الحكم العزيز [1] ولا إلى مجلس التدريس في كل يوم إلا بعد أن ينسخ عشر ورقات يأخذ أجرتها عشرة دراهم تكون قدر مؤنته ثم يخرج.
وقال ابن أبي الفوارس: كان يذكر عنه الاعتزال، ولم نره يظهر من ذلك شيئًا، وكان نزهًا عفيفًا، توفي في رجب هذه السنة، عن أربع وثمانين سنة ودفن في مقبرة الخيزران.
2743- عبد الله بن إبراهيم بن يوسف، أبو القاسم الزنجاني ويعرف بالأبندوني
[2] .
وهي قرية من قرى جرجان أحد الرحالين في طلب العلم والحديث إلى البلاد، وكان رفيق أبي أحمد بن عدي الحافظ، وسكن بغداد، وحدث عن أبي يعلى الموصلي، والحسن بن سفيان، وابن خزيمة، وغيرهم، روى عنه البرقاني وغيره/ وكان ثقة ثبتا مصنفًا.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: سمعت البرقاني ذكر الأبندوني قال: كان محدثا قد أكل ملحه، وكان زاهدا ولم يكن يحدث غير واحد منفرد، فقيل له في ذلك، فقال: أصحاب الحديث فيهم سوء أدب، فإذا اجتمعوا للسماع تحدثوا، وأنا لا أصبر على ذلك. قال البرقاني: ودفع إليَّ يومًا قدحًا فيه كسر يابسة، وأمرني أن أحمله إلى الباقلاوي ليطرح عليه ماء الباقلاء، ففعلت ذلك، فلما ألقي الباقلاوي الماء في القدح من الباقلاء ثنتان، أو ثلاث، فَقَالَ: فبادر الباقلاوي إلى رفعها فقلت له: ويحك، ما مقدار هذا حتى ترفعه من القدح، فقال: هذا الشيخ يعطيني في كل شهر دانقًا حتى أبل له الكسر اليابسة، فكيف أدفع إليه الباقلاء مع الماء، وجعل البرقاني يصف أشياء من تقلله وزهده، وقال: كان سيدا في المحدثين، توفي الآبندوني [3] في جمادى الأولى، من هذه السنة.
2744- عبد الله بن ورقاء أبو أحمد الشيبانيّ
[4] .
__________
[1] «العزيز» سقطت من ص، ل.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 407، والبداية والنهاية 11/ 294) .
[3] «الأبندوني» سقطت من ص، ل.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 294) .(14/265)
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: كان أبو أحمد الشيباني من أهل البيوتات وأسرته كانوا من أهل الثغور.
أنشدنا القاضي أبو علي قال: أنشدنا الأمير أبو أحمد ابن ورقاء قال: أنشدنا ثعلب قال: أنشدني ابن الأعرابي لأعرابي في صفة النساء:
هي الضلع العوجاء لست تقيمها ... ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
أيجمعن ضعفا واقتدارًا على الفتى ... أليس عجيبا ضعفها واقتدارها
توفي أبو أحمد فِي آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وقد بلغ تسعين سنة.
2745-/ عبد الله بن الحسن بن سليمان، أبو القاسم المقرئ، المعروف بابن النحاس
[1] .
ولد سنة تسعين ومائتين، وسمع أحمد بن الحسن الصوفي، والبغوي، وابن أبي داود. روى عنه أبو بكر بن مجاهد، وأبو الحسن الحمامي، والبرقاني، وكان ثقة من أهل القرآن، والفضل، والخير، والعفاف [2] والستر، والعقل، الحسن، والمذهب الجميل. توفي في ذي القعدة من هذه السنة.
2746- عيسى بن حامد بن بشر [3] بن عيسى، أبو الحسن القاضي، ويعرف: بابن بنت القنبيطي
[4] .
سمع جعفر الفريابي، وابن جرير الطبري، وكان أحد أصحابه، وكان ثقة جميل الأمر، وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
2747- محمد بن أحمد ابن إبراهيم، أبو الحسن الشافعي
[5] .
سمع محمد بن عثمان بن أبي شيبة، توفي في يوم الخميس في جمادى الأولى من هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 438) .
[2] «والعفاف» سقطت من ص، ل.
[3] في الأصل: «بن بسق» .
[4] في ص، ل: «ابن أخت القنبيطي» . انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 178) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 271) .(14/266)
2748- محمد بن إسحاق بن محمد بن إبراهيم، أبو الحسين السختياني
[1] .
سمع أبا العباس الثقفي وأقرانه [2] وكان من العباد المجتهدين، وكان يحج ويغزو، ولا يعلم بذلك أهل بلده، فإذا سئل عن غيبته لم يحدث بذلك، وتوفي في رجب هذه السنة وهو ابن ست وستين سنة.
2749- محمد بن عيسى [بن محمد] [3] بن عبد الرحمن، أبو أحمد الجلودي
[4] .
روى عن إبراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم «صحيحه» وكان من الزّهاد، كان يورق ويأكل من كسب يده، وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة وهو ابن ثمانين سنة.
2750- محمد بن محمد ابن يوسف، أبو بكر اللحياني المقرئ
[5] .
نزل نيسابور، وادعى دعاوى في القراءات.
أنبأنا زاهر بن طاهر، أَنْبَأَنَا أَبُو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ قالا: أخبرنا الحاكم أَبُو عَبْد اللَّه قَالَ: سمعت أبا بكر بن الإمام/ يقول: قلت لأبي بكر اللحياني:
على من قرأت بالعراق: فقال: على أبي بكر بن مجاهد، فقلت: قرأت عليه قبل أن يخضب، أو بعد أن خضب؟ قال: قرأت عليه، وقد خضب، قال: قلت: فقرأت عليه قبل أن يأخذ العصا بيده، أو بعد أن أخذ العصا بيده [6] قال: كان لا يخرج إلا والعصا بيده، قال: فقلت يا هذا، فو الله الّذي لا اله إلا هو ما خضب أبو بكر بن مجاهد ولا أخذ العصا بيده قط [7] .
__________
[1] السختياني: هذه النسبة إلى عمل السختيان وبيعها وهي الجلود الضأنية ليس بأدم. (الأنساب 7/ 53) .
[2] «وأقرانه» سقطت من ص، ل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 294) .
[5] في ل: «المزني» .
[6] «أو بعد أن أخذ العصا بيده» سقطت من ص، ل.
[7] في الأصل: «والله ما أخذ العصا أبو بكر بيده وما خضب قط» .(14/267)
ثم دخلت سنة تسع وستين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
[قبض على الشريف أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي]
أنه قبض على الشريف أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي في صفر، وقلد [أبو الحسن] [1] علي بن أحمد بن إسحاق العلوي نقابة الطالبيين ببغداد وواسط، وأبو الفتح أحمد بن عمر بن يحيى نقابتهم بالكوفة، وأبو الحسن أحمد بن القاسم المحمدي [2] نقابتهم بالبصرة والأهواز، وكان قد استذنب أبو أحمد بما ليس بذنب، فأرى خطًا مزورًا على خطه بإفشاء الأسرار وقيل له: إن عز الدولة أعطاك عقدًا في فداء غلامه فكتمتناه فقال: أما الخط فليس بخطي، وأما العقد فإنه قال: إن لم يقبل ما دفعت فادفع هذا فلم يجز لي أن أخونه.
وفي يوم الاثنين لأربع بقين من صفر: قبض [عضد الدولة] [3] على أبي محمد ابن معروف قاضي القضاة [4] ، وأنفذه إلى القلعة بفارس، وقلد أبو سعد بشر بن الحسين ما كان إليه من قضاء القضاة، واحتج على ابن معروف بالتقصير في حق عضد الدولة، وبأنه ينفسح فيما لا ينبغي للقضاة مثله، فأجاب عن ذلك فلم يلتفت إليه.
وفي شعبان: ورد رسول للعزيز [5] صاحب مصر إلى/ عضد الدولة بكتاب وما
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من ص، ل.
[2] في الأصل: «المعتمدي» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من ص، ل.
[4] في الأصل: «بأمر عضد الدولة» .
[5] في الأصل: «العزيز» .(14/268)
زال يبعث إليه برسالة بعد رسالة، فأجابه بما مضمونه صدق الطوية، حسن النية.
وسأل عضد الدولة: الطائع في مورده الثاني إلى الحضرة أن يزيد في لقبه تاج الملة، ويجدد الخلع عليه، ويلبسه التاج والحلي المرصع بالجوهر، فأجابه إلى ذلك وجلس الطائع على سرير الخلافة في صدر صحن السلام، وحوله من خدمه الخواص نحو مائة بالمناطق والسيوف والزينة، وبين يديه مصحف عثمان، وعلى كتفيه البردة، وبيده القضيب، وهو متقلد سيف النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وضرب ستارة بعثها عضد الدولة، وسأل أن يكون حجابا للطائع حتى لا يقع عليه عين أحد من الجند قبله، ودخل الأتراك والديلم، ولم يكن مع أحد منهم حديد، ووقف الأشراف وأصحاب المراتب من الجانبين، فلما وصل عضد الدولة أوذن به الطائع فأذن له، فدخل، فأمر برفع الستارة، فقيل لعضد الدولة: قد وقع طرفه عليك، فقبَّل الأرض ولم يقبلها أحد ممن معه تسليما للرقبة [1] في تقبيل الأرض إليه فارتاع زياد من بين القواد لما شاهد، وقال بالفارسية: ما هذا أيها الملك، أهذا هو الله عز وجل؟ فالتفت إلى أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف وقال له:
فهِّمه وقل له: هذا خليفة الله في الأرض، ثم استمر يمشي ويقبل الأرض تسع مرات، والتفت الطائع إلى خالص الخادم وقال له: استدنه. فصعد عضد الدولة وقبل الأرض، دفعتين [2] فقال له الطائع: ادن إليَّ، ادن إليَّ، فدنا، وأكب، وقبل رجله، وثنى الطائع يمينه عليه/ وكان بين يديه سريره مما يلي الجانب الأيمن للكرسي، ولم يجلس فقال له ثانيا: اجلس. فأومأ، ولم يجلس، فقال له: أقسمت عليك لتجلسن، فقبل الكرسي، وجلس، فقال له الطائع: ما كان أشوقنا إليك، وأتوقنا إلى مفاوضتك. فقال: عذري معلوم. فقال: نيتك موثوق بها، وعقيدتك مسكون إليها. وأومأ برأسه، ثم قال له الطائع: قد رأيت أن أفوض إليك ما وكل الله تعالى إلي من أمور الرعية في شرق الأرض وغربها، وتدبيرها في جميع جهاتها [3] سوى خاصتي وأسبابي، وما وراء بابي، فتول ذلك مستخيرًا باللَّه تعالى. فقال له عضد الدولة: يعينني الله عز وجل على طاعة مولانا
__________
[1] في الأصل: «للرتبة» .
[2] في الأصل: «مرتين» .
[3] في الأصل: «حركاتها» .(14/269)
وخدمته، وأريد المطهر وعبد العزيز ووجوه القواد الذين دخلوا معي أن يسمعوا لفظ أمير المؤمنين. فأذنوا وقال الطائع: هاتوا الحسين بن موسى، ومحمد بن عمرو بن معروف، وابن أم شيبان، والزينبي، فقدموا فأعاد الطائع للَّه القول بالتفويض إليه، والتعويل عليه، ثم التفت إلى طريف الخادم فقال: يا طريف، يفاض [1] عليه الخلع، ويتوج. فنهض عضد الدولة إلى الرواق، فألبس الخلع، فخرج فأومأ ليقبل الأرض، فلم يطق، فقال له الطائع: [حسبك] حسبك [2] . وأمره بالجلوس على الكرسي، ثم استدعى الطائع تقديم ألويته، فقدم لواءان، واستخار الطائع للَّه عز وجل وصلى على رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعقدهما، ثم قال: يقرأ كتابه. فقرأ، فقال له الطائع: خار الله لنا ولك وللمسلمين، آمرك بما أمرك الله به. وأنهاك عما نهاك الله عنه وابرأ/ إلى الله مما سوى ذلك، انهض على اسم الله. واخذ الطائع سيفا كان بين المخدتين اللتين تليانه، فقلده إياه مضافا إلى السيف الذي قلده مع الخلعة، ولما أراد عضد الدولة أن ينصرف قال [للطائع] [3] : أني أتطير أن أعود على عقبي فاسأل أن يؤمر بفتح هذا الباب لي. فأذن في ذلك، وشاهد [4] في الحال نحو ثلاثمائة صانع قد أعدهم عضد الدولة حتى هيّئ للفرس مسقال [5] ، وركب [وسار] [6] الجيش مشاة إلى أن خرج من باب الخاصة، ثم ركب القواد والجيش، وسار في البلد. ثم بعث الطائع إليه بعد ثلاثة أيام هدية فيها غلالة قصب، وصينية ذهب، وخرداذي بلور، وفيه شراب ناقص كأنه قد شرب بعضه، وعلى فم الخرداذي خرقة حرير مشدودة مختومة، وكاس بلور من هذا الفن فوافى أبو نصر [الخازن] [7] ومعه من الأموال نحو ما ذكرنا في دخوله الأول في السنة الماضية، ولما عاد عضد الدولة جلس للتهنئة، فقال أبو إسحاق الصابي: على البديهة:
__________
[1] في الأصل: «تفاض» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «وشوهد» .
[5] في الأصل: «مستعان» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(14/270)
يا عضد الدولة الذي علقت ... يداه من فخره بأعرقه
لبست للملك تاج ملته ... فصل عرى غربة بمشرقه
أحرزت منك [1] الجديد في عمر ... أطاله الله غير مخلقه
يلوح منك الجبين بحاشية [2] ... لحاظنا في ضياء رونقه
كأنه الشمس في إنارتها ... ويشبه البدر في تألقه
لما رأيت الرجال تنشده ... من كل فحل القريض مغلقه
/ الجأت نفسي [3] إليك رؤيتها ... لتطلب المدح طول منطقه
قال له خاطري بطمع أن [4] ... تساجل البحر في تدفقه
خفف وأوجز فقلت مختصرا ... للقول في جده وأصدقه
يفتخر النعل [5] تحت أخمصه ... فكيف بالتاج فوق مفرقه
وفي شهر رمضان: بعث إلى ضبة بن محمد الأسدي، وكان من أكابر الذعار، وقد قتل النفوس، ونهب الأموال، وقد [6] تحصن بعين التمر، نيفا وثلاثين سنة، والوصول إليها يصعب [7] ، فلما طل عليه العسكر هرب وترك أهله وخاصته، فأسر أكثرهم وملك البلد.
وفي يوم الثلاثاء لتسع بقين من ذي القعدة [8] : تزوج الطائع للَّه بنت عضد الدولة الكبرى، وعقد العقد [9] بحضرة الطائع، بمحضر [10] من الأشراف، والقضاة،
__________
[1] في الأصل: «جررت منه» .
[2] في الأصل: «غاشية» .
[3] في الأصل: «كأن إليك» .
[4] في الأصل: «تطمع» .
[5] في ص، ل، ت: «النحل» .
[6] «قد» سقطت من ص، ل.
[7] في الأصل: «صعب» .
[8] في الأصل: «ذي الحجة» .
[9] في الأصل: «وعقد له» .
[10] في ص، ل: «بمشهد» .(14/271)
والشهود، ووجوه الدولة على صداق مبلغه مائة ألف دينار، وفي رواية: مائتي ألف دينار، والوكيل عن عضد الدولة في العقد. أبو علي الحسن بن أحمد الفارسي النحوي، والخطيب الخاص [1] القاضي أبو علي المحسن بن علي التنوخي.
وفي هذا الشهر: قلد أبو الفتح أحمد بن عمر بن يحيى العلوي الحج، وتولاه في موسم هذه السنة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2751- أحمد بن عطاء بن أحمد، أبو عبد الله الروذباري، ابن أخت [أبي] [2] علي الروذباري
[3] .
أسند الحديث، وكان يتكلم على مذهب الصوفية، توفي بصور في ذي الحجة من هذه السنة.
2752- الحسين بن علي أبو عبد الله [4] البصري، يعرف بالجعل
[5] .
سكن بغداد، وكان من شيوخ المعتزلة، وصنَّف على مذاهبهم، وانتحل في الفروع مذهب أهل العراق، وتوفي في هذه السنة وصلى عليه أبو علي/ الفارسي، ودفن في تربة أستاذه أبي الحسن الكرخي بدرب الحسن بن زيد، وكان قد قارب الثمانين سنة.
2753- حسنوية [6] بن الحسين الكردي
كان له مال عظيم، وسلطان، وكان يخرج أموالا كثيرة في الصدقات. توفي في قلعته يوم الثلاثاء لليلة خلت من ربيع الآخر من هذه السنة.
__________
[1] «الخاص» سقطت من ل، ص.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 336، والبداية والنهاية 11/ 296) .
[4] في الأصل: «ابن عبد الله» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 73) .
[6] في ت: «حيويه» .(14/272)
2754- سعيد بن أحمد بن محمد بن جعفر، أبو عثمان النيسابوري
[1] .
قدم بغداد وحدث بها عن أبي العباس الأصم وغيره، فروى عنه أبو العلاء الواسطي، وتوفي عند انصرافه من الحج في جمادى الأولي من هذه السنة.
2755- عبد الله بن إبراهيم [بن أيوب] [2] بن ماسي [3] ، أبو محمد البزاز
[4] .
ولد سنة أربع وسبعين ومائتين. سمع أبا مسلم الكجي، ويوسف بن يعقوب القاضي. روى عنه ابن رزقويه، وأبو علي بن شاذان، وكان ثقة توفي في رجب هذه السنة.
2756- محمد بن صالح بن علي بن يحيى، أبو الحسن الهاشمي، ويعرف: بابن أم شيبان
[5] .
ولد يوم عاشوراء من سنة أربع وتسعين ومائتين، وله أخ يقال له: محمد أيضا إلا أن هذا هو الأكبر، وأصله من الكوفة، وولي القضاء ببغداد، وحدث عن عبد الله بن زيدان وغيره، روى عنه البرقاني.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا علي بْن المحسن، أَخْبَرَنَا طلحة بْن محمد بن جعفر قَالَ: لما نقل المستكفي [باللَّه] نائبة [6] أبا السائب عن القضاء بمدينة المنصور [في] يوم [7] الاثنين مستهل ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، قلد في هذا اليوم أبا الحسن محمد بن صالح، ويعرف هو وأهله ببني أم شيبان، واسمها كنيتها، وهي بنت يحيى بن محمد من أولاد طلحة بن عبيد الله، والقاضي أبو الحسن من أهل الكوفة، بها ولد ونشأ، وكتب الحديث/ ثم قدم بغداد وقرأ على ابن مجاهد، ولقي
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 111) .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «ماشي» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 408، والبداية والنهاية 11/ 296) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 362، والبداية والنهاية 11/ 296، 297) .
[6] «نائبة» سقطت من ص، ل. وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في الأصل: «عن استقصاء مدينة المنصور» . وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(14/273)
الشيوخ، وصاهر قاضي القضاة أبا عمر محمد بن يوسف علي بنت ابنته، وأبو الحسن رجل عظيم القدر، وافر العقل، واسع العلم، حسن التصنيف، ثم قلده المطيع قضاء الشرقية مضافا إلى مدينة المنصور، وتوفي في فجأة جمادى الأولى من هذه السنة.
2757- مُحَمَّد بن إسحاق بن محمد بن إسحاق النعالي
[1] .
سمع علي بن دليل، وأبا سعيد بن رميح النسوي، وغيرهما، وتوفي قبل سنة سبعين وثلاثمائة.
2758- أبو الحسين [بن] أحمد بن زكريا بن فارس اللغوي
[2] .
صاحب «المجمل» في اللغة وغيره من الكتب، له التصانيف الحسان، والعلم الغزير، والمعرفة الجيدة باللغة.
أنشدنا محمد بن ناصر قال: أنشدنا أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي لابن فارس:
وقالوا كيف حالك؟ قلت خير ... تُقضى [3] حاجة وتفوت حاج
إذا ازدحمت هموم الصدر قلنا ... عسى يوما يكون لها انفراج
نديمي هرتي وشفاء نفسي ... دفاتر لي [4] ومعشوقي السراج
قال: وأنشدنا له وذكر أنه قالها قبل وفاته بيومين:
يا رب إن ذنوبي قد أحطت بها ... علما وبي وبإعلاني وإسراري
أنا الموحد لكني المقر بها ... فهب ذنوبي لتوحيدي وإقراري
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 260) .
[2] هذه الترجمة سقطت من ت. «اللغوي» سقطت من ص، ل. وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص، ل: «تقصر» .، وتكررت العبارة الأولى من البيت في الأصل.
[4] في الأصل «فأنزلني» وهي تصحيف «دفاتر لي» ، والتصحيح من ص، ل.(14/274)
ثم دخلت سنة سبعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أن الصاحب بن عباد ورد إلى خدمة عضد الدولة عن مؤيد الدولة، وعن نفسه فتلقاه عضد الدولة على بعد/ من البلد، وبالغ في إكرامه، ورسم لأكابر كتابه وأصحابه يعظمونه، وكانوا يغشونه مدة مقامه، ولم يركب هو إلى أحد منهم، وكان غرض عضد الدولة تأنيسه وإكرام مؤيد الدولة، ووصلت كتب مؤيد الدولة يستطيل [1] مقام الصاحب ويذكر اضطراب الأمور ببعده [2] ، ثم أن عضد الدولة برز إلى ظاهر همذان في ربيع الآخر للمضي إلى بغداد، وخلع على الصاحب الخلع الجميلة، وحمله على فرس بمركب ذهب، ونصب له دستا كاملا في خركاه تتصل بمضاربه، وأقطعه ضياعا جليلة، وحمل إلى مؤيد الدولة [3] في صحبته ألطافا وورد عضد الدولة إلى بغداد، فنزل بجسر النهروان في يوم الأربعاء حادي عشر جمادى الآخرة، وطلب من الطائع أن يتلقاه، فخرج إليه الطائع من غد هذا اليوم، فتلقاه وضربت له قباب وزينت لَهُ [4] الأسواق.
قال أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن حاجب النعمان: لم تكن العادة جارية بخروج الخلفاء لتلقي أحد من الأمراء، فلما توفيت فاطمة أخت معز الدولة أبي الحسين
__________
[1] في الأصل: «تستطيل» .
[2] في الأصل: «بعده» .
[3] في ل، والأصل: «مؤيد الملك» .
[4] «له» سقطت من ص، ل، ت.(14/275)
ركب المطيع إلى معز الدولة يعزيه عنها، فنزل معز الدولة، وقبل الأرض بين يديه، وأكثر الشكر، فلما صار عضد الدولة إلى بغداد في الدفعة الأخيرة مستوليا على الأمور فيها، أنفذ أبا الحسن محمد بن عمر العلوي من معسكره ندبا إلى حضرة الطائع، فوافى [باب] [1] دار الخلافة نصف الليل، وراسل بأنه قد حضر في مهم، فجلس له الطائع وأوصله فقال: يا مولانا أمير المؤمنين، قد ورد هذا الملك، وهو من الملوك المتقدمين، وجاري مجرى [2] الأكاسرة المعظمين، وقد أمل من/ مولانا التمييز عن [3] من تقدمه، والتشريف بالاستقبال الذي يتبين على جميل الرأي فيه، فقال الطائع: نحن له معتقدون، وعليه معتزمون، وبه قبل السؤال متبرعون، فأعلمه ذلك، قال ابن حاجب النعمان: ولم يكن للطائع نية في ذلك ولا هم به، لأنه علم أنه لا يجوز رده فأحب أن يجعل المنة ابتداء منه.
قال محمد بن عمر: فعدت إلى عضد الدولة من وقتي، فعرفته ما جرى فسر به، وخرج الطائع من غد فتلقاه في دجلة.
قال محمد بن عمر: فقال لي عضد الدولة، هذه خدمة قد أحسنت القيام بها، وبقيت أخرى لا نعرف فيها غيرك، وهي منع العوام من لقائنا بدعاء وصياح. فقلت: يا مولانا تدخل إلى البلد قد تطلعت نفوس أهله إليك، ثم تريد منهم السكوت، فقال: ما نعرف في كفهم سواك، وكان أهل بغداد قد تلقوه مرة بالكلام السفيه، فما أحب أن تدعو له [4] تلك الألسنة. قال: فدعوت أصحاب المعونة وقلت: قد أمر الملك بكذا وتوعد ما يجري من ضده بضرب العنق، فأشاعوا في العوام ذلك، وخوفوا من ينطق بالقتل، فاجتاز عضد الدولة، فرأي الأمر على ما أراد، فعجب من طاعة العوام لمحمد بن عمر، فقال: هؤلاء أضعاف جندنا، وقد أطاعوه، فلو أراد بنا سوءا كان، ورأى في روزنامج [5]
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ص، ل: «وجاري مجاري» .
[3] في الأصل: «على من تقدمه» .
[4] «له» سقطت من ص، ل.
[5] في الأصل: «رورهمانج» .(14/276)
ألف ألف وثلاثمائة ألف درهم، باسم محمد بن عمر مما أداه من معاملاته، فقبض عليه واستولي على أمواله.
وفي ليلة الخميس الحادي عشر من جمادى الآخرة: زفت السيدة بنت عضد الدولة إلى الطائع، وحمل معها من المال والثياب والأواني والفرش الكثيرة.
وفي هذا الشهر ورد/ رسول من صاحب اليمن إلى عضد الدولة، ومعه الهدايا والملاطفات ما كان في جملته قطعة عنبر وزنها ستة وخمسون رطلا.
وزادت دجلة في هذه السنة زيادة مفرطة، والفرات، وانفجر بثق، وسقطت قناطر الصراة فوقعت الجديدة في نصف ذي القعدة، ووقعت العتيقة بعدها وكان يوم الأربعاء ثم وقع الشروع في عمل القنطرتين، فأنفق عليهما المال الكثير، وبنيتا البناء الوثيق.
وكان الصيدلاوي رجل يقطع الطريق، فاحتال عليه بعض الولاة، فدس إليه جماعة من الصعاليك، أظهروا الانحياز إليه، فلما خالطوه قبضوا عليه، وحملوه أسيرا إلى الكوفة، فقتل وحمل رأسه إلى بغداد.
وحج بالناس في هذه السنة أبو الفتح أحمد بن عمر بن يحيى العلوي، وخطب بمكة والمدينة للمغربي صاحب مصر [1] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2759- أحمد بن علي، أبو بكر الرازي
[2] .
الفقيه إمام أهل [3] الرأي في وقته، كان مشهورا بالزهد والورع، ورد بغداد في شبيبته، ودرس الفقه على أبي الحسن الكرخي، ولم يزل حتى انتهت إليه الرئاسة، ورحل إليه المتفقهة، وخوطب في أن يلي قضاء القضاة، فامتنع، وأعيد عليه [4]
__________
[1] في الأصل: «والمدينة لصاحب مصر» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 14، والبداية والنهاية 11/ 297) .
[3] في الأصل: «أصحاب» .
[4] في ص، ل: «إليه» .(14/277)
الخطاب، فلم يفعل، وله تصانيف كثيرة ضمنها أحاديث رواها عن أبي العباس الأصم، وسليمان الطبراني، وغيرهما.
أخبرنا محمد بن عبد الملك، أنبأنا الخطيب قال: حدثني القاضي أبو عبد الله الصيمري قال: حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري قال: حدثني أبو بكر الأبهري قال: خاطبني المطيع على قضاء القضاة، وكان السفير في ذلك أبو الحسن بن أبي عمرو [الشرابي، فأبيت عليه وأشرت بأبي بكر أحمد بن علي الرازي فأحضر الخطاب على ذلك وسألني أبو الحسن بن أبي عمرو] [1] معونته/ عليه فخوطب فامتنع، وخلوت به فقال: تشير علي بذلك. فقلت: لا أرى لك ذلك. ثم قمنا إلى بين يدي أبي الحسن [بن] [2] أبي عمرو، فأعاد خطابه وعدت إلى معونته، فقال لي: أليس قد شاورتك فأشرت على أن لا أفعل؟ فوجم أبو الحسن بن أبي عمرو من ذلك فقال: تشير علينا بإنسان [3] ، ثم تشير عليه أن لا يفعل. قلت: نعم، أما لي في ذلك أسوة بمالك بن أنس [4] ، أشار على أهل المدينة أن يقدموا نافعا القارئ في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأشار على نافع أن لا يقبل [5] . فقيل له في ذلك فقال: أشرت عليكم بنافع لأني لم أعرف مثله، وأشرت عليه أن لا يفعل لأنه يحصل له أعداء وحساد، فكذلك أنا أشرت عليكم به لأني لا أعرف مثله، وأشرت عليه أن لا يفعل لأنه أسلم لدينه.
قال الصيمري: وتوفي أبو بكر الرازي في ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة، وصلّى عليه أبو بكر بن [6] محمد بن موسى الخُوارَزْميّ.
2760- الزبير بن عبد الواحد بن موسى، أبو يعلى البغدادي نزيل نيسابور
[7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «يسير علينا إنسا وتشير ... » .
[4] في الأصل: «إمامي في ذلك مالك بن أنس» .
[5] في الأصل: «بألا يفعل» .
[6] «بن» سقطت من ل، ص.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 473) .(14/278)
سمع البغوي، وابن صاعد، وسمع بالبصرة، وخوزستان، وأصبهان وبلاد آذربيجان، ثم دخل بلاد خراسان، فسمع فيها الكثير، ثم انصرف إلى البصرة، وتوفي بالموصل في هذه السنة.
2761- عبيد الله [1] بن علي بن جعفر، أبو الطيب الدقاق
[2] .
سمع محمد بن سليمان الباهلي، روى عنه البرقاني و [قال] : كان شيخا فاضلا ثقة مجودا من أصحاب الحديث، توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
2762- عبيد الله [3] بن العباس بن الوليد بن مسلم، أبو أحمد السداوي
[4] .
سمع عبد الله بن محمد بن ناجية، وإبراهيم بن موسى الجوزي [5] ، روى عنه القاضي أبو العلاء/ وكان ثقة، وتوفي في شوال هذه السنة [6] .
2763- محمد بن أحمد بن محمد بن حمَّاد، أبو جعفر [مولي] [7] الهادي باللَّه، ويعرف بابن المتيم
[8] .
سمع خلقا كثيرا، وروى عنه أبو بكر البرقاني، قال أبو نعيم الأصبهاني: لم أسمع فيه إلا خيرا، وقال ابن أبي الفوارس توفي يوم الثلاثاء لسبع خلون من شوال، وكان لا بأس به.
2764- محمد بن جعفر بن الحسين بن محمد بن زكريا، أبو بكر الوراق يلقب: غندرا
[9] .
__________
[1] في ت: «عبد الله» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 359) .
[3] في ت: «عبد الله» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 359 وفيه: «الشطوي» بدلا من «السدوس» ) .
[5] في الأصل: «الخوزي» .
وفي تاريخ بغداد 10/ 359: «الجوري» . وفي الأنساب 3/ 367: «الجوزي» كما أثبتناه.
[6] في ت: «في هذه السنة في شوال» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] في الأصل: «المثيم» . انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 344) .
[9] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 152. والبداية والنهاية 11/ 297) .(14/279)
كان جوالا، حدث ببلاد فارس وخراسان عن الباغندي، وابن صاعد، وابن دريد، وغيرهم، روى عنه أبو بكر البرقاني [1] وأبو نعيم الأصبهاني وغيرهما، وكان حافظا ثقة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت قال: حدثني محمد بن أحمد بن يعقوب، عن محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري الحافظ: أن غندرا خرج من مرو قاصدا بخارى، فمات في المفازة سنة سبعين وثلاثمائة [هذه السنة] [2] .
__________
[1] «أبو بكر البرقاني و» سقط من ل، ص.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(14/280)
ثم دخلت سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أن عضد الدولة أمر بحفر النهر من عمود الخالص، وسياقة الماء إلى بستان داره، فبدئ في ذلك وحشر الرجال لعمله.
وأنه كان على صدر زبزب عضد الدولة على صورة السبع من فضة، فسرق في صفر، وعجب الناس كيف كان هذا مع هيبة عضد الدولة المفرطة، وكونه شديد المعاقبة على أقل جناية، ثم قلبت الأرض في البحث عن سارقه فلم يوقف له على خبر، ويقال ان صاحب مصر دسّ من فعل هذا.
[حريق الكرخ]
وفي ربيع الأول: وقع حريق بالكرخ من حد درب القراطيس إلى بعض البزازين من الجانبين، وأتى على الأساكفة، والحذائين، / واحترق فيه جماعة من الناس وبقي لهبه أسبوعا.
وفي ذي القعدة: تقلد أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى كتابة الطائع للَّه، وخلع عليه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2765- أحمد بن إبراهيم بن إِسْمَاعِيل بن العباس، أبو بكر الإسماعيلي الجرجاني
[1] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 298) .(14/281)
طلب الحديث وسافر.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعَدَةَ، أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ يوسف السهمي قال: سمعت أبا بكر الإسماعيلي يقول: لما ورد نعي محمد بن أيوب الرازي دخلت الدار، وبكيت وصرخت ومزقت القميص، ووضعت التراب على رأسي، فاجتمع أهلي وقالوا: ما أصابك؟ قلت: نُعِيَ إليَّ محمد بن أيوب منعتموني الارتحال [إليه] [1] فأذنوا لي في الخروج، وأصحبوني خالي إلى نسا إلى الحسن بن سفيان، ولم يكن في وجهي طاقة، فقدمت فقرأت عليه المسند، وغيره، وكانت أول رحلتي في طلب الحديث، وكان للإسماعيلي علم وافر بالنقل، وصنف كتابا على صحيح البخاري، حدثنا به يحيى بن ثابت بن بندار، عن أبيه، عن البرقاني عنه.
وكان الدارقطني يقول: كنت عزمت غير مرة أن أرحل إلى أبي بكر الإسماعيلي فلم أرزق، توفي الإسماعيلي يوم السبت غرة رجب سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، عن أربع وتسعين سنة.
2766- الحسن بن صالح، أبو محمد السبيعي
[2] .
سمع ابن جرير الطبري، وقاسم المطرز، روى عنه الدارقطني، والبرقاني [3] ، وكان ثقة حافظا مكثرا، وكان عسرا في الرواية، ولما كان بآخره عزم على التحديث والإملاء في مجلس عام، فتهيأ لذلك ولم يبق إلا تعيين يوم المجلس فمات.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت قال: قال لنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي/ الواسطي رأيت أبا الحسن الدارقطني جالسا بين يدي أبي محمد السبيعي [4] كجلوس الصبي بين يدي المعلم [5] هيبة له، توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 298) .
[3] في الأصل: «البوقاني» .
[4] في الأصل: «الحسن السبيعي» .
[5] في ل، ص: «معلم» .(14/282)
2767- الحسن [1] بن علي بن الحسن بن الهيثم بن طهمان، أبو عبد الله الشاهد، المعروف بابن البادا
[2] .
ولد سنة أربع وسبعين ومائتين، سمع الحسن بن علويه، وشعيب بن محمد الذارع وكان عمره سبعا [3] وتسعين سنة مكث [4] منها خمس عشرة سنة في آخر عمره مقعد أعمى، وتوفي فِي رجب هَذِهِ السنة.
2768- الحسن بْن يوسف بن يحيى، أبو معاذ البستي
[5] .
روى عنه البرقاني، وكان ثقة، وقال ابن أبي الفوارس: توفي في ذي الحجة من هذه السنة، وكان ثقة مستورا، جميل المذهب.
2769- عبد الله بن إبراهيم بن جعفر بن بنيان [6] ، أبو الحسين المعروف بالزينبي
[7] .
ولد في ذي الحجة سنة ثمان وسبعين ومائتين، وكان يسكن ببركة زلزل، وحدث عن الحسن بن علويه، والفريابي، روى عنه البرقاني، والتنوخي، وكان ثقة، توفي في ذي الحجة [8] من هذه السنة.
2770- عبد الله بن الحسين [9] بن إسماعيل بن محمد، أبو بكر الضبي القاضي
[10] .
[أخبرنا القزاز أخبرنا ابن ثابت أخبرنا عبد الكريم بن أحمد الضبي أخبرنا الدارقطني قال: عبد الله بن الحسين أبو بكر القاضي] [11] سمع أكثر حديث أبيه، وكتب عن
__________
[1] في ت: «الحسين» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 388، والبداية والنهاية 11/ 298) .
[3] في الأصل: « «شعيب بن عبد الله الصامت، وكان ثقة عمّر سبعا ... » .
[4] «مكث» سقطت من ص، ل.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 456) .
[6] في الأصل: «ص: «بنان» .
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 409) .
[8] في ل، ص: «ذي القعدة» .
[9] في ص، ل: «الحسن» .
[10] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 440، والبداية والنهاية 11/ 298) .
[11] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(14/283)
أبي بكر النيسابورىّ وغيره، وحدث وولاه أمير المؤمنين المتقي القضاء على آمد وأرزن [1] ، وميافارقين، وما يلي ذلك [في] [2] سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، ثم ولاه المتقي أيضا في سنة إحدى وثلاثين القضاء على [طريق] [3] الموصل، [وقطر بل، ومسكن، وغير ذلك، وولاه المطيع للَّه سنة أربع وثلاثين على الموصل وأعمالها] [4] وقضاء الحديثة، وما يتصل بذلك، ثم ولاه المطيع [أيضا] القضاء على حلب وأنطاكية وأعمالها [5] ، وولاه الطائع القضاء على ديار بكر، وآمد، وأرزن، وميافارقين، وأرمينية، وأعمال ذلك، وكان عفيفا نزها فقيها، توفي في هذه السنة.
2771- عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث، أبو الحسن التميمي
[6] /.
حدث عن أبي بكر بن زياد النيسابوري، والقاضي المحاملي، ومحمد بن مخلد الدوري، ونفطويه [7] ، وغيرهم، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
أخبرنا أحمد بن الحسن بن البناء، أنبأنا القاضي أبو يعلى ابن الفراء قال: أبو الحسن عبد العزيز التميمي رجل جليل القدر، وله كلام في مسائل الخلاف، وتصنيف [8] في الأصول، والفرائض.
قال المصنف: وقد تعصب عليه الخطيب، وهذا شأنه في أصحاب أحمد، فحكى عن أبي القاسم عبد الواحد بن علي الأسدي العكبري أن التميمي وضع حديثا، وهذا العُكْبري لا يعول على قوله، فإنه لم يكن من أهل الحديث والعلم، إنما كان يعرف شيئا من العربية، ولم يرو شيئا من الحديث، كذلك [9] ذكر عنه الخطيب، وكان أيضا
__________
[1] في الأصل: «أرزان» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] «وقضاء الحديثة ... وأنطاكية وأعمالها» ساقط من ص. وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 461، والبداية والنهاية 11/ 298) .
[7] في الأصل: «عطوية» .
[8] في الأصل: «وصنّف» .
[9] في الأصل: «ولذلك» .(14/284)
معتزليا يقول إن الكفار لا يخلدون في النار، وعنه حكى الطعن في ابن بطة أيضا، وسيأتي القدح في هذا الأسدي مستوفي في ترجمة ابن بطة، فقد أنفق [1] هذا الأسدي مبغضا لأصحاب أحمد طاعنا في أكابرهم، وأنفق الخطيب يبهرج إذا شاء بعصبية باردة، فإنه إذا ذكر المتكلمين من المبتدعة عظم القوم، وذكر لهم ما يقارب الاستحالة، فإنه ذكر عن ابن اللبان أنه قال: حفظت القرآن وأنا ابن [2] خمس سنين، وحكى عن ابن رزقويه: أن التميمي وضع في مسند أَحْمَد [3] حديثين ويجوز أن/ يكون [قد] [4] كتب في بعض المسانيد من مسند آخر ومن [5] مسموعاته من غير ذلك المسند، متى كان الشيء محتملا لم يجز أن يقطع على صاحبه بالكذب، نعوذ باللَّه من الأغراض الفاسدة على أنها تحول على صاحبها.
2772- علي بن إبراهيم، أبو الحسن الحصري [6] الصوفي الواعظ
[7] .
بصري الأصل، سكن بغداد، وكان شيخ المتصوفة، صحب الشبلي وغيره، وبلغني أنه كبر سنة فصعب عليه المجيء إلى الجامع، فبني له الرباط المقابل لجامع المنصور، ثم عرف بصاحبه الزوزني.
كان الحصري [8] لا يخرج إلا من جمعة إلى جمعة، وله على طريقتهم كلام.
أنبأنا [9] محمد بن محمد الحافظ، أنا المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، أنا
__________
[1] في الأصل: «اتفق» وفي الموضع التالي كذلك.
[2] في ل، ص: «ولي» .
[3] في ل، ص: «وضع في مسند آخر حديثين» . وفي الأصل: «وضع في مسند أحمد حد.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «أو من» .
[6] في الأصل: «الحضري» . وفي ص، ل: «البصري» .
وفي تاريخ بغداد، ت، الأنساب للسمعاني: «الحصري» كما أثبتناه.
«والحصري» : «جمع حصير، نسب جماعة إلى عمل الحصير» .
[7] انظر ترجمته في: (الأنساب 4/ 152، وتاريخ بغداد 11/ 340. والبداية والنهاية 11/ 298) .
[8] في الأصل: «الحضري» .
[9] في الأصل: «أخبرنا» .(14/285)
الحسين [1] بن علي بن غالب المقرئ، [2] أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن جعفر البغدادي قال: سمعت أبا الحسن [3] علي بن إبراهيم الحصري [4] فسمعته يقول:
وجدت من يدعو إنما [5] يدعو الله بظاهره، ويدعو إلى نفسه بباطنه، لأنه يحب أن يعظم، وأن يشار إليه، ويعرف موضعه، ويثني عليه الثناء الحسن، وإذا أحب يحبه الخلق له [وتعظيمهم إياه] [6] فقد دعاهم إلى نفسه، لا إلى ربه، وقال: ما على مني، وأي شيء لي في حتى أخاف عليه، وأرجو له أن رحم رحم ماله، وأن عذب عذب ماله، توفي الحصري [7] يوم الجمعة ببغداد في ذي الحجة [8] من هذه السنة، وقد أناف على الثمانين، ودفن بمقبرة باب حرب
[9] .
2773- علي بن محمد، الأحدب المزور
[10] .
كان يكتب على خط كل أحد حتى لا يشك الرجل [11] المزور على خطه أنه خطه، وَبُلِيَ الناس منه ببلوى عظيمة/ وختم السلطان على يده [12] مرارا، وتوفي يوم الأحد تاسع رجب هذه السنة.
2774- محمد بن أحمد بن روح، أبو بكر الحريري
[13] .
سمع إبراهيم بن عبد الله الزينبي.
__________
[1] في الأصل: «أنا الحسن» .
[2] في الأصل: «المغربي» .
[3] في الأصل: «سمعت بأبي الحسن» .
[4] في الأصل: «الحصري» .
[5] في ص، ل: « ... الحصري يقول ... إنما» . وفي الأصل: « ... يدعو لنا» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في الأصل: «الحضري» .
[8] في ص: «ذي القعدة» .
[9] «ودفن بمقبرة باب حرب» سقط من ص.
[10] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 299) .
[11] «الرجل» سقطت من ص، ل.
[12] في الأصل: «أيده» .
[13] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 303) .(14/286)
أَخْبَرَنَا [1] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْن علي بْن ثابت، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر البرقاني، عن محمد بن أحمد الحريري [2] وسألته عنه، فقال: ثقة فاضل، قال ابن ثابت: وحدثت [3] عن أبي الحسن محمد بن العباس بن الفرات قال: توفي محمد بن أحمد بن روح في ذي الحجة [4] سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، مستور ثقة.
2775- محمد بن أحمد
بن عبد الله بن محمد، أبو زيد المروزي الفقيه [5] .
سمع محمد بن عبد الله السعدي وغيره، وكان أحد أئمة المسلمين، حافظا لمذهب الشافعي، حسن النظر مشهورا بالزهد والورع، ورد بغداد، وحدث بها، فسمع منه الدارقطني.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد [6] بْن علي قَالَ: أخبرني محمد بن أحمد قال: أخبرني [7] محمد بن أحمد بن يعقوب، عن محمد بن عبد الله بن نعيم النيسابوري قال: سمعت أبا بكر البزاز [8] يقول: عادلت الفقيه أبا زيد من نيسابور إلى مكة، فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة، قال أبو نعيم: توفي أبو زيد [بمرو] [9] يوم الجمعة [10] الثالث من رجب هذه السنة.
2776- محمد بن خلف بن جيان بالجيم أبو بكر الفقيه
[11] .
__________
[1] في الأصل: «أخبرني» .
[2] في الأصل: «الحارثي» .
[3] في الأصل: «حدث» .
[4] «في ذي الحجة» سقطت من ص.
[5] في ص: «المروزي» شطب عليها.
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 314. والبداية والنهاية 11/ 299) .
[6] «أحمد» سقطت من ص، ل.
[7] «محمد بن أحمد قال: أخبرني» سقط من ل، ص.
[8] في الأصل: «القزاز» .
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] في ص، ل: «الخميس» .
[11] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 239) .(14/287)
روى عنه البرقاني، والتنوخي [1] وغيرهما، وكان ثقة، وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
2777- محمد بن خفيف، أبو عبد الله الشيرازي
[2] /.
صحب الجريري [3] ، وابن عطاء، وغيرهما، وقد ذكرت في كتابي المسمى ب «تلبيس [4] إبليس» عنه من الحكايات ما يدل على أنه كان يذهب مذهب الإباحة [5] .
__________
[1] في الأصل: «الصوفي» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 299) .
[3] في الأصل: «الحريري» .
[4] في الأصل: «بتفليس إبليس» .
[5] في الأصل: «الإباحية» .(14/288)
ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه [ورد] [1] في يوم الخميس ثامن عشر [2] المحرم فتح [3] الماء الذي استخرجه عضد الدولة من نهر [4] الخالص إلى داره، وبستان الزاهر.
وفي يوم الخميس لثلاث خلون من صفر وقيل بل لليلة خلت من ربيع الأخر:
فتح المارستان الذي أنشأه عضد الدولة في الجانب الغربي من مدينة السلام، ورتب فيه الأطباء، والمعالجون، والخزان، والبوابون، والوكلاء، والناظرون، ونقلت إليه الأدوية، والأشربة، والفرش، والآلات.
وفي شوال توفي عضد الدولة فكتم أصحابه موته، ثم استدعوا [5] ولده صمصام الدولة من الغد إلى دار المملكة، وأخرجوا أمر عضد الدولة بتوليته العهد، وروسل الطائع فسئل كتب عهده منه، ففعل وبعث إليه خلعا ولواء وعهدا بامضاء ما قلده إياه أبوه، وجلس جلوسا عاما حتى قرئ العهد بين يديه، وهنأه الناس، واستمرت الحال على إخفاء وفاة عضد الدولة إلى أن تمهد الأمر.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ل، ص: «ثاني عشر» .
[3] في الأصل: «صح» .
[4] «نهر» سقطت من ل، ص.
[5] في الأصل: «واستدعوا ... » .(14/289)
وفي يوم الاثنين لعشر بقين من ذي الحجة [1] : قلد أبو القاسم علي بن أبي تمام الزينبي نقابة العباسيين، والقضاء [2] بالحضرة/ وخلع عليه [3] .
وفي هذا الشهر: خلع على أبي منصور بن الفتح العلوي للخروج بالحاج.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2778- إسحاق بن سعد [4] بن الحسن بن سفيان [أبو يعقوب] [5] النسوي
[6] .
روى عن جده الحسن بن سفيان، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وانتقى عليه الدارقطني، وكان ثقة أمينا، توفي بطريق خراسان مرجعه من الحج.
2779- أحمد بن جعفر، أبو الحسن الخلال
[7] .
كان ثقة مستورا، حسن الحال [8] ، توفي في رمضان هذه السنة.
2780-[فناخسرو بن الحسن بن] [9] بويه بفتح الواو [10] ابن فناخسرو [11] بن تمام بن كوهي بن شيرزيل [12] ، أبو شجاع الملقب عضد الدولة.
كذا ذكره الأمير أبو نصر بن ماكولا [13] ونسبه إلى سابور بن أردشير، وكان أبوه
__________
[1] في الأصل: «من المحرم ذي القعدة» .
[2] في ل، ص، ت: «الصلاة» .
[3] «خلع عليه» سقطت من ص.
[4] في الأصل: «سعدون» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 401) .
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 74) .
[8] في الأصل: «حسن الأصول» .
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] «بفتح الواو» سقط من ص، ل.
[11] في الأصل: «فناخسرو» . وفي ت: «بويه- بفتح الواو- بن فناخسرو بن تمام بن كوهي ... » .
[12] في الأصل: «بن سيرزيل» .
[13] «كذا ذكره الأمير أبو نصر بن ماكولا» سقطت من ص.(14/290)
يكنى [1] أبا علي، ويلقب ركن الدولة، وهو أول من خوطب في الإسلام بالملك شاهنشاه، وكان دخوله إلى بغداد في ربيع الأول [2] سنة سبع وستين وثلاثمائة، وخرج الطائع إليه متلقيا له ولم يتلق سواه، ودخل إلى الطائع [3] فطوّقه وسوره وشافهه بالولاية، وأمر أن يخطب له على المنابر ببغداد، ولم تجر بذلك عادة لغير الخليفة، وأذن له في ضرب الطبل على بابه في أوقات الصلوات الثلاث، ودخل بغداد وقد استولى الخراب عليها وعلى سوادها بانفجار بثوقها، وقطع المفسدين طرقاتها، فبعث العسكر إلى بني شيبان، وكانوا يقطعون الطريق، فأوقع بهم، وأسر منهم ثماني مائة/ رجل [4] وسد بثق السهلية، وبثق اليهودي، وأمر الأغنياء بعمارة مسناتهم [5] ، وأن يغرسوا في كل خراب لا صاحب له، وغرس هو الزاهر، وهو دار أبي علي بن مقلة، وكانت قد صارت تلا، وغرس التاجي عند قطربُّل، وحوطه على ألف وسبعمائة جريب، وأمر بحفر الأنهار التي دثرت [6] ، وعمل عليها أرحاء الماء، وحول من البادية قوما فأسكنهم بين فارس وكرمان، فزرعوا، وعمروا البرية، وكان ينقل إلى بلاده ما لا يوجد بها من الأصناف فمنها: نقله [7] إلى كرمان: حب النيل، وبلغ في الحماية أقصى حد، وأخر الخراج إلى النوروز العضدي [8] ، ورفع الجباية عن الحاج، وأقام لهم السواني في الطريق، وحفر المصانع والآبار، وأطلق الصلات لأهل الحرمين، ورد رسومهم القديمة، وأدار السور على مدينة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، [وكسا المساجد] [9] فأدر أرزاق المؤذنين والقراء، وربما تصدق [10] بثلاثين ألفا، وصدق مرة بثلاثين بدرة، وعمل الجسر، وبنى القنطرتين
__________
[1] في الأصل: «وقال غيره: قناخسروا هو يكنى» .
[2] في ل، ص، ت: «الآخر» .
[3] «متلقيا ولم يتلق سواه، ودخل إلى الطائع» سقطت من ص.
[4] «رجل» سقطت من ص، ل.
[5] في الأصل: «مسنياتهم» .
[6] في ل، ص، ت: «اندرست» .
[7] في الأصل: «من» . في ص، ل: «فمما نقله» .
[8] في الأصل: «النيروز» .
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] في ص، ل: «صدق» وكذلك في الموضع التالي.(14/291)
العتيقة والجديدة على الصراة، فتمت الجديدة بعد [1] وفاته، وكان بجكم قد عمل مارستان فشرع فِيهِ [2] ، فلم يتم فعمله عضد الدولة [3] وجلب إليه ما يصلح لكل فن [4] ، وعمل بين يديه سوقا للبزازين، ووقف عليه وقوفا كثيرة، وعمل له أرحاء بالزبيدية من نهر عيسى، ووقفها عليه وكان يبحث عن أشراف الملوك، وينقب [5] عن سرائرهم، وكانت أخبار الدنيا عنده [حتى] [6] لو تكلم إنسان بمصر رقي إليه حتى أن رجلا بمصر [7] ذكره بكلمة فاحتال حتى جاء به، ووبخه عليها ثم/ رده فكان الناس يحترزون في كلامهم وأفعالهم من نسائهم وغلمانهم، وكانت له حيل [عجيبة] [8] في التوصل إلى كشف [9] المشكلات، وقد ذكرت منها جملة في كتاب «الأذكياء» فكرهت الإعادة، وكانت هيمنته [10] عظيمة، فلو لطم إنسان إنسانا قابله أشد [11] مقابلة، فانكف الناس عن التظالم، وكان غزير العقل شديد التيقظ، كثير الفضل [12] ، بعيد الهمة محبا للفضائل، مجتنبا للرذائل، وكان يباكر دخول الحمام، فإذا خرج صلى الفجر، ودخل إليه خواصه [13] ، فإذا ترحل النهار سأل عن الأخبار الواردة، فإن تأخرت عن وقتها قامت عليه القيامة، وسأل عن سبب التعويق، فان كان من غير عذر أنزل البلاء [14] عليهم، حتى أن
__________
[1] في الأصل: «وبعد» .
[2] في ل، ص: «واستحدث المارستان وكان بجكم قد شرع ليعمله» .
[3] «فعمله عضد الدولة» سقط من ل، ص.
[4] في الأصل: «لكل متمنّ» .
[5] في الأصل: «ويبعث عن» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] «رقى إليه حتى أن رجلا بمصر» سقطت من ص.
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[9] في الأصل: «تلجأه في الكشف عن» .
[10] في ل، ص: «هيبته» .
[11] في ل، ص، ت: «أقبح» .
[12] في الأصل: «كثير الفضل شديد التيقظ» .
[13] في ص: «أصحابه» .
[14] في ص، ل: «البلايا» .(14/292)
بعضهم يعوق بمقدار ما تغدى، فيضرب [1] ، وكانت الأخبار تصل من شيراز إلى بغداد في سبعة أيام، وتحمل معهم الفواكه الطرية، ثم يتغدى والطبيب قائم، وهو يسأله عن منافع الأطعمة ومضارها، ثم ينام فإذا انتبه [2] صلى الظهر، وخرج إلى مجلس الندماء والراحة، و [سماع] [3] الغناء، وكذلك إلى أن يمضي من الليل صدر، ثم يأوي إلى فراشه، فإذا كان يوم موكب برز للأولياء، فلقيهم ببشر معه هيبة، وكان يقتل ويهلك ظنا منه أن ذلك سياسة، فيخرج بذلك الفعل عن مقتضى الشريعة، حتى أن جارية شغلت قلبه بميله إليها عن تدبير المملكة، فأمر بتغريقها، وأخذ غلام بطيخا من رجل غصبا فضربه بسيف فقطعه نصفين. وكان يحب العلم والعلماء، ويجري الرسوم للفقهاء والأدباء والقراء، فرغب الناس في العلم/ وكان هو يتشاغل بالعلم، فوجد له في تذكرة «إذا فرغنا من حل إقليدس [4] كله تصدقت بعشرين ألف درهم، وإذا فرغنا من كتاب أبي علي النحوي تصدقت بخمسين ألف درهم، وكل ابن يولد لنا كما نحب أتصدق بعشرة آلاف درهم، فإن كان من فلانة فبخمسين ألف درهم، وكل بنت [5] فبخمسة آلاف، فإن كان منها فبثلاثين ألفا، وكان يحب الشعر، فمدح كثيرا وكان يؤثر مجالسة الأدباء على منادمة الأمراء، وقال شعرا كثيرا نظرت فِي جميعه [6] فمن شعره:
يا طيب رائحة من نفحة الخيري ... إذا تمزق جلباب الدياجير
كأنما رش بالماورد أو عبقت ... فيه دواخين ند عند تبخير
كان أوراقه في القد أجنحة ... صفر وحمر وبيض من زنابير
ومن شعره، وقد خرج [7] إلى بستان، وقال: لو ساعدنا غيث، فجاء المطر فقال:
ليس شرب الكأس [8] إلا في المطر ... وغناء من جوار في السحر
__________
[1] في الأصل: «فضرب» .
[2] في الأصل: «فإذا أقام» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ص، ل: «أوقليدس» .
[5] في الأصل: «وإن كان بنتا» .
[6] «نظرت في جميعه» سقطت من الأصل.
[7] في الأصل: «أنه خرج» .
[8] في الأصل: «الراح» .(14/293)
غانيات سالبات للنهى ... ناغمات [1] في تضاعيف الوتر
راقصات زاهرات نجل ... رافلات في أفانين الحبر
مطربات محسنات مجن ... رافضات الهم أبان الفكر
مبرزات الكأس من مخزنها ... مسقيات الخمر من فاق البشر
عضد الدولة وابن ركنها ... مالك الأملاك غلاب القدر
سهل الله له بغيته ... في ملوك الأرض ما دار القمر
وأراه الخير في أولاده ... ليساس الملك منه بالغرر
وقالوا انه مذقال: «غلاب القدر» لم يفلح.
وليس شعره/ بالفائق، فلم أكتب منه غير ما كتبت [2] .
وأهدى إليه أبو إسحاق الصابئ استرلابًا [3] في يوم مهرجان وكتب معه:
أهدى إليك بنو الأملاك واختلفوا ... في مهرجان جديد أنت مبليه
لكن عبدك إبراهيم حين رأى ... علو قدرك عن شيء تدانيه [4]
لم يرض بالأرض مهداة إليك فقد ... أهدى لك الفلك الأعلى بما فيه
وكان قد طلب حسان [5] دخله في السنة، فإذا هو ثلاثمائة ألف ألف وعشرين ألف ألف درهم فقال: أريد أن أبلغ به إلى ثلاثمائة وستين ألف ألف درهم، ليكون دخلنا في كل يوم ألف ألف درهم، وفي رواية أنه كان يرتفع له كل عام اثنان وثلاثون ألف ألف دينار، ومائتا ألف دينار وكان له كرمان، وفارس، وعمان، وخوزستان، والعراق،
__________
[1] في الأصل: «ناعمات» .
[2] على هامش النسخة ل: «ومن شعره لما اعتذر إليه أبو تغلب بن ناصر الدولة الحمداني عن مناصرة ابن عمه:
أأفاق حين ركبت ضيق خناته ... يبغي السلام وكان يبغي صارما
فلأركبن عزيمة عضدية ... تدع الأنوف لدى الزمان راغما
[3] في الأصل «أصلابا» .
[4] في الأصل «يدانيه» .
[5] في الأصل: «حساب» .(14/294)
والموصل، وديار بكر وحران، ومنبج، وكان مع صدقاته، وإيصاله ينظر في الدينار، وينافس [1] في القيراط، وأقام مكوسا، ومنع أن يعمل في الآلة، وأثر آثار من الظلم، فلما احتضر عضد الدولة جعل يتمثل بقول القاسم بن عبيد الله:
قتلت صناديد الرجال فلم أدع ... عدوا ولم أمهل على ظنة خلقا
وأخليت دور الملك من كل نازل ... فشردتهم غربا وبددتهم [2] شرقا
فلما بلغت النجم عِزًّا ورفعة ... وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا
رماني الردى سهما فأخمد جمرتي ... فها أنا ذا في حفرتي عاطلا ملقى
فأذهبت دنياي وديني سفاهة ... فمن ذا الذي مِنِّي بمصرعه أشقى/
ثم جعل يقول (مَا أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) 69: 28- 29 فرددها إلى أن توفي في آخر يوم الاثنين من شوال هذه السنة عن سبع وأربعين سنة، واحد عشر شهرا، وثلاثة أيام، وقيل: بل عن ثمانية وأربعين سنة، وستة أشهر، وخمسة عشر يوما، وأخفى خبره، ودفن في دار المملكة إلى أن خرجت السنة، وتقررت قواعد ما يتعلق به في السنة المقبلة [3] ، فلما توفي بلغ خبره إلى مجلس بعض [4] العلماء، وفيه جماعة من أكابر أهل العلم، فتذاكروا الكلمات التي قالها الحكماء عند موت الإسكندر.
وقد رويت لنا من طرق مختلفة الألفاظ، ونحن نذكر أحسنها، وذلك [5] أن الإسكندر لما مات قام عند تابوته جماعة من الحكماء، فقال أحدهم: سلك الإسكندر طريق من فني، وفي موته عبرة لمن بقي، وقال الثاني، خلف الإسكندر ماله لغيره، ونحكم فيه بغير حكمه، وقال الثالث: أصبح الإسكندر مشتغلا بما عاين وهو بالأعمال يوم الجزاء أَشْغَلُ، وقال الرابع: كنت مثلي حديثا وأنا مثلك وشيكا، وقال الخامس: إن هذا الشخص كان لكم واعظا، ولم يعظكم قط، بأفضل من مصرعه. وقال السادس: كان
__________
[1] في الأصل: «يناقش» .
[2] في الأصل: «وشردتهم» .
[3] في الأصل «المستقبلة» .
[4] في ل، ص والمطبوعة: «إلى بعض مجلس» .
[5] في ص، ل: «ذاك» .(14/295)
الإسكندر كحلم نائم انقضى، أو كظل غمام [1] انجلى. وقال السابع: لأن كنت أمس لا يأمنك أحد لقد أصبحت اليوم وما يخالفك أحد. وقال الثامن: هذه الدنيا الطويلة العريضة طويت في ذراعين. وقال/ التاسع: أجاهلا كنت بالموت فنعذرك، أم عالما به فنلومك، وقال العاشر: كفى للعامة أسوة بموت الملوك، وكفى للملوك عظة بموت العامة.
وقال بعض من حضر ذلك [2] المجلس الذي أشيع [3] فيه بموت عضد الدولة، وتذكرت فيه هذه الكلمات: فلو قلتم أنتم مثلها لكان ذلك يؤثر عنكم، فقال أحدهم: لقد وزن [4] هذا الشخص الدنيا بغير [5] مثقالها وأعطاها فوق قيمتها، وحسبك أنه طلب الربح فيها فخسر روحه فيها، وقال الثاني: من استيقظ للدنيا فهذا نومه، ومن حلم فيها فهذا انتباهه. وقال الثالث: ما رأيت غافلا [6] في غفلته، ولا عاقلا [7] في عقله مثله، لقد كان ينقض جانبا، وهو يظن أنه مبرم، ويغرم [وهو] [8] يظن أنه غانم. وقال الرابع: من جد للدنيا هزلت به، ومن هزل راغبا عنها جدت له. وقال الخامس: ترك هذا [9] الدنيا شاغرة، ورحل عنها بلا زاد، ولا راحلة. وقال السادس: إنَّ ماءً أطفأ هذه النارَ لَعَظِيمٌ، وإن ريحا زعزعت هذا الركن لعصوف. وقال السابع: إنما سلبك من قدر عليك. وقال الثامن: لو كان معتبرا في حياته لما صار عبرة في مماته. وقال التاسع: الصاعد في درجاتها إلى سفال، والنازل في درجاتها إلى معال. وقال العاشر: كيف غفلت عن [كيد] [10] هذا الأمر حتى نفذ فيك، وهلا اتخذت دونه جنة تقيك، إن فيك
__________
[1] في الأصل: «عمامة» .
[2] «ذلك» سقطت من ل، ص.
[3] في ص، ل، ت: «أشنع» .
[4] في الأصل: «ورث» .
[5] «بغير» سقطت من ل، ص.
[6] في الأصل: «ما رأيت عاقلا» .
[7] في الأصل: «ولا غافلا» .
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[9] في الأصل: «من ترك هذه ... » .
[10] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(14/296)
لعبرة [1] للمعتبرين، وإنك [2] لآية للمستبصرين.
2781- محمد بن إسحاق بن هبة الله بن إبراهيم/ بن المهتدي باللَّه، أبو أحمد الهاشمي
[3] .
حدث عن الحسين بن يحيى بن عياش [4] القطان، روى عنه عبد العزيز الأزجي، وتوفي ليلة الجمعة لأربع بقين من شوال هذه السنة.
2782- محمد بن أحمد بن تميم، أبو نصر السرخسي
[5] .
قدم بغداد، وحدث بها عن محمد بن إدريس الشامي، وأحمد بن إسحاق السرخسي، وروى عنه ابن رزقويه [6] ، وغيره، وكان ثقة.
2783- مُحَمَّد [بن جعفر] [7] بن أحمد بن جعفر بن أحمد [8] بن الحسن بن وهب، أبو بكر الحريري المعدل، ويعرف: بزوج الحرة
[9] .
سمع ابن جرير الطبري، والبغوي، وابن أبي داود، والعباس بن يوسف الشكلي. روى عنه ابن رزقويه [10] ، والبرقاني [11] وابن شاذان. قال البرقاني: هو بغدادي جليل أحد العدول الثقات.
حدثنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا علي بن المحسن القاضي قال: حدثني أبي قال: حدثني الأمير أبو الفضل جعفر [بن] [12] المكتفي باللَّه قال: كانت بنت بدر
__________
[1] في الأصل: «إن فيك عبرة» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 261) .
[4] في الأصل: «أحمد بن عباس» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 283) .
[6] في الأصل: «رزقونة» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] «بني أحمد» سقط من ل، ص.
[9] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 301، وتاريخ بغداد 2/ 153) .
[10] في الأصل: «رزقونة» .
[11] في الأصل: «الزنجاني» .
[12] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(14/297)
مولي المعتضد زوجة أمير المؤمنين المقتدر: باللَّه، فأقامت عنده سنين، وكان لها مكرما، وعليها مفضلا الأفضال العظيم، فتأثلت [1] حالها، وانضاف ذلك إلى عظيم نعمتها الموروثة وقتل المقتدر فأفلتت من النكبة، وسلم لها جميع أموالها، وذخائرها، حتى لم يذهب لها شيء، وخرجت عن الدار، وكان يدخل إلى مطبخها حدث يحمل [فيه] [2] على رأسه شيء [3] يعرف بمحمد بن جعفر، وكان حركا فيقف على القهرمانة بخدمته، فنقلوه إلى أن صار وكيل المطبخ، وبلغها خبره ورأته، فردت إليه الوكالة في غير المطبخ/ وترقى أمره حتى صار ينظر في ضياعها وعقارها، وغلب عليها حتى صارت تكلمه من وراء ستر، وخلف باب، وزاد اختصاصه بها حتى علق بقلبها، فاستدعته إلى تزويجها، فلم يجسر على ذلك، فجسرته وبذلت [له] [4] مالا حتى تم لها ذلك، وقد كانت حاله تأثلت بها، وأعطته لما أرادت ذلك منه أموالا جعلها لنفسه نعمة ظاهرة، لئلا يمنعها أولياؤها منه لفقره، وأنه ليس بكفؤ، ثم هادت القضاة بهدايا جليلة حتى زوجوها منه، واعترض الأولياء، فغالبتهم بالحكم والدراهم، فتم له ذلك ولها، فأقام معها سنين، ثم ماتت فحصل له من مالها نحو ثلاثمائة ألف دينار، فهو يتقلب إلى الآن فيها. قال أبي: قد رأيت أنا هذا الرجل وهو شيخ عاقل شاهد مقبول، توصل بالمال إلى أن قبله أبو السائب القاضي، حتى أقرّ في يده وقوف الحرة ووصيتها، لأنها وصت إليه في مالها ووقوفها، وهو إلى الآن لا يعرف إلا بزوج الحرة، وإنما سميت الحرة: لأجل تزويج المقتدر بها، وكذا عادة الخلفاء لأجل غلبة [5] المماليك عليهم إذا كانت لهم زوجة قيل لها: الحرة.
قال ابن ثابت: قال لنا أبو علي بن شاذان: كان محمد بن جعفر زوج الحرة جارنا، وسمعت منه مجالس من أماليه، وكان يحضره في مجلس الحديث القاضي الجراحي، وأبو الحسين بن الظفر، والدارقطنيّ، وابن حيويه، وغيرهم من الشيوخ،
__________
[1] في ل، ص «فماثلت» وما أثبتناه هو ما في الأصل، وتاريخ بغداد.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] «شيء» سقطت من ل، ص.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ل، ص: «لغلبة» .(14/298)
وتوفي ليلة الجمعة، ودفن يوم الجمعة لأربع خلون من صفر هذه السنة، ودفن بالقرب من قبر معروف الكرخي، / وحضرت مع أبي الصلاة عليه.
2784- منصور بن أحمد بن هارون الفقيه، أبو صادق
[1] .
سمع من جماعة، ولم يحدث قط، وكان من الزهاد الهاربين من الرئاسات، وقال الزهديات، وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة، وَهُوَ ابْن خمس وستين سَنَة.
__________
[1] في ل: «منصور بن أحمد بن هارون، أبو صالح» .(14/299)
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
[إظهار وفاة عضد الدولة]
أنه في يوم عاشوراء وهو عاشر [1] المحرم اظهرت وفاة عضد الدولة، وحمل تابوته إلى الشهداء الغربي، ودفن في تربة بنيت له هناك [2] ، وكتب على قبره في ملبن ساج:
«هذا قبر عضد الدولة وتاج الملة أبي شجاع ابن ركن الدولة أحب مجاورة هذا الإمام التقي لطمعه في الخلاص يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها 16: 111 والحمد للَّه وصلى الله على سيدنا [3] محمد وعترته الطاهرة» .
وتولي أمره، وحمله أبو الحسن علي بن أحمد بن إسحاق العلوي النقيب، وجلس صمصام الدولة للعزاء به بالثياب [4] السود على الأرض، وجاءه الطائع للَّه معزيا، ولطم عليه في دوره والأسواق اللطم الشديد المتصل أياما كثيرة، فلما انقضى ذلك، ركب صمصام الدولة إلى دار الخلافة يوم السبت لسبع بقين من الشهر، وخلع عليه فيها [5] الخلع السبع والعمامة السوداء، وسور وطوق وتوج، وعقد له لواءان، ولقب شمس الملة، وحمل على فرس بمركب من ذهب وقيد بين يديه مثله، وقرئ عهده
__________
[1] في الأصل: «وثاني عشر» .
[2] في ل، ص: «هناك» .
[3] «سيدنا» سقطت من ص، ل.
[4] في المطبوعة: «بالنياب» .
[5] في ل، ص، الأصل: «منها» .(14/300)
بتقليده الأمور فيما بلغته الدعوة في جميع الممالك، ونزل من هناك في الطيار [1] إلى دار المملكة وأخذت/ له البيعة على جميع الأولياء بالطاعة، وإخلاص النية في المناصحة، وأطلق له رسومها، وكوتب الولاة والعمال وأصحاب النواحي والأطراف بأخذ البيعة على من قبلهم من الأجناد.
وفي ليلة الأربعاء الحادي [2] عشر من صفر انقض كوكب عظيم الضوء، وكانت عقيبه دوي كالرعد.
[وفاة مؤيد الدولة]
وورد الخبر بوفاة مؤيد الدولة أبي منصور بن بويه [3] بن ركن الدولة بجرجان، فجلس صمصام الدولة للعزاء به في يوم الخميس لثمان بقين من رمضان، وجاءه الطائع [للَّه] [4] فيه معزيا، ولما اشتدت علة مؤيد الدولة قال له الصاحب أبو القاسم إسماعيل ابن عباد: لو عهد أمير الأمراء [في الأمر] [5] عهد إلى من يراه أهلا [6] كان تسكن الجند إليه عاجلا إلى أن يتفضل الله بعافيته وقيامه إلى تدبير مملكته، كان ذلك من [7] الاستظهار الذي لا ضرر فيه. فقال: أنا في شغل عما تخاطبني عليه، وما لهذا الملك قدر مع انتهاء الإنسان إلى [مثل] [8] ما أنا فيه، فافعلوا ما بدا لكم أن تفعلوه، ثم أشفى فقال له الصاحب: تب يا مولانا من كل ما فرطت فيه، وتبرأ من هذه الأموال التي لست على ثقة من طيبها وحصولها من حلها، واعتقد متى أقامك الله وعافاك أن تصرفها في وجوهها، وترد كل ظلامة تعرفها. ففعل ذلك، وتلفظ به، ومات فكتب الصاحب في الوقت إلى أخيه فخر الدولة أبي الحسن علي بن ركن الدولة بالإسراع والتعجيل، وانفذ إليه خاتم مؤيد الدولة، وأرسل بعض ثقاته، حتى استحلفه له [9] على الحفظ والوفاء
__________
[1] «فيما بلغته ... الطيار» ساقط من ص.
[2] في ل، ص: «السادس عشر» .
[3] في ل، ص: «أبي منصور بويه» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. و «فيه» ساقط من ل، ص.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. و «عهد» سقط من ل، ص.
[6] في ل، ص: «عهد» .
[7] في الأصل: «في» .
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[9] «له» سقطت من ل، ص.(14/301)
بالعهد، فأسرع، فلما وصل وانتظم له الأمر قال له الصاحب: قد بلغك الله يا مولانا، وبلغني فيك ما أملته، ومن حقوق خدمتي لك إجابتي إلى ما أنا مؤثر له من ملازمة داري [1] واعتزال الجندية، والتوفر/ على أمر الله تعالى. فقال له: لا تقل هذا، فإنني لا [2] أريد هذا الملك إلا لك، ولا يجوز أن يستقيم لي فيه الأمر إلا بك، وإذا كرهت ملابسة الأمور، كرهت أنا ذلك، وانصرفت. فقبل الأرض، وقال: الأمر لك، فاستوزره، وخلع عليه الخلع السنية.
وزادت الأسعار في هذه السنة زيادة مفرطة، ولحق الناس مجاعة عظيمة، وبلغ الكر الحنطة في رمضان: ثلاثة آلاف درهم تاجية، وبلغ في ذي القعدة أربعة آلاف وثمانمائة [3] درهم، وضج الناس، وكسروا منابر الجوامع، ومنعوا الصلاة في عدة جمع، ومات خلق من الضعفاء جوعا على الطريق، ثم تناقصت الأسعار في ذي الحجة.
وفي هذه السنة: وافى القرامطة إلى البصرة، لما حدث من طمعهم بعد وفاة عضد الدولة فصولحوا [4] على مال اعطوه وانصرفوا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
2785- أحمد بن عبد العزيز، أبو بكر العكبريّ.
وروى عن أبي خليفة الساجي وغيره [5] وكان ثقة مأمونا، توفي بعكبرا في رجب هذه السنة.
2786- بويه أبو منصور، الملقب مؤيد الدولة بن ركن الدولة
[6] .
__________
[1] في الأصل: «دارك» .
[2] في ل، ص: «فإنني ما أريد» .
[3] في الأصل: «أربعة آلاف درهم وثمانمائة» .
[4] في ل، ص: «فصالحوا» .
[5] في الأصل: «وغيرهما» .
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 302) .(14/302)
كان وزيره الصاحب بن عباد، فضبط مملكته، وأحسن التدبير، وكان قد تزوج بنت عمه زبيدة بنت معز الدولة أبي الحسين، فأنفق في العرس [1] سبعمائة ألف دينار، وتوفي بجرجان في سابع [2] عشر شعبان هذه السنة، وكانت علته الخوانيق، وكان عمره ثلاثا وأربعين سنة وشهرا، وإمارته سبعة وستين شهرا وخمسة وعشرين [3] يومًا.
2787- جعفر الضرير، المقرئ بباب الشام
[4] .
توفي في ذي الحجة [5] من هذه السنة/، وكان ثقة.
2788- سعيد بن سلام، أبو عثمان المغربي
[6] .
ولد بالقيروان [7] في قرية يقال لها: كركنت [8] ، ولقي الشيوخ بمصر، ودخل بلاد الشام، وصحب أبا الخير الأقطع، وجاور بمكة سنين، وكان لا يظهر في المواسم، وكانت له كرامات، وكان أبو سليمان الخطابي يقول: إن كان في هذا العصر من المحدثين أحد فأبو عثمان.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا أبو سعيد الحسين بن علي بن أحمد [9] الشيرازي قال: سمعت أبا مسلم غالب بن علي الرازي يقول: سمعت أبا عثمان المغربي يقول: كنت ببغداد، وكان بي وجع من ركبتي حتى نزل إلى مثانتي، فاشتد [وجعي] [10] ، وكنت استغيث باللَّه، فناداني بعض الجن: مما استغاثتك باللَّه [11] ، وغوثه
__________
[1] في ص، ل: «عرسه» .
[2] في ل، ص: «ثالث عشر» .
[3] في ل، ص: «وخمسة عشر» .
[4] في ل: «المزني» .
[5] في ص، ل: «ذي القعدة» .
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 302 وتاريخ بغداد 9/ 112) .
[7] في ل، ص: «بقيروان» .
[8] في الأصل: «كوكنت» .
[9] «بن أحمد» سقطت من ص.
[10] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[11] «فناداني بعض الجن مما اشتغانتك باللَّه» سقط من ص.(14/303)
بعد؟ فلما سمعت ذلك رفعت صوتي، وزدت في مقالتي حتى سمع أهل الدار صوتي، فما كان إلا [بعد] [1] ساعة، فجاء البول، وقدم إلى سطل أهريق فيه الماء، فخرج مني شيء [2] بقوة، فضرب وسط السطل، حتى سمعت له صوتا، فإذا هو حجر قد خرج من مثانتي، وذهب الوجع عني، فقلت: ما أسرع الغوث، وكذا الظن به.
توفي أبو عثمان بنيسابور في جمادى الأولى من هذه السنة، ودفن إلى جنب أبي عثمان الحيري
[3] .
2789- عبد الله بن أحمد بن ماهيزذ [4] ، أبو محمد الأصبهاني، يعرف بالظريف
[5] .
سكن بغداد، وحدث بها عن الباغندي، والبغوي، [وابن] [6] أبي داود، روى عنه البرقاني، والأزجي، وكان ثقة توفى في هذه السنة [7] .
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا علي، أَخْبَرَنَا أحمد بْن عمر بْن روح/ النهرواني قال: ذكرنا عبد الله بن أحمد بن ماهيزذ أنه ولد في آخر [8] سنة ثلاث أو أربع وسبعين ومائتين، قال: ودخلت بغداد سنة سبع وتسعين ومائتين، وحججت في سنة ثلاث وثلاثمائة، وصمت ثمانية وثمانين رمضانا.
2790- عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عثمان بن المختار، أبو محمد، المزني، الواسطي، ويعرف: بابن السقاء
[9] .
سمع عبدان، وأبا يعلى الموصلي، والبغوي، وابن أبي داود، وكان فهما
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «صوت» .
[3] في الأصل: «الجيزي» وفي ت: «الحزقي» .
[4] في ت: «شاهين» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 392) .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] «توفي في هذه السنة» سقطت من ل، ص.
[8] «آخر» سقطت من ل، ص.
[9] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 302، وتاريخ بغداد 10/ 130) .(14/304)
حافظا، ورد بغداد فحدث بها مجالسه كلها من حفظه بحضرة [1] ابن المظفر والدارقطني، وكانا يقولان: ما رأينا معه كتابا، إنما حدثنا [2] حفظا، وما أخذنا عليه خطأ في شيء، غير أنه حدث عن أبي يعلى بحديث في القلب منه شيء. قال أبو العلاء الواسطي: فلما عدت إلى واسط أخبرته، فأخرج الحديث وأصله بخط الصبي. توفي في هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «بحضارة» .
[2] في الأصل: «حدثناه» .(14/305)
ثم دخلت سنة أربع وسبعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
[إصلاح ما بين صمصام الدولة وفخر الدولة]
أن أبا عبد الله بن سعدان شرع في إصلاح ما بين صمصام الدولة وفخر الدولة، وخوطب الطائع [للَّه] [1] على ما يجدده لفخر الدولة من الخلع والعهد واللقب، ففعل وجلس لذلك، وأحضرت الخلع، وقرئ عهده، وبعثت إليه.
وفي شهر رجب: كان عرس في درب رباح، فوقعت الدار، فهلك كثير من النساء، وأخرجن من تحت الهدم بالحلي والزينة، فكانت المصيبة عامة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2791- إبراهيم بن أحمد بن جعفر بن موسى، أبو إسحاق، المقرئ الخرقي
[2] /.
من أهل الجانب الشرقي، كان يسكن [3] سوق يحيى، وحدث عن جماعة، وروى عنه التنوخي، والجوهري، وكان ثقة صالحا. توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
2792- إِسْحَاقُ بْنُ سَعْدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سُفْيَانَ بن عامر بن عبد العزيز، أبو يعقوب الشيباني النسوي
[4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 17) .
[3] في ل، ص: «ينزل» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 401) .(14/306)
ولد سنة ثلاث وتسعين ومائتين، روى عن جده الحسن، وعن محمد بن إسحاق السراج، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، كتب عنه الناس بانتخاب الدارقطني، وَكَانَ ثقة. تُوُفِّيَ فِي هذه السنة.
2793- عَبْد اللَّهِ بن موسى بن إسحاق، أبو العباس الهاشمي
[1] .
روى عن ابن بنت منيع، وابن أبي داود، وقاسم المطرز، وأبي خبيب البرقي، وغيرهم، وكان ثقة أمينا من أهل القرآن والحديث، توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
2794- محمد بن أحمد بن بالويه، أبو علي النيسابوري المعدل
[2] .
سمع عبد الله بن محمد بن شيرويه، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمد بن إسحاق السراج، وغيرهم، وكان ثقة، وتوفي بنيسابور يوم الخميس سلخ شوال هذه السنة، عن أربع وتسعين سنة.
2795- محمد بن أحمد بن محمد بن عبدان بن فضال، أبو الفرج الأسدي
[3] .
ولد في سنة تسع وتسعين ومائتين وسمع الباغندي وأبا عمر القاضي وأبا بكر بن أبي داود.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا العتقيّ قال:
توفي أبو الفرج بن عبدان في ذي الحجة من هَذِهِ السَّنَة وهي [4] سنة أربع [وسبعين] [5] وثلاثمائة، وكان ثقة مأمونا.
2796- محمد بن أحمد بن [6] يحيى بن عبد الله بن إسماعيل أبو علي البزاز العطشي
[7] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 150) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 282) .
[3] في ص: «الأزدي» . انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 344) .
[4] «من هذه السنة وهي» سقطت من ل، ص، ت.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «أبو» .
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 379) .(14/307)
سمع جعفر بن محمد الفريابي وأبا يعلى الموصلي وابن جرير/ الطبري والباغندي وغيرهم.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أحمد ابن محمد العتيقي قال: سنة أربع وسبعين وثلاثمائة فيها مات أبو علي العطشي في ذي الحجة وكان ثقة مأمونا.
2797- محمد بْن جعفر بْن الحسن بْن سليمَان بن علي بن صالح، صاحب المصلى، يكنى أبا الفرج
[1] .
حدث عن الهيثم بن خلف الدوري، والباغندي، وخلق كثير، روى عنه أبو الحسن النعيمي، وأبو القاسم التنوخي أحاديث تدل على سوء ضبطه وضعف حاله، وهو سيئ الحال عندهم، توفي في هذه السنة بالبصرة.
2798- محمد بن الحسن بن محمد، أبو عبد الله الرازي السراجي
[2] .
سمع ابن أبي حاتم وغيره، روى عنه ابن رزقويه [3] ، والبرقاني وقال: هو ثقة.
وقال العتيقي: كان ثقة أمينا مستورا، توفي في ليلة الجمعة الثاني من ذي القعدة في هذه السنة.
2799- مُحَمَّد بن الحسين بن أحمد بن الحسين أبو الفتح الأزدي الموصلي
[4] .
روى عن أبي يعلى الموصلي، وابن جرير الطبري، وأبي عروبة، والباغندي، وغيرهم، وكان حافظا، وله تصانيف في علوم الحديث.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي الخطيب قال: حدثني [أبو] [5] النجيب عبد الغفار بن عبد الواحد الأرموي قَالَ: رأيت أهل الموصل يوهنون
__________
[1] انظر ترجمته في: (ميزان الاعتدال 3/ 501) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 211) .
[3] في الأصل: «رزقونة» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 303 وتاريخ بغداد 2/ 243) .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(14/308)
أبا الفتح الأزدي جدا، ولا يعدونه شيئا، قال: وحدثني محمد بن صدقة أن أبا الفتح قدم بغداد على الأمير. - يعني ابن بويه- فوضع له حديثا: أن جبريل عليه السلام كان ينزل على سيدنا رَسُول اللَّه [1] صلى الله عليه وسلم في صورته، فأجازه وأعطاه دراهم كثيرة. قال الخطيب:
وسألت أبا بكر البرقاني/ فأشار إلى أنه كان ضعيفا. قال: ورأيته بجامع [2] المدينة، وأصحاب الحديث لا يرفعون به رأسا ويتجنبونه، توفي في هذه السنة، وبعضهم يَقُولُ:
في سنة تسع وستين وثلاثمائة.
2800- محمد بن الحسين بن إبراهيم بن مهران، أبو بكر الحربي
[3] .
سمع أبا جعفر بن بريه [4] ، ودعلج بن أحمد، روى عنه الأزهري وكان ثقة [5] وقال: كان شيخا صالحا.
__________
[1] في ل، ص: «على النبي صلى الله عليه وسلم» .
[2] في ل، ص: «في جامع» .
[3] هذه الترجمة سقطت من ص.
[4] في الأصل: «بن بويه» .
[5] «وكان ثقة» سقطت من ل، ص.(14/309)
ثم دخلت سنة خمس وسبعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في يوم الخميس لثمان بقين من ربيع الأول خلع الطائع للَّه على صمصام الدولة، وطوقه، وسوره، وحمله على فرس بمركب ذهب، وقاد بين يديه مثله.
وفي ربيع الأول: ورد الخبر من الكوفة بورود إسحاق وجعفر الهجريين، وهما من القرامطة الذين يدعون بالسادة، في جموع كثيرة، وكان دخولهما إياها على وجه التغلب، وأقاموا الخطبة لشرف الدولة، واعتزوا إلى ملك [1] الجهة، فوقع الانزعاج الشديد من ذلك، لما كان تمكن من النفوس من هيبة هؤلاء القوم، وأنهم ممن لا يصطلى بنارهم، ولأن [2] جماعة من الملوك كانوا يصانعونهم، حتى إن [3] عضد الدولة أقطعهم بواسط ناحية، وأقطعهم عز الدولة قبله بشقي الفرات إقطاعا، وانتشر أصحابهما في النواحي، وأكبوا على تناول الغلات، واستخراج المال، فنفذ من بغداد عسكر طردهم، وبطل ناموسهم.
[وفاة ابن مؤيد الدولة]
وفي ذي الحجة: ورد كتاب من الري بوفاة ابن مؤيد الدولة، فجلس صمصام الدولة للعزاء به، وركب الطائع إلى تعزيته في سفينة لابسا للسواد، وعلى رأسه شمسة [4] /، والقراء والأولياء في الدبادب، فقدم إلى مشرعة دار الملك، ونزل
__________
[1] في الأصل: «تلك» .
[2] في الأصل: «أن» .
[3] «أن» سقطت من ل، ص.
[4] في الأصل: «شهه» .(14/310)
صمصام الدولة، وقبل الأرض بين يديه، ورده بعد خطاب تردد بينهما في العزاء والشكر.
وفي هذه السنة: هم صمصام الدولة أن يجعل على الثياب الإبريسميات والقطنيات التي تنسج ببغداد ونواحيها ضريبة، وكان أبو الفتح الرازي قد كثر ما يحصل من هذا الوجه، وبذل تحصيل ألف ألف درهم منه في كل سنة، فاجتمع الناس في جامع المنصور، وعزموا على المنع من صلاة الجمعة، وكاد البلد يفتتن، فاعفوا من أحداث هذا الرسم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2801- الحسن بن الحسين ابن أبي هريرة، الفقيه، أبو علي القاضي
[1] .
كان أحد أصحاب [2] الشافعي، وله مسائل [3] في الورع محفوظة، توفي في رجب هذه السنة.
2802- الحسن بن علي بن داود بن خلف، أبو علي المطرز المصري
[4] .
ولد سنة تسعين ومائتين، وقدم بغداد وحدث بها عن محمد بن بدر الباهلي وغيره. روى عنه البرقاني، وأبو العلاء الواسطي، وكتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني، وكان ثقة، وتوفي بمكة في صفر هذه السنة.
2803- الحسين بن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْن العسكري
[5] .
روى عَنْ مُحَمَّد بْن عثمان بْن أَبِي شيبة، وأبي الْعَبَّاس بْن مسروق، وغيرهما.
وكان ثقة أمينا. تُوُفّي في شوال هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 304، وتاريخ بغداد 7/ 298) .
[2] في الأصل: «أحد شيوخ أصحاب» .
[3] في الأصل: «له مسايخ» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 388) .
[5] هذه الترجمة سقطت من ل، ص. ومثبتة في الأصل، ت. انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 100) .(14/311)
2804- الحسين بن علي بن محمد بن يحيى أبو أحمد النيسابوري، ويقال له: حسينك
[1] .
ولد سنة ثلاث وتسعين ومائتين، ورباه [أَبُو بَكْرٍ] [2] مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، فسمع منه الحديث ومن غيره بنيسابور، وسمع ببغداد، والكوفة، روى عنه أبو بكر البرقاني/، وقال: كان ثقة جليلا وحجة، وأكثر أثار نيسابور منوطة بأهل بيته.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، أخبرني محمد بن علي [3] المقرئ، عن محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري قال: كان حسينك تربية أبي بكر ابن خزيمة. وجاره الأدنى وفي حجره من حين ولد إلى [أن] [4] توفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وكان ابن خزيمة إذا تخلف عن مجالس السلاطين بعث بالحسين نائبا عنه، وكان يقدمه على جميع أولاده، ويقرأ له وحده ما لا يقرأه لغيره، وكان يحكي أبا بكر في وضوئه وصلاته، فأني ما رأيت في الأغنياء أحسن طهارة ووضوءا منه [5] وصلاة [منه] [6] ولقد صحبته قريبا من ثلاثين سنة في الحضر والسفر وفي الحرو [في] [7] البرد، فما رأيته ترك صلاة الليل، وكان يقرأ [في] [8] كل ليلة سبعا من القرآن، ولا يفوته ذلك، وكانت صدقاته دائمة في السر والعلانية، ولما وقع الاستنفار لطرسوس، دخلت عليه وهو يبكي ويقول: قد دخل الطاغي ثغر المسلمين طرسوس، وليس في الخزانة ذهب ولا فضة، ثم باع ضيعتين نفيستين من أجل ضياعه بخمسين ألف درهم، واخرج عشرة من الغزاة المتطوعة الأجلاد بدلا من نفسه. وسمعته غير مرة يقول: اللَّهمّ إنك تعلم أني لا أدخر [9] ما أدخره، ولا أقني من
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 304، وتاريخ بغداد 8/ 74) .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] «بن ثابت، أخبرني محمد بن علي» سقطت من ص. وفي الأصل: «أحمد بن علي» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. وبدلا منها في ص: «حين» .
[5] «ووضوء منه» سقطت من ل، ص.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[9] في ص، ل: «لأدخر» .(14/312)
هذه [1] الضياع إلا للاستغناء عن خلقك، والإحسان إلى أهل السنة والمستورين.
توفي في ربيع الآخر من هذه السنة وصلى عليه أبو أحمد الحافظ [2] بنيسابور.
2805- عبيد الله [3] بن محمد/ بن أحمد بن محمد أبو الحسين الشيباني المعروف بالحوشبي
[4] .
سمع أبا بكر بن أبي داود. روى عنه البرقاني، والتنوخي، وكان ثقة ثبتا، مستورا أمينا، توفي في ذي القعدة من هذه السنة.
2806- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْن عَبْد اللَّه بن مهران أبو مسلم
[5] .
سمع الباغندي، والبغوي، ورحل إلى الشام وإلى بغداد، [إلى] [6] خراسان، وما وراء النهر، فكتب، وجمع، وكان متقنا، حافظا، ثبتا مع ورع وتدين وزهد وتصون، وكان الدارقطني وغيره يعظمونه، وخرج إلى مكة فتوفي بها في هذه السنة، ودفن قريبا من الفضيل.
2807- عبد الملك بن إبراهيم بن أَحْمَد، أَبُو القَاسِم [7] القرميسيني
[8] :
سمع ابن صاعد، وروى عنه أبو القاسم التنوخي، وكان ثقة، وتوفي في شوال هذه السنة.
2808- عبد العزيز بن جعفر بن محمد بن عبد الحميد، أبو القاسم الخرقي
[9] :
سمع أحمد بن الحسن الصوفي، والهيثم بن خلف الدوري، روى عنه البرقاني،
__________
[1] في ل، ص: «ولا أقتني هذه» .
[2] «الحافظ» سقطت من ل، ص، ت.
[3] في ت: «عبد الله» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 361، 362) . وفي ص: «بالجوشني» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 299) .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] «بن أحمد، أبو القاسم» سقط من ل، ص.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 431) .
[9] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 462) .(14/313)
والعتيقي، والتنوخي، والجوهري، وكان ثقة أمينا، وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة.
2809- عبد العزيز بن عبد الله بن محمد، أبو القاسم الداركي الفقيه الشافعي
[1] :
نزل نيسابور عدة سنين ودرس الفقه، ثم صار [2] إلى بغداد فسكنها إلى حين موته، وحدث بها، وكان أمينا، وانتهت رياسة أصحاب الشافعي إليه، وكان يدرس في مسجد دعلج بدرب أبي خلف من قطيعة الربيع، وله حلقة في جامع المدينة للفتوى والنظر، روى عنه الأزهري/، والخلال، والأزجي، والعتيقي، والتنوخي، وكان ثقة.
أخبرنا القزاز، أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب، أَخْبَرَنَا أبو الطيب الطبري قال: سمعت أبا حامد الأسفراييني يقول: ما رأيت أفقه من الداركي.
أخبرنا القزاز، أخبرنا: الخطيب قال: سمعت عيسى بن أحمد بن عثمان الهمذاني يقول: كان عبد العزيز الداركي إذا جاءته مسألة تفكر طويلا ثم أفتى فيها، فربما كانت فتواه خلاف مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، فيقال له في ذلك، فيقول:
ويحكم حدث فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، والأخذ بالحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولي من الأخذ بقول الشافعي وأبي حنيفة إذا خالفاه، توفي الداركي في [شوال] [3] هذه السنة عن نيف وسبعين سنة، ودفن بمقبرة الشونيزي.
2810- عمر بن محمد بن علي بن يحيى بن موسى، أبو حفص الناقد المعروف بابن الزيات
[4] :
ولد سنة ست وثمانين ومائتين، سمع جعفر الفريابي، وخلقا كثيرا، وروى عنه البرقاني، والأزهري، والجوهري، وكان ثقة صدوقا [متكثرا] [5] متقنا، توفي فِي جمَادى الآخرة من هَذِهِ السنة ودفن بالشونيزية.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 304، تاريخ بغداد 10/ 463) .
[2] في الأصل: «سار» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ل، ص، ت: «المعروف بالزيات» . انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 260) .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(14/314)
2811- علي بن الحسن بن علي أبو الحسن الجراحي
[1] :
روى عنه جابر بن شعيب البلخي وغيره، وكان خيرا، حسن المذهب، توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
2812- محمد بن أحمد بن حسنويه، أبو سهل النيسابوري، ويعرف بالحسنوي
[2] :
[أديب] [3] تفقه على مذهب الشافعي وسمع الحديث من جماعة وحدث في البلاد، وكان من التاركين لما لا يعنيهم، المشتغلين بأنفسهم، وتوفي في صفر وهو ابن تسع وخمسين، ودفن في مقبرة الخيزران.
2813-/ محمد بن الحسن بن سليمان، أبو بكر القزويني
[4] :
حدّث عن جعفر الفريابي، وابن ذريح [5] ، والبغوي، وغيرهم.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أَبُو بَكْر [6] الخطيب حدثنا عنه علي بن محمد بن الحسن المالكي، وكان عنده جزء عنه، وكان في أكثر الأحاديث تخليط في الأسانيد والمتون.
توفي أبو بكر القزويني [يوم الخميس] [7] غرة شعبان هذه السنة.
2814- محمد بن الحسن بن محمد بن جعفر بن حفص، أبو الفضل [8] [الكاتب:
حدث عن المحاملي] [9] وابن مخلد، والمصري وغيرهم، روى عنه عبد العزيز الأزجي وغيره [10] ، وكان صالحا دينا.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 387) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 304) .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 212) .
[5] في ص: «دريج» .
[6] «أبو بكر» سقطت من ل، ص، ت.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 213) .
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] «وغيره» سقطت من ص، ل، ت.(14/315)
2815- محمد بن عبد الله بن صالح، أبو بكر الفقيه المالكي الأبهري
[1] :
ولد سنة تسع وثمانين ومائتين، وروى عن ابن أبي عروبة، والباغندي وأبي بكر [2] بن أبي داود وغيرهم، روى عنه البرقاني، وله تصانيف في شرح مذهب مالك، وذكره محمد بن أبي الفوارس فقال: كان ثقة أمينا مستورا وانتهت إليه الرئاسة في مذهب مالك.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي الحافظ، حدثنا [3] القاضي أبو العلاء الواسطي قال: كان أبو بكر الأبهري معظما عند سائر علماء وقته، لا يشهد محضرا إلا كان هو المقدم فيه، وإذا جلس قاضي القضاة أبو الحسن ابن أم شيبان أقعده عن يمينه، والخلق كلهم من القضاة والشهود والفقهاء دونه، وسئل أن يلي القضاء فامتنع، فاستشير فيمن يصلح لذلك فقال: أبو بكر أحمد بن علي الرازي، وكان الرازي يزيد حاله على منزلة الرهبان في العبادة، فأريد للقضاء فامتنع، وأشار بأن [يولي] [4] الأبهري، فلما لم يجب واحد منهما إلى القضاء ولي غيرهما، توفي في شوال هذه السنة.
2816- محمد بن نصر بن مكرم أبو العباس الشاهد
[5] :
روى عن البغوي وغيره، وكان ثقة مقدما [في الشهادة] [6] / توفي في شوال [7] هذه السنة.
__________
[1] «الأبهري» سقطت من ص.
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 304) .
[2] «أبي بكر» سقط من ص، ل.
[3] في ل، ص: «أخبرنا» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: الشاهد: هو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه (الأنساب 7/ 276) .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في ص، ل: «شعبان» .(14/316)
ثم دخلت سنة ست وسبعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه كثر الموت [في المحرم] [1] بالحميات الحادة، فهلك من الناس [خلق] [2] كثير.
وفي ليلة الثلاثاء لتسع خلون من ربيع الأول، وهي ليلة اليوم [3] العشرين من تموز: وافى مطر كثير مفرط ببرق.
وفي رجب: زاد السعر، فبيعت الكارة الدقيق الخشكار بنيف وتسعين درهما.
وفي هذا الشهر: ورد الخبر بزلزلة كانت بالموصل، هدمت كثيرا من المنازل، وأهلكت خلقا كثيرا من الناس.
وكان الأمر قد صلح بين صمصام الدولة وأخيه شرف الدولة، وجلس الطائع في صفر، وبعث الخلع إلى شرف الدولة، ثم إن العسكر مال إلى شرف الدولة وتركوا [4] صمصام الدولة، فانحدر صمصام الدولة إلى شرف الدولة [5] راضيا بما يعامله به، فلما وصل إليه قبل الأرض بين يديه ثلاث دفعات، ثم قبل يده فقال له شرف الدولة: كيف
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] «اليوم» سقط من ص، ل.
[4] في الأصل: «وترك» .
[5] «فانحدر صمصام الدولة إلى شرف الدولة» سقط مت ص.(14/317)
أنت، وكيف كانت حالك في طريقك؟ ما عملت إلا بالصواب في ورودك، تمض وتغير ثيابك وتتودع [1] من تعبك، فحمل إلى خيمة وخركاه قد ضربا له بغير سرادق، فجلس واجما نادما، واجتمع عسكر شرف الدولة من الديلم تسعة عشر ألفا، وكان الأتراك ثلاثة آلاف غلام، فاستطال الديلم فخاصمهم الأتراك، فكانت بينهم وقعة، فانهزم الديلم، وقتل منهم ثلاثة آلاف في رمضان، فأخذ الديلم يذكرون صمصام الدولة، فقيل لشرف الدولة: أقتله فما تأمنهم، وقدم شرف الدولة/ بغداد فركب الطائع إليه يهنئه بالسلامة، ثم خفي خبر صمصام الدولة، وذلك أنه حُمل إلى القلعة، ثم نفذ بفراش ليكحله، فوصل الفراش وقد توفي شرف الدولة، فكحله، فالعجب إمضاء أمر ملك قد مات.
وفي ذي الحجة: قبل قاضي القضاة أبو محمد [بن معروف] [2] شهادة أبي الحسن الدارقطني وأبي محمد بن عقبة، وذكر ابن أبي الفوارس أن الدارقطني ندم على شهادته، وقال: كان يقبل قولي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بانفرادي [3] ، فصار ولا يقبل قولي على بقلي إلا مع آخر.
ومنع شرف الدولة من المصادرة، ورد على الناس أملاكهم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2817- الحسين بن جعفر بن محمد، أبو القاسم الواعظ، المعروف: بالوزان
[4] :
سمع البغوي، وأبا عمر القاضي، وابن أبي داود، وابن صاعد، والمحاملي، وابن عقدة. روى عنه الأزهري والأزجي، وكان يسكن سوق العطش، وكان ثقة أمينا، صالحا ستيرا، توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
2818- الحسين بن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصيرفي
[5] :
__________
[1] امض وغير ثيابك وتودع ... » .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «وحدي منفرد» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 28) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 106) .(14/318)
حدث عن محمد بن مخلد الدوري، والنجاد، وكان ثقة أمينا من أمناء القضاة، ينزل ببني سليم، وتوفي في هذه السنة.
2819- عبيد الله بن أحمد، بن يعقوب، أبو الحسين، ويعرف: بابن البواب
[1] :
سمع الباغندي، والبغوي، روى عنه الأزهري، والعتيقي، وكان ثقة مأمونا، وتوفي في رمضان هذه السنة.
2820- عمر بن محمد بن إبراهيم، أبو القاسم البجلي، ويعرف بابن سنيك
[2] :
ولد سنة إحدى وتسعين ومائتين، وأول ما سمع الحديث في سنة ثلاثمائة سمع الباغندي، والبغوي، وروى عنه الأزهري، والتنوخي، وكان يسكن باب الأزج، وقبل أبو السائب قاضي القضاة/ شهادته، ثم استخلفه أبو محمد بن معروف على الحكم بسوق الثلاثاء وحريم دار الخلافة، وكان ثقة عدلا، وتوفي في رجب هذه السنة.
2821- مُحَمَّد بن أحمد بن محمد بن [أبي] [3] صالح أبو بكر
[4] :
نزل بلخ، وأقام بها حتى مات، وحدث هناك عن أبي شعيب الحراني، ويوسف بن يعقوب القاضي، وأبي يعلى الموصلي.
أَخْبَرَنَا القزاز، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: حدثني أبو محمد عبد العزيز بن محمد النخشبي قال: مات أبو بكر بن أبي صالح ببلخ في سنة ست وسبعين وثلاثمائة قال: وكان واهيا عند أهل بلخ، وتكلم فيه أبو إسحاق المستملي وغيره.
2822- محمد بن جعفر بن محمد، أبو الفتح الهمذاني
[5] :
أخبرنا القزاز، الخطيب قال: ويعرف بابن المراغي، سكن بغداد وروى بها عن
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 362) .
[2] في ص: «سبيل» . انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 261) .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 345) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 152) .(14/319)
أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة، حدث عنه القاضي أبو الحسين محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي، وذكر أنه سمع منه في سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، وكان من أهل الأدب، عالما بالنحو واللغة، وله كتاب صنفه، وسماه: «كتاب البهجة» على مثال «الكامل» للمبرد.
2823- محمد بن أحمد بن حمدان بن علي بن عبد الله بن مسنان [1] الزاهد [2] ، أبو عمرو الحيري
[3] :
سمع جماعة من العلماء، وصحب جماعة من الزهاد، وكان عالما بالقراءات، والنحو، وكان متعبدا، وكان المسجد منزله [4] نيفا وثلاثين سنة، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة، وقالت له زوجته حين وفاته: قد قربت ولادتي، فقال: سلميه إلى الله تعالى فقد جاءوا ببراءتي من السماء، وتشهد، ومات في الحال.
2824- محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان، أبو بكر الرازي المذكر
[5] :
جمع من كلام التصوف وأكثر، ثم انتسب إلى محمد بن أيوب بن يحيى الضريس البجلي، ومحمد بن أيوب، لم يعقب ولدا ذكرا. قال الحاكم أبو عبد الله: فلقيته فذكرت له ذلك فانزجر وترك ذلك النسب، ثم رأيته بعد يحدث بالمسانيد/، وما كان يحدث بها قبل ذلك. وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
2825- محمد بن حماد بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد الأزدي القاضي
[6] :
حدث عن سليمان بن عبد العزيز المديني، واستقضى على البصرة قبل يوسف بن يعقوب، والد أبي عمرو وضم إليه [7] قضاء واسط وكور دجلة، وكان يلزم الموفق باللَّه حيث كان، ثم توفي في هذه السنة.
__________
[1] في الأصل، ت: «سنان» .
[2] «بن علي بن عبد الله بن سنان الزاهد» سقطت من ص.
[3] في الأصل: «الحيزي» .
[4] في الأصل: «فراشه» التصحيح من: ص.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 464) .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 272) .
[7] في الأصل: «إلى» .(14/320)
ثم دخلت سنة سبع وسبعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه ورد الوزير أبو منصور محمد بن الحسن، فتلقاه القواد والحجاب، والحواشي، والكتاب، ووجوه أهل بغداد، فلما قارب تلقاه شرف الدولة بالشفيعي يوم السبت لست خلون من المحرم، ووصل في صحبته عشرون ألف ألف درهم، وثياب، وآلات كثيرة، وكان يغلب عليه الخير وإيثار العدل، وكان إذا سمع الأذان ترك جميع شغله، وتوفر على أداء فرضه، وكان يكثر التقليد [والعزل] [1] ولا يترك عاملا يقيم [2] في ناحية سنة.
وفي يوم السبت ثامن عشر صفر: عقد مجلس حضره الأشراف، والقضاة، والشهود، وجددت فيه التوثقة بين الطائع للَّه وشرف الدولة.
وفي يوم السبت الثاني من ربيع الأول: ركب شرف الدولة إلى دار الطائع للَّه في الطيار بعد أن ضربت القباب على شاطئ دجلة وزينت الدور التي عليها من الجانبين بأحسن زينة، وخلع عليه الخلع السلطانية، وتوجه، وطوقه، وسوّره، وعقد له لواءين، واستخلفه على ما وراء بابه، وقرئ عهده بمسمع منه ومن الناس على طبقاتهم/، وخرج من حضرته فدخل إلى أخته زوجة الطائع، فأقام عندها إلى العصر وانصرف،
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «يستتم» .(14/321)
والعسكر والناس مقيمون على انتظاره، ولما حمل اللواء تخرق ووقعت قطعة منه، فتطير من ذلك، فقال الطائع له: لم تتخرق، وإنما انفصلت قطعة منه وحملتها الريح، وتأويل هذه الحال: أنك [1] تملك مهب الرياح، وكان في جملة من حضر [مع] [2] شرف الدولة أبو محمد عبيد الله بن أحمد بن معروف، فلما رآه الطائع للَّه قال له:
مرحبا بالأحبة القادمينا ... أو حشونا وطال ما آنسونا
فقبل الأرض وشكر، ودعا، وجلس شرف الدولة في داره للتهنئة يوم الاثنين لأربع خلون من الشهر، وعليه الخلع، وبين يديه لواءان مركوزان أبيض وأسود، ووصل إليه العامة والخاصة، ورد شرف الدولة على الشريف أبي الحسن محمد بن عمر جميع أملاكه، وخراج أملاكه في كل سنة ألفي ألف وخمسمائة ألف درهم، ورد على الشريف أبي أحمد الموسوي [جميع] [3] أملاكه ورفع أمر المصادرات وسد طرق [4] السعايات.
وفي شهر ربيع الأول: بيعت الكارة من الدقيق الخشكار بمائة وخمسة وستين درهما، وجلا الناس عن بغداد، ثم زاد السعر في ربيع الآخر فبلغ ثمن الكارة الخشكار مائتين وأربعين درهما.
وفي يوم السبت لليلتين بقيتا من ربيع الآخر: توفيت والدة شرف الدولة، وكانت امرأة تركية أم ولد، فركب إليه الطائع للَّه في الماء معزيا بها.
وفي شعبان: ولد لشرف الدولة ولدان ذكران توأمان، كنى أحدهما: أبا حرب وسماه: سلار، وكنى الآخر ابا منصور، وسمّاه: فنا خسرو.
[بعث شرف الدولة العسكر لقتال بدر بن حسنويه]
وفي هذه السنة: بعث شرف الدولة/ العسكر [5] لقتال ... [6] بدر بن حسنويه [7]
__________
[1] في الأصل: «ذلك أن» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «وسد أمر» .
[5] «العسكر» سقطت من ص.
[6] بياض من ص، مكان النقط.
[7] في الأصل: «بن حسنونة» .(14/322)
فظفر بهم بدر، وانهزموا، واستولي بدر بعد ذلك على الجبل وأعماله.
وفي ذي الحجة: وقع مع الغلاء وباء عظيم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
2826- أَحْمَد بْن يُوسُف بْن يعقوب بْن إسحاق بْن البهلول التنوخي الأزرق الأنباري الكاتب
[1] .
توفي يوم الجمعة لأربع بقين من المحرم.
2827-[أحمد بن محمد بن بشر الشاهد
[2] .
توفي في يوم الجمعة تاسع [3] عشر المحرم والأصح سابع عشر
[4]] [5] .
2828- أحمد بن العلاء، أبو نصر الشيرازي الكاتب
[6] .
توفي يوم الأربعاء لعشر بقين من رجب.
2829- أحمد بن الحسين بن علي، أبو حامد المروزي، ويعرف بابن الطبري
[7] .
كان أبوه من أهل همذان سمع من جماعة من المحدثين، وكان أحد العباد المجتهدين، والعلماء المتقنين، حافظا للحديث، بصيرا بالأثر، ورد بغداد في حداثته، فتفقه بها، ودرس على أبي الحسن الكرخي مذهب أبي حنيفة، ثم عاد إلى خراسان، فولي بها قضاء القضاة، وصنف الكتب والتاريخ، ثم دخل بغداد وقد علت سنه، فحدث بها، وكتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني، روى عنه البرقاني ووثقه، توفي بمرو في
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 221) .
[2] هذه الترجمة سقطت من الأصل.
[3] في ل: «سابع عشر» .
[4] «والأصح سابع عشر» سقط في ل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1/ 212) .
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 305، وتاريخ بغداد 4/ 107) .(14/323)
صفر [هذه السنة] [1] سنة سبع وسبعين، وبعضهم يقول: في سنة ثلاث وسبعين.
2830- إسحاق بن المقتدر باللَّه، أبو محمد
[2] .
ولد سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وتوفي يوم [3] الجمعة سابع عشر ذي القعدة، وغسله أبو بكر بن أبي موسى الهاشمي، وصلى عليه ابنه القادر باللَّه وهو إذ ذاك أمير، ودفن في تربة شغب [جدته] [4] والدة المقتدر باللَّه، وانفذ الطائع خواص خدمه وحجابه لتعزية ابنه القادر/، وركب الأشراف والقضاة مع جنازته، وأنفذ شرف الدولة وزيره أبا منصور في جماعة إلى الطائع للتعزية والاعتذار عَنْ تأخره [5] لشكوى يجدها.
2831- جعفر بن المكتفي باللَّه
[6] كان فاضلا، توفي يوم الثلاثاء سابع صفر هذه السنة.
2832- جعفر بن محمد بن أحمد [7] بن إسحاق بن البهلول بن حسان، أبو محمد بن أبي طالب التنوخي
[8] .
أصله من الأنبار وولد ببغداد في سنة ثلاث وثلاثمائة، وقرأ القراءات، وكتب الحديث وحدث عن البغوي، وابن أبي داود، وأبي عمر القاضي، وابن صاعد، وعرض عليه القضاء والشهادة فأباهما [9] تورعا وصلاحا، روى عنه أبو علي التنوخي، وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
2833- الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن سليمان، أبو علي الفارسيّ النحويّ
[10] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 306) .
[3] في ل، ص: «ليلة» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] «عن تأخره» سقطت من ل، ص.
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 306) .
[7] «بن أحمد» ليس في ص.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 232) .
[9] في الأصل: «فأبي» .
[10] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 306، تاريخ بغداد 7/ 275) .(14/324)
ولد ببلده «فسا» وسمع شيئا من الحديث فروى عنه الجوهري، والتنوخي، وقد اتهمه قوم بالاعتزال.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي قال: قال لي التنوخي:
ولد أبو علي الحسن بن أحمد النحوي الفارسي بفسا، وقدم بغداد فاستوطنها، وسمعنا منه في رجب سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، وعلت منزلته في النحو حتى قال قوم من تلامذته هو فوق المبرد، وأعلم منه، وصنف كتبا عجيبة حسنة، لم يسبق إلى مثلها، واشتهر ذكره في الآفاق، وبرع له غلمان حذاق مثل: عثمان بن جني، وعلي بن عيسى الشيرازي، وغيرهما، وخدم الملوك ونفق عليهم [1] وتقدم عند عضد الدولة فسمعت أبي يقول: سمعت عضد الدولة [2] يقول/: أنا غلام أبي علي النحوي في النحو. توفي في ربيع الأول من هذه السنة، ودفن [بالشونيزيه] [3] عن نيف وتسعين سنة.
2834- ستيتة بنت القاضي أبي عبد الله الحسين بن إِسْمَاعِيل الضبي المحاملي، تكنى: أمة الواحد
[4] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز [5] أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ لنا أحمد بن عبد الله بن الحسين بن إِسْمَاعِيل المحاملي: اسمها ستيتة، وهي أم القاضي أبي الحسين محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل المحاملي، وكانت فاضلة عالمة من أحفظ الناس للفقه على مذهب الشافعي.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد [القزاز] [6] أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي أبو إسحاق الشيرازي قال: سمعت أبا بكر البرقاني يقول: كانت بنت المحاملي تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة.
__________
[1] «وخدم الملوك ونفق عليهم» سقط من ص.
[2] «فسمعت أبي يقول: سمعن عضد الدولة» سقط من ص.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 306، وتاريخ بغداد 14/ 446) .
[5] «القزاز» سقطت من ص، ل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(14/325)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ مُحَمَّدٍ] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي [الحافظ] [1] أخبرنا عبد الكريم بْن أحمد بن [2] محمد [بن أحمد] [3] الضبي، أخبرنا أبو الحسن الدارقطني قال: أمة الواحد بنت الحسين بن إسماعيل بن محمد القاضي المحاملي، سمعت أباها وإسماعيل بن العباس الوراق، وعبد الغافر بن سلامة الحمصي، وأبا الحسن المصري، وحمزة الهاشمي وغيرهم، وحفظت القرآن والفقه على مذهب الشافعي، والفرائض، وحسابها والدور والنحو وغير ذلك من العلوم، وكانت فاضلة في نفسها، كثيرة الصدقة، مسارعة في الخيرات، حدثت وكتب عنها الحديث، وتوفيت في شهر رمضان سنة سبع وسبعين وثلاثمائة.
2835- عبيد الله [4] بن محمد بن عابد بن الحسين، أبو محمد الخلال
[5] .
ولد سنة إحدى وستين [6] ومائتين، وسمع الباغندي وروى عنه الأزهري، وكان ثقة، توفي في شوال هذه السنة.
2836- عبد الواحد بن علي بن محمد بن أحمد بن خشيش، أبو القاسم الوراق
[7] .
ولد سنة إحدى وثمانين ومائتين [8] ، وسمع البغوي، وابن صاعد/، روى عنه الخلال، وكان ثقة، وتوفي في محرم هذه السنة.
2837- عبد الوهاب بن الطائع للَّه
[9] .
توفي ليلة الأربعاء ثامن عشر ربيع الآخر، ودفن في التربة التي بناها الطائع للَّه بالرصافة بازاء تربة جدته شغب.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «بن أحمد» سقطت من ل، ص.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «عبد الله» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 363) .
[6] في ل: «وتسعين» .
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 9) .
[8] «ومائتين» سقط من ص.
[9] في ت: «الطائع باللَّه» .(14/326)
2838- علي بن أحمد بن إبراهيم بن ثابت، أبو القاسم الربعي
[1] .
قدم بغداد، وحدث بها فروى عنه أبو العلاء الواسطي كان ثقة حافظا.
توفي بالري في هذه السنة.
2839- علي بن محمد بن أحمد بن نصير بن عرفة، أبو الحسن الثقفي الوراق، ويعرف: بابن لؤلؤ
[2] ولد سنة إحدى وثمانين ومائتين، وسمع الفريابي، وخلقا كثيرا، وقد حدثنا أبو بكر بن عبد الباقي عن الجوهري عنه، وكان ثقة صدوقا، يأخذ [3] على قراءة الحديث الشيء اليسير.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت قال: سمعت التنوخي يقول:
حضرت عند أبي الحسن ابن لؤلؤ مع أبي الحسن البيضاوي لنقرأ عليه، وكان قد ذكر له عدد من يحضر السماع، ودفعنا إليه دراهم كنا قد وافقناه عليها، فرأى في جملتنا واحدا زائدًا على العدد الذي ذكر له [4] ، فأمر بإخراجه، فجلس الرجل في الدهليز، وجعل البيضاوي يقرأ ويرفع صوته ليسمع الرجل، فقال ابن لؤلؤ: يا أبا الحسن، أتعاطى علي وأنا بغدادي، باب طاقي، وراق، صاحب حديث، شيعي أزرق كوسج [5] . ثم أمر جاريته أن تجلس [6] وتدق في الهاون أشنانا حتى لا يصل [7] صوت البيضاوي بالقراءة إلى الرجل. توفي في محرم هذه السنة.
2840- محمد بن أحمد/ بن الحسين بن القاسم بن الغطريف الجهم، أبو أحمد الرباطي، الجرجاني
[8] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 326) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 89) .
[3] في ص، ل، المطبوعة: «فأخذ» .
[4] في الأصل: «ذكرناه» .
[5] في الأصل: «كسوح» وكذلك في ل، ص.
[6] «تجلس» سقطت من ص، ل.
[7] في ص: «يسمع» .
[8] الجرجاني: هذه النسبة إلى بلدة جرجان (الأنساب 3/ 321) .(14/327)
حدثنا أبو الحسين بن أبي الطيب الطبري عنه، وكان أبو بكر الإسماعيلي يقول في حقه: «لا أعرفه إلا صواما قواما» . وتوفي في رجب هذه السنة.
2841- مُحَمَّد بن جعفر بن زيد، أبو الطيب المكتت
[1] .
حدث عن البغوي، حدث عنه ابنه عبد الغفار، وكان يقول: ولد أبي سنة إحدى وثلاثمائة، ومات في شعبان سنة سبع [2] وسبعين وثلاثمائة.
2842- محمد بن زيد بن علي بن جعفر بن محمد بن مروان [3] ، أبو عبد الله الأبزاري
[4] .
روى عنه الأزهري، والتنوخي، والجوهري.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا أحمد [5] بن محمد العتقي قال: سنة سبع وسبعين وثلاثمائة فيها توفي أبو عبد الله ابن مروان بالكوفة في صفر، وكان ثقة مأمونا، انتقى عليه الدارقطني، وسمعنا منه ببغداد.
2843- محمد بن محمد [6] بن عبد الله بن إدريس بن الحسن بن متويه، أبو عبد الله [7] الأستراباذي
[8] .
سمع من أبيه، وجده، وسافر الكثير وتفقه، وكان من أفاضل الناس دينا، وزهدا، وأمانة، وورعا، متهجدا بالليل متمسكا بمكارم الأخلاق.
وتوفي في رمضان هذه السنة.
__________
[1] في ص «المكيت» .
وفي الأصل، ب: «الكميت» . وهذه الترجمة سقطت من ت.
[2] في الأصل: «إحدى وسبعين» .
[3] في الأصل: «محدان» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 289) .
[5] «وأخبرنا أحمد» سقطت من ص.
[6] في ت: «مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» .
[7] «أَبُو عَبْدِ اللَّهِ» سقطت من ص.
[8] الأستراباذي: هذه النسبة إلى أستراباذ وهي بلدة من بلاد مازندران بين سارية وجرجان (الأنساب 1/ 214) .(14/328)
ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
[غلاء الأسعار، وعدم الأقوات وظهور الموت]
غلاء الأسعار، وعدم الأقوات وظهور الموت/، والأغلال في المحرم، وبيعت الكارة الدقيق بستين درهما.
وفي هذا الوقت تقدم السلطان شرف الدولة برصد الكواكب السبعة في مسيرها وتنقلها في بروجها على مثل ما كان المأمون فعله في أيامه، فبنى في دار المملكة بيتًا [1] في آخر البستان محكمًا، ورصد ما كتب به محضرًا أخذ فيه خطوط من يعرف الهندسة بحسن صناعة هذا الموضع لهذا البيت.
[كثرت الريح العواصف]
وفي شعبان: كثرت الرياح العواصف، وجاءت بفم الصلح وقت العصر من يوم الخميس لخمس بقين منه ريح شبهت بالتنين، حتى خرقت دجلة، حتى ذكر أنه بانت أرضها من ممر الريح، وهدمت قطعة من المسجد الجامع، وأهلكت جماعة من الناس، وغرقت كثيرا من السفن الكبيرة [2] المملوءة بالأمتعة واحتملت زورقًا منحدرًا وفيه دواب وعدة سفن وطرحت ذلك في أرض جوخى، فشوهد بعد أيام.
وفي هذه السنة: لحق الناس بالبصرة حر عظيم، وجنوب فتساقط الناس في الشوارع، وماتوا في الطرقات.
__________
[1] «بيتا» سقطت من ص، ل.
[2] في الأصل: «الصغار» .(14/329)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2844- الحسين بن علي بن ثابت، أبو عبد الله المقرئ
[1] .
ولد أعمى، وكان حافظا، يحضر مجلس ابن الأنباري فيحفظ ما يمليه، وهو صاحب القصيدة في قراءة السبعة، عملها في حياة النقاش، فأعجب بها النقاش وشيوخ زمانه، وكان ظريفا حسن الزي. وتوفي في [رمضان] [2] هذه السنة.
2845- الخليل بن أحمد القاضي
[3] .
شيخ/ أهل الرأي في عصره، وكان متقدما في علم الفقه والوعظ، وسمع الحديث من محمد بن إسحاق بن خزيمة وأقرانه، وسمع بالعراق البغوي، وابن صاعد، وأقرانهما، وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
2846- زياد بن محمد [بن زياد] [4] بن الهيثم بن زياد [5] ، أبو العباس الخرجاني
[6] .
روى عن الحسن بن محمد الداركي، وغيره، توفي في هذه السنة، وهذا الخرجاني- بخاء يتلوها بعد الراء جيم.
فأما الخرجاني- بخائين معجمتين- فمنهم أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن الحسن الخرخاني روى عن البغوي وهي قرية من قرى قومس.
فأما الجرجاني- بجيمين- فخلق كثير نزلوا جرجان.
فأما الحرجاني- بحاء مهملة وبعد الراء جيم- فبلد بقرب [7] من الشوش وقم [8] ،
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 306، وتاريخ بغداد 8/ 75) .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 306) .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] «بن زياد» سقط من ل، ص.
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 307) .
[7] في الأصل: «تقرب» .
[8] في الأصل: «وقد» .(14/330)
يشكل في هذا الحوجاني- بحاء [1] مهملة وبعدها واو، ثم جيم- وهو منسوب إلى قرية من بلاد [2] المغرب، ويشبه بهذا مثله في الخط الجوجاني- بجيمين والواو بينهما مشددًا- أحد رساتيق نيسابور، كان منها أبو العلاء صاعد بن محمد القاضي، وأبو عمر الفاراني [3] ، وقد يكتبها بعض الناس بالسين، والأصل ما ذكرناه، وربما نسبوا إلى مجتمع التمر [4] فقالوا: جوخاني [5]- بجيم وخاء.
2847- سليمان بن محمد بن أحمد بن أبي أيوب، أبو القاسم
[6] .
ولد سنة ثمان وتسعين ومائتين، وسمع البغوي، والباغندي، وابن أبي داود [7] .
روى عنه الأزهري، والخلال، وكان ثقة يشهد عند الحكام، عدلا مقبولا من أهل بيت الشهادة والستر [8] والثقة [9] ، توفي في ربيع الآخر من هذه السنة. ودفن في/ مقبرة الخيزران.
2848- عبيد الله [10] بن أحمد بن محمد أبو العباس الكاتب، كان أديبا شاعرا
[11] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْن علي بْن ثابت، أَخْبَرَنَا التنوخي قَالَ: أنشدني أبو العباس الكاتب قال: أنشدنا أبو بكر ابن الأنباري:
وكم من قائل قد قال دعه ... فلم يك وده لك بالسليم
فقلت إذا جزيت الغدر غدرا ... فما فضل الكريم على اللئيم
__________
[1] في ص، ل، المطبوعة: «الهوجاني بهاء مهملة» .
[2] في الأصل: «في» .
[3] في ل: «الفراني» . وفي الأصل: «الفرياني» .
[4] في ص: «اليمن» .
[5] في ص، ل: «جوخان» .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 63) .
[7] في الأصل: «ركوه» .
[8] في ص: «والسنن» .
[9] في ص، ل، ت: «الفقه» .
[10] في ت، الأصل: «عبد الله» .
[11] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 378) .(14/331)
وأين الإلف تعطفني عليه ... وأين رعاية الحق القديم
وقال التنوخي: وأنشدني أيضا:
لي صديق قد ضيع من سوء عهد ... ورماني الزمان منه بصد
كان وجدي به فصار عليه ... وظريفٌ زَوَالُ وَجْدٍ بِوَجْدِ
2849- عبد العزيز [بن أحمد] [1] بن علي بن أبي صابر، أبو محمد الصيرفي الجهبذ
[2] .
سمع ابن أبي داود، وابن صاعد، روى عنه الخلال، والجوهري، وكان ثقة.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
2850- محمد بن إسماعيل بن العباس، أبو بكر الحريري [3] الوراق المستملي
[4] .
يروى عن إِسْمَاعِيل الحاسب وغيره، وكان ثقة.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
2851- محمد بن إسحاق بن محمد بن إسحاق بن عيسى بن طارق، أبو بكر القطيعي الناقد
[5] .
سمع الباغندي والبغوي، وابن صاعد وغيرهم، وروى عنه ابن شاذان وغيره. قال محمد بن أبي الفوارس: كان يدعى الحفظ، وفيه بعض التساهل. توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
2852- محمد بن أحمد بن عمران بن موسى بن هارون/ بن دينار، وأبو بكر الجشمي المطرز
[6] .
سمع خلقا كثيرا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: الصيرفي: هذه النسبة معروفة لمن يبيع الذهب (الأنساب 8/ 124) .
[3] «الحريري» سقط من ص، ل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 53) .
[5] القطيعي: هذه النسبة إلى القطيعة، وهي مواضع وقطائع في مجال متفرقة ببغداد (الأنساب 10/ 202) .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 328) .(14/332)
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ لي الأزهري:
كان هذا الشيخ قريبًا ينزل في التسترين وسمعت منه، وكان ثقة.
2853- محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب، أبو بكر المفيد
[1] .
ولد ببغداد سنة أربع وثمانين ومائتين، سكن جرجرايا، وبها قبره، وكان من الحفاظ، وسماه موسى بن هارون: المفيد، وسافر الكثير، وحدث عن أبي يعلى الموصلي. وخلق لا يحصون، وروى مناكير [2] عن مشايخ مجهولين منهم الحسن [3] بن عبيد الله العبدي [4] .، حدث عن عفان، وعبد الله بن رجاء، ومحمد بن كثير، وعمرو بن هارون بن مرزوق، ومسدد، وأحمد بن عبد الرحمن السقطي، روى عنه جزءا عن يزيد بن هارون، وهذا السقطي لا يعرف، وقد روى عن الدارقطنيّ أنه قال: حدثنا جماعة عن هذا السقطي. إلا أَنَّهُ قال الحكاية [5] عن الدارقطني لا يثبت.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت قال: كان شيخنا أبو بكر البرقاني قد أخرج في مسنده الصحيح عن المفيد حديثا واحدا، فكان كلما قرئ عَلَيْهِ [6] اعتذر من روايته عنه، وذكر أن ذلك الحديث لم يقع إليه إلا من جهته، فأخرجه عنه، وسألته عنه فقال: ليس بحجة، وقال لنا البرقاني: رحلت إلى المفيد فكتبت عنه الموطأ، فلما رجعت إلى بغداد قال لي أبو بكر بن أبي سعد [7] : أخلف الله عليك نفقتك، فدفعته إلى بعض الناس، فأخذت بدله بياضا، قال الخطيب/: روى المفيد الموطأ عن الحسن بن عبيد الله [8] العبدي، عن القعنبي، فأشار ابن أبي سعد [9]
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 346) .
[2] في الأصل: «مناكيره» .
[3] في ص: «الحسين» .
[4] في الأصل: «عبد الله الصعدي» .
[5] في ص، ل: «إلأن الحكاية» .
[6] في ص، ل: «كلما قرئ اعتذر» .
[7] في ص: «سعيد» .
