عليه وسلم فوهن يحدث في الإسلام فما أتى على هذا إلا قليل حتى وصل الخبر أن الإفرنج استولت على بيت المقدس.
وتوفي شيخنا إِسْمَاعِيل ليلة الثلاثاء سادس عشرين ذي القعدة عن اثنتين وثمانين سنة وثلاثة أشهر، ودفن بباب حرب في المقابر المنسوبة إلى الشهداء. وهذه المقبرة قريبة من قبر أحمد، ولا نعرف لهذا الذي يقال لها أصلا، وقد أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: لم أزل أسمع العامة تذكر أنها قبور من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كانوا شهدوا معه قتل الخوارج بالنهروان وارتثوا في الوقعة ثم لما رجعوا أدركهم الموت في ذلك الموضع فدفنهم علي عليه السلام هنالك، وقيل: ان فيهم من له صحبة، قال: وقد كان حمزة بن محمد بن طاهر وكان من أهل الفهم وله قدم في العلم ينكر ما قد استمر عند العامة من ذلك ويقول لا أصل له.
أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ، عن أبي محمد ابن السراج، قال: رأيت منذ
__________
[1] «وكان شيخنا ... خراسان والعراق» : العبارة ساقطة من ص، ط.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/21)
خمسين سنة مقابر الشهداء عند الوهدة [1] ، وقد انقلبت الجبانة وبرزت جمجمة عند طاقة ريحان [2] طرية.
4076- إِسْمَاعِيل بن عبد الوهاب بن إِسْمَاعِيل، أبو سعد البوشنجي:
[3] نزيل هراة ولد سنة إحدى وستين، وسمع أبا صالح المؤذن، وأبا بكر بن خلف، 10/ أوحمد بن أحمد، وورد بغداد فسمع من ابن نبهان، وابن بيان، وغيرهما، وتفقه/ وكان دائم الذكر متعبدا ثم مضى إلى هراة، فسكنها إلى أن توفي بها في هذه السنة، وكان يفتيهم.
4077- آدم بن أحمد بن أسد، أبو سعد الأسدي الهروي:
من أهل هراة سكن بلخ، وكان أديبا فاضلا عالما باللغة، ودخل بغداد وحدث بها وقرئ عليه بها الأدب، وروى عبد الكريم بن محمد أنه جرى بين هذا الأسدي وبين شيخنا أبي منصور ابن الجواليقي نوع منافرة في شيء اختلفا فيه، فقال له الأسدي: أنت لا تحسن أن تنسب نفسك فإن الجواليقي نسبة إلى الجمع والنسبة إلى الجمع لا تصح، [4] توفي الأسدي في شوال هذه السنة [ببلخ] . [5]
4078- أحمد بن منصور بن أحمد، أبو نصر الصوفي الهمذاني:
[6] كان حسن الصورة مليح الشيبة لطيف الخلقة مائلا إلى أهل الحديث والسنة، كثير التهجد لتلاوة القرآن، سمعت عليه الحديث في رباط بهروز الخادم، وكان شيخ الرباط فأوصى أن يحضر شيخنا أبو محمد المقرئ غسله ويصلي عليه فشق ذلك على
__________
[1] في الأصل: عند مقابر الوحدة» .
[2] في الأصل: «جمجمة عندها طاقة ريحان» .
[3] في ت: «إسماعيل بن عبد الواحد» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 112، وفيه: «إسماعيل بن عبد الواحد بن إسماعيل» ) .
[4] في الأصل: «والنسبة إلى الجمع لا تصح» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في الأصل، ت: «حمد بن منصور» .(18/22)
أصحاب الشافعي، وكانت وفاته يوم الجمعة ثامن عشر رمضان عن سبع وتسعين سنة ممتعا بسمعه وبصره، ودفن بالشونيزية في صفة الجنيد.
4079- خاتون امرأة المستظهر باللَّه:
قد ذكرنا حالها في تزويج المستظهر بها، وفي تزويج ملك كرمان بها، وكانت دارها حمى [1] ولها الهيبة والأصحاب، وورد الخبر بموتها فقعد لها في العزاء يومين في الديوان.
4080- محمد بن جعفر بن محمد بن أحمد، أبو بكر التميمي:
من أهل أصبهان من بيت الحديث والعدالة ولد سنة سبع [2] وستين واربعمائة بأصبهان، وسمع من عبد الوهاب بن منده وغيره. وكان ثقة كثير التعبد، وقدم بغداد للحج فخرج معهم وهو مريض، فتوفي يوم الاثنين ثامن عشر ذي القعدة، ودفن بزبالة.
4081- محمد بن الحسين بن محمد، أبو الخير التكريتي يلقب [3] باليترك:
سمع أبا محمد السراج، وكان شيخا صالحا متشاغلا بما ينفعه، سافر الكثير وسكن في آخر عمره برباط الزوزني المقابل لجامع المنصور. / قال المصنف: ورأيته 10/ ب أنا، وتوفي في هذه السنة، ودفن على باب الرباط.
4082- محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر، أبو محمد السهلوكي الخطيب:
[4] خطيب بسطام- مدينة بقومس- وقاضيها، سمع بها من أبي الفضل السهلوكي، وببغداد من أبي محمد التميمي، ونظام الملك، وغيرهم.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة ببسطام.
__________
[1] «حمى» : ساقطة من ت.
[2] في ص: «ولد في سنة سبع» .
[3] في الأصل: «يلقب بالتترك» .
[4] في الأصل: «محمد بن محمد بن أبي بكر أبو الحسن السهلكي» . وفي ت: «أبو الحسين» .(18/23)
4083- محمود بن أحمد بن عبد المنعم بن احمد بن محمد بن ماساده أبو منصور [1] الواعظ.
من أهل أصبهان، سمع الحديث الكثير، وتفقه على أبي بكر الخجندي، وارتفع أمره وعرض جاهه فصار المرجع إليه، وكان يفسر ويعظ بفصاحة، وورد بغداد بعد العشرين وخمسمائة فوعظ بجامع القصر، وعاد إلى أصبهان فتوفي بِهَا فِي [ربيع الآخر من] [2] هَذِهِ السنة.
4084- نصر بن أحمد بن محمد بن مخلد، أبو الكرم الأزدي، يعرف بابن الجلخت
[3] .
من أهل واسط آخر من روى عن أبي تمام علي بن محمد القاضي، وقد سمع من جماعة، وكان ثقة صالحا من بيت الحديث.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
4085- هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن علي بن طاوس، أبو محمد المقرئ [4] . البغدادي:
انتقل والده إلى دمشق فسكنها فولد هو بها في سنة اثنتين وستين واربعمائة ونشأ، وكان مقرئا فاضلا حسن التلاوة، وختم القرآن عليه خلق من الناس، وأملى الحديث، وكان ثقة صدوقا.
وتوفي في محرم هذه السنة، ودفن في مقبرة باب الفراديس بظاهر دمشق وحضره خلق عظيم.
4086- يحيى بن علي بن محمد بن علي الطراح، أبو محمد [5] المدير:
ولد بنهر القلائين في سنة تسع وخمسين وأربعمائة، ونشأ بها ثم انتقل الى
__________
[1] في ت: «بن باشاذ، أبو منصور» .
وانظر ترجمته في (طبقات الشافعية 4/ 404، وفيه: «ابن محمد ما شاوه» ) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «يعرف بابن الجلجت» .
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 114) .
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 114، والبداية والنهاية 12/ 218) .(18/24)
الجانب الشرقي، سمع أبا الحسين بن المهتدي وأبا جعفر بن المسلمة وأبا محمد الصريفيني وأبا الغنائم بن المأمون وأبا الحسين ابن النقور وأبا بكر الخياط وأبا القاسم بن البسري والمهرواني وغيرهم وكان سماعه صحيحا وكان من أهل السنة شهد له بذلك شيخنا ابن ناصر وكان له سمت المشايخ ووقارهم وسكونهم مشغولا بما يعنيه، وكان كثير الرغبة في الخير وزيارة القبور، وسمعنا عليه كثيرا وكان مديرا لقاضي القضاة أبي القاسم الزينبي.
وتوفي ليلة الجمعة رابع عشرين رمضان هذه السنة ودفن بالشونيزية.
4087-/ يحيى بن علي، أبو علي الباجرائي:
[1] 11/ أتفقه وتقدم وبرع وناظر وهو صغير السن، واختطف في زمن الشبيبة، ودفن في مقبرة جامع المنصور.
__________
[1] في ص: «أبو يعلى» .(18/25)
ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[عودة صاحب المخزن من الحج]
أن ابن طلحة صاحب المخزن عاد من الحج منصرفا تاركا للعمل، فنظر أبو القاسم علي بن صدقة في المخزن من غير وكالة.
ووصلت سفن فيها خمر فربطت مما يلي باب المدرسة فأنكر الفقهاء ذلك فضربوا وجاء الأعاجم فكبسوا المدرسة وضربوا الفقهاء، ولزم ابن الرزاز المدرس بيته، وكان جميع المعيدين يحتمون بالأعاجم [1] .
[أرسل السلطان سنجر الى السلطان مسعود]
وأرسل السلطان سنجر إلى السلطان مسعود [2] يأذن له في التصرف في الري وما يجري معها على عادة السلطان محمد ويجمع العساكر ويكون مقيما بالري بحيث إن دعته حاجة استدعاه لأجل ما كان نكب به سنجر من الكفار.
ووصل إلى بغداد عباس شحنة الري بعسكر كثير وخدمه الخدمة الوافرة، ووصل إليه جماعة من الأمراء فأشار عباس بقصد الري، وأشار الوزير [عز الملك] [3] بقصد ساوة فقبل قول عباس.
[وصول الخبر بان زنكي ملك قلعة الحديثة]
وفي جمادى الأولى: وصل الخبر بأن زنكي ملك قلعة الحديثة، ونقل من كان فيها من آل مهارش إلى الموصل، ورتب أصحابه فيها.
__________
[1] في الأصل: «المعيدين يجتمعون بالأعاجم» .
[2] في الأصل: «وأرسل السلطان مسعود إلى السلطان سنجر» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/26)
وفي جمادى الآخرة: استدعى أبو القاسم علي بن صدقة بن علي بن صدقة، وخلع عليه ورتب في المخزن.
[جرت للشيخ أبي محمد المقرئ وهلة]
وفي حادي عشر شعبان: جرت للشيخ أبي محمد المقرئ وهلة، وخرج من مسجده، وسبب ذلك أن ضريرا يقال له علي المشتركي، خاصم غلاما كان يخدم الشيخ، وخرج عن المسجد وصلى في مسجد الشافعية ثم سكن مسجد يانس، وصار له جمع من العميان، وكانت الفتن تجري بينهم وبين أصحاب الشيخ ويبلغون إلى حاجب الباب، وكان يتعصب للمشتركي الركاب سلار، فنفذ إلى الشيخ كلاما صعبا فغضب الشيخ وعبر إلى الحربية فأقام ثلاثة أيام ثم عاد فنفذ/ إليه حاجب الباب فأحضره فإذا 11/ ب المشتركي جالس عنده [على الدكة] [1] فقال له: قد برز توقيع شريف بمصالحتكم فأبى ذلك وعاد إلى المسجد ومعه الغوغاء فصعب ذلك على حاجب الباب، فكتب وأطنب، ثم نفذ إليه أنه قد تقدم بإخراجك من المسجد ونفذ معه الرجالة إلى الشرط وختموا داره ومسجده، فأقام بالحربية، ثم برز توقيع بعوده فعاد.
[ولدت بنت دبيس للسلطان مسعود ولدا ذكرا]
وفي غرة ذي القعدة: ورد الخبر بأن بنت دبيس ولدت للسلطان مسعود ولدا ذكرا، فعلقت بغداد، وأخذ الناس في اللعب سبعة أيام، ثم ظهر المفسدون وقتلت المصالحة، وأخذت أموال الناس، وعزل أبو الكرم الوالي، ورتب مكانه رجل يقال له ابن صباح، فكان يطوف ولا ينفع حمايته. [2] وتقدم المقتفي أن لا يخاطب أحد بمولانا سوى الوزير، ولا يحمل لأحد غاشية على الكتف سوى قاضي القضاة الزينبي.
وفي يوم الأربعاء تاسع ذي القعدة: استدعى القاضي أبو يعلى محمد بن محمد بن الفراء إلى دار قاضي القضاة الزينبي، وفوض إليه قضاء واسط، فوصل إليها يوم الأحد حادي عشر ذي الحجة، وجلس للحكم في الجامع.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «ولا تنفع حمايته» .(18/27)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4088- إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن سالم بن علوي بن جحاف، أبو منصور الهيتي.
ولد بهيت في سنة ستين، وسمع أبا نصر النرسي، وأبا الغنائم بن أبي عثمان، وأبا طاهر الباقلاوي، وتفقه على أبي عبد الله الدامغاني، وبرع في المناظرة، وسمع شهادته قاضي القضاة الزينبي، واستنابه في القضاء.
وتوفي يوم الخميس حادي عشر شوال هذه السنة، ودفن بمقبرة الخيزران.
4089- إبراهيم بن هبة الله بن علي بن عبد الله، أبو طالب:
من أهل ديار [1] بكر، سمع الحديث من جماعة روى عنهم، وكان دائم التلاوة للقرآن كثير الذكر فقيها مناظرا، توفي في هذه السنة.
4090- أحمد بن أبي الحسين بن أحمد بن ربعة [أبو الحارث] الهاشمي
[2] .
12/ أولد قبل الستين/ واربعمائة، وسمع أبا الحسين ابن الطيوري، وكان يؤم في جامع المنصور في الصلوات الخمس، وكان فيه خير، وكان يحضر مجلسي كثيرا وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة، ودفن في مقبرة بين جامع المنصور، وشارع دار الدقيق.
4091- الحسين بن علي بن أحمد بن عبد الله المقرئ، أبو عبد الله [3] الخياط:
ولد في رمضان سنة ثمان وخمسين، سمع ابن المأمون، والصريفيني، وابن النقور، وغيرهم، وحدثنا عنهم، وقرأت عليه القرآن والحديث، وكان صالحا يأكل من كد يده من الخياطة، توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
4092- سليمان بن محمد بن الحسين، أبو سعد القصار المعروف بالكافي [4] الكرجي:
__________
[1] في ت: «من ديار بكر» .
[2] في الأصل: «ابن أحمد بن رفعة» . وفي ت: «ابن أحمد بن زمعة» .
وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 114) .
[4] في ت: «المعروف بالكافي الكرجي» .(18/28)
من بلد الكرج [1] سمع الحديث وتفقه وبرع في الفقه والأصول وتكلم مع الأئمة الكبار وكان أعرفهم بأصول الفقه توفي بالكرج [2] في هذه السنة.
4093- عبد الله بن محمد بن محمد البيضاوي، أبو [3] الفتح.
سمع الحديث من ابن النقور وغيره، وشهد وصار حاكما فسمعت عليه الكثير.
وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة، وصلى عليه بجامع المنصور أخوه لأمه قاضي القضاة أبو القاسم الزينبي، ودفن بمقبرة باب حرب.
4094- محمد بن الحسين بن عمر، أبو بكر الأرموي
[4] :
تفقه على أبي إسحاق الشيرازي، وسمع من ابن النقور وغيره، وكان ببغداد رجل يقال له: أبو بكر محمد بن الحسين الأرموي فاشتبه الاسمان فترك هو الرواية تحرجًا.
توفي في ليلة السبت سابع محرم هذه السنة ودفن عند ابن سريج.
4095- محمد بن عبد الله بن أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الصمد/ الأسدي، أبو 12/ ب الفضل الخطيب
[5] :
ولد في عشر ذي الحجة الأول من سنة تسع وأربعين، وسمع أبا الحسين ابن المهتدي، وأبا الغنائم ابن المأمون، وأبا الحسين ابن النقور، وطرادا، وأبا الوفاء طاهر بن الحسين القواس، وهو جده لأمه وغيرهم، وحدث وقرأ بالقراءات وشهد عند أبي الحسن الدامغاني، وردت إليه الخطابة بجامع المنصور، ثم في جامع القصر، وسرد الصوم نيفا وخمسين سنة، وكان رجلا صالحا. وتوفي في يوم الجمعة ثامن عشرين جمادى الأولى، ودفن في دكة قبر الإمام أحمد عند جده لأمه أبي الوفاء ابن القواس بعد فتنة تلوفيت فان المقتفي وقع بذلك ومنعت العامة.
__________
[1] في ت: «من بلاد الكرخ» .
[2] في ت: «توفي بالكرخ» .
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 115) .
[4] الأرموي: بضم الألف وسكون الراء، وفتح الميم وفي آخرها واو، نسبة إلى أرمية، وهي من بلاد أذربيجان. وانظر ترجمته في: (الأنساب 1/ 191) .
[5] في ت: «ابن عبد الصمد المهدي، أبو الفضل» .(18/29)
ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أن السلطان جمع العساكر لقصد الموصل والشام، وترددت رسل زنكي حتى تم الصلح على مائة ألف دينار تحمل في ثوب فحمل ثلاثين ألفا، ثم تقلبت الأحوال فاحتيج إلى مداراة زنكي وسقط المال، وقيل بل خرج ابن الأنباري فقبض المال.
وفي هذه السنة: [1] قبض السلطان على ترشك المقتفوي، وحمل إلى قلعة خلخال، وقدم السلطان مسعود في [ربيع الآخر] [2] فنزل أصحابه في دور الناس وتضاعف فساد العيارين بدخوله وكثرت الكبسات والاستقفاء نهارا ونقل الناس رحالهم إلى دار الخلافة وباب المراتب، وكان اللصوص يمشون بثياب التجار في النهار فلا يعرفهم الإنسان حتى يأخذوه فأخذت خرق الصيارف وضاقت المعايش، وأعيد إلى 13/ أالولاية أبو الكرم الهاشمي/ في جمادى الأولى، فطاف البلد وأخذ ثلاثة فلم ينفع، وكان للعيارين عيون على [الناس] [3] من النساء والرجال يطوفون الخانات والرحبة والصيارف والجوهريين، فإذا عاينوا من قد باع شيئا تبعوه وأخذوا ما معه، وكانوا يجتمعون في دور الذين يحمونهم في دار وزير السلطان ودار يرنقش، وأخذوا خرق [4] الصيارف وجرحوهم، ولقوا رجلا قد باع دابة بخمسة وعشرين دينارا، فضربوه
__________
[1] في ت: «وفيها» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ت: «ودار يرنقش، ودار ابن قاور، وأمثال هؤلاء، وخرج يوما في جمادى الآخرة منه خمسة أنفس، فأخذوا خرق» .(18/30)
بالسيف وأخذوها فنفر الناس وغلقوا دكاكينهم، وغلقوا باب الجامع وتلقوا السلطان في الميدان، ومعهم ابن الكواز الزاهد فاستغاثوا إليه فلم يجبهم فعادوا مرارا وهو لا يلتفت وكان في العيارين ابن قاور [1] ، وهو ابن عم السلطان مسعود فأخذ بعملات فتقدم السلطان بصلبه فصلب بباب درب صالح الذي فيه بيته وصلب معه ثلاثة من أصحابه ثم أباح السلطان دماءهم فصلب منهم جماعة فسكن الناس.
وفي رجب: خرج ملك البطائح إلى تل علم فشاهده فكان طوله نحو ثمانمائة ذراع وعرضه نحو اربعمائة ذراع.
وفي هذه السنة: قدم مع السلطان فقيه كبير القدر اسمه الحسن بن أبي بكر النيسابوري، وكان من أصحاب أبي حنيفة، وكانت له معرفة حسنة باللغة وفهم جيد في المناظرة وجالسته مدة وسمعت مجالسه كثيرا فجلس بجامع القصر، وجامع المنصور وأظهر السنة، وكان يلعن الأشعري جهرا على المنبر، ويقول: كن شافعيا ولا تكن أشعريا، وكنت حنفيا ولا تكن معتزليا، وكن حنبليا ولا تكن مشبها ولكن ما رأيت أعجب من أصحاب الشافعي يتركون الأصل ويتعلقون بالفرع. ومدح الأئمة الأربعة، وذم الأشعري ثم قال: زاد في الشطرنج بغل والبغل مختلط النسب ليس له أصل صحيح، فقام في الأسبوع الثاني/ أبو محمد ابن الباطريخ فأنشده [2] قصيدة فيها هذا 13/ ب المعنى وهي:
صرف العيون إليك يحلو ... وكثير لفظك لا يمل
والناس لو متعتهم ... بك ألف عام لم يولوا
من أين وجه ملالهم ... وغرامهم بك لا يقل
لو رمت بذل نفوسهم ... بذلوا رضا لك واستقلوا
وافيت فابتسم الهدى ... وأنار دين مضمحل
ونهضت في نصر الكتاب ... بحد عضب لا يفل [3]
__________
[1] في ص: «العياريين ابن قاوز» .
[2] في ص، ط: «أبو محمد بن الباطوخ، فأنشده» .
[3] البيت ساقط من ت.(18/31)
لمعانه يوم التناضل ... بالأدلة يستهل
أنعشت خامل معشر ... من بعد أن ضعفوا وقلوا
وعقدت حين نصرتهم ... في الدين عقدا لا يحل
وقمعت أخدان الضلال ... فهان ذكرهم وذلوا
وقطعت شملهم فليس ... لهم بحمد الله شمل
كم ذا التحدي بالدليل ... لهم وكم عجزوا وكلوا
انذرهم فان انتهوا ... عن كفرهم أو لا فقتل
ما ثم غير أبي حنيفة ... والمديح له يجل
وفقيه طيبة مالك ... طود له زهد وفضل
وفتى ابن حنبل والحديث ... عن ابن حنبل ما يمل
والشافعي ومن له ... من بعد من قدمت مثل
فهم أدلتنا ومن ... يهدي بغيرهم يضل
كنا نعد خلافهم ... صلحا وندرسه ونتلو
حتى بلينا بالخلاف ... وزاد في الشطرنج بغل
والجنس يضبط في البها ... ثم أصلها والبغل بغل
14/ أوجلس يوم الجمعة العشرين من رجب في دار السلطان/ فحضر السلطان مسعود مجلسه فوعظه فبالغ، وكان قد كتب على المدرسة النظامية اسم الأشعري، فتقدم السلطان بمحوه، وكتب مكانه اسم الشافعيّ، وكان أبو الفتوح الأسفراييني يجلس في رباطه ويتكلم على مذهب الأشعري، فتجري الخصومات، فمضى أبو الحسن الغزنوي الواعظ إلى السلطان فاخبره بالفتن، وقال له: إن أبا الفتوح [1] صاحب فتنة وقد رجم ببغداد مرارا والصواب إخراجه من البلد فتقدم السلطان بإخراجه، وخرج الحسن بن أبي بكر إلى بلده فأقام بعد ذلك، وأخرج في [2] رمضان وخرج أبو عبد الله
__________
[1] في ص: «وقال: أنا أبو الفتوح» . وفي المطبوعة: «وقال: إنما أبو الفتوح» .
[2] «بإخراجه ... وأخرج في» : العبارة ساقطة من ص، ط.(18/32)
ابن الأنباري إلى الموصل لإقرار زنكي على اقطاعه [1] واستثنى من إقطاعه صريفين، وأذن في إقامة الجمعة بجامع ابن بهليقا، فصار أحد الجوامع المذكورة.
وأخذ رجل يقال إنه فسق بصبي، فترك في جب ورقي إلى رأس منارة مدرسة سعادة، ثم رمى به إلى الأرض فهلك.
وفي شوال: برز السلطان مسعود طالبا همذان.
وزلزلت الأرض ليلة الثلاثاء رابع عشرين ذي القعدة، فكانت رجة عجيبة، كنت مضطجعا على الفراش فارتج جسدي منها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4096- أحمد بن عبد العزيز بن أبي يعلى الشيرازي، أبو نصر بن القاص والقاص هو أبو يعلى
[2] :
كان أحمد مليح الهيئة، حسن الشيبة، كثير البكاء، يحضر مجلس شيخنا أبي الحسن الزاغواني فيبكي كثيرا توفي يوم الاثنين تاسع ذي القعدة، ودفن بمقبرة باب حرب.
4097- عبد الوهاب بن المبارك/ بن أحمد بن الحسن الأنماطي، أبو البركات 14/ ب الحافظ
[3] :
ولد في رجب سنة اثنتين وستين واربعمائة، وسمع أبا محمد الصريفيني، وأبا الحسين ابن النقور، وأبا القاسم ابن البسري، وأبا نصر الزينبي، وطرادا. وكان ذا دين وورع، وكان قد نصب نفسه للحديث طول النهار، وسمع الكثير من خلق كثير، وكتب بيده الكثير، وكان صحيح السماع ثقة ثبتا، وكنت اقرأ عليه الحديث وهو يبكي
__________
[1] في ص: «زنكي على ولايته» .
[2] في الأصل: «بن القاص، والقاضي هو» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 219، وشذرات الذهب 4/ 116، 117، وذبل طبقات الحنابلة 1/ 240، وتذكره الحفاظ 1282، وصيد الخاطر، لابن الجوزي 114، والأعلام 4/ 185) .(18/33)
فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته، وكان على طريقة السلف، وانتفعت به ما لم انتفع بغيره، ودخلت عليه وقد بلى وذهب لحمه، فقال لي: إن الله لا يتهم في قضائه.
وتوفي يوم الخميس حادي عشر محرم هذه السنة، وصلى عليه أبو الحسن الغزنوي، ودفن بالشونيزية.
4098- عبد الخالق بن عبد الصمد بن علي بن الحسين بن عثمان الشيباني، أبو المعالي، ويعرف بابن [1] البدن.
ولد سنة اثنتين وخمسين، وسمع أبا الحسين ابن المهتدي، وأبا جعفر ابن المسلمة، وابن النقور والزينبي، [وغيرهم] [2] وحدثنا عنهم، وكان سماعه صحيحا، وكان عبدا صالحا سريع الدمعة.
وتوفي ليلة الخميس لليلة بقيت من جمادى الأولى من هذه السنة.
4099- علي بن طراد بن محمد بن علي بن أبي تمام الزينبي، ويكنى أبا القاسم
[3] :
ولد سنة اثنتين وستين وأربعمائة، سمع أباه وعمه أبا نصر، وأبا طالب، وأبا محمد التميمي، وأبا القاسم بن بشران، وابن السراج، وابن النظر، وولى نقابة النقباء ولاه المستظهر وخلع عليه ولقبه الرضا ذا الفخرين، وهي ولاية أبيه، وركب معه ثم وزر للمسترشد والمقتفي وأبوه طراد ولى نقابة النقباء، وأبوه أبو الحسن محمد ولى نقابة النقباء، وأبوه أبو القاسم علي ولي نقابة النقباء، وأبوه أبو تمام كان قاضيا.
وتقلبت بعلي بن طراد أحوال عجيبة من ولاية وعزل إلى أن خرج مع المسترشد 15/ أوهو/ وزيره لقتال الأعاجم فأسر هو وأرباب الدولة ثم أطلقوا ووصل إلى بغداد وأشار بعد قتل المسترشد بالمقتفي ووزر له ثم تغير المقتفي عليه فاستجار بذلك السلطان إلى أن سئل فيه وأعيد إلى بيته.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 116 وتذكره الحفاظ 1283) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 117، والكامل 9/ 330، والبداية والنهاية 12/ 219، والنجوم الزاهرة 5/ 273، والأعلام 4/ 296) .(18/34)
وتوفي بكرة الأربعاء غرة رمضان هذه السنة عن ست وسبعين سنة وكان قد أوصى إلى ابن عمه قاضي القضاة علي بن الحسين فأمضى المقتفي تلك الوصية وبعث له الأكفان والطيب ودفن بداره الشاطئية بباب المراتب، ثم نقل إلى تربته بالحربية ليلة الثلاثاء سادس عشر رجب سنة أربع وأربعين، وجمع على نقله الوعاظ فوعظوا في داره إلى وقت السحر ثم اخرج والقراء معه والعلماء والشموع الزائدة في الحد.
4100- محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الدقاق، أبو الحسن المعروف بابن صرما
[1] .
وهو ابن عمة شيخنا أبي الفضل بن ناصر، ولد يوم الخميس النصف من شعبان سنة ستين واربعمائة، وسمع من أبي محمد الصريفيني، وأبي الحسين ابن النقور، وأبي القاسم ابن البسري وغيرهم. وحدثنا عنهم، وكان شيخا صالحا ستيرا.
توفي يوم الثلاثاء منتصف شعبان ودفن بمقبرة باب حرب.
4101- محمد بن الخضر بن إبراهيم، أبو بكر المحولي
[2] :
خطيبها وإمامها، سمع الحديث ورواه وقرأ بالقراءات على أبي الطاهر بن سوّار [وأبي محمد التميمي، وكان يقول قرأت على أبي طاهر بن سوار] [3] الروايات في خمس عشرة سنة، وما كنت أجمع بين الروايتين والثلاث كنت أختم لكل رواية ختمة وما آخذ إلا هكذا، وكان فصيحا، وكان مشتهرا بالتجويد وحسن الأداء، وأعطي فصاحة وخشوعا وكان الناس يقصدون صلاة الجمعة وراءه لذلك، وكان صالحا دينا.
توفي يوم السبت ثامن عشر ذي القعدة ودفن بالمحول.
4102- محمد بن الفضل بن محمد، أبو الفتوح/ الأسفراييني ويعرف بابن 15/ ب المعتمد
[4] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1283) .
[2] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1283) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 118، والكامل 9/ 330) .(18/35)
ولد سنة اربع وسبعين بأسفرايين، دخل بغداد فأقام بها مدة يتكلم بمذهب الأشعري ويبالغ في التعصب، وكانت الفتن قائمة في أيامه واللعنات في الأسواق، وكان بينه وبين الغزنوي معارضات حسد، فكان كل منهم يذكر الآخر على المنبر بالقبيح، فلما قتل المسترشد [وولي الراشد ثم] [1] خرج من بغداد [خرج] [2] أبو الفتوح مع الراشد إلى الموصل، فلما توفي الراشد سئل في حقه المقتفي فأذن له في العود إلى بغداد، فدخل وتكلم، واتفق أن جاء الحسن بن أبي بكر النيسابوري إلى بغداد فوعظ وذم الأشعرية وساعده الخدم ووجد الغزنوي فرصة فكلم السلطان مسعودا في حق أبي الفتوح، فأمر بإخراجه من البلد، وبلغني أن السلطان قال للحسن النيسابوري: تقلد دم أبي الفتوح حتى أقتله، فقال: لا أتقلد، فوكل بأبي الفتوح يوم الجمعة ويوم السبت وأخرج يوم الأحد ووقف له عند السور خمسة عشر تركيا، وجاء منهم واحد أو اثنان إليه، فقال: تقوم للمناظرة فخرج غير متأهب ولا مزود لسفر، وذلك في شعبان فلما خرج من رباطه تبعه خلق كثير فلما وصلوا إلى السور ضربوا الأتراك فرجعوا، وكان قد سلم إلى قيماز الحرامي فتبعه جماعة ليحمل إلى همذان ثم سلم إلى عباس فبعثه إلى أسفراين واشترط عليه متى خرج من بلده أهلك، فأخذ بلجام فرسه وسير به ناحية النهروان وحده وخرج أهله وأولاده فمضوا إلى رباط حموه، وهو أبو القاسم شيخ، فخرج هو وأبو منصور ابن البزار ويوسف الدمشقي وأبو النجيب إلى السلطان يسألون فيه، فلم يلتفت إليهم، ونودي في البلد لا يذكر أحد مذهبا ولا يثير فتنة، فانخزلت الأشاعرة وحمل أبو 16/ أالفتوح إلى ناحية خراسان، فلما وصل إلى نيسابور [3] توفي بها في ذي الحجة من هذه السنة فدفن هناك.
ووصل الخبر بموته فقعدوا في رباطه للعزاء به، فحضر الغزنوي عزاءه وقد كان يذكر كل واحد الآخر على المنبر بالقبائح، فكلمه قوم من العامة بكلام فظيع وهو ساكت، وقالوا: إنما حضرت شماتة به وهو ساكت، فقام رجل فقيه فأنشد:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص: «فلما وصل إلى بسطام» .(18/36)
خلا لك يا عدو الجو فاصفر ... ونجس في صعودك كل عود
كذاك الثعلبان يجول كبرا ... ولكن عند فقدان الأسود
فبكى الغزنوي. وقال [لي] [1] علي بن المبارك لما عاد الغزنوي إلى رباطه قلت له: أنت كنت تذكر هذا الرجل بما لا يحسن، وكنت مهاجرًا له [2] ، فكيف حضرت عزاه وأظهرت الحزن عليه حتى قال الناس ما قالوا؟ فقال: أنا إنما بكيت على نفسي، كان يقال فلان وفلان، فعدم النظير مقرب للرحيل، وأنشدني:
ذهب المبرد وانقضت أيامه ... وسينقضي بعد المبرد ثعلب
بيت من الآداب أصبح نصفه ... خربا وباقي النصف منه سيخرب
فتزودوا من ثعلب فبمثل ما ... شرب المبرد عن قليل يشرب
أوصيكم أن تكتبوا أنفاسه ... إن كانت الأنفاس مما يكتب
4103- محمد بن القاسم بن المظفر بن علي الشهرزوري، أبو بكر بن أبي أحمد
[3] :
من أهل الموصل، ولد سنة أربع وخمسين، وسافر البلاد، وصحب العلماء، وسمع الحديث الكثير، ومن شعره:
همتي دونها السها والثريا ... قد علت جهدها فما تتدانى
فأنا متعب معنّى إلى أن ... تتفانى الأيام أو اتفانى
[توفي ببغداد في جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب أبرز] [4] .
4104- محمود بن عمر بن محمد بن عمر، أبو القاسم الزمخشري
[5] :
من أهل خوارزم، وزمخشر احدى قراها، ولد سنة سبع وستين واربعمائة، ولقي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «أنت كنت لهذا الرجل في حياته تذكره بما لا يحسن فكيف حضرت العزاء» .
[3] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1283) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ط، ص.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 219، وشذرات الذهب 4/ 118، 121، ووفيات الأعيان 2/ 81، والكامل 9/ 330، وإرشاد الأريب 7/ 147، ولسان الميزان 6/ 4، ونزهة الألباء 469، وآداب(18/37)
اللغة 3/ 46، ومفتاح السعادة 1/ 431، والأعلام 7/ 178، وإنباه الرواة، للقفطي 3/ 265، وتاج التراجم لابن قطلوبغا 71، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 141، والعبر للذهبي 4/ 106، ومرآة الجنان 2/ 269، ومعجم الأدباء 7/ 147، ومعجم البلدان 2/ 940، وميزان الاعتدال 4/ 78، والنجوم الزاهرة 5/ 274، وطبقات المفسرين للداوديّ 625) . العلماء الأفاضل، وكان له حظ في علم الأدب [1] واللغة، وصنف التفسير الكبير، 16/ ب وغريب الحديث، / أقام بخوارزم مدة، وبالحجاز مدة. وورد بغداد غير مرة، كان يتظاهر بالاعتزال.
توفي بخوارزم ليلة عرفة من هذه السنة.
__________
[1] في ص، ط: «وكان له حفظ في علم الأدب» .(18/38)
ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[فتح الرها على يد زنكي]
أنه وصل الخبر يوم السبت خامس عشر جمادى الآخرة أن زنكي فتح الرها عنوة وقتل الكفار الذين فيها، وذلك أنه نزل عليها على غفلة ونصب المجانيق، ونقب سورها، وطرح فيه الحطب والنار فتهدم ودخلها فحاربهم، ونصر المسلمون وغنموا الغنيمة العظيمة، وخلصوا أسارى مسلمين يزيدون على خمسمائة.
وظهر في عاشر شوال كوكب ذو ذنب من جانب المشرق بازاء القبلة، وبقي إلى نصف ذي القعدة، ثم غاب ثلاث ليال، ثم طلع من جانب المغرب، فقيل أنه هو، وقيل بل غيره.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4105- إبراهيم بن محمد بن منصور بن عمر الكرخي الشافعي، أبو البدر
[1] :
سكن الكرخ وسمع أبا الحسين ابن النقور، وأبا محمد الصريفيني، وخديجة الشاهجانية، وغيرهم، وتفقه على أبيه و [على] [2] أبي إسحاق، وأبي سعد المتولي، وسماعه صحيح. وحدث، وكان دينا.
وتوفي في يوم الجمعة تاسع عشرين ربيع الأول من هذه السنة، ودفن بباب حرب.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 121، والبداية والنهاية 12/ 219) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/39)
4106- سعيد بن محمد بن عمر بن منصور ابن الرزاز، أبو منصور [1] الفقيه:
ولد سنة اثنتين وستين، وسمع الحديث من أبي محمد التميمي، وأبي الفضل بن خيرون، وغيرهما. وحدث، وكان سماعه صحيحا. وتفقه على أبي حامد الغزالي، وأبي بكر الشاشي، وأبي سعد المتولي، وإلكيا الهراسي [2] ، وأسعد الميهني، وشهد عند أبي القاسم الزينبي، وولي تدريس النظامية ثم صرف عنها، وعاش حتى صار رئيس الشافعية، وكان له سمت ووقار وسكون.
17/ أ/ وتوفي يوم الأربعاء بعد الظهر حادي عشر ذي القعدة من هذه السنة، وصلى عليه ولده أبو سعد، ودفن في تربة أبي إسحاق الشيرازي، وحضر جنازته قاضي القضاة [وأقيم في اليوم الثالث] [3] بحاجب من الديوان.
4107- عَبْد اللَّهِ بن أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حمدويه، أبو المعالي البزاز
[4] :
من أهل مرو، ولد سنة احدى وستين واربعمائة، ورحل إلى العراق والحجاز، وسمع ببغداد من ثابت بن بندار وأبي منصور الخياط، وأبي الحسن ابن العلاف، وبأصبهان من أصحاب أبي نعيم، وبنيسابور من أبي بكر بن خلف وغيره، وتفقه، وكان حلو الكلام، حسن المعاشرة، كثير الصلاة والصيام والصدقة، وسافر إلى غزنة، وأقام بها مدة واشترى كتبا كثيرة ورجع إلى مرو، فبنى خزانة الكتب في رباط بناه باسم أصحاب الحديث وطلابه من خاصة ماله ووقف كتبه فيه.
توفي بمرو في ذي الحجة من هذه السنة.
4108- عبد الرحمن بن محمد بن هندويه، أبو الرضا النسوي الفارسيّ سبط أبي الفضل الهمدانيّ
[5] :
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 219، وفيه: «سعد بن محمد بن عمر، أبو منصور البزاز» ، وشذرات الذهب 4/ 122، والكامل 9/ 334) .
[2] في الأصل: «الكيا الهريس» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 122، والكامل 9/ 334) .
[5] انظر ترجمته في: (ميزان الاعتدال 2/ 587) .(18/40)
سمع أبا الحسين بن الطيوري [1] سنة احدى وخمسمائة، وكان الحسين قد توفي سنة خمسمائة ويمكن أن يكون هذا في أول اختلاطه، غير أن شيخنا أبا [الفضل بن] [2] ناصر قال: كان هذا قبل أن يختلط [3] .
توفي في رجب ودفن بالشونيزية.
4109- عمر بن إبراهيم
بن مُحَمَّد بن أَحْمَد بْن علي بن الحسين بن علي بن حمزة بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو البركات الهاشمي [4] :
ولد سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة بالكوفة، وسمع بها وببغداد، وسافر إلى بلاد الشام فأقام بدمشق وحلب مدة، وكتب الكثير، وسمع من الخطيب، وابن النقور، وابن البسري، وكان يسكن محلة يقال لها: السبيع، ويصلي بالناس في مسجد أبي إسحاق السبيعي، وله معرفة بالحديث والفقه والتفسير واللغة والأدب، وله تصانيف في النحو، / وكان خشن العيش صابرا على الفقر، وكان يقول: دخل أبو عبد الله الصوري 17/ ب الكوفة فكتب عن اربعمائة شيخ، وقدم علينا هبة الله بن المبارك السقطي فأفدته عن سبعين شيخا من الكوفيين، وما بالكوفة اليوم أحد يروي الحديث غيري.
أنبأنا ابن ناصر الحافظ، قال: سمعت أبا الغنائم محمد بن علي النرسي يقول:
عمر بن إبراهيم الكوفي جارودي المذهب، فلا يرى الغسل عن الجنابة، وقال
__________
[1] في الأصل: «سمع أبا الحسن بن الطيوري» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] على هامش المطبوع: «العبارة غير محررة، ولابن هندويه ترجمة في لسان الميزان، وحاصلها أنه ادعى السماع من أبي الحسين بن الطيوري، وأرخ السماع سنة 501 هـ، مع أن أبا الحسين توفي سنة 500 هـ، واختلط ابن هندويه بآخرة، فقال المؤلف: يمكن أن دعواه السماع من أبي الحسين إنما كانت بعد اختلاط، ولكن ابن ناصر يقول انه ادعاه قبل. فاللَّه أعلم» .
[4] في ت: «محمد بن إبراهيم» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 122، والبداية والنهاية 12/ 219، وميزان الاعتدال 2/ 249، ونزهة الألباء 478، ولسان الميزان 4/ 280، وأنبأه الرواة 2/ 324، والأعلام 5/ 38، 39) .(18/41)
يوسف بن محمد بن مقلد: قرأت عليه عن عائشة، فقلت: رضي الله عنها، فقال: تدعو لعدوة علي.
توفي يوم الجمعة سابع شعبان هذه السنة، وصلى عليه نحو الثلاثين ألفا، ودفن يوم السبت في المقبرة المسبلة المعروفة بالعلويين.
4110- علي بن عبد الكريم بن أحمد بن محمد الكعكي المقرئ، أبو الحسن:
قرأ بالقراءات على أبي الفضل بن خيرون، وأبي محمد التميمي وغيرهما، وسمع الحديث الكثير، وتفقه على الشاشي إلا أنه اشتغل بالعمل مع السلطان.
وتوفي في ذي القعدة هذه السنة، ودفن بمقبرة باب أبرز.
4111- علي بن هبة الله بن عبد السلام، أبو الحسن الكاتب البغدادي
[1] :
ولد سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وسمع ابن النقور، والصريفيني، وأبا القاسم الطبري، وغيرهم. وكان حسن الأصول صحيح السماع، وحدث بواسط وبغداد، وتوفي يوم الثلاثاء سادس رجب، وحضر جنازته قاضي القضاة الزينبي، وصاحب المخزن، وأرباب الدولة والعلماء ووجوه الناس، ودفن في المقبرة المنسوبة إلى الشهداء في أعلى باب حرب.
4112- محمد بن عبد الملك بن الحسن بن إبراهيم بن خيرون، أبو منصور المقرئ
[2] .
[ولد] [3] في رجب سنة أربع وخمسين، وسمع أبا الحسين ابن المهتدي، وأبا جعفر ابن المسلمة، وابن المأمون، وابن النقور، والصريفيني، والخطيب وغيرهم.
وقرأ القرآن بالقراءات، وصنف فيها كتبا، وأقرأ وحدث، وكان ثقة، وكان سماعه صحيحا.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 122) .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 125، والكامل 9/ 334) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/42)
/ قال المصنف: سمعت عليه الكثير وقرأت عليه، وهو آخر من روى عن 18/ أالجوهري بالإجازة.
توفي ليلة الاثنين سادس عشر رجب من هذه السنة، ودفن بباب حرب.
4113- محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن المهتدي باللَّه، أبو الحسن بن أبي الغنائم
[1] :
ولد سنة ثمان وستين وسمع أبا نصر الزينبي وكان خطيب جامع المنصور وتوفي في صفر هذه السنة.
__________
[1] في ت: «محمد بن محمد بن أحمد» .(18/43)
ثم دخلت سنة أربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في جمادى الآخرة جلس يوسف الدمشقي للتدريس بالمدرسة التي بناها ابن الإبري بباب الأزج، وحضر قاضي القضاة وصاحب المخزن وأرباب الدولة.
[دخول السلطان مسعود بغداد وخروجه]
وفي يوم الأحد العشرين من رجب: دخل السلطان مسعود بغداد، وكان السبب أن بزبه سار من بلاده إلى أصبهان متظاهرا بطاعة السلطان مسعود، وكتب إلى عباس صاحب الري بالوصول إليه، فوصل إليه، وكان مع بزبه محمد شاه بن محمود فاستشعر السلطان مسعود من اجتماعهما، فقصد العراق فسار بزبه وعباس إلى همذان، وتظاهرا بالعصيان واتصل بهما الملك سليمان شاه بن محمد فخطبوا لمحمد شاه، ولسليمان شاه وتوجهوا لحرب السلطان مسعود [فلقيه سليمان شاه طائعا وعاد بزبه إلى بلاده] [1] .
[وفي رمضان: خرج السلطان مسعود] [2] من بغداد، وكان علي بن دبيس ببغداد فخرج منها هاربا، وهو صبي، وكان السبب أن السلطان مسعود لما أراد الخروج من بغداد أشار مهلهل بحمل علي بن دبيس إلى قلعة تكريت، فعلم فهرب في خمسة عشر فارسا فقصد النيل ثم مضى إلى الأزيز وجمع بني أسد وساروا إلى الحلة وفيها أخوه محمد بن دبيس فتحاربا فنصر على محمد فانهزم مُحَمَّد وانهزم جنده، ثم أخذ وملك
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/44)
على الحلة فاحتقر أمره فاستفحل، فقصدهم مهلهل ومعه أمير الحاج نظر/ في عسكر 18/ ب بغداد فنصر عليهم وهزمهم أقبح هزيمة وعادوا مفلولين إلى بغداد، فاسمعهم العامة أقوالا قبيحة، ثم إن السلطان أقره على الحلة.
وفي هذه السنة: احترز الخليفة من أهله وأقاربه وضيق على الأمير أبي طالب.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4114- أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن أحمد بن سليمان، أبو سعد بن أبي الفضل البغدادي
[1] :
بغدادي الأصل، أصبهاني المولد والمنشأ، ولد سنة ثلاث وستين، وسمع الكثير، وحدث بالكثير، وكان على طريقة السلف الصالح، صحيح العقيدة حلو الشمائل مطرحا للتكلف، فربما خرج من بيته إلى السوق وعلى رأسه قلنسوة طاقية، وربما قعد بين الناس مؤتزرا [وربما أملى وقد خلع] [2] ، وكان يستعمل السنة مهما قدر [3] حتى أنه رجع مرة من الحج فاستقبله خلق كثير من أهل أصبهان فسار بسيرهم، حتى إذا قارب البلد حرك فرسه وسبقهم، فسئل عن ذلك فقال: أردت استعمال السنة فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا رأى جدران المدينة أوضع راحلته. وحج إحدى عشرة حجة، وأملى بمكة والمدينة، وكان يصوم في الحر، وورد مرارا إلى بغداد، وسمعت منه الكثير ورأيت أخرقه اللطيفة ومحاسنه الجميلة، وكان في كل مرة إذا ودع أهل بغداد، يقول: في نفسي الرجوع ولست بآيس، فحج سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ورجع.
فتوفي بنهاوند في ربيع الأول سنة أربعين، وحمل إلى أصبهان فدفن بها.
4115- أحمد بن علي بن محمد، أبو الحسين الدامغاني، ولد قاضي القضاة أبي [4] الحسن:
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 125، والبداية والنهاية 12/ 220، والكامل 9/ 337) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص: «يستعمل السنة مهما قدر» .
[4] في ت: «أبو الحسن الدامغانيّ» .(18/45)
سمع الحديث من أبي طلحة النعالي، وطراد وغيرهما، وولي القضاة بالجانب الغربي وباب الأزج.
19/ أوتوفي في جمادى الآخرة/ من هذه السنة، ودفن إلى جانب أبيه بنهر القلائين.
4116- بهروز بن عبد الله أبو الحسن الخادم الأبيض الغياثي:
كان يلقب بمجاهد الدين، ولي العراق نيفا وثلاثين سنة، وعمر دار السلطان وسد البثق، وكان ابن عقيل يقول: ما رأيت مثل مناقضة بهروز فإنه منع أن يجتمع في السفينة النساء والرجال وجمع بينهم في الماخور.
وتوفي في رجب ودفن برباطه المستجد بشاطئ دجلة المعروف برباط الخدم.
4117- الحسين بن الحسن بن عبد الله، أبو عبد الله المعدل:
[1] سمع أبا عبد الله الدامغاني، وأبا القاسم البسري، وقرأ بالقراءات على أبي الخطاب الصوفي، وكان ثقة دينا حدث وأقرأ وقضى.
وتوفي يوم الأربعاء ثامن عشرين جمادى الآخرة، ودفن في المقبرة الخيزرانية قريبا من قبر الهيتي وحضره قاضي القضاة الزينبي، وخلق من الأكابر.
4118- علي بن أحمد بن الحسين بن أحمد أبو الحسين اليزدي
[2] :
سكن قراح ظفر، وتفقه على أبي بكر الشاشي، وسمع الحديث الكثير وروى، وكان له قميص وعمامة بينه وبين أخيه إذا خرج هذا قعد هذا.
4119- موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي، أبو منصور بن أبي طاهر
[3] :
ولد في ذي الحجة سنة خمس وستين، ونشأ بباب المراتب، وسمع الحديث
__________
[1] في ت: «أبو عبد الله المقدسي» .
[2] في الأصل، ت: «أبو الحسن» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 220) .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 220، وشذرات الذهب 4/ 127، ووفيات الأعيان 2/ 142، وبغية الوعاة 401، وآداب اللغة 3/ 40، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 244، وإنباه الرواة 3/ 335- 337، وصيد الخاطر لابن الجوزي 114، والأعلام 7/ 335) .(18/46)
الكثير من أبي القاسم ابن البسري، وأبي طاهر بن أبي الصقر، وأبي الحسين، وغيرهم. وحدث وقرأ على أبي زكريا سبع عشرة سنة فانتهى إليه علم اللغة فأقرأها، ودرس العربية في النظامية بعد أبي زكريا مدة فلما ولي المقتفي اختص بإمامة الخليفة وكان المقتفي يقرأ عليه شيئا من الكتب، وكان غزير الفضل متواضعا في ملبسه ورياسته، طويل الصمت لا يقول الشيء إلا بعد التحقيق والفكر الطويل، وكثيرا ما كان يقول: لا أدري/ وكان من أهل السنة، وسمعت منه كثيرا من الحديث وغريب 19/ ب الحديث، وقرأت عليه كتابه المعرب وغيره من تصانيفه وقطعة من اللغة.
وتوفي سحرة يوم الأحد منتصف محرم وحضر للصلاة عليه الأكابر كقاضي القضاة الزينبي وهو صلى عليه وصاحب المخزن وجماعة أرباب الدولة والعلماء والفقهاء ودفن بباب حرب عند والده.
4120- المبارك بن علي بن عبد العزيز السمذي [1] ، أبو المكارم الخباز:
ولد سنة إحدى وخمسين، وسمع الصريفيني، وأبا القاسم بن البسري، وغيرهما، وكان سماعه صحيحا.
وتوفي يوم عاشوراء، ودفن بباب أبرز.
__________
[1] في ت: «ابن عبد العزيز السمدي» وفي الأصل: «ابن عبد العزيز السدي» .(18/47)
ثم دخلت سنة احدى وأربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها.
[حريق في القصر الذي بناه المسترشد في البستان]
أنه في ليلة الاثنين مستهل ربيع الآخر وقع الحريق في القصر الذي بناه المسترشد في البستان الذي على مسناة باب الغربة، وكان تلك الليلة قد اجتمع الخليفة بخاتون فيه، وجمعوا من الأواني والأثاث [1] والزي كل طريف، وعزموا على المقام فيه ثلاثة أيام فما أحسوا إلا والنار قد لفحتهم من أعلى القصر، وكانوا نياما في أعلاه، وكان السبب أن جارية كانت بيدها شمعة فعلقت بأطراف الخيش فأصبح الخليفة فأخرج المحبوسين وتصدق بأشياء.
[خلع على ابن المرخم خلعة سوداء]
وفي ثالث جمادى الآخرة: خلع على ابن المرخم خلعة سوداء، وطيف [2] به في الأسواق فقلد القضاء يحضر من أي صقع شاء [3] وليس على يده يد، وكان مطيلسا بغير حنك ثم ترك الطيلسان.
ووصل الخبر يوم الثلاثاء خامس عشر ربيع الآخر بأن ثلاثة من خدم زنكي [الخواص] [4] قتلوه، وقام بالأمر ابنه غازي في الموصل، وأكبر الولاية، وكان ابنه محمود في حلب.
__________
[1] في الأصل: «وجمعوا من الأغاني والأثاث» والتصحيح من ص وط.
[2] «الخيش، فأصبح الخليفة ... خلعة سوداء، وطيف» : العبارة ساقطة من ت.
[3] في الأصل: «من أي سقع شاء» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/48)
[دخول السلطان مسعود إلى بغداد]
وفي رجب: دخل السلطان مسعود إلى بغداد، وعمل دار ضرب فقبض الخليفة على ضراب كان سبب إقامة دار الضرب لمسعود فنفذ الشحنة فقبض على حاجب الباب ابن الصاحب وعلى أربعة أنفس خواص وقال لا أسلمهم حتى يخلوا صاحبي، / وكان ذلك يوم الجمعة تاسع عشر شعبان فنفذ الخليفة فأخرج من في الجامع وغلقه وامر 20/ أبغلق المساجد فبقيت ثلاثة أيام كذلك ثم تقدموا بفتحها ولم يسلم لهم الضراب وأطلق حاجب الباب يوم الخميس خامس عشرين شعبان وتوفي نقيب النقباء محمد بن طراد فولي النقابة أبو أحمد طلحة بن علي الزينبي.
واستشعر السلطان مسعود من سليمان شاه فراسل الأمير عباسا وأستصلحه فلما تم ذلك قبض على سليمان شاه وحمله إلى القلعة وحضر عباس من خدمته السلطان بالري وسلمها ثم اجتمع الأمراء عند مسعود ببغداد فتكلموا على عباس فقتل.
وخطب ابن العبادي [1] بجامع القصر في رمضان، فاجتمع خلق لا يحصى.
[وفاة بنت الخليفة]
وفي شوال توفيت بنت الخليفة، وقع عليها حائط أو سقف فماتت فحملت إلى الرصافة ومعها الوزير وأرباب الدولة، واشتد الحزن عليها وكانت قد بلغت مبلغ النساء وجلس للعزاء بها ثلاثة أيام، ولبسوا الثياب البيض واجتمعوا في اليوم الثاني في الترب للتعزية، وكان في الجماعة قاضي القضاة الزينبي ومعه صهره أبو نصر خواجا أحمد نظام الملك وهو يومئذ مدرس النظامية فجاء أستاذ الدار ابن رئيس الرؤساء ليجلس بين قاضي القضاة وبين الأمير أبي نصر، فمنعه فتناوشوا فكتب أستاذ الدار يشكو فخرج الأمر بإنهاء أبي نصر، وأخرجه من دار الخلافة فأخرج من بيته ماشيا إلى باب النوبي.
وفي يوم الجمعة خامس عشر ذي القعدة: جلس ابن العبادي الواعظ بجامع السلطان، وحضر عنده السلطان مسعود فوعظه وعرض بذكر حق البيع وذكر ما يجري على المسلمين من ذلك، ثم قال له: يا سلطان العالم أنت تهب مثله لمطرب ومغن بقدر هذا المأخوذ من المسلمين تهبه لي وتحسبني ذلك المطرب واتركه/ للمسلمين وافعله 20/ ب شكرا لما انعم الله به عليك من بلوغ الأغراض فأشار بيده إني قد فعلت فارتفعت الضجة
__________
[1] في ص، ط: «وجلس ابن العبادي» .(18/49)
بالدعاء له ونودي في البلد بإسقاطه وولي ابن الصيقل حجبة الباب وخلع على نقيب النقباء خلع النقابة.
وانتشر جراد عظيم، وطيف بالألواح التي نقش عليها ترك المكس في الأسواق، وضربت بين يديها الدبادب والبوقات.
وفيها: حج الوزير نظام الدين أبو المظفر بن علي بن جهير، وحججت أنا ومعي الزوجة والأطفال، وكنت أرى الوزير في طريق مكة متواضعا وقد عاد له أبو نصر الكرخي.
وخرج في هذه السنة التشرينان وكانون الأول، ولم يأت مطر إلا قطرات لا تبل الأرض، وأشرفت المواشي على العطب من قلة العشب، وظهر بالناس علة انتفاخ الحلق، فمات به خلق كثير، وغارت المياه من الأنهار والآبار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4121- أحمد بن محمد، أبو نصر الحديثي [1] المعدل.
تفقه على الشيخ أبي إسحاق وسمع الحديث وكان من أوائل شهود الزينبي.
توفي يوم الأربعاء ثالث عشر جمادى الآخرة وحضر الزينبي والأعيان.
4122- إِسْمَاعِيل بن أحمد بن محمود بن دوست، أبو البركات بن أبي سعد [2] الصوفي:
ولد سنة خمس وستين، وسمع الحديث من أبي القاسم الأنماطي، وأبي نصر الزينبي، وطراد، وأبي محمد التميمي، وغيرهم، وحدث. وتوفي في جمادى الأولى [ودفن إلى جانب الزوزني وعمل له عرس كما تقول الصوفية في عاشر جمادى الآخرة] [3] واجتمع مشايخ الربط، وأرباب الدولة والعلماء فاغترموا على ما قيل على المأكول والمشروب والحلوى ثلاثمائة دينار.
__________
[1] في ت: «أحمد بن محمد بن محمد، أبو نصر» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 128، والكامل 9/ 334) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/50)
4123- زنكي بن آقسنقر:
[1] / كان أمير الشام، وذكرنا من أحواله فيما نقدم. قتله بعض سلاحيته، وقيل: قتله 21/ أثلاثة من غلمانه، وكان محاصرا قلعة جعبر.
4124- سعد الخير بن محمد بن سهل بن سعد، أبو الحسن المغربي الأندلسي الأنصاري:
[2] سافر من بلاد الأندلس إلى بلاد الصين، وركب البحر وقاسي الشدائد، ثم دخل بغداد وتفقه على أبي حامد الغزالي، وسمع الحديث من طراد، وابن النظر، وثابت، وخلق كثير، وقد سمع من شيوخ خراسان، وقرأ الأدب على أبي زكريا، وحصل كتبا نفيسة، وحدث وقرأت عليه الكثير، وكان ثقة صحيح السماع.
وتوفي يوم السبت عاشر محرم هذه السنة، وصلى عليه الغزنوي بجامع القصر، وكان وصيه وحضر قاضي القضاة الزينبي والأعيان، ودفن إلى جانب قبر عبد الله [3] بن أحمد بوصية منه.
4125- شافع بن عبد الرشيد بن القاسم بن عبد الله [4] الجيلي.
من أهل جيلان، تفقه على إلكيا الهراسي، ثم رحل إلى أبي حامد الغزالي فتفقه عليه، وكان فقيها فاضلا يسكن كرخ بغداد، وكان له حلقة للفقه بجامع المنصور في الرواق، وكنت أحضر حلقته وأنا صبي فألقي المسائل. توفي في محرم هذه السنة.
4126- عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن أحمد بن عبد الله، أبو محمد المقرئ، سبط أبي منصور [5] الزاهد:
ولد ليلة الثلاثاء السابع والعشرين من شعبان سنة أربع وستين واربعمائة، وتلقن
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 221، والكامل 9/ 339، وشذرات الذهب 4/ 128) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 221، وشذرات الذهب 4/ 128) .