[8] في الأصل: «عبد الله» .
[9] في ص: «سعيد» .(14/333)
إلى أن [1] نفقة البرقاني ضاعت في رحلته، لأن العبدي مجهول لا يعرف، وتوفي المفيد في ربيع الآخر من هذه السنة. [ودفن بجرجرايا]
[2] .
2854- محمد بن أحمد بن أبي مسلم، [قال المؤلف] [3] : واسمه: محمد بن علي بن مهران، أبو الحسن الأصبهاني الأصل
[4] .
سمع الباغندي وطبقته، روى عنه ابنه أَبُو أَحْمَد عبيد اللَّه [5] بْن مُحَمَّد الفرضي، وكان ثقة.
2855- محمد بن عبد الله [6] بن الشخير، أبو بكر
[7] .
روى عن الباغندي، والبغوي، وغيرهما، وكان ثقة أمينا، توفي في رجب هذه السنة.
2856- محمد بن إسماعيل بن العباس بن محمد بن عمر بن مهران بن مسرور، أبو بكر المستملي الوراق
[8] .
ولد ببغداد سنة ثلاث وتسعين ومائتين، وسمع أباه والباغندي، والبغوي، وغيرهم، روى عنه الدارقطني والبرقاني والأزهري وغيرهم.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي قال: سألت أبا بكر البرقاني، عن ابن إسماعيل فقال: ثقة ثقة.
وقال ابن أبي الفوارس: ابن إِسْمَاعِيل متيقظ ثقة حسن المعرفة، وكانت كتبه قد ضاعت واستحدث من كتب الناس فيه بعض التساهل. قال: وحدثني الأزهري قال:
__________
[1] «روح» وهو تصحيف في ص، ل، ت.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص، ل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص، ل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 348) .
[5] في الأصل: «عبد الله» .
[6] في ل: «عبيد الله» .
[7] في ص: «أبو بكير» .
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 53) .(14/334)
كان ابن إسماعيل حافظا إلا أنه لين في الرواية، وذلك أن أبا القاسم ابن زوج [1] الحرة كان عنده صحف كثيرة عن يحيى بن صاعد من مسنده وجموعه، وكان ابن إسماعيل شيخا ثقة [2] يحضر دار أبي القاسم كثيرا، فقال له: إن هذه الكتب كلها سماعي من ابن صاعد، فقرأها عليه أبو القاسم من غير أن يكون سماعه فيها ولا له أصول بها. قال/ الخطيب: وقد اشتريت قطعة من تلك الكتب، فرأيت [3] الأمر فيها على ما حكى لي الأزهري، لم أجد لابن إسماعيل سماعا فيها، ولا رأيت علامات الإصلاح والمعارضة في شيء منها.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: حدثني أبو الحسين أحمد بن عمر القاضي قال: سمعت أبا بكر بن إسماعيل الوراق يقول: دققت على أبي محمد بن صاعد بابه فقال: من ذا؟ فقلت: أنا أبو بكر بن أبي علي [4] يحيى ها هنا. فسمعته يقول للجارية:
هاتي النعل حتى أخرج إلى هذا الجاهل الذي يكني نفسه [ويكني] [5] أباه، ويسميني أنا فأصفعه. قال الخطيب: ذكرت هذه الحكاية لبعض شيوخنا فقال: كان في ابن إسماعيل سلامة، توفي ابن إسماعيل يوم الأحد لاثنتي عشرة بقين من ربيع الآخر من هذه السنة.
2857- مُحَمَّدَ [بْنَ مُحَمَّدِ] [6] بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، أبو أحمد الحافظ القاضي
[7] .
إمام عصره في صنعة الحديث. سمع بنيسابور أبا بكر بن خزيمة، وأبا العباس الثقفي وأقرانهما، وخرج إلى طبرستان والري، وبغداد، والكوفة، والحجاز، والجزيرة، والشام، وسمع من أشياخها، وصنف كتبا كثيرة، وتوفي في ربيع الآخر [8] من هذه السنة وهو ابن ثلاث وتسعين سنة، ودفن في داره موضع جلوسه للتصنيف عند كتبه.
__________
[1] «روح» سقطت من ص، ل، ت.
[2] في ص، ل: «فقيرا» .
[3] في الأصل: «فوجدت» .
[4] في الأصل: «أبي علي فقال: يحيى ... » .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 3/ 976- 979) .
[8] في ص، ل: «الأول» .(14/335)
2858- محمد بن العباس بن أحمد بن محمد بن عصم، أبو عبد الله بن أبي ذهل الضبي ويعرف: بالعصمي
[1] .
من أهل هراة سمع بهراة [2] ، ونيسابور، والري، وبغداد من خلق كثير، سمع منه الدارقطنيّ، وابن رزقونة [3] والبرقاني، وكان ثبتا ثقة رئيسا من ذوي الأقدار، كثير الأفضال على الفقهاء والقراء، وكانت تضرب/ له دنانير في كل دينار دينار ونصف وأكثر، فيتصدق بها ويقول: إن الفقير يفرح إذا ناولته كاغذا فيتوهم أن فيه فضة، ثم يفتحه فيفرح إذا رأي صفرة الدينار، ثم [يزنه] [4] فيفرح [5] إذا وزنه زاد [6] على المثقال استشهد العصمي برستاق من رساتيق نيسابور في صفر هذه السنة [7] ، وأوصى أن يحمل تابوته إلى هراة فحمل ثم قبر.
2859- مطرف بن الحسين بن أحمد، أبو علي الإستراباذي.
سمع أباه، وجده، وخلقا كثيرا، وكان فاضلا عالما دينا، ظريفا، يرجع إليه في المعضلات من المسائل، توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 119) .
[2] «من أهل حراة» سقطت من ص، ل.
[3] «وابن رزقويه» سقطت من ص، ل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «فيفرح» .
[6] «وزنه» سقط من ص، ل.
[7] «في هذه السنة» سقطت من ص.
و «صفر» سقطت من ص، ل.(14/336)
ثم دخلت سنة تسع وسبعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه ورد الخبر في المحرم بأن ابن الجراح الطائي خرج على الحاج بين سميراء وفيد، ونازلهم، ثم صالحهم على ثلاثمائة ألف درهم وشيء من الثياب المصرية والأمتعة اليمنية، فأخذه وانصرف.
وفي هذه السنة انتقل السلطان شرف الدولة إلى قصر معز الدولة بباب الشماسية، لأن الأطباء أشاروا عليه، بذلك وزعموا أن الهواء هناك أصح، وكان قد ابتدأ به المرض من سنة ثمان وسبعين [من فساد مزاج] [1] فشغب الديلم وطلبوا أرزاقهم، فعاد إلى داره وراسلهم، وقبض على جماعة اتهموا بالسعي في الفساد.
وفي يوم الاثنين لثمان بقين من جمادى الآخرة: أنفذ الطائع للَّه الرئيس أبا الحسن علي بن عبد العزيز بن حاجب النعمان كاتبه إلى دار القادر باللَّه، وهو أمير، ليقبض عليه، فهرب منه، وكان السبب أنه لما توفي إسحاق بن المقتدر والد القادر جرت/ بين القادر وبين آمنة أخته بنت معجبة منازعة في ضيعة، واتفق أن عرض للطائع علة صعبة، ثم أبل منها، فسعت آمنة بالقادر إلى الطائع وقالت: إنه شرع في تقلد الخلافة عند مرضك، وراسل أرباب الدولة، فظن أن ذلك حق فتغير رأيه فيه، وانفذ ابن حاجب النعمان في جماعة للقبض عليه، وكان يسكن الحريم الطاهري [2] فقالوا: أمير المؤمنين
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ص: «الظاهري» .(14/337)
يستدعيك، فقام وقال له أَبُو الْحَسَن: إلى أَيْنَ؟ فَقَالَ: البس [1] ثيابا تصلح للقاء الخليفة، فعلق به ومنعه، فعرف الحرم ما يراد به، فانتزعوه من يده وبادر إلى سرداب، فتخلص منهم، فعادوا إلى الطائع، وعرفوه الصورة، وانحدر القادر باللَّه إلى البطيحة، فأقام بها عند مهذب الدولة إلى أن قبض بهاء الدولة على الطائع، وأظهر أمر القادر.
وفي جمادى الأولي: زاد مرض شرف الدولة، وتوفي، وعهد إلى ولده أبي نصر.
فاجتمع العسكر وطالبوه برسم البيعة، فخوطبوا [2] في أن يقنع كل واحد منهم [3] بخمسمائة [درهم] [4] وإلى ستمائة فأبوا، فخاطبهم أبو نصر وأعلمهم خلو الخزائن، ووعدهم أن يكسروا الأواني ويعطيهم، وتردد بين أبي نصر وبين الطائع مراسلات انتهت إلى أن حلف كل [واحد] منهما لصاحبه على التصافي وصحة العقيدة، وكل ذلك في ليلة السبت سادس جمادى الآخرة، وركب الطائع للَّه الطيار وسار إلى دار المملكة بالمخرم لتعزية أبي نصر، والشطان منغصان بالنظارة، فنزل [الأمير] أبو نصر متشحا بكساء طبري، والديلم والأتراك بين يديه، وحواليه إلى المشرعة التي قدم إليها الطيار، وقبل الأرض وقبلها العسكر بتقبيله، وصعد الرئيس أبو الحسن علي بن عبد العزيز إلى الأمير أبي نصر، فأدى إليه رسالة الطائع بالتعزية، فقبل الأرض ثانيًا وشكر/ ودعا، فعاد أبو الحسن إلى الطائع فأعلمه شكره ودعاءه، وعادوا الصعود إلى أبي نصر لوداعه عن الطائع للَّه فقبل الأرض ثالثا وانحدر الطيار على مثل ما أصعد، ورجع الأمير أبو نصر إلى داره.
فلما كان يوم السبت عاشر هذا الشهر ركب الأمير أبو نصر إلى [5] حضرة الطائع، وحضر الأشراف والقضاة [6] وجلس الطائع للَّه في الرواق الذي في صحن السلم [7]
__________
[1] العبارة هكذا في ص، ل، والمطبوعة: «فقام وقال له إلى أن ألبس ثيابا ... » .
[2] في ص: «فخطبوا» .
[3] «منهم» سقطت من ص، ل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] «داره فلما ... أبو نصر إلى» سقط من ص.
[6] في ص: «الفقهاء» .
[7] في المطبوعة: «السلام» .(14/338)
متقلدا سيفا، وأدخل السلطان إلى بيت في جانب الرواق مما يلي دجلة، وخلع عليه فيه الخلع السلطانية، وخرج وعليه سبع طاقات أعلاها سواد وعلى رأسه عمامة سوداء، وعلى عنقه طوق كبير، وفي يده سواران ومشى الحجاب بين يديه بالسيوف والمناطق، فلما حصل بين يدي الطائع للَّه قبل الأرض، فأومأ إليه [الطائع] بالجلوس، وطرح له كرسي فقبل الأرض دفعة ثانية، وجلس وقرأ أبو الحسن علي بن عبد العزيز عهده، وقدم إلى الطائع لواءاه حتى عقدهما بيده ولقب بهاء الدولة وضياء الملة، فسار بين يديه العسكر كله إلى باب الشماسية في القباب المنصوبة، وانحدر في الطيار إلى دار المملكة، وأقر الوزير أبا منصور ابن صالحان على الوزارة، وخلع عليه.
وفي هذه السنة: عمر مهذب الدولة علي بن نصر السقايات بواسط، فغرم [1] عليها ستة آلاف، وفيها بنى جامع القطيعة.
أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] القزاز، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي هلال بن المحسن الكاتب: أن الناس تحدثوا في سنة تسع وسبعين وثلاثمائة بأن امرأة من أهل الجانب الشرقي رأت في منامها النبي صلى الله عليه وسلم [كأنه] يخبرها بأنها تموت من غد عصرًا، وأنه يصلى في مسجد بقطيعة أم جعفر من الجانب الغربي في القافلاءين [2] ، ووضع/ كفه في حائط القبلة، وأنها ذكرت هذه الرؤية عند انتباهها من نومها، فقصد الموضع، ووجد أثر الكف، وماتت المرأة في ذلك الوقت.
وعمر المسجد ووسعه أبو أحمد الموسوي بعد ذلك، وبناه، وعمّر واستأذن الطائع للَّه في أن يجعل مسجدا تصلى فيه الجمعات، واحتج بأنه من وراء خندق وأنه يقطع بينه وبين البلد، ويصير به ذلك الصقع بلدًا آخر، فأذن له في ذلك، وصار جامعا يصلى فيه الجمعات.
__________
[1] في الأصل: «قوم» .
[2] في الأصل: «البافلائين» .(14/339)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2860- الحسين بْن محمد بن أحمد بن محمد بن دينار بن موسى، أبو القاسم الدقاق
[1] .
ولد في ربيع الأول سنة أربع وثلاثمائة، سمع البغوي، وابن أبي داود، روى عنه أبو محمد الخلال، قال الأزهري: كان ثقة، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
2861- شرف الدولة بن عضد الدولة
[2] .
كان يميل إلى الخير، وأزال المصادرات، وكان مرضه الاستسقاء وفساد المزاج، فامتنع من الحمية ووافق هواه في التخليط، فتوفي عصر يوم الجمعة ثاني جمادى الآخرة من هذه السنة، وحمل إلى المشهد بالكوفة، فدفن في تربة عضد الدولة، وكان مدة عمره ثماني وعشرين سنة وخمسة أشهر، ومدة ملكه ببغداد سنتين وثمانية أشهر.
2862- طاهر بن محمد بن سهلوية بن الحارث بن يزيد بن بحر، أبو الحسين النيسابوري
[3] .
قدم بغداد حاجا، وحدث بها عن جماعة، روى عنه الأزهري، والخلال، وكان ثقة عدلا مقبول الشهادة عند الحكام، توفي في هذه السنة ببغداد وله سبعون سنة.
2863- محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد بن مهران، أبو بكر الصفار الضرير
[4] .
ولد في شوال سنة تسع وثمانين ومائتين، سمع البغوي وغيره، وروى عنه الدارقطني، والتنوخي، وقال: سمعت منه في سنة إحدى وسبعين، وقال البرقاني:
شيخ ثقة فاضل، أصله من الشام.
2864- محمد بن أحمد بن أبي طالب علي بن محمد بن محمد بن الجهم الكاتب، يكنى: أبا الفياض
[5] .
__________
[1] الدقاق: هذه النسبة إلى الدقيق وعمله بيعه (الأنساب 5/ 325) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 307) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 357) .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 260) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 322) .(14/340)
حدث عن البغوي وغيره.
أخبرنا القزاز، أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب قَالَ: ذكر ابن أبي الفوارس أبا الفياض فقال: كان فيه تساهل في الحديث. وقال لي أبو علي ابن المذهب: مات أبو الفياض يوم الأربعاء التاسع عشر من ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وثلاثمائة، وكان أبوه قد مات قبله بخمسة أيام، وماتت والدته بعد أبيه بيومين.
2865- محمد بن أحمد، بن علي، أبو الفتوح، المعروف: بالحداد.
[1] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت قال: كان هذا الرجل يورق بالأجرة، وحدث عن أحمد بن سليمان النجاد، وأبي بكر الشافعي، وعلي بن إبراهيم بن حماد القاضي، وغيرهم، حدثنا عنه القاضي أبو الحسين بن المهتدي، وقال [لي] كان عبدا صالحا. وأثنى عليه ثناء حسنا.
2866- محمد بن أحمد بن العباس بن أحمد بن خلاد، أبو جعفر السلمي [2] نقاش الفضة
[3] .
ولد للنصف من جمادى الأولي سنة أربع وتسعين ومائتين، وسمع الباغندي، والبغوي، وابن صاعد، وابن مجاهد في آخرين.
أخبرنا القزاز، أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب قَالَ: سألت الأزهري عن أبي جعفر النقاش فقال: ثقة، قال: وكان أحد المتكلمين على مذهب الأشعري، ومنه تعلم أبو علي بن شاذان الكلام.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا العتيقي قال: سنة تسع وسبعين وثلاثمائة فيها توفي أبو جعفر النقاش لست [4] خلون من المحرم، وكان ثقة.
2867- محمد بن جعفر بن العباس بن جعفر، أبو بكر النجاد
[5]
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 322) .
[2] في ص: «السليمي» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 325) .
[4] في الأصل: «لسبع» .
[5] في تاريخ بغداد: «النجار» . انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 308، وتاريخ بغداد 2/ 157) .(14/341)
سمع محمد بن هارون المجدر، وأبا حامد الحضرميّ، وابن صاعد، وأبا بكر النيسابوري.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، حدثنا عنه الحسن بن محمد الخلال وذكر لي أنه كان يلقب: غندرا، قال: وكان ثقة فهما يحفظ القرآن حفظا حسنا، وتوفي فِي محرم هَذِهِ السنة.
2868- محمد بْن جعفر بن محمد بن عبد الكريم بن بديل، أبو الفضل الخزاعي الجرجاني
[1] .
قدم بغداد وحدث بها عن يوسف بن يعقوب النجيرمي [2] ، وأبي بكر الإسماعيلي وغيرهما، وروى عنه أبو القاسم التنوخي.
أخبرنا القزاز: أخبرنا الخطيب قال: كان الخزاعي شديد العناية بعلم القراءات، ورأيت له مصنفا يشتمل على أسانيد القراءات المذكورة فيه على عدة من الأجزاء، فأعظمت ذلك واستنكرته، حتى ذكر لي بعض من يغتني بعلوم القرآن، أنه كان يخلط [3] تخليطا قبيحا، ولم يكن على ما يرويه مأمونا. وحكى لي القاضي أبو العلاء الواسطي عنه أنه وضع كتابا في الحروف، ونسبه إلى أبي حنيفة، قال أبو العلاء: فأخذت خط الدارقطني وجماعة من أهل العلم بأن ذلك الكتاب: موضوع لا أصل له فكبر ذلك عليه، وخرج من بغداد إلى الجبل، ثم بلغني أن حاله اشتهرت عند أهل الجبل، وسقطت هناك منزلته.
قال أبو العلاء: كتبت عنه بواسط وذكر لي أن اسمه: كميل، ثم غير اسمه بعد، وتسمى محمدا.
2869- محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى بن محمد بن عبد الله بن سلمة بن إياس، أبو الحسين البزاز
[4] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 157) .
[2] في الأصول: «البحتري» .
[3] في ص، ل: «يختلط» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 308، وتاريخ بغداد 3/ 262) .(14/342)
ولد في محرم سنة ست وثمانين ومائتين، وأول سماعه للحديث في محرم سنة ثلاثمائة، سافر الكثير، سمع بحران ودمشق [ومصر] وبغداد، وروى عن ابن جرير، والبغوي وخلق كثير، وروى عنه الدارقطنيّ، وابن شاهين، والخلال، والأزهري.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي قال: حدثني أبو بكر البرقاني قال: كتب الدارقطني عن ابن مظفر ألف حديث، وألف حديث، وألف حديث، يعدد ذلك مرات.
حدثنا عبد الرحمن ثنا أَحْمَد بن علي قَالَ: حدثني [1] مُحَمَّد بن عمر بن إسماعيل القاضي قال: رأيت أبا الحسن الدارقطني يعظم أبا الحسين بن المظفر، ويجله، ولا يستند بحضرته، وقد روى عنه أشياء كثيرة.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني أحمد بن علي المحتسب قال: أخبرنا محمد بن أبي الفوارس قال: كان محمد بن المظفر ثقة أمينا مأمونا حسن الحفظ، وانتهي إليه الحديث وحفظه وعلمه، وكان قديما ينتقي على الشيوخ، وكان مقدما [2] عندهم.
توفي ابن المظفر يوم الجمعة، ودفن يوم السبت لثلاث خلون من جمادى الأولى من هذه السنة، وقيل: توفي في جمادى الآخرة عن نيف وتسعين سنة.
__________
[1] «أبو بكر البركاني ... بن علي قال حدثني» سقط من ص.
[2] في ص، ل: «متقدما» .(14/343)
ثم دخلت سنة ثمانين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه قلد [أبو أحمد] الحسين بن موسى الموسوي نقابة الطالبيين، والنظر في المظالم، وإمارة الحاج، وكتب عهده على جميع ذلك، واستخلف له ولداه المرتضى أبو القاسم والرضى أبو الحسن على النقابة، وخلع عليهما من دار الخلافة.
وفي هذه السنة زاد أمر العيارين في جانبي بغداد مدينة السلام، ووقعت بينهم حروب، وعظمت الفتنة، واتصل القتال بين الكرخ وباب البصرة، وصار في كل حرب أمير وفي كل محلة متقدم وقتل الناس، وأخذت الأموال، وتواترت العملات، واتصلت الكبسات وأحرق بعضهم محال بعض، وتوسط الشريف أبو أحمد الموسوي الأمر.
وفيها: وقع حريق عظيم نهارا في نهر الدجاج ورواضعه، فذهب من عقار الناس وأموالهم شيء كثير.
وفي هذه السنة حج بالناس أَبُو عَبْدِ اللَّهِ [1] أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبيد الله العلوي نيابة عن الشريف أبي أحمد الموسوي.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2870- إبراهيم بن أحمد بن بشران بن زكريا، أبو إسحاق الصيرفي
[2] .
__________
[1] «أبو عبد الله» سقط من ص.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 11) .(14/344)
سمع البغوي، وابن صاعد، وغيرهما، انتقى عليه الدارقطني، وكان ثقة، توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
2871- البهلول بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول بن حسان، أبو القاسم التنوخي الأنباري
[1] ولد ببغداد سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، فسكنها وحدث بها، فروى عنه أبو القاسم التنوخي، وكان ينزل سكة بالمدينة، يعرف بسكة أبي العباس الطوسي، وتوفي في رجب هذه السنة.
2872- الحسين بن محمد بن الحسين أبو بكر المعروف: بابن المحاملي
[2] .
سمع القاضي المحاملي، وابن عقدة، روى عنه الجوهري، وتوفي في شعبان هذه السنة.
2873- حمدون بن أحمد بن سلم، أبو جعفر السمسار، وهو ابن بنت سعدويه [3] الواسطي.
روى عن جماعة، وروى عنه أبو بكر الشافعي [4] ، ذكره الدارقطني فقال: لا بأس به، وتوفي في صفر هذه السنة.
2874- طلحة بن محمد بن جعفر، أبو القاسم الشاهد من قدماء أصحاب ابن مجاهد
[5] .
ولد سنة إحدى وتسعين ومائتين، وشهد عند أبي السائب القاضي، وكان مقدما في وقته على الشهود، وحدث عن البغوي، وغيره، وكان يذهب إلى الاعتزال، توفي في شوال هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 110) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 101) .
[3] في الأصل: «سورية» .
[4] في ص: «الواسطي» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 351) .(14/345)
2875- عبد الله بن محمد بن أحمد بن عقبة، أبو محمد القاضي
[1] .
سمع أبا بكر النيسابوري، وروى عنه أبو القاسم الأزهري، وكان ثقة مأمونا ذا هيئة. وتوفي يوم الجمعة وقت طلوع الشمس، وأخرجت جنازته قبل الصلاة، وذلك في سادس عشر ربيع الأول من هذه السنة.
2876- عَبْد اللَّهِ [2] بن محمد بن أحمد، أبو القاسم التوزي [3] .
حدث عن البغوي، وروى عنه الأزهري، وكان ثقة وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
2877- عبيد الله بن عبد الله بن محمد أبو القاسم السرخسي التاجر
[4] .
روى عن المحاملي، وابن مخلد، وانتقل إلى بخارى فأقام بها إلى أن توفي في رجب هذه السنة، وكان ثقة.
2878- عبد الواحد بن محمد بن الحسن بن شاذان أبو القاسم [5] .
سمع البغوي، وكان ثقة، توفي فجأة وهو يُصَلِّي فِي ربيع الآخر [6] [في هذه السنة] .
2879-[علي بن عمرو، الحريري
[7] .
حدث عن أبي عروبة وكان ثقة، توفي فجأة وهو يُصَلِّي فِي ربيع الآخر] .
2880- محمد بن إبراهيم بن حمدان بن إبراهيم [بن] [8] يونس بن نيطرا [9] ، أبو بكر، قاضي دير العاقول
[10] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 133) .
[2] في ت: «عبد الله» .
[3] في تاريخ بغداد: «النوري» . انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 364) .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 376) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 10) .
[6] «فجأة وهو يصلي في ربيع الآخر» سقطت من ص، ل. وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] هذه الترجمة سقطت من الأصل، ت. انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 21) .
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وكتب قبلها في الأصل: «توفي في هذه السنة» .
[9] في ص: «نظر» .
[10] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 415) .(14/346)
حدّث ببغداد عن جده حمدان [1] ، وعن البغوي، وابن صاعد، وغيرهما.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: حدثنا عنه الأزهري والتنوخي وسألتهما عنه فقالا: ثقة، وحدثني الأزهري قال: جاءنا الخبر من دير العاقول أن ابن نيطرا توفي في ربيع الآخر [من هذه السنة أعني] [2] سنة ثمانين وثلاثمائة.
2881- يعقوب بن يوسف، أبو الفرج وزير صاحب مصر، الملقب بالعزيز
[3] .
كان عالي الهمة، عظيم الهيبة، ناصحا لصاحبه، فوض الأمر إليه، فلما مرض ركب إليه صاحب مصر عائدا فقال: يا يعقوب، وددت أن تباع فابتاعك بملكي، أو تفدى فأفديك، فهل من حاجة توصي بها فبكى يعقوب وقبل يده، ووضعها على عينه وقال: أما فيما يخصني فلا، فإنك أرعى لحقي من أن استرعيك، وأرأف بمخلفي من [أن] أوصيك، ولكن فيما يتعلق بدولتك [سالم الروم ما سالموك] ، واقنع من الحمدانية بالدعوة والسكة، ولا تبق على المفرج بن دغفل الخراج [4] متى أمكنت فيه الفرصة. ثم توفي، فأمر صاحب مصر أن يدفن في قصره في قبة كان بناها لنفسه، وحضر جنازته فصلى عليه وألحده بيده وحزن عليه، وأغلق ديوانه أياما.
__________
[1] «جده حمدان» سقطت من ص.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 308) .
[4] في ص، الأصل: «الجراح» .(14/347)
ثم دخلت سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أن أبا الحسين محمد ابن قاضي القضاة أبي محمد عبيد الله بن أحمد بن معروف، قلد ما كان إلى أبي بكر بن صير من الأعمال، وقرئ عهده على ذلك بحضرة أبيه في داره الشطانية بمشهد من الأشراف، والقضاة، والفقهاء، والوجوه.
[قبض على الطائع في داره]
وفي يوم السبت تاسع عشر رمضان: قبض على الطائع في داره، وكان السبب أن أبا الحسن بن المعلم، وكان من خواص بهاء الدولة، ركب إلى الطائع ووصى وقت دخوله أن لا يمنع أحدا من الحجاب، ثم سار بهاء الدولة في الجيش، فدخل وقد جلس الطائع في صدر الرواق من دار السلام، متقلدا سيفا، فلما قرب منه بهاء الدولة، قبل الأرض وطرح له كرسي، فجلس عليه، [وتقدم] أصحاب بهاء الدولة فجذبوا الطائع بحمائل سيفه من سريره وتكاثر الديلم فلف في كساء وحمل إلى بعض الزبازب، وأصعد به إلى الخزانة في دار المملكة، [واختلط الناس] وقدر أكثر الجيش [1] ومن ليس عنده علم بهذا الأمر أن القبض على بهاء الدولة، وتشاغلوا بالنهب وأخذ ثياب من حضر من الأشراف والشهود، وقبض على أبي الحسن علي بن عبد العزيز ابن حاجب النعمان في آخرين، إلى أن قرر عليهم مال فاستوفي منهم، واحتيط على الحجر والخزائن والخدم والحواشي، وخرست الأخت زوجة الطائع، وانصرف بهاء الدولة إلى داره، وأظهر أمر القادر باللَّه، ونودي بذلك في الأسواق [2] ، وكتب إلى الطائع كتاب بخلع نفسه
__________
[1] في الأصل، ل: «الجند» .
[2] في الأصل: «الأشراف» .(14/348)
وتسليمه الأمر إلى القادر باللَّه، وشهد عليه الأشراف والقضاة، وذلك في يوم الأحد ثاني يوم القبض، وأنفذ إلى القادر وأذن الطائع والكتاب عليه بخلعه نفسه، وتسليمه الأمر إلى [القادر باللَّه] ، وحث على المبادرة، وشغب الديلم والأتراك يطالبون برسم البيعة، وخرجوا إلى قبر النذور، وترددت الرسل بينهم وبين بهاء الدولة، ومنعوا من الخطبة باسم القادر [في] يوم الجمعة لخمس بقين من الشهر، فقيل: اللَّهمّ أصلح عبدك وخليفتك القادر باللَّه، ولم يسم، ثم أرضى الوجوه والأكابر، ووقع السكون، وأخذت البيعة على الجماعة، واتفقت الكلمة على الرضا والطاعة، وأقيمت الخطبة في يوم الجمعة الثالث من رمضان باسم القادر، وحول من دار الخلافة جميع ما كان فيها من المال والثياب، والأواني، والمصاغ، والفروش، والآلات، والعدد، والسلاح، والخدم، والجواري، والدواب، والرصاص، والرخام، والخشب الساج [1] والتماثيل، وطاف بهاء الدولة دار الخلافة مجلسا مجلسا، واستقراها موضعا موضعا، وانتخب للخاصة والعامة، فدخلوها وشعثوا ابنيتها، وقلعوا من أبوابها وشبابيكها، ثم منعوا بعد ذلك، وقام مهذب الدولة أبو الحسن علي بن نصر الذي كان القادر هرب إليه بالبطائح بتجهيزه، وحمل إليه من المال، والفروش، والآلات أكثر شيء وأحسنه، وأعطاه طيارًا كان بناه لنفسه، وشيعه، فلما وصل إلى واسط اجتمع الجند وطالبوه [برسم] البيعة، ومنعوه من الصعود، إلا بعد إطلاق مالها، وجرت معهم خطوب انتهت إلى أن وعدوا بإجرائهم مجرى البغداديين فما يتقرر عليه أمورهم، فرفضوا وسار وكان مقامه بالبطيحة منذ حصل فيها إلى أن خرج عنها سنتين واحد عشر شهرا وقيل: سنتين وأربعة أشهر وأحد عشر يومًا إلى اليوم الذي خَرَجَ منها.
أخبرنا محمد بن أبي منصور، أخبرنا محمد بن أبي نصر الحميدي، أخبرنا أبو الحسن محمد بن هلال بن المحسن قال: أخبرني أبي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الحسين مُحَمَّد بْن الْحَسَن بن محفوظ قال: حدثني الوزير أبو العباس عيسى بن ماسرجس قال:
حدثني أبو القاسم هبة الله بن عيسى كاتب مهذب الدولة قال: لما ورد القادر باللَّه البطيحة وأقام عندنا كنت أغشاه يومين في كل أسبوع كالنوبة في خدمته، فإذا حضرت
__________
[1] في الأصل: «السلاح» .(14/349)
تناهى في الإناء لي والإخفاء بي، والرفع من مجلسي، والزيادة في بسطي، وأجتهد في تقبيل يده فيمنعنيها ولا يمكنني منها، فاتفق أن دخلت إليه يوما على رسمي فوجدته متأهبا تأهبا لم أعرف سببه، ولا جرت له به عادة، ولم أر منه ما عودنيه من الإكرام والرفع من مجلسي والإقبال عليَّ والبسط، وجلست دون موضعي، فما أنكر ذلك مني، ورمت تقبيل يده، فمدها إليَّ، وشاهدت من أمره وفعله ما اشتد وجومي له، واختلفت في الظنون فيه، وقلت له عند رؤيتي ما رأيته، وإنكاري ما أنكرته، أيؤذن لي في الكلام؟
قال: قل. قلت: أرى اليوم من الانقباض عني ما قد أوحشني، وخفت أن يكون لزلة كانت مني، فإن يكن ذلك فمن حكم التفضيل إشعاري به لأطلب بالعذر مخرجا منه، وأستعين بالأخلاق الشريفة في العفو عنه، فأجابني بوقار: اسمع أخبرك، رأيت البارحة في منامي كأن نهركم هذا- وأومأ إلى نهر الصليق- قد اتسع حتى صار في عرض دجلة دفعات، وكأنني متعجب من ذلك، وسرت على ضفتيه، متأملا لأمره ومستظرفا لعظمه، فرأيت دستاهيج قنطرة فقلت: ترى من قد حدث نفسه بعمل قنطرة في هذا الموضع، وعلى هذا البحر الكبير وصعدته، وكان وثيقا محكما، ومددت عيني فإذا بإزائه مثله، فزال عني الشك في أنهما دستاهيج قنطرة، وأقبلت أصعد وأصوب في التعجب، وبينا أنا واقف عليه رأيت شخصا قد قابلني من ذلك الجانب [الآخر وناداني] وَقَالَ: يا أحمد تريد أن تعبر؟ قلت: نعم فمد يده حتى وصلت إليَّ وأخذني وعبرني، فهالني أمره [وفعله] وقلت له: وقد تعاظمني فعله من أنت؟ قال: علي بن أبي طالب، وهذا الأمر صائر إليك ويطول عمرك فيه، فأحسن في ولدي، وشيعتي، فما انتهي الخليفة إلى هذا المكان حتى سمعنا صياح الفلاحين وضجيج ناس، فسألنا عن ذلك فقيل ورد أبو علي الحسن بن محمد بن نصر ومعه جماعة، وإذا هم الواردون للإصعاد به، وقد تقررت الخلافة له، وأنفذ معهم قطعة من أذن الطائع للَّه، فعاودت تقبيل يده ورجله، وخاطبته بإمرة أمير المؤمنين، وبايعته وكان من إصعاده وإصعادي معه ما كان قال هلال:
وجدت كتابا كتبه القادر باللَّه من الصليق إلى بهاء الدولة نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله أحمد الإمام القادر باللَّه أمير المؤمنين إلى بهاء الدولة وضياء الملة أبي نصر بن عضد الدولة وتاج الملة مولي أمير المؤمنين، سلام(14/350)
اللَّه عليك، فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا اله إلا هو، ويسأله أن يصلي على سيدنا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا أما بعد: أطال الله بقاءك وأدام عزك وتأييدك، وأحسن إمتاع أمير المؤمنين بك وبالنعمة فيك وعندك، فإن كتابك الوارد في صحبة الحسن بن محمد بن نصر رعاه الله عرض على أمير المؤمنين تاليا لما تقدمه، وشافعا ما سبقه ومتضمنا مثل ما حواه الكتاب قبله من إجماع المسلمين قبلك الخاص، والعام، بمشهد منك على خلع العاصي المتلقب بالطائع عن الإمامة، ونزعه عن منصب الخلافة لبوائقه المستمرة، وسوء نيته المدخولة، وإشهاده على نفسه بنكوله وعجزه، وإبرائه الكافة من بيعته وخروجهم من عهده وذمته، ومبادرة الكبير والصغير إلى المبايعة لأمير المؤمنين، وإصفاقهم واتفاقهم عليها بانشراح في صدورهم، وانفساح من آمالهم، واستتباب ذلك بتلطفك من حسن الارتياد للمسلمين، وانتظامه بغضبك للَّه ولأمير المؤمنين، حتى ناديت بشعاره في الأفاق، وأقمت الدعوة للَّه في الأقطار، ورفعت من شأن الحق ما كان العاصي خفضه، وقمت من عماد الدين ما كان المخلوع رفضه ووقف أمير المؤمنين على ذلك كله، وأحاط علمه بجميعه ووجدك، أدام الله تأييدك، قد انفردت بهذه المأثرة، واستحققت بها من الله تعالى جليل الأثرة، ومن أمير المؤمنين سني المنزلة، وعلى المرتبة، وكانت هذه المنزلة عليك موقوفة، كما كانت الظنون فيها إليك مصروفة، حتى فزت بها بما يبقي لك في الدنيا ذكره وفخره، وفي الآخرة ثوابه وأجره، فأحسن الله عن هذه الأفعال مكافأتك، وأجزل عاجلا وآجلا مجازاتك، وشملك من توفيقه وتسديده ومعونته وتأييده، بما يديم نصر أمير المؤمنين بك وظفره على يدك، وجعلك ابدا مخصوصا بفضل السابقة في ولائه، متوحدا بتقدم القدم في أصفائه، فقد أصبحت وأمسيت سيف أمير المؤمنين لأعدائه، والحاظي دون غيرك بجميل رأيك، والمستبد بحماية حوزته، ورعاية رعيته، والسفارة بينه وبين ودائع الله عنده، وقد برزت راية أمير المؤمنين عن الصليق متوجهة نحو سريره الذي حرسته، ومستقر عزه الذي شيدته، ودار مملكته التي أنت عمادها، ورحى دولته التي أنت قطبها معتقدا لك ما يعتقد في المخلص طاعة ومشايعة، والمهذب نية وطوية من صنوف الاختصاص الذي لا يضرب معك فيه بسهم دان ولا قاص، وتوفي على كل سالف، ويفوت(14/351)
كل أنف، ويعجز كل مناو، ويفحم كل مسام ومساو، ولا يبقي أحد إلا علم أنه منزاح عنك، غير متواز لك فأحببت لمحلك وقصر خطأه عن مجازاتك، ووقع دون موقعك، وتزحزح لك عن موضعك، وقد وجد أمير المؤمنين الحسن بن محمد بن نصر كلأه الله مصدقا بفعله وصفك محققا ثناءك، مستوجبا لما أهلته ورشحته للقيام به من المسير فِي خدمته، والحقوق فيما يبديه له، وعلم أمير المؤمنين انك لم تتلقه، إلا بأوثق خواصك في نفسك، وأوفرهم عندك فاحمد في ذلك اعتمادك، وإضافة إلى سوالف أمثاله منك، فاعلم ذلك أدام الله تأييدك، وأجر على عادتك الحسناء وطريقتك المثلى في النيابة تبقي، وواصل حضرة أمير المؤمنين بالإنهاء، والمطالعة إن شاء الله، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وكتب ليلة الأحد لثلاث ليال بقين من شعبان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة
[1] .
__________
[1] في ت: «تم الجزء التاسع عشر» .(14/352)
باب ذكر خلافة القادر باللَّه
واسمه: أحمد بن إسحاق بن المقتدر، ويكنى: أبا العباس، واسم أمه تمني مولاة عبد الواحد بن المقتدر، وكانت من أهل الدين.
ولد في يوم الثلاثاء التاسع من ربيع الأول سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وتقلد الخلافة بعد أن قبض الطائع للَّه وخلع، وكان القادر حسن الطريقة، كثير المعروف، مائلا إلى الخير والتدين، ولما رحل القادر عن البطيحة، فوصل إلى جبل في عشار رمضان، وانحدر بهاء الدولة، ووجوه الأولياء وأماثل الناس لاستقباله، فدخل دار الخلافة ليلة الأحد ثاني عشر رمضان سنة إحدى وثمانين، وجلس من الغد جلوسا عاما، وهنئ وأنشد بين يديه المديح، ومما أنشد بَيْنَ يَدَيِهِ فِي ذلك اليوم قصيدة الرضى التي أولها:
شرف الخلافة يا بني العباسِ ... اليوم جدَّدهُ أبو العباس
ذا الطود أبقاه الزمان ذخيرة ... من ذلك الجبل العظيم الراسي
وحمل إلى القادر بعض الفروش، والآلات المأخوذة من الطائع، واستكتب له [أبو] الفضل محمد بن أحمد الديلميّ، وجعل الأستاذ الدار عبد الواحد بن الحسين الشيرازي، وفي يوم الخميس لتسع بقين من شوال جمع الأشراف والقضاة والشهود في مجلس القادر، حتى سمعوا يمينه لبهاء الدولة بالوفاء، وخلوص النية ولفظه بتقليده ما(14/353)
وراء بابه مما تقام فيه الدعوة، وذلك بعد أن حلف له بهاء الدولة على صدقه والطاعة والقيام بشروط البيعة.
ذكر طرف من سيرة القادر [باللَّه]
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: رأيت القادر دفعات، وكان ابيض حسن الجسم، كث اللحية طويلها، يخضب، وكان من أهل الستر، والديانة، وإدامة التهجد بالليل، وكثرة البر والصدقات على صفة اشتهرت عنه، وعرف بها عند كل أحد مع حسن المذهب وصحة الاعتقاد وكان صنف كتابا فيه [الأصول ذكر فيه] فضائل الصحابة على ترتيب [مذهب] أصحاب الحديث، واورد في كتابه فضائل عمر بن عبد العزيز، وأفكار المعتزلة، والقائلين بخلق القرآن، وكان الكتاب يقرأ [في] كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدي ويحضر الناس سماعه. ذكر محمد بن عبد الملك الهمداني أن القادر باللَّه كان يلبس زي العوام ويقصد الأماكن المعروفة بالبركة، كقبر معروف وتربة ابن بشار.
وقال الحسين بن هارون القاضي كان بالكرخ يتيم لم يثبت رشده وله دكان كثير النعمة، وأمرني ابن حاجب النعمان أن أفك الحجر عنه ليبتاع صاحب له الدكان منه، فلم أفعل، فأنفده يستدعيني فقلت لغلامه! تقدمني حتى أعبر، ففعل فجئت إلى قبر معروف فدعوت الله أن يكفيني أمره وجئت إلى قبر ابن بشار، ففعلت ذلك، فرأني شيخ فقال أيها القاضي، على من تدعو فقلت على ابن حاجب النعمان، أمرني بكذا وكذا فأمسك الشيخ [عني] وعبرت إلى ابن حاجب النعمان، فجعل يخاطبني خطابا غليظا في فك الحجر عن الصبي، ولا يقبل مني عذرًا وإذا قد أتاه خادم بتوقيع، ففتحه وقرأه وتغير لونه ثم عدل من الغلظة إلى الاعتذار، وقال: كتبت إلى الخليفة قصة؟ فقلت: لا. فعلمت أن الشيخ كان القادر باللَّه، وأنه عبر إلى داره فوقع إليه بما أوجب اعتذاره قال: وكان القادر يوصل الرسوم في كل سنة إلى أربابها من غير أن يكتب أحد منهم قصة، فإن كان أحد منهم قد مات، أعيد ما يخصه إلى ورثته، وبعث يوما إلى ابن القزويني الزاهد ليسأله أن ينفذ إليه من طعامه الذي يأكله. قال ابن الهمذاني: فأنفذ ابن القزويني طبقا(14/354)
من الخلاف، فيه غضائر لطاف، فيها باذنجان مقلو وخل وباقلاء ودبس وعلى ذلك رغيفان من خبز البيت، وشدد ذلك في مئزر قطن فتناول الخليفة من كل لون منه وفرق الباقي، وبعث إلى ابن القزويني مائتي دينار فلما كان بعد أيام، أنفذ الخليفة إليه بالفراش يلتمس من ابن القزويني إنفاذ شيء من إفطاره، فأنفذ طبقا جديدا وفيه زبادى جياد وفيها فراريج وقطعة فالوذج وخبز سميذ ودجاجة مشوية، وقد غطى ذلك بفوطة جديدة فلما وصل ذلك إلى الخليفة، تعجب وقال: قد كلفنا الرجل ما لم تجر به عادته فانفذ إليه، لم يكن بك حاجة إلى الكلفة، فقال: ما تكلفت، وإنما اعتمدت ما أمرني الله به إذا وسع [الله] عليَّ وسعت على نفسي، وإذا ضيق ضيقت، وقد كان من إنعام أمير المؤمنين ما عدت به على نفسي وجيراني، فتعجب القادر باللَّه من دينه وعقله ولم يزل يواصله بالعطاء، وكان القادر يقسم الطعام الذي يهيأ لإفطاره ثلاثة أقسام، فقسم يتركه بين يديه، وقسم يحمل إلى جامع الرصافة، وقسم إلى جامع المدينة، فيفرق على المجاورين، فاتفق أن الفراش حمل إلى جامع المدينة جونة فيها طعام، ففرقه على المنقطعين [1] فأخذوا إلا شابا فإنه رد ذلك فلما صلوا صلاة المغرب صلى الفراش معهم، فرأي ذلك الشاب، قد خرج من الجامع فتبعه فوقف على باب فاستطعم فأطعموه كسيرات، فأخذها وعاد إلى الجامع فتعلق به الفراش، وقال: ويحك ألا تستحي، ينفذ إليك خليفة الله في أرضه بطعام حلال فترده وتخرج فتستطعم من الأبواب، فقال: والله ما رددته، إلا لأنك عرضته عليَّ قبل الإفطار وكنت غير محتاج إليه حينئذ، فلما جاء وقت الإفطار استطعمت عند الحاجة فعاد الفراش، فأخبر القادر فبكى، وقال له: راع مثل هذا واغتنم أجره وأقم إلى وقت الإفطار وادفع إليه ما يفطر عليه.
حدثنا إبراهيم بن دينار الفقيه: قال: حدثني أبو سعيد عبد الوهاب بن حمزة بإسناد له، عن أبي الحسن الأبهري قال: بعثني بهاء الدولة من الأهواز في رسالة إلى القادر باللَّه فلما أذن لي في الدخول عليه سمعته ينشد هذه الأبيات:
سبق القضاء بكل ما هو كائن ... والله يا هذا لرزقك ضامن
__________
[1] في الأصل: «المجاورين» .(14/355)
تغني بما تكفى وتترك ما به ... تعيا كأنك للحوادث آمن
أوما ترى الدنيا ومصرع أهلها ... فاعمل ليوم فراقها يا خائن
واعلم بانك لا أبا لك في الذي ... أصبحت تجمعه لغيرك خازن
يا عامر الدنيا أتعمر منزلا ... لم يبق فيه مع المنية ساكن
الموت شيء أنت تعلم أنه ... حق وأنت بذكره متهاون
إن المنية لا تؤامر من أتت ... في نفسه يوما ولا تستأذن
فقلت: الحمد للَّه الذي وفق أمير المؤمنين لانشاد [مثل] هذه الأبيات وتدبر معانيها والعمل بمضمونها، فقال: يا أبا الحسن بل للَّه المنة علينا إذ ألهمنا بذكره ووفقنا لشكره ألم تسمع إلى قول الحسن البصري، وقد ذكر عنده بعض أهل المعاصي فقال:
هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم، وفي ذي القعدة لقب القادر باللَّه بهاء الدولة بغياث الأمة، وخطب له بذلك على المنابر مضافا إلى ألقابه.
ونقل بهاء الدولة أخته زوجة الطائع للَّه إلى دار بمشرعة الصخر وأقام لها إقامات كافية، وأقطعها إقطاعات، فلم تزل كذلك حتى ماتت.
وفي يوم الثاني عشر من ذي الحجة وهو يوم الغدير جرت فتنة بين أهل الكرخ وباب البصرة، واستظهر أهل باب البصرة وخرقوا أعلام السلطان، فقتل يومئذ جماعة اتهموا بفعل ذلك، وصلبوا على القنطرة فقامت الهيبة وارتدعوا.
وفي هذه السنة حج بالناس أبو الحسن محمد بن الحسن بن يحيى العلوي، وكذلك سنة اثنتين وثلاث، وكان أمير مكة أبو الفتوح الحسن بن جعفر العلوي، فاتفق أن أبا القاسم بن المغربي حضر عند حسان ابن المفرج بن الجراح الطائي، فحمله على مباينة العزيز صاحب مصر وقال: لا مغمز في نسب أبي الفتوح والصواب أن تنصبه إماما فوافقه، ومضى المغربي إلى مكة فأطمع أبا الفتوح في الملك وسهل عليه الأمر، فأصغى إلى قوله، وبايعه شيوخ الحسنيين، وحسن له أبو القاسم المغربي أن أخذ قبلة البيت وما فيه من فضة وضربه دراهم، فاتفق انه مات بجدة رجل يعرف بالمطوعي، وعنده أموال للهند والصين،(14/356)
وخلف مالا عظيما فأوصى لأبي الفتوح بمائة ألف دينار ليصون بها تركته والودائع التي عنده، فحمله المغربي على الاستيلاء على التركة، فخطب لنفسه بمكة، وتسمى بالراشد باللَّه وصار لاحقا بآل الجراح، فلما قرب من الرملة تلقاه العرب وقبلوا الأرض بين يديه وسلموا عليه بأمير المؤمنين، ولقيهم راكبا على فرس، متقلدا سيفا زعم أنه ذو الفقار وفي يده قضيب ذكر أنه قضيب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحوله جماعة من بني عمه وبين يديه ألف عبد أسود، فنزل الرملة ونادى بإيصاء العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فبلغ العزيز هذا فانزعج، وكتب إلى حسان ملطفات وبذل له بذولا كثيرة، وآل المفرج واستمال آل الجراح كلهم، وحمل إلى أولاد المفرج أموالا جزيلة حتى فلهما عن ذلك الجمع، وكتب إلى ابن عم أبي الفتوح فولاه الحرمين وأنفذ له ولشيوخ بني حسن مالا، وكان حسان قد أنفذ والدته إلى مصر بتذكرة تتضمن أعراضا له، وسأل في جملتها أن يهدي له جارية من إماء القصر فأجابه الحاكم إلى ما سأل، وبعث إليه خمسين ألف دينار، وأهدى له جارية جهزها بمال عظيم، فعادت والدته بالرغائب له ولأبيه [فسر بذلك وأظهر طاعة العزيز ولبس خلعة وعرف أبو الفتوح الحال فأيس معها من نفسه وركب] [1] إلى المفرج مستجيرا به وقال إنما فارقت نعمتي وأبديت للعزيز صفحتي سكونًا إلى ذمامك وأنا الآن خائف من غدر حسان، فأبلغني مأمني وسيرني إلى وطني فرده إلى مكة وكاتب العزيز [صاحب مصر] واعتذر إليه، فعذره.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2882- أحمد بن محمد بن الفضل بن جعفر بن محمد بن الجراح، أبو بكر الخزاز
[2] :
روى عن جماعة منهم ابن دريد وابن الأنباري، وكان ثقة صدوقا، فاضلا، أديبا، كثير الكتب، ظاهر الثروة.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت الخطيب،
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 81، 82) .(14/357)
حدثنا التنوخي قال: كان أبو بكر الجراح يقول: كتبي بعشرة آلاف درهم وجاريتي بعشرة آلاف درهم، وسلاحي بعشرة آلاف درهم، ودوابي بعشرة آلاف، درهم، قال التنوخي: وكان أحد الفرسان يلبس أداته ويركب فرسه ويخرج إلى الميدان، ويطارد الفرسان فيه، توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
2883- أحمد بن الحسين بن مهران أبو بكر المقرئ:
توفي في شوال هذه السنة، أنبأنا زاهر بْن طاهر، أَخْبَرَنَا أحمد بْن الحسين البيهقي، أنبأنا أبو عبد الله محمد بْن عبد الله الحافظ قال: توفي أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران المقرئ يوم الأربعاء سابع عشرين شوال سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وهو ابن ستة وثمانين سنة، وتوفي في ذلك اليوم أبو الحسن العامري صاحب الفلسفة قال: فحدثني عمر بن أحمد الزاهد قال سمعت الثقة من أصحابنا يذكر أنه رأي أبا بكر أحمد بن الحسين بن مهران في المنام في الليلة التي دفن فيها قال: فقلت له:
أيها الأستاذ ما فعل الله بك، فقال: إن الله عز وجل أقام أبا الحسن العامري بإزائي وقال هذا فداؤك من النار.
2884- الحسين بن عمر بن عمران بن حبيش، أبو عبد الله الضراب، ويعرف: بابن الضرير:
ولد سنة تسع وتسعين ومائتين، فروى عن الباغندي، وروى عنه الأزهري، والتنوخي، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة وكان ثقة.
2885- عبيد الله بن أحمد بن معروف، أبو محمد
[1] :
ولد سنة ست وثلاثمائة، وولي قضاء [القضاة] ببغداد، وحدث عن ابن صاعد وغيره، روى عنه الخلال، والأزهري، وأبو جعفر بن المسلمة، وكان من العلماء الثقات، العقلاء، الفطناء الألباء، وكان وسيم المنظر مليح الملبس. مهيبا عفيفا عن الأموال.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 365) .(14/358)
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا الخطيب قال: سمعت أبا القاسم التنوخي يقول:
كان الصاحب أبو القاسم بن عباد يقول: كنت أشتهي [أن] أدخل بغداد وأشاهد جراءة محمد بن عمر العلوي، وتنسك أبي أحمد الموسوي، وظرف أبي محمد بن معروف.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا العتيقي قال: كان لأبي محمد بن معروف في كل سنة مجلسان يجلس فيهما للحديث، أول يوم المحرم، وأول يوم من رجب، ولم يكن له سماع كثير، وكان مجردا في مذهب الاعتزال وكان عفيفا نزها في القضاء لم ير مثله في عفته ونزاهته.
توفي في صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وصلى عليه في داره أبو أحمد الموسوي وكبر عليه خمسا ثم حمل إلى جامع المنصور، وصلى عليه ابنه وكبر عليه أربعا، ثم حمل إلى داره على شاطئ دجلة فدفن فيها.
2886- عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عبيد الله بن سعد بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أبو الفضل الزهري
[1] :
ولد سنة تسعين ومائتين وسمع جعفر بن محمد الفريابي، وأبا القاسم وخلقا كثيرا، روى عنه البرقاني، والخلال، والأزهري، وكان ثقة من الصالحين، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ مُحَمَّدٍ] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي [أخبرنا] العتيقي قال: سمعت أبا الفضل الزهري يقول: حضرت مجلس جعفر بن محمد الفريابي وفيه عشرة آلاف رجل فلم يبق غيري وجعل يبكي.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، أخبرنا التنوخي قَالَ: سأل أبي أبا الحسن الدارقطني وأنا اسمع عن أبي الفضل الزهري فقال: هو ثقة صدوق [صاحب كتاب] وليس بينه وبين عبد الرحمن بن عوف إلا من قد روى عنه الحديث.
[ثم قال الخطيب] حدثنا الصوري قال: حدثني بعض الشيوخ أنه حضر مجلس القاضي أبي محمد بن معروف يوما، فدخل أبو الفضل الزهري، وكان أبو الحسين بن
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 368) .(14/359)
المظفر حاضرا فقام عن مكانه وأجلس أبا الفضل فيه، ولم يكن ابن معروف يعرف أبا الفضل، فاقبل عليه ابن المظفر فقال: أيها القاضي هذا الشيخ من ولد عبد الرحمن بن عوف، وهو محدث وآباؤه كلهم محدثون إلى عبد الرحمن بن عوف، ثم قال ابن المظفر: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن سعد الزهري والد هذا الشيخ، وحدثنا فلان عن أبيه محمد بن عبيد الله، وحدثنا فلان عن جده عبيد الله، بن سعد ولم يزل يروي لكل واحد من آباء أبي الفضل حديثا حتى انتهي إلى عبد الرحمن بن عوف.
توفي أبو الفضل في ربيع الأخر من هذه السنة.
2887- يحيى بن مُحَمَّد بن الروزبهان، أبو زكريا يعرف بالدنبائي
[1] .
جد عبيد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عُثْمَان الصَّيْرفيّ لأمه من أهل واسط.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت قال: حدثنا عنه ابن بنته أبو القاسم الأزهري قال: سمعته يقول: ما رفعت ذيلي على حرام قط.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 237) .(14/360)
ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أن أبا الحسن علي بن محمد الكوكبي المعلم كان قد استولى على أمور السلطان كلها، ومنع أهل الكرخ وباب الطاق من النوح في عاشوراء وتعليق المسوح، ووقع من قبله أيضا بإسقاط جميع من قبل من الشهود بعد وفاة أبي محمد بن معروف، وأن لا يقبل في الشهادة إلا من كان ارتضاه. وكان [السبب في هذا أنه لما توفي ابن معروف كثر قبول الشهود بالبذل والشفاعات حتى بلغت] عدة الشهود ثلاثمائة وثلاثة أنفس، فقيل لأبي الحسن متى تكلمت في هذا حصل لك منهم جملة، فوقع بذلك ثم عاد ووقع بقبولهم في نصف صفر.
وفي هذا الشهر شرع أبو الحسن في حفر الأنهار المخترقة لأسواق الكرخ وما يتصل به، وجبي من أرباب العقار مالا جزيلا.
[شغب الديلم والأتراك]
وفي يوم الاثنين لعشر بقين من جمادى الآخرة شغب الديلم والأتراك وخرجوا بالخيم إلى باب الشماسية، وراسلوا بهاء الدولة بالشكوى من أبي الحسن بن المعلم وتعديد ما يعاملهم به وطالبوه بتسليمه إليهم وكان أبو الحسن قد استولى [على الأمور] والمقرب من قربه والمبعد من أبعده، فثقل على كبار الجند أمره وقصر هو في مراعاة أمورهم وانضاف إلى ذلك ما يعامل به الديلم فضجوا وخرجوا فأجابهم السلطان بالتلطف ووعدهم بإزالة ما شكوه، وأن يقتصر بأبي الحسن ابن المعلم على خدمته في خاصه ويتولي هو النظر في أمورهم والقيام بتدبيرهم. فأعادوا الرسالة بأنهم لا يقنعون(14/361)
بهذا القول ولا يرضون إلا بتسليمه. فأعاد الجواب بأنه يبعده عن مملكته إلى حيث يكون فيه مبقيا على مهجته راعيا لحقوق خدمته وقال ما يحسن في أن أسلمه للقتل، وقد طالت صحبته [لي] وإذا كفيتكم أمره فقد بلغتم مرادكم. فكانت الرسالة الثالثة التوعد بالانحدار [والمسير] إلى شيراز. وقال بكران لبهاء الدولة، وهو كان المتوسط ما بينه وبين العسكر: أيها الملك إن الأمر على خلاف ما تقدره فاختر بين بقاء أبي الحسن أو بقاء دولتك، فقبض عليه حينئذ وعلى أصحابه، وأخذ ما كان في داره من مال وثياب وجوار وغلمان وأقام الجند على أنهم لا يرجعون من مخيمهم إلا بتسليمه. فركب إليهم يوم الخميس لسبع بقين من الشهر ليسألهم الدخول والاقتصار على ما فعله به من القبض والاعتقال فلم يقم منهم أحد إليه ولا خدمه، وعاد وقد أقاموا على المطالبة به وترك الرجوع إلا [بعد] تسليمه فسلم إلى أبي حرب شيرزيل وهو خال بهاء الدولة فَسُقِيَ السم دفعتين فلم يعمل فيه فخنق بحبل الستارة ودفن بالمخرم.
وفي ليلة الا حد الثالث من رجب سلم المخلوع إلى القادر باللَّه فأنزله حجرة من حجر خاصته ووكل به من يحفظه من ثقات خدمه، وأحسن ضيافته ومراعاة أموره، وكان يطالب [من] زيادة الخدمة بمثل ما كان يطالب به أيام الخلافة فتزاح علله في جميع ما يطلبه، وأنه حمل إليه في بعض الأيام طيب من العطارين فقال: من هذا يتطيب أبو العباس؟ قالوا نعم، فقال: قولوا له في الموضع الفلاني من الدار كندوج فيه طيب مما كنت أستعمله، فانفذ لي بعضه، وقدم إليه يوما عدسية فقال ما هذا؟ قالوا عدس وسلق فقال: أو قد أكل أبو العباس من هذا؟ قالوا نعم فقال قولوا له لما أردت أن تأكل عدسية لم اختفيت أيام هذا الأمير؟ وما كانت العدسية تعوذك لو لم تتقلد الخلافة، فعند ذلك أمر القادر باللَّه أن تفرد له جارية من طباخاته تحضر له ما يلتمسه كل يوم، وقدم إليه في بعض الأيام تين في مراكز فرفسه برجله فقال ما تعودنا أن يقدم بين أيدينا مسلوج، وقدمت بين يديه في بعض الليالي شمعة قد احترق بعضها فأنكرها ودفعها إلى الفراش فحمل غيرها وكان على هذا الحال إلى أن توفي.
وكان بهاء الدولة قد قبض على وزيره أبي نصر سابور، ثم أطلقه فالتجأ إلى البطيحة، وأقام عند مهذب الدولة علي بن نصر خوفا من ابن المعلم إلى أن قبض بهاء(14/362)
الدولة على أبي القاسم علي بن أحمد الأبرقوهي الوزير، ثم استدعى أبا نصر سابور من البطيحة في سنة اثنتين وثمانين، وجمع بينه في الوزارة وبين أَبِي منصور بن صالحان، فخلع عليهما في يوم الأحد تاسع شعبان، وكانا يتناوبان في الوزارة.
وفي يوم الجمعة ثامن عشر شوال تجددت الفتنة في الكرخ فركب أبو الفتح محمد بن الحسن الحاجب وقتل وصلب فسكن البلد وقامت الهيبة.
وفي ليلة الاثنين لتسع بقين من شوال ولد الأمير أبو الفضل محمد بن القادر باللَّه وأمه أم ولد اسمها علم، وهو الذي جعل ولي العهد ولقب الغالب باللَّه.
وفي هذا الوقت غلب الأسعار وبيع الرطل من الخبز بأربعين درهم والحوزة بدرهم.
وفي ذي القعدة ورد صاحب الأصيفر الأعرابي وبذل الخدمة في تسيير الحجاج إلى مكة وحراستهم صادرين وواردين، وأعيد إقامة الخطبة للخليفة القادر من حد اليمامة والبحرين إلى الكوفة فقبل ذلك منه وحمل إلى خلعة ولواء.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
2888- إبراهيم بن عبد السلام بن محمد بن شاكر أبو إسحاق الوشاء.
حدث عن أبي كريب وغيره، روى عنه إسماعيل الخطبي، وأبو بكر الشافعي، والطبراني، وانتقل إلى مصر فحدث بها ومات هناك في هذه السنة.
2889- عبد الله بن عثمان بن محمد بن علي بن بنان أبو محمد الصفار.
سمع إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي والمحاملي وابن مخلد، روى عنه الأزهري والعتيقي والتنوخي وكان ثقة، وتوفي في محرم هذه السنة
[1] .
__________
[1] هذه الترجمة ساقطة من الأصل، ت.(14/363)
2890- عمر بن أحمد بن هارون، أبو حفص المعروف بابن الآجري.
سمع أبا عمر القاضي وأبا بكر النيسابوري روى عنه الأزهري والخلال، وكان دينا ثقة أمينا صالحا، وتوفي في هذه السنة.
2891- محمد بن العباس بن محمد بن زكريا بن يحيى [بن معاذ] أبو عمر الخزار المعروف بابن حيويه.
ولد في ذي القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين، وسمع الباغندي والبغوي وابن صاعد وخلقا كثيرا وانتقى عليه الدارقطني، وكان ثقة دينا كثير السماع، كثير الكتابة للحديث، كتب الكتب الكبار بيده «كالطبقات» والمغازي، وغير ذلك، وكان ذا يقظة ومروءة، روى عنه البرقاني، والخلال، والتنوخي، والجوهري. وغيرهم.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
2892- محمد بن عبد الرحيم، أبو بكر المازني الكاتب.
حدث عن البغوي، وغيره، وكان ثقة مأمونا، توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.(14/364)
ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أن القادر باللَّه تقدم بعمارة مسجد الحربية وكسوته وإجرائه مجرى الجوامع في الصلاة.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب قال: ذكر لي هلال بن المحسن أن أبا بكر محمد بن الحسن بن عبد العزيز الهاشمي كان بنى مسجدا بالحربية في أيام المطيع للَّه ليكون جامعا يخطب فيها، فمنع المطيع من ذلك ومكث المسجد على تلك الحالة حتى استخلف القادر باللَّه فاستفتى الفقهاء في أمره فأجمعوا على جواز الصلاة فيه، فرسم أن يعمر ويكسى وينصب فيه منبر ورتب إماما يصلي فيه الجمعة وذلك في شهر ربيع الآخر في سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة.
قال أبو بكر الخطيب: فأدركت صلاة الجمعة وهي تقام ببغداد في مسجد المدينة والرصافة، ومسجد دار الخلافة. ومسجد براثا ومسجد قطيعة أم جعفر ومسجد الحربية، ولم يزل على هذا إلى سنة إحدى وخمسين وأربعمائة ثم تعطلت في مسجد براثا فلم يصل فيه.
وفي يوم الأربعاء لأربع بقين من جمادى الأولي وقع الفراغ من الجسر الذي عمله(14/365)
بهاء الدولة في مشرعة القطانين بحضرة دار مؤنس، واجتاز عليه من الغد ماشيا وقد زين بالمطارد.
[شغب الديلم لأجل فساد النقد]
وفي يوم الجمعة الثاني عشر من جمادى الآخرة شغب الديلم شغبا شديدا لأجل فساد النقد وغلاء السعر وتأخر العطاء ومنعوا من الصلاة بجامع الرصافة، فلما كان بكرة السبت قصدوا دار أبي نصر سابور بباب خراسان، وهجموا فنهبوا وأفلت من بين أيديهم هاربا على السطوح، وثارت بذلك فتنة دخل فيها العامة ورجع الديلم فراسلوا بهاء الدولة بالتماس أبي نصر سابور وأبي الفرج محمد بن علي الخازن وكان ناظرا في خزانة المال ودار الضرب، وتردد القول معهم إلى أن وعدوا بالإطلاق وتغيير النقد.
[عقد للخليفة القادر باللَّه على سكينة بنت بهاء الدولة]
وفي يوم الخميس الثاني من ذي الحجة: عقد للخليفة القادر باللَّه على سكينة بنت بهاء الدولة بصداق مبلغه مائة ألف دينار، وكان الأملاك بحضرته، والولي الشريف أبو أحمد الحسين بن موسى الموسوي، وتوفيت قبل النقلة.
وفي هذا الشهر بلغ الكر الحنطة ستة آلاف درهم وستمائة درهم غياثية، والكارة الدقيق مائتين وستين درهما.
وفي هذه السنة ابتاع أبو نصر سابور بن أردشير دارًا في الكرخ بين السورين وعمرها وبيضها وسمَّاها: دار العلم، ووقفها على أهله، ونقل أليها كتبا كثيرة ابتاعها وجمعها وعمل لها فهرستا ورد النظر في أمورها ومراعاتها [والاحتياط عليها] إلى الشريفين أبي الحسين محمد بن الحسين بن أبي شيبة، وأبي عبد الله بن محمد بن أحمد الحسني، والقاضي أبي عبد الله الحسين بن هارون الضبي، وكلف الشيخ أبا بكر محمد بن موسى الخوارزمي فضل عناية بها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
2893- أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن شاذان بن حرب بن مهران، أبو بكر البزاز
[1] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 18) .(14/366)
ولد في ربيع الأول سنة ثمان وتسعين ومائتين، وسمع البغوي وابن أبي داود وابن ساعد وابن دريد وخلقا كثيرا. وروى عنه الدارقطني، والبرقاني، والأزهري، والخلال وغيرهم، وكان ثقة ثبتا صحيح السماع كثير الحديث والكتب.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي قال: سمعت أبا القاسم التنوخي يقول: سئل ابن شاذان أسمعت من محمد بن محمد الباغندي شيئا؟ فقال:
لا أعلم أني سمعت منه شيئا ثم وجد سماعه من الباغندي، فسألوا أن يحدث به فلم يفعل توفي في شوال هذه السنة.
2894- جعفر بن محمد بن علي بن الحسين أبو محمد الطاهري، ينسب إلى طاهر بن الحسين.
حدث عن البغوي وابن صاعد، روى عنه العشاري، وكان ثقة ينزل شارع دار الرقيق توفي في شوال هذه السنة.
2895- طاهر بن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ البغدادي
[1] .
نزل نيسابور وحدث بها، روى عنه جماعة منهم: أبو عبد الله الحاكم، وكان من أظرف من رأينا من العراقيين، وأحسنهم كتابة، وأكثرهم فائدة، وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة.
2896- علي بن القاسم بن الفضل بن شاذان أبو الحسين القاضي
ثقة، توفي [بالري] في رمضان هذه السنة.
2897- محمد بن إبراهيم بن سلمة أبو الحسين الكهيلي.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 358) .(14/367)
حدث عن مطين، وكان سماعه صحيحا، ومضى على سداد، وأمر جميل، توفي بالكوفة فِي هذه السنة.
2898- مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ بن يحيى أبو بكر الدقاق المعروف بالصابوني.
كان ثقة مأمونا، توفي في شوال هذه السنة.(14/368)
ثم دخلت سنة أربع وثمانين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أن القاضي أبا محمد عبد الله بن محمد بن الأكفأني قبل شهادة أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي في المحرم، وشهادة أبي بكر بن الأخضر في رجب.
وفي صفر قبل القاضي أبو عبد الله الضبي، شهادة أبي العلاء محمد بن علي بن يعقوب الواسطي، وفيه قوي [أمر] العيارين، واتصل القتال بين أهل الكرخ وباب البصرة، وظهر العيار المعروف بعزيز من باب البصرة واستفحل أمره، والتحق به كثير من الذعار، وطرح النار في المحال، وطلب أصحاب الشرط ثم صالح أهل الكرخ، وقصد سوق التمارين، وطلب بضرائب الأمتعة وجبي ارتفاع الأسواق الباقية، وكاشف السلطان وأحد أصحابه ونادى فيهم، وكان ينزل إلى السفن فيطالب بالضرائب وأصحاب السلطان يرونه من الجانب الآخر فأمر السلطان بطلب العيارين فهربوا من بين يديه.
[صرف الرضي والمرتضى عن النقابة]
وفي ذي القعدة عزل أبو أحمد الموسوي، وصرف الرضي والمرتضى عن النقابة وكانا ينوبان عن أبيهما أبي أحمد.
وفي يوم الأربعاء رابع ذي الحجة ورد الخبر برجوع الحاج من الطريق، وكان السبب أنهم لما حصلوا بين زبالة والثعلبية اعترضهم الأصيفر الأعرابي ومنعهم الجواز وذكر أن الدنانير التي أعطيها عام أول كانت دراهم مطلية، وأنه لا يفرج لهم عن الطريق إلا بعد أن يعطوه رسمه لسنتين، وتردد الأمر إلى أن ضاق الوقت فعادوا، وكان الذي سار(14/369)
بهم أبو الحسن محمد بن الحسن العلوي، فعادوا ولم يحج في هذه السنة أيضا أهل الشام، واليمن، وإنما حج أهل مصر والمغرب خاصة.
وفي يوم السبت سابع ذي الحجة قبل أبو عبد الله شهادة أبي عبد الله بن المهتدي الخطيب.
وفي يوم الاثنين تاسع ذي الحجة قلد الشريف [أبو الحسن محمد بن علي بن أبي تمام الزينبي نقابة العباسيين وقرأ عهده أبو الفضل يوسف بن سليمان] بحضرة القادر باللَّه، وحضره القضاة، والشهود، والأشراف [والأكابر] .
وفي هذه السنة عقد لمهذب الدولة علي بن نصر علي بنت بهاء الدولة بن عضد الدولة، وعقد الأمير أبو منصور بن بهاء الدولة علي بنت مهذب الدولة علي بن نصر كل عقد منهما على صداق مبلغه مائة ألف دينار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2899- الطيب بن يمن بن عبد الله، أبو القاسم مولي المعتضد باللَّه.
ولد سنة سبع وتسعين ومائتين، وسمع البغوي، روى عنه الصيمري، والجوهري، والتنوخي، والعتيقي، وقال: هو ثقة صحيح الأصول. توفي في رجب هذه السنة.
2900- عبيد الله بن محمد بن علي بن عبد الرحمن أبو محمد الكاتب المعروف: بابن الجرادي، مروزي الأصل.
حدث عن البغوي، وابن دريد، وابن الأنباري، روى عنه التنوخي، والعشاري وكان فاضلا صاحب كتب كثيرة، وتوفي في هذه السنة وقيل في السنة التي قبلها.
2901- عبيد الله بن محمد بن نافع بن مكرم أبو العباس البستي الزاهد.
ورث عن آبائه أموالا كثيرة فأنفقها في الخير، وكان كثير التعبد، بقي سبعين سنة لا يستند إلى حائط ولا إلى غيره ولا يتكىء على وسادة وحج من نيسابور حافيا، راجلا، دخل الشام، والرملة، وأقام ببيت المقدس أشهرا، ثم خرج إلى مصر، وبلاد المغرب،(14/370)
ثم حج من المغرب وانصرف إلى بست فتصدق ببقية أملاكه، فلما مرض جعل يلتوي فقيل له ما هذا الوجع؟ فقال: أي وجع بين يدي أمور هائلة ولا أدري كيف أنجو، وتوفي في محرم هذه السنة وَهُوَ ابْن خمس وثمانين سنة، فلما مات رأي رجل في المنام رجلا من الموتى فقال له: من بالباب؟ فقال: ليس على الباب أجل من عبيد الله الزاهد ورأت امرأة من الزاهدات أمها في المنام قد تزينت ولبست أحسن الثياب فقالت لها ما السبب في هذا فقالت: لنا عيد إن عبيد الله الزاهد تقدم علينا.
2902- علي بن الحسين بن محمويه بن زيد أبو الحسن الصوفي.
سمع وحدث ولقي الزهاد الأكابر، وصحب أبا الخير الأقطع ثم لازم مسجد جده أبي علي بن زيد بنيسابور على التجريد إلى أن توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
2903- علي بن القاضي أبي تمام الحسن بن محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن محمد بن القاسم الزينبي.
[كان] نقيب العباسيين، وصاحب الصلاة، وهو أول من جمع بين الصلاة والنقابة في سنة ثمانين وثلاثمائة، واستخلف له ابنه أبو الحسن الملقب بنظام الحضرتين بعد ذلك على الصلاة وخلع عليه. توفي في هذه السنة.
2904- علي بْن عيسى [بْن علي] بن عبد الله أبو الحسن النحوي المعروف بالرماني.
ولد سنة ست وتسعين ومائتين وحدث عن أبي دريد، وكانت له يد في النحو، واللغة والكلام، والمنطق، وله تفسير كبير، وشهد عند أبي محمد ابن معروف، روى عنه التنوخي، والجوهري، وتوفي في هذه السنة، ودفن بالشونيزية عند قبر أبي علي الفارسي، وتوفي عن ثمان وثمانين سنة.
2905- محمد بن العباس بن أحمد بن محمد بن الفرات أبو الحسن
[1] .
سمع محمد بن مخلد، وأبا الحسن المصري، وخلقا كثيرا، وكتب [الكتب الكثيرة وكان ثقة مأمونا.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 122) .(14/371)
أخبرنا القزاز أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب قَالَ كان أبو الحسن بن الفرات ثقة كتب الكتب الكثيرة] وجمع ما لم يجمعه أحد في وقته. قال: وبلغني أنه كان عنده عن علي بن محمد المصري وحده ألف جزء وأنه كتب مائة تفسير ومائة تاريخ ولم يخرج عنه إلا الشيء اليسير، حدثنا عنه إبراهيم بن عمر البرمكي وحدثني الأزهري قال: خلف ابن الفرات ثمانية عشر صندوقا مملوءة كتبا أكثرها بخطه سوى ما سرق من كتبه وكتابه هو الحجة في صحة النقل وجودة الضبط، وكان مولده في سنة بضع عشرة وثلاثمائة، ومكث يكتب الحديث من قبل سنة ثلاثين وثلاثمائة إلى أن مات، وكانت له جارية تعارضه بما يكتبه ومات في شوال سنة أربع وثمانين وثلاثمائة.
2906- محمد بن عمران بن موسى بن عبيد الله أبو عبيد الله الكاتب المعروف بالمرزباني.
حدث عن البغوي وابن دريد وابن الأنباري ونفطويه وغيرهم، روى عنه الصيمري والتنوخي والجوهري، وغيرهم، وكان صاحب أخبار ورواية للآداب، وصنف كتبا كثيرة مستحسنة في فنون، وكان أشياخه يحضرون عنده في داره [فيسمعهم ويسمع منهم] ، وكان عنده خمسون ما بين لحاف ودواج، معدة لأهل العلم الذين يبيتون عنده، وكان عضد الدولة يجتاز على داره فيقف ببابه حتى يخرج [إليه] فيسلم عليه وكان أبو علي الفارسي يقول: هو من محاسن الدنيا، وقد اختلفت فيه مشايخ المحدثين.
قال الأزهري: ما كان ثقة. وقال العتيقي كان ثقة.
قال المصنف رحمه الله كانت آفته ثلاثا، الميل إلى التشيع [وإلى] الاعتزال، وتخليط المسموع [بالإجازة] وإلا فليس بداخل في الكذابين.
وتوفي في شوال هذه السنة عن ثمان وثمانين سنة وصلى عليه أبو بكر الخوارزمي ودفن بالجانب الشرقي.
2907- محمد بن عثمان بن عبيد الله بن الخطاب أبو الطيب الصيدلاني.
حدث عن البغوي وغيره، وكان ثقة مأمونا، توفي في ذي الحجة من هذه السنة
.(14/372)
2908- منصور بن ملاعب
حدث عن البغوي وغيره، وكان ثقة مأمونا، توفي في محرم هذه السنة.
2909- المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم أبو علي التنوخي القاضي
[1] .
ولد بالبصرة، وسمع بها من جماعة ونزل بغداد فأقام بها، وحدث، وكان سماعه صحيحا، وكان أديبا شاعرا إخباريا.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: حدثنا ابن المحسن بن علي قال: قال أبي مولدي سنة سبع وعشرين وثلاثمائة بالبصرة قَالَ وكان مولده في ليلة الأحد لأربع بقين من ربيع الأول، وأول سماعه الحديث في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، وأول ما تقلد القضاء من قبل أبي السائب عتبة بن عبيد الله بالقصر وبسورا في سنة تسع وأربعين ثم ولاه المطيع للَّه القضاء بعسكر مكرم وأيذج ورامهرمز وتقلد بعد ذلك أعمالا كثيرة في نواح مختلفة، وتوفي ببغداد ليلة الاثنين لخمس بقين من المحرم سنة أربع وثمانين وثلاثمائة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 13/ 155) .(14/373)
ثم دخلت سنة خمس وثمانين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه عاد أبو القاسم علي بن أحمد الأبرقوهي من البطيحة إلى حضرة بهاء الدولة للوزارة، واستقر ذلك بوساطة مهذب الدولة علي بن نصر، بعد أن اشترط بهاء الدولة أن يمشي الأمر على يده، وإلا أعاده محروسا إلى البطيحة ثم أن أمره وقف وعاد إلى البطيحة، لأن جميع الحاشية تطابقت على فساد أمره فكاد بهاء الدولة [أن] يقبض عليه، فذكر الشريف أبو أحمد العهد المستقر بينه مع مهذب الدولة، وأن الغدر به مكاشفة، ولمهذب الدولة بالقبح ففسح في عوده مع الشريف أبي أحمد إلى البطيحة.
وحج بالناس هذه السنة أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبيد الله العلوي، وكذلك في سنة ست وسبع وثمان، وبعث في السنة بدر بن حسنويه تسعة آلاف دينار، لتدفع [إلى] الأصيفر عوضا عما كان يأخذه من الحاج، وجعل ذلك رسما له من ماله وبعث ذلك له إلى سنة ثلاث وأربعمائة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2910- إبراهيم بن محمد بن الفتح المصيصي ويعرف بالجليّ
[1] .
ولد بالمصيصة، وسكن بغداد، وحدث بها وكان حافظا، ضريرا، فروى عنه من
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 171) .(14/374)
أهلها أبو بكر البرقاني، والأزهري، وغيرهما، وكان ثقة صدوقا، وتوفي في هذه السنة ودفن بمقبرة الشونيزية.
2911- إسماعيل بن عباد، أبو القاسم ويلقب كافي الكفاة الصاحب
[1] .
وزر لمؤيد الدولة وقصده أبو الفتح ابن ذي الكفايتين، فأزاله عن الوزارة، ثم نصر عليه وعاد إلى الوزارة.
أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز، أَنْبَأَنَا عَلِي بْن المحسن التنوخي، عَنْ أَبِيهِ قال حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن سعيد النصيبي قال: كان أبو الفتح ابن الملقب بذي الكفايتين قد تداخله في بعض العشايا سرور، فاستدعى ندماءه وعبى لهم مجلسا عظيما بآلات الذهب والفضة، وفاخر الزجاج والصيني، والآلات الحسنة والطيب، والفاكهة الكثيرة، وأحضر المطرب وشرب بقية يومه، وعامة ليلته ثم عمل شعرا انشده ندماءه وغنى به في الحال وهو.
دعوت المنا ودعوت الطلا ... فلما أجابا دعوت القدح
وقلت لأيام شرخ الشباب ... إلي فهذا أوان الفرح
إذا بلغ المرء آماله ... فليس له بعدها مقترح
قال: وكان هذا بعد تدبيره على الصاحب أبي القاسم بن عباد، حتى ابعده عن كتبه صاحبة الأمير مؤيد الدولة وسيره عن حضرته بالري إلى أصفهان، وانفرد هو بتدبير الأمور لمؤيد الدولة كما كان لركن الدولة، فلما كان غنى الشعر [استطابه] وشرب عليه إلى أن سكر، ثم قال لغلمانه غطوا المجلس ولا تسقطوا شيئا منه لاصطبح في هَذِهِ الليلة وقال: لندمائه باكروني ولا تتأخروا، فقد اشتهيت الصبوح، وقام إلى بيت منامه، وانصرف الندماء فدعاه مؤيد الدولة في السحر، [فلم يشك أنه لمهم] فقبض عليه، وأنفذ إلى داره من أخذ جميع ما فيها، وتطاولت به النكبة حتى مات فيها ثم عاد ابن عباد إلى وزارة مؤيد الدولة، ثم وزر لأخيه فخر الدولة فبقي في الوزارة ثماني عشرة سنة وشهورا وفتح خمسين قلعة، سلمها إلى فخر الدولة لم يجتمع مثلها إلى أبيه وكان
__________
[1] انظر ترجمته في: (وفيات الأعيان 1/ 75. ومعجم الأدباء 2/ 273- 343. وابن خلدون 4/ 466) .(14/375)
الصاحب عالما بفنون من العلوم كثيرة لم يقاربه في ذلك الوزير وله التصانيف الحسان، والنثر البالغ، وجمع كتبا عظيمة حتى كان يحتاج في نقلها على أربعمائة حمل، وكان يخالط العلماء، والأدباء ويقول لهم، نحن بالنهار سلطان وبالليل إخوان، وسمع الحديث وأملى، وروى أبو الحسن علي بن محمد الطبري المعروف بكيا قال: سمعت أبا الفضل زيد بن صالح الحنفي يقول: لما عزم الصاحب [إسماعيل بن عباد] على الإملاء وكان حينئذ في الوزارة، وخرج يوما متطلسا متحنكا بزي أهل العلم فقال، قد علمتم قدمي في العلم فأقروا له بذلك، فقال، وأنا متلبس بهذا الأمر وجميع ما انفقته من صغري إلى وقتي هذا من مال أبي وجدي ومع هذا فلا أخلو من تبعات اشهدوا عَلِيّ وأشهد الله وأشهدكم أني تائب الى الله تعالى من كل ذنب أذنبته، واتخذ لنفسه بيتا وسماه بيت التوبة، ولبث أسبوعا على ذلك ثم أخذ خطوط الفقهاء بصحة توبته، ثم خرج فقعد للإملاء وحضر الخلق الكثير وكان المستملي الواحد ينضاف إليه ستة كل يبلغ صاحبه، فكتب الناس حتى القاضي عبد الجبار وكان الصاحب ينفذ كل سنة إلى بغداد خمسة آلاف دينار تفرق في الفقهاء وأهل الأدب وكان لا تأخذه في الله لومة لائم، ويبغض من يميل إلى الفلسفة وأهدى إليه العميري القاضي [بقزوين] كتبا وكتب معها.
العميري عبد كافي الكافة ... وان اعتد في وجوه القضاة
خدم المجلس الرفيع بكتب ... مفعمات من حسنها مترعات
فوقع تحتها.
قد قبلنا من الجميع كتابا ... ورددنا لوقتنا الباقيات
لست استغنم الكثير فطبعي ... قول خذ ليس مذهبي قول هات
فاستدعى يوما شرابا فجيء بقدح، فلما أراد أن يشرب قال له بعض خواصه: لا تشربه فإنه مسموم فقال: وما الشاهد على صحة قولك؟ قال: أن تجربه على من اعطاك إياه قال لا استحل ذلك، قال فجربه على دجاجة قال: إن التمثيل بالحيوان لا يجوز، فرد القدح وأمر بصب ما فيه وقال للغلام: لا تدخل داري وأمر بإفراد جراية عليه، ومرض بالأهواز عن سجع عرض له فكان إذا قام عن الطست يترك إلى جانبه عشرة دنانير حتى لا يتبرم به الفراشون، فكانوا يتمنون دوام علته فلما برأ أنهب الفقراء ما حوت داره، فكان(14/376)
هذا يخرج بدواج، وهذا بمركب وهذا بتور الشمع، فأخذ من داره ما يقارب خمسين ألف دينار فلما مرض الموت كان أمراء الديلم ووجوه الحواشي معًا ودون بابه ويقبلون الأرض، وينصرفون وجاءه فخر الدولة دفعات، فلما يئس من نفسه قال، لفخر الدولة: قد خدمتك الخدمة التي استفرغت فيها الوسع وسرت في دولتك السيرة التي حصلت لك حسن الذكر بها، فإن أجريت الأمور بعدي على رسومها علم أن ذلك منك ونسب الجميل فيه إليك واستمرت الإحدوثة الطيبة بذلك ونسيت أنا في أثناء ما يثني به عليك، وإن غيرت ذلك وعدلت عنه كنت المذكور بما تقدم والمشكور عليه وقدح في دولتك وذكرك ما يسع إيقاعك فأظهر له قبول رأيه، توفي في مساء الجمعة لست بقين من صفر هذه السنة، وكان الصاحب أفضل وزراء الدولة الديلمية وجميع ملكهم كان مائة وعشرين سنة وزر لهم فيها جماعة فيهم معان حسنة ولكن لم يكن من يذكر عنه العلم كما يذكر عن الصاحب.
2912- الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد أبو محمد الأديب
[1] .
سمع علي بن محمد بن سعيد الموصلي وكان تاجرا ممولا نزل عليه المتنبي حين قدم بغداد وكان القيم بأموره، فقال له: لو كنت مادحا تاجرا لمدحتك؟ روى عنه الصوري وكان صدوقا.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أنشدني الجوهري والتنوخي قالا:
أنشدنا أبو محمد الحسن بن حامد لنفسه.
سريت المعالي غير منتظر بها ... كسادا ولا سوقا تقام لها أخرى
وما أنا من أهل المكاس وكلما ... توفرت الأثمان كنت لها أشرى
2913- داود بن سليمان بن داود بن محمد أبو الحسن البزاز.
سمع الحسين بن إِسْمَاعِيل المحاملي، روى عنه التنوخي والعشاري والعتيقي
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 303) .(14/377)
وقال كان جارنا في قطيعة الربيع وكان شيخا نبيلا ثقة، توفي في محرم هذه السنة.
2914- عمر [بن أحمد] بن عثمان بن محمد بن أيوب بن ازداذ أبو حفص الواعظ المعروف بابن شاهين
[1] .
ولد في صفر سنة سبع وتسعين ومائتين، وسمع شعيب بن محمد الذارع وأبا خبيب البرقي ومحمد بن محمد الباغندي وأبا بكر بن أبي داود، وخلقا كثيرا وكان ثقة أمينا يسكن الجانب الشرقي.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، أخبرنا أبو الفتح عبد الكريم ابن محمد المحاملي قال: ذكر لنا ابن شاهين قال: أول ما كتبت الحديث بيدي سنة ثمان وثلاثمائة، وكان لي إحدى عشرة سنة، وكذا كتب ثلاثة من شيوخي في هذه السن فتبركت بهم: أبو القاسم البغوي، وأبو محمد بن صاعد، وأبو بكر بن أبي داود وقال المصنف: وكذلك أنا كتبت الحديث ولي إحدى عشرة سنة، وسمعت قبل ذلك.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا القاضي أبو الحسين محمد بن علي بن محمد الهاشمي قال: قال لنا أبو حفص بن شاهين صنفت ثلاثمائة مصنف وثلاثين مصنفا أحدها «التفسير الكبير» ألف جزء «والمسند» ألف وخمسمائة جزء «والتاريخ» مائة وخمسين جزءا [والزهد، مائة جزء] .
أخبرنا القزاز، أخبرنا أَبُو بَكْر الخطيب، حدثنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن إسماعيل الداودي قال: سمعت أبا حفص بن شاهين يقول يوما: حسبت ما اشتريت من الحبر إلى هذا الوقت فكان سبعمائة درهم. قال الداودي: وكنا نشتري الحبر أربعة أرطال بدرهم. قال و [قد] مكث ابن شاهين بعد ذلك يكتب زمانا، توفي ابن شاهين الحادي والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
2915- علي بن محمد بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله أبو الحسن الحافظ الدارقطنيّ
[2] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 265) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 34) .(14/378)
ولد سنة ست وثلاثمائة، وقيل سنة خمس، وسمع البغوي وابن أبي داود وابن صاعد، وخلقا كثيرا وكان فريد عصره، وإمام وقته، انتهي إليه علم الأثر والمعرفة بأسماء الرجال، وعلل الحديث، وسلم ذلك له، انفرد بالحفظ أيضا. من تأثير حفظه أنه أملى علل المسند من حفظه على البرقاني.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخطيب قال: كان أبو منصور إبراهيم بن الحسن بن حمكان الصيرفي، وسمع كثيرا وأراد أن يصنف مسندا معللا، وكان الدارقطني يحضر عنده في كل أسبوع يوما يتعلم على الأحاديث في أصوله وينقلها أبو بكر البرقاني ويملي عليه الدارقطني علل الحديث، حتى خرَّج من ذلك شيئا كثيرًا وتوفي أبو منصور قبل استتمامه فنقل البرقاني كلام الدارقطني فهو كتاب «العلل» الذي يرويه الناس عن الدارقطني.
أَخْبَرَنَا [أَبُو مَنْصُورٍ] الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت قال حدثني الأزهري قال:
قال رأيت محمد بن أبي الفوارس وقد سأل الدارقطني عن علة حديث أو اسم فيه فأجابه ثم قال: يا أبا الفتح ليس بين المشرق والمغرب من يعرف هذا غيري.
أخبرنا أبو منصور القزاز، ثنا أبو بكر بن ثابت قَالَ: حَدَّثَنِي الأزهري قال: بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار فجعل ينسخ جزءا كان معه وإسماعيل يملي، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ فقال الدارقطني فهمي للإملاء خلاف فهمك ثم قال تحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن؟ قال: لا، فقال الدارقطني، أملى ثمانية عشر حديثا فعددت الأحاديث فوجدت كما قال، ثم قال أبو الحسن: الحديث الأول منها كذا عن فلان عن فلان ومتنه كذا، والحديث الثاني عن فلان عن فلان ومتنه كذا، ولم يزل يذكر إسناده الأحاديث ومتونه على ترتيبها في الإملاء، حتى أتى على آخرها فتعجب الناس منه قال المصنف رحمه الله: وقد كان الحاكم أبو عبد الله يقول: ما رأي الدارقطني مثل نفسه.
أخبرنا القزاز، أخبرنا [أبو بكر] بن ثابت، أخبرنا الصوري قال: سمعت رجاء بن محمد بن عيسى المعدل يقول سألت الدارقطني فقلت: رأي الشيخ مثل نفسه فقال لي:
قال الله تعالى فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ 53: 32 قلت: لم أرد هذا وإنما أردت أن أعلمه لأقول رأيت(14/379)
شيخا لم ير مثل نفسه فقال: إن كان في فن واحد فقد رأيت من هو أفضل مني، وأما من اجتمع فيه ما اجتمع في فلا. قال المنصف رحمه الله: كان الدارقطني قد اجتمع له مع علم الحديث والمعرفة، بالقراءات، والنحو، والفقه والشعر مع الأمانة والعدالة، وصحة العقيدة.
سمعت أبا الفضل بن ناصر يقول: سمعت ثابت بن بندار يقول: سمعت أبا الحسن العتيقي يقول: قال الدارقطني: كنت أنا والكتاني نسمع الحديث فكانوا يقولون يخرج الكتاني محدث البلد ويخرج الدارقطني مقرئ البلد فخرجت أنا محدثا والكتاني مقرئًا.
أخبرنا أبو القاسم الحريري عن أبي طالب العشاري قال: توفي الدارقطني آخر نهار يوم الثلاثاء سابع ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، ودفن في مقبرة معروف يوم الأربعاء، وكان مولده لخمس خلون من ذي القعدة سنة ست وثلاثمائة وله تسع وسبعون سنة ويومان.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، حدثنا أبو نصر علي بن هبة الله بن ماكولا قال رأيت في المنام كأني أسأل عن حال أبي الحسن الدارقطني في الآخرة وما آل اليه امره فقيل ذاك يدعى في الجنة الإمام.
2916- عباد بن العباس بن عباد [أبو الحسن الطالقاني والد الصاحب إِسْمَاعِيل بن عباد.]
سمع أبا خليفة الفضل بن الحباب وغيره وكان صدوقا، وصنف كتابا في أحكام القرآن، وروى عنه ابنه أبو القاسم الوزير، وأبو بكر بن مردويه، وطالقان التي ينسب إليها ولاية بين قزوين وأبهر وهي عدة قرى يقع عليها هذا الاسم، وثم بلدة من بلاد خراسان، خرج منها جماعة كثيرة من المحدثين يقال لها طالقان، توفي عباد في هذه السنة.
2917- عقيل بن محمد، أبو الحسن الأحنف العُكْبري.
كان أديبا شاعرا مليح القول، روى عنه أبو علي ابن شهاب ديوان شعره.(14/380)
أنبأنا ابن ناصر، أنبأنا الحسن بن أحمد قال: أنشدني علي بن عبد الواحد للأحنف العُكْبري:
أَقْضَى عَلَيَّ من الأَجَلْ ... عَذْلُ الْعَذُولِ إذا عَذَلْ
وأشد من عذل العذول ... صدودُ إِلْفٍ قد وَصَلْ
وأشد من هذا وذا ... طلب النوال من السفل
أنشدنا محمد بن ناصر الحافظ قال: أنشدني الرئيس أبو الثناء علي بن أبي منصور الكاتب قال: أنشدني بعض من أثق به وذكر أنها للأحنف العُكْبري ولم أسمع في معناها مثلها وهي:
من أراد الملك والراحة ... من هم طويل
فليكن فردا من الناس ... ويرضى بالقليل
ويرى أن قليلا ... نافعا غير قليل
ويرى بالحزم أن الحزم ... في ترك الفضول
ويداوي مرض الوحدة ... بالصبر الجميل
لا يماري أحدا ما ... عاش في قال وقيل
يلزم الصمت فان الصمت ... تهذيب العقول
يذر الكبر لأهليه ... ويرضى بالخمول
أي عيش لامرئ يصبح ... في حال ذليل
بين قصد وعدو ... ومداراة جهول
واعتلال من صديق ... وتحن عن ملول
واحتراس من ظنون ... السوء أو عذل عذول
ومماشاة بغيض ... ومقاساة ثقيل
أف من معرفة الناس ... على كل سبيل
وتمام الأمر لا تعرف ... سمحا من بخيل
فإذا أكمل هذا ... كان في ملك جليل(14/381)
2918- محمد بن عبد الله بن سكرة أبو الحسن الهاشمي [1] من ولد علي بن المهتدي [كان] شاعرا مطبوع القول.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا الخطيب قال: أنشدني علي بن المحسن قال: أنشدني أبو الحسن بن سكرة وكان قَدْ دخل حمامًا وخرج وقد سرق مداسه فعاد إلى داره حافيا وهو يَقُولُ:
إليك أذم حمام ابن موسى ... وإن فاق المني طيبا وحرا
تكاثرت اللصوص عليَّ حتى ... ليحفى من يطيف به ويعرا
ولم أفقد به ثوبا ولكن ... دخلت محمدا وخرجت بشرا
ومن أشعاره في القاضي أبي السائب:
إن شئت أن تبصر أعجوبة ... من جور أحكام أبي السائب
فاعمد من الليل إلى صرة ... وقرر الأمر مع الحاجب
حتى ترى مروان يقضي له ... على علي بن أبي طالب
توفي ابن سكرة في ربيع الأول من هذه السنة.
2919- مُحَمَّد بن عبيد، أبو عمر الأصبهاني.
حدث عن شيوخ أصبهان، وكان ثقة، مأمونا، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
2920- يوسف بن عمر بن مسرور، أبو الفتح القواس
[2] .
ولد سنة ثلاثمائة، سمع البغوي وابن أبي داود وابن صاعد، وغيرهم، روى عنه الخلال والعشاري والتنوخي، وغيرهم وكان ثقة صالحا زاهدا صدوقا، وكان يقال له أنه من الأبدال وأنه مجاب الدعوة قال الدارقطني: كنا نتبرك بيوسف القواس وهو صبي، توفي يوم الجمعة لثلاث بقين من ربيع الآخر من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
2921- يوسف بن أبي سعيد السيرافي يكنى أبا محمد.
كان نحويا وتمم شرح أبيه لكتاب سيبويه، وكان يرجع إلى علم ودين، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة وله خمس وخمسون سنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 465، 466) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 325) .(14/382)
ثم دخلت سنة ست وثمانين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
[ادعاء أهل البصرة أنهم كشفوا عن قبر عتيق ميت طرى بثيابه وسيفه]
أن أهل البصرة في شهر المحرم ادعوا انهم كشفوا عن قبر عتيق، فوجدوا فيه ميتا طريا بثيابه وسيفه، وأنه الزبير بن العوام فأخرجوه وكفنوه ودفنوه بالمربد بين الدربين وبنى عليه الأثير أبو المسك عنبر بناء وجعل الموضع مسجدا ونقلت إليه القناديل والآلات والحصر والسمادات وأقيم فيه قوام وحفظه/ ووقف عليه وقوفا.
وفي يوم الأحد ثاني شوال خلع القادر باللَّه على أبي الحسن ابن حاجب النعمان وأظهر أمره في كتابه له.
وفي هذه السنة قلد أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله بن جعفر بن المهتدي باللَّه الصلاة في جامع المنصور وأبو بكر التمام بن محمد بن هارون بن المطلب الصلاة في جامع الرصافة.
وفي هذه السنة حج بالناس أبو عبد الله بن عبيد الله العلوي، وحمل أبو النجم بدر بن حسنويه وكان أمير الجبل خمسة آلاف دينار من وجوه القوافل من الخراسانية لتدفع إلى الأصيفر عوضا عما كان يجبي له من الحاج في كل سنة وجعل ذلك رسما زاد فيه من بعد حتى بلغ تسعة آلاف دينار ومائتي دينار وواصل حمل ذلك إلى حين وفاته.(14/383)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2922- أحمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن سختويه أبو حامد بن أبي إسحاق المزكي النيسابوري
[1] .
سمع أبا العباس الأصم وطبقته، وورد بغداد وكتب عن إسماعيل بن محمد الصفار وخرج إلى مكة فسمع أبا سعيد ابن الأعرابي ورجع إلى نيسابور ولم يزل معروفا بالعبادة من زمن الصبي إلى أن توفي، روى عنه محمد بن المظفر الحافظ والأزهري والقاضي أبو العلاء وغيرهم.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن الحافظ قال: أخبرني محمد بن علي المقرئ عن الحاكم أبي عبد الله النيسابوري قال: توفي أبو حامد أحمد بن إبراهيم المزكي ليلة الاثنين الثالث عشر من شعبان سنة ست وثمانين، وكان مولده سنة ثلاث وعشرين، وصام الدهر تسعا وعشرين سنة، وعندي أن الملك لم يكتب عليه خطيئة، وحدثني أبو عبد الله بن أبي إسحاق أنه رأي [أخاه] أبا حامد في المنام في نعمة وراحة وصفها، فسأله عن حاله فقال لقد أنعم علَيّ فإن أردت اللحوق بي فالزم ما كنت عليه.
2923- عبد الله بن أحمد بن مالك أبو محمد البيع.
سمع أبا بكر بن أبي داود وغيره، روى عنه العتيقي والعشاري، وكان ثقة، وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
2924- علي بن عمر بن محمد بن الحسن بن شاذان بن إبراهيم، أبو إسحاق الحميري، ويعرف: بالسكري وبالصيرفي، وبالكيال، وبالحربي.
ولد سنة ست وتسعين ومائتين، وسمع أحمد بن عبد الجبار الصوفي الطبري، والأزهري والعتيقي، والتنوخي، وأول سماعه في سنة ثلاث وثلاثمائة، وسمع الباغذي، والبغوي، وخلقا كثيرا وروى عنه أبو الطيب وقال الأزهري: هو صدوق ولكن بعض أهل الحديث قرأ عليه ما لم يكن سماعه وأما هو في نفسه فثقة، وقد طعن فيه البرقاني، ذهب بصره في آخر [عمره] وتوفي في شوال هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 20) .(14/384)
2925- محمد بن علي بن عطية أبو طالب المكي
[1] .
حدث عن علي بن أحمد المصيصي وأبي بكر المفيد وغيرهما روى عنه عبد العزيز بن علي الأزجي وغيره، وكان من الزهاد المتعبدين. قال العتيقي: كان رجلا صالحا مجتهدا صنف كتابا سماه «قوت القلوب» وذكر فيه أحاديث لا أصل لها، وكان يعظ الناس في الجامع ببغداد.
أنبأنا علي بن عبيد الله عن أبي محمد التميمي قال: دخل عبد الصمد على أبي طالب المكي وعاتبه على إباحته السماع فأنشد [أبو طالب] :
فيا ليل كم فيك من متعة ... ويا صبح ليتك لم تقترب
فخرج عبد الصمد مغضبا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ لي أبو طاهر محمد بن علي العلاف، كان أبو طالب المكي من أهل الجبل، ونشأ بمكة، ودخل البصرة بعد وفاة أبي الحسن بن سالم، فانتمى إلى مقالته، وقدم بغداد، فاجتمع الناس عليه من مجلس الوعظ فخلط في كلامه وحفظ عنه أنه قال ليس على المخلوقين أضر من الخالق فبدعه الناس وهجروه فامتنع من الكلام على الناس بعد ذلك. سمعت شيخنا أبا القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي يقول سمعت شيخنا أبا علي محمد ابن أحمد بن المسلمة يقول: [سمعت شيخنا أبا القاسم بن بشران يقول] [2] دخلت على شيخنا أبي طالب المكي: وقت وفاته فقلت له، أوصني، فقال: إذا علمت أنه قد ختم لي بخير فإذا أخرجت جنازتي فانثر عليَّ سكرا ولوزا وقل هذا للحاذق فقلت: من أين أعلم؟ قال: خذ يدي وقت وفاتي فإذا أنا قبضت بيدي على يدك فاعلم أنه قد ختم الله بخير [وإذا أنا لم أقبض على يدك وسيبت يدك من يدي فاعلم أنه لم يختم لي بخير] .
قال شيخنا أبو القاسم: فقعدت عنده، فلما كان عند وفاته قبض على يدي قبضا شديدًا فلما أخرجت جنازته نثرت عليه سكرا ولوزا وقلت هذا للحاذق، كما أمرني. توفي أبو طالب في جمادى الآخرة من هذه السنة. وقبره ظاهر قريب من جامع الرصافة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 89) .
[2] ما بين المعقوفتين ليس في: ص.(14/385)
2926- نزار بن معد أبو تميم ويكنى أبا منصور ويلقب بالعزيز وهو صاحب مصر.
ولد بالقيروان وولي إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر وأياما، وكان قد ولي عيسى بن نسطورس النصراني واستناب بالشام يهوديا يعرف بميشا فاستولى أهل هاتين الملتين على المسلمين، فكتبت امرأة إلى العزيز بالذي أعز اليهود بميشا والنصارى بعيسى بن نسطورس وأذل المسلمين بك إلا نظرت في أمري فقبض على اليهودي والنصراني، وأخذ من عيسى ثلاثمائة ألف دينار، توفي في رمضان هذه السنة وعمره اثنتان وأربعون سنة.
2927- بنت عضد الدولة.
التي كانت زوجة الطائع للَّه، توفيت يوم الخميس لثلاث بقين من المحرم وحملت تركتها إلى بهاء الدولة وكان فيها جوهر كثير.(14/386)
ثم دخلت سنة سبع وثمانين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أن فخر الدولة أبو الحسن علي بن ركن الدولة توفي بالري فرتب ولده رستم في الأمر بعده، وهو يومئذ ابن أربع سنين، وأخذت له البيعة على الجند، وحطت الأموال في الزبل للتفرقة على الجند.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2928- جعفر بن محمد بن الفضل بن عبد الله أبو القاسم الدقاق، ويعرف: بابن المارستاني:
ولد ببغداد سنة ثمان وثلاثمائة ثم سافر، ثم قدم بغداد من مصر، وحدث عن أبي بكر بن مجاهد، روى عنه الخلال وابن المذهب، لكن الدارقطني والصوري يكذبانه، وتوفي في هذه السنة.
2929- الحسن بن عبد الله بن سعيد أبو أحمد العسكري الراوية العلامة صاحب الفضل الغزير والتصنيف الحسن الكثير في الأدب واللغة والأمثال وكان يميل إلى المعتزلة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الحافظ، أَخْبَرَنَا أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي قال:
حكى لنا أبو عبد الله الحسن بن محمد بن الحسن الحلواني قال: حدثني أبو الحسن علي بن المظفر بن بدر البندنيجي، قال: كنت اقرأ بالبصرة على الشيوخ فلما دخلت(14/387)
سنة تسع وسبعين بلغني حياة [أبي أحمد] العسكري فقصدته، فقرأت عليه فوصل فخر الدولة والصاحب ابن عباد، فبينا نحن جلوس نقرأ عليه، وصل إليه ركابي ومعه رقعة ففضها وقرأها وكتب على ظهرها، جوابها فقلت له: أيها الشيخ ما هذه الرقعة؟ فقال رقعة الصاحب كتب إليَّ:
ولما أبيتم أن تزوروا وقلتُمُ ... ضعفنا فما نقوى على الوخدان
أتيناكُمُ مِنْ بُعْدِ أَرْضٍ نَزُورَكُمْ ... فكم منزل بكر لنا وعوان
نناشدكم هل من قرى لنزيلكم ... بطول جوار لا بملء جفان
قلت فما كتبت في جوابه؟ قال كتبت:
أروم نهوضا ثم يثنى عزيمتي ... قعود وأعضائي من الرجفان
فضمنت بنت ابن الرشيد كأنما ... تعمد تشبيهي به وعناني
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العنز والنزوان
ثم نهض وقال: لا بد من الحمل على النفس فان الصاحب لا يقنعه هذا. فركب بغلة فلم يتمكن من الوصول إلى الصاحب لاستيلاء الخيم، فصعد تلعةً فرفع صوته بقول أبي تمام.
ما لي أرى القبة الفيحاء مقفلة ... دوني وقد طال ما استفتحت مقفلها
كأنها جنة الفردوس معرضة ... وليس لي عملُ زاك فادخلها
قال: فناداه الصاحب أدخلها أبا أحمد فلك السابقة الأولي فتبادر أصحابه إليه فحملوه حتى جلس بين يديه فسأله عن مسألة، فقال أبو أحمد! الخبير صادفت. فقال الصاحب: يا أبا أحمد تغرب في كل شيء حتى في المثل، فقال: تفاءلته عن السقوط بحضرة مولانا، وإنما كلام العرب على الخبير سقطت. توفي أبو أحمد يوم التروية من هذه السنة.
2930- الْحُسَيْن بن أحمد بن محمد، أبو عبد الله الريحاني الْبَصْرِيّ:
سكن بغداد، وحدَّث عَنْ البَغَوَيّ، وابن صاعد. والمحاملي. روى عَنْهُ الخلال،(14/388)
والعتيقي، وَقَالَ: كَانَ لَهُ أصول صحاح جياد، فخرج لَهُ أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل عشرة أجزاء، وكان ثقة، وتُوُفيّ في هذه السنة.
2931- الحسين بن محمد بن سليمان أبو عبد الله الكاتب
[1] :
ولد سنة اثنتين وثلاثمائة. حدث عن البغوي وابن صاعد وأبي بكر النيسابورىّ وابن الأنباري، روى عنه الأزهري والصيمري والعتيقي، وكان صدوقا ثقة، يسكن مدينة المنصور. توفي فِي هذه السنة.
2932- عَبْد اللَّهِ بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم [بن عبيد الله بن زياد] بن مهران أبو القاسم الشاهد المعروف بابن الثلاج حلواني الأصل
[2] :
حدث عن البغوي [وابن] أبي داود وابن صاعد. روى عنه الصيمري والتنوخي، والأزهري، والعتيقي، [وغيرهم] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنِي التنوخي قال: قال لنا ابن الثلاج، ما باع أحد من سلفينا ثلجا قط وإنما كانوا بحلوان وكان جدي مترفا، فكان يجمع له في كل سنة ثلج كثير لنفسه، فاجتاز الموفق أو غيره من الخلفاء، فطلب ثلجا فلم يوجد إلا عند جدي وأهدى إليه منه فوقع منه موقعا لطيفا وطلبه منه أياما كثيرة طول مقامه وكان يحمله إليه فقال، اطلبوا عبد الله الثلاج واطلبوا ثلجا من عند عبد الله الثلاج، فعرف بالثلاج وغلب عليه، قال المصنف، وقد ضعفه المحدثون منهم الدارقطني ونسبوه إلى أنه يركب الأسانيد ويضع الحديث على الرجال.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثني الأزهري قال: كان أبو القاسم ابن الثلاج مخلطًا في الحديث يدعي ما لم يسمع ويضع الحديث.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثني أحمد بن محمد العتيقي قال:
ذكر أبو عبد الله بن بكير أن أبا سعد الإدريسي لما قدم بغداد قال لأصحاب الحديث: إن
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 101) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 135) .(14/389)
كان ها هنا شيخ له جموع وفوائد، فأفيدوني عنه، فدلوه على أبي القاسم ابن الثلاج، فلما اجتمع معه أخرج إليه جمعة لحديث قبض العلم وأنا فيه، حدثني أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الإدريسي فقال الإدريسي: أين سمعت من هذا الشيخ؟ فقال: هذا شيخ قدم علينا حاجا فسمعنا منه، فقال أيها الشيخ: أنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الإدريسي، وهذا حديثي وو الله ما رأيتك ولا اجتمعت معك قبل هذا الوقت فخجل ابن الثلاج وقال العتيقي: ثم اجتمعت مع أبي سعد الإدريسي، فحدثني بهذه القصة، كما حدثني بها ابن بكير عنه، توفي ابن الثلاج في ربيع الأول من هذه السنة فجأة.
2933- عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان أبو عبد الله العُكْبري المعروف بابن بطة
[1] :
ولد يوم الاثنين لأربع خلون من شوال سنة أربع وثلاثمائة، وسمع أبا القاسم البغوي ويحيى بن صاعد وأبا بكر النيسابوري، وخلقا كثيرا، وسافر البلاد البعيدة في طلب العلم، روى عنه أبو الفتح بن أبي الفوارس، والأزجي، والبرمكي وغيرهم واثنى عليه العلماء الأكابر.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنِي القاضي أبو حامد أحمد بن محمد الدلوي قال: لما رجع أبو عبد الله بن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة فلم ير منها في سوق ولا رئي مفطرا إلا في يومي الأضحى والفطر وكان أمارا بالمعروف ولم يبلغه خبرا منكرا إلا غيره أو كما قال.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي [أخبرنا] العتيقي قال: كان ابن بطة شيخا صالحا مستجاب الدعوة، أخبرنا عبد الرحمن [أخبرنا أحمد] بن علي قال: لم أر في شيوخ أصحاب الحديث ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة.
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي عن [أبي محمد] الحسن بن علي الجوهري قال: سمعت أخي أبا عبد الله الحسين بن علي يقول: رأيت النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم في المنام فقلت يا رسول الله: قد اختلفت علينا المذاهب فبمن نقتدي، فقال [لي] عليك بأبي عبد الله بن
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 371- 375) .(14/390)
بطة، فلما أصبحت لبست ثيابي واصعدت إلى عكبرا فدخلت إليه، فلما رأني تبسم وقال لي: صدق رسول الله صدق رسول الله صدق رسول الله يقولها ثلاثا.
قال المصنف: وقد تعصب له الخطيب بعد أن نقل عن مشايخه [الأكابر] مدحه فغمزه بأشياء منها أنه قال كتب إلى أبو ذر عبد بن أحمد الهروي من مكة يذكر أنه سمع نصر الأندلسي يقول: خرجنا إلى عكبرا فكتبت عن ابن بطة كتاب السنن لرجاء بن مرجى عن حفص بن عمر الأردبيلي عن رجاء، فأخبرت الدارقطني فقال: هذا محال دخل رجاء بغداد سنة أربعين ودخل حفص سنة خمسين ومائتين فكيف سمع منه.
قال الخطيب: وحدثني عبد الواحد الأسدي أنه لما أنكر الدارقطني هذا تتبع ابن بطة النسخ التي كتبت عنه وغير الرواية وجعلها عن أبي الراجيان عن فتح بن شخرف عن رجاء، وجواب هذا أن أبا ذر كان من الأشاعرة المبغضين وهو أول من أدخل الحرم مذهب الأشعري ولا يقبل جرحه لحنبلي يعتقد كفره وأما عبد الواحد الأسدي فهو ابن برهان وكان معتزليًا قال الخطيب: كان ابن برهان يذكر أنه سمع من ابن بطة ولم يرو شيئا وإنما كانت له معرفة بالنحو واللغة، وقال ابن عقيل، كما ابن برهان يختار مذهب مرجئة المعتزلة وينفي الخلود في حق الكفار، ويقول دوام العقاب في حق من لا يجوز عليه التشفي لا وجه له مع ما قد وصف به نفسه من الرحمة وهذا إنما يوجد في الشاهد لما يعتري الغضبان من طلب الانتقام وهذا يستحيل في حقه، قال ابن عقيل: وهذا كلام نرده على قائله ما قد ذكره وذلك أنه أخذ صفات الباري تعالى من صفات الشاهد، وذكر أن المثير للغضب ما يدخل على قلب الغضبان من غليان الدم طلبا للانتقام وأوجب بذلك منع دوام العقاب حيث لا يوجد في حقه سبحانه التشفي والشاهد يرد عليه ما ذكره لأن المانع من التشفي غلبة الرحمة والرأفة وكلاهما رفعه طبع وليس الباري بهذا الوصف ولا رحمته وغضبه من أوصاف المخلوقين بشيء وهذا الذي ذكره من عدم التشفي وفورة الغضب كما يمنع دخوله عليه من الدوام يمنع من دخوله ووصفه ينبغي بهذه الطريقة أن يمنع أصل الوعيد ويحيله في حقه سبحانه كسائر المستحيلات عليه ولا يختلف نفس وجودها ودوامها فلا أفسد اعتقادا ممن أخذ صفات الله من صفاتنا وقاس أفعاله على أفعالنا قال المصنف: فمن كان اعتقاده يخالف أجماع المسلمين فهو خارج عن(14/391)
الإسلام، فكيف يقبل قوله، وقال محمد بن عبد الملك الهمذاني: كان ابن برهان يميل إلى المرد الملاح ويقبلهم وروى الخطيب عن أبي القاسم التنوخي قال أراد أبي أن يخرجني من عكبرا لأسمع من ابن بطة كتاب المعجم للبغوي فجاءه أبو عبد الله بن بكير وقال له لا تفعل فإن ابن بطة لم يسمع المعجم من البغوي وجواب هذا من ثلاثة أوجه أحدها أن التنوخي كان معتزليا يميل إلى الرفض فكيف يقبل قوله في سني والثاني أن هذه الشهادة على نفي فمن أين له أنه لم يسمع وإذا قال ابن بطة سمعت فالإثبات مقدم والثالث من أين له أنه إن كان لم يسمع أنه يرويه فمن الجائز أنه لو مضى إليه قال له ليس بسماعي وإنما أرويه إجازة فما أبله هذا الطاعن بهذا إنما وجه الطعن أن يقول قد رواه وليس بسماعه قال الخطيب وحدثني أبو الفضل ابن خيرون قال: رأيت كتاب ابن بطة بمعجم البغوي في نسخة كانت لغيره قد حك سماع وكتب سماعه عليها قال: انظر إلى طعن المحدثين أتراه إذا حصلت للإنسان نسخة فحك اسم صاحبها وكتب سماع نفسه وهي سماعه أيوجب هذا طعنًا ومن أين له أنه لم يعارض بهذا أصل سماعه ولقد قرأت بخط أبي القاسم ابن الفراء أخي القاضي أبي يعلى قال قابلت أصل ابن بطة بالمعجم، فرأيت سماعه في كل جزء إلا أني لم أر الجزء الثالث أصلا.
وأخبرنا إِسْمَاعِيل بن أحمد السمرقندي، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بْن البسري، عن أبي عبد الله بْن بطة قال: كان لأبي ببغداد شركاء وفيهم رجل يعرف بأبي بكر فقال لأبي ابعث إلى بغداد ابنك ليسمع الحديث فقال ابني صغير، فقال أنا أحمله معي فحملني إلى بغداد فجئت إلى ابن منيع وهو يقرأ عليه الحديث، فقال لي بعضهم:
سل الشيخ يخرج إليك معجمة فسألت ابنه أو ابن بنته فقال: إنه يريد دراهم فأعطيناه ثم قرأنا عليه كتاب المعجم في نفر خاص في مدة عشرة أيام أو أقل أو أكثر وذلك في سنة خمس عشرة أو ست عشرة وأذكره وقد قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني في سنة أربع وعشرين مائتين فقال المستملي: خذوا هذا قبل أن يولد كل مولود على وجه الأرض. وسمعت المستملي وهو أبو عبد الله بن مهران يقول له: من ذكرت يا ثلث الإسلام.
قال المصنف: فإذا كان ابن بطة يقول سمعت المعجم وقد ثبت صدقه وروى(14/392)
سماعه فكيف يدفع هذا بنفي فيقال ما سمع فالقادح بهذا لا يخلو إما أن يكون قليل الدين أو قليل الفهم فيكون ما رأى سماعه في نسخة أو ما رآه حاضرًا مع طبقته فينفي عنه السماع قال الخطيب وحدثني عبد الواحد بن برهان قال قال لي محمد بن أبي الفوارس رَوَى ابْنُ بَطَّةَ عَنِ الْبَغَوِيِّ عَنْ مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قَالَ] : «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» قَالَ الْخَطِيبُ: هَذَا بَاطِلٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَى ابْنِ بَطَّةَ.
[قال المصنف] : وجواب هذا من وجهين أحدهما أن هذا لا يصح عن ابن برهان قال شيخنا أبو محمد عبد الله بن علي المقرئ شاهدت بخط الشيخ أبي القاسم بن برهان وكان الخط بيد الشيخ أبي الكرم النحوي بما حكاه عني أحمد بن ثابت الخطيب من القدح في الشيخ الزاهد أبي عبد الله بن بطة لا أصل له وهو شيخي وعنه أخذت العلم في البداية والثاني أنه لو صح فقد ذكرنا القدح في ابن برهان فيقال حينئذ للخطيب لم قبلت قول من يعتقد مذهب المعتزلة وأن الكفار لا يخلدون فيخرج بذلك إلى الكفر بخرقه الإجماع فيمن شهدت له بالسفر الطويل وطلب العلم، وحكيت عن العلماء أنه الصالح المجاب الدعوة أفلا تستحيي من الله أن تجعل الحمل عليه في حديث ذكره عنه ابن برهان ولا تجعل الحمل على ابن برهان نعوذ باللَّه من الهوى، توفي عبد الله بن بطة بعكبرا في محرم هذه السنة.
2934- علي بن عبد العزيز بن مردك أبو الحسن البرذعي
[1] :
حدث عن عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره، وكان أحد الباعة الكبار ببغداد، فترك الدنيا ولزم المسجد، واشتغل بالعبادة وأريد على الشهادة فامتنع، وتوفي في محرم هذه السنة.
2935- علي بن محمد بن أحمد بن شوكر أبو الحسن المعدل
[2] :
سمع البغوي، وابن صاعد، روى عنه الخلال والتنوخي، وكان ثقة كتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني. توفي في هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 30) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 93) .(14/393)
2936- علي أبو الحسن، الملقب فخر الدولة بن أبي علي الملقب ركن الدولة بن بويه
[1] :
أقطعه أبوه بلدانا وكان في ملك، فلما توفي أخوه مؤيد الدولة كتب إليه الصاحب ابن عباد يأمره بالإسراع، فأسرع وملك مكان أخيه واستوزر الصاحب وكان شجاعا ولقبه الطائع بفلك الأمة، وتوفي في شعبان هذه السنة وكانت إمارته ثلاث عشرة سنة وعشرة أشهر وسبعة وعشرين يوما، وكان عمره ستا وأربعين سنة وخمسة أيام وكان حين اشتد مرضه قد أصعد به إلى قلعة فبقي فيها أياما يعلل ثم مات وكانت الخزائن مغلقة مختومة وقد جعلت مفاتيحها في كيس من حديد وسمره وحصلت عند ولده رستم فلم يوجد له في ليلة وفاته ما يكفن فيه وتعذر النزول إلى البلد لشدة شغب وقع بين الجند فابتيع من قيم الجامع الذي تحت القلعة ثوب ولف فيه وكان قد أراح لتشاغل الناس باختلاف الجند فلم يمكنهم لذلك القرب منه ولا مباشرة دفنه فشد بالحبال وجر على درج القلعة من بعد حتى تقطع وكان يقول في حياته قد جمعت من الأموال لولدي ما يكفيهم ويكفي عسكرهم خمس عشرة سنة إذا لم يكن لهم مادة إلا من الحاصل وكان قد ترك الفي ألف دينار وثمانمائة ألف وخمسة وسبعين ألفًا ومائتين وأربعة وثمانين دينارا، وكان في خزانته من الجواهر واليواقيت واللؤلؤ والبلخش أربع عشرة ألف وخمسمائة وعشرين قطعة قيمتها ثلاثة آلاف ألف دينار ومن أواني الذهب ما وزنه ألف ألف دينار ومن أواني الفضة ما وزنه ثلاثة آلاف ألف ومن الثياب ثلاثة آلاف حمل وخزانة السلاح ألفا حمل وخزانة الفرش ألف وخمسمائة حمل.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 320) .(14/394)
خاتمة الناسخ
تم الجزء الرابع عشر بحمد الله وعونه وحسن التوفيق.
يتلوه في الجزء الخامس عشر: ترجمة ابن سمعون الواعظ.
وكان الفراغ منه في العشر الأخير من ربيع الأول سنة خمس وثمانمائة. أحسن الله نقضها بخير في عافية بمنه وكرمه، وغفر لكاتبه، ولمن نظر فيه ولجميع المسلمين.
والحمد للَّه رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه، وحسبنا الله ونعم الوكيل.(14/395)
[المجلد الخامس عشر]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله عَلَى سيدنا محمد وآله وصحبه
[تتمة سنة سبع وثمانين وثلاثمائة]
[تتمة ذكر من توفي في هذه السنة]
2937-/ [مُحَمَّد] بْن أَحْمَد بن إسماعيل بن عنبس [1] بن إسماعيل أبو الحسين [2] الواعظ، المعروف بابن سمعون
[3] :
ولد سنة ثلاثمائة، وروى عن عبد الله بن أبي داود السجستاني، ومحمد بن مخلد الدوري [4] ، وخلق كثير. وأملى الحديث، وكان يعظ الناس، ويقال له: الناطق بالحكمة، وله كلام حسن وتدقيق في باب المعاملات، وكانت له فراسة وكرامات.
فحكى أن الرصاص الزاهد كان يقبل رجل ابن سمعون دائما فلا يمنعه، فقيل له في ذلك، فقال: كان في دارى صبية خرج في رجلها الشوكة، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، فقال لي: قل لابن سمعون يضع رجله عليها، فإنها تبرأ. فلما كان من الغد بكرت إليه فرأيته [5] قد لبس ثيابه، فسلمت عليه، فقال: بسم الله. فقلت: لعل له حاجة أمضى معه وأعرض عليه في الطريق حاجتي في حديث الصبية [6] ، فجاء إلى داري
__________
[1] في ص: إسماعيل بن عيسى، وما أوردناه من باقي النسخ وهو موافق لما في تاريخ بغداد.
[2] في ص: «إسماعيل أبو الحسن» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 274: 277، وصفة الصفوة 2/ 266، والشريشي 1/ 322، وطبقات الحنابلة 2/ 155- 162، وفيات الأعيان 1/ 492، وتبين كذب المفتري 200- 162، البداية والنهاية 11/ 323، والكامل 7/ 493) .
[4] في ت: «محمد بن مخلد المروزي، وما أوردناه من باقي النسخ، وتاريخ بغداد (1/ 274) .
[5] في ت: «لما كان من الغد أتيته فرأيته» .
[6] في المطبوعة، ت، ل، ص: «وأعرض عليه في الطريق حديث الصبية» .(15/3)
فقال: بسم الله، فدخلت وأخرجت الصبية إليه وقد طرحت عليها شيئا [1] ، فترك رجله عليها [2] ، وأنصرف وقامت الجارية معافاة [3] فأنا أقبل رجله أبدا.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ [4] ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْن الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو طَاهِرٍ [مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ] الْعَلافِ [5] ، قَالَ: حَضَرْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ بْنَ سَمْعُونٍ يَوْمًا فِي مَجْلِسِ الْوَعْظِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيِّهِ يَتَكَلَّمُ، وكان أبو الفتح القواس جالسا الى جانب الْكُرْسِيِّ فَغَشِيَهُ النُّعَاسُ وَنَامَ، فَأَمْسَكَ أَبُو الْحُسَيْنِ عَنِ الْكَلامِ سَاعَةً حَتَّى اسْتَيْقَظَ أَبُو الْفَتْحِ وَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ:
رَأَيْتَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نَوْمِكَ؟ [6] قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ [7] لِذَلِكَ أَمْسَكْتُ عَنِ الْكَلامِ خَوْفًا أَنْ تَنْزَعِجَ وَتَنْقَطِعَ مَا كُنْتَ فِيهِ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ قَالَ: حَكَى لِي أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي مُوسَى الْهَاشِمِيُّ [8] ، قَالَ: حَكَى دَجِيٌّ مَوْلَى الطَّائِعِ للَّه، قَالَ: أَمَرَنِي الطَّائِعُ أَنْ أُوَجِّهَ إِلَى ابْنِ سَمْعُونٍ فَأُحْضِرَهُ/ دَارَ الْخِلافَةِ، وَرَأَيْتُ الطَّائِعَ عَلَى صِفَةٍ مِنَ الْغَضَبِ، وَكَانَ ذَا حِدَّةٍ، فَبَعَثْتُ إِلَى ابْنِ سَمْعُونٍ وَأَنَا مَشْغُولُ الْقَلْبِ لأَجْلِهِ، فَلَمَّا حَضَرَ أَعْلَمْتُ الطَّائِعَ حُضُورَهُ فَجَلَسَ مَجْلِسَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ فَدَخَلَ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْخِلافَةِ، ثُمَّ أَخَذَ فِي وَعْظِهِ، فَأَوَّلُ مَا ابَتَدَأَ بِهِ أَنْ قَالَ: رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذكر خَبَرًا وَأَحَادِيثَ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ: رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَذكر عَنْهُ خَبَرًا وَلَمْ يَزَلْ يَجْرِي فِي مَيْدَانِ الْوَعْظِ [9] حتى بكى الطائع للَّه وسمع [10] .
__________
[1] «وقد طرحت عليها شيئا» : ساقطة من ت.
[2] في ت: «فوضع رجله عليها» .
[3] في ت: «وقامت معافاة» .
[4] في ت: «أخبرنا أبو منصور» بإسقاط القزاز.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «في منامك» . وما أوردناه في باقي النسخ، وتاريخ بغداد (1/ 276) .
[7] «رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فقال أبو الحسين» . العبارة ساقطة من ص.
[8] «قال: وحدثني رئيس الرؤساء ... الهاشمي» . العبارة ساقطة من ت.
[9] في ص، ت: «في ديوان الوعظ» .