[3] في الأصل: «دفن إلى قبر جانب عبد الله بن أحمد» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 222) .
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 222، وشذرات الذهب 4/ 128، والكامل 9/ 345) .(18/51)
القرآن من شيخه أبي الحسن ابن الفاعوس. وسمع الحديث من ابن النقور، وأبي منصور بن عبد العزيز، وطراد، وثابت وغيرهم. وقرأ بالقراءات على جده، وعبد القاهر العباسي، وأبي طاهر بن سوار، وثابت وغيرهم، وقرأ الأدب على أبي الكرم بن فاخر، وسمع الكتب الكبار، وصنف كتبا في القراءات وقصائد، وأم في المسجد منذ سنة سبع 21/ ب وثمانين إلى/ أن توفي وقرأ عليه الخلق الكثير وختم ما لا يحصى، وكان أكابر العلماء وأهل البلد يقصدونه، وقرأت عليه القراءات والحديث الكثير، ولم أسمع قارئا قط أطيب صوتا منه ولا أحسن إذا صلى، كبر سنه وجمع الكتب الحسان، وكان كثير التلاوة وكان لطيف الأخلاق ظاهر الكياسة والظرافة حسن المعاشرة للعوام والخواص.
وتوفي بكرة الاثنين ثامن عشر ربيع الآخر من هذه السنة في غرفته التي بمسجده فحط تابوته بالحبال من سطح المسجد وأخرج إلى جامع القصر، وصلى عليه عبد القادر، وكان الناس في الجامع أكثر من يوم الجمعة، ثم صلى عليه في جامع المنصور وقد رأيت أيام جماعة من الأكابر فما رأيت أكثر جمعا من جمعه، كان تقدير الناس من نهر معلى إلى قبر أحمد وغلقت الأسواق ودفن في دكة الإمام أحمد بن حنبل عند جده أبي منصور.
4127- عبد المحسن بن غنيمة بن أحمد بن فاحة، أبو نصر المقرئ.
سمع من ابن نبهان، وشجاع الذهلي، وغيرهما. وكان شيخا صالحا.
توفي في محرم هذه السنة، ودفن بباب حرب.
4128- عباس شحنة الري
[1] :
كان قد مال إلى بعض السلاطين فاستصلحه مسعود وأحضره فحضر وخدم وسلم الري إلى السلطان، ثم إن الأمراء اجتمعوا عند السلطان ببغداد، وقالوا: ما بقي لنا عدو سوى عباس، فاستدعي عباس إلى دار المملكة يوم الخميس رابع عشر ذي القعدة، وقتل في دار السلطان ورمي ببدنه إلى تحت الدار، فبكى الخلق عليه [2] لأنه كان يفعل
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 222، والكامل 9/ 343) .
[2] في الأصل: «ورمى ببدنه إلى تحت الدار فبكت الخلق عليه» .(18/52)
الجميل، وكانت له صدقات، وحكى أنه ما شرب الخمر قط ولا زنى، وأنه قتل من الباطنية ألوفا كثيرة، فبنى من رءوسهم منارة، ثم حمل فدفن في المشهد المقابل لدار السلطان.
4129- محمد [بن محمد] بن أحمد ابن السلال، أبو عبد الله [1] الوراق.
ولد سنة سبع وأربعين واربعمائة/ وسمع ابن المسلمة، وابن المأمون، وجابر بن 22/ أياسين، وتفرد بالرواية عن أبي علي محمد بن وشاح الزينبي، وأبي الحسن ابن البيضاوي، وأبي بكر بن سيائوس، وسمعت منه. وكان شيخنا ابن ناصر لا يرضى عنه في باب الدين، وقال شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي [سمعت السلال المعروف في الكرخ بالتشيع.
توفي في جمادى الأولى من هذه السنة، ودفن بمقابر قريش قريبًا من قبر أبي يوسف] [2] .
4130- محمد بن طراد بن محمد بن علي، أبو الحسن بن أبي الفوارس الزينبي نقيب الهاشميين.
[3] .
وهو أخو الوزير علي بن طراد، ولد سنة اثنتين وستين، وسمع الكثير من أبيه، وعمه أبي نصر، ومن أبي القاسم ابن البسري [4] ، وغيرهم، وحدث.
وتوفي في ثالث عشرين شعبان هذه السنة.
4131- محمد بن محمد بن عبد الله بن عيسى، أبو هاشم الساوي:
قاضي ساوة، ولد سنة ثلاث وسبعين، وسمع الكثير، وتفقه وناظر ووعظ.
توفي في ربيع الأول من هذه السنة بساوة.
4132- وجيه بن طاهر بن محمد بن محمد، أبو بكر الشحامي، أخو أبي القاسم زاهر بن [4] طاهر:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل. وفي ت: «أبو عبد الله الرزاق» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «نقيب الهاشمية» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 222) .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 222، وشذرات الذهب 4/ 130، وتاريخ نيسابور 1609) .(18/53)
من أهل نيسابور، من بيت الحديث، وكان يعرف طرفا من الحديث، ولد سنة خمس وخمسين وأربعمائة، وسمعه أبوه الكثير، ورحل بنفسه إلى بغداد وهراة، وسمع الكثير، وكان شيخا صالحا صدوقا صالحا حسن السيرة منور الوجه والشيبة سريع الدمعة 22/ ب كثير الذكر، ولي منه/ إجازة بمسموعاته ومجموعاته.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن بمقبرة الحسين إلى جنب أخيه ووالده.(18/54)
ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه عزل ابن مهدويه عن كتابه الزمام وولي مكانه أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة وورد الخبر أن بزبه راسل شحنة أصبهان فاستماله ورحل إليها ومعه محمد شاه وكان السلطان مسعود مقيما بهمذان وعساكره قليله فأرسل إلى عساكر آذربيجان فتأخروا عنه فسار بزبه من أصبهان سيرا يمهل فيه فلما قاربها وصلت عساكر آذربيجان إلى السلطان وكان بزبه قد جاء جريدة في خمسة آلاف فارس فضرب على عسكر السلطان فكسر الميمنة والميسرة وكان مسعود قد تأخر عن المصاف في ألف فارس وكان عسكره عشرة آلاف فاشتغل عسكر بزبه بالنهب والقتل فجاء مسعود فحمل عليهم فالتقى هو وبزبه فكبت الفرس ببزبة فوقع فجيء به إلى مسعود فقطع نصفين وجيء برأسه فعلق بازاء دار الخلافة وعلقت بغداد واستولى خاص بك على دولة السلطان مسعود فأهلك جماعة من الأمراء فاستشعر الباقون منه.
وفي صفر: / شاع ان رجلا رأى في المنام أنه من زار قبر أحمد بن حنبل غفر له، 23/ أفما بقي خاص ولا عام إلا وزار، وعقدت يومئذ مجلسا فحضر ألوف لا يحصون.
وعزل أبو نصر بن جهير في ربيع الأول من هذه السنة [1] عن الوزارة، وسكن بالدار التي بناها بشاطئ دجلة بباب الأزج، وهي التي آل أمرها إلى أن صارت ملكا
__________
[1] «من هذه السنة» : ساقطة من ص، ط.(18/55)
لجهة الإمام المستضيء بأمر الله فوقفتها مدرسة لأصحاب أحمد بن حنبل وسلمتها إلى فدرست فيها سنة سبعين.
وفي ربيع الآخر: [1] منع الغزنوي من الجلوس في جامع القصر ورفع كرسيه.
[ولاية أبي القاسم علي ابن صدقة الوزارة]
وفي جمادى الأولى: ولي الوزارة أبو القاسم علي بن صدقة بن علي بن صدقة نقلا عن المخزن إليها فدخل إلى المقتفي ومعه قاضي القضاة الزينبي وأستاذ الدار وجملة من الخواص وقلده الوزارة شفاها [2] ، وخلع عليه ومضى إلى الديوان [يوم السبت] [3] ثالث عشر جمادى الأولى وقرأ ابن الأنباري كاتب الإنشاء عهده.
وفي هذا الشهر: أذن للغزنوي في العود إلى الجلوس بالجامع وقدم ابن العبادي برسالة السلطان إلى الخليفة بتولية الأمير أبي المظفر فخرج الخلق للقائه ولم يبق سوى الوزير وقبل العتبة [4] ، ومضى إلى رباط الغزنوي.
[ولاية يحيى بن جعفر المخزن]
23/ ب وفي يوم السبت الثالث/ والعشرين من جمادى الآخرة: ولي يحيى بن جعفر المخزن ولقب زعيم الدين، وورد سلاركرد إلى شحنة بغداد ومعه مكتوب من السلطان مسعود إليه والى العساكر بمساعدته على أخذ البلاد الزيدية من علي بن دبيس وتسليمها إليه فخرجوا [في رجب والتقوا [5]] فاقتتلوا واندفع علي بن دبيس إلى ناحية واسط ثم قصد العراق ثم عاد فملك الحلة.
[جلوس ابن المرخم في داره]
وفي يوم الأربعاء سابع عشر شوال: جلس أبو الوفاء يحيى بن سعيد المعروف بابن المرخم في داره [6] بدرب الشاكرية في الدست الكامل، وسمع البينة وحضر مجلسه شهود بغداد والمديرون والوكلاء واستقر جلوسه في كل يوم أربعاء وأخذ على عادة كانت للقاضي الهروي. وكان أبو الوفاء بئس الحاكم يأخذ الرشا ويبطل الحقوق.
__________
[1] في الأصل: «وفي ربيع الأول» .
[2] في الأصل: «وقلد الوزارة ببغداد» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «سوى الوزير فوصل العشية» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «يحيى بن سعد المعروف بابن المؤخر في داره» .(18/56)
وتزايدت الأسعار حتى بلغ الكر الشعير أربعين دينارا والحنطة ثمانين فنادى الشحنة أن لا تباع الكارة الدقيق إلا بدينار فهرب الناس وغلقوا الدكاكين وعدم الخبز أربعة أيام فبقي الأمر كذلك شهرا ثم تراخى السعر.
[هروب إسماعيل بن المستظهر أخي الخليفة]
وفي رمضان هرب إِسْمَاعِيل بن المستظهر أخو الخليفة من داره إلى ظاهر البلد وبقي يومين نقب من الموضع، وأخرج بزي المشائية [1] على رأسه سلة، وبيده قدح على وجه التفرج فانزعج البلد فخشي أن يعود فاختبأ عند قوم بباب الأزج فاعلموا به فجاء أستاذ الدار وحاجب الباب وخدم فردوه.
وحج الناس ولم يزوروا قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ حذرا من قلة الماء.
24/ أ
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4133- أحمد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الله، أبو الحسن الآبنوسي [2] الوكيل:
ولد سنة ست وستين، وسمع أبا القاسم ابن البسري، وعاصما، وأبا الغنائم ابن أبي عثمان، وأبا محمد التميمي، وأبا بكر الشامي في خلق كثير، وتفقه على أبي الفضل الهمذاني، وأبي القاسم الزنجاني، وصحب شيخنا أبا الحسن ابن الزاغوني، فحمله على السنة بعد أن كان معتزليا وكانت له اليد الحسنة في المذهب والخلاف والفرائض والحساب والشروط وكان ثقة مصنفا على سنن السلف والتقشف وسبيل أهل السنة في الاعتقاد، وكان ينابذ من أصحاب الشافعي من يخالف ذلك من المتكلمين وكان يخلو بالأذكار والأوراد من بكرة إلى وقت الظهر ثم يقرأ عليه بعد الظهر.
وتوفي سحرة يوم الخميس ثامن ذي الحجة ودفن بمقبرة الشونيزية عند أبيه.
4134- أحمد بن علي بن عبد الواحد، أبو بكر الدلال، يعرف بابن الأشقر
[3] :
ولد سنة سبع وخمسين، سمع أبا الحسين ابن المهتدي، وأبا محمد الصريفيني
__________
[1] في الأصل: «واخرج بزي الشاشية» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 130، وتذكرة الحفاظ 1294) .
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 131، وتذكرة الحفاظ 1294) .(18/57)
وغيرهما، وحدث عنهم، وكان سماعه صحيحا، وكان خيرا.
وتوفي يوم الأربعاء ثامن صفر، ودفن بمقبرة باب حرب.
4135- أحمد بن محمد بن محمد أبو المعالي ابن البسر البخاري
[1] :
سمع من أبيه الحديث، وتفقه عليه، وسمع من غيره، وأفتى وناظر وأملى 24/ ب الحديث، وكان حسن السيرة/ وهو من بيت الحديث والعلم.
وتوفي بسرخس في جمادى هذه السنة، وحمل إلى مرو، ثم حمل إلى بخارى فدفن بها.
4136- أسعد بن عَبْد اللَّهِ بن أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الصمد بن المهتدي باللَّه، أبو منصور
[2] :
ولد سنة ثلاث أو أربع وثلاثين وأربعمائة، وسمع من طراد، وطاهر بن الحسين، وكان الناس يثنون عليه الخير وينسبونه إلى الصلاح، وقال: حملوني إلى أبي الحسن القزويني فمسح يده على رأسي فمذ ذلك الوقت إلى الآن أكثر من تسعين سنة ما أوجعني رأسي ولا اعتراني صداع. ورأيته أنا بعد هذا السن [الكبير] [3] يمشي منتصب القامة [4] .
وتوفي في رمضان هذه السنة، ودفن في مقبرة جامع المنصور مقابل سكة الخرقي.
4137- دعوان بن علي بن حماد بن صدقة الجبي، أبو محمد الضرير
[5] :
ولد سنة ثلاث وستين وأربعمائة بجبة، وهي قرية عند العقر في طريق خراسان سمع الحديث من أبي محمد التميمي، وابن النظر، وابن السراج، وثابت وغيرهم، وقرأ بالقراءات على عبد القاهر، وأبي طاهر ابن سوار، وثابت وغيرهم، وتفقه على أبي سعد المخرمي، وكان متعبدا للخلاف بين يديه وحدث وأقرأ وانتفع به الناس [6] وكان ثقة
__________
[1] في ت: «ابن محمد أبو المعالي ابن أبي البسر» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 223) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص: «يمشي منتصف القامة» .
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 131، وفيه: «عوان بن علي» ، وتذكرة الحفاظ 1294) .
[6] «وكان متعبدا.. وانتفع به الناس» : ساقطة من ت.(18/58)
دينا ذا ستر وصيانة وعفاف وطريق محمودة على سبيل السلف الصالح.
وتوفي يوم الأحد سادس عشرين ذي القعدة ودفن بمقبرة أبي بكر غلام الخلال.
وكتب إلى عبد الله الجبائي الشيخ الصالح قال: رأيت دعوان بن علي بعد موته بنحو من شهر في المنام وكأن عليه ثيابا بيضا [شديدة البياض] [1] وعمامة بيضاء وهو يمضي إلى الجامع لصلاة الجمعة فأخذت يده اليسرى بيدي اليمنى/ ومضينا فلما بلغنا 25/ أالى حائط الجامع قلت له يا سيدي إيش لقيت؟ فقال لي عرضت على الله خمسين مرة وقال لي إيش عملت؟ فقلت قرأت القرآن وأقرأته فقال لي: أنا أتولاك أنا أتولاك [أنا أتولاك] [2] . قال عبد الله فأصابني الوجد وصحت آه وضربت بيدي اليمنى [3] حائط الجامع ثلاث مرات أتأوه واضرب الحائط بكتفي ثم استيقظت.
4138- طاهر بن سعيد بن أبي سعيد بن أبي الخير الهيتي، أبو القاسم
[4] .
شيخ رباط البسطامي، وكان مقدما في الصوفية، رأيته ظاهر الوقار والسكون والهيئة والصمت [5] ، وتوفي يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول فجاءة، ودفن في مقبرة الجنيد وقعدوا للعزاء به فنفذ إليهم من الديوان من أقامهم.
4139- عبد السيد بن علي بن محمد بن الطيب، أبو جعفر، ويعرف بابن [6] الزيتوني.
تفقه على أبي الوفاء بن عقيل، ثم انتقل عن المذهب، واتصل بالزينبي نور الهدى، وقرأ عليه مذهب أبي حنيفة وعلى خلف الضرير الكلام، وصار متكلما داعيا في الاعتزال، ثم اشتغل بالإشراف على المارستان.
وتوفي في شوال ودفن بباب حرب.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص، ط: «وضربت بكتفي اليمنى» .
[4] في ت: «بن أبي الخير الميهني» .
وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 348) .
[5] في الأصل: «الوفاء والسكون والهيئة» .
[6] في ت: «المعروف بابن الزيتوني» . وانظر ترجمته في تذكرة الحفاظ 1294.(18/59)
4140-[عمر بن ظفر بن أحمد، أبو حفص المقرئ
[1] .
ولد سنة احدى وستين وأربعمائة، وسمع الكثير من ابن السراج، وأبي غالب الباقلاوي، وغيرهما.
وتوفي في شعبان هذه السنة، وكان ثقة وله سمت المشايخ] .
4141- عمر بن أبي الحسن، أبو شجاع البسطامي:
دخل إلى بغداد فحدث وسمعنا منه شمائل النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عيسى الترمذي، وغيرها، وناظر ووعظ، وكان مجموعا حسنا.
أنشد عمر في مجلس وعظه:
تعرضت الدنيا بلذة مطعم ... ورونق موشي من اللبس رائق
أرادت سفاها أن تموه قبحها ... علي وكم خاضت بحلو الدقائق
فلا تخدعينا بالسراب فإننا ... قتلنا نهابا في طلاب الحقائق
25/ ب
4142-/ فاطمة خاتون بنت السلطان
محمد بن ملك شاه السلجوقي زوجة المقتفي أمير المؤمنين:
توفيت ببغداد في ربيع الأول [2] ، وصلى عليها قاضي القضاة الزينبي في صحن السلام، وحملت في الزبزب إلى الترب بالرصافة فدفنت قريبا من قبر المستظهر داخل القبة.
4143- محمد بن أحمد بن الحسن الطرائفي، أبو عبد الله
[3] :
سمع من أبي جعفر ابن المسلمة كتاب صفة المنافق فحسب لم يوجد له سماع غيره، وكانت له إجازات من ابن المسلمة، وابن النقور، وابن المهتدي، وابن المأمون، والخطيب فقرئ عليه عنهم، وكان شيخا صالحا.
توفي غرة ذي الحجة من هذه السنة.
__________
[1] هذه الترجمة ساقطة من الأصول، وأوردناها من ت.
وانظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1294) .
[2] في الأصل: «توفيت ببغداد في ربيع الأول من هذه السنة» . وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 349) .
[3] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1294) .(18/60)
4144- محمد بن المظفر بن علي بن المسلمة، أبو الحسن بن أبي الحسن بن أبي الفتح بن أبي القاسم الوزير
[1] :
ولد سنة أربع وثمانين وسمع الحديث من ابن السراج وابن العلاف وغيرهما، وروى وانزوى وتصوف وجعل داره التي في دار الخلافة رباطا للصوفية. وتوفي في ليلة الجمعة تاسع رجب وحمل إلى جامع القصر وأزيلت شقة من شباك المقصورة حتى أدخل التابوت وأم للناس في الصلاة عليه أبو علي بن صدقة الوزير المسمى بالقوام، ودفن قريبا من رباط الزوزني مقابل الجامع.
4145- المبارك بن خيرون [بن عبد الملك بن خيرون] أبو السعود
[2] :
سمع أبا الفضل بن خيرون عم أبيه ومالكا البانياسي وأبا طاهر الباقلاوي في آخرين وسماعه صحيح سمعت عليه وكان خيرا.
وتوفي يوم السبت ثالث عشر المحرم ودفن بمقبرة باب حرب.
4146- نصر الله بن محمد بن عبد القوي/ أبو الفتح اللاذقي المصيصي 26/ أالشافعيّ
[3] :
نزيل دمشق ولد باللاذقية سنة ثمان وأربعين واربعمائة وانتقل منها مع والده إلى صور فنشأ ثم انتقل في سنة ثمانين واربعمائة إلى دمشق، تفقه على أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي بصور وسمع بها منه الحديث ومن أبي بكر الخطيب وسمع ببغداد وبالأنبار وكان بقية مشايخ الشام وكان فقيها مفتيا متكلما في الأصول دينا.
توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
4147- هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة، أبو السعادات العلويّ النحويّ الشجري
[4] .
__________
[1] في ت: «أبو الحسن بن أبي القاسم الوزير» وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 349) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «ابن عبد القوي بن الفتح البلاذقي» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 131، وتذكرة الحفاظ 1294) .
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 132، وتذكرة الحفاظ 1294) .(18/61)
[ولد سنة خمسين وأربعمائة] [1] سمع من أبي الحسين ابن الطيوري وابن نبهان وغيرهما وقرأ على الشريف أبي المعمر يحيى بن محمد بن طباطبا النحوي وامتد عمره فانتهى إليه علم النحو وكان يجلس يوم الجمعة بجامع المنصور مكان ثعلب ناحية الرباط يقرأ عليه وناب في النقابة بالكرخ ومتع بجوارحه وعقله.
وتوفي يوم الخميس العشرين من رمضان وأم الناس بالصلاة عليه أبو الحسن الغزنوي الواعظ، ثم دفن بداره بالكرخ.
أنشدني أبو الغنائم الشروطي قال: قال الشريف أبو السعادات ابن الشجري [ما سمع في المدح] [2] أبلغ من شعر أبي نواس:
وأمامك الأعداء تطلبهم ... ووراءك القصاد في الطلب
فإذا سلبت وقفته لهم ... فسلبت ما تحوي من السلب
قال وما سمعت في الذم أبلغ من بيت لمسكويه:
وما أنا إلا المسك قد ضاع عندكم ... يضيع وعند الأكرمين يضوع
[3]
4148- هبة الله بن أحمد بن علي بن سوار، أبو الفوارس بن أبي طاهر الدقاق ثم المقرئ [4] الوكيل:
26/ ب سمع الحديث من أبيه وقرأ عليه القراءات/ وسمع من أبي الغنائم ابن أبي عثمان وعاصم وأبي طاهر الكرخي وغيرهم وحدث وأقرأ وكان سماعه صحيحا وكان ثقة أمينا وتوحد في علم الشروط، وكتب المحاضر والسجلات.
وتوفي يوم الاثنين خامس عشر شوال، ودفن بمقبرة معروف.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من ص، ط، والأصل، وأوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «المسك في كل بقعة يضوع وأما عندكم فيضيع» .
[4] هذه الترجمة ساقطة من ت.(18/62)
ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[وصول الخبر أن ملوك الافرنج وصلوا إلى بيت المقدس]
أنه وصل الخبر بأن ملوك الإفرنج وهم ثلاثة أنفس وصلوا إلى بيت المقدس وصلوا صلاة الموت، وانحدروا إلى عكة، وفرقوا الأموال في العساكر فكان تقدير ما فرقوا سبعمائة ألف دينار وعزموا على قصد المسلمين، فلما سمع المسلمون بقصدهم إياهم جمعوا الغلة والتبن ولم يتركوا في الرساتيق شيئا، ولم يعلم أهل دمشق أن القصد لهم بل ظنوا أنهم يقصدون قلعتين كانتا بقرب دمشق، فلما كان يوم السبت سادس ربيع الأول لم يشعروا بهم إلا وهم على باب دمشق، وكانوا في أربعة آلاف لابس وستة آلاف فارس وستين ألف راجل، فخرج إليهم المسلمون وقاتلوا، فكانت الرجالة التي خرجت إليهم سوى الفرسان مائة وثلاثين ألفا فقتل من المسلمين نحو مائتين، فلما كان في اليوم الثاني خرج الناس إليهم وقتل من المسلمين جماعة، وقتل من الافرنج ما لا يحصى، فلما كان في اليوم الخامس وصل غازي بن زنكي في عشرين ألف فارس لنصرة صاحب دمشق [1] ووصل أولاد غازي إلى بالس في ثلاثين ألفا فقتلوا من القوم [ما لا يحد [2]] وكان البكاء والعويل في البلد وفرش الرماد أياما وأخرج مصحف عثمان إلى وسط الجامع واجتمع عليه الرجال والنساء والأطفال وكشفوا رءوسهم ودعوا فاستجاب الله منهم/ فرحل أولئك، وكان معهم قسيس طويل بلحية بيضاء فركب حمارا احمر وترك في 27/ أ
__________
[1] في ص، ط، والأصل: «وصل غازي بن زنكي إلى حماه في عسكر مثله، ووصل أولاده» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/63)
حلقه صليبا وفي حلق حماره صليبا، وأخذ في يده صليبين، وقال للإفرنج: إني قد وعدني المسيح أن آخذ دمشق ولا يردني أحد فاجتمعوا حوله وأقبل يطلب دمشق، فلما رآه المسلمون غاروا للإسلام وحملوا عليه بأجمعهم فقتلوه وقتلوا الحمار، وأخذوا الصلبان فأحرقوها.
[تغير الأمراء على السلطان مسعود]
ووصلت الأخبار من معسكر السلطان أن الأمراء قد تغيرت على السلطان مسعود بسبب خاصة خاص بك ومعهم محمد شاه بن محمود، فوصل الخبر في نصف ربيع الأول بوصولهم إلى شهرابان وانهزم الناس، ونقل أهل بغداد رحالهم وهرب شحنة مسعود إلى قلعة تكريت، وقطع الجسر، وكان قد تولى عمل الجسر الغزنوي الواعظ وعمل له درابزينات من الجانبين ووسعه، وبعث الخليفة بابن العبادي الواعظ رسولا إلى العسكر فقال لهم: أمير المؤمنين يقول لكم في أي شيء جئتم؟ وما مقصودكم؟ فإن الناس قد انزعجوا بسبب مجيئكم، فقالوا: نحن عبيد هذه العتبة الشريفة وعبيد السلطان ومماليكه وما فارقنا السلطان إلا خوفا من ابن البلنكري فإنه قد أفنى الأمراء، فقتل عبد الرحمن بن طويرك وعباسا وبزبه وتتر وصلاح الدين وما عن النفس عوض إما نحن وإما هو وما نحن خوارج ولا عصاة وجئنا لنصلح أمرنا مع السلطان.
وهم ألبقش، وألدكز، وقيمز [1] ، وقرقوت، وأخو طويرك [2] ، والطرنطاي، وعلي بن دبيس، وابن تتر في آخرين فدخلوا بغداد في ربيع الأول ثم انبسطوا فمدوا 27/ ب أيديهم إلى ما يختص بالسلطان وكبسوا خانات/ باب الأزج وأخذوا الغلة منها، فثار عليهم أهل باب الأزج، [3] فقاتلوهم فبعث الخليفة إلى مسعود يقول له: أما الشحنة الذي من قبلك فقد هرب هو وأمير الحاج إلى تكريت وقد أحاط العسكر بالبلد وما يمكنني أن آخذ عسكرا لأجل العهد الذي بيننا فدبر الآن فقد بلغ السيل الزبا. [4] .
فكتب إليه قد برئت ذمة أمير المؤمنين من العهد الذي بيننا وقد أذنت لك ان تجند
__________
[1] في الأصل: «وقيصر» .
[2] في الأصل: «أحوط وبرك» .
[3] «وأخذوا الغلة منها ... باب الأزج» : ساقطة من ص، ط.
[4] «فقد بلغ السيل الزبا» : ساقطة من ص، ط.(18/64)
عسكرا وتحتاط لنفسك وللمسلمين، فجند وأظهر السرادقات والخيم وحفر الخنادق وسد العقود والعسكر ينهبون حوالي البلد ويأخذون غلات الناس وقسطوا على محال الجانب الغربي الأموال وخرجوا إلى الدجيل وأخذوا نساء الناس وبناتهم وجاءوا بهن إلى الخيم وجاءت زواريق فيها غلة فلما بلغت تحت التاج تقدم أمير المؤمنين بأخذها فمنعهم الأتراك الذين يحفظونها فوقع القتال واتصلت الحرب وكان القتال تحت مدرسة موفق وخرج صبيان بغداد يقاتلون بالميازر الصوف والمقاليع وقتل جماعة من الفريقين فبعث إليهم الغزنوي الواعظ فقبح ما فعلوا، وقال: لو جاء الإفرنج لم يفعلوا هذا أي ذنب لأهل القرى والرساتيق؟ واستنقذ منهم المواشي وساقها إلى البلد فجاء الناس فمن عرف شيئا أخذه.
وفي ثالث جمادى الأولى: قبض الخليفة على وزيره ابن صدقة ورتب نقيب النقباء نائبا ثم اطلق الوزير أبو القاسم إلى داره وقبض على الوزير أبي نصر بن جهير من الدار التي سكنها بباب الأزج واحضر إلى دار أستاذ الدار ماشيا.
[جلوس المقتفي واستعراضه العسكر]
وفي ثامن عشرين جمادى [1] الأولى: جلس المقتفي في منظرة الحلبة واستعرض/ العسكر وحفرت الخنادق ببغداد ونودي بلبس العوام السلاح وأن يمنعوا عن أنفسهم 28/ أوأموالهم وكان البقش نازلا في دار تتر فلما مضى إليه الغزنوي رسولا رحل إلى ظاهر البلد تطييبا لقلب الخليفة وانقطعت الحرب، فلما كانت عشية الثلاثاء سادس جمادى الآخرة بعث الخليفة ليلا فغلق الباب الحديد من عقد السور مما يلي جامع السلطان وبنوا خلفه وسدوه سدا قاطعا وكان لألبقش في سوق السلطان مخزن فيه طعام ورحل فنهبه العوام فأصبح العسكر فرأوا باب السور مسدودا فركب منهم نحو ألف فارس وجاءوا إلى السور مما يلي باب الجعفرية ففتحوا فيه فتحات وصعدوا وبعثوا رجالا فنقضوا البناء الذي خلف العقد وكسروا الباب الجديد وأخذوا منه قطعا وبعث البقش رسولا إلى الخليفة: لأي شيء سددتهم في وجوهنا وقد كنا نسترفق من سوق السلطان، فلم يلتفت إلى قوله وخرج قوم من العوام فقاتلوا باب الأجمة فاستجرهم العسكر فانهزموا بين يديه
__________
[1] في الأصل: «وفي ثالث من عشرين جمادى» .(18/65)
فأخذ بهم فركبوا السور ونزلوا يطلبون الخيم وهناك كمين قد تكمن لهم فخرج عليهم فانهزموا فضربوهم بالسيوف فقتلوا منهم نحوا من خمسمائة ولم يتجاسر أحد يخرج إلى القتلى فنادوهم تعالوا خذوا قتلاكم.
فلما جاءت عشية ذلك اليوم جاء الأمراء فرموا أنفسهم تحت الرقة بازاء التاج وقالوا ما كان هذا بعلمنا وأنما فعله أوباش لم نأمرهم به فعبر إليهم خادم وقبح فعلهم وقال: إنما كان الذين قتلتم نظارة، فاعتذروا فلم يقبل عذرهم فأقاموا الى الليل وقالوا:
28/ ب/ نحن قيام على رءوسنا ما نبرح، أو يأذن لنا أمير المؤمنين ويعفو عن جرمنا، فعبر إليهم الخادم وقال: أمير المؤمنين يقول أنا قد عفوت عنكم فامضوا واستحلوا من أهل القتلى ثم تقدم بإصلاح ثلم السور وخرج العوام بالدبادب والبوقات وجاء أهل المحال فعمر وحفر خندقه واختلف العسكر واجتمع البقش وابن دبيس والطرنطاي فساروا يطلبون الحلة وأخذ الدكز الملك وطلب بلاده وسكن الناس.
وفي رجب وقع الغلاء والقحط ودخل أهل القرى والرساتيق إلى بغداد لكونهم نهبوا فهلكوا عريا وجوعا.
وتوفي قاضي القضاة الزينبي، وتقلد القضاء أبو الحسن علي بن أحمد بن علي بن محمد الدامغاني، وخرج له التوقيع بالتقليد، وخلع عليه فركب إلى جامع القصر فجلس فيه وقرأ ابن عبد العزيز الهاشمي عهده على كرسي نصب لَهُ.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4149- إبراهيم بن محمد بن نبهان بن محرز الغنوي الرقي [أبو إسحاق]
[1] .
ولد في سنة تسع وخمسين واربعمائة، سمع أبا بكر الشاشي [2] ، وأبا محمد التميمي، وأبا محمد السراج، وغيرهم، وتفقه على أبي بكر الشامي [3] ، وأبي حامد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 358، وتذكرة الحفاظ، 1297 والبداية والنهاية 12/ 224، وشذرات الذهب 4/ 135) .
[2] في الأصل، ت: «أبا بكر الشامي» .
[3] في ت: «أبي بكر الشاشي» .(18/66)
الغزالي، وكتب كثيرا من مصنفات الغزالي وقرأها عليه وصحبه كثيرا.
قال المصنف: ورأيته وله سمت وصمت ووقار وخشوع وروى كثيرا، وتوفي ليلة الخميس رابع ذي الحجة من هذه السنة، ودفن بمقبرة الشونيزية في تربة تلي التوثة.
4150-/ أحمد بن محمد بن المختار بن محمد بن عبد الواحد بن المؤيد باللَّه، أبو 29/ أتمام ابن أبي العز المعروف بابن الخضر، أخو أبي الفضل المختار البغدادي:
[1] خرج من بغداد للتجارة ودخل ما رواه النهر وركب البحر إلى الهند وكثر ماله وهو حريص على الزيادة وقد سمع أبا جعفر ابن المسلمة وأبا نصر الزينبي وغيرهما.
وتوفي يوم الجمعة خامس ذي القعدة من هذه السنة بنيسابور ودفن بمقبره الغرباء خلف الجامع وكان ولده نصر الله إذا سئل عن سن أبيه يقول كان له مائة وثلاث سنين.
4151- صالح بن شافع بن حاتم، أبو المعالي:
[2] صحب ابن عقيل وغيره، وسمع أبا الحسين ابن الطيوري وأبا منصور الخياط وغيرهما [3] ، وكان من المعدلين، فجرت حالة أوجبت عزله عن الشهادة.
وتوفي في رجب هذه السنة، ودفن في دكة أحمد بن حنبل على ابن عقيل.
4152- عبد الله بن الحسن بن قسامي أبو القاسم
[4] :
من أهل الحريم الطاهري، ولد سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة، وسمع من أبي نصر الزينبي، وأبي الغنائم بن أبي عثمان، وثابت بن بندار، وغيرهم. وكان سماعه صحيحا، وكان صدوقا فقيها مناظرا. وتوفي يوم الجمعة سادس ذي القعدة، ودفن بباب حرب.
4153- عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد ابن الصباغ، أبو المظفر:
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 135، وتذكرة الحفاظ 1297، وفيه: «المعروف بابن الخص» ) .
[2] في ت: «صالح بن شافع بن صالح بن حاتم» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 135) .
[3] في ص، ط: «أبا منصور الخراط» .
[4] في الأصل: «ابن الحسن بن بالي» .(18/67)
سمع الحديث من النقيب [1] وابن النظر وحمد وغيرهم وحدث بشيء يسير، وصرف عن الشهادة في أيام المسترشد لسبب جرى، ثم رد وعزل عنها في أيام المقتفي.
وتوفي في جمادى الآخرة، ودفن بباب حرب.
29/ ب
4154-/ علي بن الحسين بن محمد بن علي الزينبي، أبو القاسم الأكمل بن أبي طالب نور الهدى بن أبي الحسن نظام الحضرتين ابن نقيب النقباء أبي القاسم ابن القاضي أبي تمام.
[2] ولد في نصف ربيع الأول من سنة سبعين وأربعمائة، وسمع الحديث من أبيه أبي طالب، وعمه طراد، وأبي الخطاب بن النظر، وأبي الحسن ابن العلاف، [3] وابن بيان، وأبي عبد الله الحميدي، وغيرهم. وسمعنا منه الحديث على شيخنا أبي بكر قاضي المارستان، وأبي القاسم بن السمرقندي، وحدث، وكان للمسترشد إليه ميل فوعده النقابة فاتفق موت الدامغاني فطلب مكانه، [فناله، وكان] [4] رئيسا ما رأينا وزيرا ولا صاحب منصب أوقر منه ولا أحسن هيئة وسمتا وصمتا قل أن يسمع منه كلمة، وطالت ولايته فأحكمه الزمان وخدم الراشد وناب في الوزارة، ثم استوحش من الخليفة فخرج إلى الموصل فأسر هناك، ووصل الراشد وقد بلغه ما جرى ببغداد من خلعه فقال له:
اكتب خطك بإبطال ما جرى وصحة إمامتي، فامتنع فتواعده زنكي وناله بشيء من العذاب، ثم أذن في قتله فدفع الله عنه، ثم بعث من الديوان لاستخلاصه فجيء به فبايع المقتفي ثم ناب في الوزارة لما التجأ ابن عمه علي بن طراد إلى دار السلطان، ثم ان المقتفي أعرض عنه بالكلية.
قال المصنف: وقال لي النقيب الطاهر: أنه جاء إلي فقال: يا ابن عم انظر ما يصنع معي فإن الخليفة معرض عني، فكتبت إلى المقتفي فأعاد الجواب بأنه فعل كذا وكذا فعذرته وجعلت الذنب لابن عمي، ثم جعل ابن المرخم مناظرا له وناقضا لما يبنيه
__________
[1] في ص، ط: «سمع من النقيب» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 225) .
[3] في الأصل: «وأبي الحسين ابن العلاف» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل» .(18/68)
والتوقيعات تصدر بمراضي ابن المرخم ومسخطات الزينبي، ولم يبق إلّا الاسم/ 30/ أفمرض وتوفي سحرة الأربعاء يوم عيد النحر من هذه السنة وله ست وسبعون سنة، وصلى عليه ابن عمه طلحة بن علي نقيب النقباء ونائب الوزارة، وكان الجمع كثيرا جدا، ودفن في مشهد أبي حنيفة إلى جانب أبيه أبي طالب الزينبي، وخلف جماعة من البنين ماتوا ما أظن أحدا منهم عبر ثلاثين سنة.
قال المصنف رحمه الله: وحدثني أبو الحسن البراندسي عن بعض العدول أن رجلا رأى قاضي القضاة في المنام، فَقَالَ لَهُ: مَا فعل الله بك؟ فَقَالَ: غفر لي، ثم أنشد:
وان امرأ ينجو من النار بعد ما ... تزود من أعمالها لسعيد
قال: ثم قال لي: امض إلى أبي عبد الله يعني ابن البيضاوي القاضي، وهو ابن أخي قاضي القضاة، وأحد أوصيائه فقل له لم تضيق صدر غصن وشهية يعني سراريه، فقال الرجل: وما عرفت أسماءهن قط فمضيت، وقلت ما رأيت فقال: سبحان الله كنا البارحة في السحر نتحدث في تقليل ما ينوبهن.
4155- محمد بن علي البغدادي، أبو غالب بن أبي الحسن، يعرف بابن الداية [1] المكبر:
سمع أبا جعفر بن المسلمة. [وتوفي في المحرم] [2]
4156- المبارك بن المبارك بن زوما، أبو نصر [3] الرفاء:
ولد سنة ثمان وثمانين واربعمائة، قرأ القرآن على أبي بكر بن الدنف، وسمع الحديث من أبي طالب بن يوسف وغيره، وكان حنبليا ثم انتقل فصار شافعيا، وتفقه على شيخنا الدينَوَريّ، وتفقه على أسعد ثم على ابن الرزاز، وبرز في الفقه، ثم اخرج من المدرسة إخراجا عنيفا.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1297) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ص، ط.
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 357) .(18/69)
30/ ب وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة/، ودفن في تربة أبي إسحاق.
4157- المبارك بن كامل بن أبي غالب البغدادي، ويعرف أبوه بالخفاف، أبو بكر المفيد:
[1] ولد سنة خمس وتسعين، وأول سماعه في سنة ست وخمسمائة، وقرأ القرآن بالقراءات، وسمع أبا القاسم بن بيان، وأبا علي بن نبهان، وأبا الغنائم النرسي، وخلقا كثيرا، وما زال يسمع العالي والنازل ويتبع الأشياخ في الزوايا، ويقل السماعات، وفلو قيل أنه سمع من ثلاثة آلاف شيخ لما رد القائل. وجالس الحفاظ وكتب بخطه الكثير وانتهت إليه معرفة المشايخ ومقدار ما سمعوا والإجازات لكثرة دربته في ذلك، وكان قد صحب هزارسب ومحمودا الأصبهاني وغيرهما ممن يعني بهذا الشأن فانتهى الأمر في ذلك إليه إلا أنه كان قيل التحقيق فيما ينقل من السماعات مجازفة منه لكونه يأخذ عن ذلك ثمنا، وكان فقيرا إلى ما يأخذ، وكان كثير التزوج والأولاد.
وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة، ودفن بالشونيزية.
__________
[1] في الأصل: «المبارك بن كامل بن أبي طالب البغدادي» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 135، وتذكرة الحفاظ 1297) .(18/70)
ثم دخلت سنة اربع وأربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[تراخي الأسعار وعودة الرخص]
أن الأسعار تراخت في مستهل المحرم وعاد الرخص وكثرت الخيرات وخرج أهل السواد إلى قراهم.
ومن ذلك: أن محمود بن زنكي بن آقسنقر غزا فقتل ملك انطاكية واستولى على عسكر الإفرنج وفتح كثيرا من قلاعهم.
وفي يوم الأربعاء ثالث ربيع الآخر: استوزر أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة، ولقب عون الدين وخلع عليه.
[عودة ألبقش وقصده العراق]
وفي رجب: عاد ألبقش وجمع الجموع وقصد العراق وانضم اليه ملك شاه/ بن 31/ أمحمود وطرنطاي وعلي بن دبيس واجتمع معهم خلق كثير من التركمان فلما بقي بينهم وبين بغداد ثلاثة فراسخ بعثوا إلى الخليفة يطلبون منه الخطبة لملك شاه فلم يجبهم وقويت الأراجيف ودون الخليفة وجمع العسكر وحفرت بقية الخندق وتقدم إلى أهل الجانب الغربي بالانتقال إلى الحريم ونودي في الرصافة وأبي حنيفة أن لا يبقى أحد فنقل الناس وبعث أمير المؤمنين ابن العبادي إلى السلطان ونفذ بعده بالركابية يستحثه على المجيء ويعلمه أنهم جاءوا لأجل الخطبة وأني ما أجبتهم للعهد الذي بيني وبينك فينبغي أن تعجل المجيء فلم يبرح فبعث إليه عمه سنجر يعاتبه ويقول: قد أخربت البلاد وقتلت العباد في هوى ابن البلنكري فينبغي [1] أن تنفذ به وبوزيره والجاولي وإلا ما
__________
[1] في الأصل: «هوى ابن البازكندي فينبغي» .(18/71)
يكون جوابك غيري فلم يلتفت إلى ذلك فرحل سنجر إلى الري وبعث إليه يقول: قد جئت إليك فلما علم بذلك سار إليه جريدة وعاد من عنده طيب القلب.
وجاء السلطان مسعود في ذي الحجة، وخرج إليه الوزير [ابن هبيرة] [1] وأرباب الدولة وجلس لهم وطيب قلوبهم فرجعوا مسرورين وكان البقش قد قبض على ابن دبيس فأطلقه فوصل ابن دبيس إلى بغداد ودخل على السلطان فرمى نفسه بين يديه فعفا عنه وخلع عليه ورضي عن الطرنطاي ولم يعلم البقش حتى دخل دار السلطنة فسلمت نفسه ولم ترد إليه ولاية.
وخرج في هذه السنة نظر الخادم بالحاج، فلما بلغ الكوفة مرض فعاد ورتب قيماز 31/ ب الأرجواني مكانه، فلما وصل إلى بغداد/ توفي بعد أيام.
وفي يوم السبت غرة ذي الحجة وقت الضحى: زلزلت الأرض زلزلة عظيمة فبقيت تموج نحوا من عشر مرات. وكانت زلزلة بحلوان تقطع منها الجبل وساخ في الأرض، وانهدم الرباط البهروزي، وهلك عالم من التركمان.
وفي هذه السنة: اشتدت بالناس علة برسامية وسرسامية عمت الخلق فكانوا إذا مرضوا لا يتكلمون ولا يطول بهم الأمر.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4158- أحمد بن الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، أبو نصر بن نظام [2] الملك.
وزر للمسترشد والسلطان محمد، وسمع الحديث ثم لزم منزله.
توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
4159- أحمد بن محمد بن الحسين، أبو بكر الأرجاني
[3] :
قاضي تستر وأرجان بلدة منها. روى عن أبي بكر بن ماجة، وله الشعر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 364) .
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 364، والبداية والنهاية 12/ 226، وشذرات الذهب 4/ 137) .(18/72)
المستحسن يتضمن المعاني الدقيقة، وورد بغداد ومدح المستظهر باللَّه. وله في قصيدة:
جعلت طليعتي طرفي سفاها [1] ... تدل على مقاتلي الخفايا
وهل يحمى حريم من عدو ... إذا ما الجيش خانته الربايا
ولي نفس إذا ما امتد شوقا ... أطار القلب من حرق شظايا
ودمع ينصر الواشين ظلما ... فيظهر من سرائري الخفايا
ومحتكم على العشاق جورا ... وأين من الدمى عدل القضايا
يريك بوجنتيه الورد غضا ... ونور الأقحوان من الثنايا
تأمل منه تحت الصدغ خالا ... لتعلم كم خبايا في الزوايا
/ خبطت نواله الممنوح حتى ... أثرت به على نفسي البلايا 32/ أ
يؤرق مقلتي وجدا وشوقا ... فأقلق مهجتي هجرا ونايا
وهذه الأبيات من قصيدة قالها الأرجاني على وزن قصيدة لابن ون العماني وهي:
نقود عهودها عادت نسايا ... وعاد وصالها المنزور وايا
إذا أنشدت في التعريض بيتا ... تلت من سورة الإعراض آيا
ورب قطيعة جلبت وصالا ... وكم في الحب من نكت خفايا
شكت وجدي إلي فآنستني ... وبعض الأنس في بعض الشكايا
فلا ملت معاتبتي فإني ... أعد عتابها إحدى العطايا
وليلة أقبلت في القصر سكري ... تهادى بين أتراب خفايا
ثنينا السوء عن ذاك التثني ... وأثنينا على تلك الثنايا
وله من قصيدة:
ولما بلوت الناس أطلب منهم ... أخا ثقة عند اعتراض الشدائد
تطمعت في حالي رخاء وشدة ... وناديت في الإحياء هل من مساعد
فلم أر فيما ساءني غير شامت ... ولم أر فيما سرني غير حاسد
__________
[1] في الأصل: «شفاها» .(18/73)
تمتعتما يا ناظري بنظرة ... وأوردتما قلبي أمر الموارد
أعيني كفا عن فؤادي فإنه ... من البغي سعى اثنين في قتل واحد
وله أيضًا [1] :
حيث انتهيت من الهجران لي فقف ... ومن وراء دمي بيض الظبا فجف
يا عابثا بعدات الوصل يخلفها ... حتى إذا جاء ميعاد الفراق يفي
يستوصفون لساني عن محبتهم [2] ... وأنت أصدق يا دمعي لهم فصف
ليست دموعي لنار الشوق مطفئة ... وكيف والماء باد والحريق خفي
32/ ب/ لم أنس يوم رحيل الحي موقفنا ... والعيس تطلع أولاها على شرف
والعين من لفتة الغيران ما حظيت ... والدمع من رقبة الواشين لم يكف
وفي الحدوج الغوادي كل آنسة ... إن ينكشف سجفها للشمس تنكسف
في ذمة الله ذاك الركب أنهم ... ساروا وفيهم حياة المغرم الدنف
فإن أعش بعدهم فردا فيا عجبا ... وإن أمت هكذا وجدا فيا أسفي
توفي القاضي أبو بكر بتستر في هذه السنة.
4160- عبد الله بن عبد الباقي بن التبان، أبو بكر [3] الفقيه:
كان من أهل القرآن، سمع من أبي الحسين ابن الطيوري، وتفقه على ابن عقيل، وناظر وأفتى ودرس، وكان أميا لا يكتب.
وتوفي في شوال عن تسعين سنة، ودفن بباب حرب.
4161- عبد الغني [بن محمد] [4] بن سعد بن محمد، أبو البركات الحنبلي
[5] :
سمع أبا الغنائم ابن النرسي، وابن نبهان، وابن عقيل وغيرهم ولم يزل يسمع
__________
[1] في الأصل: «وله» . وفي المطبوعة: «وله يمدح سعد الملك» .
[2] في الأصل: «عن صحبتهم» .
[3] في الأصل، ت: «بن عبد الباقي بن البيان» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 139) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ت: «عبد الغني بن محمد بن سعد، أبو محمد بن أبي البركات الحنبلي» .(18/74)
معنا إلى أن مات وكان قارئا مجودا حسن التلاوة وشهد عند أبي القاسم الزينبي.
وتوفي في زمان كهولته يوم الأربعاء ثالث عشر شوال ودفن بباب حرب.
4162- عيسى بن هبة الله بن عيسى، أبو عبد الله النقاش
[1] :
ولد سنة سبع وخمسين واربعمائة وكان بغداديا ظريفا مؤانسا لطيفا خفيف الروح كثير النوادر رقيق الشعر قد رأى الناس وعاشر الظراف، وسمع أبا القاسم ابن البسري، وأبا الحسين [2] علي بن محمد الأنباري الخطيب، وغيرهما، وكان يحضر مجلسي كثيرا ويكاتبني وكتبت إليه يوما رقعة خاطبته فيها بنوع احترام فكتب إلي:
قد زدتني في الخطاب حتى ... خشيت نقصا من الزياده
فاجعل خطابي خطاب مثلي ... ولا تغير على عاده
وله [أيضًا] [3] :
يا من تبدل بي وأمكنه ... ما لي وحقك عنك من بدل
/ إن كنت حلت فإنني رجل ... عن عهد ودك قط لم أحل 33/ أ
لهفي على طمع أصبت به ... في عنفوان شبيبة [4] الأمل
ومن شعره أيضا [5] :
إذا وجد الشيخ في نفسه ... نشاطا فذلك موت خفي
ألست ترى [6] أن ضوء السراج ... له لهب قبل أن ينطفي
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن عند مقبرة باب حرب [7] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 364، والبداية والنهاية 12/ 227) .
[2] في الأصل: «وأبا الحسين» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «في عنفوان شبيبتي الأمل» .
[5] في الأصل: «وله» .
[6] في الأصل: «ألا ترى» .
[7] «توفي في جمادى ... باب حرب» : العبارة ساقطة من ص، ط.(18/75)
4163- نظر بن عبد الله الجيوشي، أبو الحسن [1] الخادم:
سمع الحديث من أبي الخطاب بن النظر وغيره بإفادة مؤدبه شيخنا أبي الحسن ابن الزاغوني، وحج سبعا وعشرين حجة كان في نيف وعشرين منها أميرا، قال المصنف: فحججت معه سنة إحدى وأربعين ومعي شيء من سماعه فأردت أن أقرأه عليه فرأيت ما يأخذ به الناس من الطرح على الحمالين والظلم، فلم أكلمه، وخرج بالناس إلى الحج في سنة أربع وأربعين مريضا، فلما وصل إلى الكوفة زاد مرضه فسلمهم إلى قيماز ورجع إلى بغداد.
فتوفي ليلة الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي القعدة ودفن بالترب في الرصافة.
وفي تلك السنة طمع العرب في الحاج فأخذوهم بين مكة والمدينة على ما نذكره في الحوادث.
__________
[1] في ت: «عبد الملك بن عبد الله الجيوشي» .(18/76)
ثم دخلت سنة خمس وأربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[جلوس يوسف الدمشقيّ مدرسا في النظامية]
أنه في المحرم جلس يوسف الدمشقي مدرسا في النظامية من جانب الأعاجم وألقي الدرس واجتمع له الفقهاء والخلق الكثير ولم يكن ذلك عن إذن الخليفة وكان ميل الخليفة إلى ابن النظام فلما كان يوم الجمعة منع يوسف من/ الدخول إلى الجامع والى 33/ ب دار الخلافة وضربت جماعة من أصحابه بالخشب وصلى الجمعة في جامع السلطان ولم يعد الى المدرسة والزم بيته.
[جلوس أبي النجيب للتدريس في النظامية]
وفي يوم السبت سابع عشرين المحرم: جلس أبو النجيب للتدريس في النظامية يتقدم السلطان مسعود، فإنه مضى إلى مدرسته، وصلى وراءه الصبح [1] وتقدم إليه بالتدريس في النظامية، فقال له: أريد إذن الخليفة، فاستخرج له إذن الخليفة.
[زيادة دجلة]
وزادت دجلة فبلغ الماء إلى باب المدرسة، ومنع الجواز من طريق الرباط ودخلت السفن الرقة [2] .
وقد ذكرنا أن الخادم نظرا لما حج خرج بالحاج مريضا فعاد وسلمهم إلى قيماز، فلما وصلوا إلى مكة طمع أمير مكة في الحاج واستزرى بقيماز فطمعت العرب ووقفت في الطريق وبعثوا يطلبون رسومهم، فقال قيماز للحاج: المصلحة ان تعطوهم
__________
[1] في ص، ط: «في النظامية وتقدم إليه بالتدريس» : بإسقاط ما بينها.
[2] في ص، ط: «ودخلت السفن الأزقة» .(18/77)
ونستكفي شرهم، فامتنع الحاج من ذلك فقال لهم: فإذا لم تفعلوا فلا تزوروا السنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغاثوا عليه، وقالوا: نمضي إلى سنجر فنشكو منك، وكانوا قد وصلوا إلى الغرابي فخرجت عليهم العرب بعد العصر يوم السبت رابع عشر المحرم فقاتلوهم، فكثرت العرب فأخذوا من الثياب والأموال والأجمال والأحمال ما لا يحصى، وأخذوا من الدنانير ألوفا كثيرة، فتحدث جماعة من التجار أنه أخذ من هذا عشرة آلاف، ومن هذا عشرون ألفًا، ومن هذا ثلاثون ألفا، وأخذ من خاتون أخت مسعود ما قيمته مائة ألف دينار، وتقطع الناس وهربوا على أقدامهم يمشون في البرية فماتوا من الجوع 34/ أوالعطش والعري، وقيل: إن النساء طين أجسامهن بالطين لستر العورة [1] ، / وما وصل قيماز إلى المدينة إلا في نفر قليل.
وجاء في هذه السنة باليمن مطر كله دم حتى صارت الأرض مرشوشة بالدم وبقي أثره بثياب الناس.
ومرض ابن البلنكري وهو خاص السلطان مسعود، فلما عوفي أسقط المكوس، وكان المكاس ببغداد يلقب مختص الحضرة، وكان يبالغ في أذى الناس، وأخذ أموالهم، ويقول: أنا قد فرشت حصيرا في جهنم، فمرض ومات في ربيع الآخر من هذه السنة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4164- إِسْمَاعِيل بن محمد بن عبد الوهاب بن الحسن أبو الفتح القزاز، ويعرف بابن زريق
[2] :
سمع من ثابت، وابن العلاف، وغيرهما.
وتوفي يوم الأربعاء النصف من ربيع الأول، ودفن بباب حرب.
4165- الحسن بن ذي النون بن أبي القاسم بن أبي الحسن الشغري، أبو المفاخر بن أبي بكر
[3] :
__________
[1] في الأصل، ص، ط: «أن النساء ظنوا أن أجساد هذه الطير تستر العورة» . وما أوردناه من ت.
[2] في ص: «أبو القزاز» .
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 368، والبداية والنهاية 12/ 228) .(18/78)
من أهل نيسابور، سمع الحديث من أبي بكر الشيروي وغيره، وكان فقيها أديبا دائم التشاغل بالعلم لا يكاد يفتر وكان يقول: إذا لم تعد الشيء خمسين مرة لم يستقر، ورد بغداد وأقام بها مدة يعظ في جامع القصر وغيره وأظهر السنة وذم الأشاعرة وبالغ، وقد ذكرت في الحوادث ما جرى له، وكان هو السبب في إخراج أبي الفتوح الأسفراييني من بغداد ومال إليه الحنابلة لما فعل.
وحدثني أبو الحسن البراندسي أنه خلا به فصرح له بخلق القرآن وبان بأنه كان يميل إلى رأي المعتزلة بعد/ أن كان يظهر ذمهم ثم فتر سوقه، وخرج من بغداد 34/ ب فتوفي بقرية ايذاجرد في جمادى الأولى من هذه السنة [1] .
أنشدنا الحسن بن أبي بكر النيسابوري:
أهوى عليا وإيمان محبته ... كم مشرك دمه من سيفه وكفا
إن كنت ويحك لم تسمع مناقبه ... فاسمع مناقبه من هل أتى وكفا
وأنشدنا أيضًا:
مات الكرام ومروا وانقضوا ومضوا ... ومات من بعدهم تلك الكرامات
وخلفوني في قوم ذوي سفه ... لو أبصروا طيف ضيف في الكرى ماتوا
4166- صافي بن عبد الله أبو سعيد الجمالي، عتيق أبي عبد الله بن جردة
[2] :
سمع أبا علي ابن البناء وقرأ عليه القرآن وقرأت عليه الحديث بحق سماعه من أبي علي البناء، وكان شيخًا مليح الشيبة ملازمًا للصلوات في جماعة، وكان شيخنا أبو الفضل ابن ناصر يقول: إن صافي كان غلاما آخر لابن جردة فأخبر بذلك، فحضر يوما في دار شيخنا أبي منصور الجواليقيّ وكنت حاضر أو كنا يومئذ نسمع غريب الحديث لأبي عبيد على الأشياخ أبي منصور وأبي الفضل وسعد الخير، فقال لشيخنا أبي الفضل: سمعتك إنك تقول إن هذه الأجزاء ليست سماعي وأنه كان لسيدي غلام آخر اسمه صافي وما كان هذا قط وأنا أذكر أبا علي ابن البناء، وقد قرأت عليه ولست ممن
__________
[1] في الأصل: «في جمادى الآخرة من هذه السنة» .
[2] في ت: «صافي، قال: أبو الفضل بن ناصر: ان صافي كان غلاما» .(18/79)
35/ أيشتهي الرواية مشغوف بها فادعى سماع ما لم أسمع؟ فبان/ للجماعة صدقه، واعتذر إليه أبو الفضل بن ناصر، ورجع عما كان يقوله.
توفي صافي في ربيع الأول من هذه السنة، [ودفن بمقبرة باب حرب] [1] .
4167- عبد الملك بن أبي نضر بن عمر، أبو المعالي [2] الجيلي:
من [أهل] [3] جيلان، تفقه على أسعد الميهني، وسمع الحديث، وكان فقيها صالحا دينا خيرا عاملا بعلمه، كثير التعبد، ليس له بيت يسكنه يبيت [في] [3] أي مكان اتفق، كان يأوي في المساجد في الخرابات التي على شاطئ دجلة. حج في هذه [السنة] [4] فأغارت العرب على الحاج فانصرف.
وأقام بفيد، فتوفي بها في هذه السنة، وكان جماعة الفيديين يثنون عليه ويصفونه بالتورع والزهد.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 228، وشذرات الذهب 4/ 140) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/80)
ثم دخلت سنة ست وأربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه انفجر بثق النهروانات بتوفر الزيادة في تأمرا.
وفي جمادى الآخرة: قطعت يد رجل متفقه يقال له شجاع الدين كان يتخادم للفقهاء والوعاظ ظهرت عليه عملات فقطع.
وفي رمضان: دخل السلطان مسعود إلى بغداد فمضى إليه الوزير ابن هبيرة وأرباب الدولة فأكرمهم فعادوا شاكرين.