[10] في ص، ب: «حتى بكى الطائع وسمع» .(15/4)
شَهِيقَهُ، وَابْتَلَّ مِنْدِيلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ بِدُمُوعِهِ وَأَمْسَكَ ابْنُ سَمْعُونٍ حِينَئِذٍ وَدَفَعَ إِلَى الطَّائِعِ دَرَجًا فِيهِ طِيبٌ وَغَيْرُهُ، فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ وَانْصَرَفَ وَعُدْتُ إِلَى حَضْرَةِ الطَّائِعِ، فَقُلْتُ: يَا مَوْلايَ رَأَيْتُكَ عَلَى صِفَةٍ شَدِيدَةٍ مِنَ الْغَضَبِ عَلَى ابْنِ سَمْعُونٍ ثُمَّ انْتَقَلْتَ عَنْ تِلْكَ الصِّفَةِ عِنْدَ حُضُورِهِ، فَمَا السَّبَبُ؟ فَقَالَ: رُفِعَ إِلَيَّ عَنْهُ أَنَّهُ يَتَنَقَّصُ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَيَقَّنَ عِنْدَ حُضُورِهِ [1] لأُقَابِلَهُ عَلَيْهِ إِنْ صَحَّ مِنْهُ، فَلَمَّا حَضَرَ بَيْنَ يَدَيَّ افْتَتَحَ كَلامَهُ بِذكر عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالصَّلاةِ عَلَيْهِ، وَأَعَادَ وَأَبْدَأَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ لَهُ مَنْدُوحَةٌ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ غَيْرِهِ، وَتَرَكَ الابتداء به، فعلمت لما وَقْفٌ لِمَا تَزُولُ بِهِ عَنْهُ الظَّنَّةُ وَتَبْرَأُ سَاحَتُهُ عِنْدِي، وَلَعَلَّهُ كُوشِفَ بِذَلِكَ، أَوْ كَمَا قَالَ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا لابْنِ سَمْعُونٍ قِصَّةً مَعَ عَضُدِ الدَّوْلَةِ قَدْ سَبَقَتْ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعْمَرِ الأَنْصَارِيُّ، [أَخْبَرَنَا] [2] مَحْفُوظُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ غَالِبٍ [3] الْحَرْبِيُّ سَمِعْتُ أَبَا سَعْدٍ أَحْمَدَ بْنَ الْمُنَازِلِ الْبَزَّازَ، يَقُولُ:
سَمِعْتُ عَمِّي مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ يَقُولُ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَامِعِ الْخَلِيفَةِ وَإِلَى جَانِبِه رَجُلٌ [4] مُتَكَهِّلٌ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ: هُوَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ، وَهُوَ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِيَ الأَحْبَارُ، أَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِيَ الرُّهْبَانُ، أَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِيَ أَصْحَابُ الصَّوَامِعِ؟ فَدَخَلَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ سَمْعُونٍ/ الْوَاعِظُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي أُمَّتِكَ مِثْلُ هَذَا؟ فَسَكَتَ وَانْتَبَهْتُ.
وحكى ابن الهمذاني أن ابن سمعون ذكر على كرسيه في ليلة النصف من شعبان الحلواء [5] ، وكانت مزنة جارية أبي سعيد الصائغ حاضرة، وهو تاجر مشهور بكثرة المال ومنزله بدرب رياح، فلما أمسى أتاه غلام ومعه خمسمائة خشكنانكة، فكسر واحدة فوجد فيها دينارا فكسر الجميع وأخرج الدنانير وحملها بنفسه إلى أبي سعيد الصائغ،
__________
[1] في الأصل، ل: «أن أتيقن ذلك عنه» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «قال لنا أبو الحسن علي بن غالب» .
[4] في ت، ل، ص: «وإلى جنبه رجل» .
[5] في ت، ل، ص، والمطبوعة: «ليلة النصف من شعبان» .(15/5)
وقال: قد جئتك في سبب وأريد أن يكون جوابك قبول قولي، وأن لا تنكر على أهل الدار، وأخبره بالدنانير، فقال له أبو سعيد: أعيذك باللَّه أن يحضر مجلسك من فيه ريبة، والله ما تركت المرأة الدنانير إلا بحضرتي وتساعدنا جميعا على هذا الفعل [1] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ محمد العتيقي، قال: سنة سبع وثمانين وثلاثمائة توفي فيها أبو الحسين ابن سمعون يوم النصف من ذي القعدة وكان ثقة مأمونا.
قال ابن ثابت وذكر لي غير العتيقي أنه توفي يوم الخميس الرابع عشر [2] من ذي القعدة، ودفن بداره بشارع العتابيين، فلم يزل [3] هناك مدفونا حتى نقل يوم الخميس الحادي عشر من رجب سنة ست وعشرين وأربعمائة، فدفن بباب حرب.
قال المصنف: صلي على ابن سمعون في جامع المنصور، ثم دفن في داره سنين، ثم أخرج إلى مقبرة أحمد وأكفانه لم تبل.
2938- محمد [4] بن أحمد بن محمد، أبو عمر الأنماطي المروزي [5] :
قدم بغداد حاجا في سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة، وحدث بها عن أبي العباس الأصم، [وقد] [6] أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب حدثنا العتيقي عنه.
2939- محمد [7] بن أحمد بن محمد بن الحسن، أبو الفتح الخواص: [8]
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: قال أبو بكر أحمد بن سليمان بن علي
__________
[1] في ص، ت: «على هذا العمل» .
[2] في ص: «الخميس الحادي عشر» ، وهو خطأ.
[3] في الأصل «شارع القبانين» وفي تاريخ بغداد (1/ 277) «الغتابيين بالغين، وفي إحدى نسخه «العتابيين» كما نبه محقق تاريخ بغداد. وما أوردناه من باقي النسخ.
[4] في ت مكان محمد بياض.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 348، 349) .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 349) .(15/6)
المقرئ كان هذا الخواص شيخا فاضلا حضر عند أبي إسحاق الطبري فسمعت منه.
2940- محمد [1] بن أحمد بن محمد] [2] بن جعفر، أبو الحسن الآدمي:
[3] أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: قال [لي] [4] أبو طاهر حمزة بن محمد: لم يكن الآدمي هذا صدوقا/ في الحديث، كان يسمع لنفسه في كتب لم يسمعها [5] ، فسألت البرقاني عنه، فقال: ما علمت منه إلا خيرا، كان قديما غير أنه كان يطلق لسانه في الناس، ويتكلم في ابن المظفر والدار الدّارقطنيّ.
2941- موسى بن عيسى [6] بن عبد الله، أبو القاسم [7] السراج:
ولد سنة خمس وتسعين ومائتين. سمع الباغندي وابن أبي داود، وروى عنه الأزهري والعتيقي، وكان ثقة مأمونا، توفي في محرم هذه السنة.
2942- نوح [8] بن منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن إسماعيل، أبو القاسم [9] الساماني:
كان ملك خراسان وغزنة وما وراء النهر ولى وله ثلاثة عشر سنة، [فبقى واليا إحدى وعشرين سنة] [10] وتسعة أشهر، وتوفى في رجب هذه السنة، فولى بعده ابنه أبو الحارث منصور، فبقى سنة وتسعة أشهر، ثم قبض عليه خواصه وأجلسوا أخاه عبد الملك، فقصدهم محمود بن سبكتكين، فكسرهم وهربوا منه إلى بخارى، ثم أتاهم أيلك مظهرا لنصرتهم، فقبض عليهم وعلى جميع السامانية في سنة تسع وثمانين، وأنقرض ملكهم، وكان ملكهم مائة سنة وسنتين وشهورا.
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 349، 350) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ص: «في كتب كما يسمعها» .
[6] «موسى» : مكانها بياض في ت. وفي ص: «محمد بن موسى بن عيسى» .
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 13/ 64، 65) .
[8] بياض في ت.
[9] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 324) .
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/7)
ثم دخلت سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة
[قبض القادر باللَّه على أبي الحسن علي بن عبد العزيز]
فمن الحوادث فيها: [1] أن القادر باللَّه قبض على أبي الحسن علي بن عبد العزيز في يوم السبت لليلة بقيت من رمضان، وقلد كتابته أبا العلاء سعيد بن الحسن بن تريك فأقام على خدمته نيفا وسبعين يوما، ثم صرفه وأعاد أبا الحسن.
وفى يوم الخميس خامس عشر ذي الحجة وافى برد شديد، وجمد الماء منه جمودا ثخينا لم يعهد مثله، حتى جمدت جوب الحمامات، وبول الدواب والخيل والنبيذ.
[جلس القادر باللَّه للرسولين الواردين من أبي طالب رستم بن فخر الدولة]
وفى هذه السنة [2] : جلس القادر باللَّه للرسولين الواردين من أبي طالب رستم بن فخر الدولة، وأبي النجم بدر بن حسنويه [3] وكنى أبا طالب ولقبه مجد الدولة وكهف الأمة، وكنى أبا النجم ولقبه نصر الدولة، وعهد لأبى طالب على الري وأعمالها، وعقد له/ لواء، وحمل إليه الخلع السلطانية الكاملة، وعهد لبدر على أعماله، وتصرف بالجبل، وعقد له لواء وحمل إليه الخلع [4] الجميلة، وذلك بسؤال بهاء الدولة كتابه.
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] في ص: «وأبي النجم بن حسنوية» .
[4] العبارة: «السلطانية ... وحمل إليه الخلع» : ساقطة من ص.(15/8)
فأما مجد الدولة [1] فإنه لبس الخلع وتلقب، وأما بدر الدولة فقد كان سأل أن يلقب بناصر الدولة، فلما عدل به عنه توقف عن اللقب، ثم أجيب فيما بعد سؤاله، فلقب بناصر [الدين] [2] والدولة.
وفي هذه السنة: [3] هرب عبد الله بن جعفر المعروف بابن الوثاب من الاعتقال، وكان منتسبا إلى الطائع، فلما قبض على الطائع وخلع هرب هذا وتنقل في البلاد، وصار إلى البطيحة، وأقام عند مهذب الدولة، ثم خرج وتنقل فنفذ القادر من أحضره مقبوضا عليه وحبس ثم هرب، فمضى إلى كيلان وادعى أنه هو الطائع للَّه، وذكر لهم علامات عرفها بحكم أنسه بدار الخلافة، فقبلوه وعظموه وزوجه محمد بن العباس أحد أمرائهم ابنته وشد منه، وأقام له الدعوة في بلده، وأطاعه أهل نواح أخر [4] ، وأدوا إليه العشر الذي يؤدونه إلى من يتولى أمر دينهم، ثم ورد قوم منهم إلى بغداد، فانكشف لهم حاله فانصرف عَنْهُمْ.
ذكر من توفي في هذه السنة [5] من الأكابر
2943- الحسين [6] بن أحمد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بكير، أبو عبد الله الصيرفي [7] :
ولد سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، وسمع إسماعيل الصفار، وأبا عمرو بن السماك، والنجاد، والخلدي، وأبا بكر الشافعي. روى عنه ابن شاهين، والأزهري، والتنوخي، وكان حافظا، وروى حديثا فكتبه عنه الدار الدّارقطنيّ وابن شاهين.
__________
[1] في ص: «فأما نصر الدولة» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص، ل: «وفيها» . وفي ت مكانها بياض.
[4] في الأصل: «نواحي آخر» .
[5] بياض في ت.
[6] «الحسين» : بياض في ت.
[7] في ت: «أبو عبد الله الصوفي» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 13، العبر 3/ 38، وشذرات الذهب 3/ 128، وتذكرة الحفاظ 2/ 208، والأعلام 2/ 231، والبداية والنهاية 11/ 324) .(15/9)
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: قال لي الأزهري: كنت أحضر عند أبي عبد الله بن بكير وبين يديه أجزاء كتاب [1] قد خرج فيها أحاديث فانظر في بعضها فيقول: أيما/ أحب إليك، تذكر لي متن ما تريد من هذه الأحاديث حتى أخبرك بإسناده، أو تذكر لي إسناده حتى أخبرك بمتنه؟ فكنت أذكر له المتون فيخبرني بالأسانيد من حفظه كما في كتابه، وفعلت هذا مرارا كثيرة.
قال: وكان ثقة فحسدوه فتكلموا فيه.
قال الخطيب: وممن تكلم فيه ابن أبي الفوارس، فقال: كان يتساهل في الحديث ويلحق في أصول المشايخ ما ليس فيها، ويصل المقاطيع، ويزيد الأسماء في الأسانيد.
توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
2944- عبد العزيز [2] بن يوسف، الجكار، أبو القاسم [3] :
كان كاتب الإنشاء لعضد الدولة ثم وزر لابنه بهاء الدولة خمسة أشهر، وكان يقول الشعر، وتوفى في شوال هذه السنة.
2945- صمصام الدولة [4] ، ابن عضد الدولة:
خرج عليه أبو نصر بن بختيار فأراد الصعود إلى القلعة، فلم يفتح له حافظها، فراسل الأكراد وتوثق فيهم وسار معهم بخزائنه وذخائره، فلما بعدوا به عطفوا فنهبوا جميع ما صحبه وهرب، فوافاه أصحاب ابن بختيار فقتلوه، وذلك في ذي الحجة من هذه السنة، وكانت مدة عمره خمسا وثلاثين سنة وسبعة أشهر، وترك رأسه في طست بين يدي ابن بختيار، فقال: هذه سنة سنها أبوك.
__________
[1] في ل: «أجزاء كبار» .
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: «الكامل لابن الأثير 9/ 31، 50، ويتيمة الدهر 2/ 86- 97، والبداية والنهاية 11/ 325) .
[4] بياض في ت، وساقطة من ص، وفي ت جاءت قبل الترجمة السابقة.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 325، والكامل 7/ 497، 498) .(15/10)
2946- عبيد الله [1] بن عمرو بن محمد بن المنتاب، أبو القاسم الهمذاني:
[2] ولد سنة إحدى وثلاثمائة [3] وسمع ابن صاعد وابن السماك، روى عنه التنوخي والعتيقي، وكان ثقة، وتوفي في هذه السنة.
2947- مُحَمَّد [4] بن أحمد بن إبراهيم، أبو الفرج المقرئ المعروف بغلام الشنبوذي [5] :
ولد في سنة ثلاثمائة، وروى عن أبي الحسن بن شنبوذ وغيره كتبا في القراءات، وتكلم الناس في رواياته وأساء الدار الدارقطني [6] القول فيه، والثناء عليه.
أخبرنا القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت [7] ، قال: سمعت أبا الفضل عبيد الله بن أحمد بن على الصيرفي، يذكر أبا الفرج/ الشنبوذي، فعظم أمره ووصف علمه بالقراءات وحفظه للتفسير، وقال: سمعته يقول: احفظ خمسين ألف بيت من الشعر شواهد للقرآن، توفي [أبو الفرج الشنبوذي] [8] في صفر هذه السنة، وقيل: في سنة سبع وثمانين.
2948- محمد [9] بن أحمد بن محمي، أبو بكر الجوهري [10] .
ولد سنة إحدى وثلاثمائة، وسمع البغوي.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 375، 376، والكامل 8/ 10، وفيه: «أحمد بن محمد بن عيسى أبو محمد السرخسي الفقيه الشافعيّ 8/ 10) .
[3] في الأصل: «سنة ثلاث وثلاثمائة» وما أوردناه من باقي النسخ، وتاريخ بغداد (10/ 376) .
[4] بياض في ت.
[5] في الأصل: «المعروف بغلام ابن شنبوذ» . وما أوردناه من باقي النسخ. وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 271، 272، والبداية والنهاية 11/ 325)
[6] في الأصل: «وأطال الدار الدّارقطنيّ» . وما أوردناه من باقي النسخ وتاريخ بغداد.
[7] في ص، ل، والمطبوعة: «أخبرنا الخطيب» .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[9] بياض في ت.
[10] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 363) .(15/11)
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: سألت الأزهري عنه، فقال: ثقة، وكذلك قال العتيقي: ثقة مأمون.
توفي في شعبان هذه السنة [1] .
2949- محمد [2] بن الحسن بن أحمد بن قشيش، أبو بكر السمسار
[3] :
سمع إسماعيل بن محمد الصفار، وأبا عمرو بن السماك [4] ، وأبا بكر النجاد، والخلدي وكان صدوقا من أهل القرآن، ويذهب في الفقه مذهب أحمد بن حنبل.
وتوفى أول محرم هذه السنة.
2950- محمد [5] بن الحسن بن جعفر بن محمد البحيري
[6] :
قدم بغداد، وحدث بها، روى عنه القاضي أبو العلاء الواسطي.
2951- محمد [7] بن الحسن بن عبدان [8] بن الحسن بن مهران، أبو بكر
[9] :
سمع البغوي، وابن صاعد، والمحاملي.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني عنه عبيد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عُثْمَان الصَّيْرفيّ، وسألته عنه فقلت: أكان ثقة؟ فقال: فوق الثقة [توفي في هذه السنة] [10] .
__________
[1] «شعبان» : ساقطة من ص.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 213) .
[4] في الأصل: «أبا عمر بن الصفال» . وفي ل، ص: «السقال» . وما أوردناه يوافق ما في تاريخ بغداد.
[5] بياض في ت.
[6] في ص: «ابن محمد البحتري» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 213) .
[7] بياض في ت.
[8] في الأصل: «ابن عمدان» .
[9] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 214) .
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/12)
2952- محمد [1] بن الحسن [ابن محمد] [2] بن أحمد بن محمويه
[3] :
حدث ببغداد عن البغوي، وابن مجاهد وأبي بكر وأبي داود. روى عنه القاضي أبو عبد الله الصيمري.
2953- محمد [4] بن الحسن بن المظفر، أبو علي اللغوي المعروف بالحاتمي
[5] :
روى عن أبي عمر الزاهد وغيره.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني عنه على بن المحسن التنوخي، قال لي: مات يوم الأربعاء لثلاث بقين من ربيع الآخر من هذه السنة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص: «أحمد بن محمود» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 216) .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 214، وبغية الوعاة 35، وإرشاد الأريب 6/ 501، ووفيات الأعيان 1/ 510. والإمتاع والمؤانسة 1/ 135، ويتيمة الدهر، 2/ 273، والأعلام 6/ 82) .(15/13)
ثم دخلت سنة تسع وثمانين وثلاثمائة
[انقضاض كوكب كبير]
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه انقض في يوم الأحد لعشر بقين من ربيع الأول/ كوكب كبير ضحوة النهار.
وفى يوم الخميس للنصف من جمادى الأولى خلع على الشريف أبي الحسن محمد بن علي بن الحسن الزينبي، ولقب نقيب النقباء، وقد كانت جرت عادة الشيعة في الكرخ وباب الطاق بنصب القباب وتعليق الثياب وإظهار الزينة في يوم الغدير، وإشعال النيران في ليلته [2] ، ونحر جمل في صبيحته، فأرادت الطائفة الأخرى من أهل السنة أن تعمل [3] في مقابلة هذا شيئا فادعت أن اليوم الثامن من يوم الغدير كان اليوم الذي حصل فيه النبي صلى الله عليه وسلم في الغار وأبو بكر معه، فعملت فيه مثل ما عملت الشيعة في يوم الغدير، وجعلت بإزاء يوم عاشوراء يوما بعده بثمانية أيام نسبته إلى مقتل مصعب بن الزبير، وزارت قبره بمسكن كما يزار قبر الحسين عليه السلام، وكان ابتداء ما عمل يوم الغار يوم الجمعة [4] لأربع بقين من ذي الحجة.؟
[برد شديد مع غيم مطبق وريح]
وفى هذه السنة [5] : وافى برد شديد مع غيم مطبق وريح معزق [6] متصلة، فهلك
__________
[1] بياض في ت..
[2] في ص، ل، والمطبوعة، ت: «وإشعال النار في ليلته» .
[3] في ص، ل، والمطبوعة، ت: «الطائفة الأخرى أن تعمل» .
[4] «يوم الجمعة» : ساقطة من ص.
[5] بياض في ت.
[6] معزق: شديدة.(15/14)
من النخل في سواد بغداد ألوف كثيرة، وسلم ما سلم ضعيفا، فلم يرجع إلى حاله وحمله إلا بعد سنين.
وفي هذه السنة [1] حج بالناس: أبو الحارث محمد بن محمد بن عمر، وكذلك إلى سنة ثلاث وتسعين، وحج الشريفان الرضي والمرتضى وإعتاقهم ابن الجراح الطائي، فأعطوه تسعة آلاف دينار من أموالهم.
ذكر من توفي في هذه السنة [2] من الأكابر
2954- الحسن [3] بن على بن أحمد بن عون، أبو محمد الحريري
[4] :
سمع القاضي المحاملي، وحدث عنه العتيقي، وقال: توفي في جمادى الأولى من سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وكان ثقة.
2955- زاهر [5] بن أحمد بن محمد بن عيسى أبو محمد السرخسي المقرئ الفقيه المحدث
[6] :
شيخ عصره بخراسان، قرأ على ابن مجاهد، وسمع البغوي [وابن صاعد وغيرهما، وتفقه على أبي إسحاق المروزي وتعلم الأدب من أبي بكر ابن الأنباري، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، وهو ابن ست وتسعين سنة.
2956-/ عبيد الله [7] بن محمد بن إسحاق بن سليمان بن مخلد بن إبراهيم بن مروان، أبو القاسم [8] البزاز:
__________
[1] في ص، ل، ت، والمطبوعة: «وفيها حج بالناس» .
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] في ت: «أحمد بن عوف أبو محمد» وفي ص: «أبو أحمد» .
[5] بياض في ت.
[6] في ص: «عيسى أبو أحمد» . وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 326) .
[7] بياض في ت، وهذه الترجمة جاءت في ت بعد الترجمة التالية.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 377، والبداية والنهاية 11/ 326) .(15/15)
ويعرف بابن حبابة، ولد ببغداد سنة تسع وتسعين ومائتين، وسمع البغوي] [1] وابن أبي داود، وكان ثقة مأمونا، وتوفي في جمادي الأولى [2] من هذه السنة وصلى عليه أبو حامد الأسفرايني، ودفن في تربة ملاصقة لسور باب [البصرة] [3] مقابل جامع المنصور.
2957- عبد الله بن عتاب بن محمد بن عبد الله، القاسم [4] العبدي:
سمع [الحسين بن] [5] إسماعيل المحاملي. روى عنه أبو العلاء الواسطي، وانتقى عليه الدار الدارقطني جزءا، وَكَانَ ثقة مأمونا، توفي في هذه السنة.
2958- عبيد الله [6] بن خليفة بن شداد، أبو أحمد البلدي
[7] :
روى عنه الأزهري، وكان صدوقا ثقة، توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في تاريخ بغداد (10/ 377) : «في ربيع الآخر» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 40) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في ص: «عبيد» ومكانها في ت بياض.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 376) .(15/16)
ثم دخلت سنة تسعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
[ظهور معدن الذهب بأرض سجستان]
أنه ظهر في أرض سجستان معدن الذهب، كانوا يحفرون فيه آبارا ويخرجون من التراب الذهب الأحمر.
[تقليد القاضي أبي عبد الله الحسين بن هارون مدينة المنصور مضافة إلى الكرخ والكوفة]
ومن الحوادث أنه [2] : في يوم الخميس لسبع بقين من شوال قلد القاضي أبو عَبْد اللَّهِ الحسين بن هارون [الضبي] [3] مدينة المنصور مضافة إلى الكرخ والكوفة، وشقي الفرات، وقلد الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأكفاني [4] الرصافة، وأعمالها عوضا عن المدينة التي كان يليها، وقلد القضاء أبو الحسن الخزري الواسطي [5] طريقي دجلة وخراسان مضافا إلى عمله بالحضرة، وقرئت عهودهم على ذلك وولي أبو خازم [6] محمد بن الحسن الواسطي القضاء بواسط وأعمالها، وقرئ عهده بالموكب بدار الخلافة وكتب الإمام القادر باللَّه لمحمد بن عبد الله بن الحسن وقد ولاه [بلاد جيلان] [7] كتابا اختصرته وفيه:
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل، ت، والمطبوعة: «وفيها في يوم» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص: «أبو محمد عبد الله بن الأكفاني» .
[5] في ص: «أبو الحسن الجزري» . و «الواسطي» . ساقطة من ص، ل، ت، والمطبوعة.
[6] في ل، ص: «وأبو حازم» .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/17)
«بسم الله الرحمن الرحيم- من عبد الله أحمد الإمام القادر باللَّه أمير المؤمنين إِلَى مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بن الحسن حين بلا حقائق أخباره استشف مواقع [1] آثاره، وأنهى إلى أمير المؤمنين رسوخه في العلم وسمته بالفهم، فاستخار الله عز وجل فيما يعتمده عليه، وسأله التسديد فيما يفوضه إليه، فقلده الصلاة، والخطابة على المنابر والقضاء والحكم ببلاد جيلان أسودها وأبيضها، وما توفيق أمير المؤمنين إلا باللَّه، عليه توكله وإليه في كل حال موئله، وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل أمره بخشية الله، فإنها مزية العلماء ومراقبته/ فانها خاصة الأدباء، وتقواه ما استطاع، فإنها سكة من أطاع وجنة من تجاذبه الأطماع، وأن يأخذ لأمر الله أهبته ويعد له عدته، ولا يترخص فيه فيفرط، ولا يضيع وظيفة من وظائفه فيتورط، وأن يستعمل نفسه في المهل، ويؤذنها بقرب الأجل ولا يغرها أنه منتظر، وإن عصى فيغفر، فقد قال الله تعالى: حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ 40: 1- 3 [2] .
وأمره بقراءة القرآن وتلاوته والمحافظة عليه ودراسته، وأمره بمداومة الطهر فإنه أمان من الفقر ولا يقنع به في الجوارح، أو أن يكون مثله فيما بين الجوائح. فإن النقاء هناك هو النقاء الذي يتم به البهاء، وحينئذ تكمل الطهارة، وتزول الأدران، وأمره بمراقبة مواقيت الصلاة للجمع، فإذا حانت سعى إليها، وإذا وجبت جمع عليها بالأذان الذي يسمع به مؤذنوه الملأ، والإقامة الذي يقوم به فرض الله عز وجل، وأمره بالإحسان [في الموعظة] [3] مستقصيا للمناصحة، وأمره بالنداء على المنابر، وفى سائر المحافل والمعاقل بالشعار الأعلى والفرض الأوفى من ذكر دولة أمير المؤمنين، وحث الأمة على طاعته أجمعين، قال الله عز وجل: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ 4: 59 [4] .
وأن يديم التصفح لأحوال البلاد التي ولي فيها ما وليه من قواعد الشريعة، وليقابل
__________
[1] في ص، ل، ت، والمطبوعة: «واستشعر» .
[2] سورة: غافر، الآية: 3.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من ت.
[4] سورة: النساء، الآية: 59.(15/18)
نعمة الله بشكر الصنيعة، فإن وجد فيها نافرا عن فريضة الدعوة الشريفة القادرية اجتذبه [1] إليها بالموعظة الحسنة والدلالة الصريحة، فإن استبصر لرشده وراجع المفروض بجهده فقد فاز وغنم، وإن تشاوس وعند استنفر عليه الأمم وقمعه بما يوجبه الحكم.
وأمره بصلوات الأعياد والخسوف والاستسقاء، وأمره أن يكون لأمر الله متأهبا، ولنزول الموت مترقبا ولطروقه/ متوقعا، وأمره أن لا يخلي من فوضه إليه من ظهير يستنيبه وأمره أن يتبع شرائع الإسلام، وأن يواصل تلاوة القرآن ويستنبط منه ويهتدي به فإنه جلاء للبصائر، ومنار الحكم، ولسان البلاغة، وأمره أن يخلى ذهنة إذا انتدب للنظر، ويقضي أمامه كل وطر، ويأخذ لجوارحه بحظ يعينها [2] فإن القلب إذا اكتنفته المآرب يعرض له التعب، وأمره بالجلوس للخصوم في مساجد الجوامع ليتساووا في لقائه، وأن يقسم لحظه ولفظه بين جمهورهم.
وأمرهم بالنظر في الأمور بالعدل، وأمره بانتخاب الشهود والفحص عن أحوالهم، وأمره بالتناهي في تفقد الأيتام، فإنهم أسراء الإسلام، وأمره بتعهد الوقوف وإجراء أحوالها على ما يوجبه التوقيف من أربابها.
هذا عهد أمير المؤمنين إليك وحجته المنعم بها عليك، وتذكرته المستودعة فوائد توفيقه فانصب لمحاورته واصغ لمخاطبته، وأغرس مواعظه في قلبك تجن من ثمرها الفوز عند ربك» .
وكتب على بن عبد العزيز بن إبراهيم في شهر ربيع الأول سنة تسعين وثلاثمائة
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2959- أحمد [3] بن محمد بن أبي موسى، أبو بكر الهاشمي القاضي
[4] :
__________
[1] في ص: «اجتذبها» .
[2] في ص، ت، والمطبوعة: «بحفظ بقيتها» .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 64، والبداية والنهاية 11/ 326) .(15/19)
ولد سنة خمس عشرة وثلاثمائة. سمع من جماعة، وكتب الناس عنه بانتخاب الدار الدارقطني، وكان مالكي المذهب ثقة مأمونا، وتقلد قضاء المدائن وسرمن رأى ونصيبين وديار ربيعة وغيرها من البلاد، وتولى خطابة جامع المنصور مدة.
وتوفي في محرم هذه السنة، ودفن في داره.
2960- عبيد الله [1] بن عثمان بن يحيى، أبو القاسم الدقاق المعروف بابن جنيقا
[2] :
كذا ذكره الخطيب بالنون، وهو جد القاضي أبي يعلى ابن الفراء لأمه.
قال أبو على البرداني: قال لنا القاضي أبو يعلى الناس يقولون/ جنيقا بالنون، وهو غلط إنما هو جليقا باللام [3] . روى عنه الأزهري والعتيقي، وكان صحيح السماع ثبت الرواية، قال محمد بن أبي الفوارس: كان ثقة مأمونا حسن الخلق ما رأينا مثله في معناه.
وتوفى في رجب هذه السنة [4] .
2961- الحسين [5] بن محمد بن خلف أبو عبد الله الفراء
[6] .
أحد الشهود المعدلين، وهو والد القاضي أبي يعلى حدث عن جماعة. روى عنه ابنه أبو خازم [7] محمد بن الحسين، وكان رجلا صالحا على مذهب أبي حنيفة، توفي في شعبان هذه السنة.
2962- عبد الله [8] بن أحمد بن على بن أبي طالب، أبو القاسم البغدادي
[9] :
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «المعروف بابن حنيفا» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 377، والبداية والنهاية 1/ 326) .
[3] في ص، ل: «يقولون حنيفا بالنون وهو غلط، إنما هو حليفا باللام» .
[4] «وتوفي في رجب هذه السنة» : ساقطة من ت.
[5] بياض في ت.
[6] في ل: «أبو عبد الله بن الفراء» . وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 327) .
[7] في ص: «أبو حازم» .
[8] بياض في ت.
[9] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 395، والبداية والنهاية 11/ 327) .(15/20)
ولد سنة سبع وثلاثمائة، ونزل مصر، وروى بها الحديث عن جماعة، فسمع عنه عبد الغني بن سعيد، وكان ثقة، وتوفي في محرم هذه السنة.
2963- عمر [1] بن إبراهيم بن أحمد، أبو حفص المقرئ المعروف بالكتابي [2] :
ولد سنة ثلاثمائة، وسمع البغوي، وابن صاعد، وابن مجاهد وغيرهم. روى عنه الأزهري، والخلال. وكان ثقة ينزل ناحية نهر الدجاج، وتوفى في رجب هذه السنة.
2964- علي [3] بن عبد الله بن محمد بن عبيد، أبو الحسن الزجاج الشاهد
[4] :
حدث عن حبشون بن موسى الخلال، روى عنه التنوخي، وقال: سمعته يقول:
ولدت في رمضان سنة خمس وتسعين ومائتين. وكان نبيلا فاضلا من قراء القرآن، وتوفي فِي هذه السنة.
2965- مُحَمَّد [5] بن عَبْد اللَّهِ بن الْحُسَيْن [بن عبد الله] [6] بن هارون، أبو الحسين الدقاق المعروف بابن أخي [7] ميمي:
سمع البغوي، وروى عنه الأزهري والعشاري.
ولد يوم الثلاثاء عاشر صفر سنة أربع وثلاثمائة، ولم يزل يكتب الحديث إلى أن مات، وكان ثقة مأمونا دينا فاضلا، وكان حسن الأخلاق، مكث أربعا وأربعين [8] سنة لم ينم على ظهر سطح.
وتوفي ليلة الجمعة الثامن والعشرين من شعبان هذه السنة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 269، والبداية والنهاية 11/ 327) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 7) .
[5] بياض في ت.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 469، وشذرات الذهب 3/ 143، والعبر 3/ 47، وشستربتي 2/ 86، والأعلام 6/ 226. والبداية والنهاية 11/ 327) .
[8] في ص: «مكث أربعين سنة» .(15/21)
2966- محمد [1] بن عمر بن يحيى بن الحسين بن أحمد بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن العلوي [2] الكوفي:
ولد في سنة خمس عشرة وثلاثمائة، وسمع أبا العباس بن عقدة. روى عنه أبو العلاء الواسطي، والخلال: سكن بغداد وكان المقدم على الطالبيين في وقته مع كثرة المال والضياع، وكان يخدم عضد الدولة، وناب عن بني بويه، وكانت داره تلي قصر [بني] [3] المأمون، وكان عضد الدولة يغيظه منه كثرة ماله وعلو همته ونفوذ أمره، ولما دخل عضد الدولة إلى بغداد سنة سبعين قال له: امنع العوام من لقائنا بالدعاء والصياح، ففعل فعجب من طاعة العوام له.
ولما ورد رسول القرامطة إلى الكوفة أمر عضد الدولة وزيره المطهر بن عبد الله أن يتقدم إلى الشريف أبي الحسن ليكاتب نوابه بالكوفة بإنزال الرسول وإكرامه، فتقدم بذلك سرا إلى صاحبه، وكتب على طائر كوفي بما رسم، ووصل الطائر وكتب الجواب على بغدادي وأتاه رسوله بالرقعة، وما مضى غير ساعات فقال له الوزير: أمرك [الملك] عضد [4] الدولة بأمر فأخرته فينبغي أن تنهض إلى دارك [5] [وتقدم] [6] بمكاتبة نوابك حتى يعود الجواب في اليوم السادس وتعرضه [عليه] [7] ، فقال له: كتبت [8] وورد الجواب، وعرضه عليه ودخل إلى عضد الدولة، فأخبره فانزعج لذلك، وبلغه أنه طوق قنينة بلور للشرب بحب قيمته مائة ألف دينار، فنقم عليه لذلك، ورأى عضد الدولة في روزنامج ألف ألف وثلاثمائة ألف باسم محمد بن عمر مما أداه من معاملاته بفارس
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 327، والكامل 8/ 15) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «أمر لك عضد الدولة» بإسقاط ما بين المعقوفتين.
[5] في الأصل: «أن تتقدم إلى دارك» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[8] في ل، ص: «فقال: لقد كتبت» .(15/22)
فاعتقله بها واستولى على أمواله فبقى في الاعتقال سنين حتى أطلقه شرف الدولة أبو الفوارس ابن عضد الدولة، فأقام معه وأشار عليه بطلب المملكة فتم له ذلك ودخل معه بغداد وتزايدت حاله في أيامه.
ورفع أبو الحسن على بن طاهر عامل شقي الفرات إلى شرف الدولة أن ابن عمر زرع في سنة ثمان وسبعين ثمانمائة ألف جريب، وأنه يستغل ضياعه ألفى ألف دينار، فدخل ابن عمر على شرف الدولة، فقال: يا مولانا، والله ما خاطبت بمولانا ملكا سواك ولا قبلت الأرض لملك غيرك لأنك أخرجتني من محبسي وحفظت روحي ورددت على ضياعي، وقد أحببت أن أجعل النصف مما أملكه لولدك، وجميع ما بلغك عني صحيح [1] .
فقال له شرف الدولة: لو كان ارتفاعك أضعافه كان قليلا لك، وقد وفر الله عليك مالك، وأغنى ولدي عن مداخلتك، فكن على حالك، وهرب ابن طاهر إلى مصر، فلم يعد حتى مات ابن عمر، وصادر بهاء الدولة أبو نصر بن عضد الدولة الشريف أبا الحسن على ألف ألف دينار عينا، وأخذ منه شيئا آخر واعتقله سنتين وعشرة أشهر، ولزمه يوم إطلاقه تسعون ألف دينار، ثم استنابه ببغداد.
أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز، أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن، عن أبيه، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو القاسم عَبْد اللَّه بْن أحمد الإسكافي، قال سمعت الشريف [2] أبا الحسن محمد بن عمر العلوي يقول: أنه لما بنى داره بالكوفة وكان فيها حائط عظيم العلو، فبينا البناء قائم على أعلاه لإصلاحه سقط إلى الأرض، فارتفع الضجيج استعظاما للحال، لأن العادة لم تجر بسلامة من يسقط من مثل ذلك الحائط، فقام الرجل سالما لا قلبة به، وأراد العود إلى الحائط ليتم البناء [أعلى الحائط] [3] فقال له الشريف أبو الحسن: قد شاع سقوطك من أعلى الحائط وأهلك لا يصدقون سلامتك ولست أحب أن يردوا إلى
__________
[1] في ص: «وجميع ما يبلغك عني صحيح» .
[2] «الشريف» : ساقطة من ص، ل، ت، والمطبوعة.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ص.(15/23)
بابي صوارخ فامض إلى أهلك ليشاهدوا سلامتك وعد إلى شغلك، فمضى مسرعا فعثر بعتبة الدار التي للباب [1] ، فسقط ميتا.
توفي الشريف لعشر خلون من ربيع الأول من هذه السنة وعمره خمس وسبعون سنة، ودفن في حجرة بدرب المنصور بالكرخ [وحضر جنازته الوزير أبو نصر سابور، وأخذ من تركته خمسين ألف دينار، ونصف أملاكه، وارتفع لورثته ألفا كر ومائتان أصنافا، وتسعة عشر ألف دينار، ثم نقل إلى الكوفة فدفن بها [2]] ، وحضرنا جنازته.
2967- محمد بن [3] يوسف بن محمد بن الجنيد الكشي الجرجاني
[4] :
وكش قرية من قرى جرجان على [طريق] [5] الجبل معروفة على ثلاثة فراسخ من جرجان. سمع من أبي نعيم الإستراباذي، ومكي بن عبدان، وكان يفهم ويحفظ. وحدث ببغداد، وأملى بالبصرة، وانتقل إلى مكة فحدث بها سنين إلى أن توفي في هذه السنة بها.
2968- المعافى [6] بن زكريا بن يحيى بن حميد بن حماد بن داود، أبو الفرج النهرواني القاضي، المعروف بابن طراز
[7] :
ولد سنة خمس وثلاثمائة، وكان عالما بالنحو واللغة وأصناف الآداب والفقه، وكان يذهب مذهب محمد بن جرير الطبري، وحدث عن البغوي وابن صاعد وخلق كثير. وكان ثقة، وناب في القضاء وهو صاحب كتاب «الجليس والأنيس» ، وكان أبو محمد يقول: إذا حضر المعاني فقد حضرت العلوم كلها، ولو أن رجلا أوصى بثلث ماله لأعلم الناس لوجب أن يدفع إلى المعافى.
__________
[1] في ص، ول: «فعثر بعتبة الباب» .
[2] ما بين المعقوفتين: جاءت في الأصل وباقي النسخ قبل: «أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز» .
والتصحيح من ت.
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 408) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 13/ 230، 231، ووفيات الأعيان/ 100، والبداية والنهاية 11/ 328، وغاية النهاية 2/ 302، ونزهة الألباء 403، والكامل لابن الأثير 8/ 15، وإنباه الرواة 3/ 296، وإرشاد الأريب 7/ 162، وابن النديم 1/ 236، والأعلام 7/ 260) .(15/24)
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي، قال: حدثني أحمد بن عمر بن روح أن المعافى بن زكريا حضر في دار لبعض الرؤساء [1] ، وكان هناك جماعة من أهل العلم والأدب، فقالوا له: في أي نوع من العلم نتذاكر؟ فقال المعافى لذلك الرئيس: خزانتك قد جمعت أنواع العلوم، وأصناف الأدب/ فان رأيت بأن تبعث بالغلام إليها وتأمره أن يفتح بابها ويضرب بيده إلى أي كتاب قرب منها فيحمله، ثم نفتحه وننظر في أي نوع هو، فنتذاكره ونتجارى فيه، قال ابن روح: وهذا يدل على أن المعافى كان له أنس بسائر العلوم.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا ابن ثابت، قال: أنشدنا أبو الطيب الطبري، قال: أنشدنا المعافى بن زكريا لنفسه:
ألا قل لمن كان لي حاسدا ... أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في فعله ... لأنك لم ترض لي ما وهب
فجازاك عني بأن زادني ... وسد عليك وجوه الطلب
توفي المعافى في ذي الحجة من هذه السنة.
2969- أمة السلام [2] بنت القاضي أبي بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة، وتكنى أم الفتح
[3] :
ولدت سنة ثمان وتسعين ومائتين في رجب، وسمعت محمد بن إسماعيل البصلاني، ومحمد بن الحسين بن حميد بن الربيع [4] . روى عنها الأزهري، والتنوخي، وأبو يعلى ابن الفراء وغيرهم.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: سمعت الأزهري، والتنوخي وذكرا أمة السلام بنت أحمد القاضي، فأثنيا عليها حسنا ووصفاها بالديانة والعقل والفضل.
توفيت في رجب هذه السنة.
__________
[1] في ص، ل، والمطبوعة: «في دار بعض الرؤساء» .
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمتها في: (تاريخ بغداد 14/ 443، والأعلام 2/ 12، والبداية والنهاية 11/ 328) .
[4] في ص: «الحسين بن أحمد بن الربيع» .(15/25)
ثم دخلت سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
[جلوس القادر باللَّه للحاج الخراسانية]
أن القادر باللَّه جلس للحاج الخراسانية وأعلمهم أنه قد جعل الأمير أبا الفضل ابنه ولى عهده، ولقبه الغالب باللَّه، وقرئت عليهم الكتب المنشأة بذلك، وحضر الأشراف/ والقضاة [2] ، والشهود، والفقهاء، وكان لهذا الولد يومئذ ثماني سنين وأربعة أشهر وأيام، وكتب إلى البلاد أن يخطب له بعده.
وكان السبب في هذه العجلة أن عبد الله بن عثمان الواثقي من ولد الواثق كان من الشهود، وكانت إليه الخطابة [3] ، فحدث بينه وبين القاضي أبي علي التنوخي وحشة، فقيل له: لو استصلحته؟ فقال: أنا مفكر كيف أطفئ شمع هذا الملك وآخذ ملكه. ثم اتفق أنه خرج إلى خراسان واستغوى بعض السلاطين، واتفق هو ورجل آخر كبير القدر على أن افتعلا كتابا عن الخليفة بتقليد الواثقي العهد بعده، فخطب له بعد القادر وكتب إلى القادر فغاظه ذلك [4] ، ورتب أبا الفضل في ولاية العهد، وأثبت فسق الواثقي، ثم قدم بغداد مستخفيا، ثم انحدر إلى البصرة، ثم مضى إلى فارس وبلاد الترك، ونفذت كتب القادر تتبعه فهرب إلى خوارزم، ثم قصد بعض السلاطين فرقاه إلى قلعة، فلم يزل بها حتى مات.
__________
[1] بياض في ت 9.
[2] «القضاة» : ساقطة من ص، ل، والمطبوعة.
[3] في ص، ل، والمطبوعة: «وكانت إليه الخطابة» .
[4] «ذلك» : ساقطة من ص، ل، والمطبوعة.(15/26)
وفى يوم الجمعة الخامس من جمادى الآخرة توفي القاضي أبو الحسن عبد العزيز ابن أحمد الخرزي، واقر ابنه أبو القاسم على عمله، وقرئ عهده بذلك في يوم الاثنين لليلة بقيت منه، ثم صرف بعد مديدة قريبة.
وفى يوم الخميس ثامن عشر ذي القعدة ولد الأمير أبو جعفر عبد الله بن القادر [باللَّه] [1] وهو القائم.
في هذه السنة: حج بالناس [2] أبو الحارث محمد بن محمد بن عمر العلوي.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2970- جعفر [3] بن الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات، أبو الفضل، المعروف بابن حنزابة [4] الوزير:
ولد في ذي الحجة سنة ثمان/ وثلاثمائة، ونزل مصر وتقلد الوزارة لأميرها كافور، وكان أبوه وزير المقتدر، وحدث عن محمد بن هارون الحضرمي وطبقته من البغداديين. وكان يذكر أنه سمع من البغوي مجلسا، ولم يكن عنده، فكان يقول: من جاءني به أغنيته، وكان يملي الحديث بمصر فخرج إليه [الدار الدارقطني] [5] وأقام عنده مدة فصنف له المسند، وحصل له من جهته مال كثير، وروى عنه الدار الدارقطني في كتاب المدبج [6] وغيره أحاديث.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، قال: حدثني
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص، ل، والمطبوعة: «وفيها حج بالناس» .
[3] بياض في ت.
[4] في ص: «ابن خيرانة» .
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 234، 235، وابن خلكان 1/ 110، والنجوم الزاهرة 4/ 203، وحسن المحاضرة 1/ 199، والأعلام 2/ 126، والبداية والنهاية 11/ 329، والكامل 8/ 19) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في ص، ل: «كتاب المديج» . والمدبج نوع من أنواع الحديث.(15/27)
محمد بن أحمد اللخمي بالأنبار، قال: أنشدني أبو القاسم عمر بن عيسى المسعودي بمصر، قال: أنشدنا الوزير أبو الفضل جعفر بن الفرات ابن حنزابة لنفسه:
من أخمل النفس أحياها وروحها ... ولم يبت طاويا منها على ضجر
إن الرياح إذا هبت عواصفها [1] ... فليس ترمى سوى العالي من الشجر
[2] توفي جعفر [3] في ربيع الأول من هذه السنة.
2971- الحسين [4] بن أحمد بن الحجاج، أبو عبد الله الشاعر
[5] :
كان من أولاد العمال والكتاب، وكانت إليه حسبه بغداد في أيام عز الدولة، فاستخلف عليها ستة أنفس كلهم لا خير فيه، ثم تشاغل بالشعر وتفرد بالسخف الذي يدل على خساسة النفس، فحصل الأموال به، وصار ممن يتقى لسانه، وحمل إليه صاحب مصر عن مديح مدحه [به] [6] ألف دينار مغربية، وقد أفرد أبو الحسن الرضي من شعره ما خلا عن السخف، وهو شعر حسن.
أنبأنا أبو الحسن محمد بن أحمد الصائغ، أنبأنا أبو على محمد بن وشاح، قال:
أنشدنا أبو عبد الله بن الحجاج لنفسه: /
قالوا غدا العيد فاستبشر به فرحا ... فقلت ما لي وما للعيد والفرح
قد كان داء الهوى لم تمس نازلة ... بعقوتي وغراب البين لم يصح
__________
[1] في تاريخ بغداد، ص، ل، «اشتدت عواصفها»
[2] في الأصل: «سوى الأعالي من الشجر» . والتصحيح من ص، ل، وتاريخ بغداد.
[3] في الأصل: «توفي أبو جعفر» .
[4] بياض في الأصل.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 14، ووفيات الأعيان 1/ 55، ومعاهد التنصيص 3/ 188، والإمتاع والمؤانسة 1/ 137، ودائرة المعارف الإسلامية 1/ 130، والبداية والنهاية 11/ 329، ومطالع البدور 1/ 39، والكامل لابن الأثير 8/ 19، ويتيمة الدهر 2/ 211- 270، والأعلام 2/ 231، وشذرات الذهب 3/ 136) .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/28)
أيام لم يخترم قربى المنون ولم ... يغد الصباب [1] على شملي ولم يرح
فاليوم بعدك قلبي غير منفسح ... لما يسر وصدري غير منشرح
وطائر نام في خضراء مؤنقة ... على شفا جدول بالعشب متشح
بالعمر من واسط والليل ما هبطت ... فيه النجوم وضوء الصبح لم يلح
بكى وناح ولولا أنه شجن ... بشجو قلبي المعنى فيك لم ينح [2]
بيني وبينك وعد ليس يخلفه ... بعد المزار وعهد غير مطرح
فما ذكرتك والأقداح دائرة ... إلا مزجت بدمعي باكيا قدحي
ولا سمعت لصوت فيه ذكر نوى ... إلا عصيت عليه كل مقترح
[3] توفي ابن الحجاج بالنيل في جمادى الآخرة من هذه السنة، ورثاه الرضى بقوله:
نعوه على ضن قلبي به ... فلله ماذا نعى الناعيان
رضيع صفاء له شعبة ... من القلب مثل رضيع اللبان
بكيتك للشرد السائرات ... تعبق ألفاظها [4] بالمعاني
وما كنت أحسب أن المنون ... تفل مضارب ذاك اللسان
ليبك الزمان طويلا عليك ... فقد كنت خفة روح الزمان
[5] ورآه أبو الفضل ابن الخازن [6] في المنام بعد موته، فقال: ما صنع الله بك؟
فقال:
أفسد حسن مذهبي ... في الشعر سوء المذهب
وحملي الجد على ... ظهر حصان اللعب
لم يرض مولاي علي ... بسبب أصحاب النبي
__________
[1] في ص، ل: «يغد الشباب» .
[2] في الأصل: «لم يلح» .
[3] هذا البيت ساقط من ص.
[4] في ص: «تعتق ألفاظها» .
[5] هذا البيت ساقط من ت.
[6] في الأصل: «ابن الحرث» .(15/29)
وقال لي ويلك يا ... أحمق لم لم تتب
من بغض قوم من رجا ... ولاءهم لم يخب
رمت الرضى جهلا بما ... أصلاك نار اللهب
[1]
2972- عبد العزيز [2] بن أحمد، أبو الحسن الخرزي [3] القاضي:
كان يقضى بالمخرم وحريم دار الخلافة وباب الأزج والنهروانات وطريق خراسان، وكان على مذهب داود الأصفهاني، وتقدم إليه وكيلان في خصومة فاحتكما فبكى [4] أحدهما، فقال القاضي: أرني الوكالة فأراه إياها فتأملها، ثم قال: ما رأيت فيها أنه جعل إليك أن تبكي عنه، فنهض الوكيل وضحك الحاضرون.
توفي الخرزي في هذه السنة.
2973- عيسى بن [5] الوزير على بن عيسى بن داود بن الجراح، أبو [6] القاسم:
ولد في رمضان سنة اثنتين وثلاثمائة، وزر أبوه المعلوم فضله، ونظر هو للطائع وكتب له، وروى عن البغوي، وابن أبي داود، وابن صاعد، وابن دريد وغيرهم. وروى عنه الأزهري، والخلال، والصيمري، وغيرهم.
وكان ثبت السماع صحيح الكتاب، وأملى الحديث، وكان عارفا بالمنطق فرموه بشيء من مذهب الفلاسفة.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن ثابت، قال: أنشدني أبو يعلى ابن الفراء، قال:
أنشدني عيسى بن الوزير على بن عيسى لنفسه: /
رب ميت قد صار بالعلم حيا ... ومبقى قد [7] حاز جهلا وغيا
__________
[1] في ص، ل: «نار الغضب» .
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 466، والبداية والنهاية 11/ 330)
[4] في ص، ل: «في حكومة فاختصما فبكى» .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 330، والإمتاع والمؤانسة 1/ 36، والكامل 8/ 18، 19) .
[7] في الأصل: «ميتا قد حاز» .(15/30)
فاقتنوا العلم كي تنالوا خلودا ... لا تعدوا الحياة في الجهل شيئا
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، عَنْ أَبِي محمد الجوهري، قال: انقطعت عن زيارة أبي القاسم عيسى بن على، ثم قصدته، فلما نظر إلي قال:
رأيت جفاء الدهر لي فجفوتني ... كأنك غضبان على مع الدهر
قال: وخرج إلينا يوما، فقال: الله بيننا وبين على بن الجهم، فقلت: من هو على بن الجهم؟ قال الشاعر: قلت ورآه سيدنا؟ قال: لا ولكن له بيت آذانا به، وأنشدنا [هذا] [1] :
ولا عار إن زالت عن الحر نعمة ... ولكن عارا أن يزول التجمل
توفي [عيسى] [2] في هذه السنة، ودفن في داره.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/31)
ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها: [1]
[ثورة العوام بالنصارى]
أن العوام ثاروا في يوم الاثنين سابع ربيع الآخر بالنصارى، فنهبوا البيعة بقطيعة الدقيق وأحرقوها، فسقطت على جماعة من المسلمين رجالا وصبيانا ونساء فهلكوا.
وفى شعبان قبض على الموفق أبي على الحسن بن محمد بن إسماعيل وحمل إلى القلعة.
[عظمة الفتنة ببغداد وغلاء الأسعار]
وفى رمضان عظمت الفتنة ببغداد، وكثرت العملات، وانتشر الدعار.
[طلوع كوكب الدؤابة]
وفى ليلة الأربعاء لثمان بقين من رمضان طلع كوكب الذؤابة.
وفى ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة انقض كوكب كضوء القمر ليلة التمام، ومضى الضياء وبقى جرمه يتموج نحو ذراعين في ذراع/ برأي العين، وتشقق بعد ساعة.
وفى يوم الثلاثاء الحادي عشر منه تكامل دخول الخراسانية بغداد وعبروا بأسرهم إلى الجانب الغربي، ثم توقفوا عن [2] التوجه نحو البلاد لفساد الطريق [3] وانتشار العرب، وعادوا إلى بلادهم، وبطل الحج من المشرق في هذه السنة.
وفى يوم الاثنين التاسع من ذي الحجة، ولد الأمير أبو الحسن وأبو علي
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «ثم توقفوا على التوجه» .
[3] في ل: «نحو البلاد من فساده» .(15/32)
الحسين [1] ابنا بهاء الدولة توأمين، فعاش أبو الحسين بضع سنين ومات، وبقى أبو على، وملك الإمرة بالحضرة، فلقب مشرف الدولة.
وزاد أمر العيارين والفساد ببغداد، وكان فيهم من هو عباسي وعلوي، فواصلوا العملات، وأخذوا الأموال، وقتلوا، واشرف الناس معهم على خطه صعبة فبعث بهاء الدولة عميد الجيوش أبا على بن أستاذ هرمز إلى العراق ليدبر أمورها، فدخلها يوم الثلاثاء سابع عشر ذي الحجة، فزينت له بغداد خوفا منه، فكان يقرن بين العباسي والعلويّ ويغرقهما نهارا، وغرق جماعة من حواشي الأتراك، ومنع السنة والشيعة من إظهار مذهب، ونفى بعد ذلك ابن المعلم فقيه الشيعة عن البلد فقامت هيبته في النفوس [2] [3] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
2974- إسماعيل [4] بن سعيد بن إسماعيل بن محمد بن سويد [5] ، أبو القاسم [6] المعدل:
من أهل الجانب الشرقي، حدث عن ابن دريد، وابن الأنباري، والكوكبي وغيرهم، قال حمزة بن محمد بن طاهر: كان ثقة وقال الخطيب: كان يلحق سماعه.
وقال ابن أبي الفوارس: كان فيه تساهل في الحديث والدين. توفي في محرم هذه السنة، ودفن بالخيزرانية.
2975- عثمان [7] بن جنى أبو الفتح الموصلي النحويّ اللغوي:
__________
[1] في الأصل: «أبو الحسن علي وأبو الحسين» .
[2] «في النفوس» : ساقطة من ص، ل.
[3] بياض في ت.
[4] في الأصل: «إسماعيل بن محمد» .
[5] في الأصل: «ابن محمد بن سعيد» . وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 308، 309)
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 4311، وإرشاد الأريب 5/ 15- 32، وابن خلكان 1/ 313،(15/33)
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن ثابت قال: عثمان بن جنى له كتب مصنفة في علم النحو أبدع فيها، وأحسن منها التلقين [1] واللمع، والتعاقب في العربية، وشرح القوافي، والمذكر والمؤنث، وسر الصناعة. والخصائص، وغير ذلك، وكان يقول الشعر ويجيد نظمه، وأبوه جنى كان عبدا روميا مملوكا لسليمان بن فهد بن أحمد [2] الأزدي الموصلي.
وأنشدني يحيى بن على التبريزي [3] لعثمان بن جني:
فإن أصبح بلا نسب ... فعلمي في الورى نسبي
على أني أؤول إلى ... قروم سادة نجب
قياصرة إذا نطقوا ... أرم الدهر في الخطب
أولاك [4] دعا النبي لهم ... كفى شرفا دعاء نبي
سكن ابن جنى بغداد ودرس بها العلم إلى أن مات، وكانت وفاته ببغداد على ما ذكر أحمد بن على التوزي في يوم الجمعة لليلتين بقيتا من صفر سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة.
2976- على [5] بن عبد العزيز، أبو الحسن الجرجاني القاضي [6] بالري:
سمع الحديث الكثير، وترقى في العلوم فأقر له الناس بالتفرد، وله أشعار حسان.
__________
[ () ] وآداب اللغة 2/ 302، وشذرات الذهب 3/ 140، ومفتاح السعادة 1/ 114، ونزهة الألباء 406، ويتيمة الدهر 1/ 77، والأعلام 4/ 204، والبداية والنهاية 11/ 331) .
[1] في الأصل: «التعليقة» . وفي ص، ل: «النقلين» ، التصحيح من تاريخ بغداد (11/ 311) .
[2] في الأصل: «لسليمان بن محمد بن أحمد الأزدي» .
[3] في الأصل: «يحيى بن علي الزبري» .
[4] في الأصل: «ألاك» .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (وفيات الأعيان 1/ 324، وطبقات الشافعية 2/ 308- 310، إرشاد الأريب 5/ 249، ويتيمة الدهر 3/ 238، والبداية والنهاية 11/ 331، وشذرات الذهب 3/ 56، والأعلام 4/ 300) .(15/34)
أَخْبَرَنَا [1] أَبُو بَكْرٍ محمد بن عبد الباقي، البزاز، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا عبد الله بن على بن حمويه، أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي، قال:
أنشدني [2] القاضي أبو الحسن على بن عبد العزيز الجرجاني لنفسه:
يقولون لي فيك انقباض وإنما ... رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزة النفس أكرما
ولم أقض حق العلم إن كان كلما ... بدا طمع صيرته لي سلما
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ... ولكن نفس الحر تحتمل الظما
ولم ابتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخذ ما
أشقى به غرسا واجنيه ذلة ... إذن فاتباع الجهل قد كان أحزما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهان [3] ودنسوا ... محياه بالأطماع حتى تجهما
أنشدنا أبو نصر أحمد بن محمد الطوسي، قال: أنشدني أبو يوسف القزويني، قال: أنشدني والدي، قال أنشدنا القاضي [4] أبو الحسن على بن عبد العزيز الجرجاني لنفسه:
إذا شئت أن تستقرض المال منفقا ... على شهوات النفس في زمن العسر
فسل نفسك الإقراض من كنز صبرها [5] ... عليك وإنظارا إلى زمن اليسر
فإن فعلت كنت الغني وإن أبت ... فكل منوع بعدها واسع العذر
أنبأنا إسماعيل [6] بن أحمد، أنبأنا سعد بن على الزنجاني كتابة من مكة، قال:
أنشدني عبد الله بن محمد بن أحمد الواعظ، قال أنشدني قاضي القضاة أبو الحسن على بن عبد العزيز الجرجاني لنفسه: /
__________
[1] في ص، ل: «أنبأنا» .
[2] في ص، ل: «أنشدنا» .
[3] في ص، ل: «ولكن أذلوه فهان» .
[4] في ص، ل: «أنشدني القاضي» .
[5] في ص، ل: «الإقراض من كيس صبرها» .
[6] في ص، ل: «أخبرنا إسماعيل» .(15/35)
ما تطعمت لذة العيش حتى ... صرت للبيت والكتاب [1] جليسا
ليس شيء أعز عندي من العلم ... فلم ابتغى سواه أنيسا [2]
إنما الذل في مخالطة الناس ... فدعهم وعش عزيزا رئيسا
توفي على بن عبد العزيز الجرجاني [3] في هذه السنة بالري، وحمل تابوته إلى جرجان، فدفن بها.
2977- محمد [4] بن محمد بن جعفر، [أبو بكر] [5] الدقاق الشافعي
[6] .
وكان ينوب في القضاء عن أبي عبد الله الحسين بن هارون الضبي، وكانت فيه دعابة، فحكى أنه دخل الحمام بغير مئزر، فبلغ ذلك الضبي [7] فظن أنه فعله لفقره، فبعث إليه ميازر كثيرة، فرئي بعد ذلك في الحمام بغير مئزر، فسأله الضبي عن سبب فعله، فقال: يا سيدي يأخذني به [8] ضيق النفس.
توفي الدقاق في هذه السنة.
__________
[1] في ص، ل: «صرت للنفس والكتاب» .
[2] في الأصل: «سواه جليسا» .
[3] «الجرجاني» : ساقطة من ص، ل.
[4] بياض في ت.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] الاسم كله ساقط من ص.
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 229، والكامل 8/ 21) .
[7] «وكانت فيه دعابة ... فبلغ ذلك الضبي» . العبارة ساقطة من ص.
[8] في الأصل: «نصابي» .(15/36)
ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة
[منع عميد الجيوش أهل الكرخ وباب الطاق من النوح في عاشوراء]
فمن الحوادث فيها: [1] أن عميد الجيوش منع أهل الكرخ وباب الطاق في عاشوراء من النوح في المشاهد، وتعليق المسوح في الأسواق فامتنعوا، ومنع أهل باب البصرة وباب الشعير من مثل ذلك فيما نسبوه إلى مقتل مصعب بن الزبير بن العوام.
وقبض بهاء الدولة على وزيره أبي غالب محمد بن خلف يوم الخميس لخمس بقين من المحرم، وقرر عليه مائة ألف دينار قاسانية.
وفى هذا الشهر [2] قبض مهذب الدولة أبو الحسن علي بن نصر على سابور بن أردشير لأمر اتهمه به، فأقام في الاعتقال إلى أن ملك/ البطيحة أبو العباس [بن] [3] واصل فأطلقه.
وفى أوائل صفر غلت الأسعار، عدمت الحنطة، وبلغ الكر من الحنطة مائة وعشرين دينارا.
وفي هذه السنة مضى [4] عميد الجيوش إلى النجمي، ومضى إلى سورا واستدعى
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص، ل: «وفيها برز» .(15/37)
سند الدولة أبا الحسن على بن مزيد، وقرر عليه أربعين ألف دينار في كل سنة عن بلاده، وأقره عليها.
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
2978- إبراهيم [2] بن [أحمد] [3] بن محمد بن أحمد، أبو إسحاق الطبري
[4] .
قرأ القرآن، وسمع الكثير من الحديث، وكان فقيها على مذهب مالك من المعدلين، وكان شيخ الشهود ومقدمهم [5] وكان كريما مفضلا على أهل العلم، خرج له الدار الدّارقطنيّ خمسمائة جزء، وعليه قرأ الرضى القرآن، فقال له يوما: أيها الشريف أين مقامك؟ فقال: في دار أبي بباب محول [6] ، فقال [له] [7] مثلك لا يقيم بدار أبيه، ونحله الدار التي بالبركة في الكرخ، فامتنع الرضى، وقال: لم أقبل من غير أبي [قط] [8] شيئا، فقال له: حقي عليك أعظم لأني حفظتك كتاب الله فقبلها.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: حدثني علي بن أبي علي المعدل، قال: قصد أبو الحسين بن سمعون أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري ليهنئه بقدومه من البصرة، فجلس في الموضع الذي جرت عادة أبي إسحاق بالجلوس فيه لصلاة الجمعة من جامع المدينة، ولم يكن وافى، فلما جاء والتقيا قام إليه وسلم عليه، وقال له بعد أن جلسا:
الصبر إلا عنك محمود ... والعيش إلا بك منكود
ويوم تأتى سالما غانما ... يوم على الإخوان مسعود/
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 19، 20، والبداية والنهاية 11/ 332) .
[5] في الأصل: «شيخ الشهود ومستدعيهم» .
[6] في ص، ل: «بباب المحول» .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/38)
مذ غبت غاب الخير من عندنا ... وإن تعد فالخير مردود
توفي الطبري في هذه السنة] . [1]
2979- إدريس [2] بن على بن إسحاق بن يعقوب بن زنجويه، أبو القاسم المؤدب
[3] .
كان يسكن الحربية، وحدث عن أبي حامد محمد بن هارون الحضرمي [4] ، وإبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، وأبي بكر بن الأنباري، وقرأ على ابن شنبوذ، روى عنه الأزهري، والطناجيري- وكان ثقة مأمونا، توفي في رمضان هذه السنة.
2980- الحسن بن القاسم [5] بن محمد بن يحيى، أبو علي المخزومي المؤدب
[6] .
ولد سنة إحدى وثلاثمائة، وحدث عن ابن أبي داود [7] ، وابن مجاهد. روى عنه الخلال، والأزهري. وكان ثقة.
وتوفي [في رمضان] [8] هذه السنة، وبعضهم يقول في سنة اثنتين وتسعين، ودفن في مقبرة باب حرب.
2981- عبد الكريم [9] الطائع للَّه أمير المؤمنين، ابن المطيع [10] [للَّه] :
قد ذكرنا كيف قبض عليه بهاء الدولة أبو نصر بن عضد الدولة، وكيف خلع واعتقل وحمل إلى دار المملكة، ونفذ إلى القادر الكتاب عليه بخلعه نفسه، ثم سلم بعد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] بياض في ت.
[3] في الأصل: «بن يعقوب بن زغوية» . وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 15، 16) .
[4] في الأصل: «محمد بن معروف الحضري» .
[5] بياض في ت.
[6] في النسخة ت: «المؤذن» .
[7] في ص، ل: «عن أبي داود» .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[9] بياض في ت.
[10] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 332، والكامل، 8/ 24، وشذرات الذهب 3/ 143) .(15/39)
ذلك إلى القادر، فأقام عنده إلى أن توفي ليلة عيد الفطر من هذه السنة، وقد بلغ ستا وسبعين سنة، وكانت خلافته سبع عشرة سنة وتسعة أشهر وأياما، وصلى عليه القادر وكبر خمسا، وحمل إلى الرصافة، فدفن فيها، وشيعه الأكابر والخدم، ورثاه الرضى فقال:
أي طود لك من أي جبال ... لقحت أرض به بعد حيال
ما رأى حي نزار قبلها ... جبلا سار على أيدي الرجال
وإذا رامي المقادير رمى ... قد روع المرء أعوان النصال
أيها القبر الذي أمسى به ... عاطل الأرض جميعا وهو حالي
لم يواروا بك [1] ميتا إنما ... أفرغوا فيك ذنوبا [2] من نوال
عز من أمسى مفدى ظهره ... أخذ الأهبة يوما للزيال
لا أرى الدمع كفاء للجوى [3] ... ليس إن الدمع من بعدك غالي
وبرغمي أن كسوناك الثرى ... وفرشناك زرابي الرمال
وهجرناك على ضن الهوى [4] ... رب هجران على غير تقالي
لا تقل تلك قبور إنما ... هي أصداف على غر لآلئ
2982- عثمان [5] بن محمد بن أحمد بن العباس [6] أبو عمرو القارئ المخرمي
[7] :
سمع إسماعيل الصفار، والبرذعي، والخلدي، وسمع الكثير من الأصم، وروى حديثا عن ابن شاهين فدلسه، فقال: حدثنا عمر بن أحمد النقاش، فقال له ابن شاهين:
أنا نقاش؟ فقال: الست تنقش الكتاب بالخط؟ روى عنه العتيقي، وقال: شيخ ثقة من أهل القرآن، وكان حسن الصوت بالقرآن مع كبر سنه، وتوفى بالدينور في هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «لم يواروا منك» .
[2] في الأصل: «أفرغوا منك ذنوبا» .
[3] في الأصل: «أمسى معدا» .
[4] في ص، ل: «كفاء لجوي» .
[5] في الأصل: «على من الهوى» .
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 312) .(15/40)
2983- كوهي [1] بن الحسن بن يوسف بن يعقوب، أبو محمد الفارسي
[2] :
روى عنه الأزجي، والصيمري، وكان ثقة وتوفي في شوال هذه السنة.
2984- محمد [3] بن ثابت بن عبد الله، أبو الحسن الصيرفي
[4] :
سمع أبا عمرو بن السماك، وغيره، وروى عنه عبيد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عُثْمَان الصَّيْرفيّ، وتوفى في يوم السبت سابع رمضان هذه السنة.
2985- محمد [5] بن عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن بن زكريا، أبو طاهر المخلص
[6] :
ولد سنة خمس وثلاثمائة وسمع البغوي، وابن صاعد، وخلقا كثيرا وأول سماعه في ذي القعدة سنة اثنتي عشرة. روى عنه البرقاني، والأزهري، والخلال، والتنوخي، وغيرهم وكان ثقة من الصالحين، وتوفي في رمضان هذه السنة عن ثمان وثمانين سنة.
2986- محمد [7] بن عبد الله [8] ، أبو الحسن السلامي الشاعر
[9] :
وله شعر مليح منه قوله في الدرع: /
يا رب سابغة حبتني نعمة ... كافأتها بالسوء غير مفند
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 493) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 111) .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 322، واللباب 3/ 111، والرسالة المستطرفة 67، الأعلام 6/ 190، البداية والنهاية 11/ 333، والكامل 8/ 28) .
[7] بياض في ت.
[8] في تاريخ بغداد: «محمد بن عبيد الله» .
[9] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 335، ووفيات الأعيان 1/ 524، والبداية والنهاية 11/ 333، ومرآة الجنان 2/ 446، والإمتاع والمؤانسة 1/ 134، ويتيمة الدهر 2/ 157- 188- والوافي بالوفيات 3/ 317، والكامل 8/ 27) .(15/41)
أضحت تصون عن المنايا مهجتي ... وظللت أبذلها لكل مهند
ومدح عضد الدولة بقصيدة يقول فيها:
وكنت وعزمي والظلام وصارمي ... ثلاثة أشياء كما اجتمع النسر
وبشرت أمالي بملك هو الورى ... ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر
2987- ميمونة بنت ساقولة [1] الواعظة
[2] :
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، أنبأنا أبو على محمد بن محمد بن عبد العزيز بن المهدي، قال: أخبرني أبي، قال: سمعت ميمونة بنت ساقولة الواعظة تقول: هذا قميصي اليوم [له] [3] سبع وأربعون سنة، ألبسه وما تخرق، غزلته لي أمي وصبغته بماء السنابك، الثوب إذا لم يعص الله فيه لم يتخرق سريعا.
وسمعتها تقول: آذانا جار لنا فصليت ركعتين وقرأت من فاتحة كل سورة آية حتى ختمت القرآن، وقلت: اللَّهمّ أكفنا أمره، ثم نمت ففتحت عيني فرأيت النجوم مصطفة فقرأت: فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 2: 137 [4] . فلما كان سحر قام ذلك الإنسان لينزل فزلقت قدمه فوقع فمات.
وأخبرني ابنها عبد الصمد، قال: كان في دارنا حائط له جوف [5] فقلت لها:
استدعى البناء، فقالت: هات رقعة والدواة فناولتها، فكتبت فيها شيئا وقالت: دعه في نقب منه. ففعلت فبقى الحائط نحوا من عشرين سنة، فلما ماتت ذكرت ذلك القرطاس، فقمت فأخذته/ لأقرأه فوقع الحائط، وإذا فيه مكتوب: إِنَّ الله يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا 35: 41 [6] بسم الله يا ممسك السموات والأرض أمسكه.
توفيت ميمونة في هذه السنة.
__________
[1] مكان «ميمونة» بياض في ت. وفيها: «بنت نشا قولة» ، وكذا في البداية والنهاية.
[2] انظر ترجمتها في: (البداية والنهاية 11/ 333) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] سورة: البقرة، الآية: 137.
[5] في ص: «حائط له جرف» .
[6] سورة: فاطر، الآية: «41» .(15/42)
ثم دخلت سنة أربع وتسعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها: [1]
[تقليد الشريف أبي أحمد قضاء القضاة]
أن الشريف أبا أحمد الحسين بن موسى قلده بهاء الدولة قضاء القضاة والحج والمظالم ونقابة الطالبيين، وكان التقليد له بشيراز، وكتب له منها عهد على جميع ذلك، ولقب بالطاهر الأوحد ذي المناقب، فلم ينظر في قضاء القضاة لامتناع القادر باللَّه من الإذن له، وترددت في هذا أقوال انتهت إلى الوقوف.
وفى هذه السنة حج بالناس أبو الحارث محمد بن محمد بن عمر العلوي، وكان في جملة الحاج أبو الحسين بن الرفاء، وأبو عبد الله بن الزجاجي وكانا من أحسن الناس قراءة فاعترض [2] الحاج الأصيفر المنتفقي، وحاصرهم بالباطنة، وعول على نهبهم، فقالوا: من يمضى إليه ويقرر معه شيئا نعطيه؟ فندبوا أبا الحسين [بن] [3] الرفاء، وأبا عبد الله الزجاجي [4] فدخلا إليه وقرءا بين يديه، فقال [لهما] [5] : كيف عيشكما ببغداد؟
فقالا: نعم العيش، يصلنا من أهلنا الخلع والصلات والهدايا، فقال: هل وهبوا لكما ألف ألف دينار في صرة؟ فقالا: لا ولا ألف دينار في موضع، فقال [لهما] [6] : قد وهبت
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «قراءة وحج بالناس فاعترض» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] كذا في جميع الأصول، وفي ترجمته في وفيات سنة 412 «ابن الدجاجيّ» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/43)
لكما الحاج وأموالهم ذلك يزيد على ألف ألف دينار، فشكروه وانصرفوا [من عنده] [1] ووفى للحاج بذلك وحجوا ولما قرءا بعرفات على جبل الرحمة، قال أهل مكة وأهل مصر والشام: ما سمعنا عنكم يا أهل بغداد تبذيرا مثل هذا يكون عندكم مثل هذين الشخصين فتستصحبوا بهما معا، فإن هلكا فبأي شيء تتجملون، كان ينبغي أن تستصحبوا كل سنة واحدا/ ولما حجوا عول الأمير على ترك زيارة المدينة، واعتذر بقعود الأعراب في طريقه وما يلزمه من الخفارات عند تعويقه، فتقدما الحاج ووقفا عند الجبل [2] الذي عند يسار الراجع من مكة، ويرى من بعيد كأنه عنق طائر ومنه يعدل القاصد من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ويسير في سبخة من ورائها صفينة فقرءا مَا كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمن حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ 9: 120 [3] فعند ذلك ضج الناس بالبكاء ولوت الجمال أعناقها نحوهما، وقصد بهم الأمير المدينة، ولما ورد أبو الحسين بن بويه، بغداد أخد هذين القارئين ومعهما أبو عبد الله بن البهلول، وكان قارئا محسنا فرتبهم لصلاة التراويح به وهم أحداث، وكانوا يتناوبون الصلاة ويأتم بهم ورغب لأجلهم في صلاة التراويح.
وكان أبو الحسين بن الرفاء تلميذ أبي الحسن [4] بن الخشاب، وكان ابن الخشاب مليح الصوت حسن التلاوة وإنه [قرأ] [5] في جامع الرصافة في بعض الليالي الأحياء أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله 57: 16 [6] فتواجد صوفي، وقال: بلى قد أن، ثم جلس وبكى طويلا ثم سكت سكتة طالت [7] فحرك فإذا به ميت، وكان ابن الخشاب تلميذ أبي بكر بن الآدمي، الموصوف بطيب التلاوة.
وجرى مثل هذا لأبى عبد الله ابن البهلول، قال: فأنبأنا أحمد بن علي ابن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص، ل: «ووقفا عند الميل» .
[3] سورة: التوبة، الآية: 120.
[4] في ص: «تلميذ أبي الحسين» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] سورة: الحديد، الآية: 16.
[7] «طالت» ساقطة من ل.(15/44)
المحاملي، قال: سمعت أبا الحسين محمد بن علي ابن المهتدي، يقول: قرأ أبو عبد الله ابن البهلول يوما في دار القطان في الجامع بعد الصلاة يوم الجمعة أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا/ أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله 57: 16 [1] ، فقام رجل من أهل عكبرا فقال له: كيف قرأت يا أبا عبد الله؟ فردد عليه، فقال الرجل: بلى والله فسقط ميتا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2988- الحسن [2] بن محمد بن إسماعيل، أبو على [3] ، الإسكافي، ويلقب بالموفق
[4] .
كان متقدما عند بهاء الدولة أبي نصر، فولاه بغداد فقبض على اليهود وأخذ منهم دنانير وهرب إلى البطيحة، فأقام بها سنتين ثم خرج منها فوزر لبهاء الدولة، وكان شهما في الحروب منصورا فيها، فأخذ بلاد فارس ممن استولى عليها وارتفع أمره حتى قال قائل لبهاء الدولة: زينك الله يا مولانا في عين الموفق، فبالغ في عقوبته ثم قتله في هذه السنة وله تسع وأربعون سنة [5] .
2989- عبد السلام [6] بن على بن محمد بن عمر، أبو أحمد المؤدب
[7] :
حدث عن أبي بكر النيسابوري، وابن مجاهد روى عنه الأزهري والعتيقي، وقال: هو ثقة مأمون.
توفي في رجب هذه السنة، ودفن في مقبرة معروف، وكان ينزل درب الآجر من نهر طابق.
__________
[1] سورة: الحديد، الآية: 16.
[2] بياض في ت.
[3] في ص: «أبو عبد الله» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 334) .
[5] في الأصل: «وله أربع وأربعون سنة» .
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 57) وفيه: المعروف بالجدّاع.(15/45)
ثم دخلت سنة خمس وتسعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه ورد في ليلة الخميس لسبع بقين من المحرم أوائل الحاج من مكة بعد أن إعتاقهم ابن الجراح الطائي في طريقهم/ ولزمهم تسعة آلاف دينار مضافة إلى رسم الأصيفر الذي يقوم به بدر بن حسنويه، وقد سبق ذكر ذلك.
وفي هذه السنة: حج [2] بالناس جعفر بن شعيب السلار، ولحقهم عطش في طريقهم، فهلك خلق كثير، ولحق قوم منهم الحج.
ذكر من توفي في هذه السنة [3] من الأكابر
2990- إسحاق [4] بن محمد بن حمدان بن محمد بن نوح، أبو إبراهيم المهلبي الخطيب، ويعرف بالجبني
[5] .
من أهل بخارى، روى عنه الأزهري، وكان أحد الفقهاء على مذهب أبي حنيفة، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «وفي هذه السنة حج» .
[3] بياض في ت.
[4] بياض في ت.
[5] في ل: «ويعرف بالخبني» . وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 402، والكامل 8/ 33) .(15/46)
2991- الحسين [1] بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن أبي عائذ [2] ، أبو القاسم الكوفي
[3] :
ولد سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، وسمع من جماعة، وروى عنه أبو القاسم التنوخي، وقال: كان ثقة كثير الحديث جيد المعرفة، وولى القضاء بالكوفة من قبل أبي، وكان فقيها على مذهب أبي حنيفة، وكان يحفظ القرآن ويحسن قطعة من الفرائض وعلم القضاء قيما بذلك، وكان زاهدا عفيفا، توفي في صفر هذه السنة.
2992- عبد الله [4] بن محمد بن جعفر بن قيس، أبو الحسين البزاز
[5] .
سمع محمد بن مخلد، وأبا الحسين بن المنادى، وأبا العباس بن عقدة. روى عنه العتيقي، وقال: توفي في شوال هذه السنة، وكان ثقة.
2993- محمد [6] بن أحمد بن محمد بن موسى بن جعفر، أبو نصر البخاري المعروف بالملاحمي
[7] :
ولد سنة اثنتى عشرة وثلاثمائة، وقدم بغداد وحدث بها عن محمود بن إسحاق، عن البخاري/ وروى عن الهيثم بن كليب وغيره، وسمع منه الدار الدارقطني، وكان من أعيان أصحاب الحديث وحفاظهم، وتوفي ببخارى يوم السبت السابع من شعبان هذه السنة.
2994- محمد [8] بن أبي إسماعيل، واسمه على بن الحسين بن الحسن بن القاسم [أبو الحسن] العلويّ
[9] .
__________
[1] بياض في ت.
[2] في تاريخ بغداد: «ابن أبي عابد» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 103) .
[4] بياض في ت.
[5] في تاريخ بغداد: «أبو الحسن البزاز» انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 139) .
[6] بياض في ت.
[7] في الأصل: «المعروف بالأعمى» . وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 335) .
[8] بياض في ت.
[9] في الأصل: «أبو القاسم العلويّ» وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 335، والكامل 8/ 33) .(15/47)
ولد بهمذان ونشأ ببغداد وكتب الحديث عن جعفر الخلدي وغيره، وسمع بنيسابور من الأصم وغيره ودرس ببغداد، وكتب الحديث عن جعفر الخلدي [1] . ودرس فقه الشافعي عن أبي على بن أبي هريرة، وسافر إلى الشام، وصحب الصوفية وصار كبيرا فيهم، وحج مرات على الوحدة، وتوفي ببلخ في محرم هذه السنة.
__________
[1] «ودرس ببغداد ... الخلدي» : ساقطة من ص، ل.(15/48)
ثم دخلت سنة ست وتسعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها [1] : أنه طلع كوكب كبير يشبه الزهرة في كبره وإضاءته عن يسرة القبلة يتموج [2] وله شعاع على الأرض كشعاع القمر، وذلك في ليلة الجمعة مستهل شعبان، وثبت إلى النصف من ذي القعدة ثم غاب.
وفى هذه السنة [3] : ولى أبو محمد بن الأكفاني قضاء جميع بغداد، وجلس القادر لأبى المنيع قرواش بن أبي حسان ولقبه بمعتمد الدولة، وتفرد قرواش بالإمارة.
وفي هذه السنة: حج بالناس [4] محمد بن محمد بن عمر العلوي، وخطب بمكة والمدينة للحاكم صاحب مصر على الرسم في ذلك، وأمر الناس في الحرمين بالقيام عند ذكره، وفعل مثل ذلك بمصر وكان إذا ذكر قاموا وسجدوا في السوق ومواضع الاجتماع [5] .
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «يسرة القبلة فيخرج» .
[3] بياض في ت.
[4] في ص، ل: «وفيها حج بالناس» .
[5] في الأصل: «ومواضع الاجتماع وحج بالناس» .(15/49)
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
2995- إسماعيل [2] بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل، أبو سعد الجرجاني المعروف بالإسماعيلي
[3] : / ورد بغداد غير مرة، كان آخر وروده والدار الدّارقطنيّ حي، وحدث عن أبيه أبي بكر الإسماعيلي، والأصم وعبد الله بن عدى [4] . روى عنه الخلال والتنوخي، وكان ثقة فاضلا فقيها على مذهب الشافعي، عارفا بالعربية، سخيا جوادا يفضل على أهل العلم، وكان له ورع، والرئاسة بجرجان إلى اليوم [5] في ولده وأهل بيته.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، قال: سمعت أبا الطيب الطبري يقول: ورد أبو سعد الإسماعيلي بغداد وعقد له الفقهاء مجلسين تولى أحدهما أبو حامد الأسفراييني، وتولى الآخر أبو محمد البافي فبعث البافي إلى القاضي أبي الفرج [6] المعافى بن زكريا بابنه أبي الفضل يسأله حضور المجلس، فكتب على يده هذين البيتين:
إذا أكرم القاضي الجليل وليه ... وصاحبه الفاه للشكر موضعا
ولى حاجة يأتي [7] بني بذكرها ... ويسأله فيها التطول أجمعا
فأجابه أبو الفرج:
دعا الشيخ مطواعا سميعا لأمره ... يؤاتيه باعا حيث يرسم إصبعا
وها أنا غاد في غد نحو داره ... أبادر ما قد حده لي مسرعا
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 309، وتاريخ جرجان 106، البداية والنهاية 11/ 336، والكامل 8/ 37) .
[4] في الأصل: «وعبد الله بن محمد بن عدي» .
[5] «إلى اليوم» : ساقطة من ص.
[6] في الأصل: «فبعث القاضي البافي إلى أبي الفرج» .
[7] في الأصل: «إلى حاجة يأتي» .(15/50)
توفي الإسماعيلي بجرجان في ربيع الآخر من هذه السنة وكان في صلاة المغرب فقرأ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 1: 5. وفاضت نفسه [1] .
2996- على [2] بن محمد بن يوسف بن يعقوب، أبو الحسن المقرئ المعروف/ بابن العلاف
[3] :
سمع على بن محمد المصري، وقرأ على أبي طاهر بن أبي هاشم، وكان أحد شهود القاضي أبي محمد [بن] [4] الأكفاني. روى عنه عبد العزيز الأزجي.
وتوفي في شوال هذه السنة.
2997- محمد [5] بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن بحير، أبو عمرو المزكي
[6] :
من أهل نيسابور يعرف بالبحيري. رحل في طلب العلم إلى العراق والحجاز، وورد بغداد، فحدث بها سنة ثمانين وثلاثمائة، وكان ثقة حافظا مبرزا في المذاكرة، وتوفى بنيسابور في شعبان هذه السنة وهو ابن ثلاث وستين.
2998- محمد بن أحمد بن موسى بن جعفر بن قيس، أبو الحسين البزاز
[7] :
سمع محمد بن مخلد، وأبا الحسين [8] .
2999- محمد [9] بن الحسن بن الفضل بن المأمون، أبو الفضل الهاشمي
[10] :
__________
[1] «وفاضت نفسه» : ساقطة من ص، ل.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 95) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 336) .
[7] البزاز: هذه اللفظة تقال لمن يبيع البز، وهو الثياب (الأنساب 2/ 186) .
[8] هذه الترجمة موجودة في الأصل فقط، وساقطة من باقي النسخ.
[9] بياض في ت.
[10] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 215) .(15/51)
سمع أبا بكر بن الأنباري، والنيسابوري [1] . روى عنه البرقاني [2] وغيره، وقال العتيقي: هو ثقة. توفي يوم السبت سلخ ربيع الآخر من هذه السنة وله ست وثمانون سنة.
3000- محمد بن الحسن [3] بن عمر بن الحسن، أبو الحسين المؤدب يعرف بابن أبي حسان
[4] :
حدث عن أبي العباس [بن عقدة] وغيره [5] ، روى عنه العتيقي.
3001- محمد [6] بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده، أبو عبد الله [7] الحافظ الأصبهاني
[8] :
من بيت الحديث والحفظ، سمع من أصحاب أبي مسعود، ويونس بن حبيب [9] ، وأبي العباس المحبوبي وسافر البلاد [10] ، وكتب الكثير، وصنف التاريخ والشيوخ، وتوفى بأصبهان في صفر هذه السنة.
أخبرنا عبد الله بن على المقرئ، أخبرنا عبد الله بن عطاء الهروي، قَالَ، سمعت أبا محمد الحسن بن أحمد السمرقندي، يقول: سمعت أبا العباس جعفر بن محمد بن المعتز الحافظ، يقول: ما رأيت احفظ من أبي عبد الله بن مندة، وسألته يوما، فقلت [11] : كم يكون سماع الشيخ؟ فقال: يكون خمسة آلاف منا [12] .
__________
[1] في ص: «سمع أبا بكر الانباري» .
[2] في الأصل: «البركاني» .
[3] مكان «محمد» بياض في ت. وفي الأصل: «محمد بن الحسين» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 216) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] بياض في ت.
[7] «أبو عبد الله» مكررة في الأصل.
[8] انظر ترجمته في: (طبقات الحنابلة 2/ 167، وميزان الاعتدال 3/ 26، ولسان الميزان 5/ 70، وتذكرة الحفاظ 3/ 338، والأعلام 6/ 29، البداية والنهاية 11/ 336، والكامل 8/ 37) .
[9] في الأصل: «ويوسف بن حبيب» .
[10] في الأصل: «وسمع وسافر البلاد وسافر» .
[11] ساقطة من ص، ل.
[12] في الأصل: «يكون خمسة آلاف صنا» .(15/52)
ثم دخلت سنة سبع وتسعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
[خروج أبي ركوة وما جرى له مع الحاكم بمصر]
خروج أبي ركوة وما جرى له مع الحاكم بمصر [2] . وهذا رجل أموي من ولد هشام بن عبد الملك [واسمه الوليد] [3] ، وإنما كنى بأبي ركوة لركوة [4] كانت معه في أسفاره يحملها على مذهب الصوفية، وكان قد لقي الشيوخ وكتب الحديث بمصر وانتقل إلى مكة ثم إلى اليمن ثم عاد إلى الشام، وهو في خلال أسفاره يدعو إلى القائم من ولد هشام بن عبد الملك، ويأخذ البيعة على من يجد عنده انقيادا وقبولا، ثم نزل حلة وصار معلما واجتمع عنده صبيان العرب وتظاهر بالتنسك [5] ودعا جماعة منهم فوافقوه، ثم أعلمهم إنه هو الإمام الذي يدعو إليه، وقد أمر بالظهور ووعد النصر فخاطبوه بالإمامة [6] ، ولقب نفسه الثائر بأمر الله المنتصر لدين الله من أعداء الله، وعرف هذا بعض الولاة فكتب إلى الحاكم يستأذنه في طلبه قبل أن تقوى شوكته، فأمره باطراح الفكر في أمره لئلا يجعل له سوقا، وكان يخبر عن الغائبات، فيقول أنه يكون كذا وكذا ثم لقيه ذلك الوالي في جمع فهزمهم، وحصل من أموالهم ما قويت به حاله، فدخل برقة
__________
[1] بياض في ت.
[2] «بمصر» : ساقطة من ص.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] «لركوة» : ساقطة من ص.
[5] في ص، ل: «وتظاهر بالنسك» .
[6] في الأصل: «ووعد النسر فدعوه» .(15/53)
فجمع له أهلها مائتي ألف دينار وقبض على رجل يهودي اتهمه بودائع عنده، فأخذ منه مائتي ألف دينار ونقش السكة باسمه وألقابه، وركب يوم الجمعة وخطب ولعن الحاكم، فجمع له الحاكم ستة عشر ألفا وبعث عليهم الفضل/ بن عبد الله، فنهض وأخذ معه ثلاثمائة ألف دينار لنفقاته ونفقات العسكر، وحمل إليه الحاكم خمسمائة ألف دينار وخمسة آلاف قطعة ثيابا، وقال له: اجعل هذا عدة معك، فلما سار تلقاه أبو ركوة فرام مناجزته والفضل يتعلل ويراوغ، فقال أصحاب أبي ركوة: قد بذلنا نفوسنا دونك ولم يبق فينا فضل [1] لمعاودة حرب، وما دمت مقيما [2] بين ظهرانينا فنحن مطلوبون لأجلك، فخذ لنفسك وانظر أي بلد تريد لنحملك إليه، فقال: تسلمون إلي فارسين يصحبانني إلى بلاد النوبة فإن بيني وبين ملكهم [3] عهدا وذماما، فأوصلوه إلى بلاد النوبة، فبعث الفضل وراءه فسلموه فحمل إلى الحاكم، فأركبه جملا وشهره ثم قتله، وقدم الحاكم الفضل وأقطعه قطاعات كثيرة وبلغ في إكرامه إلى أن عاده دفعتين في علة عرضت له، فلما أبل وعوفي قتله.
وفى يوم الاثنين لأربع خلون من جمادى الأولى أظهر ورود كتاب من حضرة بهاء الدولة بتقليد أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى النقابة والحج، وتلقيبه بالرضي ذي الحسين.
وفى هذه السنة [4] : لقب الشريف أبو القاسم أخوه بالمرتضى ذي المجدين، ولقب الشريف أبو الحسين الزينبي بالرضا ذي الفخرين.
وفى رمضان هذه السنة قلد سند الدولة أبو الحسن على بن مزيد ما كان لقرواش، وخلع عليه، ولقب سند الدولة.
وفي هذه السنة [5] : ثارت على الحاج ريح سوداء بالثعلبية أظلمت الدنيا منها
__________
[1] في ص، ل: «ولم يبق أفضل» .
[2] «مقيما» : ساقطة من ص، ل.
[3] في ص، ل: «فإن بيني وبينهم عهدا» .
[4] بياض في ت.
[5] في ص، ل: «وفيها ثارت» . ومكانها بياض في ت.(15/54)
حتى لم ير بعضهم بعضا وأصاب الناس عطش [1] شديد، وإعتاقهم ابن الجراح على مال طلبه، وضاق الوقت فعادوا إلى الكوفة ووصل أوائلهم إلى بغداد في يوم التروية، ولم يتم الحج في هذه السنة.
ذكر من توفي في هذه السنة [2] من الأكابر
3002- عَبْد الرَّحْمَنِ [3] بْن عمر بن أحمد، أبو الحسين المعدل المعروف بابن حمة/ الخلال
[4] :
سمع الحسين بن إسماعيل المحاملي، روى عنه البرقاني، والأزهري. وكان ثقة، وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة، وصلى عليه أبو حامد الأسفراييني ودفن بالشونيزي [5] .
3003- عبد الصمد [6] بن عمر بن محمد بن إسحاق، أبو القاسم الدينَوَريّ الواعظ الزاهد
[7] .
قرأ القرآن ودرس فقه الشافعي على أبي سعيد الإصطخري، وسمع الحديث من أبي بكر النجاد، وروى عنه الأزجي، والصيمري. وكان ثقة، ولزم طريقة يضرب بها المثل من المجاهدة للنفس واستعمال الجد المحض والتعفف والتقشف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أنبأنا محمد بن عبد الباقي [8] ، وأنبأنا علي بن المحسن التنوخي، قال: كان
__________
[1] في ص، ل: «وأصابهم عطش» .
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 301) .
[5] في الأصل: «السونيزنين» .
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 43، والبداية والنهاية 11/ 337) .
[8] في ص، ل: «أنبأنا محمد بن عبد الباقي» .(15/55)
عبد الصمد يدق السعد في العطارين ويذهب مذهب التدين والتصون والتعفف والتقشف، فسمع عطارا يهوديا يقول لابنه: يا بنى قد جربت هؤلاء المسلمين فما وجدت فيهم ثقة، فتركه عبد الصمد أياما ثم جاءه، فقال: أيها الرجل [1] تستأجرني لحفظ دكانك. قال: نعم، وكم تأخذ منى؟ قال: ثلاثة أرطال خبز ودانقين فضة كل يوم، قال: قد رضيت، قال: فأعطني الخبز إدرارا واجمع لي الفضة عندك فإني أريدها لكسوتي. فعمل معه سنة، فلما انقضت جاءه فحاسبه فقال: انظر إلى دكانك، قال: قد نظرت، قال: فهل وجدت خيانة أو خللا، قال: لا والله، قال: فإني لم أرد العمل معك وإنما سمعتك تقول لولدك في الوقت الفلاني إنك لم تر في المسلمين أمينا، فأردت أن انقض عليك قولك وأعلمك إنه إذا كان مثلي وأنا أحد الفقراء على هذه الصورة فغيري من المسلمين على مثلها/ وما هو أكثر منها [2] . ثم فارقه وأقام على دق السعد مدة وعرفه الناس واشتهر بفعله ودينه عندهم وانقطع إلى الوعظ، وحضور الجوامع وكثر أصحابه وشاع ذكره، وكان ينكر على من يسمع القضيب.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ [3] ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، قال: حدثني على بن محمد بن الحسن المالكي، قال: جاء رجل إلى عبد الصمد [4] بمائة دينار ليدفعها إليه، فقال [5] : أنا غنى عنها، فقال: ففرقها على أصحابك هؤلاء، فقال: ضعها على الأرض. ففعل، فقال عبد الصمد للجماعة: من احتاج [منكم] [6] إلى شيء، فليأخذ على قدر حاجته. فتوزعتها الجماعة على صفات مختلفة من القلة والكثرة ولم يمسها هو بيده. ثم جاءه ابنه بعد ساعة فطلب منه شيئا، فقال له: اذهب إلى البقال فخذ منه على ربع رطل تمر.
وبلغنا عن عبد الصمد أنه اشترى يوما دجاجة [7] وفاكهة وحلوى فرآه بعض
__________
[1] «أيها الرجل» : ساقطة من ص.
[2] في الأصل: «وعلى أكثر منها» .
[3] في الأصل: «عبد الله بن محمد» .
[4] في الأصل: «جاء رجل من عبد الصمد» .
[5] في الأصل: «قال» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «اشترى يوما دجاجا» .(15/56)
أصحابه فتعجب فمشى وراءه فطرق باب أرامل وأيتام فأعطاهم ذلك ثم التفت فرآه فقال له: المتقى يزاحم أرباب الشهوات ويؤثر بها في الخلوات حتى لا يتعب بها جسمه ولا يظهر بتركها اسمه.
توفي عبد الصمد بدرب شماس من نهر القلائين بالجانب الغربي يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي الحجة من هذه السنة.
وقيل: توفي ليلا وكان يقول في حالة نزعه: سيدي لهذه الساعة خبأتك. صلى عليه بجامع المنصور، ودفن في مقبرة الإمام أحمد.
3004- أبو العباس [1] بن واصل:
كان يخدم الكرج، وكان يخرج له في الحسان أنه يملك، فكانوا يهزءون به ويقول [2] / له بعضهم: إذا صرت ملكا فاستخدمني، ويقول الآخر اخلع علي، والآخر يقول: عاقبني فصار ملكا وملك سيراف، ثم البصرة، وقصد الأهواز، وهزم بهاء الدولة وملك البطيحة، وأخرج عنها مهذب الدولة على بن نصر إلى بغداد بعد أن كان قد لجأ إليه في بعض الأحوال، فخرج إليه مهذب الدولة [3] بما أمكنه من أمواله، وأخذت أمواله في الطريق، واضطر إلى أن ركب بقرة ودخل ابن واصل، فأخذ أموال مهذب الدولة، ثم أن فخر الملك أبا غالب قصد [4] ابن واصل، فاستجار ابن واصل بحسان بن ثمال الخفاجي فصيره [5] إلى مشهد على عليه السلام، فتصدق هناك بصدقات كثيرة وسار من المشهد [قاصدا بدر بن حسنويه [6]] لصداقة كانت بينهما فكبسه أبو الفتح بن عناز فسلمه إلى أصحاب بهاء الدولة بعد أن حلف له على الحراسة، فحمل إليه فقتله بواسط في صفر هذه السنة.
__________
[1] بياض في ت. وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 338، والكامل 8/ 40، 41) .
[2] في الأصل: «وسول» .
[3] في ص، ل: «فخرج بهاء الدولة» .
[4] في الأصل: «أبا غلاب» .
[5] في الأصل: «فسيره» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/57)
ثم دخلت سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة
[وقوع الثلج ببغداد وعلوه عن الأرض ذراعا]
فمن الحوادث فيها [1] :
أن الثلج وقع ببغداد في يوم الأربعاء الحادي عشر من ربيع [الأول] [2] فعلا على وجه الأرض ذراعا في موضع وذراعا ونصفا، وأقام أسبوعا لم يذب رماه الناس عن سطوحهم بالرفوش إلى الشوارع والدروب، وابتدأ يذوب وبقيت منه بقايا في موضع نحو عشرين يوما. وبلغ سقوطه إلى تكريت. ووردت الكتب من واسط بسقوطه فيها بين البطيحة/ وبين البصرة والكوفة وعبادان ومهروبان.
[كثرة العملات ببغداد]
وفى هذا الشهر [3] : كثرت العملات ببغداد، وكبس الذعار عدة مواضع، وقصد قوم منهم مسجد براثا ليلة الجمعة وأخذوا حصره وستوره وقناديله، فجد أصحاب الشرطة في طلبهم فظفروا ببعضهم فشهروا وعرفوا وكحلوا وقطعوا.
[الفتنة بين أهل الكرخ [4] والفقهاء]
في يوم الأحد عاشر رجب جرت فتنة بين أهل الكرخ والفقهاء بقطيعة الربيع وكان السبب [5] أن بعض الهاشميين من أهل باب البصرة قصدوا أبا عبد الله محمد بن النعمان المعروف بابن المعلم، وكان فقيه الشيعة في مسجده بدرب رياح وتعرض به
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] بياض في ت.
[4] في الأصل: «فتنة بين أصحاب الكرخ» .
[5] في الأصل: «وذلك السبب» .(15/58)
تعرضا امتعض منه أصحابه فثاروا واستنفروا [1] أهل الكرخ، وصاروا إلى دار القاضي أبي محمد بن الأكفاني وأبي حامد الإسفرايني فسبوهما وطلبوا الفقهاء ليواقعوا بهم ونشأت من ذلك فتنة عظيمة، واتفق أنه احضر مصحفا ذكر أنه مصحف ابن مسعود وهو يخالف المصاحف، فجمع الأشراف والقضاة والفقهاء في يوم الجمعة لليلة بقيت من رجب وعرض المصحف عليهم، فأشار أبو حامد الإسفرايني والفقهاء بتحريقه ففعل ذلك بحضرتهم فلما كان في شعبان كتب إلى الخليفة بأن رجلا من أهل [جسر] [2] النهروان حضر المشهد [3] بالحائر ليلة النصف، ودعا على من أحرق المصحف وسبه، فتقدم بطلبه فأخذ فرسم قتله، فتكلم أهل الكرخ في هذا المقتول لأنه من الشيعة، ووقع القتال بينهم وبين أهل باب البصرة وباب الشعير والقلائين، وقصد أحداث الكرخ [باب] [4] دار أبي حامد فانتقل عنها وقصد دار القطن [5] ، وصاحوا: حاكم يا منصور.
فبلغ ذلك الخليفة فأحفظه وأنفذ الخول الذين على بابه لمعاونة أهل السنة وساعدهم الغلمان، وضعف أهل الكرخ وأحرق ما يلي بنهر الدجاج، ثم اجتمع الأشراف والتجار إلى دار الخليفة فسألوه العفو عما فعل السفهاء فعفا عنهم.
فبلغ الخبر إلى عميد الجيوش فسار ودخل بغداد فراسل أبا عبد الله ابن المعلم فقيه الشيعة بأن يخرج عن البلد ولا يساكنه، ووكل به فخرج في ليلة الأحد لسبع بقين من رمضان وتقدم بالقبض على من كانت له يد في الفتنة، فضرب قوم وحبس قوم ورجع أبو حامد إلى داره، ومنع القصاص من الجلوس، فسأل على بن مزيد في ابن المعلم، فرد ورسم للقصاص عودهم إلى عادتهم من الكلام بعد أن شرط عليهم ترك التعرض للفتن.
وفى يوم الاثنين ثالث شعبان وافى مطر ومعه برد في الواحدة منها خمسة دراهم ونحوها.
__________
[1] في ص، ل: «فثاروا واستنفروا» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص: «حضر المسجد» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ص، ل: «ونزل دار القطن» .(15/59)
وفى ليلة الأحد سادس عشر شعبان حدثت زلزلة عظيمة بالدينور، وورد الخبر بأنها هدمت المنازل وهلك فيها خلق كثير [1] أكثر من ستة عشر ألف إنسان غير من خاست به الأرض وطمه الهدم، وخرج السالمون إلى الصحراء فأقاموا في أكواخ عملوها وذهب من الأثاث والمتاع فيما تهدم ما لا يحصى.
وورد الخبر في سادس عشر رمضان بهبوب عاصف من الريح سوداء بدقوقا قلعت المنازل والنخل والزيتون، وخرج الناس لأجلها من [2] منازلهم وقتلت جماعة، وورد الخبر من تكريت بنحو ذلك.
وورد الخبر من شيراز بعصوف ريح سوداء أحرقت الزروع، وهدمت قطعة من البلد وأن رجفة كانت بسيراف والسيف غرق فيها عدة مراكب، / وأهلكت كثيرا من الناس.
وورد الخبر من واسط وشقي الفرات أنه ورد في هذين الصقعين برد عظيم كان وزن الواحدة منه مائة وستة دراهم.
وجاء ببغداد [في يوم الاثنين] [3] لثمان بقين من رمضان وهو سلخ أيار مطر كثير جرت منه المآزيب.
[ورد الخبر بأن صاحب مصر هدم بيعة قمامة]
وفى هذه السنة [4] : ورد الخبر بأن الحاكم صاحب مصر هدم بيعة قمامة، وهذه البيعة تجاور بيت المقدس وهى عظيمة القدر عند النصارى، وكانوا يخرجون [في] [5] كل سنة من المواضع في العماريات إلى بيت المقدس لحضور فصحهم، وربما جاء ملك الروم وكبراء بطارقته متنكرا ويحملون إليها الأموال والثياب والستور والفروش، ويصوغون لها القناديل والأواني من الذهب والفضة، واجتمع فيها مع الزمان مال عظيم، فإذا اجتمعوا يوم الفصح أظهروا زينتهم ونصبوا صلبانهم، ويعلق القوم القناديل في بيت
__________
[1] «خلق كثير» : ساقطة من ص، ل.
[2] في الأصل «من أجلها إلى منازلهم» والتصحيح من: ص، ل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] بياض في ت.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/60)
المذبح، ويجعلون فيها دهن الزيتون ويجعلون بين كل قنديلين كالخيط من الحديد متصلا ويطلونه بدهن البلسان ويقرب بعض القوم النار [1] من خيط منها، بحيث لا يعلم الحاضرون [فيشعلونه] [2] ، وينتقل من القناديل فيشعل الكل ويظن من حضر أنها نار نزلت من السماء فيكثر تكبيرهم وضجيجهم، فلما وصفت هذه [الحالة] [3] للحاكم تقدم بان يكتب إلى والي الرملة وإلى أحمد بن يعقوب الداعي بأن يقصدا بيت المقدس ويستصحبا الأشراف [4] والقضاة والشهود ووجوه البلد، وينزلا بيعة قمامة ويبيحا العامة نهبها، وأخذ ما فيها ويتقدما بنقضها وتعفيه أثرها.
وبلغ الخبر النصارى فأخرجوا ما في البيعة من جوهر وثياب وذهب وفضة، فأنتهب ما بقي وهدمت.
ثم جاز الحاكم إلى موضع فيه ثلاث بيع تعظمها النصارى على أعلاها الصلبان الظاهرة، فضجت العامة إليه فنقض منها شيئا بيده، ثم أمرهم بنقضها ورجع إلى منزله، فكتب بنقض جميع البيع والكنائس وبني مساجد مكانها/ فهدمت ألوف وأمر بالنداء بمصر في أهل الذمة من أراد الدخول في الإسلام دخل، ومن أراد الانتقال إلى الروم كان آمنا إلى أن يخرج ويصل أو المقام على أن يلبس الغيار ويلزم ما شرط عليه في ذلك أقام وشرط على النصارى تعليق الصلبان ظاهرة على صدورهم، وعلى اليهود تمثال رأس عجل، والامتناع من ركوب الخيل فعملوا صلبان الذهب والفضة، فأنكر الحاكم ذلك وأمر المحتسبين أن يأخذوا النصارى بتعليق صلبان الخشب الذي يكون قدر الواحد منها أربعة أرطال، واليهود بتعليق خشبة كالمدقة وزنها ستة أرطال، وان يشدوا في أعناقهم أجراسا عند دخولهم الحمامات ليتميزوا بها عن المسلمين، ففعل ذلك، ثم أنه قبيل قتله أذن في إعادة [بناء] [5] البيع والكنائس، وأذن لمن أسلّم منهم أن يعود إلى
__________
[1] في الأصل: «العوام النار» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «ويستصحبوا الأشراف» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/61)
دينه، وقال: ننزه مساجدنا عمن لا نية له في الإسلام، وهذا غلط قبيح منه وقلة علم، فإنه لا يجوز أن يمكن من اسلم من الارتداد.
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر.
3005- أحمد [2] بن إبراهيم، أبو العباس الضبي: [3]
توفي في صفر هذه السنة، وكان أوصى أن يدفن في مشهد كربلاء، وبعث ابنه إلى أبي بكر الخوارزمي شيخ الحنفيين [يسأله] [4] أن يبتاع له تربة يدفن بها وأن يقوم بأمره، فبذل للشريف أبي أحمد والد الرضى خمسمائة دينار مغربية ثمن تربة، فقال:
هذا رجل لجأ إلى جوار جدي فلا آخذ لتربته ثمنا وأخرج التابوت من بغداد وشيعه بنفسه ومعه الأشراف والفقهاء، وصلوا عليه بمسجد براثا وأصحبه خمسين رجلا من رجالة بابه.
3006- الحسين [5] بن هارون، أبو عبد الله الضبي القاضي
[6] :
ولد سنة عشرين وثلاثمائة، وكان إليه القضاء بربع الكرخ، ثم صار إليه القضاء بالجانب الغربي جميعه والكوفة وشقي الفرات.
وحدث عن الحسين المحاملي وابن عقدة وكان فاضلا دينا ثقة حجة عفيفا عارفا بالقضاء والحكم، بليغا في الكتابة، وولى القضاء نيابة عن ابن معروف في سنة ست
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] هذه الترجمة والتي بعدها جاءت في الأصل في الورقة (24/ ب) . أي قبل ترجمته عبد الله بن أحمد، وأبقينا عليها هنا لعدم الإخلال بالترتيب الابجدي.
وانظر ترجمته في: (الكامل بن الأثير 9/ 72، ويتيمة الدهر 3/ 118- 124، وإرشاد الأريب 1/ 65- 74، والأعلام 1/ 86، والكامل 8/ 50) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 146، والأعلام 2/ 261) .(15/62)
وسبعين، ثم وليه رياسة، ثم عزل الضبي عن القضاء في سنة سبع وسبعين فانحدر إلى البصرة، وتوفى بها في شوال هذه السنة.
3007- عبد الله [1] بن محمد، أبو محمد البخاري، المعروف بالبافي الخوارزمي
[2] .
كان من افقه أهل وقته على مذهب الشافعي، تفقه على أبي القاسم الداركي، ودرس مكانه، وله معرفة بالأدب وفصاحة شعر مطبوع يقوله من غير كلفة، ويعمل الخطب، ويكتب الكتب الطوال من غير روية.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: حدثنا البرقاني، قال: قصد أبو محمد البافي صديقا له ليزوره في داره فلم يجده فاستدعى بياضا ودواة فكتب إليه.
كم حضرنا وليس يقضى التلاقي ... نسأل الله خير هذا الفراق
إن أغب لم تغب وإن لم نغب ... غبت وكان افتراقنا باتفاق
/ توفي البافي فِي محرم هَذِهِ السنة.
3008- عبيد الله [3] بْن أحمد بن على بن الحسين، أبو القاسم المقرئ المعروف بابن الصيدلاني
[4] :
ولد سنة تسع وثلاثمائة، وسمع ابن صاعد وهو أحد من حدث عنه من الثقات، روى عنه الأزهري، وكان صالحا مؤمونا ثقة، توفي في رجب هذه السنة، ودفن في مقبرة أحمد بن حنبل.
3009- عبيد الله [5] بن عثمان بن على، أبو زرعة البناء الصيدلاني
[6] :
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «المعروف بالباقي» وفي أوصل: «المعروف باليافي» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 35، وطبقات الشافعية 2/ 233، والأعلام 4/ 120، 121، والبداية والنهاية 11/ 340) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 378، 379) .
[5] بياض في ت، وفي ص: «عبد الله» .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 379) .(15/63)
ولد سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وسمع القاضي المحاملي، روى عنه الأزهري، والعتيقي، وكان ثقة مأمونا. وتوفى في هذه السنة.
3010- عبد الواحد [1] بن نصر بن محمد، أبو الفرج المخزومي الشاعر الملقب بالببغاء:
[2] كان أديبا فاضلا وكاتبا مترسلا وشاعرا مجيدا [لطيفا] [3] .
5 خبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ على بن ثابت، / قال: أنشدنا أبو نصر أحمد بْن عَبْد اللَّه، قال: أنشدنا أبو الفرج عبد الواحد بن نصر لنفسه:
يا من تشابه منه الخلق والخلق ... فما تسافر إلا نحوه الحدث
ترديد دمعي في خديك مختلس ... وسقم جسمي من جفنيك مسترق
لم يبق لي رمق أشكو هواك به ... وإنما يتشكى من به رمق
أخبرنا محمد بن ناصر، أخبرنا محمد بن أبي نصر الحميدي، قال: أنشدنا أبو غالب محمد بن أحمد بن بشران، قال: أنشدنا أبو الفرج المخزومي المعروف بالببغاء لنفسه:
طمعت ثم رأيت اليأس أجمل لي ... تنزها فخصمت الشوق بالجلد
تبدلت وتبدلنا وأخسرنا ... من ابتغى خلفا يسلى فلم يجد
قال: وأنشدنا أبو غالب، عن أبي الفرج الببغاء، قال: إنها من مشهور شعره إلى عميد الجيوش، ولم نسمعها منه:
سألت زماني بمن أستغيث ... فقال استغث بعميد الجيوش
فناديت ما لي به حرمة ... فجاوب حوشيت من ذا وحوشى
رجاؤك إياه يدنيك منه ... ولو كنت بالصين أو بالعريش
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 11، وابن خلكان 1/ 298، ونزهة الجليس 2/ 239، ويتيمة الدهر 1/ 173، 204، والأعلام 4/ 177) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/64)
نبت بي دارى وفر العبيد ... وأودت ثيابي وبعت فروشى
/ وكنت ألقب بالببغاء ... قديما فقد مزق الدهر ريشي
وكان غذائي نقى الأرز ... فها أنا مقتنع بالحشيش
وكتب إليه أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي من الحبس، وكان قد زاره في محبسه بهذه الأبيات [1] .
أبا الفرج أسلم وابق وانعم ولا تزل ... يزيدك صرف الدهر حظا إذا نقص
مضت مدة أستام ودك غاليا ... فأرخصته والبيع غال ومرتخص
وآنستني من محبسي بزيارة ... شفت قرما من صاحب له قد خلص
ولكنما كانت كشجو لطائر ... فواقا كما يستفرص الفارص الفرص
فأحسبك استوحشت من ضيق موضعي ... وأوحشت خوفا من تذكرك القفص
كذا الكرز اللماح ينجو بنفسه ... إذا عاين الأشراك تنصب للقنص
فحوشيت يا قس الطيور فصاحة ... إذا أنشد المنظوم أو درس القصص
من المنشر الأشغي ومن حزة الهدى [2] ... ومن بندق الرامي ومن قصة المقص
ومن صعدة فيها من الدهر لهذم ... لفرسانكم عند الطراش بها قعص
/ فهذى دواهي الطير وقيت شرها ... إذا الدهر من أحداثه جرع الغصص
فكتب إليه [الببغاء جوابه] [3] :
أبا حامد مذ يمم المجد ما نكص [4] ... وبدر تمام مذ تكامل ما نقص
ستخلص من هذا السرار وإنما ... هلال توارى بالسرار [5] فما خلص
برأفة تاج الملة الملك الّذي ... بسؤدده في خطه المشتري خصص
__________
[1] «بهذه الأبيات» : ساقطة من ص، ل.
[2] في ص: «ومن جرة المدى» . وفي الأصل: «ومن حوة الهدى» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص، ل: «المجد ما نقص» .
[5] في ص: «هلال يواري بالسرار» .(15/65)
تقنصت بالإنصاف شكري ولم أكن ... علمت بأن الحر بالبر يقتنص
وصادفت أسنى فرصة فانتهزتها ... بلقياك إذ بالحزم تنتهز الفرص
أتتني القوافي الباهرات بحمل البدائع ... من مستحسن الجد والرخص
فقابلت زهر الروض منها ولم يجد ... وأخرزت در البحر فيها ولم أغص
وإن كنت بالببغاء قدما ملقبا ... فكم لقب بالجور لا العدل مخترص
وبعد فما أخشى تقنص جارح ... وقلبك لي وكر [1] وصدرك لي قفص
توفي الببغاء في شعبان هذه السنة.
3011- محمد [2] بن يحيى، أبو عبد الله الجرجاني
[3] :
كان زاهدا عالما مناظرا لأبى بكر الرازي، وكان يدرس في أول قطيعة الربيع، وفلج في آخر عمره، ومات في هذه السنة، ودفن إلى جنب أبي حنيفة.
__________
[1] في ص، ل: «وقلبك لي وغر» .
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 433) .(15/66)
ثم دخلت سنة تسع وتسعين وثلاثمائة
[انقضاض كوكب كبير]
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه انقض في وقت المغرب من يوم الأربعاء مستهل رجب كوكب عظيم الضوء وتقطع ثلاث قطع أخذت كل قطعة جانبا.
وفى يوم الثلاثاء ثالث عشر شعبان عصفت ريح شديدة، وألقت رملا أحمر في الدور والطرق.
[صرف أبو عمر بن عبد الواحد عن قضاء البصرة، وقلد أبو الحسن]
وفي هذه السنة [2] : صرف أبو عمر بن عبد الواحد عن قضاء البصرة، وقلد أبو الحسن بن أبي الشوارب، وقال العصفري الشاعر:
عندي حديث ظريف ... لمثله يتغنا
من قاضيين يعزى ... هذا وهذا يهنا
فذا يقول أكرهونا ... وذا يقول استرحنا
ويكذبان ونهذي ... فمن يصدق منا
وفي هذه السنة [3] : بلغ الحاج الثعلبية، فهبت عليهم ريح سوداء أظلمت منها الدنيا حتى لم ير بعضهم بعضا، كان ذلك في شهر آب، وأصابهم عطش شديد
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «وفيها» . وفي ت: بياض.
[3] في ص، ل: «وفيها» . وفي ت بياض.(15/67)
وإعتاقهم ابن الجراح الطائي فعادوا ووصلوا بغداد يوم عرفة، وأخذ بنو رعب الهلاليون، وكانوا ستمائة رجل حاج البصرة، وأخذوا منهم زيادة على ألف ألف دينار.
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
3012- تمنى [2] أم القادر باللَّه [3] :
أخبرنا عبد الرحمن [القزاز] [4] أخبرنا الخطيب، قَالَ: حَدَّثَنِي عبيد اللَّه [5] / بْن أَحْمَد بْن عثمان الصيرفي، أن أم القادر باللَّه مولاة عبد الواحد ابن المقتدر باللَّه [قال] [6] : وكانت من أهل الدين والفضل والخير، توفيت يوم الخميس الثاني والعشرين من شعبان، وصلى عليها القادر باللَّه في داره، ثم حملت بعد صلاة عشاء الآخرة في ليلة السبت الرابع والعشرين من شعبان سنة تسع تسعين وثلاثمائة في الطيار إلى الرصافة، فدفنت هناك.
3013- الحسين [7] بن حيدرة، بن عمر بن الحسين، أبو الخطاب الداودي الشاهد
[8] :
كان ينزل الجانب الشرقي وحدث عن الحسين بن إسماعيل [9] المحاملي، وغيره. روى عنه الخلال، والأزجي [10] ، وكان ثقة، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
3014- عبد الله [11] بن بكر بن محمد بن الحسين، أبو أحمد الطبراني
[12] :
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «مي» وفي ت بياض.
[3] انظر ترجمتها في: (الكامل، أحداث سنة 399) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «حدثني عبد الله» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 40) .
[9] في ل: «عن أبي الحسين بن إسماعيل» . وفي ص: «عن أبي الحسين المحاملي» .
[10] «الخلال» ساقطة من ص، ل.
[11] بياض في ت.
[12] في تاريخ بغداد: «عبد الله بن أبي بكر» .
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 423) .(15/68)
سمع ببغداد وبمكة من جماعة، وكان مكثرا سمع منه الدار الدارقطني، وعبد الغنى وعاد إلى الشام واستوطن موضعا يعرف بالأكواخ عند بانياس في أصل جبل، فأقام هناك يتعبد إلى أن توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
3015- محمد [1] بن أحمد بن علي بن الحسين، أبو مسلم [2] كاتب الوزير أبي الفضل ابن حنزابة
[3] .
نزل بمصر، وحدث بها عن البغوي، وابن أبي داود، وابن صاعد، وابن دريد، وابن مجاهد، وابن عرفة، وغيرهم وكان آخر من بقى من أصحاب البغوي.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني الصوري، قال: حدثني أبو الحسين العطار وكيل أبي مسلم الكاتب، وكان من أهل الفضل [4] العلم والمعرفة بالحديث، وكتب وجمع ولم يكن بمصر بعد عبد الغنى أفهم منه، وقال: ما رأيت في أصول أبي مسلم عن البغوي شيئا صحيحا غير جزء واحد كان سماعه فيه صحيحا، وما عدا ذلك مفسود قال الصوري: وقد اطلع منه على تخليط، ومات في آخر هذه السنة.
3016- محمد [بن على] [5] بن إسحاق ويعرف إسحاق بالمهلوس/ بن العباس بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن على بن أبي طالب يكنى [محمد] أبا طالب
[6] :
ولد سنة ست عشرة وثلاثمائة، وكان أحد الزهاد، وكان القادر باللَّه يعظمه لدينه وحسن طريقته، وقد روى عن الشبلي. وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] «ابن الحسين» : ساقطة من ص، ل.
[3] في ص: «خيرانة» . انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 323، والوافي 2/ 52، والأعلام 5/ 313) .
[4] «الفضل» : ساقطة من ص، ل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 93) .(15/69)
ثم دخلت سنة أربعمائة
[نقص الماء من دجلة نقصانا لم يعهد مثله]
فمن الحوادث فيها [1] :
أن الماء نقص في شهر ربيع الأول من دجلة نقصانا لم يعهد مثله، وظهرت فيها جزائر لم تكن قبل، وامتنع سير السفن فيها من أوانا والراشدية من أعالي دجلة، وأنفذ بمن كرى هذا الموضع وكان كرى دجلة مما استظرف وعجب منه لأنه لم تكر دجلة إلا في هذه السنة.
وفى جمادى الأولى بدئ ببناء السور على المشهد بالحائر، وكان أبو محمد الحسن بن الفضل بن سهلان قد زار هذا المشهد، وأحب أن يؤثر فيه أثرا [2] ثم ما نذر لأجله أن يعمل عليه سورا حصينا مانعا لكثرة من يطرق الموضع [3] من العرب، وشرع في قضاء هذا النذر ففعل وعمل السور وأحكم وعلَّا وعرض ونصبت عليه أبواب وثيقة وبعضها حديد، وتمم وفرغ منه وتحصن المشهد به وحسن الأثر فيه.
[الإرجاف بالخليفة القادر]
وفى رمضان أرجف بالخليفة القادر باللَّه، فجلس للناس في يوم جمعة بعد الصلاة وعليه البردة وبيده القضيب وحضر أبو حامد [4] الأسفرايني، وسأل أبو الحسن ابن حاجب النعمان الخليفة أن يقرأ آيات من القرآن ليسمعها الناس، فقرأ بصوت عال
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «يؤثر فيه مؤثرا» .
[3] في الأصل: «يسترق الموضع» .
[4] في الأصل: «وقبل أبو حامد» .(15/70)
مسموع: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ 33: 60 لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا مَلْعُونِينَ أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا [1] فبكى الناس وانصرفوا ودعوا.
[ورود الخبر بأن الحاكم أنفذ إلى دار جعفر بن محمد الصادق بالمدينة من فتحها]
وفى هذه السنة [2] : ورد الخبر بأن الحاكم/ أنفذ إلى دار جعفر بن محمد الصادق بالمدينة من فتحها وأخذ مصحفا وآلات كانت فيها ولم يتعرض لهذه الدار أحد منذ وفاة جعفر، وكان الحاكم قد أنفذ في هذه السنة رجلا ومعه رسوم الحسنيين والحسينيين وزادهم فيها ورسم له أن يحضرهم ويعلمهم إشارة لفتح الدار والنظر إلى ما فيها من آثار [3] جعفر، وحمل ذلك إلى حضرته ليراه ويرده إلى مكانه، ووعدهم على ذلك الزيادة في البر فأجابوه ففتحت فوجد فيها مصحف وقعب من خشب مطوق بحديد ودرقة خيزران وحربة وسرير فجمع وحمل ومضى معه جماعة من العلويين، فلما وصلوا أطلق لهم النفقات [القريبة] [4] ورد عليهم السرير وأخذ الباقي، وقال: أنا أحق به.
فانصرفوا ذامين له، وأضاف الناس هذا إلى ما كان يفعله من الأمور التي خرق بها [العادات] [5] فدعى عليه، فأمر بعمارة دار العلم وأحضر فيها العلماء والمحدثين وعمر الجامع وبالغ في ذلك، [6] فاتصل الدعاء له فبقى كذلك ثلاث سنين، ثم أخذ يقتل أهل العلم وأغلق دار العلم ومنع من كل ما نسخ فيه.
وحج بالناس في هذه السنة أبو الحارث محمد بن محمد بن عمر العلوي.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3017- الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر، أبو أحمد الموسوي:
ولد سنة أربع وثلاثمائة وكان يلقب بالطاهر، وبذى المناقب، ولقب بالأوحد،
__________
[1] سورة: الأحزاب، الآية: 60.
[2] بياض في ت.
[3] في الأصل: «والنظر فيما بقي من آثار» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «وأفضل في ذلك» .(15/71)
وخاطبه بهاء الدولة بالطاهر الأوحد، وولاه قضاء القضاة، فلم يمكنه القادر باللَّه. ولى النقابة في سنة أربع وخمسين وثلاثمائة ثم صرفه أبو الفضل العباس بن الحسين بن الحسن الشيرازي وزير عز الدولة سنة ستين، / وقلد أبا محمد الناصر العلويّ ثم أعيد أبو أحمد إلى النقابة لما مات عضد الدولة في صفر سنة ست وتسعين، ثم مرض فقلد مكانه أبو الحسين على بن أحمد بن إسحاق.
ثم ولى أبو الفتح محمد بن عمر وولى مع النقابة طريق الحج.
وحج بالناس مرات ثم توفي وبقى الطالبيون بغير نقيب، فأعيد أبو أحمد وأضيف إليه المظالم والحج واستخلف له ولداه المرتضى والرضى وخلع عليهما في سنة أربع وثمانين ثم عزل.
وولى أبو الحسن محمد بن الحسن الزيدي، ثم أعيد أبو أحمد، وهى الولاية الخامسة فلم يزل واليا حتى توفي، وكان قد حالفته الأمراض وأضر، فتوفى في هذه السنة عن سبع وتسعين سنة، وصلى عليه ابنه المرتضى، ودفن في داره ثم نقل إلى مشهد الحسين عليه السلام.
ورثاه ابنه المرتضى فقال:
سلام الله تنقله الليالي ... وتهديه الغدو إلى الرواح
على جدث تشبث من لؤى ... بينبوع العبادة والصلاح
فتى لم يرو إلا من حلال ... ولم يك زاده غير المباح
ولا دنست له أزر بوزر ... ولا علقت له راح براح
خفيف الظهر من ثقل الخطايا ... وعريان الجوانح من جناح
مسوق في الأمور إلى هداها ... ومدلول على باب النجاح
من القوم الذين لهم قلوب ... بذكر الله عامرة النواح
بأجسام من التقوى مراض ... لمبصرها وأديان صحاح
3018- الحجاج بن هرمرقنه أبو جعفر:
كان قد استتابه بهاء الدولة بالعراق وندبه لحرب الأعراب والأكراد، وكان متقدما(15/72)
في أيام عضد الدولة وأولاده عارفا بالحرب وكانت له هيبة/ عظيمة وشجاعة معروفة وآراء صائبة، وخرج عن بغداد في رمضان سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة فوقعت بها الفتن وكثرت العملات، وتوفى بالأهواز في ربيع الأول من هذه السنة عن مائة وخمس سنين.
3019- أبو عبد الله القمي المصري التاجر:
كان ذا مال غزير، وكان بزاز الخزانة بمصر فاشتملت وصيته على ألف ألف دينار ونيف مالا صامتا ومتاعا وجواهر وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة عند توجهه من مصر إلى مكة، وحمل عند وفاته إلى المدينة ودفن بها بالبقيع في جوار الحسن بن على.
3020- أبو الحسين الرفّاء القاضي المجيد:
قد ذكرنا من أحواله في الحج في سنة أربع وتسعين توفي في هذه السنة.(15/73)
ثم دخلت سنة أحدى وأربعمائة
[جمع أبو المنيع قرواش بن المقلد أهل الموصل وأظهر عندهم طاعة الحاكم صاحب مصر]
فمن الحوادث فيها:
أنه ورد الخبر بأن أبا المنيع قرواش بن المقلد جمع أهل الموصل وأظهر عندهم طاعة الحاكم صاحب مصر وعرفهم ما عزم عليه من إقامة الدعوة له ودعاهم إلى قبول ذلك، فأجابوه جواب الرعية المملوكة وأسروا الإباء والكراهية، وأحضر الخاطب في يوم الجمعة الرابع من المحرم، فخلع عليه وأعطاه النسخة ما يخطب به، فكانت:
«اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلا الله وله الحمد الذي انجلت بنوره غمرات الغضب، وانقدت بقدرته أركان النصب، وأطلع بنوره شمس الحق من الغرب الذي محا بعد له جور الظلمة وقصم بقوته ظهر [1] الغشمة فعاد الأمر إلى نصابه [2] ، والحق إلى أربابه البائن بذاته المتفرد بصفاته الظاهر بآياته المتوحد بدلالاته، لم تفته الأوقات فتسبقه الأزمنة، ولم تشبه الصور فتحويه الأمكنة، ولم تره العيون فتصفه الألسنة، سبق كل موجود وجوده، / وفات كل جود جوده، واستقر في كل عقل توحيده، وقام في كل مرأى شهيده، أحمده بما يجب على أوليائه الشاكرين تحميده، وأستعينه على القيام بما يشاء ويريده، وأشهد له بما شهد أصفياؤه وشهوده، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له شهادة لا يشوبها دنس الشرك، ولا يعتريها وهم الشك، خالصة من الإدهان، قائمة بالطاعة والإذعان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه اصطفاه واختاره لهداية
__________
[1] في الأصل: «وقسم بقدرته» .
[2] في الأصل: «فعاد الأمر إلى قضائه» .(15/74)
الخلق، وإقامة الحق، فبلغ الرسالة، وهدى من الضلالة والناس حينئذ عن التقوى [1] غافلون، وعن سبيل الحق ضالون، فأنقذهم من عبادة الأوثان، وأمرهم بطاعة الرحمن حتى قامت حجج الله وآياته، وتمت بالتبليغ كلماته صلى الله عليه وعلى أول مستجيب له على أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، أساس الفضل والرحمة، وعماد العلم والحكمة، وأصل الشجرة الكرام البررة النابتة في الأرومة المقدسة المطهرة، وعلى خلفائه الأغصان البواسق من تلك الشجرة، وعلى ما خلص منها وزكا من الثمرة.
أيها الناس اتقوا الله حق تقاته، وارغبوا في ثوابه، واحذروا من عقابه فقد ترون ما يتلى عليكم في كتابه، قال الله تعالى:
يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ 17: 71 [2] . وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ 4: 59 [3] . فالحذر الحذر أيها الناس، فكأن قد أفضت بكم الدنيا إلى الآخرة، وقد بان أشراطها ولاح سراطها [4] ومناقشة حسابها والعرض على كتابها: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ 99: 7- 8 [5] .
اركبوا سفينة نجائكم قبل أن تغرقوا، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا 3: 103 [6] ، واعلموا أنه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه، وأنيبوا إلى الله خير الإنابة، وأجيبوا داعي/ باب الإجابة قبل أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ 39: 56 [7] أَوْ تَقُولَ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ 39: 57 [8] أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ: لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ من الْمُحْسِنِينَ 39: 58 [9] .
__________
[1] في ص، ل: «من الهوى غافلون» .
[2] سورة: الإسراء، الآية: 71.
[3] سورة: النساء، الآية: 59.
[4] في ص: «ولاح شواطها» .
[5] سورة: الزلزلة، الآية: 7، 8.
[6] سورة: آل عمران، الآية: 103.
[7] سورة: الزمر، الآية: 56.
[8] سورة: الزمر، الآية: 57.
[9] سورة: الزمر، الآية: 58.(15/75)
تيقظوا من الغفلة والفترة قبل الندامة والحسرة وتمنى الكرة والتماس الخلاص ولات حين مناص، وأطيعوا إمامكم ترشدوا، وتمسكوا بولاة العهد تهتدوا، فقد نصب لكم علما لتهدوا به، وسبيلا لتقتدوا به، جعلنا الله وإياكم ممن تبع مراده، وجعل الإيمان زاده والهمة تقواه ورشاده، واستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين» .
ثم جلس وقام فقال: «الحمد للَّه ذي الجلال وخالق الأنام، ومقدر الأقسام المتفرد بالبقاء والدوام، فالق الإصباح وخالق الأشباح، وفاطر الأرواح أحمده أولا وآخرا، واستشهده باطنا وظاهرا، واستعين به إلها قادرا، واستنصره وليا ناصرا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ شهادة من أقر بوحدانية إيمانا واعترف بربوبيته إيقانا [1] وعلم برهان ما يدعوا إليه، وعرف حقيقة الدلالة عليه.
اللَّهمّ صل على وليك الأزهر، وصديقك الأكبر على بن أبي طالب أبي الأئمة الراشدين المهتدين، اللهم صلى على السبطين الطاهرين الحسن والحسين، وعلى الأئمة الأبرار الصفوة الأخيار من أقام منهم وظهر، ومن خاف منهم واستتر، اللهم صل على الإمام المهدي بك، والذي بلغ بأمرك واظهر حجتك ونهض بالعدل في بلادك هاديا لعبادك، اللهم صلى على القائم بأمرك وعلى المنصور بنصرك اللذين بذلا نفوسهما في رضاك وجاهدا أعداءك، اللهم صلى على/ المعز لدينك، المجاهد في سبيلك، المظهر لآياتك الحقية والحجة الجلية [2] . اللَّهمّ صل على العزيز بك الذي مهدت به البلاد وهديت به العباد، اللهم اجعل توافى صلواتك وزواكي بركاتك على سيدنا ومولانا إمام الزمان وحصن الإيمان وصاحب الدعوة العلوية والملة النبوية عبدك ووليك المنصور أبي على الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين، كما صليت على آبائه الراشدين وأكرمت أولياءك المهتدين، اللهم أعنه على ما وليته، واحفظه فيما استرعيته، وبارك له فيما أتيته وانصر جيوشه، وأعل أعلامه في مشارق الأرض ومغاربها، إنك على كل شيء قدير» .
وكان السبب في هذا أن رسل الحاكم ومكاتباته كانت تتردد إلى قرواش ترددا
__________
[1] في ص، ل: «واعترف بربوبيته إتيانا» .
[2] في ص، ل: «والحجة العلية» .(15/76)
أوجبت استمالته، فأقام له الدعوة بالموصل على ما ذكرناه وانحدر إلى الأنبار، فتقدم إلى الخطيب بإقامتها فهرب الخطيب إلى الكوفة فأقامها بها يوم الجمعة ثاني ربيع الأول، وأنفذ إلى القصر والمدائن فأقيمت بها في يوم الجمعة التاسع من هذا الشهر، وكشف قرواش وجهه بالخلاف وأظهر المباينة وأدخل يده في المعاملات السلطانية وخبط الناس خبطة المخارقة، وورد على الخليفة من هذا ما أزعجه فراسل عميد الجيوش وكاتب بهاء الدولة وأنفذ إليه أبا بكر محمد بن الطيب المتكلم [1] رسولا، وحمله قولا طويلا، فقال: والله إن عندنا من هذا الأمر أكثر مما عند أمير المؤمنين، لأن الفساد علينا به أكثر وقد كاتبنا أبا على وتقدمنا بإطلاق مائة ألف دينار يستعين بها على نفقات العسكر، وإن دعت الحاجة إلى مسيرنا كنا أول طالع على أمير المؤمنين.
ثم نفذ إلى/ قرواش في ذلك فاعتذر ووثق من نفسه في إزالة ذلك ووثق له في ترك المؤاخذة به، ثم وقع الرضا عنه وأقيمت الخطبة للقادر باللَّه، وكان الحاكم قد نفذ إلى قرواش ما قيمته ثلاثون ألف دينار فسار الرسول فتلقاه قطع الخطبة بالرقة فكتب إلى الحاكم يعرفه فكتب: «دع ما معك عند والي الرقة» .
وفى يوم الخميس لسبع بقين من صفر انقض كوكب في وقت العصر من الجانب الغربي إلى سمت دار الخلافة من الجانب الشرقي لم ير أعظم منه.
ولخمس بقين من رجب زادت دجلة وامتدت الزيادة إلى رمضان، فبلغت إحدى وعشرين ذراعا، ودخل الماء أكثر الدور الشاطئة، وقطيعة الدقيق، وباب التبن، وباب الشعير، وباب الطاق، وفاض على مسجد الكف بقطيعة الدقيق فخربه واحتمل أجذعه وسقوفه، وتفجرت البثوق وغرقت القرى والحصون.
[ورود الوزير أبي غالب بن خلف إلى بغداد]
وفي هذه السنة [2] : ورد الوزير أبو غالب بن خلف إلى بغداد، وقد رد إليه أمر العراق، ولقب فخر الملك.
[تقليد أبي محمد مكرم كرمان]
وفيها: قلد أبو محمد مكرم [3] كرمان مضافة إلى عمان.
__________
[1] «المتكلم» : ساقط من ص.
[2] في ص، ل: «وفيها» . وفي ب بياض.
[3] في الأصل: «أبو محمد بن مكرم» .(15/77)
وفيها [1] عصى أبو الفتوح [2] الحسن بن جعفر العلوي على الحاكم، ودعا إلى نفسه وتلقب بالراشد باللَّه. ولم يحج في هذه السنة أحد من العراق.
ذكر من توفي في هذه السنة [3] من الأكابر
3021- إبراهيم بن محمد [4] بن عبيد، أبو مسعود الدمشقي الحافظ
[5] :
سافر الكثير وسمع وكتب ببغداد والكوفة والبصرة وواسط والأهواز وإصبهان وبلاد خراسان، وكان له عناية بالصحيحين فعمل تعليقه أطراف الكتابين، ولم يرو إلا اليسير، وكان صدوقا دينا ورعا فهما، روى عنه أبو القاسم الطبري.
/ توفي ببغداد هذه السنة، وأوصى إلى أبي حامد الإسفرايني، فصلى عليه ودفن في مقبرة جامع المنصور قريبا من السكك.
3022- آدم [6] بن محمد بن آدم، أبو القاسم العكبري المعدل
[7] .
حدث عن النجاد [وابن قانع] [8] وعمر بن جعفر بن مسلم وغيرهم، وتوفى في صفر هذه السنة.
3023- الحسن [9] بن أبي جعفر، أستاذ هرمز، يكنى أبا علي، ويلقب عميد الجيوش
[10] :
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل، والأصل: «أبو الفتح» .
[3] بياض في ت.
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 172، 173) .
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 30) .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[9] بياض في ت.
[10] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 401) .(15/78)
ولد سنة خمسين وثلاثمائة، وكان أبوه من حجاب عضد الدولة، وجعل ابنه أبا على برسم خدمة ابنه صمصام الدولة، فخدم صمصام الدولة وبهاء الدولة، وولاه بهاء الدولة تدبير العراق فقدم سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة والفتن كثيرة والذعار قد انتشروا فقتل، وأغرق [1] خلقا [كثيرا] [2] وأقام الهيبة، ومنع أهل الكرخ يوم عاشوراء من النياحة وتعليق المسوح، وأهل باب البصرة من زيارة [قبر] [3] مصعب، وأعطى بعض غلمانه صينية فضة فيها دنانير، وقال: [خذها على رأسك و] [4] سر من النجمي إلى الماصر الأعلى فان اعترضك [5] معترض، فأعطه إياها وأعرف الموضع الذي أخذت منك فيه، فجاءه وقد انتصف الليل، وقال: قد مشيت البلد جميعه فلم يلقني أحد. ودخل الرخجي على عميد الجيوش وأدخل سبعين [6] مجلدة خزا ومنديلا كثيرا فيه مال، وقال: مات نصراني من أهل مصر وخلف هذا وليس له وارث. فقال عميد الجيوش: من حكم الاستظهار أن يترك [هذا] [7] بحاله، فإن حضر وارث وإلا أخذ، فقال الرخجي:
يحمل إلى خزانة مولانا إلى أن يبين الحال، فقال: لا يجوز أن يدخل خزانة السلطان ما لا يصح [8] استحقاقه. فكتب [9] من بمصر باستحقاق تلك التركة فجاء أخو الميت وأوصل الكتاب من مصر بأنه أخو المتوفي، فصادف/ عميد الجيوش واقفا على روشن داره يصلي الصبح [10] فظنه نقيبا، فدفع إليه الكتاب وسأله إيصاله إلى صاحب الخبر، فقضى له حاجته فدخل صاحب الخبر إلى عميد الجيوش ضاحكا، وقال: يا مولانا، قد صرفت عنك اليوم نفعا ومرفقا فإن السوادي، قال لي عند قضاء حاجته: بأي شيء أخدم
__________
[1] في ص «انتشر ففتك» . وفي ل: «انتشر فتنكر» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «الأعلى والصينية على رأسك، فإن اعترضك» .
[6] في ص، ل: «وأدخل الرحجي على عميد الجيوش سبعين مجلدة» .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[8] في ص، ل: «ما لم يصح استحقاقه» .
[9] في الأصل: «قد كتب» .
[10] في ص، ل: «يصلي الفجر» .(15/79)
النقيب الذي أوصل كتابي إليك، فقلت: ويحك هذا عميد الجيوش، فقال لي: هذا الذي تهابه ملوك الأطراف وكثر الدعاء له [1] ، فلما كان بعد مدة ورد كتاب ابن القمي التاجر من مصر على عميد الجيوش يعرفه أن ذلك الرجل حضر في مجمع من التجار، وحكى القصة فضج الناس بالدعاء وقالوا: ليتنا كنا في جواره وظله، ففرح عميد الجيوش، وقال: قد أحسن المكافأة، بقى عميد الجيوش واليا على العراق ثماني سنين وسبعة أشهر وأحد عشر يوما وهو الذي يقول فيه الببغاء [كما ذكرنا في ترجمته] [2] .
سألت زماني بمن أستغيث ... فقال استغث بعميد الجيوش
[وتوفى في هذه السنة عن إحدى وخمسين سنة، وتولى أبو الحسن الرضى بأمره، ودفن بمقابر قريش] [3] .
3024- الحسين [4] بن المظفر بن أحمد بن عبد الله بن كنداج [5] ، أبو عبد الله
[6] :
سمع إسماعيل بن محمد الصفار، والخلدي، وابن كامل القاضي، روى عنه البرقاني، وقال: ليس به بأس. كان من أولاد المحدثين [وكان يعرف] [7] . توفي في ذي الحجة من هذه السنة. [8]
3025- خلف [9] بن محمد بن على بن حمدون [10] ، أبو محمد الواسطي:
سمع الكثير، ورافق أبا الفتح بن أبي الفوارس في رحلته، فسمع/ بجرجان
__________
[1] في الأصل، ل: «الدعاء لك» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] بياض في ت.
[5] في ص، ل: «عبد الله أبي كيداخ» .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 142) .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[8] بياض في ت.
[9] في ت: «ابن حملون» .
[10] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 334، والبداية والنهاية 11/ 344، والأعلام 2/ 311) .(15/80)
ودخل بلاد خراسان وعاد إلى بغداد، ثم خرج إلى الشام ودخل مصر وكتب الناس بانتخابه، وخرج أطراف الصحيحين، وكان له حفظ ومعرفة، ونزل بعد ذلك ناحية الرملة فاشتغل بالتجارة وترك النظر في العلم إلى أن مات هناك، روى عنه الأزهري.
3026- عبيد الله [1] بن أحمد/ بن الهذيل، أبو أحمد الكاتب
[2] :
حدث عن إسماعيل الصفار، روى عنه الخلال، وكان ثقة. توفي في محرم هذه السنة، ودفن وراء الجامع بمدينة المنصور.
3027- عبيد الله [3] بن عمر بن محمد، أبو الفرج المصاحفي
[4] :
سمع أبا طاهر بن أبي هاشم المقرئ. وَكَانَ ثقة. توفي فِي شعبان هَذِهِ السنة.
__________
[1] في ص، ل، والأصل: «عبد الله» وفي ت بياض. وما أوردناه من تاريخ بغداد.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 380) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 380) .(15/81)
ثم دخلت سنة اثنتين وأربعمائة
[أذن فخر الملك لأهل الكرخ في عمل عاشوراء]
فمن الحوادث فيها [1] :
أن فخر الملك أذن لأهل الكرخ وباب الطاق في عمل عاشوراء، فعلقوا المسوح، وأقاموا النياحة في المشاهد.
وفى ربيع الآخر أمر القادر باللَّه بعمارة مسجد الكف بقطيعة الدقيق وإعادة أبنيته، ففعل ذلك وعمل لموضع الكف ملبن من صندل وضبب بفضة، وعمل بين يديه درابزينات.
[كتب في ديوان الخلافة محاضر في معنى الذين بمصر]
وفي هذا الشهر كتب في ديوان الخلافة محاضر في معنى الذين بمصر والقدح في أنسابهم ومذاهبهم، وكانت نسخة ما قرئ منها ببغداد وأخذت فيه خطوط الأشراف والقضاة والفقهاء والصالحين والمعدلين والثقات والأماثل بما عندهم من العلم والمعرفة بنسب الديصانية، وهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرمي أحزاب الكافرين ونطف الشياطين شهادة متقرب إلى الله جلت عظمته، وممتعض للدين والإسلام ومعتقد إظهار ما أوجب الله تعالى على العلماء أن يبينوه للناس ولا يكتمونه [شهدوا جميعا أن الناجم بمصر وهو منصور بن نزار المتلقب بالحاكم حكم الله عليه بالبوار والدمار والخزي والنكال والاستيصال ابن معد بن إسماعيل/ بن عبد الرحمن بن سعيد لا أسعده الله، فإنه لما صار إلى الغرب تسمى بعبد الله وتلقب بالمهدي ومن تقدمه من سلفه الأرجاس
__________
[1] بياض في ت.(15/82)
الأنجاس، عليه وعليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين، أدعياء خوارج لا نسب لهم في ولد على بن أبي طالب ولا يتعلقون منه بسبب، وأنه منزه عن باطلهم، وأن الذي ادعوه من الانتساب إليه باطل وزور وأنهم لا يعلمون أن أحدا من أهل بيوتات الطالبيين توقف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج أنهم أدعياء، وقد كان هذا الإنكار لباطلهم ودعواهم شائعا بالحرمين، وفى أول أمرهم بالغرب منتشرا انتشارا يمنع من أن يتدلس على أحد كذبهم أو يذهب وهم إلى تصديقهم، وأن هذا الناجم بمصر هو وسلفه كفار فساق فجار ملحدون زنادقة معطلون، وللإسلام جاحدون، ولمذهب الثنوية والمجوسية معتقدون، قد عطلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وأحلوا الخمور، وسفكوا الدماء، وسبوا الأنبياء، ولعنوا السلف وادعوا الربوبية، وكتب في ربيع الآخر من سنة اثنتين وأربعمائة.
وقد كتب خطه في المحضر خلق كثير من العلويين: المرتضى، والرضى وابن الأزرق الموسوي، وأبو طاهر بن أبي الطيب، ومحمد بن محمد بن عمر، وابن أبي يعلى، ومن القضاة: أبو محمد ابن الأكفاني، وأبو القاسم الخرزي [1] ، وأبو العباس السوري، ومن الفقهاء: أبو حامد الإسفرائيني، وأبو محمد الكشفلي، وأبو الحسين القدوري، وأبو عبد الله الصيمري، وأبو عبد الله البيضاوي، وأبو على بن حمكان، ومن الشهداء: أبو القاسم التنوخي. وقرئ بالبصرة [2] وكتب فيه خلق كثير.
وفى رجب وشعبان ورمضان [3] : واصل فخر الملك [4] الصدقات والحمول إلى المشاهد/ بمقابر قريش والحائر والكوفة، وفرق الثياب والتمور والنفقات في العيد على الضعفاء، وركب إلى الصلاة في الجوامع، وأعطى الخطباء والعوام [5] والمؤذنين الثياب والدنانير، وتقدم ليلة الفطر يتأمل من في حبوس القضاة، فمن كان محبوسا على دينار وعشرة قضى وما [6] كان أكثر من ذلك كفل وأخرج ليعود بعد التعييد، وأوعز بتمييز من
__________
[1] في ص: «أبو القاسم الجزري» .
[2] في الأصل: «أبو القاسم التنوخي في خلق كثير وقرئ بالبصرة» .
[3] بياض في ت.
[4] في ص: «فخر الدولة» .
[5] في ص: «والقواد» . وساقطة من ل.
[6] في ص: «ومن» .(15/83)
في حبس المعونة، وإطلاق من صغرت جنايته ووقعت توبته، فكثر الدعاء له في المساجد والأسواق.
وفى رمضان [1] : تقدم فخر الملك بنقض الدار المعزية بحصيرة شارع دار الدقيق [2] ، واستيثاق عمارتها، وتغيير أبنيتها، وعمل دور الحواشي جوارها، فأنفق عليها الجملة الكثيرة، وحملت إليها الآلات من كل بلد، وجعل فيها المجالس الواسعة والحجر الكثيرة والأبنية الرائقة، واستعملت لها الفروش بفارس والأهواز على مقادير بيوتها ومجالسها، وعمل على الانتقال إليها [وسكناها] [3] ثم استبعد موضعها ورآه نائبا عن الكرخ، فجعلها متنزها في الخلوات ومرسومة بالسمط والدعوات.
وفى ليلة الأربعاء خامس شوال: عصفت ريح سوداء فرمت من النخل أكثر من عشرة آلاف رأس.
وورد كتاب من يمين الدولة محمود بن سبكتكين إلى الخليفة بأنه غزا قوما من الكفار، فقطع إليهم مفازة من رمل وأصابه وأصحابه العطش كادوا يهلكون منه، ثم تفضل الله سبحانه عليهم بسحابة أظلتهم ومطرت وشربوا وسقوا ووصلوا إلى القوم وهو خلق عظيم ومعهم ستمائة فيل، فظفر بهم وأخذ غنائمهم وعاد.
وكان أبو الحسين عبد الله بن دنجا [4] عاملا على البصرة [5] ، وكان ملقبا بذي الرتبتين، / وكان بينه وبين أبي سعد بن ماكولا وحشة، فمرض أبو سعد مرضا صعبا فأنفذ أبو الحسين فوكل بداره، ثم اعتل أبو الحسين ومات وتماثل أبو سعد فأنفذ إلى داره بأولئك الموكلين حتى احتاطوا على ماله [6] وقبضوا على أصحابه.
وفى ذي الحجة [7] : ورد كتاب أبي الحارث محمد بن محمد بن عمر بأن ريحا
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ل: «الدار العزية بحصيرة شارع باب الدقيق» . وفي ص: «الدار العزبة بحضرة شارع دار الدقيق» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص: مكانها بياض، وفي ل: «دكا» بدون نقط.
[5] في الأصل: «عاملا بالبصرة» .
[6] في الأصل: «حتى أحاطوا على ماله» . والتصحيح من: ص، ل.
[7] بياض في ت.(15/84)
سوداء هاجت عند حصول الحاج بزبالا، وفقدوا الماء فهلك منهم خلق كثير، وبلغت المزادة من الماء مائة درهم، وتخفر جماعة ببني خفاجة ورجعوا إلى الكوفة وعمل الغدير والغار على سكون وطمأنينة، وأظهرت الفتيان من التعليق شيئا كثيرا واستعان [1] أهل السنة بالأتراك فأعاروهم الثياب والفروش الحسان والمصاغ والأسلحة.
ذكر من توفي في هذه السنة [2] من الأكابر
3028- أحمد [3] بن عبد الله بن الخضر بن مسرور، أبو الحسين المعدل المعروف بابن السوسنجردي
[4] :
سمع أبا عمر وابن السماك، وأحمد بن سلمان النجاد، وأبا بكر الشافعي، وغيرهم، وكان ثقة دينا، حسن الاعتقاد، شديدا في السنة، واجتاز يوما في الكرخ فسمع سب بعض الصحابة فجعل على نفسه أن لا يمشى في الكرخ، وكان يسكن باب الشام فلم يعبر قنطرة الصراة حتى مات.
توفي في رجب هذه السنة عن نيف وثمانين سنة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، قال: حدثني على بن الحسين العكبري، قال: سمعت عبد القادر بن محمد بن يوسف، يقول: رأيت أبا الحسن الحمامي المقرئ في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: أنا في الجنة، قلت: وأبي؟ قال: وأبوك معنا، فقلت: وجدنا/ يعنى أبا الحسين السوسنجردي؟
فقال: في الحظيرة، قلت: حظيرة القدس؟ قال: نعم أو كما قال.
3029- إسماعيل [5] بن الحسين بن على بن الحسن بن هارون، أبو محمد البخاري الفقيه الزاهد
[6] :
__________
[1] في ص، ل: «واستعمل» .
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 237) .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 310) .(15/85)
ورد بغداد حاجا مرارا، وحدث بها عن جماعة، روى عنه عبد العزيز الأزجي. توفي في شعبان هذه السنة.
3030- الحسن [1] بن الحسين بن على بن العباس بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت، أبو محمد النوبختي الكاتب:
[2] ولد في سنة عشرين وثلاثمائة، حدث عن على بن عبد الله بن مبشر الواسطي، والقاضي المحاملي، وكان سماعه صحيحا، روى عنه البرقاني، والأزهري، والتنوخي، قال البرقاني [3] : كان معتزليا، وكان يتشيع إلا أنه يتبين أنه صدوق، وقال الأزهري: كان رافضيا رديء المذهب. وقال العتيقي: كان ثقة في الحديث يذهب إلى الاعتزال.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
3031- الحسن [4] بن القاسم، [بن الحسن] [5] بن العلاء بن الحسن، أبو على الدباس
[6] .
وأصله من شهرزور. روى عنه الأزهري، والخلال، وكان ثقة. توفي في صفر هذه السنة.
3032- عثمان [7] بن عيسى، أبو [عمرو] [8] الباقلاوي
[9] :
كان أحد الشهود [10] الزهاد المتعبدين المؤثرين للخلوة، المنعكفين على الذكر، وكان قوته من نخلات له، وقيل: من كسب البواري، وكان لا يخرج إلا يوم الجمعة للصلاة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 299) .
[3] في الأصل: «والتنوخي والبرقاني» .
[4] بياض في ت.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في ص: «أبو علي الدياس» . وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 405) .
[7] بياض في ت.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[9] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 313) .
[10] «الشهود» : ساقطة من ص، ل.(15/86)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ، عَنْ أبي الحسين ابن المهتدي، قال: كان عثمان له مغتسل وجناز في المسجد، وكان يصلي بينهما، وكنت أصلي به في شهر رمضان، فقرأت ليلة سورة الحاقة حتى أتيت إلى هذه الآية: فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ 69: 15 [1] فصاح وسقط مغشيا عليه، فما بقى في المسجد أحد إلا/ انتحب، وكان يتعمم بشاروفة، وكان يأكل من كسب البواري، وكان قد سأله السعيد التركي أن يصل إليه منه شيء فأبى، فقال له: إذا أبيت فتأذن لي أن اشترى دهنا نشعله في المسجد، وكان مأواه المسجد ما كان يخرج منه إلا يوم الجمعة [فأجاب إلى ذلك] [2] فلما عاد الرسول على أنه يحمل إليه دهنا قال له: لا تجئني بشيء آخر قد أظلم على البيت.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر، عن أبي القاسم التنوخي، قال: قصدته لشدة وقعت فيها فطرقت بابه، فقال: من؟ قلت: مضطر، فقال: ادع ربك يجبك، فدعوت على بابه وعدت وقد كفيت ما خفته، توفي أبو عمرو [3] لسبع بقين من رمضان هذه السنة، ودفن في مقبرة جامع المنصور.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، قال: حدثني علي بن الحسين ابن جداء العكبري، قال: سمعت عرس الخباز، يقول: لما دفن عثمان الباقلاوي رأيت في المنام بعض من هو مدفون في جوار قبره، فقلت: كيف فرحكم بجوار عثمان؟ فقال: وإن عثمان لما جيء به سمعنا قائلا يقول: الفردوس الأعلى أو كما قال.
3033- على [4] بن أحمد بن محمد بن يوسف، أبو الحسن القاضي السامري
[5] .
[من أهل سرمن رأى] [6] . سمع إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي. وكان ثقة صدوقا صالحا.
__________
[1] سورة: الحاقة، الآية: 15.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «أبو عثمان» . وساقطة من ص، ل.
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 327) .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/87)
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: حدثنا عنه ابن بنته أبو الحسين محمد بن أحمد بن حسنون النرسي، قال [لنا] [1] : ما رأيت جدي مفطرا بنهار قط [2] ، توفي في هذه السنة.
3034- محمد [3] بن بكران بن عمران بن موسى بن المبارك، أبو عبد الله البزاز، ويعرف بابن الرازي
[4] :
سمع الحسين بن إسماعيل المحاملي، ومحمد بن مخلد.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بن محمد، أخبرنا أبو بكر الخطيب، حدثنا عنه البرقاني وسألته عنه فقال: ثقة. وقال العتيقي: ثقة.
وحدثني عبد الله بن على قال: توفي يوم الخميس/ لعشر بقين من جمادى الآخرة من هَذِهِ السنة، ودفن بالشونيزية.
3035- محمد [5] بن جعفر بن محمد بن هارون بن فروة بن ناجية، أبو الحسن التميمي النحوي المعروف بابن النجار
[6] .
من أهل الكوفة. ولد سنة ثلاث وثلاثمائة بالكوفة وقدم بغداد وحدث بها عن ابن دريد ونفطويه والصولي وغيرهم.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ مُحَمَّدٍ] [7] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، أخبرنا العتيقي، قال:
ابن النجار ثقة.
توفي بالكوفة في جمادى الأولى من هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «ابن حسنون الرشي» . وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «مفطرا نتهار» .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 108) .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (إرشاد الأريب 6/ 467، وغاية النهاية 2/ 111، وشذرات الذهب 3/ 164، وبغية الوعاة 28، والأعلام 6/ 71) .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/88)
ثم دخلت سنة ثلاث وأربعمائة
[تقليد الرضي أبو الحسن الموسوي نقابة الطالبيين]
فمن الحوادث فيها: [1] انه قلد الرضي أبو الحسن الموسوي [2] يوم الجمعة السادس عشر من المحرم نقابة الطالبيين في سائر الممالك، وورد له [3] عهد بذلك من حضرة بهاء الدولة، وقرئ في دار فخر الملك بحضرته بعد أن جمع الأكابر من الأشراف والقضاة والعلماء والجند، وخلعت عليه خلعة سوداء، وهو أول طالبي خلع عليه السواد.
[خروج فخر الملك إلى كنف اليهودي بالنهروان]
وفى يوم الأربعاء سادس صفر: خرج فخر الملك إلى بثق اليهودي بالنهروان فعمل فيه حتى أحكمه، وأخذ بيده باقة قصب [4] فطرحها فوافقه الناس، وحملوا التراب على رءوسهم، ووقع في بعض الجسور والفوارات [5] رجلان من السوادية، فطرح التراب والقصب عليهما فهلكا وبات فخر الملك [6] ساهرا ليلته، قائما على رجله والرجال يعملون، حتى ثبت السكر ثم رتب العمال في كل رستاق وعمر البلاد، فارتفع في تلك السنة بحق السلطان بضعة عشر ألف كر وخمسون ألف دينار.
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «أبو الحسين الموسوي» .
[3] في الأصل: «وجه ذكر» .
[4] في الأصل: «وأخذ بيده مائة قصب» .
[5] في ص، ل: «في بعض الخسوف والفوارات» .
[6] في ص، ل: «وكان فخر الملك» .(15/89)
/ وفى هذا الشهر [1] : ورد الخبر على فخر الملك من الكوفة، بأن أبا فليتة ابن القوي سبق الحاج إلى واقصة في ستمائة رجل، فنزح الماء في مصانع البرمكي، والريان [2] وغورها، وطرح في الآبار الحنظل، وأقام يراصد ورودهم، فلما وردوا العقبة [في] [3] يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر اعتقلهم هناك [4] ، ومنعهم الاجتياز، وطالبهم بخمسين ألف دينار فامتنعوا من تقرير أمره على شيء، وضعفوا عن الصبر، وبلغ منهم العطش فهجم عليهم فلم يكن عندهم دفع ولا منع، فاحتوى على الجمال والأحمال والأموال فهلك من الناس الكثير، وقيل: هلك خمسة عشر ألف إنسان ولم يفلت إلا العدد اليسير، وأفلت أبو الحارث بن عمر العلوي وهو أميرهم في نفر من الكبار على أسوأ حال، وفى آخر رمق خلص من خلص بالتخفير من العرب وركوب الغرر في المشي على القدم، وكان فخر الملك حينئذ مقيما على سد الشق [5] فورد عليه من هذا الأمر [6] أعظم مورد وكاتب عامل الكوفة بأن يحسن إلى من سلم ويعينهم [7] وكاتب [8] على بن مزيد، وأمره أن يطلب العرب الذين فعلوا هذا ويوقع بهم بما يشفى الصدر منهم [وندب] [9] من يخرج لمعاونته فسار ابن مزيد فلحق القوم في البرية وقد قاربوا البصرة، فأوقع بهم وقتل الكثير منهم، واسر ابن القوى أبا فليتة والأشتر وأربعة عشر رجلا من وجوه بنى خفاجة، ووجد الأحمال والأموال قد تمزقت، وأخذ كل فريق من ذلك الجمع طرفا، فانتزع ما أمكنه انتزاعه وعاد إلى الكوفة، وبعث بالأسراء إلى بغداد فشهروا وأودعوا الحبس، وأجيع منهم جماعة وأطعموا المالح، وتركوا على/ دجلة حتى شاهدوا الماء حسرة وماتوا عطشا هناك، وأوقع أبو الحسن بن مزيد
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «والزيات» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «أعتاقهم هناك» .
[5] في ص، ل: «علي سد البسق» .
[6] في الأصل: «من هذا الحادث» .
[7] في المطبوعة: «ونصبهم» .
[8] «وكاتب» : ساقطة من ص.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/90)
بخفاجة بعد سنين فافلت من أسروه من الحاج، وكانوا قد جعلوهم رعاة لأغنامهم، فعادوا وقد قسمت تركاتهم وتزوجت نساؤهم.
وفى ليلة الأربعاء لثلاث بقين من صفر وقت العشاء انقض كوكب كبير الجرم عن يمنة القبلة، وملأ الأرض ضوؤه واستعظم الناس ما رأوه منه.
وفى شعبان وقعت بالكوفة صاعقة في أثناء رعد وبرق، فسقطت على حائط فرمت به، وفى رمضان انقض كوكب من المشرق إلى المغرب غلب ضوؤه ضوء القمر، وتقطع قطعا وبقى ساعة طويلة.
وفى شوال توفيت بنت أبي نوح الأهوازي [1] [الطبيب زوجة أبي نصر بن إسرائيل] [2] كاتب المناصح أبي الهيجاء، فأخرجت جنازتها نهارا ومعها النوائح والطبول والزمور والرهبان والصلبان والشموع، فقام رجل من الهاشميين فأنكر ذلك ورجم الجنازة، فوثب أحد غلمان المناصح بالهاشميّ فضربه [بدبوس] [3] على رأسه فشجه فسال دمه وهرب النصارى بالجنازة إلى بيعة دار الروم، فتبعهم المسلمون ونهبوا البيعة وأكثر دور النصارى المجاورة لها [4] ، وعاد ابن إسرائيل إلى داره فهجموا عليه فهرب منهم، وأخرج ابن إسرائيل مستخفيا حتى أوصل إلى دار [5] المناصح، وثارت الفتنة بين العامة وغلمان المناصح، وزادت ورفعت المصاحف في الأسواق، وغلقت أبواب المساجد [6] ، وقصد الناس دار الخليفة على سبيل الاستنفار، وركب ذو النجادين [7] أبو غالب إلى دار المناصح، فأقام بها.
__________
[1] في الأصل: «بنت أبي الفرج الأهوازي» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «المجاوريين لها» .
[5] في الأصل: «حتى وصل إلى داره» .
[6] في الأصل: «وغلقت الجوامع» .
[7] في ص: «ذو العادتين» .(15/91)
ووردت رسالة الخليفة إلى المناصح/ بإنكار ما جرى وتعظيم الأمر فيه وبالتماس ابن إسرائيل وتسليمه، فامتنع المناصح من ذلك، فغاظ الخليفة امتناعه وتقدم بإصلاح الطيار للخروج عن البلد، وجمع الهاشميين إلى داره.
واجتمعت العوام [1] في يوم الجمعة، وقصدوا دار المناصح ودفع غلمانه، فقتل رجل ذكر أنه علوي، فزادت الشناعة وامتنع الناس من صلاة الجمعة، وظفرت العامة بقوم من النصارى فقتلوهم، وترددت الرسائل إلى المناصح إلى أن بذل حمل ابن إسرائيل إلى دار الخلافة، فكف العامة عن ذلك وألزم أهل الذمة الغيار، ثم افرج عن ابن إسرائيل في ذي القعدة.
وفى ذي القعدة [2] : بعث يمين الدولة [أبو القاسم] [3] محمود إلى حضرة الخليفة كتابا ورد إليه من الحاكم صاحب مصر يدعوه فيه إلى طاعته والدخول في بيعته، وقد خرقه وبصق في وسطه.
وفى هذه السنة [4] : قرئ عهد أبي نصر بن مروان الكردي على آمد وميافارقين وديار بكر، وخلع عليه الطوق والسوار، ولقب نصير الدولة.
وفيها ورد حاج خراسان ووقف الأمر في خروجهم إلى مكة لفساد [في] [5] الطريق وغيبة فخر الملك، فانصرفوا وبطل الحج من خراسان والعراق.
وفيها [6] : خلع على أبي الحسن على بن مزيد، وهو أول من تقدم من أهل بيته.
__________
[1] في الأصل: «واجتمعت القوم» .
[2] بياض في ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] بياض في ت.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] بياض في ت.(15/92)
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
3036- أحمد [2] بن على، أبو الحسن البتي
[3] :
كان يكتب للقادر عنه مقامه بالبطيحة ولما وصلته البيعة كتب عنه إلى بهاء الدولة، وكان البتي حافظا للقرآن، تاليا له، مليح المذاكرة بالأخبار والآداب، عجيب النادرة ظريف التماجن، انحدر مع الرضى/ والمرتضى وابن أبي الريان وجماعة من الأكابر لاستقبال بعض الملوك، فخرج عليهم اللصوص ورموهم بالحذافات وجعلوا يقولون:
ادخلوا يا أزواج القحاب، فقال البتي: ما خرج هؤلاء علينا إلا بعين، قالوا: ومن أين علمت؟ قال: وإلا فمن أين علموا أننا أزواج قحاب.
وكان البتي صاحب الخبر والبريد في الديوان القادري، توفي في شعبان هذه السنة.
3037- إسماعيل [4] بن عمر بن محمد بن إبراهيم، المعروف بابن نسنبك
[5] .
كان من ولد جرير بن عبد الله، وكان يسكن باب الأزج وتقلد النظر في الحكم هناك، وحدث عن أبي بكر الشافعي، وكان ثقة. توفي في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن بباب الأزج.
3038- إسماعيل [6] بن الحسن بن عبد الله بن الهيثم الصرصري
[7] .
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 320، واللباب 1/ 163، ومعجم البلدان 2/ 240، والأعلام 1/ 171) .
[4] بياض في ت.
[5] في الأصل: «المعروف بابن سلك» . وقد جاءت هذه الترجمة في ت بعد الترجمة التي تليها.
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 312) .
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 311) .(15/93)
من أهل صرصر سمع الحسين [1] بن إسماعيل المحاملي، وأبا العباس بن عقدة وغيرهما. [2] روى عنه البرقاني، وقال: هو ثقة.
وتوفي ببغداد في جمادي الآخرة من هذه السنة [3] ، وصلى عليه أبو حامد الأسفراييني في مشهد سوق الطعام، وحمل إلى صرصر.
3039- الحسن [4] بن حامد بن على بن مروان، أبو عبد الله الوراق الحنبلي
[5] .
كان مدرس أصحاب أحمد وفقيههم في زمانه وله المصنفات الكبار، منها:
«كتاب الجامع» نحو أربعمائة جزء يشتمل على اختلاف الفقهاء، وله مصنفات في أصول الدين والفقه، وهو شيخ القاضي أبي يعلى ابن الفراء، وكان معظما في النفوس مقدما عند السلطان والعامة، وحدث عن أبي بكر الشافعي، وابن مالك القطيعي، وغيرهما: وكان ينسخ بأجرة، ويتقوت بذلك، وخرج في هذه السنة إلى مكة فجرى من العرب ما قد ذكرناه، فاستند [6] حجر، فجاءه رجل بقليل من ماء وقد أشفى على التلف، فقال: / من أين هذا؟ فقال: ما هذا وقته، فقال: بلى هذا وقته عند لقاء الله تعالى، فتوفى بقرب واقصة.
3040- الحسين [7] بن الحسن بن محمد، أبو عبد الله الحليمي
[8] .
ولد بجرجان، وحمل إلى بخارى وكتب الحديث وتفقه وصار رئيس المحدثين ببخارى، وتولى القضاء، وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] في ص: «سمع الحسن» .
[2] في الأصل: «ونحوهما» .
[3] في ص، ل: «وتوفي ببغداد هذه السنة» .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 303، وطبقات الحنابلة 359، والنجوم الزاهرة 4/ 232، وطبقات الحنابلة 2/ 171- 177، والأعلام 2/ 187) .
[6] بياض في ت.
[7] في ص: «الحسن بن الحسين» .
[8] في الأصل: «ابن محمد الحليمي أبو عبد الله» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية، والأعلام 2/ 235، والرسالة المستطرفة 44) .(15/94)
3041- فيروز [1] أبو نصر الملقب بهاء الدولة
[2] :
هو الذي قبض على الطائع جمع من الأموال ما لم يجمعه أحد من بنى بويه، وكان يبخل بالدرهم الواحد، ويؤثر المصادرات، وتوفى بأرجان في [جمادى الآخرة من] هذه السنة، وكانت إمارته أربعا وعشرين سنة وثلاثة أيام، وعمره اثنتين وأربعين سنة وستة أشهر [3] وعشرين يوما، وكان مرضه الصرع وحمل إلى الكوفة فدفن بالمشهد.
3042- قابوس [4] بن وشمكير
[5] :
كان أصحابه قد تغيروا عليه حين سطا بهم وترك الرّفق وقتل خواصه، فاجتمع جماعة منهم [6] إلى ابنه منوجهر وأعلموه أنهم قد عزموا على قتل قابوس، وأنه إن لم يقبض عليه قرنوه به، فقبض عليه ورقاه القلعة ومنعه ما يتدثر به في شدة البرد، فهلك، وكان قد حكم على نفسه في النجوم أن منيته على يد ولده، فأبعد ولده دارا لما كان يرى من عقوقه، فبعد وقرب منوجهر لما كان ير من طاعته، وكانت منيته بسببه. ومن شعر قابوس:
خطرات ذكرك تستثير مودتي ... فأحس منها في الفؤاد دبيبا
لا عضو لي إلا وفيه صبابة ... فكأن أعضاي خلقن قلوبا
3043- محمد [7] بن محمد بن عمر، أبو الحارث العلوي
[8] :
كانت إليه/ نقابة العلويين بالكوفة، وكان إليه تسيير الحاج، فسيرهم عشر سنين، وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 403) .
[3] في ل: «سنة وتسعة أشهر» . وفي الأصل: «سنة وسبعة أشهر» .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (النجوم الزاهرة 4/ 233، وابن خلكان 1/ 425. وكمال البلاغة 4- 14، وابن الوردي 1/ 325، والكامل 9/ 82. والعتبي 1/ 105، 389، 2/ 12، 172، ويتيمة الدهر 3/ 288) .
[6] في ص، ل: «فاجتمع نفر منهم» .
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 83، والأعلام 7/ 21) .(15/95)
3044- محمد [1] بن الطيب بن محمد، أبو بكر الباقلاني
[2] :
سمع الحديث من أبي بكر بن مالك القطيعي، وأبي محمد بن ماسي، وأبي أحمد النيسابوري إلا أنه كان متكلما على مذهب الأشعري.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ [3] ، أخبرنا أبو القاسم على بن الحسن بن أبي عثمان وغيره، أن عضد الدولة كان قد بعث القاضي أبا بكر الباقلاني في رسالة إلى ملك الروم، فلما ورد مدينته عرف الملك خبره وبين له محله في العلم، فأفكر الملك في أمره وعلم أنه لا يفكر له إذا دخل عليه كما جرى رسم الرعية أن يقبل الأرض بين يدي الملوك، ثم نتجت له الفكرة أن يضع سريره الذي يجلس عليه وراء باب لطيف لا يمكن أحد أن يدخل منه إلا راكعا ليدخل القاضي منه على تلك الحال عوضا من تكفيره بين يديه، فلما وضع سريره في ذلك الموضع أمر بإدخال القاضي من الباب، فسار حتى وصل إلى المكان فلما رآه تفكر فيه ثم فطن بالقصة، فأدار ظهره وحنى رأسه ودخل من الباب، وهو يمشى إلى خلفه وقد استقبل الملك بدبره حتى صار بين يديه، ثم رفع رأسه ونصب ظهره وأدار وجهه حينئذ إلى الملك، فعجب من فطنته ووقعت له الهيبة في نفسه.
توفي أبو بكر الباقلاني يوم السبت لسبع بقين من ذي القعدة من هذه السنة [4] ، ودفن في داره بدرب المجوس من نهر طابق، ثم نقل بعد ذلك فدفن في مقبرة باب حرب.
3045- محمد [5] بن موسى [بن محمد، أبو بكر] [6] الخوارزمي
[7] :
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 379، ووفيات الأعيان 1/ 481، وقضاة الأندلس 37- 40، ودائرة المعارف الإسلامية 3/ 294، والوافي بالوفيات 3/ 177، والديباج المذهب 267، وتبيين كذب المفتري 217- 226، والأعلام 6/ 176، 117) .
[3] في الأصل: «أخبرنا أحمد بن علي الجاحظ» والتصحيح من: ص، ل والمطبوعة.
[4] «من هذه السنة» ساقطة من ص.
[5] بياض في ت.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 247) .(15/96)
شيخ أهل الرأي وفقيههم سمع الحديث [1] من أبي بكر الشافعي وغيره، / ودرس الفقه على أبي بكر أحمد بن على الرازي، وانتهى إليه الرئاسة في مذهب أبي حنيفة، وكان معظما، عند الملوك، وكان من تلامذته الرضى [2] والصيمري.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن على بن ثابت، قَالَ: سمعت أبا بكر البرقاني يذكر أبا بكر الخوارزمي بالجميل ويثني عليه فسألته [3] عن مذهبه في الأصول، فقال: سمعته يقول: مذهبنا مذهب العجائز [4] ، ولسنا في الكلام في شيء، قال البرقاني: وكان له إمام يصلي به حنبلي، ووصف لنا البرقاني حسن اعتقاده وجميل طريقته [5] .
قال ابن ثابت: وحدثني القاضي أبو عبد الله الصيمري، قال: ثم صار إمام أصحاب أبي حنيفة ومدرسهم ومفتيهم شيخنا أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي، وما شهد الناس مثله في حسن الفتوى والإصابة فيها، وحسن التدريس، وقد دعى إلى ولاية الحكم مرارا فامتنع منه.
وتوفى ليلة الجمعة الثامن عشر من جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعمائة، ودفن في منزله بدرب عبدة.
3046- ورام التركي [6] : أبو المذكور الأمير
[7] توفي، وأقام ابنه أبو الفتح مقامه.
__________
[1] في الأصل: «سمع أهل الحديث» .
[2] في الأصل: «تلامذة الرضي» .
[3] «ويثني عليه» : ساقطة من ص، ل.
[4] في ص، ل: «ديننا دين العجائز» وكذا في تاريخ بغداد.
[5] في الأصل: «وجميل موافقته» .
[6] بياض في ت. وفي الأصل: «التسريحي» .
وانظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 403) .
[7] «الأمير» : ساقطة من ل.(15/97)
ثم دخلت سنة أربع وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه في يوم الخميس غرة ربيع الأول، انحدر فخر الملك إلى دار الخلافة، فلما صعد من الزبزب تلقاه أبو الحسن علي بن عبد العزيز [2] بن حاجب النعمان، وقبل الأرض بين يديه مرارا وفعل من كان معه من الحجاب وقدم الدار/ مثل ذلك، وقدمت له دابة فركبها من المشرعة إلى الموضع الذي نزل فيه عضد الدولة من دار السلام، ودخل والحجاب قدامه وأجلس في الرواق الذي دون قبة الخمار، وجلس الخليفة في القبة، ودعا فخر الملك ووصل الناس بعده على مراتبهم، ثم زحموا ودخلوا بأسرهم فامتلأ الموضع وكثر البوش واللغط، وامتنع على الحجاب أن يمسكوا الأبواب، فقال الخليفة، يا فخر الملك، امنع من هذا الاختلاط، فأخذ دبوسا ورد كثيرا من الناس وأخرجهم، ووكل النقباء والستريين بباب القبة، وقرأ أبو الحسن على بن عبد العزيز عهد سلطان الدولة بالتقليد [له] [3] والألقاب، فلما فرغ منه أوقع الخليفة علامته فيه وأحضرت الخلع، فكانت سبعا على العادة، ومعممة سوداء، وسيفا وتاجا مرصعا، وسوارين، وطوقا، وكل ذلك مصوغ من ذهب، وفرسين بمركبين من ذهب، ولوائين تولى الخليفة عقدهما بيده، ثم أعطاه سيفا وقال للخادم، قلده به فهو فخر له [4] ولعقبه يفتح به شرق الأرض وغربها.
__________
[1] بياض في ت.
[2] «بن عبد العزيز» : ساقطة من ص.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص: «فهو بزله» .(15/98)
وفي هذه السنة حج بالناس [1] أبو الحسن محمد بن الحسن بن الأقساسي [2] وكذلك في سنة خمس وست.
ذكر من توفي في هذه السنة [3] من الأكابر
3047- الحسين [4] بن أحمد بن جعفر، أبو عبد الله المعروف بابن البغدادي
[5] :
سمع الحديث، كان زاهدا عابدا.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، / أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، قال: سمعت بعض [الشيوخ] [6] الصالحين يقول: كان أبو عبد الله ابن البغدادي لا يزال يخرج إلينا وقد انشق رأسه وانفتحت جبهته، فقيل له: كيف ذلك؟ قال: كان لا ينام إلا عن غلبة ولم يكن يخلو أن يكون بين يديه محبرة أبو قدح أو شيء من الأشياء موضوعا، فإذا غلبه النوم سقط على ما يكون بين يديه فيؤثر في جبهته أثرا، وكان لا يدخل الحمام ولا يحلق رأسه لكن يقص شعره إذا طال بالجلم، وكان يغسل ثيابه بالماء حسب من غير صابون، وكان يأكل خبر الشعير، فقيل له في ذلك، فقال: الشعير والحنطة عندي سواء.
توفي في شعبان هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب.
3048- الحسين [7] بن عثمان بن على، أبو عبد الله الضرير المقرئ المجاهدي
[8] .
بغدادي سكن دمشق، كان يذكر أن ابن مجاهد لقنه القرآن: وهو آخر من مات من أصحاب ابن مجاهد، وكان قد جاوز المائة.
__________
[1] في ت: «في هذه السنة بالناس» .
[2] في ص: «الحسن بن الأقسامي» .
[3] بياض في ت.
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 15) .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 84) .(15/99)
توفي في جمادى الأولى من هذه السنة ودفن في مقابر الفراديس.
3049- على [1] بن سعيد، الإصطخري
[2] :
أحد شيوخ المعتزلة صنف للقادر باللَّه الرد على الباطنية، وأجرى عليه جراية سنية، فلما توفي نقل جرايته إلى ابنته، وكان ينزل درب رياح، وكانت وفاته في هذه السنة عن نيف وثمانين سنة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 431، النجوم الزاهرة 4/ 236) .(15/100)
ثم دخلت سنة خمس وأربعمائة
[ورود الكتاب من الموقف بمكة بسلامة الناس]
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه ورد الكتاب في يوم الثلاثاء الخامس من [المحرم من] [2] الموقف بمكة بسلامة الناس، وتمام الحج على يدي رجلين من بنى خفاجة، فخلع عليهما، فطيف بهما البلد فبينما [هما] [3] كذلك حضر رجل/ ذكر أن أباه ورد من مكة بهذا الكتاب، وأن هذين البدويين اعترضاه في طريقه وقتلاه، وأخذا الكتاب منه، وورد به فتقدم إلى فخر الملك بالقبض عليهما ومعاقبتهما وحبسهما، وأطلق لولد المقتول ضلة.
[ورود الخبر بأن صاحب مصر حرم على النساء الخروج من منازلهن]
وفى جمادى الآخرة: ورد الخبر بأن الحاكم صاحب مصر حظر على النساء الخروج من منازلهن والاطلاع من سطوحهن ودخول الحمامات، ومنع الأساكفة من عمل الخفاف لهن، وقتل عدة نسوة خالفن أمره في ذلك، وكان الحاكم قد لهج بالركوب بالليل يطوف الأسواق، ورتب في كل درب أصحاب أخبار يطالعونه بما يعرفونه، ورتبوا لهم عجائز يدخلن الدور ويرفعن إليهم أخبار النساء، وأن فلانا يحب فلانة وفلانة تحب فلانا، وأن تلك تجتمع مع صديقها، وهذا مع صاحبته، فكان أصحاب الأخبار يرفعون إليه ذلك، فينفذ من يقبض على المرأة التي سمع عنها مثل ذلك، فإذا اجتمع عنده جماعة منهن أمر بتغريقهن، فافتضح الناس وضجوا من ذلك،
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/101)
فأمر برفعه والنداء بأنه متى خرجت المرأة من منزلها أباحت دمها [1] ورأى بعد النداء عجائز ظاهرات فغرقهن، فكانت المرأة إذا ماتت كتب وليها رقعة إلى قاضي القضاة يلتمس غاسلة تغسلها فتوقع إلى صاحب المعونة إذا صح عندك وفاة المرأة المذكورة أمرت رجلين من ثقاتك أن يحملوا الغاسلة تغسلها، ثم تعاد إلى منزلها ثم هم بتغيير هذه السنة، فاتفق أن مر قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقي ببعض المحال، فنادته امرأة من روزنة لها، وأقسمت/ عليه بالحاكم وآبائه أن يقف لها، فوقف فبكت بكاء شديدا، وقالت: لي أخ لا أملك غيره، وعرفت أنه في آخر الرمق، وأنا أقسم عليك إلا أمرت بحملي إليه لأشاهده قبل أن يقضي نحبه، فرحمها ورق لها، وأمر رجلين من أصحابه أن يحملاها إلى الموضع الذي تدلهما عليه، فأغلقت باب دارها وتركت المفتاح عند جارة لها، وقالت: سلميه إلى زوجي. ومضت إلى باب فدقته فدخلت، وقالت للرجلين:
انصرفا، وكانت الدار لرجل يهواها وتهواه، فلما رآها سر بها، فأخبرته بالحيلة التي نمت بها، فلما انصرف زوجها آخر النهار وجد بابه مغلقا، فسأل الجيران فأخبروه بالحال وبما جرى لها مع قاضى القضاة، فدخل إلى بيته فبات في أقبح ليلة، ثم باكر في غد دار قاضى القضاة فأعلن بالاستغاثة، فأحضر فقال: أنا زوج المرأة التي فعلت أمس في بابها ما فعلته، وما لها أخ وما أفارقك حتى تردها إلي. فعظم على قاضى القضاة ما سمعه وخاف الحاكم وسطوته إن لم يصدقه، فركب في الحال واستصحب الرجل، ودخل على الحاكم وهو مرعوب، فسأله عن قصته فقال: يا أمير المؤمنين لا بد بعفوك مما تم على أمس، قال: وما هو؟ فشرح له الحال، فأمر بإحضار الرجل فأدخل عليه فأخبره بالحال فأمر [2] قاضي القضاة أن يركب ويصطحب الرجلين الذي أنفذ بهما مع المرأة حتى يرشداه إلى الدار ليشاهد ما هو عليه، ويقبض على القوم ويحملهم، ففعل فوجد المرأة والرجل نائمين في إزار واحد على سكر، فحملا إلى الحاكم، فسأل المرأة عن الحال فأحالت على الشيطان وما حسنه لها، وسأل الرجل فقال: هذه امرأة هجمت علي وزعمت أنها خالية من زوج [3] ، وإني لو لم أتزوجها سعت/ بي إليك لتقتلني،
__________
[1] في الأصل: «متى خرجت امرأة أباحت دمها» .
[2] «بإحضار الرجل ... بالحال فأمر» العبارة ساقطة من ص.
[3] في ص: «أنها خلو من زوج» .(15/102)
فاستحللتها بموافقة جرت بيني وبينها، فتقدم الحاكم أن تلف المرأة في بارية وتحرق، وأن يضرب الرجل ألف سوط، وعاد الحاكم يتشدد على النساء ويمنعهن من الظهور إلى أن قتل.
وفي يوم الاثنين لليلة بقيت من رجب: ورد أبو الحسن أحمد [1] بن أبي الشوارب، وقلد قضاء القضاة من الحضرة، وذلك أنه لما توفي أبو محمد بن الأكفاني سمي فخر الملك [2] لذلك جماعة، وأنفذ ثبتا باسمائهم إلى حضرة الخليفة ليكون الاختيار إليه في التعيين على من يعين عليه، فوقع الاختيار على أبي الحسن ابن أبي الشوارب فولى.
وفى هذه السنة [3] قلد على بن مزيد أعمال بنى دبيس بالجزيرة الأسدية، وخلع فخر الملك أبو غالب على هلال [4] بن بدر، وأعاده إلى ولايته.
وفيها [5] : عمر فخر الملك مسجد الشرقية، ونصب عليه شبابيك من حديد، وجرت النفقة على يدي أبى الحسن على بن المنذر المحتسب.
ذكر من توفي في هذه السنة [6] من الأكابر
3050- بكر [7] بن شاذان بن بكر، أبو القاسم المقرئ الواعظ
[8] .
ولد سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وسمع جعفر الخلدي، وأبا بكر الشافعي، وقرأ القرآن على جماعة، روى عنه الأزهري، والخلال [9] ، وكان ثقة أمينا صالحا.
__________
[1] «بن» : ساقطة من ص.
[2] في الأصل: «أسمى فخر الملك» .
[3] بياض في ت.
[4] في ص: «فخر الملك علي هلال» .
[5] بياض في ت.
[6] بياض في ت.
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 96) .
[9] «والخلال» : ساقطة من ل.(15/103)
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الحسن بن غالب المقرئ أن بكر بن شاذان وأبا الفضل التميمي جرى بينهما كلام، فبدر من أبي الفضل كلمة ثقلت على بكر وانصرفا، ثم ندم التميمي فقصد أبا بكر بن يوسف، فقال له: قد كلمت بكرا بشيء جفا عليه وندمت على ذلك، وأريد أن تجمع بيني وبينه، فقال له ابن يوسف: سوف يخرج لصلاة العصر، / فخرج بكر وجاء [1] إلى ابن يوسف والتميمي عنده، فقال له التميمي: أسألك أن تجعلني في حل، فقال: سبحان الله ما فارقتك حتى أحللتك، وانصرف فقال التميمي: قال لي والدي: يا عبد الواحد احذر أن تخاصم من إذا نمت كان منتبها؟ قال ابن غالب وانصرف التميمي [2] . وكان لبكر ورد من الليل لا يخل به.
توفي في شوال [3] هذه السنة، وله نيف وثمانون سنة، ولم تفته جمعة قط غير الجمعة التي مات في غدها، لأنه مات في غداة يوم السبت، ودفن في مقبرة أحمد
[4] .
3051- بدر [5] بن حسنويه بن الحسين، أبو النجم الكردي
[6] .
من أهل الجبل رتبه عضد الدولة أبو شجاع بعد موت حسنويه، فكانت له الولاية على الجبل وهمذان والدينور وبروجرد ونهاوند وأسداباذ وغير ذلك، وقامت هيبته بالشجاعة والسياسة والعدل وكثرة الصدقة وكناه القادر أبا النجم [7] ، ولقبه ناصر الدولة، وعقد له لواء وأنفذه إليه، وكانت أعماله آمنة، فإذا وقف حمل في البرية تركه صاحبه ومضى فجاء بما يحمله عليه، ولما عاث قومه في البلاد عمل لهم دعوة، وقدم فيها أنواع الطبائخ، ولم يقدم خبزا فجلسوا ينتظرون الخبز، كلوا، قالوا، أين الخبز؟ قال فإذا كنتم
__________
[1] «وجاء» : ساقطة من ل.
[2] «وانصرف التميمي» : ساقطة من ص، ل.
[3] «شوال» : ساقطة من ص.
[4] في ت: «مقبرة باب حرب» .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 405) .
[7] في الأصل: «أبا لحم» .(15/104)
تعلمون أنه لا بد لكم منه فلم أفسدتم الحرث، لئن يعترض أحدكم بصاحب زرع لأقابلنه بسفك دمه.
واجتاز يوما برجل محتطب وقد حمل الحطب [1] على ظهره وهو يبكى، فقال له:
ما لك؟ قال: إني ما استطعمت البارحة طعاما، وكان معي رغيفان أريد أن أتغذى بهما وأبيع الحطب، وأتقوت بثمنه أنا وعيالي، فاجتازني أحد الفرسان فأخذ الرغيفين، فقال: هل تعرفه؟ قال: بوجهه، فجاء به إلى مضيق فوقف معه/ حتى اجتاز العسكر فمر صاحبه فقال: هذا، فأمر بدر أن ينزل عن فرسه وألزمه حمل الحطب على ظهره في البلد وبيعه وتسليم ثمنه إلى صاحبه جزاء لما فعل [2] ، فرام الرجل أن يفتدى نفسه بمال حتى بلغ بوزن الحطب دراهم، فلم يقبل منه حتى فعل ما أمره به، فقامت الهيبة في النفوس ولم يقدم بعدها أحد من أصحابه على شيء، وكانت جراياته وصدقاته متصلة على الفقهاء والأشراف والقضاة والشهود والأيتام والضعفاء، وكان يصرف كل سنة ألف دينار إلى عشرين رجلا يحجون عن والدته، وعن عضد الدولة لأنه كان السبب في ملكه، وكان يتصدق في كل جمعة بعشرة آلاف درهم على الضعفاء والأرامل ويصرف [في] [3] كل سنة ثلاثة آلاف دينار إلى الأساكفة والحذائين بين همذان وبغداد ليقيموا للمنقطعين من الحاج الأحذية، وكان يصرف إلى تكفين الموتى كل شهر عشرين ألف درهم، ويعمر القناطر، واستحدث في أعماله ثلاثة آلاف مسجد وخان للغرباء، ولم يمر بماء جار إلا بنى عنده قرية، وكان ينفذ كل سنة في الصدقات على أهل الحرمين وخفر الطريق ومصالحها مائة ألف دينار، وكان ينفق على عمارة المصانع وتنقية الآبار، وجمع العلوفة في الطريق، وكان يعطى سكان المنازل رسوما لقيامها ويحمل إلى الحرمين والكوفة وبغداد ما يفرق على الأشراف والفقهاء والقراء والفقراء وأهل البيوتات، فلما توفي انقطع ذلك وأثر في أحوال أهله ووقف أمر الحج، وكان يكثر من الصلاة والتسبيح ولا يقطع بره عن أحد لذنب، فإن مات أعاد ذلك على ولده، وكان يرتفع إلى خزانته في كل
__________
[1] في الأصل: «وقد يحمل الحطب» .
[2] في الأصل: «جزاء بما فعل» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/105)
سنة بعد المؤن [والصدقات] [1] عشرون ألف درهم لأنه كان يعمر الأماكن [ويعدل] [2] وكان له من الدواب المرتبطة ألف وسبعمائة، / وفى الجشير عشرون ألف رأس، وكان بدر قد حاصر حسن بن مسعود الكردي فضجر أصحابه من طول الحصار فجاءه رجل كردي، فقال له: إنهم قد عزموا [3] على قتلك، فقال: من هؤلاء الكلاب حتى يقدموا على ذلك؟ فعاوده فقال: لا أريد نصحك، فهجموا عليه فقتلوه ونهبوا معسكره.
توفي في هذه السنة، وكانت مدة إمارته اثنتين وثلاثين سنة، وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين على عليه السلام فدفن به، ووجد في قلعته أربعة عشر ألف بدرة عينا، وأربعين ألف بدرة ورقا.
3052- الحسن [4] بن الحسين بن حمكان، أبو على الهمذاني
[5] .
أحد فقهاء الشافعية، نزل بغداد بقرب دار القطن [6] في نهر طابق، وحدث عن الخلدي والنقاش وغيرهما من البغداديين والبصريين، وكان في شبيبته قد عني بالحديث، وقال: كتبت بالبصرة عن أربعمائة ونيف وسبعين شيخا، ثم طلب الفقه بعد، فدرس على أبي حامد المروروذي. روى عنه الأزهري، وقال: كان ضعيفا ليس بشيء في الحديث.
توفي في جمادى الأولى من هذه السنة ودفن في منزله.
3053-[الحسن [7] بن عثمان بن بكران بن جابر، أبو محمد العطار
[8] :
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص، ل: «فقال: قد عزموا» .
[4] بياض في ت.
[5] في الأصل: «ابن همكان» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 299) .
[6] في ص: «دار القطبي» .
[7] بياض في ت، والترجمة ساقطة من باقي الأصول، وما أوردناه من تاريخ بغداد.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 362) .(15/106)
ولد في سنة ثلاثين وثلاثمائة. سمع إسماعيل الصفار، وأبا عمرو بن السماك، والنجاد، والنقاش. روى عنه الخلال، والبرقاني، والصيمري. وكان ثقة صالحا دينا.
توفي في شعبان هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب] [1] .
3054- عبد الله [2] بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم، أبو محمد الأسدي المعروف بابن الأكفاني
[3] :
ولد سنة ست عشرة وثلاثمائة، وحدث عن القاضي المحاملي، ومحمد بن مخلد، وابن عقدة وغيرهم روى عنه البرقاني، والتنوخي.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، قال: قال لي التنوخي: قال لي أبو إسحاق الطبري: من قال أن أحدا أنفق على العلم مائة ألف دينار غير أبي محمد ابن الأكفاني، فقد كذب، وقال لي التنوخي: ولي ابن الأكفاني قضاء مدينة المنصور، ثم ولي قضاء باب الطاق، وضم إليه سوق الثلاثاء، ثم جمع له قضاء جميع بغداد في سنة/ ست وتسعين وثلاثمائة.
توفي أبو محمد الأكفاني في صفر هذه السنة عن خمس وثمانين سنة، ولى منها القضاء أربعين سنة نيابة ورياسة، ودفن في داره بنهر البزازين.
3055- عبد الرحمن [4] بن محمد بن محمد [5] بن عبد الله بن إدريس، أبو سعد الحافظ الإستراباذي
[6] .
ويعرف بالإدريسي، كان أبوه من استراباذ، وسكن هو سمرقند، وكان أحد من
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ص، ل. وأوردناه من ت.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 141) .
[4] بياض في ت.
[5] «ابن محمد» : ساقط من ل.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 302، 303، والنجوم الزاهرة 4/ 237، واللباب 1/ 29، والأعلام 3/ 325) .(15/107)
رحل في طلب العلم وعني بالحديث، وسمع من الأصم، وصنف تاريخ سمرقند وعرضه على الدار الدارقطني، فقال: هذا كتاب حسن، وحدث ببغداد فسمع منه الأزهري، والتنوخي، وكان ثقة. وتوفى في هذه السنة.
3056- عَبْد السلام [1] بن الحسين بن محمد بن أحمد البصري [2] اللغوي.
ولد سنة تسع وعشرين وثلاثمائة. سمع من جماعة وحدث ببغداد، وكان صدوقا عالما أديبا وقارئا للقرآن عارفا بالقراءات، وكان يتولى النظر ببغداد في دار الكتب، وكان سمحا جوادا، وربما جاءه السائل وليس معه شيء يعطيه فيدفع إليه بعض كتبه التي لها قيمة كثيرة.
وتوفى في محرم هذه السنة، ودفن بالشونيزية عند قبر أبي على الفارسي.
3057- عبد الغفار [3] بن عبد الرحمن، أبو بكر الدينَوَريّ الفقيه
[4] :
كان آخر من أفتى على مذهب سفيان الثوري ببغداد في جامع المنصور، وكان إليه النظر في الجامع والقيام بأمره.
توفي في شوال هذه السنة، ودفن في المقبرة خلف الجامع.
3058- عبد العزيز [5] بن عمر بن محمد بن نباته، أبو نصر السعدي الشاعر
[6] :
له شعر موصوف.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، قال: أنشدنا على بن محمد بن الحسن، الحربي، قال: أنشدنا أبو نصر بن نباتة لنفسه:
وإذا عجزت عن العدو فداره ... وامزح له ان المزاح وفاق
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 57، 58) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 355) .
[5] بياض في ت.
[6] «السعدي:» ساقط من ل. وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 466) .(15/108)
فالنار بالماء الذي هو ضده ... تعطى النضاج وطبعها الإحراق
توفي أبو نصر في شوال هذه السنة.
3059- محمد [1] بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم، أبو عبد الله الحاكم الضبي يعرف بابن البيع
[2] :
من أهل نيسابور ولد في سنة أحدى وعشرين وثلاثمائة، وأول سماعه في سنة ثلاثين، وكان من أهل الفضل والعلم والحفظ للحديث، وله في علوم الحديث مصنفات قدم بغداد وحدث [3] عن أبي عمرو بن السماك، والنجاد، ودعلج وغيرهم ثم عاد فوردها وقد علت سنه فحدث بها عن أبي العباس الأصم وغيره.
روى عنه الدار الدارقطني، وابن أبي الفوارس، وغيرهما، وكان ثقة.
إلا أنه قد أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن ثابت [4] قال: كان ابن البيع يميل إلى التشيع، فحدثني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأرموي، قال: جمع الحاكم أبو عبد الله أحاديث زعم إنها صحاح على شرط البخاري ومسلم يلزمهما إخراجها في صحيحهما، منها: «حديث الطائر» ، «ومن كنت مولاه فعلى مولاه» ، فأنكر عليه أصحاب الحديث ولم يلتفتوا فيه إلى قوله ولا صوبوه في فعله.
أخبرنا محمد بن ناصر، أخبرنا محمد بن طاهر المقدسي الحافظ، قال: قال أبو عبد الله الحاكم: حديث الطائر لم يخرج في الصحيح وهو صحيح. قال ابن طاهر [5] :
حديث موضوع إنما جاء من سقاط أهل الكوفة عن المشاهير والمجاهيل عن أنس وغيره،
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (طبقات السبكي 3/ 64، ووفيات الأعيان 1/ 484، وتبيين كذب المفتري 227- 231، وغاية النهاية 2/ 184، وميزان الاعتدال 3/ 85، ولسان الميزان 5/ 232، وتاريخ بغداد 5/ 473، والوافي بالوفيات 3/ 320، والأعلام 6/ 227) .
[3] في الأصل: «وقدم» .
[4] في ص، ل: «أبو بكر الخطيب» .
[5] في ص، ل: «قال ابن ناصر» .(15/109)
قال ابن طاهر: فلا يخلو الحاكم من أمرين: إما أنه يجهل الصحيح فلا يعتمد على ما يقوله، وإما يعلمه ثم يقول خلافه فيكون معاندا كذابا.
أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ/ عَبْدِ الْبَاقِي، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ التميمي، عن أبي عبد الرحمن السلمي [1] قال: دخلت على الحاكم أبي عبد الله وهو في داره لا يمكنه الخروج إلى المسجد من جهة أصحاب أبي عبد الله بن كرام، وذلك أنهم كسروا منبره ومنعوه من الخروج، فقلت له: لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل يعنى معاوية لاسترحت من هذه المحنة، فقال: لا يجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي.
توفي الحاكم بنيسابور في صفر هذه السنة.
3060- هبة الله [2] بن عيسى
[3] :
كاتب مهذب الدولة على بن نصر البطائحي كان وزيره ومدبر أمره وكان من أشد الكتاب ومترسليهم وكان يفضل على الأدباء والعلماء ومن شعره.
اضنن بليلى وهى غير سخية ... تبخل ليلى بالهوى وأجود
وأعذل في ليلى ولست بمنته ... وأعلم أنى مخطئ وأعود
وقد ذكرنا خدمته للقادر وملاطفته له حين أقام عندهم بالبطيحة، وتحديث القادر له بالمنام الذي رآه، توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
3061- يوسف [4] بن محمد [5] بن كج، أبو القاسم
[6] :
كان من شيوخ الشافعيين، وكانت له نعمة عظيمة، وولى القضاء بالدينور وأعمال بدر بن حسنويه، فلما تغيرت البلاد بهلاك بدر بن حسنويه قتله قوم من العيارين ليلة سبع وعشرين من رمضان هذه السنة.
__________
[1] في ص: «أبو عبد الرحمن التميمي» .
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 85، والأعلام 8/ 75) .
[4] بياض في ت.
[5] في الأصل، ت: «يوسف بن أحمد» .
[6] انظر ترجمته في: (طبقات الشافعية 2/ 154) .(15/110)
ثم دخلت سنة ست وأربعمائة
[وقوع فتنة بين العوام]
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه وقع في يوم الثلاثاء غرة المحرم فتنة بين العوام كان سببها أن أهل الكرخ جازوا بباب الشعير فتولع بهم أهله فاقتتلوا/ وتعدى القتال إلى القلائين، فأنفذ فخر الملك الشريف المرتضى وغيره، فأنكروا على أهل الكرخ ما يجرى من سفهائهم، واستقر الأمر على كفهم، وشرط عليهم أن لا يعلقوا في عاشوراء مسوحا ولا يقيموا نوحا.
[وقوع الوباء في البصرة]
وفى هذا الشهر [2] : ورد الخبر بوقوع الوباء في البصرة حتى عجز الحفارون [3] عن حفر القبور، وأنه أظلت البلد سحابة في حزيران فأمطرت مطرا كثيرا.
[تقليد الشريف المرتضى الحج والمظالم ونقابة الطالبيين]
وفى يوم السبت الثالث من صفر قلد الشريف المرتضى أبو القاسم الموسوي الحج والمظالم ونقابة نقباء الطالبيين [4] ، وجميع ما كان لأخيه [5] الرضى، وجمع الناس لقراءة عهده في الدار الملكية وحضر فخر الملك [6] والأشراف والقضاة والفقهاء وكان
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] في الأصل: «حتى عجز الحفارين» .
[4] في الأصل: «ونقابة نقباء الأشراف الطالبين» .
[5] في ص، ل: «ما كان: لي أخيه» .
[6] في الأصل: «عز الملك» .(15/111)
في العهد، هذا ما عاهد [1] عبد الله أبو العباس أحمد الإمام القادر باللَّه أمير المؤمنين إلى على بن موسى العلوي حين قربته إليه الأنساب الزكية، وقدمته لديه الأسباب القوية، واستظل معه بأغصان الدوحة الكريمة، واختص عنده بوسائل الحرمة الوكيدة، فقلد الحج والنقابة، وأمره بتقوى الله، وذكر كلاما فيه طول من إيصائه بالخير واللطف فيما استرعى.
وفى آخر صفر ورد خبر الحاج بعد تأخره بهلاك الكثير منهم، وكانوا عشرين ألفا فسلم ستة آلاف، وأن الأمر اشتد بهم حتى شربوا أبوال الجمال وأكلوا لحومها.
وفى ذي القعدة ورد الحاج الخراسانية، ووقف أمر الحاج لضيق الوقت، وأنه لم يرتب مع العرب ما يقع إلى مثله سكون.
وفي هذه السنة [2] : ورد الخبر أن محمودا غزا الهند وغره أدلاؤه [وأضلوه الطريق] [3] فحصل في مياه فاضت من البحر، فغرق كثير ممن كان معه، وخاض الماء/ بنفسه أياما ثم تخلص وعاد إلى خراسان.
ذكر من توفي في هذه السنة [4] من الأكابر
3062- أحمد [5] بن محمد بن أحمد، أبو حامد الأسفراييني
[6] :
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت [7] ، قال:
قدم أبو حامد الأسفراييني بغداد وهو حدث، فدرس فقه الشافعي على أبي الحسن ابن المرزبان، ثم على أبي القاسم الداركي، فأقام ببغداد مشتغلا بالعلم حتى انتهت إليه الرئاسة، وعظم جاهه عند الملوك والعوام، وحدث عن أبي بكر الإسماعيلي وغيره،
__________
[1] في الأصل: «هذا ما عاهد» .
[2] بياض في ت، وفي ص، ل: «وفيها» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] بياض في ت.
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 268، والكامل 8/ 92، والبداية والنهاية 12/ 2، 3) .
[7] في ص، ل: «أبو بكر بن ثابت» .(15/112)
حدثنا عنه الخلال والأزجي [1] وكان ثقة، وقد رأيته غير مرة وحضرت تدريسه في مسجد عبد الله ابن المبارك، وهو المسجد الذي في صدر قطيعة الربيع، وسمعت [من يذكر] [2] أنه كان يحضر تدريسه سبعمائة متفقه، وكان الناس يقولون: لو رآه الشافعي لفرح به.
قال المصنف: وقد ذكر أنه كان يقصده الوزير فخر الملك أبو غالب وغيره من الأكابر، وكان يحمل إليه من البلاد الزكوات والصدقات فيفرقها، وكان يجرى على فقراء أصحابه في كل شهر مائة وستين دينارا، وأعطى الحاج في بعض السنين أربعة عشر ألف دينار.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي [3] ، حدثنا محمد بن روق الأسدي، قال:
سمعت أبا الحسين ابن القدوري، يقول: ما رأيت في الشافعيين أفقه من أبي حامد.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد، قال: حدثني إبراهيم بن على الشيرازي، قال:
سألت القاضي أبا عبد الله الصيمري: من أنظر من رأيت من الفقهاء؟ فقال أبو حامد الإسفرائيني] [4] .
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد، قال: مات أبو حامد الأسفراييني ليلة السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من شوال سنة ست/ وأربعمائة، ودفن من الغد وصليت على جنازته في الصحراء، وكان إمام جنازته في الصلاة أبو عبد الله بن المهتدي خطيب جامع المنصور، وكان يوما مشهودا بكثرة الناس، وعظم الحزن عليه وشدة البكاء، ودفن في داره إلى أن نقل منها، ودفن بباب حرب سنة ست عشرة وأربعمائة قال المصنف وبلغ من العمر إحدى وستين سنة وشهورا.
3063- عَبْدُ الرَّحْمَنِ [5] بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ على بن مهران، أبو أحمد بن أبي مسلم الفرضيّ المقرئ
[6] :
__________
[1] «والأزجي» : ساقط من ل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص، ل: «أخبرنا الخطيب» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] بياض في ت، وفي تاريخ بغداد، عبيد الله.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 380، والبداية والنهاية 12/ 3) .(15/113)
سمع القاضي المحاملي، ويوسف بن يعقوب، وحضر مجلس أبي بكر ابن الأنباري، وكان إماما ثقة ورعا.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، قال: حدثني أبو القاسم منصور بن عمر الفقيه الكرخي، قال: لم أر في الشيوخ من تعلم العلم للَّه خالصا لا يشوبه شيء من الدنيا غير أبي أحمد الفرضي، فإنه كان يكره أدنى سبب حتى المديح لأهل العلم [1] وكان قد اجتمعت فيه أدوات الرئاسة من قراءات وإسناد وحالة متسعة من الدنيا، وكان أورع الخلق، وكان يبتدئ كل يوم بتدريس القرآن، ويحضر عنده الشيخ الكبير وذو الهيئة فتقدم عليه الحديث لأجل سبقه، فإذا فرغ من إقراء القرآن تولى قراءة الحديث علينا بنفسه، فلا يزال كذلك حتى يستنفد قوته ويبلغ النهاية في جهده في القراءة، ثم يضع الكتاب من يده فحينئذ يقطع المجلس وينصرف، وكنت أجالسه وأطيل القعود معه وهو على/ حالة واحدة لا يتحرك ولا يبعث بشيء من أعضائه ولا يغير شيئا من هيئته حتى أفارقه، قال: وبلغني أنه كان يجلس مع أهله على هذا الوصف، ولم أر في الشيوخ مثله.
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد [2] ، أخبرنا أحمد بن على، قال: حدثني عيسى بن أحمد الهمذاني، قال: سمعت على بن عبد الواحد بن مهدى، يقول: اختلفت إلى أبي أحمد الفرضي ثلاث عشرة سنة لم أره ضحك فيها غير أنه قرأ علينا يوما (كتاب [3] الانبساط) فأراد أن يضحك فغطى فمه، وكان إذا جاء إلى أبي حامد الأسفراييني قام أبو حامد من مجلسه ومشى إلى باب مسجده حافيا مستقبلا له [4] .
قال: وكتب أبو حامد كتابا إلى أبي أحمد يشفع له أن يأخذ عليه القرآن فظن أبو أحمد [5] أنها مسألة قد استفتى فيها، فلما قرأ الكتاب غضب ورماه عن يده [6] وقال: لا أقرئ القرآن بشفاعة أو كما قال.
__________
[1] في ص، ل: «المديح لأهل العلم» .
[2] في ص: «أخبرنا عبد الرحمن بن محمد» .
[3] «كتاب» : ساقطة من ل.
[4] في الأصل: «مستلغيا له» .
[5] في الأصل: «فظن أبو حامد» .
[6] «ورماه عن يده» : ساقطة من ص.(15/114)
توفي أبو أحمد في شوال هذه السنة، ودفن في مقبرة جامع المدينة، وقد بلغ ثنتين وثمانين سنة.
3064- عبد الملك [1] بن أبي عثمان واسم أبي عثمان [2] محمد بن إبراهيم، ويكنى عبد الملك أبا سعيد الواعظ
[3] :
من أهل نيسابور. حدث عن أبي عمرو بن مطر، وإسماعيل بن نجيد. روى عنه الأزهري، والأزجي، والتنوخي، وكان ثقة صالحا ورعا زاهدا، وتوفي في هذه السنة.
3065- مُحَمَّد [4] بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن العلوي
[5] .
ولد سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، ولقبه بهاء الدولة بالرضى ذي الحسبين، ولقب أخاه بالمرتضى ذي المجدين، وكان الرضى نقيب الطالبيين ببغداد، حفظ القرآن في مدة يسيرة بعد أن جاوز ثلاثين سنة، وعرف/ من الفقه والفرائض طرفا قويا، وكان عالما فاضلا وشاعرا مترسلا عفيفا عالي الهمة متدينا، اشترى في بعض الأيام جزازا من امرأة بخمسة دراهم فوجد فيه جزءا بخط أبي عبد الله [6] بن مقلة، فقال للدلال: احضر المرأة، فأحضرها، فقال: قد وجدت في الجزاز جزءا بخط ابن مقلة، فإن أردت الجزء فخذيه وإن أردت ثمنه [7] ، فهذه خمسة دراهم [8] ، فأخذتها ودعت له وانصرفت وكان سخيا جوادا.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد عن أبي غالب بن بشران، قال: حدثني الخالع، قال:
__________
[1] بياض في ت.
[2] «واسم أبي عثمان» : ساقطة من ص.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 432) .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 91، والبداية والنهاية 12/ 3) .
[6] في ص: «بخط أبي عبد الله» وهو أخو أبي علي.
[7] في ص، ل: «وإن اخترت ثمنه» .
[8] في الأصل: «خمس مائة» .(15/115)
مدحت الرضى بقصيدة فجاءني غلامه بتسعة وأربعين درهما، فقلت: لا شك أن الغلام [قد] [1] خانني، فلما كان بعد أيام اجتزت بسوق العروس فرأيت رجلا [2] يقول لآخر:
أتشتري هذا الصحن فإنه يساوي خمسة دنانير، ولقد أخرج من دار الشريف الرضى [3] . فبيع بتسعة وأربعين درهما، فعلمت أنى مدحته وهو مضيق، فباع الصحن وأنفذ الثمن إلى، وكان شعر الرضى غاية في الحسن.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله الكاتب بحضرة أبي الحسين بن محفوظ، وكان أحد الرؤساء، يقول: سمعت جماعة من أهل العلم بالأدب يقولون: أن الرضى أشعر قريش، فقال ابن محفوظ: هذا صحيح، وقد كان في قريش من يجيد القول إلا أن شعره قليل، فأما مجيد مكثر فليس إلا الرضى.
أخبرنا القزاز، أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب، قَالَ: أنشدني القاضي أبو العلاء الواسطي، قال: أنشدنا الشريف الرضى [4] لنفسه:
/ اشتر العز بما شئت ... فما العز بغالي
بالقصار الصفر إن شئت ... أو السمر الطوال
ليس بالمغبون عقلا ... من شرى عزا بمال
إنما يدخر المال ... لحاجات الرجال
والغني من جعل الأموال ... [5] أثمان المعالي
[وله:
في الناس غير مطهر [6] ... والحر معدوم النظير
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «فوجدت رجلا» .
[3] في الأصل: «من دار الشريف» .
[4] في ص، ل: «أنشدنا الرضي» .
[5] في ص، ل: «والفتى من جعل الأموال» .
[6] في ت: «غير معدل» .(15/116)
والغسل يخبث بعضه ... ما كل ماء للطهور
لك دون أعراض الرجال ... حمية الرجل الغيور
ولماء كفك في المحول ... طلاقة العام المطير
آثار شكرك في فمي ... وسليم ودك [1] في ضميري]
وله:
إلا أتى حسرة الحاسدين ... وما حسرة العجم إلا العرب
فلا لبسوا غير هذا الشعار ... ولا رزقوا غير هذا اللقب
[وله: [2]
ذنبي إلى البهم الكوادن أنني ... الطرف المطهم والأغر الأقرح
يولينني خزر العيون لأنني ... غلست في طلب العلا وتصبحوا
وجذبت بالطول الذي لم يجذبوا ... ومنحت بالغرب الذي لم يمنحوا
لو لم يكن لي في العيون مهابة ... لم تطعن الأعداء في ويقدحوا
نظروا بعين عداوة لو أنها ... عين الهوى لاستحسنوا ما استقبحوا] [3]
وله:
يا طائر البان غريدا على فنن ... ما هاج نوحك لي يا طائر البان
هل أنت مبلغ من هام الفؤاد به ... أن الطليق يؤدي حاجة العاني
ضمانة ما جناها غير مقلته ... يوم الوداع وأشواقي إلى الجاني
لولا تذكر أيامي [4] بذي سلم ... وعند رامة أوطاري وأوطاني
لما قدحت بنار الوجد في كبدي ... ولا بللت بماء الدمع أجفاني
وأشعاره كثيرة مستحسنة، وإنما ذكرت منها هذا. وجرت للرضى قصة مع القادر باللَّه في أبيات رفع إليه أنه قالها وهي [هذه] [5] :
__________
[1] في ل: «وسمات ودك» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «لولا تذكر إياي» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/117)
كم مقامي على الهون وعندي ... مقول قاطع وأنف حمي
وإباء محلق بي عن الضيم ... كما راع طائر وحشي
أي عذر له إلى المجد إن ذل ... غلام في غمده المشرفي
البس الذل في ديار الأعادي ... وبمصر الخليفة العلوي
من أبوه أبي ومولاه مولاي ... إذا ضامني البعيد القصي
لف عرقي بعرقه سيد الناس ... جميعا محمد وعلي
إن خوفي في ذلك الربع أمن ... وأوامي بذلك الورد ري
قد يذل العزيز ما لم يشمر ... لانطلاق وقد يضام الأبي
كالذي يقبس الظلام وقد أقمر ... من خلفه الهلال المضي
ولما كتب أصحاب الأخبار بهذه إلى القادر، غاظه أمرها، واستدعى القاضي أبا بكر محمد بن الطيب، وأنفذه إلى الشريف الطاهر أبي أحمد برسالة في هذا المعني، فقال القاضي أبو بكر في الرسالة: «قد علمت موضعك منا ومنزلتك عندنا وما لا نزال من الاعتداد بك، والثقة بصدق الموالاة منك، وما تقدم لك في الدولة العباسية من خدم سابقة ومواقف محمودة، وليس يجوز أن تكون على خليقة نرضاها ويكون والدك على ما يضادها، وقد بلغنا أنه قال شعرا هو كذا فيا ليت شعرنا [على] [1] أي مقام ذل أقام، وما الذي دعاه إلى هذا المقال، وهو ناظر في النقابة والحج فيما في أجل الأعمال وأقصاها علوا في المنزلة، وعساه لو كان بمصر [2] لما خرج من جملة الرعية، وما رأينا على بلوغ الامتعاض منا مبلغه أن تخرج بهذا الولد عن شكواه إليك وإصلاحه على يديك» .
فقال الشريف الطاهر: «والله ما عرفت هذا ولا أنا وأولادي إلا خدم الحضرة المقدسة المعترفون بالحق لها والنعمة منها، وكان في حكم التفضل أن يهذب هذا الولد بإنفاذ من يحمله إلى الدار العزيزة، ثم يتقدم في تأديبه بما يفعل، بأهل الغرة والحداثة» .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وحسنا لو كان بمصر» .(15/118)
فقال له القاضي [أبو بكر] [1] : الشريف يفعل في ذلك ما يراه الحضرة المقدسة، فيزول ما خامرها به ثم استدعى الشريف ابنيه المرتضى والرضى، وعاتب الرضى العتاب المستوفى.
فقال له: ما قلت هذه الأبيات ولا أعرفها. فقال له: إذا كنت تنكرها فاكتب خطك للخليفة بمثل ما كنت كتبت به في أمر صاحب مصر، وأذكره بما أذكره به من الادعاء في نسبه، فقال: لا افعل، فقال [له] [2] : كأنك تكذبني بالامتناع عن مثل قولي، فقال: ما أكذبك، ولكني أخاف الديلم ومن للرجل من الدعاة بهذه البلاد، فقال: يال العجب تخاف من هو منك على بلاد بعيدة وتراقبه وتسخط من أنت بمرأى منه ومسمع وهو قادر عليك وعلى أهلك، وتردد القول بينهما حتى غلط الرضى في الجواب، فصاح الطاهر أبو محمد، وقام الرضى، وحلف الطاهر أن لا يقيم معه في بلد، وآل الأمر إلى إنفاذ القاضي أبي بكر وأبي حامد الأسفراييني، وأخذا اليمين على الرضى أنه لم يقل الشعر المنسوب إليه، ولا يعرفه واندرجت القصة على هذا.
توفي الرضى يوم الأحد لست خلون من محرم هذه السنة، وحضر الوزير فخر الملك وجميع الأشراف والقضاة والشهود والأعيان، ودفن في داره بمسجد الأنباريين، ومضى أخوه المرتضى إلى المشهد بمقابر قريش لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته، ودفنه وصلى عليه الوزير فخر الملك في الدار مع جماعة أمهم أبو عبد الله بن المهلوس العلويّ، ثم دخل الناس أفواجا، فصلوا عليه، وركب فخر الملك في آخر النهار/ فعزى المرتضى وألزمه العود إلى داره ففعل، وكان مما رثاه أخوه المرتضى:
يال الرجال لفجعة جذمت يدي ... ووددتها ذهبت على برأسي
ما زلت أبي وردها حتى أتت ... فحسوتها في بعض ما أنا حاسي
ومطلتها زمنا فلما صممت ... لم يثنها مطلي وطول مكاسي
لا تنكرن من فيض [3] دمعي عبرة ... فالدمع [4] خير مساعد ومواسي
واها لعمرك من قصير طاهر ... ولرب عمر طال بالأرجاس
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «لا تنكرا» .
[4] في ص، ل: «والدمع خير» .(15/119)
ثم دخلت سنة سبع وأربعمائة
[احتراق مشهد الحسين عليه السلام]
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه في شهر ربيع الأول احترق مشهد الحسين عليه السلام والأروقة، وكان السبب في ذلك أن العوام اشعلوا شمعتين كبيرتين فسقطتا في جوف الليل على التأزير فأحرقتاه وتعدت النار.
وفى عشر بقين من هذا الشهر: احترق نهر طابق ودار الركن اليماني من البيت الحرام، وسقوط حائط بين يدى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ووقوع القبة الكبيرة على الصخرة ببيت المقدس وأن حريقا وقع في بعض الجامع بسامراء.
[اتصال الفتنة بين الشيعة والسنة]
وفى هذا الشهر [2] : اتصلت الفتنة بين الشيعة والسنة بواسط، ونهبت محال الشيعة والزيدية بواسط، واحترقت وهرب وجوه الشيعة والعلويين، فقصدوا علي بن مزيد واستنصروه.
[خلع على أبي الحسن بن الفضل الرامهرمزي خلع الوزارة من قبل سلطان الدولة]
وفي ربيع الآخر: خلع على أبي الحسن بن الفضل الرامهرمزي [3] خلع الوزارة من قبل سلطان الدولة، وهو الذي بنى سور الحائر بمشهد الحسين.
[وقعة بين سلطان الدولة أبي شجاع وأخيه أبي الفوارس]
وكانت في هذه السنة/ وقعة بين سلطان الدولة أبي شجاع وأخيه أبي الفوارس،
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] في الأصل: «ابن الفضل الزامهريري» .(15/120)
انهزم فيها أبو الفوارس بعد أن دخل شيراز [1] وملكها.
وفى هذه السنة [2] : ملك محمود بن سبكتكين خوارزم، ونقل أهلها إلى الهند، ولم يحج الناس في هذه السنة من خراسان ولا العراق [3] .
ذكر من توفي في هذه السنة [4] من الأكابر
3066- أحمد [5] بن محمد بن يوسف بن محمد بن دوست، أبو عبد الله البزاز
[6] .
ولد في صفر سنة [ثلاث وعشرين] [7] وثلاثمائة، وحدث عن محمد بن جعفر المطيري [8] ، وإسماعيل الصفار، والبرذعي، وغيرهم، وكان مكثرا من الحديث عارفا به حافظا له، أملى الحديث من حفظه وابن شاهين، والمخلص [9] حين تكلموا فيه بشيء لا يؤثر، فقال الأزهري: رأيت كتبه كلها طرية، وكان يذكر أن أصوله العتق غرقت، وهذا ليس بشيء لأنه من الجائز أن يكون قد قابل بالطرية نسخا [قد] [10] قرئت عليه، وقد كان الرجل يملى من حفظه، فيجوز أن يكون حافظا لما ذهب.
أخبرنا القزاز، أخبرنا ابن ثابت، قال: حدثني عيسى بن أحمد بن عثمان الهمذاني، قال: سمعت حمزة بن محمد بن طاهر، يقول: مكث ابن دوست سبع
__________
[1] في ص، ل: «بعد أن حصل بشيراز» .
[2] بياض في ت.
[3] في الأصل: «من خوارزم ولا العراق» .
[4] بياض في ت.
[5] بياض في ت.
[6] في الأصل: «بن درست» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 124، والبداية والنهاية 12/ 5) .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[8] في الأصل: «محمد بن جعفر الطبري» .
[9] في الأصل: «والمملو» .
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/121)
عشرة [1] سنة يملى الحديث عارفا بالفقه على مذهب مالك، وكان عنده عن إسماعيل الصفار وحده صندوق، سوى ما كان عنده عن غيره، قال: وكان يذاكر بحضرة الدار الدارقطني، ويتكلم في علم الحديث، فتكلم فيه الدار الدّارقطنيّ بذلك السبب/، وكان محمد بن أبي الفوارس ينكر مضينا إليه وسماعنا منه، ثم جاء بعد ذلك وسمع منه.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن على [الخطيب] [2] قال: حدثني أبو عبد الله الصوري، قال: قال حمزة بن محمد بن طاهر: قلت لخالي أبي عبد الله بن دوست:
أراك تملى المجالس من حفظك فلم لا تملى من كتابك؟ فقال لي: انظر فيما أمليت فان كان في ذلك خطأ لم أمل من حفظي، وان كان جميعه صوابا فما الحاجة إلى الكتاب.
توفي أبو عبد الله [ابن دوست] [3] في رمضان هذه السنة، ودفن حذاء منارة جامع المنصور.
3067- محمد [4] بن أحمد بن خلف بن خاقان، أبو الطيب العكبري
[5] :
سكن بغداد وحدث بها عن محمد بن أيوب الزاهد، وإبراهيم بن علي الباقلاوي [6] وغيرهما.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، قال: سألت أبا القاسم عبد الواحد بن علي [7] بن برهان عنه، فعرفه ووثقه وأثنى عليه ثناء حسنا، وقال: كان صدوقا.
قال ابن ثابت: وحدثني عنه أبو منصور بن عبد العزيز العكبري، وقال لي: ولد بعكبرا في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة، وسمعنا منه ببغداد وبعكبرا، ومات ببغداد سنة سبع وأربعمائة.
__________
[1] في الأصل: «ابن درستويه» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 297) .
[6] في الأصل: «إبراهيم بن علي القاقلاي» .
[7] «بن علي» : ساقطة من ص.(15/122)
3068- محمد [1] بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل، [أبو الحسين الضبي القاضي [2] المعروف بالمحاملي
[3] :
سمع إسماعيل [4] بن محمد الصفار [5] وأبا عمرو بن السماك، وأبا بكر النجاد، وأبا عمر الزاهد، وكان ثقة صادقا خيرا.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، أخبرنا عبد الكريم بن محمد الضبي، أخبرنا أبو الحسن الدار الدارقطني، قال: محمد بن أحمد بن القاسم أبو الحسين المحاملي الفقيه الشافعي/ حفظ القرآن والفرائض وحسابها والدور ودرس الفقه على مذهب الإمام الشافعي، وكتب الحديث، ولزم العلم، ونشا فيه، وهو عندي ممن يزداد خيرا كل يوم، مولده سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.
قال ابن ثابت: مات أبو الحسين يوم الخميس العاشر من رجب سنة سبع وأربعمائة.
3069- محمد [6] بن الحسين [بن محمد] [7] بن الهيثم، أبو عمر البسطامي الواعظ الفقيه على مذهب الشافعي
[8] :
كان مناظرا، وكان أبو حامد يجله ولي قضاء نيسابور، وحدث عن الطبراني وغيره، وتوفي بنيسابور في هذه السنة.
3070- محمد [9] بن على بن خلف، أبو غالب الوزير الملقب فخر الملك
[10] .
كان من أهل واسط، وكان أبوه صيرفيا، فتنقلت به الأحوال إلى خدمة بهاء الدولة ابن عضد الدولة، وحمل إليه أموال بدر بن حسنويه، وحصل لنفسه منها الكثير، ولما
__________
[1] بياض في ت.
[2] «القاضي» : ساقطة من ص.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 333، الكامل 8/ 115) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] «الصفار» : ساقطة من ل.
[6] بياض في ت.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 247، الكامل 8/ 115) .
[9] بياض في ت.
[10] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 5) .(15/123)
خلعت عليه خلع الوزارة أعطى كل واحد من صغار الحواشي مائة دينار ودستا من الثياب، وأعطى حراس دار الملك السودان كل واحد عشرين دينارا، وكانوا يزيدون على الخمسين، وسد البثوق، وعمر سواد الكوفة، وعمل الجسر ببغداد، وكان قد نسى وبطل وعمل له درابزينات، وعمر المارستان وداره بأعلى الحريم الظاهري قال لها الفخرية، وهذه الدار كانت للمتقي للَّه وابتاعها عز الدولة بختيار بن معز الدولة وخربت فعمرها فخر الملك وأنفق عليها أموالا كثيرة وفرغ منها في رمضان سنة اثنتين وأربعمائة [1] .
وعصفت في هذه السنة ريح، فقصفت ببغداد زائدا [2] على عشرين ألف نخلة، فاستعمل فخر الملك أكثرها في أبنيته، وكان كثير الصلاة والصلات يجري على الفقهاء ما بين بغداد وشيراز، وكسا في يوم ألف فقير، / وسن تفرقة الحلوى في النصف من رمضان، وأهمل بعض الواجبات، فعوقب سريعا وذلك أن بعض خواصه قتل رجلا ظلما، فتصدت له زوجة المقتول تستغيث ولا يلتفت إليها، فلقيته ليلة في مشهد باب التبن وقد حضر للزيارة، فقالت له: يا فخر الملك القصص التي كنت أرفعها إليك ولا تلتفت إليها [3] قد صرت أرفعها إلى الله تعالى، وأنا منتظرة خروج التوقيع من جهته، فلما قبض عليه، قال: لا شك أن توقيعها قد خرج.
وقتله سلطان الدولة بن بهاء الدولة بالأهواز في هذه السنة وكان عمره اثنتين وخمسين سنة، وأشهر وأخذ من ماله ما بلغ ستمائة ونيفا وثلاثين ألف دينار سوى الضياعات والثياب والفروش والآلات، وقيل: أنه وجد له ألف ألف ومائتا ألف دينار مطيعية، وكان استخراج ماله عجيبا، وذلك أن أبا على الرخجي الوزير أثار هذه الأموال، وكانت ودائع عند الناس، وكان فخر الملك قد احتجز لنفسه من قلعة بدر بن حسنويه ما يزيد على ثلاثة آلاف ألف دينار، وأودعها جماعة فوقف الرخجي على تذكرة له فاستخرجها من غير ضرب بعصا على ما نذكر في ترجمة الرخجي، وقد ذكر فيها أقواما أودع [4] قد لحن بأسمائهم وكنى عن ألقابهم.
__________
[1] في الأصل: «سنة أربع وثلاث مائة» .
[2] «زائدا» : ساقطة من ل.
[3] «ولا تلتفت إليها» : ساقطة من ص.
[4] «أودع» : ساقطة من ص.(15/124)
ثم دخلت سنة ثمان وأربعمائة
[تفاقم الفتنة بين الشيعة والسنة]
فمن الحوادث فيها [1] :
أن الفتنة بين الشيعة والسنة تفاقمت، وعمل أهل نهر القلائين بابا على موضعهم، وعمل أهل الكرخ بابا على الدقاقين مما يليهم، وقتل الناس على هذين البابين، وركب المقدام أبو مقاتل، وكان على/ الشرطة ليدخل [الكرخ] [2] فمنعه أهلها والعيارون الذين فيها، وقاتلوه فاحرق الدكاكين وأطراف نهر الدجاج، ولم يتهيأ له الدخول.
[استتابة القادر المبتدعة]
وفى هذه السنة [3] : استتاب القادر المبتدعة.
أخبرنا سعد الله بن على البزاز، أخبرنا أبو بكر الطُّرَيْثِيثِيُّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الطَّبَرِيُّ، قال: وفي سنة ثمان وأربعمائة استتاب القادر باللَّه أمير المؤمنين فقهاء [4] المعتزلة الحنفية، فأظهروا الرجوع، وتبرءوا من الاعتزال، ثم نهاهم عن الكلام والتدريس والمناظرة في الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام، وأخذ خطوطهم بذلك، وأنهم متى خالفوه حل بهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم، وامتثل يمين الدولة وأمين الملة أبو القاسم محمود أمر أمير المؤمنين، واستن بسننه في
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] بياض في ت.
[4] هذه العبارة مضطربة في الأصل هكذا: «القادر باللَّه المنتدعة، أنا سعد الله بن علي البزاز، قال: اسنتاب أمير المؤمنين معها» .(15/125)
أعماله التي استخلفه عليها من خراسان وغيرها في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة، وصلبهم وحبسهم ونفاهم، وأمر بلعنهم على منابر المسلمين، وإيعاد كل طائفة من أهل البدع وطردهم عن ديارهم، وصار ذلك سنة في الإسلام.
وفي هذه السنة [1] : عقد سلطان الدولة على جبارة بنت قرواش بن المقلد بصداق مبلغه خمسون ألف دينار.
ذكر من توفي في هذه السنة [2] من الأكابر
3071- إسماعيل [3] بن الحسن [4] بن على بن عباس [5] ، أبو على الصيرفي
[6] :
روى عنه الصيمري، والأزجي، وكان صدوقا توفي في رمضان هذه السنة ودفن بمقبرة العباسية بالجانب الشرقي [7] .
3072- الحسن [8] بن محمد بن يحيى، أبو محمد المقرئ المعروف بابن [9] الفحام:
من أهل سرمن رأى، حدث عن إسماعيل الصفار، وقرأ القرآن على النقاش، وكان ينفقه للشافعي، وكان يرمى بالتشيع، وتوفى بسر من رأى في هذه السنة.
3073- شباشي [10] الحاجب، يكنى أبا طاهر المشطب
[11] .
مولى شرف الدولة أبي الفوارس بن عضد الدولة، لقبه بهاء الدولة أبو نصر
__________
[1] بياض في ت. وفي ص، ل: «وفيها» .
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] في الأصل ل: «إسماعيل بن الحسين» .
[5] في ت: «ابن علي بن عتاس» .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 312) .
[7] «ودفن بمقبرة العباسية بالجانب الشرقي» .
[8] بياض في ت.
[9] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 424) .
[10] بياض في ت.
[11] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 6) .(15/126)
بالسعيد ذي العضدين [1] ، ولقبه أبو الهيجا بختكين الجرجاني بالمناصح، وأشرك بينهما في مراعاة أمور الأتراك ببغداد، وكان السعيد كثير الصدقة، فائض المعروف حتى أن أهل بغداد إذا رأوا من لبس قميصا جديدا قالوا: رحم الله السعيد، لأنه كان يكسو اليتامى والضعفاء، وهو الذي بنى قنطرة الخندق والياسرية والزياتين ووقف جبايتها [2] على المارستان، وكان ارتفاعها أربعين كرا وألف دينار، ووقف على الجسر خان النرسي بالكرخ، ووقف عليه لربحي بالقفص [3] ، وسد بثق الخالص، وحفر ذنابة دجيل، وساق الماء منها إلى مقابر قريش، وعمل المشهد بكوخ ودربه بقرب واسط، وحفر المصانع عنده وفى طريقه، وله آبار كثيرة بطريق مكة، وكان الأصبهسلارية قد أخرجوا يوم العيد الجنائب بمراكب الذهب، وأظهروا الزينة، فقال له بعض أصحابه: لو كان لنا شيء أظهرناه، فقال له: إلا أنه ليس في جنائبهم قنطرة الياسرية والخندق.
توفي في شوال هذه السنة، ودفن في مقبرة الإمام أحمد بن حنبل في تربة معروفة به، ووصى أن لا يبنى عليه، فخالفوه وبنوا قبة فسقطت، واتفق أن بعد تسعين سنة حمل ميت إلى المقبرة فتبعه النساء فتقدمتهن عجوز إلى تربة السعيد فلطمت ووافقها [النساء] [4] وعدن إلى بيوتهن، فانتبهت العجوز من منامها مذعورة، وقالت: رأيت تركيا بيده دبوس وقد خرج من التربة فأراد أن يضربني، وقال: أتيت من البعد إلى تربتي فلطمت وصويحباتك فيها أبيني وبينك قرابة، فلقد آذيتموني. فسألوا عن التربة، فإذا هي تربة السعيد، فتجنبها النساء بعد ذلك.
3074- على [5] بن مزيد
[6] :
ولي الولايات والأعمال وقصد في آخر أمره السلطان، فاعتل في طريقه، فبعث ابنه أبا الأغر دبيسا للنيابة عنه، وكتب يسأل تقليده ولاية عهده وإقرار أعماله في يده، فأجيب وخلع على دبيس، وكتب له المنشور بالولاية. توفي علي في هذه السنة.
__________
[1] في ص، ل، والأصل: «أبو نصر بالسعيد ذي الفضلين» .
[2] في الأصل: «ووقف دباها» .
[3] في ص: «ووقف عليه مرلعي» . وفي الأصل: «ووقف عليه يرثي» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 120) .(15/127)
ثم دخلت سنة تسع وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه قرئ يوم الخميس السابع عشر من المحرم في الموكب بدار الخلافة كتاب بمذاهب السنة، وقيل فيه: من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر حلال الدم.
وفى يوم الخميس النصف من جمادى الأولى: فاض ماء البحر المالح ووافى [إلى] [2] الأبلة، ودخل إلى البصرة بعد يومين.
وفى شوال: تقلد أبو محمد على بن أحمد بن بشر الخراساني القضاء بالبصرة، وكان قبل ذلك قاضى البطيحة.
وورد الخراسانية والناس مع المختار إلى على بن عبيد الله، ورجعوا من شاطئ الفرات، ولم يعبروا التأخر الأمر في عقد/ الجسر، وضيق الوقت.
[دخول سلطان الدولة بغداد]
وفيها [3] : دخل سلطان الدولة بغداد، ونظر أبو القاسم جعفر بن محمد بن فسانجس في الوزارة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] بياض في ت.(15/128)
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
3075- رجاء [2] بن عيسى بن محمد، أبو العباس الأنصناوي
[3] :
وأنصنا قرية من قرى [صعيد] [4] مصر. ولد سنة سبع وعشرين، وسمع جماعة من شيوخ مصر، وقدم بغداد فحدث بها، فسمع منه أبو عبد الله بن بكير، والعتيقي.
وكان فقيها مالكيا فرضيا ثقة في الحديث متحريا في الرواية، مقبول الشهادة عند القضاة. وتوفى بمصر في هذه السنة.
3076- عبد الله [5] بْن مُحَمَّد بْن أبي علان، أبو أحمد قاضي الأهواز
[6] :
مولده سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وله مصنفات كثيرة من جملتها: معجزات النبي صلى الله عليه وسلم» جمع له فيها ألف معجزة، وهو أحد شيوخ المعتزلة، وكان يؤدى خراج ضياعه بالأهواز تسعين ألف دينار، وكان أصهاره يؤدون ثلاثين ألف دينار. وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة، عن تسع وثمانين سنة.
3077- على [7] بن نصر، أبو الحسن الملقب مهذب الدولة صاحب [8] البطائح:
كان له كرم ووفاء، وكان الناس يلتجئون إليه في الشدائد وأكبر فخره نزول القادر عليه وخدمته إياه إلى أن جاءته الخلافة.
قال الوزير أبو شجاع: توجت الأيام مفرق فخاره بمقام القادر باللَّه في جواره، وصاغت له المنقبة حسبا وصارت له إلى استحقاق المدح سببا. كان يرتفع له من إقطاعه
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 413، البداية والنهاية 12/ 7) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 125، والبداية والنهاية 12/ 7) .
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 7) .(15/129)
تسعة آلاف وستمائة كرمن الحنطة، وثلاثة عشر ألف وثلاثمائة وسبعون كرا من الشعير، وثمانية آلاف كر من الأرز، ومن الورق ألفا ألف/ وسبعمائة ألف وخمسون ألفا.
وكان بعض بلاده تضمن بعشرة آلاف دينار، تزوج بنت الملك بهاء الدولة أبي نصر وأعانه نوائبه وأقرضه أموالا كثيرة، وولى البطائح اثنتين وثلاثين سنة وشهورا، وكان سبب موته أنه افتصد وانتفخ ساعده، وأخذه داء الحمرة.
توفي في جمادى الأولى من هذه السنة عن اثنتين وسبعين سنة.
3078- عبد الغنى [1] بن سعيد بن على بن سعيد بن بشران [2] بن مروان بن عبد العزيز، أبو محمد الأزدي المصري الحافظ
[3] :
كان عالما بالحديث وأسماء الرجال متقنا، قال الطيوري: ما رأت عيناي مثله في معناه.
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الجبار، وأبو الفضل بن خيرون، قالا:
أخبرنا أبو عبد الله الصوري، قال: قال لي عبد الغني بن سعيد [4] : ولدت لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.
وتوفي في صفر سنة تسع وأربعمائة.
قال الصوري: وقال لي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن [أبي] [5] يزيد الأزدي، قال لي أبي: خرجنا يوما مع الدار الدارقطني من عند أبي جعفر الحسين، فلقيه عبد الغني بن سعيد، فسلم على أبي الحسن، فقال: يا أصحابنا ما التقيت من مرة مع شابكم هذا فانصرفت عنه إلا بفائدة أو كما قال الصوري:
وقال لي أبو الفتح منصور بن علي الطرسوسي، وكان شيخا صالحا، لما أراد أبو
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «سعيد بن بشر بن مروان» .
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 125، والبداية والنهاية 12/ 7) .
[4] في الأصل: «قال لي عبد الله بن سعيد» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل:(15/130)
الحسن الدار الدارقطني الخروج من عندنا من مصر خرجنا معه نودعه، فلما ودعنا بكينا، فقال: لم تبكون؟ فقلنا: نبكي لما فقدناه من علمك وعدمناه من فوائدك، قال: تقولون هذا وعندكم عبد الغني وفيه الخلف.
قال الصوري [1] : وقال لي أبو بكر البرقاني سألت الدار الدارقطني بعد قدومه من مصر، هل رأيت في طريقك/ من يفهم شيئا من العلم؟ فقال [لي] [2] : ما رأيت في طول طريقي [أحدا] إلا شابا بمصر يقال له عبد الغني كأنه شعلة نار، وجعل يفخم أمره، ويرفع ذكره.
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الجبار، أخبرنا أبو عبد الله الصوري، أخبرنا عبد الغنى الحافظ، قال: لما وصل كتابي الذي عملته في أغلاط أبي عبد الله الحاكم أجابني بالشكر عليه، وذكر أنه أملاه على الناس، وضمن كتابه إلى الاعتراف بالفائدة، وبأنه لا يذكرها لي غنى، وأن أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم حدثهم، قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري [3] قال: سمعت أبا عبيد يقول: من شكر العلم أن يستفيد الشيء فإذا ذكر لك قلت حقي على كذا وكذا، ولم يكن به علم حتى أفادني فلان كذا وكذا، فهذا شكر العلم.
3079- محمد [4] بن أمير المؤمنين القادر باللَّه، يكنى أبا الفضل
[5] :
وكان أبوه رشحه للخلافة وجعله ولى عهده، ولقبه الغالب باللَّه، ونقش على السكة اسمه، ودعي له [6] في الخطبة بولاية العهد بعده، ثم أدركه أجله، فتوفى في رمضان هذه السنة، وكان مولده في ليلة الاثنين [7] لسبع بقين من شوال سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة، ودفن بالرصافة.
__________
[1] في الأصل: «قال الصيمري» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص: «العباس بن محمد الصوري» .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 8) .
[6] في ص: «ودعا له في الخطبة» .
[7] في الأصل: «ليلة الأحد» .(15/131)
3080- محمد [1] بن إبراهيم [بن محمد] [2] بن يزيد، أبو الفتح البزاز الطرسوسي يعرف بابن البصري
[3] :
سمع خلقا كثيرا، وروى عنه البرقاني، والأزهري، وغيرهما، واستوطن بيت المقدس.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، قال: قال لي محمد بن على الصوري، وقد سمع من محمد بن إبراهيم: كان ثقة، ومات ببيت المقدس رحمه الله.
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 415، والبداية والنهاية 12/ 8) .(15/132)
ثم دخلت سنة عشر وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه ورد إلى القادر باللَّه كتاب من يمين الدولة أبي القاسم محمود بن سبكتكين، يذكر فيه ما افتتحه من بلاد الهند ووصل إليه من أموالهم وغنائمهم، فقال فيه: إن كتاب العبد وصل [2] من مستقره بغزنة للنصف من المحرم سنة عشر، والدين في أيام سيدنا ومولانا [الأمير] [3] القادر باللَّه أمير المؤمنين مخصوص بمزيد الإظهار، والشرك مقهور بجميع الأطراف والأقطار، وانتدب العبد لتنفيذ أوامره العالية وتمهيد مراسمه السامية [4] وتابع الوقائع على كفار السند والهند، فرتب بنواحي غزنة العبد محمدا مع خمسة عشر ألف فارس وعشرة آلاف راجل وأنهض العبد مسعودا مع عشرة آلاف فارس وعشرة آلاف راجل [5] ، وشحن بلخ وطخرستان [6] بأرسلان الحاجب مع اثني عشر ألف فارس وعشرة آلاف راجل، وضبط ولاية خوارزم بالتونتاش الحاجب مع عشرين ألف فارس وعشرين ألف راجل، وانتخب ثلاثين ألف فارس وعشرة آلاف راجل لصحبة راية الإسلام وانضم إليه جماهير المطوعة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «كتاب العبد صدر» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «وتمهيد رسومه السامية» .
[5] «وأنهض العبد ... وعشرة آلاف فارس» . العبارة ساقطة من ص.
[6] في الأصل: «شحن بلخ وطبرستان» .(15/133)
وخرج العبد من غزنة يوم السبت الثالث عشر من جمادى الأولى سنة تسع بقلب منشرح لطلب الشهادة [1] ونفس مشتاقة إلى درك الشهادة، ففتح قلاعا وحصونا، وأسلم زهاء عشرين ألفا من عباد الوثن [2] ، وسلموا قدر ألف ألف درهم من المورق، ووقع الاحتواء/ على ثلاثين فيلا، وبلغ عدد الهالكين منهم خمسين ألفا، ووافى العبد مدينة لهم عاين فيها زهاء ألف قصر مشيد، وألف بيت للأصنام، ومبلغ ما في الصنم ثمانية وتسعون ألف مثقال وثلاثمائة مثقال، وقلع من الأصنام الفضية زيادة على ألف صنم، ولهم صنم معظم يؤرخون مدته لعظم جهالتهم بثلاثمائة ألف عام، وقد بنوا حول تلك الأصنام زهاء عشرة آلاف بيت للأصنام المنصوبة، واعتنى العبد بتخريب هذه المدينة اعتناء تاما، وعمها المجاهدون بالإحراق، فلم يبق منها إلا الرسوم، وحين وجد الفراغ لاستيفاء الغنائم حصل منها عشرون ألف ألف درهم، وأفرد خمس الرقيق فبلغ ثلاثة وخمسين [ألفا] [3] واستعرض ثلاثمائة وستة وخمسين فيلا.
وفى ربيع الأول [4] : جلس القادر باللَّه وقرئ عهد الملك أبي الفوارس، ولقب قوام الدولة، وحملت إليه الخلع بولاية كرمان.
وتأخر الحاج الخراسانية من هذه السنة وتوقف الأمر من العراق [5] .
وفى هذه السنة [6] : مات الأصيفر المنتفقي الذي كان يخفر الحاج.
[نشوء ريح شديدة كالزلزلة]
وفى يوم الأربعاء تاسع ذي الحجة: نشأت ريح شديدة كالزلزلة، وورد معها رمل أحمر.
وفي هذه السنة [7] : قبض على الوزير أبي القاسم ابن فسانجس وعلى اخوته.
__________
[1] في الأصل: «لطلب السعادة» .
[2] في الأصل: «من عباد الدين» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] بياض في ت.
[5] «من هذه السنة» : ساقطة من ص، ل.
[6] بياض في ت، وفي الأصل: «وفيها» .
[7] بياض في ت، وفي ص، ل: «وفيها» .(15/134)
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
3081- أحمد [2] بن موسى بن مردويه بن فورك، أبو بكر الحافظ الإصبهاني
[3] :
توفي في رمضان هذه السنة.
3082- إبراهيم [4] بن مخلد [5] ، بن جعفر بن إسحاق الباقرحي:
ولد سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، وسمع الحسين بن يحيى بن عياش وعلى بن محمد المصري في آخرين، / وكان صدوقا حسن النقل جيد الضبط من أهل العلم والمعرفة والأدب واستخلفه القاضي أبو بكر بن منير على الفرضة، وشهد عنده وشهد عند أبي عبد الله الضبي، وأبي محمد بن الأكفاني، وكان ينتحل في الفقه مذهب ابن جرير، وكان يسكن الجانب الشرقي.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة، ودفن بقرب قبر أبي حنيفة.
3083- تركان [6] بن الفرج بن تركان بن بنان، أبو الحسن الباقلاوي
[7] :
كان يسكن باب الشام، وحدث عن أبي بكر الشافعي، وابن مقسم، وكان صدوقا، توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
3084- الحسين [8] بن قلابوس [9] بن عبد الله، أبو عبد الله التركي
[10] .
سمع أبا الفضل الزهري.
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 127، البداية والنهاية 12/ 8) .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (الأنساب 2/ 49) .
[6] بياض في ت، وفي الأصل: «وكان» .
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 140) .
[8] بياض في ت.
[9] في الأصل: «الحسين بن قلاوس» .
[10] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 87) .(15/135)
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: كان شيخنا دينا فقيرا مستورا، وتوفى في رجب هذه السنة.
3085- عبيد الله [1] بن أحمد، بن جعفر، أبو تغلب [2] القاضي.
له شعر ورسائل، وكان بينه وبين الوزير المغربي مكاتبات، وكان ينوب عن أبي خازم القاضي في الجانب الشرقي من واسط توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
3086- عبد الصمد [3] بن بابك، أبو القاسم الشاعر
[4] :
وشعره مستحسن، قدم على الصاحب بن عباد، فقال: أنت ابن بابك؟ فقال: أنا ابن بابك. توفي في شوال هذه السنة.
3087- عبد الواحد [5] بن محمد، أبو عمر بن مهدي
[6] :
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال:
عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي بن خشنام بن النعمان بن مخلد أبو عمر البزاز الفارسي، كازروني الأصل، سمع القاضي المحاملي، ومحمد بن مخلد، وابن عياش القطان، وعبد الله بن أحمد بن إسحاق الجوهري، ومحمد بن إسماعيل الفارسي، ومحمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة، وأبا العباس بن عقدة وإسماعيل بن محمد الصفار، ومحمد بن عمر والرزاز، وأبا عمرو بن السماك، كتبنا عنه، وكان ثقة أمينا، يسكن درب الزعفراني.
قال: وسمعت محمد بن على بن مخلد الوراق يذكر أن مولده [في] [7] سنة ثماني
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص: «أبو ثعلب القاضي» . وانظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 410) .
[3] بياض في ت.
[4] هذه الترجمة جاءت في الأصل بعد الترجمة الآتية، وسقطت كلها من ص.
وانظر ترجمته في: (الكامل 8/ 127) .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 13) .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/136)
عشرة [1] وثلاثمائة، ومات فجأة في يوم الاثنين، ودفن يوم/ الثلاثاء النصف من رجب سنة عشر وأربعمائة، [ودفن] [2] في مقبرة باب حرب.
3088- عبد الواحد [3] بن عبد العزيز بن الحارث بن راشد، أبو الفضل التميمي
[4] :
حدث عن النجاد والبغوي، وابن الجعابي.
قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان صدوقا، توفي في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن إلى جنب قبر أحمد بن حنبل، وصلى عليه نحو خمسين ألفا.
3089- عبد الواحد [5] بن محمد بن عثمان، أبو القاسم البجلي
[6] :
من ولد جرير بن عبد الله. سمع النجاد، والخلدي، وقلد القضاء على مواضع، وكان ثقة. توفي في رجب هذه السنة.
3090- محمد [7] بن أسد بن على بن سعيد، أبو الحسن الكاتب المقرئ
[8] .
سمع أبا بكر النجاد، وجعفر الخلدي، وغيرهما، وكان صدوقا، وتوفى يوم الأحد لليلتين خلتا من المحرم، ودفن بالشونيزي.
3091- محمد [9] بن المظفر بن عبد الله، أبو الحسن المعدل المعروف بابن السراج
[10] :
روى عن أبي بكر النجاد، وغيره.
__________
[1] في الأصل: «سنة ثلاث عشرة» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 14) .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 14) .
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 83) .
[9] بياض في ت.
[10] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 264) .(15/137)
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أنشدنا محمد بن المظفر، قال: أنشدني أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي لنفسه:
قد كنت للحدة من ناظري ... أرى السهى في الليلة المقمره
الآن ما أبصر بدر الدجى ... إلا بعين تشتكي الشبكره
لأنني أنظر منها وقد ... غير مني الدهر ما غيره
ومن طوى الستين من عمره ... رأى أمورا فيه مستنكره
وإن تخطاها رأى بعدها ... من حادثات الدهر ما غيره
[1] توفي ابن المظفر، في جمادى الأولى من هذه السنة رحمه الله.
3092-/ هبة الله [2] بن سلامة، أبو القاسم الضرير المفسر
[3] :
كان من أحفظ الناس لتفسير القرآن، وكان له حلقة في جامع المنصور، وقد سمع الحديث من أبي بكر بن مالك القطيعي وغيره.
أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ، عَنْ أَبِي طالب العشاري [4] ، أخبرنا هبة الله المقرئ، أخبرنا هبة الله بن سلامة [5] المفسر، قال: كان لنا شيخ نقرأ عليه في باب محول، فمات بعض أصحابه فرآه الشيخ في النوم، فقال: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قال: فما حالك مع منكر ونكير؟ قال: يا أستاذ لما أجلساني وقالا من ربك من نبيك؟ ألهمني الله عز وجل أن قلت لهما بحق أبي بكر وعمر دعاني، فقال: أحدهما للآخر قد أقسم علينا بعظيم دعه فتركاني، وانصرفا.
توفي هبة الله في هذه السنة في رجب، ودفن في مقبرة جامع المنصور.
__________
[1] في ص، ت: «من حادثات النقص ما لم يره» .
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 71، والبداية والنهاية 12/ 8) .
[4] في الأصل: «أبي طاهر العشاري» .
[5] في ص، ل: «حدثنا هبة الله بن سلامة» .(15/138)
ثم دخلت سنة إحدى عشرة وأربعمائة
[فقد الحاكم صاحب مصر]
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه في يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من شوال فقد الحاكم صاحب مصر وكان يواصل الركوب ليلا نهارا ويتصدى له الناس فيقف عليهم ويسمع منهم، وكان المصريون موتورين منه، فكانوا يدسون إليه الرقاع [المختومة بالدعاء والسب له ولأسلافه، والوقوع [2]] فيه وفى حرمه حتى انتهى فعلهم في ذلك إلى أن عملوا تمثال امرأة من قراطيس بخف وأزوار ونصبوها في بعض الطريق، وتركوا في يدها رقعة مختومة تتضمن كل لعن وشتيمة، فلما اجتاز بها لم شك أنها امرأة، وأن الرقعة رقعة ظلامة، فتقدم فأخذها من/ يدها ففتحها فرأى في أولها ما استعظمه، فقال: انظروا هذه المرأة من هي؟ فقيل: إنها تمثال معمول من قراطيس، فقرأ الرقعة كلها وعاد إلى القاهرة [3] ، ودخل إلى قصره، وتقدم باستدعاء القواد والعرفاء، فلما حضروا أمرهم بالمصير إلى مصر وضربها بالنار ونهبها وقتل من ظفروا به [من أهلها] [4] ، فتوجهوا لذلك، وعرف المصريون ذلك فقاتلوا عن نفوسهم قتالا بلغوا فيه غاية وسعهم، ولحق النهب والنار الأطراف والسواحل التي لم يكن في أهلها قوة على امتناع ولا قوة على دفاع، واستمرت الحرب بين العبيد والرعية ثلاثة أيام والحاكم يركب [كل يوم] [5] ويشاهد النار، ويسمع الصياح ويسأل عن ذلك، فيقال
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «ودخل القاهرة» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/139)
له: العبيد يحرقون مصر وينهبونها، والنار تعمل في الموضع الفلاني والموضع الفلاني، فيظهر التوجع، ويقول: من أمرهم بهذا لعنهم الله، فلما كان في اليوم الثالث اجتمع الأشراف والشيوخ في الجوامع، ورفعوا المصاحف، وعجوا بالبكاء، وابتهلوا إلى الله تعالى في الدعاء، فرحمهم المشارقة والأتراك، فانحازوا إليهم وقاتلوا معهم، وأرسلوا إلى الحاكم يقولون:
نحن عبيدك ومماليكك، وهذا البلد بلدك، وفيه حرمنا وأولادنا وما علمنا أن أهله جنوا جناية تقتضي سوء المقابلة، فإن كان هناك باطن لا نعرفه أشعرتنا به وانتظرت علينا إلى أن نخرج أموالنا وعيالنا، وإن كان ما عليه هؤلاء العبيد مخالفا لرأيك أطلعتنا في معاملتهم بما تعامل به المفسدين، فأجابهم: بأني ما أردت ذلك ولا أذنت فيه، وقد أذنت لكم في نصرتهم والإيقاع بمن يتعرض بهم.
وراسل العبيد سرا بأن كونوا/ على أمركم، وحمل إليهم سلاحا قواهم به، فاقتتلوا، وأعادوا الرسالة إليه: أنا قد عرفنا غرضك إنه إهلاك هذا البلد وما يجوز أن نسلم أنفسنا، وأشاروا إلى بعض العبيد [1] في قصد القاهرة، فلما رآهم مستظهرين ركب حماره ووقف بين الفريقين، وأومأ إلى العبيد بالانصراف، وسكن الآخرين فقبلوا ذلك وشكروه، وسكنت الفتنة، وكان قدر ما أحرق من مصر ثلثها ونهب نصفها، وتتبع المصريون من أخذ من زوجاتهم وبناتهم، وابتاعوا من العبيد بعد أن فضحوهن حتى قتل منهن نفوسهن خوفا من عار الفواحش المرتكبة منهم، ثم زاد ظلم الحاكم وعن له أن يدعي الربوبية، فصار قوم من الجهال إذا رأوه يقولون له: يا واحدنا يا أحدنا يا محيي يا مميت، وكان قد أسلم جماعة من اليهود فكانوا يقولون أنا نريد أن نعاود شرعنا الأول فيفسح لهم في الارتداد، وأوحش أخته بمراسلات قبيحة، وقال لها: قد وقع إلي أنك تدخل الرجال إليك، فراسلت [2] قائدا يقال له ابن دواس كان شديد الخوف من الحاكم أن يقتله، فقالت: إني أريد [أن] ألقاك إما أن تتنكر لي وتأتيني [3] وأما أن أجيء إليك،
__________
[1] في ص، ل: «إلى بعض الوعيد» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] «وتأتيني» ساقطة من ص.(15/140)
فجاءت إليه فقبل الأرض بين يديها وخلوا، فقالت له: لقد جئتك في أمر أحرس نفسي ونفسك، فقال: أنا خادمك فقالت له: أنت تعلم ما يعتقده أخي فيك، وإنه متى تمكن منك لم يبق عليك، وأنا كذلك، ونحن معه على خطر عظيم، وقد انضاف إلى ذلك ما قد تظاهر به وهتكه الناموس الذي [قد] [1] أقامه آباؤنا وزيادة جنونه وحمله نفسه على ما لا يصبر المسلمون على مثله فأنا خائفة أن يثور الناس علينا فيقتلوه ويقتلونا/ وتنقضي هذه الدولة أقبح انقضاء.
قال: صدقت، فما الرأي؟ قالت: تحلف لي وأحلف لك على كتمان ما جرى بيننا من السر، وتعاضدني على ما فيه الراحة من هذا الرجل. فقال لها: السمع والطاعة.