وسأل ابن العبادي أن يجلس في جامع المنصور فقيل له: لا تفعل فإن أهل الجانب الغربي لا يمكنون إلا الحنابلة فلم يقبل فضمن له نقيب النقباء واستاذ الدار وخلق كثير [1] الحماية، فجلس يوم الجمعة خامس ذي الحجة في الرواق وحضر النقيبان وأستاذ الدار وخلق كثير، فلما شرع في الكلام أخذته الصيحات من الجوانب ونفر الناس وضربوا/ بالآجر فتفرق الناس منهزمين كل قوم يطلبون جهة، وأخذت 35/ ب عمائم الناس وفوطهم وجذبت السيوف حوله وتجلد وثبت وسكن الناس وتكلم ساعة ونزل وأرباب الدولة يحفظونه حتى انحدر وقد طار لبه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4168- أحمد بن محمد ابن أحمد بن الحسن المذاري، أبو المعالي بن أبي طاهر
[2] :
__________
[1] في ص، ط: «نقيب النقباء الحماية» .
[2] في ت: «أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسين بن المذاري» .(18/81)
ولد سنة اثنتين وستين وسمع أبا القاسم ابن البسري وأبا علي ابن البناء وغيرهما، وكان سماعه صحيحا، وقرأت عليه كثيرا من حديثه، وسئل عن نسبه إلى المذار، فقال: كان أبي سافر إليها وأقام بها مدة ثم رجع فقيل المذاري، ومذار قرية [تحت البصرة قريبة] [1] من عبادان.
توفي عشية الأربعاء الثامن والعشرين من جمادى هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
4169- الحسن بن محمد بن الحسين، أبو علي الراذاني:
[2] ولد بأوانا وسكن بغداد، وسمع الحديث من أبي الحسين ابن الطيوري وغيره وكان يسمع معنا على ابن ناصر إلى أن مات، وتفقه على أبي سعد المخرمي ووعظ مدة.
وتوفي فجأه، وكان قد تزوج امرأة أبي المعالي المكي، وعزم تلك الليلة ان يدخل بها فدخل إلى بيته ليتوضأ لصلاة الظهر فقاء فمات، وذلك في يوم الأربعاء رابع صفر هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب إلى جانب ابن سمعون.
4170- علي بن دبيس:
[3] توفي في هذه السنة عن قولنج أصابه، فاتهم طبيبه محمد بن صالح بانه يظن في أمره فمات الطبيب عن قريب.
4171- عبد الرحمن بن محمد بن علي، أبو محمد الحلواني
[4] :
36/ أتفقه وناظر وكان يتجر في الخل ويقنع به ولا يقبل من/ أحد شيئا.
توفي في ربيع الأول [5] من هذه السنة ودفن في داره بالمأمونية.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 143) .
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 368) .
[4] جاءت هذه الترجمة في ت قبل ترجمة علي بن دبيس.
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 144) .
[5] في ت: «توفي في ربيع الآخر» .(18/82)
ثم دخلت سنة سبع وأربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في تاسع المحرم باض ديك لرجل يعرف بابن عامر بيضة، وباض بازي لعلي بن حماد بيضتين، وباضت نعامة لا ذكر معها بيضة، ذكر ذلك أبو العباس الماندائي القاضي.
[وفاة يعقوب الخطاط برباط بهروز]
و [في هذه السنة] [1] من الحوادث: أن يعقوب الخطاط توفي برباط بهروز وكانت له غرفة في النظامية، فحضر الذي ينوب في التركات وختموا على غرفته في المدرسة فخاصمهم الفقهاء وضربوهم وأخذوا التركة، وهذه عادتهم في الحشريين، فمضوا شاكين فقبض حاجب الباب على رجلين من الفقهاء وعاقبهم بباب النوبي وحملهما [حمل] [2] اللصوص، فأغلق الفقهاء المدرسة وأخرجوا كرسي الوعاظ فرموه وسط الطريق، فلما كانت عشية تلك الليلة صعد الفقهاء سطح المدرسة واستغاثوا وأساءوا الأدب في استغاثتهم وكان المدرس أبو النجيب يومئذ فجاء فرمى نفسه تحت التاج في اليوم الثاني واعتذر وكشف رأسه، فقيل له: قد عفي عنك فامض إلى بيتك والزم زاويتك، وهرب الفقهاء إلى دار الملك وتبعهم فبقوا أياما فبعث شحنة بغداد وهو المسمى بمسعود بلال مع أبي النجيب وجمع أصحابه فرجع هو والفقهاء إلى المدرسة بغير إذن أمير المؤمنين فجلس ودرس ووعظ وتكلم بالكلمات بالعجمية لا يعرفها إلّا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ص. وفي المطبوعة «وحملها إلى حبس اللصوص» .(18/83)
أعجمي، فلما كان يوم الخميس سابع رجب وصلت الاخبار بموت السلطان مسعود، 36/ ب وأنه/ مات بباب همذان فعقد العسكر السلطنة لملكشاه بن محمد فقام بأمره خاصبك ثم ان خاصبك قبض على ملك شاه وخاطب أخاه محمدا وهو بخوزستان، فلما وصل إلى همذان سلم السلطنة إليه وكانت مكاتبته حيلة ليحصله فعلم فقتل خاصبك ولما ورد موت السلطان اختلط الناس وهرب مسعود الشحنة إلى تكريت فظفروا بخيله [وبعض سلاحه] [1] ونادى الخليفة أنه من تخلف من الجند ولم يحضر الديوان ليكتب اسمه [2] ويجري على عادته في إقطاعه أبيح دمه وماله، وقعد الوزير للعزاء في بيت النوبة، ونفد استاد الدار يومئذ ومعه من ينقض فنقضوا دار تتر التي على المسناة وتقدم إلى ابن النظام أن يمضي إلى المدرسة ليدرس بها فمضى في موكب، وقبض على أبي النجيب وحمل إلى الديوان وأهين وحبس، وقبض على الحيص بيص الشاعر، وأخذ من بيته حافيا ماشيا مهانا وحمل إلى حبس اللصوص وقصد من كان له تعلق بالعسكر ثم أخرج أبو النجيب إلى باب النوبي فأقيم على الدكة الظاهرة بين اثنين وكشف رأسه وضرب بالدرة خمس مرات تولى ذلك غلام الحسبة بتقدم وأعيد إلى حبس الجرائم وذلك في آخر رجب.
[أخذ البديع صاحب أبي النجيب]
في يوم السبت: أخذ البديع صاحب أبي النجيب وكان متصوفا يعظ الناس، فحمل إلى الديوان وأخذ من عنده ألواح من طين فيها [قبل وعليها مكتوب] [3] أسماء الأئمة الاثنا عشر، فاتهموه بالرفض، فشهر بباب النوبي وكشف رأسه وأدب والزم بيته.
وكان مهلهل قد ضمن الحلة في كل سنة بتسعين ألف دينار فأقبل السلاركرد إلى الحلة فهرب مهلهل إلى مشهد علي عليه السلام فكتب سلاركرد إلى مسعود الشحنة 37/ أوهو في تكريت فلحق به فلما اجتمعا قبض مسعود على سلار فغرقه فجهز/ أمير المؤمنين العساكر وكانوا ثلاثة آلاف ومن تبعهم فعبروا وضربوا تحت الرقة في تاسع عشر شعبان وقدم كرساوج [4] من همذان فتلقى بالموكب وخلع عليه واعطي الشحنكية وخرج
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص: «الديوان ليدون ويجري على» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «وقدم كرشارح» .(18/84)
الوزير ابن هبيرة في سابع عشرين شعبان فسار معه العسكر إلى الحلة فسبقت مقدمته فانهزم الشحنة فعادوا يبشرون الوزير وقد كان تهيأ للقتال فعاد الوزير وبلغ أمير المؤمنين تخبيط بواسط فأخرج سرادقه فضربه تحت الرقة واخرج الكوسات وكانت أحدا وعشرين حملا وبعددها الأعلام.
وخرج يوم الاثنين الحادي والعشرين من شوال على ساعتين من النهار في سفينة وولي العهد في سفينة والوزير في سفينة والخدم في سفن ولم يتمكن أحد من العوام أن يركب في سفينة فوقف الناس ينظرون من جانبي دجلة ووقف الناس وصعد من السفينة وأرباب الدولة بين يديه فظهر للناس ظهورا بينا وأشار إلى أصحابه أن لا يضربوا أحدا بمقرعة فركب وولى العهد وسارا والناس متسابقين بين أيديهما [1] حتى نزلا السرادق، ثم رحل إلى أن نزل بواسط فهرب أولاد الطرنطاي [وأعاد] [2] خطلبرس إلى الشحنكية بواسط، ثم مضى إلى الحلة والكوفة وعاد إلى بغداد في ذي القعدة فنزل بدار يرنقش التي على الصراة، ثم دخل إلى داره وعلقت بغداد سبعة أيام.
[الخطبة لولي العهد غرة ذي الحجة]
ثم خطب لولي العهد يوم الجمعة غرة ذي الحجة من هذه السنة فعاد التعليق، وعلقت القباب فعمل الذهبيون قبة على باب الخان العتيق عليها صورة مسعود وخاصبك وعباس وغيرهم من الأمراء/ بحركات تدور وعلق ابن المرخم قبة فيها خيل تدور 37/ ب وعليها فرسان بحركات وعلقت بنت قاورت بباب درب المطبخ قبة فيها صورة السلطان وعلى رأسه شمسة وعلق ترشك قبة على سطح داره على تماثيل صور أتراك يرمون بالنشاب وعلق ابن مكي الأحدب قبة عليها جماعة من الحدب وعلق جعفر الرقاص بباب الغربة قبة عليها مشاهرات فاكهة أترج ونارنج ورمان وثياب ديباج وغير ذلك وأقام السودان الكلالة فوق القبة يغنون ويرقصون وعمل أهل باب الأزج حذاء المنظرة اربعة أرحيّ تدور وتطحن الدقيق لا يدري كيف دورانها وعمل الملاحون سميرية تسير على عجل وانطلق الناس في اللعب وبقي التعليق إلى يوم العيد.
__________
[1] في ص: «والناس مشاة بين أيديهما» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/85)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4172- سلاركرد:
[1] أمير كبير قد ذكرنا كيف هلك.
4173- محمد بن إِسْمَاعِيل بن أحمد بن عبد الملك، أبو عبد الله بن أبي سعد بن أبي صالح المؤذن
[2] :
ولد بنيسابور في سنة ثمانين وهو من بيت العلم والحديث، وسمع الحديث الكثير، وقدم إلى بغداد [رسولا من صاحب كرمان في سنة ست، وقدم] [3] رسولا إلى السلطان في سنة أربع وأربعين.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة بكرمان.
38/ أ
4174- محمد بن عمر بن يوسف الارموي، أبو الفضل بن/ أبي حفص
[4] .
من أهل أرمية، ولد سنة تسع وخمسين وسمع من أبي جعفر ابن المسلمة وأبي الغنائم ابن المأمون وأبي الحسين ابن المهتدي وأبي بكر الخياط وأبي نصر الزينبي وابن النقور وأبي القاسم ابن البسري وغيرهم وروى لنا عنهم وسمعت منه بقراءة شيخنا ابن ناصر وقرأت عليه كثيرا من حديثه وكان سماعه صحيحا وكان فقيها على مذهب الشافعي رضي الله عنه تفقه على أبي إسحاق الشيرازي، وكان ثقة دينا كثير التلاوة للقرآن، وكان شاهدا فعزل.
وتوفي في [رجب] [5] هذه السنة، ودفن مقابل [التاجية] باب أبرز.
4175- محمد بن محمد بن محمد، أبو بكر الخلمي:
[6] من أهل بلخ ولد سنة خمس وسبعين، وسمع الحديث الكثير، وكان اماما مفتيا
__________
[1] راجع حوادث هذه السنة.
[2] في ت: «أبو عبد الله بن أبي سعيد» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «أبو الفضل بن ملك شاه بن محمود بن محمد ... وبعدها كلام غير مقروء» .
وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 383، وشذرات الذهب 4/ 145) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] انظر ترجمته في: (الأنساب 5/ 165) .(18/86)
مناظرا حسن الأخلاق متقدما على أصحاب أبي حنيفة، وأملي بجامع بلخ.
وتوفي بها في [شعبان] [1] هذه السنة ودفن في داره.
4176- محمد بن منصور بن إبراهيم، أبو بكر القصري:
سمع من ثابت بن بندار وأبي طاهر بن سوار وغيرهما وحدث بشيء يسير [2] وقرأ القرآن بالقراءات وأقرأ وكان حافظا مجودا خيرا، وكان يطالع تفسير النقاش، ويذكر منه، رأيت له دكة على هيئة المنبر [من آجر] [3] بجامع المنصور يجلس عليها بعد الجمعة فيسأل عن آيات فيفسرها، وكانت له شيبة طويلة تعبر سرته.
وتوفي في ليلة الجمعة سابع شعبان، ودفن بمقبرة باب حرب.
4177- محمد بن هبة الله بن محمد بن علي بن المطلب الكرماني، أبو عبد الله بن الوزير أبي المعالي:
[4] سمع ثابتا، وأبا غالب البقال، وابن نبهان، وابن ثابت وغيرهم. وحدث ببعض مسموعاته، / وكان ظاهر الكياسة حسن الأخلاق. 38/ ب وتوفي ليلة الجمعة رابع عشرين المحرم، ودفن في مقابر قريش [بالحضرة] [5] .
4178- المظفر بن أردشير، أبو منصور [6] العبادي:
ولد سنة احدى وتسعين واربعمائة، وسمع من أبي بكر الشيروي وزاهر الشحامي وغيرهما ودخل بغداد فأملى الحديث ووعظ بالجامع والنظامية وكانت له فصاحة وحسن عبارة وكان يوما جالسا في جامع القصر فوقع المطر فلجأ الجماعة إلى ظل العقود والجدران فقال لا تفرقوا من رشاش ماء رحمة، قطر عن متن سحاب نعمة ولكن فروا من
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ت: وحدث بيسير» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ت: «ابن محمد بن علي بن أبي طالب» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 371، والبداية والنهاية 12/ 230) .(18/87)
شرار نار اقتدح من زناد الغضب، ثم قال: ما لكم لا تعجبون ما لكم لا تطربون. فقال له قائل: وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً 27: 88 [1] ، الآية، فقال: التماسك عن المرح عند تملك الفرح قدح في القدس، فقام شاعر يمدحه فأجلس فقال الشاعر: قد كان حسان يبسطه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال الشيخ: كان حسان شاعرا ولم يكن مستبيحا عرضا، ولا مستمنحا عرضا، وكان مثل هذا الكلام المستحسن يبدر في كلامه، وإنما كان الغالب على كلامه ما ليس تحته طائل ولا كثير معنى، وكتب ما قاله في مدة جلوسه، فكان مجلدات كثيرة فترى المجلد من أوله إلى آخره ليس فيه خمس كلمات كما ينبغي ولا معنى له، وكان يترسل بين السلطان والخليفة فتقدم إليه أن يصلح بين ملك شاه بن محمود بن محمد وبين بدر الحويزي فمضى فأصلح بينهما وحصل له [منهما] [2] مال.
فأدركه أجله في تلك البلدة، فجاء الخبر بأنه مات يوم الاثنين سلخ ربيع الآخر من هذه السنة بعسكر مكرم، ثم حمل إلى بغداد فدفن في دكة الجنيد بالشونيزية، وكان جامعا للمال فلم يحظ به بل كان له ولد فتوفي بعده بأشهر، وعاد المال إلى السلطان، وفي ذلك عبرة لمن اعتبر.
39/ أ
4179-/ المبارك بن هبة الله بن سلمان، أبو المعالي الصباغ، يعرف بابن [3] سكرة.
سمع الحديث الكثير، وكان يبيع البقالة، ثم تركها ووعظ.
توفي في ربيع الآخر من هذه السنة [ودفن في داره] [4] في المقتدية.
4180- مسعود السلطان ابن محمد بن ملك شاه
[5] .
جرت له أحوال عجيبة قد ذكرناها في حوادث السنين، وآل الأمر إلى أن خرج المسترشد باللَّه إلى محاربته فأسر المسترشد ورأى مسعود من التمكين ما لم يره أبناء جنسه وقدم فبايع المقتفي لأمر الله وتحكم، وكتب له شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي جزءا
__________
[1] سورة: النمل، الآية: 88.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ت: «المعروف بابن سكرة» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 373، والبداية والنهاية 12/ 229، وشذرات الذهب 4/ 145) .(18/88)
من حديثه فسمعه عليه، فكان أقوام يسمعون على السلطان عن شيخنا.
توفي يوم الأربعاء سلخ جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن نصف الليل، وفي صبيحة الخميس ولي مكانه ملك شاه وأذعن له الأمراء وزم الأمور ابن البلنكري.
4181- يعقوب الخطاط:
[1] كان غاية في حسن الخط وجودته، فتوفي في جمادى الآخرة برباط بهروز.
__________
[1] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 382، والبداية والنهاية 12/ 230) .(18/89)
ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه وصل الخبر في محرم ان سنجر كسرته الغز واستولوا على عسكره وملكوا بلخ.
[نفاذ ترشك المقتفوي في خمسمائة فارس]
وفيها: نفذ ترشك المقتفوي في خمسمائة فارس وفيهم قسيم الدولة ونجاح الخادم لحصار قلعة تكريت، ثم نفذ أبو البدر ظفر الوزير ابن عون الدين الوزير فجرى بينه وبين ترشك نفور في الرتبة وأراد أن يكون ترشك بحكمه وتحت أمره فلم يفعل فبعث ابن الوزير يشكو منه فقيل إنهم قالوا له اقبض عليه فأحس وقيل بل نفذوا إليه ان يقال 39/ ب وكان قد جرى بينه وبين أستاذ الدار خصومة فكبسوا/ بيته وأهانوه وحبسوه أشهرا فخشي أن يفعل به كذلك فكاتب صاحب القلعة وهو مسعود بلال الشحنة أني أريد أن أقبض على الذين معي وأسلمهم إليك فقال له إذا فعلت ذلك فعلت معك ما تشكرني عليه فقال للمعسكر اركبوا وخلا بابن الوزير ونجاح ويرنقش فقبض عليهم وسلمهم إلى صاحب القلعة وأخذ سلاحهم وخيلهم وكان قد نفذ الوزير خمسين حملا عليها إقامة فوصلت يوم القبض فأخذها فخلع صاحب القلعة عليه الخلعة التي نفذها له السلطان وأعطاه فرسا ومركب ذهب وطوق ذهب وأضاف إليه عسكرا وأمره وانضاف إليه تركمان وخرج معه مسعود بلال فقصد طريق خراسان ونهبوا وخرج المقتفي لدفعهما فهربا من بين يديه وأتم المقتفي إلى تكريت فشاهدها وأقام عليها يوما ثم انصرف ثم برز السرادق للانحدار إلى واسط لدفع ملك شاه عنها فانهزم ملك شاه من واسط قاصدا خوزستان ووصل الخليفة(18/90)
إلى ظاهر واسط فأقام أياما ثم رجع إلى بغداد. وفي عبور الخليفة من الجانب الغربي إلى داره سلم الوزير من الغرق لأن السفينة التي كان فيها انقطعت نصفين وغاصوا في الماء إلى حلوقهم واستنقذهم الملاحون فأعطى الوزير الملاح الذي استنقذه ثيابه ووقع له بمال.
وفي شوال: أخذت البصرة وانهزم من كان بها من أصحاب ملك شاه.
وفي سابع عشرين منه: دخل سبع بالليل دروب واسط واجتاز على الدار التي يسكنها صاحب البطيحة ومضى الى بستان فقتله الرجالة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4182-/ أحمد بن أبي غالب الوراق، أبو العباس المعروف بابن [1] الطلاية.
40/ أولد بعد الستين وأربعمائة وقرأ القرآن، وسمع شيئا قريبا من الحديث، واشتغل بالتعبد، وكان ملازما للمسجد يتعبد فيه [2] ليلا ونهارا، وكان قد انطوى من التعبد حتى كان إذا قام فرأسه عند ركبته.
وتوفي يوم الاثنين حادي عشرين رمضان من هذه السنة، ودفن إلى جانب أبي الحسين ابن سمعون بمقبرة باب حرب.
4183- خاصبك التركماني
[3] :
صبي من التركمان نفق على السلطان مسعود فقدمه على جميع الأمراء وصار له من المال ما لا يحصى، فلما مات مسعود خطب لملكشاه ثم قال له: إني أريد أن اقبض عليك وأنفذ إلى أخيك محمد فأخبره بذلك ليأتي فأسلمه إليك وتكون أنت السلطان فقال: أفعل فقبض عليه ونفذ إلى محمد إلى خوزستان بأنني قد قبضت على أخيك فتعال حتى أخطب لك وأسلم إليك السلطنة فعرف محمد خبيئته فجاء إلى همذان فجاء الناس يخاطبونه في أشياء فقال: ما لكم معي كلام وانما خطابكم مع خاصبك
__________
[1] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 393، وشذرات الذهب 4/ 145، وتذكرة الحفاظ 1313) .
[2] «للمسجد يتعبد فيه» : ساقطة من ص، ط.
[3] في ت: «خاصبك» .(18/91)
ومهما أشار به فهو الوالد والصاحب والكل تحت أمره فوصل هذا الكلام إلى خاصبك فسكن بعض السكون ثم التقيا فخدمه خاصبك وحمل إليه حملا كثيرا من خيل ومال فأخذ المال، وقتل خاصبك ووجد له تركة عظيمة في جملتها سبعون ألف ثوب أطلس و [كان ذلك في هذه السنة] [1] وقتل مع خاصبك زنكي الخازندار.
4184- عبد الله بن عيسى بن عبد الله بن أحمد بن حبيب، أبو محمد الأندلسي:
ولد ببلاد الأندلس وهو من بيت العلم والوزارة [2] وصرف عمره في طلب العلم وولي القضاء بالأندلس مدة ثم دخل مصر والإسكندرية وجاور بمكة، ثم قدم العراق فأقام ببغداد مدة ثم وافي خراسان فأقام بنيسابور وبلخ، وكان غزير العلم في الحديث والفقه والأدب.
وتوفي بهراة في شعبان هذه السنة.
40/ ب
4185- عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف، أبو الفرج/ بن أبي الحسين بن أبي بكر بن أبي القاسم
[3] .
ولد سنة أربع وستين، وسمع أبا نصر الزينبي، وطرادا، وعاصما وابن النظر، وغيرهم. وكان من المكثرين سماعا وكتابة، وله فهم وضبط ومعرفة بالنقل، وهو من بيت النقل قرأت عليه كثيرًا من حديثه.
وتوفي يوم الاثنين ثالث عشر المحرم ودفن بمقابر الشهداء من باب حرب.
4186- عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل، أبو الفتح بن أبي القاسم الكروخي
[4] :
وكروخ بلدة على عشرة فراسخ من هراة ولد في ربيع الأول سنة اثنتين وستين واربعمائة بهراة، وسمع من جماعة، وورد إلى بغداد فسمعنا منه جامع الترمذي، ومناقب أحمد بن حنبل، وغير ذلك، وكان خيرا صالحا صدوقا مقبلا على نفسه،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] «والوزارة» : ساقطة من ت.
[3] في الأصل، ت: «أبو الفرج بن أبي الحسن» .
وانظر ترجمته في (شذرات الذهب 4/ 184 وتذكرة الحفاظ 1313) .
[4] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 393، وشذرات الذهب 4/ 148، وتذكرة الحفاظ 1313) .(18/92)
ومرض ببغداد، فبعث إليه بعض من يسمع عليه شيئا من الذهب، فقال: بعد السبعين واقتراب الاجل آخذ عَلَى حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم شيئا؟ فرده إليه مع حاجته.
وكان يكتب نسخا بجامع الترمذي ويبيعها فيتقوت بها، وكتب به نسخة فوقفها وخرج إلى مكة فجاور بها.
وتوفي بها في ذي الحجة من هذه السنة بعد رحيل الحاج بثلاثة أيام.
4187- الفضل بن سهل الحلبي، وكان يلقب [1] بالأثير:
سمع الحديث، وكان قد قرئ عليه كثير من تصانيف الخطيب بإجازته عنه، وكانوا يتهمونه بالكذب، فحكى شيخ الشيوخ إسماعيل بن أبي سعد الصوفي، قال: كان عندي الشيخ أبو محمد المقرئ فدخل الأثير الحلبي فجعل يثني على أبي محمد، وقال: من فضائله أن رجلا أعطاني مالا، فجئت به إليه فلم يقبله، فلما قام قال أبو محمد: والله ما جاءني بشيء ولا أدري ما يقول، والحمد للَّه الذي لم يقل عنده وديعة لأحد.
توفي الأثير في رجب هذه السنة.
4188- كامل بن سالم بن الحسين، أبو تمام التكريتي شيخ رباط الزوزني المقابل لجامع المنصور
[2] .
سمع الحديث، وكان كثير التلاوة دائم الذكر قليل الكلام.
وتوفي في شوال هذه السنة، / ودفن إلى جانب شيخه أبي الوفاء على باب الرباط.
41/ أ
4189- محمد [بْن محمد] بْن عبد الله بْن أبي سهل، أبو طاهر
[3] .
من أهل مرو، سمع الكثير وكان كثير التلاوة وكتب وكانت له معرفة بالحديث،
__________
[1] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1313) .
[2] في الأصل: «كامل بن سالم بن الحسن» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 150، وتذكرة الحفاظ 1312، وفيه: «أبو طاهر محمد بن أبي بكر محمد بن عبد الله بن أبي سهل المروزي السبحي» ) .(18/93)
وكان حافظا لكتاب الله كثير التلاوة دائم الذكر والتهجد، دينا عفيفا، وكان يلي الخطابة بمرو.
وتوفي في شوال هذه السنة ودفن بمرو.
4190- محمود بن الحسين بن بندار، أبو نجيح بن أبي الرجاء الأصبهاني الطلحي [1] الواعظ.
سمع الحديث على ابن الحصين وغيره وقال الشعر.
توفي في هذه السنة.
__________
[1] في الأصل، ت: أبو نجيح بن أبي المرجّى» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 151)(18/94)
ثم دخلت سنة تسع وأربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه نفذ إلى تكريت بسبب الأسارى، فقبضوا على الرسول فنفذ الخليفة عسكرا إلى تكريت، [فخرج أهل تكريت] [1] فمنعوهم الدخول إلى البلد، فخرج أمير المؤمنين يوم الجمعة غرة صفر فنزل على البلد فهرب أهله فدخل العسكر البلد فشعثوه ونهبوا بعضه ونزل من القلعة جماعة من الفريقين، ونصبت ثلاثة عشر منجنيقا على القلعة، ووقع من سورها أبراج، وبعث صاحب الموصل يسأل فيهم ويشير عليهم بإعادة الأسراء فلم يقبلوا.
وهبت ليلة الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول [بعد العشاء] [2] ريح مظلمة، وظهر فيها نار خاف الناس أن تكون القيامة، وأثارت من التراب ما يزيد على الحد فتقطع سرادق الخليفة/. 41/ ب
[إشراف أمير المؤمنين على القلعة]
وأشرف أمير المؤمنين يوم الأربعاء الخامس عشرين من ربيع الأول على القلعة، ووقع القتال بين يديه فقتل جماعة فساء له ذلك ورأى الزمان يطول في أخذها فرحل عنها ودخل بغداد في آخر هذا الشهر ثم تقدم إلى الوزير بعوده إلى حصارها واستعداد آلة كثيرة مما يحتاج إليه في فتح القلاع، فخرج يوم الاثنين سابع ربيع الآخر [3] ونادى من
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «سابع ربيع الأول» .(18/95)
تخلف بعد ثلاث أبيح ماله ودمه وجيء بالأمراء وعرض [1] العسكر وكانوا ستة آلاف فارس فنزلوا الى القلعة وانصرف إلى القلعة بثلاثمائة ألف دينار سوى الإقامة فإنها كانت تزيد على الفكر فقرب فتحها فوصل الخبر بأن مسعود بلال جاء إلى شهرابان في عسكر عظيم ومعه ألبقش ونهب الناس فاستدعى الوزير للخروج إليهما وكانا قد حثا السلطان محمدا على قصد العراق فلم يتهيأ له فاستأذناه في التقدم أمامه فأذن لهما فجمعا جمعا كثيرا من التركمان ونزلا بطريق خراسان فخرج الخليفة إليهما فنفذ مسعود من أخرج أرسلان شاه بن طغرل [2] من قلعة تكريت، وكان محبوسا بها وجعلوا القتال عليه ليكون اسم الملك جامعا للعسكر [وتلازم العسكران] [3] على نهر بكمزا فعبر الخليفة اليهم 42/ أفتلازموا ثمانية عشر يوما وتحصن التركمان/ بالخركاهات والمواشي ويقال: إنهم كانوا اثني عشر ألف بيت من التركمان ثم برزوا للقتال آخر يوم من رجب فكانت الوقعة فانهزمت ميسرة العسكر الخليفي وبعض القلب وكان بازائهم مسعود الخادم وترشك حتى بلغت الهزيمة إلى باب بغداد وثبت الخليفة وضربوا على خزانته وقتل خازنه يحيى بن يوسف ابن الجزري فلما رأى العسكر الميسرة قد انهزمت ضعفت [4] قلوبهم فجاء منكوبرس، وكان فارسا شديد البأس ومعه هويذان فنزلا عن [5] الخيل، وقبلا الأرض بين يدي أمير المؤمنين وقالوا: يا مولانا تثبت علينا ساعة حتى نحمل بين يديك فإذا رأيناك قويت قلوبنا، فقال: لا والله إلا معكما! فرفع الطرحة عن رأسه وجذب السيف ولبس الحديد هو وولي العهد وبكرا وصاح أمير المؤمنين: يال مضر كذب الشيطان [وفر] [6] وقرأ: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً 33: 25 [7] الآية.
وحمل وحمل العسكر بحملته فوقع السيف في العدو، وسمع صوت السيوف على
__________
[1] في ص، ط: «وجيء بالأمراض وعرض» .
[2] في الأصل: «ارسلان شاه بن طرغل» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص، ط: «قد انكسرت ضعفت قلوبهم» .
[5] في ص: «ومعه فريذان فنزل عن الخيل» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] سورة: الأحزاب، الآية: 25.(18/96)
الحديد كوقع المطارق على السنادين وانهزم القوم وتم الظفر وسبى التركمان وأخذت أموالهم من الإبل والبقر والغنم ما لا يحصى، وقيل كانت الغنم اربعمائة ألف رأس فبيع كل كبش بدانق لكثرتها، ونودي: من كان أخذ من أولاد التركمان/ أو نسائهم فليرد، 42/ ب ذلك، فردوا، فأخذ البقش الملك وهرب إلى بلده وطلب مسعود وترشك القلعة ودخل الخليفة إلى بغداد في غرة شعبان.
ووصل الخبر في العشرين من شعبان: بأن مسعودا وترشك قصدا واسط ونهبوا ما يختص بالوزير فتقدم إلى الوزير بالخروج فخرج ومعه العسكر في خامس عشرين شعبان فانهزم العدو فلحقهم ونهب منهم رحلا كثيرا [1] وعاد فدخل الوزير على الخليفة فشرفه بقميص وعمامة ولقبه سلطان العراق ملك الجيوش.
[خروج العسكر في عيد الفطر على زي لم ير مثله]
وخرج العسكر في عيد الفطر على زي لم ير مثله لاجتماع العساكر وكثرة الأمراء وكان العيد يوم الخميس، فلما جاءت العشية جاء مطر وفيه رعد وبرق وبرد تزلزلت الأرض لصوته وخر الناس على وجوههم من شدة الرعب ووقعت منه صواعق فوقع بعضها في التاج الذي بناه المسترشد فطار شرارها إلى الرقة وبقيت النار تعمل أياما فأحرقت آلات كثيرة ثم اتصلت الأخبار بمجيء العساكر صحبة محمد شاه وبإنفاذه إلى عسكر الموصل يستنجدهم والى تكريت إلى مسعود بلال فأخرج الخليفة سرادقه واستعرض الوزير العسكر/ في شوال فكانوا يزيدون على اثني عشر ألف فارس.
43/ أ
[وصول الخبر أن ألبقش قد مات]
وجاء الخبر أن ألبقش قد مات وبعث محمد شاه إلى الأمراء الخلع، وقال: عودوا السنة الى مواطنكم فلي السنة عذر والبرد شديد وكان السبب أن محمدا كان قد بعث إلى مسعود بلال في نوبة ألبقش [يقول له] [2] خذ معك من القلعة بعض الملوك الذين عندك وخذوا بغداد ليهابكم الناس وليعلم أن معكم ملك إلى حين وصولي فأخذ ابن امرأة ألدكز وكانت أمه مع ألدكز فنفذ ألدكز ألفي فارس وقال لهم: كونوا في خدمة الملك واحفظوه فلما وقعت الكسرة وانهزم ألبقش أخذ الصبي فحمله إلى قلعته فلما سمع
__________
[1] في ص: «ونهب منهم رجلا كبيرا» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/97)
محمد شاه ذلك بعث إليه يقول له سر إلي واستصحب الملك فمات البقش وبقي الصبي مع ابن البقش وحسن الجاندار فحملوه إلى الجبل فخاف محمد شاه أن يصل الصبي إلى ألدكز فتتغير الأمور فاعتذر إلى العسكر فهرب من يده جماعة من خواصه وجاءوا إلى الخليفة واتصل الصبي بزوج أمه ألدكز وأمن الناس لتفرق العساكر.
وفي هذا الشهر [1] : وكل بالغزنوي لأجل قرية كانت في يده فلما كان سلخ ذي الحجة نفذ الخليفة عسكرا إلى ناحية همذان ومتقدمهم قيماز السلطاني في الفي فارس.
43/ ب/ وفي هذه السنة اتصلت الأخبار باختلاف مصر والساحل وهلاك خليفتهما وولي عهده والجند وأنه لم يبق ثم إلا صبي صغير فكتب المقتفي لأمر الله عهد النور الدين بن زنكي وولاه مصر وإعمالها والساحل وبعث إليه الخليفة المراكب والتحف وأمره بالمسير إليها.
وحدث في هذه السنة في دجلة زيادة واحمرار الماء لم يعهد في ذلك الوقت وحدث في هذه السنة في دجلة في عدة زيادة واحمرار الماء لم يعهد في ذلك الوقت وحدث في هذه السنة في دجلة في عدة نواحي بلاد واسط ظهور دم من الأرض لا يعلم له سبب.
ووصلت أخبار سنجر أنه تحت الأسر موكل به في خيمة يجرى له كل يوم ما لا يجوز ان يجري لسائس في سياسته وأنه يبكي على نفسه.
وفيها توفي أبو الفتوح أستاذ الدار، فولى ابنه محمد مكانه.
وقتلت جارية امرأة سيدها فأخرجت الجارية إلى الرحبة، وقتلها زوج المرأة بحضرة الناس كما يقتل الرجال.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4191- البقش:
صاحب الحرب [المذكورة [2] مات في رمضان وتصرف في ولايته قيماز السلطاني.
__________
[1] في ص: «وفي هذه السنة» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/98)
4192- عبد الله بن هبة الله بن المظفر ابن رئيس الرؤساء، أبو الفتوح
[1] :
كان يلي/ أستاذيةالدار وله صدقات وأعطية ومجلسه للفقراء والمتصوفة، وأنفق 44/ أعليهم كثيرا ولما احتضر أحضر غرماءه والمتظلمين عليه فوفاهم ووصى أولاده ببقايا عليه.
توفي في هذه السنة ودفن بالمقبرة الملاصقة لمقبرة الرباط الزوزني.
4193- عبد الرحمن بن عبد الصمد بن أحمد بن علي، أبو القاسم ابن [2] الأكاف:
من أهل نيسابور، سمع أبا سعد الحيريّ [3] ، وأبا بكر الشروي وغيرهما وتفقه وناظر، وكان إماما ورعا عالما [عاملا] غزير [4] الديانة، مقبلا على نفسه قنوعا بالكفاف غير معترض لما لا يعنيه، وأوصى إلى قريب له ليفرق ماله إلى الفقراء ففرقه، وكان فيه مسك فلما أراد تفرقته سد أنفه، وقال: إنما ينتفع بريحه.
وهذا مما روينا عن عمر بن عبد العزيز أنه أتى بطيب من بيت المال فأمسك على أنفه وقال: إنما ينتفع بريحه. ولما استولى الغز على نيسابور قبضوا عليه، وأخرجوه ليعاقبوه فشفع فيه السلطان سنجر، وقال: كنت أمضي إليه متبركا به ولم يمكني من الدخول عليه فاتركوه لأجلي فتركوه فدخل شهرستان وهو مريض، فبقي أياما.
وتوفي في هذه السنة ودفن بالحيرة عند أبيه.
4194- علي بن محمد بن أبي عمر البزاز، ثم الدباس، أبو الحسن، يعرف أبوه/ بالباقلاوي:
44/ ب ولد سنة سبعين وسمع أبا محمد التميمي، وطرادا، وابن النظر، وأبا أيوب وغيرهم، وتأدب بابن عقيل، وكان سماعه صحيحا، وقرأت عليه كثيرا من مسموعاته، وكان من أهل السنة والصدق على طريق السلف.
وتوفي في شعبان هذه السنة ودفن بباب حرب [5] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 399) .
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 400) .
[3] في الأصل، ص، ط: «سمع أبا سعيد الحيريّ» وما أوردناه من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «ودفن بداره.(18/99)
4195- علي [بن مُحَمَّد] أبو الحسن المعروف بابن [1] الأبري:
كان حدادا فقدمه المقتفي وقربه ووكله وبنى مدرسة بباب الأزج.
توفي في شعبان هذه السنة ودفن بداره برحبة الجامع ثم اخرج بعد مدة.
4196- المبارك بن أحمد بن عبد العزيز بن المعمر بن الحسن بن العباس بن محمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل [2] بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد الملك بن عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي الأنصاري، أبو المعمر
[3] .
ولد سنة خمس وسبعين واربعمائة، وسمع الكثير، وقرأت عليه الكثير، وكان له فهم وعلم بالحديث.
وتوفي في رمضان هذه السنة، ودفن بالشونيزية.
4197- المظفر بن علي بن محمد بن محمد بن جهير، أبو نصر
[4] :
من بيت الوزارة وزير وجده وزير، وكان استاذ الدار ثم وزر للمقتفي سمع 45/ أالحديث/ وحدث وحج.
وتوفي يوم الخميس سادس ذي الحجة وصلى عليه بجامع القصر ودفن مقابل جامع المنصور قريبا من الرباط.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من ص، ط، والأصل، وأوردناه من ت.
وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 400، وفيه: «أبو الحسن علي بن محمد الزويني القزويني» ) .
[2] في ت: «بن العباس بن محمد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ» .
[3] «بْنِ عبد العزيز بن عبد الرحمن بن إسماعيل» ساقطة من ص، ط.
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 154) .
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 154) .(18/100)
ثم دخلت سنة خمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[القبض على حاجب الباب أبي الفتح]
أنه قبض على حاجب الباب أبي الفتح ابن الصيقل الهاشمي ووكل به في الديوان وأحضر الناس وواقفوه على ما أخذ منهم وأخرج منه إلى بيته ورتب مكانه أبو المعالي بن إلكيا الهراسي نحو أربعين يوما ثم عزل ورتب أبو القاسم علي بن محمد بن هبة الله بن الصاحب.
[ورود الخبر أن الغز التركمان دخلوا نيسابور]
وفي هذا الشهر: ورد الخبر أن الغز التركمان دخلوا نيسابور ونهبوها وفتكوا بأهلها وفقهائها منهم محمد بن يحيى شيخ أصحاب الشافعي فقتلوا بها نحوا من ثلاثين ألف [نسمة] [1] وكان سنجر معهم عليه اسم السلطنة وهو معتقل ولقد أراد يوما ان يركب فلم يجد من يحمل سلاحه فشده على وسطه، وكان إذا قدم إليه الطعام اختلس منه [2] شيئا يخبؤه لوقت آخر خوفا من انقطاعه عنه لتقصيرهم به.
[خروج الخليفة الى دقوقا]
وفي شهر ربيع الأول: خرج الخليفة إلى دقوقا محاصرا لها فاستغاثوا له ارحمنا فرجع عنهم.
[الوقعة بين عسكري الخليفة وبين شملة التركماني]
وفي رجب: كانت الوقعة بين عسكري الخليفة وبين شملة التركماني فهزموه وتبعوه إلى أن/ خرج [3] إليهم كمين في مضيق فانكسروا وأسر وجوههم ثم أحسن اليهم 45/ ب
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص، ط: «الطعام احتبس منه شيئا» .
[3] في الأصل: «فهزموه وشيعوه إلى أن خرج» .(18/101)
وسرحهم واعتذر فقبل عذره وسار إلى خوزستان فملكها وأزاح ملك شاه بن محمود بن محمد بن ملك شاه عنها.
وفي شعبان: هجم ثلاثة نفر من الشراة على الحويزي عامل نهر ملك فقتلوه.
وفي شوال: وصل الملك سليمان بن محمد بن ملك شاه إلى بغداد [ضيفا] [1] مستجيرا بأمير المؤمنين، وتلقى بولد الوزير ابن هبيرة وكان على رأسه شمسة وخمسة أعلام سود ولم ينزل أحدهما للآخر وقبل عتبة باب النوبي وخرج أمير المؤمنين حين خروج الحاج فسار معهم إلى النجف ودخل جامع الكوفة واجتاز في سوقها وعاد إلى بغداد.
وفي رمضان: منع الوعاظ كلهم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
4198- أحمد بن محمد، الحويزي
[2] :
كان عاملا على نهر ملك فكان يؤذي الناس ويعلق الرجال في السواد ويعذبهم ويستخرج الأموال فلا يتلبس بها إظهارا للزهد فكأنه يجمع بذلك التصنع أن يرقى إلى مرتبة أعلى من هذه وكان كثير التلاوة للقرآن كثير التسبيح حتى إني اتفقت في خلوة حمام 46/ أوهو في خلوة أخرى فقرأ نحوا من جزءين حتى فرغ من شأنه هذا مع الظلم الخارج/ في الحد فهجم عليه ثلاثة نفر من الشراة بمرو، بيتا من نهر الملك، فضربوه بالسيوف فجيء به إلى بغداد بعد ثلاث وذلك في شعبان هذه السنة ودفن بمقبرة الرباط مقابل جامع المنصور وحفظ قبره حتى لا تنبشه العوام، وظهر في قبره عجب، وهو أنه خسف بقبره بعد دفنه أذرعا فظهر بعده من لعنه وسبه ما لا يكون لذمي.
4199- الحسن بن أحمد بن محبوب، أبو علي القزاز
[3] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 155) .
[3] في ت: «الحسين بن أحمد بن محبوب» .(18/102)
سمع طرادا وابن النظر وثابت بن بندار وغيرهم قرأت عليه كثيرا من حديثه.
وتوفي في محرم هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب.
4200- سعيد بن أَحْمَد بْن الْحَسَن بْن عَبْد اللَّهِ بْن البناء، أبو القاسم بن أبي غالب
[1] :
ولد سنة سبع وستين واربعمائة، وقرأت عليه كثيرا من حديثه عن أبي نصر الزينبي، وعاصم، وغيرهما، وكان خيرا.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
4201- محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر، أبو الفضل البغدادي
[2] .
ولد ليلة السبت الخامس عشر من شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة [3] ، وقرأ على أبي زكريا كثيرا من اللغة، وسمع الحديث من أبي القاسم ابن البسري، وأبي طاهر بن أبي الصقر، وأبي محمد التميمي، وأبي الخير العاصمي، وأبي الغنائم بن أبي عثمان، وأبي عبد الله مالك بن أحمد البانياسي وأبي الخطاب ابن النظر، ومن/ دونهم، وأكثر 46/ ب من الشيوخ المتأخرين، وكان حافظا ضابطا متقنا ثقة لا مغمز فيه، وهو الذي تولى تسميعي الحديث، فسمعت مسند الإمام أحمد بن حنبل بقراءته وغيره من الكتب الكبار والأجزاء العوالي على الأشياخ، وكان يثبت لي ما أسمع، وذكره أبو سعد السمعاني في كتابه، فقال: كان يحب أن يقع في الناس.
قال المصنف: وهذا قبيح من أبي سعد، فإن صاحب الحديث ما زال يجرح ويعدل، فإذا قال قائل: ان هذا وقوع في الناس دل على أنه ليس بمحدث، ولا يعرف الجرح من الغيبة، وكتاب السمعاني ما سواه إلا ابن ناصر ولا دله على أحوال المشايخ أحد مثل ابن ناصر، وقد احتج بكلامه في أكثر التراجم، فكيف عول عليه في الجرح والتعديل ثم طعن فيه، ولكن هذا منسوب إلى تعصب ابن السمعاني على أصحاب أحمد، ومن طالع في كتبه رأى تعصبه البارد، وسوء قصده لا جرم لم يمتع بما سمع،
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 155) .
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 401، والبداية والنهاية 12/ 233، وشذرات الذهب 4/ 155، وتذكرة الحفاظ 1289) .
[3] «وقرأت عليه كثيرا من حديثه ... شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة» : ساقطة من ت.(18/103)
ولا بلغ مرتبة الرواية بل أخذ من قبل ان يبلغ إلى مراده، ونعوذ باللَّه من سوء القصد والتعصب.
توفي شيخنا ابن ناصر ليلة الثلاثاء الثامن عشر من شعبان هذه السنة، وصلي 47/ أعليه قريبا من جامع السلطان ثم بجامع المنصور ثم في الحربية ثم دفن بمقبرة/ باب حرب تحت السدرة إلى جانب أبي منصور ابن الأنباري، وحدثني [أبو بكر] [1] ابن الحصري الفقيه، قال: رأيته في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، وقال لي قد غفرت لعشرة من أصحاب الحديث في زمانك لأنك رئيسهم وسيدهم.
4202- محمد بن علي بن الحسن بن أحمد، أبو المظفر الشهرزوريّ.
ولد سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وسمع أبا عبد الله حسين بن أحمد بن طلحة، وأبا الفضل بن خيرون وغيرهما، وروى الحديث، وكانت له معرفة حسنة بعلم الفرائض والحساب انفرد بها، وكان ثقة من أهل الدين والخير، وكان يبيع العطر في دكان عند مسجد شيخنا أبي محمد المقرئ، ويقرأ عليه هنالك، ثم سافر إلى بلاد الموصل لدين ارتكبه فبقي بها مدة ثم رجع عنها إلى بعض ثغور أذربيجان.
وتوفي بمدينة خلاط في رجب هذه السنة.
4203- المبارك بن الحسن بن أحمد، أبو الكرم الشهرزوري
[2] :
ولد في ربيع الآخر سنة إحدى وستين وقرأ القرآن وسمع من التميمي وابن خيرون وطراد وجماعة.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة [ودفن في دكة بشر الحافي إلى جانب أبي بكر الخطيب.
4204-[هارون بن المقتدي، عم المقتفي
[3] :
توفي يوم الأثنين ثالث عشرين شوال وصلي عليه، وحمل في الزبزب إلى الترب،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 157، وتذكرة الحفاظ 1292)
[3] هذه الترجمة ساقطة من الأصل، ص، ط.(18/104)
وكان أرباب الدولة كلهم قيامًا في السفن إلى الترب. وقيل أن الوزير جلس حين جاوز الحر، فلما صعدوا ركب الوزير وجده، ومشى أرباب الدولة إلى الترب [1] .
4205- يحيى بن إبراهيم، أبو زكريا بن أبي طاهر الواعظ السلماسي
[2] :
سمع الحديث وقدم إلى بغداد فوعظ/ بها وكان له القبول التام ثم غاب عنها نحوا 47/ ب من أربعين سنة، ثم قدم بعد الأربعين [وخمسمائة] فطلب أن يفتح له الجامع ليعظ فلم يجب إلى ذلك، فسمعنا عليه شيئا من الحديث بقراءة شيخنا ابن ناصر ثم رحل عن بغداد.
فتوفي في سلماس في هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ص، ط.
[2] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1292) .(18/105)
ثم دخلت سنة احدى وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[استدعاء سليمان شاه ابن محمد الى باب الحجرة]
أن سليمان شاه بن محمد استدعى يوم الجمعة خامس عشر المحرم إلى باب الحجرة فجاء في الماء وخرج أهل بغداد للفرجة، فلما حضر أحلف على النصح والموافقه [1] ولزوم الطاعة، وأنه لا يتعرض للعراق بحال ووعده بالخطبة.
فلما كان يوم الجمعة تاسع عشر المحرم خطب له بعد سنجر ولقب بألقاب أبيه ونثر على الخطيب الدراهم والدنانير فلما كان يوم السبت رابع عشر صفر أخرج الخليفة السرادق والأعلام، فلما كان صبيحة الاثنين سادس عشر صفر بعث إلى سليمان فأحضر باب الحجرة وخلع عليه وتوج وسور واحلف على ما ذكر أيمانا كثيرة وقرر بأن العراق للخليفة ولا يكون لسليمان إلا ما فتحه من بلاد خراسان وأعطى الفرس والمركب وأسرج 48/ أله الزبزب وركب في الماء وكان الناس في السميريات يتفرجون/ حتى تعذرت السفن [2] ، وبعث الخليفة إليه عشرين ألف دينار ومائتي كر وخلع على الأمراء الذين معه ثم رحل وضرب في النهروان وتبعه العساكر وبعث إلى الخليفة: ما أرحل حتى أراك فيقوى قلبي، فخرج الخليفة في غرة ربيع الأول فرحل معه منازل وهو يتقدم إلى أن وصلوا حلوان ونفذ معه العسكر وعاد.
[إخلاء سبيل أبي البدر ابن الوزير من القلعة]
وفي ربيع الآخر: خلى سبيل أبي البدر ابن الوزير من القلعة، وكان بين أخذه
__________
[1] في الأصل: «أحلف على الصلح والموافقة» .
[2] في الأصل: «حتى تعذرت المراكب» .(18/106)
وإطلاقه ثلاث سنين وأربعة أشهر، وخرج أخوه والموكب فاستقبلوه، وكان يوما مشهودا.
وفي سلخ ربيع الآخر [1] : كثر الحريق ببغداد ودام أياما فوقع بدرب فراشا ودرب الدواب ودرب اللبان وخرابة ابن جردة والظفرية والخاتونية ودار الخلافة وباب الأزج وسوق السلطان وغير ذلك.
[خروج الخليفة إلى ناحية الدجيل]
وفي رجب: خرج الخليفة إلى ناحية الدجيل، وكان قد تولى حفره ابن جعفر صاحب الديوان ثم رجع وعاد فخرج فأبصر الأنبار وسار في أسواقها ودروبها [ثم رجع] [2] وعاد متصيدا.
وجاءت الأخبار بان ملك شاه ابن اخي سليمان شاه قد انضاف إليه وأنهم اتصلوا بألدكز وتحالفوا فلما سمع بذلك محمد شاه سار إليهم وضرب معهم مصافا فانهزموا بين يديه وتشتت العسكر ووصل من عسكر الخليفة إلى بغداد نحو خمسين فارسا بعد أن كانوا ثلاثة آلاف/ ولم يقتل منهم أحد إنما أخذت خيولهم وأموالهم وتشتتوا وجاءوا 48/ ب عراة، وجاء الخبر أن سليمان شاه انفصل عن ألدكز وجاء يقصد بغداد على طريق الموصل وكان عاجزا عن حسن التدبير فهان في عيون أهل الأطراف فخرج على كوجك أمير الموصل فقبض عليه ورقاه إلى القلعة في رمضان هذه السنة وبعث إلى محمد شاه يقول له قد قبضت عليه فتعال تسلمه وإن أردت أن تقصد بغداد فأنا ألحق بك، فسار محمد شاه يقصد بغداد فوصل إلى ناحية بعقوبا وبعث إلى علي كوجك فتأخر عنه، وانزعجت بغداد وأحضرت العساكر وخرج الوزير يستعرض العسكر وذلك في مستهل ذي الحجة فلما أقبل محمد شاه إلى بغداد اضطربت عساكر العراق على الخليفة فعصى بدر بن المظفر صاحب البطيحة وأرغش صاحب البصرة.
[إخراج الوزير شرف الدين الزينبي من داره وقلع من قبره]
وفي رجب هذه السنة: أخرج الوزير شرف الدين الزينبي من داره وقلع من قبره فحمل إلى الحربية في الماء ليلا بعد أن أحضر الوعاظ فتكلموا قبل قلعه من داره من أول الليل، وعبرت معه الاضواء الكثيرة [والخلق الكثير] [3] .
__________
[1] في الأصل: «وفي شهر ربيع الآخر» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/107)
واتفق أن رجلا يقال له أبو بكر الموصلي قص ظفره فحاف عليه فخبثت يده ومات.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
4206- رشيد الخادم:
كان [1] صاحب أصبهان. توفي في هذه السنة.
4207- سلمان بن مسعود بن الحسين بن حامد، أبو محمد القصاب، ويعرف بالشحام
[2] :
ولد سنة سبع وسبعين وسمع ثابتا، وابن الطيوري، ويحيى بن منده، وغيرهم، وكان سماعه صحيحا، وكان من أهل السنة، قرأت عليه كثيرا من حديثه.
وتوفي في هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
4208- علي بن الحسين، أبو الحسن الغزنوي
[3] :
قدم بغداد في سنة ست عشرة فسمع الحديث على مشايخنا وكان يعظ وكان مليح الإيراد لطيف الحركات فأمرت خاتون زوجة المستظهر فبنى له رباط بباب الأزج ووقفت عليه الوقوف وصار له جاه عظيم تميل الأعاجم إليه وكان السلطان يأتيه فيزوره وكثر زبون مجلسه بأسباب منها طلب جاهه وكثرة المحتشمين عنده [4] والقراء واستعبد كثيرا من العلماء والفقراء بنواله وعطائه وكان محفوظه قليلا فكان يردد ما يحفظه.
وحدثني جماعة من الفقراء انه كان يعين لهم ما يقرءون بين يديه ويتحفط الكلام عليه.
49/ ب سمعته/ يوما يقول في مجلس وعظه: الحكمة في المعراج لرسول الله صلى الله عليه وسلم انه
__________
[1] «كان» : ساقطة من ت.
[2] في الأصل: «سليمان بن مسعود بن الحسين» .
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 411، والبداية والنهاية 12/ 334، وشذرات الذهب 4/ 159)
[4] في الأصل: «وكثرة المتكلمين» .(18/108)
رأى ما في الجنة والنار ليكون يوم القيامة على سكون لا انزعاج فيه فلا يزعجه ما يرى لتقدم الرؤية، ولهذا المعنى قلبت العصا حية يوم التكليم لئلا ينزعج موسى عند إلقائها بين يدي فرعون.
وسمعته يقول: حزمة حزن خير من أعدال أعمال.
وأنشدنا:
كم حسرة لي في الحشا ... من ولد إذا نشا
وكم أردت رشده ... فما نشا كما أشا
وأنشدنا:
يحسدني قومي على صنعتي ... لأنني في صنعتي فارس
سهرت في ليلي واستنعسوا ... هل يستوي الساهر والناعس [1]
وكان يميل إلى التشيع ويدل بمحبة الأعاجم فلا يعظم بيت الخلافة كما ينبغي فسمعته يقول تتولانا وتغفل عنا، وأنشد:
فما تصنع بالسيف ... إذا لم تك قتالا
فغير حلية السيف ... وضعه لك خلخالا
ثم قال: تولى اليهود فيسبون نبيك يوم السبت ويجلسون عن يمينك يوم الأحد وصاح: اللَّهمّ هل/ بلغت فكانت هذه الأشياء تبلغ فتثبت في القلوب حتى انه منع من 50/ أالوعظ فقدم السلطان مسعود فاستدعاه فجلس بجامع السلطان فحدثني ابن البغدادي الفقيه أنه لما جلس يومئذ حضر السلطان فقال له يا سلطان العالم محمد بن عبد الله أمرني أن أجلس ومحمد أبو عبد الله منعني أن أجلس يعني المقتفي وكان إذا نبغ واعظ سعى في قطع مجلسه.
ولما مال الناس إلى ابن العبادي قل زبونه فكان يبالغ في ذمه فقام بعض أذكياء بغداد في مجلس العبادي فأنشده:
للَّه قطب الدين من واعظ ... طب بأدواء الورى آس
مذ ظهرت حجته في الورى ... قام بها البرهان في الناس
__________
[1] في ص: «هل يستوي الشاهد والناعس» .(18/109)
وأراد ابن الغزنوي [قد قام للناس] [1] لأنه كان يلقب بالبرهان وهذا من عجيب ذكاء البغداديين فلما مات السلطان مسعود تتبع الغزنوي وأذل لما كان تقدم من انبساطه وكان معه قرية أصلها للمارستان فأخذت وطولب بنمائها بين يدي الحاكم وحبس ثم سئل فيه فاطلق، ومنع من الوعظ. وحدثني عبد الله بن نصر البيع قال أخذت من الغزنوي 50/ ب القرية التي كانت وقفت عليه فاستدعاني/ وسألني أن أقول لابن طلحة صاحب المخزن أن يسأل فيه وقال: هذه القرية اشترتها خاتون من الخليفة والذي وقع عليه الشهادة صاحب [2] المخزن فهو أعرف الخلق بالحال قال فجئت فأخبرته فقال أنا رجل منقطع عن الأشغال وكان قد تزهد وترك العمل فعدت إليه فأخبرته فقال لا بد من إنعامه في هذا فكتب صاحب المخزن إلى المقتفي هذا رجل قد أوى إلى بلدكم وهو منسوب إلى العلم فقال المقتفي أولا يرضى أن يحقن دمه؟ وما زال الغزنوي يلقى الذل بعد العز الوافي فحدثني أبو بكر بن الحصري قال سمعته يقول: من الناس من الموت أحب إليه من الحياة، وعني نفسه وكان لا يحتمل الذل، فمرض فحكى الطبيب الداخل عليه أنه قد ألقى كبده، وكان مرضه في محرم هذه السنة فبلغني أنه كان يعرق في مرضه ويفيق، فيقول: رضا وتسليم.
وتوفي ليلة الخميس سابع عشرين المحرم وصلى عليه في رباطه ودفن بمقبرة الخيزران إلى جانب أبي سعيد السيرافي.
4209- المظفر بن حماد بن أبي الخير صاحب البطيحة
[3] .
فتك به يعيش بن فضل بن أبي الخير من أصاغرهم في الحمام ومعه اثنان من أهله وولى ابنه مكانه.
4210- يحيى بن عبد الباقي، أبو بكر الغزال:
51/ أسمع وسمع وتوفي في شوال هذه السنة ودفن في مقبرة يقال لها العطافية/ وقف ابن عطاف التاجر وهو أول من دفن فيها.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «والّذي وقع عليه الإشهاد صاحب» .
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 412) .(18/110)
ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه لما قرب محمد شاه من بغداد وكان قد طلب أن يخطب له فلم يقبل عرض الخليفة العسكر وبعث إلى الأمراء فأقبل خطلبرس من واسط وعصى أرغش صاحب البصرة وأخذ واسط ورحل مهلهل إلى الحلة فأخذها بنو عوف وضرب الخليفة سرادقه تحت دار يرنقش ثم نزعه وجمع جميع السفن التي ببغداد تحت التاج ونودي في سادس عشر المحرم أن لا يقيم أحد بالجانب الغربي فأجفل الناس وأهل السواد ونقلت أموال الناس إلى دار الخلافة وعبر محمد شاه فوق حربي ونهب أوانا واتصل به علي كوجك واتفقا وضرب محمد شاه بالرملة فقطع الجسر وجيء به إلى تحت التاج ولبس الناس السلاح فأخرج الخليفة سبعة آلاف جوشن ففرقها ونصبت المجانيق والعرادات وأقام أربعين شقاقا يعملون الخشب لعمل التراس والمجانيق والعرادات فكانت مائتين وسبعين عرادة ومنجنيق في كل عرادة اربعون رجلا، وكان يخرج كل يوم من الخزانة أكثر من مائة كر.