فتحالفا على قتله، وأنهما يقيمان ولده مقامه وتكون أنت صاحب جيشه ومديره، وأنا فلا غرض لي إلا سلامة المهجة فأقطعته ما يحصل مائة ألف، وقالت: اختر لي عبدين من عبيدك تثق بهما على سرك وتعتمد عليهما في مهمك. فاحضرها عبدين موصوفين بالأمانة والشهامة فاستحلفتهما على كتمان ما تخرج به إليهما، فحلفا فوهبت لهما ألف دينار ووقعت لهما بإقطاع وقالت: أريد منكما أن تصعدا [2] غدا إلى الجبل فتكمنا [3] فيه، فإن نوبة الحاكم أن يصعد غدا وليس معه إلا الركابي وصبي، وينفرد بنفسه، فإذا قرب منكما خرجتما فقتلتما الصبي، وسلمت إليهما سكينين من عمل المغاربة، وقررت ذلك معهما، وكان الحاكم ينظر في النجوم فنظر في مولده وقد حكم عليه بقطع في هذا الوقت، وقيل فيه: إنه متى تجاوزه عاش نيفا وثمانين سنة، فلما كانت تلك الليلة أحضر والدته، وقال [لها] [4] : علي في هذه الليلة قطع عظيم، وكأني بك قد تهتكت وملكت مع أختي فإنني ما يخاف عليك أضر منها فتسلمي هذا المفتاح فهو لهذه الخزانة [5] ، ولي فيها صناديق تشتمل على ثلاثمائة ألف دينار فحوليها إلى
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «أن تقعدا» .
[3] في ص: «فتكتما فيه» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «هذا المفتاح فهو في هذه الخزانة» .(15/141)
قصرك لتكون ذخيرة لك، فقبلت الأرض وبكت، وقالت له: إذا كنت تتصور هذا فارحمني ودع ركوبك في هذه الليلة، فقال: أفعل وكان من رسمه أن يطوف كل ليلة حول القصر من أول الليل إلى الصباح في ألف رجل، فقعد تلك الليلة إلى أن مضى صدر/ من الليل [1] ، ثم ضجر وأحب الركوب فترفقت به والدته وقالت: اطلب النوم يا مولانا، فنام ثم انتبه [وقد] [2] بقي من الليل ثلثه، قال: إن لم أركب وأتفرج خرجت روحي.
فركب وصعد إلى الجبل وليس معه إلا الصبي، فخرج العبدان فطرحاه إلى الأرض وقطعا يديه وشقا جوفه ولفاه في كساء وحملاه إلى ابن دواس بعد أن قتلا الصبي، فحمله ابن دواس إلى أخته فدفنته في مجلسها وكتمت أمره وأحضرت الوزير وعرفته الحال واستكتمته واستحلفته على الطاعة، ورسمت له مكاتبة ولي العهد عن الحاكم، وكان بدمشق بالمبادرة، وأنفذت إلى أحد القواد يقيم في الطريق، فإذا وصل ولي العهد قبض عليه وعدل به إلى تنيس، وكتبت إلى عامل تنيس عن الحاكم بأن يحمل ما [قد] [3] اجتمع عنده، وكان ألف ألف دينار وألفي ألف درهم.
وفقد الناس الحاكم فماجوا في اليوم الثالث وقصدوا الجبل، فلم يقفوا على أثر، فعادوا إلى أخته فسألوها عنه، فقالت: قد كان راسلني قبل ركوبه وأعلمني أنه يغيب سبعة أيام. فانصرفوا على طمأنينة ورتبت ركابيه يمضون ويعودن كأنهم يقصدون موضعا ويقولون لكل من يسألهم فارقناه في الموضع الفلاني وهو عائد يوم كذا، ولم تزل الأخت تدعو في هذه الأيام وجوه القواد وتستحلفهم وتعطيهم، وألبست أبا الحسن علي ابن الحاكم أفخر الملابس، واستدعت ابن دواس وقالت له: المعول في القيام بهذه الدولة [4] عليك، وتدبيرها موكول إليك، وهذا الصبي ولدك فينبغي أن تنتهي في الخدمة إلى غاية وسعك، فقبل الأرض ووعد بالإخلاص في الطاعة، وأخرجت الصبي وقد
__________
[1] «إلى أن مضى صدر من الليل» : العبارة ساقطة من ص.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص، ل: «المعول في قيام هذه الدولة عليك» .(15/142)
لقبته الظاهر لإعزاز دين الله، وألبسته تاج المعز جد أبيه، وأقيمت المآتم على الحاكم ثلاثة أيام، ورتبت الأمور ترتيبا/ مهذبا، وخلعت على ابن دواس خلعا كثيرة وشرفته تشريفا عظيما، فخرج فجلس معظما، فلما تعالى النهار خرج نسيم صاحب الستر والسيف ومعه مائة رجل كانوا مختصين بركاب السلطان يحملون سيوفا بين يديه، وكانوا يتولون قتل من يؤمر بقتله، فسلموا إلى ابن دواس يكونون بحكمه، وتقدمت الأخت إلى نسيم أن يضبط أبواب القصر بالخدم ففعل، وقالت له: اخرج وقف بين يدي ابن دواس، وقل يا عبيد مولانا، الظاهر يقول لكم: هذا قاتل مولانا الحاكم وأعملهم بالسيف ومرهم بقتله، ففعل ثم قتلت جماعة ممن اطلع على سرها فعظمت هيبتها، وكان عمر الحاكم سبعا وثلاثين سنة ومدة ولايته خمسا وعشرين سنة.
وفى هذه السنة [1] ، ولي أبو تمام بن أبي خازم القضاء بواسط من قبل قاضي القضاة أبي الحسن ابن أبي الشوارب.
وفيها [2] : انحدر سلطان الدولة إلى واسط، وخلع على أبي محمد بن سهلان الوزير، وأمره أن يضرب الطبل في أوقات الصلاة، ثم قبض عليه وكحل بعد ذلك.
ووقع حرب بين السلاطين عند واسط فاشتدت مجاعتهم، فقطعوا عشرين ألف رأس من النخل فأكلوا جمارها، ودقوا الأجذاع واستفوها و [أكلوا] [3] البغال والكلاب، وبيع الكر الحنطة بألف دينار قاشانية، وبطل الحج في هذه السنة.
ذكر من توفي في هذه السنة [4] من الأكابر
3093- أحمد [5] بن موسى بن عبد الله بن إسحاق أبو بكر الزاهد المعروف بالروشنائي
[6] .
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] بياض في ت.
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 149) .(15/143)
من أهل مصراثا وهى قرية تحت كلواذي. سمع أبا بكر بن مالك القطيعي، وأبا محمد بن ماسي وغيرهما.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي بن ثابت الحافظ، قال:
أحمد بن موسى الروشنائي نعم العبد كان فيه فضل وديانة وصلاح/ وعبادة، كتبت عنه في قريته وكان له بيت إلى جنب مسجده فيدخله ويغلقه على نفسه ويشتغل بالعبادة ولا يخرج منه إلا لصلاة الجماعة، وكان شيخنا أبو الحسين بن بشران يزوره في الأحيان ويقيم عنده العدد من الأيام متبركا برؤيته ومستروحا إلى مشاهدته.
توفي بمصراثا في رجب هذه السنة خرج الناس من بغداد حتى حضروا الصلاة عليه، وكان الجمع كثيرا جدا، ودفن في قريته.
3094- الحسين [1] بن الحسين بن على بن المنذر، [أبو القاسم] [2] القاضي.
ولد سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، وسمع إسماعيل الصفار، وأبا عمرو بن السماك، والنجاد، والخلدي وغيرهم. وكان صدوقا ضابطا صحيح النقل، كثير الكتاب، حسن الفهم، وخلف القاضي أبا عبد الله الحسين بن هارون [الضبي] [3] على القضاء ببغداد، ثم خرج إلى ميافارقين، فتولى القضاء هناك سنين كثيرة ثم عاد إلى بغداد، وأقام يحدث بها إلى حين وفاته.
وتوفي في شعبان هذه السنة [4] .
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل. وانظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 2/ 113)
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] كتب في نسخة أياصوفيا: «نجز الجزء الثالث من كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي الواعظ بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين وسلم، ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين، والحمد للَّه رب العالمين.
ويتلوه في الّذي يليه: «ثم دخلت سنة اثنتي عشر وأربعمائة، فمن الحوادث فيها أنه كان حاج العراق قد تأخر عن الحج» .(15/144)
ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه كان حاج العراق تأخر عن الحج سنة عشر وسنة إحدى عشرة، فلما جاءت سنة اثنتي عشرة قصد جماعة من الناس يمين الدولة أبا القاسم محمود [بن سبكتين] [2] وقالوا له: أنت سلطان الإسلام وأعظم ملوك الأرض، وفي كل سنة تفتتح من بلاد الكفر قطعة والثواب في فتح طريق الحج [3] أعظم، والتشاغل به أوجب، وقد كان بدر بن حسنويه، وما في أصحابك إلا من هو أكبر شأنا منه، يسير الحاج بماله وتدبيره عشرين سنة، فانظر للَّه تعالى، واجعل لهذا الأمر حظا من اهتمامك، فتقدم إلى أبي محمد الناصحي قاضي القضاة في مملكته بالتأهب/ للحج، ونادى في سائر أعمال خراسان بالتأهب للمسير، وأطلق للعرب في البادية ثلاثين ألف دينار، وسلمها إلى الناصحي سوى ما أطلقه من الصدقات، فحج بهم الناصح أبو الحسن الأقساسي، فلما بلغوا فيد حاصرهم العرب، فبذل لهم الناصحي خمسة آلاف دينار، فلما لم يقنعوا وصمموا على أخذ الحاج، وكان متقدمهم رجل يقال له جماز بن عدي [4] بضم العين من بني نبهان وكان جبارا فركب فرسه وعليه درعه وبيده رمحه وجال جولة يرهب بها، وكان في جماعة
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ل: «في فتح طريق مكة» .
[4] في ص: «يقال له: جمار بن عدي» .(15/145)
السمرقنديين غلام يعرف بابن عفان يوصف بجودة الرمي، فرماه بنبلة، فوصلت إلى قلبه فسقط ميتا وأفلت الحاج وساروا [فحجوا] [1] وعادوا سالمين.
وفي هذه السنة [2] : قلد القاضي أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَحْمَد السمناني الحسبة والمواريث، وقرأ الوزير ابن حاجب النعمان عهده، وركب بالسواد، وخلع على أبي علي الحسن بن الحسين الرخجي خلع الوزارة، ولقب مؤيد الملك، وقبض قرواش بن المقلد على أبي القاسم المغربي الوزير وأطلقه، وعلى أبي القاسم سليمان بن فهد فقتل سليمان نفسه.
ذكر من توفي في هذه السنة [3] من الأكابر
3095- أحمد [4] بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل بن حفص أبو سعد الماليني الصوفي
[5] :
ومالين قرية من قرى هراة، أحد الرحالين في طلب الحديث والمكثرين منه، رحل إلى البلاد الكثيرة، وسمع من أشياخ كثيري العدد، وكتبه من الكتب الطوال والمصنفات الكبار، ثم رحل إلى مصر فتوفي [6] بها في شوال هذه السنة، وكان ثقة مصنفا [7] صدوقا صالحا.
3096- الحسين [8] بن الحسين بن محمد بن الحسين بن رامين، أبو محمد القاضي الإستراباذي
[9] :
نزل بغداد، وحدّث عن أبي بكر الإسماعيلي وغيره، وكان صدوقا فقيها فاضلا صالحا. توفي في هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 371، والكامل 8/ 136، والبداية والنهاية 12/ 11) .
[6] في ص، ل: «وكان متقنا» .
[7] في ص، ل: «رحل إلى مصر فمات» .
[8] بياض في ت.
[9] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 300، والبداية والنهاية 12/ 11) .(15/146)
3097- الحسن [1] / بن منصور، أبو غالب الوزير الملقب ذا السعادتين
[2] :
ولد بسيراف سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، وتقلبت به الأمور حتى صحب فخر الملك ولقبه سلطان الدولة وزير الوزراء نجاح الملوك وخلع عليه وجعله ناظرا في بغداد، فلما قطعت خطبة سلطان الدولة وخطب لمشرف الدولة ألزم أبا غالب بالانحدار مع الديلم إلى خوزستان، فانحدر معهم، فلما وصل إلى الأهواز نادى الديلم بشعار سلطان الدولة [3] ، وهجموا علي أبي غالب فقتلوه، فكانت وزارته ثمانية عشر شهرا وثلاثة أيام، وعمره ستون سنة وخمسة أشهر، وصودر ابنه على ثمانين ألف دينار، فلما بلغ سلطان الدولة قتل أبي غالب سكن قلبه واطمأن، وقال المطرز [يرثى أبا غالب] [4] :
أبا غالب من للمعالي إذا دعت ... ومن عنك يسعى سعيها ويثيب
ومن للمذاكي يصطلين بغارة ... بها السيف عار والسنان خضيب
فتى يستجير الملك أن صرخت به ... الحوادث أو حنت عليه خطوب
ومن يكشف الغماء عنه بعزمه ... لها في قلوب النائبات وجيب
3098- الحسين [5] بن عمرو، أبو عبد الله الغزال
[6] :
سمع ابن السماك، والنجاد، والخلدي، والنقاش:
قال أبو بكر الخطيب: كتبت عنه، وكان شيخا ثقة [7] صالحا كثير البكاء عند الذكر، ومنزله في شارع دار الرقيق. وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة، ودفن في مقبرة/ باب حرب.
3099- محمد بن عمر، أبو القاسم القزاز الحربي:
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 11) .
[3] «ألزم أبا غالب.. بشعار الدولة» . العبارة ساقطة من ص.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 82، 83، والبداية والنهاية 12/ 12) .
[7] «ثقة» : ساقطة من ص، ل.(15/147)
سمع النجاد. يروى عنه الخطيب، وقال: كان ثقة يقرئ القرآن ويصوم الدهر.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3100- محمد بن عمر، أبو بكر [1] العنبري الشاعر
[2] :
كان ظريفا أديبا طلق النفس حسن الشعر.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي [بن ثابت] [3] قال:
أنشدني أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ العزيز العكبري، قال: أنشدني أبو بكر العنبري لنفسه:
إني نظرت إلى الزمان ... وأهله نظرا كفاني
فعرفته وعرفتهم ... وعرفت عزي من هواني
فلذاك اطرح الصديق ... فلا أراه ولا يراني
وزهدت فيما في يديه ... ودونه نيل الأماني
فتعجبوا لمقالة ... وهب الأقاصي للأداني
وأنسل من بين الزحا ... م فما له في الخلق ثاني
وكان العنبري يتصوف، ثم بان له عيوب [4] الصوفية، فذمهم بقصائد قد كتبتها في تلبيس إبليس. توفي العنبري يوم الخميس ثاني عشر جمادي الأولى من هذه السنة.
3101- مُحَمَّد [5] بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق بن عبد الله بن يزيد بن خالد، أبو الحسن البزاز المعروف بابن رزقويه
[6] :
كان يذكر أن له نسبا في همدان، سمع إسماعيل بن محمد الصفار، وأبا الحسن المصري [7] وخلقا كثيرا.
__________
[1] «أبو بكر» ساقطة من ص، ل.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 12) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «فبان له عيوب الصوفية» .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 341، والكامل 8/ 136، والبداية والنهاية 12/ 12) .
[7] في ص: «أبا الحسن المقرئ» . وفي الأصل: «أبا الحسين البصري» .(15/148)
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: سمعته يقول:
ولدت يوم السبت لست خلون من ذي الحجة سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، وأول من سمعت منه الصفار، وأول ما كتبت سنة سبع وثلاثين.
قال ابن ثابت: كان ابن/ رزقوية، يذكر [1] أنه درس الفقه وعلق على مذهب الشافعي، وكان ثقة صدوقا كثير السماع والكتاب، حسن الاعتقاد، جميل المذهب مديما لتلاوة القرآن، شديدا على أهل البدع، ومكث يملي في جامع المدينة من بعد سنة ثمانين وثلاثمائة إلى قبل وفاته بمديدة، وهو أول شيخ كتبت عنه وأول ما سمعت منه في سنة ثلاث وأربعمائة كتبت عنه [2] إملاء مجلسا واحدا، ثم انقطعت عنه إلى أول سنة ست، وعدت فوجدته قد كف بصره، فلازمته إلى آخر عمره.
وسمعته يقول: والله ما أحب الحياة في الدنيا لكسب ولا تجارة ولكن أحبها لذكر الله تعالى ولقراءتي عليكم الحديث. [هذا قول أبي بكر الخطيب] [3] .
وسمعت البرقاني يسأل عنه، فقال: ثقة، وسمعت الأزهري يذكر أن بعض الوزراء دخل بغداد ففرق مالا كثيرا على أهل العلم، وكان ابن رزقويه [4] في من وجه إليه من ذلك المال فقبلوا كلهم سواه فانه رده تورعا وظلف نفس.
وكانت وفاته غداة يوم الاثنين سادس عشر جمادي الأولى سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، ودفن في يومه بعد صلاة الظهر في مقبرة باب الدير بالقرب من معروف الكرخي.
3102- محمد [5] بن أحمد بن محمد بن فارس بن سهل، أبو الفتح بن أبي الفوارس
[6] :
كان جده سهل يكنى أبا الفوارس، ولد أبو الفتح في سحر يوم الأحد لثمان بقين
__________
[1] في الأصل: «ابن رزقونة يذكر» .
[2] «وأول ما سمعت ... وأربعمائة كتبت عنه» . العبارة ساقطة من ص.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «وكان ابن رزقونة» .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 352، والكامل 8/ 136) .(15/149)
من شوال سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، وسمع من أبي بكر النقاش، والشافعي، وأبي علي بن الصواف، وخلق كثير. وسافر في طلب الحديث إلى البلاد، وكتب الكثير وجمع، وكان ذا حفظ ومعرفة وأمانة وثقة، مشهورا بالصلاح، وكتب الناس عنه بانتخابه على الشيوخ، وحدث عنه البرقاني، وهبة الله الطبري، وكان يسكن بالجانب الشرقي ويملي في جامع الرصافة [1] .
وتوفي يوم الأربعاء/ سادس عشر ذي القعدة من هذه السنة، ودفن إلى جنب أحمد بن حنبل، غير أن بينهما قبور الميمين الثلاثة. كذا قال القزاز عن الخطيب
[2] .
3103- محمد [3] بن إبراهيم بن حوران بن بكران، أبو بكر الحداد
[4] :
سمع أبا بكر الشافعي، وروى عن أبي جعفر بن بريه كتاب المبتدأ لوهب، وكان صدوقا.
3104- محمد [5] بن الحسن بن محمد، أبو العلاء الوراق
[6] :
ولد سنة ثمان عشرة وثلاثمائة، وسمع إسماعيل بن محمد الصفار، وأحمد بن كامل القاضي، وغيرهما. وكان ثقة، وكان ينزل في الجانب الشرقي ناحية سوق يحيى، وتوفي يوم الخميس ثاني عشرين ربيع الأول من هذه السنة، ودفن في الخيزرانية.
3105- محمد [7] بن الحسين بن محمد بن موسى، أبو عبد الرحمن السلمي النيسابوري
[8] :
روى عن أبي العباس الأصم وغيره. وروى عنه مشايخ البغداديين الأزهري،
__________
[1] في الأصل: «ويملي بالجامع الغربي بالرصافة» .
[2] في الأصل: «عن ابن الخطيب» .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 416) .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 216) .
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 248، والكامل 8/ 136، والبداية والنهاية 12/ 12) .(15/150)
والعشاري وغيرهما، وكانت له عناية بأخبار الصوفية، فصنف لهم تفسيرا وسننا وتاريخا وجمع شيوخا وتراجم وأبوابا، وله بنيسابور دويرة معروفة يسكنها الصوفية، وفيها قبره وتوفي يوم الأحد ثالث شعبان [من] [1] هذه السنة.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي بن ثابت، قال: قال لي محمد بن يوسف القطان النيسابوري: كان أبو عبد الرحمن غير ثقة، ولم يكن سمع من الأصم إلا شيئا يسيرا، فلما مات الحاكم أبو عبد الله بن البيع، حدث عن الأصم بتاريخ يحيى بن معين وبأشياء كثيرة سواها، وكان يضع للصوفية الأحاديث.
3106- أبو عبد الله [2] بن الدجاجيّ:
القارئ المجود، قد ذكرا بعض حاله في الحج سنة أربع وتسعين [وثلاثمائة] [3] توفي في هذه السنة.
3107- أبو علي الحسن بن علي الدقاق النيسابوري
[4] :
كان يعظ ويتكلم على الأحوال والمعرفة.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن الموحد، حدثنا أبو سعد/ عبد الرحمن بن مأمون بن علي المتولي النيسابوري، أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بْن هوازن القشيري، قَالَ: سمعت الأستاذ أبا علي الحسن بْن علي الدقاق، يقول في قوله: «من تواضع لغني لأجل دنياه ذهب ثلثا [5] دينه» قال: لأنه تواضع له بلسانه وخدمه بأركانه، فلو تواضع له بقلبه ذهب دينه كله، وقال: عليك بطريق السلامة، وإياك والتطلع لطرق البلاء، ثم أنشد:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] بياض في ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 412) .
[5] انظر الحديث في: (الدرر المنتثرة 157، والأسرار المرفوعة 339، وكشف الخفا 2/ 334، وتذكرة الموضوعات 175) .(15/151)
ذريني تجئني منيتي [1] مطمئنة ... ولم أتجشم هول تلك الموارد
رأيت عليات [2] الأمور منوطة ... بمستودعات في بطون الأساود
وقال: وعند القوم أن سرور الطلب أتم من فرح الوجود لأن فرح الوجود يخطر الزوال، وحال الطلب برجاء الوصال.
وقال في قوله: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ 2: 152 [3] اذكروني اليوم وأنتم أحياء اذكركم وأنتم تحت التراب، إن الأحباب إذا أقفرت ديار أحبابهم قالوا: سقيا لساكنها ورعيا لقطانها، كذلك الحق سبحانه إذا أتت عليك الأعوام وأنت رميم [4] ، يقول: سقيا لعبادي.
وقال: البلاء الأكبر أن تريد ولا تراد، وتدنو وترد إلى البعاد.
وقال: «حفت: جنة بالمكاره» : [5] إذا كان المخلوق لا وصول إليه إلا بتحمل المشاق، فما ظنك بمن لم يزل وقد قال في الكعبة: لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ 16: 7 [6] ، ثم أنشد:
لولا المشقة ساد الناس كلهم ... الجود يفقر والاقدام قتال
قال يعقوب: يقول: (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) 12: 84 ويوسف: (يقول أنت وليي) [7] وأنشد:
جننا بليلى وهي جنت بغيرنا ... وأخرى بنا مجنونة لا نريدها
__________
[1] في ت: «تجئني ميتتي» .
[2] في ل: «رأيت غليات» .
[3] سورة: الآية:
[4] في ص، ل: «علينا الأعوام ونحن في التراب رحيم» .
[5] انظر الحديث في: (صحيح مسلم، الجنة حديث 1، وسنن أبي داود السنة 22، وسنن الترمذي الجنة 21، ومسند أحمد بن حنبل 2/ 260، 333، 354، 380، 3/ 153، 245، 284) .
[6] سورة: النحل، الآية: 7.
[7] سورة: يوسف، الآية: 84.(15/152)
ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه في يوم الثلاثاء خامس عشر ذي القعدة فتح المارستان المؤيدي الذي بناه مؤيد الملك أبو علي الحسن الرخجي وزير مشرف الدولة بواسط، وحملت إليه الأدوية والأشربة، ورتب له الخزان والأطباء والوكلاء، ووقفت عليه الوقوف وجعلت على المعاملات السلطانية مشاهرة.
[عمد بعض الحاج المصريين إلى الحجر الأسود فضربه بدبوس]
وفي هذه السنة: في زمن الحج عمد بعض الحاج المصريين إلى الحجر الأسود فضربه بدبوس كان في يده حتى شعثه وكسر قطعا منه، وعاجله الناس فقتلوه وثار المكيون بالمصريين ونهبوهم وقتلوا قوما منهم، وركب أبو الفتوح الحسن بن جعفر فأطفأ الفتنة، ودفع عن المصريين.
قال هلال بن المحسن: وقيل: أن الفاعل ما فعله إلا وهو من الجهلة الذين كان الحاكم استغواهم وأفسد أديانهم. وقيل: كان ذلك في سنة أربع عشرة، قال:
وقرأت في كتاب كتب بمصر في هذا المعني: كان من جملة من دعاه الخوف إلى الانتزاح رجل من أهل البصرة أهوج أثول سار مع الحجيج إلى مكة فرقا من السيف وتستر بالحج، فلما وصل أعلن الكفر وأظهر ما كان يخفيه من الكفر فقصد الحجر الأسود، فضربه بدبوس في يده أطارت شظايا منه، ووصلت بعد ذلك، ثم إن هذا الكافر عوجل بالقتل.
__________
[1] بياض في ت.(15/153)
أخبرنا شيخنا محمد بن ناصر الحافظ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بن ميمون النرسي، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن علي بن عبد الرحمن العلويّ، قال: في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة كسر الحجر الأسود/ لما صليت الجمعة يوم النفر الأول، ولم يكن رجع الناس بعد من منى، قام رجل ممن ورد من ناحية مصر بإحدى يديه سيف مسلول، وبالأخرى دبوس بعد ما قضى الإمام الصلاة، فقصد ذلك الرجل ليستلمه [1] على الرسم، فضرب وجه الحجر ثلاث ضربات متوالية بالدبوس، وقال: إلى متى يعبد الحجر ولا محمد ولا علي يمنعني عما أفعله، فإنّي أهدم هذا البيت وارفعه فاتقاه أكثر الحاضرين وتراجعوا عنه، وكاد يفلت، وكان رجلا تام القامة، أحمر اللون، أشقر الشعر، سمين الجسم، وكان على باب المسجد عشرة من الفرسان على أن ينصروه، فاحتسب رجل من أهل اليمن أو من أهل مكة أو من غيرها فوجأه بخنجر، واحتوشه الناس فقتلوه وقطعوه وأحرقوه بالنار، وقتل من اتهم بمصاحبته ومعونته على ذلك المنكر جماعة، وأحرقوا بالنار وثارت الفتنة، وكان الظاهر من القتلى أكثر من عشرين نفسا غير ما اختفى منهم، وألحوا في ذلك اليوم على المغاربة والمصريين بالنهب والسلب وعلي غيرهم في طريق منى إلى البلد.
وفي يوم النفر الثاني اضطرب الناس وماجوا، وقالوا أنه قد أخذ في أصحاب الخبيث لعنه الله أربعة أنفس اعترفوا بأنهم مائة بايعوا على ذلك، وضربت أعناق هؤلاء الأربعة وتقشر بعض وجه الحجر في وسطه من تلك الضربات وتخشن، وزعم بعض الحاج أنه سقط من الحجر ثلاث قطع واحدة فوق أخرى، فكأنه يثقب ثلاث ثقب ما يدخل الأنملة في كل ثقبة، وتساقطت منه شظايا مثل الأظفار، وطارت منه شقوق يمينا وشمالا، وخرج مكسره أحمر [2] يضرب إلى الصفرة محببا مثل الخشخاش، فأقام الحجر علي ذلك يومين، ثم أن بني شيبة جمعوا ما وجدوه مما سقط منه، وعجنوه بالمسك واللك [3] ، وحشوا تلك المواضع/ وطلوها بطلاء من ذلك، فهو بين لمن تأمله، وهو على حاله اليوم.
__________
[1] في ص: «ذلك الحجر ليستلمه» .
[2] في الأصل: «وخرج مكسره أسمر» .
[3] «واللك» : ساقطة من ص.(15/154)
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
3108- عمر [2] بن محمد بن عمر، أبو علي العلوي
[3] :
سكن بغداد وحدث بها، وقد ذكرنا حال أبيه وتوسعه في الدنيا، وكان لعمر هذا مال كثير فقبض عليه قرواش بن المقلد وأخذ منه مائة ألف دينار، وتوفي في هذه السنة، واستولى السلطان على أكثر أمواله وضياعه.
3109- دجى بن عبد الله، أبو الحسن الخادم الأسود الخصي مولى الطائع للَّه [4] .
كان قريبا منه، وخصيصا به يسفر بينه وبين الملوك، سمع أبا الفضل بن المأمون وغيره، وكان سماعه صحيحا وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
3110- علي [5] بن هلال، أبو الحسن [المعروف بابن] [6] البواب صاحب الخط [7] الحسن:
صحب ابن سمعون، وكان يقص بجامع المدينة، وبلغنا أن أبا الحسن البتي دخل دار فخر الملك أبي غالب، فوجد ابن البواب جالسا في عتبة باب ينتظر خروج فخر الملك، فقال جلوس الأستاذ في العتب رعاية للنسب، فجرد ابن البواب وقال: لو أن إلي من أمر الدنيا شيئا ما مكنت مثلك في الدخول، فقال البتي: ما تترك صنعة الشيخ رحمه الله.
توفي الأستاذ أبو الحسن يوم السبت ثاني جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب ورثي بأبيات منها:
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] جاءت هذه الترجمة في ت بعد الترجمة التالية.
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 271، والكامل 8/ 138) .
[4] في الأصل، ت: «الخادم الأسود الحمصي» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 392) .
[5] بياض في ت.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 14) .(15/155)
فللقلوب التي أبهجتها حزن ... وللعيون التي أقررتها سهر
وما لعيش وقد ودعته أرج ... ولا لليل وقد فارقته سحر
[1]
3111- علي [2] بن عيسى بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أبان، أبو الحسن الفارسي المعروف بالسكري الشاعر
[3] :
أصله من نفر وهو بلد على النرس من بلاد الفرس، ولد ببغداد في صفر سنة سبع وخمسين وثلاثمائة، / وكان يحفظ القرآن والقراءات، وكان متفننا في الآداب، وصحب القاضي أبا بكر بن الطيب، وأكثر شعره في مدح الصحابة والرد على الرافضة والنقض على شعرائهم.
توفي في يوم الثلاثاء سلخ شعبان، في هذه السنة، وقيل: يوم الاثنين لثلاث بقين من شعبان، ودفن في مقبرة باب الدير في الموضع المعروف بتل صافي مقابل قبر معروف، وأمر أن يكتب في لوح وينقش [4] على قبره أبيات قالها، وهي:
نفس يا نفس كم تمادين في الغي ... وتأتين بالفعال المعيب
راقبي الله واحذري موضع العرض ... وخافي يوم الحساب العصيب
لا يغرنك السلامة في العيش ... فإن السليم رهن الخطوب
كل حي فللمنون ولا يدفع ... بأس المنون كيد الأريب
واعلمي أن للمنية وقتا ... سوف يأتي عجلان غير هيوب
فأعدي لذلك اليوم زادا ... وجوابا للَّه غير كذوب
إن حب الصديق في موقف الحشر ... أمان للخائف المطلوب
3112- محمد [5] بن أحمد بن محمد بن المنصور، أبو جعفر البيع، ويعرف بالعتيقي
[6] :
__________
[1] في الأصل: «وقد فارقته سهر» .
[2] بياض في ت.
[3] في ص: «علي بن عيسى بن سليمان بن أبان» .
وانظر ترجمته في: (الكامل 8/ 138، والبداية والنهاية 12/ 15) .
[4] في الأصل: «في لوح وينصب» .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 15) .(15/156)
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: ذكر لي ابنه أبو الحسن أنه ولد برويان سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، وحمل إلى طرسوس وهو ابن سبع سنين، فنشأ بها وسمع الحديث من شيخ كان بها يعرف بالخواتيمي، ولم يزل بها حتى غلبت الروم على البلد، فانتقل إلى دمشق، ثم ورد بغداد فسكنها حتى مات بها في يوم الخميس [1] الثاني والعشرين من المحرم سنة ثلاث عشرة وأربعمائة قال أبو الحسن: وحدثني بشيء يسير وسمعت منه.
3113- محمد [2] بن أحمد بن يوسف بن وصيف، أبو بكر الصياد
[3] .
ولد في محرم سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، وسمع/ أبا بكر الشافعي، والقطيعي وغيرهما. وكان ثقة صدوقا خيرا انتخب عليه ابن أبي الفوارس، وتوفي يوم الجمعة لخمس خلون من ربيع الأول من هذه السنة.
3114- مُحَمَّد [4] بن محمد بن النعمان، أبو عبد الله المعروف بابن المعلم
[5] :
شيخ الإمامية وعالمها، صنف على مذهبهم، ومن أصحابه المرتضى، وكان لابن المعلم مجلس نظر بداره بدرب رياح [6] يحضره كافة العلماء، وكانت له منزلة عند أمراء الأطراف، لميلهم إلى مذهبه.
توفي في رمضان هذه السنة، ورثاه المرتضى فقال.
من لفضل أخرجت منه خبيئا ... ومعان فضضت عنها ختاما
من ينير العقول من بعد ما كنا ... همودا ويفتح الأفهاما
من يعير الصديق رأيا إذا ما ... سله في الخطوب كان حساما
[ودفن في مقبرة] [7] ،
__________
[1] في تاريخ بغداد: «مات بها يوم الجمعة» .
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 378) .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 231) .
[6] «بدرب رياح» . ساقطة من ص.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل. وبعدها في ص، ت بياض.(15/157)
ثم دخلت سنة أربع عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه لما سار مشرف الدولة مصعدا إلى بغداد روسل الخليفة القادر في البروز لتلقيه فتلقاه من الزلاقة ولم يكن تلقي أحدا من الملوك قبله، وخرج في يوم الاثنتين لليلتين بقيتا من المحرم، فركب في الطيار وعليه السواد والبردة، ومن جانبه الأيمن الأمير أبو جعفر، ومن جانبه الأيسر الأمير أبو القاسم، وبين يديه أبو الحسن علي بن عبد العزيز، وحوالي القبة المرتضى أبو القاسم الموسوي، وأبو الحسن الزينبي، وقاضي القضاة ابن أبي الشوارب، وفي الزبازب المسودة من العباسيين والقضاة والقراء والفقهاء، فنزل مشرف الدولة في زبزبة ومعه خواصه، وصعدوا إلى الطيار وقد طرح أنجره، فوقف/ فقبل الأرض دفعة ثانية، وسأله الخليفة عن خبره وعرفه استيحاشه لبعده وأنسه الآن بقربه، والعسكر واقف بأسره في شاطئ دجلة، والعامة في الجانبين، والسماريات، وقام مشرف الدولة فنزل في زبزبة واصعد الطيار.
[غدر خليفة بن هراج الكلابي بالقافلة الواردة معه]
وفي يوم الجمعة لثلاث بقين من شعبان: غدر خليفة بن هراج الكلابي بالقافلة الواردة معه، وفي خفارته من مصر، وعدل بها إلى حلته، فأناخ جمالها، وأخذ أحمالها وصرف أربابها على أسوأ حال، وكانت تشتمل على نيف وأربعين حملا بزا وثلاثين ألف دينار مغربية، وعرف الخبر قرواش فركب في رمضان من الأنبار، وتوجه نحوه فهزم قرواش وتمزقت العرب بالمال.
__________
[1] بياض في ت.(15/158)
وفي هذه السنة [1] : ورد كتاب من يمين الدولة أبي القاسم محمود بن سبكتكين إلى القادر باللَّه يذكر له غزوة في بلاد الهند، وأنه أوغل في بلادهم حتى جاء إلى قلعة عد فيها ستمائة صنم، وقال: أتيت قلعة ليس لها في الدنيا نظير، وما الظعن بقلعة تسع خمسمائة ألف إنسان، وخمسمائة فيل، وعشرين ألف دابة، ويقوم لهذا العدد بما يكفيه من علوفة وطعام، وأعان الله حتى طلبوا الأمان فآمنت ملكهم، وأقررته على ولايته بخراج قرر عليه، وأنفذ هدايا كثيرة وفيلة، ومن الطرف الغريبة طائر على هيئة القمري ومن خاصته أنه إذا حضر على الخوان وكان في شيء مما قدم سم دمعت عينه، وجرى منها ماء تحجر، وحك، فطلى بما يحك منه الجراحات ذوات الأفواه الواسعة، فيحلمها فتقبلت هديته وانقلب العبد بنعمة من الله وفضله.
وفيها: وزر أبو القاسم المغربي لمؤيد الملك بعد الرخجي [2] ، فقال رجل لكون الوزير كان مشغولا بالنحو:
ويل وعول وويه ... لدوله ابن بويه
سياسة الملك ليست ... ما جاء عن سيبويه
[وفي هذه السنة] [3] : حج بالناس أبو الحسن [4] محمد بن الحسن الأقساسي العلوي، وعاد على طريق الشام/ لاضطراب الجادة.
ذكر من توفي في هذه السنة [5] من الأكابر
3115- الحسين [6] بن فضل بن سهلان، أبو محمد الرامهرمزي
[7] :
__________
[1] بياض في ت.
[2] كذا في الأصول، وهو لقب الرخجي. أما لقب أبي القاسم «مشرف الدولة» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ومكانة في ت بياض.
[4] في الأصل: «حج بالناس أبو المحسن» .
[5] بياض في ت.
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 16) .(15/159)
وزر لسلطان الدولة، وبني سور الحائر من مشهد الحسين عليه السلام في سنة ثلاث وأربعمائة، وقتل في شعبان هذه السنة عن ثلاث وخمسين سنة.
3116- الحسين [1] بن محمد، أبو عبد الله الكشفلي الطبري
[2] :
تفقه على أبي القاسم الداركي، وكان فهما فاضلا ودرس بعد أبي حامد في مسجده، وهو مسجد عبد الله بن المبارك بقطيعة الربيع، وكان يقرأ عليه فقيه من أهل بلخ، فتأخرت نفقته فأضر به ذلك، فشكا حاله إلى الكشفلي، فأخذه ودخل على رجل من التجار بالقطيعة يقال له ابن برويه [3] وسأله ابن يقرضه شيئا حتى تأتي نفقته من بلده، فأمر بتقديم الطعام، فلما أكلوا تقدم إلى جارية فأحضرت زنفيلجة [4] فوزن منها عشرين دينارا [5] ، ودفعها إليه وخرج الكشفلي وهو يشكره، ورأى الفقيه قد تغير فسأله عن حاله، فأخبره أنه قد هوى الجارية التي حملت الزنفيلجة، فعاد الكشفلي إلى ابن برويه، فقال له: قد وقعنا في قصة أخرى، قال: ما هي؟ فأخبره بحال الفقيه مع الجارية فسلمها إليه وقال: ربما كان في قلبها منه مثل ما في قلبه لها، ووصل الفقيه من أبيه ستمائة دينار.
توفي الكشفلي في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن بمقابر باب حرب.
3117- الحسين [6] بن الحسن بن محمد بن القاسم، أبو عبد الله المخزومي الغضائري
[7] :
سمع الصولي، وابن السماك، والنجاد، والخلدي وكان ثقة، توفي في محرم هذه السنة ودفن بقرب قبر أحمد بن حنبل.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 105، والكامل 8/ 142، والبداية والنهاية 12/ 16) .
[3] في ص: «ابن بروتة» ، وفي ل بدون نقط.
[4] الزنفيلجة: وعاء يتشبه الكف.
[5] في ل، والأصل: «فقرن منها خمسين دينارا» .
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 34) .(15/160)
3118- علي [1] بن عبد الله بن جهضم، أبو الحسن الصوفي صاحب بهجة الأسرار
[2] :
وكان شيخ الصوفية توفي بمكة، وقد ذكروا أنه كان/ كذابا، ويقال انه وضع صلاة الرغائب.
أخبرنا شيخنا [3] ابن ناصر، عن أبي الفضل بن خيرون، قال: قد تكلموا فيه.
3119- القاسم [4] بن جعفر بن عبد الواحد أبو عمر الهاشمي البصري
[5] :
قدم بغداد في سنة إحدى وسبعين وقبلت شهادته ثم قدمها مع أبي محمد بن معروف في سنة سبع وسبعين [وكانت ولادته سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، سمع عبد الغافر بن سلامة، وأبا علي اللؤلؤي في خلق، وكان ثقة أمينا، وولى القضاء بالبصرة [6] .
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
3120- محمد بن أحمد بن الحسين بن يحيى، أبو الفرج القاضي الشافعي يعرف بابن سميكة
[7] :
حدث عن أبي بكر النجاد، وأبي علي بن الصواف، وحبيب بن الحسن القزاز، وغيرهم.
أخبرنا القزاز، أخبرنا ابن ثابت الخطيب، قال: كتبنا عنه بانتقاء محمد بن أبي الفوارس، وكان ثقة، وتوفي يوم الثلاثاء، ودفن يوم الأربعاء لست خلون من [شهر] [8] ربيع الأول سنة أربع عشرة وأربعمائة، ودفن في مقبرة باب حرب.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 16) .
[3] في ص، ل: «وأنبأنا شيخنا» .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 451، البداية والنهاية 12/ 17) .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ل في أول الترجمة.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 289، والبداية والنهاية 12/ 17) .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/161)
3121- محمد [1] بن أحمد، أبو جعفر النسفي
[2] :
كان عالما بالفقه على مذهب أبي حنيفة، وصنف تعليقه مشهورة، وكان فقيرا متزهدا، فبات ليلة مكروبا من الإضافة، فوقع له فرع من فروع مذهبه، فأعجب به فقام قائما يرقص في داره، ويقول: أين الملوك [وأبناء الملوك] [3] ، فسألته زوجته عن حاله، فأخبرها فتعجبت. توفي في شعبان هذه السنة.
3122- هلال [4] بن محمد بن جعفر بن سعدان، أبو الفتح الحفار:
ولد سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، سمع إسماعيل الصفار، [5] وأبا عمرو بن السماك، والنجاد، وابن الصواف، وكان صدوقا ينزل بالجانب الشرقي قريبا من الخطابين توفي في شهر صفر هذه السنة رحمه الله وإيانا وجماعة المسلمين بمنه وكرمه [6] .
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 142، والبداية والنهاية 12/ 17) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 75، والكامل 8/ 142، والبداية والنهاية 12/ 17) .
[6] «رحمه الله ... يمنه وكرمة» : ساقطة من ل، ص.(15/162)
ثم دخلت سنة خمس عشرة وأربعمائة
[جمع الوزير المغربي الأتراك والمولدين لمشرف الدولة]
فمن الحوادث فيها [1] :
أن الوزير المغربي جمع الأتراك والمولدين ليحلفوا لمشرف الدولة، وكلف مشرف الدولة المرتضى ونظام الحضرتين أبا الحسن الزينبي وقاضي القضاة، وأبا الحسن بن أبي الشوارب، وجماعة من الشهود الحضور، فأحلفت طائفة من القوم فظن الخليفة أن التحالف لنية مدخولة في حقه، فبعث من دار الخليفة من منع الباقين بأن يحلفوا، وأنكر على المرتضى والزينبي وقاضي القضاة حضورهم بلا إذن، واستدعوا إلى دار الخلافة، وسرح الطيار، وأظهر عزم الخليفة على الركوب وتأدى ذلك إلى مشرف الدولة، وانزعج منه، ولم يعرف السبب فيه فبحث عن ذلك إذا به أنه اتصل بالخليفة أن هذا التحالف عليه، فترددت الرسائل باستحالة ذلك، وانتهى الأمر إلى أن حلف مشرف الدولة على الطاعة والمخالصة للخليفة، وكان وقوع اليمين في يوم الخميس الحادي عشر من صفر وتولى أخذها [2] واستيفاءها القاضي أبو جعفر السمناني، ثم حلف الخليفة لمشرف الدولة.
[عقد لمشرف الدولة على بنت علاء الدولة أبي جعفر بن كاكويه]
وفي رجب: وقع العقد لمشرف الدولة على بنت علاء الدولة أبي جعفر بن كاكويه، وكان الصداق خمسين ألف دينار.
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «واستولى» .(15/163)
وفي هذه السنة [1] : تأخر الحاج الخراسنة للإشفاق من فساد طريق مكة.
وفيها حج بالناس [2] : أبو الحسن الأقساسي، وحج معه حسنك صاحب محمود بن سبكتكين، فنفذ إليهما صاحب مصر خلعا وصلة فسارا إلى العراق ولم يدخل، حسنك بغداد خوفا أن ينكر عليه من دار الخلافة، / فكوتب محمود بن سبكتكين بما فعله حسنك فنفذ برسوله ومعه الخلع المصرية، فأحرقت على باب النوبي، وعاد الحاج على طريق الشام، وورد كثير منهم في السفن من طريق الفرات، وجاء قوم على الظهر إلى أوانا، وذاك لأنهم عللوا العرب في ممرهم بأنا سنرضيكم، فخافوا أن يصيروا في أيديهم بحكمهم، فعرجوا إلى تلك الطريق لطلب السلامة.
ذكر من توفي في هذه السنة [3] من الأكابر
3123- أحمد [4] بن محمد بن عمر بن الحسن بن عبيد بن عمرو بن خالد بن الرفيل، أبو الفرج المعدل المعروف بابن [5] المسلمة:
ولد في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وسمع أباه، وأحمد بن كامل، والنجاد، والخطبي، ودعلج بن أحمد، وغيرهم. وكان ثقة يسكن في الجانب الشرقي [6] بدرب سليم، ويملي في كل سنة مجلسا واحدا في أول المحرم، وكان عاقلا فاضلا كثير المعروف، وداره مألفا لأهل العلم.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن ثابت، قال: حدثني رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن الحسن [7] بن أحمد بن محمد، قال: كان جدي يختلف في درس الفقه
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 67، والبداية والنهاية 12/ 17) .
[6] «في الجانب الشرقي» : ساقطة من ص.
[7] في ص: «علي بن الحسين» .(15/164)
إلى أبي بكر الرازي، وكان يصوم الدهر، وكان يقرأ كل يوم سبع القرآن بالنهار ويعيده بعينه في ليلته في ورده.
قال رئيس الرؤساء: ورأيت أبا الحسين القدوري الفقيه بعد موته في المنام فقلت له: كيف حالك؟ فتغير وجهه ودق حتى صار كهيئة الوجه المرئي في السيف دقة وطولا وأشار إلى صعوبة الأمر، فقلت: كيف حال الشيخ أبي الفرج؟ يعني جده فعاد وجهه إلى ما [1] كان [عليه] [2] وقال لي: ومن مثل الشيخ أبي الفرج ذلك؟ ثم رفع يده إلى السماء، فقلت في نفسي: يريد بهذا قول [الله] [3] تعالى: وَهُمْ في الْغُرُفاتِ آمِنُونَ 34: 37 [4] .
توفي أبو الفرج ابن المسلمة [5] في ذي القعدة من هذه السنة.
3124- أَحْمَد [6] بن محمد بن أحمد بن القاسم، أبو الحسن [7] المحاملي:
كان أبوه أحد الشهود ببغداد، وتفقه على أبي حامد، وبرع وصنف المصنفات المشهورة، وكان أبو حامد يقول: هو أحفظ للفقه مني. وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة وهو شاب.
3125- سلطان الدولة [8] ابن بهاء الدولة
[9] .
توفي بشيراز عن اثنتين وثلاثين سنة وخمسة أشهر.
3126- عبيد الله [10] بن عمر بن علي بن الأشرس، أبو القاسم الفقيه المقرئ المعروف بابن البقال
[11] :
__________
[1] في الأصل: «فعاد وجهه إلى ما كان» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] سورة: سبإ، الآية: 37.
[5] في الأصل: «أبو الفرج ابن سلمة» .
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 372، والبداية والنهاية 12/ 18) .
[8] بياض في ت.
[9] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 415) .
[10] بياض في ت.
[11] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 382، البداية والنهاية 12/ 18) .(15/165)
سمع النجاد، وأبا علي ابن الصواف، قال الخطيب: سمعنا منه بانتقاء ابن أبي الفوارس، وكان ثقة. وتوفي في صفر هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3127- عبيد الله [1] بن عبد الله بن الحسين، أبو القاسم الخفاف المعروف بابن النقيب
[2] :
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: رأى الشبلي، وسمع من أبي طالب ابن البهلول. وكان سماعه صحيحا، وكان شديدا في السنة قال: وبلغني أنه جلس للتهنئة لما مات ابن المعلم شيخ الرافضة، وقال: ما أبالي أي وقت مت بعد أن شاهدت موت ابن المعلم. قال: وسمعت رئيس الرؤساء أبا القاسم وكان ينزل في جواره ناحية الرصافة، قال: مكث كذا وكذا سنة ذهب عني حفظ عددها كثرة يصلي الفجر على وضوء العشاء، ويحيى الليل بالتهجد. قال الخطيب: وسألته عن مولده، فقال: ولدت سنة خمس وثلاثمائة.
ومات أبو بكر بن مجاهد في سنة أربع وعشرين ولي تسع عشرة سنة، وأذكر من الخلفاء: المقتدر، والقاهر، والراضي، والمتقي، والمستكفي، والمطيع، والطائع، والقادر، والغالب. خطب له بولاية العهد.
توفي ابن النقيب في سلخ شعبان هذه السنة.
3128- عمر [3] بن عبد الله بن عمر بن تعويذ، أبو حفص الدلال
[4] :
توفي في هذه السنة.
قال المصنف: سمعت أبا الفضل الأرموي، يقول: سمعت أبا الحسين بن المهتدي/ يقول: سمعت عمر بن عبد الله بن تعويذ، يقول: سمعت الشبلي يقول:
وقد كان شيء يسمى السرور ... قديما سمعنا به ما فعل
__________
[1] بياض في ت، وفي ص: «عبد الله» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 382) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 271، البداية والنهاية 12/ 18) .(15/166)
خليلي إن دام هم النفوس ... قليلا على ما نراه قتل
مؤمل دنيا لتبقى له ... فمات المؤمل قبل الأمل
3129- علي [1] بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد بن بشر بن مهران، أبو الحسين المعدل
[2] :
سمع علي بن محمد المصري، وإسماعيل بن محمد الصفار، والحسين بن صفوان وغيرهم. وكان صدوقا ثقة ثبتا حسن الأخلاق تام المروءة.
توفي في شعبان هذه السنة. وقيل: في رجب عن سبع وثمانين سنة، ودفن بباب حرب.
3130- علي [3] بن عبد الصمد أبو الحسن الشيرازي ويعرف بابن [4] أبي علي:
تولى حجبة القادر باللَّه في شوال سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، فلم يزل على ولايته إلى سنة ثمان وأربعمائة، وكثرت الفتن، فجاء إلى دار الخليفة وأظهر التوبة من العمل، وأشهد على نفسه بذلك في الموكب فولى بعده أبو مقاتل، فأراد دخول الكرخ، فمنعه أهلها فأحرق الدكاكين والجعافرة، فصارت تلولا، فعاد علي بن أبي علي إلى الولاية في سنة تسع وأربعمائة، وقتل الموسومين بالفتن من الشيعة والسنة، ونفى ابن المعلم فقيه الإمامية وجماعة من الوعاظ وأهل السنة، ونسبهم إلى معاونة أهل الفتن، فقامت الهيبة وسكن البلد، فلما ولي أبو القاسم المغربي الوزارة، صادر علي بن أبي علي على خمسة آلاف دينار مغربية، وألف عليه العيارين فقتلوه على باب درب الديزج ليلة النصف من رجب هذه السنة، وتولى المعونة بعده أبو علي الحسن بن أحمد غلام ابن الهدهد.
3131- محمد [5] بن المظفر بن علي بن حرب، أبو بكر الدينَوَريّ [6] الصالح:
توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 98) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 415) .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 265) .(15/167)
3132- محمد [1] بن الحسن، أبو الحسن الأقساسي [2] العلوي:
وهو من ولد محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن على حج بالناس سنين كثيرة نيابة عن المرتضى الموسوي، وله شعر مليح، ومنه قوله في غلام اسمه بدر:
يا بدر وجهك بدر ... وغنج عينيك سحر
وماء خديك ورد ... وماء ثغرك خمر
أمرت عنك بصبر ... وليس لي عنك صبر
تأمرني بالتسلي ... ما لي مع الشوق أمر
توفي في هذه السنة، ورثاه المرتضى بأبيات منها قوله:
وقد خطف الموت كل الرجال ... ومثلك من بيننا ما خطف
وما كنت إلا أبي الجنان ... على الضيم محتميا بالأنف
خليا من العار صفر الإزار ... مدى الدهر من دنس أو نطف
3133- محمد [3] بن أحمد [4] بن عمر بن علي، أبو الحسن ويعرف بابن [5] الصابوني:
ولد سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، وسمع أبا بكر الشافعي وغيره. وكان صدوقا.
وتوفي يوم الخميس السادس عشر من رجب، ودفن في مقبرة باب الشام.
3134- محمد [6] بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الفرج بن أبي طاهر، أبو عبد الله الدقاق ويعرف بابن البياض
[7] :
ولد في صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، وسمع أحمد بن سلمان، وجعفر الخلدي [8] ، وأبا بكر الشافعيّ، وغيرهم.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 18) .
[3] بياض في ت.
[4] في ت: «محمد بن علي بن أحمد» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 318) .
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 353) .
[8] في الأصل: «جعفر بن سليمان، وأحمد الخلدي» .(15/168)
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن ثابت، قال: كان الدقاق شيخا فاضلا دينا صالحا ثقة من أهل القرآن، / ومات في يوم الخميس التاسع والعشرين من شعبان سنة خمس عشرة وأربعمائة.
3135- محمد [1] بن الحسين بن محمد بن الفضل، أبو الحسين الأزرق [2] القطان:
سمع إسماعيل الصفار، وأبا عمرو بن السماك، وأبا بكر النجاد، وجعفر الخلدي في آخرين، وكان ثقة، وتوفي في رمضان هذه السنة، ودفن في مقبرة باب الدير.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 249) .(15/169)
ثم دخلت سنة ست عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
[انبساط العيارين انبساطا أسرفوا فيه]
أن العيارين انبسطوا انبساطا أسرفوا فيه، وخرقوا هيبة السلطان، وواصلوا العملات وأراقوا الدماء [2] .
[وفاة الملك مشرف الدولة]
وفي ربيع الآخر: توفي الملك مشرف الدولة، ونهبت الخزائن، واستقر الأمر على تولية جلال الدولة أبي طاهر فخطب له على المنابر وهو بالبصرة، فخلع على شرف الملك ابن ماكولا وزيره ولقبه علم الدين سعد الدولة أمين الملة شرف الملك، وهو أول من لقب بالألقاب الكثيرة، ثم تأخر إصعاده لما عليه الأمور من الانتشار، وأعلم بأن الملك يحتاج إلى المال وليس عنده فأظهر الجند الخوض في أمر الملك أبي كاليجار، ثم تظاهروا بعقد الأمر له، وانحدر الأصفهلارية إلى دار الخلافة، وراسلوا الخليفة وعددوا ما عاملهم به جلال الدولة [3] من إغفال أمرهم، وإهمال تدبيرهم، وإنهم قد عدلوا إلى أبي كاليجار ثم تظاهروا بعقد الأمر له إذ كان ولى عهد أبيه [4] سلطان الدولة الذي استخلفه بهاء الدولة عليهم، فتوقف الجواب، ثم عادوا فقيل لهم: نحن مؤثرون لما تؤثرونه، وخرج الأمر بإقامة الخطبة للملك أبي كاليجار [5] ، وأقيمت له في يوم
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص: «وإراقة الدماء» .
[3] في الأصل: «جلال الملك» .
[4] في ل، ص: أبي كاليجار إذا كان ولي عهد أبيه» .
[5] في الأصل: «بإقامة الخطبة لأبي كاليجار» .(15/170)
الجمعة سادس عشر شوال، فكوتب جلال الدولة بذلك، فأصعد من واسط.
وكان صاحب مصر قد أنفذ إلى يمين الدولة محمود بن سبكتكين خلعة مع أبي العباس أحمد بن محمد الرشيدي الملقب زين القضاة/ إلى الخليفة، فجلس القادر باللَّه في يوم الخميس لتسع يقين من جمادي الآخرة لأبي العباس الرشيدي بعد أن جمع القضاة والشهود والفقهاء والأماثل وأحضر أبو العباس ما كان حمله صاحب مصر، وأدى رسالة يمين الدولة بأنه الخادم المخلص الذي يرى الطاعة فرضا ويبرأ من كل ما يخالف الدولة العباسية [1] ، فلما كان فيما بعد هذا اليوم أخرجت الثياب إلى باب النوبي، وحفرت حفرة وطرح فيها الحطب، ووضعت الثياب فوقه وضربت بالنار وأبو الحسن علي بن عبد العزيز والحجاب حاضرون، والعوام ينظرون [2] وسبك المركب، فخرج وزن فضة أربعة آلاف وخمسمائة واثنتين وستين درهما، فتصدق به على ضعفاء بني هاشم [3] .
[زيادة أمر العيارين]
وفي هذه السنة: زاد أمر العيارين وكبسوا دور الناس نهارا وفي الليل بالمشاعل والموكبيات، وكانوا يدخلون على الرجل فيطالبونه بذخائره ويستخرجونها منه بالضرب كما يفعل المصادرون، ولا يجد المستغيث مغيثا، وقتلوا ظاهرا وانبسطوا على الأتراك، وخرج أصحاب الشرط من البلد، وقتل كثير من المتصلين بهم، وعملت الأبواب، وأوثقت على الدروب، ولم يغن ذلك شيئا، وأحرقت دار الشريف المرتضى على الصراة، وقلع هو باقيها، وانتقل إلى درب جميل وكان الأتراك قد أحرقوا طاق الحراني لفتنة جرت بينهم وبين العيارين والعامة، وكان هذا الاختلاط من شهر رجب سنة خمس عشرة إلى آخر سنة ست عشرة.
[غلاء الأسعار]
وغلت الأسعار، وفي هذه السنة بيع الكر بثمانين دينارا، فخرج خلق من أوطانهم.
[تأخر ورود الحاج الخراسانية]
وتأخر في هذه السنة ورود الحاج الخراسانية، فلم يحج أحد من خراسان ولا من العراق.
__________
[1] في ل: «ما يخالف الدعوة العباسية» .
[2] في الأصل: «والعامة ينظرون» .
[3] في الأصل: «على فقراء بني هاشم» .(15/171)
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
3136- سابور [2] بن أردشير
[3] :
وزر لبهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة ثلاث مرات، / وكان كاتبا شديدا، وابتاع دارا بين السورين في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وحمل إليها كتب العلم من كل فن، وسماها دار العلم، وكان فيها أكثر من عشرة آلاف مجلد، ووقف عليها الوقوف، وبقيت سبعين سنة وأحرقت عند مجيء طغرلبك في سنة خمسين وأربعمائة، ووزر لشرف الدولة بن عضد الدولة، وكان عفيفا عن الأموال، كثير الخير سليم الباطن، وكان إذا سمع الآذان ترك ما هو فيه من الأشغال وقام إلى الصلاة، ولم يعبأ بشيء إلا أنه كان يكثر الولاية والعزل، فولى بعض العمال عكبرا فقال له: أيها الوزير كيف ترى أستأجر السمارية مصعدا ومنحدرا فتبسم وقال: امض ساكنا.
وتوفي ببغداد هذه السنة وقد جاوز السبعين [4] .
3137- عثمان [5] النيسابوري، الخركوشي [6] الواعظ:
كان يعظ الناس، وله كتاب صنفه في الوعظ من أبرد الأشياء، وفيه أحاديث كثيرة موضوعة، وكلمات مرذولة لكنه قد كان فيه خير. دخل على القادر في سنة ست وتسعين وثلاثمائة، فوقف بين يديه وقال: أطال الله بقاء أمير المؤمنين حدثني فلان عن فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لكل إمام دعوة مستجابة» [7] فإن رأى أمير المؤمنين أن يخصني في هذا اليوم بدعوة، فقال له: بارك الله عليك وفيك.
وكان له حشمة عظيمة ومحلته حمى يلجأ عليه وكان محمود بن سبكتكين إذا رآه
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 154، والبداية والنهاية 12/ 19) .
[4] في ص، ل: «وقد قارب السبعين» .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 154، والبداية والنهاية 12/ 19) .
[7] في ص، ل: «لكل إمام دعوة مجابة» .(15/172)
يقوم له ويستقبله إذا قصده، فدخل عليه محمود [1] يوما وقال له: قد ضاق صدري كيف قد صرت تكدى؟ فقال: كيف؟ قال: بلغني أنك تأخذ أموال الضعفاء وهذا هو الكدية، وكان محمود قد سقط على أهل نيسابور شيئا فكف عن ذلك. ووقع بنيسابور جرف فأخذ يغسل الموتى (ويواريهم) [2] فغسل عشرة آلاف.
3138- محمد [3]- بن الحسن بن صالحان أبو منصور
[4] :
/ وزر لشرف الدولة أبي الفوارس بن عضد الدولة ثم لأخيه بهاء الدولة وكان يحب الخير والعلماء ويميل إلى العدل ويفضل على الناس وإذا سمع الأذان ترك شغله ونهض لأداء الفرض وكان له مجلس نظر يحضر أهل العلم وكان يعطى العلماء والشعراء وتوفي ببغداد في رمضان هذه السنة عن ست وسبعين سنة. وكان أبو علي إسماعيل الموفق يخلف أبا منصور فأتاه بشر بن هارون النصراني فقال له: إني قد هجوت الوزير أبا منصور بأبيات فيها:
قالوا مضيت إلى الوزير ... فقلت بنظر أم الوزير
يلقى الكرام نعم وأما ... ذا فيلقى جوف بئر
فقال: لو سمعها منك لحمدت أمرك معه، فقال: ما عليك إن أنشدتها إياه، قال:
ما تؤثر، قال: مائة درهم وعشرة أقفزة حنطة [5] ، فدخل على الوزير وقال له: قد أنعمت على بما تقصر شكري عنه وقد حسدني [قوم] [6] على قربي منك، وقالوا أبياتا على لساني فيك فأخاف أن تصدق ذلك إذا سمعته، فقال: لا تخف فما الأبيات؟ فأنشده إياه فضحك وخرج فكتب له أبو علي بالدراهم والحنطة على وكيله فدافعه، فكتب إليه:
__________
[1] «محمود» : ساقطة من ل.
[2] «يواريهم» : ساقطة من ص.
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 153، والبداية والنهاية 12/ 19) .
[5] في الأصل: «وعشرة أقفزة حنطة» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/173)
أيها السيد الكريم الجليل ... هل إلى نظرة إليك سبيل
فأناجيك باشتكاء وكيل ... ليس حسبي وليس نعم الوكيل
3139- مشرف الدولة [1] ، أبو علي بن بهاء الدولة:
أصابه مرض حاد فتوفي لثمان بقين من ربيع الأول عن ثلاث وعشرين سنة وثلاثة أشهر وأربعة عشر يوما، وكانت مدة إمارته خمس سنين وشهرا وخمسة وعشرين يوما.
__________
[1] بياض في ت.(15/174)
ثم دخلت سنة سبع عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] : /
[ورود الأصفهلارية إلى بغداد]
إن الأصفهلارية وردوا إلى بغداد، فراسلوا العيارين وكانوا قد كثروا بالانصراف عن البلد، فلم يلتفتوا إلى هذه المراسلة وخرجوا إلى مضارب الأصفهلارية [2] وصاحوا وشتموا، ووقعت حرب طول النهار وأصبح الجند على غيظ وحنق، فلبسوا السلاح وضربوا الدبادب كما يفعل في الحرب، ودخلوا الكرخ ووقعت النار فاحترق من الدقاقين إلى النحاسين وبعض باب المساكين وسائر الأبواب التي كانوا يتحصنون بها، ونهبت الكرخ في هذا اليوم وهو يوم الأحد لعشر بقين من المحرم، وأخذ الشيء الكثير من القطيعة ودرب رياح، وفيه كانت دار أبي يعلى ابن الموصلي رئيس العيارين، وأخذ من درب أبي خلف الأموال خص بها من دار ابن زيرك البيع، وقلعت الأبواب من درب عون وسائر أسواق الكرخ السالمة من الحريق، وأصبح الناس في اليوم الثالث على خطة صعبة، وكان ما انتهبه العوام من غير أهل الكرخ أكثر مما نهبه الأتراك [3] ، ومضى المرتضى مستوحشا مما جرى إلى دار الخليفة فانحدر الأصفهلارية [4] ، وسألوا التقدم إليه بالرجوع، فخلع عليه ثم تقدم إليه بالعود، ثم حفظت المحال واشيعت المصادرات، وقرر على الكرخ مائة ألف دينار.
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص: «مضارب الاصفسلارية» .
[3] في الأصل: «مما نهبه العوام الأتراك» .
[4] في ص، ل: «الاصفهسارية» .(15/175)
وفي ربيع الآخر: شهد أبو عبد الله الحسين [1] بن علي الصيمري عند قاضي القضاة ابن أبي الشوارب [2] بعد أن استتابه عما ذكر عنه من الاعتزال.
وفي شهر رمضان: انقض كوكب عظيم الضوء كان له دوى كدوي الرعد.
وجاء في هذه السنة [3] برد لم يعهد مثله منذ يوم الثلاثاء سلخ شوال وإلى يوم الثلاثاء لعشر بقين من ذي الحجة على الدوام، وجمد الماء طول هذه المدة ثخينا حتى في حافات دجلة والأنهار الواسعة، وأما/ السواقي ومجاري الماء فإنها كانت تجمد طولا وعرضا، وقاسى الناس من هذا شدة، وامتنع كثير منهم من التصرف والحركة، وتأخرت الزيادة [4] في دجلة والفرات، وامتنع المطر فوقفت العمارة، فلم يزرع في السواد إلا القليل.
[اعتقال جلال الدولة أبا سعد بن ماكولا وزيره]
وفي هذه السنة [5] : اعتقل جلال الدولة أبا سعد بن ماكولا وزيره [6] ، واستوزر ابن عمه أبا علي بن ماكولا [7] .
وتأخر الحاج الخراسانية في هذه السنة، وبطل الحج من خراسان والعراق.
ذكر من توفي في هذه السنة [8] من الأكابر
3140- أَحْمَدُ [9] بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ العباس بن مُحَمَّد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، أبو الحسن القرشي الأموي
[10] :
__________
[1] في ص: «أبو عبد الله الحسين» .
[2] في الأصل: «ابن أبي الفواس» .
[3] بياض في ت.
[4] في الأصل: «وتأخرت عن الزيادة» .
[5] بياض في ت.
[6] في جميع الأصول: «ماكولة زيره» . خطأ.
[7] في جميع الأصول: «أبا علي بن ماكولة» وهو خطأ.
[8] بياض في ت.
[9] بياض في ت.
[10] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 47، والبداية والنهاية 12/ 20) .(15/176)
ولي قضاء البصرة قديما ثم قضاء القضاة بعد أبي محمد بن الأكفاني في ثالث من شعبان سنة خمس وأربعمائة، ولم يزل على القضاء إلى حين وفاته، وكان عفيفا نزها، وقد سمع من أبي عمر الزاهد، وعبد الباقي بن قانع إلا أنه لم يحدث.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني القاضي أبو العلاء الواسطي، قال:
إن المتوكل دعا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وأحمد بن المعدل، وإبراهيم التيمي من البصرة وعرض على كل [واحد] [1] منهم قضاء القضاة، فاحتج محمد بن عبد الملك بالسن العالية وغير ذلك، واحتج أحمد بن المعدل بضعف البصر وغير ذلك، وامتنع إبراهيم التيمي، فقال: لم يبق غيرك، وجزم عليه فولي فنزل حال إبراهيم التميمي عند أهل العلم، وعلت حالة الآخرين.
قال أبو العلاء: فيرى الناس أن بركة امتناع محمد بن عبد الملك دخلت على ولده فولى منهم أربعة وعشرون قاضيا منهم ثمانية تقلدوا قضاء القضاة، وآخرهم أبو الحسن أحمد بن محمد، وما رأينا مثله جلالة ونزاهة وصيانة وشرفا.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري، قال: كان بيني وبين القاضي أبي الحسن ابن أبي الشوارب بالبصرة أنس كثير وامتزاج شديد حتى كان يعدني ولدا وأعده والدا، فما علمت له سرا قط أو ظهر عليه ما استحيى منه، وكان بالبصرة رجل من وجوهها واسع الحال كثير المال جدا يعرف بابن نصر بن عبدويه، فقال لي، وقد دخلت عليه عائدا [له] [2] في علة الموت في صدري سر، وأريد اطلاعك عليه، لما ولى القاضي أبو الحسن بن أبي الشوارب القضاء بالبصرة في أيام بهاء الدولة، وكان بيني وبينه من المودة ما شهرته تغنى عن ذكره مضيت إليه، وقلت له: قد علمت أن هذا الأمر الّذي تقلدتا يحتاج فيه إلى مؤن كثيرة وأمور لا يقدر عليها، وقد أحضرتك مائتي دينار وتعلم أنني ممن لا يطلب قضاء ولا شهادة ولا بيني وبين أحد خصومة احتاج إليها في الترافع إليك، وإن حدث بي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/177)
حدث اقتضى الترافع إليك فباللَّه عليك إلا حكمت عليّ [في ذلك] [1] فما يجب على يهودي لو كان في موضعي، واسألك أن تقبض مني هذه الدنانير تستعين بها على أمرك، فان قبلتها بسبب المودة التي بيننا فأنت في حل منها في الدنيا والآخرة، وإن أبيت [2] قبولها على هذا الوجه، فهي قرض لي عليك، فقال: اعلم أن الأمر كما ذكرته وو الله إني لمحتاج إليها، ولكن لا يراني الله قبلت إعانة على هذا الأمر، واسألك باللَّه إن أطلعت أحدا على هذا السر ما دمت في الدنيا، فو الله ما ذكرت لأحد قبل هذا الوقت.
قال ابن حبيب: ومات من يومه ذلك، توفي ابن أبي الشوارب في شوال هذه السنة.
3141- إبراهيم [3] بن عبد الواحد بن محمد بن الحباب، أبو القاسم الدلال:
سمع محمد بن عبد الله الشافعي وغيره، وكان ثقة يسكن الجانب الشرقي. وتوفي في صفر هذه السنة.
3142- جعفر [4] بن بابي، أبو مسلم الختلي
[5] .
سمع ابن بطة، ودرس فقه الشافعي على أبي حامد الإسفرائيني. وكان ثقة فاضلا دينا. وتوفي في رمضان هذه السنة.
3143-[عَبْد اللَّهِ [6] بن جعفر [7] ، أبو سعد ابن باكويه
[8] :
وزر لجلال الدولة أبي طاهر واعتقله ومات في اعتقاله في هذه السنة، وكان أديبا شاعرا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص، ل: «وإن كرهت» .
[3] بياض في ت.
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 139) .
[4] في الأصل: «جيعور» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 235، وفيه: «جعفر بن بابا أبو مسلم الجيلي والبداية والنهاية 12/ 21، وفيه «جعفر بن ابان أبو مسلم الختّليّ» .
[6] في ل: عبد الواحد، وفي ت مكانها بياض.
[7] في ت: «ابن أحمد بن جعفر» .
[8] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 417)(15/178)
3144- عمر [1] بن أحمد بن إبراهيم بن عبدويه، أبو حازم الهذلي النيسابوري
[2] :
سمع إسماعيل بن نجيد، وأبا بكر الإسماعيلي وخلقا كثيرا، روى عنه محمد بن أبي الفوارس، والتنوخي، وأبو بكر الخطيب، وكان ثقة صادقا عارفا حافظا، سمع الناس بإفادته، وكتبوا بانتخابه، وتوفي في عيد الفطر من هذه السنة] [3] .
3145- عمر [4] بن أحمد بن عثمان، أبو حفص البزاز العكبري
[5] :
ولد سنة عشرين وثلاثمائة. سمع النقاش، وكان ثقة مقبول الشهادة عند الحكام، وتوفي في هذه السنة.
3146- علي بن أحمد بن عمر بن حفص، أبو الحسن المقرئ المعروف بابن [6] الحمامي:
ولد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وسمع أبا عمر وابن السماك، والنجاد، والخلدي، وخلقا كثيرا، وكان صدوقا دينا فاضلا حسن الاعتقاد، وتفرد بأسانيد القراءات وعلوها في وقته، وكان ينزل سوق السلاح من دار المملكة.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، قال: حدثني نصر بن إبراهيم الفقيه، قال: سمعت سليم بن أيوب الرازي، يقول: سمعت أبا الفتح بن أبي الفوارس يقول: لو رحل رجل من خراسان ليسمع كلمة من أبي الحسن الحمامي أو من أبي أحمد الفرضي لم تكن رحلته ضائعة عندنا.
توفي أبو الحسن الحمامي رابع عشرين [من] [7] شعبان هذه السنة عن تسع وثمانين سنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 272، والكامل 8/ 158، والبداية والنهاية 12/ 21) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 273) .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 329، والبداية والنهاية 12/ 21) .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/179)
3147- محمد بن أحمد بن إبراهيم بن مشاذى، أبو الحسن الهمذاني
[1] :
أخبرنا عبد الرحمن أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: كتبت عنه عند رجوعه من الحج وذلك في سنة تسع وأربعمائة [2] ، وكان ثقة.
3148- محمد بن أحمد بن الحسن بن الحسن بن إسحاق، أبو الحسن [3] البزاز:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، قال: محمد بن أحمد أبو الحسن البزاز سمع بمكة من عبد الله بن محمد بن إسحاق الفاكهي، وأحمد بن محبوب الفقيه، كتبنا عنه بعد أن كف بصره، وكان ثقة، وتوفي في سنة سبع عشرة وأربعمائة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 274) .
[2] في الأصل: «سنة تسع وأربعين وأربعمائة» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 290) .(15/180)
ثم دخلت سنة ثمان عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث [1] فيها:
أنه في آخر نهار الخميس العاشر من ربيع الآخر [2] جاء برد كبار بنواحي قطربُّل والنعمانية والنيل، وأثر في غلات هذه النواحي، / وقتل كثيرا من الوحش والغنم، وقيل: إنه كان في البردة منه ما وزنه رطلان وأكثر.
وجاء في ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من هذا الشهر في مدينة السلام برد كبير، كقدر البيض واكبر] [3] بعد مطر متصل.
وورد الكتاب من واسط بانه سقط من البرد ما كان وزن الواحدة منه أرطالا فهلكت الغلات ولم يصح منها إلا الأقل.
وفي ربيع الآخر: قصد الأصفهلارية [4] والغلمان دار الخليفة، وراسلوه بأنك أنت مالك الأمور، وقد كنا عند وفاة الملك مشرف الدولة اخترنا جلال الدولة تقديرا منا أنه ينظر في أمورنا، فأغفلنا فعدلنا إلى أبي كاليجار ظنا منه أنه يحقق ما يعدنا به، فكنا على أقبح من الحالة الأولى ولا بد لنا من تدبير أمورنا، فخرج الجواب بأنكم أبناء
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «من ربيع الأول» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص، ل: «الاصفهسلارية» .(15/181)
دولتنا، وأول ما نأمركم به أن تكون كلمتكم واحدة، وبعد فقد جرى الأمر من عقد الأمر لأبي طاهر ثم نقضه ثم ساعدناكم عليه، وفيه قبح علينا وعليكم، ثم عقدتم لأبي كاليجار عقدا لا يحسن حله من غير روية ولبنى بويه في رقابنا عهود لا يجوز العدول عنها والوجه أن تدعونا [حتى] [1] نكاتب أبا كاليجار ونعرف ما عنده، ثم كوتب أنك إن لم تتدارك الأمر خرج عن اليد، ثم آل الأمر إن عادوا وسألوا التقدم بالخطبة لجلال الدولة أبي طاهر وأقيمت الخطبة له.
[كتابة الأمير يمين الدولة محمود إلى الخليفة كتابا يذكر فيه ما فتحه من بلاد الهند]
وكتب الأمير يمين الدولة محمود إلى الخليفة كتابا يذكر فيه ما فتحه من بلاد الهند وكسره الصنم المعروف بسومنات، وكان في كتابه أن أصناف الخلق افتتنوا بهذا الصنم، وربما اتفق برؤ عليل يقصده، وكانوا يأتونه من كل فج عميق ويتقربون إليه بالأموال الكثيرة حتى بلغت أوقاته عشرة آلاف قرية مشهورة في تلك البقاع، وامتلأت خزانته بالأموال، ورتب له ألف رجل للمواظبة على خدمته وثلاثمائة يحلقون حجيجه [2] وثلاثمائة [وخمسون] [3] يرقصون ويغنون على باب الصنم، وقد كان العبد يتمنى قلع هذا الوثن فكان يتعرف الأحوال فتوصف له المفاوز/ إليه وقلة الماء واستيلاء الرمل على الطرق، فاستخار العبد الله عز وجل [4] في الانتداب لهذا الواجب ومثل في فهمه أضعاف المسموع من المتاعب طلبا للثواب الجزيل.
[نهوض العبد في ثلاثين ألف فارس]
ونهض العبد في شعبان سنة ست عشرة في ثلاثين ألف فارس اختارهم سوى المطوعة ففرق العبد في المطوعة خمسين ألف دينار ليستعينوا على أخذ الأهبة، ثم مضى العبد في مفازة أصعب [5] مما وصف، وقضى الله سبحانه الوصول إلى بلد الصنم، وأعان حتى ملك البلد، وقلع الوثن وأوقدت عليه النار [6] حتى تقطع وقتل خمسون ألف من سكان البلد.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص: «يخدمون حجيجة» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص، ل: «العبد الله تعالى» .
[5] في الأصل: «مضى في مصائب أصعب» .
[6] في الأصل: «أوقد عليه النار» .(15/182)
وفي يوم السبت ثالث رمضان: دخل جلال الدولة إلى دار المملكة بعد أن خرج الخليفة ليلقيه [1] قبل ذلك بساعة، فاجتمعا في دجلة ونزل الخليفة من داره في الطيار بين سرادقين مضروبين ومعه الأمير أبو جعفر وأبو الحسن علي بن عبد العزيز، والمرتضى أبو القاسم الموسوي، ونظام الحضرتين أبو الحسن الزينبي، والمصطنع أبو نصر منصور بن رطاس [2] الحاجب، وانحدر إلى أن قرب من مضرب الملك جلال الدولة، فخرج [إليه في زبزبه] [3] وصعد فقبل الأرض دفعات، وجلس بين يديه على كرسي طرح له، وسأله عن أخباره وعرفه أنه بقرب داره، فشكر ودعا وعاد إلى الزبزب فوقف فيه فتقدم إليه الخليفة بالجلوس فجلس وتبع الطيار على سبيل الخدمة إلى أن عبر إلى درجة دار الخليفة، وصعد الملك من الزبزب وجلس في خيمة لطيفة ضربت له على شاطئ دجلة بقرب قصر عيسى، ثم مضى إلى دار المملكة وتقدم/ بأن يضرب له الطبل على بابها في أوقات الصلوات الخمس على مثل ما كان سلطان الدولة فعله عند وروده وغيره مشرف الدولة بعده ورده إلى الرسم وهو في أوقات الصلوات الثلاث وعلى ذلك جرت العادة [4] في أيام عضد الدولة وصمصامها وشرفها وبهائها، فثقل ما فعله على الخليفة لأنه مساواة له وراسل في معناه، فاحتج بما فعله سلطان الدولة، فقيل ذلك على غير أصل ومن غير إذن، ولم تجر العادة بمماثلة الخليفة في هذا الأمر، ثم تردد الرسائل ما انتهى إلى أن قطع الملك ضرب الطبل في الواحدة، فأذن الخليفة في ضرب الطبل في أوقات الصلوات الخمس.
[حلف جلال الدولة لجنوده على الوفاء والصفاء]
وفي هذه السنة [5] : حلف جلال الدولة لجنوده على الوفاء والصفاء، وحلف لأمير المؤمنين أيضا على المخالصة والطاعة.
وفي يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال وهو التاسع والعشرين من تشرين الثاني:
هبت ريح من الغرب باردة، ودام البرد إلى يوم الثلاثاء ثالث ذي القعدة، فجاوز العادة
__________
[1] في الأصل: «خرج الخليفة لتلقيه» .
[2] في الأصل: «منصور بن طاس» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «جرت الحال» .
[5] بياض في ت.(15/183)
وجمدت منه حافات دجلة، وجمد الخل والنبيذ وأبوال الدواب، ورئيت ناعورة قد وقفت لجمود الماء وقد صار الماء في أنقابها كالعمود.
وقلد أبو طاهر بن حماد واسطا والبطيحة، ولقب عميد الحضرة ذا الرتبتين.
وفي هذه السنة [1] : زاد الأمر في نقض دار معز الدولة بباب الشماسية، وكان معز الدولة قد بنى هذه الدار بناء صرف إليه عنايته، فعظم المجالس، وفخم البناء، ووصل/ بها من الإصطبلات ما يسع الوفا من الكراع، وجعل على كل إصطبل بابا من حديد وأنفق عليها اثنى عشر ألف ألف درهم قيمتها ألف ألف دينار، سوى ما كان يجلب من معادن الجص والنورة والإسفيذاج، ولم يعمل من مسناتها إلا البعض لأنه أراد أن يصل المسناة بمسناة دار الصيمري، فعاجلته المنية، فلما توفي جعلها ولده عز الدولة دار الموكب، وكان لا يحضرها إلا عند البروز للعسكر، وكانت داره التي ينزلها الدار الغربة التي كانت للمتقي للَّه، وتجددت دولة بعد دولة ودار المعز مهجورة، فلما عمر بهاء الدولة داره بسوق الثلاثاء التي كانت معروفة بمونس فسح في أخذ شيء من آجر الإصطبلات، فدب الخراب فيها، وبعث بهاء الدولة لقلع السقف الساج المذهب من بيت المائدة، وكانت قد أنفقت عليه أموال عظيمة فحمله إلى مهرويان ليحوله إلى دار المملكة بشيراز، فلم يتم ذلك وبقي موضعه، فهلك، وبذل، في ثمنه من يحك ذهبه ثمانية آلاف دينار، فلم يقبل الرجل [2] ، ثم امتدت يد الجند إلى أخذ آجرها، ثم أقيم من ينقضها ويبيع آلاتها.
وتأخر في هذه السنة الحاج الخراسانية، ولم يحج من خراسان والعراق أحد من الناس.
ذكر من توفي في هذه السنة [3] من الأكابر
3149- أَحْمَدُ [4] بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الصمد بن المهتدي باللَّه، أبو عبد الله الشاهد
[5] :
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «فلم يقبل الوكيل» .
[3] بياض في الأصل.
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 23) .(15/184)
خطب في جامع المنصور في سنة ست وثمانين وثلاثمائة، وكان يخطب خطبة واحدة كل جمعة لا يغيرها، وإذا سمعها منه الناس ضجوا بالبكاء وخشعوا/ لصوته.
توفي في هذه السنة.
3150- الحسين [1] بن علي بن الحسين، أبو القاسم المغربي الوزير
[2] :
ولد بمصر في ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة وهرب منها حين قتل صاحبها أباه وعمه، وقصد مكة ثم الشام ثم بغداد فوزر لمشرف الدولة [3] بعد أبي على الرخجي، وكان كاتبا عالما يقول الشعر الحسن، ثم وزر بعد ذلك لابن مروان بديار بكر ومات عنده، قال أبو غالب بن بشران الواسطي: رويت له أن بعض الحكماء قال لبنيه: تعلموا العلم فلأن يذم الزمان لكم خير من أن يذم بكم، ففكر ساعة وكتب:
ولقد بلوت الدهر أعجم صرفه ... فأطاع لي عصيانه ولسانه [4]
ووجدت عقل المرء قيمة نفسه ... وبجده جدواه، أو حرمانه
فإذا جفاه المجد عيبت نفسه ... وإذا جفاه الجد عيب زمانه
ومن شعره المستحسن ما أنبأنا به أبو القاسم السمرقندي، قال: أنشدنا أبو محمد التميمي للوزير أبي القاسم المغربي:
وما ظبية أدماء تحنو على الطلا ... ترى الإنس وحشا وهي تأنس بالوحش
غدت فارتعت ثم انثنت لرضاعه ... فلم تلق شيئا من قوائمه الحمش
فطافت بذاك القاع ولهى فصادفت ... سباع الفلا ينهشنه أي ما نهش
/ بأوجع منى يوم ظلت أنامل ... تودعني بالدر من شبك النقش
وأجمالهم تمشى [5] وقد خيل الهوى ... كأن مطاياهم على ناظري تمشي
وأعجب ما في الأمر إن عشت بعدهم ... على أنهم ما خلفوا في من بطش
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 23) .
[3] في الأصل: «فوزر لشرف الدولة» .
[4] في ص، ل: «عصيانه وليانه» .
[5] في ل: «وأجمالهم تحدي» .(15/185)
وكان المغربي إذا دخل عليه الفقيه سأله عن النحو، والنحوي سأله عن الفرائض أو الشاعر سأله عن القرآن قصدا ليسكتهم، فدخل عليه شيخ معروف فسأله عن العلم، فقال: ما أدري ولكني رجل يودعني الغريب الذي لا أعرفه الأموال العظيمة، ويعود بعد سنين وهي بختومها فأخجله بذلك وآل الأمر [1] إلى أن زار رجلا من الصالحين المنقطعين إلى الله تعالى، فقال: لو صحبتنا لنستفيد منك وتستفيد منا، فقال: ردني عن هذا قول الشاعر:
إذا شئت أن تحيا غنيا فلا تكن ... بمنزلة إلا رضيت بدونها
فأنا اكتفي بعيشي هذا، فقال: يا شيخ ما هذا بيت شعر هذا بيت مال، ثم قال:
اللهم أغننا كما أغنيت هذا الشيخ، واعتزل السلطان فقيل له: لو تركت المناصب في عنفوان شبابك، فقال:
كنت في سفرة البطالة والجهل ... زمانا فحان مني قدوم
تبت من كل مأثم فعسى يمحي ... بهذا الحديث ذاك القديم
بعد خمس وأربعين لقد ما ... طلت إلا أن الغريم كريم
ولما أحس بالموت كتب كتابا إلى من يصل إليه من الأمراء والرؤساء الذين من ديار بكر والكوفة يعرفهم أن حظية له توفيت، وإن تابوتها يجتاز بهم إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام، وخاطبهم في المراعاة لمن يصحبه ويخفره، وكان قصده أن لا يتعرض أحد لتابوته، وأن ينطوي خبره فتم له ذلك.
وتوفي في رمضان بميافارقين عن ست وأربعين سنة، وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام فدفن هناك.
أَخْبَرَنَا محمد بْن ناصر، أَخْبَرَنَا عبد المحسن بن محمد قال: حدثني أبو منصور محمد بن علي الواسطي قال: حدثني الأمير منتخب الملل قال: كان ابن المغربي مختفيا بالقاهرة والسلطان يطلب دمه، وكان بمصر صبي أمرد مما انتهى الحسن إليه في
__________
[1] في الأصل: «وآل أمره» .(15/186)
زمانه، وكان يشتهي أن يراه، فخبر أنه يسبح في الخليج، فخرج وغرر بنفسه، ونظر إليه فقال:
علمت منطق حاجيه والين عشر رأيته ... وعرفت آثار النعيم بقبلة من عارضيه
ها قد رضيت من الحياة بأسرها نظري إليه ... ولقد أراه في الخليج يشقه من جانبيه
والموج مثل السيف وهو فرنده في صفحتيه ... لا تشربوا من مائه أبدا ولا تردوا عليه
قد ذاب منه السحر من حركاته وحنيته ... مكانه في الموج قلبي بر شواقي إليه]
[1]
3151- محمد [2] بن إسحاق ابن الطل [3] ابن وائل، أبو بكر الأزدي [4] الأنباري:
سمع أحمد بن يعقوب القرنجلي.
أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب، قال: حدثني الصوري أنه سمع منه بالأنبار في سنة ثمان عشرة وأربعمائة، ومات في تلك السنة.
3152- مُحَمَّد [5] بن الحسين بن إبراهيم بن محمد، أبو بكر الوراق ويعرف بابن الخفاف
[6] :
حدث عن أحمد بن جعفر القطيعي وغيره.
أَخْبَرَنَا القزاز، أَخْبَرَنَا [أبو بكر] [7] أَحْمَد بن علي الحافظ، أخبرنا محمد بن الحسين [8] الخفاف، عن جماعة كثيرة لا تعرف ذكر أنه كتب عنهم في السفر، وكان غير ثقة لا شك أنه كان يركب الأحاديث ويضعها على من يرويها عنه، ويختلق أسماء وأنسابا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ص، ل. وجاء في ت بعد نهاية ترجمة محمد بن إسحاق ابن الطل: «تقدم إلى ترجمة الوزير المغربي» وأثبت ما بين المعقوفتين.
[2] بياض في ت.
[3] في ت: «ابن المطلب» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 262) .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 250، البداية والنهاية 12/ 23) .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[8] في ص، ل: «حدثنا محمد بن الحسين» .(15/187)
عجيبة، وعندي عنه من تلك الأباطيل أشياء، وكنت عرضت بعضها علي هبة الله بن الحسن الطبري، فخرق كتابي بها وجعل يعجب مني كيف أسمع منه.
توفي الخفاف في ذي الحجة من هذه السنة.
3153- هبة الله [1] بن الحسن [2] بن منصور، أبو القاسم الرازي طبري الأصل ويعرف باللالكائي
[3] :
سمع عيسى بن علي بن عيسى الوزير، والمخلص، وخلقا كثيرا. ودرس الفقه على مذهب الشافعيّ عند أبي حامد الأسفراييني، وكان يفهم ويحفظ، وصنف كتبا وأدركته المنية قبل أن ينتشر عنه شيء، فتوفى بالدينور في رمضان هذه السنة.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني علي بن الحسين بن جداء العكبري، قال: رأيت أبا القاسم الطبري في المنام فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال:
غفر لي، قلت: بماذا؟ فكأنه قال كلمة خفية بالسنة.
3154- أبو القاسم [4] بن القادر باللَّه
[5] : توفي ليلة الأحد لليلة خلت من جمادى الآخرة، وصلى عليه أخوه أبو جعفر، ومشى الناس بين يدي جنازته من رأس الجسر إلى التربة بالرصافة، وأعاد الصلاة عليه أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر، وقطع ضرب الطبل في دار الخلافة أياما لأجل المصيبة، ولحق الخليفة عليه من الحزن أمر عظيم.
3155- أبو الحسن [6] ابن طباطبا الشريف
[7] :
له شعر مليح، ومنه أن رجلا كتب إليه، فأجابه على ظهر رقعته فقال:
وقرأت الذي كتبت وما زال ... نجيي ومؤنسي وسميري
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ت: «ابن الحسين» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 71، والكامل 8/ 163، والبداية والنهاية 12/ 24) .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 24) .
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 163، والبداية والنهاية 12/ 24) .(15/188)
وغدا الفال بامتزاج السطور ... حاكما بامتزاجنا في الضمير
واقتران الكلام لفظا وخطا ... شاهد باقتران [1] ود الصدور
وتبركت باجتماع الكلامين ... رجاء اجتماعنا في سرور
وتفاءلت بالظهور على الواشي ... فصارت إجابتي في الظهور
توفي في ذي القعدة من هذه السنة رحمه الله.
__________
[1] في ص: «شاهد بافتراق» .(15/189)
ثم دخلت سنة تسع عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
أن الغلمان اجتمعوا يوم الأحد ثاني عشر المحرم، وتحالفوا على اتفاق الكلمة، وأخرجوا الخيم، وأخرجوا أكابر الأصفهلارية [2] معهم، فخرجوا يوم السبت ثامن عشر المحرم، ثم أنفذوا يوم الأحد جماعة إلى دار الخلافة برسالة يقولون فيها: نحن عبيد أمير المؤمنين، وهذا الملك متوفر على لذاته لا يقوم بأمورنا ونريد أن توعز إليه [3] بالعود إلى البصرة، وإنفاذ ولده ليقيم بيننا نائبا عنه في مراعاتنا، فأجيبوا ووعدوا بمراسلة جلال الدولة، وأنفذ إليه المرتضى، وأبو الحسن الزينبي، وأبو نصر المصطنع برسالة تتضمن ما قالوه، فقال: كل ما ذكروا من إغفالنا لهم صحيح، ونحن معتذرون عفا الله عما سلف، ونحن نستأنف الطريقة التي تؤدى إلى مرادهم، فلما بلغهم ذلك، قالوا:
فإذا نحن مطيعون إلا أننا نريد ما وعدنا به عاجلا قبل دخولنا إلى منازلنا، ثم تقرر القواعد بعد ذلك، وأخرج من المصاغ والفضة أكثر من مائة ألف درهم، فلم يرضهم، وباكروا فنهبوا دار الوزير [أبي علي] [4] بن ماكولا وبعض دور الأصحاب والحواشي، وعظمت الفتنة وخرقت الهيبة [5] ، ومد أقوام أيديهم إلى دور العوام، ووكلوا جماعة منهم بأبواب
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «الإصفهسلارية» .
[3] في ص: «أن توعز علينا» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ل: «وعظمت الفتنة وحرجت» .(15/190)
دار المملكة، ومنعوا من دخول الطعام والماء، فضاق الأمر على من في الدار حتى أكلوا ما في البستان، وشربوا من الآبار، فخرج الملك ودعا قوما من الموكلين بالأبواب فلم يأتوا فكتب رقعة إلى الغلمان: بأني أرجع عن كل ما أنكرتموه وأعطيكم، فقالوا أعطيتنا ملء بغداد لم تصلح لنا ولم نصلح لك، فقال: إذ كرهتموني فمكنوني من الانحدار، واستقر الأمر على انحداره وابتيع له زبزب شعث، فقال: يكون نزولي بالليل، فقالوا، لا بل الآن، والغلمان يرونه قائما فلا يسلمون عليه، ويدعوهم فلا يجيبونه، فحمل قوم من الغلمان على السرادق فظن أنهم يريدون الحرم، فخرج وفي يده طبر وقال: قد بلغ الأمر إلى الحرم، فقال بعضهم: أرجع إلى دارك فإنك ملكنا، وصاحوا: جلال الدولة يا منصور، وانتضيت السيوف وترجلوا وقبلوا الأرض وأخرج المصاغ/ حتى حلي النساء فصرفه إليهم [1] ، واخرج الثياب والفروش والآلات الكثيرة، فلم يف ببعض المقصود، ثم اجتمعوا عند الوزير وهموا بقتله، فقال: لا ذنب له وأخرجت الآلات فبيعت، وكان فيها كيس وسفرة وطست.
وقد ذكرنا ما جرى على النخل في السنة الماضية من البرد والريح، فلما جاءت هذه السنة عدم الرطب إلا ما يجلب من بعد، فبيع كل ثلاثة أرطال بدينار جلالي، واشتد البرد فجمدت حافات دجلة، ووقفت العروب بعكبرا عن الدوران لجمود ما حولها، وهلك ببغداد من النخل عشرات ألوف.
وتأخر في هذه السنة ورود الحاج من خراسان، وبطل الحج من العراق والبصرة وتأخر عنه أهل مصر، ومضى قوم من خراسان إلى مكران فركبوا في البحر من هناك إلى جدة فحجوا.
ذكر من توفي في هذه السنة [2] من الأكابر
3156- الحسين [3] بن الحسن [4] بن يحيى، أبو عبد الله العلويّ ويعرف بالنهرسابسي
[5] :
__________
[1] في الأصل: «فدفعه اليهم» .
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] في ت: «ابن الحسين» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 34) .(15/191)
كتب عنه أبو بكر الخطيب، وكان صدوقا، قال: وسألته عن مولده، فقال: ولدت بالكوفة سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، ومات بواسط في جمادي الآخرة من هذه السنة.
3157- حمزة [1] بن إبراهيم، أبو الخطاب
[2] :
اتصل ببهاء الدولة بعلمه النجوم، وبلغ منزلة [3] لم يبلغها أمثاله، وكان الوزراء يتبعونه، وحمل إليه فخر الملك ابن خلف لما فتح قلعة سابور مائة ألف دينار، فاستقلها وعاتبه فآل أمره إلى أن مات بكرخ سامرا غريبا مفلوجا، وذهب ماله وجاهه.
3158- محمد [4] بن محمد بن إبراهيم بن مخلد، أبو الحسن التاجر
[5] :
سمع إسماعيل بن محمد الصفار، ومحمد بن عمر الرزاز [6] ، وعمر بن الحسن الشيباني [7] ، وهو آخر من حدث عنهم، وسمع أبا عمرو ابن السماك، وأحمد بن سليمان النجاد، وجعفر الخلدي وغيرهم، ولم يكن بقي أعلى إسنادا منه وكانت له معرفة [8] بشيء من الفقه، وكان ذا حال ونعمة، وعرضت عليه الشهادة فأباها، وأشفق من المصادرة فخرج إلى مصر فأقام بها سنة [9] ، ثم عاد فالزم في التقسيط على الكرخ الذي وقع في سنة سبع عشرة ما أفقره حتى أنه توفي في ربيع الأول من هذه السنة ولم يكن عنده كفن، فبعث القادر باللَّه أكفانه من عنده.
3159- مبارك [10] الانماطي
[11] :
كان له مال عظيم وجاه كثير، فتوفي بمصر وخلف ما يزيد على ثلاثمائة ألف دينار، فترك جميع ذلك على بنت كانت له ببغداد.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 25) .
[3] في ص، ل: «ونزل منزلة لم يبلغها» .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 231، والكامل 8/ 169، والبداية والنهاية 12/ 25) .
[6] في ت: «بن عمر الررار» .
[7] في ص: «عمر بن الحسين الشيناني» .
[8] في الأصل: «وكان له معرفة» .
[9] «سنة» : ساقطة من ص.
[10] بياض في ت.
[11] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 25) .(15/192)
3160- أبو الفوارس [1] بن بهاء الدولة
[2] :
توفي بكرمان، فنادى أصحابه بشعار ابن أخيه أبي كاليجار، وكان أبو الفوارس ظالما، كان إذا سكر ضرب أصحابه [3] ، وضرب وزيره في بعض الأيام مائتي مقرعة وأحلفه بالطلاق أنه لا يتأوه ولا يخبر بذلك [4] أحدا، فقيل إن حواشيه سموه ودفنوه بشيراز.
3161- محمد [5] باشاذ
[6] .
وزر لأبي كاليجار فلقبه معز الدين [7] ، فلك الدولة، سيد الأمة، وزير الوزراء، عماد الملك، ثم سلم إلى جلال الدولة أبي طاهر فاعتل ومات [8] .
3162- أبو عبد الله [9] بن التبان
[10] :
المتكلم، توفي في هذه السنة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 25) .
[3] في ص، ل: «كان إذا شرب ضرب أصحابه» .
[4] في الأصل: «ولا يقول بذلك» .
[5] بياض في ت.
[6] في الأصل، ت: «محمد بن عبد الملك باشاذ» .
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 25، وفيه: «أبو محمد بن الساد» .
[7] في الأصل: «فلقبه بعز الدين» .
[8] في ل: «ما اعتقل ومات» .
[9] بياض في ت.
[10] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 25) .(15/193)
ثم دخلت سنة عشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
[انحدار ذو البراعتين إلى البصرة واليا عليها]
أنه انحدر ذو البراعتين أحمد بن محمد الواسطي إلى البصرة/ واليا عليها في محرم هذه السنة.
وورد الخبر لسبع خلون من ربيع الآخر: بأن مطرا ورد بنواحي النعمانية ومعه برد كبار، في بردة أرطال، وذكر أنه ورد بنواحي دير العاقول مطر معه برد وزن الواحدة منها خمسة دراهم وأقل، وارتفعت بعده ريح سوداء فقلعت كثيرا من أصول الزيتون العاتية العتيقة، وعبرت بها من شرقي النهروان إلى غربيه وطرحتها علي بعد، وقلعت الريح نخلة من أصلها ثم حملت جذعها إلى دار بينها وبينها ثلاث دور، وقلعت الريح سقف مسجد الجامع [2] ببعض القرى، وشوهد من البرد ما يكون في الواحدة ما بين الرطل إلى الرطلين، ووجدت بردة عظيمة الحجم [3] يزيد وزنها على مائة رطل، فحزرت بمائة وخمسين رطلا، وكانت كالثور النائم، وقد نزلت في الأرض نحوا من ذراع.
وورد إلى الخليفة كتاب من الأمير يمين الدولة أبي القاسم محمود وكان فيه سلام على سيدنا ومولانا الإمام القادر باللَّه أمير المؤمنين، فإن كتاب العبد صدر من معسكره بظاهر الري غرة جمادى الآخر سنة عشرين، وقد أزال الله عن هذه البقعة أيدي الظلمة
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «سقف المسجد الجامع» .
[3] في الأصل: «بردة عظيمة الجرم» .(15/194)
وطهرها من دعوة الباطنية الكفرة والمبتدعة الفجرة، وقد تناهت إلى الحضرة المقدسة حقيقة الحال في ما قصر العبد عليه سعيه واجتهاده من غزو أهل الكفر والضلال، وقمع من نبغ ببلاد خراسان من الفئة الباطنية الفجار، وكانت مدينة الري مخصوصة بالتجائهم إليها وإعلانهم/ بالدعاء إلى كفرهم فيها يختلطون بالمعتزلة المبتدعة والغالية من الروافض المخالفة لكتاب الله والسنة يتجاهرون بشتم الصحابة [1] ويسرون اعتقاد الكفر [2] ومذهب الإباحة، وكان زعيمهم رستم بن علي الديلمي، فعطف العبد عنانه بالعساكر فطلع بجرجان وتوقف بها إلى انصراف الشتاء، ثم دلف منها إلى دامغان [3] ، ووجه عليا لحاجب في مقدمة العسكر إلى الري، فبرز رستم بن علي من وجاره على حكم الاستسلام والاضطرار، فقبض عليه وعلى أعيان الباطنية من قواده.
وطلعت الرايات أثر المقدمة بسواد الري غدوة الاثنين السادس عشر من جمادي الأولى، وخرج الديالمة معترفين بذنوبهم شاهدين بالكفر والرفض على نفوسهم، فرجع إلى الفقهاء في تعرف أحوالهم، فاتفقوا على أنهم خارجون عن الطاعة وداخلون في أهل الفساد مستمرون على العناد، فيجب عليهم القتل والقطع والنفي على مراتب جناياتهم [4] ، وان لم يكونوا من أهل الإلحاد فكيف واعتقادهم في مذاهبهم ولا يعدو ثلاثة أوجه تسود بها الوجوه في القيامة [5] التشيع والرفض والباطن، وذكر هؤلاء الفقهاء أن أكثر القوم لا يقيمون الصلاة، ولا يؤتون الزكاة، ولا يعرفون شرائط الإسلام، ولا يميزون بين الحلال والحرام، بل يجاهرون بالقذف وشتم الصحابة، ويعتقدون ذلك ديانة، والأمثل منهم يتقلد مذهب الاعتزال، والباطنية منهم لا يؤمنون باللَّه عز وجل وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأنهم يعدون جميع الملل مخاريق الحكماء، ويعتقدون مذهب الإباحة في الأموال/ والفروج والدماء [6] وحكموا بأن رستم بن علي
__________
[1] في الأصل: «يتجاهرون بشتم الصحابة» .
[2] في ص، ل: «ويرون اعتقاد الكفر» .
[3] في الأصل: «دلف إلى الدامغان» .
[4] في الأصل: «والنفي على الغارة على مراتب جناياتهم» .
[5] في الأصل: «الوجوه في القيمة» .
[6] «والدماء» : ساقطة من ص.(15/195)
كان يظهر التستر ويتميز به عن سلفه إلا أن في حبالته زيادة على خمسين امرأة من الحرائر ولدن ثلاثة وثلاثين نفسا من الذكور والإناث، وحين رجع إليه في السؤال عن هذه الحال، وعرف أن من يستجيز مثل هذا الصنيع مجاوز كل حد في الاستحلال ذكر أن هذه العدة من النساء أزواجه، وأن أولادهن أولاده، وأن الرسم الجاري لسلفه [في ارتباط الحرائر] [1] كان مستمرا على هذه الجملة، وأنه لم يخالف عاداتهم في ارتكاب هذه الخطة، وأن ناحية من سواد الري قد خصت بقوم من المزدكية يدعون الإسلام بإعلان الشهادة، ثم يجاهرون بترك الصلاة والزكاة والصوم والغسل وأكل الميتة، فقضى الانتصار لدين الله [تعالى] [2] بتميز هؤلاء الباطنية عنهم، فصلبوا على شارع مدينة طالما تملكوها غصبا واقتسموا أموالها نهبا، وقد كانوا بذلوا أموالا جمة يفتدون بها نفوسهم، فعرفوا أن الغرض نهب نفوسهم دون العرض وحول رستم بن علي [وابنه] [3] وجماعة من الديالمة إلى خراسان، وضم إليهم أعيان المعتزلة والغلاة من الروافض ليتخلص الناس من فتنتهم، ثم نظر فيما اختزنه [4] رستم بن علي بن الأثاث فعثر من الجواهر ما يقارب خمسمائة ألف دينار، ومن النقد على مائتين وستين ألف دينار، ومن الذهبيات والفضيات على ما بلغ قيمة ثلاثين ألف دينار، ومن أصناف [5] الثياب على خمسة آلاف وثلاثمائة ثوب، وبلغت قيمة الدسوت من النسيج والخزوانيات [6] عشرين ألف دينار، ووقف/ أعيان الديلم على مائتي ألف دينار [7] ، وحول من الكتب خمسون حملا ما خلا كتب المعتزلة والفلاسفة والروافض فإنّها أحرقت تحت جذوع المصلبين، إذ كانت أصول البدع، فخلت هذه البقعة من دعاة الباطنية وأعيان المعتزلة والروافض، وانتصرت السنة فطالع العبد بحقيقة ما يسره الله تعالى لأنصار الدولة القاهرة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل، ب: «ثم نظر فيما احتجنه» .
[5] «أصناف» : ساقطة من ص.
[6] في الأصل: «الخزاثنات» .
[7] «ووقف أعيان ... ألف دينار» : ساقطة من ص.(15/196)
وفي وقت عتمة ليلة الثلاثاء لعشر بقين من رجب انقض كوكب عظيم أضاءت منه الأرض، وكان له دوي كدوي الرعد، وتقطع أربع قطع، وانقض في ليلة الخميس بعده كوكب آخر دونه، وانقض في ليلة الأربعاء لليلتين بقيتا من الشهر كوكب ثالث أكبر من الأول وأكثر إضاءة وانتشار شعاع.
وفي شعبان اضطرب البلد وكثرت العملات، وكبس العيارون عدة محال منه، وضعفت رجالة المعونة.
[غار الماء في الفرات غورا شديدا]
وفي يوم الاثنين الثامن عشر من هذا الشهر غار الماء في الفرات غورا شديدا، وجزرت فوهة نهر الرفيل وانقطع الماء عنه، ووقفت الأرحاء التي عليه، وتعذرت الطحون وبلغت أجرة الكارة في طحنها ثلاث دنانير كنية قيمتها دينار، وكانت الركينة نصفا من المس، ثم صارت مسا واحدة.
[جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء في دار الخلافة]
وفي هذا اليوم: جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء في دار الخلافة، وقرئ عليهم كتاب طويل عمله الخليفة القادر باللَّه يتضمن الوعظ وتفضيل مذهب السنة [1] ، والطعن على المعتزلة وإيراد الأخبار الكثيرة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة.
وفي يوم الخميس/ لعشر بقين من شهر رمضان: جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء الوعاظ والزهاد إلى دار الخلافة، وقرأ عليهم أبو الحسن بن حاجب النعمان كتابا طويلا عمله الخليفة القادر باللَّه، وذكر فيه أخبارا من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، وما روي عنه في عدة أمور من الدين وشرائعه، وخرج من ذلك إلى الطعن على من يقول بخلق القرآن وتفسيقه وحكاية ما جرى بين عبد العزيز وبشر المريسي فيه، ثم ختم القول بالوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأخذت في آخر الكتاب خطوط الحاضرين وسماعهم بما سمعوه.
وفي يوم الاثنين غرة ذي القعدة: جمع القضاة والشهود والفقهاء والوعاظ والزهاد إلى دار الخلافة، وقرئ عليهم كتاب طويل جدا يتضمن ذكر أبي بكر وعمر وفضائلهما
__________
[1] في الأصل: «وتفضيل أهل السنة» .(15/197)
ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والطعن على من يقول بخلق القرآن، وأعيد فيه ما جرى بين بشر المريسي وعبد العزيز المكي في ذاك، ويخرج من هذا إلى الوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقام الناس إلى بعد العتمة حتى استوفيت قراءته، ثم أخذت خطوطهم في آخره بحضورهم وسماع ما سمعوه.
وكان يخطب في جامع براثا من يذكر في خطبته مذهبا فاحشا من مذاهب الشيعة، فقبض عليه في دار الخلافة، وتقدم يوم الجمعة التاسع عشر من ذي القعدة إلى أبي منصور [بن تمام] [1] الخطيب ليخطب بدلا عن الخطيب الذي كان مرسوما به، فلما صعد المنبر دقه بعقب سيفه، على ما جرت به العادة، والشيعة تنكر ذلك، وخطب خطبة قصر فيها عما كان يفعله من تقدمه في ذكر علي بن أبي طالب، وختم قوله بأن قال: اللَّهمّ اغفر للمسلمين، ومن زعم أن عليا مولاه، فرماه العامة حينئذ بالآجر ودموا وجهه، ونزل من المنبر ووقف المشايخ [2] دونه حتى صلى ركعتي الجمعة خفيفة وعرف الخليفة ذلك فغاظه وأحفظه، وخرج أمره باستدعاء الشريفين أبي القاسم المرتضى، وأبي الحسن الزينبي، [نظام الحضرتين محمد بن علي] [3] والقاضي أبي صالح، وأمر بمكاتبة الحضرة الملكية والوزير أبي علي ابن ماكولا والأصبهلارية [4] في هذا المعنى بما تقام الصحبة فيه فكان فيما كتب:
«بسم الله الرحمن الرحيم إذا بلغ الأمر، أطال الله بقاء صاحب الجيش، إلى الجرأة على الدين وسياسة الدولة والمملكة، ثبتها الله من الرعاع والأوباش، فلا صبر دون المبالغة بما توجبه الحمية وبغير شك أنه قد بلغه ما جرى في يوم الجمعة الماضية من مسجد براثا الذي يجمع الكفرة والزنادقة، ومن قد تبرأ الله منه فصار أشبه شيء بمسجد الضرار، وذلك أن خطيبا كان فيه يجري إلى ما لا يخرج به عن الزندقة والدعوى لعلي بن أبي طالب عليه السلام ما لو كان حيا، فسمعه لقتل قائله وقد فعل مثل ذلك في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص، ل: «ووقف المسالح» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «الاستهلال» .(15/198)
الغواة أمثال هؤلاء الغثاء الذين يدعون للَّه، ما تكاد السموات يتفطرن منه، فإنه كان في بعض ما/ يورده هذا الخطيب قبحه الله بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول وعلى أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مكلم الجمجمة، ومحيي الأموات البشري الإلهي مكلم فتية أصحاب الكهف، إلى غير ذلك من الغلو المبتدع الذي تقشعر منه الجلود، ويتحرك منه المسلمون، وتنخلع قلوبهم، ويرون الجهاد فيه كجهاد الثغر، فلما ظهر [1] ذلك قبض على الخطيب وأنفذ ابن تمام ليعتمد إقامة الخطبة القويمة، فأورد الرسم الذي يطرق الأسماع من الخطبة ولم يخرج عن قوله: اللَّهمّ صلى على محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين وأزواجه [الطاهرات] [2] أمهات المؤمنين،. وذكر العباس وعليا عليهما السلام، ثم قال في التفاته المعهود عن يمينه: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد إمام أئمة الهدى، وعن يساره اللهم صل على محمد الشفيع المشفع في الورى وأقام الدعوتين الجليلتين، ونزل فوافاه الآجر كالمطر فخلع كتفه وكسر أنفه وأدمى وجهه وهو لما به وأشيط بدمه لولا أنه كان هناك أربعة من الأتراك أيدهم الله فنفروا واجتهدوا في أن حموه لكان قد هلك، وهذه هجمة على دين الله وفتك في شريعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلاعة في ذكر الربوبية، والحاجة صادقة، والضرورة ماسة إلى أن يقصد الامتعاض البالغ في هذه الحال العظيمة الهائلة التي ارتكبها الكفرة الفجرة، وأقدموا على ما أقدموا عليه، وبقي التظافر على اقتناصهم وأخذ البريء/ بالسقيم، وإباحة الدماء الواجب سفحها، وكسر الأيدي والأرجل التي تجب إبانتها عن أجسادها والشد على أيدي أصحاب المعونة فيما يقصدونه من ذلك، والعمل على ركوب الجم الغفير وجمهور كبراء العسكر أدام الله عزهم في يوم الجمعة الآتية ليكون الخطيب أيده الله في صحبتهم، ويجري الأمر في الخطبة الإسلامية على تقويمها، ورغم من رغم، ولا يكون ذلك إلا بعد نكاية تظهر وتعم، فإن هؤلاء الشيع قد درسوا الإسلام وقد بقيت منه بقية، وإن لم يدفع هؤلاء الزنادقة المرتدة عن سنن الإسلام وإلا هدم وذهبت هذه البقية، وله أدام الله تأييده سامي رأيه في الوقوف على ذلك والجري على العادة في كفاية هذا
__________
[1] «ظهر» : ساقطة من ل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/199)
المهم، وإجابتي عن هذه الرقعة بما أنهيه فيقع السكون إليه والاعتماد عليه إن شاء الله بعد فقد لحق تماما الخطيب في نفسه وولده ما ستنشر معرفته، وقد انهتك [1] محرمه، ويحتاج أن يستدعي صاحب المعونة ليستكشف عن حقيقة الحال ومن الذي جنى هذه الجناية، ويتعرف من الملاحين الذين في المشارع من أي جهة وردوا وإلى أين صاروا، ويتعرف ذلك من حراس الدروب بعد الإرهاب الذي يعمل في مثله ويطالع بما ينتهي إليه الاجتهاد أن شاء الله.
وكان الذي لحق الخطيب أنه كبسه نحو ثلاثين رجلا في داره ليلة الاثنين بالمشاعل، وأخذوا ما كان في داره/ وأعروه وأعروا ولده وحرمه، وأشفق الوزير والأصفهلارية في الجمعة الثانية من حدوث فتنة بركوب الغلمان مع الخطيب، فراسلوا أبا الحسن بن حاجب النعمان بالتوقف عن إنفاذه في هذا اليوم إلى أن تسكن الثورة، وترتب لهذا الأمر قاعدة يؤمن معها الاختلاط والفساد، فلم يحضر خطيب ولا أقيمت صلاة الجمعة في مسجد براثا، وقد كان شيوخ الشيعة امتنعوا من حضوره وتأهب الأحداث والسفهاء للفتنة.
وفي هذا الوقت كثرت العملات والكبسات في الجانب الشرقي من المعروف بالبرجمي ومن معه من الدعار المتغربين من الأجمة بالأحمرية، وكانوا يدخلون على الدار التي يعينون عليها من نقوب ينقبونها إليها فيصيح أهلها ويطلبون مغيثا أو معينا من الأتراك الذين يجاورونهم، فلا يخرج أحد منهم من داره، ولا يمتعض لما يجري في جواره، وزاد الأمر بخلو الجانب الشرقي من ناظر في معونة، ودخل على أبي بكر بن تمام الخطيب ومنزله ملاصق مسجد القهرمانة بازاء دار المملكة، فصاح واستغاث بالملك ودعاه باسمه، فلما كان في ليلة السبت لثلاث بقين من ذي القعدة ارتفع الصياح ليلا في جوار دار المملكة لأن هؤلاء الدعار قصدوا دارا لبعض الأتراك وحاولوا الوصول إليها فنذر بهم وسمع الملك الصوت فركب في غلمانه وحواشيه وخرج إلى باب درب حماد، فطلب القوم، / وخرج كثير من العامة يدعون له ويذكرون الأتراك بما يعجزونهم فيه، فعاد إلى داره، وتعدى الفساد من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي، وكبست فيه
__________
[1] في ل: «وقد انمهك» .(15/200)
دور، وفتحت دكاكين، وكبس جامع الرصافة ليلا، وأخذت ثياب من فيه، واستؤذن الخليفة في تحويل آلات الجامع من الستور، والقناديل، فحولت إلى التربة بالرصافة.
وفي يوم الخميس التاسع من ذي الحجة: حضر الأشراف والقضاة والشهود في دار الخلافة، وقرئ عليهم عهد أبي عبد الله الحسين بن علي بن ماكولا بتقليده قضاء القضاة، وخلع عليه ثم قرئ عهده بعد ذلك في جامع الرصافة وجامع المدينة.
وفي يوم الجمعة الذي كان عيد النحر: خرج الناس والجند إلى ظاهر البلد بحضرة مسجد براثا، فلم يحضر خطيب ولا حضر صاحب معونة، فلما طال الانتظار قيل لأحد المؤذنين في الموضع تقدم فصل، فتقدم وكبر في أول ركعة ما لم يضبط عدده حيرة ودهشا، وسجد قوم ولم يسجد قوم، وكبر في الركعة الثانية تكبيرة أو تكبيرتين، ووقعت الصيحة فظن أنها من فتنة فانزعج الناس واختلطوا وانقطعت الصلاة، وكان سبب انقطاع الخطباء عن هذا الموضع ما سبق ذكره عن أبي منصور بن تمام الخطيب، وغيظ الخليفة في أن لم يفعل مقابلة/ ذلك لما كتب وأمر به، ثم اجتمع بعد هذا قوم من مشايخ أهل الكرخ، فصاروا مع الشريف المرتضى إلى دار الخلافة، فأحالوا على سفهاء الأحداث فيما جرى على الخطيب، وسألوا الصفح عن هذه الجناية، وأن لا يخلى عن هذا المسجد من المراعاة وإقامة الخطبة فيه، فأقيم لهم خطيب وعادت الصلاة في مسجد براثا منذ يوم الجمعة غرة المحرم بعد أن عملت للخطيب نسخة يعتمدها فيما يخطب وإعفاءهم الخطيب من دق المنبر بعقب سيفه، ومن قوله: «اللَّهمّ اغفر للمسلمين ومن اعتقد أن عليا مولاه» .
وفي ليلة الجمعة لعشر بقين من ذي الحجة: ورد أبو يعلى الموصلي وجماعة من العيارين كانوا مقيمين بأوانا وعكبرا، فقتلوا خمسة من الرجالة وأصحاب المسالح، وظهروا من الغد في الكرخ بالسيوف المسلولة، وأظهروا أن كمال الدولة أبا سنان أنفذهم لحفظ البلد وخدمة السلطان، فثار بهم أهل الكرخ فقتلوا وصلبوا.
وفي هذه السنة [1] : جند صاحب [2] مصر جيشا لقتال صالح بن مرداس صاحب
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «جرد صاحب» .(15/201)
حلب، وبعث الجيش مع أنوشتكين التزبري [1] ، فكانت الواقعة عند شاطئ نهر الأردن، فاستظهر التزبري وقتل صالحا وابنه، وأنفذ رأسيهما إلى مصر، وأقام نصر بن صالح بحلب.
وتأخر الحج في هذه السنة من خراسان والعراق.
ذكر من توفي في هذه السنة [2] من الأكابر
3163- الحسن [3] بن أبي الهبيش، ويكنى أبا علي
[4] :
كان من الزهاد المتعبدين، ودخل عليه أبو القاسم ابن المغربي الوزير، فقبل يده، فقيل له: كيف قبلت يده؟ فقال: كيف لا أقبل يدا ما امتدت [إلي] [5] قط إلا إلى الله تعالى.
وحكى أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّدً بْن علي العلوي، قال: بت عنده ليلة فلم أتمكن من النوم لكثرة البق وهو واقف يصلي، فلا أدري أمنع البق منه أم صبر عليه، ورأيت مئزره قد انحل وسقط عن كعبيه ثم استوى وعلا إلى سرته وهو واقف يصلي، ولا أدري ارتقع المئزر أم طالت يده حتى أعادته.
وتوفي في هذه السنة [وقبره ظاهر] [6] بالكوفة، وقد عمل عليه مشهد، وقد زرته في طريق الحج.
3164- الحسين [7] بْن عَبْد الله بن أحمد بن الحسن بن أبي علاثة، أبو الفرج المقرئ
[8] .
__________
[1] في ص: «مع أبي أنوشتكين البربري» .
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 185، البداية والنهاية 12/ 26، وفيه «الحسن بن أبي القين» ) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (إرشاد الأريب 5/ 283، وابن خلكان 1/ 343، وإنباه الرواة 2/ 297، والأعلام 4/ 318) .(15/202)
تفقه في حداثته، وقرأ بالقراءات، وكتب الحديث الكثير، وحدث عن الشافعيّ وغيره، ثم في كبره سخف أمره وسقطت مروءته. توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
3165- علي [1] بن عيسى بن الفرج بن صالح، أبو الحسن الربعي النحوي صاحب أبي علي الفارسيّ
[2] :
ولد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، ودرس ببغداد الأدب على أبي سعيد السيرافي، وخرج إلى شيراز فدرس بها على أبي علي الفارسي [3] عشرين سنة، ثم عاد فأقام ببغداد إلى آخر عمره، فكان أبو علي يقول: قولوا له: لو سافرت من الشرق إلى الغرب لم تجد أنحى منك.
وكان علي بن عيسى يوما يمشي على شاطئ دجلة فرأى الرضى والمرتضى في/ سفينة ومعهما عثمان بن جني، فقال لهما: من أعجب أحوال الشريفين أن يكون عثمان جالسا معهما ويمشي علي على الشط بعيدا منهما.
توفي في محرم هذه السنة [عن اثنتين وتسعين سنة ودفن بمقبرة باب الدير.
وأخبرنا ابن ناصر عن أبي الفضل بن خيرون، قال: قيل: أنه تبع جنازته ثلاثة أنفس] [4] .
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 184، والبداية والنهاية 12/ 27) .
[3] في ص: «بها علي أبي سعيد» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/203)
ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه في ليلة عاشوراء أغلق أهل الكرخ أسواقهم وعلقوا المسوح على دكاكينهم رجوعا إلى عادتهم الأولى في ذلك وسكونا إلى بعد الأتراك، وكان السلطان قد انحدر عنهم، فحدثت الفتنة ووقع القتال بينهم وبين أهل القلائين، وروسل المرتضى في إنفاذ من يحظ التعاليق، فحظ والفتنة قائمة بين العوام واستمرت بعد ذلك، وقتل من الفريقين، وخرجت عدة دكاكين ورتب بين الدقاقين والقلائين من يمنع القتال.
وفي ليلة السبت مستهل صفر: كبس جماعة من العيارين يزيدون على خمسين رجلا على مصلحي بنهر الدجاج فقتلوه وقتلوا قوما كانوا معه وأخرجوا الدار [2] ، ولم يتجاسر أحد من الجيران أن ينذر بهم خوفا منهم.
[كثرة العملات والكبسات]
وفي هذا الشهر: كثرت العملات والكبسات في الجانب الشرقي من المعروف بالبرجمي متقدم العيارين، ووصل إلى عدة مخازن ومنازل، وأخذ منها شيئا كثيرا، واستمر ذلك فلقى الناس منه أمرا عظيما.
[عصف ريح شديدة]
وفي يوم الأحد النصف من صفر: عصفت ريح شديدة، وسمع في أثنائها دوي أفزع، وتلاه برد كهيئة التين في حجمه، وتحدد رأسه.
وفي يوم السبت الحادي عشر من ربيع الآخر: ورد الكتاب بدخول الملك جلال
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «معه وأحرقوا الدار» .(15/204)
الدولة والأصفهلارية والغلمان الأهواز [1] ، فضربت البوقات للبشارة بذلك، وخلع على الركابية وطيف بهم/ في الأسواق، وذلك أنه لما امتنع عليهم قتال من بواسط عمدوا إلى قصد الأهواز [2] ، وأطعموا العسكر في المنهب، فلما مضوا إليها تخاذل من [كان] بها [3] من الأتراك، وهرب الديلم فدخلوا فنهبوا ما يتجاوز حد الحصر، واستمر النهب ستة عشر يوما حتى أنه أخذ من دار ميمون [البائع] [4] وخان أنباره ما قدره سبع مائة ألف دينار، وزاد المأخوذ من البلد على خمسة آلاف ألف دينار، والفي جارية وحرائر، وأتلف وأحرق ما لا يمكن ضبطه.
وفي يوم الجمعة لليلتين خلتا من جمادي الأولى: سقطت قنطرة الزياتين على نهر عيسى.
[جلوس الخليفة للعامة والخاصة إثر شكاة عرضت له]
وفي يوم الأحد الثامن عشر [من] [5] هذا الشهر: جلس الخليفة القادر باللَّه وأذن للخاصة والعامة فدخلوا عليه وشاهدوه [6] ، وذلك عقب شكاة عرضت له، ووقع الإرجاف معها به، وأظهر في هذا اليوم تقليد الأمير أبي جعفر عبد الله ولده ولاية عهده، وكانت الأقوال قبل هذا قد كثرت في معنى الأمير أبي جعفر وتوليته العهد، وتوقف الخليفة عن ذلك، ثم ابتدئت الحال بأن ذكر على المنابر [بالحضرة] [7] في ذي الحجة من السنة الماضية في عرض الدعاء للخلفية، وقيل: اللَّهمّ أمتعه بذخيرة الدين المرجو لولاية عهده في المسلمين إشارة إليه من غير إفصاح باسمه ولا نص عليه، فلما جلس في هذا اليوم تقدم الصاحب أبو الغنائم محمد بن أحمد وقوم من الأتراك، وقال أبو الغنائم في أثناء ضجة، وازدحام:
خدم مولانا أمير المؤمنين الغلمان داعون له بإطالة البقاء وإدامة الدولة وشاكرون لما
__________
[1] في الأصل: «الإسفسهلارية» . و «الغلمان» ساقطة من ص، ل.
[2] في ص، ل: «بواسط عملوا على قصد الأهواز» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في ص، ل: «والعامة فوصلوا إليه وشاهدوه» .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/205)
بلغهم من نظره لهم وللمسلمين باختيار الأمير أبي جعفر/ لولاية العهد، فقال الخليفة:
من هذا المتكلم ولم يفهم قوله، فقيل الناظر في أمور الأتراك، فقال للأمير أبي جعفر:
اسمع ما يقوله: فأعاد الصاحب القول، فقال الخليفة: إذا كان الله قد أذن في ذلك فقد إذنا فيه، فقال [الأمير] [1] أبو جعفر: مولانا يقول: إذا كان الله قد أذن في ذلك فنرجو الخيرة فيه فقال [الخليفة] [2] وزحف من مخاده حتى أشرف على الناس من أعلى سريره بصوت عال: وقد أذنا فيه، فقال نظام الحضرتين أبو الحسن الزينبي: قد سمع قول مولانا أمير المؤمنين وحفظ والله يقرن ذلك بالخيرة والسعادة، ومدت الستارة في وجهه، وجلس الأمير أبو جعفر على السرير الذي كان قائما عليه بين يديه وخدمه الحاضرون بالدعاء والتهنئة، وتقدم أبو الحسن ابن حاجب النعمان فقبل يده وهناه ودعا له، فقال له: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ 33: 25 اتهاما له فساد رأي الخليفة فيه، فبكى وأكب على تقبيل قدمه وتعفير خده ولحيته بين يديه، قال قولا كثيرا في التبري والاستغفار والاستعطاف، فلما كان يوم الجمعة لسبع بقين من الشهر ذكر في الخطبة على منابر الحضرة بالقائم بأمر الله ولي عهد المسلمين، وأثبت ذلك على سكة العين والورق.
ثم ورد في يوم السبت لست بقين من الشهر كتاب الملك جلال الدولة إلى الخليفة يسأله فيه هذا الذي فعل [3] ، فجمع الناس يوم الثلاثاء في بيت الموكب، وقرئ عليهم، وكان فيه:
«سلام على أمير المؤمنين، أما بعد أطال الله بقاء سيدنا ومولانا/ الإمام القادر باللَّه أمير المؤمنين، فإن كتابي صادر إلى الحضرة [4] القاهرة القادرية المحفوفة بالبركات النبويّة، وما أستأمن فيه من أمور الرعايا وحفظ نظام العسكر مستمر بمبذول الإمكان والاجتهاد، فما أزال أعمل فكرا في مصالح المسلمين، وأدأب سعيا في حراسة
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «هذا الّذي فعل تجمع» .
[4] في الأصل: «كتابي تبادر إلى الحضرة» .(15/206)
شملهم [1] وعلم سيدنا ومولانا [2] الإمام القادر باللَّه أمير المؤمنين] [3] محيط بأن الله تعالى جعل لكل شيء أمدا، وسوى في نقل الخلق فلم يخل من حتمه نبيا ولا صفيا، وقد سار سيدنا ومولانا الإمام [4] القادر باللَّه أمير المؤمنين بأحسن السير حاميا للخواص والعوام من الغير والأشبه تسمية النظر في حاضر يومه لغده، وإعداد ما سيظهر به من عدده حتى لا يسأله الله يوم المعاد عن حق أهمل، وقد تعين وجوده، وأن أولى ما أعتمده النظر لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن في ذمتها، والنص على ما يعهد الله بسياستها حتى لا تكون مهملة في وقت وإن الحنبة العزيزة الجعفرية مستحقة لولاية العهد بعد الأمد الفسيح الذي نسأل الله أن يطيله، وأرغب إلى الموقف القادري أن يشد أزر الخلافة بإمضاء العقد المتين لها وصلة اسمها بالاسم العزيز في إقامة الدعوة، وإنشاء الكتب إلى البلاد بما رأى في ذلك ليكون سيدنا ومولانا أمير المؤمنين بعد الأمد الفسيح قد سلم الأمة إلى راع، فإن رأت الحضرة الشريفة النبوية الإنعام بالإجابة إلى المرام أنعمت بذلك، وأصدرت هذه الخدمة يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين وأربعمائة» .