[الإذن للوعاظ في الجلوس]
وأذن للوعاظ في الجلوس بعد منعهم من ذلك مدة سنة وخمسة أشهر وكان ذلك في ليلة السبت ثامن عشر المحرم فلما كان يوم الاثنين/ ركب عسكر محمد شاه وعلي 51/ ب كوجك وجاءوا في نحو ثلاثين [1] ألف مجفجف فوقفوا عند الرقة ورموا بالنشاب إلى ناحية
__________
[1] في الأصل: «وعلي كوجك حافظ في نحو ثلاثين» .(18/111)
التاج وصعد الناس إليهم من السفن، وكان صلاح الدين، رجل من أصحاب السلطان، قد بنى خانا عند الرقة أنفق عليه ألوف دنانير وجعله للسابلة فكان هؤلاء القوم يعتصمون به وبحائط الرقة فأمر أمير المؤمنين بنقض ذلك وكان أمير المؤمنين أمر [1] صبيان بغداد يعبرون إليهم بالمقاليع وزراقات النار فيردون العسكر الكثير ويتلقون النشاب بميازر صوف وكان القتال تحت قمرية وقصر عيسى وضرب الصبيان يوما أميرا منهم بقارورة نفط فرمت به الفرس فقتلوه وقعد القوم له في العزاء ونهب عسكر القوم بالجانب الغربي واخرجوا مائتين وسبعين دولابا وركب يوم الاثنين عسكر الخليفة ومضوا بكرة إلى ناحية الدار المعزية ومعهم العرادات وأقواس الجرح يقاتلون والنشاب يقع عليهم مثل المطر.
فلما كان يوم السبت ثالث صفر جاء عسكر الأعداء في جمع عظيم فانتشروا على دجلة وخرج عسكر الخليفة في السفن واتصلت الحملات وانقطعت صلاة الجمعة من الجانب الغربي ووصلت الأخبار بمجيء سفن إليهم من الحلة وأنهم قد أداروها إلى الصراة وجاءتهم سفن من واسط فأقامت في المدائن ووصل لهم من الموصل كلك [2] 52/ أعليه دقيق وسكر وعسل/ وسمن ونعل للخيل وغير ذلك فأخذه أصحاب الخليفة فركبوا بأجمعهم وانتشروا من الرملة إلى تحت الرقة وضربوا الدبادب والبوقات وكانت الريح شديدة تمنع السفن أن تصعد فرمى صبيان بغداد نفوسهم في الماء وسبحوا فصعد منهم نحو خمسين بأيديهم السيوف والمقاليع والنشاب وسكنت الريح فركبت المقاتلة في السفن تمنع من الصبيان وكان يوما مشهودا.
[وصول سفن القوم إلى الدور]
وفي يوم الجمعة سادس عشر صفر: وصلت سفن القوم إلى الدور فخرجت سفن أهل بغداد فمنعتها من الإصعاد وجرى قتال عظيم ووقع النفير ببغداد ولم يصل الجمعة إلا قليل ونودي من الديوان بحمل السلاح فلبس العوام والتجار [3] والرؤساء ثياب الحرب وكان المحتسب كل يوم يجوز والسلاح بين يديه وعلم الحاج بالحال.
فجاء الخبر أن الحاج بالحلة على حملة السلامة والعافية وان أمير الحاج قيماز
__________
[1] «أمير المؤمنين أمر» : ساقطة من ص، ط.
[2] «كلك» : نوع من أنواع السفن.
[3] في ص، ط: «السلاح فحمل العوام والتجار» .(18/112)
[أخذ] [1] امرأة الوزير ابن هبيرة [فكانت مع الحاج] [2] فدخل البرية مع بني خفاجة وجاء الحاج فعبروا إلى بغداد.
فلما كان يوم الاثنين سادس عشر صفر وصل ركابي من همذان يخبر بدخول ملك شاه شاه همذان [3] وكبس بيوت المخالفين ونهبها فخلع على الركابي وضربت بين يديه الدبادب وجاء رسول/ آخر فأخبره بذلك فلما كانت عشية الجمعة سلخ صفر عبر منهم في 52/ ب السفن نحو ألف فارس فقصدوا تحت الزاهر ليدخلوا دار السلطان فنزل منكوبرس الشحنة وأصحابه فضرب عليهم فقتل منهم جماعة ورمى الباقون أنفسهم في الماء واتصل القتال عند عقد السلطان ودار العميد في دجلة وغير ذلك من الأماكن وخرج بعض الأيام إلى الأتراك من الخزانة خمسة وعشرون ألف نشابة ومائتان وستون كرا وكان جميع ذلك من خزانة الخليفة ولم يكلف أحدا شيئا [ولا استقرض] [4] من ذوي المال.
وحكى زجاج الخاص أنه عمل في هذه النوبة ثمانية عشر ألف قارورة للنفط سوى ما كان عندهم من [بقايا] [5] نوبة تكريت، وفي يوم الأربعاء خامس ربيع الأول فتح باب السور مما يلي سوق السلطان وباب الظفرية وخرجت الخيالة والرجالة وخرج منكوبرس [6] وقيماز السلطاني ووقع القتال فحملوا اثنتي عشرة مرة ونصب الأعداء عرادة على دار السلاركرد فرماها المنجنيق الذي تحت دار الشحنة فكسرها وتعذر على أهل بغداد الشوك والتبن والعلف فبيع الشوك كل باقة بحبة ورأس غنم بسبعة دنانير وسد الخليفة الجسر فبقي منه زورقان وكان يحفظ.
فلما كان يوم الأربعاء تاسع عشر ربيع الأول وصل الخبر بأنهم قد عبروا الرحل والحمال من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي/ ووصل قوم من طريق خراسان 53/ أ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] «يخبر بدخول ملك شاه همذان» : ساقطة من ص، ط.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «وخرج منكورس» .(18/113)
واخبروا بأن الشحنة الذي عندهم جاء إليهم مهزوما وأخبر بأن عسكرا من طريق همذان يخبر بأن ملك شاه وصل إلى همذان وصحبته ابن امرأة ألدكز.
فلما كان يوم الخميس العشرين من ربيع الأول جاءوا بالسلاليم التي عملوها وكانت اربعمائة [1] سلم طوال ليضعوها على السور فلم يقدروا.
فلما كان يوم الجمعة حادي عشرين ربيع الأول [2] لم يجر إلا قتال يسير، وهذه الجمعة هي الجمعة الثالثة من الجمع التي لم يصل فيها الجمعة ببغداد غير جامع القصر وعطل باقي الجوامع واحتوى العسكر على الجانبين ووصل رسول من ألدكز يخبر بدخول ملك شاه همذان فأخذ نساء المخالفين وأولادهم فخلع عليه ونفذ على كوجك جماعة فوقفوا على قمرية يصيحون إلى منكوبرس الشحنة [3] نفذ رسولا نودعه رسالة إلى أمير المؤمنين فاستؤذن في ذلك فإذن فنفذ الوزير بصاحبه.
وقيل: إن نور الدين بن زنكي بعث إلى علي كوجك وقال له: تمضي وترمي نفسك بين يدي أمير المؤمنين حتى يرضى ووصلت في هذا اليوم امرأة سليمان شاه بنت خوارزم شاه وكانت قد اصطلحت بين ملك شاه وبين الأمراء جميعهم في همذان 53/ ب وجاءت على التجريد في زي الحاج الصوفية إلى الموصل وعليها مرقعة وفي/ رجليها طرسوس ومعها ركابي في زي المكدين ثم جاءت حتى صارت في عسكر محمد شاه وكوجك ثم جاءت ليلة السبت فوقفت تحت الرقة وصاحت بملاح وقالت له صح لي بقائد من قواد أمير المؤمنين يعبر فعرف الوزير فنفذ إليها حاجبا فعرفته نفسها فعبر بها فدخلت على الوزير فقام لها قياما تاما وعرف الخليفة وصولها فأفرد لها دارا حسنة وحمل إليها ما يصلح وأحضرت الركابي فأخرج الكتب وفيها ان ملك شاه دخل همذان ونقض الكشك وكبس بيوت المخالفين ونقض دورهم.
وفي يوم الاثنين رابع عشرين ربيع الأول: فقد من حبس الجرائم خمسة من الكبار
__________
[1] في الأصل: «وكان عدتها أربعمائة» .
[2] في الأصل: «حادي عشرين ربيع الآخر» .
[3] في الأصل: «يصبحون إلى منكورس» .(18/114)
منهم ابن سمكة ومقتص الخادم فتصبحوا في مفتح باب النوبي فوجدوهم في الدروب وأبواب المساجد فأخذوهم.
فلما كان يوم الثلاثاء خامس عشرين الشهر نادى الحراس في الدروب والأسواق من أراد الجهاد فليلبس السلاح ويقصد السور فخرج الخلق وجاء العدو ومعهم السلاليم والمعاول والزبل لسد الخندق وخرج الناس واقتتلوا فلما كان يوم الخميس سابع عشرين ربيع الأول نادوا في عسكرهم لا يتأخرن أحد عن الحرب وعبر العسكر الذي بالجانب الغربي وجاءوا باجمعهم وافترقوا فبعضهم في عقد الظفرية وبعضهم في عقد سوق السلطان/ وفتحت الأبواب ووقع القتال إلى المغرب- فلما كان يوم السبت تاسع 54/ أعشرين هذا الشهر نادوا اليوم يوم الحرب العظيم فلا يتأخرن أحد فخرج الناس فلم يجر قتال وكان المنجمون قد حكموا فيه بأمر عظيم يلحق الناس من القتل وغيره فبان كذبهم فلم يجر شيء.
وجاء تركي [1] فكلم بعض أتراك الخليفة فقال له صاحب الخليفة نحن على انتظاركم فاليوم الوعد فما حبسكم؟ فقال له: قد عولوا [على عمل] [2] غرائر وأزقاق قد عملوا بعضها وحشوها حصى ورملا ليسدوا الخندق، وعملوا سلاليم طوالا عراضا فقال له، التركي: قد فتحنا لكم الأبواب لما علمنا بمجيئكم وإن أعوزكم سلاليم أعرناكم ثم إذا فتحت الأبواب فقد استغنيتم عن السلاليم، فقال قد عولوا على يوم الأربعاء فقال له هل وصلكم خبر همذان؟ قال نعم فكيف قلوبكم قال ما هي طيبة قلوبنا إلى أهلنا وكوجك خائف فما يعبر إلينا وقد تحيروا واختلفوا ثم ودعه وانصرف وجاء من أصحابهم قوم فاستأمنوا فسئلوا عن حالهم، فقال: قد رحل كثير منهم كل قوم إلى جهة وكان الضعفاء يعبرون فيجلبون علفا وحطبا فيبيعونه ويعيشون بثمنه وربما حشوا فيه اللحم والتفاح والخضرة ففطنوا بهم فمنعوهم.
وفي ليلة الجمعة سادس ربيع/ الآخر: قبض على اليزدي الفقيه وحبس في 54/ ب
__________
[1] في ص، ط: «وجاء زنكي» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/115)
حبس الجرائم وسببه أنه عزم على الانتقال إلى ذلك العسكر فكتب إليهم كتابا وقال إذا قرأتم كتابي فخرقوه وبعثه مع فقيه فحمله إلى الوزير فأحضره فأقر وقال الحاجة حملتني على هذا فحبس وأخذ منه السجل الذي كان معه بالتدريس في المدرسة ثم أطلق في ربيع الآخر.
فلما كان يوم السبت سابع ربيع الآخر عبر الضعفاء الذين كانوا يجلبون الحطب والعلف على عادتهم فحسرهم كوجك وجمع منهم جماعة وتقدم بقطع آذانهم وخرم آنافهم ففعل بهم ذلك فعادوا ودماؤهم تسيل فجاءوا يستغيثون تحت التاج فتقدم الخليفة بمداواتهم وقسم فيهم مالا.
وبعث محمد شاه إلى كوجك يقول له أنت وعدتني بأخذ بغداد فبغداد ما حصلت وخرجت من يدي همذان وأخذ مالي بها وخربت بيوت أصحابي وأنا معول على المضي، فقال له متى رحلت بغير بلوغ غرض كنت سبب قلع بيت السلجوقية إلى يوم القيامة ثم لا يقصدونك أيضا ولكن اصبر حتى نمد الجسر ونعبر ونجمع موضعا واحدا ونرمي هذه الغرائر في الخندق وننصب السلاليم ونحمل حملة واحدة فنأخذ البلد ثم ما زالوا يتسللون وضاقت بهم الميرة وهلك منهم خلق [1] كثير وبعثوا ابن 55/ أالخجنديّ/ فوقف عند قمرية وقال: ابعثوا إلينا يوسف الدمشقيّ فجاء يوسف فقال: ما لكم عندنا جواب قبل اليوم إلا السيف فكيف اليوم وقد قتلتم وأحرقتم وأفسدتم؟ ثم استأمن خلق كثير منهم فأخبروا أن القوم على الرحيل.
ووصل في عشية يوم الثلاثاء سابع عشر هذا الشهر ثلاثة من الركابية فأخبروا ان ملك شاه قد أخذ أربعة آلاف بختية نفذ بها محمد شاه إلى همذان وخبروا بهزيمة أينانج وبأموال كثيرة أخذت من همذان من المخالفين ودار إلى عسكر الخليفة جماعة من أمراء القوم وفرسانهم وهلك من أمرائهم جماعة وجاء كتاب من ملك شاه يذكر فيه أنه اجتمع بالأمراء ألدكز وجميع العساكر وبعثنا إلى أينانج فلم يحضر فقصدناه فانهزم وجاء إلينا أكثر عسكره وقد نفذنا إلى الأمراء الذين مع محمد شاه من أهل همذان نقول لهم متى
__________
[1] في ص، ط: «الميرة وخلف منهم خلق كثير» .(18/116)
تأخرتم عن الحضور إلى عشرين يوما خربنا بيوتكم وأخذنا أموالكم وأولادكم ونساءكم، وقد وصل إلينا منهم عالم عظيم وقد نفذنا أميرا معه ثلاثة آلاف فارس إلى كرمانشاهان ونحن منتظرون الأمر الشريف فإن أذن لنا في المصير إلى بغداد جئنا وإن رسم لنا بالمضي إلى الموصل مضينا.
وفي يوم الجمعة العشرين من ربيع الآخر: جرى قتال على قمرية وهذه الجمعة هي السابعة/ التي تعطلت فيها جوامع بغداد فلم يصل إلا في جامع القصر وحده. 55/ ب وفي ليلة السبت: خرج رجل من العيارين يقال له أبو الحسين العيار فأخذ معه جماعة من الرجالة والشطار ونزل من السور وكبس طوالع العسكر ومنهم قوم نيام وانتهبهم ووقعت الصيحة فانهزموا وعاد الرجالة إلى الباب.
ووقع الاستشعار بين محمد شاه وكوجك فخاف كل واحد منهما من صاحبه فقال محمد قد أخذت بلادي وأقطعت وأنت أشرت علي بالمجيء إلى بغداد. فلما علم أنه قد تغيرت له نيته قال له ان لم أفتح لك البلد في ثلاثة أيام فما أنا كوجك واعبر يوم الاثنين وفي بكرة يوم الثلاثاء فقاتل وقد قررت مع أصحابي أن يقاتلوا قتال الموت، أي شيء بغداد عندنا؟ فاتفقا على ذلك ونصبوا الجسر وعبر أكثر العساكر وقال له تعبر أنت اليوم وأعبر أنا غدا.
فلما كان يوم الاثنين ثالث عشرين ربيع الآخر عبر محمد شاه وأصحابه الى عشية وتخلف منهم ثلاثمائة غلام فلما كان العشاء قطع كوجك الجسر وقلع الخيم وبعث رحله وخيمه وماله طول الليل فأصبح الناس وما بقي من خيمة شيء وضرب النار في زوارق الجسر وفيما بقي من تبن وشعير وحطب وضرب على خزانة السلطان والوزير ورحل/ وبقي محمد شاه وأصحابه بقية يوم الثلاثاء ثم قلع الخيم وذهب هو [1] وعسكره ومنع 56/ أالخليفة عسكره من أن يتبعوه وضربت [2] الرجالة إلى دار السلطان فنهبوها وكان فيها أموال كثيرة ونهبوا [الأبواب] [3] والأخشاب وأخذوا الأطيار والغزلان والعسكر يرونهم
__________
[1] في الأصل: «فلع الخير وركب هو وعسكره» .
[2] في ص: «من أن يلحقوه وضربت» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/117)
فإذا طردوهم عادوا ورأى رجل من التجار حملا فيه سكر في سوق المدرسة وكان قد نهب من دار السلطان فقال: لي هذا، قالوا من يشهد لك؟ قال في وسطه مائة دينار إلا دينارا، فنظروا فإذا هو كما قال فسلموه إليه فأخذ الذهب وأعطاهم السكر ونهبت دار خاصبك فنودي برد ما أخذ من الدار فحمل إلى ديوان الأبنية وكان الناس قد تطرقوا يوم النهب إلى محلة أبي حنيفة وكان ثم أموال للتجار وعزموا على السفر فآووا أموالهم إلى ثم فنهبت وأما أصحاب محمد شاه فإنهم نهبوا بعقوبا وأعمالها. وجمع الخليفة الأمراء الذين كان يستشعر منهم فخلع عليهم وأعطاهم الأموال وقال تمضون إلى همذان فتكونون مع ملك شاه وخرج الناس يلعبون في نهر عيسى وغيره بأنواع اللعب والمضحكات فرحا 56/ ب بالسلامة [1] وكان العظامية والقرع والصبيان الذين كانوا/ يقاتلون في تلك الأيام قد اتخذوا زرديات من بعر الغنم وسلاحا من الفارسي واخرجوا طبلا وبوقا ونصبوا خشبا وصلبوا جماعة تحت آباطهم يلعبون ويضحكون ما كان كل سبت وخرج الناس يتفرجون ويضحكون عليهم.
فلما كان يوم الخميس رابع عشر جمادى الأولى ركب الخليفة في الماء إلى تحت دار تتر ثم ركب وسار يفتقد السور من أوله إلى آخره وعاد من دجلة يفتقده ثم عبر إلى الجانب الغربي فنظر آثار الخراب وما أحرق من الدور ثم عاد إلى منزله مسرورا وأطلق للفقراء مالا كثيرا.
وحدث في هذه السنة بالناس أمراض شديدة لأجل ما مر بهم من الشدائد وكثر المطر والرعد والبرق وبرد الزمان كأنه الشتاء والناس في أيار، وفشا الموت في الصغار بالجدري، وفي الكبار بالأمراض الحادة، وغلت الأسعار، وبيعت الدجاجة بنصف دانق، والتبن خمسة أرطال بحبة وتعذر اللحم.
فلما كان خامس عشرين جمادى الآخرة وصل الخبر بوفاة سنجر فقطعت خطبته.
وفي سابع عشر رجب: خرج الخليفة فنزل بأوانا وقصد فم الدجيل وكان الحفر فيه ثم عاد وقصد نهر الملك ورحل يقصد البطائح يطلب ابن أبي الخير فهرب فعاد الخليفة الى بغداد.
__________
[1] في الأصل: «اللعب والضحك فرحا» .(18/118)
وفي شعبان: استأذن الخليفة ابن جعفر صاحب مخزن الإمام المقتفي أن اجلس في داره/ فأذن له فكنت أعظ فيها كل جمعة. 57/ أوفي شعبان: خرج الخليفة إلى الصيد فأقام عشرة أيام.
وكانت وقعة عظيمة بين محمود بن زنكي وبين الإفرنج وفتح عسكر مصر غزة واستعادوها من الإفرنج ووصل رسول محمود بتحف وهدايا ورءوس الإفرنج وسلاحهم وأتراسهم. [1] ووصل الخبر في رمضان: بزلازل كانت بالشام عظيمة في رجب تهدمت منها ثلاثة عشر بلدا ثمانية من بلاد الإسلام وخمسة من بلاد الكفر أما بلاد الإسلام فحلب وحماة وشيزر وكفر طاب وفامية وحمص والمعرة وتل حران وأما بلاد الإفرنج فحصن الأكراد وعرقة واللاذقية وطرابلس [وأنطاكية] [2] فأما حلب فأهلك منها مائة نفس وأما حماة فهلكت جميعها إلا اليسير واما شيزر فما سلم منها إلا امرأة وخادم لها وهلك جميع من فيها وأما كفر طاب فما سلم منها أحد وأما فامية فهلكت وساخت قلعتها وأما حمص فهلك منها عالم عظيم وأما المعرة فهلك بعضها وأما تل حران فإنه انقسم نصفين وظهر من وسطه نواويس وبيوت كثيرة وأما حصن الأكراد وعرقة فهلكتا جميعا وهلكت اللاذقية فسلم منها نفر ونبع فيها جوبة فيها حمأة وفي وسطها صنم واقف، وأما طرابلس فهلك/ أكثرها، واما انطاكية فسلم بعضها.
[اغترام الوزير ابن هبيرة مالا]
وفي هذه السنة: اغترم الوزير ابن هبيرة مالا يقارب ثلاثة آلاف دينار على طبق الإفطار طول رمضان وحضره الأماثل وكان طبقًا [3] جميلا يزيد على ما كان قبله من أطباق الوزراء، وخلع على المفطرين الخلع السنية.
وفي شوال قدم ابن الخجندي الفقيه والعاملي الحنفي صاحب التعليقة فتلقاهما
__________
[1] في الأصل: «الأفرنج وملاحهم ونفايسهم» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص، ط: «وكان طريقا جميلا» .(18/119)
الموكب وقبلا العتبة وحضرا مجلسي في دار صاحب المخزن. وقدم أبو الوقت فروى لنا صحيح البخاري عن الداودي فألحق الصغار بالكبار.
وفيها: أعيدت نقابة الطالبيين إلى الطاهر أبي عبد الله بن عبيد الله وقد كانت جعلت في ولده أبي الغنائم لأنه كان قد مرض مرضا أشرف منه على التلف ولم يشك الناس في هلاكه وحدثني بعد أن عوفي [ما يدل] [1] أن شخصا أطعمه فعزل في حالة المرض فلما عوفي أعيد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4211- أحمد بن عمر بن محمد بن إِسْمَاعِيل، أبو الليث [2] النسفي:
من أهل سمرقند سمع الحديث وتفقه ووعظ وكان حسن السمت وحج وعاد إلى بغداد فأقام بها نحو ثلاثة أشهر ثم ودع وخرج إلى بلده، وكان ينشد وقت الوداع:
58/ أ/
يا عالم الغيب والشهاده ... مني بتوحيدك الشهاده
أسأل في غربتي وكربي ... منك وفاة على الشهاده
فلما وصل إلى قومس خرج جماعة من أهل القلاع وقطعوا الطريق على القافلة وقتلوا مقتلة عظيمة من العلماء والمعروفين فضربوه ثلاث ضربات فمات.
4212- أحمد بن بختيار بن علي بن محمد، أبو العباس الماندائي الواسطي
[3] .
ولي القضاء بها مدة وكان فقيها فاضلا له معرفة [تامة] [4] بالأدب واللغة ويد باسطة في كتب السجلات والكتب الحكمية سمع أبا القاسم بن بيان، وأبا علي بن نبهان، وغيرهما، [5] وكان يسمع معنا [6] على شيخنا ابن ناصر، وصنف كتاب القضاة، وتاريخ البطائح، [7] وغير ذلك، وكان ثقة صدوقا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 236) .
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 419، والبداية والنهاية 12/ 236) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «أبا علي بن شهاب وغيرهما» .
[6] في الأصل: «كان سمع معنا» .
[7] في الأصل: «تاريخ النطائح» .(18/120)
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة وصلى عليه في النظامية ودفن بمقبرة باب أبرز.
4213- سنجر بن ملك شاه بن ألب أرسلان، أبو الحارث، واسمه [1] أحمد:
ولد بسنجار في بلاد الجزيرة في رجب سنة تسع وسبعين واربعمائة حين توجه أبوه ملك شاه إلى غزو الروم ونشأ ببلاد الخزر وسكن خراسان واستوطن مرو وكان قد دخل إلى بغداد/ مع أخيه السلطان محمد علي أمير المؤمنين المستظهر باللَّه فحكى هو قال 58/ ب لما وقفنا بين يديه ظن أني أنا السلطان فافتتح كلامه معي فخدمت وقلت يا مولانا السلطان هو أشرت إلى أخي ففوض إليه السلطنة وجعلني ولي العهد بعده بلفظه فلما توفي السلطان محمد لقب سنجر بالسلطان واستقام أمره متراقيا وكان أمره عاليًا وكان مهيبا كريما رفيقا بالرعية حليما عنهم وكانت البلاد آمنة في زمانه فجلس على سرير الملك إحدى وأربعين [2] سنة وكان قبلها في ملك وسلطنة نحوا من عشرين سنة ولم يملك أحد من الخلفاء والسلاطين هذه المدة فإنها تقارب الستين سنة وخطب له على أكثر منابر الإسلام وروى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولحقه طرش واتفق أنه حارب الغز فأسروه ثم تخلص بعد مدة وجمع إليه أصحابه بمرو وكاد يعود إليه ملكه.
فتوفي يوم الاثنين وقت العصر الرابع والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة ودفن في قبة بناها لنفسه وسماها دار الآخرة ولما بلغ خبر موته إلى بغداد قطعت خطبته ولم يجلس له في العزاء فجلست امرأة سليمان للعزاء فعزاها/ الخليفة وأقامها.
59/ أ
4214- علي بن صدقة، أبو القاسم الوزير:
عزل فتوفي في ليلة الجمعة ثالث عشرين من جمادي الأولى من هذه السنة وصلى عليه في جامع القصر قبل صلاة الجمعة وقبر بمشهد باب التبن.
4215- عيسى بن أبي جعفر بن المقتفي:
[3]
__________
[1] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 415، والبداية والنهاية 12/ 237، وشذرات الذهب 4/ 161) .
[2] في الأصل: «فجلس على سريره احدى وأربعين» .
[3] في ص: «عيسى بن جعفر» .(18/121)
توفي ودفن في مشهد باب أبرز [1] ، وما أمكن حمله الى التراب لأجل الفتن.
4216- أبو القاسم بن المستظهر باللَّه:
وكان أصغر أولاده سنا، توفي في ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الأولى [2] من هذه السنة وحمل ضاحي نهار إلى الترب في الماء ومضى معه الوزير إلى مقصورة جامع السلطان [3] فصلى بها الجمعة في الموضع الذي كان يصلي فيه السلطان وجلسوا للعزاء به في بيت النوبة يومين ثم خرج توقيع فأقامهم [من العزاء] [4] .
4217- محمد بن عبيد الله بن نصر الزاغوني، أبو بكر:
[5] ولد سنة ثمان وستين واربعمائة وسمع أبا القاسم ابن البسري وأبا نصر الزينبي وطرادا وعاصما والتميمي وخلقا كثيرا وقرأت عليه كثيرا من مسموعاته.
وتوفي ليلة الاثنين ثالث عشرين ربيع الآخر ودفن بمقبرة باب حرب.
4218- محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن ثابت، أبو بكر الخجنديّ
[6] .
59/ ب سمع أبا علي الحداد وغيره وتقدم عند السلاطين وكانوا يصدرون عن رأيه/ وقدم بغداد وولي تدريس النظامية وكان مليح المناظرة، قال المصنف رحمه الله حضرت مناظرته وهو يتكلم بكلمات معدودة مثل الدر ووعظ بجامع القصر وبالنظامية وما كان يندار في الوعظ وكان مهيبا وحوله السيوف وهو بالوزراء أشبه منه بالعلماء، خرج إلى أصبهان فنزل قرية فنام في عافية فأصبح ميتا في شوال هذه السنة وحمل إلى أصبهان.
4219- محمد بن المبارك بن محمد ابن الخل، أبو الحسن بن أبي البقاء
[7] .
__________
[1] في ت: «دفن بباب أبرز» .
[2] في الأصل: «ثامن عشر جمادى الآخر» .
[3] في الأصل: «إلى المقصورة بجامع السلطان» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 237، وشذرات الذهب 4/ 164) .
[6] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 419، شذرات الذهب 4/ 163) .
[7] في ت: «ابن محمد بن الخل، أبو الحسن» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 237، وشذرات الذهب 4/ 164) .(18/122)
ولد سنة خمس وسبعين، وسمع الحديث من [ابن أيوب و] [1] ابن الطيوري، وابن النظر [2] ، وثابت وابن السراج وغيرهم [3] وتفقه على أبي بكر الشاشي، [ودرس.
وتوفي في محرم هذه السنة فدفن باللوزية.
وتوفي أخوه أبو الحسين ابن الخل الشاعر في ذي القعدة من هذه السنة.
4220-[مُحَمَّد بن يحيى بن مُحَمَّد بن بدال، أبو الفضل، ويعرف بابن النفيس
[4] :
روى لنا عن أبي الحسين بن الطيوري، وتوفي في هذه السنة.
4221- نصر بن نصر بن علي بن يونس، أبو المعمر العكبري، الواعظ
[5] .
سمع من أبي القاسم ابن البسري، وأبي الليث نصر بن الحارث الشاشي] [6] ، وأبي محمد التميمي وغيرهم، وكان ظاهر الكياسة [7] يعظ وعظ المشايخ ويتخيره الناس لعمل الأعزية. ولد في سنة ستين.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة وصلى عليه بالنظامية والتاجية ودفن بمقبرة باب أبرز.
وكان له ولد يكنى أبا محمد نشأ على طريقته، ولد سنة خمسمائة ومات سنة خمس وسبعين.
4222- يحيى بن عيسى بن إدريس، أبو البركات الأنباري
[7] :
قرأ القرآن على جماعة، وسمع الحديث على عبد الوهاب الأنماطي وغيره وقرأ النحو على الزبيدي وصحبه مدة وتفقه على القاضي الحراني ووعظ الناس وكان يبكي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وابن الطير» .
[3] في الأصل: «وابن الساج» .
[4] هذه الترجمة ساقطة من ص، والأصل. وأوردناها من ت.
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 166) .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 237) .(18/123)
60/ أمن حين صعوده على المنبر إلى حين/ نزوله وتعبد في زاويته نحو خمسين سنة وكان ورعا حتى أنه عطش فجيء بماء من بعض دور الحكام فلم يشرب وكان لا يفعل شيئا إلا بنية وكان من أهل السنة الجياد، رزقه الله أولادا صالحين [1] فسماهم أبا بكر وعمر وعثمان وعليا، وكان أمارا بالمعروف ناهيا عن المنكر مستجاب الدعوة له كرامات ومنامات صالحة رأى في بعضها رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفِي بعضها أحمد بن حنبل فقال المروذي يا أبا عبد الله هذا من أصحابنا. فقال: وهل يشك فيه؟ وكان هو وزوجته أم أولاده يصومان النهار ويقومان الليل ويحييان بين العشائين ولا يفطران إلا بعد العشاء، وختما أولادهما القرآن وأقرءا خلقا من الرجال والنساء.
توفي يوم الاثنين رابع ذي القعدة من هذه السنة، فقالت زوجته: اللَّهمّ لا تحيني بعده، فماتت بعد خمسة عشر يوما [وكانت صالحة] [2] .
__________
[1] في الأصل: «أهل السنة الحفياء وكان له أولادا صالحين» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/124)
ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[ختان ولد الخليفة]
أنه في غرة ربيع الأول ختن ولد الخليفة وختن معه جماعة من أولاد الأمراء وأعدت الخلع والتحف ولم يبق أحد من أرباب الدولة إلا وحمل/ من التحف كثيرا 60/ ب وعمل سماطا كبيرا للأمراء والأتراك في الصحراء مما يلي سور الظفرية. [1]
[الاتفاق بين محمد شاه وأخيه]
وفيها: وقع الاتفاق بين محمد شاه وأخيه ملك شاه وأمده بعسكر ففتح خوزستان، ودفع عنها شملة التركماني.
[خروج أمير المؤمنين بقصد الأنبار]
وفي ربيع الآخر: خرج أمير المؤمنين بقصد الأنبار وعبر الفرات وزار قبر الحسين عليه السلام ومضى إلى واسط ودخل سوقها وعاد إلى بغداد ولم يخرج هذه النوبة معه الوزير لأنه كان مريضا وأنفق في مرضه هذا نحو خمسة آلاف دينار بعضها للأطباء وبعضها للصدقة وبعضها في قضاء ديون أهل الحبوس وغيرهم وخلع على ابن التلميذ لما عوفي ثيابا كثيرة وأعطاه دنانير وبغلة وبعث إليه الخليفة يتعرف أخباره ويستوحش له فخرج فانحدر إلى المدائن لتلقي الخليفة وعاد معه ثم خرج الخليفة في رجب وأحضر قويدان وخلع عليه وأضاف إليه عسكرا [2] كثيرا ونفذ به إلى بلاد البقش وأقطعه [3] البلاد والقلاع ثم وصل الخبر بأن قويدان قد إنضاف الى سنقر الهمذاني واتفق معه فبعث
__________
[1] في الأصل: «مما يلي سور الطبرية» .
[2] في الأصل: «وخلع عليه وأعطاه عسكرا» .
[3] في الأصل: «إلى بلاد البقستاني، وأقطعه» .(18/125)
الخليفة مملوكا يقال له قيماز العمادي في جماعة يطلبونهما فهربا ثم انضافا إلى ملك شاه فأدركهم الجوع والوفر فهلك أكثرهم ثم خرج الخليفة في شعبان فبات في 61/ أداره/ بالحريم الطاهري ثم سار إلى دجيل فأقام بها أياما ثم عاد إلى بغداد وخرج يوم العيد الموكب بتجمل وزي لم ير مثله من الخيل والتجافيف والأعلام وكثرة الجند والأمراء.
وفي يوم الجمعة العشرين من شوال: وقع ببغداد مطر كان فيه برد مثل البيض وأكبر على صور مختلفة وفيه برد مضرس ودام ساعة وكسر أشياء كثيرة.
وفيها: غرق رجل بنتا له صغيرة، فأخذ وحبس.
قال المصنف: وحججت في هذه السنة فتكلمت في الحرم نوبتين، فلما دخلنا المدينة وزرنا قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل لنا: إن العرب قد قعدوا على الطريق يرصدون الحاج، فحملنا الدليل على طريق خيبر فرأيت فيها العجائب من الجبال وغيرها [1] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4223- أبو إسحاق بن المستظهر، أخو المقتفي لأمر الله
[2] .
توفي في نصف محرم وحمل إلى الترب بالرصافة ومضى معه الوزير وأرباب الدولة واغتم عليه المقتفي غما كثيرا وجلسوا للعزاء به في بيت النوبة يومين وخرج التوقيع بإقامتهم من العزاء ثم ماتت بعد يومين امه وهي جهة من جهات 61/ ب المستظهر/ وحملت إلى الترب ومضى معها الموكب سوى الوزير ودفنت عنده في التربة الجديدة التي أنشأها المقتفي.
4224- عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد الأصفهانيّ، أبو مسعود [3] الحافظ.
__________
[1] في ص، ط: «فرأيت فيها من الجبال وغيرها من العجائب» .
[2] في ت: «ابن المستظهر باللَّه» .
[3] في الأصل: «ابن عبد الواحد الاصفرناني» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 167) .(18/126)
كان واحد بلدته حفظا وعلما ونفعا وصحة عقيدة.
وتوفي بها في شعبان هذه السنة.
4225- عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق، أبو الوقت أبو عبد الله السجزي الاصل الهروي المنشأ
[1] .
ولد سنة ثمان وخمسين واربعمائة، وسمع أبا الحسن الداودي وأبا إِسْمَاعِيل الأنصاري وأبا عاصم الفضيلي وغيرهم حمله أبوه على عاتقه من هراة إلى فوسنج فسمعه صحيح البخاري ومسند الدارمي والمنتخب من مسند عبد بن حميد وحدثه عبد الله الأنصاري مدة وسافر إلى العراق وخوزستان والبصرة وقدم علينا بغداد فروى لنا هذه المذكورات وكان صبورا على القراءة وكان شيخنا صالحا على سمت السلف كثير الذكر والتعبد والتهجد والبكاء وعزم في هذه السنة على الحج فهيأ ما يحتاج إليه فمات.
وحدثني أبو عبد الله محمد بن الحسين التكريتي الصوفي قال أسندته إلي فمات فكان آخر كلمة قالها: يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي من الْمُكْرَمِينَ 36: 26- 27 [2] .
[ومات] [3] .
4226-/ نصر بن منصور بن الحسن بن أحمد بن عبد الخالق العطار، أبو القاسم 62/ أالحراني
[4] :
ولد بحران سنة أربع وثمانين فأوسع الله له في المال وكان يكثر فعل الخير ويتتبع الفقراء ويمشي بنفسه إليهم ويكسو العراة ويفك الأسراء كل ذلك من زكاة ماله وكان كثير التلاوة للقرآن محافظا على الجماعة وحدثني أبو محمد العكبري قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقلت: يا رسول الله امسح بيدك عيني فإنها تؤلمني فقال اذهب الى
__________
[1] في الأصل: «أبو عبد الله الشجري» . وفي ت: «ابن أبي عبد الله السجزيّ» .
وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 426، والبداية والنهاية 12/ 238، وشذرات الذهب 4/ 166) .
[2] سورة: يس، الآية: 26.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «العطار القباني أبو القاسم الحراني» .
وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 426، والبداية والنهاية 12/ 238، وشذرات الذهب 4/ 168) .(18/127)
نصر ابن العطار يمسح عينك قال فقلت في نفسي أترك رسول الله وأمضي إلى رجل من أبناء الدنيا فعاودته القول يا رسول الله امسح عيني بيدك فقال لي أما سمعت الحديث إن الصدقة لتقع في يد الله وهذا نصر [قد] [1] صافحته يد الحق فامض إليه قال فانتبهت فقصدته فلما رآني قام يتلقاني حافيا فقال الذي رأيته في المنام قد تقدم في حقك بشيء فقرأ على عيني الفاتحة والمعوذات فسكن الألم ووجدت العافية.
4227- يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد، أبو الفضل الحصكفي
[2] :
ولد بطنزة بعد الستين واربعمائة وهي بلدة من الجزيرة من ديار بكر ونشأ بحصن كيفا وانتقل الى ميافارقين وهو إمام فاضل في علوم شتى وكان يفتي ويقول الشعر اللطيف والرسائل المعجبة المليحة الصناعة وكان ينسب إلى الغلو في التشيع. ورد بغداد وقرأ شيئا من مقاماته وشعره على أبي زكريا التبريزي فكتب التبريزي على كتابه قرأ 62/ ب علي ما يدخل/ الأذن بلا إذن.
كتب إلى أبي محمد الحسن بن سلامة يعزيه عن أبيه أبي نصر:
لما نعى الناعي أبا نصر ... سدت على مطالع الصبر
وجرت دموع العين ساجمة ... منهلة كتتابع القطر
ولزمت قلبا كاد يلفظه ... صدري لفرقة ذلك الصدر
ولى فأضحى العصر في عطل ... منه وكان قلادة العصر
حفروا له قبرا وما علموا ... ما خلفوا في ذلك القبر
ما أفردوا في الترب وانصرفوا ... إلا فريد الناس والدهر
تطويه حفرته فينشره ... في كل وقت طيب النشر
يبديه لي حبا تذكره ... حتى أخاطبه وما أدري
تبا لدار كلها غصص ... تأتي الوصال بنية الهجر
تنسى مرارتها حلاوتها ... وتكر بعد العرف بالنكر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 426، والبداية والنهاية 12/ 238، وشذرات الذهب 4/ 168) .(18/128)
وله:
جد ففي جدك الكمال ... والهزل مثل اسمه هزال
فما تنال المراد حتى ... يكون معكوس ما تنال
ومن أشعاره الرقيقة:
أقوت مغانيهم فأقوى الجلد ... ربعان كل بعد سكن فدفد
أسأل عن قلبي وعن أحبابه ... ومنهم كل مقر بجحد
وهل تجيب أعظم بالية ... وأرسم خالية من ينشد
ليس بها إلا بقايا مهجة ... وذاك إلا حجر أو وتد
كأنني بين الطلول واقف ... أندبهن الأشعث المقلد
[صاح الغراب فكما تحملوا ... مشى بها كأنه مقيد
يحجل في آثارهم بعدهم ... بادي السمات أبقع وأسود
لبئس ما اعتاضت وكانت قبلها ... يرتع فيها ظبيات خرد] [1]
/ ليت المطايا للنوى ما خلقت ... ولا حدا من الحداة أحد 63/ أ
رغاؤها وحدوهم ما اجتمعا ... للصب إلا ونحاه الكمد
تقاسموا يوم الوداع كبدي ... فليس لي منذ تولوا كبد
على الجفون رحلوا وفي الحشا ... تقيلوا ودمع عيني وردوا
فأدمعي مسفوحة وكبدي ... مقروحة وعلتي ما تبرد [2]
وصبوتي دائمة ومقلتي ... دامية ونومها مشرد
تيمني منهم غزال أغيد ... يا حبذا ذاك الغزال الأغيد
حسامه مجرد وصرحه [3] ... ممرد وخده مورد
وصدغه فوق احمرار خده ... مبلبل معقرب مجعد
[كأنما نكهته وريقه ... مسك وخمر والثنايا برد] [4]
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «مقروحة وتلقى ما تبرد» .
[3] في الأصل: «حمنامة مجرد وصرحه» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ص، ط، وأوردناه من ت.(18/129)
يقعده عند القيام ردفه ... وفي الحشا منه المقيم المقعد
[له قوام لقضيب بانة ... يهتز قصدا ليس فيه أود] [1]
أيقنت لما أن حدا الحادي بهم ... ولم أمت أن فؤادي جلمد
كنت على القرب كئيبا مغرما ... صبا فما ظنك بي إذ بعدوا
هم الحياة أعرقوا أم أشأموا ... أم أيمنوا أم أتهموا أم أنجدوا
ليهنهم طيب الكرى فإنه ... حظهم وحظ عيني السهد
نعم تولوا بالفؤاد والكرى ... فأين صبري بعدهم والجلد
لولا الضنا جحدت وجدي بهم ... لكن نحولي بالغرام يشهد
ليس على المتلف غرم عندهم ... ولا على القاتل عمدا قود
هل أنصفوا إذ حكموا أم أسعفوا [2] ... من تيموا أم عطفوا فاقتصدوا
بل اصطفوا إذ حكوا واتلفوا [3] ... من هيموا وأخلفوا ما وعدوا
63/ ب/ وسائل عن حب أهل البيت هل ... أقر أعلانا به أم أجحد
هيهات ممزوج بلحمي ودمي ... حبهم وهو الهدى والرشد
حيدرة والحسنان بعده ... ثم علي وابنه محمد
جعفر الصادق وابن جعفر ... موسى ويتلوه علي السيد
أعنى الرضا ثم ابنه محمد ... ثم علي وابنه المسدد
الحسن التالي ويتلو تلوه [4] ... محمد بن الحسن المفتقد
فإنهم أئمتي وسادتي ... وإن لحاني معشر وفندوا [5]
أئمة أكرم بهم أئمة ... أسماؤهم مسرودة تطرد
هم حجج الله على عباده ... وهم إليه منهج ومقصد
هم في النهار صوم لربهم ... وفي الدياجي ركع وسجد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ص، ط، وأوردناه من ت.
[2] في الأصل: «إذا حكموا أن أنصفوا» .
[3] في ص، ط: «بل أنصفوا إذ حكموا وأتلفوا» .
[4] في الأصل: «الحسن الثاني ويتلوه تلوه» .
[5] في الأصل: «معشر وفيدوا» .(18/130)
قوم أتى في هل أتى مدحهم ... ما شك في ذلك إلا ملحد
قوم لهم فضل ومجد باذخ ... يعرفه المشرك ثم الملحد
قوم لهم في كل أرض مشهد ... لا بل لهم في كل قلب مشهد
قوم منى والمشعران لهم [1] ... والمروتان لهم والمسجد
قوم لهم مكة والأبطح و ... الخيف وجمع والبقيع الغرقد
ما صدق الناس ولا تصدقوا ... ما نسكوا وأفطروا وعيدوا
لولا رسول الله وهو جدهم ... وا حبذا الوالد ثم الولد
ومصرع الطف ولا أذكره ... ففي الحشا منه لهيب موقد
يرى الفرات ابن البتول طاميا ... يلقى الردى وابن الدعي يرد
حسبك يا هذا وحسب من بغى ... عليهم يوم المعاد الصمد
يا أهل بيت المصطفى يا عدتي ... ومن على حبهم أعتمد
/ أنتم إلى الله غدا وسيلتي ... وكيف أخشى وبكم اعتضد 64/ أ
وليكم في الخلد حي خالد ... والضد في نار لظى يخلد [2]
ولست أهواكم ببغض غيركم ... إني إذا أشقى بكم لا أسعد
فلا يظن رافضي أنني ... وافقته أو خارجي مفسد
محمد والخلفاء بعده ... أفضل خلق الله فيما أجد
هم أسسوا قواعد الدين لنا ... وهم بنوا أركانه وشيدوا
ومن يخن أحمد في أصحابه ... فخصمه يوم المعاد أحمد
هذا اعتقادي فالزموه تفلحوا ... هذا طريقي فاسلكوه تهتدوا [3]
والشافعي مذهبي مذهبه ... لأنه في قوله مؤيد
أتبعه في الأصل والفرع معا ... فليتبعني الطالب المسترشد
إني بإذن الله ناج سابق ... إذا ونى الظالم والمقتصد
__________
[1] في ص، ط: «قوم لهم والمشعران لهم» .
[2] في الأصل: «في نار لظى مخلد» .
[3] في الأصل: «فاسلكوه ترشدوا» .(18/131)
وله أيضا:
حنت فأذكت لوعتي حنينا ... أشكو من البين وتشكو البينا
قد عاث في اشخاصها طول السري ... بقدر ما عاث الفراق فينا
فخلها تمشي الهوينا طالما ... أضحت تباري الريح في البرينا
وكيف لا نأوي لها وهي التي ... بها قطعنا السهل والحزونا
ها قد وجدنا البر بحرا زاخرا ... فهل وجدنا غيرها سفينا
إن كن لا يفصحن بالشكوى لنا ... فهن بالإرزام يشتكينا
قد أقرحت بما تئن كبدي ... إن الحزين يرحم الحزينا
مذ عذبت لها دموعي لم تبت ... هيما عطاشا وترى المعينا
64/ ب/ وقد تياسرت بهن جائرا [1] ... عن الحمى [2] فاعدل بها يمينا
تحن أطلالا عفا آياتها ... تعاقب الأيام والسنينا
يقول صحبي أترى آثارهم ... نعم ولكن لا نرى القطينا
لو لم تجد ربوعهم كوجدنا ... للبين لم تبل كما بلينا
ما قدر الحي على سفك دمي ... لو لم تكن أسيافهم عيونا
أكلما لاح لعيني بارق [3] ... بكت فأبدت سرى المصونا
لا تأخذوا قلبي بذنب مقلتي ... وعاقبوا الخائن لا الأمينا
ما استترت بالورق الورقاء كي ... تصدق لما علت الغصونا
قد وكلت بكل باك شجوه ... تعينه إذ عدم المعينا
هذا بكاها والقرين حاضر ... فكيف من قد فارق القرينا
أقسمت ما الروض إذا ما بعثت ... أرجاؤه الخيري والنسرينا
وأدركت ثماره وعذبت ... أنهاره وأبدت المكنونا
وقابلته الشمس لما أشرقت ... وانقطعت افنانه [4] فنونا
__________
[1] في الأصل: «وقد تباشرت بهن جائرا» .
[2] في الأصل: «لقن الحمى» .
[3] في الأصل: «لاح لهن بارق» .
[4] في الأصل: «وقابلت أفنانه» .(18/132)
أذكى ولا أحلى ولا أشهى ولا ... أبهى ولا أوفي بعيني لينا
من نشرها وثغرها ووجهها ... وقدها فاستمع اليقينا
يا خائفا على أسباب العدى ... أما عرفت حصني الحصينا
إني جعلت في الخطوب موئلي ... محمدا والأنزع البطينا
أحببت ياسين وطاسين ومن ... يلوم في ياسين أو طاسينا
سر النجاة والمناجاة لمن ... أوى إلى الفلك وطور سينا
وظن بي الأعداء إذ مدحتهم ... ما لم أكن بمثله قمينا
يا ويحهم وما الذي يريبهم [1] ... مني حتى رجموا الظنونا
وكم مديح قدروا في رافد [2] ... فلم يجنوا ذلك الجنونا
وإنما أطلب رفدا باقيا ... يوم يكون غيري المغبونا
يا تائهين في أضاليل الهوى ... وعن سبيل الرشد ناكبينا
تجاهكم دار السلام فابتغوا ... في نهجها جبريلها الأمينا
لجوامعي الباب وقولوا حطة ... تغفر لنا الذنوب أجمعينا
ذروا العنا فإن أصحاب العبا [3] ... هم النبا إن شئتم التبيينا
ديني الولاء لست أبغي غيره ... دينا وحسبي بالولاء دينا
هما طريقان فأما شأمة ... أو فاليمين [فاسلكوا] [4] اليمينا
سجنكم سجين إن لم تتبعوا ... علينا دليل عليينا
وله أيضا:
إذا قل مالي لم تجدني ضارعا ... كثير الأسى مغرى بعض الأنامل
ولا بطرا إن جدد الله نعمة ... ولو أن ما آوى جميع الأنام لي
توفي الحصكفي في ربيع الأول من هذه السنة بميافارقين.
__________
[1] في الأصل: «يا ويحهم وما الّذي رابهم» .
[2] في ص: «وقد مديح قدروا في واحد» .
[3] في الأصل: «ذروا العنا ان أصحاب الهبا» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/133)
ثم دخلت سنة اربع وخمسين وخمسمائة
66/ ب فمن الحوادث فيها:
أن أمير المؤمنين أبل من مرض فضربت الطبول وفرقت الصدقات وذبح كل واحد من أرباب الدولة من البقر وفرقت الكسوة على الفقراء وعلق البلد أسبوعا.
[وصول ترشك الى بغداد]
وفي المحرم: وصل ترشك إلى بغداد فلم يشعر به إلا وقد ألقى نفسه تحت التاج 65/ ب/ عند كوخ المستخدمين معه سيف وكفن فبرز له الإذن بالمضي إلى الديوان فحضر عند الوزير فأنهى حضوره ووقع له بمال وإذن له في الدخول إلى الدار المعمورة من أي باب شاء.
ووصل في رسالة محمد شاه ومعه عدة رسل من أمراء الأطراف طلبا للمقاربة فلما نزلوا بشهر آبان أنفذ من دار الخلافة من استوقفهم هناك ولم يمكنوا من الوصول فأقاموا ثمانية عشر يوما ثم عادوا ولم تسمع رسالتهم.
[عودة الغز الى نيسابور]
وفي هذه السنة: عاد الغز الى نيسابور فنهبوها وكان بها ابن أخت سنجر فاندفع عنها الى جرجان.
[خروج الخليفة الى واسط]
وفيها: خرج الخليفة إلى واسط واجتاز بسوقها وأبصر جامعها ومضى إلى الغراف وزلت به فرسه في بعض الطريق فوقع إلى الأرض وشج جبينه بقبيعة سيف الركاب فانتاشه مملوك من مماليك الوزير فأعتقه الوزير وخلع عليه وحصل للطبيب ابن صفية مال لأنه خاط المكان وعاده.(18/134)
[وقوع برد عظيم]
وفيها: وقع برد عظيم فهلكت قرى، وذكر أنه كان في بعض البرد ما وزنه خمسة أرطال وأهلكت الغلة فلم يقدروا على علف.
وفي ثامن عشر ربيع الأول كثر المد بدجلة وخرق القورج واقبل إلى البلد فامتلأت الصحارى وخندق السور وأفسد الماء السور ففتح فيه فتحة يوم السبت تاسع عشر ربيع فوقع بعض السور عليها فسد بها ثم فتح الماء فتحة أخرى فأهملوها ظنا أنها تنفس عن السور لئلا يقع فغلب الماء وتعذر سده فغرق قراح ظفر والأجمة والمختارة والمقتدية ودرب القيار وخرابة ابن جردة والزيات/ وقراح القاضي وبعض القطيعة 66/ أوبعض باب الأزج وبعض المأمونية وقراح أبي الشحم وبعض قراح ابن رزين وبعض الظفرية ودب الماء تحت الارض إلى أماكن فوقعت.
قال المصنف: وخرجت من داري بدرب القيار يوم الأحد وقت الضحى فدخل إليها الماء وقت الظهر، فلما كانت العصر وقعت الدور كلها وأخذ الناس يعبرون إلى الجانب الغربي فبلغت المعبرة دنانير، ولم يكن يقدر عليها.
ثم نقص الماء يوم الاثنين وسدت الثلمة وتهدم السور وبقي الماء الذي في داخل البلد يدب في المحال إلى إن وصل بعض درب الشاكرية ودرب المطبخ، وجئت بعد يومين إلى درب القيار فما رأيت حائطا قائما، ولم يعرف أحد موضع داره إلا بالتخمين، وإنما الكل تلال فاستدللنا على دربنا بمنارة المسجد فانها لم تقع، وغرقت مقبرة الإمام أحمد وغيرها من الأماكن والمقابر وانخسفت القبور المبنية وخرج [الموتى على رأس] [1] الماء وأسكر المشهد والحربية، وكانت آية عجيبة، ثم ان الماء عاد [فزاد] [2] بعد عشرين يوما فنقض سد القورج فعمل فيه أياما.
وتنافر الوزير ونقيب النقباء في كلام فوقع بأن يلزم النقيب بيته ثم رضي عنه بعد ذلك واصطلحا.
[جمع ملك الروم الجمع العظيم]
وفي هذه السنة جمع ملك الروم جمعا عظيما، وقصد الشام وضاق بالمسلمين
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(18/135)
الأمر، ثم عاد الكفار خائبين، وغنم المسلمون وأسر ابن أخت ملكهم، وكان سبب عودهم ضيقة الميرة عليهم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4228- أحمد بن معالي، ابن بركة [1] الحربي.
تفقه على أبي الخطاب/ الكلواذاني وبرع في النظر.
قال المصنف: سمعت درسه مدة وكان قد انتقل إلى مذهب الشافعي ثم عاد إلى مذهب أحمد ووعظ.
وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب، وكان سبب موته أنه ركب دابة فانحنى في مضيق ليدخله فأتكأ بصدره إلى قربوس السرج فأثر فيه، وانضم إلى ذلك إسهال فضعفت القوة، وكان مدة يومين أو ثلاثة.
4229- أحمد [2] بن محمد بن عبد العزيز، أبو [جعفر] [3] العباسي المكي نقيب [4] مكة.
شيخ صالح ثقة سمع الكثير وتوفي في هذه السنة ودفن بالعطافية.
4230-[جعفر] [5] بن زيد بن جامع، أبو زيد الحموي.
[6] من أهل حماة بلدة من بلاد الشام [7] بين حمص وحلب قرأ القرآن وكان كثير الدراسة وسمع الحديث [8] من أبي الحسين ابن الطيوري وأبي طالب ابن يوسف وانقطع
__________
[1] في ت: «أحمد بن بركة الحربي» . وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 170) .
[2] في الأصل: «جعفر بن محمد»
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 170)
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 171) .
[7] في الأصل: «من بلاد الإسلام» .
[8] «الحديث» سقطت من ت، ص.(18/136)
عن مخالطة الناس متشاغلا بنفسه.
وتوفي في ليلة الأحد خامس عشر ذي الحجة من هذه السنة ودفن في صفة ملاصقة لمسجده في محلته المعروفة بقطفتا.
4231- الحسن بن جعفر، بن عبد الصمد بن المتوكل على الله، أبو علي.
[1] ولد سنة سبع وسبعين واربعمائة قرأ القرآن وكان يؤم في مسجد ابن العلثي [2] وسمع من ابن العلاف وابن الحصين وغيرهما وكان فيه لطف وظرف وسمع [3] سيرة المسترشد وسيرة المقتفي.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
4232- محمد شاه بن محمود
[4] .
طلب الخطبة والسلطنة [5] فلم يجب إليهما فجاء إلى بغداد فحاصرها على ما سبق ذكره ثم عاد.
وتوفي في ذي الحجة بباب همذان.
4233- يحيى بن نزار المنبجي
[6] .
كان فيه فضل وأدب ويقول الشعر/ وكان يحضر مجلسي ويدهشه كلامي وجد 67/ أفي أذنه ثقلا فخاف الطرش فاستدعى انسانا من الطرقية فامتص أذنه فخرج شيء من مخه فكان سبب موته.
توفي في ذي الحجة ودفن في تربتهم بالوردية.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 171)
[2] في ت: «ابن العلبي» .
[3] في ت: «وجمع» .
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 172. والبداية والنهاية 12/ 240. والكامل 9/ 434) .
[5] في ت: «طلب خطبة السلطنة» .
[6] انظر ترجمته في: (وفيات الأعيان 2/ 254. والأعلام 8/ 174. وإرشاد الأريب إلى معرفة الأدباء (معجم الأدباء) 7/ 293) .(18/137)
ثم دخلت سنة خمس وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[إفراج علي كوجك عن سليمان شاه بن محمد وخطب له بالسلطنة]
أن المسمى بعلي كوجك صاحب الموصل أفرج عن سليمان شاه بن محمد وخطب له بالسلطنة وسيره إلى همذان وتوجه ابن أخيه ملك شاه بن محمود إلى أصبهان طالبا للأجمة فمات بها.
وفي منتصف صفر: فوض تدريس جامع السلطان الى اليزدي مكان الشمس البغدادي.
[منع المحدثين من قراءة الحديث]
وفي هذه الأيام: منع المحدثون من قراءة الحديث في جامع القصر وسببه أن صبيانا من الجهلة قرءوا شيئا من أخبار [الصفات] [1] ثم اتبعوا ذلك بذم المتأولين وكتبوا على جزء من تصانيف أبي نعيم اللعن له والسب فبلغ ذلك استاذ الدار فمنعهم من القراءة.
[الإرجاف على الخليفة بالموت]
وفي يوم الجمعة سلخ صفر: أرجف على الخليفة بالموت فانزعج الناس وماج البلد وعدم الخبز من الأسواق ثم وقع إلى الوزير بعافيته وطابت قلوب الناس ووقعت البشائر [والخلع] [2] فلما كانت صبيحة الأحد ثاني ربيع الأول أصبحت أبواب الدار كلها [3] مغلقة إلى قريب الظهر واغلق باب النوبي وباب العامة فتحقق الناس الأمر وركب العسكر بالسلاح فلما كان قريب الظهر فتحت الأبواب ودعي الناس الى بيعة 67/ ب المستنجد باللَّه فأظهروا/ موت المقتفي.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «أبواب الدار بأسرها» .(18/138)
باب ذكر خلافة المستنجد باللَّه
واسمه: يوسف بن المقتفي ولد في ربيع الأول سنة ثمان عشرة وخمسمائة وبويع بعد موت أبيه المقتفي وقيل أنه أريد به سوء ليولي غيره فدفع عنه فبايعه أهله وأقاربه وأولهم عمه أبو طالب ثم أبو جعفر بن المقتفي وكان أكبر من المستنجد ثم بايعه الوزير وقاضي القضاة وأرباب الدولة والعلماء ثم خطب له يوم الجمعة على المنابر ونثرت الدنانير والدراهم.
قال المصنف رحمه الله: [1] وحدثني الوزير أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة قال: حدثني أمير المؤمنين المستنجد باللَّه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام منذ خمس عشرة سنة فقال لي: يبقى أثرك في الخلافة خمس عشرة سنة. فكان كما قال.
قال: ورأيته صلى الله عليه وسلم في المنام [2] قبل موت أبي بأربعة أشهر فدخل بي إلى باب كبير ثم ارتقى إلى رأس جبل وصلى بي ركعتين وألبسني قميصا ثم قال لي قل اللَّهمّ أهدني فيمن هديت وذكر دعاء القنوت. وذكر لي الوزير ابن هبيرة قال كان المستنجد قد بعث إلي مكتوبا مع خادم في حياة أبيه وكأنه أراد أن يسره عنه فأخذته وقبلته وقلت للخادم قل له والله ما يمكنني أن أقرأه ولا أن أجيب عنه. قال فأخذ ذلك في نفسه علي فلما ولي دخلت عليه/ فقلت يا أمير المؤمنين أكبر دليل في نصحي أني ما حابيتك نصحا لأمير المؤمنين 68/ أقال صدقت أنت الوزير فقلت إلى متى؟ فقال إلى الموت فقلت أحتاج والله إلى اليد الشريفة فاحلفته على ما ضمن لي.
__________
[1] «وقال المصنف رحمه الله» سقطت من ت.
[2] «من المنام» سقطت من ص، ت.(18/139)
وحكى أن الوزير خدم بعد ذلك بحمل كثير من خيل وسلاح وغلمان وطيب ودنانير فبعث أربعة عشر فرسا عرابا فيها فرس أبيض يزيد ثمنه على اربعمائة دينار وست بغلات مثمنة وعشرة من الغلمان الأتراك فيهم ثلاثة خدم وعشرة زريات وخوذ وعشرة تخوت من الثياب وسفط فيه عود وكافور وعنبر وسفط فيه دنانير فقبلت منه وطاب قلبه.
ولما بويع المستنجد أقر الوزير ابن هبيرة على الوزارة وأصحاب الولايات على ولاياتهم وأزال المكوس والضرائب وأمر بالجلوس لعزاء أبيه فتقدم إلي بالكلام في العزاء ووضع كرسي لطيف فتكلمت في بيت النوبة ثلاثة أيام وخرج في اليوم الثالث إلى الوزير توقيع نسخته: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156 [1] تسليما لأمر الله وقضائه فصبر الحكمة النافذ ومصابه في الإمام السعيد الذي عظم الله [2] مصابه واعتاض حلو العيش صابه وفت في عضد الإسلام وغدا به الدين واهي النظام ان الصبر عليه لبعيد وإن [3] الكمد عليه مع الأيام جديد لقد كان سكينة مغشية المراد [4] ورحمة منتشرة/ في العباد برا بهم رءوفا متحننا [عليهم] [5] عطوفا فجدد الله سبحانه لديه من كراماته الراجحة وتحياته الغادية الرائحة ما يحله بحبوحة جنانه وينيله مبتغاه من إحسانه ومع ما من الله عليه من استقرار الأمر في نصابه وحفظه على من هو أولى به فليس إلا التسليم إلى المقدور والتفويض إليه سبحانه في جميع الأمور فهو يوفي المثوبة والأجر والسعيد من كان عمله في دنياه لأخراه ورجوعه الى الله سبحانه في بدايته وعقباه والله تعالى يوفق أمير المؤمنين لما عاد برضاه وصلاح رعاياه ليعود النظام إلى اتساقه ونور الإمامة إلى إشراقه فانهض أنت إلى الديوان لتنفيذ المهام [6] ولتثق بشمول الإنعام ولتأمر الحاضرين بالانكفاء إلى الخدمات وليتقدم بضرب النوبة في أوقات الصلوات.
وكان الوزير في اليومين يجيء ماشيا فقدمت إليه فرسه في اليوم الثالث فركب وتقدم في هذا اليوم بالقبض على ابن المرخم الذي كان قاضيا وكان بئس الحاكم آخذ الرشى واستصفيت أمواله وأعيد منها على الناس ما ادعوا عليه وكان قد ضرب فلم يقر
__________
[1] سورة: البقرة الآية: 156.
[2] في ت، ص: «الّذي عظم مصابه» .
[3] «وأن» سقطت من ت، ص.
وفي ص: «والكبو عليه»
[4] في الأصل: «المزاد» .
[5] ما بين المعقوفتين سقطت من الأصل.
[6] في الأصل: «لتنفيذ المهمات» .(18/140)
فضرب ابنه فأقر بأموال كثيرة وأحرقت كتبه في الرحبة وكان منها كتاب الشفاء وإخوان الصفاء وحبس فمات في الحبس.
وأسقطت الضرائب وما كان ينسب إلى سوق/ الخيل والجمال والغنم والسمك 69/ أوالمدبغة والبيع في جميع أعمال العراق وأفرج عن جماعة كانوا مطالبين بأموال وقد تقدم أستاذ الدار فخلع عليه فجعل أمير حاجب وتقدم إلى الوزير بالقيام له.
وخلع المستنجد باللَّه عند انتهاء [1] شهر والده على أرباب الدولة وخلع علي خلعة وعلى عبد القادر وأبي النجيب وابن شقران وإذن لنا في الجلوس بجامع القصر وتكلمت في الجامع يوم السبت ثامن عشرين ربيع الآخر فكان يحزر جمع مجلسي على الدوام بعشرة آلاف وخمسة عشر ألفا.
وظهر أقوام [2] يتكلمون بالبدع ويتعصبون في المذاهب واعانني الله تعالى عليهم وكانت كلمتنا هي العليا. وأذن لرجل يقال له أبو جعفر بن سعيد ابن المشاط فجلس في الجامع فكان يسأل فيقال له الم ذلِكَ الْكِتابُ 2: 1- 2 [3] كلام الله؟ فيقول لا. ويقول في القصص هذا كلام موسى وهذا كلام النملة فأفسد عقائد الناس وخرج فمات عن قريب.
وفي جمادى الآخرة [4] : عزل قاضي القضاة أبو الحسن علي بن أحمد الدامغاني ورتب مكانه [عبد الواحد] [5] أبو جعفر الثقفي وخلع عليه وكتب له عهد وكان قد قيل لابن الدامغاني قم لابن الثقفي الصغير الذي ولي مكان ابن المرخم. فقال: ما جرت العادة أن يقوم قاضي القضاة لقاض. فقيل له قد قمت لابن المرخم فأنكر ذلك وشهد عليه العدول بأنه قام له فأخذوا ذلك عليه وعزل.
وأخذ رجل معلم يقال له أبو المعمر عبد الرزاق بن علي الخطيب كان يعلم الصبيان بالمأمونية فصار يخبر المقتفي، وتقدم الى حاجب/ الباب بسماع قوله فكان 69/ ب
__________
[1] في الأصل: «عند تمام شهر» .
[2] في الأصل: «وظهر قوم» .
[3] سورة: البقرة الآية: 1 و 2.
[4] في الأصل: «ومن يوم جمادى الآخرة» .
[5] ما بين المعقوفتين سقطت من الأصل.(18/141)
يخشى ويتقي وصار له شرف فلما توفي المقتفي كتب إلى المستنجد يلتمس ما كان يفعله في زمان أبيه فقال الخليفة هذا الذي كان يخبر؟ قالوا نعم، فأمر بالقبض عليه فأخذ وعوقب إلى أن سال دمه وجيء به إلى بيته ليلا ليدلهم على دفين فقال احفروا ها هنا وها هنا فحفروا فلم يجدوا شيئا فقال إنما قلت ذلك من حرارة الضرب وأعادوه إلى الحبس.
وفي هذه السنة: ولي ابن حمدون المقاطعات.
[القبض على ابن الفقيه بالمخزن]
وفيها: قبض على ابن الفقيه النائب بالمخزن وكان يشرف لولاية المخزن فقبض عليه صاحب المخزن وبذل ابن الصيقل الذي كان حاجب الباب أربعة آلاف دينار على أن يولى نقابة العباسيين فخوطب في ذلك نقيب النقباء فبذل خمسة آلاف فقبض على ابن الصيقل وطولب بما بذل فقرر عليه اثنا عشر ألفا فباع كل ما يملك.
وفي رمضان: حدثت حادثة عجيبة وذلك ان مغربيا [1] كان يلعب بالرمل ويحسب بالنجوم سكن حجرة في دربية سوق الأساكفة [2] ظهرها إلى دار ابن حمدون العارض [3] [فأظهر الزهادة] [4] فكان يخرج في الليل إلى الحارس فيقول افتح لي فقد لحقني احتلام، ثم نقب أصول الحيطان وفرق التراب في الغرف [5] حتى خرج إلى خزانة في الدار وفيها خزانة خشب ساج فنقل كل ما فيها من مال ومصاغ قوم ثلاثة آلاف دينار وخرج إلى الحارس فقال افتح لي وكان قد استعد ناقة ورفقة فخرج فركب وسار فما 70/ أعلم به حتى صار على فراسخ ثم أخذ مملوك لنضر بن القاسم التاجر/ وقالوا كان رفيق المغربي جيء به من رحبة الشام متهما بالعملة وبقتل المغربي [6] وقيل أنه ساعد المغربي على ذلك فلما خرج قتله وأخذ المال.
وفي أول شوال: اتفق العسكر بباب همذان على القبض على سليمان شاه وخطبوا لأرسلان بن طغرل وورد على كوجك إلى بغداد قاصدا للحج ووصل الى
__________
[1] في الأصل: «أن مغربي» .
[2] في الأصل: «في دربية الأسواق» .
[3] في الأصل: «ابن حمدون العائد» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «من الطرق» .
[6] «جيء به من رحبة الشام متهما بالعملة وبقتل المغربي» هذه العبارة ساقطة من ت، ص.(18/142)
الخدمة الشريفة وخلع عليه وحج في هذه السنة شير كوه صاحب الرحبة وغيرها من أعمال الشام وبث في الحرمين معروفا كثيرا ولم يفعل كوجك شيئا يذكر به على كثرة ماله.
وتوفي قاضي القضاة الثقفي فولي مكانه ابنه جعفر، وقدم [مركبان] [1] من كيش فيهما هدايا وتحف للخليفة منها عدة أفراس وعشرة أحمال من القنا الخطي وأنياب الفيلة وخشب الساج والصنوبر والآبنوس وسلال العود والببغ والجواري والمماليك.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
4234- عبد الواحد بن أحمد بن محمد بن حمزة [2] أبو جعفر الثقفي
[3] .
وكان قاضيا بالكوفة وسمع من أبي الغنائم وغيره وولاه المستنجد قضاء القضاة.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة [وقد ناهز الثمانين] [4] .
4235- الفائز صاحب مصر
[5] .
توفي في رجب هذه السنة وكان صبيا يدبر أمره أبو الغارات الصالح بن رزيك وأقيم مقامه صبي لقب بالعاضد/ وهو الذي انقرضت على يده دولة آل عبيد وعادت 70/ ب الخطبة بديار مصر لبني العباس وسوف نذكر ذلك عند وصولنا إليه [6] .
4236- قيماز الأرجواني [7] ، أمير الحاج بعد نظر.
دخل ميدان [دار] [8] الخلافة فلعب بالصولجان فشب فرسه من تحته ورمى به
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ت: «بن ضمرة» .
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 175. والبداية والنهاية 12/ 243) .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 174. والبداية والنهاية 12/ 242. والكامل 9/ 437، 438)
[6] العبارة من أول: «وهو الّذي انقرضت ... » حتى «عند وصولنا إليه» .
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 242. والكامل 9/ 443) .
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/143)
فوقع على أم راسه فانكسرت ترقوته وسال مخه من منخريه وأذنيه فمات ودفن [1] بمقبرة الشونيزي وتبعه الأكابر [2] وترحم الناس عليه وذلك في شعبان هذه السنة.
4237- محمد أبو عبد الله المقتفي باللَّه، أمير المؤمنين ابن المستظهر باللَّه
[3] .
مرض بالتراقي وقيل كان دمل في العنق، توفي ليلة الأحد في ربيع الأول من هذه السنة عن ست وستين سنة إلا ثمانية وعشرين يوما. ولي الخلافة اربعة وعشرين سنة وثلاثة أشهر وستة عشر يوما ودفن في الدار ثم أخرج إلى الترب.
[ومن العجب] [4] : انه وافق أباه المستظهر في علة التراقي وماتا جميعا في ربيع الأول وتقدم موت محمد شاه على موت المقتفي بثلاثة أشهر [وكذلك المستظهر مات قبله السلطان محمد بثلاثة أشهر] [5] ومات المقتفي بعد الغرق بسنة وكذلك القائم مات بعد الغرق بسنة.
قال عفيف الناسخ- وكان رجلا صالحا- رأيت في المنام قبل دخول سنة خمس وخمسين قائلا يقول إذا اجتمعت ثلاث خاءات كان آخر خلافته، قلت خلافة من؟ قال خلافة [المقتفي] [6] قلت: ما معنى اجتماع الخاءات؟ قال سنة خمس وخمسين وخمسمائة.
71/ أ
4238-/ محمد بن أحمد بن على بن الحسين، أبو المظفر ابن التريكي
[7] .
كان يخطب في الجمع والأعياد وكان حسن الصورة فاضلا.
توفي يوم الأربعاء خامس عشر ذي القعدة ودفن في تربة معروف الكرخي.
__________
[1] في الأصل: «ودفن لما من مقبرة» .
[2] في ص: «وتبعه الإمام»
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 172. والبداية والنهاية 12/ 241. والكامل 9/ 438) .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في ت: «ابن البزكي» .
وفي الشذرات: «بن النويلي» .
انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 175)(18/144)
4239- محمد بن يحيى بن علي بن مسلم، أبو عبد الله الزبيدي
[1] .
من أهل زبيد باليمن مولده على التقريب سنة ثمانين واربعمائة قدم بغداد سنة تسع وخمسمائة ووعظ وكان له معرفة بالنحو والأدب وكان صبورا على الفقر لا يشكو حاله.
قال المصنف رحمه الله حدثني البراندسي قال جلست مع الزبيدي من بكرة إلى قريب الظهر وهو يلوك شيئا في فمه فسألته فقال لم يكن لي شيء فأخذت نواة أتعلل بها. و [انه] [2] كان يقول الحق وان كان مرا ولا يراقب أحدا ولا تأخذه في الله لومة لائم وقد حكى لي أنه دخل على الوزير الزينبي وقد خلعت عليه خلع الوزارة والناس يهنئونه بالخلعة فقال هو هذا يوم عزاء لا يوم هناء. فقيل له، فقال: الهناء على لبس الحرير؟
وحدثني عبد الرحمن بن عيسى الفقيه قال: سمعت محمد بن يحيى الزبيدي يحكي عن نفسه قال: خرجت إلى المدينة على الوحدة فآواني الليل إلى جبل فصعدت عليه وناديت اللَّهمّ إني الليلة ضيفك، ثم نزلت فتواريت عند صخرة فسمعت مناديا ينادي مرحبا بك يا ضيف الله إنك مع طلوع/ الشمس تمر بقوم على بئر يأكلون خبزا 71/ ب وتمرا فإذا دعيت [3] فأجب فهذه ضيافتك قال فلما كان من الغد سرت فلما كان مع طلوع الشمس لاحت لي أهداف بئر فجئتها فوجدت عندها قوما يأكلون خبزا وتمر فدعوني إلى الأكل فأكلت.
توفي الزبيدي في ربيع الأول من هذه السنة ودفن قريبا من باب الشام [الغربي من بغداد] [4] .
4240- ملك شاه بن محمود [بن محمد بن ملك شاه]
[5] .
توفي في ربيع الأول بأصبهان.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 243. والكامل 9/ 443) .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «فإذا دعوك»
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
وفي ت: «من باب الشام بالجانب الغربي من هذه السنة» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 442) .(18/145)
ثم دخلت سنة ست وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[قطع خطبة سليمان شاه من المنابر]
أنه في يوم الجمعة سابع المحرم: قطعت خطبة سليمان شاه من المنابر في الجوامع وانتشر في هذه الأيام ذكر التسنن والترفض [1] حتى خشيت الفتنة وخرج الوزير يوم الجمعة رابع عشر المحرم بعد الصلاة من المخيم وخرج الخليفة صبيحة السبت وكان ركوبه في الماء وصعوده عند مسناة السور فركب هناك وخرجوا إلى الصيد.
وفي يوم الثلاثاء تاسع صفر: ولي ابن الثقفي قضاء القضاة مكان أبيه واستناب أخاه في الحكم وخرج التوقيع بإزالة المتعيشين الذين يجلسون [2] على الطرقات في رحبة الجامع وغيرها وبنقض الدكاك البارزة في الأسواق التي توجب الازدحام.
وفي يوم الجمعة ثالث ربيع الأول: انتقل الوزير ابن هبيرة من الدار التي [كان] [3] 72/ أيسكنها بجنب الديوان/ إلى دار ابن صدقة الوزير. [وحول قاضي القضاة ابن الدامغاني عن الدار التي سكنها بباب العامة] [4] فأسكنها الوزير ابنته فانتقل ابن الدامغانيّ الى مدرسة التتشي.
__________
[1] في الأصل: «والرفض» .
[2] في الأصل: «يقعدون» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/146)
[خروج الخليفة الى الصيد]
وفي صبيحة السبت ربيع الأول: خرج الخليفة إلى الصيد وليس معه إلا الخواص من الغلمان وعارض الجيش ابن حمدون.
وفي ليلة الأربعاء ثاني عشرين ربيع الأول: أخرج المقتفي من الدار في الزبزب والسفن حوله بالشمع الكبار والموكبيات وجمع أرباب الدولة معه إلى الترب وكان الماء جاريا [1] شديد الجريان فجرى له تخبيط كثير وصلوا إلى هناك بعد نصف الليل.
وفي يوم السبت ثامن عشر ربيع الأول: خرج الوزير من بيته [2] على عادته ليمضي إلى الديوان والغلمان بين يديه وهموا برد باب المدرسة التي بناها ابن طلحة فمنعهم الفقهاء وضربوهم بالآجر فهم أصحاب الوزير بضربهم وشهروا عليهم السيوف فمنعهم الوزير ومضى إلى الديوان ثم إن الفقهاء كتبوا قصة يشكون من غلمان الوزير فوقع عليها بضرب الفقهاء وتأديبهم ونفيهم من الدار فمضى أصحاب أستاذ الدار فعاقبوهم هناك ثم أدخلهم الوزير إليه واستحلهم وأعطى كل واحد دينارا وأعيدوا إلى المدرسة بعد أن غلقت أياما واختفى أبو طالب مدرسهم ثم ظهر بعد العفو.
وأرجف في هذه الأيام بأن عسكرا قد تعلق بالبندنيجين من التركمان وأن الخليفة يريد أن ينفذ هناك عسكرا/ يضمهم [3] إلى ترشك ويقاتلونهم فخرج جماعة من الأمراء 72/ ب في جيش كبير فاجتمعوا بترشك فلما حصل بينهم [وثبوا عليه] [4] فقتلوه واحتزوا رأسه وبعثوا به في مخلاة وإنما احتالوا عليه لأنهم دعوه فأبى أن يحضر وأضمر الغدر وقتل مملوكا للخليفة ودعا الوزير أولياء ذلك المقتول وقال ان أمير المؤمنين قد اقتص لابيكم من قاتله فشكروا.
[فتح المدرسة التي بناها ابن الشمحل]
وفي يوم الاثنين حادي عشر ربيع الآخر: فتحت المدرسة التي بناها ابن الشمحل في المأمونية وجلس فيها الشيخ أبو حكيم مدرسا وحضر جماعة من الفقهاء.
__________
[1] في ص: «زائدا» .
[2] في ص: «داره» .
[3] في الأصل هكذا: «يصبطلمهم» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/147)
وفي هذه الأيام: رخص السعر [1] فبيع اللحم أربعة أرطال بقيراط وكثر البيض فبيع مائة بيضة بقيراط والعسل كل من بطسوج والخوخ كل عشرة أرطال بحبة [ونصف] [2] .
وفي جمادى الآخرة: جلس ابو الخير القزويني في جامع القصر وتعصب له الأشاعرة.
[وفي ثاني عشر جمادى الآخرة: مات ابن نقيب العلويين الّذي كان قد تولى مكان أبيه لما مرض أبوه] [3] .
وفي هذه الأيام: غلظ على الناس في أمر الخراج وردت المقاطعات إلى الخراج فانطلقت الألسن باللوم للوزير لأنه كان عن رأيه.
وفي رمضان: عمل [4] الوزير طبق الإفطار على عادته ووصلت الأخبار إن جماعة من العسكر طلبوا العرب لأخذ الأعشار منهم فامتنعت العرب فأخذ العسكر ينهبون أموالهم فعطفوا عليهم فقتلوهم وأهلك الأمراء قيصر وبلال وبهلوان ومن نجا مات عطشا في البرية فكن إماء العرب يخرجن بالماء ليسقين الجرحى فإذا أحسسن بحي يطلب الماء أجهزن عليه وكثر البكاء على القتلى ببغداد وخرج الوزير وبقية العسكر في طلب العرب.
73/ أ/ وفي هذه الأيام: احتدت [5] شوكة [علاء الدين] [6] ابن الزينبي في أمر الحسبة فوكل بالطحانين وأخذ منهم الأموال وعزموا أن يكسروا علائق المتعيشين ويبيعوهم علائق من عندهم فمضى الناس واستغاثوا ومضى المجان إلى قبر ابن المرخم يخلقونه [7] وكتبوا عليه من رد مجوننا علينا فرفعت يد ابن الزينبي من الحسبة. وعاد الوزير من سفره بعد أن انطردت بنو خفاجة.
__________
[1] في ت: «رخص الشهر» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ت: «وفي رمضان على الوزير» .
[5] في الأصل: «أبيدت شوكة»
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في كافة النسخ هكذا.(18/148)
ووقعت حادثة عجيبة لأبي بكر ابن النقور وذلك أنه غمز به إلى الديوان أن في بيته وديعة فاستدعى فسئل عنها فأنكر وكان معذورا في الإنكار لانه لم يعلم بها إنما علم بها النسوة من أهله فوكل به ونفذ إلى بيته فأخذت الوديعة من عرضي داره كانت دنانير [في مسائن] [1] وكان القاضي يحيى وكيل مكة بعثها مع نسائه إلى النساء اللواتي في دار ابن النقور فسألنهن أن يعيروهن [2] عرضي الدار ليتركوا [3] فيه رحلا ويغلقن عليه ففعلن فدفن المال فأحست بذلك [4] جارية في البيت فنمت [5] وأهل البيت لا يعلمون وكان المال لبنت المنكوبرس الأمير.
[ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر [6]]
4241- إبراهيم بن دينار، أبو حكيم النهرواني
[7] .
ولد سنة ثمانين واربعمائة سمع من ابن ملة وابن الحصين وغيرهما الحديث الكثير وتفقه على أبي سعد بن حمزة صاحب أبي الخطاب/ الكلوذاني وقد رأى ابا 73/ ب الخطاب وسمع منه أيضا وكان عالما بالمذهب والخلاف والفرائض وقرأ عليه خلق كثير ونفع به وأعطى المدرسة التي بناها ابن الشمحل بالمأمونية وأعدت درسه فبقي نحو شهرين فيها [8] وسلمت بعده إلي فجلست فيها للتدريس وله مدرسة بباب الأزج كان مقيما بها فلما احتضر أسندها إلي وكان يضرب به المثل في التواضع وكان زاهدا عابدا كثير الصوم وقرأت عليه القرآن والمذهب والفرائض ورأيت بخطه على جزء له رأيت ليلة
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل،
[2] في ت: «يعيرونهن» .
[3] «ليتركوا» سقطت من ت.
[4] في ص: «فأحست به»
[5] في ت: «فهمت به» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ومكانه بياض.
[7] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 176) .
[8] في الأصل: «نحو شهرين فيها وتوفي» .(18/149)
الجمعة عاشر رجب سنة خمس وأربعين وخمسمائة فيما يرى النائم كأن شخصا في وسط داري قائما فقلت من أنت؟ فقال الخضر ثم قال:
تأهب للذي لا بد منه ... من الموت الموكل بالعباد
ثم على أنني أريد أن أقول له هل ذلك قريب؟ فقال قد بقي من عمرك اثنا عشرة سنة تمام سن أصحابك وعمري يومئذ خمس وسبعون. فكنت ارتقب صحة هذا ولا أفاوضه في ذكره لئلا أنعى إليه نفسه فمرض رحمه الله اثنين وعشرين يوما وتوفي يوم الثلاثاء بعد الظهر ثالث عشر جمادى الآخرة من سنة ست وخمسين وخمسمائة وكان مقتضى حساب منامه أن يبقى [1] له سنة فتأولت ذلك فقلت لعله دخول سنة لا تمامها أو 74/ ألعله رأى/ في آخر سنة.
ومات في أول الأخرى [2] أو لعلها من السنين الشمسية ودفن رحمه الله قريبا من بشر الحافي.
4242- حمزة بن علي بن طلحة، أبو الفتوح
[3] .
روى عن أبي القاسم ابن بيان وولي حجبة الباب ثم المخزن وكان قريبا من المسترشد وولي المقتفي وهو على ذلك ثم بنى مدرسة إلى [جانب] [4] داره ثم حج في تلك السنة ولبس القميص الفوط عند الكعبة وعاد متزهدا فأنشده أبو الحسين ابن الخل الشاعر:
يا عضد الإسلام يا من سمت ... إلى العلى همته الفاخره
كانت لك الدنيا فلم ترضها ... ملكا فأخلدت إلى الآخرة
وانقطع في بيته نحوا من عشرين سنة وكان محترما في زمان عزله يغشاه أرباب الدولة وغيرهم.
وتوفي في هذه السنة ودفن بتربة له في الحربية مقابلة لتربة أبي الحسن القزويني.
__________
[1] في ص، الأصل: «أن سمى له سنة» .
[2] في الأصل: «ولعله رأى في أول سنة ومات في آخر الأخرى» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 245. والكامل 9/ 454) .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/150)
4243- محمد بن أحمد بن محمد، أبو طاهر الكرخي [1] [القاضي]
[2] .
ولي قضاء باب الأزج وقضاء واسط وقضاء الحريم وقد ولي في زمن خمسة خلفاء المستظهر والمسترشد والراشد والمقتفي والمستنجد وهو الذي حكم بفسخ ولاية الراشد.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة.
4244- أبو جعفر بن المقتفي.
توفي يوم الأحد ثاني عشر/ ربيع الأول ومضى معه الوزير وأرباب الدولة الى 74/ ب الترب.
__________
[1] هذه الترجمة من ت مكانها بعد الترجمة التالية.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/151)
ثم دخلت سنة سبع وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[وصول الحاج الى مكة]
أن الحاج وصلوا إلى مكة فلم يدخل أكثرهم لفتن جرت وإنما دخلت شرذمة يوم العيد فحجوا ورجع الأكثرون إلى بلادهم ولم يحجوا وخرج الخليفة إلى الصيد على طريق واسط. وادعت امرأة أن ابن النظام الفقيه مدرس النظامية تزوجها فجحد [1] وحلف ثم قرر فأقر فافتضح وعزل من التدريس ووكل به وكان قد عقد بينهما فقيه يقال له الأشتري فأخذ وصفع على باب النوبي.
[ترافق رجل من أهل الحربية]
وفي ربيع الآخر: ترافق رجل من أهل الحربية وصبي في الطريق فقتله الصبي بسبب شيء من الذهب كان معه ودخل إلى الحربية فانذر به وقال قد قتل هنا قتيل فأخذوه وقالوا أنت كنت معه فجيء به في الباب فاعترف بالقتل فقتل.
وقبض على ابن الشمحل وحبس عند أستاذ الدار وقبض على زوجته بنت صاحب المخزن ابن طلحة ونقل ما في داره.
[حريق في سوق الطيوريين]
وفي جمادى الآخرة: وقع حريق عظيم احترق منه سوق الطيوريين والدور التي تليه مقابله إلى سوق الصفر الجديد والخان الذي في الرحبة ودكاكين البزوريين وغيرها 75/ أواحترق فيها رجل شيخ/ لم يستطع النهوض واحترقت طيور كثيرة وكانت في أقفاص.
وفي رجب جلس يوسف الدمشقي في النظامية مدرسا وخلع عليه وحضر عنده جماعة من الأعيان.
__________
[1] في، الأصل: «تزوجها بحجة» وما أثبتناه ما في ت.(18/152)
[تكامل عمارة المدرسة بباب البصرة]
وفي هذه السنة: تكاملت [عمارة] المدرسة [التي بناها] [1] الوزير بباب البصرة وأقام فيها الفقهاء ورتب لهم الجراية وكان مدرسهم أبو الحسن البراندسي، وفيها أعني المدرسة دفن الوزير، وحكى أبو الفرج بن الحسين الحداد قال جرت لابن فضلان الفقيه قصة عجيبة وهو أنه اتهم بقتل امرأة فأخذ واعتقل بباب النوبي أياما وذلك أنه دخل على أخت له قد خطبت وما تمت عدتها من زوج كان لها فمات فضربها فثارت إليه امرأة كانت عندهم في الدار لتخلصها منه فرفسها [برجله] [2] ولكمها بيده فوقعت المرأة مغشية عليها ثم خرجت فوقعت في الطريق فأدخلت إلى رباط وسئلت عن حالها فأخبرتهم الخبر فحملت إلى بيت أهلها فماتت [في الحال] [3] فكتب أهلها إلى الخليفة فتقدم بأخذه فأنكر فلم يكن لهم بينة فحلف وخرج.
وهذه القصة إذا صحت فقد وجبت عليه الدية مغلظة في ماله لأنه شبه عمد ويجب عليه كفارة القتل بلا خلاف.
وفي رجب: جمع الوكلاء والمحضرون والشهود كلهم عند حاجب الباب وشرط عليهم أن لا يتبرطلوا من أحد ولا يأخذ الشروطي في كتب البراءة أكثر من حبتين ولا المحضر أكثر من حبة ولا الوكيل أكثر من قيراطين وأشهدوا عليهم الشهود بذلك وسببه جناية جرت بينهم في ترويج كتاب.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
75/ ب
4245- سعد الله بن محمد بن علي بن أحمدي [4] ، أبو البركات
[5] .
سمع أبا الخطاب الكلوذاني وأبا عبد الله بن طلحة وأبا بكر [6] الشاشي [وكان
__________
[1] في الأصل: تكاملت مدرسة الوزير» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ت: «بن علي بن علي بن حمدي، أبو البركات» .
[5] في ت: «الكلواداني» .
[6] في الأصل: «وأبا عبد الله»(18/153)
خيرا] [1] وسمعت عليه كتاب السنة للالكائي عن الطريثيثي عنه.
توفي في شعبان هذه السنة ودفن بباب حرب.
4246- شجاع الفقيه الحنفي
[2] .
كان مدرسا في مشهد أبي حنيفة جيد الكلام في النظر قرأ عليه جماعة مذهب أبي حنيفة.
توفي في يوم الخميس حادي عشرين ذي القعدة من هذه السنة ودفن مما يلي قبر أبي حنيفة من خارج المشهد.
4247- صدقة بن وزير الواسطي
[3] .
دخل بغداد ولبس الصوف ولازم التقشف زائدًا في الحد ووعظ وكان يصعد المنبر وليس عليه فرش فأخذ قلوب العوام بثلاثة أشياء أحدها التقشف الخارج والثاني التمشعر فإنه كان يميل إلى مذهب الأشعري والثالث الترفض فإنه كان يتكلم في ذلك وبلغني أنه لما مرض كان يحضر الطبيب ليلا لئلا يقال عنه يتداوى وكان إذا أتاه فتوح يقول أنا لا آخذ إنما سلموه إلى أصحابي فتم له ما أراد وبنى رباطا واجتمع في رباطه جماعة.
فمرض ومات يوم الخميس ثامن ذي القعدة وصلى عليه في ميدان داخل السور ودفن في رباطه بقراح القاضي وبنى يزدن في رباطه منارة وتعصب لهم لأجل ما كان يميل إليه من التشيع فصار رباطه مقصودا [4] بالفتوح وفيه دفن.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وكتبت قبل تاريخ وفاة صاحب الترجمة.
[2] انظر ترجمته من: (البداية والنهاية 12/ 245) .
[3] انظر ترجمته من: (البداية والنهاية 12/ 245. والكامل 9/ 459) .
[4] في ت: «مقصورا» .(18/154)
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وخمسمائة
76/ أفمن الحوادث فيها:
[وصول الاخبار عن الحاج بأمر مزعج]
أنه في يوم الخميس عشرين المحرم وصلت الأخبار عن الحاج بأمر مزعج من منعهم دخول مكة والطواف لفتنة وقعت هناك وانكشف الأمر بان جماعة من عبيد مكة عاثوا في الحاج فنفر عليهم جماعة من أصحاب أمير الحاج فقتلوا منهم جماعة فرجعوا إلى مكة وجمعوا جمعا وأغاروا على جمال فأخذوا منها قريبا من ألف جمل فنادى أمير الحاج في الأتراك فركبوا وتسلحوا ووقع القتال بينهم فقتل جماعة ونهب جماعة [1] من أهل العراق وأهل مكة وجمع الأمير الحاج ورجع ولم يدخل [بهم إلى] [2] مكة خوفا عليهم فلم يقدروا من الحج إلا على الوقوف بعرفه ودخل الخادم ومعه الكسوة فعلق أستار الكعبة وبعث أمير مكة إلى أمير الحاج يستعطفه ليرجع فلم يفعل ثم جاء أهل مكة بخرق الدم فضربت لهم الطبول ليعلم أنهم أطاعوا.
وفي ربيع الأول: قبض على صاحب الديوان ابن جعفر وحمل إلى دار أستاذ الدار ووكل به وجعل ابن حمدون صاحب الديوان.
وفي بكرة السبت سابع عشر ربيع الأول: خرج الخليفة إلى ناحية الخالص وتشارف البلد ورخصت المواشي والأسعار رخصا كثيرا.
__________
[1] «ونهب جماعة» سقطت من ت، ص.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/155)
وفي جمادى الآخرة: خلع على ابن الأبقي خلع النقابة وذلك بعد وفاة أبيه.
76/ ب وفي شعبان بني كشك بالحطمية للخليفة وكشك للوزير وانفق عليهما/ مال عظيم وخرج الخليفة إليه في شعبان وكان الخليفة والوزير وأصحابهما يصلون بجامع الرصافة الجمعة مدة مقامهم في الكشك. ووقع حريق عظيم من باب درب فراشة إلى مشرعة الصباغين من الجانبين.
وفي تاسع عشر ذي القعدة: خرج الخليفة إلى ناحية بدار الروز [1] متصيدا ومعه أرباب الدولة وعاد عشية الاثنين سابع عشر هذا الشهر.
وفي عشية الأحد حادي عشر ذي الحجة: قبض على ابن الأبقى الذي جعل نقيب النقباء وحمل إلى دار أستاذ الدار ثم حمل إلى التاج مقيدا وذكر أن السبب انه كاتب منكوبرس [2] يحذره من المجيء إلى بغداد ويخوفه على نفسه.
وكانت بنو خفاجة في هذه الأيام تأخذ القوافل في باب الحربية وكثر العيث في الأطراف وفوض إلى حاجب الباب النظر في محلة باب البصرة فرتب فيها أصحابه وإنما كان أمر هذه المحلة إلى النقيب.
وخرج تشرين الأول والثاني بغير مطر إلا ما يبل الأرض.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4248- طلحة بن علي، أبو أحمد الزينبي نقيب النقباء
[3] .
تولى النقابة وناب في الوزارة وحضر مجلسي مرارا. خرج يوما من الديوان معافي فبات في منزله فمات فذكر أنه أكل لبا وأزرا وجمارا ودخل الحمام فعرضت له سكتة 77/ أفتوفي في ليلة الاثنين خامس ربيع الأول/ وصلى عليه بجامع القصر ودفن بمقبرة الشهداء من باب حرب.
__________
[1] «إلى ناحية بدار الروز» سقطت من ت، ص.
[2] في الأصل: «المتكيرس» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 247) .(18/156)
4249- محمد بن عبد الله [بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد] [1] ، أبو عبد الله بن أبي الفتح البيضاوي القاضي.
سمع الحديث علي ابن الطيوري وغيره، قرأت عليه أشياء من مسموعاته وتوفي في شوال هذه السنة.
4250- محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم، أبو عبد الله [2] بن الأنباري، الملقب: بسديد الدولة، كاتب الإنشاء
[3] .
كان شيخا مليح الشيبة ظريف الصورة فيه فضل وأدب وانفرد بإنشاء المكاتبات وبعث رسولا إلى سنجر وغيره من السلاطين وخدم الخلفاء والسلاطين من سنة ثلاث وخمسمائة وعمر حتى قارب التسعين.
ثم توفي يوم الاثنين تاسع عشر رجب وصلى عليه يوم الثلاثاء بجامع القصر وحضر الوزير وغيره من أرباب الدولة ودفن بمشهد باب التبن.
4251- هبة الله بن الفضل بن عبد العزيز بن محمد بن الحسين بن علي بن أحمد بن الفضل، أبو القاسم المتوثي القطان
[4] .
سمع الحديث من أبيه وأبي الفضل بن خيرون وأبي طاهر الباقلاوي وكان شاعرا مطبوعا لكنه كان كثير الهجاء متفسحا، وله في أول قصيدة.
يا أخي الشرط أملك ... لست للثلب أترك
ولما ولي ابن المرخم القضاء وكان قاضيا ظالما. قال ابن الفضل:
يا حزينة الطمي الطمي ... قد ولي ابن المرخم
/ بدواته المفضضة ... ووكيله المكعسم 77/ ب
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.
[2] في ت: «أبو عبد الأنباري» .
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 184. والبداية والنهاية 12/ 247. والكامل 9/ 464) .
[4] انظر ترجمته في: (وفيات الأعيان 2/ 186. وفوات الوفيات 2/ 314. ومفتاح السعادة 1/ 174.
وأخبار الدولة السلجوقية 120. ولسان الميزان 6/ 189. ومرآة الجنان 3/ 315. ومرآة الزمان 8/ 187. والأعلام 8/ 75) .(18/157)
وي على الشرع والقضا ... وي على كل مسلم
أترى صاحب الشريعة ... قد جن أو عمي
ومن شعره اللطيف دو بيت:
يا من هجرت فما تبالي ... هل ترجع دولة الوصال
ما أطمع يا عذاب قلبي ... أن ينعم في هواك بالي
ما ضرك أن تعلليني ... في الوصل بموعد محال
أهواك وأنت حظ غيري ... يا قاتلتي فما احتيالي
أيام عناي فيك سود ... ما أشبههن بالليالي
العذّل فيك يزجروني ... عن حبك ما لهم وما لي
يا ملزمي السلو عنها ... الصب أنا وأنت سالي
والقول بتركها صواب ... ما أحسنه لو استوى لي
في طاعتها بلا اختياري ... قد صح بعشقها اختبالي
طلقت تجلدي ثلاثا ... والصبوة بعد في حبالي
ذا الحكم علي من قضاه ... من أرخصني لكل غالي
توفي ابن الفضل يوم السبت ثامن عشر رمضان، ودفن بمقبرة معروف الكرخي.(18/158)
ثم دخلت سنة تسع وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
/ أنه في يوم الجمعة حادي عشر من المحرم جيء بصبي صغير مقتولا ومعه صبي 78/ أآخر فأقر أنه قتله بمنجل كان معه بسبب حلقة أخذها من أذنه فأخذت منه الحلقة وقتل.
ودخل كانون الثاني في صفر ولم أر كانونا أدفأ منه. وفي يوم الأحد رابع عشر صفر شهر جماعة من الحصريين كتبوا أسماء الأئمة الاثني عشر على الحصر شهرهم المحتسب بتقدم الوزير.
وفي يوم الأحد خامس ربيع الآخر: أملك يوسف الدمشقي بابنة قاضي القضاة جعفر بن عبد الواحد الثقفي بصداق مبلغه سبعمائة دينار ولم يكن في هذه السنة للناس [1] ربيع بسبب اليبس المتقدم لعدم المطر وموت المواشي.
وفي جمادى: اجتمع جماعة يسمعون كتاب ابن منده في فضائل أحمد بن حنبل في مسجد ابن شافع فجرى بين ابن الخشاب وبين أبي المحاسن الدمشقي منازعة في أمر يتعلق بالفقهاء فآل الأمر إلى خصام فوشى بهم الدمشقي إلى الخليفة وانهم يقرءون [2] كتابا فيه معايب الخلفاء فتقدم بأخذ الكتاب من أيديهم.
وفي شوال: عملت دعوة في الدار الجديدة التي بناها المستنجد بباب الغربة
__________
[1] في الأصل: «ولم يكن للناس في هذه السنة ربيع» .
[2] في الأصل: «يقولون» .(18/159)
78/ ب وحضر أرباب الدولة ومشايخ/ الصوفية وبات قوم على السماع وتقدم بقتل تسعة من اللصوص فأخرجوا من الحبس فقتلوا واحد بباب الأزج وآخر بالحبة وآخر بباب الغلة وآخر باللكافين وأربعة على عقد سوق السلطان وواحد بسوق السلطان وشهرت امرأة تزوجت بزوجين ومعها أحدهما.
وورد البشير إلى المستنجد بفتح مصر، فقال حاجب الوزير ابن تركان قصيدة أولها:
لعل حداة العيس أن يتوقفوا ... ليشفي غليلا بالمدامع مدنف
وفيها:
ليهنك يا مولى الأنام بشارة ... بها سيف دين الله بالحق مرهف
ضربت به هام الأعادي بهمة ... تقاصر عنها السمهري المثقف
بعثت إلى شرق البلاد وغربها ... بعوثا من الآراء تحيي وتتلف
فقامت مقام السيف والسيف قاطر ... ونابت مناب الرمح والرمح يرعف
وقدت لها جيشا من الروع هائلا ... إلى كل قلب من عداتك يزحف
/ ليهنك يا مولاي فتح تتابعت ... إليك به خوص الركائب توجف
79/ أأخذت به مصرا وقد حال دونها ... من الشرك ناس في لحي الحق تقذف
فعادت بحمد الله باسم إمامنا ... تتيه على كل البلاد وتشرف
ولا غرو إن ذلت ليوسف مصره ... وكانت إلى عليائه تشوّف [1]
تملكها من قبضة الكفر يوسف ... وخلصها من عصبة الرفض يوسف
فشابهه خلقا وخلقا وعفة ... وكل عن الرحمن في الأرض يخلف
كشفت بها عن آل هاشم سبة ... وعارا أبى إلا بسيفك يكشف
ثم تكامل الأمر بعد تسع سنين على ما نذكره في خلافة المستضيء بأمر الله.
__________
[1] هذا البيت ساقط من ت، ص.(18/160)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4252- محمد بن علي بن منصور، أبو جعفر الأصفهاني، ويلقب: بالجمال الموصلي
[1] .
كان وزيرا لصاحب الموصل فكان كثير المعروف دائم الصدقات وآثر إثارة عظيمة بمكة والمدينة فأحكم أبواب الحرم/ وبنى لها عتبا عالية وأجرى عينا إلى عرفات وبنى 79/ ب للمدرسة سوارا وكانت صدقته تصل كل سنة إلى أهل بغداد فيعم بها الفقهاء والزهاد والمتصوفة ولا يخيب من يقصده بحال إلا أن تلك الأموال فيما يذكر غالبها [2] من المكوس.
ووصل الخبر بموت الجمال في رمضان هذه السنة وقدر الله له أنه قدم بجنازته إلى بغداد وصلى عليه في الشونيزية ثم حملت إلى مكة فطيف بها ثم إلى المدينة ودفن في الرباط الذي عمره بين قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين البقيع فليس بينه وبين قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أذرع [3] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 185. والبداية والنهاية 12/ 248، 249. والكامل 9/ 470، 471، 472، 473) .
[2] في ص، ت: «أكثرها» .
[3] في متن الأصل كلام هو من كلام الناسخ وليس من كلام ابن الجوزي، ونصه: «قال- يعني الناسخ- وكتبت في بعض تواريخ المتأخرين أن محمدا هذا لقب بالجواد إلا أن هذا ابن الجوزي كان في عصره فيحتمل أن يكون هذا أصح والله أعلم بالصواب» .(18/161)
ثم دخلت سنة ستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[وصول صاحب المخزن إلى بغداد]
أنه وصل إلى بغداد في المحرم صاحب المخزن أبو جعفر وقد فارق الحاج بالرحبة [1] فأخبر أنهم لقوا شدة وأخبر أن جماعة انقطعوا في فيد والثعلبية وواقصة وهلك 80/ أخلق كثير في البرية لتعذر الظهر/ ولم يصح للحاج المضي إلى المدينة لهذه الأسباب وللقحط الذي بنا وأن الوباء وقع في البادية فهلك منهم خلق كثير وهلكت مواشيهم وأن الأسعار بمكة ضيقة جدا وقدم مع الحاج فخر الدين بن المطلب. فمنع من دخول الحريم وذكر أن السبب أنه طلب موضع له يشتري للخليفة فتكلم بكلام لا يصلح فقبض على عقاراته وغضب عليه فأقام في رباط الزوزني أياما ثم مضى إلى الدور مستجيرا بالوزير ليصلح حاله مع الخليفة.
قال المصنف فحدثني أخو الوزير قال كتب إلى الوزير أن أحسن ضيافته ثلاثا ثم آمره أن يخرج ففعلت فخرج فأقام بمشهد علي عليه السلام.
[خروج المستنجد باللَّه إلى نهر الملك]
وفي صفر: خرج المستنجد باللَّه إلى نهر الملك للتصيد وقبض في طريقه على توبة البدوي ويقال انه واطأ عسكر [2] همذان على الخروج والعصيان وكان ضاربا بحلته على الفرات وقيد وأدخل بغداد في الليل وحبس [3] ثم ذكر أنه قتل وكان الناس يشيرون
__________
[1] في الأصل: «وقد فارق الحج بالرخيص» .
[2] في الأصل: «أنه واطأ أهل همذان» .
[3] في الأصل: «وقيد» .(18/162)
إلى بعض الأكابر أنه أشار بالقبض عليه وبقتله فما عاش ذلك المشار إليه بعده أكثر من أربعة أشهر.
وفي عيد الأضحى: ولدت امرأة من درب بهروز يقال لها بنت أبي الاعز الأهوازي الجوهري [1] أربع بنات وماتت معها بنت أخرى وماتت المرأة ولم يسمع بمثل هذا.
وحكى أبو الفرج بن الحسين الحداد أن/ البراج وكان ناظرا في وقف النظامية 80/ ب وكان ابن الرميلي [2] مشرفا عليه والمدرس يوسف الدمشقي فاتفق ابن البراج وابن الرميلي [3] على أن يكتبا كتابا على لسان ألدكز إلى يوسف الدمشقي يتضمن أنه من بطانتهم وأنه يشعرهم بما يتجدد في بغداد من الأمور وأن يشكره على ما يصل إليهم منه عولا على أن يدخلا على يوسف إلى بيته ويسلما عليه ويضعا الكتاب عند مسنده بحيث لا يشعر ثم يخرجا من فورهما إلى الديوان فيعلما الوزير بذلك فانفرد ابن الرميلي [4] على ابن البراج ودخل إلى حاجب الباب فأعلمه بذلك فمضى حاجب الباب إلى الوزير فحدثه فاستدعى ابن الرميلي فسئل عن ذلك فأنكر فأكذبه حاجب الباب واستخف به فقال ابن الرميلي [5] إنما [6] ابن البراج هو الذي يريد أن يفعل ذلك فاستدعي ابن البراج فأنكر وأحال على ابن الرميلي [7] وحلف بالطلاق الثلاث أنه ما عنده خبر من هذا وقذف ابن الرميلي [8] بالفسق واستبا جميعا فقال لهما الوزير قوما قبحكما الله فخرجا مفتضحين ونجا يوسف.
وعملت الدعوة في دار الخلافة يوم الثلاثاء ثامن عشرين جمادى الآخرة وحضر أرباب الدولة والصوفية على عادتهم وخلع عليهم وفرق عليهم مال.
__________
[1] في الأصل: «الجريدي» .
[2] في الأصل: «البرسقي» .
[3] في الأصل: «البرسقي» .
[4] في الأصل: «ابن الموصلي» .
[5] في الأصل: «ابن الموصلي» .
[6] «إنما» سقطت من ت، ص.
[7] في الأصل: «الموصلي» .
[8] في الأصل: «الموصلي» .(18/163)
81/ أوفي رجب: نقص اليزدي عن مشاهرته التي كانت/ بسبب التدريس بجامع السلطان وكان مبلغها عشرة دنانير فكتب أقوام يقولون نحن نقنع بثلاثة فقيل لهم هو أحق بهذا فقنع بذلك ودرس ورضي بذلك القدر.
وتوفي الوزير فقبض على ولديه وأخذ حاجبه ابن تركان فحبس في دار أستاذ الدار وقدم رجل مغربي فنصب جذعا طويلا ووقف على رأسه يعالج فحاكاه صبي عجان وطاف [1] العجان البلاد فقدم وقد اكتسب الأموال والجواري [2] والخدم فنصب جذعين طويلين شد احدهما إلى الآخر وصعد ورقص على كرة معه بحبال وحمل جرة ماء على رأسه ولبس سراويله هنا ورمى نفسه واستقبلها بحبل مشدود فحصل له مبلغ.
وفي ذي القعدة: وقع الحريق في السوق الجديد من درب فراشة إلى مشرعة الصباغين من الجانبين فذهب في ساعة حتى لم يبق للخشب الذي في الحيطان أثر.
وفي ذي الحجة: وقع حريق في الحضائر والدور التي تليها وتفاقم الأمر. ورخص السكر في هذه السنة والنبات فكان ينادي على السكر قيراط وحبة رطل وعلى النبات نصف رطل بقيراط وحبة وحبة وهذا شيء لم يعهد.
ذكر من توفي في هذه من الأكابر
81/ ب
4253-/ عمر بن بهليقا الطحان
[3] .
عمر جامع العقبة بالجانب الغربي، وكان مسجدا لطيفا فاشترى ما حوله وأوسعه وسمت همته حتى استأذن أن يجعله جامعا فأذن له، إلا أن أكثر المواضع التي اشتراها كانت تربا فيها موتى فأخرجوا وبيعت، وكان المسجد الأول، مما يلي الباب والمنارة.
وتوفي في يوم الاثنين ثامن عشر ذي القعدة من هذه السنة، ودفن على باب
__________
[1] في ص: «وسافر» .
[2] في الأصل: «الجوائزي» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 249) .(18/164)
الجامع بعيدا من حائطه، ثم نبش بعد أيام وأخرج فدفن ملاصقا لحائط الجامع ليشتهر ذكره بأنه بني الجامع فتعجب من هذا بعض من له فطنة، وقال: هذا رجل سعى في نبش خلق من الموتى وأخرجهم وجعل تربتهم مسجدا فقضى عليه بأن نبش بعد دفنه.
4254- محمد بن عبد الله بن العباس بن عبد الحميد، أبو عبد الله الحراني
[1] .
ولد في سنة أربع وثمانين وأربعمائة، وشهد عند أبى الحسن الدامغاني في سنة أربع وخمسمائة، زكاه أبو سعد المخرمي وأبو الخطاب الكلوذاني وعاش حتى لم يبق من شهود الدامغاني غيره وسمع الحديث الكثير من طراد والتميمي وأبي الحسن بن عبد الرزاق الأنصاري وكان لطيفا ظريفا وجمع كتابا سماه «روضة الأدباء» فيه نتف حسنة وسمعت منه أشياء ولي منه إجازة وزرته يوما فأطلت الجلوس عنده فقلت/ قد ثقلت 82/ أفأنشدني:
لأن سميت إبراما وثقلا ... زيارات رفعت بهن قدري
فما أبرمت إلا حبل ودي ... ولا ثقلت إلا ظهر شكري
توفي ابن الحراني يوم السبت ثالث عشر جمادى الآخرة من هذه السنة وتقدم الوزير بفتح الجامع للصلاة عليه في بكرة الأحد فصلى عليه يوم الأحد ودفن بمقبرة الفيل من باب الأزج.
4255- محمد بن محمد بن الحسين، أبو يعلى ابن الفراء
[2] .
ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة وسمع الحديث من أبيه وعمه وابن الحصين وغيرهم وتفقه على والده وأفتى ودرس وكان له ذكاء وفهم جيد وتولى القضاء بباب الأزج وبواسط ثم أشهد قاضي القضاة أبو الحسن بن الدامغاني على نفسه ببغداد أنه قد عزله عن القضاء فذكر عنه أنه لم يلتفت إلى العزل ثم خاف من حكمه بعد العزل فتشفع بابن أبي الخير صاحب البطيحة إلى الخليفة حتى أمنه فقدم بعد إحدى عشرة سنة وقد ذهب بصرة فلازم بيته فلما مرض طلب أن يدفن في دكة أحمد بن حنبل.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 189. والبداية والنهاية 12/ 249، 250) .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 190) .(18/165)
82/ ب قال لي عبد المغيث: بعث بي إلى الوزير فقال/ في الدكة جدي لأمي فأنكر الوزير هذا وقال كيف تنبش عظام الموتى فتوفي ليلة السبت خامس جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن عند آبائه بمقبرة أحمد.
4256- مرجان الخادم
[1] كان يقرأ القرآن ويعرف شيئا من مذهب الشافعي وتعصب على الحنابلة فوق الحد حتى أن الحطيم الذي كان برسم الوزير ابن هبيرة بمكة يصلي فيه ابن الطباخ الحنبلي مضى مرجان وأزاله من غير تقدم بغضا للقوم وناصبني دون الكل.
وبلغني أنه كان يقول: مقصودي قلع هذا المذهب، فلما مات الوزير ابن هبيرة سعى بي إلى الخليفة وقال عنده كتب من كتب الوزير فقال الخليفة هذا محال فإن فلانا كان عنده أحد عشر دينارا لأبي حكيم وكان حشريا فما فعل فيها شيئا حتى طالعنا.
فنصرني الله عليه ودفع شره.
ولقد حدثني سعد الله البصري وكان رجلا صالحا وكان مرجان حينئذ في عافية قال: رأيت مرجان في المنام ومعه اثنان قد أخذا بيده فقلت إلى أين؟ قالا إلى النار، قلت لماذا؟ قالا: كان يبغض ابن الجوزي.
ولما قويت عصبيته لجأت إلى الله سبحانه ليكفيني شره فما مضت إلا أيام حتى أخذه السل.
فمات يوم الأربعاء، حادي عشر ذي القعدة من هذه السنة ودفن بالترب.
4257- يحيى بن محمد أبو المظفر ابن هبيرة الوزير
[2] .
ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة وقرأ بالقراءات وسمع الحديث الكثير وكانت له 83/ أمعرفة حسنة بالنحو واللغة والعروض وتفقه وصنف في تلك العلوم/ وكان متشددا في اتباع السنة وسير السلف ثم أمضه الفقر فتعرض للعمل فجعله المقتفي مشرفا في المخزن ثم رقاه إلى أن صيره صاحب الديوان ثم استوزره فكان يجتهد في اتباع الصواب
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 250) .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 191. والبداية والنهاية 12/ 250، 251. والكامل 9/ 480)(18/166)
ويحذر الظلم ولا يلبس الحرير، وقال لي لما رجع من الحلة وكان قد خرج لدفع بعض العصاة [1] دخلت على المقتفي فسلمت فقال ادخل هذا البيت فدخلت فإذا خادم وفراش ومعه خلعة حرير فقلت أنا والله ما ألبس هذا فخرج الخادم فأخبر المقتفي فسمعت صوت المقتفي قد والله قلت أنه ما يلبس وكان المقتفي معجبا به يقول ما وزر لبني العباس مثله.
وكان المستنجد معجبا به وقد ذكر أنه لما ولى المستنجد باللَّه دخل عليه فقال له يكفي في إخلاصي أني ما حابيتك في زمن من أبيك فقال صدقت.
وقال مرجان الخادم: سمعت المستنجد ينشد وزيره أبا المظفر ابن هبيرة، وقد مثل بين يدي السدة الشريفة في أثناء مفاوضة ترجع إلى تقرير قواعد الدين وإصلاح أمر المسلمين وأنشده لنفسه مادحا له:
صفت نعمتان خصتاك وعمتا ... فذكرهما حتى القيامة ينشر
وجودك والدنيا إليك فقيرة ... وجودك والمعروف في الناس ينكر
فلو رام يا يحيى مكانك جعفر ... ويحيى لكفا عنه يحيى وجعفر
/ ولم أر من ينوي لك السوء يا أبا ... المظفر إلا كنت أنت المظفر
83/ ب وكان الوزير مبالغا في تحصيل التعظيم للدولة قامعا للمخالفين بأنواع الحيل حتى حسم أمور السلاطين السلجوقية ولما جلس في الديوان في أول وزارته أحضر رجلان من غلمان الديوان فقال دخلت يوما إلى هذا الديوان فقعدت في مكان فجاء هذا فأقامني [2] فقال قم فليس هذا موضعك. فأقامني فأكرمه وأعطاه. ودخل عليه يوما تركي فقال لحاجبه أما قلت لك أعط هذا عشرين دينارا أو كرا من الطعام وقل له لا يحضرها هنا فقال قد أعطيناه، فقال عد وأعطه وقل له لا تحضر ثم التفت إلى الجماعة فقال لا شك أنكم ترومون سبب هذا فقالوا نعم فقال هذا كان شحنة في القرى فقتل قتيل قريبا من قريتنا فأخذ مشايخ القرى فأخذني مع الجماعة [3] وأمشاني مع الفرس وبالغ في أذاي
__________
[1] في ص: «بعض البغاة» .
[2] «فأقامني» سقطت من ت، ص.
[3] في الأصل: «فأخذني في الحملة» .(18/167)
وأوثقني ثم أخذ من كل واحد شيئا وأطلقه ثم قال لي أيش بيدك؟ فقلت ما معي شيء فانتهرني وقال اذهب. وأنا لا أريد [اليوم] [1] أذاه وأبغض رؤيته.
وكان آخر قد آذاه في ذلك الزمان وضربه فلما ولي الوزارة أحضره وأكرمه وولاه.
وكان يتحدث بنعم الله عليه ويذكر في منصبه شدة فقره القديم فيقول نزلت يوما إلى دجلة وليس معي رغيف أعبر به. وكان يكثر مجالسة العلماء والفقراء وكانت أمواله مبذولة لهم 84/ أوللتدبير فكانت السنة تدور/ وعليه ديون.
وقال: ما وجبت علي زكاة قط وكان إذا استفاد شيئا قال أفادنيه فلان حتى أنه عرض له يوما حديث وهو: «من فاته حزبه بالليل فصلاه قبل الزوال كان كأنه صلاه بالليل» .