وأتبع هذا بكتاب عن الخليفة يذكر ما قلده الأمير أبا جعفر من ولاية عهده، فقال فيه: وان أمير المؤمنين لما تأمل ما وهبه الله تعالى/ من سلالته أبي جعفر عبد الله وجده شهابا لا يخبوء وخبر من مغيبات أحواله ما لم يزل يستوضحه فولاه عهده.
وفي يوم الاثنين لليلة خلت من رجب قلد أبو محمد بن النسوي النظر في المعونة، ولقب الناصح، واستحجب وخلع عليه، واستدعى جماعة من العيارين، فأقامهم أعوانا وأصحاب مصالح.
وفي رمضان: ورد الخبر من الموصل بتاريخ يوم الجمعة لخمس بقين من شعبان: أن فضلون الكردي غزا الخزم فقتل منهم وسبى وغنم من أموالهم غنما كثيرا،
__________
[1] في الأصل: «في مصالح شملهم» .
[2] «سيدنا» : ساقطة من ص.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] «الإمام» : ساقطة من ص.(15/207)
وعاد إلى بلده يقرر أنه [قد] [1] كسر شوكتهم، وأمن غائلتهم فاتبعوه وكبسوه واستنقذوا الغنائم والسبي من يده، قتلوا من الأكراد والمطوعة أكثر من عشرة آلاف، واستباحوا أموالهم.
وكان ملك الروم قد قصد حلب في ثلاثمائة ألف وكان معه أموال على سبعين جمازة، فأشرف على عسكره مائة فارس من العرب وألف راجل فظن [الروم] [2] أنها كبسة، فلبس ملكهم خفا أسود حتى يخفي أمره، وأفلت وأخذوا من خاصته أربعمائة بغل محملة ثيابا ومالا، وقتلوا مقتله كثيرة من رجاله.
ولليلة بقيت من رمضان كان أول تشرين الأول وينقضي أيلول عن حر شديد زاد على حر تموز وحزيران زيادة كثيرة، وعصفت في اليوم السابع منه ريح سموم تلاها رعد ومطر جود.
وكان في هذه السنة: موتان ببغداد وجرف عظيم في السواد.
وفي سادس شوال: جرت منازعة بين أحد الأتراك النازلين بباب البصرة وبعض الهاشميين، فاجتمع الهاشميون إلى جامع المدينة ورفعوا المصاحف، واستنفروا الناس، / فاجتمع لهم الفقهاء والعدد الكثير من الكرخ وغيرها، وضجوا بالاستغفار من الأتراك وسبهم، فركب جماعة من الأتراك، فلما رأوهم قد رفعوا أوراق القرآن على القصب رفعوا بأزائهم قناة عليها صليب، وترامى الفريقان بالنشاب والآجر وقتل من [الآجر] [3] قوم ثم أصلحت الحال.
وفي ليالي هذه الأيام: كثرت العملات والكبسات بالجانب، الشرقي من البرجمي ورجاله، وقصدوا درب علية ودرب الربع، ففتحوا فيها عدة خانيبارات ومخازن، وأخذوا منها شيئا كثيرا، وكبسوا عدة دور واستولوا على ما فيها.
وتجدد القتال بين القلائين والدقاقين، استمرت الفتنة ودخل من كان غائبا من
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/208)
العيارين وكثر الاستقفاء، وفتح الدكاكين، وعمل العملات ليلا.
ولم يعمل الغدير ولا الغار في هذه السنة لأجل الفتنة، وفي هذا الوقت تجدد دخول الأكراد المتلصصة ليلا إلى البلد، وأخذهم دواب الأتراك من إصطبلاتهم، وفعل ذلك في عدة إصطبلات بالجانبين حتى دعاهم الخوف إلى نقل دوابهم إلى دورهم وشدها فيها ليلا، ونقل السلطان ماله من كراع إلى دار المملكة، وعملت هناك المعالف، وأغلق جلال الدولة بابه وصرف حواشيه لارتفاع الإقامة عنه، وانصرف الحاصل إلى الأتراك.
وتأخر الحاج من خراسان في هذه السنة، ولم يخرج من العراق إلا قوم ركبوا من الكوفة على [1] جمال البادية، وتخفروا من قبيلة إلى قبيلة، وبلغت أجرة الراكب إلى فيد أربعة دنانير.
ذكر من توفي في هذه السنة [2] من الأكابر
3166- إبراهيم [3] بن الفضل بن حيان [4] الحلواني.
قاضي سرمن رأى نزل بغداد، وحدث بها روى عنه المعافي بن زكريا توفي في هذه السنة.
3167- الحسن [5] بن أحمد بن محمد بن فارس بن سهل، أبو الفوارس البزاز
[6] .
وهو أخو أبي الفتح بن أبي الفوارس، ولد سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، سمع أبا بكر الشافعي، وابن الصواف وكان ثقة، وتوفي في صفر هذه السنة، ودفن في مقبرة الخيزران.
__________
[1] «من الكوفة» : ساقط من ص.
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 140) .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 278) .(15/209)
3168- الحسين [1] بن محمد، أبو عبد الله الخالع الشاعر
[2] :
توفي في هذه السنة عن سن عالية.
3169- على [3] بن عبد العزيز بن إبراهيم بن بيان، أبو الحسن المعروف بابن حاجب [4] النعمان:
كان كاتب القادر باللَّه. ولد سنة أربعين وثلاثمائة، وذكر أنه سمع من أبي بكر النجاد، والشافعي، وابن مقسم، وكان أبوه يخدم أبا عمر المهلبي في أيام وزارته، وكتب هو للطائع للَّه، ثم كتب بعده للقادر في شوال سنة ست وثمانين، فكتب للخليفتين أربعين سنة، وكان له لسان وبلاغة.
وتوفي في رجب هذه السنة، ودفن ببركة زلزل، ثم نقل تابوته إلى مقابر قريش، ودفن بها في سنة خمس وعشرين.
3170- عنبر [5] أبو المسك، خادم بهاء الدولة
[6] :
كان قد بلغ مبلغا لم يبلغه أمثاله، ورأى أصحاب الأطراف يقبلون يده ويترجلون عند لقائه، وينفذ حكمه فيما ينفذ فيه حكم الملوك انحدر إلى بغداد طمعا في تملكها معونة للملك أبي كاليجار فتوفي.
3171- محمد [7] بن جعفر بن علان، أبو جعفر الوراق الشروطي ويعرف بالطوابيقي
[8] :
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي الخطيب، قال: كان شيخا مستورا من أهل
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 105، البداية والنهاية 12/ 29، وفيه: «الخليع» ) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 31) .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 184) .
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 59) .(15/210)
القرآن/ ضابطا لحروف قراءة كانت تقرأ عليه، وحدث عن أحمد بن يوسف بن خلاد، وأبي علي الطوماري، وأبي جعفر بن المتيم وغيرهم، كتبت عنه، وكان صدوقا، ومات في ذي القعدة من سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، ودفن في مقابر باب الدير.
3172- محمود بن سبكتكين [1] ، يكنى أبا القاسم ويكنى أبوه [2] أبا منصور.
[كان أبو منصور] [3] صاحب جيش السامانية، واستولى عليها بعد وفاة منصور بن نوح، وتوفي سبكتكين في سنة سبع وثمانين وثلاثمائة ببلخ، فنازع إسماعيل بن سبكتكين أخاه محمودا فكسره محمود وملك خراسان [وزالت على يده] [4] دولة سامان، وكان آل سامان قد ملكوا سمرقند وفرغانة وتلك النواحي أكثر من مائة سنة، وقصدهم محمود وقبض عليهم ومالك ديارهم وأقام الخطبة للقادر باللَّه، وراسل محمود بهاء الدولة أبا نصر بن بويه بأبي عمر البسطامي، ونفد إليه هدايا وخمسة أفيلة وسأله خطاب الخليفة في توليته، فبعث بهاء الدولة بأبي عمر البسطامي إلى فخر الملك أبي غالب، وأمره أن يقصد دار الخلافة ويسأله في هذا المعنى، فأجاب القادر باللَّه إلى ذلك في شعبان سنة أربع وأربعمائة وحصل له من الفتوح في بلاد الهند والكفر ما لم يحصل لغيره وكان الخليفة قد بعث إليه الخلع ولقبه بيمين الدولة وأمين الملة ثم أضيف إلى ذلك نظام الدين ناصر الحق وملك محمود سجستان وتملك مملكة واسعة وبلغ إلى قلعة لملك الهند تسع خمسمائة ألف إنسان وخمسمائة فيل وعشرين ألف دابة فأحاط بها فجاءة رسول على نعش يحمل قوائمه أربعة غلمان ويحفه مطرح ومخدة، فقال له: أن مفارقة ديننا/ لا سبيل إليه ولكن نصالحك، فصالحهم على خمسمائة فيل وثلاثة آلاف ومائة بقرة، فبعث محمود إلى ملكهم قباء وعمامة وسيفا ومنطقة وفرسا ومركبا وخفا وخاتما عليه أسمه، وأمره أن يقطع أصبعه وهي عادة للتوثقة عندهم، وكان عند محمود من أصابع من هادنه الكثير فلبس ملكهم الخلعة واخرج حديدة قطع إصبعه الصغرى من غير أن يتغير وجهه، وأحضر دواء فطرحه عليها وشدها.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 29) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/211)
وفتح محمود قلعة سومنات وهدم البيت الذي يحجونه وفيه أصنام من الذهب والفضة مرصعة بالجواهر وقيمة ذلك تزيد على عشرين ألف ألف دينار وكانوا يحملون إلى الصنم ماء من نهر بينه وبينه مائتا فرسخ. ورتبوا ألفا من البراهمة يواظبون على خدمته ويحلقون رءوس زواره ولحاهم وأجروا على ثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة كانوا يغنون للزوار فحاربهم محمود وقتل خمسين ألفا وغنم الأموال، وقبض على أبي طالب رستم بن فخر الدولة أبي الحسن وكتب إلى القادر باللَّه بأنه وجد لأبي طالب زيادة على خمسين امرأة حرة على ما سبق ذكره وخطب لمحمود في الأطراف وعقد على جيحون جسرا ولم يقدر على ذلك أحد قبله وأنفق في سفرته ألفى ألف دينار ولم يحظ بطائل فأتهم وزيره وقال أغرمتني هذا المال فأخذ منه خمسة آلاف ألف دينار واعتقله، وكان قد عبر في غزوة إلى ما وراء النهر فضمن له أهل سمرقند ألف غلام حتى كف عنهم وكان معه أربعمائة فيل تقاتل، وحمل إليه وهو بغزنة شخصان من النسناس الذين يكونون في بادية نحو الترك، / وهم على صور الناس في جميع أعضائهم إلا أن ابدانهم ملبسة بالشعر لا يكاد يبين منه [1] ، ولهم كلام كصفير الوحش، فقدم لهذين المحمولين خبز وثريد ولحم، فلم يأكلا، وحملا إلى موضع الفيلة فما خافا وأكلا من الحشيش الذي يأكلونه. كما يأكل الحمار وتغوطا كما تفعل البهائم وأتراك بلادهم يأكلونهم ويذكرون أنهم أطيب اللحوم لحما، ومرض محمود وكانت علته سوء المزاج وانطلاق البطن وهو على غزواته ونهضاته لا يثنى، فلما اشتد به الأمر أمر بالجواهر التي اقتناها من ملوك خراسان وما وراء النهر وعظماء الترك والهند، فصفت في صحن فسيح في قصره وكان قد جمع سبعين رطلا من الجوهر، فلما نظر إليها بكى بكاء متحسر على ما يخلفه، ثم أمر بردها إلى مكانها من القلعة بغزنة، وتوفي يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الآخر من هذه السنة، وهو ابن ثلاث وستين سنة، ملك منها ثلاث وثلاثين سنة، ومات وهو مستند في دسته لم يضع جنبه إلى الأرض، وكان ظاهر أمره التدين والتسنن، وولى ابنه مسعود مكانه.
__________
[1] في الأصل: «لا تكاد تبين منه» .(15/212)
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين واربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
[نقيب قوم من اللصوص على دار المملكة]
أنه في ليلة الخميس ثالث محرم نقب قوم من اللصوص على دار المملكة، فأفضوا إلى حجرة من حجر الحرم، وأخذوا منها شيئا من الثياب، ونذر بهم فهربوا، ورتب بعد ذلك حرس يطوفون حول الدار في كل ليلة.
وفي صفر: عملت عملة في أصحاب الأكسية فأخذت أمتعة كثيرة وثار أهل الكرخ بالعيارين وطلبوهم فهربوا/ وأقام التجار على إغلاق دكاكينهم والمبيت في أسواقهم، وراسلوا حاجب الحجاب وسألوه أن يندب إلى المعونة من يعاونونهم على إصلاح البلد، فأعيد أبو محمد النسوي إلى العمل، فوجدوا أحد العيارين فقتلوه ونهبت الدار التي استتر فيها، ثم قوى العيارون وهرب ابن النسوي، وعادت الفتن.
وفي يوم الثلاثاء خامس ربيع الأول: صرف أبو الفضل محمد بن علي بن عبد العزيز بن حاجب النعمان عن كتابة القادر باللَّه، وكانت مدة نظره سبعة أشهر وعشرين يوما، وسبب ذلك أنه لما توفي والده أبو الحسن وأقيم مقامه لم يكن له دربة بالعمل.
[تجدد الفتنة بين السنة والروافض]
وفي يوم الجمعة لثمان بقين من ربيع الأول: تجددت الفتنة بين السنة والروافض واشتدت، وكان سبب ذلك الخزلجي الصوفي الملقب بالمذكور أظهر العزم على
__________
[1] بياض في ت.(15/213)
الغزو، واستأذن السلطان، فكتب له منشور من دار الخلافة وأعطى منحوقا، واجتمع إليه لفيف كثير، وقصد في هذا اليوم جامع المدينة للصلاة فيه وقراءة المنشور، فاجتاز بباب الشعير وخرج منه إلى طاق الحراني وعلى رأسه المنحوق وبين يديه الرجال بالسلاح، فصاح من بين يديه العوام بذكر أبي بكر وعمر، وقالوا: هذا يوم مغازي، فنافرهم أهل الكرخ ورموهم، وثارت الفتنة، ومنعت الصلاة، ونقبت دار المرتضى فخرج منها مرتاعا منزعجا، فجاءه جيرانه من الأتراك فدافعوا عنه وعن حرمه، وأحرقت إحدى سميريتيه، ونهبت دور اليهود وخانتاراتهم، وطلبوا لأنه قيل عنهم إنهم أعانوا أهل الكرخ، فلما كان من الغد اجتمع عامة أهل السنة من الجانبين، وانضاف إليهم كثير من الأتراك/ وقصدوا الكرخ، فأحرقوا وهدموا الأسواق، وأشرف أهل الكرخ على خطة عظيمة وكتب الخليفة إلى الملك والأصفهلارية [1] ينكر ذلك عليهم إنكارا شديدا، وينسب إليهم تخريق علامته التي كانت مع الغزاة، وأمر بإقامة الحد في الجناة، فركب وزير الملك فوقعت في صدره آجرة وسقطت عمامته، وقتل من أهل الكرخ جماعة، وانتهب الغلمان ما قدروا عليه، ثم رتب الوزير قوما منعوا القتال، واحترق وخرب من هذه الفتنة سوق العروس، وسوق الأنماط، وسوق الصفارين، وسوق الدقاقين، ومواضع أخرى.
وفي ليلة الأحد لثمان بقين من ربيع الآخر [2] : كبس قوم من الدعار المسجد الجامع ببراثا وأخذوا ما فيه من حصر وسجادات، وقلعوا شباكه الحديد، وزاد الاختلاط في هذه الأيام وعاد القتال بين العوام، وكثرت العملات، واجتاز سكران بالكرخ فضرب [بالسيف] [3] رأس صبي فقلته، ولم يجر في هذه الأشياء إنكار من السلطان لسقوط هيبته.
[قتل العامة الكلالكي]
وفي جمادي الآخرة: قتل العامة الكلالكي، وكان ينظر قديما في المعونة، وأحرقوه ثم زاد الاختلاط ببسط العوم كثيرا، وأثاروا الفتنة ووقع القتال في أصقاع البلد من جانبيه، واقتتل أهل نهر طابق، وأهل القلائين، وأهل الكرخ، وأهل باب البصرة،
__________
[1] في الأصل: «الاسفسهلارية» .
[2] «لثمان بقين من ربيع الآخر» ساقط من ص.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/214)
وفي الجانب الشرقي أهل سوق السلاح، وأهل سوق الثلاثاء، وأهل باب الطاق والأساكفة، وأهل سوق يَحْيَى والرهادرة، وأهل الفرضة، وأهل درب سليمان حتى قطع الجسر ليفرق بين الفريقين، ودخل العيارون/ البلد، وكبسوا أبا محمد النسوي في داره بدرب الزبرج [1] ، وكثر الاستقفاء نهارا والكبس ليلا.
[لحقت القادر باللَّه شكاة]
وفي هذه الأيام: [2] لحقت القادر باللَّه شكاة أرجف به فوقع الانزعاج وانتقل من كان ملتجئا إلى داره ومقيما بها، ونقل ما كان فيها من الأموال، وتكلم الغلمان في مطالبة الأمير ولي العهد بمال البيعة، ثم استقل الخليفة مما وجده، ثم وجد الغلمان وأظهروا كراهية الملك جلال الدولة، وشكوا اطراحه تدبيرهم، وأشاعوا بأنهم يقطعون خطبته في الجمعة المقبلة إلى أن يستقر رأيهم على من يختارونه، فعرف الملك ذلك فأقلقه، وفرق مالا في بعضهم، ووعدهم، وندل أن يحلف لهم فحلف ثم عادوا [3] الاجتماع والخوض في قطع خطبته، وقالوا: قد وقفت أمورنا وانقطعت موادنا ويأسنا من أن يجري لنا على يد هذا الملك خير، وهو إن أرضى بعضنا فماذا يصنع الباقون، وأنفذوا إلى دار الخلافة جماعة من طوائفهم يقولون قد عرف أمير المؤمنين صورتنا مع هذا الملك وما هو عليه من اطراحنا ونريد أن تأمر بقطع خطبته، فخرج الجواب بأننا على ما تعرفون من المراعاة لكم، وهذا الرجل مولاكم وشيخ بني بويه اليوم، وله في عنقنا عهود، وإذا أنكرتم منه أمرا رددناه عنه وتوسطنا الأمر، فأما غير هذا فلا يجوز الإذن فيه، فإن قبلتم هذا وإلا فما خل فيها ولا نأمركم بها، فانصرفوا غير راضين، وصليت الجمعة من غد ووقعت الخطبة على رسمها إلا في جامع الرصافة، فإن قوما من الأتراك حضروا عند المنبر ومنعوا أبا بكر بن تمام الخطيب/ من ذكر الملك، وضرب أحدهم يد الخطيب، وخاف الناس الفتنة فتفرقوا من غير صلاة، ثم عاودوا الشكوى حتى شارفت الحال المكاشفة، ثم توطنوا فسكتوا [4] .
__________
[1] في الأصل: «بدرب النيرح» .
[2] بياض في ت.
[3] في ص: «فحلف ثم عاودوا» .
[4] في الأصل: «ثم لوطنوا» . وفي ص: «ثم توطنوا فسكنوا» .(15/215)
وكان المهرجان في رمضان فلم يجلس السلطان فيه ولا ضرب له دبدبة على ما جرى به الرسم، وقد كان الطبالون انصرفوا قبل ذلك بأيام وقطعوا ضرب الطبل في أوقات الصلوات وذلك لانقطاع الإقامة عنهم وعن الحواشي، ثم وقع عيد الفطر فجرت الحال على مثل هذه [السبيل] [1] ، ولم يركب إلى الجامع والمصليان صاحب المعونة، ولا ضرب بوق، ولا نشر علم، ولا أظهرت [2] زينة، وزاد الاختلاط ووقعت الفتنة بين العوام، وأحرقت سوق الخراطين، ومدبغة الجلود، وقبلها سوق القلائين، وكثر الاستقفاء والكبسات، ثم حدث في شوال فتنة بين أصحاب الأكسية وأصحاب الخلقان أشفى منها أهل الكرخ على خطر عظيم، والفريقان متفقان على مذهب التشيع.
وثارت في هذا الوقت فتنة بين الغلمان، فمالت العوام إلى بعضهم فأوقعوا بهم وأخذوا سلاحهم، ثم نودي في الكرخ بإخافة العيارين وبإحلالهم يومين، فلما كان الليل [3] اجتمعوا وكانوا نحوا من خمسين ووقفوا على دجلة بإزاء دار المملكة وعليهم السلاح وبين أيديهم المشاعل، وصاحوا بعد الدعاء للملك بأنا يا مولانا عبيدك العيارون، وما نريد ابن النسوي واليا علينا فإن عدل عنه وإلا أحرقنا وأفسدنا، وانصرفوا فخرج قوم منهم إلى/ السواد، ثم طلبوا فهربوا، ثم عادوا إلى الكبسات والعملات.
وفي أول ذي الحجة: جرت فتنة وقتال شديد على القنطرتين العتيقة والجديدة، واعترض أهل باب البصرة قوما من القميين لزيارة المشهدين بالكوفة والحائر، وقتلوا منهم ثلاثة نفر، وجرحوا آخرين، وامتنعت زيارة المشهد بمقابر قريش يومئذ.
وفي ذي الحجة توفي القادر باللَّه، وولي القائم باللَّه.
باب ذكر خلافة القائم بأمر الله
اسمه عبد الله بن القادر باللَّه، ويكنى أبا جعفر [4] . أخبرنا أبو منصور
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ل: «ونظر علم وأظهرت» .
[3] في ص، ل: «فلما كان اليوم اجتمعوا» .
[4] بياض في ت.(15/216)
[عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد] [1] الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بكر أحمد [بْن علي] [2] بْن ثابت [الخطيب] [3] قَالَ: سمعت [أبا القاسم] [4] على بن المحسن التنوخي يذكر أن مولد [الإمام] [5] القائم [بأمر الله] [6] يوم الجمعة الثامن عشر من ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وأمه أم ولد تسمى قطر الندى، أرمنية أدركت خلافته.
بويع للخلافة القائم بأمر الله بعد موت أبيه القادر باللَّه يوم الاثنين الحادي عشر من ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين [7] وأربعمائة، وكان القادر باللَّه جعله ولي عهده من بعده، ولقبه القائم بأمر الله وخطب له بذلك في حياته.
قال المصنف رحمه الله: وذكر أبو الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب أن القائم [بأمر الله] [8] ولد يوم الخميس ثامن عشر ذي القعدة، وأنه بويع له بالخلافة يوم الثلاثاء الثالث عشر من ذي الحجة، وأن أمه أم ولد اسمها بدر الدجى، وأنه كان سنة يوم ولي إحدى وثلاثين سنة.
ذكر البيعة
[9] لما توفي القادر حضر الأشراف والقضاة والفقهاء والأماثل، وحفظت أبواب البلد مخافة الفتنة، وخرج القائم بأمر الله وقت العصر من وراء ستر فصلى بالحاضرين المغرب، وصلى بعدها على القادر فكبر أربعا، ثم جلس في دار الشجرة على كرسي وعليه قميص ورداء، فبايعه الناس، فكان يقال للرجل تبايع أمير المؤمنين القائم بأمر الله على الرضا بإمامته، والالتزام بشرائط طاعته، فيقول: نعم ويأخذ يده فيقبلها، وأول من بايعه المرتضى، وقال له:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «إحدى وعشرين» .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[9] في ت بياض. وفي ص: «ذكر بيعته» .(15/217)
فأما مضى جبل وانقضى ... فمنك لنا جبل قد رسا
وأنا فجعنا ببدر التمام ... فقد بعثت منه شمس الضحى
لنا حزن في محل السرور ... وكم ضحك في خلال الرجا [1]
فيا صار ما أغمدته يد ... لنا بعدك الصارم المنتضى
ولما حضرناك عقد البياع ... عرفنا بهداك طرق الهدى
فقابلتنا بوقار المشيب ... كمالا وسنك سن الفتى
وحضر الأمير أبو محمد الحسن بن عيسى، بن المقتدر من الغد وبايعه وكتب إلى البلاد بأخذ البيعة له، وهم الأتراك بالشغب لأجل رسم البيعة، فتكلم تركي بما لا يصلح في حق الخليفة القائم فقتله هاشمي فثار الأتراك، وقالوا: إن كان هذا بأمر الخليفة خرجنا عن البلد، وإن لم يكن فيسلم إلينا القاتل، فخرج توقيع الخليفة أنه لم يجر ذلك بإرادتنا [2] ، وإنما فعله رعاع في مقابلة قول تجاوز به عدوه، ونحن نطلب القاتل ونقيم فيه حد الله تعالى، ولم يركب السلطان إلى البيعة غضبا للأتراك، ثم لجوا في طلب مال البيعة، فقيل لهم: إن القادر لم يخلف مالا فأدى الملك بهاء الدولة من عنده إلى الجند، ثم تقرر الأمر على/ ما قيمته ثلاثة آلاف ألف دينار، فعرض الخليفة عند ذلك خانا بالقطيعة وبستانا وشيئا من أنقاض الدار على البيع، ووزر له أبو طالب محمد بن أيوب، وأبو الفتح بن دارست، وأبو القاسم بن المسلمة، وأبو نصر بن جهير، وكان قاضيه ابن ماكولا، وأبو عبد الله الدامغاني.
ذكر طرف من سيرة القائم بأمر الله
[3] كانت للقائم عناية بالأدب ولم يكن يرتضي أكثر ما ينشأ في الديوان حتى يصلح فيه أشياء، وروى الرئيس أبو الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام، عن أبي الفضل محمد بن علي بن عامر الوكيل [4] ، قال: دخلت يوما إلى المخزن فلم يبق أحد إلا
__________
[1] في ص: «في خلال البكا» .
[2] في الأصل، ل: «لم يجر ذلك بإيثارنا» .
[3] في الأصل: «ذكر طرف من سيرته» . والعنوان مكانه بياض في ت.
[4] في الأصل: «محمد بن علي بن عباس» .(15/218)
وأعطاني قصة وامتلأت أكمامي بالرقاع [فلما رأيتها كثيرة] [1] قلت: لو كان هذا الخليفة أخي أو ابن عمي [حتى] [2] أعرض [3] [عليه هذه الرقاع لأعرض] [4] عني، وألقيتها في بركة ماء والقائم ينظر إليّ وأنا لا أعلم، فلما وقفت بين يديه أمر الخدم بأخذ الرقاع من البركة فتبادروا إليها وبسطوها في الشمس فكلما جفت قصة حملت إليه، فلما تأملها وقع عليها جميعها بأغراض أصحابها، ثم قال: يا عامي- وكان إذا ضجر يخاطبني بهذا- ما حملك على هذا الفعل، وهل كان عليك في إيصالها درك؟ فقلت:
بل وقع لي أن الضجر يقع منها، فقال: ويحك ما أطلقنا من أموالنا شيئا بل نحن وكلاء، فلا تعد إلى ما هذا سبيله، ومتى ورد عليك وارد فإياك أن تتقاصى عن أنصال قصته.
وفي يوم الاثنين الثامن عشر من ذي الحجة: كان الغدير، وقام العيارون بالإشعال في ليلته، ونحر جمل في صبيحته بعد أن جبوا الأسواق والمحال لذلك، واشتد تبسط هذه الطائفة، وخلعوا جلباب المراقبة وتبسطوا وضربوا وقتلوا، وفعل أهل السنة/ في محالهم ما كانوا يفعلونه من تعليق الثياب والسلاح، وإظهار الزينة، ونصب الأعلام، وإشعال النيران ليلا [5] في الأسواق في يوم الاثنين المقبل زعما منهم أنه في هذا اليوم اجتمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر في الغار.
ثم أن العيارين أسعروا الناس [6] ليلا كبسا لمنازلهم وأخذا لأموالهم، ثم ظهروا وعدلوا بالكبسات عن الكرخ إلى باقي المحال.
وورد الخبر بأن قوما من الدعار كبسوا أبا الطيب ابن كمارويه القاضي بواسط في داره، وأخذوا ما وجدوه وضربوه ضربات كانت فيها وفاته.
وخرجت هذه السنة ومملكة جلال الدولة ما بين الحضرة وواسط والبطيحة،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «لأعرض» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] «ليلا» : ساقطة من ل.
[6] في ص: «أن العيارين أسعروا الناس» .(15/219)
وليس له من ذلك إلا الخطبة، فأما الأموال والأعمال فمنقسمة بين الأعراب والأكراد والأطراف منها في أيدي المقطعين من الأتراك والوزارة خالية من ناظر فيها.
وتأخرت الأمطار في هذه السنة، وقلت الزراعة في السواد لقلة المياه، وتجدد لاحتباس القطر يبس في الأبدان، فأصاب أكثر الناس نزلات في رءوسهم وصدورهم معها حمى وسعال، فكثر طباخو ماء الشعير حتى طبخه أصحاب الأرز باللبن، وبيع كل ثلاثين رمانة حلوة بدينار سابوري ومنا شراب بعشرة قراريط، وأصاب أهل الري وهمذان وحلوان وواسط ونواحي فارس وكرمان وأرجان نحو ذلك، وكان السبب تأخر المطر.
ولم يحج الناس في هذه السنة من خراسان والعراق لانقطاع الطرق، وزيادة الاضطراب.
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
3173- أحمد [2] القادر باللَّه [أمير المؤمنين [3] ابن إسحاق بن المقتدر
[4] :
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: توفي القادر باللَّه في ليلة الاثنين الحادي عشر من ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، ودفن [ليلة] [5] الثلاثاء بين المغرب والعشاء في دار الخلافة، بعد أن صلى عليه ابنه القائم بأمر الله ظاهرا، وعامة الناس وراءه، وكبر عليه أربعا فلم يزل مذ توفي في الدار [6] ، حتى نقل تابوته وحمل في الطيار ليلا إلى الرصافة، فدفن بها في ليلة الجمعة لخمس خلون من ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، وكان مبلغ عمر القادر باللَّه ستا وثمانين سنة وعشرة أشهر وإحدى [7] وعشرين يوما، وكانت مدة خلافته إحدى وأربعين سنة وثلاثة أشهر، ولم يبلغ هذا القدر أحد في الخلافة غيره.
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 37) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في ص، ل: «فلم يزل مدفونا في الدار» .
[7] «وإحدى» : ساقطة من ل.(15/220)
وقال غيره: جلسوا في عزائه سبعة أيام لمعنيين أحدهما تعظيم المصيبة، والثاني لاجتماع العامة وإقامة الهيبة خوفا من فتنة الغلمان.
3174- الحسن [1] بن علي بن جعفر، أبو علي بن ماكولا
[2] .
وزر لجلال الدولة أبي ظاهر، وقتله غلام له بالأهواز في ذي الحجة من هذه السنة، وكان عمره ستا وخمسين سنة.
3175- طلحة [3] بن علي بن الصقر، أبو القاسم الكتاني
[4] :
سمع النجاد [5] ، وأبا بكر الشافعي، وكان ثقة صالحا يسكن درب الدجاج، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن بالشونيزية.
3176- عبد الوهاب [6] بن علي بن نصر أبو محمد المالكي
[7] :
كان فقيها/ على مذهب مالك، وولي قضاء بادرايا وباكسايا، وخرج من بغداد لإضافته، فحصل له مال كثير من المغاربة، ومات بها في شعبان وقال شعرا يتشوق فيه إلى بغداد:
سلام على بغداد في كل موقف ... وحق لها مني سلام مضاعف
فو الله ما فارقتها عن قلى لها ... وإني بشطي جانبيها لعارف
ولكنها ضاقت علي بأسرها ... ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
فكانت كخل كنت أهوى دنوه ... وأخلاقه تنأى به وتخالف
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: روى عبد الوهاب عن ابن شاهين، وكتبت عنه، وكان ثقة ولم نلق من المالكيين أحدا أفقه منه.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 32) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 352) .
[5] في الأصل: «سمع البزاز» .
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 32) .(15/221)
ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
[خروج الناس للاستسقاء]
أن المطر لما تأخر في الشتوة وخرج الناس للاستسقاء لست خلون من المحرم بأمر من دار الخليفة/ فذهبوا إلى الجوامع واستمر تأخر المطر، وكثر الموتان بنواحي النيل.
وفي يوم الثلاثاء: كان عاشوراء، وعلقت المسوح في الأسواق، وأقيم النوح في المشاهد، وتولى ذلك العيارون.
وفي يوم الاثنين سادس عشر المحرم: قرئ في الموكب عهد خرج من حضرة القائم بأمر الله بإقرار قاضي القضاة أبي عبد الله الحسين بن علي على ما يتولاه من قضاء القضاة، وكان في الكتاب وأن أمير المؤمنين أعمل فكره وأدام سبره في اختيار من يسند إليه الأحكام ويجعله حجة بينه وبين الله تعالى في هذا المقام، وكان الحسين بن علي قاضي القضاة منتهى رأيه وقمر اختياره لما هو عليه من عفافه واستقامة طريقته، وأمره في الكتاب بتقوى الله والعدل في الحكم وترك المحاباة، وأورد فيه أخبارا كثيرة في العدل وحكايات.
[ثورة أهل الكرخ بالعيارين]
وفي يوم الجمعة لخمس خلون من صفر: ثار أهل الكرخ بالعيارين [وطلبوهم] [2]
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/222)
فهربوا، فكبسوا دورهم، ونهبوا سلاحهم، وراسلوا السلطان ليعاونهم، وكان سبب هذا الفعل [1] أن العيارين دخلوا ليلا على أحد البزازين، فأخذوا ماله، فتعصب له أهل سوقه، فرد العيارون بعض ما أخذوا.
ثم كبسوا في ليلة الأحد دار ابن الفلو الواعظ بدار القطن من نهر طابق [فأخذوا ماله] [2] وما كان للناس عنده، ومروا على عادتهم في الكبسات، واختلط بهم في [العملات] [3] مولد والأتراك/ وحواشيهم، ثم إن الغلمان صمموا على عزل جلال الدولة أبي طاهر، وإظهار أبي كاليجار، وقال بعضهم لبعض: هذا الملك مشغول عنا، وقد طمع فينا حتى العوام وبلغ منا الفقر فتحالفوا على خلعه، واجتهدوا في إصلاحهم، فلم ينفع وقالوا له: لا بد أن تخرج عنا وتنحدر إلى واسط.
وفي يوم الاثنين لثمان بقين من صفر: قرئ في الموكب بدار الخلافة كتاب ورد من القاضي أبي إسحاق محمد بن عبد المؤمن بإسكاف، وتوقيع أقرن به، وأمر الناس فيه بالخروج إلى الاستسقاء، وكان في ذلك الكتاب أنه ذكر عن رجل أنه حكى أن امرأة عربية ولدت ولدا لم يظهر منه سوى رأس بفم وأسنان وحلق كالخيارة منتفخة [4] ، وبقية البدن كالحية والمصران، بلا يد ولا رجل، فحين سقط إلى الأرض تكلم [5] ، وقال الناس تحت غضب منذ أربع سنين، ويجب عليهم الإنابة، وأن يخرجوا إلى الاستسقاء والأطفال والبهائم، فخرج التوقيع يذكر فيه أن امتناع القطر لأجل ما أقام عليه المذنبون من المعاصي، فتقدم إلى الناس بالخروج في يوم الجمعة والسبت والأحد بعد أن يصوموا هذه الأيام الثلاثة، ويخلصوا الدعاء والابتهال، فلم يخرج في يومي السبت والأحد إلا عدد قليل لم يتجاوز عددهم يوم السبت [6] في جامع المدينة نيفا وأربعين، وببراثا عشرة نفر، وخرج يوم الأحد إلى جامع المدينة سبعة عشر، وببراثا خمسة نفر،
__________
[1] في الأصل: «وكان السبب في هذا الفعل» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ل: «كالخبازة منتفخة» .
[5] في الأصل: «والمصران فحين سقط إلى الأرض وهو بلا بدن ولا رجل تكلم» .
[6] في الأصل: «لم يتجاوز في يوم السبت» .(15/223)
وكانت/ الجوامع الباقية علي نحو هذا، فلم يسق الناس ولا أغيثوا.
[ركب جماعة من القواد فقطعوا خطبة جلال الدولة]
وفي يوم الجمعة الثالث من ربيع الأول: ركب جماعة من القواد فقطعوا خطبة جلال الدولة، وبلغه ذلك فأزعجه وبعث خواص [1] جواريه إلى دار الخلافة، وغيرها وخير الباقيات [2] بين أن يعتقن أو يأخذن لنفوسهن، ومنهن من أعتق ومنهن من مضى إلى من كن له من قبل، ثم اجتمع الغلمان وراسلوا الملك، فقالوا: قد علمت ما وافقتنا عليه من الانحدار إلى واسط، والوجه أن تستخير الله في ذلك، فقال: إنما قررتم من يخرج معي من يسلم إلى البصرة، فإما أن أخرج علي غير قاعدة فما أفعل، وامتلأ جانبا دجلة وشطها بالناس والسميريات، وترددت الرسل إلى الملك بالمطالبة بالخروج، فقال: أبعثوا معي مائة غلام يحرسونني في طريقي، فقالوا: لا يمكن مائة، ولكن عشرون، فقال: أريد شفيقا يحملني ونفقة تنهضني [3] ، فقرروا بينهم إطلاق ستين دينارا لنفقة من يصحبه من الغلمان، والتزم بعض القواد منها ثلاثة دنانير ونصفا.
فلما كان الليل من ليلة الاثنين سادس ربيع الأول خرج في نفر من غلمانه، فمضى إلى عكبرا على وجه المخاطرة، فتبادر الغلمان إلى دار المملكة، فنهبوا ما فيها وكتب الإصفهلارية عن نفوسهم، وعن فرق من الغلمان وطوائفهم كتبا إلى الملك أبي كاليجار بما فعلوه في خدمته، وهنئوه باجتماع الكلمة علي طاعته، واستدعوا منه إنفاذ من يدبر الأمور ويحفظ نظام الجمهور، / وأخرجوا بها ركابية، فقال: هؤلاء الأتراك يكتبون ما لا يعقدون الوفاء به ويعدون ولا يصدقون، فإن كانوا محقين في طاعتهم فليظهروا شعارنا، وليخرجوا من عندهم ولا أقل من أن يخرجوا إلينا منهم خمسمائة غلام ليكون توجهنا معهم، فأما بالاغترار بأقوال لا يعرف ما وراءها فلا والوجه أن يعلل القوم بالمدافعة وتوقعوا ما تحدثه الأيام، فإنهم في كل يوم يضعفون وتدعوهم الضرورة إلينا، فنأخذ الأمر عفوا، ونربح المال الذي ننفقه، والغرر الذي نركبه، وكان من وزراء أبي كاليجار أبو منصور بن فنة، وكان فاضلا ومن آثاره دار كتب وقفها على طلاب العلم
__________
[1] في ص، ل: «فأزعجه وانفذ خواص» .
[2] في الأصل: «وغيرها وخير البواقي» .
[3] في ص: «ونفقة تنهضني» .(15/224)
جمع فيها تسعة عشر ألف مجلد ما فيها إلا أصل منسوب، وفيها أربعة آلاف ورقة بخط بني مقلة، ثم اختلت المملكة، وقطع عن جلال الدولة المادة حتى أخرج من ثيابه وآلاته الحقيرة وباعها في الأسواق، وخلت داره من حاجب وفراش وبواب، وصار أكثر الأبواب مغلقا، وقطع ضرب الطبل له في أكثر الأيام لانقطاع الطبالين، وظهر العيارون، وكثر الاستقفاء والكبسات، ومد الأتراك أيديهم إلى الغصوب، وتشاور القواد في أن يخطب للملك أبي كاليجار، فقال بعضهم: لا نخطب لأحد حتى تستقر أمورنا معه، وخرج الملك إلى عكبرا، وقصد حلة كمال الدولة أبي سنان فاستقبله وقبل الأرض بين يديه، وقال له: خزانتي وأموالي وبلادي لك، وأنا أتوسط بينك وبين جندك، وزوجه ابنته ثم مضى إليه جماعة/ من الجند واعتذروا مما فعلوا، وأعيدت خطبة جلال الدولة في السابع عشر من ربيع الأول، فأقيمت في جامع المدينة، وجامع الرصافة، ولم تقم في جامع الخليفة، ثم أقيمت فيه في الجمعة الثالثة.
وفي يوم السبت الثامن عشر منه: خرج أبو منصور بن طاس الحاجب، وأبو القاسم علي بن أبي علي، وخادمان إلى حضرة الملك بكتاب من الخليفة يتضمن الاستيحاش لبعده، ويهنئه بالسلامة وإسفار الأمور عن الاستقامة، ثم بعث الخليفة القاضي أبا الحسن الماوردي، ومبشرا الخادم إلى الملك أبي كاليجار إلى الأهواز بكتاب، قال الماوردي: قدمنا عليه فتلقينا وأنزلنا دارا عامرة وحملت إلينا إنزال كثيرة [1] ، ثم استدعينا إلى حضرته وقد فرشت دار الإمارة بالفروش الجميلة، ووقف الخواص والأصحاب على مراتبهم من جانبي سريره، وأقيم الجند في المجلس والصحن صفين، فما يتجاوز قدم قدما وفي آخر الصفين ستمائة غلام دارية البزة الحسنة والأقبية الملونة، فخدمنا وسلمنا وأوصلنا الكتاب وتردد من القول بين استخبار وأخبار الأخبار وابتداء وجواب ما يتردد مثله. وانصرفنا.
وأقيمت الخطبة في يوم الجمعة السابعة ليوم اللقاء، ثم جرى الخوض فيما طلبوه من اللقب [2] واقترحوا أن يكون اللقب السلطان المعظم مالك الأمم، فقلت: هذا لا
__________
[1] في ص: «وحملت إلينا الأتراك» .
[2] «ثم جرى الخوض فيما طلبوه من اللقب» : العبارة ساقطة من ص.(15/225)
يمكن لأن السلطان المعظم الخليفة، وكذلك مالك الأمم، فعدلوا إلى ملك الدولة فقلت: هذا ربما جاز، وأشرت أن يخدم الخليفة بالطاف/ فقالوا: يكون ذلك بعد التلقيب، فقلت: الأولى بأن يقدم، ففعلوا وحملوا معي ألفى دينار سابورية، وثلاثين ألف درهم نقرة، وعشرة أثواب خزا سوسيا، ومائة ثوب ديباجيا مرتفعة، ومائة أخرى دونها، وعشرين منا عودا. وعشرة أمناء كافورا، وألف مثقال عنبر، وألف مثقال مسكا، وثلاث مائة صحن صيني، ووقع بأقطاع وكيل الخدمة خمسة آلاف دينار مغربية من معاملات البصرة، وأن يسلم إليه ثلاثة آلاف قوصرة كل سنة، ويجاز بغير مئونة ولا ضريبة، وأفرد عميد الرؤساء أبو طالب ابن طالب بن أيوب بخمسمائة دينار وعشرة آلاف درهم، وعشرة أثواب ديباجا وعدنا إلى بغداد، فرسم لي الخروج إلى جلال الدولة وإعلامه الحال، فخرجت وتلطفت في إجراء حديث اللقب، وما سأله الملك فثقل عليه ذلك ثقلا اقتضاء وقوف الأمر فيه.
وفي ربيع الآخر وكان في أذار: جمد الماء جمودا ثخينا حتى في حافات دجلة، وهبت ريح رمت رملا أحمر، وقام الثلج ما جمع ودق واستمر تأخر الأمطار، وأجدبت الأرض وتلفت وهلك المواشي وتلف جمهور الثمار.
وقوى أمر العيارين، وكبس رئيسهم البرجمي خانا، فأخذ جميع ما فيه، فقوتل فقتل جماعة، وكان يأخذ كل مصعد ومنحدر، وكبس دارا بسوق يحيى، وأخذ ما فيها وأحرقها هذا والعسكر ببغداد.
وفي هذا الشهر [1] : اجتمع الجند ومنعوا من الخطبة للخليفة لأجل رسول البيعة، فلم تصل الجمعة، فتلطف الأمر حتى أقيمت الخطبة في الجمعة الثانية [علي العادة] [2] .
[حلف الملك للخليفة يمينا حضرها المرتضى وقاضي القضاة]
وفي هذا الشهر [3] : حلف الملك للخليفة يمينا حضرها المرتضى وقاضي القضاة ابن ماكولا وغيرهما، وركب الوزير/ أبو القاسم من غد إلى دار الخلافة، فحضر عنده
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] بياض في ت.(15/226)
وحضر المرتضى وقاضي القضاة، فحلف الملك فكان فيها: «أقسم عبد الله أبو جعفر القائم بأمر الله أمير المؤمنين، فقال: والله الذي لا اله إلا هو الطالب الغالب المدرك المهلك عالم السر والعلانية، وحق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وحق القرآن العظيم والآيات والذكر الحكيم لأقيمن لركن الدولة [1] جلال الدولة أبي طاهر بن بهاء الدولة أبي نصر على إخلاص النية والصفاء ولألتزمن له شروط الموافقة والوفاء من غير إخلال بما يصلح حاله، ويحفظ عليه مكانه ولأكونن له على أفضل ما يؤثره من حراسته في نفسه، وما يليه ولوزير الوزراء أبي القاسم وسائر حاشيته وإقراره على رتبته وله علي بذلك عهد الله وميثاقه وما أخذه على ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين، والله شهيد على ذلك وهذه اليمين يميني، والنية فيها نية جلال الدولة أبي طاهر» . وذلك في ربيع الآخر سنة [2] ثلاث وعشرين وأربعمائة.
وفي عشية يوم الأربعاء لخمس خلون من جمادي الأولى: عند تصويب الشمس للغروب انقض كوكب كبير الجرم كثير الضوء، وعاد في هذا الوقت أمر العيارين فاشتد وتجدد القتال بين العوام، ثم ولى ابن النسوي، فردعهم ردعا تاما.
وفي نصف رجب: عصفت ريح شديدة ثلاثة أيام متصلة ليلا ونهارا واحتجبت منها السماء والشمس، ورمت ترابا أحمر ورملا.
وفي هذا الشهر [3] : زادت الأسعار، ووردت الأخبار بتلف الغلات في الموصل وأنه لم ترجع/ البذور في كثير من النواحي، وكذلك الأهواز وواسط، ووردت الأخبار عن الأحساء وتلك البلاد أن الأقوات عدمت، فاضطر أهل بادية كانوا فيها إلى أكل مواشيهم ثم أولادهم، وكان الواحد يعارض بولده ولد غيره [4] كيلا تدركه رقة في ذبحه وأكله، وفارق أهل البوادي منازلهم.
وفي ليلة الاثنين ثاني شوال: انقض كوكب أضاءت منه الأرض وارتاع له الناس، وكان في شكل ولم يزل يتقلب حتى اضمحل.
__________
[1] في ل: «لأقيمن الركن الدين» .
[2] في الأصل: «في ربيع الأول» .
[3] بياض في ت.
[4] في ص: «الواحد يقارض بولده ولد غيره» .(15/227)
وفي يوم الأربعاء حادي عشر شوال: نزل الملك أبو طاهر من داره على سكر وانحدر في سميرية بمنكور إلى دار الخلافة، ومعه ثلاثة نفر من حواشيه، وصعد إلى بستان الدار، ورمى بعض معيناته القصب ودخله، ثم جلس تحت شجرة واستدعى نبيذا فشربه، وأمر الزامر أن يزمر فزمر، وعرف الخليفة ذلك فشق عليه وأزعجه وغلقت أبواب الدار على وجه الاستظهار، ثم خرج إليه القاضي أبو علي ابن أبي موسى، وأبو منصور بن بكران الحاجب، فخدماه ووقفا بين يديه وقالا له: قد سر مولانا السلطان قرب مولاه وانبساطه، وأما النبيذ والزمر فإنهما مما لا يجوز في هذا الموضع، فلم يقبل ولا امتنع، وقال لأبي منصور بن بكران: قل لمولانا أمير المؤمنين أنا عبدك، وقد حصل وزيري أبو سعد في دارك ووقف أمري بذلك، وأريد أن يتقدم بتسليمه إلي، فأراد أبو منصور أن يجيبه فزبره، وقال له: ليس الخطاب معك ولا الجواب عليك، وإنما أنت رسول، فامض وأعد ما قيل لك: فمضى وعاد بجواب يقال فيه: ما نعلم أن الوزير في دارنا ولا ها هنا امتناع عليك/ مما يؤدي إلى صلاح أمرك، فرده. وقال: أريد جوابا محصلا بفعل أو منع، فعاد وقال: الأمر يجري على ما تؤثره، فقال للمختص أبي غانم:
أشهد عليهم بأنهم يسلمون وزيري، فقال له: الأمر لك، وجعلوا يدارونه حتى نزل إلى زبزبه، وأصعد إلى داره، واجتمع من العامة على دجلة خلق كثير يهزءون بالقول ويخرجون إلى الحرق ومعهم سيوف وسكاكين مستورة، فلما كان من الغد استدعى الخليفة المختص أبا غانم، والقائد أبا الوفاء وقال لهما: قد عرفتما ما جرى أمس وإنه أمر زاد علي الحد وتناهى في القبح وقابلناه بالاحتمال والحلم وكان الأولى بجلال الدولة أن يتنزه عن فعله وينزهنا عن مثله ويتخلق بأخلاق آبائه في مراعاة الخدمة والتزام الحشمة، ويكفي ما نحن محملوه من مجاري الأفعال المحظورة ومتحملوه فيها من سوء السمعة والأحدوثة، فإن جرائر ذلك متعلقة بنا وأوزاره متعدية إلينا، إذ كانت هذه الأمور معصوبة بنا، وإنما فوضناها إلى جلال الدولة إحسانا للظن به، واعتقادا للجميل فيه، وليس من حقوق ذلك وما نفضي عليه من الأسباب المذكورة، ونتجرعه فيها من المرارة الشديدة، أن يرتكب معنا هذه المراكب المستنكرة ويجترئ علينا هذه الجرآت المستمرة، ونعامل حالا بعد حال، ووقتا بعد وقت بما يفارق فيه المراقبة والمجاملة،(15/228)
وكيف كانت الصورة تكون لو جرى من ذلك الجمع نادرة غلط، وهل كان الفائت يستدرك، والآن فإما رجع معنا إلى الأولى وسلك الطريق المثلى، وإلا فارقنا هذا البلد ودبرنا أمورنا بما يجب.
فقبلا الأرض وأقاما بعض العذر ومضيا إلى الملك/ فأوردا عليه ما سمعاه، واعتذارهما عنه، فركب يوم الجمعة في زبزبه، وأشعر الخليفة بحضوره للاعتذار، فنزل إليه عميد الرؤساء أبو طالب بن أيوب [وخدم] [1] وقال له: تذكر حضوري للخدمة وتجديد الاعتذار من تلك الخرمة التي لم تكن بإرادة، ووقف حتى رجع بجواب يدل على قبول العذر وشكر ما استونف من الفعل، ثم يمم إلى الميدان بالحلبة، ولعب فيه بالصولجان وعاد في زبزبه.
وفي ليلة الجمعة لخمس خلون من ذي القعدة: نقل تابوت القادر باللَّه من دار الخلافة إلى التربة بالرصافة، واختير هذا الوقت لأجل حضور حاج خراسان في البلد، واجتمع الأكابر وعليهم ثياب التعزية، وحمل التابوت إلى الطيار، ثم حمل من مشرعة باب الطاق على أعناق الرجال إلى التربة والجماعة مشاة بين يديه.
وصح عند الناس عدم المياه في طريق مكة والعلوفة فتأخروا وحضر الناس يوم الموكب لخمس بقين من هذا الشهر فأظهر أن أبا الحسن على بن ميكائيل الوارد من خراسان قد بذل إطلاق ألفي دينار تنفق على طريق مكة فرد الخبر على الخليفة ذلك وأطلقه من خزانته، وخلع علي ابن الأقساسي لتقلده النيابة عن المرتضى في الحج.
وورد الكتاب من البصرة بما جرى على حاج البصرة من أخذ العرب لهم على ثلاثة أيام من البصرة، وأنهم نهبوا وسلبوا وجاعوا، فبعث إليهم الوزير أبو الفرج ابن فسانجس جمالا وزادا وتمرا لحملهم ومعاونتهم.
[حج الناس [2] من الأمصار إلا من بغداد وخراسان]
وحج الناس من الأمصار إلا من بغداد وخراسان، وورد مع المصرية كسوة للكعبة ومال/ للصدقة وصلات لأمير مكة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] بياض في ت.(15/229)
ووردت الأخبار بما كان من الوباء والموت في بلاد الهند وغزنة وكثير من أعمال خراسان وجرجان والري وإصبهان ونواحي الجبل والموصل، وأن ذلك زاد على مجاري العادة، وخرج من إصبهان في مدة قريبة أربعون ألف جنازة، وكان ببغداد من ذلك طرف قوى، ومات من الصبيان والرجال والنساء بالجدري ما زاد علي حد الاحصاء، حتى لم تخل دار من مصاب، واستمر هذا الجدري في حزيران وتموز وآب وأيلول وتشرين الأول والثاني، وكان في الصيف أكثر منه في الخريف، وجاء كتاب من الموصل أنه مات بالجدري أربعة آلاف صبي.
وخرجت هذه السنة ومملكة جلال الدولة مشتملة علي ما بين الحضرة وواسط والبطيحة وليس له من جميع ذلك إلا إقامة الخطبة والوزارة خالية عن ناظر فيها، ورأى رجل من إصبهان في النوم أن شخصا صعد منارة مسجد إصبهان، وكان أهل إصبهان إذ ذلك في خفض من العيش والراحة والأمن، وقال بصوت جهوري رفيع [1] إلى أن اسمع أهل إصبهان: «سكت نطق سكت نطق سكت نطق» ثلاث مرات فانتبه الرجل فزعا وحكى هذا المنام، فما عرف تأويله، فقال رجل: احذروا يا أهل إصبهان فاني قرأت في شعر أبي العتاهية:
سكت الدهر زمانا عنهم ... ثم أبكاهم دما حين نطق
فما مر على هذا الحديث الا أيام قلائل حتى جاء مسعود بن محمود بن سبكتكين، فنهب البلد، وقتل عالما لا يحصى حتى قتل جماعة في الجوامع نسأل الله العافية.
ذكر من توفي في هذه السنة [2] من الأكابر
3177- إسماعيل [3] بن إبراهيم بن علي بن عروة، أبو القاسم البندار
[4] :
__________
[1] في الأصل: «بصوت جوهري رفيع» .
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 313) .(15/230)
ولد في رجب سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، وحدث عن أبي سهل بن زياد [1] ، وأبي بكر الشافعي، وكان صدوقا وتوفي في محرم هذه السنة.
3178- روح [2] بن محمد بن أحمد، أبو زرعة [3] الرازي:
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: جد روح أبو بكر ابن السني الدينَوَريّ الحافظ واسمه أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أسباط بن عبد الله بن إبراهيم بن بديح مولى عبد الله [4] بن جعفر بن أبي طالب. سمع أبو زرعة جماعة وقدم علينا حاجا فكتبنا عنه، ولقيته بالكرخ فكتبت عنه هناك، وكان صدوقا فهما أديبا، يتفقه علي مذهب الشافعي، وولى قضاء إصبهان، وبلغني أنه مات بالكرخ في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
3179- علي [5] بن أحمد بن الحسن بن محمد بن نعيم، أبو الحسن البصري المعروف بالنعيمي نسبة إلى جده
[6] :
حدث عن جماعة، وكان حافظا فاضلا شاعرا.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، قال: سمعت محمد بن علي الصوري يقول: لم أر ببغداد أحدا أكمل من النعيمي، كان جمع معرفة الحديث والكلام والأدب، ودرس شيئا من فقه الشافعيّ، قال: وكان أبو بكر البرقاني يقول: هو كامل في كل شيء لولا بأو فيه.
أنشدنا أبو نصر أحمد بن محمد الطوسي، قال: أنشدنا الحسين بن عاصم، أنشدنا أبو الحسن [البصري المعروف] [7] بالنعيمي/ لنفسه:
__________
[1] في الأصل: «إسماعيل بن إبراهيم بن زياد» .
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 410) .
[4] في ل: «مولى عبيد الله» .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 331، والكامل 8/ 205) .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/231)
إذا أظمأتك أكف اللئام ... كفتك القناعة شبعا وريا
فكن رجلا رجله في الثرى ... وهامة همته في الثريا
أبيا لنائل ذي ثروة ... تراه بما في يديه أبيا
فإن إراقه ماء الحياة ... دون إراقة ماء المحيا
توفي النعيمي في ذي القعدة من هذه السنة.
3180- مُحَمَّد [1] بن أحمد بن السرى بن أبي عون، أبو الحسن النهرواني
[2] :
سمع أبا بكر بن مالك الإسكافي وغيره.
أخبرنا القزاز، أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب، قَالَ: قدم علينا هذا الرجل بغداد في حياة أبي الحسين ابن بشران وكتبنا عنه، وكان صدوقا.
3181- محمد [3] بن الطيب بن سعيد بن موسى، أبو بكر الصباغ
[4] :
حدث عن أحمد بن سليمان النجاد، وأبي بكر الشافعي، وكان صدوقا.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: سمعت رئيس الرؤساء أبا القاسم علي بن الحسن يقول: تزوج محمد بن [الطيب] [5] الصباغ زيادة على تسعمائة امرأة.
قال الخطيب: وسمعت محمد بن الطيب يقول: ولدت في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة.
ومات يوم الجمعة تاسع ربيع آخر سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 307) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 383، والبداية والنهاية 12/ 35) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/232)
ثم دخلت سنة أربع وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
أن الخليفة هنئ بدخول الحمام من جدري ظهر به، وكتم الأمر فيه إلى أن برأ، وذلك في المحرم.
[كبس البرجمي العيار درب أبي الربيع]
وفي يوم الاثنين لست/ بقين من صفر كبس البرجمي العيار درب أبي الربيع ووصل إلى مخازن فيها مال عظيم، وتفاوض الناس أن جماعة من الإصبهلارية [2] خرجوا إليه وآكلوه وشاربوه، فظهر من خوف الخلق منه ما أوجب نقل الأموال إلى دار الخليفة، وواصل الناس المبيت في الدروب والأسواق للتحفظ، وزيد في حرس دار الخلافة، وطيف وراء السور وقتل صاحب [3] الشرطة بباب الأزج غيلة، واتصلت العملات، وكبست دار تاجر فأخذ منها ما قيمته عشرة آلاف دينار، وزادت المخافة من هذا العيار حتي صار أهل الرصافة وباب الطاق، ودار الروم [4] لا يتجاسرون علي ذكره إلا أن يقولوا القائد أبو علي لئلا يصل إليه منهم غير ذلك، وشاع عنه أنه لا يتعرض لامرأة ولا يمكن من أخذ شيء معها أو عليها.
[خروج جماعة من القواد والاصبهلارية في طلب البرجمي]
وفي ربيع الأول: خرج جماعة من القواد والاصبهلارية [5] في طلب هذا البرجمي
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «جماعة من الاسفسهلارية» .
[3] في ص، ل: «وراء السوق، وقتل صاحب» .
[4] في الأصل: «وباب الروم» .
[5] في الأصل: «الإسفسهلارية» .(15/233)
عند زيادة أمره وتعاظم خطبه واتصال فساده، فنزلوا الأجمة التي يأوي إليها وهي أجمة ذات قصب وماء كثير تمتد خمسة فراسخ، وفي وسطها تل قد جعله معقلا ومنزلا، فترتب كل واحد من الإصبهلارية [1] علي باب من أبوابها، فخرج إليهم البرجمي في ركاء وعلى رأسه غلامه، وقال لهم: من العجب خروجكم إلي وأنا كل ليلة عندكم، فإن شئتم أن ترجعوا وأدخل إليكم فعلت، وأن شئتم أن تدخلوا إلي فافعلوا، فذكر أن قوما منهم راسلوه وقووا نفسه، وأروه أنهم يردون العسكر عنه.
وفي جمادي الأولى: كثرت العملات والكبسات، ووقع القتال في القلائين وعلى القنطرتين، وعاد الاختلاط، وطرحت النار فأحترق شيء عظيم وأسواق ومساجد وغيرها، ووقع النهب في درب عون، وأخذت أبوابه ودرب القراطيس إلى نهر الدجاج.
وفي هذه الأيام: تغيرت قلوب الجند، فقدم الوزير أبو القاسم فظنوا أن وروده للتعرض بأموالهم ونعمهم، واستوحشوا وأنكروا ورود الوزير من غير إجماع منهم ولا استقرار قاعدة معهم في أمره، وأظهر المطالبة بما أخذه الملك من مال بادرويا، فجاءت منهم جماعة إلى باب دار السلطان وصاحوا وجلبوا وأخذوا دواب من كان هناك، وانزعج الوزير ومن معه من الأكابر وبادروا الدخول إلى صحن الدار مبادرة ازدحموا فيها، وانقضى ذلك اليوم واجتمعوا من غد في مسجد القهرمانة وتكلموا في إهمال السلطان لأمورهم واخذ أموالهم، وعقدوا آراءهم على مراسلة الملك بتسليمه أقواما من أصحابه وخروجه من بغداد إلى واسط أو البصرة وإقامة أحد أولاده الأصاغر عندهم، ثم انفصلت طائفة منهم فاجتازوا على دار المملكة، فإذا باب البستان مفتوح فدخلوا بدوابهم، فعرف الملك فخرج من دور الحرم إليهم، فرأوه فتراجعوا قليلا فأطاف بهم غلمان الدار والحواشي، فأمرهم بالانصراف فتبعه أحد خواصه فضربه بآجرة فرجع ومشى وحده/ إلى القوم، وقال لهم: تعالوا حتى أسمع كلامكم وأنظر ما تريدون، فأحاطوا به وأخذوه وأخرجوه إلى دجلة وهم لا يدرون ما يفعلون، لأن الذي جرى منهم لم يكن علي أصل ولا اتفاق، وإنما كان تخليطا، وأنزلوه سميرية فلما حصل فيها قال بعضهم
__________
[1] في الأصل: «الاسفسهلارية» . وفي ل: «الإصفهسلارية» .(15/234)
لبعض: هذا غلط وربما عبر إلى الجانب الغربي واعتصم بالكرخ واستجاش العوام، والصواب أن نحمله إلى مجمع الغلمان ليدبروا أمره بما يرون، فتسرعوا إلى رد السميرية وعلقوا بمجدافها واضطربت فدخلها الماء حتى ابتلت ثيابه وتكابوا عليه فرجموه وأخرجوه ومشوا به خطوات كثيرة، فأعطاه الأتراك فرسه فحملوه إلى الجمع بعد أن كلموه بكل قبيح وأقاموه راكبا في الشمس زمانا وأنزلوه فوقف علي عتبة الباب طويلا ثم دخل المسجد، فوكلوا به ثم تفرقوا إلى منازلهم وجاءت صلاة الظهر وهو مشتغل بالصلاة والدعاء ثم تآمروا على نقله إلى الدار المهلبية، فخرج القائد أبو الوفاء ومعه عشرون غلاما دارية وحواشي الدار والعامة ومن تاب من العيارين وهجم عليهم فدفعهم عنه، واستخرجوه من أيديهم فأعاده إلى داره، وكان ذلك في رمضان، فنقل الملك ولده وحرمه وما بقى من ثيابه وآلاته ودوابه وفرش داره إلى الجانب الغربي بعد أن نهب الغلمان ما نهبوا من ذلك، ثم عبر في آخر الليل إلى الكرخ، فتلقاه أهلها بالدعاء، فنزل في دار المرتضى بدرب جميل، وعبر الوزير أبو القاسم بعبوره فنزل في دار تجاوره، ثم اجتمع الغلمان وعزموا علي عقد/ الجسر والعبور للمطالبة لأهل الكرخ بإخراج الملك عنهم ثم تشاوروا فاختلفوا، فقال الخائفون من عقبي ما جنوا على الملك: هذا الملك قد أقل مراعاتنا والمبالاة بنا وأخذ أموالنا وتركنا جياعا، وما ينفع فيه عذل ولا يصلحه قبيح ولا جميل، وقد كان منا إليه ما قد علمتم أولا وأخيرا ما لا يصفو لنا معه نية منه. وقال آخرون: فما [ترون وما] [1] الّذي نفعل. وهل هاهنا من نجعله عوضا عنه وما بقى من بني بويه إلا هو وأبو كاليجار ابن أخيه قد سلم الأمر إليه ومضى إلى فارس وتنحل الأمر إلى أن كتبوا إلى الملك رقعة يقولون فيها: «نحن عبيدك ومماليكك ملكناك أمورنا ابتداء وقد ضيقت علينا مرة بعد مرة وتعدنا وتعتذر إلينا، ولا نجد أثر ذلك، ولك ممالك كثيرة فيجوز أن تطرح كلك عنها مدة وتوفر علينا هذه الصبابة من المادة. وهذا أمر قد اجتمعت عليه كلمتنا، ومن الصواب أن لا تخالفنا فيه وتحوج هذا العسكر إلى تجاوز ما قد وقفوا عنده» .
وأنفذوا الرقعة إلى المرتضى ليعرضها ويتنجز جوابها، فعرضها عليه، فأجاب:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/235)
«بأنا معترفون لكم بما ذكرتم وما يحصل لنا نصرفه إليكم، وأما خروجنا فالأحوال التي نقاسيها تدعو إليها ولو لم تسألوه وهذه [1] أيام صوم وحر، وإذا انقضت انحدرنا علي ما هو أجمل بنا وبكم» فلما وصل الجواب نفروا وقالوا: إنما غرضه المدافعة لينتقض ما عقدنا من غرضنا، ولا نتركه إلا اليوم أو غدا، فقال بعضهم: هذا لا يحسن ولكن/ كاتبوه ليقتصر على مدة قريبة، فكاتبوه فأجاب: إذا قدرتم مدة قريبة يمكن إنجاز أموري في مثلها، وندبتم من يكون في صحبتي، وعينتم على اليوم الذي تختارونه لم أتأخر عنه، فوصل الجواب وجمعهم أقل من كل يوم فوجموا، وقال بعضهم لبعض: إذا خرج فعلى ما نعول بعده، فكتبوا إليه قد شكرنا إنعام مولانا ونحن نسأل قبل الخروج أن يحلف لنا على صلاح النية، وأن لا يريد بنا سوءا أو يرتب عندنا أحد الأمراء الأصاغر برسم النيابة عنه ثم ينحدر.
وأنفذ الملك في أثناء هذه المراجعات إلى الأصاغر يستميلهم ويعدهم، وجاءه بعضهم ليلا فخاطبهم بما استصلحهم به فوعدوه فل هذه العزيمة، وراسل كلا من الأكابر وأراه سكونه إليه وتعويله عليه، والتمس حاجب الحجاب منه تجديد اليمين على سلامة الاعتقاد فيه، وأن لا يستوزر أبا القاسم، ففعل فاجتمعوا في مسجد القهرمانة وقال بعضهم لبعض: جلال الدولة ملكنا ونحن جنده، وباكروا دار المرتضى ودخلوا إلى الملك وقبلوا الأرض بين يديه واستصفحوا عما جرت الهفوة فيه، وسألوه العود إلى داره، فركب معهم إلى دار المرتضى التي [بناها] [2] علي شاطئ دجلة، وسكنت الثائرة، ورضوا بالوزير أبي القاسم، وأقام جلال الدولة مكانه حتى تكرر سؤالهم فعبر إلى داره.
وفي هذه الأيام [3] : تبسط العامة وانتشر العيارون وقتلوا وترددوا في الكرخ حاملين السلاح. وتبعهم أصاغر المماليك، ومضت الأيام علي كبس المنازل ليلا والاستقفاء نهارا فعظمت المحنة/ وتعدوا إلى الجانب الشرقي ففسد، ووقع بين عوامه من أهل باب الطاق وسوق يحيى قتال اتصل وهلك فيه جماعة، فاجتمع الوزير وحاجب
__________
[1] في الأصل: «ولو لم تطلبوه» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] بياض في ت.(15/236)
الحجاب على تدبير الأمور، وقلد أبا محمد ابن النسوي البلد، وضم إليه جماعة فطلب العيارين وشردهم، ثم قتل رفيق لابن النسوي فخاف واستتر وخرج عن البلد. فعاد الأمر كما كان وكبس البرجمي دارا في ظهر دار المرتضى في ليلة الثلاثاء لعشر بقين من شوال، واخذ منها شيئا كثيرا، وصاح أهل الدار والجيران فلم يجدوا مغيثا.
فلما كان يوم الجمعة: ثار العوام في جامع الرصافة ومنعوا من الخطبة، ورجموا القاضي أبا الحسين بن العريف الخطيب وقالوا: أن خطبت للبرجمي وإلا فلا تخطب لخليفة ولا لملك. ثم أقيم علي المعونة أبو الغنائم بن علي فركب وطاف وقتل فوقعت الرهبة، ثم عاد واتفق أن بعض القواد أخذ أربعة من أصحاب البرجمى فاعتقلهم، فأخذ البرجمي أربعة من أصحاب ذلك القائد، وجاء بهم وأقبل إلى دار القائد [1] ، فطرق عليه الباب فخرج فوقف خلف الباب، فقال له: قد أخذت أربعة من أصحابك عوضا عمن أخذته من أصحابي فأما أن تطلق من عندك لأطلق من عندي، وإما أن أضرب رقابهم، وأحرق دارك وانصرف وشأنك ومن عندك، فسلم القوم إليه، ومما يشاكل هذا الوهن أن أحد وجوه الأتراك بسوق يحيى أراد أن يختن ولدا له فأهدى إلى البرجمي حملانا وفاكهة وشرابا، وقال: هذا نصيبك من طهر فلان ولدي. واستذم منه على داره.
/ وتأخر ورود الحاج الخراسانية في هذه السنة، وتأخر المصريون خوفا من البادية، وخرج أهل البصرة فخفروا فغدروا بهم ونهبوهم وارتهنوهم.
ذكر من توفي في هذه السنة [2] من الأكابر
3182- أحمد [3] بن الحسين [4] بن أحمد، أبو الحسن الواعظ المعروف بابن [5] السماك:
__________
[1] في الأصل: «إلى باب القائد» .
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] في الأصل: «الحسن» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 110، البداية والنهاية 12/ 35) .(15/237)
ولد سنة ثلاثين وثلاثمائة، وحدث عن جعفر الخلدي وغيره، وكان يعظ بجامع المنصور، وجامع المهدي، ويتكلم على طريقة التصوف.
أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين، قال: حكى لي أبو محمد التميمي، أن أبا الحسين بن السماك الواعظ دخل عليهم يوما وهم يتكلمون في أبابيل، فقال: في أي شيء أنتم؟ فقالوا: نحن في ألف أبابيل، هل هي ألف وصل أو ألف قطع، فقال: لا ألف وصل ولا ألف قطع، وإنما ألف سخط، ألا ترى إنه بلبل عليهم عيشهم. فضحك القوم من ذلك.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، قال: قال لي أبو الفتح محمد بن أحمد المصري: لم أكتب ببغداد عمن أطلق عليه الكذب غير أربعة منهم أبو الحسين بن السماك.
توفي في ذي الحجة من هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.(15/238)
ثم دخلت سنة خمس وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث [1] فيها:
[عود العيارين إلى الانتشار]
عود العيارين إلى الانتشار ومواصلة الكبسات/ بالليل والنهار ومضى البرجمي إلى العامل على الماصر الأعلى بقطيعة الدقيق، فقرر معه أن يعطيه في كل شهر عشرة دنانير من الارتفاع ويطلقوا له سميريتين كبيرتين بغير اعتراض، وأخذ عهده على مراعاة الموضع، وواصل البرجمي محال الجانب الشرقي حتى خرب كثير منه، ودخل خان القوارير بباب الطاق فأخذ منه شيئا عظيما، وعبر إلى الجانب الغربي وطلب درب الزعفراني. فمنع أصحابه عن نفوسهم، وتحارس الناس واجتمعوا طول الليل في الدروب وعلى السطوح، ثم جد الخليفة والسلطان في طلب العيارين.
وورد كتاب من الموصل ذكر فيه أن ريحا سوداء هبت بنصيبين فقلعت من بساتينها أكثر من مائتي أصل توتا وعنابا وجوزا ودحت بها على الأرض خطوات، وأنه كان في بعض البساتين قصر مبني بآجر وحجارة وكلس فرمته من أصله، ومطر البلد بعد ذلك مطرا وقع معه برد كبار في أشكال الاكف والزنود والأصابع، وورد الخبر بأن البحر في تلك السواحل جزر نحو ثلاثة فراسخ، وخرج الناس إلى ما ظهر من الأرض يبتغون السمك والصدف، فجاء الماء وأخذ قوما منهم.
وكان بالرملة زلازل خرج الناس منها بأولادهم وحرمهم وعبيدهم إلى ظهر البلد،
__________
[1] بياض في ت.(15/239)
فأقاموا ثمانية أيام وهدمت تلك الزلزلة ثلث البلد تقديرا، وقطعت المسجد الجامع تقطيعا، وأهلكت من الناس قوما، وتعدت إلى نابلس فسقط نصف بنيانها، وتلف ثلاثمائة نفس من سكانها وقلبت قرية بإزائها فخاست بأهلها وبقرها وغنمهم وخسف بقرى أخر، وسقط بعض حائط بيت المقدس، ووقع من محراب داود عليه السلام قطعة كبيرة، ومن مسجد إبراهيم/ عليه السلام قطعة إلا أن الحجرة سلمت، وسقطت منارة المسجد الجامع بعسقلان، ورأس منارة غزة.
واتفق في هذا الوقت كثرة الموتان ببغداد لا سيما في النساء [1] وكان معظمه بالخوانيق، وكان مثل ذلك بالموصل.
واتصل الخبر بما كان بنواحي فارس [وشيراز] [2] من الموت، حتى كانت الدور تسد على أصحابها وأن الفأر متن في الدور.
ثم عاد العيارون فظهروا، ثم بذلوا حفظ البلد ولزوم الاستقامة فأفرقوا على ذلك وفسح لهم في جباية ما كان أصحاب المسالح يجبونه من الأسواق وأعطوا ما كان لصاحب المعونة من ارتفاع المواخير والقيان [3] ، وكانوا يخاطبون بالقواد.
وفي هذا الأوان خاطب الدينَوَريّ الزاهد الملك في إزالة ضرائب الملح، وأعلمه ما يتطرق على الناس من الأذى بذلك، فأمر بذلك وكتب به منشور وقرئ في الجوامع، وكتب علي أبوابها بلعن من يتعرض لإعادة هذه الجباية، وكانت جارية في الخاص وارتفاعها نحو ألفي دينار في كل سنة.
ثم عاد أمر العيارين فانتشروا واتصلت الفتن بأهل الكرخ مع أهل باب البصرة والقلائين، وأهل باب الطاق مع أهل سوق يحيى، وأهل نهر طابق مع أهل الأرحاء وباب الدير، ثم انضاف إلى ذلك قتال جرى بين الطائفتين من الأتراك وكثر قتل النفوس ولم يقدر أحد على جناية أو يؤخذ بقود، وانتشرت العرب ببادرويا وقطربُّل، فنهبوا النواحي
__________
[1] في الأصل: «لا سيما بالشتاء» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «المواخير والعنان» .(15/240)
وساقوا المواشي وقطعوا الطريق وبلغوا إلى أطراف بغداد حتى وصلوا إلى جامع المدينة، وسلبوا النساء/ ثيابهن في المقابر.
ثم عاد الجند إلى التشغيب وقالوا: قد كان قررت لنا أمور ما نرى لها أثرا ثم أدخلوا أيديهم في الأموال وخاص السلطان وقدروا ارتفاع ذلك، فكان أربعة وخمسين ألف دينار سابورية، وفتحوا، الجوالي وطالبوا أهل الذمة بها وخاضوا في أمر دار الضرب وإقامة صاغة فيها، وفسروا متاعا ورد من الموصل، واستوفوا ضرائبه.
وفي أول رمضان عمل ابنا الإصبهاني العياران اللذان كانا تابا وحصلا في دار المملكة وخدما في جملة فراشيها ومن في جملتها من العيارين مجانيق مذهبة للخروج إلى زيارة قبر مصعب بن الزبير مقابلة لما عمله عيارو الكرخ في النصف من شعبان من مثلها للخروج إلى زيارة المشهد بالحائر، ورفعوها وطافوا بالأسواق بها وبين أيديهم البوقات، ووقفوا بإزاء دار المملكة ومعهم لفيف كثير، ودعوا للسلطان وأحدث ذلك وقوع القتال بين هذه الطائفة وبين أهل الكرخ على باب درب الديزج وفي القلائين والصفارين وعند القنطرتين، وعظمت الفتنة واعترض كل فريق على من يجتاز من أهل محال الفريق الآخر، وقتلت النفوس وأخذت الأموال ومنع أبناء الأصفهاني من حمل الماء من دجلة إلى الكرخ ورواضعه حتى تأذى الناس بذلك ولحقتهم المشقة، وبيعت الراوية بدرهمين وثلاثة ثم توسط الأمر بين الفئتين فاصطلحتا.
[غرق البرجمي اللص بفم الدجيل]
وفي ليلة الأحد سادس عشر رمضان: غرق البرجمي اللص بفم الدجيل، أخذه معتمد الدولة فغرقه بعد أن بذل مالا كثيرا علي أن يترك فلم يقبل منه، ثم دخل أخو البرجمي إلى بغداد فأخذ أختا له من سوق يحيى/ وخرج فتبع وقتل.
[روسل المرتضى بإحضار العيارين]
وفي يوم السبت ثالث عشر شوال: روسل المرتضى بإحضار العيارين إلى داره وأن يقول لهم: من أراد منكم التوبة قبلت توبته وأقر في معيشته [1] ، ومن أراد خدمة السلطان استخدم مع صاحب البلد [2] ومن أراد الانصراف عن البلد كان آمنا على نفسه ثلاثة أيام.
__________
[1] «من أراد منكم التوبة قبلت توبته وأقر في معيشته» : العبارة ساقطة من ص.
[2] في الأصل، ل: «استخدم مع صاحب المعونة» .(15/241)
فعرض ذلك عليهم فقالوا: نخرج فخرجوا وتجدد الاستقفاء والفساد وقلد أبو محمد ابن النسوي المعونة لسكون أهل الكرخ إليه ثم خاف فاستعفى وأظهر التوبة ورد أبو الغنائم بن أبي علي، وقد حصلت له هيبة شديدة.
وفي ليلة الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة انقض شهاب كبير هال منظره، فلما جاءت ليلة الجمعة وقت العتمة انقض شهاب كأعظم ما يكون من البرق حتى ملأ ضوءه الأرض وغلب ضوؤه المشاعل، وروع من رآه، وتطاول مكثه من وقت انقضاضه إلى وقت انغضاضه زيادة على ما جرت به عادة أمثاله، وقال من لا يعلم: أن السماء انفرجت لعظم ما شهدوا منه.
وفي ذي الحجة وقع الموت، فذكر أنه مات في بغداد سبعون ألفا.
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
3183- أحمد [2] بن محمد بن أحمد بن غالب، أبو بكر الخوارزمي المعروف بالبرقاني
[3] :
ولد سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، ورحل إلى البلاد وسمع بها الكثير وكتب الكثير، وانتقل من دار إلى دار، فنقل كتبه في ثلاثة وستين سفطا وصندوقين، وكان إماما ثقة ورعا متقنا متثبتا فهما حافظا للقرآن عارفا بالفقه والنحو، وصنف في الحديث تصانيف، وكان الأزهري يقول: إذا مات البرقاني ذهب هذا الشأن، وقيل له: هل رأيت أنفس منه؟
قال: لا.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، قال: سمعت أبا محمد الخلال ذكر البرقاني فقال: كان نسيج وحده. قال ابن ثابت: وحدثني محمد بن يحيى الكرماني الفقيه قال: ما رأيت في أصحاب الحديث أكثر عبادة من البرقاني.
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 36) .(15/242)
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، قال: قال لي محمد بن علي الصوري:
دخلت على البرقاني قبل وفاته بأربعة أيام أعوده، فقال لي: هذا اليوم السادس والعشرون من جمادي الآخرة، وقد سألت الله تعالى أن يؤخر وفاتي حتى يهل رجب، فقد روي أن للَّه فيه عتقاء من النار عسى أن أكون منهم. قال الصوري: وكان هذا القول يوم السبت، فتوفي صبيحة يوم الأربعاء مستهل رجب.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: مات البرقاني يوم الأربعاء أول يوم من رجب سنة خمس وعشرين وأربعمائة، ودفن في مقبرة الجامع مما يلي باب سكة الخرقي.
3184- أحمد [1] بن محمد بن عبد الرحمن بن سعيد، أبو العباس الأبيوردي
[2] :
أحد فقهاء الشافعيين من أصحاب أبي حامد الأسفراييني، سكن بغداد وولي القضاء بها على الجانب الشرقي ومدينة المنصور في أيام ابن الأكفاني، ثم عزل، وكان يدرس في قطيعة الربيع وله حلقه الفتوى في جامع المنصور، وقد سمع الحديث ورواه، وكان حسن الاعتقاد جميل الطريقة فصيح اللسان، يقول الشعر، وكان صبورا على الفقر كاتما له.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن ثابت، قال: ذكر لي عبيد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عُثْمَان الصَّيْرفيّ عمن حدثه أن القاضي أبا العباس الأبيوردي كان يصوم الدهر، وأن غالب إفطاره كان على الخبز/ والملح، وكان فقيرا يظهر المروءة، ومكث شتوة كاملة لا يملك جبة يلبسها، وكان يقول لأصحابه: بي علة تمنعني من لبس المحشو، فكانوا يظنونه يعني المرض، وإنما كان يعني بذلك الفقر ولا يظهره تصونا.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة. ودفن في مقبرة باب حرب.
3185- الحسن [3] بن عبيد الله بن يحيى، أبو علي البندنيجي الفقيه القاضي
[4] :
__________
[1] بياض في الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 214، والبداية والنهاية 12/ 37) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 343، الكامل 8/ 214، والبداية والنهاية 12/ 37) .(15/243)
سكن بغداد، ودرس فقه الشافعي على أبي حامد الأسفراييني، ولم يكن في أصحابه مثله، وكان له حلقة في جامع المنصور للفتوى، وكان صالحا دينا ورعا. وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
3186- عبد الوهاب [1] بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد، أبو الفرج التميمي
[2] ، ولد سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، وسمع من أبيه وغيره، وكان له في جامع المنصور حلقة للوعظ والفتوى على مذهب أحمد بن حنبل.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بْنِ سُفْيَانَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أُكَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ:
سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْحَنَّانِ الْمَنَّانِ، فَقَالَ: الْحَنَّانُ الَّذِي يُقْبِلُ عَلَى مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَالْمَنَّانُ الَّذِي يَبْدَأُ بِالنَّوَالِ قَبْلَ السُّؤَالِ.
قَالَ: الْخَطِيبُ بَيْنَ أَبِي الْفَرَجِ وَبَيْنَ عَلِيٍّ تِسْعَةُ آبَاءٍ آخِرُهُمْ أُكَيْنَةُ.
توفي عبد الوهاب في ربيع الأول من هذه السنة ودفن عند قبر أحمد. رضي الله عنه.
3187- محمد [3] بن الحسن بن علي بن ثابت/ بن أحمد أبو بكر المعروف [4] بالنعماني:
ولد في سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، وسمع من أحمد بن سندي، وغيره، وكان سماعه صحيحا. توفي ليلة الخميس رابع جمادي الأولى من هذه السنة ودفن في مقبرة باب الدير [وكان صدوقا ثقة] [5] .
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 32، والكامل 8/ 214، والبداية والنهاية 12/ 37) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 217) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/244)
ثم دخلت سنة ست وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث [1] فيها:
[ورود العرب المتلصصة إلى أطراف البلاد]
أنه تجدد في المحرم ورود العرب المتلصصة إلى أطراف البلاد [2] في الجانب الغربي وحدث منهم انهم إذا أسروا من أسروه أخذوا ما معه وطالبوه يفدي نفسه.
ثم ظهر قوم من العيارين ففتكوا وقتلوا، فنهض أبو الغنائم بن علي فقتل منهم نفس فعاودوا الخروج وقتلوا رجلين، وقاتلوا أبا الغنائم وتتابعت العملات والاستقفاء [3] وأخذ ما يحضر من جمال السقاءين وبغالهم، ونهض أبو الغنائم ففتك وأخذ وقتل ثم عاد الفساد، وحصل العيارون في دور الأتراك والحواشي يخرجون منها ليلا ويقيمون [فيها] [4] نهارا، وسقطت الهيبة بإهمال ما أهمل من الأمر، وكتب العيارون رقاعا يقولون فيها: أن صرف أبو الغنائم عنا حفظنا البلد وان لم يصرف فما نترك الفساد.
واتفق أن غلاما كبس قراحا للخليفة ونهب من ثمرته فامتعض الخليفة من ذلك وكوتب الملك والوزير بالقبض على هذا الغلام وتأديبه، فوقع التواني عن ذلك لضعف الهيبة، فزاد غيظ الخليفة فأمر القضاة بالامتناع عن الحكم، والفقهاء بترك الفتاوي، والخطباء بأن لا يحضروا أملاكا ولا يعقدوا عقدا، وعمل على إغلاق باب الجامع
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ل، ص: «المتلصصة أطراف البلد» .
[3] في ت: «العملات والاستعفا» كذا بدون نقط.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/245)
ومنع/ الصلاة فحمل الغلام ووكل به، ثم أطلق وعادت الفتن، وكثر القتل ومنع أهل سوق يحيى حمل الماء من دجلة إلى أهل باب الطاق والرصافة، وخذل الأتراك والسلطان في هذه الأمور حتى لو حاولوا دفع فساد زاد، وملك العيارون البلد.
وفي مستهل صفر: زاد ماء المد في دجلة البصرة حتى علا على الضياع نحو ذراعين، وسقط بالبصرة في هذا اليوم وليلته أكثر من ألفي دار.
وفي شعبان: وصل كتاب من الأمير مسعود بن محمود بن سبكتكين بفتح فتحه بالهند ذكر فيه أنه قتل من القوم خمسين ألفا، وسبى سبعين ألفا، وغنم منهم ما يقارب ثلاثين ألف ألف درهم، فرجع وقد أفسد الغزو بلاده فأوقع بهم وفتح جرجان وطبرستان.
[ووثب] [1] أبو الحسن بن أبي البركات بن ثمال الخفاجي على عمه فقتله وأقام بإمارة بني خفاجة.
ثم اشتد أمر العيارين وكاشفوا بالإفطار في رمضان، وشرب الخمر وارتكاب الفجور.
وفي شوال: وقع حريق في وسط العطارين أحترق فيه عدة دور ودكاكين ومخازن، ونهب العيارون من أموال الناس وما كانوا يحصلونه من منازلهم [2] وخانباراتهم ما يزيد على عشرة آلاف دينار، وكانت النهابة تنقل النار من موضع إلى موضع، فتجعل ذلك طريقا إلى النهب، وعاد القتال بين أهل المحال، وكثرت العملات وأعيا الخرق على الراقع، وقال الملك: أنا أركب بنفسي في هذا الأمر.
ولم يحج الناس في هذه السنة من خراسان ولا العراق.
كر من توفي في هذه السنة [3] من الأكابر
3188- أحمد بن كليب الأديب الشاعر
[4] :
أخبرنا عبد الله بن المبارك الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «كانوا يحصلونه في منازلهم» .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 217، والبداية والنهاية 12/ 38) .(15/246)
الحميدي، قال: حدثني أبو محمد علي بن [أحمد] [1] الفقيه الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسن المذحجي الأديب، قال: كنت اختلف في النحو إلى أبي عبد الله محمد بن خطاب النحوي في جماعة أيام الحداثة، وكان معنا أسلم بن أحمد بن سعيد بن قاضي قضاة الأندلس، قال محمد بن الحسن: وكان من أجمل من رأته العيون [2] ، وكان معنا عند محمد بن خطاب أحمد بن كليب، وكان من أهل الأدب والشعر، فاشتد كلفه بأسلم وفارق صبره، وصرف فيه القول مستترا بذلك إلى أن فشت أشعاره فيه وجرت على الألسنة، وتنوشدت في المحافل فلعهدي بعرس في بعض الشوارع والنكوري الزامر في وسط المحافل يزمر بقول أحمد بن كليب في أسلم:
وأسلمني في هواه ... أسلم هذا الرشا
غزال له مقلة ... يصيب بها من يشا
وشي بيننا حاسد ... يسأل عما وشى [3]
فلو شاء أن يرتشي ... على الوصل روحي رشا
ومغن محسن يسايره، فلما بلغ هذا المبلغ انقطع عن جميع مجالس الطلب ولزم بيته والجلوس على بابه، وكان أحمد بن كليب لا شغل له إلا المرور على باب دار أسلم سائرا أو مقبلا نهاره كله، فانقطع أسلم من الجلوس على باب داره نهارا، فإذا صلى المغرب واختلط الظلام خرج مستروحا وجلس على باب داره فعيل صبر أحمد بن كليب فتحيل في بعض الليالي ولبس جبة صوف من جباب أهل البادية واعتم بمثل عمائمهم/ وأخذ بإحدى يديه دجاجا وبالأخرى قفصا فيه بيض، كأنه قدم من بعض الضياع، ونحن جلوس مع أسلم عند اختلاط الظلام على بابه، فتقدم إليه وقبل يده، وقال: يا مولاي من يقبض هذا، فقال له أسلم: من أنت، فقال: أجيرك في الضيعة الفلانية. وقد كان يعرف أسماء ضياعة والعاملين فأمر أسلم غلمانه بقبض ذلك منه على عادتهم في قبول هدايا العاملين في ضياعهم. ثم جعل يسأله عن أحوال الضيعة. فلما
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وكان من أجمل الناس» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/247)
جاوبه أنكر الكلام فتأمله فعرفه، فقال له: يا أخي وإلى هاهنا تتبعني أما كفاك انقطاعي عن مجالس الطلب، وعن الخروج جملة، وعن القعود على بابي نهارا حتى قطعت علي جميع ما لي فيه راحة فقد صرت في سجنك، والله لا فارقت بعد هذه الليلة قعر منزلي ولا جلست بعدها على بابي ليلا ولا نهارا، ثم قام وانصرف أحمد بن كليب حزينا كئيبا.
قال محمد: واتصل بنا ذلك فقلنا لأحمد بن كليب: قد خسرت دجاجك وبيضك، فقال: هات كل ليلة قبلة يده وأخسر أضعاف ذلك، فلما يئس من رؤيته البتة نهكته العلة وأضجعه المرض، قال محمد بن الحسن: فاخبرني شيخنا محمد بن خطاب قال:
عدته فوجدته بأسوأ حال، فقلت له: لم لا تتداوى؟ فقال: دوائي معروف، وأما الأطباء فلا حيلة لهم في البتة فقلت له: فما دواؤك؟ قال: نظرة من أسلم فلو سعيت في أن يزورني لأعظم الله أجرك بذلك وأجره، قال: فرحمته وتقطعت نفسي له فنهضت إلى أسلم فاستأذنت عليه فاذن لي وتلقاني بما يجب، فقلت له: لي حاجة، فقال: وما هي؟
قلت: قد علمت ما جمعك مع أحمد بن كليب/ من ذمام الطلب عندي. فقال: نعم ولكن قد تعلم أنه برح بي وشهر اسمي وآذاني، فقلت له: كل ذلك يغتفر في مثل هذه الحال التي هو فيها والرجل يموت فتفضل بعيادته، فقال لي: والله ما أقدر على ذلك فلا تكلفني هذا. فقلت له: لا بد من ذلك فليس عليك فيه شيء وإنما هي عيادة مريض.
قال: ولم أزل به حتى أجاب، فقلت له: فقم الآن. قال: لست والله أفعل ولكن غدا.
فقلت له: ولا خلف؟ قال: نعم، فانصرفت إلى أحمد بن كليب فاخبرته بوعده بعد تأبيه فسر بذلك فارتاحت نفسه، فلما كان من الغد بكرت إلى أسلم وقلت له: الوعد.
فوجم، وقال: والله لقد تحملني على خطة صعبة علي، وما أدري كيف أطيق ذلك؟.
قال: فقلت له: لا بد أن تفي بوعدك [لي] [1] قال: فأخذ رداءه ونهض معي راجلا، فلما أتينا منزل أحمد بن كليب وكان يسكن في درب طويل وتوسط الزقاق وقف واحمر وخجل، وقال لي: يا سيدي الساعة والله أموت وما استطيع أن انقل قدمي ولا استطيع أن أعرض هذا على نفسي. فقلت: لا تفعل بعد أن بلغت المنزل تنصرف، قال: لا سبيل والله إلى ذلك البتة، قال: ورجع هاربا فاتبعته وأخذت بردائه فتمادى وتمزق الرداء
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/248)
وبقيت قطعة منه في يدي لمدة وإمساكي له ومضى ولم أدركه، فرجعت ودخلت على أحمد بن كليب قال: وقد كان غلامه دخل عليه إذ رآني من أول الزقاق مبشرا، قال:
فلما رآني تغير وجهه وقال: أين أبو الحسن؟. فأخبرته بالقصة فاستحال من وقته واختلط وجعل يتكلم بكلام لا يعقل منه أكثر من الاسترجاع، فاستبشعت الحال وجعلت أتوجع وقمت، قال: / فثاب إليه ذهنه فقال: يا أبا عبد الله اسمع مني واحفظ مني ثم أنشأ يقول:
أسلم يا راحة العليل ... رفقا على الهائم النحيل
وصلك أشهى إلى فؤادي ... من رحمة الخالق الجليل
قال: فقلت له: اتق الله ما هذه الخطة العظيمة، فقال: قد كان، قال فخرجت عنه فو الله ما توسطت الزقاق حتى سمعت الصراخ عليه [1] وقد فارق الدنيا.
قال الحميدي: قال لنا أبو محمد: وهذه قصة مشهورة عندنا، ومحمد بن الحسن ثقة، [ومحمد بن خطاب ثقة] [2] وأسلم هذا من بني خالد، وكانت فيهم وزارة وحجابة وأبوه الآن في الحياة يكنى أبا الجعد، قال أبو محمد: ولقد ذكرت هذه الحكاية لأبي عبد الله محمد بن سعيد الخولاني الكاتب فعرفها، وقال: لقد أخبرني الثقة أنه رأى أسلم هذا في يوم شديد المطر لا يكاد أحد يمشي في طريق وهو جالس على قبر أحمد بن كليب المذكور زائرا له قد تحين غفلة الناس في مثل ذلك اليوم، قال الحميدي: وأنشدني أبو محمد علي بن أحمد، قال: أنشدني محمد بن عبد الرحمن النحوي لأحمد بن كليب وقد أهدى إلى أسلم كتاب الفصيح لثعلب:
هذا كتاب الفصيح ... بكل لفظ مليح
وهبته لك طوعا ... كما وهبتك روحي
__________
[1] في الأصل: «سمعت العياط عليه» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/249)
3189- الحسن [1] بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان بن حرب بن مهران، أبو علي البزاز
[2] :
ولد في ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، وسمع عثمان بن أحمد الدقاق، والنجاد، والخلدي، وخلقا كثيرا/ وكان ثقة صدوقا.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، قال: حدثني محمد بن يحيى الكرماني، قال: كنا يوما بحضرة أبي علي بن شاذان فدخل علينا شاب لا يعرفه منا أحد فسلم، وقال: أيكم أبو علي بن شاذان؟ فاشرنا إليه، فقال له: أيها الشيخ رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقال لي: سل عن أبي علي بن شاذان؟ فإذا لقيته فأقرئه مني السلام، ثم انصرف الشاب، فبكى أبو علي، وقال: ما أعرف لي عملا استحق به هذا اللَّهمّ إلا أن يكون صبري على قراءة الحديث علي وتكرير الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما جاء ذكره، قال: ولم يلبث أبو علي بعد ذلك إلا شهرين أو ثلاثة حتى مات.
توفي في محرم هذه السنة، ودفن في مقبرة باب الدير.
3190- الحسن [3] بن عثمان بن أحمد بن الحسن [4] بن سورة أبو عمر الواعظ المعروف بابن الفلو:
[5] .
ولد في ربيع الآخر سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، وسمع الحديث من جماعة، وكان يعظ وله بلاغة وفيه كرم.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي، وأخبرنا ابن ناصر أخبرنا ابن خيرون، قال: أخبرنا أحمد بن الحسن المعدل، قال: أنشدنا أبو عمر ابن الفلو لنفسه:
دخلت على السلطان في دار عزه ... بفقر ولم أجلب بخيل ولا رجل
__________
[1] بياض في الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 39) .
[3] بياض في ت.
[4] في ص، ت: «أحمد بن الحسين» .
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 362، والبداية والنهاية 12/ 39) .(15/250)
وقلت انظروا ما بين فقري وملككم ... بمقدار ما بين الولاية والعزل
توفي ليلة الأحد الرابع عشر من صفر في هذه السنة، وصلى عليه بجامع المدينة، ودفن بمقبرة باب حرب إلى جنب/ أبي الحسين بن السماك.
3191- الحسين [1] بن أحمد بن عثمان بن شيطا، أبو القاسم [2] البزاز:
سمع أبا بكر الشافعي، قال أبو بكر الخطيب: كتبت عنه، وكان ثقة، وتوفي في صفر هذه السنة.
3192- الحسين [3] بن عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الله، أبو عبد الله [4] العلاف:
أخبرنا القزاز، أَخْبَرَنَا [أبو بكر] [5] الخطيب، قَالَ: قال لنا الحسين [بن عمر] [6] :
ولدت في يوم الخميس الثالث من شوال سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، قال: وسمع أبا بكر الشافعي، ويحيى بن وصيف، وأحمد بن جعفر بن سلم، كتبنا عنه وكان ثقة، يسكن الجانب الشرقي في درب السقاءين قريبا من سوق السلاح، وتوفي في رجب هذه السنة.
3193- حمزة [7] بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن إبراهيم أبو القاسم الجرجاني
[8] :
روى الحديث الكثير توفي فِي هذه السنة.
3194- عَبْد اللَّهِ [9] بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان، أبو محمد الصيرفي وهو أخو أبي [10] علي:
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 15) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 83) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 3/ 1089) .
[9] بياض في ت.
[10] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 398) .(15/251)
سمع أبا بكر بن مالك القطيعي وغيره، وكان صدوقا توفي في شعبان هذه السنة، ودفن بمقبرة باب الدير.
3195- عمر [1] بن إبراهيم بن إسماعيل، أبو الفضل بن أبي سعد [2] الزاهد:
من أهل هراة، ولد سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، قدم بغداد فحدث بها عن أبي بكر الإسماعيلي، وأبي أحمد الغطريفي، قال الخطيب: كتبنا عنه وكان ثقة، وتوفي بهراة في هذه السنة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 273) .(15/252)
ثم دخلت سنة سبع وعشرين واربعمائة
[كبس العيارين دار بلوربك التركي]
فمن الحوادث [1] فيها:
أن العيارين كبسوا في المحرم دار بلوربك التركي بباب خراسان وأخذوا ما فيها.
ورد أبو محمد النسوي إلى باب البصرة لكشف العملة فأخذ هاشميا فقتله، فثار أهل الموضع ورفعوا المصاحف على القصب، ومضوا إلى دار الخلافة، وجرى خطب طويل.
وكانت قنطرة الشوك قد سقطت على نهر عيسى فبقيت مدة، فأمر الملك بعمارتها فتكامل عمارتها في المحرم، وكان أبو الحسين بن القدوري يشارف الإنفاق عليها.
وفي صفر: تقدم الخليفة بترك التعامل بالدنانير المغربية وأمر الشهود أن لا يشهدوا في كتاب ابتياع ولا إجازة ولا مداينة يذكر فيها هذا الصنف، فعدل الناس إلى القادرية والنيسابورية والقاشانية.
[دخول العيارون البلد في مائة رجل من الأكراد]
وفي ليلة الثلاثاء ثاني ربيع الآخر: دخل العيارون البلد في مائة رجل من الأكراد والأعراب والسواد فأحرقوا دار ابن النسوي، وفتحوا خانا، وأخذوا ما فيه، وخرجوا إلى الطريق والكارات على رءوسهم [2] .
[نقل أبو القاسم بن ماكولا وتسليمه إلى المرتضى]
وفي ربيع الآخر نقل أبو القاسم بن ماكولا الوزير بعد أن قبض عليه وسلم إلى المرتضى
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ل، ص: «وخرجوا والكارات على رءوسهم» .(15/253)
إلى دار المملكة فمرض ويئس منه، فروسل [1] الخليفة في معنى أخيه قاضي القضاة أبي عبد الله بن ماكولا، وقيل: هو يعرف أمواله فدافع عنه الخليفة وحامى وكادت الحال من الأتراك تشرف على أحد حالين [2] : إما تسليمه، وإما خرق لا يتلافى فكتب إلى الخليفة في حقه، فحرج في الجواب أنه لم يبق من أمرنا إلا هذا الناموس في حراسة من عندنا وهو لكم لا لنا، وهذا القاضي لم يتصرف تصرفا سلطانيا يلزمه فيه تبعة، ثم زاد الأمر في ذلك ورجع [3] الخليفة، فكتب إلى حاجب الحجاب/ رقعة قيل فيها قد زاد الأمر في إطراح مراقبتنا وإسقاط حشمتنا، وصار الأولى أن نغلق بابنا وندبر أمرنا بما نحرس به جاهنا، فأمسك عن المراجعة ثم إن الجند شغبوا على جلال الدولة، وقالوا: أن البلد لا يحتملنا وإياك فاخرج من بيننا فإنه أولى لك، فقال: كيف يمكنني الخروج على هذه الصورة أمهلوني ثلاثة أيام حتى آخذ حرمي وولدي وأمضي فقالوا لا نفعل ورموه بآجرة في صدره فتلقاها بيده وأخرى في كتفه فاستجاش الملك الحواشي والعوام، وكان المرتضى والزينبي والماوردي عند الملك فاستشارهم في العبور إلى الكرخ كما فعل في المرة الأولى، فقالوا: أليس الأمر كما كان وأحداث الموضع قد ذهبوا وحول الغلمان خيمهم إلى ما حول الدار إحاطة بها، وبات الناس على اصعب خطة، فخرج الملك نصف الليل إلى زقاق غامض، فنزل إلى دجلة فقعد في سميرية فيها بعض حواشيه فغرقوها تقديرا أنه فيها، ومضى الملك مستترا إلى دار المرتضى وبعث حرمه إلى دار الخليفة ونهب الجند دار المملكة وأبوابها وساجها، ورتبوا فيها حفظة فكانت الحفظة تخربها نهارا وتنقل ما اجتمع من ذلك ليلا، وراسل الجند الخليفة في قطع خطبة جلال الدولة فقيل لهم: سننظر، ثم خرج الملك إلى أوانا، ثم إلى كرخ سامرا، ثم خرجوا إليه واعتذروا، وصلحت الحال.
[ورود ظلمة طبقت البلد]
وفي جمادي الآخرة: وردت ظلمة طبقت البلد حتى لم يشاهد الرجل صاحبه الماشي بين يديه، / وأخذت بالأنفاس حتى لو تأخر انكشافها لهلك كثير من الناس.
__________
[1] في الأصل: «الى دار المملكة بعد أن مرض فروسل» .
[2] في الأصل: «تشرف على أحد أمرين» .
[3] في ل: «من ذلك ورجع الخليفة» .(15/254)
وفي ضحوة نهار يوم السبت لثمان بقين من رجب: انقض كوكب غلب ضوؤه على ضوء الشمس، وشوهد في آخره مثل التنين أزرق يضرب إلى السواد، وبقي نحو ساعة.
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
3196- الحسن [2] بن وهب بن موصلايا الكاتب [3] المجود:
توفي في هذه السنة.
3197- علي [4] أبو الحسن بن الحاكم، صاحب مصر الملقب بالظاهر لاعزاز دين [5] الله.
توفي يوم الأحد النصف من شعبان هذه السنة، وكان عمره ثلاثين سنة إلّا أشهرا، فكانت ولايته ست عشرة سنة وتسعة أشهر، وولى بعده ولده ولقب المستنصر باللَّه
[6] .
3198- محمد [7] بن إبراهيم بن أحمد، أبو بكر الأردستاني
[8] .
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: كان الأردستاني يسكن إصبهان، وكان رجلا صالحا يكثر السفر إلى مكة ويحج ماشيا، وحدث ببغداد عن الدار الدارقطني وغيره، وكان ثقة يفهم الحديث قال: وبلغنا أنه مات بهمذان في سنة سبع وعشرين وأربعمائة.
3199- محمد [9] بن الحسين [10] بن عبيد الله بن عمر بن حمدون، أبو يعلى الصيرفي المعروف بابن السراج
[11] :
ولد في سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وسمع أبا الفضل الزهري، وكان ثقة فهما يعلم القراءات [12] والنحو. وتوفي ليلة الجمعة الثامن والعشرين من ذي الحجة/ من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 427) .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 427) .
[6] في الأصل: «ولقب المنتصر باللَّه» .
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 417) .
[9] بياض في ت.
[10] في الأصل: «بن الحسن» .
[11] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 251) .
[12] في ص، ل: «فهما يعلم القرآن» .(15/255)
ثم دخلت سنة ثمان وعشرين واربعمائة
[1] فمن الحوادث فيها [2] :
[خلع الخليفة على أبي تمام محمد بن محمد الزينبي]
أن الخليفة خلع على أبي تمام محمد بن محمد بن علي الزينبي وقلده ما كان إلى أبيه أبي الحسن من نقابة العباسيين والصلاة.
[تجدد شغب من الجند على جلال الدولة]
ثم تجدد شغب من الجند على جلال الدولة، ثم آل الأمر في هذه السنة إلى أن قطعوا خطبته وخطبوا للملك كاليجار، ثم عادوا وخطبوا لهما ثم صلحت حال جلال الدولة وحلف الخليفة له وقبض على ابن ماكولا، ووزر أبو المعالي بن عبد الرحيم.
[ورود كتاب من فم الصلح]
وفي ربيع الآخر: ورد كتاب من فم الصلح ذكر فيه أن قوما من أهل الجبل [3] وردوا وحكوا أنهم مطروا مطرا كثيرا [4] في أثنائه سمك وزن بعضه رطل ورطلان.
[بعث صاحب مصر مالا لينفقه على نهر بالكوفة]
وكان صاحب مصر قد بعث مالا لينفقه على نهر بالكوفة فجاء أهل الكوفة يستأذنون الخليفة، فجمع الفقهاء لذلك في جمادي الآخرة، فقالوا: هذا مال من فيء المسلمين وصرفه في مصالحهم صواب فأذن في ذلك.
[ثورة جماعة من العيارين وكبسهم الحبس بالشرقية]
وفي ليلة السبت لتسع بقين من جمادي الآخرة: ثار جماعة من العيارين فكبسوا الحبس بالشرقية وقتلوا بضعة عشر نفسا من رجاله المعونة، ثم عادوا في ذي الحجة،
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في الأصل.
[3] في ل: «من أهل الجبيل» .
[4] في الأصل: «أنهم نظروا مطرا كثيرا» .(15/256)
فكثروا وأخذوا بغال السقاءين وثياب القصارين وانبسطوا انبساطا زائدا عن الحد.
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
3200- أحمد بن محمد [2] بن أحمد بن جعفر، أبو الحسن القدوري الفقيه [3] الحنفي:
ولد سنة اثنتين وستين وثلاثمائة.
أخبرنا القزاز، أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب، قَالَ: سمع القدوري من عبيد الله بن محمد الجوشي ولم يحدث إلا بشيء يسير كتبت عنه، وكان صدوقا، وكان ممن أنجب في الفقه لذكائه، وانتهت إليه بالعراق رياسة أصحاب أبي حنيفة، وارتفع جاهه وكان حسن العبارة في النظر، مديما لتلاوة القرآن، وتوفي يوم الأحد الخامس من رجب هذه السنة، ودفن من يومه في داره بدرب أبي خلف.
3201- الحسن [4] بن شهاب بن الحسن بن علي بن شهاب، أبو علي العكبراوي
[5] :
ولد بعكبرا في محرم سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، وسمع الحديث على كبر من أبي علي بن الصواف، وأبي علي الطوماري، وابن مالك القطيعي، وكان فقيها فاضلا يتفقه على مذهب أحمد، وكان يقرأ القراءات ويعرف الأدب، ويقول الشعر، قال البرقاني:
هو ثقة أمين.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت أخبرنا عيسى بن أحمد الهمذاني قال: قال لي أبو علي بن شهاب يوما: أرني خطك فقد ذكر لي أنك سريع الكتابة فنظر فيه فلم يرضه، وقال لي: كسبت في الوراقة خمسة وعشرين ألف درهم راضية، وكنت أشتري كاغدا بخمسة دراهم فأكتب فيه ديوان المتنبي في ثلاث ليال وأبيعه بمائتي درهم وأقله/ بمائة وخمسين درهما، قال ابن ثابت: وسمعت الأزهري يقول: أخذ السلطان
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 40) .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 329، والبداية والنهاية 12/ 40، 41) .(15/257)
من تركة بن شهاب ما قدره ألف دينار سوى ما خلفه من الكروم والعقار، وكان أوصى بثلث ماله لمتفقهة الحنابلة فلم يعطوا شيئا، توفي في ليلة النصف من رجب هذه السنة.
3202- الحسين بن علي [1] بن الحسين بن إبراهيم بن بطحا، أبو عبد الله التميمي المحتسب
[2] :
سمع أبا بكر الشافعي، وكان ثقة، سكن شارع باب الرقيق، وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة.
3203- عثمان بن محمد بن يوسف بن دوست، أبو عمرو [3] العلاف:
هو أخو عبد الله [4] ، وكان الأصغر، ولد سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، وسمع النجاد، وكان صدوقا توفي في صفر هذه السنة.
3204- لطف الله [5] بن أحمد بن عيسى أبو الفضل [6] الهاشمي:
كان ذا لسان وولى القضاء والخطابة، وسكن بدر زنجان [7] وأضر، وكان يروى حكايات وأناشيد من حفظه.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: أنشدنا لطف الله بن أحمد، قال: أنشدنا أبو الحسن عمر بن أحمد النوقاتي السجزي [8] لنفسه:
وإني لأعرف كيف الحقوق ... وكيف يبر الصديق الصديق
وكم من جواد وساعي الخطى ... يقصر عنه خطاه مضيق
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 77) .
[3] هذه الترجمة ساقطة من ت.
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 314) .
[4] في الأصل: «أخو عبيد الله» .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 13/ 19، والبداية والنهاية 12/ 41) .
[7] في ص: «وسكن درب ريحان» .
[8] في ص: «بن أحمد النوقاتي الشجري» .(15/258)
ورحب فؤاد الفتى محنة ... عليه إذا كان في الحال ضيق
/ توفي لطف الله في هذه السنة.
3205- مُحَمَّد [1] بن أَحْمَد بن محمد بن أبي موسى [واسم أبي موسى [2] عيسى] بن أحمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب، أبو علي الهاشمي القاضي
[3] :
ولد في ذي القعدة سنة خمس وأربعين، وسمع محمد بن المظفر، وأبا الحسين بن سمعون، وكان ثقة، وهو أحد فقهاء أصحاب أحمد بن حنبل، وكان يدرس ويفتي وله تصانيف [4] على مذهب أحمد، قال أبو علي: ضاق بي الأمر مرة قبعت، جلا داري وإذا رجل قد دخل علي فأنشد:
ليس من شدة تصيبك إلا ... سوف تمضي وسوف تكشف كشفا
لا يضق ذرعك الرحيب فإن ... النار يعلو لهيبها ثم تطفا
قال التميمي: دخلت على أبي علي في مرضه، فقال لي: اسمع مني الاعتقاد ولا تشك في عقلي، فما رأيت الملكين بعد. وتوفي [يوم الأحد [5] الثالث] من ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن بباب حرب.
3206- محمد بن الحسن بن أحمد [بن محمد] [6] بن موسى، أبو الحسين الأهوازي ويعرف بابن أبي علي الأصبهاني
[7] :
ولد في سنة خمس وأربعين وثلاثمائة، وقدم إلى بغداد من الأهواز، وخرج له أبو الحسن النعيمي أجزاء من حديثه، وسمع منه البرقاني إلّا أنه بان كذبه.
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 354) .
[4] «وله تصانيف» : ساقطة ل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 218، والبداية والنهاية 12/ 41) .(15/259)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، حدثنا أبو الوليد الحسن بن محمد الدربندي، قَالَ: سمعت أبا نصر أحمد بن علي بن عبدوس، يقول:
كنا نسمي ابن أبي علي الإصبهاني جراب الكذب.
أقام الأهوازي ببغداد سبع سنين ثم خرج إلى الأهواز، ووصل الخبر بوفاته في هذه السنة.
3207- محمد [1] بن علي، أبو الحسن الزينبي نقيب العباسيين
[2] :
توفي بداء الصرع في هذه السنة، وقلد ابنه أبو تمام ما كان إليه.
3208- مهيار [3] بن مرزويه، / أبو الحسن الكاتب الفارسي
[4] :
كان مجوسيا فأسلم سنة أربع وتسعين وثلاثمائة وصار رافضيا غاليا، وفي شعره لطف إلا أنه يذكر الصحابة بما لا يصلح.
قال له أبو القاسم ابن برهان: يا مهيار انتقلت بإسلامك في النار من زاوية إلى زاوية، قال: وكيف ذاك؟ قال: لأنك كنت مجوسيا فأسلمت فصرت تسب الصحابة.
وكان منزله بدرب رياح بالكرخ، وكانت امرأة تخدمه فكنست الغرفة فوجدت خيطا فإذا هو خيط هميان فيه مال وكان قد نزل الدار قوم من الخراسانية الحاج فأخبرته فلم يتغير، وقال لها: قد تعبت حتى خبأته فلماذا نبشته، وكان فيه ألفا دينار وسعى به إلى جلال الدولة فقبض عليه ثم أطلقه.
ومن مستحسن شعره قوله:
أستنجد الصبر فيكم وهو مغلوب ... وأسأل النوم عنكم وهو مسلوب
وأبتغي عندكم قلبا سمعت به ... وكيف يرجع شيء وهو موهوب
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 428) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 13/ 276، والكامل 8/ 224، والبداية والنهاية 12/ 41) .(15/260)
[ومنها] [1] :
ما كنت أعرف ما مقدار وصلكم ... حتى هجرتم وبعض الهجر تأديب
وله:
أجيراننا بالغور والركب متهم ... أيعلم حال كيف بات المتيم
رحلتم وعمر الليل فينا وفيكم ... سواء ولكن ساهرون ونوّم
تناءيتم من ظاعنين وخلفوا ... قلوبا أبت أن تعرف الصبر عنكم
/ ولما جلا التوديع عما حذرته ... ولم يبق إلا نظرة تتغنم
بكيت على الوادي فحرمت ماءه ... وكيف يحل الماء أكثره دم
ولما رأيت شعره مستحسنا كله اقتصرت على ما ذكرت.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
3209- هبة الله [2] بن الحسن، أبو الحسين المعروف بالحاجب
[3] .
كان من أهل الفضل والأدب والتدين، وله شعر مستحسن:
أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] [4] القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
أنشدني أبو الحسين الحاجب لنفسه:
يا ليلة سلك الزمان ... بطيبها في كل مسلك
إذ ارتعى روض المسرة ... مدركا ما ليس يدرك
والبدر قد فضح الظلام ... فستره فيه مهتك
وكأنما زهر النجوم ... بلمعها شعل تحرك
والغيم أحيانا يلوح ... كأنه ثوب ممسك
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 70، والكامل 8/ 225، والبداية والنهاية 12/ 42) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/261)
وكأن تجعيد الرياح ... لدجلة ثوب مفرك
وكان نشر المسك ينفح ... في النسيم إذا تحرك
وكأنما المنثور مصفر ... الذرى ذهب مشبك
والنور يبسم في الرياض ... فإن نظرت إليه سرك
شارطت نفسي أن أقوم ... بحقها والشرط أملك
حتى تولى الليل منهزما ... وجاء الصبح يضحك
/ واه الفتى لو أنه ... في ظل طيب العيش يترك
والمرء يحسب عمره ... فإذا أتاه الشيب فذلك
توفي هبة الله فجأة في رمضان هذه السنة رحمه الله. [1]
__________
[1] من هنا ساقط من ت حتى أحداث سنة 443، وسننبه على نهاية السقط.(15/262)
ثم دخلت سنة تسع وعشرين وأربعمائة
[ورود الكتاب من عكبرا أن أهلها اجتمعوا ليلة الميلاد لإشعال النار على عادتهم]
فمن الحوادث فيها:
أنه ورد الكتاب من عكبرا بأن قوما من أهلها اجتمعوا [في] [1] ليلة الميلاد لإشعال النار على عادتهم في ذلك، وصعدت طائفة منهم إلى روشن في المكان وتكاثروا عليه فسقط على الباقين فمات ثلاثة وأربعون نفسا منهم ست نسوة إحداهن حبلى.
وفي يوم الجمعة التاسع من جمادي الأولى: حضر أبو الحسن ابن القزويني الزاهد الجامع والخطيب على المنبر فاختلط الناس بين آت معه وناهض لتلقيه ومتشوق إلى رؤيته، ووقع الصياح فظن قوم أنه للصلاة، فقاموا ووقفوا طويلا إلى أن عرفوا الحال، فجلسوا وقعد القزويني عند المنبر، فلما قضيت الصلاة وضع منبر من وراء الشباك دون المقصورة، فوقف عليه ابن المذهب الواعظ فحمد الله وأثنى عليه وقرأ أحاديث الرؤية: «أنكم ترون ربكم» . فناداه ابن التميمي الواعظ! اذكر في كل باب حديثا، فلم يلتفت إلى قوله، فقام التميمي فتخطى رقاب الناس وصعد على المنبر وأخذ الكتاب من يده، وقرأ أحاديث الصفات ثم التفت إلى ابن القزويني فقال: أن رأى الشيخ الزاهد أن يقول قولا تسمعه الجماعة فيروونه عنه. / فقال: بلغهم عني أن القرآن كلام الله، وأن الجدال بدعة، والمتكلمين على ضلالة فذكر نحو هذا.
[حلف جلال الدولة للملك أبي كاليجار]
وفي رجب حلف جلال الدولة للملك أبي كاليجار، وحلف له أيضا أن لا يجري من أحدهما ما يؤذي الآخر.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/263)
[جمع الأشراف والقضاة والفقهاء والشهود]
وفي سلخ رجب: جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء والوجوه إلى بيت النوبة، واستدعى جاثليق النصارى ورأس جالوت اليهود، وخرج توقيع الخليفة في أمر العيار وإلزام أهل الذمة إياه، وكان في التوقيع: «بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فإن الله تعالى بعزته التي لا تحاول وقدرته التي لا تطاول اختار الإسلام دينا وارتضاه وشرفه [وأعلاه] [1] وبعث به محمدا واجتباه وأذل من ناواه، فقال تعالى: وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَالله عَزِيزٌ حَكِيمٌ 9: 40 [2] وقال: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ 9: 33 [3] وأمير المؤمنين يرى أن من أقرب الوسائل إلى الله به بقاء [4] ما كان حافظا للشرع ومجددا لمعالمه وقد كان الخلفاء الراشدون [فرضوا] [5] على أهل الذمة المعاهدين حدودا معقودة على الاستشعار والإخبات والاستكانة، والتفرد عن المسلمين إعظاما للإسلام وأهله ولما تطرق على هذه السنة الإغفال واستمر فيها الإهمال اطرحت هذه الطائفة دواعي الاحتراس، وتشبهت بالمسلمين في زيهم، فرأى أمير المؤمنين الإيعاز إلى جميع أهل الذمة بتغيير اللباس الظاهر مما يعرفون به عند المشاهدة، فليعلم ذلك من رأى أمير المؤمنين» فقالوا: السمع والطاعة.
[الزيادة في ألقاب جلال الدولة]
وفي رمضان: استقر أن يزاد في ألقاب جلال الدولة شاهنشاه الأعظم ملك الملوك، فأمر الخليفة بذلك فخطب له به فنفر العامة ورموا الخطباء/ بالآجر، ووقعت فتنة، وكتب إلى الفقهاء في ذلك، فكتب أبو عبد الله الصيمري الحنفي أن هذه الأسماء يعتبر فيها القصد والنية، وقد قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً 2: 247 [6] وقال تعالى: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ 18: 79 [7] وإذا كان في الأرض [8] طول جاز أن يكون بعضهم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] سورة: التوبة، الآية: 40.
[3] سورة: التوبة، الآية: 33، وغيرها.
[4] في ص، والأصل: «إلى الله تقي» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] سورة: البقرة، الآية: 427.
[7] سورة: الكهف، الآية: 79.
[8] في ص: «وإذا كان في الأصل طول» .(15/264)
فوق بعض لتفاضلهم في القوة والإمكان وجائز أن يكون بعضهم أعظم من بعض، وليس في ما يوجب التكبر ولا المماثلة بين الخالق والمخلوقين.
وكتب أبو الطيب الطبري أن إطلاق ملك الملوك [1] جائز ويكون معناه ملك ملوك الأرض فإذا جاز أن يقال كافي الكفاة وقاضي القضاة جاز ملك الملوك فإذا كان في اللفظ ما يدل على أن المراد به ملوك الأرض زالت الشبهة، وفيه قولهم: اللَّهمّ أصلح الملك فينصرف الكلام إلى المخلوقين.
وكتب التميمي نحو ذلك، وقد حكي عن قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي أنه كتب قريبا من ذلك، وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني المؤرخ أن الماوردي منع من جواز ذلك، وكان مختصا بخدمة جلال الدولة، فلما امتنع عن الكتابة انقطع عن خدمته، واستدعاه جلال الدولة بكرة يوم العيد، فمضى على وجل شديد يتوقع المكروه، فلما دخل على الملك قال له: أنا أتحقق أنك لو حابيت أحدا لحابيتني لما بيني وبينك مع كونك أكثر الفقهاء مالا وأوفاهم جاها وحالا [2] وما حملك على مخالفتي إلا الدين، وقد قربك ذلك مني وزاد محلك في قلبي، وقدمتك على نظائرك عندي.
قال/ المصنف: الذي ذكره الأكثرون في جواز أن يقال ملك الملوك هو القياس إذا قصد به ملوك الدنيا إلا أني لا أرى إلا ما رآه الماوردي، لأنه قد صح في الحديث ما يدل على المنع، ولكن الفقهاء المتأخرين عن النقل بمعزل.
خبرنا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الأَمْلاكِ» . قال أحمد: سألت أبا عمر والشيبانيّ عَنْ أَخْنَعَ، فَقَالَ: أَوْضَعُ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ كِلاهُمَا، عن سفيان، وقال سفيان: هو [3] مثل شاهنشاه.
__________
[1] في ص: «اطلاق ملك الملوك» .
[2] في الأصل: «جاها ومالا» .
[3] انظر الحديث في: (صحيح البخاري 8/ 56، والسنن الكبرى 9/ 307، وسنن الترمذي 2837، ومسند أحمد بن حنبل 2/ 244.(15/265)
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ رَجُلٌ يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ، لا مَلِكَ إِلا اللَّهُ» [1] .
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ [2] : حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْخَلاسِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ قَتَلَهُ نَبِيُّهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ تَسَمَّى بِمَلِكِ الأَمْلاكِ، لا مَلِكَ إِلا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى [3] » .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3210- إسحاق بْن إبراهيم بْن مخلد بْن جعفر بن مخلد بن سهل، أبو الفضل/ المعروف بابن الباقرحي
[4] :
ولد سنة خمس وستين وثلاثمائة.
توفي في ربيع الآخر من هذه السنة، وكان صدوقا.
3211- الحسين [5] بن أحمد [6] بن سفيان، أبو علي العطار
[7] :
قال الخطيب كتبت عنه، وكان صدوقا، وتوفي في هذه السنة.
3212- علي بن الحسين بن مكرم، أبو القاسم صاحب عثمان:
توفي في هذه السنة وقام ابنه مقامه.
3213- محمد بن عمر بن الأخضر الداودي
[8] :
ولد سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، وكان ثقة كثير السماع يفهم الحديث، توفي في شوال هذه السنة.
__________
[1] انظر الحديث في: (صحيح مسلم، الأدب 21، ومسند أحمد بن حنبل 2/ 315) .
[2] «قال» : ساقطة من ل.
[3] انظر الحديث في: (المستدرك 4/ 275، ودلائل النبوة للبيهقي 3/ 283) .
[4] في الأصل: «المعروف بابن التامرجي» .
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 404) .
[5] في ص: «الحسن بن أحمد» .
[6] في الأصل: «ابن رمضان أبو علي العطار» . انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 16) .
[7] في ل: «صاحب عمان» . انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 16) .
[8] في الأصل: «ابن خضر» . وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 38) .(15/266)
ثم دخلت سنة ثلاثين وأربعمائة
[سقوط ثلج بجانبي مدينة السلام]
فمن الحوادث فيها:
أنه في ليلة الثلاثاء لست بقين من ربيع الآخر سقط ثلج بجانبي مدينة السلام من وقت العتمة إلى نصف الليل، وعلا على وجه الأرض قدر شبر، فرماه الناس من سطوحهم بالرفوش [1] ، وبقي أياما في الدروب.
وفي جمادي الآخرة ملك سلجوق خراسان والجبل، وهرب مسعود بن محمود بن سبكتكين، وأخذوا الدولة واستولى طغرل بك أبو طالب محمد وأخوه داود ونيروز أولاد ميكائيل على البلاد، وتقسموا الأطراف.
وفي يوم الثلاثاء لتسع بقين من جمادي الآخرة، وكان العشرين من أذار: وافي حر شديد كأشد ما يكون في حزيران وتموز، فلما كان يوم الثلاثاء والأربعاء بعدهما جاء برد شديد جمد منه الماء.
وفي يوم الخميس من شعبان: جلس الخليفة، وخلع على قاضي القضاة أبي عبد الله الحسين بن [علي [2] بن] ماكولا خلع التشريف قريبا مما طرقه من المصيبة بالوزير أبي القاسم أخيه، / وقرئ توقيع جميل في أمره.
__________
[1] في الأصل: «من سطوحهم بالفوس» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/267)
وفي يوم السبت النصف من هذا الشهر: قبل قاضي القضاة [أبو عبيد [1] الله] شهادة أبي محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي.
وفي هذه السنة: خوطب أبو منصور ابن جلال الدولة بالملك العزيز، وكان مقيما بواسط وبه انقرض ملك بني بويه.
ولم يحج الناس في هذه السنة من خراسان والعراق ومصر والشام كثير أحد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3214- أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق، أبو نعيم الإصبهاني [2] الحافظ:
سمع الكثير وصنف الكثير وكان يميل إلى مذهب الأشعري ميلا كثيرا.
أنبأنا محمد بن ناصر، أنبأنا أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب ابن منده، قال: سمعت أن أبا بكر أحمد بن علي بن ثابت كان يقول: كان أبو نعيم يخلط المسموع له بالمجاز ولا يوضح أحدهما من الآخر، قال أبو زكريا: وسمعت أبا الحسين القاضي يقول:
سمعت عبد العزيز النخشبي يقول: لم يسمع أبو نعيم مسند الحارث بتمامه من أبي بكر ابن خلاد فحدث به كله.
توفي أبو نعيم في ثاني عشر محرم من هذه السنة.
3215- الحسن بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن، أبو محمد المعدل المعروف بابن المسلمة
[3] :
ولد في سنة تسع وستين وثلاثمائة، وحدث عن محمد بن المظفر. وكان صدوقا ينزل درب سليم من الجانب الشرقي توفي في صفر هذه السنة.
3216- الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن حمزة، أبو علي الخطيب البلخي
[4] :
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 232، والبداية والنهاية 12/ 45) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 280) .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 280) .(15/268)
ولد سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، وحدث ببغداد، وكان صدوقا توفي ببلخ في هذه السنة.
3217- الحسن بن جعفر، / أبو الفتوح العلوي أمير مكة.
[1] توفي في هذه السنة.
3218- الحسن بن الحسين، أبو علي الرخجي
[2] :
وزر لمشرف الدولة أبي علي بن بهاء الدولة سنتين ثم عزل وكان في زمان عطلته عظيم الجاه، وتوفي في هذه السنة وقد قارب الثمانين، وكان قد قيل أن واسط خالية عن مارستان وهي مصر من الأمصار الكبار، وتجاورها البطائح وأعمالها، فاختار موضعا فجعله مارستانا وانفق عليه جملة وافرة وفتح في سنة ثلاث عشرة وحملت إليه الأدوية ورتب له الخزان والأطباء ووقف عليه الوقوف وتولى إثارة أموال فخر الملك أبي غالب [3] من غير ضرب بعصا فاستخرجها بألطف شيء، وكان فخر الدولة [4] قد أودع أقواما ولحن باسمائهم وكنى عن ألقابهم فكان فيها عند الكوسج اللحياني عشرون ألف دينار وعند بسرة بقمعها ثلاثون ألف دينار فلم يعرف من هذان فدخل عليه رجل كان يتطايب لفخر الملك ويأنس به وكان يلقبه الكوسج اللحياني لكثافة الشعر في أحد عارضيه وخفته في الآخر فدخل إلى الرخجي متظلما من جار له متقربا إليه بخدمة فخر الملك فقال له يا مولانا أنه كان يطلعني فخر الملك على أسراره ويلقبني بالكوسج اللحياني فقال لأصحابه لا تفارقوه إلا بعشرين ألف دينار وتهدده بالعقوبة فحملها بختومها ثم تفكر في قوله عند بسرة بقمعها فقال هو الصابئ فأحضر هلال بن المحسن فخاطبه سرا وكان هذا أحد كتاب فخر الملك فلم ينكر فقال له قم أيها الرئيس آمنا ولا تظهر/ هذا الحديث لأحد وأنفق المال على نفسك وولدك ثم حضر ابن الصابئ على أبي سعد بن عبد الرحيم في وزارته فقال له قد عرفت ما دار بينك وبين الرخجي وأنت تعلم حاجتي
__________
[1] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 429) .
[2] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 429) .
[3] في ص: «فخر الدولة» ، وما أوردناه من الأصل.
[4] هكذا في الأصول.(15/269)
إلى الحبة الواحدة وتاولي على من لا معاملة بيني وبينه ولا يسبقني الرخجي إلى مكرمة وما كنت لأنكب مثلك والصواب أن تشتغل بتاريخ أخبار الناس فاشتغل ابن الصابئ من ذلك الوقت بتاريخه الذي ذيله على تاريخ سنان فاستخدمه الملوك فلم يحتج إلى إنفاق شيء من المال وخلف ولده أبا الحسن غرس النعمة وخلف له أملاكا نفيسة على نهر عيسى وانفق مقتصدا في النفقة وعمر الأملاك ولم يطلع أحد من أولاده على حاله [1] وظن أولاده أن تركته تقارب الألف دينار فوجدوا له تذكرة تشتمل على دفائن في داره فحفروها فكانت اثنى عشر ألف دينار وكان ما خلفه من القماش وغيره لا يبلغ خمسين دينارا وأنفق أولاده التركة في أسرع زمان.
3219- الحسين بن محمد بن الحسن بن علي، أبو عبد الله المؤدب
[2] :
وهو أخو أبي محمد الخلال سمع أبا حفص بن الزيات وأبا الحسن بن البواب [3] وسافر إلى خراسان فسمع صحيح البخاري من إسماعيل بن محمد بن حاجب الكشميهيني وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
3220- عبيد الله بن منصور بن علي بن حبيش، أبو القاسم المقرئ المعروف بالغزال من أهل الحربية
[4] :
أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب أنه كان شيخا صالحا ثقة ظاهر الخشوع كثير البكاء عند الذكر واقعد في/ آخر عمره سألته عن مولده فقال سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وتوفي في صفر هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
3221- عبد الملك بن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ بن محمد بن بشر بن مهران، أبو القاسم الواعظ
[5] :
ولد في شوال سنة تسع وثلاثين وسمع النجاد ودعلج بن أحمد والآجري وغيرهم
__________
[1] في ص: «أحد أولاده على ذلك» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 108، البداية والنهاية 12/ 45) .
[3] في الأصل: «وأبا الحسين بن البواب» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 383) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 432، والبداية والنهاية 12/ 46) .(15/270)
وكان يسكن درب الديوان من الجانب الشرقي بالقرب من جامع المهدي وكان صدوقا ثبتا وكان يشهد عند الحكام قديما ثم ترك الشهادة رغبة عنها وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة وصلى عليه بجامع الرصافة وكان الجمع يفوت الإحصاء ودفن في مقبرة المالكية إلى جانب أبي طالب المكي وصية منه بذلك.
3222- محمد بن الحسين بن خلف بن الفراء، أبو خازم القاضي أبي يعلى
[1] :
سمع أبا الفضل الزهري وعلي بن عمر السكري وأبا عمر بن حيويه والدار الدّارقطنيّ وابن شاهين وغيرهم.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن علي بن ثابت قال كتبنا عن أبي خازم وكان لا بأس به رأيت له أصولا سماعه فيها ثم بلغنا عنه أنه خلط في التحديث بمصر واشترى من الوراقين صحفا فروى منها وكان يذهب إلى الاعتزال ومات بتنيس في يوم الخميس سابع عشر محرم هذه السنة.
3223- محمد بن الحسين بن علي بن حمدون، أبو الحسن اليعقوبي
[2] :
حدث عن أبي القاسم ابن الصيدلاني وولي القضاء ببعقوبا والحسبة ببغداد وكان ثقة وقتله أبو الشوك [3] أمير الأكراد في ربيع الأول من هذه السنة.
3224- مُحَمَّد بن عبيد الله أبو بكر الدينَوَريّ [4] [الزاهد.
و] [5] كان يسكن بغداد ناحية الرصافة وكان حسن العيش وكان أبو الحسن القزويني يقول عبر الدينَوَريّ قنطره/ خلف من بعده وراءه وكان السلطان جلال الدولة يأتيه فيزوره وسأله يوما في ضريبة الملح كانت كل سنة ألفي دينار فتركها السلطان توفي في ليلة الأحد لسبع بقين من شعبان هذه السنة [6] واجتمع الناس من أقطار البلد وصلي
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 46) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 252) .
[3] في ص: «وقتله ابن الشوك» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 46) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «من شعبان هذه السنة» .(15/271)
عليه في جامع الرصافة ثم حمل إلى جامع المدينة صلي عليه ثم جامع الحربية أيضا ودفن في مقبرة باب حرب.
3225- هبة الله بن علي بن جعفر، أبو القاسم ابن ماكولا
[1] :
وزر لجلال الدولة أبي طاهر مرارا وكان حافظا للقرآن عارفا بالشعر والأخبار وخنق بهيت في جمادي الآخرة من هذه السنة.
3226- الفضل بن منصور بن الظريف أبو الرضا
[2] :
أخبرنا محمد بن ناصر عن أبي زكريا التبريزي قال أنشدني أبو العلاء المعري لابن الظريف.
يا قالة الشعر قد نصحت لكم ... ولست أدهى إلا من النصح
قد ذهب الدهر بالكرام وفي ... ذاك أمور طويلة الشرح
وتطلبون النوال من رجل ... قد طبعت نفسه على الشح
وأنتم تمدحون [3] بالحسن و ... الظرف وجوها في غاية القبح
وأنتم تمدحون بالجود [4] و ... البذل لئاما في غاية الشح
من أجل ذا تحرمون رزقكم ... لأنكم تكذبون في المدح
صونوا القوافي فما أرى أحدا ... يغتر فيه الرجاء بالنجح
/ فإن شككتم فيما أقول لكم ... فكذبوني بواحد سمح
ويروى لابن الظريف.
ومخطف الخصر مطبوع على صلف ... عشقته ودواعي البين تعشقه
فكيف أطمع منه في مواصلة ... وكل يوم لنا شمل يفرقه
وقد تسامح قلبي في مساعدتي ... على السلو ولكن من يصدقه
أهابه وهو طلق الوجه مبتسم ... فكيف يطمعني في السيف رونقه
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 46) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 46) .
[3] في ص: «وأنتم تحمدون» .
[4] في ص: «وأنتم تحمدون بالجود» . وفي الأصل: «وأنتم تمدحون بالحسن» .(15/272)
ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين واربعمائة
[زيادة دجلة ستة عشر ذراعا]
فمن الحوادث فيها:
أن دجلة زادت في يوم وليلة ستة عشر ذراعا وحملت الجسر قطعة واحدة ومن كان عليه.
[شغب الأتراك]
وفي ذي القعدة: شغب الأتراك وخرجوا بالخيم إلى شاطئ دجلة واجتمعوا وتفاوضوا في الشكوى من تأخر الأقساط عليهم وإمتناع الأقوات على كثير منهم ووقوع الاستيلاء على إقطاعاتهم فعرف السلطان هذا فكاتب دبيس بن علي بن مزيد وأبا الفتح بن ورام وأبا الفوارس بن سعدي للاستظهار بهم في أمر أن غلب وكتب إلى الغلمان رقعة يستعلم السبب/ فيما فعلوا ويقول فيها قد كان الأولى الاجتماع في دارنا ومطالعتنا بما تشكونه. [1] فأعرضوا عن قراءة الرقعة وتفاوضوا فيما يؤكد الفساد وقالوا نريد أن يتوسط أمرنا الخليفة ثم كمن قوم منهم تحت دار المملكة فنزل قوم وثاوروهم [وقتلوا بعضهم] [2] وأفلت قوم وألقى وألقى آخرون أنفسهم في دجلة وركب جماعة منهم في ذي الحجة على أن يحيطوا بدار المملكة ويحاصرون من فيها وعبر السلطان فانزعج الناس وبذل لهم السلطان شيئا معروفا وقال! إن قنعتم بما بذلنا وإلا فاعطونا قدر ما نحتاج إليه لمؤونتنا وتسلموا جميع المعاملات والا اعتزلناكم وعملتم [3] ما تريدون.
__________
[1] في الأصل: «دارنا وتطالعونا» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص: «وإلا اعتزلناكم وقلتم» .(15/273)
فقالوا أقوالا لا ترجع إلى محصول وزادت البلوى بنهب النواحي فغلا السعر وصار الناس لا يستطيعون الورود من المحول والياسرية والخروج إليها إلا بخفير يأخذ من الماشي دانقين ومن الراكب الحمار أربعة دوانيق وأحرقت عدة دواليب وجرى على السواد في جانبي بغداد من النهب والاجتياح وأخذ العوامل والمواشي ما درسه حتى أن الخطيب صلى يوم الجمعة يوم عيد الأضحى ببراثا وليس وراءه إلا ثلاثة نفر ونودي في جمعة أخرى! من أراد الصلاة بجامع براثا فثلاثة أنفس بدرهم خفارة وخرج الملك أبو طاهر لزيارة المشهدين بالحائر [1] والكوفة ومعه أولاده والوزير كمال الملك وجماعة من الأتراك والأتباع فبدأ بالحائر [2] ومشى حافيا من القبر إلى المشهد [3] وزار الكوفة فمشى [حافيا] [4] من الخندق إلى المشهد فقدر ذلك فرسخ.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3227- إسماعيل بن أحمد بن عبد الله، أبو عبد الرحمن الضرير [5] الحيريّ
من أهل نيسابور! ولد في رجب سنة إحدى وستين وثلاثمائة وقدم إلى بغداد حاجا سنة ثلاث وعشرين واربعمائة وحدث عن جماعة وكان فاضلا عالما عارفا فهما ذا أمانة وحذق وديانة وحسن خلق وقرأ عليه الخطيب ببغداد صحيح البخاري بروايته عن أبي الهيثم الكشميهني عن الفربري في ثلاثة مجالس.
3228- بشرى بن مسيس: [6]
أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال! بشرى بن مسيس أبو الحسن الرومي [7] مولى
__________
[1] في الأصل: «لزيارة المشهد بالحر» .
[2] في الأصل: «فبدأ بالحر» .
[3] في الأصل: «من القبر إلى العلقميّ» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 313، والبداية والنهاية 12/ 47) .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 135) .
[7] «الرومي» : ساقطة من ل.(15/274)
فاتن مولى المطيع للَّه كان يذكر أنه اسر من بلاد الروم وهو كبير، قال! وأهداني بعض أمراء بني حمدان الفاتن فعلمني وادبني وأسمعني الحديث وكان يروى عن محمد بن جعفر بن الهيثم الأنباري ومحمد بن بدر الحمامي ومحمد بن حميد المخرمي وعمر بن محمد الترمذي وسعد بن محمد الصيرفي وأبي بكر بن مالك القطيعي وأحمد بن جعفر بن سلم الختلي وغيرهم من البغداديين والغرباء كتبنا عنه وكان صدوقا صالحا دينا وحدثني أن أباه ورد بغداد سرا ليتلطف في أخذه ورده إلى بلاد الروم فلما رآني على تلك الصفة من الاشتغال بالعلم والمثابرة على لقاء الشيوخ علم ثبوت الإسلام في قلبي ويئس مني فانصرف وكان بشرى ينزل الجانب الشرقي في حريم الخلافة بالقرب من الباب النوبي ومات في يوم عيد الفطر من/ سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة وكان يوم سبت.
3229- الحسن بن الحسين بن العباس، أبو علي المعروف بابن دوما
[1] :
سمع أبا بكر الشافعي وخلقا كثيرا وأكثر من السماع وذكر الخطيب أنه الحق سماعه في جزء قال المصنف رحمه الله ومن الجائز أن يكون قد عارضه بأصل فيه سماعه. توفي في هذه السنة.
3230- عبد الغالب بن جعفر بن الحسن، أبو معاذ الضراب
[2] :
سمع ابن شاهين والكتاني قال الخطيب كتبت عنه وكان عبدا صالحا صدوقا.
توفي في شعبان هذه السنة.
3231- محمد بن أحمد بن عبد الله بن إبراهيم، أبو الحسن الجواليقي [3] .
مولى بني تميم من أهل الكوفة. سمع إبراهيم بن عبد الله بن أبي العزائم وجعفر بن محمد الأحمسي وخلقا كثيرا وقدم بغداد وحدث بها وكان ثقة وتوفي بمصر في هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 300) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 140) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 314) .(15/275)
3232- محمد بن علي بن أحمد بن يعقوب بن مروان، أبو العلاء الواسطي
[1] .
ولد في صفر سنة تسع وأربعين وثلاثمائة أصله من فم الصلح ونشأ بواسط وحفظ بها القرآن وقرأ على شيوخها وكتب بها الحديث ثم قدم بغداد فسمع ورحل إلى الكوفة والدينور ثم عاد واستوطن بغداد وقبلت شهادته عند الحكام ورد إليه القضاء بالحريم من شرقي بغداد بالكوفة وغيرها من شقي الفرات وكان قد جمع الكثير من الحديث وقد قدح في روايته القراءات جماعة من القراء وفي روايته الحديث جماعة من المحدثين. توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن في داره، رحمة الله تعالى عليه.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 95، والبداية والنهاية 12/ 47) .(15/276)
ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن الغز نزلوا الري وانصرف مسعود بن محمود بن [1] سبكتكين إلى غزنة وعاد طغرل بك إلى نيسابور واستولت الغز على جميع خراسان وظهر من خرقهم الهيبة واطراحهم الحشمة وقتلهم الناس ما خرج عن الحد وقصدوا خلقا كثيرا من الكتاب وغيرهم فقتلوا منهم وصانعهم بعضهم.
وفي يوم الأربعاء لثمان خلون من جمادي الأولى: تجددت [2] الفتن ووقع القتال بين أهل الكرخ وباب البصرة على القنطرتين واستمر ذلك وقتل في أثنائه جماعة وكان السبب انخراق الهيبة وقلة الأعوان.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3233- الحسن بن عبد الله، [بن محمد] [3] بن الحسين، أبو علي المقرئ الصفار.
[4] .
__________
[1] في الأصل: «وانصرف محمود بن مسعود» .
[2] في الأصل: «من جمادى الآخرة» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] الصفار: يقال لمن يبيع الأواني الصّفرية: «الصّفّار» (الأنساب 8/ 74) .(15/277)
سمع من ابن مالك القطيعي وغيره وكان ثقة يسكن نهر القلائين توفي في ربيع الأول من هذه السنة [ودفن في مقبرة باب حرب] .
3234- صاعد بن محمد، أبو العلاء النيسابوري ثم الاستوائي
[1] :
من أهل استواء وهي قرية من [رستاق] [2] نيسابور. سمع الحديث بنيسابور وولى قضاءها ثم عزل وكان عالما فاضلا صدوقا انتهت إليه رياسة أصحاب الرأي بخراسان وتوفي في هذه السنة.
3235- محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن إسحاق، أبو المظفر القرينيني وقرينين ناحية من نواحي مرو
[3] :
سكن بغداد وحدث بها عن المخلص وغيره وكان صدوقا ثقة يذهب مذهب الشافعي وتوفي بناحية شهرزور في ذي القعدة من هذه السنة.
3236- مُحَمَّد بن الحسن [4] بن الفضل بن العباس، أبو يعلى البصري الصوفي [5] :
أذهب/ عمره في السفر والتغرب وقدم بغداد في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة فحدث بها عن أبي بكر بن أبي الحديد الدمشقي وأبي الحسين بن جميع الغساني وكان صدوقا ظريفا من أهل الأدب والفضل حسن الشعر.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] هذه الترجمة جاءت في الأصل بعد ترجمة محمد بن الحسين.
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 344) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 220) .
[4] في ص، ل: «محمد بن الحسين» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 220، البداية والنهاية 12/ 49، وفيه: «محمد بن الحسين» ) .(15/278)
ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين واربعمائة
[دخول أبي كاليجار همذان ودفع الغز عنها]
فمن الحوادث فيها:
أنه دخل أبو كاليجار همذان ودفع الغز عنها. وأن الأتراك شغبوا في جمادي الآخرة وتبسطوا في أخذ ثياب الناس وخطف ما يرد إلى البلد وغرقوا امرأتين من نساء أصحاب المسالح وكثر الهرج الى ان وعدوا بإطلاق أرزاقهم.
[سقوط قنطرة بني زريق]
وفي شوال: سقطت قنطرة بني زريق على نهر عيسى والقنطرة العتيقة التي تقاربها وورد رجل من البلغر ذكر أنه من كبار القوم في خمسين رجلا قاصدا للحج فروعي من دار الخلافة بنزل يحمل إليه وكان معه رجل يعرف بيعلى ابن إسحاق الخوارزمي ويدعى بالقاضي فسئل في الديوان عن البلغر من أي الأمم هم فقال هم قوم تولدوا من بين الترك والصقالبة وبلادهم في أقصى بلاد الترك وكانوا كفارا ثم ظهر فيهم الإسلام وهم على مذهب أبي حنيفة ولهم عيون تجري في أنهار/ وزروعهم على المطر وعندهم كورات العسل وحكى أن الليل يقصر عندهم حتى يكون ست ساعات وكذلك النهار.
وفي هذه السنة: قرئ الاعتقاد القادري في الديوان.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ حدثنا أبو الحسين محمد بن محمد بن الفراء قال أخرج الإمام القائم بأمر الله أمير المؤمنين أبو جعفر ابن القادر باللَّه في سنة نيف وثلاثين واربعمائة الاعتقاد القادري الذي ذكره القادر فقرئ في الديوان وحضر الزهاد والعلماء وممن حضر الشيخ أبو الحسن علي بن عمر القزويني فكتب خطه تحته قبل أن يكتب الفقهاء وكتب الفقهاء خطوطهم فيه أن هذا اعتقاد المسلمين ومن خالفه فقد فسق وكفر(15/279)
وهو، يجب على الإنسان أن يعلم أن الله عز وجل وحده لا شريك له لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد لم يتخذ صاحبه ولا ولدا ولم يكن له [شريك] [1] في الملك وهو أول لم يزل وآخر لا يزال قادر على كل شيء غير عاجز عن شيء [2] إذا أراد شيئا قال له كن فيكون غنى غير محتاج إلى شيء لا اله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم يطعم ولا يطعم لا يستوحش من وحده ولا يأنس بشيء وهو الغنى عن كل شيء لا تخلفه الدهور والأزمان وكيف تغيره الدهور [والأزمان] وهو خالق الدهور والأزمان والليل والنهار والضوء والظلمة والسموات والأرض وما فيها من أنواع الخلق والبر والبحر وما فيهما وكل شيء حي أو موات أو جماد كان ربنا/ وحده لا شيء معه ولا مكان يحويه فخلق كل شيء بقدرته وخلق العرش لا لحاجته إليه فاستوى عليه كيف شاء وأراد لا استقرار راحة كما يستريح الخلق وهو مدبر السموات والارضين ومدبر ما فيهما ومن في البر والبحر ولا مدبر غيره ولا حافظ سواه يرزقهم ويمرضهم ويعافيهم ويميتهم ويحييهم والخلق كلهم عاجزون والملائكة والنبيون والمرسلون والخلق كلهم أجمعون وهو القادر بقدرة والعالم بعلم أزلي غير مستفاد وهو السميع بسمع والمبصر ببصر يعرف صفتهما من نفسه لا يبلغ كنههما أحد من خلقه متكلم بكلام لا بآلة مخلوقة كآلة المخلوقين لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به نبيه عليه السلام وكل صفة وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلّم فهي صفة حقيقية لا مجازية ويعلم أن كلام الله تعالى غير مخلوق تكلم به تكليما وأنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم على لسان جبريل بعد ما سمعه جبريل منه فتلاه جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم وتلاه محمد على أصحابه وتلاه أصحابه على الأمة ولم يصر بتلاوة المخلوقين مخلوقا لأنه ذلك الكلام بعينه الذي تكلم [الله] [3] به فهو غير مخلوق فبكل حال متلوا ومحفوظا ومكتوبا ومسموعا ومن قال إنه مخلوق على حال من الأحوال فهو كافر حلال الدم بعد الاستتابة منه ويعلم أن الإيمان قول وعمل ونية وقول باللسان وعمل بالأركان والجوارح وتصديق به يزيد وينقص [4] / يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهو ذو أجزاء
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] «غير عاجز عن شيء» . ساقطة من ل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] «يزيد وينقص» : ساقطة من ل.(15/280)
وشعب فأرفع اجزائه لا إله الا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد والإنسان لا يدري كيف هو مكتوب عند الله ولا بماذا يختم له فلذلك يقول مؤمن أن شاء الله وأرجو أن أكون مؤمنا ولا يضره الاستثناء والرجاء ولا يكون بهما شاكا ولا مرتابا لأنه يريد بذلك ما هو مغيب عنه عن أمر آخرته وخاتمته وكل شيء يتقرب به إلى الله تعالى ويعمل لخالص وجهه من أنواع الطاعات فرائضه وسننه وفضائله فهو كله من الإيمان منسوب إليه ولا يكون للإيمان نهاية أبدا لأنه لا نهاية للفضائل ولا للمتبوع في الفرائض أبدا ويجب أن يحب [الصحابة [1] من] أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ونعلم أنهم خير الخلق بعد [2] رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن خيرهم كلهم وأفضلهم بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ويشهد للعشرة بالجنة ويترحم على أزواج رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم ومن سب سيدتنا عائشة رضي الله عنها فلا حظ له في الإسلام ولا يقول في معاوية رضي الله عنه إلا خيرا ولا يدخل في شيء شجر بينهم ويترحم على جماعتهم، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ 59: 10 [3] وقال فيهم: وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ 15: 47 [4] وَلا يُكَفَّرُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنَ الْفَرَائِضِ غَيْرَ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَحْدَهَا فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَهَا/ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ صَحِيحٌ فَارِغٌ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الأُخْرَى فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ لَمْ يَجْحَدْهَا لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ وَلا يَزَالُ كَافِرًا حَتَّى يَنْدَمَ وَيُعِيدَهَا فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَنْدَمَ وَيُعِيدَ أَوْ يُضْمِرَ أَنْ يُعِيدَ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَحُشِرَ مَعَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ وَسَائِرُ الأَعْمَالِ لا يُكَفَّرُ بِتَرْكِهَا وَإِنْ كَانَ يُفَسَّقُ حَتَّى يَجْحَدَهَا، ثُمَّ قَالَ: هَذَا قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الَّذِي مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ كَانَ عَلَى الحق المبين وعلى منهاج الدين والطريق المستقيم [5] ورجا به النجاة من النار ودخول الجنة
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ل.
[2] «النبي صلى الله عليه وسلم كلهم، ونعلم أنهم خير الخلق بعد» : العابرة ساقطة من ص.
[3] سورة: الحشر، الآية: 10.
[4] سورة: الأعراف، الآية: 43.
[5] في ص، ل: «والطريق الواضح» .(15/281)
ان شاء الله تعالى وقال النبي صلى الله عليه وسلّم وعلم الدِّينُ النَّصِيحَةُ قِيلَ لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ. للَّه وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلائِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِعَامَّتِهِمْ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَيُّمَا عَبْدٍ جَاءَتْهُ مَوْعِظَةٌ من الله تعالى فِي دِينِهِ فَإِنَّهَا نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ سِيقَتْ اليه فان قبلها يشكر والا كانت حجة عليه من الله ليزداد بها إثما ويزاد بها من الله سخطا جعلنا الله لآلائه [1] من الشاكرين ولنعمائه ذاكرين وبالسنة معتصمين وغفر لنا ولجميع المسلمين.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3237- بهرام بن مافنة، أبو منصور وزير الملك أبي [2] كاليجار:
ولد بكازرون سنة ست وستين وثلاثمائة ونشأ عفيفا وعمل بفيروزآباذ خزانة كتب تشتمل على سبعة آلاف مجلد فيها أربعة آلاف ورقة بخط أبي علي وأبي عبد الله ابني مقلة.
3238- الحسين [3] بن بكر بن عبيد الله بن محمد بن عبيد الله، أبو القاسم
[4] :
ولد سنة خمسين وثلاثمائة وسمع أبا بكر بن مالك القطيعي وغيره وكان ثقة مقبول القول والشهادة/ عند القضاة وخلفه القاضي أبو محمد الأكفاني على عمله بالكرخ وتوفي في رمضان هذه السنة.
3239- مُحَمَّد بن أحمد بن عبد الله، أبو بكر المؤدب [الأعور] [5] ويعرف بابن أبي العباس الصابوني
[6] .
سمع أبا بكر ابن مالك القطيعي وأحمد بن إبراهيم بن شاذان وأبا القاسم بن
__________
[1] «وإلا كانت حجة ... جعلنا الله لآلائه» : العابرة ساقطة من ل.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 49، وفيه: «يهرام بن منافية» ) .
[3] في ص، ل: «الحسين» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 26، وفيه الحسين» ) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 2/ 284) .(15/282)
حبابة وكان سماعه صحيحا وتوفي في شوال هذه السنة.
3240- محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن جعفر بن هارون، أبو الحسن المعروف بابن أبي شيخ
[1] :
حدث عن محمد بن المظفر وكان ثقة من الشهود المعدلين.
أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال سمعت ابن أبي شيخ يقول ولدت يوم السبت للنصف من ربيع الآخر سنة ست وخمسين وسمعت من ابن مالك القطيعي جميع مسند أحمد [بن حنبل] [2] وسمعت من ابن المظفر شيئا كثيرا وذكر انه كتب له شيء كثير من الحديث ولكن ذهبت كتبه ومات في ليلة الثلاثاء السادس عشر من جمادي الأولى من سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة ودفن في صبيحة تلك الليلة بمقابر قريش.
3241- محمد بن جعفر، أبو الحسين المعروف بالجهرمي
[3] :
أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال هو أحد الشعراء الذين لقيناهم وسمعنا منهم وكان يجيد القول ولد في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ومسكنه دار القطن ومات يوم السبت التاسع عشر من جمادي الآخرة سنة ثلاث وثلاثين [واربعمائة] [4] ومن شعره:
يا ويح قلبي من تقلبه ... أبدا يحن إلى معذبه
قالوا كتمت هواه عن جلد ... لو أن لي جلدا لبحت به
بأبي حبيب غير مكترث ... عني ويكثر من تعتبه
حسبي رضاه من الحياة ويا ... قلقي وموتي من تغضبه
3242- مسعود بن محمود بن سبكتكين:
[5]
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 323) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 159، والبداية والنهاية 12/ 50) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 50) .(15/283)
توفي وقام أخوه/ مقامه وخرج مودود بن مسعود على عمه [1] محمد فقبض عليه وعاد إلى غزنة واستتب له الأمر.
3243- بنت المتقى للَّه: [2]
توفيت في الحريم الطاهري [3] في رجب هذه السنة عن إحدى وتسعين سنة ودفنت في التربة بالرصافة.
__________
[1] «عمه» : ساقطة من ل.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 50) .
[3] في الأصل: «توفيت في الحريم الظاهري» .(15/284)
ثم دخلت سنة اربع وثلاثين واربعمائة
[افتتاح الجوالي في أول المحرم]
فمن الحوادث فيها:
أن الجوالي افتتحت في [1] أول المحرم فأنفذ الملك أبو طاهر من منع أصحاب الخليفة عنها واخذ ما استخرجوه منها وأقام فيها من يتولى جبايتها وشق على الخليفة ذلك وترددت فيه المراسلات ولم تنفع فأظهر العزم على مفارقة البلد وتقدم بإصلاح الطيار والزبازب وروسل وجوه الأطراف والقضاة والفقهاء والشهود بالتأهب للخروج في الصحبة وتحدث بأن الخليفة قد عمل على غلق الجوامع ومنع الصلاة يوم الجمعة سابع هذا الشهر.
قال أبو الحسن علي بن محمد الماوردي! خرج التوقيع من الخليفة وكنت أنا الرسول فنفذ [2] لعلي بن محمد بن حبيب ليس يختل على ذي عقل غلط ما أباه جلال الدولة من عدوله عن عهوده والوفاء بعقوده وأن الأيمان المؤكدة اشتملت على ما لا فسيحة في نقضه ولا سبيل إلى حله وفيما جرى من الاعتراض على الجوالي في جبايتها بعد تسليمها إلى الوكلاء نقض لما عقده والتعويل على عهده فانطلقت الألسن بما يصان عن مثله فإن ذكر أن ضرورة دعت إلى ذاك قالا راسلنا على الوجه الأجمل/ ولو أنه لما أراد ما أراد جعل الوكلاء القائمين به يحملونه إليه لكان ذلك أولى فأما العدول عن هذه الطريقة فظاهر الغرض قصدا لومقين [3] ولولا ما عليه الوكلاء من الإضافة، نرى
__________
[1] في الأصل: «أن الجوالي قسمت» .
[2] في الأصل، ل: «أنا الرسول لتنقل» .
[3] كذا في الأصول.(15/285)
ترك [1] القول في مال هذه الجوالي مع نزارة قدره لكن للضرورة حكما تمنع من الاختيار وإن روعي الوكلاء يدفعون أيامهم وإلا فلهم عند الضرورات متسع في الأرض ونحن نقاضيه إلى الله تعالى وهو الحكم بيننا. فكان الجواب من الملك الاعتراف بوجوب [2] الطاعة ثم قال ونحن نائبون عن الخدمة نيابة لا تنتظم إلا بإطلاق أرزاق العساكر وقد التجأ جماعة ممن خدمنا إلى الحريم واستعصم به حتى أن احدهم أخذ من تلاعنا في دفعة واحدة تسعمائة بدرة ونحن نمنع من إحضارها ونحن محذورون عند الحاجة. وورد كتاب أبي جعفر ابن الرقي العلويّ النقيب بالموصل بتاريخ تاسع وعشرين جمادي الأولى بما قال فيه. وردت الأخبار الصحيحة بوقوع زلزلة عظيمة بتبريز هدمت قلعتها وسورها ودورها ومساكنها وحماماتها وأسواقها وأكثر دار الإمارة وخلص الأمير لكونه كان في بعض البساتين وسلم جنده لأنه كان قد انفذهم إلى أخيه وأنه أحصى من هلك تحت الهدم فكانوا قريبا من خمسين ألف إنسان وأن الأمير لبس السواد وجلس على المسوح لعظم هذا المصاب وانه أجبر على الصعود إلى بعض قلاعه والتحصن بها خوفا من توجه الغز إلى بلد وهم الترك.
وفي هذه السنة: استولى طغرل بك/ على نيسابور وانفذ أخاه إبراهيم بن يوسف المعروف بينال فأخذ الري والجبل.
وولى القضاء بواسط أبو القاسم علي بن إبراهيم بن غسان.
وفيها: فرغ من عمل القنطرة على فوهة نهر ملك عملها دبيس بن علي.
وفيها: ملك ثمال بن صالح بن مرداس حلب فانفذ المصريون إليه من حاربه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3244- حسين بن عمر بن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ويعرف بابن القصاب
[3] .
__________
[1] في الأصل: «لدى ترك» .
[2] في الأصل: «الاعتراف بوجوه» .
[3] في ص: «القصار» .
وانظر ترجمته في: (الأنساب 10/ 163) .(15/286)
سمع ابن مالك القطيعي والدار الدّارقطنيّ وكان صدوقا وتوفي في رجب هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب.
3245- الحسين بن يحيى بن عياش، أبو عبد الله القطان [1] ويقال التمار:
ولد في رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وسمع الحسن بن عرفة وغيره، روى عنه الدار الدارقطني ويوسف القواس [2] وأبو عمر بن مهدي وابن مخلد وهلال الخفار [3] وكان ثقة وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن عند قبر معروف.
3246- عبيد الله بن عبد العزيز بن جعفر، أبو القاسم [4] البرذعي:
سمع محمد بن عبيد الله بن الشخير. روى عن ابن المظفر. قال الخطيب كتبت عنه وكان صدوقا وسألته عن مولده فقال ولدت في مدينة أبي جعفر في دار القاضي أبي بكر بن الجعابي في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
3247- عبد الودود بن عبد المتكبر بن هارون بن محمد بن عبيد الله بن المهتدي
[5] :
ولد في سنة أربعين وثلاثمائة حدث عن أبي بكر الشافعي وتوفي في شعبان هذه السنة ودفن بقرب القبة الخضراء.
3248- عبد الله بن أحمد [6] بن محمد، أبو ذر الهروي:
سافر الكثير وحدث وخرج إلى مكة فسكنها مدة ثم تزوج في المغرب وأقام بالسروات وكان يحج كل عام ويقيم بمكة أيام الموسم ويحدث ويرجع إلى أهله وكان ثقة ضابطا فاضلا وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة وقيل أنه كان يميل إلى مذهب الأشعري.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 144) .
[2] في الأصل: «ويوسف الفراس» .
[3] في ل، الأصل: «هلال الخباز» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 384) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 140) .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 141، وفيه: «عبد بن أحمد» ، والبداية والنهاية 12/ 50.(15/287)
3249- محمد بن الحسين بن محمد بن جعفر، أبو الفتح الشيباني العطار ويعرف [1] بقطيط:
سافر الكثير إلى البصرة ومكة ومصر والشام والجزيرة وبلاد الثغور وبلاد فارس وحدث عن أبي الفضل الزهري وابن المظفر وابن شاهين وغيرهم وكان شيخا ظريفا مليح المحاضرة يسلك طريق التصوف وكان يقول لما ولدت سميت قطيطا على أسماء أهل البادية ثم سماني بعض أهلي محمدا. وتوفي في هذه السنة.
3250- أبو الحسن بن سفر يشوع، المهندس/ صاحب [2] علم الهيئة:
توفي في هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 51) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 2/ 51) .(15/288)
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين واربعمائة
[ردت الجوالي على وكلاء الخدمة]
فمن الحوادث فيها:
أنه ردت الجوالي على وكلاء الخدمة وسافر طغرل بك إلى الجبل وورد كتابه على جلال الدولة أبي طاهر من الري وكان أصحابه قد أخربوها ولم يبق منها لا غير [1] ثلاثة ألف نفس وسدت أبواب المساجد وخاطب طغرل بك جلال الدولة بالملك الجليل فخاطبه جلال الدولة بالملك الجليل وخاطب عميد الدولة بالشيخ الأجل الرئيس أبي طالب محمد بن أيوب، من طغرل بك محمد بن ميكائيل ولى أمير المؤمنين فخرج التوقيع إلى أقضى القضاة الماوردي وروسل به طغرل بك برسالة تتضمن تقبيح ما فعل في البلاد ويأمره بالإحسان الى الرعية [2] فمضى الماوردي وخرج طغرل بك فتلقاه على اربعة فراسخ إجلالا لرسالة الخليفة.
[الإرجاف بموت أبي طاهر جلال الدولة]
وأرجف بموت أبي طاهر جلال الدولة إرجافا لورم لحقه في كبده وانزعج الناس ونقلوا أموالهم إلى دار الخلافة وما زال الإرجاف حتى خرج الملك فجلس [3] على كرسي فرآه الناس فسكتوا ثم توفي/ وغلقت الأبواب وخرج الأمراء أولاده فأطلعوا من الروشن على الأتراك والاصبهلارية [4] وقالوا لهم أنتم أصحابنا ومشايخ دولتنا وقائمون
__________
[1] «غير» : ساقطة من ل.
[2] في ص، ل: «بالإحسان في الرعية» .
[3] في ص: «حتى خرج الملك فجلس» .
[4] في الأصل: «الإسفسهلارية» .(15/289)
مقام والدنا فارعوا حقوقنا وصونوا حريمنا فإنكم تعلمون أنه لا مال عندنا فقبلوا الأرض وبكوا بكاء شديدا وقالوا السمع والطاعة وكان ابنه الملقب بالملك العزيز بواسط فأنشئت إليه تعزية من الديوان وأجاب ثاني العيد.
وفي هذه السنة: دخل الغز الموصل وأخذوا حرم قرواش وأفسدوا فيها ووصل أبو البركات ربيب أبي جعفر السمناني [1] إلى الخليفة مستنفرا عليهم ثم ورد الشريف أبو الحسن بن جعفر النسابة هاربا فاجتمع قرواش بن المقلد ودبيس بن علي بن مزيد على الإيقاع بالغز فقتلت منهم مقتلة عظيمة وخطب في بغداد للملك أبي كاليجار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3251- الحسين بن عثمان بن أحمد بن سهل بن أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف العجلي، يكني أبا سعد
[2] :
رحل في طلب الحديث الى أصبهان والري وبلاد خراسان ثم أقام ببغداد/ وحدث.
أخبرنا القزاز أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب قَالَ كتبنا عنه وكان صدوقا متنبها وانتقل في آخر عمره إلى مكة فسكنها حتى مات بها في شوال هذه السنة.
3252- عبيد الله بن أبي الفتح، واسمه أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر أبو القاسم الصيرفي وهو الأزهري ويعرف بابن السوادي.
[3] أخبرنا القزاز أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب قَالَ ذكر لي عبيد الله أن جده عثمان [كان] [4] من أهل إسكاف قدم بغداد فاستوطنها فعرف بالسوادي وجده لأمه يعرف بالدبثائي [5]
__________
[1] في الأصل: «السجستاني» . وفي ل: «السخباني» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 84، والبداية والنهاية 12/ 51) .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 51، وفيه: «عبد الله بن أبي الفتح» ) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ص: «يعرف بالدثيابي» . وفي الأصل: «يعرف بالدشابي» .(15/290)
سمع ابن مالك القطيعي وأبا محمد بن ماسي وأبا سعيد الخرقي [1] وأبا حفص بن الزيات ومن يطول ذكره وكان أحد المكثرين من الحديث كتابة وسماعا من المعتنين به والجامعين له مع صدق وامانة وصحة واستقامة وسلامة مذهب وحسن معتقد ودوام درس للقرآن وسمعنا منه المصنفات الكبار والكتب الطوال وكان يسكن درب الآجر من نهر طابق وسمعته يقول ولدت يوم السبت التاسع من صفر سنة خمس وخمسين [2] وثلاثمائة ومات في يوم الثلاثاء التاسع عشر من صفر سنة خمس وثلاثين واربعمائة ودفن من الغد في تربة كانت له آخر درب الآجر مما يلي نهر عيسى وكان مدة عمره ثمانين سنة وعشرة أيام.
3253- أبو طاهر جلال الدولة:
[3] ولد في ذي الحجة سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وكان يزور الصالحين ويتبرك بهم ويقصد القزويني والدينَوَريّ وسأله الدينَوَريّ في ضريبة الملح فأسقطها وكانت [في] [4] كل سنة/ ألفي دينار ولحقه ورم في كبده وتوفي في ليلة الجمعة خامس شعبان [من] [5] هذه السنة وغسله أبو القاسم بن شاهين الواعظ وأبو محمد وعبد القادر بن السماك ودفن في بيته من دار المملكة في بيت كان دفن فيه عضد الدولة وبهاء الدولة قبل نقلهما وكانت ولايته لبغداد ست عشرة سنة وأحد عشر شهرا وخلف من الذكور ستة وخمس عشرة أنثى وكان عمره احدى وخمسين سنة وأشهرا.
__________
[1] في تاريخ بغداد: «أبا سعيد الحرقي» .
[2] «سنة خمس وخمسين.... من صفر سنة» : ساقطة من ص.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 52) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/291)
ثم دخلت سنة ست وثلاثين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
انه جاء مطر في شعبان فيه رعد فوقعت رجفة عقيب الرعد [1] وكان في الصحراء غلام يرعى فرسا ومهرا فماتوا في الوقت ولحقت ثلاثة أنفس كانوا على بعد منها مثل الغشى فأفاقوا بعد عتمة.
[نقل تابوت جلال الدولة الى مقابر قريش]
وفي سادس رمضان نقل تابوت جلال الدولة وبنته الكبرى من دار المملكة إلى تربة لهم في مقابر قريش.
وفي يوم الخميس ثالث عشر رمضان حمل الطيار الجلالي إلى باب دار المملكة بعد مخاطبات جرت من أجله ومراجعات فيما استجد من صفره وآلاته فقال الملك: إننا نزلنا عنه لدار الخلافة وهذا طيار [2] جليل لم يعمل مثله وكان جلال الدولة قد انفق عليه عشرة آلاف دينار، ودخل أبو كاليجار بغداد وصرف أبو المعالي بن عبد الرحيم عن الوزارة موقرا وفي يوم الجمعة رابع عشر هذا الشهر استقر النظر في الوزارة للوزير ذي السعادات أبي الفرج محمد بن جعفر/ بن العباس بن فسانجس وقيل للأتراك، اعترفوا [3] له حقه.
وتوفي المرتضى فتقلد أبو أحمد عدنان ابن الرضي ما كان يتقلده عمه المرتضى.
__________
[1] في الأصل: «فوقعت رجفة عقب» .
[2] في الأصل: «لدار الخلافة لما كوثبتا بأنه» .
[3] في ل: «للاتراك أعرفوا» .(15/292)
وتوفى الوزير الجرجرائي بمصر فوزر أبو نصر أحمد بن يوسف وكان يهوديا فأسلم.
وأحدث أبو كاليجار ضرب الطبل في الصلوات الخمس ولم يكن الملوك يضرب لها الطبل ببغداد فأكرم عضد الدولة بأن ضرب له فيها ثلاث نوب وجعلها أبو كاليجار خمسا.
وفي هذه السنة [1] : نظر رئيس الرؤساء أبو القاسم ابن مسلمة في كتابه القائم وكان عنده في منزل عالية.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3254- الحسين بن علي بن محمد بن جعفر، أبو عبد الله الصيمري
[2] :
منسوب إلى نهر من أنهار البصرة يقال له الصيمر عليه عدة قرى. ولد سنة إحدى وخمسين [وثلاثمائة] [3] وكان أحد الفقهاء المذكورين من العراقيين حسن العبارة جيد النظر ولى قضاء المدائن ثم ولي القضاء بربع الكرخ وحدث عن أبي بكر المفيد وابن شاذان وعن ابن شاهين وغيرهم وكان صدوقا وافر العقل جميل المعاشرة عارفا بحقوق العلماء وتوفي في شوال هذه السنة ودفن في داره بدرب الزرادين.
3255- طاهرة بنت أحمد بن يوسف الأزرق [4] التنوخية.
ولدت سنة تسع وخمسين وثلاثمائة وسمعت من أبي محمد بن ماسي [5] وجماعة وتوفيت بالبصرة في هذه السنة.
3256- عبد الوهاب منصور بن أحمد، أبو الحسين [6] المعروف بابن المشتري [7] الأهوازي:
__________
[1] في ص، ل: «وفيها» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 78، البداية والنهاية 12/ 52) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 445) .
[5] في تاريخ بغداد: «أبي محمد بن ماشي» .
[6] في تاريخ بغداد: «أحمد أبو الحسن» .
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 52) .(15/293)
كان له قضاء الأهواز ونواحيها وكانت له منزلة عند السلطان وكان كثير المال مفضلا على طائفة من أهل العلم وكان ينتحل مذهب الشافعي وكان/ صدوقا توفي في ذي القعدة من هذه السنة بالأهواز.
3257- علي بن الحسن بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
[1] :
ولد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وهو أكبر من أخيه الرضى وكان يلقب بالمرتضى ذي المجدين وكانت له نقابة [2] الطالبيين وكان يقول الشعر الحسن وكان يميل إلى الاعتزال ويناظر عنده في كل المذاهب وكان يظهر مذهب الإمامية ويقول فيه العجب وله تصانيف على مذهب الشيعة فمنها كتابهم الذي ذكر فيه فقههم وما انفردوا به نقلت منه مسائل من خط أبي الوفاء بن عقيل وانا اذكرها هنا شيئا منها فمنها لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ولا من نبات الأرض كالصوف والجلود والوبر، وأن الاستجمار لا يجزى في البول بل في الغائط وأن الكتابيات حرام، وأن الطلاق المعلق على شرط لا يقع وإن وجد شرطه، وأن الطلاق لا يقع إلا بحضور شاهدين عدلين، ومتى [3] حلف إن فعل كذا [4] فامرأته طالق لم يكن يمينا، وأن النذر لا ينعقد [5] إذا كان مشروطا بقدوم مسافر أو شفاء مريض، وأن من نام عن صلاة العشاء إلى أن يمضي نصف الليل وجب عليه إذا استيقظ القضاء وأن يصبح صائما كفارة لذلك، وأن المرأة إذا جزت شعرها فعليها كفارة قتل الخطأ، وأن من شق ثوبه في موت ابن له أو زوجة فعليه كفارة يمين، وأن من تزوج امرأة ولها زوج وهو لا يعلم لزمه أن يتصدق بخمسة دراهم، وأن قطع السارق من أصول الأصابع، وأن ذبائح أهل الكتاب محرمة واشترطوا في الذبح استقبال القبلة، وكل طعام تولاه اليهود أو النصارى أو من قطع بكفره فحرام أكله، وهذه مذاهب عجيبة تخرق الإجماع وأعجب منها ذم الصحابة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 402، والبداية والنهاية 12/ 53) .
[2] في الأصل: «وكانت إليه نقابة» .
[3] في ل: «ومن حلف» .
[4] في الأصل: «إن فعلت كذا» .
[5] في الأصل: «وإن النذر لا يقع» .(15/294)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الحافظ أَخْبَرَنَا أبو الفضل أحمد بن الحسين بن خيرون المعدل أنه نسخ من نسخه ذكرنا ناسخها أنه كتبها عن المرتضى من تأليفه وكلامه قال المرتضى: سألني الرئيس الأجل عن السبب في نكاح أمير المؤمنين بنته عمر بن الخطاب فكيف صح ذلك مع اعتقاد الشيعة الإمامية في عمر أنه على حال لا يجوز معها إنكاحه قال وأنا اذكر من الكلام في ذلك جملة كافية: أعلم أن الزيدية القائلين بالنص على أمير المؤمنين بالإمامة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم يذهبون إلى أن رفع [1] النص فسق يستحق به فاعله الخلود في نار جهنم وليس يكفر والفاسق يجوز إنكاحه والنكاح إليه بخلاف الكافر ويبقى الكلام مع الإمامية الذين يذهبون إلى أن رفع [2] النص كفر ويسألون عن ذلك مسائل منها إنكاح النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان بنتيه واحدة بعد واحدة وذلك مع القول بأنه يكفر بجحد النص على أمير المؤمنين غير جائز وليس لكم أن تقولوا جحد النص إنما كان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فهو غير مناف كما وقع في حياته لأن رفع [3] النص إذا كان كفرا والكافر عندكم لا يجوز أن يقع منه الإيمان متقدم بل المستقر في مذاهبهم أن من آمن باللَّه طرفة عين لا يجوز أن يكفر بعد إيمانه فعلى هذا المذهب أن كل من كفر بدفع النص لا يجوز أن يكون له حالة إيمان متقدمة وإن أظهر الإيمان فهو مبطن لخلافة [4] والمسألة لازمة مع هذا التحقيق. ومن مسائلهم أيضا أن عائشة إذا كانت/ بقتالها أمير المؤمنين قد كفرت وبدفعها أيضا إمامته وكانت حفصة أيضا شريكتها مع إنكار إمامته والاختلاف عليه فقد اشتركتا في الكفر وعلى مذاهبهم لا يجوز أن يكون الإيمان واقعا في حالة متقدمة ممن كفر ومات على كفر وكيف ساغ للنبي [5] صلى الله عليه وسلم أن ينكحهما وهما في تلك الحال غير مؤمنتين ومن المسائل تزويج أمير المؤمنين علي من عمر بن الخطاب وتحقيق الكلام في ذلك كتحقيقه في عثمان قال المرتضى والجواب أن نكاح الكافرة ونكاح الكافر لا يدفعه العقل وليس في مجرده ما يقتضي قبيحه [6] وإنما يرجع في قبيحه أو حسنه إلى أدلة
__________
[1، 2] في الأصل: «يذهبون إلى أن رفع» .
[3] في الأصول: «لأن رفع» .
[4] في الأصول: «فهو مبطن الكفر» .
[5] في الأصل: «وكيف جاز» .
[6] في ل: «مجرده ما يقتضي قبحه» .(15/295)
السمع ولا شيء أوضح وأدل على الأحكام من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو فعل أمير المؤمنين فإذا رأيناهما قد نكحا وأنكحا إلى من ذكرت حاله وفعلهما حجة وما لا يقع إلا صحيحا صوابا قطعنا على جواز ذلك وانه غير قبيح ولا محظور وبعد فليست حال عثمان ونكاحه بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال نكاح عائشة وحفصة كحال عمر في حال نكاح بنت أمير المؤمنين لأن [عثمان كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لم يظهر منه ما ينافي الإيمان [1] وإنما] كان مظهرا بغير شك الإيمان وكذلك عائشة وحفصة وعمر في حال نكاح بنت أمير المؤمنين كان مظهرا من جحد النص ما هو كفر والحال مفترقة فإذا قيل وأي انتفاء الآن بإظهار الإيمان والنبي صلى الله عليه وسلم يقطع على كفره مظهرا في الباطن لانه إذا علم أنه سيظهر ممن أظهر الإيمان في تلك الأحوال كفر ويموت عليه فلا بد أن يكون في الحال قاطعا على/ أن الإيمان المظهر إنما هو نفاق كان الباطن بخلافه وقد عدنا إلى أنه أنكح ونكح مع القطع على الكفر، قلنا غير ممنوع أن يكون عليه السلام في حال نكاح عثمان لم يكن الله أطلعه على أنه سيجحد النص بعده فإن ذلك مما لا يجب الاطلاع عليه ثم إذا ظهر في مذاهب الإمامية أنه عليه السلام كان مطلعا على ذلك فليس معنا تاريخ بوقت اطلاعه ويجوز أن يكون عليه السلام إنما علم ذلك بعد الإنكاح أو بعد [موت] [2] المرأتين المنكوحتين وكذلك القول في عائشة وحفصة يجوز أن يكون ما علم بأحوالهما إلا بعد النكاح لهما فإذا قيل فكان يجب أن يفارقهما بعد العلم بما لا يجوز استمرار [الزوجية] [3] معه أمكن أن يقال ليس معنا قطع على أنه عليه السلام أعلم أن المرأتين يجحدان النص فإن ذلك مما لم ترد به رواية وأكثر ما وردت به الرواية وإن كانت من جهة الآحاد ومما لا يقطع بمثله أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ ستقاتلينه وَأَنْتِ ظَالِمَةٌ لَهُ وهذا إذا صح وقطع عليه أمكن أن يقال فيه أن محض القتال ليس بكفر وإنما يكون كفرا إذا وقع على سبيل الاستحلال له والجحود لإمامته ونفي فرض طاعته وإذا جاز أن يكون عليه السلام لم يعلم بأكثر من مجرد القتال الذي يجوز أن يكون فسقا أو يجوز أن يكون كفرا فلا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/296)
يجب أن يكون قاطعا على نفاق في الحال لأن الفاسق في المستقبل لا يمتنع أن يتقدم منه الإيمان وهذه المحاسبة والمناقشة لم تمض في/ كتب أحد من أصحابنا وفيها سقوط هذه المسألة على أنا إذا سلمنا على أشد الوجوه أنه عليه السلام علم أنهما في الحال على نفاق وعلم أيضا في عثمان مثل ذلك في حال إنكاحه لا بعد ذلك جاز أن يقول إن نكاح المنافق وإنكاحه جائز في الشريعة ولا يجب أن يجري المنافق مجرى مظهر الكفر ومعلنه وإذا جاز أن تفرق الشريعة بين الكافر الحربي والمرتد وبين الذمي في جواز النكاح فتقبح نكاح الذمية عند مخالفينا كلهم مع اختيار وعند [موافقينا] [1] مع الضرورة وفقد المؤمنات ولا نبيح نكاح الحربية على كل حال جاز أن يفرق بين مظهر الكفر ومبطنه في جواز النكاح وإذا فرقت الشريعة بين نكاح الذمي والنكاح إليه جاز الفرق بين المظهر للكفر والمنافق في جواز إنكاحه والشيعة الإمامية تقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرف جماعة من المنافقين بأعيانهم ويقطع على أن في بواطنهم الكفر بدلالة قوله تعالى:
وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ 9: 84 [2] ومحال أن يتعبده بترك الصلاة والقيام على قبره إلا وقد عينه تعالى له عليه السلام وبدلالة قوله تعالى: وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ الْقَوْلِ 47: 30 [3] وإذا كان عليه السلام عارفا بأحوال المنافقين ومميزا لهم من غيرهم ومع هذا فما رأيناه فرق بين أحد منهم وبين زوجته ولا خالف بين أحكامهم وأحكام المؤمنين/ وكان على الظاهر يعظمهم كما يعظم المؤمنين الذين لا يطلع على نفاقهم فقد بان أن الشريعة قد فرقت بين مظهر الكفر ومبطنه في هذه الأحكام فإن قيل أفيجوز أن يكون نكح وأنكح من يعلم خبث باطنه؟ قلنا فعله ذلك يقتضي [4] أنه مباح غير أننا نبعد أن ينكح أحدنا [5] غيره مع قطعه على أنه عدو في الدين. وإن جاز أن تبيح ذلك الشريعة والأشبه أن يكون عليه السلام إذا فرضنا أنه عالم بخبث باطن من أنكحه في الحال أن يكون إنما فعل ذلك لتدبير وسياسة وتألف وإلا فمع
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] سورة: التوبة، الآية: 84.
[3] سورة محمد، الآية: 30.
[4] في الأصل: «ذلك ينبغي» .
[5] في الأصل: «نبعد أن يكون أحدنا» .(15/297)
الإيثار وارتفاع الأسباب لا يجوز أن يفعل ذلك ومن حمل نفسه من عقلة أصحابنا على أن دفع كون رقية وزينب بنتي رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي الحقيقة وإنهما بنتا خديجة من ابن أبي هالة دافع ظاهرا معلوما لأن العلم بذلك كالعلم بغيره من الأمور والشك فيه كالشك في أمر معلوم وما بنا إلى المكابرات ودفع المعلومات حاجة فأما الكلام في نكاح عمر فقد تقدم أن العقل لا يمنع من مناكحة الكفار وأن [فعل] [1] أمير المؤمنين [قوي حجة واضح دليل وهذه الجملة كافية لو اقتصرنا عليها لكنا نقول أن أمير المؤمنين] [2] لم ينكح عمر مختارا بل مكرها وبعد مراجعة وتهديد ووعيد وقد ورد الخبر بأنه [راسله فدفعه بأجمل دفع فاستدعى عمه العباس فقال له ما لي أي بأس بي فقال له العباس وما الذي] [3] اقتضى هذا القول فقال له خطبت إلى ابن أخيك فدفعني وهذا يدل على عداوته لي وثنوه عني والله لأفعلن كذا وكذا ولأبلغن إلى كذا وكذا وإنما كتبنا عن التصريح بالوعيد عما روى لفحشه وقبحه [4] / وتجاوزه كل حد والألفاظ مشهورة في الرواية معروفة فعاد العباس إلى أمير المؤمنين فعاتبه وخوفه وسأله رد أمر المرأة إليه فقال له افعل ما شئت فمضى وعقد عليها ومع الإكراه والتخويف قد تحل المحارم كالخمر والخنزير [5] قال المرتضى وروي أن أبا عبد الله الصادق سئل عن ذلك فقال ذاك فرج غصبنا عليه وبعد فإذا كانت التقية وخوف المخارجة قطع مادة المظاهرة وما حمل مجموعه وتفصيله على بيعة من جلس من مكانه واستولى على حقه وإظهار طاعته والرضا بإمامته وأخذ عطيته فأهون من ذلك إنكاحه فما النكاح بأعظم مما ذكرنا فإذا حسن العذر في هذه الأمور كلها ولولاه لكانت قبيحة محظورة فكذلك [العذر] [6] بعينه قائم في النكاح وبعد فإن النكاح أخف حالا وأهون خطبا مما عددنا لأنه جائز في العقول يبيح الله إنكاح الكافر مع الاختيار فليس في ذلك وجه ثابت لا بد من حصوله وليس تبيح العقول مع الإيثار والاختيار أن يسمى
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «لفحشه وقبحه» .
[5] في ل: «كالخمر والحرير» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/298)
بالإمامة من لا يستحقها وأن يطاع ويقتدي بمن لم يكن فيه شرائط الإمامة فإذا أباحت الضرورة ما كان لا يجوز مع الإيثار في القول إباحته كيف لا تبيح الضرورة ما كان يجوز في العقول مع الإيثار في القول استباحته ومن حمل نفسه من أصحابنا على إيثار هذه المظاهرة كمن حمل نفسه على إنكار كون رقية وزينب بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في دفع الضرورة والإشمات [1] بنفسه أعداءه فانه يطرق/ عليه أنه لا يعلم حقائق الأمور وأنه في كل مذاهبه واعتقاداته على مثل هذه الحال التي لا تخفى على العقلاء ضرورة ومرتكبها أو من قال من جهال أصحابنا أن العقد وقع لكن الله كان يبدل هذه العقود عليها بشيطانه عند القصد إلى التمتع بها فما يضحك الثكلى لأن المسألة باقية عليه في العقد لكافر على مؤمنة [2] هذا المطلوب منه فلا معنى لذلك المنع من المتمتع كيف سمح بالعقد المبيح للتمتع من لا يجوز مناكحته ولا عقد النكاح [له وإذا أباح بالعقد المبيح للتمتع من لا يجوز مناكحته ولا عقد النكاح] [3] له فكيف منعه من لا يقتضيه العقد والمنع من العقد أولى من إيقاعه والمنع من مقتضاه وإنما أحوج إلى ذلك العجز عن ذكر العذر الصحيح وهذه جملة مغنية عما سواها، قال المصنف رحمه الله ومن تأمل ما صنعه المرتضى من الفقه المتقدم وكلامه في الصحابة وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبناته علم أنه أحق بما قرف به سواه ولولا أن هذا الكتاب لا يصلح التطويل فيه بالرد لبينت عوار كلامه على أن الأمر ظاهر لا يخفى على من له فهم وأول ما ذكر فيما ادعاه النص على علي عليه السلام وهل يروى إلا في الأحاديث الموضوعة [4] المحالات وإنما يكفر الإنسان لمخالفة النص الصحيح الصريح الّذي لا يحتمل التأويل وما لنا ها هنا بحمد الله نص أصلا حتى ندعى على الصحابة الكفر والفسق بمخالفته ومن التخرص وعيد عمر/ لعلي إذ أبي تزويجه وغير ذلك من المحالات والعجب أنه يقول روى حديث قتال عائشة لعلي من طريق الآحاد أفترى النص عليه ثبت عنده بطريق التواتر ولكن إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فاصنع ما شئت.
توفي المرتضى في هذه السنة ودفن في داره.
__________
[1] في ص: «الضرورة والاشمال» .
[2] في الأصل: «لكافر تمتع أو لم يتمتع عما يتعذر به من إيقاع العقد لكافر» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ل: «الأحاديث الموضوعات» .(15/299)
أخبرنا ابن ناصر عن أبي الحسين بن الطيوري. قال سمعت أبا القاسم بن برهان يقول دخلت على الشريف المرتضى أبي القاسم العلوي في مرضه وإذا قد حول وجهه إلى الجدار فسمعته يقول: أبو بكر وعمر وليا فعدلا واسترحما فرحما أما أنا أقول ارتدا بعد ما أسلما، فقمت فما بلغت عتبة الباب حتى سمعت الزعقة عليه.
3258- محمد بن أحمد بن شعيب بن عبد الله بن الفضل، أبو منصور الروياني صاحب أبي حامد الأسفراييني
[1] :
أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال سكن هذا الرجل بغداد وحدث بها عن علي بن محمد بن أحمد بن كيسان وأبي حفص بن الزيات وأبي بكر بن المفيد ومن في طبقتهم كتبنا عنه وكان صدوقا يسكن قطيعة الربيع ومات في يوم الأربعاء [2] السابع من ربيع الأول سنة ست وثلاثين وأربعمائة ودفن من الغد في مقبرة باب حرب.
3259- محمد بن الحسين بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير، أبو طالب التاجر
[3] :
سمع أبا بكر بن مالك القطيعي وأبا الفتح الأزدي وغيرهما وكان صدوقا وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن على نهر عيسى بين محلة التوبة ودرب الآجر.
3260- محمد بن علي بن الطيب أبو الحسين البصري المتكلم المعتزلي
[4] :
سكن بغداد وكان يدرس هذا المذهب وله/ التصانيف الواسعة فيه توفي في ربيع الآخر من هذه السنة وصلى عليه القاضي أبو عبد الله الصيمري ودفن في الشونيزية ولا يعرف أنه روى غير حديث واحد.
أخبرنا به أبو منصور القزاز أَخْبَرَنَا الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الطَّيِّبِ قَالَ قُرِئَ عَلَى هِلالِ بْنِ مُحَمَّدِ ابن أخي هلال الراي بِالْبَصْرَةِ وَأَنَا أَسْمَعُ قِيلَ لَهُ حَدَّثَكُمْ أَبُو
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 307، والبداية والنهاية 12/ 53) .
[2] في الأصل: «ومات في يوم الثلاثاء» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 253، والبداية والنهاية 12/ 53) .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 100) .(15/300)
مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ وَأَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الجمحيّ وَالغَلابِيُّ وَالْمَازِنِيُّ وَالزُّرَيْقِيُّ قَالُوا:
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنِ أَبِي منصور البدري [1] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ، قَالَ الْغَلابِيُّ: اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَالْمَازِنِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ حيان وَالزُّرَيْقِيُّ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن خالد البصري.
__________
[1] في الأصل: «أبي مسعود البدري» .(15/301)
ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في المحرم قبل قاضي القضاة أبو عبد الله الحسين بن علي شهادة أبي منصور عبد الملك بن محمد بن يوسف بأمر الخليفة.
[رسم لأبي القاسم علي بن الحسن ابن المسلمة النظر في أمور الخدمة]
وفي يوم الاثنين لثمان بقين من ربيع الآخر رسم لأبي القاسم علي بن الحسن ابن المسلمة من حضرة الخليفة النظر في أمور خدمته وتقدم إلى الحواشي بتوفية حقوقه فيما جعل إليه فجلس لذلك على باب دهليز الفردوس وعليه الطيلسان وبين يديه الدواة وحضر من جرت عادته بحضور الموكب فهنأوه وفي يوم الخميس الثامن من جمادي الأولى خلع عليه واستدعى إلى حضرة القائم بأمر الله وخرج فجلس في الديوان في مجلس/ عميد الرؤساء ودسته وحمل [1] على بلغة بمركب [2] ومضى إلى داره بدرب سليم من الرصافة ومعه الخدم والحجاب والأشراف والقضاة والشهود.
وفي شوال: حدثت فتنة بين أهل الكرخ وباب البصرة قتل جماعة فيها من الفريقين وجاء صاحب المعونة ونفر العامة على اليهود وأحرقوا الكنيسة العتيقة ونهبوا دور اليهود.
وفيها وقع الوباء في الخيل فهلك من معسكر أبي كاليجار اثنا عشر ألف رأس [3]
__________
[1] في الأصل: «عميد الرؤساء وشيعه وحمل» .
[2] في الأصل: «على بغلة بموكب» .
[3] في الأصل: «عشر ألف فرس» .(15/302)
وعم ذلك في البلاد وامتلأت حافات دجلة من جيف الخيل.
وورد الخبر بمجيء إبراهيم ينال أخي طغرل بك إلى قرميسين وأخذها من يد أبي الشوك فارس بن محمد وتلا ذلك مجيئه إلى حلوان فإنه عمرها في مدة.
ومات أبو الحسين العلاء بن أبي علي الحسين بن سهل النصراني بواسط فجلس قوم من أقاربه [في مسجد] [1] على بابه للعزاء به وأخرج تابوته نهارا ومعه قوم من الأتراك فثار العوام فأعروا الميت من أكفانه وأحرقوه ورموا بقيته في دجلة ومضوا إلى الدير فنهبوه وعجز الأتراك عن دفعهم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3261- الحسين بن محمد بن الحسن بن بيان، أبو عبد الله المؤذن في جامع المنصور ويعرف بابن مجوجا
[2] .
ولد في رجب سنة سبع وأربعين وثلاثمائة وروى عن جماعة كتب عنه أبو بكر الخطيب وقال: كان صدوقا وكان يسكن في جوار الصيمري بدرب الزرادين وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن في/ مقبرة باب الكناس.
3262- خديجة بنت موسى بن عبد الله الواعظة المعروفة ببنت البقال وتكنى أم سلمة
[3] :
أخبرنا القزاز أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب قَالَ سمعت خديجة بنت موسى أبا حفص ابن شاهين، كتبت عنها وكانت فقيرة صالحة فاضلة تنزل ناحية التوتة وتوفيت في جمادي الآخرة من سنة سبع وثلاثين وأربعمائة ودفنت في مقبرة الشونيزية.
3263- عبد الصمد بن محمد بن عبد الله أبو الفضل [4] الفقاعي:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 108) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 46) . والبداية والنهاية 12/ 54.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 45) .(15/303)
ولد سنة ثلاث وستين وثلاثمائة سمع ابن مالك القطيعي وأبا علي بن حمكان.
أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال: كتبت عنه وكان صدوقا يسكن قريبا من دار القطن ثم تولى الخطابة بالرخجية وهي قريبة على نحو فرسخ من بغداد وراء باب الأزج وتوفي في رمضان هذه السنة وبها دفن.
3264- علي بن محمد بن نصر، أبو الحسن الكاتب صاحب الرسائل [1] :
3265- فارس بن محمد بن عنان صاحب حلوان والدينور [2] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 54) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 54) .(15/304)
ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة
[وقوع الموتان في الدواب]
فمن الحوادث فيها:
أنه وقع الموتان في الدواب فربما أنفق في اليوم الواحد مائة وأكثر وكان ذلك يطرح في دجلة فاجتنب كثير من الناس الشرب منها وكان قوم يحضرون لدوابهم الأطباء فيسقونها ماء الشعير ويدبرونها.
[خاطب ذو السعادات رئيس الرؤساء]
وفي صفر: خاطب ذو السعادات أبو الفرج بن فسانجس رئيس الرؤساء أبا القاسم ابن المسلمة في معنى أبي محمد بن النسوي وكان قد صرف [1] عن الشرطة فقال له: هذا الرجل قد ركب العظائم ولا سبيل إلى الإبقاء عليه فتقدم الخليفة بحبسه/ ورفع عليه أنه كان يتبع الغرباء والعجم من أرباب البضائع فيقبض عليهم ليلا ويأخذ أموالهم ويقتلهم ويلقيهم في آبار وحفر معروفة المكان فحفرت فوجد فيها رمم بالية ورءوس فثار العوام ونشروا المصاحف وعبروا بالعظام إلى الباب النوبي وكثرت الدعاوي عليه إلى أن ادعى [وكيل] [2] لورثة أبي جبلة الهاشمي ان ابن النسوي قتل ابن أبي جبلة بيده بالسيف عامدا فجحد ذلك فشهد عليه ابن أبي الجندقوقي [3] وابن أبي العباس الهاشميان وزكاهما ابن الغريق وابن المهتدي فقال القاضي أبو الطيب الطبري قد أمضيت شهادتكما وحكم عليه بالقتل وشهد عليه بمال فآل الأمر إلى أن أدى خمسة آلاف وخمسمائة دينار عن ثلاث ديات قتلهم ومال أخذه فتناول ذلك جهبذ السلطان وصرف في أقساط الجند.
__________
[1] في ص: «وقد عزب» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص: «ابن أبي الجندقوقي» .(15/305)
وفي هذه السنة: فارق سعدي بن فارس بن عنان مهلهلا ومضى إلى الغز وعاد ومعه [1] عدة منهم وغلب على حلوان وخطب بها لإبراهيم ينال ونفسه ثم غلب مهلهل عليها بعد شهر ثم عاد سعدي والغز [عليها] [2] فنهبوها ومات بدران بن سلطان بن ثمال الخفاجي وتأمر على بني خفاجة رجب بن منيع بن ثمال وأسر سرخاب بن محمد أبا الفتح بن ورام وابنه واخاه وخالد بن عمر وسعدي بن فارس وقتل راما وابنيه وصلبهما.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3266- الحسن بن محمد بن عمر بن القاسم، أبو علي النرسي البزاز المعروف بابن عديسة
[3] .
ولد في سنة ثمانين وثلاثمائة وسمع ابن شاهين/ وغيره وكان صدوقا من أهل القرآن والمعرفة بالقراءات وانتقل بآخره إلى مكة فسكنها وتوفى بها في ليلة النصف من رجب هذه السنة.
3267- عبد الله بن أحمد بن عبد الله، أبو محمد الهاشمي من أولاد المعتصم [4] :
سمع ابن مالك القطيعي وأبا محمد بن ماسي وكان صدوقا وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب.
3268- عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه، أبو محمد الجويني والد أبي المعالي
[5] :
وأصلهم من قبيلة من العرب يقال لها سنبس وجوين من نواحي نيسابور، سمع الحديث بمرو على جماعة وبنيسابور وبهمذان وببغداد وبمكة وقرأ الأدب على أبيه أبي
__________
[1] في ل، والأصل: «وعاد ومعهم عدة منهم» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 425) .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 398) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 198، والبداية والنهاية 12/ 55) .(15/306)
يعقوب وتفقه على أبي الطيب سهل بن محمد بن سليمان الصعلوكي ثم خرج إلى مرو إلى أبي بكر عبد الله بن أحمد القفال وعاد إلى نيسابور فدرس وأفتى وعقد مجلس المناظرة وكان مهيبا لا يجري بين يديه إلا الجد وصنف التصانيف الكثيرة في أنواع من العلوم وكان لا يدق وتدا في جدار مشترك [1] بينه وبين جاره ويحتاط في أداء الزكاة فربما أداها مرتين، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
3269- محمد بن الحسن بن عيسى بن عبد الله، أبو طاهر المعروف بابن شرارة الناقد
[2] :
ولد سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة وسمع أبا بكر بن مالك القطيعي وأبا محمد بن ماسي وغيرهما وكان صدوقا يسكن نهر طابق وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة
/ 3270- محمد بن إبراهيم بن محمد، أبو الحسن يعرف بالمطرز [3] :
أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال هو إصبهاني الأصل، كان يتوكل بين يدي القضاة ومنزله بناحية نهر الدجاج، وحدث عن محمد بن عبد الله بن بخيت [4] وغيره وكان صدوقا صحيح الأصول سألته عن مولده فقال: يوم السبت لعشر بقين من شوال سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، قال: وجدي من أهل إصبهان فأما أبي فإنه ولد ببغداد، وتوفى محمد بن إبراهيم في شوال هذه السنة.
3271- محمد بن الحسين بن أبي سليمان محمد بن الحسين بن علي أبو الحسين ابن الحراني الشاهد
[5] :
سمع أبا بكر بن مالك وأبا محمد بن ماسي وابن المظفر وأبا الفضل الزهري وغيرهم وكان صدوقا وتوفي في ليلة الجمعة لست عشرة ليلة خلت من هذه السنة ودفن بباب حرب.
__________
[1] في ص: «في حدار مشرك» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 221) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 418) .
[4] في ص، ل: «محمد بن عبد الله بن نجيب» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 254) .(15/307)
ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه غدر الأكراد بسرخاب بن محمد بن عنان وحملوه مقبوضا عليه إلى إبراهيم ينال فقلع إحدى عينيه وظفر بنو نمير [1] بأصفر الغازي وكان قد أوغل في بلاد الروم فسلم إلى ابن مروان فسد عليه برجا من أبراج آمد.
وعاد القتال بين أهل الكرخ وباب البصرة حتى أن صاحب المعونة فارق موضعه ومضى إلى باب الأزج.
وفي رمضان: غلا السعر ببغداد وورد كتاب من الموصل أن الغلاء اشتد بها حتى أكلوا الميتة وكثر الموت حتى أنه أحصى جميع من صلى الجمعة فكانوا أربعمائة وعد أهل الذمة في البلد فكانوا نحو مائة وعشرين.
وفي شوال: قبض على الوزير ذي السعادات أبي الفرج محمد بن جعفر فسانجس.
وفي ذي القعدة: كثر الوباء ببغداد وبيعت رمانة بقيراطين ونيلوفرة بقيراطين وفروج بقيراطين وخيارة بقيراط ومائة ومناسكر بتسعين دينارا وطباشير درهم بدرهم فضة وزاد الأمر في ذي الحجة وكثرت الأمراض.
__________
[1] في ص: «وظفر بني تميم» .(15/308)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3272- أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ [أحمد أبو] [1] الفضل القاضي الهاشمي الرشيدي
[2] :
من ولد الرشيد مروروذي [الأصل] [3] ولي القضاء بسجستان وسمع من أبي أحمد الغطريفي وغيره.
أخبرنا القزاز أخبرنا أحمد بن علي قال أنشدنا أبو الفضل الرشيدي لنفسه.
قالوا اقتصد في الجود إنك منصف ... عدل وذو الإنصاف ليس يجور
فأجبتهم إني سلالة معشر ... لهم لواء في الندى منشور
تاللَّه إني شائد ما قد بنى ... جدي الرشيد وقبله المنصور
3273- الحسن بن محمد بن الحسن بن علي، أبو محمد بن أبي طالب الخلال
[4] :
ولد سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة وسمع القطيعي والخرقي وابن المظفر وابن حيويه وغيرهم وكان يسكن بنهر القلائين ثم انتقل إلى باب البصرة وكان ثقة له معرفة وتنبه وجمع وخرج وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب.
3274- الحسين بن علي بن عبيد الله بن [أحمد] [5] أبو الفرج الطناجيري
[5] :
ولد سنة خمسين وثلاثمائة وكان يسكن درب الدنانير قريبا من نهر طابق سمع محمد بن المظفر وأبا بكر بن شاذان وخلقا كثيرا وكان ثقة صدوقا وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
3275- الحسين بن الحسن بن علي بن بندار/ أبو عبد الله الأنماطي
[6] :
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل. انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 56) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 425) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] هذه الترجمة ساقطة من ص.
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 79) .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 35) .(15/309)
[أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي بن ثابت قال حدث الحسين بن الحسن عن عبد الله بن إبراهيم بن ماسي وأبي الحسن الدار الدارقطني كتبت عنه] [1] وكان يسكن الجانب الشرقي من ناحية مربعة أبي عبيد الله وكان ينتحل الاعتزال والتشيع وكان ظاهر الحمق بادي الجهل فيما ينتحله ويدعو إليه ويناظر عليه ووجد في منزله ميتا يوم الاثنين الثالث عشر من شعبان سنة تسع وثلاثين وأربعمائة ولم يشعر أحد بموته حتى وجد في هذا اليوم وقد أكلت الفأر أنفه وأذنيه.
3276- عبد الوهاب بن علي بن الحسن، أبو تغلب المؤدب ويعرف بأبي حنيفة الفارسي اللخمي
[2] :
من أهل الجانب الشرقي كان يسكن شارسوك وحدث عن المعافى بن زكريا قال الخطيب: كتبنا عنه وكان صدوقا وكان أحد حفاظ القرآن عارفا بالقراءات عالما بالفرائض وقسمة المواريث.
توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
3277- عبد الملك بن عبد القاهر بن راشد بن مسلم أبو القاسم
[3] :
ولد بنيصبين في سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وكان صدوقا ينزل نهر القلائين وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة ودفن بمقبرة الشونيزية.
3278- عبد الواحد بن محمد بن يحيى بن أيوب، أبو القاسم الشاعر المعروف بالمطرز
[4] :
وكان يسكن ناحية نهر الدجاج.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بْن علي بْن ثابت [الخطيب] [5] قَالَ أنشدني المطرز لنفسه في الزهد.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 33، وفيه «الفارسيّ الملحمي» ) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 433، وفيه: «ابن أسد بن مسلم» ) .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 16) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/310)
يا عبد كم لك من ذنب ومعصية ... إن كنت ناسيها فاللَّه أحصاها
لا بد يا عبد من يوم تقوم له ... ووقفة لك يدمي القلب ذكراها
إذا عرضت على قلبي تذكرها ... قد ساء ظني فقلت أستغفر الله
/ توفي المطرز في جمادى الآخر من هذه السنة.
3279- محمد بن الحسين بن علي بن عبد الرحيم أبو سعد
[1] :
أصله من براز برازالروذ وزر للملك أبي كاليجار [2] دفعات وتوفى بجزيرة ابن عمر في ذي القعدة من هذه السنة عن ست وخمسين سنة.
3280- محمد بن أحمد بن موسى، أبو عبد الله الواعظ الشيرازي
[3] :
أخبرنا القزاز أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب قَالَ: قدم هذا الرجل بغداد وأقام فيها مدة يتكلم بلسان الوعظ ويشير إلى طريقة الزهد ويلبس المرقعة ويظهر عزوف النفس عن طلب الدنيا فافتتن الناس به لما رأوا من حسن طريقته وكان يحضر مجلس وعظه خلق لا يحصون وعمر مسجدا خرابا بالشونيزية فسكنه وسكن معه فيه جماعة من الفقراء وكان يعلو سطح المسجد في جوف الليل ويذكر الناس ثم إنه قبل ما كان يوصل به بعد امتناع شديد كان يظهره وحصل له ببغداد مال كثير ونزع المرقعة ولبس الثياب الناعمة الفاخرة وجرت له أقاصيص وصار له تبع وأصحاب ثم أظهر أنه يريد الغزو فحشد الناس إليه وصار معه عسكر كثير ونزل بظاهر البلد من أعلاه وكان يضرب له الطبل في أوقات الصلاة ورحل إلى الموصل ثم رجع جماعة من أتباعه وبلغني أنه صار إلى نواحي أذربيجان واجتمع له أيضا جمع وضاهى أمير تلك الناحية وقد كان حدث ببغداد عن أحمد بن محمد بن عمران الجندي وغيره وكتبت عنه أحاديث يسيرة في سنة عشر وأربعمائة وقد حدثني عنه بعض أصحابنا بشيء يدل على ضعفه/ في الحديث، وأنشدني هو لبعضهم.
إذا ما أطعت النفس في كل لذة ... نسبت إلى غير الحجى والتكرم
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 56، وفيه: «محمد بن الحسين» ) .
[2] في الأصل: «وزر للملك أبي طاهر ست» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 359، البداية والنهاية 12/ 56) .(15/311)
إذا ما أجبت النفس في كل دعوة ... دعتك إلى الأمر القبيح المحرم
قال: وحدثني المعمر بن أحمد الصوفي أن أبا عبد الله الشيرازي مات بنواحي أذربيجان سنة تسع وثلاثين وأربعمائة.
3281- محمد بن الحسين بن عمر بن برهان، أبو الحسن الغزال
[1] :
سمع أبا الحسن ابن لؤلؤ، ومحمد بن المظفر وأبا الفضل الزهري وغيرهم وكان صدوقا.
3282- محمد بن علي بن إبراهيم، أبو الخطاب الجبلي الشاعر
[2] :
كان من أهل الأدب الفصحاء مليح النظم سافر في حداثته إلى الشام فسمع الحديث وقال الشعر فمن شعره.
ما حكم الحب فهو ممتثل ... وما جناه الحبيب محتمل
يهوى ويشكو الصبا وكل هوى ... لا ينحل الجسم فهو منتحل
وورد على معرة النعمان فمدح أبا العلاء المعري بأبيات فأجابه عنها بأبيات وكان لما خرج إلى السفر له عينان كأنهما نرجستان حسنا فعاد وقد عمي فأقام ببغداد حتى توفي بها في ذي القعدة من هذه السنة وذكر أنه كان شديد الترخص [3] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 254، والبداية والنهاية 12/ 57، وفيه: المظفر بن الحسين بن عمر بن برهان، أبو الحسن الغزال» ) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 90، والبداية والنهاية 12/ 57) .
[3] في تاريخ بغداد: «وكان رافضيا شديد الترفض» .(15/312)
ثم دخلت سنة أربعين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في ربيع الآخر جلس رئيس الرؤساء أبو القاسم في صحن [1] السلام لوفاة أخت الأمير أبي نصر وهي زوجة الخليفة ولم يضرب الطبل في دار المملكة [أيام العزاء] [2] .
وعاد القتال بين أهل الكرخ وباب البصرة.
ومرض الملك أبو كاليجار في جمادي الأولى وفصد في يوم ثلاث مرات وهو في برية وحم فركب المهد ثم شق عليه فعملت له محفة على أعناق الرجال وقضى في ليلة الخميس فانتهب الغلمان الخزائن والسلاح والكراع وأحرق الجواري الخيم فما تركن إلا خيمة وخركاه هو فيها مسجى وولى مكانه ابنه أبو نصر وسموه الملك الرحيم وخرج من معسكره إلى دار الخلافة فركب من شاطئ دجلة عند بيت النوبة حتى نزل من صحن السلام في الموضع الذي نزل فيه عضد الدولة ومن بعده ووصل إلى حضرة الخليفة فقبل الأرض واجلس على كرسي وتكلم عنه بما أكثر [فيه] [3] الدعاء والشكر ثم أنهض ولبس الخلع [4] فلبس السبع الكاملة والعمامة السوداء، العمة الرصافية والطوق
__________
[1] في الأصل: «أبو الفرج في صحن» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] «وتكلم عنه ... ولبس الخلع» : العبارة ساقطة من ل.(15/313)
والسوارين وقلد سيفا بجزابل ووضع على رأسه التاج المرصع وبرز له لواءان معقودان وأحضر الكتاب بالتقليد والتقليب فسلم إليه بعد أن قرئ صدره ووصاه الخليفة باستعمال التقوى ومراعاة العقبى واتباع العدل في الرعية ونهض فقدم إليه فرس أدهم بمركب ذهب وخرج فنزل الطيار الخليفي وصعد منه إلى مضربه وجلس على سدته ساعة خدمه فيها الناس وهنئوه ثم نهض ودخل خيمه ونزع ما كان عليه وخرج وركب ومضى إلى ديالي وكان يوما مشهودا.
وفي يوم السبت لست بقين من جمادي الآخرة قبل القاضي أبو عبد الله بن ماكولا/ شهادة القاضي أبي يعلى بن الفراء.
وفي هذه السنة [1] : دار السور على شيراز وكان دوره اثنى عشر ألف ذراع وطول حائطه ثمانية أذرع وعرضه ستة أذرع وكان له أحد عشر بابا.
وفي هذه السنة [2] : أتى كثير من الغز من ما وراء النهر إلى ينال فقال لهم نضيق عن مقامكم عندنا والوجه أن نمضي إلى غزاة الروم ونجاهد فساروا وسار بعدهم فبقى بينه وبين القسطنطينية خمسة عشر يوما وحصل له من السبي زائد على مائة ألف رأس وغنم منهم أربعة آلاف درع وحمل ما وصل إليه على عشرة آلاف عجلة وعاد.
وفي شعبان هذه السنة: ختن ذخيرة الدين أبو العباس محمد بن القائم بأمر الله وذكر على المنابر بأنه ولى العهد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3283- الحسن [3] بن عيسى بن المقتدر باللَّه، [4] أبو محمد.
ولد في محرم سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وسمع من مؤدبه أحمد بن منصور
__________
[1] في ص: «وفيها» .
[2] في ص، ل: «وفيها» .
[3] في الأصل: «الحسين بن عيسى» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 354، والبداية والنهاية 12/ 58) .(15/314)
اليشكري [1] وأبي الأزهر عبد الوهاب بن عبد الرحمن الكاتب وكان فاضلا دينا حافظا لأخبار الخلفاء عارفا بأيام الناس صالحا زاهدا ترك الخلافة عن قدرة وآثر بها القادر باللَّه.
وتوفي في هذه السنة ووصى أن يغسله ويصلي عليه القاضي أبو الحسين بن الغريق ويحمل إلى باب حرب في النهار ويدفن بغير تابوت، حضر جنازته الوزراء كمال الملك وزعيم الملك ومشى البساسيري خلف جنازته من داره إلى قبره ودفن بقرب قبر أحمد [بن حنبل] [2] وجلس رئيس الرؤساء أبو القاسم من الغد للعزاء.
3284- الحسن بن أحمد بن الحسن بن محمد بن خداداذ، / أبو علي الباقلاوي
[3] :
كرخي الاصل ولد سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة. سمع من أبي عمر بن مهدي وغيره وحدث وكان صدوقا دينا خيرا من أهل القرآن والسنة وتوفي في محرم هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
3285- عبيد الله بن عمر بن أحمد بن عثمان، أبو القاسم الواعظ المعروف بابن [4] شاهين:
ولد في ربيع الأول سنة احدى وخمسين وثلاثمائة.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: سمع عبيد الله أباه وابن مالك القطيعي وأبا محمد بن ماسي وابا بجر البربهاري ومحمد بن المظفر كتبت عنه وكان صدوقا ينزل بالجانب الشرقي المعترض وراء الحطابين ومات في ربيع الآخر [5] من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
3286- علي بن الحسن بن محمد بن المنتاب، أبو القاسم المعروف بابن أبي عثمان [6] الدقاق:
__________
[1] في ص: «ابن منصور السكري» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 281) .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 386) .
[5] في تاريخ بغداد: «ومات في ربيع الأول» .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 390، والبداية والنهاية 12/ 58) .(15/315)
أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال: سمع علي بن الحسن أبا بكر بن مالك وأبا محمد بن ماسي وابن المظفر وغيرهم كتبت عنه وكان شيخا صالحا صدوقا دينا حسن المذهب سكن نهر القلائين وسألته عن مولده فقال سنة خمس وخمسين وثلاثمائة ومات في هذه السنة ودفن في مقبرة الشونيزية.
3287- محمد بن جعفر بن أبي الفرج بن فسانجس، ويكنى أبا الفرج ويلقب ذا السعادات
[1] :
وزر لأبي كاليجار بفارس ووزر له ببغداد وكانت له مروءة فائضة وكان مليح الشعر والترسل ومن شعره.
أودعكم وإني ذو اكتئاب ... وأرحل عنكم والقلب آبي
وإن فراقكم في كل حال ... لأوجع من مفارقة الشباب
أسير وما ذممت لكم جوارا ... وما ملت منازلكم ركابي
وأشكر كلما أوطئت دارا ... ليالينا القصار بلا احتساب
وأذكركم إذا هبت جنوب ... تذكرني غزارات التصابي
لكم مني المودة في اغترابي ... وأنتم ألف نفسي في اقترابي
سقى عهد الاحبة حيث كانوا ... سحال القطر من خلل السحاب
فروعات الفراق وإن أغامت ... يقشعها مسرات الإياب
واشتهر عنه أن بعض شهود الأهواز كتب إليه أن فلانا مات وخلف خمسين ألف دينار مغربية وعقارا بخمسين ألف دينار وخلف ولدا له ثمانية أشهر فإن رأى الوزير أن يقترض من العين إلى حين بلوغ الطفل فكتب على ظهر الرقعة المتوفي [2] رحمه الله والطفل جبره الله والمال ثمرة الله والساعي لعنه الله لا حاجة لنا إلى مال الأيتام.
اعتقل الوزير ذو السعادات بقلعة بني ورام ببهندف أحد عشر شهرا ونفذ أبو كاليجار من قتله بها في رمضان هذه السنة وقد بلغ إحدى وخمسين سنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 58) .
[2] في الأصل: «على ظهر القصة الميت» .(15/316)
3288- أبو كاليجار المرزبان بن سلطان الدولة أبي شجاع بن بهاء الدولة أبي [1] نصر:
ولد بالبصرة في شوال سنة تسع وتسعين وثلاثمائة وتوفي في هذه السنة وله أربعون سنة وأشهر وولي العراق أربع سنين وشهرين وأياما ونهبت قلعة له وكان فيها ما يزيد على ألف ألف دينار.
3289- محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان بن عبد الله بن غيلان بن حكيم بن غيلان، أبو طالب البزاز:
[2] ولد/ سنة ست [3] وأربعين وثلاثمائة وروى عن أبي بكر الشافعيّ وهو أخر من حدث عنه، روى عنه جماعة وكان صدوقا دينا صالحا وكان قوي النفس على كبر السن قال أبو عبد الله محمد بن محمود الرشيدي: لما أردت سفر الحجاز أوصاني الشيوخ بسماع مسند أحمد بن حنبل وفوائد أبي بكر الشافعي من أبي طالب بن غيلان فجئت إلى أبي علي التميمي الذي كان عنده مسند أحمد فراودته على السماع منه فقال أريد مائتي دينار حمر لأقرئك الكتاب فقلت إن جميع ما استصحبت من نفقتي للحج لا يبلغ مائة دينار فان كان لا بد فأجز لي ذلك فقال أريد عشرين دينارا احمر لأجيز لك فتركت ذلك الكتاب وقلت لأبي منصور بن حيدر أريد أن أسمع من ابن غيلان، فقال: إنه مبطون عليل! فسألته عن سنة فقال: هو ابن مائة وخمس سنين، قلت: فأعجل قال: لا حج، فقلت شيخ ابن مائة وخمس سنين مبطون كيف يسمح قلبي بتركه وكيف اعتمد على حياته. قال اذهب فإني ضامن لك حياته، فقلت: وما سبب اعتمادك على حياته؟ قال: أن له ألف دينار حمر جعفرية يجاء بها كل يوم وتصب في حجره فيقلبها ويتقوى بذلك. فخرجت وحججت فلما رجعت سمعت عليه.
أخبرنا أبو القاسم بن الحصين عن أبي طالب بن غيلان بالأجزاء التي تسمى
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 59) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 234، وفيه: «أبو طاهر» ، والبداية والنهاية 12/ 58، 59، وفيه:
«أخو طالب البزاز» ) .
[3] في تاريخ بغداد: «ولد سنة ست» .(15/317)
الغيلانيات التي خرجها الدار الدّارقطنيّ لابن غيلان وتحديثه عن المزكى [1] .
توفي ابن غيلان في يوم الاثنين السادس من شوال سنة أربعين واربعمائة ودفن من الغد في داره بدرب عبدة في قطيعة الربيع بباب/ مسجد هناك يسمى مسجد ابن المبارك وكان الإمام في الصلاة أبو الحسين بن المهتدي [2] .
__________
[1] في الأصل: «وتحديثه البينة عن المزكي» .
[2] في الأصل: «أبو الحسين بن المهدي» .(15/318)
ثم دخلت سنة احدى وأربعين واربعمائة
[تقدم إلى أهل الكرخ ألا ينوحوا في ليلة عاشوراء]
فمن الحوادث فيها:
أنه تقدم في ليلة عاشوراء إلى أهل الكرخ أن لا ينوحوا ولا يعلقوا المسوح على ما جرت به عادتهم خوفا من الفتنة فوعدوا وأخلفوا وجرى بين أهل السنة والشيعة ما يزيد عن الحد من الجرح والقتل حتى عبر الأتراك وضربوا الخيم.
وفي يوم الأربعاء ثالث ربيع الأول: قبل قاضي القضاة أبو عبد الله بن ماكولا شهادة أبي عبد الله محمد بن على الدامغانيّ.
[نقض أهل الكرخ سوق الأنماط]
وفي شعبان: نقض أهل الكرخ سوق الأنماط دكاكينها وأرحاءها وبنوا بآخرها سورا من [1] ورائها يحصنون بها الكرخ ويقطعون به ما بين خراب القلائين وبينه فلما رأى ذلك أهل السنة من القلائين ومن يجري مجراهم شرعوا في بناء سور على سوق القلائين وبدءوا بعمل بابه محاذيا لباب السماكين ونقضوا كل حائط أمكنهم نقضه وأخذوا كل آجر وجدوه واجتمع منهم جمع كثير يحملون الآجر إلى موضع العمل وعاونهم الأتراك بأموالهم [2] وساعدوهم ببغالهم وجرى من اجتماع الجموع ما لم يجر مثله من قبل في شيء حتى جرت سفينة على العجل حمل فيها آجر وعلى ملاحها قباء ديباج وعمامة قصب أهبة وعن لأهل الكرخ أن يبنوا بابا آخر من آجر الدقاقين وحملوا الآجر إلى موضعه على رءوس الرجال في البافدانات المجللة بالثياب الديباج والمناديل/ الدبيقي
__________
[1] في الأصل: «وبنوا بآخرها سورها» .
[2] في الأصل: «وعاونهم الأتراك بالأموال» .(15/319)
وقدامها الطبول والزمور والمخانيث معهم آلات الحكاية وقابل أهل القلائين ذلك بأن حملوا آجرهم بين يدي حمالية البوقات والدبادب وزاد الأمر وسخف وأفرط الوهن ونقضت أبنية كثيرة وأخذ من تنانير الآجر الجديدة عدة وجرى في عمل هذه الأبواب وبنائها وجمع آجرها وآلاتها وتقسيط نفقاتها والخلع على بنائها وطرح ماء الورد في أساساتها ما خرج عن الحد حتى أن امرأة اجتازت بباب القلائين فنزعت جوكانية ديباج كانت عليها فأعطتها للبناء.
[ثوران الفتنة بين أهل الكرخ وأهل القلائين]
وفي يوم عيد الفطر: ثارت الفتنة بين أهل الكرخ وأهل القلائين فاشتدت ووقع بينهما [1] جرح وقتل ونقل أهل القلائين آخر السور الذي على سوق الأنماط فاستعملوه في بنائهم وجعل مع كل جهة قوم من الأتراك يشدون منهم وامتنع على السلطان الإصلاح وعمل أهل القلائين بابا آخر دون بابهم وسقفوا ما بينهما وبنوا دكاكين جانبيها وفرشوا الحصر وعلقوا القناديل وخلقوا الحيطان وأظهروا عمل ذلك مسجدا وأذنوا للصلوات فيه وسمى الباب المسعود وبطلت الأسواق ودعي ابو محمد بن النسوي ورسم له العبور إلى الجانب الغربي وإزالة الفتنة فقتل جماعة من المذكورين وانتهى إلى الخليفة أن القضاة أبا الحسن السمناني [2] وأبا الحسن البيضاوي وأبا عبد الله الدامغاني وابن الواثق وابن المحسن الوكيلين حضروا عند القاضي أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي وجرى ذكر أهل الكرخ وما عملوا فقال التنوخي: هذه طائفة نشأت على سب الصحابة وما منعت منه إلا/ وجدت به ولا كان لدار الخلافة أمر عليها فما تحاول الآن منها واني لا ذكره وأنا أحمل رقاع ابن حاجب النعمان عن دار الخلافة القادرية إلى الرضى فلا يفضها ويقول أن كانت لك حاجة قضيتها فلما قام أخوه المرتضى أظهر الطاعة حفظا لنعمته فكتب الوكيلان بما جرى إلى الديوان وشهد بذلك الشهود [3] فتقدم بما وقف عليه ابن عبد الرحيم الوزير فكاتب الخليفة وسأله في الصفح عن التنوخي فوقع الاقتصار على أن كتب رئيس الرؤساء إلى قاضي القضاة ليتوقف قاضي القضاة الحسين
__________
[1] في الأصل: «فاشتدت ووقع بينهما» .
[2] في الأصل: «أبا الحسن السمنافي» .
[3] في ص، ل: «وشهد بذلك شهود» .(15/320)
ابن علي عن استماع شهادة التنوخي وليوعز عليه بملازمة منزلة إلى أن يكشف عن حاله ثم لم يزل يسأل فيه حتى أذن له في الشهادة ودخول الديوان ثم زادت الفتن بين السنة والشيعة ونقضت المحال ورميت فيها النار [1] .
وأشتد أمر العيارين بالجانب الغربي حتى انتقل أهله إلى الحريم وابتاعوا خرابات وعمروها.
وفي ذي الحجة: عصفت ريح غبراء ترابية فأظلمت الدنيا فلم ير أحد أحدا وكان الناس في أسواقهم فحاروا ودهشوا ودامت ساعة فقلعت رواشن دار الخلافة ودار المملكة وانحدر الطيار ووقع الظلال في الأسواق وسقط من النخل والشجر الكثير [2] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3290- أحمد بن محمد بن أحمد بن منصور، [أبو الحسن] [3] المعروف [4] بالعتيقي:
وكان بعض أجداده يسمى عتيقا فنسب إليه. ولد في محرم سنة سبع وستين وثلاثمائة وسمع من ابن شاهين وغيره وكان صدوقا وتوفي في صفر هذه السنة ودفن بمقبرة الشونيزي.
3291- علي بن عبد الله بن الحسين، أبو القاسم/ العلويّ ويعرف بابن ابن [5] شيبة:
أخبرنا القزاز أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب قَالَ سمع [علي بن عبد الله] [6] من ابن المظفر وكتبت عنه وكان صدوقا دينا حسن الاعتقاد يورق بالأجرة ويأكل من كسب يده
__________
[1] في الأصل: «ورميت بها في النار» .
[2] إلى هنا آخر نسخة برلين.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 60) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 9، البداية والنهاية. 12/ 60، وفيه: «علي بن الحسن أبو القاسم العلويّ، ويعرف بابن محيي السنة» ) .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/321)
ويواسي الفقراء من كسبه وسألته عن مولده فقال ليلة عيد الأضحى من سنة ستين وثلاثمائة وتوفي في رجب هذه السنة.
3292- عبد الوهاب بن أقضى القضاة، أبي الحسن الماوردي [1] أبو الفائز.
شهد عند ابن ماكولا في سنة إحدى وثلاثين وقبل شهادته في بيت النوبة ولم يفعل ذلك مع غيره احتراما لأبيه توفي في محرم هذه السنة.
3293- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ محمد، أبو عبد الله الصوري:
سمع بصيداء من أبي الحسين بن جميع وهو أسند شيوخه ثم صحب [2] عبد الغني الحافظ فكتب عنه وعن غيره من المصريين وكتب عنه عبد الغني أشياء في تصانيفه وإنما طلب الحديث بنفسه في الكبر وقدم بغداد سنة ثمان عشرة واربعمائة فسمع من أبي الحسن بن مخلد ومن بعده فأقام يكتب الحديث وكان من أحرص الناس عليه وأكثرهم كتبا له وأوفرهم رغبة في تحصيله فربما كرر قراءة الحديث على شيخه مرات ورأيت بخطه في الوجهة الواحدة ثمانين سطرا وكان له فهم ومعرفة بالحديث ومضى إلى الكوفة فسمع بها من اربعمائة شيخ وكان يظهر هناك السنة ويترحم على أبي بكر وعمر فثار أهل الكوفة ليقتلوه فالتجأ إلى أبي طالب بن عمر العلوي وكان أبو طالب يسب الصحابة فأجاره وقال له أحضر كل يوم عندي وارو لي ما سمعت في فضائل الصحابة فقرأ عنده فضائلهم فتاب أبو طالب وقال قد عشت أربعين سنة أسب الصحابة وأشتهي أعيش مثلها حتى أذكرهم بخير/ وكان الصوري يسرد الصوم دائما لا يفطر إلا العيدين والتشريق.
أخبرنا جماعة من أشياخنا عن أبي الحسين [ابن] [3] الطيوري. قال أكثر كتب الخطيب سوى تاريخ بغداد مستفادة من [كتب] [4] الصوري ابتدأ بها وكان قد قسم أوقاته في نيف وثلاثين شيئا وكان له أخت بصور وخلف عندها اثني عشر عدلا من الكتب
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 60) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 103، البداية والنهاية 12/ 60) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/322)
فحصل الخطيب من كتبه أشياء، قال وأظنه لما خرج إلى الشام أعطى أخته شيئا وأخذ منها بعض كتبه، قال وكان الصوري طيب المجالسة حسن الخلق يصوم الدهر وذهبت إحدى عينيه وكان يكتب المجلدة في جزء وكان سبب موته أنه افتصد فتورمت يده ومات في ذلك.
قال ابن الطيوري حدثني أبو نصر [علي بن] [1] هبة الله بن ماكولا أن السبب في ذلك أن الطبيب الذي فصده وكان قد أعطى مبضعا مسموما ليفصد غيره فغلط وفصده به، وكان الصوري [2] يفيد الناس وإذا أراد أن يسمع شيئا أعلم الناس كلهم ليحضروا المجلس، قال وكان الخطيب إذا ظفر بجزء مرة واحدة فقرأ على الشيخ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نَاصِرٍ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَك بْن عبد الجبار قال أنشدنا الصوري لنفسه:
تولى الشباب بريعانه ... وجاء المشيب بأحزانه
فقلبي لفقدان ذا مؤلم ... كئيبا بهذا ووجدانه
وإن كان ما جار في سيره ... ولا جاء في غير إبانه
ولكن أتى مؤذنا بالرحيل ... فويلي من قرب إيذانه
ولولا ذنوب تحملتها ... لما راعني حال إتيانه
ولكن ظهري ثقيل بما ... جناه شبابي بطغيانه
فمن كان يبكي زمانا ... مضى [3] وبندب طيب أزمانه
/ فليس بكائي وما قد ترون ... مني لوحشة فقدانه
ولكن لما كان قد جره ... على بوثبات شيطانه
فولى وأبقى علي الهموم ... بما قد تحملت في شانه
فويلي وعولي لئن لم يجد ... علي مليكي برضوانه
ولم يتغمد ذنوبي وما ... جنيت بواسع غفرانه
ويجعل مصيري إلى جنة ... يحل بها أهل قربانه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وكان الصيمري» .
[3] في الأصل: «يبكي شبابا مضى» .(15/323)
وان كنت ما لي من قربة ... سوى حسن ظني بإحسانه
وإني مقر بتوحيده ... عليم بعزة سلطانه
أخالف في ذاك أهل الجحود ... وأهل الفسوق وعدوانه
وأرجو به الفوز في منزل ... مقر لأعين سكانه
ولن يجمع الله أهل الجحود ... ومن قد أقر بإيمانه
فهذا ينجيه إيمانه ... وهذا يبوء بخسرانه
وهذا ينعم في جنة ... وذلك في قعر نيرانه
قال وانشدنا الصوري لنفسه.
قل لمن عاند الحديث وأضحى ... عائبا اهله ومن يدعيه
أبعلم تقول هذا ابن لي ... أم بجهل فالجهل خلق السفيه
أيعاب الذين هم حفظوا الدين ... من الترهات والتمويه
وإلى قولهم وما قد رووه ... راجع كل عالم وفقيه
توفي الصوري بالمارستان في يوم الأربعاء سلخ جمادي الآخرة [1] ودفن في مقبرة جامع المدينة وكان قد نيف عن الستين سنة.
__________
[1] في تاريخ بغداد: «في يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من جمادى الآخرة» .(15/324)
ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة
[ندب أبي محمد النسوي للعبور وضبط البلد]
فمن الحوادث فيها:
أنه ندب أبو محمد النسوي للعبور وضبط البلد ثم اجتمع العامة من أهل الكرخ والقلائين وباب الشعير وباب البصرة على كلمة واحدة في أنه متى عبر ابن النسوي أحرقوا أسواقهم وانصرفوا عن البلد فصار أهل الكرخ إلى باب نهر القلائين فصلوا فيه وأذنوا في المشهد حي على خير العمل وأهل القلائين بالعتيقة والمسجد بالبزازين بالصلاة خير من النوم واختلطوا واصطلحوا وخرجوا إلى زيارة المشهدين مشهد علي والحسين وأظهروا بالكرخ الترحم على الصحابة وكبس أهل الكرخ دار الوزارة [1] واخرجوا منها أبا نصر بن مروان وخلصوه من المصادره.
ووقعت في ليلة الجمعة ثاني رمضان صاعقة في حلة نور الدولة على خيمة لبعض العرب كان فيها رجلان فأحرقت نصفهما ورأس أحد الرجلين ونصف بدنه ويدا واحدة ورجلا واحدة فمات وسقط الآخر مغشيا عليه لم يتكلم يومين وليلة ثم أفاق. وعصفت ريح شديدة وجاء مطر جود فقلعت رواشن دار الخلافة على دجلة.
[خروج الناس لزيارة المشهدين]
واستهل ذو الحجة: فعمل الناس/ على الخروج لزيارة المشهدين بالحائر والكوفة فبدأ أهل القلائين بعمل طرد أسود عليه اسم الخليفة ونصبوه على بابهم وأخرج أهل نهر الدجاج والكرخ مناجيق ملونة مذهبات [2] واختلط الفريقان من السنة والشيعة
__________
[1] في الأصل: «وكبس أهل الكرخ باب الوزارة» .
[2] في الأصل: «مناجيق ملونات مذهبات» .(15/325)
وساروا إلى الجامع بالمدينة فلقيهم مناجيق باب الشام وشارع دار الرقيق، ثم عادوا والعلامات بين أيديهم تقدمها العلامة السوداء والبوقات تضرب فجازوا بصيفية الكرخ فنثر [عليهم] [1] أهل الموضعين دراهم وخرج إلى الزيارة من الأتراك وأهل السنة من لم تجر له عادة بها.
ورخص السعر حتى بيع الكر من الحنطة بسبع دنانير.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3294- الحسن بن محمد بن الحسن بن باقة [2] ، أبو يعلى الرازي
[3] .
سمع أبا بكر بن مالك وأبا محمد بن ماسي وكان صحيح السماع لكنه كان يتشيع توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
3295- عمر بن ثابت، أبو القاسم الثمانين الضرير النحوي
[4] :
هو الذي شرح اللمع وكان غاية في ذلك العلم وكان يأخذ على ذلك الأجر.
3296- علي بن عمر [بن محمد] بن الحسن، أبو الحسن الحربي المعروف [5] بالقزويني:
ولد مستهل محرم سنة ستين وهي الليلة التي توفي فيها أبو بكر الآجري وسمع أبا حفص الزيات وابن حيويه وأبا بكر بن شاذان في آخرين وكان وافر العقل من كبار عباد الله الصالحين يقرئ القرآن ويروى الحديث ولا يخرج من بيته إلا للصلاة/ وله كرامات وتوفي في شعبان هذه السنة وكان في كانون الأول ثمانية وعشرون يوما وتولى
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «ابن الحسن بن ناقة» .
[3] في الأصل: «أبو يعلى الرازيّ» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 426) .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 62) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 43، البداية والنهاية 12/ 62) .(15/326)
أمره أبو منصور بن يوسف وغسله أبو محمد التميمي وصلى عليه في الصحراء بين الحربية والعتابين وكان يوما مشهودا غلقت فيه الأسواق ببغداد.
قال أبو علي البرداني حضره مائة ألف [رجل] [1] قال وانتبه أخي أبو غالب تلك الليلة وهو يبكي ويرتعد فسكنه والدنا وقال مالك يا بني؟ وقلت: مالك؟ قال: رأيت في المنام كأن أبواب السماء قد فتحت وابن القزويني يصعد إليها فلما كانت صبيحة [تلك] [2] الليلة سمعت المنادي ينادي بموته.
3297- قرواش بن المقلد أبو المنيع الأمير [3] :
وكان قد جلس له القادر في سنة ست وتسعين وثلاثمائة ولقبه معتمد [4] الدولة ثم تفرد بالإمارة وكانت له بلاد الموصل والكوفة وشقا الفرات واستنزل على ابن مزيد على ما كان إليه من كوثى ونهر الملك ورد إلى قرواش وكان قرواش قد جمع بين أختين فلامته العرب فقال خبروني ما الذي نستعمله مما تبيحه الشريعة وكان يقول ما على رقبتي غير خمسة أو ستة من البادية قتلتهم فأما الحاضرة فلا يعبأ الله بهم.
وكان الحاكم الذي بمصر يكاتبه ويراسله ويستميله فأقام له الدعوة بالموصل والكوفة ثم اعتذر إلى القادر وسأله العفو ولما دخل الغز إلى الموصل نهبوا من دار قرواش ما يزيد على مائتي ألف دينار وتوفي في هذه السنة وقام بالأمر بعده قريش بن بدران بن المقلد.
3298- محمد بن أحمد بن الحسين بن محمد، أبو الحسن [5] القطان المعروف بابن المحاملي
[6] :
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 62) .
[4] في الأصل: «جلس له القادر باللَّه ولقبه» .
[5] في الأصل أبو الحسين» .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 291) .(15/327)
سمع علي بن عمر السكرى وأبا القاسم بن حبابة وعيسى/ بن علي الوزير والمخلص وغيرهم.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي الخطيب قال: كتبت عن أبي الحسن القطان شيئا يسيرا وكان صدوقا من أهل القرآن حسن التلاوة جميل الطريقة وسمعته يقول ولدت في سحر يوم الأحد العشرين من شوال سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة.
ومات في ليلة الثلاثاء الرابع عشر من ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة ودفن يوم الثلاثاء في داره بدرب الآجر من نواحي نهر طابق.
3299- محمد بن أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الصمد بن المهتدي باللَّه، أبو الحسن الهاشمي خطيب جامع المنصور
[1] :
ولد في سنة أربع وثمانين وثلاثمائة وقرأ القرآن على أبي القاسم الصيدلاني وحدث شيئا يسيرا عن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير وكان صدوقا وشهد عند قاضى القضاة أبى عبد الله بن ماكولا وقاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني فقبلاه.
3300- محمد بن علي بن محمد، أبو طاهر ابن العلاف
[2] :
سمع أبا بكر بن مالك القطيعي وأحمد بن جعفر بن مسلم في آخرين وكان صدوقا مستورا ظاهر الوقار حسن السمت ينزل بدرب الديوان في جوار أبي القاسم بن بشران وله مجلس وعظ في جامع المهدي ثم اتخذ حلقة في جامع المنصور. توفي في ربيع الآخر من هذه السنة ودفن بمقبرة الخيزران.
3301- مودود بن مسعود بن محمود بن سبكتكين
[3] :
توفي فقام مقامه عمه عبد الرشيد بن محمود.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 356) .
[2] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 442) .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 62) .(15/328)
ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
/ أنه في ليلة الأحد الخامس من المحرم وهو اليوم التاسع عشر من أيار عصفت ريح مغرب ورد في أثنائها مطر جود وقلعت رواشن دار الخليفة على دجلة ودار المملكة وعدة دور من الدور الشاطية وأثرت في ذلك الآثار البينة وانحل الطيار الممدود عن باب الغربة من رباطه فوقع على الرواشن فقلعه من أوله إلى آخره وغرق في انحداره عدة سفن فيها غلة وتمر وسميريات كانت سائرة في دجلة هلك فيها قوم وخرجت سفن الجسر من الصراة وكانت مشدودة فيها وانحدرت مع الماء وغرق بعضها ووقع الظلال [على الأسواق] [1] من الجانبين وانقلع من النخل والسرو والشجر والتوت في الصحراء والدور الشيء الكثير.
[تجدد الفتنة بين السنة والشيعة]
وفي أول صفر: تجددت الفتنة بين السنة والشيعة وكان الاتفاق الّذي حكيناه بين السنة والشيعة غير مأمون الانتقاض لما في الصدور فمضت عليه مديدة وشرع أهل الكرخ في بناء باب السماكين وأهل القلائين في عمل ما بقي من بنائهم وفرغ [2] أهل الكرخ من بنيانهم وعملوا أبراجا وكتبوا بالذهب على آخر تركوه محمد [3] وعلي خير البشر فأنكر أهل السنة ذلك وأثاروا الشر وادعوا أن المكتوب محمد وعلي خير البشر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] إلى هنا انتهى السقط من نسخة ترخانة، والّذي بدأ أثناء ترجمة هبة الله بن الحسن في وفيات سنة 428،
[3] «وكتبوا بالذهب على آخر تركوه محمد» : ساقطة من ص، ل.(15/329)
فمن رضي فقد شكر ومن أبي فقد كفر فأنكر أهل الكرخ هذه الزيادة وثارت الفتنة وآلت إلى أخذ ثياب الناس في الطرقات ومنع أهل باب الشعير من حمل الماء من دجلة إلى الكرخ ورواضعه وأنضاف إلى هذا انقطاع الماء عن نهر عيسى فبيعت الراوية بقيراط إذا خفرت/ فلحق الضعفاء بذلك مشقة عظيمة وغلقت الأسواق ووقفت المعايش ومضى بعض سفهاء أهل الكرخ بالليل فأخذوا من دجلة الصراة عدة روايا وصبوها في حباب نصبوها في الأسواق وخلطوا بها ماء الورد وصاحوا السبيل وعمدوا إلى سمارية في مشرعة باب الشعير فأخذوها وحملوها إلى السماكين محا أهل الكرخ ما كتبوه من خير البشر وجعلوا عوضه عليهما السلام وقال أهل السنة ما نقنع إلا بقلع الآجر الذي عليه محمد وعلي وتجاوزوا هذا [الحال إلى] [1] المطالبة بإسقاط حي على خير العمل. فلما كان يوم الأربعاء لسبع بقين من صفر اجتمع من أهل السنة عدد يفوت الاحصاء وعبروا إلى دار الخلافة وملئوا الشوارع والرحاب واخترقوا الدهاليز والأبواب وزاد اللغط وقيل لهم سنبحث عن هذا وهجم أهل القلائين على باب السماكين فأحرقوا بواري كانت مسبلة في وجهه فبادر أهل الكرخ وطفئت النار [2] وبيضوا ما أسود من الباب وقويت الحرب وكثر القتل وانقطعت الجمعة في مسجد براثا لأن الشيعة نقلوا المنبر والقبلة منه وأشفقوا من الأصحار وظهر عيار يعرف بالطقطقي من أهل درزيجان وحضر الديوان واستتيب وجرى منه في معاملة أهل الكرخ وتتبعهم في المحال وقتلهم على الاتصال ما عظمت فيه البلوي واجتمع أهل الكرخ وقت الظهيرة فهدمت حائط باب القلائين ورموا العذرة على حائطه وقطع الطقطقي رجلين/ وصلبهما على هذا الباب بعد أن قتل ثلاثة من قبل وقطع رءوسهم ورمى بها إلى أهل الكرخ وقال تغدوا برءوس ومضى إلى درب الزعفرانيّ فطالب أهله بمائة ألف دينار وتوعدهم إن لم يفعلوا بالإحراق فلاطفوه فانصرف ووافاهم من الغد فقاتلوه فقتل منهم رجل هاشمي فحمل إلى مقابر قريش.
واستنفر البلد ونقب مشهد باب التبن ونهب ما فيه وأخرج جماعة من القبور فأحرقوا مثل العوفيّ والناشئ والجذوعي ونقل من المكان جماعة موتى فدفنوا في مقابر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وطفئ النار» .(15/330)
شتى وطرح النار في الترب القديمة والحديثة واحترق الضريحان والقبتان الساج وحفروا أحد الضريحين ليخرجوا من فيه ويدفنوه بقبر أحمد فبادر النقيب والناس فمنعوهم فلما عرف أهل الكرخ ما جرى صاروا إلى خان الفقهاء الحنفيين بقطيعة الربيع فأخذوا ما وجدوا وأحرقوا الخان وكبسوا دور الفقهاء فاستدعى أبو محمد وأمر بالعبور فقال قد جرى ما لم يجر مثله فإن عبر معي الوزير عبرت فقويت يده وأظهر أهل الكرخ الحزن وقعدوا في الأسواق للعزاء وعلقوا المسوح على الدكاكين فقال الوزير إن وأخذنا الكل خرب البلد فالأصلح التغاضي.
وفي يوم الجمعة لعشر بقين من ربيع الآخر: خطب بجامع براثا وأسقط حي على خير العمل ودق الخطيب المنبر وقد كانوا يمنعون منه وذكر العباس في خطبته.
وفي عيد الأضحى: حضر الناس في بيت النوبة واستدعى رئيس/ الرؤساء فخلع عليه وقرئ توقيع [بما لقب] [1] به من جمال الورى شرف الوزراء.
وفي يوم الخميس لعشر بقين من ذي الحجة: كبس العيارون أبا محمد بن النسوي وجرحوه جراحات.
[ورود الخبر بفتح أصبهان]
وفي هذه السنة: ورد الخبر بفتح أصبهان ودخول طغرلبك إليها وكان طغرلبك قد عمر الري عمارة حسنة وهدم دارا فوجد فيها مراكب مرصعة بالجوهر الثمين وقماقم الدنانير وبرنيتين صيني مملوءتين بالجوهر النفيس ودفينا عظيما ووجد في عقد قد انشق برنية خضراء فيها عشرون ألف دينار.
[كبس منصور بن الحسن الأهواز]
وكبس منصور بن الحسن بمن معه [2] من الغزاة الأهواز وقتل بها من الديلم والأتراك والعامة وأحرفها ونهبها ونجا الملك الرحيم ابن أبي كاليجار بنفسه وفقد كمال الملك أبو المعالي [3] بن عبد الرحيم.
وقبلها كانت وقعة بين المغاربة وأهل مصر، قتل فيها من المغاربة ثلاثون ألفا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «منصور بن الحسين» .
[3] في ص: «كمال الملك ابن أبي المعالي» .(15/331)
ووردت كتب من صاحب المغرب بما فتحه الله تعالى منها وبإقامة الدعوة للقائم بأمر اللَّه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3302- بركة بن الملقد:
الملقب زعيم الدولة [1] أمير بني عقيل فأقام مقامه قريش بن بدران.
3303- عبيد الله بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن لؤلؤ
[2] :
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بْن علي بْن ثابت الخطيب قَالَ:
سمع ابن لؤلؤ ابن مالك وغيره كتبت عنه وكان ثقة وسألته عن مولده فقال في رمضان سنة ست وخمسين وثلاثمائة ومات في شوال هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
3304- عبيد الله بن محمد بن عبيد الله أبو القاسم النجار المعروف بابن الدلو
[3] :
سمع ابن المظفر. قال الخطيب كتبت عنه وكان صدوقا يسكن وراء نهر عيسى وتوفي في رمضان هذه السنة.
3305- مُحَمَّد بن محمد بن أحمد، أبو الحسن الشاعر البصروي
[4] .
وبصرى قرية دون عكبرا. سكن بغداد وكان متكلما وله نوادر مطبوعة، قال رجل لقد شربت الليلة ماء عظيما [5] فاحتجت كل ساعة إلى القيام كأني جدي فقال له: لم تصغر نفسك يا سيدنا؟ وله شعر مليح أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال أنشدنا أبو الحسن البصروي:
__________
[1] في ص: «زعم الملك» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 356) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 386) .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 236، البداية والنهاية 12/ 63) .
[5] في الأصل: «شربت الليلة ماء كثيرا» .(15/332)
نرى الدنيا وزهرتها فنصبو ... وما يخلو من الشهوات قلب
فضول العيش أكثرها هموم ... وأكثر ما يضرك ما تحب
فلا يغررك زخرف ما تراه ... وعيش لين الأعطاف رطب
إذا ما بلغة جاءتك عفوا ... فخذها فالغنى مرعى وشرب
إذا اتفق القليل وفيه سلم ... فلا ترد الكثير وفيه حرب(15/333)
ثم دخلت سنة أربع وأربعين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن أبا الحسن علي بن الحسين بن محمود البغدادي المعروف بالشباش توفي بالبصرة وكان هذا الرجل هو وأبوه وعمه مستقرين فيها ومستوعبين بها وكانت الظنون تختلف في المذهب الذي يعتقدونه إلا أن الأقوال في أنهم [1] من الشيعة الإمامية والغلاة الباطنية أغلب وكانت لهم نعم واسعة وأملاك كثيرة وشيعة من سواد البصرة والقرامطة والبطون المتفرقة يسرون طاعتهم ويحملون إليهم ما يجرونه مجرى زكواتهم وأما أبوه وعمه فكانا يتظاهران بالتجارة ويساتران عن اعتقادهما ويظهران من التدين والتصون ما يدفعان به عن أنفسهما فأما أبو الحسن فإن إشفاقه من هذه الأسباب وما كان يرمونه من اليسار دعاه إلى أن خالط الأجناد وداخل العمال وتظاهر بالأكل والشرب وسماع الغناء والترخص في المحظورات وهو في ذلك يعتذر إلى أصحابه بأنه يقصد نفي الظنة عنه فلما توفي أبو الحسن نشأ له ولد يكني أبا عبد الله فقام مقامه وسلك طريقه، قال المصنف رحمه الله ونقلت من خط أبى الوفاء ابن عقيل قال كان ابن الشباش وأبوه قبله له طيور سوابق وأصدقاء في جميع البلاد فينزل به قوم فيرفع طائرا في الحال/ إلى قريتهم يخبر له من هناك بنزولهم ويستعلمه عن أحوالهم وما تجدد هناك قبل مجيئهم إليه فيكتب إليه ذلك الحوادث فيحدث القوم بأحوالهم حديث من هو عندهم ثم يقول قد تجدد الساعة كذا وكذا فيدهشون ويرجعون إلى رستاقهم فيجدون الأمر على ما قال ويتكرر هذا فيصير
__________
[1] في ص، ل: «إلا أن الأول في أنهم» .(15/334)
عندهم كالقطع على أنه يعلم الغيب. قال ومما فعل أخذ عصفورا وجعل في رجله بلفكا وشد في البلفك كتابا لطيفا وشد في رجل حمامة بلفكا وشد في طرف البلفك كتابا أكبر من ذلك وجعلها بين يديه وجعل العصفور بيد غلام له في سطح داره والحمامة بيد آخر وبعث طائرين برقعتين إلى بقعتين معروفتين يمر بهما الأصحاب المنتدبون لهذا فلما تكامل مجلسه بمن يدخل عليه قال يا بارش يوهم أنه يخاطب شيطانا اسمه بارش خذ هذا الكتاب إلى قرية فلان فقد جرت بينهم خصوم فاجتهد في إصلاح ذات بينهم ويرفع صوته بذلك فيسرح غلامه المترصد لكلامه العصفور الذي في يده فيرتفع الكتاب بحضور الجماعة نحو السماء فيرونه عيانا من غير أن تدرك عيونهم البلفك فإذا ارتفع الكتاب نحو السطح جذبه غلامه فقيد العصفور وقطع البلفك حتى لا يرى ويرسل طائرا إلى [ملك] [1] القرية ليصلح الأمر وكذلك يفعل في الحمامة ويتحقق هذا في القلوب فلا يبقى شك.
[حضور قاضي القضاة/ ابن ماكولا والقضاة والشهود والفقهاء والأعيان بيت النوبة]
وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة: حضر قاضي القضاة/ ابن ماكولا والقضاة والشهود والفقهاء والأعيان بيت النوبة وخرج رئيس الرؤساء ومعه توقيع من الخليفة تشريف قاضي القضاة وتحميله فقرأه رئيس الرؤساء رافعا به صوته.
وفي يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة: قبل قاضي القضاة أبو عبد الله الحسين بن علي شهادة أبي نصر عبد السيد بن محمد بن الصباغ.
[عود الفتنة بين أهل الكرخ والقلائين]
وفي ذي القعدة: عادت الفتنة بين أهل الكرخ والقلائين واحترقت دكاكين وكتبوا على مساجدهم محمد وعلي خير البشر وأذنوا حي على خير العمل وشرع في رد أبي محمد بن النسوي إلى النظر في المعونة.
وفي يوم الخميس لخمس بقين من ذي القعدة: حمل أهل القلائين على أهل الكرخ حملة هرب منها النظارة من الناس ودخل كثير منهم في مسلك ضيق فهلك من النساء نيف وثلاثون امرأة وستة رجال وصبيان وطرحت النار في الكرخ [وعادوا في بناء الأبواب والقتال.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/335)
وفي يوم الثلاثاء سادس عشر ذي الحجة جرى بين أهل الكرخ] [1] وباب البصرة قتال فجمع الطقطقي قوما من أصحابه وكبس بهم طاق الحراني وهو من محال الكرخ وقتل رجلين وقطع رأسيهما وحملهما إلى [2] القلائين فنصبهما على حائط المسجد المستجد.
[زلازل عظيمة بأرجان والأهواز]
وفي هذه السنة: كانت بأرجان والأهواز وتلك النواحي زلازل عظيمة ارتجت منها الأرض وانقلعت منها الحيطان ووقعت شرافات القصور وحكى بعض من يعتمد على قوله أنه كان قاعدا/ في إيوان داره فانفرج حتى رأى السماء من وسطه ثم رجع إلى حاله.
[كتابة محاضر في الديوان بالقدح في أنساب صاحب مصر ومن تقدم من أسلافه]
وفي هذه السنة [3] : كتب محاضر في الديوان ذكر فيها صاحب مصر ومن تقدم من أسلافه بما يقدح في أنسابهم التي يدعونها وجحد الاتصال برسول الله صلى الله عليه وسلم وبعلي وفاطمة وعزوا إلى الديصانية من المجوس والقداحية من اليهود وأنهم خارجون عن الإسلام وما جرى هذا المجرى مما قد ذكرنا مثله في أيام القادر باللَّه وأخذت خطوط الأشراف والقضاة والشهود والعلماء بذلك.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3306- الحسن بن على [4] بن محمد بن علي بن أحمد بن وهب بن شبل قرة [5] ابن واقد، أبو علي التميمي الواعظ المعروف بابن المذهب
[6] :
ولد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة سمع أبا بكر بن مالك القطيعي وأبا محمد بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وقتل رجلين وحمل رأسيهما إلى القلائين» .
[3] في ص، ت: «وفيها» .
[4] في ص: «الحسن بن محمد بن محمد» .
[5] في ص: «ابن وهب بن شبل قرة» .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 390، والبداية والنهاية 12/ 63، وفيه: «بن شنبل» بدل: «ابن سبيل» ) .(15/336)
ماسي وابن شاهين والدار الدّارقطنيّ وخلقا كثيرا ولا يعرف فيه إلا الخير والدين وقد ذكر الخطيب عنه أشياء لا توجب القدح عند الفقهاء وإنما يقدح بها عوام المحدثين فقال كان يروى عن ابن مالك مسند أحمد بأسره وكان سماعه صحيحا إلا في أجزاء فإنه ألحق اسمه فيها قال المصنف [وهذا] [1] لا يوجب القدح لأنه إذا تيقن سماعه للكتاب جاز أن يكتب سماعه بخطه لإجلال الكتب والعجب من عوام المحدثين كيف يجيزون قول الرجل أخبرني فلان ويمنعون إن كتب سماعه بخط نفسه أو إلحاق/ سماعه فيها بما يتيقنه ومن أين له إنما كتب لم يعارض به أصلا فيه سماعه وحدث ابن المذهب عن ابن مالك عن أبي شعيب بحديث وجميع ما كان عند ابن مالك عن أبي شعيب جزء واحد وليس الحديث فيه قال المصنف رحمه الله ومن الجائز أن يكون ذاك الحديث سقط من نسخة ووجد في أخرى ويجوز أن يكون سمعه منه في غير ذلك الجزء.
قال الخطيب وكان يعرض على أحاديث في أسانيدها أسماء فيها لين يسألني عنهم فأذكر له أنسابهم فيلحقها في تلك الأحاديث.
قال المصنف هذا قلة فقه من الخطيب فإني إذا انتقيت في الرواية عن ابن عمر أنه عبد الله جاز أن أذكر اسمه ولا فرق بين أن أقول حدثنا ابن المذهب وبين أن أقول أخبرنا الحسن بن علي بن المذهب وقد كان في الخطيب شيئان أحدهما الجري على عادة عوام المحدثين [من قبله] [2] من قلة الفقه والثاني التعصب في المذهب ونحن نسأل الله السلامة.
توفي ابن المذهب ليلة الجمعة سلخ ربيع الأول [3] من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب.
3307- عبد الله بن محمد بن مكي، أبو محمد السواق المقرئ يعرف بابن ماردة
[4] :
سمع أبا الحسن ابن كيسان. وكان صدوقا يسكن نهر القلائين، توفي في ذي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص: «ربيع الآخر» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 143) .(15/337)
القعدة من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب.
3308- عبد الكريم بن محمد إبراهيم، أبو منصور [1] المطرز:
أصبهاني الأصل ولد سنة ست وستين وثلاثمائة وكان يسكن ناحية العتابين [2] وحدث عن علي بن محمد بن كيسان/ وكان صدوقا. توفي في رمضان هذه السنة.
3309- محمد بن أحمد بن [محمد] [3] ، أبو جعفر [4] السمناني القاضي:
ولد سنة إحدى وستين وثلاثمائة [5] وسكن بغداد وحدث عن علي بن عمر السكري وأبي الحسن الدار الدارقطني وابن حبابة وغيرهم وكان عالما فاضلا سخيا لكنه كان يعتقد في الأصول مذهب الأشعري وكان له في داره مجلس نظر.
توفي في ربيع الأول من هذه السنة بالموصل وهو القاضي بها بعد أن كف بصره.
3310- محمد بن إسماعيل بن عمر بن محمد بن خالد بن إسحاق بن خالد بن عبد الملك بن جرير بن عبد الله البجلي، أبو الحسن ويعرف بابن سبنك
[6] :
ولد سنة خمس وستين وثلاثمائة وكان أحد الشهود المعدلين وحدث عن أبي بكر بن شاذان وابن شاهين والدار الدّارقطنيّ وابن حبابة وغيرهم توفي ليلة الخميس رابع عشرين رمضان هذه السنة.
3311- محمد بن الحسن بن محمد بن جعفر بن داود بن الحسن، أبو نصر
[7] :
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 80) ، وفيه: «عبد الكريم بن إبراهيم بن محمد أبو منصور» .