فقال: ما أدري ما معنى هذا فقلت له هذا ظاهر في اللغة والفقه أما اللغة: فإن العرب تقول: كنت الليلة إلى وقت الزوال، وأما الفقه: فإن أبا حنيفة يصحح الصوم بنية قبل الزوال فقد جعل ذلك الوقت في حكم الليل فأعجبه هذا القول وكان يقول بين الجمع الكثير ما كنت أعرف ما معنى هذا الحديث حتى عرفنيه فلان فكنت استحيي من الجماعة. وجعل لي مجلسا في داره كل جمعة يحضره ويطلق العوام في الحضور وكان بعض الفقراء يقرأ القرآن في داره فأعجبه فقال لزوجته إني أريد أن أزوجه ابنتي فغضبت الأم ومنعت من ذلك.
وكان يقرأ عنده الحديث في كل يوم بعد العصر فحضر فقيه مالكي فذكرت مسألة فخالف فيها ذلك الفقيه فاتفق الوزير وجميع العلماء على شيء وذلك الفقيه [2] يخالف فبدر من الوزير أن قال له أحمار أنت أما ترى الكل يخالفونك وأنت مصر. فلما كان في اليوم الثاني قال الوزير للجماعة جرى مني بالأمس ما لا يليق بالأدب حتى قلت له تلك [الكلمة] [3] فليقل لي كما قلت له فما أنا إلا كأحدكم، فضج المجلس [4] بالبكاء وأخذ
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ت، ص: «وذلك الرجل» .
[3] في الأصل: «قلت له ذلك، فليقل» .
[4] في ص، ت: «فعج الخلق» .(18/168)
ذلك الفقيه يعتذر ويقول أنا أولى بالاعتذار والوزير يقول القصاص القصاص فقال يوسف الدمشقي يا مولانا إذا أبى القصاص فالفداء. فقال الوزير له حكمه/ فقال الرجل نعمك 84/ ب علي كثيرة فأي حكم [بقي] [1] لي، قال لا بد قال على [بقية دين] [2] مائة دينار، فقال تعطى مائة دينار لإبراء ذمته ومائة لإبراء ذمتي فأحضرت في الحال فلما أخذها قال الوزير عفا الله عنك وعني وغفر لك ولي.
وكان الوزير يتأسف على ماضي زمانه عن تندم ما دخل فيه وقال لي كان عندنا بالقرية مسجد فيه نخلة تحمل ألف رطل فحدثت نفسي أن أقيم في ذلك المسجد وقلت لأخي محب الدين نقعد أنا وأنت وحاصلها يكفينا ثم [أنظر] [3] إلى ماذا صرت.
ثم صار يسأل الله الشهادة ويتعرض بأسبابها. كان الوزير صحيحا ليس به قلبة في يوم السبت ثاني عشر جمادى الأولى من هذه السنة نام ليلة الأحد في عافية فلما كان وقت السحر قاء فحضر طبيب كان يخدمه يقال له ابن رشادة فسقاه شيئا فيقال أنه سمه فمات وسقى الطبيب بعده بنحو ستة أشهر سما فكان يقول سقيت كما سقيت فمات.
قال المصنف رحمه الله: وكنت ليلة موت الوزير نائما بين جماعة من أصحابي على ظهر سطح فرأيت في المنام مع انشقاق الفجر كأني في دار الوزير وهو جالس فدخل رجل بيده حربة فضرب بها بين أنثييه فخرج الدم كالفوارة فضرب الحائط فالتفت فإذا خاتم ذهب ملقى فأخذته بيدي وقلت لمن أعطيه؟ أنتظر خادما يخرج فأسلمه إليه فانتبهت فأخبرت من كان معي فما استتممت الحديث حتى جاء رجل فقال مات الوزير، فقال من معي هذا محال أنا فارقته أمس [4] العصر وهو في كل عافية، فجاء آخر وآخر فصح الحديث/ ونفذ إلى من داره فحضرت فقال لي ولده لا بد أن تغسله فغسلته 85/ أورفعت يده ليدخل الماء في مغابنه فسقط الخاتم من يده فحيث رأيت الخاتم تعجبت من ذلك ورأيت في وقت غسله آثارا بوجهه وجسده تدل على أنه مسموم وحملت جنازته
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «فارفقه آخر العصر» .(18/169)
يوم الأحد إلى جامع القصر فصلى عليه ثم حمل إلى مدرسته التي بناها بباب البصرة فدفن بها وغلقت يومئذ أسواق بغداد وخرج جمع لم نره لمخلوق قط في الأسواق وعلى السطوح وشاطئ دجلة وكثر البكاء عليه لما كان يفعله من البر ويظهره من العدل. وقيل في حقه مراث كثيرة فمنها قول نصر البحتري: [1]
ألمم على جدث حوى ... تاج الملوك وقل سلام
واعقر سويداء الضمير ... فليس يقنعني السوام
وتوق أن تبنى حياءً ... دمع عينك أو ملام [2]
فإذا ارتوت [3] تلك الجنادل ... من دموعك والرغام
فأقم صدور اليعملات ... فبعد يحيى لا مقام
ذهب الذي كانت تقيدني ... مواهبه الجسام
فإذا نظرت إليه لم ... يخطر على قلبي الشآم
غاض الندى الفياض عن ... راجيه [4] واشتد الأوام
وتفرقت تلك الجموع ... وقوضت تلك الخيام
عجبا لمن يغتر بالدنيا ... وليس لها دوام
عقبي مسرتها الأسى ... وعقيب صحتها السقام
ما مت وحدك يوم مت ... وانما مات الأنام
يأبى لي الإحسان ان ... أنساك والشيم الكرام
__________
[1] في الأصل: «الحبري» .
[2] هذا البيت ساقط من ص، ت.
[3] في الأصل: «الرتوت» .
[4] في الأصل: «راحته» .(18/170)
ثم دخلت 85/ ب سنة احدى وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[عودة الخليفة الى الدار]
أنه في يوم الأربعاء ثالث المحرم عاد الخليفة من الكشك إلى الدار وأخذ الناس يرجفون لأجل عجلة هذا المجيء فقال قوم قد وصل [1] أهل الموصل إلى دقوقا وقال قوم بل عسكر من قبل الماهكي [2] وحكى بعض الجند أنهم ما ناموا تلك الليلة لخبر جاءهم به إنسان تركماني وأرادوا الدخول ليلا فأشير عليهم أن لا يفعلوا لئلا ينزعج [الناس] [3] .
وظهر في هذه الأيام من الروافض [أمر عظيم] [4] من ذكر الصحابة وسبهم وكانوا في الكرخ إذا رأوا مكحول العين ضربوه ورفع على قيماز أنه قد أخذ من مال الحلة مالا كثيرا فأدى عشرين ألفا وأخذت المدرسة التي بناها ابن الشمحل فاحرز فيها غلة وقلعت القبلة منها.
[عودة الحاج على غير الطريق خوفا من العرب]
وفي هذه السنة: جاء الحاج على غير الطريق خوفا من العرب لكنهم لقوا شدة ورخصت الأسعار في ربيع الأول فحدثني بعض جيراننا أنه اشترى كارة دقيق باثني عشر قيراطا قال واشتريتها في زمن المسترشد باثني عشر دينارا.
__________
[1] في الأصل: «وصلوا» .
[2] في الأصل: «المانكي» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/171)
وفي رابع ربيع الآخر خرج الخليفة إلى الكشك وصلى يوم الجمعة في جامع 86/ أالمهدي وظهر في/ هذه الأيام [1] بين العوام الشتم والسب بسبب القرآن وكان ابن المشاط بعد في بغداد وكان يجلس في الجامع فيقال له: الم 2: 1 كلام الله؟ فيقول: لا.
فقيل له: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ 95: 1؟ فقال: التين في الريحانيين والزيتون يباع في الأسواق.
وفي ربيع الآخر هرب عز الدين محمد بن الوزير بن هبيرة وكان محبوسا ونصب سلما وصعد عليه في جماعة فغلقت أبواب [دار الخليفة] [2] ونودي عليه في الأسواق وأن من أطلعنا عليه فله كذا ومن أخفاه أبيح ماله فجاء رجل بدوي فأخبرهم أنه في جامع بهليقا وكان ذلك البدوي صديقا للوزير فأطلعه هذا الصبي على حاله فضمن له أن يهرب به فلما أخذ ضرب ضربا وجيعا وأعيد إلى السجن ثم رمى في مطمورة. وحدثني بعض الأتراك وكان محبوسا عندهم أنهم صاحوا بابن الوزير من المطمورة فتعلق بحبل وصعد فمدوه وجلس واحد على رجليه وآخر على رأسه وخنق بحبل ومنع القصاص كلهم من القصص في أواخر جمادى الآخرة.
86/ ب
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4258- الحسن بن العباس بن أبي الطيب بن رستم، أبو عبد الله الأصبهاني
[3] .
قال عبد الله الحياني الشيخ الصالح: ما رأيت أحدا أكثر بكاء من الحسن الأصبهاني. قال وسمعت محمد بن سالار أحد أصحابه يقول سمعت شيخي أبا عبد الله [4] ابن الرستمي يقول وقفت على ابن ما شاذة وهو يتكلم على الناس فلما كان الليلة رأيت رب العزة في المنام وهو يقول يا حسن وقفت على مبتدع ونظرت إليه وسمعت كلامه لأحرمنك منك النظر في الدنيا فاستيقظت كما ترى.
__________
[1] أعاد الناسخ الأحداث مرة أخرى من أول: «وفي هذه الأيام ظهر من الروافض ... »
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 197. والبداية والنهاية 12/ 251) .
[4] في الأصل: «أبا عبد الرحمن» .(18/172)
قال عبد الله الحياني فكانت عيناه مفتوحتين وهو لا يبصر بهما شيئا [1] .
توفي في صفر هذه السنة بأصبهان.
4259- عبد القادر، بن أبي صالح [2] أبو محمد الجيلي.
ولد سنة سبعين واربعمائة ودخل بغداد فسمع الحديث [3] من أبي بكر أحمد بن المظفر بن سوسن التمار وأبي القاسم علي بن أحمد بن بيان الرزاز وأبي طالب بن يوسف وتفقه على أبي سعد المخرمي وكان أبو سعد قد بنى مدرسة لطيفة بباب الأزج ففوضت إلى عبد القادر فتكلم على الناس بلسان الوعظ وظهر له صيت بالزهد وكان له سمت وصمت فضاقت مدرسته بالناس فكان يجلس عند سور بغداد مستندا إلى الرباط ويتوب عنده في المجلس خلق كثير فعمرت المدرسة ووسعت وتعصب في ذلك العوام وأقام في مدرسته يدرس ويعظ إلى أن توفي ليلة السبت ثامن ربيع الآخر ودفن في الليل بمدرسته وقد بلغ تسعين [4] سنة.
4260- أبو الفضائل بن شقران
[5] .
كان في مبتدأ أمره يتلمذ على أبي العز الواعظ ثم صار فقيها بالنظامية وصار معيدا ثم وعظ/ وأخذ ينصر مذهب الأشعري ويبالغ فتقدم الوزير بمنعه فحط عن المنبر يوم 87/ أجلوسه ثم ترك الوعظ واقام برباط بهروزوز مدة وغلبت عليه الرطوبة فمات بعد مرض طويل في يوم السبت خامس صفر هذه السنة ودفن بمقبرة درب الخبازين.
__________
[1] «شيئا» سقطت من ت، ص.
[2] على هامش ت بقلم آخر ما نصه: «السيد محيي الدين عبد القادر الجيلاني بن أبي صالح موسى، ويلقب بجنكي دوست بن عبد الله بن يحيى الزاهد بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله بن موسى الحوزي ابن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بْن عَلي بْن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنه وعنهم.
كما ذكره الإمام اليافعي، وابن الأهدل الحسيني في تاريخيهما، وابن الوردي في تاريخه وغيرهما من الثقات فحفظ» .
انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 198. والبداية والنهاية 12/ 252) .
[3] «الحديث» سقطت من ت، ص.
[4] في ت: «بلغ سبعين سنة» .
[5] في الأصل: الشعران» .(18/173)
ثم دخلت سنة اثنتين وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[وقوع الإرجاف بمجيء شملة التركماني]
أنه وقع الإرجاف بمجيء شملة التركماني إلى قلعة الماهكي وبعث يطلب ويقتطع فامتنع الخليفة أن يعطيه ما طلب من البلاد وبعث الخليفة أكثر عسكر بغداد إلى حربه ونفذ إليه يوسف الدمشقي في رجاله [1] وجاء ثم عاد فتوفي يوسف هناك وأرجف الناس بمجيء العسكر من باب همذان فغلت الأسعار ثم عادوا فقالوا ليس لهذا الإرجاف أصل.
ووصل صاحب المخزن إلى بغداد من مكة وجاء رخص الزاد وكثرة الماء وأنهم نقضوا القبة التي بنيت بالمدينة للمصريين.
وفي يوم الأربعاء ثامن عشر صفر أخرج ابن الوزير الكبير المسمى شرف الدين من محبسه ميتا فدفن عند أبيه بباب البصرة.
وفي سابع رجب عملت الدعوة في دار الخليفة وفرقت الأموال.
وفي يوم الخميس ثاني عشر رجب جاء رجال ونساء من الجانب الغربي من 87/ ب الحريم إلى نهر معلى فاستعاروا حليا للعرس فأعيروا/ فنزلوا في سميرية ليمضوا إلى الحريم فلما وصلت السفينة إلى الجناح عند دار السلطان انكفأت بهم فغرقوا وتلف ما معهم.
__________
[1] في الأصل: «في رسالة» .(18/174)
وفي هذا اليوم هبت ريح شديدة قصفت النخل والشجر ورمت الأخصاص وتبعها مطر وبرد كثير ووقع بهذه الريح حائط من دار [1] بيت القهرمانة في الجانب الغربي مما يلي الحريم فظهر بين الآجر سطيحة فيها تسعة أرطال ذهبا فأخذها الذي وجدها وأعلم بها المخزن فأخذت منه وذكر أن [2] هذا الذهب خبأه ابن القهرمانة لأولاده وأعلم به غلاما له وقال قد تركت في هذا الحائط ذهبا لأولادي فلا تعلمهم به إلا ان يحتاجوا إليه فلما مات أخبرهم به الغلام وزعم أنه قد شذ منه الموضع فضربوه فمات.
[زواج أمير المؤمنين ابنة عمه]
وفي هذه السنة: تزوج أمير المؤمنين ابنة عمه أبي نصر بن المستظهر باللَّه واجتمع بها في أيام الدعوة التي تختص بالصوفية.
وفي يوم السبت عاشر شوال: عبر أهل بغداد إلى الجانب الغربي نحو الظاهرية يتفرجون في صيد السمك لأن الماء زاد في الفرات حتى فاض إلى تلك الأجمة ولها نيف وثلاثون سنة لم ينعقد فيها سمك وإنما صارت مزارع فكثر سمكها.
وفي هذه السنة عاد ضمانها حتى كان يباع ثلاثة أرطال أو أربعة أرطال بحبة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
88/ أ
4261- علي بن أبي سعد بن إبراهيم، [أبو الحسن] [3] الخباز الأزجي.
سمع الحديث الكثير وحصل الأصول وحدث.
وتوفي يوم الأربعاء عاشر شعبان هذه السنة ودفن بمقبرة أحمد.
4262- محمد بن الحسن بن محمد علي بن حمدون، أبو المعالي الكاتب
[4] .
كانت له فصاحة وولي ديوان الزمام مدة وصنف كتابا سماه «التذكرة» وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن بمقابرة قريش.
__________
[1] في الأصل: «من بيت» والتصحيح من ص.
[2] في الأصل: «وكان هذا الذهب» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 206. والبداية والنهاية 12/ 253. والكامل 10/ 7) .(18/175)
ثم دخلت سنة ثلاث وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[وصول الحاج الى العراق سالمين]
أن الحاج وصلوا إلى العراق سالمين فخرجت عليهم بنو خفاجة في طريق الحلة فقطعوا قطعة من الحاج فأخذوا أموالهم وقتلوا جماعة وحكى الناس ان التجار لم يبيعوا شيئا بمكة على عادتهم لأن حاج مصر لم يأتوا لاشتغالهم بما حدث عندهم من القتال بمضي نور الدين وشير كوه.
وفي رابع صفر: وصل ابن البلدي من واسط فتلقاه الموكب وفيهم قاضي القضاة وحاجب الباب والحجاب بالسواد فخرج قيماز لتلقيه قبل ذلك بيوم ولما قرب 88/ ب من/ موازاة التاج عبر أستاذ الدار فتلقاه فنزل في السفن وصعد باب الحجرة وخلع عليه خلعة سنية حسنة وقلد سيفا وجعل في ركابه سيف وخرج راكبا من باب الحجرة إلى الديوان فجلس هناك إلى اصفرار الشمس ونهض الوزير إلى الدار التي كان فيها ابن هبيرة بباب العامة، وخرج التشرينان بغير مطر وكثر الموت.
وفي صبيحة الاثنين: وقع وفر إلى أن طبق الأرض إلى قريب نصف الليل.
وفي هذه السنة: بيع الورد مائة رطل بقيراط وحبة.
[موت قاضي القضاة جعفر بن الثقفي]
وفيها: مات قاضي القضاة جعفر بن الثقفي وبقيت بغداد ثلاثة وعشرين يوما بلا قاض في ربع من الأرباع ولا قاضي قضاة حتى ولى روح ابن الحديثي القضاء [يوم الخميس رابع] [1] عشر رجب.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/176)
وفي شعبان: جلس المحتسب بباب بدر على ما جرت به العادة فأخذ جماعة من المتعيشين ثم أمر بتأديب أحدهم فرجم المحتسب بالآجر إلى أن كاد يهلك واختفى ولم يجسر أن يركب حتى نفذ إلى حاجب الباب فبعث إليه المستخدمين فمشوا معه إلى بيته وأخذ أولئك الطوافون [1] فعوقبوا وحبسوا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4263- أحمد بن عبد الغني بن محمد بن حنيفة، أبو المعالي
[2] .
سمع أبا سعد بن حشيش وابن النظر [3] وثابت بن بندار وغيرهم وكان ثقة.
وتوفي في رمضان هذه السنة.
4264- أحمد بن عمر بن الحسين بن خلف، أبو العباس القطيعي
[4] .
/ سمع الحديث وتفقه على القاضي أبي يعلى وناظر ووعظ. 89/ أوتوفي في رمضان هذه السنة ودفن بالحلبة.
4265- أحمد بن المقرب بن الحسين، أبو بكر الكرخي
[5] .
ولد سنة تسع وسبعين واربعمائة روى عن طراد وابن النظر [6] وغيرهما وكان ثقة توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
4266-[أحمد بن هبة الله بن عبد القادر بن المنصوري، أبو العباس الهاشمي.
__________
[1] في الأصل: «الطماعون» .
[2] في ت: «أبو المغالي» .
[3] في ت، والأصل: «ابن البطر» .
[4] في ت: «العطيفي» .
انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 207) .
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 208) .
[6] في ت: «النطر» .(18/177)
سمع الحديث من شيخنا أبي الحسن بن عبد الواحد الدينَوَريّ، وكان معدلًا.
وتوفي في هذه السنة ودفن بتربة لهم عند جامع المنصور] [1] .
4267- جعفر بن عبد الواحد، أبو البركات الثقفي
[2] .
ولد في محرم سنة تسع عشرة وخمسمائة وسمع الحديث من أبي القاسم الحريري [3] وولي قضاء القضاة بعد أبيه وكان أبوه قد أقام في القضاء أشهرا ثم مات فدفن بدرب بهروز فلما مات الولد أخرجا فدفنا عند رباط الزوزني المقابل لجامع المنصور وكان سبب موت هذا الولد أنه طولب بمال خرجه عليه رجل من أهل الكوفة فضاق صدره وأشرف على بيع عقاره وكلمه الوزير ابن البلدي بكلمات خشنة فقام الدم ومات.
4268- سعد بن [4] محمد بن طاهر، أبو الحسن المقرئ.
ولد سنة ست وثمانين واربعمائة وسمع من أبي القاسم ابن بيان وغيره وكان يسمع معنا على أبي القاسم الحريري وغيره ويقرأ القرآن فبينا هو جالس في مسجده [5] يقرأ مال فوقع ميتا وذلك في يوم الاثنين سادس عشر ربيع الآخر ودفن بمقبرة العقبة من الجانب الغربي
. 4269- عبد الكريم بن محمد بن منصور، أبو سعد السمعاني
[6] .
89/ دخل إلى بغداد سنة اثنتين وثلاثين/ وسمع معنا على المشايخ وسافر في طلب الحديث وذيل [على] [7] تاريخ بغداد وكان قد كتب شجاع الذهلي من التذييل شيئا وكتب أبو الفضل بن خيرون وفيات المشايخ فجمع هو ذلك وتلقف من أشياخنا كعبد
__________
[1] هذه الترجمة ساقط من ص، والأصل، وأثبتناه من ت.
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 208. والبداية والنهاية 12/ 254. والكامل 10/ 9) .
[3] في الأصل: «الحوير» .
[4] في ت: «سعد الله بن محمد» .
[5] في الأصل: «في مسجده جالس» .
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 254. والكامل 10/ 9) .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/178)
الوهاب ومحمد بن ناصر ومن بقي من الأشياخ ما يصلح أن يذكر من زمن الخطيب إلى زمانه إلا أنه كان يتعصب على مذهب أحمد ويبالغ فذكر من أصحابنا جماعة وطعن فيهم بما لا يوجب الطعن مثل أن قال عن عبد القادر كان يلقي الدرس المشستكة، وإنما كان الرجل مريض العين وقال عن ابن ناصر كان يحب الطعن في الناس وهذا وقد أخذ أكثر كتابه عنه واحتج بقوله في الجرح والتعديل فقد أزرى بما قال على نفسه في كل ما أورده عنه من جرح أو تعديل وما كان ينبغي أن يحتج به في شيء ثم قد كان يلزمه أن يقول طعن في فلان وليس بموضع الطعن وأي شغل للمحدث غير الجرح والتعديل فمن عد ذلك طعنا مذموما فما عرف العلم فشفي أبو سعد غيظه بما لا معنى فيه في كتابه فلم يرزق نشره لسوء قصده فتوفي وما بلغ الأمل ولو أن متتبعا يتبع ما في كتابه من [الأغاليط] [1] والانساب المختلطة ووفاة [2] قوم هم [في الأحياء] [3] وغير ذلك من الأغاليط [4] لأخرج أشياء كثيرة غير أن الزمان أشرف من أن/ يضيع في مثل هذا وهذا الرجل كانت له 90/ أمشقعة عجيبة فإنه كان يأخذ الشيخ البغدادي فيجلس معه فوق نهر عيسى ويقول حدثني فلان من وراء النهر ويجلس معه في رقة بغداد ويقول حدثني فلان بالرقة، في أشياء من هذا الفن لا تخفي على المحدثين، وكان فيه سوء فهم وكان يقول في ترجمة الرجل حسن القامة وليست هذه عبارة المحدثين في المدح، وقال في عجوز يقرأ عليها الحديث وهي من بيت المحدثين أبوها محدث وزوجها محدث وقد بلغت سبعين أو زادت فقال كانت عفيفة وهذا ليس بكلام من يدري كيف الجرح والتعديل وذكر في ترجمة ابن الصيفي الشاعر فقال: المجان ببغداد يقولون هو الحيص بيص وله أخت اسمها دخل وخرج. ومثل هذا لا يذكره عاقل ولا نرى التطويل بمثل هذه القبائح.
توفي ابن السمعاني ببلده في هذه السنة ووصل الخبر بذلك [إلى بغداد] [5] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «ووفاتهم» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] «وغير ذلك من الأغاليط» سقط من ص، ت.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/179)
4270- عبد القاهر بن مُحَمَّد [1] بن عبد الله [بن محمد] [2] بن عمويه، أبو النجيب السهروردي
[3] .
كان يذكر أنه من أولاد محمد بن أبي بكر الصديق ويقول مولدي تقريبا في سنة تسعين. سمع الحديث وتفقه ودرس بالنظامية وبنى لنفسه مدرسة ورباطا ووعظ مدة وكان متصوفا.
90/ ب وتوفي في جمادى الآخرة/ من هذه السنة [ودفن بمدرسته] [4] .
4271- محمد بن عبد الحميد بن الحسن [5] ، أبو الفتح الرازي، المعروف: بالعلاء العالم
[6] .
من أهل سمرقند كان فقيها فاضلا ومناظرا [7] من الفحول وصنف التعليقة المعروفة بالعالمي ودخل بغداد وحضر مجلسي للوعظ. قال أبو سعد السمعاني كان مدمنا للخمر على ما سمعت فكان يقول ليس في الدنيا راحة إلا في شيئين كتاب أطالعه أو باطية من الخمر أشرب منها. قال المصنف ثم سمعت عنه أنه تنسك وترك المناظرة واشتغل بالخير إلى أن توفي.
4272- هبة الله [8] بن أبي عبد الله بن كامل بن حبيش، أبو علي
[9] .
قرأ القرآن وتفقه على ابن القاضي وسمع الحديث على شيخنا أبي بكر بن عبد الباقي وتقدم في رباط بدرزيجان على جماعة من الصوفية وكان من أهل الدين، توفي في محرم هذه السنة ودفن بمقبرة احمد قريبا من بشر الحافي.
__________
[1] «بن محمد» سقطت من ص.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 208. والبداية والنهاية 12/ 254. والكامل 10/ 10) .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ت: «ابن الحسين» .
[6] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 210. والبداية والنهاية 12/ 254، 455) .
[7] في الأصل: «ومدرسا» .
[8] في ت: «يوسف بن أبي عبد الله» .
[9] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 210) .(18/180)
4273- يوسف [بن عبد الله البندار [1]] الدمشقيّ الكبير
[2] .
تفقه على أسعد الميهني وبرع في المناظرة ودرس في النظامية وغيرها وكان متعصبا في مذهب الأشعري وبعث رسولا نحو خوزستان إلى شملة التركماني فمات هناك في شوال هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 255. والكامل 10/ 10) .(18/181)
ثم دخلت سنة اربع وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[مواقعة بعض غلمان الخليفة العيارين بالدجيل]
91/ أ/ أن بعض غلمان الخليفة واقع العيارين بالدجيل [1] وقتل كثيرا منهم وجاء [برءوسهم] [2] وأخذ قائدهم.
وفي صفر: جلس ابن الشاشي للتدريس بالمدرسة النظامية [3] التتشية على شاطئ دجلة بباب الأزج التي كانت بيد يوسف الدمشقي وحضر عنده جماعة من أرباب المناصب.
وفي هذا اليوم: صلب تسعة [4] أنفس وقطعت يد العاشر.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشرين ربيع الأول: رئي في صحن دار السلام بدار الخليفة رجل غريب قائم في طريق الخليفة الذي يركب فيه ومعه سكين صغيرة في يده وأخرى كبيرة معلقة في زنده فاستنطقوه فقال أنا من حلب فحبس وعوقب البواب.
وفي سابع عشر ربيع الآخر: فوض إلى أبي جعفر ابن الصباغ نيابة التدريس في النظامية واعتقل تاج الدين أخو استاذ الدار.
[موت حاجب الباب ابن الصاحب]
وفي جمادى الآخرة: مات حاجب الباب ابن الصاحب وتولى ولده حجبة الباب.
__________
[1] في الأصل: «الرجل» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] «النظامية» ساقطة من ت، ص.
[4] في الأصل: «سبعة أنفس» .(18/182)
وفي يوم الجمعة عاشر شعبان: دخل قوم من العيارين إلى دار بعض التجار عند سوق العطر فلم يجدوا في الدار إلا مملوكا فسألوه عن المال فقال لا علم لي فقتلوه وفتشوا الدار فلم يجدوا فيها شيئا وخرجوا ولم يحظوا إلا بقتل الغلام.
وفي ليلة النصف من شعبان: اتفقت حادثة عجيبة وهو أن انسانا كان قائما عند دكان عطار بشارع دار الدقيق فجاء إنسان [1] نفاط يلعب بقارورة النفط فخرجت من يده بغير اختياره فأهلكت ما في الدكان كله وتعلقت بثياب ذلك الرجل القائم هناك إلى ان نزع ثيابه/ انسلخ جلده من عنقه إلى مشد سراويله وأخذ النفاط فحبس وجرت فتنة 91/ ب فتخلص النفاط.
وفي سادس عشرين شعبان: خرج الوزير إلى الحلة لينظر إلى البلاد ويتعرف أحوالها.
وفي رمضان: قبض على يزدن وتتامش [2] وسلما إلى قيماز وضيق على قيماز [3] وأخذ منه على ما حكى ثلاثون ألف دينار جمع فيها مراكبه [وآنية داره] [4] وانكسر كسرة عظيمة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4274- أزهر بن عبد الوهاب بن أحمد بن حمزة، أبو جعفر السماك
[5] .
سمع من مشايخنا ابن الحصين والحريري [6] وأبي بكر بن عبد الباقي [وعبد الوهاب] [7] وكان ثقة وفيه فضل [8] وأدب.
وتوفي في محرم هذه السنة.
__________
[1] «إنسان» سقطت من ت، ص.
[2] في الأصل: «وينامش» .
[3] في الأصل: «وضيق عليهما وضيق على قيماز» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «أبو جعفر السباك» .
[6] في الأصل: «الحميري» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] في الأصل: «وفيه سعد وأدب» .(18/183)
4275- سعد الله بن نصر بن سعيد الدجاجي [1] ، أبو الحسن.
ولد في رجب سنة ثمانين واربعمائة وسمع أبوي الخطاب محفوظ بن أحمد وعلي بن عبد الرحمن ابن الجراح وتفقه وناظر ووعظ وكان لطيف الكلام حلو الإيراد ملازما للمطالعة إلى أن مات.
أنبأنا سعد الله بن نصر قال: كنت خائفا من الخليفة لحادث نزل فاختفيت فرأيت في المنام كأني في غرفة أكتب شيئا فجاء رجل فوقف بازائي وقال اكتب ما أملي عليك وأنشد:
ادفع بصبرك حادث الأيام ... وترج لطف الواحد العلام
لا تأيسن وأن تضايق كربها ... ورماك ريب صروفها بسهام
فله تعالى بين ذلك فرجة ... تخفي على الأبصار والأوهام
كم من نجا من بين أطراف القنا ... وفريسة سلمت من الضرغام
وسئل في مجلس وعظه وأنا أسمع عن أخبار الصفات فنهى عن التعرض بها وامر بالتسليم لها [2] ، وأنشد:
92/ أ/
أبى الغائب الغضبان يا نفس أن يرضى ... وأنت التي صيرت طاعته فرضا
فلا تهجري من لا تطيقين هجره ... وإن هم بالهجران خدك والأرضا
توفي في شعبان من هذه السنة ودفن إلى جانب رباط الزوزني في إرضاء [3] الصوفية لأنه أقام عندهم مدة حياته فبقي على هذا خمسة أيام وما زال الحنابلة يلومون ولده على هذا ويقولون مثل هذا الرجل الحنبلي أي شيء يصنع عند الصوفية؟ فنشبه بعد خمسة أيام بالليل وقال كان قد أوصى أن يدفن عند والديه ودفنه عندهما بمقبرة أحمد [4] .
__________
[1] في ت: «الزجاجي» .
انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 212. والبداية والنهاية 12/ 258) .
[2] في الأصل: «عن التعرض لها وأنشد وأمر بالتسليم ثم أنشد» .
[3] في الأصل: «ورضا الصوفية» .
[4] «بمقبرة أحمد» سقطت من ص.(18/184)
4276- أبو طالب بن المستظهر باللَّه
توفي في رمضان وحمل الى التراب في الماء وكان من المشايخ المتقدمين في الدار وكان له بر ومعروف.
4277- محمد بْن عبد الباقي بْن أحمد بْن سلمان [أبو الفتح] [1] المعروف: بابن البطي
[2] .
ولد سنة سبع وسبعين وسمع مالك بن علي البانياسي وحمد بن أحمد الحداد وابن النظر والتميمي وغيرهم وكان سماعه صحيحا سمعنا منه الكثير، كان يحب أهل الخير ويشتهي أن يقرأ عليه الحديث.
وتوفي يوم الخميس سابع عشرين جمادى الأولى من هذه السنة ودفن بمقبرة باب أبرز.
4278-[المبارك بن علي بن حصير، أبو طالب الصيرفي
[3] .
سمع الحديث وروى عن أبي الحسين بن العلاف وغيره. وكان ثقة صحيح السماع.
وتوفي ليلة الجمعة ثالث عشر ذي الحجة من هذه السنة] [4] .
4279- محمد بن المبارك بن الحسين بن إِسْمَاعِيل، أبو بكر ابن الحصري [صديقنا]
[5] .
ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة وقرأ القرآن وسمع الحديث من الرقي وأبي عبد الله ابن البناء وأبي بكر بن عبد الباقي وغيرهم وتفقه على أبي يعلى وناظر وولي القضاء بقرية عبد الله من واسط، توفي في رجب/ هذه السنة ببغداد فجاءة ودفن 92/ ب بالزرادين وكان عمره أربعا وخمسين سنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.
[2] في الأصل: «البطحي» .
انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 213، 214 والبداية والنهاية 12/ 260، وفيه: «محمد بن عبد الله بن عبد الواحد» .)
[3] هذه الترجمة سقطت من الأصل، ص.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص، وأثبتناها من ت.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.(18/185)
4280- محمد الفارقي
[1] .
كان يتكلم على الناس قاعدا [2] وربما قام على قدميه في دار [3] سيف الدولة من الجامع وكان يقال أنه كان يحفظ كتاب نهج البلاغة ويغير ألفاظه وكانت له كلمات حسان في الجملة توفي في يوم الجمعة حادي عشر رجب هذه السنة وصلى عليه وقت صلاة الجمعة [ودفن بباب المختارة] [4]
4281- معمر بن عبد الواحد، بن رجاء، أبو أحمد الأصفهاني
[5] .
كان من الحفاظ الوعاظ وله معرفة حسنة بالحديث وكان يخرج ويملي [6] سمعت منه الحديث ببيت [7] في الروضة بالمدينة وكان يروي عن أصحاب أبي نعيم الحافظ.
وتوفي بالبادية [8] ذاهبا إلى الحج في ذي القعدة من هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 214. والبداية والنهاية 12/ 260. والكامل 10/ 21) .
[2] في الأصل: «واعظا» .
[3] في الأصل: «في عار» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 214. والبداية والنهاية 12/ 260. والكامل 10/ 21) .
[6] في الأصل: «ويصلي» .
[7] «ببيت» سقطت من ت، ص.
[8] في الأصل: «بالمدينة» .(18/186)
ثم دخلت سنة خمس وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في ثالث صفر فوض إلى اليزدي تدريس مشهد أبي حنيفة فمضى ومعه حاجب من الديوان فدرس هناك.
وفي ثامن صفر: عبر العيارون من الجانب الغربي إلى الجانب [1] الشرقي إلى الحاج وقد تحصنوا بالبيوت داخل البلد فأخذوا أموالهم [2] وانحدروا في السفن يضربون الطبل ولم يطلبوهم ثم وقع منهم أقوام فظهر عليهم شيء يسير.
/ وفي ثالث [3] ربيع الأول: جاء المكيون بخرق البحر والهدايا كما جرت العادة 93/ أوالطبول بين أيديهم وكان معهم ثلاثة أفراس وبغلة وأنطع من الأدم ومضوا إلى الديوان.
وفي ربيع الآخر: خرج الخليفة الى الصيد.
[وقوع حادثة عظيمة للنصارى تعدى ضررها إلى المسلمين]
وفي جمادى الأولى: وقعت حادثة عظيمة للنصارى تعدى ضررها إلى المسلمين وذلك أنه خطب ابن مخلد النصراني الى ابن التلميذ والتجأ ابن مخلد إلى الجاه وأخذ من غلمان الباب والفراشين جماعة فأحضر الجاثليق وأستاذ الدار البنت فأذنت فعقدوا عليها وحملوها إلى ابن مخلد فشكا ابن التلميذ الى الخليفة فأخذ
__________
[1] «الجانب» سقطت من ت، ص.
[2] في الأصل: «فأخذ ثم وانحدروا» .
[3] «ثالث» سقطت من ص، ت.(18/187)
ابن مخلد وعوقب مائة خشبة وفرق بينه وبين الزوجة ووكل بالجاثليق بالديوان وأخرج من كاتب حكيم من الدار [1] لأنه كان مع القوم وضرب صاحب الخبر في الباب ضربا عجيبا لأنه قصر في العقوبة وحطت مرتبة حاجب الباب عن منزلته وجعل نائبا لا يجلس على مخدة ولا بين يديه دواة وفوضت العلامة في الكتب إلى ابن البراج فلا تشهد الشهود إلا في كتاب فيه علامته.
وفي ذي القعدة: وردت الأخبار بوقوع زلازل كثيرة بالشام وقع منها نصف حلب ويقال هلك من أهلها ثمانون ألفا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4282- أحمد بن صالح بن شافع، أبو الفضل الجيلي
[2] .
93/ ب ولد/ سنة عشرين وخمسمائة وقرأ القرآن وسمع الحديث من أبي غالب [3] ابن البناء وأبي عبد الله ابن السلال والأرموي ويحيى بن ثابت وأبي الوقت وغيرهم وقرأ على ابن ناصر معظم حديثه وشهد.
وتوفي في شعبان هذه السنة ودفن على أبيه في دكة الإمام أحمد.
4283- أحمد بن عمر بن محمد بن لبيدة، أبو العباس الأزجي
[4] .
قرأ القرآن وسمع من ابن الحصين وابن خيرون والقزاز وابن السلال وغيرهم وكان فيه خير خرج إلى مكة.
فتوفي في الطريق ودفن بزبالة في هذه السنة.
4284- الحسين بن محمد، أبو المظفر ابن السبيبي [5] عامل قوسان
[6]
__________
[1] في ص: «من الديوان» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 215. والكامل 10/ 27) .
[3] في الأصل، ص: «من أبي علي بن البناء» خطأ.
[4] في ت: «الأرحبي» .
[5] «السبيبي» سقطت من ت.
[6] من الأصل: «فرمان» .(18/188)
حبس مديدة ثم قطعت يده ورجله وحمل إلى المارستان.
فتوفي في محرم هذه السنة وكان أديبا لطيفا له شعر حسن.
ومما قال من الشعر يتشوق أهله:
سلام على أهلي وصحبي وجلاسي ... ومن في فؤادي ذكرهم راسب راسي
أحبة قلبي قل صبري عنكم ... وزاد بكم وجدي وحزني ووسواسي
أعالج فيكم كل هم ولا أرى ... لداء همومي غير رؤيتكم آسي
خذوا الواكف المدرار من فيض أدمعي ... وحر لهيب النار من كرب أنفاسي
/ لقد أبدت الأيام لي كل شدة ... تشيب لها الأكباد فضلا عن الرأس 94/ أ
أقول لقلبي والهموم تنوشه ... وقد حدثته النفس بالصبر والياس
وكيف اصطباري عنكم وتجلدي ... على فقدكم ويلي على قلبي القاسي
ومن لي بطيف منكم أن يزورني ... على الليلة الليلاء في جنح ديماس
4285- طاووس أم المستنجد.
توفيت في يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان وحملت إلى الترب بالرصافة وكان الوزير وأستاذ الدار قائمين وأرباب الدولة في السفن قياما إلى ان حملت.(18/189)
ثم دخلت سنة ست وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه وقع حريق عظيم في درب المطبخ ثم في سويقة خرابة ابن جردة ثم أرجف على الخليفة بالمرض لانه انقطع عن الركوب ثم ركب وتصدق بالخبز والبقر وعملت دعوة في دار البدرية وخلعت الخلع وضربت الطبول للبشارة بسلامته وجاءت خرق البحر مع المكيين على عادتهم وبين يديها الطبول والهدايا ثم مرض المستنجد باللَّه فلما اشتد 94/ ب مرضه/ كان الأتراك يحفظون البلد مديدة [1] ثم توفي ففتحت الحبوس وأخرج من فيها وما زالت الحمرة الكثيرة [عند مرض المستنجد] [2] ترمي ضوءها [3] على الحيطان مثل شعاع الشمس.
باب ذكر خلافة المستضيء باللَّه
واسمه: الحسن بن يوسف المستنجد باللَّه، ويكنى: أبا محمد، وأمه أرمنية تدعى: غضة، [4] ولد في سادس شعبان سنة ست وثلاثين وخمسمائة، ولم يتول
__________
[1] في ص: «أياما» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: تكررت عبارة «منذ مرض المسترشد» هنا.
[4] في الأصل: «غضوضة» .(18/190)
الخلافة من اسمه الحسن ويكنى أبا محمد إلا الحسن بن علي وهو، فقد اشتركا في الاسم والكنية والكرم، كان له من الولد: أبو العباس أحمد وهو الذي تولى الخلافة بعده وأبو منصور هاشم.
بويع المستضيء بأمر الله يوم توفي المستنجد البيعة الخاصة بايعه أهل بيته وبعث إلى الوزير ابن البلدي ان احضر البيعة فلما دخل دار الخلافة وكان [في ولايته] [1] قد قطع أنف امرأة ويد رجل بجناية جرت منهما وكان ذلك بتقدم فسلم إلى أولياء القوم ذلك اليوم [2] فقطعوا أنفه ثم يده ثم ضرب بالسيوف وألقي في دجلة وتولى ذلك أستاذ الدار ابن رئيس الرؤساء، ثم جلس المستضيء بأمر الله بكرة الأحد تاسع ربيع الآخر في التاج فبايعه الناس، وصلى في التاج يومئذ على المستنجد ونودي برفع المكوس وردت مظالم كثيرة وأظهر من العدل والكرم ما لم نره من أعمارنا واستوزر/ أستاذ الدار وجلس لعزاء 95/ أالمستنجد بذاته [3] ثلاثة أيام وتكلمت في تلك الأيام في بيت النوبة ثم أذن للوعاظ في الوعظ بعد أن كانوا قد منعوا مدة وفرق الإمام المستضيء بأمر الله مالا عظيما على الهاشميين والعلويين والعلماء والأربطة، وكان دائم البذل للمال ليس له عنده وقع، وخلع على أرباب الدولة والقضاة والجند وجماعة من العلماء وحكى خياط المخزن انه فصل الفا وثلاثمائة قباء إبريسم وخطب له على منابر بغداد يوم الجمعة رابع عشر ربيع [4] الآخر ونثرت الدنانير كما جرت العادة وولى روح بن أحمد الحديثي قضاء القضاة يوم الجمعة رابع عشر [4] ربيع الآخر وولي يومئذ أبو المحاسن عمر بن علي الدمشقي الحكم بنهر معلى وولي ابن الشاشي النظامية فمضى الدعاة بين يديه.
وفي هذا الشهر: عزل ابن شبيب مشرف المخزن وولي مكانه أبو بكر ابن العطار وجعل ابن شبيب وكيلا بباب الحجرة وولي من الأمراء المماليك نحو سبعة عشر أميرا وقدم فخر الدولة ابن المطلب إلى بغداد وكان مقيما بمشهد علي عليه السلام وردت عليه أملاكه وولي ابن البخاري الديوان.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «ذلك اليوم» سقطت من ت، ص.
[3] «بذاته» سقطت من ص، ت.
[4] في الأصل: «حادي عشرين» .(18/191)
95/ ب وكسف القمر ليلة النصف/ من جمادى الأولى وهذا عجب لان عادته الانكساف في ليلة [1] الرابع عشر.
وفي يوم الجمعة العشرين من جمادى الأولى: خلع على الوزير الخلع التامة ومشى بين يديه قيماز وقاضي القضاة وغيرهما. [2] وفي يوم الاثنين ثالث عشرين الشهر: جلس الوزير في داره للهناء وأنشد الحيص بيص:
أقول وقد تولى الأمر خير ... ولي لم يزل برا تقيا
وقد كشف الظلام بمستضيء ... غدا بالخلق كلهم حفيا
وفاض الجود والمعروف حتى ... حسبناه حبابا أو أتيا
بلغنا فوق ما كنا نرجي ... هنيئا يا بني الدنيا هنيا
سألنا الله يرزقنا إماما ... نسر به فأعطانا نبيا [3]
وقال أيضا:
يا امام الهدى علوت عن الجو ... د بمال وفضة ونضار [4]
فوهبت الأعمار والأمن والبلدان ... في ساعة [مضت] [5] من نهار
فبماذا أثنى عليك [6] وقد جاوزت ... فضل البحور والأمطار
إنما أنت معجز مستمر ... خارق للعقول والأفكار
جمعت نفسك الشريفة بين الباس ... والجود بين ماء ونار
واحتجب الخليفة عن أكثر الناس فلم يركب إلا مع الخدم ولم يدخل إليه غير
__________
[1] تكررت عبارة: «ليلة النصف» في النسخة ص.
[2] في الأصل: «وغيره» .
[3] في الأصل: «وفيا» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] تكررت العبارة التالية من الأصل: «فبماذا أثنى عليك» .(18/192)
قيماز وجلس الوزير في الديوان يوم الجمعة وأجلس عن يمينه ابن الشاشي وكانت العادة أن اليمين لأصحاب أبي حنيفة فأخذ المكان منهم.
واستشهد في جمادى الآخرة ابنا ابن المنصوري الخطيب.
وقبض في يوم الجمعة/ خامس عشرين جمادى الآخرة على أحمد الفوي وابنه 96/ أوسعد الشرابي وأخذت مدرسة كانت للحنفية وقد كانت قديما للشافعية وهي بالموضع المسمى بباب المدرسة على الشط وقد حضرت فيها مناظرة يوسف الدمشقي وبيده كانت وآل أمرها إلى أن سلمت إلى محمد البروي فدرس فيها وحضر قاضي القضاة وشيخ الشيوخ وحاجب الباب ومدرس النظامية وابن سديد الدولة كاتب الإنشاء.
وشرع في نقض الكشك الذي عمله المستنجد ليعمل بآلته [1] مسناة للسور فتراجف الناس بمجيء العسكر فاحتدت سوق الطعام.
وفي رجب: ولي ابن ناصر العلوي التدريس بمدرسة السلطان التي كان فيها اليزدي فحضر درسه قاضي القضاة وغيره.
وفي يوم السبت رابع عشرين الشهر: ولي الأمير السيد العلوي التدريس بجامع السلطان مكان اليزدي.
وفي هذه الأيام: وهي أمر أبي بكر ابن العطار والسبب أنه كان ينافس صاحب المخزن فانقطع عن المخزن وقيل أنه أخذت الوكالة منه.
وفي غرة شعبان: بعث يزدن مع جماعة من العسكر إلى واسط ليردوا ابن سنكا عن البلاد.
وفي ثامنه نقضت الدور التي اشتراها قيماز ليعملها دارا كبيرة وكان من جملتها دار ابن الطيبي وكانت بعيدة المثل قد غرم عليها ألوفا فأعطى منها ألفا وكذلك أخذ ما حولها من الدور المثمنة بثمن بخس وأخرج أهلها وتشتتوا.
__________
[1] في الأصل: «ثالثة» .(18/193)
وجرى في سابع شعبان بين أهل المأمونية وباب الأزج فتنة بسبب السباع انتهبت فيها سويقة البزازين.
وفي عشية الاثنين ثامن عشرين شعبان: نقل تابوت الخليفة من الدار إلى الترب.
96/ ب/ وفي نصف رمضان: هبت ريح عظيمة ورعدت السماء بقعقعة لم يسمع بمثلها فخر الناس على وجوههم وكان للوزير طبق جميل طول الشهر وكان الذي يحضر فيه من الخبز كل ليلة ألف رطل واربعمائة رطل حلاوة سكر وفرق أمير المؤمنين مصاحف كانت في الدار على جماعة فبعث إلي مصحفا مليح الخط كثير الإذهاب.
وفي سلخ شوال: جلس أمير المؤمنين للرسل الذين جاءوا من همذان وغيرها فبايعوه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4286- أبو طاهر بن البرني الواعظ
[1] .
تعلم الوعظ من شيخنا أبي الحسن الزاغوني [2] وسمع الحديث وكان يعظ.
وتوفي في محرم هذه السنة ودفن بمقبرة أحمد.
4287- النفيس بن صعوة.
[3] قرأ القرآن وتفقه على الشيخ أبي الفتح ابن المنى وناظر ووعظ ثم اختضر في شبابه فتوفي في يوم الثلاثاء تاسع شوال وصلى عليه بجامع السلطان ودفن عند مقبرة أحمد.
4288- أبو نصر بن المستظهر، عم المستنجد وحموه
[4]
__________
[1] في ت: «الواعظ» .
[2] في الأصل: «الزعفرانيّ» .
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 217) .
[4] في ص: «وعموه» . انظر ترجمته في: (الكامل 10/ 32) .(18/194)
لأن المستنجد تزوج ابنته ولم يبق من أولاد المستظهر [1] غيره وكان يذكر عنه الخير وصلى عليه صبيحة الثلاثاء ثامن عشرين ذي القعدة بصحن السلام وحمل إلى الترب ومعه الوزير وأرباب الدولة إلا أنهم كانوا جلوسا.
4289- يوسف المستنجد باللَّه [أمير المؤمنين] [2] بن المقتفي لأمر الله
[3] توفي يوم الثلاثاء [4] بعد الظهر ثامن ربيع الآخر من سنة ست وستين وخمسمائة وحضرت الصلاة يوم الأحد قبل الظهر في التاج ودفن في الدار وبلغ من العمر ثمانيا وأربعين سنة وكانت ولايته إحدى عشرة سنة وشهرا [5] .
4290- يحيى بن ثابت بن بندار، أبو القاسم.
[6] سمع الحديث من أبيه وغيره، وروى لنا صحيح الإسماعيلي عن أبيه عن البرقاني عن الإسماعيلي.
وتوفي في يوم الأحد خامس ربيع الأول من هذه السنة] . [7]
__________
[1] العبارة من: «عم المستنجد.» حتى هنا ساقطة من ت. وفي المطبوعة: «المستظر» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 218. والبداية والنهاية 12/ 264) .
[4] في ص: «يوم السبت» .
[5] في ت: «وأربعين سنة وشهرا واحدا» . وسقط منها: «وكانت ولايته إحدى عشرة سنة وشهرا» .
[6] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 218) .
هذه الترجمة من النسخة ت فقط.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.(18/195)
ثم دخلت سنة سبع وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[أعطي ابو منصور مدرسة السلطان محمود]
أنه في المحرم أعطى أبو منصور ابن المعلم مدرسة السلطان محمود التي كان فيها اليزدي واستناب فيها أبا الفتح ابن الزنى وحضر جماعة من الفقهاء فافتتح التدريس بأن قال قالت طائفة من الأصوليين بأن الله ليس بموجود فنفر الحاضرون من هذا وذكر مسألة من الفروع خلافية للشافعي فلم يذكر الشافعي فوصل الخبر إلى الوزير فاحضره وأمر بأن يحضر بوقة السواد وحمار ليشهر عليه [1] [في البلد] [2] وقال: ما وجدت في العلوم إلا هذا؟ فسأل فيه ابن المعلم فأفرج عنه.
ووصل يوم السبت ثاني عشرين المحرم: ابن أبي عصرون [رسولا] [3] يبشر بأن الخليفة خطب له بمصر وضرب السكة باسمه وعلقت أسواق بغداد وعملت القباب وخلع على الرسول وانكمد الروافض وكانت مصر يخطب لهم [بها] [4] إلى هذا الأوان فكان مدة مملكة بني عبيد لها وانقطاع خطبة بني العباس إلى ان أعيدت مائتي [سنة] [5] وثماني سنين. قال المصنف وقد صنف في هذا كتابًا سميته النصر على مصر وعرضته على الإمام المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين.
وفي ربيع الأول: خرج الخادم صندل ومعه القاضي الدمشقي صحبة ابن أبي عصرون برسالة الى نور الدين بالشام.
__________
[1] «عليه» سقطت من النسخة ت، ص.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/196)
وفي هذه الأيام: فتح قيماز بابا من داره التي بدار الخليفة إلى السوق مما يلي دكاكين الأساكفة ونصب عليه بابا من حديد فأنكر أبو بكر ابن العطار صاحب المخزن ذلك وحسن للخليفة التقدم بسده فتقدم بذلك.
/ وفي يوم الجمعة منتصف جمادى الأولى: جعل للشيخ ابن المنى حلقة في 97/ ب الجامع فجلس فيها ولم يبن فيها دكة.
وفي صبيحة الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى: أصبحت الدنيا شديدة البرد وسقط الوفر على الناس نهارا إلى وقت الظهر إلا أنه كان خفيفا.
وفي يوم الأربعاء غرة رمضان: تكلمت في مجلسي بالحلبة فتاب على يدي نحو من مائتي رجل وقطعت شعور مائة وعشرين منهم.
وقدم في هذه الأيام محمد الطوسي الواعظ وفي رأسه حلق مشدودة وطوق وحواليه جماعة بسيوف فمضى إلى الوزير فأنكر عليه ذلك ومنع [1] من حمل السلاح معه.
وفي يوم الأحد عاشر شوال: دخل نجاح الخادم على الوزير ابن رئيس الرؤساء ومعه خط من الخليفة يذكر أنه قد استغنى عنه فأمر بطبق دواته وحل إزاره وقيامه من مسنده ففعل ذلك وقبض على ولده أستاذ الدار وأفرج عن سعد الشرابي وأعيد عليه ما كان أخذ منه.
وفي صبيحة الثلاثاء دار الوزير ودار ولده فأخذ منها الكثير [2] :
وفي ثاني عشر شوال استنيب صاحب المخزن ابن جعفر في الوزارة.
وفي سابع عشر شوال: وقع حريق عظيم في السوق الجديد من درب حديد إلى قريب من عقد الجديد احترقت فيه الدكاكين من الجانبين.
وفيه: فوض إلى ابن المعلم مدارس الحنفية يرتب فيها من يشاء.
وفي سادس عشرين ذي الحجة وصلت رسل ملك البحرين وكيش بهدايا فيها ألواح صندل وآبنوس وطيب وناب فيل.
__________
[1] «ذلك ومنع من» كتبت من نسخة الأصل في آخر الفقرة.
[2] «فأخذ منها الكثير» سقطت من ت.(18/197)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
98/ أ
4291- عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد [1] ، أبو محمد الخشاب
[2] .
قرأ القرآن وسمع الحديث الكثير وقرأ منه ما لا يحصى وقرأ النحو واللغة وانتهى علمها إليه ومرض في شعبان هذه السنة نحو عشرين يوما فدخلت عليه في مرضه وقد يئس من نفسه فقال لي عند الله احتسبت نفسي.
وتوفي يوم الجمعة ثالث [3] رمضان وصلى عليه بباب جامع المنصور [4] يوم السبت ودفن بمقبرة أحمد قريبا من بشر.
وحدثني عبد الله الحياني العبد الصالح قال رأيته في النوم بعد موته بأيام ووجهه منير مضيء فقلت ما فعل الله بك؟ قال غفر لي، قلت وأدخلك الجنة؟ قال وأدخلني الجنة إلا أنه أعرض عني قلت أعرض عنك؟ قال: نعم وعن جماعة من العلماء تركوا العمل.
4292- محمد بن محمد بن محمد، أبو المظفر البروي
[5] .
تفقه على محمد بن يحيى وناظر ووعظ وقدم بغداد فجلس للوعظ في أول ولاية المستضيء وأظهر مذهب الأشعري وتعصب على الحنابلة وبالغ فأخذه قيام الدم في رمضان هذه السنة في يوم.
وتوفي ودفن في تربة أبي إسحاق الشيرازي.
4293- ناصر الخويي
[6] .
كان متصوفا مقامه بمحلة التوثة ثم انتقل فأقام بجامع المنصور وكان يمشي في طلب الحديث حافيا.
وتوفي فصلى عليه بجامع المنصور [ودفن في التوثة] [7] .
__________
[1] «بن أحمد» سقطت من ت.
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 220، 221. والبداية والنهاية 12/ 269. والكامل 10/ 38) .
[3] في الأصل: «ثاني رمضان» .
[4] في الأصل: «جامع السلطان» .
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 224، وفيه: «أبو حامد» . والبداية والنهاية 12/ 269. والكامل 10/ 38) .
[6] في ت: «الجوني» وكذلك من البداية والنهاية انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 269) .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/198)
ثم دخلت سنة ثمان وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أني عقدت المجلس يوم عاشوراء بجامع المنصور فحضر من الجمع ما حزر بمائة ألف.
وفي صفر: جرت حادثة عجيبة وهو أن خادما/ سلم إلى غلام له مائة وخمسين 98/ ب دينارا ومضى إلى الحمام فأخذ الغلام المال وانحدر في الحال إلى النعمانية فلما خرج الخادم لم ير الغلام فأخذ معه غلاما تركيا من أصحاب قيماز وانحدر فوجد الغلام فأخذه وأخذ الغلام وقيده وتركه معه في السفينة ليصعد به إلى بغداد ثم ان الخادم نام فسأل الغلام التركي أن يحل يديه من القيد لما يلقى من الألم فحله التركي وقام [1] فزحف وقتل الخادم وغلاما كان معه فنهض إليه التركي فقتله ثم جاء بالمال فتسلمه [2] أصحاب التركات.
وفي هذا الشهر: قدمت خرق البحر مع المكيين كما جرت العادة.
وفي هذه الأيام: زاد الإرجاف بمجيء العسكر من باب همذان فغلت الأسعار وأخذ الخليفة في التجنيد وعمارة السور وجمع الغلات وعرض العسكر.
[الشروع في ختان السادة]
وفي هذه الأيام: شرع في ختان السادة وفرقت خلع كثيرة وعمل من المطاعم ما لا
__________
[1] «وقام» سقطت من ص، ت.
[2] من الأصل: «فسلمه» .(18/199)
يحد فذكر أنه ذبح ثلاثة آلاف دجاجة وألف رأس من الغنم وعملت إحدى وعشرون ألف خشكنانكة من ستين كارة سميذا وشرع في عمارة دواليب على الشط قريبا من التاج فأحكمت.
وفي ربيع الآخر: درس ابن فضلان في المدرسة التي عملها فخر الدولة ابن المطلب عند عقد المأمونية وبنيت له دكة في جامع القصر.
وفي جمادى الأولى: جاء برد لم يسمع بمثله وكان في كانون الأول حتى جمدت مياه الآبار واستمر ذلك إلى نصف كانون الثاني.
ومن الحوادث: أن بعض الأمراء سأل الخليفة أن يأذن لأبي الخير القزويني في الوعظ بباب بدر ليسمعه أمير المؤمنين وأراد أن يخص بهذا دون غيره فتكلم هناك يوم الخميس غرة رجب.
99/ أفلما كان يوم الثلاثاء سادس عشرين رجب تقدم/ لي بالجلوس هناك وأعطيت مالا وأخذ الناس أماكن من وقت الضحى للمجلس بعد العصر وكانت ثم دكاك فاكتريت حتى إن الرجل كان يكتري موضع نفسه بقيراطين وثلاثة وكنت أتكلم أسبوعا والقزويني أسبوعا إلى آخر رمضان وجمعي عظيم وعنده عدد يسير ثم شاع أن أمير المؤمنين لا يحضر إلا مجلسي.
وزادت دجلة في أوائل شعبان ثم تربى الماء فيها فلما كان الاثنين عاشر شعبان عظمت الزيادة فأسكرت المحال ووصل الماء إلى قبر الإمام أحمد ودخل مدرسة أبي حنيفة ودب من الحيطان إلى النظامية والى رباط أبي سعد الصوفي وأشغل الناس بالعمل في القورج وتقدم من الديوان إلى الوعاظ بالخروج مع العوام ليعمل الناس كلهم، ثم من الله بنقص الماء في مفتتح رمضان.
ووقع الحريق من باب درب بهروز إلى باب جامع القصر ومن الجانب الآخر من حجرة النخاس إلى دار الخليفة وتغير ماء دجلة باصفرار وثخن الماء فبقي على هذا مدة.
وفي شعبان: مرت ريح سوداء أظلمت الدنيا فتقدم إلي بالجلوس بباب بدر يوم عرفة فحضر الناس من وقت الضحى وكان الحر شديدا والناس صيام.
وكان من أعجب ما جرى أن حمالا حمل على رأسه دار نوبة من قبل الظهر الى(18/200)
وقت العصر ظلل بها من الشمس عشرة أنفس فأعطوه خمسة قراريط واشتريت مراوح كثيرة بضعفي ثمنها وصاح رجل يومئذ قد سرق الآن مني مائة دينار في هذه الزحمة فوقع له أمير المؤمنين بمائة دينار.
وفي ذي الحجة: عزل نقيب النقباء ابن الا بقي وولي مكانه ابن الزوال.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4294-/ أحمد بن سالم بن أحمد، أبو العباس الشحمي
[1] 99/ ب قرأ القرآن وأقرأ وصنف كتابا في المتشابه كبيرا وسمع من الزرقي وغيره.
وتوفي [2] في محرم هذه السنة ودفن في مقبرة الفيل من باب الأزج.
4295- أبو المعالي الكتبي
[3] .
كان فاضلا يقول الشعر المليح والنثر الجيد، وله رسائل ومدائح وكان من الذكاء على غاية وكان هو دلال بغداد في الكتب فاعترضه مرض.
فمات في صفر هذه السنة ودفن بمقبرة أحمد.
4296- أبو الفتح ابن الزني
[4] .
كان متفقها على مذهب أبي حنيفة وكان عاملا على ديوان المقاطعات.
فتوفي في غرة ذي الحجة من هذه السنة ودفن بباب أبرز وكان له امرأة يهودية وابن أخ مسلم فكتب جميع ماله لليهودية وترك ابن أخيه المسلم فاجتلب من الناس ذما كثيرا.
4297- يزدن [5] التركي.
كان من كبار الأمراء وتحكم في هذه الدولة وتجرد للتعصب في المذهب فانتشر بسببه الرفض وتأذى أهل السنة فمرض أياما بقيام الدم.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة ودفن في داره بباب العامة ثم نقل الى مقابر قريش.
__________
[1] في ت: «السحمى» .
[2] في الأصل: «ودفن» .
[3] في الأصل: «الكبي» .
[4] في ت: «الدني» .
[5] في ت: «يزدان» .
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 272، وفيه: «الحسن بن ضافي بن بزدن التركي» ) .(18/201)
ثم دخلت سنة تسع وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها.
[وقوع حريق بالظفرية]
أنه وقع حريق بالظفرية في ليلة الأربعاء ثالث المحرم فاحترقت مواضع كثيرة وما زالت النار تعمل إلى الفجر.
وفي يوم الجمعة: جلست في جامع المنصور فحزر الجمع بمائة ألف وتكلم يومئذ محمد الطوسي في التاجية وكان فيما قال ان ابن الملجم لم يكفر بقتل علي 100/ أعليه السلام فهاج الناس عليه [1] / ورموه بالآجر وخرج من المجلس والأتراك يحفظونه فلما كان في يوم مجلسه بالتاجية فرش له فاجتمع الناس في الصحراء متأهبين لرجمه وجاءوا بقوارير النفط فلم يحضر ومزق فرشه قطعا وتقدم إليه أن لا يجلس ولا يخرج من رباطه وما زال أهل البلد على حنق عليه، ثم منع الوعاظ كلهم من الوعظ في يوم الاثنين حادي عشرين المحرم ثم بعث إلى النائب في الديوان فقال قد تقدم إلى أن أتخير ثلاثة أنت ورجل من الشافعية ورجل من الحنفية وذلك في سادس صفر فتكلمنا ثم أطلق الوعاظ واحدا بعد واحد.
ورأينا في هذه السنة الحر في تموز وآب ما لم نره في أعمارنا وكان الحاج حينئذ [2] في سفر الحجاز فاخبروا حين [3] قدموا أنهم كانوا يتأذون بالبرد. وتغير الهواء
__________
[1] تكررت من الأصل العبارة: «السلام فهاج الناس عليه» .
[2] في الأصل: «يومئذ» .
[3] في ص: «لما قدموا» .(18/202)
ببغداد بدخول أيلول فأصاب الناس نزلات وسعال فقل أن ترى أحدا إلا وبه ذلك وإنما كان العادة أن يصيب بعض الناس وهذا كان عاما.
وفي ربيع الأول: وقعت صاعقة [في نخلة] [1] بالجانب الغربي فاشتعلت النخلة.
وسألني أهل الحربية أن أعقد عندهم مجلسا للوعظ ليلة فوعدتهم ليلة الجمعة سادس عشر ربيع الأول فانقلبت بغداد وعبر أهلها عبورا زاد على نصف شعبان زيادة كثيرة فعبرت إلى باب البصرة فدخلتها بعد المغرب فتلقاني أهلها بالشموع الكثيرة وصحبني منها خلق عظيم فلما خرجت من باب البصرة رأيت أهل الحربية قد أقبلوا بشموع لا يمكن إحصاؤها فأضيفت إلى شموع أهل باب/ البصرة فحزرت بألف 100/ ب شمعة فما رأيت البرية إلا مملوءة ضوءا وخرج أهل المحال الرجال والنساء والصبيان ينظرون وكان الزحام في البرية كالزحام في سوق الثلاثاء فدخلت الحربية وقد امتلأ الشارع واكتريت الرواشن من وقت الضحى فلو قيل ان الذين خرجوا يطلبون المجلس وسعوا في الصحراء بين باب البصرة والحربية مع المجتمعين في المجلس كانوا ثلاثمائة ألف ما أبعد القائل.
[وقوع الأمير أبي العباس ابن الخليفة من قبة عالية]
وفي ربيع الأول: وقع الأمير أبو العباس ابن الخليفة من قبة عالية إلى أرض التاج وأوجب ذلك وهنا في البدن وسلمه الله سبحانه.
[ختن الوزير ابن رئيس الرؤساء أولاده]
وفي هذا الشهر: ختن الوزير ابن رئيس الرؤساء أولاده وعمل الدعوة العظيمة وأنفذ إلى أشياء كثيرة وقال هذا نصيبك لأني علمت أنك لا تحضر في مكان يغنى فيه.
[جرت مشاجرة بين الطوسي وبين نقيب النقباء]
وفي ربيع الآخر: جرت مشاجرة بين الطوسي وبين نقيب النقباء فقال الطوسي أنا نائب النقابة وأنا نائب الله في ارضه فاستخف به النقيب وقال إنما نائب الله في أرضه الإمام صلوات الله عليه فرفع ذلك فأمر بإخراجه من البلد فأخرج يوم الخميس رابع عشرين ربيع الآخر فسئل فيه فأقام بالجانب الغربي مديدة ثم سئل فيه فدخل الحريم ثم سئل فيه فأعيد إلى المجلس وكان المتعصب له ريحان الخادم.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/203)
وفي جمادى الآخرة: اعتقل الفقيه في الديوان أياما وكان قد سعى به أنه يرى رأي الدهرية ولا يصلي ولا يصوم وتعصب له قوم فتركوه فأخرج.
101/ أوفي رجب: / وصل ابن الهروي رسولا من نور الدين بتحف كثيرة وفيها ثياب من ثياب المصريين وحمار كأن جلده الثوب العتابي.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشرين رجب: عزل ابن الشاشي من التدريس بالنظامية وولى مكانه أبو الخير القزويني.
وورد بغداد [1] في شعبان هذه السنة بأن ابن أخي شملة التركماني ويعرف بابن سنكا [2] قد استحدث قلعة في ولاية باذرايا بقرب من قلعة الماهكي ليتخذها ذريعة إلى الإغارة على البلاد ونقل إليها فبعث السلطان إليه الجيوش فالتقوا فحمل بنفسه عليهم فطحن الميمنة فتقدم قيماز العميدي إلى الأمراء فحثهم على خوض الماء إليه [3] وكان قد فتح البثوق يحتج بها فخاض قيماز ومعه جماعة قوائم ثم اقتتلوا وأسر ابن سنكا ثم قتل وجيء برأسه فعلق بباب النوبي وهدمت القلعة ثم جاء رسول شملة ومعه حمل يبذل الطاعة ويعتذر مما جرى فلم يلتفت إليه.
[زيادة دجلة]
وفي غرة رمضان: زادت دجلة زيادة كثيرة ثم تفاقم الأمر في سابع رمضان وجاء مطر كثير في ليلة الجمعة ثامن رمضان ووقع في قرى حول الحظيرة وفي الحظيرة برد ما رأوا مثله فهدم الدور وقتل جماعة من الناس وجملة من المواشي وحدثني بعض الثقات أنهم وزنوا بردة فكان فيها سبعة أرطال قال وكانت عامته كالنارنج يكسر الأغصان وساخت الدور ثم زاد الماء في يوم الأحد عاشر رمضان فزاد على كل زيادة تقدمت منذ بنيت بذراع وكسر وخرج الناس وضربوا الخيم على تلال الصحراء ونقلوا رحالهم إلى 10/ ب دار الخليفة ومنهم/ من عبر وتقدم بالعوام يخرجوا بالوعاظ [4] إلى القورج ليعملوا فيه
__________
[1] في الأصل: «وورد الخبر» .
[2] في الأصل: «بابن شكا» .
[3] «إليه» سقطت من ص، ت.
[4] في الأصل: «وتقدم بالوعظ يخرجوا بالعوام إلى» .(18/204)
فخرجنا وقد انفتح موضع فوق القورج بقرية يقال لها الزور تقية وجاء الماء من قبله فتداركه الناس فسدوه وبات عليهم الجند وتولى العمل الأمير قيماز بنفسه وحده ثم انفتح يومئذ [بعد العصر] [1] فتحة من جانب دار السلطان وساح الماء فملأ الجواد ثم سد بعد جهد وبات الناس على اليأس يضجون بالبكاء والدعاء ثم نقص الماء نحو ذراعين فسكن الناس وغلا السعر في تلك الأيام فبيع الشوك كل باقة بحبة والخبز الخشكار [2] كل خمسة أرطال بقيراط ودخل نزيز الماء من الحيطان فملأ النظامية والتتشية ومدرسة [3] أبي النجيب وقيصر وجميع الشاطئات ثم وصل النزيز إلى رباط أبي سعد الصوفي فهدمت فيه مواضع والى درب السلسلة ومن هذه المواضع ما وقع جميعه ومنه ما تضعضع وكثر نزيز الماء في دار الخلافة وامتلأت السراديب فكان الخليفة يخرج من باب الفردوس إلى ناحية الديوان فيمضي إلى الجامع، ونبع الماء من البدرية فهلكت كلها وغلقت أبوابها ونبع في دار البساسيري ودرب الشعير من البلاليع وانهدمت دور كثيرة حتى أنه نفذ إلى المواضع البعيدة فوقعت آدر في المأمونية وصعد الماء إلى الحريم الطاهري بالجانب الغربي فوقعت دوره ودخل الماء إلى المارستان وعلا فيه ورمى عدة شبابيك من شبابيكه الحديد، فكانت السفن تدخل من الشبابيك إلى أرض المارستان/ ولم يبق فيه من يقوم بمصلحته إلا المشرف على الحوائج. 102/ أفحكي أنه جمع اقطاعا من الساج فشهدها كالطوق وترك عليها ما يحتاج من الطعام والشراب حتى الزيت والمقدحة [4] ورقي المرضى إلى السطح وبعث بالمرورين إلى سقاية الراضي بجامع المنصور.
وامتلأت مقبرة أحمد كلها ولم يسلم منها إلا موضع قبر بشر الحافي لأنه على نشز وكان من يرى مقبرة أحمد بعد أيام يدهش كأن القبور قد قلبت وجمع الماء عليها [5] كالتل
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «الكشكار» .
[3] في الأصل: «ومدرسها» .
[4] في الأصل: «المقرحة» .
[5] «عليها» سقطت من ص، ت.(18/205)
العظيم من العظام وكالتل من ألواح القبور، وأسكرت الحربية والمشهد، ووقع أكثر سور المشهد، ونبع الماء [1] من داخله الماء فرمى الدور والترب ووقعت آدر بالحربية من النزيز وامتلأ الماء من دجلة إلى سور دار القز [2] وكان الناس ينزلون في السفن من شارع دار الرقيق [3] ومن الحربية ومن الحربية ومن درب الشعير وامتلأت مقبرة باب الشام ووقع المشهد الذي على باب النصرية ووصل الماء من الصراة إلى باب الكرخ وكان الناس قد وطئوا التلال العالية وهلكت قرى [كثيرة] [4] ومزارع لا تحصى.
وخرجت يوم الجمعة خامس عشرين رمضان إلى [خارج] [5] السور فإذا قد نصب لخطيب جامع السلطان منبر في سوق الدواب يصلى بالناس هناك لامتلاء جامع السلطان بالماء.
102/ ب وجاء يوم الخميس حادي عشرين رمضان بعد الظهر برد/ كبار ودام زمانا كسر أشياء كثيرة وتوالت الأمطار في رمضان والرعود والبروق.
وفي يوم الجمعة ثاني عشرين رمضان: جعل مسجد التوثة جامعا وأذن في صلاة الجمعة فيه فأقيمت فيه الجمعة يومئذ ثم عاد الماء في يوم السبت ثالث عشرين رمضان إلى الزيادة الأولى على غفلة ثم زاد عليها وجاء [يومئذ] [6] مطر عظيم وانفتح القورج [7] والفتحة التي في أصل دار السلطان وغلب الماء فامتلأت الصحراء وضرب إلى باب السور وضربوا الخيم على التلال العالية كتل الزبابية وتل الجعفرية وتعد الناس ينتظرون دخول الماء إلى البلد وعم الماء السبتي والخيزرانية وعسكر [8] أهل أبي حنيفة فجاءهم الماء من خلف القرية [9] وجامع المهدي فوقعت فيه أذرع ونبع الماء من دار الخليفة من
__________
[1] «الماء» سقطت من ص، ت.
[2] في الأصل: «دار العز» .
[3] في ص: «دار الدقيق» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في الأصل: «الفيوح» .
[8] في ص: «وأسكر» .
[9] في ص: «من خلف المحلة» .(18/206)
مواضع وهدم فيها دور كثيرة وملأ السراديب وانتقل جماعة من الخدم إلى دور في الحريم وامتلأت الصحاري وعبر خلق كثير إلى الكرخ وتقطر السور وانفتحت فيه فتحات وكان الناس يعالجون الفتحة فإذا سدوها انفتحت أخرى وكثر الضجيج والدعاء والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى وغلا الخبر وفقد الشوك وأخذ أصحاب السلطان يقاوون القورج ويجتهدون في سده وأقاموا القنا وفي أسافله الحديد في الماء ونقلوا حطبا زائدا عن الحد والماء يغلبهم على جميع ذلك [1] / إلى أن سده سكار [2] حاذق في سابع شوال. 103/ أواسكر جانب السور لئلا يتمقطر وأقام الماء خلف السور نحوا من شهر ونصب على الخندق الذي خلف السور جسر يعبر الناس عليه من القرى إلى بغداد.
وجاءت في هذه الأيام أكلاك من الموصل فتاهت في الماء حتى بيع ما عليها ببعقوبا بثمن طفيف وأخبر أهلها بما تهدم من المنازل بالأمطار في الموصل وقالوا اتصلت عندنا الأمطار أربعة أشهر فهدمت نحو ألفي دار وكانوا يهدمون الدار إذا خيف وقوعها فهدموا أكثر مما هدم المطر وكانت الدار تقع على ساكنيها فيهلك الكل ثم زادت الفرات زيادة كثيرة وفاضت على سكر عندها يقال له سكر قنين وجاء الماء فأهلك من القرى والمزارع الكثير ثم جاء إلى الجانب الغربي من نهر عيسى والصراة وأسكر أهل دار القز وأهل العتابيين [3] وباب البصرة والكرخ وباتوا مدة على التلال يحفظون المحال وقد انبسط الماء فراسخ ومر خلف المحال فقلب في الخندق والصراة ونهر عيسى ورمى قطعة من قنطرة باب البصرة.
ومن العجائب أن هذا الماء على هذه الصفة ودجيل قد هلكت مزارعه بالعطش ووقع الموتان في الغنم وكان ما يؤتى به سليما يكون مطعونا حتى بيع الحمل بقيراط ومرض الناس من أكلها ثم غلت الفواكه فبيع كل من من التفاح بنصف دانق وكذلك الكمثرى والخوخ حتى غلا الطين الذي يؤخذ من المقالع وبلغ الآجر كل ألف/ بثلاثة 103/ أدنانير ونصف.
__________
[1] «على جميع ذلك» سقطت من ص، ت.
[2] في الأصل: «شدة شكار» .
[3] في الأصل: «أهل العباس» .(18/207)
وتوفي في هذه السنة محمود بن زنكي فتجدد بعد موته اختلاف بحلب بين السنة والشيعة فقتل من الطائفتين خلق ونهب ظاهر البلد فذهب خمسة آلاف خركاه وبيت من التركمان.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4298- أحمد بن علي بن المعمر بن محمد بن عبيد الله، أبو عبد الله الحسيني نقيب [النقباء] [1] العلويين، وكان يلقب: بالطاهر
[2] .
سمع الحديث الكثير وقرئ عليه وكان حسن الأخلاق جميل المعاشرة يتبرأ من الرافضة توفي ليلة الخميس العشرين من جمادى الآخرة ودفن بداره من الحريم [3] الطاهري مدة ثم نقل إلى مشهد الصبيان بالمدائن ولما توفي ولي مكانه ولده.
4299- الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد العطار، أبو العلاء الهمذاني
[4] .
سافر الكثير في طلب العلم وقرأ القرآن واللغة وقدم بغداد فأكثر من السماع وحصل [5] الكتب الكثيرة وعاد إلى بلده همذان فاستوطنها وكان له بها القبول والمكانة وصنف وكان حافظا متقنا مرضي الطريقة سخيا وانتهت إليه القراءات والتحديث.
وتوفي ليلة الخميس عاشر جمادى الآخرة من هذه السنة وقد جاوز الثمانين بأربعة أشهر وأيام.
قال المصنف: وبلغني أنه رئي في المنام في مدينة جميع جدرانها من الكتب وحوله كتب لا تحد وهو مشتغل بمطالعتها فقيل له ما هذه الكتب؟ قال: سألت الله ان يشغفني بما كنت اشتغل به في الدنيا فأعطاني. ورأى له شخص آخر أن يدين
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 231. والكامل 10/ 62) .
[3] من هنا إلى آخر الترجمة ساقط من ت.
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 231، 232. والبداية والنهاية 12/ 286. والكامل 10/ 62) .
[5] في الأصل: «وحصلت» .(18/208)
خرجتا/ من [محراب] [1] مسجد فقال ما هذه اليدان؟ فقيل هذه يدا آدم بسطها ليعانق 104/ أأبا العلاء الحافظ قال وإذا بأبي العلاء قد اقبل قال فسلمت عليه فرد علي السلام وقال:
يا فلان رأيت ابني أحمد حين قام على قبري يلقنني أما سمعت صوتي حين صحت على الملكين فما قدرا أن يقولا شيئا [فرجعا] [2] .
4300- رستم بن شرهيك [3] أبو القاسم الواعظ
[4] .
سمع الحديث وتعلم الوعظ من شيخنا أبي الحسن الزاغوني [5] وأقام بشارع رزق الله وكان يعظ بجامع بهليقا.
توفي يوم الثلاثاء سادس عشرين ربيع الأول من هذه السنة عن ستين سنة تقريبا ودفن بباب حرب [6] .
4301- ابن الأهوازي
[7] .
خازن دار الكتب بمشهد أبي حنيفة.
توفي في ربيع الأول جاء من محلته إلى البلد فاتكأ على دكة فمات وكذلك مات أخوه وأبوهما فجاءة.
4302- محمود بن زنكي بن آقسنقر، الملقب نور الدين
[8] .
ولي الشام سنين وجاهد الثغور وانتزع من أيدي الكفار نيفا وخمسين مدينة وحصن منها الرها وبنى مارستان في الشام أنفق عليه مالا وبنى بالموصل جامعا غرم [9]
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «شرهك» .
وفي ت: «سرهنك» .
[4] في ت: «الواعظ» .
[5] في الأصل: «الزعفرانيّ» .
[6] في ت: «ودفن بمقبرة أحمد» .
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 286) .
[8] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 277: 287. والكامل 10/ 55، 56، 57) .
[9] في الأصل: «أنفق» .(18/209)
عليه ستين ألف دينار وكان سيرته اصلح من كثير من الولاة، والطرق في أيامه آمنة والمحامد له كثيرة وكان يتدين بطاعة الخلافة وترك المكوس قبل موته وبعث جنودا افتتحوا مصر وكان يميل إلى التواضع ومحبة العلماء وأهل الدين وكاتبني مرارا واحلف الأمراء على طاعة ولده بعده وعاهد ملك الإفرنج صاحب طرابلس وقد كان في قبضته 104/ ب أسيرا على ان يطلقه بثلاثمائة ألف دينار وخمسين ومائة حصان/ وخمسمائة زردية ومثلها تراس افرنجية ومثلها قنطوريات وخمسمائة أسير من المسلمين وأنه لا يعبر على بلاد الإسلام سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وأخذ منه في قبضته على الوفاء بذلك مائة من أولاد كبراء الإفرنج وبطارقتهم [1] فإن نكث أراق دماءهم وعزم على فتح بيت المقدس فوافته المنية في شوال هذه السنة وكانت ولايته ثمانية وعشرين سنة وأشهرا.
4303- يحيى [2] بن نجاح المؤدب
[3] .
سمع الحديث الكثير وقرأ النحو واللغة وكان غزير الفضل يقول الشعر الحسن.
توفي في أواخر هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «وقاله بالعهد» .
[2] بياص من ت مكان «يحيى» .
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 236) .(18/210)
ثم دخلت سنة سبعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها.
أنه في يوم الجمعة غرة المحرم ركب الخليفة من داره إلى الجامع فخرج من باب الفردوس ودخل الديوان راكبا ونزل عند باب المجاز الذي ينفذ إلى الطريق وركب من هناك ودخل المقصورة لصلاة الجمعة وسبب ذلك أن طريقه في السراديب انسدت من زمان الغرق بالماء والتراب.
[جرت خصومات بين أهل باب البصرة وأهل الكرخ]
وجرت خصومات بين أهل باب البصرة وأهل الكرخ قتل فيها جماعة واتصلت وأصلح بينهم من الديوان ثم عادوا إلى الخصام فتولى الأمر سليمان بن شاووش فخافوا سطوته وكفوا.
وفي يوم الأحد ثالث المحرم: ابتدأت بإلقاء الدرس في مدرستي بدرب دينار فذكرت يومئذ أربعة عشر درسا من فنون العلوم.
وفي سابع عشر المحرم: أخذ رجل قد خنق صبيا بسبب حليقات كانت في أذنه ونصفية بياض وكان الرجل خياطا من الجانب الغربي وان والد الصبي كان غائبا فلما حضر ضرب عنق هذا.
/ وفي يوم الجمعة ثاني عشرين المحرم: نصب جسر جديد أمرت بعمله جهة من 105/ أجهات المستضيء بأمر الله تلقب بنفشة وكتبت اسمها على حديدة في سلسلة وجعل تحت الرقة مكان الجسر العتيق وحمل الجسر العتيق إلى نهر عيسى فبقي تحت الرقة إلى أن حول في هذه الأيام نحوا من خمسين سنة فوجد الناس له راحة عظيمة بوجود جسرين.(18/211)
وفي يوم الأحد ثالث عشر ربيع الأول: أعيد أبو الحسن بن أحمد الدامغاني إلى قضاء القضاة بعد أن بقي مصروفا خمس عشرة سنة وكان قد تولى مكانه لما عزل أبو جعفر ابن الثقفي فمات [فولى جعفر ولد ابن الثقفي قضاء القضاة فمات] [1] فولى [روح] [2] بن الحديثي قضاء القضاة فمات وأرجف لولد ابن الحديثي بذلك فلم يمض شهر حتى مات فأعيد ابن الدامغاني وقبض على صاحب الديوان ابن البخاري ووكل به في المخزن ورفعت إليه أشياء ثم نقل إلى الديوان موكلا به مديدة ثم أطلق.
وفي هذه الأيام: انتدب رجل يأخذ الطرزدانات من الدكاكين ويهرب ثم وقعوا به فأظهر ما كان يأخذ.
وكسفت الشمس وقت طلوعها يوم الثلاثاء ثامن عشرين ربيع الآخر فبقيت كذلك إلى ضحوة عالية.
وفي ليلة السبت عاشر جمادى الأولى: وقع في البلد انزعاج شديد من وقت العتمة ولبس العسكر [السلاح] [3] ولم يدر ما السبب ثم أصبح الناس على ذلك الانزعاج ولم يفتح باب النوبي ولا باب العامة وزاد الانزعاج وركوب العسكر وجعلت الظنون ترجم وكل قوم يرجفون بشيء وبقي البابان مغلوقين طول النهار وكان يفتح بعض جانب باب النوبي فيدخل من يريدون ثم يغلق فانكشف الأمر إلى آخر النهار وهو أن 105/ ب الأمر [4] / وقع إلى أستاذ الدار صندل إذا كان في غد فاحضر ابن المظفر وغير ثيابه ومره بالقعود في الديوان فبلغ هذا الخبر قيماز فغضب من ذلك وأغلق باب النوبي وباب العامة وقال لا أقيم ببغداد حتى يخرج منها هو وأولاده وأن هذا عدوى ومتى عاد إلى الوزارة قتلني فقيل للوزير ابن المظفر تخرج من البلد فقال لا أفعل فلما شدد عليه وخيف من فتنة قال أنا أعلم أني إذا خرجت قتلت فاقتلوني في بيتي فتلطفوا به وقالوا لا بد من هذا فسأل بأن يفتح الجامع ويحضر فخر الدولة بن المطلب وشيخ الشيوخ وأن يحلف له
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «وهو أن أمير المؤمنين» .(18/212)
قيماز أنه لا يؤذيه ولا يتتبعه إذا خرج ولا يواطئ على أذاه ففعل ذلك وأصبح باب النوبي وباب العامة مغلوقين ثم فتحا ولم يترك أحد يدخل ويخرج إلا أن يعرف فكان العسكر تحت السلاح والمحال تحفظ.
فلما كانت ليلة الاثنين أخرج الوزير ابن رئيس الرؤساء وأولاده راكبين بعد العتمة إلى رباط أبي سعد الصوفي فباتوا ثم ومعهم جماعة موكلون بهم وحرست السطوح وأغلق الباب وكان لا يفتح بالنهار إلا لمهم وأصبح الناس قد سكنوا ودخل قيماز إلى الخليفة معتذرا مما فعل من غلق الأبواب وغير ذلك وهو منزعج خائف فقيل أنه لم يذكر له في ذلك شيء فخرج طيب النفس وأصر قيماز على أنه لا بد من خروج الوزير وأهله من بغداد فما زالت الرسل تتردد في ذلك إلى ان استقر الأمر أنهم يعبرون إلى الجانب الغربي.
[انتهاء تفسير ابن الجوزي للقرآن]
وفي يوم السبت سابع عشر جمادى الأولى: انتهى تفسيري للقرآن في المجلس على المنبر فاني كنت أذكر في كل مجلس منه آيات من أول الختمة على الترتيب إلى أن تم فسجدت على المنبر سجدة الشكر وقلت: ما عرفت/ أن واعظا فسر القرآن كله في 106/ أمجلس الوعظ منذ نزل القرآن فالحمد للَّه المنعم، ثم ابتدأت يومئذ في أول ختمة وأنا أفسرها على الترتيب والله قادر على الإنعام بالإتمام والزيادة من فضله.
وفي بكرة يوم الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى: خرج الوزير ابن رئيس الرؤساء وأولاده من رباط أبي سعد الصوفي فعبروا على الجسر ونزلوا بدار النقيب الطاهر بالحريم على شاطئ دجلة بالجانب الغربي واحترزوا هنالك بالسلاح ثم أعيدوا في آخر يوم الخميس سابع جمادى الآخرة إلى بيوتهم جاءوا على الخيل إلى تحت الرقة ونزلوا في السفن ودخلوا من باب البشرى فخرجوا الى منازلهم.
[وفاة السامري]
وفي جمادى الآخرة: توفي السامري المحتسب وولى مكانه ابن الرطبي.
وفي أول يوم من رجب: حضر أرباب الدولة للهناء بباب الحجرة ثم انصرفوا إلى الدار الجديدة التي عمرها المستضيء مقابلة المخزن وحضر العلماء والمتصوفة والقراء واستدعيت مع القوم فقرءوا ختمة وأكلوا طعاما وانصرف قاضي القضاة في جماعة من(18/213)
الأكابر وانصرفت معه وبقي المتصوفة فباتوا على سماع وخلعت على الكل خلع وفرق عليهم مال.
[جلوس ابن الجوزي بباب بدر بحضور أمير المؤمنين]
وتقدم إلي بالجلوس تحت المنظرة بباب بدر فتكلمت يوم الخميس بعد العصر خامس رجب وحضر أمير المؤمنين وأخذ الناس أماكنهم من بعد صلاة الفجر واكتريت 106/ ب دكاكين فكان مكان كل رجل بقيراط حتى أنه اكترى دكان لثمانية عشر بثمانية/ عشر قيراطا ثم جاء رجل فأعطاهم ست قراريط حتى جلس معهم وكان الناس يقفون يوم مجلسي من باب بدر إلى باب العيد كأنه العيد ينظر بعضهم إلى بعض وينتظرون قطع المجلس.
[سلمت الى ابن الجوزي المدرسة التي كانت لنظام الدين]
وفي يوم الخميس خامس عشرين شعبان: سلمت إلي المدرسة التي كانت دارا لنظام الدين أبي نصر بن جهير وكانت قد وصلت ملكيتها الى الجهة المسماة بنفشة [1] فجعلتها مدرسة وسلمتها إلى أبي جعفر ابن الصباغ فبقي المفتاح معه أياما ثم استعادت منه المفتاح وسلمته إلى من غير طلب كان مني وكتب في كتاب الوقف انها وقف على أصحاب أحمد وتقدم إلي يوم الخميس المذكور بذكر الدرس فيها فحضر قاضي القضاة وحاجب الباب وفقهاء بغداد وخلعت علي خلعة وخرج الدعاة بين يدي والخدم ووقف أهل بغداد من باب النوبي إلى باب المدرسة كما يكون في العيد وأكثر وكان على باب المدرسة ألوف والزحام على الباب فلما جلست لإلقاء الدرس عرض كتاب الوقف على قاضي القضاة وهو حاضر مع الجماعة فقرئ عليهم وحكم به وأنفذه وذكرت بعد ذلك الدرس فألقيت يومئذ دروس كثيرة من الأصول والفروع وكان يوما مشهودا لم ير مثله ودخل على قلوب أهل المذهب غم عظيم [لأنهم حسدوني] [2] .
وتقدم ببناء دكة لنا في جامع القصر في آخر شعبان فانزعج لهذا جماعة من الأكابر وقالوا ما جرت عادة للحنابلة بدكة فبنيت وجلست فيها يوم الجمعة ثالث رمضان ودل بعض فقهاء أبي حنيفة في الإفطار بالأكل واعترضت عليه يومئذ وازدحم العوام حتى
__________
[1] في ت: «بنفسه» .
[2] ما بين المعقوفتين من «مرآة الزمان» لسبط ابن الجوزي.(18/214)
امتلأ صحن الجامع ولم يمكن للأكثرين وصول إلينا/ وحفظ الناس بالرجالة خوفا من 107/ أفتنة وما زال الزحام على حلقتنا كل جمعة وكانت ختمتنا في المدرسة ليلة سبع وعشرين فعلق فيها من الاضواء ما لا يحصى واجتمع من الناس ألوف كثيرة فكانت ليلة مشهودة ثم عقدت المجلس يوم الأربعاء سابع شوال تحت المدرسة فاجتمع الناس من الليل وباتوا وحزر الجمع يومئذ بخمسين ألفا وكان يوما مشهودا.
وكان تتامش الأمير قد بعث إلى بلد الغراف من نهبهم وآذاهم حتى بلغني ان قوما منهم قتلوا وقوما غرقوا فجاء منهم جماعة فاستغاثوا بجامع القصر في شوال ومنعوا الخطيب وفاتت الصلاة أكثر الناس وأنكر أمير المؤمنين ما جرى وأن تتامش وزوج أخته قيماز لم يحفلا بالإنكار وأصروا على الخلاف وجرت بينهما وبين ابن العطار منابذات ثم بعث أمير المؤمنين مختار الخادم فأصلح بينهم فلما كان الغد أظهرا الخلاف وأصرا عليه وضربوا النار في دار ابن العطار.
ثم في يوم الأربعاء خامس ذي القعدة [جاءوا] [1] وطلبوه فنجا وبعث إلى قيماز ليحضر فأبى وبارز بالعناد وكان قد حالف الأمراء على موافقته فبان قبح المضمر فصيح في العوام للخصومة وضربت ناحية قيماز بقوارير النفط فنقب حائطا من داره إلى درب بهروز وخرج من البلد ضاحي نهار ومعه تتامش ابن احماه وعدد يسير من الأمراء ودخل العوام إلى دار قيماز ودور الأمراء الذين هربوا معه فنهبوا وأخذوا أموالا زائدة عن الحد واحرقوا من الدور مواضع كثيرة وبقي الخارجون من البلد في الذل والجوع وقصدوا حلة ابن مزيد ثم/ خرجوا عنها فطلبوا الشام وق تفلل جمعهم وبقي معهم عدد يسير ثم 107/ ب جعل حاجب الباب ابن الوكيل صاحب الديوان.
وفي يوم الخميس ثالث عشرين ذي القعدة: خلع على الوزير ابن رئيس الرؤساء وأعيد إلى الوزارة وجلس في الديوان ثم خلعت عليه خلع الوزارة واحضرنا للاستفتاء في حق قيماز وما يجب عليه من مخالفته أمير المؤمنين فكتب الفقهاء كلهم انه مارق.
ثم جاء الخبر يوم الجمعة سابع عشرين ذي الحجة بأن قيماز توفي ودفن وأن أكثر أصحابه مرضى فأعيد سعد الشرابي إلى شغله وسلمت خزانة الشراب اليه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/215)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4304- حامد بن [مُحَمَّد] حامد، أبو الفضل [1] الحراني صديقنا
[2] .
قدم بغداد وتفقه وناظر وعاد إلى حران فأفتى ودرس وكان ورعا به وسوسة في الطهارة وروى عن شيخنا عبد الوهاب.
وتوفي بحران في هذه السنة.
4305- روح بن أحمد، أبو طالب الحديثي قاضي القضاة
[3] .
توفي يوم الاثنين خامس عشر [4] المحرم ودفن يومئذ بقراح ظفر وكان ولده عبد الملك في الحج فبلغته وفاته وهو بالكوفة فلما دخل بغداد مرض أياما ومات وكان ينبز بالرفض.
4306- شملة التركماني
[5] .
108/ أكان قد تغلب على بلاد فارس/ واستجد بها قلاعا ينهب الأكراد والتركمان ثم يأوي إليها وقوي على السلجوقية وكان يظهر الطاعة للإمام مكرا منه وتم له ذلك زيادة على عشرين سنة ثم أنه نهض إلى قتال بعض التركمان فعلموا بذلك فاستعانوا بالبهلوان فساعدهم بجنود فاقتتلوا فأصاب شملة سهم ثم أخذ أسيرا وولده [6] وابن أخته وتوفي بعد يومين.
4307- عبد الله بن عبد الصمد
[بن عبد الرزاق، أبو محمد] [7] الدهان [السلمي] [8] .
سمع الحديث ورواه وكان شيخا صالحا ففلج قبل موته.
وتوفي يوم الجمعة ودفن بمقبرة احمد.
__________
[1] في الشذرات: «حامد بن محمود بن حامد» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 237) .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 291) .
[4] في ص: «يوم الاثنين عشر المحرم» .
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 237 وفيه: «سلمة» . والبداية والنهاية 12/ 291. والكامل 10/ 71) .
[6] في الأصل: «وابنه» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.(18/216)
4308- قيماز [بن عبد الله]
[1] .
كان مملوكا للمستنجد باللَّه [وارتفع أمره وعلا كثيرا] [2] فلما ولى المستضيء [بأمر الله] [3] بعد موت المستنجد [زاد أمره] [4] وصار مقدما على الكل [وكانت الجنود كلها تحت أمره] [5] وانبسط كثيرا حتى أن المستضيء أراد تولية وزير فمنع من ذلك وأغلق باب النوبي يومين [وقيل أنه نوى نية ردية] [6] وقد أشرنا إلى حاله في حوادث هذه السنة إلى أن خرج من بغداد [هاربا] [7] فتوفي بناحية الموصل وغسل في سقاية ووصل خبره في ذي القعدة [8] [من هذه السنة] [9] .
4309- يحيى [10] بن جعفر، [أبو الفضل]
[11] .
كان صاحب مخزن المقتفي فأقره على ذلك المستنجد ولم يغير عليه المستضيء ثم استنابه في الديوان إذ خلا عن وزير فتقلب في هذه الأحوال عشرين سنة. كان يحفظ القرآن وسمع الحديث وحج حجاب كثيرة.
توفي يوم السبت تاسع عشر ربيع الأول [من هذه السنة وصلى عليه يوم الأحد بجامع القصر] [12] ودفن عند أبيه في الحربية وخلف ولدين نجيبين [فبلغ كل واحد منهما نحو ثلاثين سنة من العمر وتهيأ للولايات] [13] فمات الاكبر ثم/ تبعه أخوه بعد قليل ودفنا 108/ ب عند أبيهما.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 238. والبداية والنهاية 12/ 291) .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] في ت: «من ذي الحجة» .
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] في الأصل: «محيي بن جعفر» .
[11] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 238. والكامل 10/ 73) .
[12] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[13] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/217)
ثم دخلت احدى وسبعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[جلوس ابن الجوزي بباب بدر بحضور الخليفة]
أنه تقدم إلي بالجلوس تحت المنظرة الشريفة بباب بدر فتكلمت بكرة الخميس ثالث المحرم والخليفة حاضر وكان يوما مشهودا ثم [تقدم إلي بالجلوس هنالك] [1] يوم عاشوراء فأقبل الناس إلى المجلس من نصف الليل وكان الزحام شديدا زائدا على الحد [ووقف من الناس على الطرقات ما لا يحصى] [2] وحضر أمير المؤمنين وفقه الله.
[القبض على أستاذ الدار صندل وعلى خادمين معه]
وفي صفر: قبض على أستاذ الدار [صندل] [3] وعلى خادمين [معه وحبسوا] [4] وأرجف الناس أنهم كانوا قد تحالفوا على سوء ثم ضيق [بعد ذلك] [5] على الأمير أبي العباس ولد أمير المؤمنين [المستضيء بأمر الله] [6] وولي ابن الصاحب حاجب الباب [مكان أستاذ الدار] [7] وولي ابن الناقد حجبة الباب.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/218)
[وبنى كشك في البلد لأمير المؤمنين ناحية جامع السلطان] [1] وجاء [في ليلة الأحد] [2] ثامن ربيع الآخر [3] مطر عظيم [برعد شديد] [4] ووقعت صاعقة في دار الخلافة وراء التاج وأحرقت [ما حولها فأصبحوا] [5] فأخرجوا أهل الحبوس وأكثروا الصدقات وكانت ابنتي [رابعة] [6] قد خطبت [فسأل الزوج أن يكون العقد بباب الحجرة وحضر قاضي القضاة ونقيب النقباء وجماعة من الشهود والخدم والأكابر] [7] فزوجت [8] [ابنتي] [9] بأبي الفتح ابن الرشيد [الطبري] [10] وتزوج حينئذ ولدي أبو القاسم بابنة الوزير يحيى بن هبيرة [وكان الخاطب ابن المهتدي] . [11] وتقدم إلي بالجلوس ليلة رجب تحت المنظرة [فاجتمع الناس] [12] فجاء مطر فمنع الحضور فتقدم بالجلوس [13] في اليوم الثاني فتكلمت وأمير المؤمنين حاضر وأمرنا بالبكور إلى دعوة أمير المؤمنين فحضرنا [بكرة السبت وحضر الوزير ابن رئيس الرؤساء] [14] وأرباب [الدولة والعلماء والمتصوفة فأكلوا وأنشد ابن شبيب قصيدة يمدح فيها أمير المؤمنين وخرج قاضي/ القضاة وأرباب الدولة بعد الأكل وخرجت معهم وباب 109/ أالباقون مع المتصوفة على سماع الإنشاد وفرق على الجماعة مال وخلع وكان هذا
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «ربيع الأول» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] في الأصل: «فزوجها» .
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[11] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[12] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[13] في الأصل: «فجلست» .
[14] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/219)
رسمهم في كل رجب وكانت العادة ان لا يدخل أحد الدار بطيلسان ولا طرحة احتراما لأمير المؤمنين سوى قاضي القضاة فإنه كان يجعل طرحته طيلسانا وكنت إذا تكلمت بباب بدر اصعد المنبر فإذا جلست رفعت الطرحة فوضعتها إلى جانبي فإذا فرغ المجلس أعدتها] [1] وفي يوم الجمعة تاسع رجب: استدعانا صاحب المخزن للمناظرة فحضر فقهاء بغداد ولم يتخلف إلا النادر ودل أبو الخير القزويني في مسألة زكاة الحلي واعترضت عليه ثم جرينا على العادة في الجلوس [بباب بدر ليلة الجمعة] [2] فأسبوع لي وأسبوع للقزويني وكان الزحام عندي أكثر [وبعث إلي بعض الأمراء من أقارب أمير المؤمنين فقال والله ما أحضر أنا ولا أمير المؤمنين غير مجلسك وإنما تلمحنا مجلس غيرك يوما وبعض يوم آخر] . [3] وفي [يوم الجمعة] [4] رابع عشر شعبان: حملت إلي طريفة قد بعثت إلى أمير المؤمنين من قرية قريبة من بغداد [يقال لها الوقت] [5] وهي بقرتان قد ولدتا برأسين ورقبتين وأربع أيدي وبطن واحد وفرج ذكر وفرج أنثى إلا أن لكل واحدة رجلا وقيل إن هذه ولدت حية ثم ماتت.
وفي رمضان: كتب على حائط المدرسة التي وقفتها الجهة وسلمتها إلي بخط القطاع في الآجر «وقفت هذه المدرسة الميمونة الجهة المعظمة الشريفة الرحيمة بدار الرواشني في أيام سيدنا ومولانا الإمام المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين على أصحاب الإمام أحمد بن حنبل وفوضت التدريس بها الى ناصر السنة أبي الفرج [6] ابن
__________
[1] العبارة في الأصل كما يلي: «وقاضي القضاة وخرجوا [109/ أ] وخرجت معهم وفرق على الجماعة مال وكان هذا رسمهم كل رجب، وكان لا يدخل أحد الدار بطيلسان ولا طرحة سوى قاضي القضاة، فإنه كان يجعل طرحته طيلسانا» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في ص: «أبي الفتح» .(18/220)
الجوزي] [1] وما زالت المجالس تحت المنظرة بباب بدر إلى آخر رمضان وكان في آخر رمضان قبل مجلسنا [هناك] [2] بيوم قد انزعج البلد ولبس السلاح فاختلفت الأراجيف فانقشع الأمر أن أمير المؤمنين أصابته صفراء من الصوم فتكلمت تحت المنظرة فسكن البلد فحدثني من يلوذ بخدمة [أمير المؤمنين] [3] قال حضر يومئذ [الإمام] [4] عندك المجلس [5] متحاملا ولولا [6] شدة حبه لك [لما حضر] [7] [لما كان اعتراه من الألم] ، [8] وحدثني صاحب المخزن قال كتبت إلى أمير المؤمنين [في كلام كنت ذكرته] [9] هل وقع ما ذكره فلان بالغرض فكتب [أمير المؤمنين] [10] ما على ما ذكره فلان مزيد.
[وفي بكرة الجمعة سابع عشرين رمضان] [11] كسفت الشمس [12] أول وقت الضحى وبقيت ساعة/ حتى تجلت. 109/ ب وكان حاجب الباب ابن الناقد يلقب بالقنبر فذكر هذا اللقب من كان يعرفه به فشاع في العوام فصاروا يصيحون به إذا خرج فحفظ بأتراك فلم يجئ من الأمر شيء وخلع عليه قبل العيد بثلاثة أيام فقيل لأمير المؤمنين إن الناس قد عزموا إذا خرج يوم العيد في الموكب أن يرسلوا القنابر بين الناس وهذا يصير الموكب هتكة. فعزله وولى أبا سعد ابن المعوج حجبة الباب] [13]
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «عندك اليوم» .
[6] في الأصل: «متحاملا من شدة حبه» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[11] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[12] في الأصل: «كسفت الشمس رابع عشرين رمضان» .
[13] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/221)
وكان الرفض في هذه الأيام قد كثر فكتب صاحب المخزن إلى أمير المؤمنين أن لم تقو يدي ابن الجوزي لم تطق على دفع البدع فكتب أمير المؤمنين بتقوية يدي فأخبرت الناس بذلك على المنبر وقلت إن أمير المؤمنين [صلوات الله عليه] [1] قد بلغه كثرة الرفض وقد خرج توقيعه بتقوية يدي في إزالة البدع فمن سمعتموه من العوام يتنقص بالصحابة فأخبروني حتى انقض داره وأخلده الحبس وإن كان من الوعاظ حدرته المشان. فانكف الناس ثم [تقدم في يوم الخميس] [2] عاشر شوال بمنع [3] الوعاظ كلهم إلا ثلاثة كل واحد من مذهب أنا من الحنابلة والقزويني من الشافعية وصهر العبادي من الحنفية ثم سئل في ابن عبد القادر فاطلق.
وعقدت الولاية على مكة لأمير المؤمنين [4] فخرج الحاج على خوف شديد من القتال.
وفي يوم السبت رابع ذي القعدة: وقت الضحى خرج أمير المؤمنين إلى الكشك [الذي عمل له خارج السور] [5] وخرج أرباب الدولة مشاة وخرج الناس [ينظرون إليه] [6] ويدعون له [فدخل الكشك] [7] فأقام فيه ساعة ثم خرج فمضى نحو القورج ثم عاد فدخل من باب النصر وقت الظهر.
وفي يوم الجمعة غرة ذي الحجة: خلع على ظهير الدين أبي بكر بن نصر ابن العطار بباب الحجرة خلعة سنية وأعطى مركبا وسيفا وولى المخزن ولاية تامة وخلع يومئذ على استاذ الدار ابن الصاحب] [8] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «منع» .
[4] في الأصل: «ولاية مكة لأمير المدينة» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/222)
[وفي يوم الأربعاء سادس ذي الحجة] [1] صنع الوزير ابن رئيس الرؤساء دعوة وجمع فيها أرباب المناصب وحضر الخليفة [فاستدعيت فخلعت على خلعة] [2] ونصب لي منبر في الدار فتكلمت [بعد أن أكلوا الطعام] [3] والخليفة حاضر [والوزير] [4] وجميع أرباب المناصب وجميع علماء بغداد والفقهاء [5] والوعاظ إلا النادر وخلع عليّ خلعة [6] ثم تكلمت يوم عرفة وكان مجلسا عظيما تاب فيه خلق كثير وقطعت شعورا كثيرة وكان الخليفة حاضرا.
وفي يوم عيد الأضحى: وقعت فتنة في أخذ جمال البحريين جماعة من العوام فنصر بعضهم أمير/ يقال له سنقر الصغير فرماه العوام بالآجر فضربهم هو وأصحابه 110/ أبالنشاب ثم أصبحوا [يوم فرح ساعة فأقاموا الحرب وكان الذين خاصموه أهل باب الأزج فكان أصحابه يخاصمونهم] [7] فقامت [يومئذ] [8] الفتنة [عامة النهار] [9] ومات بين الفريقين [نحو] [10] عشرة أنفس ونهب من باب الأزج قطعة ثم سكنت الثائرة وأخرج أمير المؤمنين مالا ففرقه على من نهب له شيء.
وخرج في أواخر ذي الحجة: عسكر كثير إلى بني خفاجة [لمحاربتهم] [11] فرحلوا فلم يدركوهم [وقتل من المطاردين قوم] [12] وجاءت اخبار ظريفة عما جرى للحاج [في
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «أرباب المناصب والعلماء والوعاظ» .
[6] «وخلع علي خلعه» سقطت من ت، ص.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[11] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[12] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/223)
طريقهم] [1] فمنها أنهم خرجوا من عرفات فلم يبيتوا بالمزدلفة وإنما مروا بها ولم يقدروا على رمي الجمار وخرجوا إلى الأبطح فبكروا يوم العيد وقد خرج إليهم قوم من مكة يحاربونهم فتطاردوا وقتل من الفريقين جماعة ثم آل الأمر إلى أن صيح في الناس الغزاة إلى مكة فهجموا وصعد أمير مكة المعزول إلى القلعة التي على جبل أبي قبيس ثم نزل عنها وخرج من مكة ودخل الناس فقصد قوم لا خلاق لهم النهب فأخذوا شيئا كثيرا من أموال التجار المقيمين بمكة وأحرقوا آدرا كثيرة بمكة وحدثني بعض التجار أن رجلا كان زراقا بالنفط ضرب دار رجل بقارورة فاشتعلت وكانت تلك الدار لأيتام يستغلونها كل سنة إذا جاء الحاج فهلكت وما فيها ثم أخرج قارورة أخرى فسواها ليضرب بها فجاء حجر فكسرها فعادت عليه فاحترق فبقي ثلاثة أيام بسفح الجبل ورأى بنفسه العجائب ثم مات، قال وحدثني رجل من السماسرة قال كان عندي مال 110/ ب عظيم لي ولغيري من التجار فدخل على/ أربعة أنفس فجمعوا الكل فقلت لأحدهم وعرفته يا فلان قد أكلت أنا وأنت الطعام وهذا ليس لي وهذه مائة دينار خذها حلالا ودعني فقال اسكت قد أخذنا علينا بالدين قبل أن نجيء إليكم لنقضي من أموالكم فجمع الأربعة أربع كوارير [2] فيها جميع المال وخرجوا عني خطوات فلقيهم عبيد من مكة فضربوا أعناقهم فقمت ونقلت المال فتعبت في نقله ولم يذهب منه شيء [3] ثم إن أمير مكة قال لا أتجاسر أن أقيم بعد الحاج فأمروا غيره ورحلوا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4310- علي بن الحسن [بن هبة الله، أبو القاسم] [4] الدمشقي، المعروف: بابن عساكر.
[5] سمع الحديث الكثير وكانت له معرفة وصنف تاريخا لدمشق عظيما جدا يدخل
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «أربع كواير» .
[3] «شيء» سقطت من ص، ت.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 294) .(18/224)
في ثمانين مجلدة كبارا وكان شديد التعصب [لأبي الحسن الأشعري حتى صنف كتابا سماه تهذيب] [1] المفتري [2] على أبي الحسن الأشعري وتوفي بدمشق في هذه السنة [3] .
4311- عمر بن هدية بن سلامة بن جعفر، أبو حفص الصواف
[4] .
ولد في ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وسمع من جماعة، وروى.
وتوفي يوم الخميس سادس عشرين ربيع الآخر من هذه السنة] [5] .
4312- المبارك بن الحسن، [6] [أبو النجم] [7] ابن القابلة الفرضي
[8] .
سمع أبا الحسين ابن الفراء [9] وأبا منصور ابن زريق وكان عارفا بعلم الفرائض والمواقيت.
توفي في جمادى الأولى [من هذه السنة] [10] ودفن بمقبرة [الزادمان] [11] قرية قريبة من بغداد.
4313-/ مسعود بن الحسين بن سعد، أبو الحسين اليزدي القاضي.
111/ أولد سنة خمس وخمسمائة وتفقه وأفتى وناب في القضاء ودرس بمدرسة أبي حنيفة ومدرسة السلطان ثم خرج إلى الموصل فأقام مدة يدرس هناك وينوب في القضاء.
فتوفي بها في جمادى الآخرة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] وفي ت: «تهديد المفتري» .
[3] في هامش ص ما نصه: «انظر إلى قلة الإنصاف!!؟ يذكر هذا الرجل بهذه الترجمة ولم يخرج من دمشق أحفظ منه ويقول: «وكانت له معرفة» !! وهو أحفظ من مصنف هذا الكتاب، وما أظن مصنفه رأى مثله» .
[4] هذه الترجمة من ت فقط.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من ص، الأصل.
[6] في الأصل: «بن الحسين» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 240) .
[9] في الأصل: «ابن الفراق» .
[10] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[11] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/225)
ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه تقدم إلي بالكلام تحت منظرة الخليفة [بباب بدر] [1] فتكلمت [يوم الأحد] [2] ثاني المحرم وحضر أمير المؤمنين ثم تكلمت هناك يوم عاشوراء فامتلأ المكان [من وقت السحر فطلع الفجر] [3] وليس لأحد طريق فرجع الناس وامتلأت الطرق بالناس [قياما يتأسفون على فوت الحضور] [4] ، وقام من يتظلم في المجلس فبعث [أمير المؤمنين] [5] في الحال من كشف ظلامته.
[زفاف ابنة المؤلف الى زوجها]
وزفت ابنتي رابعة [ليلة الأربعاء] [6] ثاني عشر المحرم إلى زوجها وكان زفافها في دار الجهة [المعظمة في درب الدواب وأحضرت الجهة وذلك] [7] بعد أن جهزتها الجهة بمال كثير.
وفي [يوم الخميس] [8] حادي عشر صفر: دخل رجل الى جامع المنصور ليأكل
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/226)
خبزا فمات في مكانه ومات آخر في باب البصرة وامرأة في تلك الساعة ودخل رجل من السواد إلى مسجد العتابيين [1] [يومئذ] [2] وترك حماره على الباب فمات الرجل ودخل بعض الحاج إلى بغداد يوم الأربعاء عاشر صفر ثم تتابعوا فدخل الأكثرون يوم الأحد ولم تجر لهم عادة بهذا التأخر وأخبروا بأشياء لقوها في دخول مكة قد ذكرنا بعضها في حوادث السنة.
ونقصت دجلة في أول آب وهو أول صفر نقصانا ما رأينا مثله وخرجت جزائر كثيرة فيها ما عهدنا مثلها وكانت السفينة تجنح في وسط دجلة فينزلون فيحركونها. وفي أواخر آب هب ريح [3] شديد البرد ليالي فنزل الناس من السطوح [4] ثم عاد الحر فصعدوا فأصاب الناس زكام شديد عم ذلك الخلق.
وفي [أول] [5] / ربيع الأول: خرج العسكر لقتال بنى خفاجة. 111/ ب وفي يوم الاثنين سابع ربيع الأول: خرج أمير المؤمنين عند استواء طلوع الشمس إلى الكشك ثم عاد بعد الظهر إلى قصره] . [6] وظهرت حمرة شديدة في السماء من المشرق من وقت طلوع الفجر إلى حين استواء الشمس ثم كانت تظهر عند غيبة الشمس من المغرب كذلك كأنها الشفق إلا أنها أشد حمرة لم نر مثلها كأنها الدم وكانت تتصاعد ويبقى تحتها من الغيم المضيء فتضيء له الأماكن [كأنه ضوء الشمس] [7] وبقيت مدة ثم انقطعت ثم عادت تقل وتكثر أشهرا.
وفي ربيع الآخر: أخرج المجذمون من بغداد ونفوا إلى تحت البلد.
__________
[1] في الأصل: «العباسيين» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص: «هواء شديد» .
[4] في الأصل: «الأسطحة» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/227)
وفي يوم الخميس ثامن جمادى الأولى: أذن في إقامة الجمعة [1] بمسجد ابن المأمون بقصر عيسى فأقيمت فيه يومئذ.
وفي يوم السبت غرة جمادى الآخرة: عبرت إلى جامع المنصور فوعظت فيه بعد العصر وعبر الناس من نهر معلى واجتمع أهل المحال فحزر الجمع مائة ألف ورجعنا إلى نهر معلى والناس ممتدون من باب البصرة كالشراك إلى الجسر وكان يوما مشهودا] [2] .
[مجيء الخبر بنصر المسلمين على الافرنج]
وجاء الخبر بنصر المسلمين على الافرنج في غرة جمادى الآخرة [3] [وخرج أمير المؤمنين يوم الثلاثاء رابع عشرين جمادى الآخرة أول وقت الضحى إلى الكشك وخرج الناس لرؤيته على ما جرت به العادة فبات في الكشك وخرج بكرة إلى الصيد فبقي الأربعاء والخميس ودخل الدار العزيزة قبل المغرب ثم تقدم إلى بالجلوس بباب بدر تحت المنظرة يوم الاثنين سلخ جمادى الآخرة فتكلمت فيه بعد العصر وأمير المؤمنين حاضر وجرى مجلس مستحسن تاب فيه جماعة وقصت فيه شعور وذكرت خروجه إلى الكشك في قصيدة أنشأتها وهي:
يا سيد الخلق وعين الأكوان ... خليفة الله العظيم السلطان
يا شمس جود نورها في البلدان ... يا بدر تم تم لا عن نقصان
ظهرت للخلق ظهور البرهان ... عاشت به أرواح أهل الإيقان
زين بك البر وزينت أوطان ... صدت القلوب حين صادوا الغزلان
بحلمك الوافر بل بالإحسان ... والكشك قد حقر قدر [4] الإيوان
هذا على التوحيد وضع البنيان ... بني الإله ودهم في الجثمان
الحجر والبيت لهم والأركان ... أصبحت كالروح ونحن أبدان
__________
[1] في الأصل: «وأقيمت الجمعة ثامن جمادى الأولى» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] «في غرة جمادى الآخرة» سقطت من ت، ص.
[4] في ص: «خفر فتت» وهذا الجزء ساقطة من الأصل. كما سيأتي في الهامش التالي.(18/228)
الشرع كالعين وأنت أجفان ... الجود غصن واحد يا بستان
هذا مديحي وهو قدر الإمكان ... وفي ضميري ضعف هذا الإعلان
عبيدكم لا يشترى بأثمان ... وقد ملكتم رقه بالإحسان
سميت نفسي مذ خدمت سلمان ... لكن لساني في المديح حسان
وحسن ألفاظي تباهي سحبان]
[1]
وفي بكرة الأربعاء ثاني رجب: حضر الناس على عادتهم دعوة أمير المؤمنين التي تكون في كل رجب [فحضر الوزير وأرباب الدولة والعلماء والمتصوفة] [2] ونصب لهم سماط مستحسن وقرئت ختمة وتقدم إلي بالدعاء فدعوت [وأنشد ابن شبيب قصيدة يمدح فيها أمير المؤمنين وهذه كانت العادة كل سنة] [3] ثم خرج قاضي القضاة [ومعظم] [4] أرباب الدولة وخرجت معهم [وبات القوم على سماع الإنشاد وخلعت عليهم خلع وفرقت عليهم أموال] [5] .
وتكلمت يوم الخميس عاشر رجب بعد العصر تحت المنظرة وأمير المؤمنين حاضر والزحام شديد [ثم تناولنا أنا والقزويني كل ليلة جمعة فكان يوم مجلسي تغلق أبواب المكان بعد الظهر لشدة الزحام فإذا جئت بعد العصر فتح لي فزاحم معي من يمكنه أن يزاحم] [6] .
وفي شهر رجب: قارب بغداد بعض السلجوقية ممن يروم السلطنة وأرسل رسولا ليؤذن له في المجيء فلم يلتفت إليه [فجمع جمعا] [7] ونهب مواضع فخرج إليه العسكر وجرت مناوشات في شعبان ورحل فرجع العسكر إلى بغداد ثم عاد فنهب مواضع وآذى
__________
[1] ما بين المعقوفتين يقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/229)
112/ أقرى فعاد العسكر فخرج إليه وأمر/ عليهم شكر الخادم فأقاموا يراصدونه طول رمضان ثم رحل في شوال إلى ناحية خراسان فرجع العسكر.
[وفي يوم الاثنين حادي عشر رمضان: تقدم إلي بالجلوس في دار ظهير الدين صاحب المخزن وحضر أمير المؤمنين وأذن للعوام في الدخول فتكلمت وأعجبهم حتى قال لي ظهير الدين قد قال أمير المؤمنين ما كأن هذا الرجل آدمي لما يقدر عليه من الكلام] [1] .
ومما جرى بعد النصف من رمضان أن رجلا من التجار باع متاعا له بألف دينار وترك المال في خان أنبار وجاء إلى بيته وليس معه في الدار إلا مملوك له أسود قد أشتراه قبل ذلك بأيام فقام المملوك في الليل فضربه بسكين في فؤاده وأخذ المفتاح ومضى إلى الخان أنبار فطرق باب الخان فقالت الخانية من أنت؟ قال أنا غلام فلان قد بعث بي لآخذ له شيئا من الخان أنبار فقالت والله ما أفتح لك حتى يجيء مولاك فرجع ليأخذ ما في البيت فاتفق ان حارس الدرب سمع صيحة الرجل وقت ان ضرب بالسكين فأمسك الغلام وبقي مولاه في الحياة يومين فوصى بقتل الغلام بعده فصلب المملوك بالرحبة بعد موت مولاه [يوم الخميس حادي عشرين رمضان] [2] وأخذ مملوك آخر لبعض التجار من سيده ألف دينار وهرب فلم يسمع له خبر.
وجاء حر شديد [بعد نصف رمضان فكان ذلك] [3] في آذار فبقي أسبوعا على مثل حر حزيران [4] أو اشد فأخبر المشايخ أنهم ما رأوا مثل هذا في هذا الوقت ثم عاد الزمان إلى عادته.
وحدثني طلحة [بن مظفر] [5] العلثي الفقيه أنه ولد عندهم بالعلث في رمضان [مولود] [6] لستة أشهر فخرج له اربعة اضراس.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «هزيراه» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/230)
وفي يوم الاثنين خامس عشرين رمضان: تقدم بجلوسي في دار صاحب المخزن فجلست وحضر أمير المؤمنين وأذن للعوام في الدخول فتكلمت بعد العصر إلى المغرب وبتنا في الدار تلك الليلة مع جماعة من الفقهاء فجرت مناظرات إلى نصف الليل.
وفي يوم الجمعة العشرين من شوال: حضرت الصلاة بجامع الرصافة فلم يحضر الخطيب وقاربت العصر فصلى أكثر الناس الظهر وانصرفوا وأقمت مع جماعة ننتظر الخطيب فجاء قبيل العصر فخطب وصلينا وكان السبب في تأخره ان الذي كانت الجمعة نوبته صرف عن الخطابة ولم يعلم نائبه فتأخر فبعثوا إليه من باب البصرة فحضر فاختصر فقرأ أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ 102: 1 [1] وهذا شيء لا يذكر الناس أنه جرى مثله على هذا الوصف.
وفي يوم الجمعة خامس ذي القعدة: أذن في إقامة الجمعة بمسجد في شارع دار الدقيق من الجانب الغربي فأقيمت فيه وقد ذكرنا أنه أذن في إقامة الجمعة بمسجد ابن المأمون في جمادى الأولى فمن العجائب تجدد جامعين ببغداد في سنة واحدة] [2] وفي [يوم الاثنين] [3] ثامن ذي القعدة [بعد العصر] [4] هبت ريح شديدة فأثارت ترابا عظيما وأزعجت الناس وبقيت/ كذلك ساعة جيدة ثم ذهبت. 112/ ب واتفق في هذا الشهر أن رجلا أمر بالمعروف فقصده بعض من أمره بخشبة فهرب الآمر فعاد الرجل إلى بيته والخشبة بيده فحين دخل الدار وقع فمات.
ووصل الخبر في ذي القعدة بأن بلادا كثيرة زلزلت وخسف ببعضها وذكر فيها الري وقزوين.
وكتب إلى بعض الوعاظ ان امرأة تقول كان رجل إذا رآني في الطريق مشى إلى جانبي وتعرض لي فقلت له أنا لا أوافق إلا على الحلال فتزوج بي عند الحاكم وقضيت معه مديدة يأتيني كما يأتي الرجل المرأة ثم عظمت بطنه وقال لي قد حبلت فاعملي لي دواء الإسقاط فعملت له فولد وقد حضرت المجلس أنا وهو فما حكمنا؟ فقال الواعظ
__________
[1] سورة: التكاثر الآية: 1.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/231)
هذا النكاح ما صح لانه بالولادة انكشف أنه امرأة وتعجب الناس من حال هذا الخنثى الذي كان يأتي ويؤتى.
وفي ليلة الاثنين ثاني عشرين ذي القعدة: دخل رجل إلى بيت أخته فذبحها [وهرب] [1] وكأنه حدث عنها بما لا يصلح [وتحدث بعض جيراننا بباب المراتب انه وقع في دارهم حائط فقام هو وجارية له يعزلون الآجر والجص فوجدت الجارية صندوقا لطيفا فيه منامية فيها دنانير في الدينار [2] أربعة وخمسة وبين ذلك حب الحبة الواحدة كالزيتونة وأشياء وصفتها فأعطت منها بعض جيرانهم وسلمت الباقي إلى رجل كان يعرفها منذ جلبت وقالت اكتر ببعض هذا وتعال إلي في اليوم الفلاني حتى أخرج معك فمضى الرجل ولم يعد فلما يئست منه حدثت سيدها بذلك فجعل يتلهف بعد أن فات الأمر.
ونزل رجل إلى دجلة يسبح وترك ثيابه وفيها ستون دينارا على الشاطئ فجاء قوم فأخذوها ومضوا فاتهم بها آخرين فأخذوا وأهينوا ثم طلبوا من كان قريبا منهم فإذا رجل قد أخذ الذهب وخرج ليسافر فوجدوه في الحربية قد نفق منه عشرة قراريط ففتشوه فأخذوه فقيل لصاحب المال طيب قلوب المتهمين فقد رد مالك فلم يفعل.
ومما تجدد ان رجلا قال لطحان من أهل الكرخ أعطني كارة دقيق. فقال ما أفعل فقال والله ما أبرح حتى آخذ فقال الطحان وحق على الذي هو خير من الله ما أعطيك.
فشهد عليه جماعة فحبس أياما ثم أخرج يوم السبت سابع عشرين ذي القعدة فضرب مائة سوط وسود وجهه وشهر في الغد وخلفه من يضربه بالخشب والعامة يرجمونه ثم أعيد إلى الحبس.
وتقدم إلي بالجلوس بباب بدر فتكلمت بكرة الخميس ثالث ذي الحجة وحضر أمير المؤمنين وقام إلي رجل يوم عرفة في المجلس فتاب وقطع شعره وقال لي ثلاث أسابيع أرى رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم في المنام كأنه في كل مجلس يأتي إليك فيقبل صدرك] [3] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ص: «في الدنانير» وهي ساقطة من ت، الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/232)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
4314- علي بن عساكر، أبو الحسن البطائحي المقرئ
[1] .
كان قد قرأ القرآن وأقرأ وسمع الحديث الكثير وروى وكانت له معرفة بالنحو وعبر الثمانين ووقف كتبه وتوفي ليلة الثلاثاء ثامن عشرين شعبان هذه السنة.
4315- محمد بن سعيد بن محمد، أبو سعد ابن الرزاز
[2] .
كان من المعدلين وسمع الحديث من ابن برهان وابن الحصين وكان ينظر/ في 113/ أالتركات [ويقول شعرا مطبوعا، كتب إليه بعض الناس مكاتبة تتضمن شعرا فكتب في جوابها:
يا من أياديه يعيا من يعددها ... وليس يحصي مداها من لها يصف
عجزت عن شكر ما أوليت من كرم ... وصرت عبدا ولي في ذلك الشرف
أهديت منظوم شعر كله درر ... فكل ناظم عقد دونه يقف
إذا أتيت ببيت منه كان لنا ... قصرا ودر المعالي فوقه شرف
وإن أتيت أنا بيتا نناقضه ... أتيت لكن ببيت سقفه يكف
لا كنت منه ولا من أهله أبدا ... وإنما حين أدنو منه أقتطف]
[3] ولد أبو سعد سنة احدى وخمسمائة وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
4316- محمد بن عبد الله بن القاسم، أبو الفضل الشهرزوري
[4] .
كان رئيس أهل بيته وبنى مدرسة بالموصل ومدرسة بنصيبين وقف عليها وقوفا ولاه محمود بن زنكي ثم استوزره، ورد بغداد رسولا فذكر أنه كتب قصة إلى المقتفي [5]
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 242. والبداية والنهاية 12/ 296. والكامل 10/ 79) .
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 10/ 79، 80) .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 243. والبداية والنهاية 12/ 296. والكامل 10/ 84) .
[5] «ورد بغداد رسولا فذكر أنه كتب قصة إلى المقتفي» سقط من ص، ت.(18/233)
فكتب على رأسها محمد بن عبد الله الرسول، فكتب المقتفي صلى الله عليه وسلم.
وتوفي في محرم هذه السنة بدمشق.
4317- مختار الخادم.
وكان من خواص الخليفة وكان يتدين وعلت سنه.
توفي في آخر شعبان ودفن في الترب بالرصافة.
4318- مسلم بن ثابت بن زيد بن القاسم بن أحمد، أبو عبد الله بن جوالق الفقيه
[1] .
سمع الحديث وتفقه على شيخنا أبي بكر الدينَوَريّ وناظر وعلت سنة وكان [وكيلا] [2] لبعض أمراء الدار العزيزة.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن بمقبرة أحمد.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 243) .
[2] «وكيلا» سقطت من الأصل، ص.(18/234)
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في بكرة الخميس غرة المحرم دخل إلى البلد تتامش [1] الذي كان قد خرج مع قيماز من بغداد وخرج أهل البلد للنظر إليه ونزل تحت التاج فقبل الأرض مرارا وأذن له في الدخول إلى داره وعفي عنه وأمر وكرم.
[وبعد صلاة العصر يومئذ تقدم إلي بالجلوس تحت منظرة باب بدر واجتمع الخلق وتاب جماعة وحضر أمير المؤمنين. ثم تقدم إلي بالجلوس هناك يوم عاشوراء وكان الناس يجيئون من نصف الليل بالأضواء فما طلع الفجر ولا حد موضع قدم وغلقت الأبواب ولقينا شدة من الزحام وأمير المؤمنين حاضر] [2] .
/ وقدم الحاج في نصف صفر وذكروا ما لقوا في طريقهم من الجوع وغلاء السعر 113/ ب وكثرة من هلك من المشاة والجمال.
وقبض على حاجب الباب أبي منصور ابن العلاء وسلم إلى أستاذ الدار وجرت همرجات [3] عظيمة قبض فيها على جماعة ومنع ابن الوزير [بن رئيس الرؤساء] [4] من الركوب وأن يتردد إلى بابه أحد واستكتب [5] كثيرا من أملاكه ثم ردد عليه كثير منها بعد
__________
[1] في الأصل: «يتامش» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «حمرجان» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ص: «واسكتت» .(18/235)
ذلك وصرف أكثر أشغال الديوان إلى المخزن وانقطع عن الركوب أصلا وأخذ أبو المظفر الحسين بن محمد بن علي [1] الدامغاني أخو قاضي القضاة [إلى دار صاحب المخزن وهو الذي كان ينوب عن قاضي القضاة] [2] في الحكم على بابه وكان قد زوج امرأة فتظلم زوجها الأول وقال أكرهت على طلاقها فقيل له كيف زوجتها؟ فقال جاءني كتاب حكمي من واسط أن زوجها قد طلقها وفتحته وكتبت على ظهره وجاءتني براءة فكتبت عليها وزوجتها فأخرج صاحب المخزن الكتاب وليس بمفتوح ولا مكتوب في ظهره ولا في البراءة فجبهه [3] صاحب المخزن وقال قد عزلتك عن القضاء والشهادة وكل ما كنت تتولاه ثم أمر بتنحية طيلسانه وقال [له] [4] يبلغ عنك وعن أخيك ما لا يصلح وأمير المؤمنين لا يغفل عن هذا ثم جعل يتبع أفعالا تنسب إلى قاضي القضاة وحدثني بعض الوكلاء أن قاضي القضاة كان قد كتب إلى الخليفة قبل ذلك بمده يسأل ان يعفي من 114/ أقصد صاحب المخزن فأعفي وكان بينهما/ شيء فلما رأى قاضي القضاة ما جرى على أخيه وكان قبل ذلك قد جرى على جماعة من وكلائه إهانات ثم تتبع وجاء في يوم الخميس حادي عشر ربيع الآخر إلى دار صاحب المخزن يستعطفه ثم صار يتردد إليه كل أسبوع واستقبح الناس هذا التردد بعد الانقطاع الدائم وعلموا أنه من الخوف.
[وفي يوم الاثنين النصف من ربيع الآخر: تكلمت في جامع المنصور وحضر الخلق فحزروا بمائة ألف وتاب ثلاثة وخمسون نفسا وقصت شعورهم.
وأنشد في يوم السبت الشهاب الضرير:
بك يا جمال الدين قد ... شقت من الأعدا مرائر
حسدوا وما لهم إذا ... سروا علينا من جرائر
لك في الفداء نفوسنا ... وهي الشريفات الحرائر
يا من تطير بلطفه ... من نار معناه شرائر
__________
[1] في الأصل: «أحمد بن علي» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل «فحبسه» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/236)
يوم الجلوس لنا الأنيس ... لهم به تبلى السرائر
تكفي المليحة عند من ... تهوى شهادات الضرائر
[1] وفي يوم [الخميس] [2] خامس عشرين ربيع الآخر: ضرب تركي تركيا [ضحوة نهار على باب النوبي] [3] بنشابة ثم اتبعها ضربة بسيف ثم هرب [4] الضارب وخرج من البلد ثم عاد ليأخذ من بيته شيئا ويهرب فأخذوه فصلب وقت الظهر بباب النوبي [وحط بعد صلاة الجمعة] [5] .
وفي يوم الجمعة ثالث جمادى الأولى: منع من إقامة الجمعة التي في قصر عيسى المعروف بمسجد ابن المأمون وكان قد عمره فخر الدولة بن المطلب وأوسعه وأنفق عليه مالا [6] وجاءت الأخبار بأن الموت في دمشق كثير والمرض بالموصل كثير.
وفي النصف من جمادى الآخرة: أخرج البلخي الواعظ من البلد بتوقيع بعد أن أسمعه حاجب الباب المكروه لما كان يذكر عنه من شرب الخمر.
وفي يوم [الجمعة] [7] سادس عشر جمادى الآخرة: ركب الوزير إلى باب الحجرة بعد أن بقي زمانا لا يركب فطاب قلبه وجلس للهناء وجاء صاحب المخزن إلى دار الوزير بعد صلاة الجمعة والنقباء وقام له الوزير وقبل صاحب المخزن يده.
وجاءت إلى يوم الأحد خامس عشرين جمادى الآخرة فتوى في عبد وامة كانا لرجل فاعتقهما وزوج الرجل بالمرأة فبقيت معه عشرين سنة وجاءت منه بأربعة أولاد ثم بان الآن انها أخته لأبيه وامه ومذ عرف ذلك [8] أخذا/ في البكاء والنحيب فتعجبت من 114/ ب
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ص: «وضرب الضارب» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] في الأصل: «لما عرف» .(18/237)
ذلك واعلمتهما أنه لا أثم فيما مضى والعدة تلزمها ويجوز ان ينظر إليها بعد أن فارقها نظره إلى أخته إلا أن يخاف على نفسه فيلزمه البعد عنها.
وفي ليلة رجب: تكلمت [بباب بدر] [1] تحت المنظرة الشريفة وأمير المؤمنين حاضر والجمع متوفر.
وفي [بكرة ليلة الأحد] [2] ثاني رجب: حضرنا دعوة أمير المؤمنين على العادة [وحضر] [3] أرباب الدولة [كلهم] [4] والعلماء والصوفية فأكلوا وختمت الختمة ودعا للختمة ابن المهتدي الخطيب وصلى بهم في ذلك اليوم وتلك الليلة في الدار وبعد دعاء الختمة خلع [5] على أمير المدينة وولده وولد أمير مكة ثم انصرف من عادته الانصراف [وبات الباقون على عادتهم] [6] وخلعت عليهم الخلع [7] وفرقت الأموال [8] .
وبنت الجهة المعظمة المسماة بنفشة رباطا في سوق المدرسة للصوفيات وفتحته أول رجب وعملت فيه دعوة وتكلمن فيه وأفرد لأخت أبي بكر الصوفي شيخ رباط الزوزني وفرقت الجهة عليهم مالا.
وفي ليلة [الأحد] [9] سادس عشر رجب: جاء مطر عظيم ودام [10] ثلاثة أيام بلياليهن وكان فيه رعود هائلة وبروق عظيمة ووقعت آدر كثيرة وامتلأت الطرقات بالماء وبقي الوحل أسبوعا وجمع أهل درب بينهم اثني عشر دينارا لمن ينقل الماء في 115/ أالمزادات إلى دجلة وأخرج الخليفة مالا ينفق في تنحية الوحل من الطرق/ وزادت
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «في الدار وبعد خلع دعاء على أمير المدينة» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] «الخلع» سقطت من ص.
[8] في ص: «وفرق المال» .
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] في الأصل: «وأقام» .(18/238)
دجلة زيادة بينة وذلك في كانون الثاني ولم يزل ينقص قليلا ثم يعود إلى الزيادة فقال لي شيخ من الملاحين لي ثمانون سنة ما رأيت مثل هذه الزيادة في كانون.
[وفي يوم الخميس سابع عشرين رجب: تكلمت بعد العصر تحت المنظرة وأمير المؤمنين حاضر] [1] .
وفي هذه الأيام: خرج شحنة أوانا وعكبرا يتصيد فوق تلك النواحي فلقيه جماعة من بني خفاجة فقتلوه فجيء به الى بيته بباب الأزج ثم حمل [2] فدفن في مقبرة أحمد بن حنبل وكان كثير الخير والتدين لا يشرب الخمر ولا يشكي منه وكان مواظبا على حضور مجلسي.
وفي [يوم الاثنين] [3] غرة شعبان [لكم رجل رجلا فمات في الحال] [4] .
وأنشأ أمير المؤمنين مسجدا كبيرا في السوق عند عقد الحديد وتقدم بعمارته فعمر عمارة فائقة وكسى وقدم فيه عبد الوهاب [ابن العيبي] [5] زوج ابنتي فصلى فيه بعد النصف من شعبان وأجريت له مشاهرة وتقدم إلي فصليت فيه بالناس التراويح ليلة وكان الزحام كثيرا فدخل على قلوب أهل المذهب ما شاء الله من الغم لكونه أضيف إلى الحنابلة وقد كان يرجف له به لغيرهم.
[وفي بكرة [6] السبت خامس رمضان: تقدم بجلوسي في دار صاحب المخزن وازدحم الناس حتى غلق الباب وكان أمير المؤمنين حاضرا. ثم تكلمت يوم الاثنين حادي عشرين رمضان في داره أيضا على تلك الصفة.
وفي سحرة يوم الأربعاء سابع شوال: هبت ريح عظيمة فزلزلت الدنيا بتراب عظيم
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «ثم حمل» سقطت من ص.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] من هنا حتى ننبه في الهامش ساقط من الأصل.(18/239)
حتى خيف ان تكون القيامة ثم جاء فيها برد ودام ذلك ساعة طويلة ثم انجلت وقد وقعت حيطان وتهدمت مواضع على أقوام مات منهم وارتث منهم ووقع سقف متصل بمنظرة الخليفة التي عند باب الحلبة وكانت الريح تقوى ساعة وتخف ساعة إلى وقت الضحى ثم اشتدت وملأت الدنيا ترابا فصعد أعنان السماء فتبين السماء منه مصفرة إلى وقت العصر وزادت دجلة في عاشر شوال زيادة عشرين ذراعا على المعتاد وخاف الناس واشغلوا بالعمل في القورج [1] ثم نقص الماء بعد ثلاثة أيام.
وفي يوم الجمعة سلخ شوال: بعد أذان الجمعة صعد غيم وجاء مطر شديد من جامع السلطان إلى الرصافة فما فوق فكانت ثم غدران وامتلأت الصحارى والشوارع به ولم يأت بنهر معلى إلا اليسير. وورد حاج كثير من خراسان فاستأذن الوزير ابن رئيس الرؤساء في الحج فأذن له فعمل تركا جميلا وقيل انه اشترى ستمائة جمل وأقام منها مائة للمنقطعين وأخرج معه الأدوية ومن يطب المرضى واستصحب جماعة من أهل الخير والعلم ودخلنا إليه بكرة الثلاثاء نودعه فسلمنا عليه ثم قام فدخل إلى الخدمة ثم خرج فعبر في سفينة إلى ناحية الرقة وقد خرج أهل بغداد فامتلأت الشواطئ من الجانبين وامتدوا إلى ما فوق معروف ينظرون إليه وخرج معه أرباب الدولة سوى صاحب المخزن فإنه لم يلقه وأما أستاذ الدار فإنه ودعه في دار الخلافة وعبر معه تتامش وكان مريضا فرده حين صعد من السفينة وقال له أنت مريض فعاد فركب الوزير وبين يديه النقيبان وأرباب الدولة والعلماء وضرب له بوق حين ركب فلما وصل باب قطفتا خرج رجل كهل فقال يا مولانا أنا مظلوم وتقرب منه فزجره الغلمان فقال الوزير دعوه فتقدم إليه فضربه بسكين في خاصرته فصاح الوزير قتلني ووقع من الدابة ووقعت عمامته فغطى رأسه بكمه وبقي على قارعة الطريق وضرب ذلك الباطني بسيف فعاد فضرب الوزير وأقبل حاجب الباب ينصره فضربه الباطني بسكين وعاد وضرب الوزير فقطع الباطني بالسيوف [2] ، وبعض الناس يقولون كانوا اثنين وخرج منهم شاب بيده سكين فقتل ولم يعمل شيئا وأحرقت أجساد الثلاثة وحمل الوزير إلى دار هناك وجيء بحاجب الباب الى بيته واختلط الناس وما
__________
[1] في ت: «من الفورح» .
[2] في ت: «بالسيوف» .(18/240)
صدق أحد أن يعود إلى بيته في عافية، وكان الوزير قد رأى في المنام قبل ذلك أنه عانق عثمان بن عفان، وحكى عنه ولده أنه اغتسل قبل خروجه وقال هذا غسل الإسلام واني مقتول بلا شك ومات الوزير بعد الظهر وتوفي حاجب الباب في الليل وغسل الوزير بكرة الأربعاء وحمل إلى جامع المنصور فصلى عليه وحضر أرباب الدولة وصاحب المخزن ودفن عند أبيه وجاء مكتوب من الخليفة إلى أولاده يطيب قلوبهم ويأمرهم بالقعود للعزاء فقعدوا يوم الخميس في داره فلم يحضر أحد يومًا إليه لا من الأمراء ولا من القضاة ولا من الشهود ولا من الصوفية بل كان هناك عدد يسير وتكلم في العزاء من عادته يتكلم في أعزية العوام من الطرقيين فتعجبت من هذه الحال وانه كان يكون عزاء بزاز أحسن من ذلك وما كان انقطاع الناس إلا رضا لصاحب المخزن لأنه كان يفارقه فلما كان في اليوم الثاني حضر الدار جماعة من الفقهاء بالنظامية فلم يقعد أولاده فلما علم الخليفة بالحال تقدم إلى أرباب الدولة ومن جرت عادته بالحضور فحضر في اليوم الثالث صاحب الديوان وقاضي القضاة والنقيب وغيرهم وسألوا أن أتكلم عندهم في العزاء فنصب لي كرسي لطيف وتكلمت عليه والقراء يقرءون ومددت الكلام إلى ان جاء خدم الخليفة بمكتوب منه يعزيهم ويأمرهم بالنهوض عن العزاء فقرأه ابن الأنباري قائما والناس كلهم قيام ثم انصرفوا] [1] .
وفي يوم الجمعة: ولى ابن طلحة حجبة الباب.
وفي ليلة الاثنين: بعث صاحب المخزن بغلامه من الليل إلى تتامش [2] ليحضر عنده وكانت له عادة بزيارته في الليل يخلوان للحديث فحضر عنده فوكل به في حجرة دار صاحب المخزن ونفذ إلى بيته فأخذ من الخيل والكوسات وكل ما في الدار واختلفت الأراجيف/ في نوبته فقوم يقولون أنهم في وضع الباطنية على قتل الوزير وذكر أنه كتب 115/ ب إلى أمير المؤمنين مرارا يحرضه على الخروج للفرجة في الحاج فلما اتفق قتل الوزير خيف ان تكون نيته قد كانت رديئة، وقوم يقولون أنه كاتب أمراء خراسان، وبقي موكلا به في دار صاحب المخزن.
__________
[1] إلى هنا الساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «يتامش» .(18/241)
وفي عاشر ذي الحجة: غسل الديوان ورتب وهيئ ورجمت الظنون وتحازر الناس من يكون وزيرا فلما كان يوم العيد تقدم إلى صاحب المخزن بالحضور في الديوان على وجه النيابة فحضر ورتب الموكب وانصرف.
وجاء قوم من أهل المدائن بعد العيد فشكوا من يهود بالمدائن وأنه كان لهم مسجد يصلى فيه الجماعة ويكثر فيه التأذين وهو إلى جانب كنيسة اليهود فقال بعض اليهود قد آذيتمونا بكثرة الآذان فقال المؤذن ما نبالي تأذيتم أم لا فتناوشوا وجرت بينهم خصومة استظهر فيها اليهود فجاء المسلمون يستنفرون ويستغيثون مما جرى عليهم من اليهود إلى صاحب المخزن فأمر بحبس بعضهم ثم أطلقهم فخرجوا يوم الجمعة إلى جامع الخليفة فاستغاثوا قبل الصلاة فخفف الخطيب الخطبة والصلاة فلما فرغ قاموا يستغيثون فخرج جماعة من الجند فضربوهم ومنعوهم من الاستغاثة فانهزموا فلما رأى 116/ أالعوام ما فعل بهم غضبوا نصرة للإسلام/ واستغاثوا وتكلموا بالكلام السيّئ وقلعوا طوابيق الجامع وضربوا بها الجند فوقع الآجر على المنبر والشباك ثم خرجوا فنهبوا دكاكين المخلصين لأن أكثرهم يهود ووقف حاجب الباب بيده سيف مجذوب ليرد العوام وحمل عليهم نائبه فرجموه وانقلب البلد من ذلك وجاء قوم إلى الكنيسة التي بدار البساسيري فنهبوها ونقضوا شبابيكها وقطعوا التوراة وأخرجوها مقطعة الأوراق وما تجاسر يهودي يظهر وتقدم أمير المؤمنين بنقض الكنيسة التي بالمدائن وأمر أن تجعل مسجدا ونصب بالرحبة أخشاب ليصلب عليها أقوام من العيارين فظنها العوام لتفزيعهم [1] والتهويل عليهم لأجل ما فعلوا فعلقوا على الأخشاب في الليل جرذانا ميتة.
وأخرج يوم الاثنين سادس عشر ذي الحجة: جماعة كانت لهم مدة في الحبس ذكر أنهم كانوا لصوصا بواسط وأنهم قتلوا قوما هناك فصلبوا بالرحبة وكان فيهم شاب هاشمي.
وفي الجمعة المقبلة أقيم الجند بالسلاح يحفظون الجامع والرحبة خوفا مما جرى من العامة في الجمعة الماضية فلم يتكلم أحد وصار الجند في كل جمعة يراعون الجامع حذرا من مثل ذلك.
__________
[1] في الأصل: «لتقريعهم» .(18/242)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4319- أحمد بن محمد بن بكروس الحمامي، أبو العباس
[1] .
/ ولد سنة اثنتين وخمسمائة وقرأ القرآن على أبي العز ابن كادش وأبي القاسم ابن 116/ ب الحصين وغيرهما وتفقه على شيخنا أبي بكر الدينَوَريّ وكان يكثر الصوم والصلاة [2] فتوفي يوم الثلاثاء خامس صفر وصلى عليه بجامع القصر ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
4320- صدقة بن الحسين بن الحسن أبو الفرج الحداد
[3] .
ولد سنة سبع وتسعين [4] واربعمائة وكان في صباه قد حفظ القرآن وسمع شيئا من الفقه وكان له فهم فناظر وأفتى إلا أنه كان يظهر من فلتات لسانه ما يدل على سوء عقيدته وكان لا ينضبط فكان من يجالسه يعثر منه على ذلك وكان يخبط الاعتقاد تارة يرمز إلى انكار بعث [5] الأجسام ويميل إلى مذهب الفلاسفة وتارة يعترض على القضاء والقدر.
قال المصنف رحمه الله [6] : دخلت عليه يوما وعليه حرير فقال لي ينبغي أن يكون هذا على جمل لا علي أنا. وقال لي يوما أنا لا أخاصم إلا من فوق الفلك، وقال لي القاضي أبو يعلى ابن الفراء مذ كتب صدقة كتاب الشفاء لابن سينا تغير.
وحدثني أبو الحسن علي بن عساكر المقرئ قال دخلت عليه فقال والله ما أدري من أين جاءوا بنا ولا من أي مضيق يريدون ان يحملونا.
وحدثني عنه الظهير ابن الحنفي الفقيه قال دخلت عليه وهو مضيق قال إني لأفرح بتعثيري، قلت لم؟ قال لأن الصانع يقصدني. وكان طول عمره ينسخ باجرة
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 244، 245) .
[2] في مرآة الزمان: «زوّجه جدي أكبر بناته يقال لها: ست العلماء» .
[3] في ت: «الجواد» .
انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 245. والبداية والنهاية 12/ 299. والكامل 10/ 90) .
[4] في ص: «تسع وسبعين» .
[5] في ص: «إنكار بعض الأجسام» .
[6] «رحمه الله» سقطت من ت، ص.(18/243)
117/ أفاتفق في آخر عمره أن تفقده/ بعض الأكابر فحكى لي عنه أنه كان يقول أنا كنت أنسخ طول عمري لا أقدر على دجاجة فانظر كيف بعث لي الدجاج والحلوى في وقت لا اقدر أن آكله. وهذا من جنس اعتراضات ابن الريوندي [1] وكنت أنا أتأمل عليه إذا قام إلى الصلاة فأكون في أوقات إلى جانبه فلا أرى شفتيه تتحرك أصلا. وكتب إلي في قصيدة أنشأها، بخطه:
وا حيرتا من وجود ما تقدمنا ... فيه اختيار ولا علم فتقتبس
ونحن في ظلمات ما لها قمر ... يضيء فيها ولا شمس ولا قبس
مدلفين [2] حيارى قد تكنفنا ... جهل تجهمنا في وجهه عبس
والفعل [3] فيه بلا ريب كلا عمل ... والقول فيه كلام كله هوس
وله في أخرى يذم الدنيا:
لا توطنها فليست بمقام ... واجتنبها فهي دار الانتقام
أتراها صنعة من صانع ... أم تراها رمية من غير رامي
117/ ب فلما كثر عثوري على هذا منه وعجز تأويلي له هجرته/ سنين ولم أصل عليه حين مات.
وحكي عنه أبو يعلى المقرئ قال كنا عنده فسمع صوت الرعد فقال فوق خباط وأسفل خباط.
قال أبو يعلى: وقال أبياتا أخذتها منه بخطه وهي:
نظرت بعين القلب ما صنع الدهر ... فألقيه غرا وليس له خبر
فنحن سدى فيه بغير سياسة ... نروح ونغدو قد تكنفنا الشر
فلا من يحل الزيج وهو منجم ... ولا من عليه الوحي ينزل والذكر
يحل لنا ما نحن فيه فنهتدي ... وهل يهتدي قوم أضلهم السكر
__________
[1] في الأصل: «الراونديّ» وكلاهما واحد.
[2] في الأصل: «مدلهين» .
[3] في الأصل: «والقول» .(18/244)
عمى في عمى في ظلمة فوق ظلمة ... تراكمها من دونه يعجز الصبر
وكان مع هذا الاعتقاد يعرف منه فواحش وأغرى بالطلب من الناس لا عن حاجة فخلف ثلاثمائة دينار.
ومات يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخر وصلى عليه في رحبة الجامع ودفن بمقبرة باب حرب.
وكتب إلى أبو بكر الدلال وكان من أهل السنة الجياد قال رأيت في ما يرى النائم كأني في سوق وكأن صدقة بن الحسين الحداد عريان وحوله جماعة فتبعته فصعد درجة/ فصعدت خلفه فقلت يا شيخ صدقة ما فعل الله بك؟ فقال لي ما غفر لي، فقلت له 118/ أكذا؟ قال نعم وأعاد القول مرة أخرى وغير عبارته قال قلت له اغفر لي قال ما أغفر لك ونزل من الدرجة فقلت أين تسكن؟ فقال في بيت في خان فانتبهت فلقيت رجلا كان صديق صدقة فحدثته بما رأيت فقال لي إني رأيت في المنام امرأة أعرف أنها ميتة فقلت لها رأيت صدقة؟ قالت نعم رأيته وسألته ما فعل الله بك؟ قال قد وكل بي كل ملك في السماء وقد ضايقوني حتى قد حنقوني فقلت أين تكون؟ قال مسجون.
4321- فاطمة بنت نصر بن العطار
[1] توفيت يوم الأربعاء سادس عشر رمضان واخرجت جنازتها بكرة الخميس إلى جامع القصر ونحي شباك المقصورة لأجلها وحضر جميع أرباب الدولة [سوى] [2] الوزير وصلى عليها أخوها صاحب المخزن وامتلأت الأسواق والشوارع بالناس أكثر من يوم العيد وشيعها [3] إلى مقبرة أحمد بن حنبل خلق كثير من الأكابر ودفنت عند أبيها وشاع عنها الذكر الجميل والزهد في الدنيا، وحدثني أخوها صاحب المخزن أنها كانت كثيرة التعبد شديدة الخوف ما خرجت في عمرها من بيتها إلا ثلاث مرات لضرورة وما كانت تلتفت الى زينة الدنيا.
__________
[1] انظر ترجمتها في: (البداية والنهاية 12/ 299) .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص: «وتبعها» .(18/245)
4322- محمد بن أحمد ابن عبد الجبار، أبو المظفر الحنفي، يقال له: المشطب
[1] .
ولد سنة اثنتين وتسعين واربعمائة كان فقيها على مذهب أبي حنيفة مناظرا/ أفتى ودرس سنين.
وتوفي ليلة الثلاثاء حادي عشر جمادى الأولى وصلى عليه بجامع القصر ودفن بمقبرة الخيزران.
4323- محمد بن أسعد بن محمد بن أبي منصور العطاري، المعروف: بحفدة
[2] .
ولد بطوس وكانت له معرفة جيدة بالخلاف وأنس بالتفسير وكان يعظ بتبريز وناظر طويلا ودرس وبلغني أنه [3] افتى وقدم بغداد بعد الستين وخمسمائة فناظر بها وتوفي بتبريز في رجب هذه السنة.
4324- مُحَمَّد بْن عبد الله بن هبة الله بن المظفر رئيس الرؤساء، أبي القاسم ابن المسلمة، أبو الفرج الوزير.
[4] ولد في جمادى الآخرة من سنة اربع عشرة وخمسمائة وكان أبوه أستاذ دار المقتفي وتولى المستنجد فأقره على ذلك ورفع قدره فوق ما كان فلما ولي المستضيء بأمر الله الخلافة استوزره وكان يحفظ القرآن وقد سمع الحديث وله مروءة وإكرام للعلماء والفقراء ثم جرى له مع قيماز ما جرى فعزله الخليفة ثم مات قيماز فأعيد إلى الوزارة وخرج من بيته إلى الحج يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة فضربه الباطنية أربع ضربات على باب قطفتا فحمل إلى دار هناك ولم يتكلم الا انه يقول الله الله وقال ادفنوني عند أبي ثم مات
__________
[1] في الأصل: «الشطب» .
انظر ترجمته في: (الكامل 10/ 90) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 299) .
[3] «وبلغني أنه» سقطت من ص، ت.
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 245)(18/246)
بعد الظهر وحمل يوم الخميس إلى جامع المنصور فصلى عليه ولده الأكبر ودفن عند أبيه بمقبرة الرباط عند الجامع.
4325- محمد بن محمد بن هبة الله بن أحمد ابن الزيتوني، أبو الثناء
[1] .
سمع الحديث ووعظ وانقطع في مسجده وتوفي في رمضان هذه السنة/ ودفن في زاويته الملاصقة لمسجده.
119/ أ
4326- محمد بن أبي نصر، أبو سعد ابن المعوج حاجب الباب.
قد ذكرنا أنه ضربه الباطنية يوم قتل الوزير وحمل إلى داره بنهر معلى فدفن بها. [2]
__________
[1] الزيتوني: هذه النسبة إلى اسم الجد وهو أبو القاسم المظفر بن محمد بن زيتون البغدادي الزيتوني (الأنساب 6/ 339) .
[2] انظر أحداث هذه السنة.(18/247)
ثم دخلت سنة اربع وسبعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[تكلم ابن الجوزي بحضور أمير المؤمنين]
أنه كان مفتتحها الثلاثاء فتقدم إلي بالكلام تحت منظرة باب بدر فتكلمت بكرة وحضر أمير المؤمنين، وتكلمت هناك يوم عاشوراء حضر أمير المؤمنين وقلت ولو أني مثلت بين يدي السدة [1] الشريفة لقلت يا أمير المؤمنين كن للَّه سبحانه مع حاجتك إليه كما كان لك مع غناه عنك، أنه لم يجعل احدا فوقك فلا ترض أن يكون أحد أشكر منك. فتصدق يومئذ أمير المؤمنين عقيب المجلس بصدقات وأطلق محبوسين.
وانكسف القمر بعد ثلث الليل الأخير ليلة النصف من ربيع الأول فبقي على حاله إلى ان غاب بعد طلوع الشمس.
وانكسفت الشمس يوم الأربعاء تاسع عشرين ربيع الأول وقت العصر فبقيت إلى قريب الغروب كذلك.
وولدت امرأة من جيراننا في بطن واحدة ثلاثة أولاد ابن وابنتان فعاشوا بعض [اليوم وذلك في جمادى الأولى] [2] .
[عمل لوح ينصب على قبر الإمام أحمد بن حنبل]
وفي أوائل جمادى الآخرة تقدم أمير المؤمنين بعمل لوح ينصب على قبر الإمام أحمد بن حنبل فعمل ونقضت السترة جميعها وبنيت بآجر مقطوع جديدة وبني لها
__________
[1] في الأصل: «السيدة» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/248)
جانبان/ ووقع [1] اللوح الجديد وفي رأسه مكتوب هذا أمر بعمله سيدنا ومولانا 119/ ب المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين، وفي وسطه: هذا قبر تاج السنة وحيد الأمة العالي الهمة العالم العابد الفقيه الزاهد [الإمام] [2] أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رحمه الله.
وقد كتب تاريخ وفاته وآية الكرسي حول ذلك.
[ووعدت بالجلوس في جامع المنصور فتكلمت يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى فبات في الجامع خلق كثير وختمت ختمات واجتمع للمجلس بكرة ما حزر بمائة ألف وتاب خلق كثير وقطعت شعور ثم نزلت فمضيت إلى زيارة قبر أحمد فتبعني من حزر بخمسة آلاف] . [3] وفي ليلة السبت حادي عشرين جمادى الأولى: أطلق تتامش إلى داره وتقدم أمير المؤمنين بعمل دكة بجامع القصر للشيخ ابن المنى الفقيه الحنبلي جلس فيها يوم الجمعة ثاني عشر جمادى الآخرة فماتوا أهل المذاهب من عمل مواضع للحنابلة وما كانت العادة قد جرت بذلك وجعل الناس يقولون لي هذا بسببك فإنه ما ارتفع هذا المذهب عند السلطان حتى مال إلى الحنابلة إلا بسماع كلامك فشكرت الله تعالى على ذلك.
ولقد قال لي صاحب المخزن: ما يخرج إلي شيء من عند السلطان فيه ذكرك إلا يثني عليه [4] وقال له يوما نجاح الخادم: أنت تتعصب [لابن الجوزي] [5] فقال والله ما يتعصب له سيدك بقدر ما أتعصب له إلا خمسين مرة وما يعجبه كلام غيره وكان يقول الوزير ابن رئيس الرؤساء ما دخلت قط على الخليفة إلا جرى ذكر ابن الجوزي وصار لي خمس مدارس وهذا شيء ما رآه الحنابلة إلا في زمني ولي مائة وثلاثون مصنفا/ الى 120/ أ
__________
[1] في الأصل: «ووضع» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «إلا يثني عليك» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(18/249)
اليوم وهي في كل فن وقد تاب على يدي أكثر من مائة ألف وقطعت أكثر من عشرين ألف طائلة ولم ير لواعظ قط مثل مجلسي جمع الخليفة والوزير وصاحب المخزن وكبار العلماء.
وفي يوم الثلاثاء سلخ جمادى الآخرة: تكلمت بباب بدر وأمير المؤمنين حاضر والزحام شديد.
وفي بكرة السبت رابع رجب: حضر الناس الدعوة في دار أمير المؤمنين على رسمهم في كل سنة فأكلوا ودبرت [1] ختمات وقرأ القراء كلهم وعاد للختمة ابن المهتدي الخطيب وانشد ابن شبيب.
وتكلمت يوم الخميس بعد العصر تاسع رجب تحت المنظرة وأمير المؤمنين حاضر والزحام شديد والباب مغلق لشدة الزحام [2] وبالغت في وعظ أمير المؤمنين فمما حكيت له أن الرشيد قال لشيبان عظني فقال يا أمير المؤمنين لأن تصحب من يخوفك حتى يدركك الأمن خير لك من أن تصحب من يؤمنك حتى يدركك الخوف: قال الرشيد [3] فسر لي هذا قال من يقول لك أنت مسئول عن الرعية فاتق الله أنصح لك ممن يقول أنتم أهل بيت مغفور لكم وأنتم قرابة نبيكم. فبكى الرشيد حتى رحمه من حوله.
وقلت له في كلامي يا أمير المؤمنين إن تكلمت خفت منك وان سكت خفت عليك فأنا أقدم خوفي عليك لمحبتي لك [4] على خوفي منك.
وتكلمت يوم السبت مفتتح رمضان في مدرستي بدرب دينار فكان الزحام خارجا عن الحد حتى غلق الأبواب وقصت ثلاثون طائلة وتاب خلق من المفسدين.
وخرج كانون ولم يأت فيه إلا شيء يسير من المطر وخرج كانون الثاني خاليا عن 120/ ب مطر وكذلك/ خرج شباط وآذار وجاء في نيسان مرة شيء يسير وشاع في الناس ان في
__________
[1] في الأصل: «وتليت» .
[2] «والباب مغلق لشدة الزحام» سقطت من ص، ت.
[3] «الرشيد» سقطت من ص، ت.
[4] في الأصل: «لمحبتك» .(18/250)
الموصل الغلاء وفي ما حولها وأنهم استسقوا فلم يسقوا وأما دجلة فما رأيت فيها زيادة ولا انقطع الجسر طول السنة وهلك من الزرع ما كان سقيه بالمطر وأجدبت واسط فكانوا ينقلون الطعام من بغداد إليها فمنع ذلك وصار الخبز الحواري كل ستة أرطال بقيراط والشعير كل أربعة أرطال بحبة وهم على حذر من الغلاء الشديد هذا والناس يحصدون.
وجاء رجل إلى بغداد في رمضان فذكر أنه يضرب بالسيف والسكين فلا يعمل فيه ولكن ذكروا أن ذلك سيفه وسكينه خاصة وكان يقول لهم أنا مشعبذ.
وفي ليلة الجمعة رابع عشرين رمضان: كبس بالكرخ على رجل يقال له أبو السعادات ابن قرايا كان ينشد على الدكاكين ويقال أنه كان يذكر على العوني [1] وغيره من الرفض فوجدوا عنده كتبا كثيرة فيها سب الصحابة وتلقيفهم فأخذ فقطع لسانه بكرة الجمعة وقطعت يده ثم حط إلى الشط ليحمل إلى المارستان فضربه العوام بالآجر في الطريق فهرب إلى الشط فجعل يسبح وهم يضربونه حتى مات ثم أخرجوه وأحرقوه ثم رمي باقيه إلى الماء فطفا بعد أيام فقالت العامة ما رضيته السمك وقالت العامة فيه الشعر الكثير المسمى بكان وكان [فقال بعضهم:
زوروا الشبيك وخلوا ... سرداب سامرا
السنة خل المشبه حامض ... وقعت فيه هراك
ما رأيتم ابن قرايا رأيا ظهر فيه معجزة ان ردت بل وتقدم هذا عقوبة ذاك] [2] ثم تتبع [3] جماعة من الروافض فجعلوا يحرقون كتبا عندهم من غير أن يطلع عليها مخافة أن ينم عليهم وخمدت جمرتهم بمرة وصاروا أذل من اليهود.
وفي ليلة السبت تاسع/ عشرين رمضان: حضر الجماعة على طبق صاحب 121/ أالمخزن فتكلم ابن البغدادي الفقيه فقال ان عائشة قاتلت عليا عليه السلام فصارت من جملة البغاة فتقدم صاحب المخزن بإقامته من مكانه ووكل به في المخزن وكتب إلى أمير
__________
[1] في الأصل: «كان يذكر شعر بن العربيّ» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص: «ثم ريع» .(18/251)
المؤمنين بذلك فخرج التوقيع بتعزيره فجمع الفقهاء فقيل لهم ما تقولون فيما قال؟ وهل يجوز أن يترك تعزيره إذا أقر بالخطأ؟ فجعل هو يناظر على ما قال والفقهاء يردون ما يقول فقلت أنا من بين الجماعة هذا رجل ليس له علم بالنقل وقد سمع أنه جرى قتال ولعمري لقد جرى قتال ولكن ما قصدته عائشة ولا علي إنما أثار الحرب سفهاء الفريقين ولولا علمنا بالسير لقلنا مثل ما قال وتعزير مثل هذا أن يقر بالخطأ بين الجماعة ويصفح عنه، فكتب إلى أمير المؤمنين بذلك فوقع إذا كان قد أقر بالخطأ فيشترط عليه أن لا يعاود ثم أطلق.
وجاء الخبر: بقلة الماء في طريق مكة وبعدم العشب والجمال فنودي في الناس لا يخرج ماش ولا صاحب تجارة فقعد خلق كثير ورجع قوم قد قدموا من الموصل للحج فعادوا يبيعون زادهم وخرج من خرج على خوف ومخاطرة وعاد جماعة من الحلة ونزل أكثرهم في السفن فخرج عليهم عرب فأخذوا أكثر الأموال وقتل منهم قوم وشاع أنه قدم قوم من الباطنية يريدون قتل قوم من الأكابر فوقع الاحتراز وحكى لي ثقات ان الأرض 121/ ب زلزلت بعد العصر يوم السبت ثاني عشر ذي القعدة/ أربع مرات ولم أحس أنا بذلك.
ومما جرى في هذا الشهر أن رجلا تاجرا أكرى مع مكارية من الموصل وكان معه ألف دينار فعلم بها المكارية فسرقوها في الطريق فلم يتكلم حتى دخل بغداد فاستعدى عليهم فأحضرهم صاحب المخزن فأقر أحدهم أني أنا أخذتها وهي مدفونة في الياسرية فبعث فجيء بها فنقصت خمسين دينارا فطولب فقال هي مع قرابة لي فقال صاحب المخزن احبسوا هذا حتى نصلبه غدا فقام الرجل في الليل فصلب نفسه.
وفي ليلة الثلاثاء تاسع عشرين ذي القعدة: هبت ريح شديدة وغامت السماء نصف الليل وظهرت أعمدة مثل النار في أطراف السماء كأنها تتصاعد من الأرض فاستغاث الناس استغاثة شديدة وبقي الأمر على ذلك إلى ضحوة [1] ذي الحجة ولم ير الهلال ليلة الثلاثين [2] فأرخ الناس الشهر بالجمعة على التمام وكان الهلال زائدا على الحد في الكبر والعلو فجعلنا ندهش من كبره.
__________
[1] في الأصل: «إلى سحره» .
[2] في ص: «ليلة الثلاثاء» .(18/252)
ومن العادة أن أول رمضان هو يوم الأضحى وهذا ليس كذلك فبقي الأمر على هذا يوم الجمعة إلى يوم الجمعة قبل الصلاة فوصل من بعض البلاد ما أوجب أن علم الناس ان اليوم يوم عرفة فأخرج المنبر وهيئت أمور العيد وتقدم إلى بالجلوس عشية الجمعة فجلست للتعريف بباب بدر وأمير المؤمنين حاضر.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4327-/ أحمد بن عيسى بن أبي غالب، أبو العباس الأبروزي [1] الضرير.
122/ أقرأ القرآن وسمع الحديث وتفقه وناظر وكان فيه دين توفي يوم الجمعة عاشر رجب وصلى عليه يومئذ بجامع القصر ودفن بمقبرة أحمد ابن حنبل.
4328- سعد بن محمد [بن سعد] [2] ، أبو الفوارس الصيفي الناقد الشاعر، ويلقب: بالحيص بيص.
سمع شيئا من الحديث ومدح الأكابر وتقدم عندهم على الشعراء ومن شعره يمدح الوزير علي بن طراد:
ما أنصفت بغداد ناشئيها الذي ... كثر الثناء به على بغداد
شاني إذا مد الجدال رواقه ... بصوارم غير السيوف حداد
وجرت بأنواع العلوم مقالتي ... كالسيل مد إلى قرار الوادي
وذعرت ألباب الخصوم بخاطر ... يقظان في الإصدار والإيراد
فتصدعوا متفرقين كأنهم ... مال تفرقه يد ابن طراد
وقال أيضا:
/ كل ما أوسعت حلمي جاهلا ... أوسع الجهل له فحش المقال 122/ ب
__________
[1] في الشذرات: «الأبرودي الجبابيني» .
انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 246) .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ص.
انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 247. والبداية والنهاية 12/ 301، 302. والكامل 10/ 93) .(18/253)
وإذا شاردة فهت بها ... سبقت مر النعامي والشمال
عز بأسي أن أرى مضطهدا ... وأبى لي غرب عزمي أن أبالي
لا تلمني في شقائق بالعلا ... رغد العيش لربات الحجال
سيف عز زانه رونقه ... فهو بالطبع غني عن صقال
توفي ليلة الأربعاء سادس عشر شعبان هذه السنة.
4329- شهدة بنت أحمد بن عمر الإبري المدعوة: فخر النساء الكاتبة
[1] .
سمعت الحديث من ابن السراج وطراد وغيرهما وقرأت عليه كثيرا وكان لها خط حسن وتزوجت ببعض وكلاء الخليفة وعاشت مخالطة للدار ولأهل العلم وكان لها بر وخير وقرئ عليها الحديث سنين وعمرت حتى قاربت المائة وتوفيت ليلة الاثنين رابع 123/ أعشر المحرم وصلي عليها بجامع القصر وأزيل شباك المقصورة لأجلها/ وحضرها خلق كثير وعامة العلماء ودفنت بمقبرة باب ابرز.
4330- عمار بن سلامة، أبو البقاء الحراني
[2] كان من أماثل التجار كثير الصدقة ملازما لمجلس الذكر [3] كثير الخشوع والبكاء متعصبا لأهل السنة مبالغا في حب أصحاب أحمد بن حنبل مرض ثلاثة أيام.
وتوفي ليلة الأحد ثالث عشر محرم هذه السنة وصليت عليه بمدرستي بدرب دينار وحضر خلق كثير ودفن بمقبرة الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه.
__________
[1] «المدعوة فخر النساء الكاتبة» سقطت من ت.
انظر ترجمتها في: (شذرات الذهب 4/ 248. والكامل 10/ 94) .
[2] الحراني: حران بلدة من الجزيرة كان بها ومنها جماعة من الفضلاء والعلماء في كل علم وفن وهي من ديار ربيعة (الأنساب 4/ 96) .
[3] من ت: «ملازما لمجلسي» .(18/254)
الخاتمة
[والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، والحمد للَّه وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، وسلم تسليما كثيرا] [1] .
تم الجزء الثامن عشر من «المنتظم في أخبار الأمم» جمع الشيخ الإمام الحافظ جمال الدين ناصر السنّة أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي.
وبتمامه تم الكتاب، غفر الله له ولمن استكتب وكتب، ولجميع المسلمين وكان الفراغ منه في اليوم الأول من شهر رمضان المعظم قدره سنة ست وثمانمائة، أحسن الله نقضها بخير وعافية بمنه وكرمه، والحمد للَّه رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل. [2]
__________
[1] ما بين المعقوفتين من ص فقط.
[2] ومن نسخة ص:
«تم الجزء الثامن من الكتاب «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، بتمامه وكماله، تأليف الشيخ الإمام العالم الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي، غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين، وكان الفراغ من تعليق جملته يوم السبت حادي عشرين ذي القعدة الحرام سنة أربع وخمسين وثمانمائة، أحسن الله عاقبتها في خير، والحمد للَّه رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه تسليما كثيرا دائما أبدا إلى يوم الدين وحسبنا الله ونعم الوكيل» .
وفي نسخة ت: «تم الكتاب» .
وفي مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي، «انتهى تاريخ جدي المسمى بالمنتظم في هذه السنة، وله تاريخ صغير سماه «درة الإكليل» فيه من هذه السنة إلى أن حمل إلى واسط في سنة تسعين وخمسمائة، غير أنه لم يستقص فيه الحوادث، ويقال ان منه دخل عليه الحادث، والله أعلم» .(18/255)
[المجلد التاسع عشر]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
فهرس الأعلام
باب الألف آدم (عليه السلام) : (1) 116، 124، 125، 127، 139، 171، 180، 196، 198، 199، 200، 201، 202، 203، 204، 205، 206، 207، 208، 209، 210، 211، 212، 213، 214، 215، 216، 217، 218، 219، 220، 221، 222، 223، 224، 225، 226، 227، 228، 233، 241، 254، (2) 197، (4) 226، (6) 147، (8) 29.
آدم بن أحمد بن أسد (أبو سعد الأسدي) :
(18) [22] .
آدم بن أبي إياس: (11) [57، 58] .
آدم بن عبد الرحمن بن محمد: (11) 57.
آدم بن محمد بن آدم (أبو القاسم العكبريّ) :
(15) [78] .
آدم بن ناهية- آدم بن أبي إياس ابن الآدمي القارئ (أبو بكر) : (13) 208.
أبو الآذان- عمر بن إبراهيم آذين (قائد بابك) : (11) 73.
آزاذوية: (4) 99 آزر ميدخت بنت كسرى: (3) 299، 312، (4) 124.
آزر بن الناحور: (1) 259، 260، 363.
آسية بنت مزاحم (امرأة فرعون) : (1) 333، 334، 346.
آشوت بنت آدم: (1) 217.
الآمر بأحكام الله (أبو علي) : (17) 78، 257، [258] .
آمنة بنت وهب (أم النبي صلّى الله عليه وسلم) : (2) 200، 202، 237، 242، 243، 249، 274.
آبان بن بشير الكاتب: (8) 201.
أبان بن صدقة: (8) 166، 237، 251.
أبان بن ضبارة: (7) 132.
أبان بن عبد الحميد بن إسحاق: (10) [87، 88] .
أبان بن عثمان بن عفان: (4) 335، (6) 202، 204، (7) [100] .
أم أبان بنت عثمان بن عفان: (4) 335.
أم أبان بنت عقبة: (5) 111.
أبان بن قحطبة الخارجي: (9) 103.
إبراهيم بن آزر بن ناحور- إبراهيم الخليل (عليه السلام) .(19/3)
إبراهيم بْن أَحْمَد بْن إسماعيل (أَبُو إسحاق الخواص) : (13) [26] .
إبراهيم بن أحمد البزاري: (1) 136.
إبراهيم بن أحمد بن بشران (أبو إسحاق الصيرفي) : (14) [344، 345] .
إبراهيم بن أحمد بن جعفر (أبو إسحاق المقرئ) : (14) [306] .
إبراهيم بن أحمد بن الحسين (أبو تمام البروجردي) : (17) [329، 330] .
إبراهيم بن أحمد الحزمي (أبو الفضل) : (17) [146] .
إبراهيم بن أحمد بن سهل (أبو إسحاق) :
(14) [28] .
إبراهيم بن أحمد بن عبد الله: (12) [126، 127] .
إبراهيم بن أحمد الماذرائي: (12) 345، (13) 80.
إبراهيم بن أحمد بن محمد (أبو القاسم الكلابي) : (13) [181] .
إبراهيم بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إبراهيم (أبو إسحاق الأستراباذيّ) : (13) [291، 292] .
إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد (أبو إسحاق الطبري) : (15) [38، 39] .
إبراهيم بن أحمد بن يحيى: (12) [261] .
إبراهيم بن أدهم: (1) 363.
إبراهيم بن أدهم بن منصور العجليّ: (8) [240، 241، 242] ، [258] .
إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم- إبراهيم الحربي إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم (أبو إسحاق الثقفي السراج النيسابورىّ: (12) 361.
إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم (أبو إسحاق القارئ) : (10) [143] .
إبراهيم بن إسحاق بن أبي العنبس: (12) 63، [282] .
إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم (أبو إسحاق ابن علية) : (11) [30، 31] .
إبراهيم بن إسماعيل الطلحي: (4) 221.
إبراهيم بن إسماعيل العنبري: (11) 116.
إبراهيم بن الأشتر: (4) 346، (6) 52، 54، 57، 61، 63، 66، 70.
إبراهيم بن الأغلب: (9) 92.
أبو إبراهيم الأنصاري- إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير.
إبراهيم بن أورمة بن سياوش (أبو إسحاق الأصبهاني) : (12) [208، 209] .
إبراهيم بن تارخ بن ناحور- إبراهيم الخليل (عليه السلام) .
أبو إبراهيم الترجماني- إسماعيل بن إبراهيم الترجماني.
إبراهيم بن تيم (أبو إسحاق) : (11) [5] .
إبراهيم التيمي: (1) 363 (4) 66، (6) 9.
إبراهيم بن جبريل: (9) 154.
إبراهيم بن الجراح بن صبيح: (11) [5] .
إبراهيم بن جعفر البلخي: (10) 47.
إبراهيم بن جعفر بن أبي جعفر المنصور: (7) 336، (8) 257.
إبراهيم بن جعفر بن مسعر (أبو إسحاق الكرماني) : (12) [375] .
إبراهيم بْن حبان بْن إبراهيم (أبو إسحاق المرادي) : (11) [267] .
إبراهيم بن حبيب الزاهد: (12) [417] .
إبراهيم الحربي: (5) 240، (7) 166 (12) [379، 380، 381، 382، 383، 384، 385، 386] .(19/4)