[2] في الأصل: «العتابين» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 64) .
[5] العبارة من: «وكان يسكن ناحية العتابين» في الترجمة السابقة إلى: «ولد سنة إحدى وستين وثلاثمائة» :
ساقطة من ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 55) «وفيه: «محمد بن إسماعيل بن عمر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن خالد بن إسحاق ... البلخي» .
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 222) .(15/338)
سمع المخلص وغيره وكان صدوقا. توفي ليلة الجمعة [1] ثامن ربيع الآخر من هذه السنة.
3312- محمد بن عبد العزيز بن العباس بن محمد بن المهدي، أبو الفضل الهاشمي خطيب جامع الحربية
[2] :
سمع من أبي الحسين بن سمعون [3] وغيره. وكان صدوقا خيرا فاضلا من المحدثين وتوفي في غرة هذه السنة [4] .
__________
[1] في ص: «توفي ليلة الخميس» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 354) .
[3] في ص: «من أبي الحسن بن سمعون» .
[4] في ص: «من المعدلين، وتوفي في محرم هذه السنة» .(15/339)
ثم دخلت سنة خمس وأربعين وأربعمائة
[عود الفتن بين السنة والشيعة]
فمن الحوادث فيها:
عود الفتن بين السنة والشيعة وخرق السياسة/ وأنه أحضر ابن النسوي وقويت يده وضربت الخيم بين باب الشعير وسوق الطعام فضرب وقتل ونقض ما كتب عليه محمد وعلي خير البشر وطرحت النار في الكرخ بالليل والنهار.
وورد الخبر أن الغز قد جاءوا [إلى] [1] حلوان وأنهم علي قصد العراق ونظر سابور ابن المظفر في الوزارة وقبل قاضي القضاة ابن ماكولا شهادة أبي الفتح ابن شيطا.
[أعلن بنيسابور لعن أبي الحسن الأشعري]
وفي هذه السنة [2] : أعلن بنيسابور لعن أبي الحسن الأشعري فضج من ذلك أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري وعمل رسالة سماها شكاية أهل السنة لما نالهم من المحنة وقال فيها، أيلعن امام الدين ومحيي السنة؟ وكان قد رفع إلى السلطان طغرلبك من مقالات الأشعري شيء فقال أصحاب الأشعري هذا محال وليس بمذهب له فقال السلطان، إنما يوغر بلعن الأشعري الذي قال هذه المقالات فإن لم يدينوا بها ولم يقل الأشعري شيئا منها فلا عليكم مما يقول، قال القشيري فأخذنا في الاستعطاف فلم يسمع لنا حجة ولم يقض لنا حاجة فأغضبنا على قذى الاحتمال وأحلنا علي بعض العلماء فحضرنا فظننا أنه يصلح الحال، فقال، الأشعري عندي مبتدع يزيد علي المعتزلة، قال القشيري، يا معشر المسلمين الغياث الغياث.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص: «وفيها» .(15/340)
قال المصنف رحمه الله: لو أن القشيري لم يعمل في هذا رسالة كان استر للحال لأنه إنما ذكر فيها أنه وقع اللعن وانه سئل السلطان أن يتقدم بترك ذلك فلم يجب ثم لم يذكر حجة له ولا دفع شبهة للخصم وذكر/ مثل هذا نوع تغفيل.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3313- أحمد بن عمر بن روح أبو الحسين النهرواني
[1] :
كان ينظر في العيار بدار الضرب وله شعر حسن، قال كنت على شط النهروان فسمعت رجلا يتغنى، في سفينة منحدرة.
وما طلبوا سوى قتلي ... فهان علي ما طلبوا
فاستوقفته وقلت أضف إليه:
على قتلى الأحبة بالتمادي ... في الجفا غلبوا
وبالهجران طيب النوم ... من عيني قد سلبوا
وما طلبوا سوى قتلي ... فهان علي ما طلبوا
توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
3314- إبراهيم بن عمر بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن مهران أبو إسحاق البرمكي
[2] :
كان سلفه قديما يسكنون في محله ببغداد تعرف بالبرامكة وقيل بل كانوا يسكنون قرية تعرف بالبرمكية [3] وهي قرية بقرب باب البصرة فنسبوا إليها، ولد في رمضان سنة
__________
[1] في الأصل: «الحسن بن عمر بن روح» .
و «أبو الحسين» ساقطة من ص، وفي ت: «أبو الحسين» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 296، والبداية والنهاية 12/ 64) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 139) .
[3] في ص: «قرية تسمى البرمكية» .(15/341)
إحدى وستين وثلاثمائة وسمع أبا بكر بن مالك القطيعي وخلقا كثيرا وحدثنا أشياخنا عنه وكان صدوقا دينا فقيها على مذهب أحمد بن حنبل وكانت له حلقة للفتوى في جامع المنصور وتوفى يوم الأحد سابع ذي الحجة [1] من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
3315- عمر بن محمد بن علي بن عطية، أبو حفص المعروف والده بأبي طالب المكي
[2] :
ولد سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وسمع أباه وأبا حفص ابن شاهين/ وكان صدوقا يسكن باب الطاق وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
3316- محمد بن أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر، أبو طالب المعروف بابن السوادي
[3] :
أخو أبي القاسم الأزهري ولد في ليلة الجمعة لعشر بقين من جمادي الآخرة سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وسمع أبا حفص ابن الزيات ومحمد بن المظفر في آخرين.
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد أخبرنا [أبو بكر] [4] الخطيب قال: كتبنا عنه وكان صدوقا وتوفي بواسط في ذي الحجة من هذه السنة [5] :
3317- محمد بن محمد بن أبي تمام، أبو تمام الزينبي نقيب النقباء
[6] :
توفي في هذه السنة فولي ابنه أبو علي مكانه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 275، والبداية والنهاية 12/ 65) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 319، والبداية والنهاية 12/ 65) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ص: «وتوفي في ذي الحجة من سنة خمس وأربعين وأربعمائة» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 3/ 237، وفيه: «محمد بن محمد بن علي بن أبي تمام، أبو منصور الهاشمي الزينبي» ، والبداية والنهاية 12/ 65) .(15/342)
ثم دخلت سنة ست وأربعين وأربعمائة
[اجتماع الأتراك في دار المملكة]
فمن الحوادث فيها:
أن الأتراك اجتمعوا في دار المملكة وتفاوضوا بينهم الشكوى من وزير السلطان فيما يشعره عليهم من الأمتعة ويطلق لهم من الأموال المتفاوتة القيمة وأن الوزير قد استعصم بالحريم وتفرقوا على شغب اعتزموه فضربوا الخيم علي شاطئ دجله وركبوا بالسلاح وصار قوم منهم إلى الديوان فخاطبوا على أمر الوزير وقالوا من الواجب على صاحب الحريم أن يقوم بأمورنا ليلتزمنا طاعته وركبوا على نفور [1] وكثرت الأراجيف وخيفت الفتنة وغلقت الدروب وذلك في يوم الجمعة ولم يصل الجمعة يومئذ في جامع القصر وصلى في غيره ونقل الناس أموالهم إلى باب النوبة وباب المراتب وكان ذلك من العجب لأن تلك الأماكن كانت مقصودة ونودي في البلد متى وجد الوزير في دار/ أحد فقد حل دمه وماله ومن دل عليه حسنت مكافأته فركب الأتراك بالسلاح إلى دار الروم وفيها دور أبي الحسن بن عبيد كاتب البساسيري [وغيره] [2] فنهبوا ودخلوا البيعة وأخذوا أموالا كثيرة وأحرقوا البيعة وعدة دور وقاتلهم العوام وعبر أهل الكرخ والقلائين ونهر طابق وباب البصرة والحربية [3] إلى باب الغربة للحراسة وراسل الخليفة الأتراك وقال عرفتم طلبنا للوزير وقبضنا علي أصحابه وهذا غاية الممكن ولم يبق إلا الفتنة التي تهلك
__________
[1] في ص: «وركبوا على ثغور» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] «والحربية» ساقطة من ص.(15/343)
النفس [1] فان كانت مطلوبكم فأمهلونا أياما إلى أن نتأهب لسفرنا ونخرج إلى حيث يعرف فيه حقنا فأجابوه بالطاعة وقررت لهم أشياء فأخذوها وسكنوا ثم إن الوزير ظهر فطولب فجرح نفسه بسكين ثم تسلمه البساسيري وتقلد الوزارة أبو الحسين بن عبد الرحيم.
وغزا طغرلبك بلاد الروم.
[انقطاع الماء من الفرات]
وفي مستهل ربيع الآخر: انقطع الماء من الفرات على نهر عيسى انقطاعا تلف به ما كان من زرع وتعذرت الطحون وأدرك الناس بذلك ضرر شديد.
وفي هذا الشهر: ورد من الصراصير [2] ما زاد وكثر وسمع لها بالليل دوي كدوي الجراد إذا طار.
[خلع الخليفة على رئيس الرؤساء]
وخلع الخليفة على رئيس الرؤساء خلعة حسنة وكتب له درجا قرأه قائما [في] [3] يوم الخميس لعشرين من جمادي الأولى من هذه السنة وعبر يوم الجمعة فصلى بجامع المنصور.
وقصد قريش بن بدران الأنبار ففتحها وخطب بها وبالموصل وفتح السوق.
وورد أبو الحارث المظفر البساسيري إلى بغداد منصرفا عن الوقعة مع بني خفاجة فسار إلى داره بالجانب/ الغربي ولم يلم بدار الخليفة على رسمه وتأخر عن الخدمة بعد ذلك وبانت منه آثار النفرة وخرج إلى دجيل فاجتازت به سفينة لبعض أقارب رئيس الرؤساء فأعتاقها وطالبها بالضريبة وكثرت دواعي الوحشة فراسله الخليفة بما طيب قلبه فقال ما أشكو إلا من النائب في الديوان ثم خرج الى طريق خراسان فثقل على ضياع الديوان.
وفي ذي الحجة: توجه إلى الأنبار فخرج إليه الأتراك والعوام طامعين في النهب فوصل إليها ففتحها وقطع أيدي عالم فيها وكان معه دبيس بن علي بن مزيد وذلك بعد ان
__________
[1] في ص: «والتي تهلك الناس» .
[2] في ص: «كان من الصراصير» . وفي الأصل «من الصراة» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/344)
أحرق دمما والفلوجة ثم قدم فتقرر أنه يحضر بيت النوبة ويخلع عليه فجاء إلى أن حاذى بيت النوبة وخدم وانصرف ولم يعبر.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3318- إبراهيم بن محمد بن عمر بن يحيى، أبو طاهر العلوي
[1] :
ولد ببابل سنة تسع وستين وثلاثمائة وحدث عن أبي المفضل الشيباني وكان سماعه صحيحا.
توفي ببغداد في صفر هذه السنة.
3319- الحسين [2] بن جعفر بن محمد بن جعفر بن داود أبو عبد الله السلماسي: [3]
سمع من ابن حيويه والدار الدّارقطنيّ وابن شاهين وكان ثقة مشهورا باصطناع البر وفعل الخير وافتقاد الفقراء وكثرة الصدقة وكان قد أريد للشهادة فأبي.
وحدثنا محمد بن ناصر الحافظ عن أبي الحسين ابن الطيوري قال ما كان يعلم نفقة أبي الحسين [4] القزويني من أين هي حتى مات أبو عبد الله السلماسي فوجدوا في روزنامجه/ عشرة دنانير في كل شهر نفقة أبي الحسن القزويني قال ودخل إلى بغداد السلطان فاحتاج إلى نفقة فاستقرض من التجار واستقرض من أبي عبد الله عشرة آلاف واتفق أنه اشترى زيتا بعشرة آلاف فباعه بعشرين ألفا فلما دخل السلطان [دخله] [5] بعث إليه العشرة آلاف فلم يأخذ وقال قولوا للسلطان هو في أوسع حل منها وأنا أسأل أن أعفى عنها فقيل للسلطان فقال قولوا له أي شيء سبب هذا فقال يأكل من مالي أقوام إن علموا أني قد أخذت من مال السلطان لم يأكلوا منه شيئا وقد أخلفها الله على في ثمن الزيت.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 174) .
[2] في ص: «الحسن» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 29، البداية والنهاية 12/ 65) .
[4] في ص: «الحسن» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/345)
قال المصنف رحمه الله: وحدثني بعض الأشياخ عن السلماسي انه سوم في ثمرة في بستان له فبذل له خمسمائة دينار فسكت فدخل قوم فزادوه علي ذلك زيادة كبيرة فقال جوارحي سكنت إلى الأول لا أعير نيتي. توفي أبو عبد الله في جمادي الأولى من هَذِهِ السنة.
3320- عبد الله بْن محمد بن عبد الرحمن [1] ، أبو عبد الله الإصبهاني المعروف بابن اللبان
[2] :
سمع بأصبهان أبا بكر ابن المقرئ وببغداد المخلص وبمكة أبا الحسن بن فراس ودرس فقه الشافعي علي أبي حامد الأسفراييني وولي قضاء إيذج وكان يسكن درب الآجر في نهر طابق ويصلى بالناس التراويح ثم يقف بعدها مصليا إلى الفجر، وقال في آخر رمضان لم أضع جنبي في هذا الشهر ليلا ولا نهارا توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
3321- محمد بن إسحاق بن محمد بن فدويه، أبو الحسن الكوفي [3] المعدل:
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال قدم علينا محمد بن إسحاق في سنة أربع/ وعشرين واربعمائة وحدث عن أبي الحسن بن أبي السري البكائي وكان شيخا ثقة له هيئة حسنة ووقار ظاهر وكان الصوري يثنى عليه خيرا وقال أصوله جياد وسماعه صحيح وهو في نفسه حسن [4] الاعتقاد من أهل السنة.
مات بالكوفة في اليوم السادس من شعبان سنة [5] ست وأربعين وأربعمائة.
__________
[1] في ص: «محمد بن عبد الله» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 66) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 263) .
[4] في الأصل: «وهو حسن ثقة» .
[5] في ص: «السادس من شوال سنة» .(15/346)
ثم دخلت سنة سبع وأربعين واربعمائة
[وصول زورق فيه شراب للبساسيري]
فمن الحوادث فيها:
أنه وصل زورق فيه شراب للبساسيري في ربيع الآخر إلى مشرعة باب الأزج فنزل إليه ابن سكرة الهاشمي وجماعة من أصحاب عبد الصمد فكسروه.
وفي آخر [نهار] [1] يوم الخميس لثمان بقين من ربيع الآخر: انقض كوكب كبير الجرم فتقطع ثلاث قطع.
[زيادة الأسعار بالأهواز واتصال الفتن بين أهل باب الطاق وسوق يحيى]
وزادت الأسعار بالأهواز [2] فزادت قيمة الكر من الحنطة حتى بلغت ثلاثمائة دينار وبشيراز ألف دينار.
واتصلت الفتن بين أهل باب الطاق وسوق يحيى اتصالا مسرفا وركب صاحب الشرطة والأتراك لإطفاء الفتنة فلم ينفع ذلك وانتقل القتال إلى باب البصرة وأهل الكرخ علي القنطرتين. ووقعت بين الحنابلة والأشاعرة فتنة عظيمة حتى تأخر الأشاعرة عن الجمعات خوفا من الحنابلة وكان أبو الحارث البساسيري قد أحضر الديوان وأحلف على إخلاص الطاعة ثم أن الأتراك ضجوا بين يديه وذكروا أنه لا يوصل إليهم حقوقهم ثم استأذنوا في ماله وأصحابه فأذن لهم وأطلق رئيس الرؤساء لسانه فيه وذكر قبح أفعاله وانه كاتب صاحب مصر/ وخلع ما في عنقه للخليفة وعدد ما كان مطويا في قلبه. ثم سئل الخليفة فيه فقال ليس الآن إهلاكه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص: «بالأهواز فبلغت» .(15/347)
أخبرنا عبد الرَّحْمَن أخبرنا أبو بكر بن علي الخطيب قال كان أرسلان التركي المعروف بالبساسيري قد عظم أمره واستفحل لعدم نظرائه من متقدمي الأتراك فاستولى على البلاد وطار اسمه وتهيبته أمراء العرب والعجم ودعى له على كثير من المنابر العراقية والأهواز ونواحيها وجبي الأموال ولم يكن القائم بأمر الله يقطع أمرا دونه ثم صح عند الخليفة سوء عقيدته [1] وشهد عنده جماعة من الأتراك أن البساسيري عرفهم وهو إذ ذاك بواسط عزمه على نهب دار الخلافة والقبض علي الخليفة فكاتب الخليفة أبا طالب محمد بن ميكائيل المعروف بطغرلبك أمير الغز وهو بنواحي الري يستنهضه على المسير الى العراق وانفض أكثر من كان مع البساسيري وعادوا إلى بغداد ثم أجمع رأيهم على أن قصدوا دار البساسيري وهي في الجانب الغربي في الموضع المعروف بدرب صالح بقرب الحريم الظاهري فأحرقوها وهدموا أبنيتها.
ووصل طغرلبك إلى بغداد في رمضان سنة سبع وأربعين وأربعمائة ومضى البساسيري على الفرات إلى الرحبة وتلاحق به خلق كثير من الأتراك البغداديين وكاتب صاحب مصر يذكر له كونه في طاعته وأنه على إقامة الدعوة له بالعراق فأمده بالأموال وولاه الرحبة.
قال المصنف: ولما قرب [2] / طغرلبك وانتشر عسكره في طريق خراسان فانزعج الناس وشملهم الخوف ودخل إلى الحريم أهل السواد ثم ورد رسوله الى الديوان في نحو ثلاثين من الغز وانزعج العسكر وركبوا بالسلاح فسلم الرسول كتابا يتضمن الدعاء والثناء وأنه قصد الحضرة الشريفة للتبرك بمشاهدتها والمسير بعد ذلك إلى الحج وعمارة طريقه والانتقال إلى قتال أهل الشام [وكل معاند] [3] ثم خطب لطغرلبك ثم للمسمى بالملك الرحيم من بعده. ثم خرج رئيس الرؤساء لتلقى السلطان معه الموكب فلقيه حاجب السلطان في جماعة من الترك ومعه شهري فقدمه إليه وقال. هذا الفرس من مراكب السلطان الخاصة وقد رسم ركوبك أياما فنزل عن بغلته وركبه وجاء بعده عميد
__________
[1] في ص: «الخليفة شر عقيدته» .
[2] في ص: «ولما ظهر» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/348)
الدولة [1] أبو نصر الكندري وزير السلطان فاستقبله ورام أن يترجل [له] [2] فمنعه وتعانقا علي ظهور دوابهما وتمما إلى النهروان ولقى السلطان فذكر له ما يصلح ذكره عن الخليفة فشكر وأومأ إلى تقبيل الأرض وقال. ما وردت إلا منصرفا عن الأوامر السامية وممتثلا للمراسم العالية ومتميزا عن ملوك خراسان بالدنو من هذه الخدمة الشريفة ومنتقما من أعدائها وسائر إلى بلاد الشام لفتحها وإصلاح طريق الحج. فقال له رئيس الرؤساء. أن الله تعالى أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة وسأله في الملك الرحيم أن يجريه مجرى أولاده فأعطاه يده ثم استأسره بعد ذلك وقطعت خطبته سلخ رمضان هذه السنة وحمل إلى القلعة/ فاعتقل فيها اعتقالا جميلا.
[قال المصنف] [3] فطغرلبك أول ملك من الترك السلجوقية وهو الذي بنى لهم الدولة والمسمى بالملك الرحيم كان آخر أمراء الديلم وملوك بني بويه.
وفي رمضان: قبض على أبي الحسن سعيد بن نصر النصراني كاتب البساسيري وختم على ماله وخزانته بدار الخلافة وغيرها.
وفي حادي عشر رمضان: فرغ من طيار الخليفة وحط إلى الماء بدجلة بالقراء والأصحاب وثارت بين العوام والأتراك فتنة أدت إلى قتل وأسر فنهب الجانب الشرقي بأسره وذهبت أموال الناس.
وفي ثاني شوال: نزل طغرلبك دار المملكة وتفرق عسكره في دور الأتراك وكان معه ثمانية فيلة.
وفي يوم الثلاثاء عاشر ذي القعدة: قلد أبو عبد الله محمد بن علي الدامغاني قضاء القضاة وخلع عليه ثم خلع علي طغرلبك أيضا في يوم الأربعاء وعاد القاضي بعد ان خلع عليه طغرلبك [4] إلى داره وبين يديه بوقات ودبادب.
__________
[1] في الأصل: «عميد الملك» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] «القاضي بعد أن خلع عليه طغرلبك» : ساقطة من الأصل.(15/349)
وفي ذي القعدة: توفي ذخيرة الدين أبو العباس محمد بن القائم وكان قد نشأ نشوءا حسنا فعظمت الرزية وجلس رئيس الرؤساء للعزاء به في [رواق] [1] صحن دار السلام وحضر الناس وقد أمروا بتخريق ثيابهم وتشويش عمائمهم والتحفي فلما صار وقت العتمة قطع الرواق بسرادق من دونه سبنية وجعل وراءها التابوت وخرج الخليفة فصلى عليه والناس من بعد [السرادق] [2] وكبر أربعا ودخل رئيس الرؤساء وعميد الملك [إلى] [3] السبنية وعزيا الخليفة وخرجا وقطع ضرب الطبل أيام التعزية من دار الخلافة ومن الخيم السلطانية ولما كان يوم الأحد رابع الجلوس حضر عميد الملك/ في جماعة وأدى عن السلطان رسالة تتضمن الدعاء والسؤال بالتقدم بالنهوض من مجلس التعزية وطلب السلطان مالا من الخليفة فبذل بعض الولاة تصحيح المطلوب علي أن يطلق يده في الحريم ويبسط في التناول. فقال الخليفة، ما زال هذا الحريم مصونا وقد جرى فيه ما رأينا مكافاته في ولدنا فما نشك أن دعوه فسمعت والرعية سألت فأجيبت فعاودوه في ذلك إلى أن تقدم بالرفق فيما يفعل.
وفي هذه السنة: استولى أبو كامل على بن محمد الصليحي الهمذاني علي أكثر أعمال اليمن واعتزى إلى صاحب مصر وقوى على الذي كان يخطب في هذه الأعمال [للقائم] [4] .
وفي هذه السنة [5] : قبض الملك الرحيم بواسط علي الوزير شرف الأمة أبي عبد الله بن عبد الرحيم وقيل طرح في بئر.
وكثر فساد الغز ونهبهم فثار العوام وقتلوا عددا من الغز وكثر النهب حتى بلغ الثور خمسة قراريط إلى عشرة والحمار قيراطين إلى خمسة.
وكان أبو دلف فولاذ [بن خسرو] [6] بن كندي بن حرة قد ملك شيراز وجمع اليه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «وفيها» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(15/350)
الديلم بها ثم حوصر فبلغت الحنطة سبعة أرطال بدينار ومات أهلها جوعا فبقى فيها نحو ألف إنسان.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3322- تمام بن محمد بن هارون بن عيسى، أبو بكر الهاشمي الخطيب
[1] .
ولد سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وسمع من يوسف القواس وأبي عبيد الله المرزباني وكان صدوقا وشهد عند أبي عبد الله بن ماكولا فقبل شهادته وتقلد الخطابة بجامع الرصافة سنة ست وثمانين وثلاثمائة ثم أضيف إلى ذلك تقليده الخطابة بجامع القصر وكان يتناوب هو وأبو الحسين بن المهتدي الصلاة في الجامعين الى أن ترك ابن المهتدي الصلاة [2] في جامع الرصافة واقتصر علي مناوبة تمام في جامع القصر وتوفي في ذي القعدة [من هذه السنة] [3] .
3323- الحسن بن علي بن عبد الله، أبو علي المؤدب الأقرع المقرئ
[4] :
سمع الكتاني والمخلص وغيرهما وتوفى في صفر هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب ولم يكن به بأس.
3324- الحسن بن علي بن عيسى النحويّ الربعي، ابو البركات الدينَوَريّ [5] :
كان ينوب عن الوزير ببغداد وله معرفة بعلم الكتاب وجن في شبيبته وادعى النبوة في جنونه ثم برأ.
وتوفى في شعبان هذه السنة بباب المراتب.
3325- الحسين بن علي بن جعفر بن علكان بن محمد بن دلف بن أبي دلف العجلي، أبو عبد الله المعروف بابن موكولا
[6] :
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 141) .
[2] «الجامعيين إلى أن ترك ابن المهتدي الصلاة في» : ساقطة من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 392) .
[5] الدينَوَريّ: نسبة إلى الدينور وهي من بلاد الجبل عند قرميسين (الأنساب 5/ 407) .
[6] في الأصل: «الحسين بن علي بن محمد بن أبي دلف» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 80، والبداية والنهاية 12/ 97، وفيه: الحسين» ) .(15/351)
من أهل جرباذقان، ولد سنة ثمان وستين وثلاثمائة وولى القضاء بالبصرة من قبل أبي الحسن بن أبي الشوارب، ثم استحضره القادر باللَّه فولاه قضاء القضاة في سنة عشرين وأربعمائة فلما ولى القائم أقره على ولايته إلى حين وفاته فمكث يتولى قضاء القضاة سبعا وعشرين سنة وكان يقول سمعت من أبي عبد الله بن منده وكان ينتحل مذهب الشافعيّ رضي الله عنه وكان يقول الشعر.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ عن أبي محمد زرق الله بن عبد الوهاب التميمي قال أنشدنا قاضي القضاة أبو عبد الله الحسين بن علي بن ماكولا لنفسه.
تصابى برهة من بعد شيب ... فما أغنى مع الشيب التصابي
وسود عارضيه بلون خضر ... فلم ينفعه تسويد الخضاب
وأبدى للأحبة كل لطف ... فما ازدادوا سوى فرط اجتناب
سلام الله عودا بعد بدء ... على أيام ريعان الشباب
تولى غير مذموم وأبقى ... بقلبي حسرة تحت الحجاب
وكان نزها صينا عفيفا فحكى ابن عبيد المالكي وكان يتوكل للقائم بأمر الله قال أمرني الخليفة أن أحمل ببقاعين عليه في مراكن إلى النقيبين وقاضي القضاة ابن ماكولا وإلى جماعة ففعلت فكلهم قبل غير ابن ماكولا فاجتهدت فلم يفعل فعدت بالمحمول وكتبت بما جرت الحال فلما قرأها الخليفة جعل يقول ما أغثه ما أغثه أترى تقع إليه حكومة فيحابيني فيها. توفي ابن ماكولا في شوال هذه السنة وصلى عليه أبو منصور ابن يوسف ودفن في داره بالحريم قريبا من باب العامة.
3326- عبد الغفار بن محمد بن عبد الغفار [1] ، أبو طاهر القرشي الأموي:
أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال: هو من ولد مسلمة بن عبد الملك ويعرف بابن الأموي سمع إسحاق بن سعد بن سفيان كتبت عنه وكان صدوقا يسكن باب البصرة سألته عن مولده/ فقال في ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة ومات في ذي الحجة من هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 117) .(15/352)
3327- علي بن المحسن بن علي بن محمد ابن أبي الفهم، أبو القاسم التنوخي
[1] :
وتنوخ الذين ينسب إليهم اسم لعدة قبائل اجتمعوا قديما بالبحرين وتحالفوا على التوازر والتناصر وأقاموا هناك فسموا تنوخا ولد بالبصرة في شعبان سنة خمس وستين وثلاثمائة وأول سماعه في شعبان سنة سبعين وقبلت شهادته عند الحكام في حداثته وكان محتاطا صدوقا إلا أنه كان معتزليا ويميل إلى الرفض وتقلد قضاء نواحي عدة منها المدائن وأعمالها ودرزيجان والبردان وقرميسين وتوفي في محرم هذه السنة ودفن في داره بدرب التل.
3328- محمد بن القائم بأمر الله، ويلقب بالذخيرة
[2] :
توفي في ذي القعدة من هذه السنة وعظم المصاب به علي ما ذكرنا في الحوادث.
3329- ستيتة بنت القاضي أبي الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ البجلي
[3] .
أخبرنا أبو منصور أخبرنا أبو بكر بن ثابت الخطيب قال سمعت ستيتة من أبي القاسم عمر بن محمد بن سنبك كتبت عنها وكانت صادقة فاضلة تنزل الجانب الشرقي في حريم دار الخلافة وماتت في رجب من سنة سبع وأربعين وأربعمائة.
تم الجزء الخامس عشر بحمد الله وعونه وحسن توفيقه. وكان الفراغ منه في يوم الإثنين المبارك سلخ ربيع الآخر سنة خمس وثمانمائة. أحسن الله نقضها في عافية بمنه وكرمه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
غفر الله لمن استكتب وكتب، ونظر ودعاء لكل بالمغفرة ولجميع المسلمين، يتلوه في الّذي يليه: «ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وأربعمائة» . والحمد للَّه رب العالمين.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 117) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 115، والبداية والنهاية 12/ 67) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 446) .(15/353)
[المجلد السادس عشر]
ثم دخلت سنة ثمان وأربعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في مستهل المحرم عقد عميد الملك [أبو نصر] [1] الكندري وزير طغرلبك على هزارسب بن بكير بن عياض الكردي ضمان البصرة والأهواز وأعمال ذلك لهذه السنة بثلاثمائة ألف دينار سلطانية، وأطلقت يده، وأذن في ذكر اسمه في الخطبة بالأهواز.
[عقد الجسر من مشرعة الحطابين إلى مشرعة الرواية]
وفي المحرم: ابتدئ بعقد الجسر من مشرعة الحطابين إلى مشرعة الرواية زيد في زوارقه [2] لعلو الماء، فعصفت [3] ريح شديدة، فقطعت الجسر فانحدرت زوارقه [4] إلى الدباغين، وانحل الطيار المربوط بباب الغربة، وتكسر سكانه، وتشعثت آلاته.
وفي هذه السنة: عم ضرر العسكر بنزولهم في دور الناس وارتكابهم المحظورات، فأمر الخليفة رئيس الرؤساء باستدعاء الكندري، وأن يخاطبه في ذلك، ويحذره العقوبة فإن اعتمد السلطان ما أوجبه الله تعالى وإلا فليسا عدنا في النزوع عن هذه المنكرات، فكتب رئيس الرؤساء إلى الكندري، فحضر فشرح له ما جرى، [فمضى إلى السلطان فشرح له الحال] [5] فقال إنني غير قادر علي تهذيب العساكر لكثرتهم، ثم استدعاه
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «زواريقه» .
[3] في الأصل: «وعفت» .
[4] في الأصل: «زواريقه» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/3)
في بعض الليل فقال: إني نمت في بعض الليل [1] وقد تداخلتني الخشية للَّه تعالى مما 2/ ب ذكرت لي فنمت [2] فرأيت شخصا وقع/ في نفسي أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه واقف عند باب [3] الكعبة، فسلمت عليه فلم يلتفت نحوي، وقال: يحكمك الله في بلاده وعباده فلا تراقبه فيهم، ولا تستحي من جلاله، فامض إلى الديوان وأنظر ما يرسمه أمير المؤمنين لأطيع. فأنهى رئيس الرؤساء الحال فخرج التوقيع [متضمنا] [4] للبشارة [5] برؤية سيدنا [6] رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وصل إلى السلطان بكى وأمر بإزالة الترك، وإطلاق من وكل به.
[ابتداء السلطان طغرلبك ببناء سور عريض]
وفي هذه السنة: ابتدأ السلطان طغرلبك ببناء سور عريض، دخل فيه قطعة كثيرة من المخرم، وعزم علي بناء دار فيها، وجمع الصناع لتجديد دار المملكة العضدية، وخربت الدور والدروب والمحال والأسواق بالجانب الشرقي، وجميع ما يقارب الدار، وأخذت آلاتها للاستعمال، ونقضت دور الأتراك، وسلت أخشابها بالجانب الغربي، وقلع الفقراء أخشاب السدور وباعوه على الخبازين والفراشين.
[عقد الخليفة القائم بأمر الله على خديجة بنت أخي طغرلبك]
وفي يوم الخميس لثمان بقين من المحرم: عقد للخليفة القائم بأمر الله على خديجة بنت أخي السلطان طغرلبك، على صداق مبلغه مائة ألف دينار، وحضر قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني، وأقضى القضاة أبو الحسن الماوردي، ورئيس الرؤساء أبو القاسم ابن المسلمة، وهو الذي خطب، ثم قَالَ: إن رأى سيدنا ومولانا أمير المؤمنين أن ينعم بالقبول فعل. فقال: قد قبلنا هذا النكاح بهذا الصداق. فلما دخل شهر شعبان 3/ أمضى ابن المسلمة إلى/ السلطان، وقال له أمير المؤمنين: يقول لك إن الله [تعالى] [7] يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها 4: 58 [8] وقد أذن في نقل الوديعة الكريمة إلى
__________
[1] «في بعض الليل» : سقطت من ص.
[2] «فنمت» : سقطت من ص.
[3] «باب» : سقطت من ص.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «بالبشارة» .
[6] «سيدنا» سقطت من ص، ت.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] سورة: النساء، الآية: 58.(16/4)
العزيزة، فقال: السمع والطاعة. ومضت والدة الخليفة إلى دار المملكة، وأرسلت خاتون بورودها، فانحدرت بها ودخلا باب الغربة وقت العتمة، ودخل معها عميد الملك فقبل الأرض، وقال: الخادم ركن الدين قد امتثل المراسم العالية في حمل الوديعة، وسأل فيها كرم الملاحظة واجتناب الضيعة. ثم انصرفوا فقبلت الجهة الأرض دفعات عدة، فأدناها إليه، وقرّبها منه، وأجلسها معه [1] إلى جنبه، وطرح عليها فرجية منظومة [2] بالذهب، وتاجا مرصعا بالجوهر، وأعطاها من الغد [3] مائة ثوب ديباجا وقصبا مذهبا، وطاسة من ذهب قد نبت فيها الياقوت والفيروزج، وأفرد لها من إقطاع دجلة اثني عشر ألف دينار.
وفي هذا الوقت غلت الأسعار، فبلغ الكر الحنطة- وقد كان يساوي نيفا وعشرين دينارا- تسعين دينارا، وتعذر التبن حتى كان يباع الكساء من التبن بعشرة قراريط، وانقطعت الطريق من القوافل للنهب المتدارك، وكان أهل النواحي يجيئون بأموالهم مع الخفر فيبيعونها ببغداد مخافة النهب، ولحق الفقراء والمتجملين من معاناة الغلاء ما كان سببا للوباء والموت حتى دفنوا بغير غسل ولا تكفين، وكان الناس يأكلون الميتة، وبيع اللحم رطلا بقيراط، وأربع دجاجات بدينار، ونصف قفيز أرز بدينار، ومائة كراثة بدينار، ومائة أصل خس بدينار، وعدمت الأشربة [4] فبلغ المن من الشراب/ دينارا، 3/ ب والمكوك من بزر البقلة سبعة دنانير، والسفرجلة، والرمانة دينارا، والخيارة والنيلوفرة دينارًا، واغبر الجو، وفسد الهواء، وكثر الذباب، ووقع الغلاء والموت بمصر أيضا، وكان يموت في اليوم ألف نفس، وعظم ذلك في رجب وشعبان، حتى كفن السلطان من ماله ثمانية عشر ألف إنسان، وحمل كل أربعة وخمسة في تابوت، وباع عطار في يوم ألف قارورة فيها شراب، وعم الوباء والغلاء مكة، والحجاز، وديار بكر، والموصل، وخراسان، والجبال، والدنيا كلها.
__________
[1] «معه» سقطت من ص، ت.
[2] في الأصل: «مطمومة» .
[3] في ص: «من غد» .
[4] في الأصل: «الأدوية» .(16/5)
وورد كتاب من مصر أن ثلاثة من اللصوص نقبوا بعض الدور، فوجدوا عند الصباح موتى: أحدهم على باب النقب، والثاني على رأس الدرجة، والثالث على الثياب المكورة.
وفي هذه السنة: تقدم رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن الحسن ابن المسلمة بأن تنصب أعلام سود في الكرخ، فانزعج لذلك أهلها، وكان يجتهد في أذاهم وإنما كان يدفع منهم عميد الملك الكندري.
[هبوب ريح شديدة]
وفيها: هبت ريح شديدة، وارتفعت معها سحابة ترابية فأظلمت الدنيا، فاحتاج الناس في الأسواق إلى السرج.
وفيها: احتسب أبو منصور بن ناصر السياري [1] علي أهل الذمة، وألزمهم لبس الغيارات والعمائم المصبوغات، وذلك عن أمر السلطان، فصرفت ذلك عنهم خاتون ومنعت المحتسب.
وفي العشر الثاني من جمادى الآخرة: ظهر [2] في وقت السحر ذؤابة بيضاء طولها في رأي العين نحو عشرة اذرع، في عرض نحو الذراع، ومكثت على هذه الحال إلى 4/ أالنصف من رجب، ثم اضمحلت، وكانوا يقولون/ أنه طلع مثل هذا بمصر فملكت، وكذلك بغداد لما طلع هذا ملكت وخطب فيها للمصريين.
وفي عشية يوم الثلاثاء سلخ رمضان: خرج الناس لترائي هلال شوال فلم يروه، وصلى الناس التراويح علي عادتهم ونووا صوم غدهم، فلما كان بكرة يوم الأربعاء جاء الشريف أبو الحسين بن المهتدى المعروف: بالغريق الخطيب، وقد لبس سواده وسيفه ومنطقته، ووراءه المكبرون لابسين السواد علي هيئته إلى جامع دار الخلافة فرآه مغلقا، ففتحه ودخل وقال: اليوم يوم العيد، وقد رئي الهلال البارحة بباب البصرة، ورام الصلاة فيه، وجمع الناس به، وعرف رئيس الرؤساء الخبر فغاظه ذلك، وأحفظه أن لم يحضر الديوان العزيز ويطالعه بما كان وما تجدد في رؤية الهلال، فراسله واستحضره
__________
[1] في الأصل: «البساسيري» .
[2] في الأصل: «جمادى الآخرة: هبت ظهر ... » .(16/6)
فامتنع وقال: حتى أصلى وأعيّد ثم نكفى إلى الديوان، فروجع وأحضر وأنكر عليه إقدامه علي فتح الجامع وهو مغلق، وقد علم أنه لا خبر للناس من هذا الأمر محقق، وقال له: قد كان يحبب أن تحضر الديوان العزيز، وتنهى الحال ليحيط به العلم الشريف، ويتقدم فيما يوجبه ويقتضيه. وأغلظ له فيما خاطبه فاعتذر، وقال: ما فعلت مما فعلته إلا ثقة بنفسي، وبعد أن وضحت [1] الصورة عندي، وكان قد حضرني البارحة ثمانية أنفس من جيراني أثق بقولهم فشهدوا عندي جميعا بمشاهدة الهلال، فقطعت بذلك وحكمت [2] وأفطرت وأفطر الناس في باب البصرة، وخرجوا اليوم [3] قاصدين/ جامع المدينة، ولم أعلم أن هذا لم يشع، فحضرت وأنكرت كون الجامع مغلقا، ثم 4/ ب جاء قوم فشهدوا برؤية الهلال.
فقال رئيس الرؤساء لقاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني: ما عندك في هذا؟
فقال: أما مذهب أبي حنيفة الذي هو مذهبي فلا تقبل مع صحو السماء، وجواز ما يمنع من مشاهدة الهلال إلا قول العدد الكثير الذي يبلغ مائتين، وأما مذهب الشافعي رضي الله عنه [4] [الذي] هو مذهب [هذا] [5] الشريف فإنه يقطع بشهادة اثنين في مثل هذا.
وطولع الخليفة بالحال، فأمر بالنداء أن لا يفطر أحد، فأمسك من كان أكل، وكان والد القاضي أبي الحسين قد مضى إلى جامع القطيعة فصلى بالناس وعيد، وكذلك في جامع الحربية ولم يعلموا [6] بما جرى.
وفي هذه السنة: أقيم الأذان في المشهد بمقابر قريش، ومشهد العتيقة، ومساجد الكرخ: «بالصلاة خير من النوم» ، وأزيل ما كانوا يستعملونه في الأذان «حي على خير العمل» وقلع جميع ما كان علي أبواب الدور والدروب من «محمد وعلي خير البشر» ودخل إلى الكرخ منشدو أهل السنة من باب البصرة، فأنشدوا الأشعار في مدح
__________
[1] في المطبوعة: «وضعت» .
[2] في الأصل: «وحرمت» .
[3] في الأصل: «وخرجوا الناس» .
[4] «رضي الله عنه» سقطت من ص.
[5] ما بين المعقوفتين سقطت من الأصل.
[6] في الأصل: «ولم يعلم» .(16/7)
الصحابة، وتقدم رئيس الرؤساء إلى ابن النسوي بقتل أبي عبد الله بن الجلاب شيخ البزازين بباب الطاق، لما كان [1] يتظاهر به من الغلو في الرفض، فقتل وصلب علي باب دكانه، وهرب أبو جعفر الطوسي، ونهبت داره.
وتزايد الغلاء، فبيع الكر الحنطة بمائة وثمانين دينارا، والكارة الخشكار [2] الرديئة بسبعة دنانير، وأتى البساسيري الموصل، فخطب بها للمصري، فاستدعى عميد 5/ أالملك [3] محمد بن النسوي، وتقدم إليه بإخراج أبي الحسن [4] / بن عبيد كاتب البساسيري وقتله، وكان قد أسلم في الحبس ظنا أن ذلك ينجيه، فقتل.
[سير طغرلبك من بغداد يطلب الموصل]
وفي هذه السنة: سار طغرلبك من بغداد يطلب الموصل، وقد استصحب النجارين وعمل العرادات والمجانيق، وكانت مدة مقامه ببغداد ثلاثة عشر شهرًا وثلاثة عشر يوما، واجتهد به الخليفة أن يقيم فلم يقم، وخرج بعسكره فنهبوا أوانًا، وعكبرا، وجميع البلاد، وسبوا نساءها، ونهبت تكريت، وحوصرت القلعة، وعم الغلاء جميع الآفاق حتى بلغ الكر الحنطة مائة وتسعين دينارا، وزاد ذلك في المعسكر فبيع الخبز رطل بنصف دانق، وعاد ابن فسانجس إلى واسط ومعه الديلم، وخطب للمصري، وورد محمود بن الأخرم الخفاجي من مصر ومعه مال، فخطب بشفاتا، وعين التمر، وبالكوفة [5] للمصري، وكذلك فعل شداد بن أسد [6] في النيل، وسورا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3330- الحسن [7] بن عبد الواحد بن سهل بن خلف، أبو محمد
[8] .
__________
[1] في الأصل: «بما كان» .
[2] في الأصل: «الكشكار» .
[3] في الأصل: «أمين الملك» .
[4] في الأصل: «أبي الحسين» .
[5] في الأصل: والكوفة» .
[6] في الأصل: «شداد بن الحسين» .
[7] في الأصل: «الحسين» .
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 344) .(16/8)
ولد في سنة ثمان [1] وسبعين وثلاثمائة، سمع من ابن حبابة، والدارقطني، والمخلص، وغيرهم، وكان صدوقا. توفي فِي ربيع الآخر من هَذِهِ السنة.
3331- الحسين بن جريش بن أحمد بن علي بن يعقوب، أبو عبد الله الكاتب
[2] :
ولد سنة تسع وستين وثلاثمائة، وكان يذكر أن أصله من الكرخ، وأنه من ولد أبي دلف العجلي، سمع المخلص، ويوسف بن عمر القواس، وغيرهما، وكان سماعه صحيحا/، وتوفي في هذه السنة.
5/ ب
3332- بدر بن جعفر بن الحسين بن علي، أبو الحسن العلوي [3] من ساكني الكوفة.
كتب عنه أبو بكر الخطيب وقال: كان صدوقا.
توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
3333- عبد الملك بن محمد بن محمد بن سلمان [4] ، أبو محمد العطار
[5] .
سمع أبا الحسن بن لؤلؤ، وابن المظفر، وكان صدوقا.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
3334- علي بن أحمد بن علي [6] بن سلك، أبو الحسن [7] المؤدب، المعروف: بالفالي
[8] .
__________
[1] في الأصل: «ثلاث» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 40، وفيه: الحسين بن حريش- بالحاء) .
[3] العلويّ: بفتح العين المهملة واللام المخففة، وفي آخرها الواو. هذه النسبة إلى أربعة ممن اسمهم علي أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. والثاني المنسوب إلى بطن من الأزد يقال لهم بنو علي بن ثوبان. والثالث من ولد علي بن سود، والرابع من بني مدلج (الأنساب 9/ 41) .
[4] في ت: «بن سليمان» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 434) .
[6] في الأصل: «علي بن أحمد بن أحمد بن علي ... » وفي ت: «علي بن محمد بن علي ... »
[7] «أبو الحسن» سقطت من ت.
[8] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 69. وشذرات الذهب 3/ 278. وتاريخ بغداد 11/ 334.
والأنساب للسمعاني 9/ 233. والكامل 8/ 335) .(16/9)
من أصل بلدة فالة قريبة من أيذج، أقام بالبصرة مدة، وسمع بها من أبي عمر بن عبد الواحد الهاشمي وغيره [1] ، وقدم بغداد فاستوطنها، وكان ثقة.
أنشدنا محمد بن ناصر الحافظ قال: أنشدنا أبو زكريا التبريزي قَالَ: أنشدني أبو الحسن [2] الفالي من لفظه لنفسه:
لما تبدلت المجالس أوجهًا ... غير الذين عهدت من علمائها
ورأيتها محفوفة بسوى الألى ... كانوا ولاة صدورها وفنائها
أنشدت بيتا سائرا متقدما ... والعين قد شرقت بجاري مائها
أما الخيام فإنها كخيامهم ... وأرى نساء الحي غير نسائها
وأنشد لنفسه:
تصدر للتدريس كل مهوس ... بليد يسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ... ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها وحتى سامها كل مفلس
قَالَ أبو زكريا: وجدت بخط الفالي لنفسه وكان قد باع «الجمهرة لابن دريد» فندم بعد ذلك.
6/ أ/
أنست بها عشرين حولا وبعتها ... لقد طال وجدي بعدها وحنيني
وما كان ظني أنني سأبيعها ... ولو خلدتني في السجون ديوني
ولكن لضعف وافتقار وصبية ... صغار عليهم تستهل جفوني
فقلت ولم املك سوابق عبرتي ... مقالة مكوي الفؤاد حزين
لقد تخرج الحاجات يا أم مالك ... ذخائر من رزء بهن ضنين
[3] توفي الفالي في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن بمقبرة جامع المنصور.
__________
[1] «وغيره» سقطت من ص، ت.
[2] في الأصل: «أبو الحسين» .
[3] في الأصل: «من دبّ بهن طنين» .(16/10)
3335- فاطمة بنت القادر باللَّه
[1] .
أخت القائم [2] [بأمر الله] [3] توفيت في هذه السنة، فأخرج تابوتها وتابوت الذخيرة أبي العباس بن القائم، وصلى الخليفة عليهما في صحن السلام، وجلس رئيس الرؤساء في الطيار مع التابوتين، وحملا إلى الرصافة، وحضر في العزاء عدد لا يتجاوزون الأربعين [4] لخلو البلد، وانقراض الناس بالموت والفقر.
3336- محمد بن أيوب، أبو طالب، الملقب: عميد الرؤساء
[5] .
ومولده سنة سبعين وثلاثمائة كتب للخليفة ست عشرة سنة.
وتوفي عن ثمان وسبعين سنة.
3337- محمد بن أحمد بن علي، أبو طاهر الدقاق، يعرف: بابن الأشناني
[6] .
سمع من أبي عمر بن مهدي، وابن الصلت، وأبي عبد الله بن دوست، وكان ثقة، ومات يوم السبت للنصف من صفر هذه السنة.
3338- محمد بن الحسن [7] بن عثمان بن عمر، أبو طاهر الأنباري
[8] .
قدم بغداد في سنة ثلاث وتسعين [9] وثلاثمائة، وسمع من الحسين بن/ هارون 6/ ب الضبي، وأبى عبد الله بن دوست [10] ، وكان صدوقا.
وتوفي في النصف من ربيع الأول من هذه السنة.
__________
[1] «باللَّه» سقطت من ص.
[2] في الأصل: «أخت القائم» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت.
[4] في المطبوعة: «أربعين» .
[5] انظر ترجمته في: (الأعلام 6/ 46. وسير أعلام النبلاء- الطبقة الرابعة والعشرون. وديوان مهيار 1/ 256، 276، 309، 2/ 200، 204) .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 324) .
[7] في ت: «محمد بن الحسين» .
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 22) .
[9] في تاريخ بغداد: «ثلاث وسبعين» .
[10] في الأصل: «دوشت» .(16/11)
3339- محمد بن الحسين [1] بن عثمان بن الحسن، أبو بكر الهمذاني الصيرفي
[2] .
سمع الدارقطني، وابن حبابة، ولم يكن به بأس. وتوفي في هذه السنة.
3340- محمد بن الحسين بن محمد بن سعدون، أبو طاهر البزاز الموصلي
[3] .
ولد بالموصل [4] نشأ ببغداد وسمع من ابن حيوية، وأبي بكر بن شاذان، والدارقطني، وابن بطة، وغيرهم، وكان صدوقا.
وتوفي في جمادي الأولى [5] من هذه السنة.
3341- محمد بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ
[6] .
سمع محمد بن المظفر، وأبا عمر ابن حيوية، [والدارقطني، وغيرهم وكان صدوقا.
وتُوُفّي في جمادي الأولى من هذه السنة، ودفن في مقبرة بَابُ حرب.
3342- مُحَمَّد بْن عبد الواحد بْن الصباغ
[7] :
سمع من ابن شاهين وغيره] [8] وكان ثقة فاضلا، درس فقه الشافعي عَلَى أبي حامد الأسفراييني، وكانت له حلقة للفتوى في جامع المدينة. وشهد عند قاضى القضاة أبى عبد الله الدامغاني.
وتُوُفّي في ذي القعدة من هَذِهِ السنة، ودفن بمقبرة باب الدير.
__________
[1] في الأصل: «الحسن» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 255) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 255 وشذرات الذهب 3/ 278. والكامل 8/ 336) .
[4] «ولد بالموصل» سقطت من ص، والمطبوعة.
[5] في تاريخ بغداد: «ربيع الأول بمصر» .
[6] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 278) .
[7] هذه الترجمة سقطت من ص، الأصل، وذلك بتداخلها مع الترجمة السابقة، كما هو واضح من وضع المعقوفتين، فقد سقط ما بين المعقوفتين من الأصل، ص، وأثبتناه من ت.
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 362. والبداية والنهاية 12/ 70. والكامل 8/ 336) .
[8] ما بين المعقوفتين سقط من ص، الأصل كما سبق الإشارة إلى ذلك.(16/12)
هلال بن المحسن
بن إبراهيم بن هلال، أبو الحسين [1] الكاتب الصابي صاحب «التاريخ» [2] .
ولد سنة تسع وخمسين، وسمع أبا علي الفارسي، وعلي بن عيسى الرماني، وغيرهما، وكان صدوقا وجدُّه أبو إسحاق الصابي صاحب «الرسائل» وكان أبوه المحسن صابئًا، فأما هو فأسلم متأخرا، وكان قد سمع من العلماء في حال كفره، لأنه كان يطلب الأدب.
وتوفي في رمضان هذه السنة.
ذكر سبب إسلامه
/ أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ [3] ، حدثنا الرئيس أبو علي محمد بن سعيد بن 7/ أنبهان [4] الكاتب قَالَ: قَالَ هلال بن المحسن: رأيت في المنام سنة تسع وتسعين وثلاثمائة رسول الله صلي الله عليه وسلم قد وافى إلى موضع منامي [5] ، والزمان شتاء، والبرد شديد، والماء جامد، فأقامني [6] فارتعدت حين رأيته، فقال: لا ترع، فإني رسول الله، وحملني إلى بالوعة في الدار عليها دورق خزف وقال: توضأ وضوء الصلاة. فأدخلت يدي في الدورق فإذا الماء جامد، فكسرته وتناولت من الماء ما أمررته علي وجهي وذراعي وقدمي، ووقف في صفه وصلى وجذبني إلى جانبه وقرأ الحمد، وإذا جاء نصر الله والفتح، وركع وسجد، وأنا أفعل مثل فعله، وقام ثانيا وقرأ الحمد وسورة لم أعرفها، ثم سلم، وأقبل عليّ وقال: أنت رجل عاقل محصل، والله يريد بك خيرًا فلم تدع الإسلام الذي قامت عليه الدلائل والبراهين، وتقيم علي ما أنت عليه؟ هات يدك وصافحني، فأعطيته يدي فقال: قل أسلمت وجهي للَّه، وأشهد أن الله الواحد الصمد الّذي لم يكن له
__________
[1] في ت: «أبو الحسن» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 76. وتاريخ آداب اللغة لجرجي زيدان 2/ 323. ووفيات الأعيان 6/ 101: 105. ومعجم المطبوعات 1179. ونزهة الألباء 423.
والأعلام 8/ 92، والبداية والنهاية 12/ 70. وشذرات الذهب 3/ 278) .
[3] «الحافظ» سقطت من ص، ت.
[4] في الأصل: «بن شهاب» .
[5] في ص: «مقامي» .
[6] في ص: «فأقعدني» .(16/13)
صاحبة ولا ولد، وأنك يا محمد رسوله إلى عباده بالبينات والهدى. فقلت ذاك، ونهض ونهضت، فرأيت نفسي قائما في الصفة، فصحت صياح الانزعاج والارتياع، فانتبه أهلي وجاءوا، وسمع أبي فقال: ما لكم [1] ؟ فصحت به فجاءوا، وأوقدنا المصباح وقصصت عليهم قصتي، فوجموا إلا أبي فإنه تبسم، وقال: ارجع إلى فراشك، 7/ ب فالحديث يكون عند الصباح وتأملنا [2] / الدورق، فإذا الجمد الذي فيه متشعث بالكسر، وتقدم والدي إلى الجماعة بكتمان ما جرى، وقال: يا بني، هذا منام صحيح، وبشرى محمودة، إلا أن إظهار هذا الأمر فجأة، والانتقال من شريعة إلى شريعة يحتاج إلى مقدمة وأهبة، ولكن اعتقد ما وصيت به، فإنني معتقد مثله، وتصرف في صلاتك ودعائك على أحكامه، ثم شاع الحديث، ومضت مدة فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثانيا على دجلة في مشرعة باب البستان، وقد تقدمت إليه وقبلت يده فقال: ما فعلت شيئا مما وافقتني عليه وقررته معي؟ قلت: بلى يا رسول الله، ألم أعتقد ما أمرتني به، وتصرفت في صلاتي ودعائي على موجبه؟ فقال: لا، وأظن أن قد بقيت في نفسك شبهة، تعال.
وحملني إلى باب المسجد الذي في المشرعة، وعليه رجل خراساني نائم على قفاه وجوفه كالغرارة المحشوة من الاستسقاء، ويداه وقدماه منتفختان، فأمر يده على بطنه وقرأ عليه فقام الرجل صحيحًا معافى. فقلت: صلى الله عليك يا رسول الله فما أحسن تصديق أمرك وأعجز فعلك [3] . وانتبهت.
فلما كان في سنة ثلاث وأربعمائة رأيت في بعض الليالي كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راكبا علي باب خيمة كنت فيها، فانحنى على سرجه حتى أراني وجهه، فقمت إليه [4] وقبلت ركابه ونزل [5] فطرحت له مخدة وجلس، وقال: يا هذا، كم آمرك بما أريد فيه الخير لك 8/ أوأنت تتوقف عنه. قلت [6] : يا مولاي، أما أنا متصرف عليه؟ قال: بلى/، ولكن لا
__________
[1] في الأصل: «مالك» .
[2] في الأصل: «وتأملت» .
[3] في الأصل: «فما أصدق أمرك وأعجب فعلك» .
[4] «إليه» سقطت من ص، ت.
[5] في الأصل: «ونعله» .
[6] في الأصل: «فقلت» .(16/14)
يغنى الباطن الجميل مع الظاهر القبيح، وأن تراعي أمرًا فمراعاتك الله أولى، قم الآن وافعل ما يجب ولا تخالف. قلت: السمع والطاعة.
فانتبهت ودخلت إلى الحمام ومضيت [1] إلى المشهد وصليت فيه، وزال عني الشك، فبعث إلى فخر الملك فقال: ما الذي بلغني؟ فقلت: هذا أمر كنت أعتقده وأكتمه، حتى رأيت البارحة في النوم كذا وكذا. فقال: قد كان أصحابنا يحدثوني أنك كنت تصلى بصلاتنا، وتدعو بدعائنا وحمل إلى دست ثياب ومائتي دينار فرددتهما وقلت: ما أحب أن أخلط بفعلي شيئا من الدنيا، فاستحسن ما كان مني وعزمت أن أكتب مصحفا فرأى بعض الشهود رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول له: تقول لهذا المسلم القادم نويت أن تكتب مصحفا، فاكتبه، فيه يتم إسلامك.
قَالَ وحدثتني امرأة تزوجتها بعد إسلامي قالت: لما اتصلت بك قيل لي إنك على دينك الأول فعزمت على فراقك، فرأيت في المنام رجلا قيل أنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه جماعة قيل هم الصحابة، ورجل معه سيفان قيل [2] إنه على بن أبي طالب، وكأنك قد دخلت فنزع عليّ أحد السيفين فقلدك إياه وقال: ها هنا ها هنا. وصافحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع أمير المؤمنين رأسه إلي وأنا أنظر [3] من الغرفة فقال: ما ترين إلى هذا؟ هو أكرم عند الله وعند رسوله منك ومن كثير من الناس، / وما جئناك إلا لنعرفك موضعه، 8/ ب ونعلمك أننا زوجناك به تزويجًا صحيحًا فقري عينا وطيبي نفسا فما ترين إلا خيرا.
فانتبهت وقد زال عني كل شك وشبهة.
قَالَ أبو علي بن نبهان في أثر هذا الحديث عن جده لأمه أبي الحسن الكاتب: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ له في المرة الثالثة: وتحقيق رؤياك إياي أن زوجتك حامل بغلام، فإذا وضعته فسمه مُحَمَّدًا. فكان ذلك كما قَالَ، وأنه ولد له ولد فسماه محمدًا وكناه أبا الحسن.
__________
[1] في ص: «وجئت» .
[2] «قيل» سقطت من ص.
[3] في ص: «وأنا مطلعة» .(16/15)
ثم دخلت سنة تسع وأربعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في المحرم فتح الذعار عدة دكاكين من نهر الدجاج، ونهر طابق، والعطارين، وكسروا دراباتها [1] وأخذوا ما فيها، واستعفى ابن النسوي من الشرطة فأعفي.
وفي العشر الأخير من المحرم: بلغت الكارة الدقيق تسعة دنانير، وكدى المتجملون وكثير من التجار، وأكلت الكلاب والميتات، ومات من الجوع في [2] كل يوم خلق كثير، وشوهدت امرأة معها فخذ كلب ميت قد اخضر وجاف وهي تنهشه، ورمى من سطح طائر ميت فاجتمع عليه خمسة أنفس فاقتسموه وأكلوه، ورئي رجل قد شوى صبية في أتون فأكلها فقتل، وسددت أبواب دور مات أهلها، وكان الإنسان يمشي في الطريق فلا يرى إلا الواحد بعد الواحد.
[كبس دار أبي جعفر الطوسي بالكرخ]
وفي صفر هذه السنة: كبست دار أبي جعفر الطوسي متكلم الشيعة بالكرخ، 9/ أوأخذ ما وجد من دفاتره، وكرسي كان يجلس عليه للكلام، وأخرج/ ذلك [3] إلى الكرخ وأضيف إليه [4] ثلاثة مجانيق بيض كان الزوار من أهل الكرخ قديما يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة، فأحرق الجميع.
__________
[1] في الأصل: «ما فيها» .
[2] «في» سقطت من ص، ت.
[3] «ذلك» سقطت من ص، ت.
[4] في ص: «وضيف إليه» .(16/16)
[وقوع وباء بأهواز وأعمالها]
وفي جمادى الآخرة: ورد كتاب من تجار ما وراء النهر [1] قد وقع في هذه الديار وباء عظيم مسرف زائد عن الحد، حتى أنه خرج من هذا الإقليم في يوم وأحد ثمانية عشر ألف جنازة، وأحصى من مات إلى أن كتب هذا الكتاب فكانوا ألف ألف وستمائة ألف وخمسين ألفا، والناس يمرون في هذه البلاد فلا يرون إلا أسواقا فارغة، وطرقات خالية، وأبوابا مغلقة، حتى إن البقر نفقت.
وجاء الخبر من آذربيجان وتلك الأعمال بالوباء العظيم، وأنه لم يسلم إلا العدد القليل.
ووقع وباء بالأهواز وأعمالها وبواسط، وبالنيل، ومطيرآباذ، والكوفة، وطبق الأرض حتى كان يخد للعشرين والثلاثين [2] زبية فيلقون فيها، وكان أكثر سبب ذلك الجوع، وكان الفقراء يشوون الكلاب، وينبشون القبور فيشوون الموتى ويأكلونهم [3] ، وكان لرجل جريبان أرضًا دفع إليه في ثمنها عشرة دنانير فلم يبعها، فباعها حينئذ بخمسة أرطال خبز، وأكلها ومات من وقته. وطويت التجارات، وأمور الدنيا، وليس للناس شغل في الليل والنهار إلا غسل الأموات والتجهيز [4] والدفن، وكان الإنسان قاعدًا فينشق قلبه عن دم المهجة فيخرج إلى الفم منه قطرة فيموت الإنسان.
وتاب الناس كلهم، وتصدقوا بمعظم أموالهم، وأراقوا الخمور، وكسروا المعازف، ولزموا المساجد لقراءة القرآن [خصوصا العمال والظلمة] [5] ، / وكل دار 9/ ب فيها خمر يموت أهلها في ليلة واحدة. ووجدوا دارا فيها ثمانية عشر نفسا موتى، ففتشوا متاعهم فوجدوا خابية خمر، فأراقوها. ودخلوا على مريض طال نزعه سبعة أيام [6] ، فأشار بإصبعه إلى خابية خمر فقلبوها وخلصه الله [تعالى] [7] من السكرة، فقضى، وقبل
__________
[1] في المطبوعة: «ما وراء نهر» .
[2] «والثلاثين» سقطت من ص.
[3] في ص، والمطبوعة: «يأكلونها» .
[4] «والتجهيز» سقطت من ص، ت.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «بأيامها» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/17)
ذلك كان من يدخل هذه الدار يموت، ومن كان مع امرأة حراما ماتا من ساعتهما، وكل مسلمين بينهما هجران وأذى فلم يصطلحا ماتا معًا، ومن دخل الدار ليأخذ شيئا مما قد تخلف فيها وجدوا المتاع معه وهو ميت.
ومات رجل كان مقيما بمسجد فخلف خمسين ألف درهم، فلم يقبلها أحد، ووضعت في المسجد تسعة أيام بحالها، فدخل أربعة أنفس ليلا إلى المسجد وأخذوها فماتوا عليها. ويوصي الرجل الرجل فيموت الذي أوصى إليه قبل الموصى، وخلت أكثر المساجد من الجماعات.
وكان أبو محمد عبد الجبار بن محمد الفقيه معه سبعمائة متفقه فمات وماتوا سوى اثني عشر من الكل.
ودخل رجل على ميت وعليه لحاف فأخذه، فمات ويده في [طرف] [1] اللحاف وباقيه على الميت.
ودخل دبيس بن علي بلاده فوجدها خرابا لا أكار بها ولا عالمة [2] ، حتى إنه أنفذ رسولا إلى بعض النواحي، فلقيه جماعة فقتلوه وأكلوه. وجمع العميد أبو نصر الناس من الطرقات للعمل في دار المملكة، وفيهم الهاشميون، والقضاة، والشهود، والتجار، فكانوا يحملون اللبن على أكتافهم وأيديهم عدة أسابيع.
وفي يوم الأربعاء لسبع بقين من جمادى الآخرة: احترقت قطيعة عيسى، وسوق الطعام، والكبش، وأصحاب السقط، وباب الشعير، وسوق العطارين، وسوق 10/ أالعروس، / وباب العروس [3] ، والأنماط، والخشابين، والجزارين، والنجارين، والصف، والقطيعة، وباب محول، ونهر الدجاج، وسويقة غالب، والصفارين، والصباغين، وغير ذلك من المواضع [والرواضع] [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] هكذا في جميع النسخ، ولعلها: «عاملة» .
[3] «وباب العروس» سقطت من ص، ت.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/18)
وعاد طغرلبك من الموصل إلى بغداد وسلم الموصل وأعمالها إلى إبراهيم ينال ابن أخيه فأحسن إبراهيم السيرة.
وفي هذه السنة: لقي السلطان طغرلبك الخليفة القائم باللَّه، وكان السلطان يسأل في ذلك إلى أن تقرر كون هذا في ذي القعدة، فجلس رئيس الرؤساء في صدر رواق صحن السلام [1] ، وبين يديه الحجاب، ثم استدعى نقيبي العباسيين، والعلويين، وقاضي القضاة، والشهود، فلما تضاحى النهار كتب إلى السلطان طغرلبك بما مضمونه الإذن عن أمير المؤمنين في الحضور، فأنفذ ذلك مع ابني المأمون الهاشميين، ومن خدم الخواص خادمين، ومن الحجاب حاجبين، ولما وقف السلطان على ذلك نزل في الطيار، وكان قد زين وأنفذ إليه [2] فانحدر ومعه [عدة] [3] زبازب سميريات، وعلى الظهر فيلان يسيران بإزاء الطيار، فدخل الدار والأولاد والأمراء والملوك يمشون بين يديه، ونحو خمسمائة [4] غلام ترك، فلما وصل إلى باب دهليز صحن السلام وقف طويلا على فرسه حتى فتح له، ونزل فدخل إلى الصحن، ومشى وخرج رئيس الرؤساء إلى وسطه فتلقاه، فدخل على أمير المؤمنين وهو على سرير عال من الأرض نحو سبعة أذرع، عليه قميص وعمامة مصمتان، وعلى منكبه بردة النبي صلى الله عليه وسلم، وبيده القضيب، فحين شاهد السلطان/ أمير المؤمنين قبل الأرض دفعات، فلما [5] دنا من مجلس 10/ ب الخليفة صعد رئيس الرؤساء إلى سرير لطيف دون ذلك السرير بنحو قامة، وقال له أمير المؤمنين: أصعد ركن الدين إليك، وليكن معه محمد بن منصور الكندري. فأصعدهما إليه وتقدم وطرح كرسي جلس عليه السلطان، وقال [أمير المؤمنين] [6] لرئيس الرؤساء:
قل له يا علي: أمير المؤمنين حامد لسعيك، شاكر لفضلك، آنس بقربك، زائد الشغف بك، وقد ولاك جميع ما ولاه الله تعالى من بلاده، ورد إليك فيه مراعاة عباده، فاتق الله
__________
[1] في الأصل: «في صحن دار السلام في صدرها» .
[2] في الأصل: «وكان قد سيروا نفرا إليه» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «خمسون» .
[5] في الأصل: «فحين» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/19)
فيما ولاك، واعرف نعمته عليك، وعبدك في ذلك، واجتهد في عمارة البلاد، ومصالح [1] العباد، ونشر العدل، وكف الظلم.
ففسر له عميد الملك القول، فقام وقبل الأرض وقال: أنا خادم أمير المؤمنين وعبده، ومتصرف على أمره ونهيه، ومتشرف بما أهلني له واستخدمني فيه، ومن الله تعالى استهداء [2] المعونة والتوفيق.
واستأذن [3] أمير المؤمنين في أن ينهض ويحمل إلى حيث تفاض الخلع عليه، فنزل إلى بيت في جانب البهو، ودخل معه عميد الملك، فألبس الخلع وهي سبع خلع في زي وأحد، وترك التاج على رأسه، وعاد فجلس بين يدي أمير المؤمنين، ورام تقبيل الأرض فلم يتمكن لأجل التاج، وأخرج أمير المؤمنين سيفا من بين يديه فقلده إياه، وخاطبه بملك المشرق والمغرب، واستدعى ألوية [4] وكانت ثلاثة: اثنان خمرية بكتائب صفر، وآخر بكتائب مذهبة سمي [5] لواء الحمد فعقد منهم أمير المؤمنين لواء الحمد 11/ أبيده، وأحضر العهد فقال. يسلم إليه/ ويقال له: يقرأ عليك عهدنا إليك [6] ، ويفسر [7] لك لتعمل بموجبه، وبمقتضى ما أمرنا به، خار الله لنا ولك وللمسلمين فيما فعلنا وأبرمناه، أمرك بما أمرك الله به، وأنهاك عما نهاك الله عنه، وهذا منصور بن أحمد [8] نائبنا لديك، وصاحبنا وخليفتنا عندك، ووديعتنا، فاحتفظ به وراعه، فإنه الثقة السديد والأمين الرشيد، وانهض على اسم الله تعالى مصاحبا محروسا.
وكان من السلطان طغرلبك في كل فصل يفصل [9] له من الشكر وتقبيل الأرض
__________
[1] في ص: «وصلاح العباد» .
[2] في ص: «أستمد» .
[3] في الأصل: «وأذن» .
[4] في الأصل: «الونية» .
[5] في الأصل: «يسمى» .
[6] «إليك» سقطت من ص، ت.
[7] في ص: «وينشر» .
[8] في ص: «منصور بن محمد» .
[9] في الأصل: «يفسر» .(16/20)
ما أبان عن حسن طاعته [1] ، وصادق محبته [2] ، وسأل مصافحته باليد الشريفة فأعطاه أمير المؤمنين يده دفعتين قبل لبسه الخلع وعند انصرافه من حضرته [3] ، وهو يقبلها ويضعها على عينيه، ودخل جميع من في الدار من الأكابر والأصاغر إلى المكان فشاهدوا تلك الحال، وخرج إلى صحن دار السلام، فسار والخيل [4] والألوية أمامه، ولما خرجت الألوية رفعت من سطح صحن السلام وحطت على روشن بيت النوبة، ومنه إلى الطيار لئلا تخرج في الأبواب فتنكس، ومضى إليه رئيس الرؤساء في يوم الاثنين وهنأه عن الخليفة وقال له: إن أمير المؤمنين يأمرك أن تجلس للهناء بما أفاضه عليك من نعمة، وولاك [5] من خدمته، وحمل إليه خلعة، فقام وقبل الأرض وقال: قد أهلني أمير المؤمنين لرتبة يستنفد شكري ويستعبدني بما بقي من عمري، وأتاه بسدة مذهبه وقال له:
أمير المؤمنين يأمرك [6] أن تلبس هذا التشريف، وتجلس في هذا الدست، وتأذن للناس ليشهدوا/ ما تواتر من إنعامه، فيبتهج الولي، وينقمع العدو. 11/ ب وحمل السلطان في مقابلة ذلك خمسين غلاما أتراكا على خيول بسيوف ومناطق وعشرين رأسا من الخيل، وخمسين ألف دينار، وخمسين قطعة ثياب.
[قبض على أبي محمد الحسن بن عبد الرحمن بمصر]
وفي ذي الحجة من هذه السنة: قبض على أبي محمد الحسن بن عبد الرحمن اليازوري بمصر، وعلى ثمانين من أصحابه، وقررت عليه أموال عظيمة. وكتب خطه بثلاثة آلاف ألف دينار، واخذ من المختصين به ألوف، وكان في ابتداء أمره قد حج وأتى المدينة، وزار رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقط على منكبه قطعة من الخلوق فقال أحد القوام: أيها الشيخ، أبشرك بأمر ولى الحباء والكرامة إذا بلغت إليه، أعلمك أنك تلي ولاية عظيمة، وهذا الخلوق الذي وقع عليك شاهدها، وهو دليل على علو منزلة من يسقط عليه.
فضمن له ما طلبه، فلم يحل الحول حتى ولى الوزارة، وأحسن إلى الرجل، وتفقد
__________
[1] في الأصل: «حسن الطاعة» .
[2] في الأصل: «وصادق المحبة» .
[3] في الأصل: «من حضرتها» .
[4] في الأصل: «إلى صحن الدار فسار وانحرت ... » .
[5] في الأصل: «مولاك» .
[6] في ص: «يرسم لك» .(16/21)
الحرمين أحسن تفقد، وكان من أصحاب أبي حنيفة، وكان أبو يوسف القزويني يحكى سيرته ونفاق أهل العلم عليه، وقال إنه التقاني يوما وقد توجه إلى ديوانه، فلما رآني وقف ووقف الناس لأجله، وقال لي: إلى أين؟ فقلت: قصدتك لحوائج كلفني أقوام قضاءها. فقال: لا أبرح من مكاني حتى تذكرها. فجعلت أذكر له حاجة حاجة وهو يقول: نعم وكرامة، حتى قَالَ في الحاجة الأخيرة: السمع والطاعة، ثم انفرد أمير كان 12/ أمعه بعد انصرافه/ فقال له: أي شيء أنت؟ فقلت: أنا لا شيء. فقال: لا شيء؟ يقول له الوزير السمع والطاعة. فقال: أنا من أهل العلم. فقال: استكثر مما معك، فانه إذا كان في شخص أطاعته الملوك.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3344- أحمد بن عبد الله بن سليمان، أبو العلاء التنوخي المعري
[1] .
ولد يوم الجمعة عند غروب الشمس لثلاث بقين من ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، وأصابه الجدري في سنة سبع أو أواخر سنة ست، فغشي حدقتيه ببياض فعمي، فقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، وله أشعار كثيرة، وسمع اللغة، وأملى فيها كتبًا، وله بها معرفة تامة، ودخل بغداد سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، وأقام بها سنة وسبعة أشهر، ثم عاد إلى وطنه، فلزم منزله، وسمّى نفسه: رهين المحبسين لذلك ولذهاب بصره [2] ، وبقي خمسا وأربعين سنة لا يأكل اللحم ولا البيض ولا اللبن، ويحرم إيلام الحيوان، ويقتصر على ما تنبت الأرض، ويلبس خشن الثياب، ويظهر دوام الصوم، ولقيه رجل فقال له [3] : لم لا تأكل اللحم؟ فقال: [أرحم الحيوان. قال:
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 240. والبداية والنهاية 12/ 72. وشذرات الذهب 3/ 280.
ووفيات الأعيان 1/ 113- 116. ومعجم الأدباء 1/ 181 وتاريخ ابن الوردي 1/ 357. وإعلام النبلاء 4/ 77، 180، 378. ولسان الميزان 1/ 203. وإنباه الرواة 1/ 46. وتتمة اليتيمة 9. والأعلام 1/ 157. والكامل 8/ 339) .
[2] في الأصل: «عينيه» .
[3] «له» سقطت من ص.(16/22)
فما] [1] تقول في السباع التي لا طعام لها إلا لحوم الحيوان، فإن كان الخالق الذي دبر ذلك فما أنت بأرأف منه، وإن كانت الطبائع المحدثة لذلك، فما أنت بأحذق منها ولا أنقص عملا منك.
قَالَ المصنف رحمه الله: وقد كان يمكنه أن لا يذبح رحمة، فأما ما قد ذبحه غيره فأي رحمة قد بقيت في ترك أكله، وكانت أحواله تدل على اختلاف عقيدته.
وقد حكى/ لنا عن أبي زكريا أنه قَالَ: قَالَ لي المعري: ما الذي تعتقد؟ فقلت 12/ ب في نفسي: اليوم أعرف اعتقاده. فقلت: ما أنا إلا شاك. فقال: هكذا [2] شيخك. وكان ظاهر أمره يدل أنه يميل إلى مذهب البراهمة، فإنهم لا يرون ذبح الحيوان، ويجحدون الرسل وقد رماه جماعة من أهل العلم [3] بالزندقة والإلحاد، وذلك أمره ظاهر في كلامه وأشعاره، وأنه يرد على الرسل ويعيب الشرائع، ويجحد البعث.
ونقلت من خط أبى الوفاء ابن عقيل أنه قَالَ: من العجائب أن المعري أظهر ما أظهر من الكفر البارد الذي لا يبلغ منه مبلغ شبهات الملحدين، بل قصر فيه كل التقصير، وسقط من عيون الكل، ثم اعتذر بأن لقوله باطنا، وأنه مسلم في الباطن، فلا عقل له ولا دين، لأنه تظاهر بالكفر وزعم أنه مسلم في الباطن، وهذا عكس قضايا المنافقين والزنادقة، حيث تظاهروا بالإسلام وأبطنوا الكفر، فهل كان في بلاد الكفار حتى يحتاج إلى أن يبطن الإسلام، فلا أسخف عقلًا ممن سلك هذه الطريقة التي هي أخس من طريقة الزنادقة والمنافقين، إذا كان المتدين يطلب نجاة الآخرة، والزنديق يطلب النجاة في الدنيا، وهو جعل نفسه عرضة لإهلاكها [4] في الدنيا حين طعن في الإسلام في بلاد الإسلام، وأبطن الكفر، وأهلك نفسه في المعاد، فلا عقل له ولا دين.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ص: «هذا» .
[3] في ص: «من العلماء» .
[4] في ص: «إذا كان المتدين يطلب نجاة الآخرة لا هلاكها في الدنيا» .
وفي ت: «إذا كان المتدين يطلب النجاة في الدنيا وقد جعل نفسه عرضة لإهلاكها ... » .(16/23)
وهذا ابن الريوندي، وأبو حيان ما فيهم إلا من قد انكشف من كلامه سقم في دينه، يكثر التحميد والتقديس، ويدس في أثناء ذلك المحن [1] .
13/ أقال ابن عقيل: وما سلم هؤلاء من/ القتل إلا لأن إيمان الأكثرين ما صفا. بل في قلوبهم شكوك تختلج، وظنون [2] تعتلج [مكتومة] [3] إما لترجح الإيمان في القلوب، أو مخافة الإنكار من الجمهور، فلما نطق ناطق شبهاتهم أصغوا إليه، ألا ترى من صدق إيمانه كيف قتل أباه؟ وإذا أردت أن تعلم صحة ما قلت فانظر إلى نفورهم عند الظفر في عشائرهم، وفي بعض أهوائهم، وأو في صور يهوونها، وفانظر إلى إراقة الدماء [4] فإذا ندرت نادرة في الدين- وإن كثر وقعها- لم يتحرك منهم نابضة.
قَالَ المصنف [5] رحمه الله: وقد رأيت للمعرى كتابا سماه «الفصول والغايات» يعارض به السور والآيات، وهو كلام في نهاية الركة والبرودة، فسبحان من أعمى بصره وبصيرته وقد ذكره على حروف المعجم في آخر كلماته، فما هو على حرف الألف:
«طوبى لركبان النعال المعتمدين على عصى الطلح، يعارضون الركائب في الهواجر والظلماء، يستغفر لهم قحة القمر وضياء الشمس، وهنيئا لتاركي النوق في غيطان الفلا، يحوم عليها ابن داية، يطيف بها السرحان وشتان، أوارك قوة الألبان وجرى لبنها أفقد من لبن العطاء» .
وكله على هذا البارد، وقد نظرت في كتابه المسمى «لزوم ما لا يلزم» وهو عشرة مجلدات.
وحدثني ابن ناصر، عن أبي زكريا عنه بأشعار كثيرة، فمن أشعاره:
إذا كان لا يحظى برزقك عاقل ... وترزق مجنونا وترزق أحمقا
فلا ذنب يا رب العباد [6] على امرئ ... رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا
__________
[1] في الأصل: «المحسن» .
[2] في ص: «وشكوك» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] «الدماء» سقطت من ص.
[5] في الأصل: «قال الشيخ» .
[6] في ص: «رب السماء» .(16/24)
وله:
/ وهيهات البرية في ضلال ... وقد نظر اللبيب لما اعتراها 13/ ب
تقدم صاحب التوراة موسى ... وأوقع في الخسار من افتراها
فقال رجاله وحيٌ أتاه ... وقال الناظرون بل افتراها
وما حجي إلى أحجار بيت ... كؤوس الخمر تشرب في ذراها
إذا رجع الحليم إلى حجاه ... تهاون بالمذاهب وازدراها
وله:
هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت ... ويهود حارت والمجوس مضلله
اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا ... دين وآخر دين لا عقل له
وله:
فلا تحسب مقال الرسل حقا ... ولكن قول زور سطروه
وكان الناس في عيش رغيد ... فجاءوا بالمحال وكدروه
وله:
إن الشرائع ألقت بيننا إحنا ... وأورثتنا أفانين العداوات
وهل أبيح نساء الروم عن عرض ... للعرب إلا بأحكام النبوات
وله:
أفيقوا أفيقوا يا غواة فإنما ... دياناتكم مكر من القدماء
وله:
تناقض ما له إلا السكوت له ... وأن نعوذ بمولانا من النار
يد لخمس مئين عسجد فديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار
وله:
لا يكذب الناس على ربهم ... ما حرك العرش ولا زلزلا
وله:
/ ضحكنا وكان الضحك منا [1] سفاهة ... وحق لسكان البسيطة أن يبكوا
14/ أ
__________
[1] في ص: «وكان الضحك بنا سفاهة» .(16/25)
تحطمنا الأيام حتى كأننا ... رجيع [1] زجاج لا يعادلنا سبك
[2] وله:
كون يرى وفساد جاء يتبعه ... تبارك الله ما في خلقه عبث
وإن يؤذن بلال لابن آمنة ... فبعده لسجاح ما دعى شبث
أراد بالبيت الأول المجون ومعناه: هل هذا إلا عبث، وعنى بالبيت الثاني: شبث ابن ربعي فإنه أذن لسجاح التي ادعت النبوة وذكر نبينا عليه السلام باسم أمه، وأراد إن كان [قد] جرى [3] له هذا فقد جرى مثله لامرأة. وله في هذا المعنى فساد وكون حادثان كلاهما.
وله في مثل ذلك:
شهيد بأن الخلق صنع حكيم
وله [4] مثل الذي قبله:
فربما حل موصوف يراقبه [5] ... فكيف يمحن أطفال بإيلام
وله:
أمور تستخف بها حلوم ... وما يدري الفتى لمن الثبور
كتاب محمد وكتاب موسى ... وإنجيل ابن مريم والزبور
وله:
قلتم لنا خالق قديم ... صدقتم هكذا فقولوا [6]
زعمتموه بلا زمان ... ولا مكان ألا فقولوا
__________
[1] «رجيع» سقطت من ص، ت.
[2] في ص: «السبك» .
[3] «جرى» سقطت من ص.
وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «وهذا» .
[5] في الأصل: «نراقبه» .
[6] في ص: «نقول» .(16/26)
هذا كلام له خبيء ... معناه ليست لنا عقول
انظر إلى حماقة هذا الجاهل، أنكر أن يكون الخالق موجودًا/ لا في زمان، ولا 14/ ب في مكان، ونسي أنه أوجدهما.
وإنما ذكرت هذا من أشعاره ليستدل بها على كفره، فلعنه الله.
وذكر أبو الحسن محمد بن هلال ابن المحسن الصابي في تاريخه قَالَ: ومن أشعار المعري:
صرف الزمان مفرق الإلفين ... فاحكم إلهي [1] بين ذاك وبيني
أنهيت عن قتل النفوس تعمدا ... وبعثت أنت لأهلها [2] ملكين
وزعمت أن لها معادا ثانيا ... ما كان أغناها عن الحالين
مات أبو العلاء [3] المعري في ربيع الأول من هذه السنة بمعرة النعمان عن ست وثمانين سنة إلا أربعة وعشرين يوما.
وقد روى لنا أنه قد أنشد على قبره ثمانون مرثية رثاه بها أصحابه ومن قرأ عليه ومال إليه، فقال بعضهم:
إن كنت لم ترق الدماء زهادةً ... فلقد أرقت اليوم من جفني دما
وهؤلاء بين أمرين: إما جهّال بما كان عليه، وإما قليلو الدين، لا يبالون به، ومن سبر خفيات الأمور بانت له، فكيف بهذا الكفر الصريح في هذه الأشعار.
قَالَ ابن الصابئ: ولما مات المعري رأى بعض الناس في منامه كأن أفعيين على عاتقي رجل ضرير تدليا إلى صدره، ثم رفعا رأسيهما فهما ينهشان من لحمه وهو يستغيث، فقال: من هذا. فقيل: المعري الملحد.
3345- الحسين بن أحمد
[4] بن القاسم بن علي بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن
__________
[1] في المطبوعة: «إلا هي» .
[2] في الأصل: «لقضيها» .
[3] «أبو العلاء» سقطت من ص.
[4] في تاريخ بغداد 8/ 108: «الحسين بن محمد» .(16/27)
طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم [1] بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب النسابة [2] .
ولد في ذي القعدة سنة ثمانين وثلاثمائة. وتوفي في صفر هذه السنة.
15/ أأخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب/ قال: كان متميزا من بين أهله بعلم النسب ومعرفة أيام الناس وله حظ في الأدب، وعلقت عنه حكايات ومقطعات من الشعر.
3346- الحسين بن محمد بن عثمان أبو عبد الله [ابن] [3] النصيبي
[4] .
سمع علي بن عمر السكري، والدارقطني، والمخلص. قَالَ الخطيب: كتبت عنه وكان صحيح السماع، وكان يذهب إلى الاعتزال، وتوفي في هذه السنة.
3347- سعد بن أبي الفرج محمد بن جعفر ابن أبي الفرج ابن فسانجس، يكنى: أبا الغنائم، ويلقب: علاء الدين.
وزر مدة للملك أبي نصر بن أبي كاليجار، ونظر في أول أيام الغز بواسط، وخطب للمصريين، فحمل إلى بغداد وشهر بها، وصلب بإزاء التاج في هذه السنة وكان عمره سبعا وثلاثين سنة.
3348- عبيد الله بن الحسين بن نصر، أبو محمد العطار
[5] .
سمع ابن المظفر، والدارقطني.
[أخبرنا القزاز] [6] ، أخبرنا الخطيب قَالَ: كتبت عنه وكان ثقة. وسألته عن مولده فقال: سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، وتوفي في هذه السنة.
3349- عدنان بن الرضى الموسوي
[7] .
ولي نقابة الطالبيين وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «إبراهيم بن إسماعيل» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 108) .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من ت.
[4] انظر ترجمته: (تاريخ بغداد 8/ 109) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 387) .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 340. والأعلام 4/ 219) .(16/28)
ثم دخلت سنة خمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
/ أنه وقع في يوم الثلاثاء سادس عشر المحرم برد كبار، وهلك كثير من الغلات، 15/ ب وزنت منه وأحدة [بصريفين] [1] فكانت نيفا وثلاثين درهما، وزادت دجلة هذا اليوم خمسة عشر ذراعا.
ثم [2] في يوم السبت رابع عشر صفر، وقع برد بالنهروان وما يقاربها من السواد كبيض الدجاج، فأهلك الغلات، وقتل جماعة من الأكراد، ووقعت واحدة منه على رأس [3] رجل ففتحت رأسه، وضربت أخرى رأس فرس فرمى راكبه وشرد.
وزاد العبث من أصحاب السلطان، فكانوا يأخذون عمائم الناس، حتى إنه عبر في جمادى الآخرة أبو منصور ابن يعقوب [4] إلى نقيب العلويين ومعه أبو الحسين [5] بن المهتدى، [فلما بلغوا إلى باب الكرخ أخذت عمامة ابن المهتدى] [6] فأسرعت [7] العامة إلى أخذها، فاستردوها، وأخذت بعد ذلك بيوم عمامة أبي نصر ابن الصباغ وطيلسانه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقطت من الأصل.
[2] في ص: «وفي» .
[3] «رأس» سقطت من ص.
[4] في الأصل: «أبو منجور ابن يوسف» .
[5] في الأصل: «أبو الحسن» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في الأصل: «فأنزعت» .(16/29)
وفي شهر رمضان: تجدد للعوام المتدينين المتسمين بأصحاب عبد الصمد إلزام أهل الذمة بلبس الغيار، وحضر الديوان رجل هاشمي منهم يعرف بابن سكرة، فخاطب رئيس الرؤساء ابن المسلمة في ذلك وذكر ما عليه أهل الذمة من الانبساط، وكلمه بكلام فيه غلظة فأغاظه [1] ، فكتب إلى الخليفة بذلك فخرج ما قوى أمر ابن سكرة، وكان أبو علي ابن فضلان اليهودي كاتب خاتون فأمره ابن المسلمة بالتأخر في داره، وأن يتقدم/ 16/ أإلى اليهود وأهل المعايش بمثل ذلك، وأمر ابن الموصلايا النصراني كاتب الديوان بمثل ذلك، فانقطعوا عن المعاملات وتأخر الكتاب والجهابذة عن الديوان، فبان للخليفة باطن الأمر فتشدد فيه، ولم يجد ابن المسلمة مساغا لما يريد فصار أهل الذمة ينسلون ويخرجون إلى أشغالهم.
وفي ثامن شوال: نقب جامع المدينة [2] ، وأخذت منه الأعلام السود والتستر وما وجد.
وفي ثامن عشر شوال: بين المغرب والعشاء كانت زلزلة عظيمة [لبثت ساعة] [3] عظيمة، ولحق [4] الناس منها خوف شديد، وتهدمت دور كثيرة، ثم وردت الأخبار أنها اتصلت من بغداد إلى همذان، وواسط، وعانة، وتكريت، وذكر أن أرحاء كانت تدور فوقفت، وبعد هذه الزلزلة بشهر أخرج [5] القائم من داره، وجرت محن عظيمة.
وكان السلطان طغرلبك قد خرج إلى الموصل ثم توجه إلى نصيبين ومعه أخوه إبراهيم [ينال، فخالف عليه أخوه إبراهيم] [6] ، وانصرف بجيش عظيم معه يقصد الري وكان البساسيري راسل [7] إبراهيم [يشير عليه] [8] بالعصيان لأخيه، ويطمعه بالتفرد
__________
[1] في الأصل: «فالظه» .
[2] في الأصل: «جامع المنصور» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «وجد» مكان «عظمية ولحق» .
[5] في الأصل: «خرج» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في الأصل: «يراسل» .
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/30)
بالملك ويعده معاضدته، فسار طغرلبك في أثر أخيه إبراهيم [1] وترك العساكر وراءه فتفرقت عنه [2] غير أن وزيره المعروف بالكندري، وربيبه أنوشروان، وزوجته خاتون وردوا بغداد بمن بقي معهم من العسكر في شوال هذه السنة، وانتشر الخبر باجتماع طغرلبك مع أخيه/ إبراهيم بهمذان [وأن إبراهيم استظهر على طغرلبك وحصر في 16/ ب همذان] [3] فعزمت خاتون وابنها أنوشروان، والكندري على المسير إلى همذان لإنجاد طغرلبك، فاضطرب أمر بغداد اضطرابا شديدًا، وأرجف المرجفون باقتراب البساسيري، فبطل عزم الكندري عن المسير، فهمت خاتون بالقبض عليه وعلى ابنها لتركهما مساعدتها على إنجاد زوجها، فنفرا إلى الجانب الغربي من بغداد وقطعا الجسر وراءهما، وانتهبت دارهما، واستولى من كان مع خاتون من الغز على ما تضمنتها من العين والثياب والسلاح وغير ذلك من صنوف الأموال، ونفذت خاتون بمن انضوى إليها، وهم: جمهور العسكر متوجهة نحو همذان، وخرج الكندري وأنوشروان يؤمان طريق الأهواز، فلما خلا البلد من العساكر انزعج الناس، وقيل للناس: من أراد أن يخرج فليخرج. فبكى الناس والأطفال، وعبر كثير من الناس إلى الجانب الغربي، فبلغت المعبرة دينارا ودينارين وثلاثة.
وطار في تلك الليلة على دار الخليفة [نحو] [4] عشر بومات مجتمعات يصحن صياحا مزعجا فقال أبو الأَغَرّ بن مزيد رئيس [5] الرؤساء: ليس عندنا من يرد، والرأي خروج الخليفة عن البلد إلى البلاد السافلة، فأجاب الخليفة، ثم صعب عليه مفارقة داره، وامتنع وأظهر رئيس الرؤساء قوة النفس لأجل موافقة الخليفة، وجمعوا من العوام من يصلح للقتال، وركب رئيس الرؤساء وعميد العراق إلى دار المملكة، وأخذا ما يصلح من السلاح وضربا في الباقي النار، فلما كان يوم الجمعة السادس من ذي القعدة تحقق الناس كون/ البساسيري بالأنبار، ونهض الناس إلى صلاة الجمعة بجامع 17/ أ
__________
[1] «إبراهيم» سقطت من ص، ت.
[2] «عنه» سقطت من ص.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «الرئيس» .(16/31)
المنصور، فلم يحضر الإمام فأذَّن المؤذنون ونزلوا، فأخبروا أنهم رأوا عسكر البساسيري حذاء شارع دار الرقيق، وجاء العسكر، وصلى الناس الظهر بغير خطبة.
ثم ورد في السبت نحو مائتي فارس، ثم دخل البساسيري بغداد يوم الأحد ثامن ذي القعدة ومعه الرايات المصرية، فضرب مضاربه على شاطئ دجلة، فتلقاه أهل الكرخ، فوقفوا في وجه فرسه وتضرعوا إليه أن يجتاز عندهم، فدخل الكرخ وخرج إلى مشرعة الروايا، فخيم بها، وكان على رأسه أعلام عليها مكتوب الإمام المستنصر باللَّه أبو تميم معد أمير المؤمنين، وكان قد جمع العيارين وأهل الرساتيق وأطمعهم في نهب دار الخلافة، والناس إذ ذاك في ضر ومجاعة، ونزل قريش ابن بدران في نحو مائتي فارس على مشرعة باب البصرة، فلما استقر بالقوم المنزل ركب عميد العراق من الجانب الشرقي في العسكر وحواشي الدولة والهاشميين والعوام والعجم إلى آخر النهار، فلم يجابهوا عسكر البساسيري بشيء، ونهبت دار قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، وهلك أكثر السجلات والكتب الحكمية، فبيعت على العطارين، ونهبت دور المتعلقين بالخليفة، ونهب أكثر باب البصرة بأيدي أهل الكرخ تشفيًّا لأجل المذهب، وانصرف الباقون عراة، فجاءوا إلى سوق المارستان، وقعدوا على الطريق ومعهم النساء والأطفال، وكان البرد حينئذ شديدًا، وعاود أهل الكرخ الأذان «بحي على خير العمل» وظهر فيهم السرور الكثير، وعملوا راية بيضاء ونصبوها وسط الكرخ وكتبوا عليها اسم المستنصر باللَّه، وأقام بمكانه والقتال يجري في السفن بدجلة.
[الدعاء لصاحب مصر في جامع المنصور]
17/ ب فلما كان يوم الجمعة الثالث عشر/ من ذي القعدة: دعي لصاحب مصر في جامع المنصور، وزيد في الأذان «حي على خير العمل» وشرع البساسيري في إصلاح الجسر، فعقده بباب الطاق، وعبر عسكره عليه فنزلوا الزاهر، وحضرت الجمعة يوم العشرين من ذي القعدة فدعي لصاحب مصر بجامع الرصافة، وخندق الخليفة حول داره ونهر معلى خنادق، وحفرت آبار في الحلبة، وغطيت حتى يقع فيها من يقاتل، وبنيت أبراج على سور دار الخليفة، وخرج رئيس الرؤساء، فوقف دون باب الحلبة يفرق النشاب، ثم فتح الباب فاستجرهم البساسيري، ثم كر عليهم فانهزموا، وامتلأ باب الخليفة بالقتلى، وأجفل رئيس الرؤساء إلى دار الخليفة، فهرب أهل الحريم، وعبروا(16/32)
إلى الجانب الغربي، ونهب العوام من نهر معلى، وديوان الخاص ما لا يحصى، وأحرقوا الأسواق، فركب الخليفة لابسا للسواد، على كتفه البردة، وعلى رأسه اللواء، وبيده سيف مجرد، وحوله زمرة من الهاشميين والجواري حاسرات منشرات، معهن المصاحف على رءوس القصب، وبين يديه الخدم بالسيوف المسلولة، فوجد عميد العراق قد استأمن إلى قريش بن بدران، وكان قريش قد ظافر البساسيري، وأقبل معه، فصعد الخليفة إلى منظرة له، واطلع أبو القاسم ابن المسلمة وصاح بقريش: يا علم الدين، أمير المؤمنين يستدنيك. فدنا فقال له: قد آتاك الله رتبة لم ينلها أمثالك، فإن أمير المؤمنين يستذم منك على نفسه وأهله وأصحابه بذمام الله تعالى وذمام رسوله صلى الله عليه وسلم، وذمام العرب، فقال له قريش: قد أذم الله تعالى له. فقال: ولمن [1] معه؟ قَالَ: نعم. وخلع قلنسوته من تحت عمامته فأعطاها الخليفة ذماما فتسرح ابن المسلمة إليهم من الحائط، ونزل الخليفة ففتح الباب المقابل/ لباب الحلبة وخرج، فقبل قريش الأرض بين يديه 18/ أدفعات، فبلغ البساسيري ذلك فراسل، وقال: أتذم لهما وقد استقر بيني وبينك ما استحلفتك عليه؟ وكانا قد تحالفا أن لا ينفرد أحدهما بأمر دون الآخر، وأن يكون جميع ما يتحصل من البلاد والأموال بينهما. فقال له قريش: ما عدلت عما استقر بيننا، وعدوك هو ابن المسلمة فخذه وأنا آخذ الخليفة بإزائه. فقنع بذلك وحمل ابن المسلمة إلى البساسيري، فلما رآه قَالَ: مرحبا بمدفع الدول، ومهلك الأمم، ومخرب البلاد، ومبيد العباد. فقال له: أيها الأمير [2] العفو عند المقدرة [3] . فقال: قد قدرت فما عفوت وأنت تاجر وصاحب طيلسان، ولم تستبق من الحرم والأطفال والأجناد، فكيف أعفو عنك وأنا صاحب سيف، وقد أخذت أموالي، وعاقبت حرمي، ونفيتهم في البلاد، وشتتني ودرست دوري، ولكن هذا أيضا من قصورك [4] الفاسد، وعقلك الناقص.
واجتمع العامة فسبوه وهموا به، فأخذه البساسيري يسير [5] إلى جنبه خوفا عليه
__________
[1] في ص: «وكن» .
[2] في ص: «أيها الأجل» .
[3] في ص: «القدرة» .
[4] في الأصل: «تصورك» .
[5] «يسير» سقطت من ص.(16/33)
من العامة، ولم يزل يوبخه وهو يعتذر، وحل الركابية حزام البرذون الذي [كان] [1] تحته ليسقط فيتمكن العامة من قتله، فسقط فوقف البساسيري يذب عنه إلى أن أركبه، ومضى به إلى الخيمة، فقيده ووكل به وضرب ضربا كثيرا، وقيد.
ثم ظفر بالسيدة خاتون زوجة الخليفة فأكرمها وسلمها إلى أبي عبد الله ابن جردة ومضى الخليفة إلى المعسكر، وقد ضرب له قريش خيمة إزاء بيته بالجانب الشرقي، فدخلها ولحقه قيام الدم، وأذم قريش لابن جردة ابن يوسف، وكان ابن جردة قد ضمن 18/ ب لقريش لأجل داره ومن التجأ إليها من التجار عشرة آلاف دينار، ونهبت العوام/ دار الخليفة، وأخذوا منها ما يعتذر حصره من الديباج والجواهر واليواقيت، وأحرقوا رباط أبي سعد الصوفي، ودار ابن يوسف، ثم نودي برفع النهب، وحمل البساسيري الطيار إلى عسكره، ثم نقله إلى الحريم الظاهري وعليه المطارد البيض.
فلما جاء يوم الجمعة الرابع من ذي الحجة لم يخطب بجامع الخليفة، وخطب في سائر الجوامع لصاحب مصر.
وفي هذا اليوم انقطعت دعوة الخليفة من بغداد وجرى بين البساسيري وقريش بن بدران في أمر الخليفة من التجاذب ما أدى إلى نقله عن بغداد، وأن لا يكون في يد أحدهما، وتسليمه إلى بدوي يعرف بمهارش صاحب حديثة عانة، واعتقاله فيها إلى أن يتقرر لهما عزم، فعرف الخليفة ذلك فراسل قريش بالمجيء إليه فلم يفعل، فقام ومشى إلى خيمته فدخل فعلق بذيله وقال له: ما عرفت ما استقر العزم عليه من إبعادي عنك وإخراجي عن يديك، وما سلمت نفسي إليك إلا لما أعطيتني الذمام الذي يلزمك الوفاء به، وقد دخلت الآن إليك ووجب لي عليك [2] ذمام فإني عليك [3] فاللَّه الله في نفسي، فمتى أسلمتني أهلكتني وضيعتني، وما ذاك معروف في العرب.
فقال: ما ينالك سوء، ولا يلحقك ضيم غير أن هذه الخيمة ليست دار مقام مثلك،
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «عليك» سقطت من ص.
[3] في الأصل: «ثان فاللَّه» .(16/34)
وأبو الحارث لا يؤثر مقامك في هذا البلد، وأنا أنقلك إلى الحديثة، وأسلمك إلى مهارش ابن عمي، وفيه دين، فلا تخف، واسكن إلى مراعاتي لك وعد إلى مكانك.
فلما يئس منه قام عنه وهو يقول: للَّه أمر هو بالغه، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم.
وعبر قريش ليلة الأربعاء/ التاسع من ذي الحجة إلى الجانب الغربي، وضرب 19/ أخيمة بقرب جامع المنصور، وحمل الخليفة إلى المشهد بمقابر قريش، وقال له: تبيت الليلة فيها. فامتنع وقال: هؤلاء العلويون الذين بها يعادوني. فألزم الدخول وبات ليلته في بعض الترب، وحضر من الغد جماعة من أصحاب البساسيري وأصحاب قريش، فتسلموه من موضعه، وأقعدوه في هودج على جمل، وسيروه إلى الأنبار، ثم إلى حديثة عانة على الفرات، وكان صاحب الحديثة مهارش البدوي حسن الطريقة، فكان يتولى خدمة الخليفة، ولما بلغ الخليفة الأنبار شكا وصول البرد إلى جسمه، فأخرج شيخ من مشايخ الأنبار يعرف: بابن مهدويه جبة برد، فيها قطن ومقيارًا ولحافا، وكتب الخليفة من هناك رقعة إلى بغداد يلطف فيها بالبساسيري وقريش، يدعوهما إلى إعادته إلى بغداد، وإحسان العشرة، ويحلف بالأيمان المؤكدة على براءة ساحته من جميع ما نسب إليه، فلم يقع الالتفات إليها ولا أجيب عنها، فأقام الخليفة بالحديثة.
وذكر عبد الملك بن محمد الهمذاني عن بعض خواص القائم أنه قَالَ: لما كنت بحديثة عانة قمت في بعض الليالي للصلاة، ووجدت في قلبي حلاوة المناجاة، فدعوت الله تعالى فيما سنح، ثم قلت: اللَّهمّ أعدني إلى وطني، واجمع بيني وبين أهلي وولدي، ويسر اجتماعنا، وأعد روض الأنس زاهرا، وربع القرب عامرا، فقد قل العزاء، وبرح الخفاء، فسمعت قائلا على شاطئ الفرات يقول [بأعلى صوته] [1] نعم نعم/ فقلت: هذا رجل يخاطب آخر، ثم أخذت في السؤال والابتهال، فسمعت 19/ ب ذلك الصائح يقول: إلى الحول إلى الحول. فعلمت أنه هاتف أنطقه الله تعالى بما جرى الأمر عليه، فكان خروجه من داره حولا كاملا خرج في ذي القعدة ورجع في ذي القعدة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/35)
وروى [1] محمود بن الفضل الأصبهاني أن القائم كتب في السجن دعاء وسلمه إلى بدوي، وأمره أن يعلقه على الكعبة: «إلى الله العظيم من عبده المسكين، اللَّهمّ إنك العالم بالسرائر، والمحيط بمكنونات السرائر، [2] اللَّهمّ إنك غنى بعلمك واطلاعك على أمور خلقك عن إعلامي بما أنا فيه، عبد من عبادك قد كفر بنعمتك وما شكرك وأبقى العواقب، وما ذكرها أطغاه حلمك، وتجبر بأناتك حتى تعدى علينا بغيًا، وأساء إلينا عتوًا وعدوانا، اللَّهمّ قل الناصرون لنا، واغتر الظالم وأنت المطلع العالم، والمنصف الحاكم، بك نعتز عليه، واليك نهرب من يديه، فقد تعزز علينا بالمخلوقين ونحن نعتز بك يا رب العالمين، اللَّهمّ إنا حاكمناه إليك، وتوكلنا في إنصافنا منه عليك، وقد رفعت ظلامتي إلى حرمك، ووثقت في كشفها بكرمك، فاحكم بيني وبينه وأنت خير الحاكمين، وأرنا به ما نرتجيه فقد أخذته العزة بالإثم، فاسلبه عزه ومكنا بقدرتك من ناصيته، يا أرحم الراحمين، فحملها البدوي وعلقها على الكعبة، فحسب ذلك اليوم 20/ أفوجد أن البساسيري قتل وجيء برأسه بعد سبعة أيام من/ التاريخ.
ومن شعر القائم الذي قاله في الحديثة:
خابت ظنوني فيمن كنت آمله ... ولم يخب ذكر من واليت في خلدي
تعلموا من صروف الدهر كلهم ... فما أرى أحدا يحنو على أحد
وقال أيضا:
ما لي من الأيام إلا موعد ... فمتى أرى ظفرا بذاك الموعد
يومي يمر وكلما قضيته ... عللت نفسي بالحديث إلى غد
احيا بنفس تستريح إلى المنا ... وعلى مطامعها تروح وتغتدي
وأما حديث البساسيري: فإنه ركب يوم الخميس عاشر ذي الحجة من سنة خمسين إلى المصلى في الجانب الشرقي وعلى رأسه الألوية والمطارد المصرية، وعيد ونحر وبين يديه أبو منصور بن بكران حاجب الخليفة على عادته في ذاك، وكان قد أمنه
__________
[1] في ص: «وأورد» .
[2] في الأصل: «الضمائر» .(16/36)
ورد أبا الحسين بن المهتدي إلى منبره بجامع المنصور، ولبس الخطباء والمؤذنون الثياب [1] البياض، ونقل العسكر إلى مشرعة المارستان في الجانب الغربي، وضرب دنانير سماها المستنصرية، وكان عليها من فرد جانب: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له محمد رسول الله علي ولي الله، ومن الجانب الآخر: «عبد الله ووليه الإمام أبو تميم معد المستنصر باللَّه أمير المؤمنين، وكان يقبض على أقوام يغرقهم بالليل، وغرق جماعة عزموا على الفتك به، وخرج الناس من الحريم ودار الخلافة، حتى لم يبق لها إلا الضعيف، وخلت الدور.
وفي الاثنين لليلتين بقيتا من ذي الحجة: أخرج أبو القاسم ابن المسلمة من محبسه/ بالحريم الظاهري مقيدًا [2] وعليه جبة صوف وطرطور [3] من لبد أحمر، وفي 20/ ب رقبته مخنقة من جلود كالتعاويذ، وأركب جملا، وطيف به في محال الجانب الغربي، ووراءه من يصفعه بقطعة من جلد وابن المسلمة يقرأ: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ [وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ من تَشاءُ وَتُذِلُّ من تَشاءُ] 3: 26 [4] الآية، وشُهِّر في البلد، ونثر عليه أهل الكرخ لما اجتاز بهم خلقان المداسات، وبصقوا في وجهه، ولعن وسب في جميع المحال، ووقف بإزاء دار الخليفة، ثم أعيد إلى المعسكر وقد نصبت له خشبة بباب خراسان، فحط من الجمل، وخيط عليه جلد ثور قد سلخ في الحال، وجعلت قرونه على رأسه، وعلق بكلابين [من] [5] حديد [في كتفيه] [6] واستقى [7] في الخشبة حيا، فقال لهم: قولوا للأجل قد بلغك الله أغراضك مني
__________
[1] «الثياب» سقطت من ص، ت.
[2] «مقيدا» سقطت من ص، ت.
[3] في ص: «طنطور» .
وهي قلنسوة للأعراب طويلة الرأس.
[4] سورة: آل عمران، الآية 26.
وما بين المعقوفتين سقط من ص.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في الأصل: «واستقر» .(16/37)
فاصطنعني لتنظر خدمتي، وإن قتلتني فربما جرى من سلطان خراسان ما يهلك به البلاد والعباد. فسبوه واستقوه [ولبث] [1] إلى آخر النهار يضطرب ثم مات.
وكان البساسيري قد أمر بترك الكلابين في ترقوته ليبقى حيا أياما يشاهد حاله، وأمر أن يطعم كل يوم رغيفين ليحفظ نفسه، فخاف من تولي أمره أن يعفو عنه البساسيري، فضرب الكلابين في مقتله. فقال [عند موته] [2] الحمد للَّه الذي أحياني سعيدا وأماتني شهيدا.
ثم أفرج عن قاضي القضاة الدامغاني بعد أن قرر عليه ثلاثة آلاف دينار، فصحح منها سبعمائة، وأمسك البساسيري عن مطالبة الباقي.
ثم إن السلطان طغرلبك خرج من همذان وهزم عسكر أخيه.
وفي هذه السنة: ولي أبو عبد الله بن أبي/ طالب نقابة الطالبيين.
وفيها: عصى على بن أبي الخير بالبطائح، وكان متقدم بعض نواحيها، فكسر جيش طغرلبك ومعهم عميد العراق أبو نصر.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3350- الحسن بن محمد، أبو عبد الله الولي الفرضي
[3] .
كان إماما ثقة، وقتل في الفتنة، ودفن يوم الجمعة تاسع ذي الحجة من هذه السنة.
3351- الحسين بن محمد بن طاهر بن يونس، أبو عبد الله مولى المهدي.
سمع الدارقطني، وابن شاهين، وغيرهما، وكان صدوقا حسن الاعتقاد، كثير الدرس للقرآن، وينزل شارع [4] دار الرقيق.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 79، وفيه: «الوني» بدلا من «الولي» . والكامل 8/ 348) .
[4] في ت: «بشارع» .(16/38)
3352- داود جغري بك
[1] ، أخو السلطان [2] طغرلبك الأكبر [3] .
كان ببلخ بإزاء أولاد محمود بن سبكتكين.
3353- طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر، أبو الطيب الطبري الفقيه [الشافعي]
[4] .
ولد بآمل سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، وسمع بجرجان من أبي أحمد الغطريفي، وبنيسابور من أبي الحسن الماسرجسي [5] ، وعليه درس الفقه، وسمع ببغداد [6] من الدارقطني، والمعافى، وغيرهما. وولي القضاء بربع الكرخ بعد موت الصيمري، وكان ثقة دينا ورعا عارفا بأصول الفقه وفروعه، حسن الخلق، سليم الصدر.
أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قَالَ: سمعت [أبا الحسن محمد بن] [7] محمد بن عبد الله القاضي يقول: ابتدأ القاضي أبو الطيب الطبري بدرس الفقه، وتعلم العلم وله أربع عشرة سنة، فلم يخلّ به يومًا وأحدًا إلى أن مات.
أخبرنا محمد بن ناصر، عن المولى بن أحمد قَالَ: سمعت أبا إسحاق الشيرازي يقول: دفع القاضي أبو الطيب الطبري خفا له إلى خفاف ليصلحه، فكان يمر عليه ليتقاضاه، وكان الخفاف/ كلما رأى القاضي أخذ الخف فغمسه في الماء، وقال: 21/ ب الساعة الساعة، فلمّا طال عليه قَالَ: إنما دفعته إليك لتصلحه ولم أدفعه إليك [8] لتعلمه السباحة.
__________
[1] في الأصل: «جقري» . وفي ت: «جفرتي» .
[2] «السلطان» سقطت من ص، ت.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 79) .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 355. والكامل لابن الأثير 8/ 348 (أحداث سنة 450) . والبداية والنهاية 12/ 79. وشذرات الذهب 3/ 284. ووفيات الأعيان 2/ 512. وطبقات الشافعية 3/ 176:
197. والأعلام 3/ 222) .
[5] في الأصل: «الماسرخس» .
[6] في ص: «في بغداد» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] في المطبوعة: «إليه» .(16/39)
توفي الطبري يوم السبت لعشر بقين من ربيع الأول سنة خمسين وأربعمائة، وصلى عليه أبو الحسين ابن المهتدي بجامع المنصور، ودفن بمقبرة باب حرب، وقد بلغ من السن مائة وستين سنة، وكان صحيح العقل، ثابت الفهم، سليم الأعضاء، يفتي ويقضي إلى حين وفاته.
3354- عبيد الله [بن أحمد] بن عبد الله، أبو القاسم [1] الرقي العلوي.
أخبرنا القزاز، أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب قَالَ: سكن الرقي بغداد في درب أبي خلف من قطيعة الربيع، وكان أحد العلماء بالنحو والأدب واللغة، عارفًا بالفرائض، وقسمة المواريث، وحدث شيئا يسيرا، وكتبت عنه، وكان صدوقا. وسألته عن مولده فقال: سنة إحدى وستين وثلاثمائة.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3355- عبد الواحد بن الحسين [بن شيطا]
[2] .
سمع أبا محمد بن معروف، وعيسى بن علي [بن عيسى] الوزير وغيرهما، وكان ثقة [وكان] [3] بصيرا بالعربية عالما بوجوه القراءات، حافظا لمذاهب القراء.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت قال: سألت ابن شيطا عن مولده فقال: ولدت يوم الاثنين السادس عشر من رجب سنة سبعين وثلاثمائة.
ومات يوم الأربعاء [4] الخامس والعشرين من صفر سنة خمسين وأربعمائة، ودفن [من يومه] [5] في مقبرة الخيزران.
__________
[1] في ص، المطبوعة: «عبيد الله بن أحمد بن عبد الله أبو القاسم الرقي العلويّ» .
وفي ت: «عبيد الله بن علي بن عبيد الله، أبو القاسم الرقي العلويّ» .
وفي تاريخ بغداد: عبيد الله بن علي بن عبد الله، أبو القاسم الرقي» .
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 387، 388. وشذرات الذهب 3/ 285) .
[2] في ص، الأصل: «عبد الواحد بن الحسين بن أحمد بن معروف، سمع عيسى بن علي الوزير» .
هكذا حدث تداخل وسقط من العبارة، وقد أثبتناها من نسخة ت، وتاريخ بغداد 11/ 16.
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 16. والكامل 8/ 348) .
[3] ما بين المعقوفتين من أول الترجمة سقط من الأصل.
[4] في المطبوعة: «يوم الأبعار» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/40)
3356- عبد العزيز بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه [1] بن بشران، أبو الطيب
[2] .
سمع ابن المظفر، وابن حيويه، وغيرهما وكان ثقة [3] . قَالَ الخطيب: كتبت عنه وكان سماعه صحيحا، سألته عن مولده فقال: سنة ثمان وستين وثلاثمائة.
وتوفي في صفر هذه السنة، ودفن في مقبرة باب الدير.
3357- علي بن محمد بن حبيب، أبو الحسن الماوردي البصري
[4] .
كان من وجوه فقهاء الشافعية، وله تصانيف كثيرة في أصول الفقه وفروعه، وله «المقترن» و «النكت» / في التفسير و «الأحكام السلطانية» و «قوانين الوزراء» 22/ أو «الحكم والأمثال» وولى القضاء ببلدان كثيرة، وكان يقول: بسطت الفقه في أربعة آلاف ورقة، وقد اختصرته في أربعين. يريد بالمبسوط «الحاوي» ، وبالمختصر «الإقناع» وكان وقورا متأدبا لا يرى أصحابه ذراعه، وكان ثقة صالحا.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب، وبلغ ستا وثمانين سنة.
3358- علي بن عمر، أبو الحسن البرمكي، أخو أبي إسحاق
[5] .
سمع من ابن حبابة، والمعافى. توفي في هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3359- علي بن الحسن بن أحمد بن محمد بن عمر، أبو القاسم ابن المسلمة
[6] .
سمع أبا أحمد الفرضي وغيره، وكان أحد الشهود المعدلين، ثم استكتبه الخليفة
__________
[1] في ت: «عبيد الله» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 469) .
[3] «وكان ثقة» سقطت من ص.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 102. والبداية والنهاية 12/ 80. وشذرات الذهب 3/ 285، 286. وطبقات الشافعية 3/ 303. ووفيات الأعيان 3/ 282. وتاريخ آداب اللغة 2/ 333. ومفتاح السعادة 2/ 190. والأعلام 4/ 327) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 43) .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 391. والبداية والنهاية 12/ 80. والكامل/. والنجوم الزاهرة 5/ 6، 64. وتاريخ ابن خلدون 3/ 457، 458، 464. ودائرة المعارف الإسلامية 1/ 278. والأعلام 4/ 272) .(16/41)
القائم بأمر الله واستوزره، ولقبه: رئيس الرؤساء شرف الوزراء جمال الورى، وكان مضطلعا بعلوم كثيرة مع سداد رأي ووفور عقل.
قَالَ المصنف [رحمه الله] [1] : ونقلت من خط أبى الوفاء بن عقيل أنه قال: ذكر لي [2] بعض أهل العلم المحققين أن رئيس الرؤساء قَالَ للشيخ أبي إسحاق في مسألة القائل لزوجته: إن دخلت أو خرجت إلا بإذني فأنت طالق هل يكفي فيه إذن مرة أليس قوله: إن دخلت الدار فأنت طالق [3] لا يقتضي التكرار ولا فيه لفظ من ألفاظ التكرار، وإنما هو حرف من حروف الشرط، فإذا كان كذلك فلا وجه لاعتبار تكرر الإذن ولا [4] لتكرار الوقوع بعدم الإذن. فكان الشيخ أبو إسحاق يقول، عولوا على هذا دليلا في المسألة.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت قَالَ: سمعت علي بن الحسن 22/ ب الوزير يقول: ولدت في شعبان سنة سبع وتسعين وثلاثمائة/ فرأيت في المنام وأنا حدث كأني أعطيت [5] شبه النبقة الكبيرة، وقد ملأت كفي، وألقى في روعي أنها من الجنة فعضضت منها عضة، ونويت بذلك حفظ القرآن، وعضضت أخرى ونويت درس الفقه، وعضضت أخرى ونويت درس الفرائض، وعضضت أخرى ونويت درس النحو، وعضضت أخرى ونويت درس العروض، فما من هذه العلوم إلا وقد رزقني الله منه.
قتل الوزير أبو القاسم يوم الاثنين ثامن عشر ذي الحجة من هذه السنة، قتله البساسيري ثُمَّ قتل البساسيري [6] وطيف برأسه في بغداد خامس عشر ذي الحجة سنة إحدى [7] وخمسين وأربعمائة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «لي» سقطت من ص، ت.
[3] «هل يكفي إذن مرة أليس قوله: إن دخلت الدار فأنت طالق» سقط من ص، ت.
[4] «لا» سقطت من ص.
[5] في الأصل: «وطيت» .
[6] «ثم قتل البساسيري» .
[7] «إحدى و» سقطت من ص.(16/42)
وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني المؤرخ قَالَ: من عجيب الاتفاق: لما ولى ابن المسلمة وزارته ركب إلى جامع المنصور بعد أن خلع عليه، فأتى إلى تل فنزل في موكبه وصلى عليه ركعتين، وقال: هذا موضع مبارك، وكان قديما بيت عبادة، وعنده صلب الحسين بن منصور الحلاج. ثم أصابت رئيس الرؤساء عند ذلك رعدة شديدة، وكان الناس يقولون إنه حلاجيّ [1] المذهب. فبقي في الوزارة اثنتى عشرة سنة، وأشهرًا، وصلب في ذلك المكان بعينه. فعلم الناس أن رعدته كانت لذلك، وبلغ من العمر اثنتين وخمسين سنة وخمسة أشهر.
3360- منصور بن الحسين، أبو الفوارس الأسدي صاحب الجزيرة
[2] .
توفي واجتمعت العشيرة على ولده صدقة.
__________
[1] في ص: «جلاجلي» وكذا في المطبوعة.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 80. والكامل 8/ 348) .(16/43)
ثم دخلت سنة إحدى وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
23/ أ/ أن أبا منصور بن يوسف انتقل عن معسكر قريش إلى داره بدرب خلف بعد أن حمله البساسيري، وجمع بينهما حتى رضي عنه، وأصلح بينه وبينه، والتزم أبو منصور له شيئا قرره عليه، وركب البساسيري إليه في هذا اليوم نظرية لجاهه، وخاطبه بالجميل وطيب نفسه بما بذله له، ووعده به، وركب قريش بن بدران من غد إليه أيضا، وعاد جاهه طريا إلا انه خائف من البساسيري.
وفي هذا الشهر: كتبت والدة الخليفة إلى البساسيري من مكان كانت فيه مستترة [رقعة] [1] تشرح فيها ما لحقها من الأذى والضرر والفقر، حتى إن القوت يعتذر عليها، فأحضرها، وهي جارية أرمينية قد ناهزت التسعين واحدودبت، وأفرد لها دارا في الحريم الطاهري، وأعطاها جاريتين تخدمانها، وأجرى عليها في كل يوم اثني عشر رطلا خبزا وأربعة أرطال لحما.
وفي يوم الاثنين ثاني عشر صفر: أحضر البساسيري قاضي القضاة أبا عبد الله الدامغاني، وأبا منصور بن يوسف، وأبا الحسين بن الغريق الخطيب، وجماعة من وجوه العلويين والعباسيين وأخذ عليهم البيعة للمستنصر باللَّه، واستحلفهم له، ودخل إلى دار الخلافة بعد أيام وهؤلاء الجماعة معه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/44)
وفي ليلة الأحد ثاني ربيع الأول: نقلت جثة أبي القاسم ابن المسلمة إلى ما يقارب الحريم الطاهري، ونصبت على دجلة.
وفي بكرة الثلاثاء رابع هذا الشهر، / خرج البساسيري إلى زيارة المشهد بالكوفة 23/ ب على أن ينحدر من هناك إلى واسط واستصحب معه غلة في زورق [1] ليرتب العمال في حفر النهر المعروف بالعلقمي، ويجريه إلى المشهد بالحائر، وفاء بنذر كان عليه، وأنفذ من ابتدأ بنقض تاج الخليفة فنقضت شرافاته فقيل له: هذا لا معنى فيه، والقباحة فيه أكثر من الفائدة، فأمسك عن ذلك.
ثم إن السلطان طغرلبك ظفر بأخيه إبراهيم فقتله، وقتل ألوفا من التركمان، وأنفذ إلى قريش يلتمس خاتون ويخلط بذلك ذكر الخليفة، ورده إلى مكانه، فرد خاتون وأجاب عما يتعلق بالخليفة بأن ما جرى [2] كان من فعل ابن المسلمة، ومتى وقع تسرع في المسير إلى العراق، فلست آمن أن يتم على الخليفة أمر يفوت وسبب يسوء، ولسنا بحيث نقف لك ولا نحاربك، وإنما نبعد وندعك، فربما ماست العساكر من بلادها ففتحت البثوق وخربت [3] السواد، وأنا أتوصل في جميع ما يراد من البساسيري.
وراسل قريش البساسيري يشير عليه بما التمسه السلطان طغرلبك، ويحذره المخالفة له ويقول: قد دعوت إلى السلطان على ستمائة فرسخ فخدمناه، وفعلنا ما لم يكن يظنه [4] ، ومضى لنا ستة أشهر مذ فتحنا العراق ما عرفنا منه خبرا، ولا كتب إلينا حرفا، ولا فكر فينا، وقد عادت رسلنا بعد سنة وكسر صفرًا من شكر وكتاب، فضلا عن مال ورجال، ومتى تجدد خطب فما يشقى به غيري وغيرك، والصواب المهادنة/ 24/ أوالمسالمة، ورد الخليفة إلى أمره، والدخول تحت طاعته، وأن يستكتب أمنه.
وفي هذه السنة: كان بمكة رُخْصٌ لم يشاهد مثله، وبلغ البر والتمر مائتي رطل بدينار وهذا غريب هناك.
__________
[1] في الأصل: «زواريقه» .
[2] في الأصل: «وأجاب عن الخليفة بأن الّذي جرى» .
[3] في ص: «وخرب» .
[4] في الأصل: «فعله» .(16/45)
وورد كتاب المسافرين من دمشق بسلامتهم من طريق السماوة، وأنهم مطروا في نصف تموز حتى كانت الجمال تخوض في الماء، وامتلأت المصانع والزُّبى [1] .
وفيها: زادت الغارات، حتى إن قوما من التجار أعطوا على وجه الخفارة من النهروان أربعة عشر ألف دينار ومائة كر ومائتي رأسا من الغنم.
وفي شوال: عاد لقريش بن بدران رسول يقال له: نجدة من حضرة السلطان، وكان قريش قد أنفذ هذا الصاحب في صحبة السيدة أرسلان خاتون امرأة القائم بأمر الله، وأصحبه رسالة إلى السلطان يعده برد الخليفة إلى داره، ويشير عنه بالقرب ليفعل ذلك، ويتمكن منه، وكان قد ورد كتاب من السلطان إلى قريش عنوانه للأمير الجليل علم الدين أبي المعالي قريش بن بدران مولى أمير المؤمنين من شاهنشاه المعظم ملك المشرق والمغرب طغرلبك أبي طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق وعلى رأس الكتاب العلامة السلطانية [2] بخط السلطان: «حسبي الله» وكان في الكتاب والآن قد سرت بنا المقادير إلى كل عدو للدين، والملك ولم يبق لنا وعلينا من المهمات إلا خدمة سيدنا 24/ ب ومولانا الإمام القائم بأمر الله/ أمير المؤمنين واطلاع أبهة إمامته على سرير عزه، فإن الذي يلزمنا ذلك ولا فسحة في التضجيع فيه ساعة واحدة [3] من الزمان، وقد أقبلنا بخيول المشرق إلى هذا المهم العظيم، ونريد من الأمير الجليل علم الدين إتمام السعي النجيح، الذي وفق له، وتفرد به، وهو أن يتم وفاءه من أمانته وخدمته في باب سيدنا ومولانا القائم بأمر الله، أمير المؤمنين من أحد الوجهين إما ان يقبل به إلى ذكر عزه، ومثوى إمامته، وموقف خلافته من مدينة السلام، وينتدب بين يديه موليا [4] أمره ومنفذا حكمه، وشاهرا سيفه وقلمه، وذلك المراد، وهو خليفتنا في تلك الخدمة المفروضة، وتولية العراق بأسرها، وتصفى له مشارع برها وبحرها لا يطأ حافر خيل [5] من خيول
__________
[1] في الأصل: «والرّبا» . والزّبى، والرّبا بمعنى واحد، فالزّبية: هي الرابية التي لا يعلوها الماء. (لسان الميزان ص 1810 ط دار المعارف) .
[2] في الأصل: «علامة السلطان» .
[3] «واحدة» سقطت من ص.
[4] في الأصل: «متوليا» .
[5] في الأصل: «لا يطأ خيل» .(16/46)
العجم شبرا من أراضي تلك الممالك إلا بالتماسه لمعاونته ومظاهرته، وإما أن يحافظ على شخصه [الكريم] [1] العالي بتحويله من القلعة إلى حلته، أو في القلعة إلى حين لحاقنا بخدمته، فنتكفل بإعادته، وليكون الأمر الجليل مخيرا بين أن يلتقي بنا أو يقيم حيث شاء، فنوليه العراق ونستخلفه في الخدمة الإمامية، ونصرف أعنتنا إلى الممالك الشرقية، فهممنا لا تقتضي إلا هذا الغرض من العرض، ولا نسف إلى مملكة من تلك الممالك بل الهمة دينية، وهو أدام الله تمكينه يتقن ما ذكرنا، ويعلم أن توجهنا أثر هذا الكتاب لهذا الغرض المعلوم ولا غرض سواه، فلا يشعرن قلوب عشائره رهبة [2] ، فأنهم كلهم إخواننا، وفي ذمتنا وعهدنا، وعلينا به عهد الله وميثاقه ما داموا موافقين للأمير الجليل في/ موالينا، ومن اتصل به من سائر العرب والعجم والأكراد، فإنهم مقرون في 25/ أجملته، وداخلون في عهدنا وذمتنا، ولكل مخترم في العراق عفونا وأماننا مما بدر منه، إلا البساسيري، فإنه لا عهد له ولا أمان، وهو موكول إلى الشيطان وتساويله، وقد ارتكب في دين الله عظيما، وهو إن شاء الله مأخوذ حيث وجد، معذب على ما عمل، فقد سعى في دماء خلق كثير بسوء دخيلته، ودلت أفعاله على فساد عقيدته، فإن سرب في الأرض فالي أن يلحقه المكتوب على جبهته، وإن وقف فالقضاء سابق إلى مهجته، والله تعالى يجازي الأمير الجليل على كل سعى تجشم في مصالح الدين، وفي خدمة إمام المسلمين. وقد حملنا الأستاذ العالم أبا بكر أحمد بن محمد بن أيوب بن فورك، ومعتمد الدولة [3] أبا الوفاء زيرك ما يؤديانه من الرسائل وهو يصغي اليهما، ويعتمد عليهما ويسرحهما إلى القلعة ليخدما مجلس سيدنا ومولانا أمير المؤمنين عنا، وكتب في رمضان سنة إحدى وخمسين.
وحمل مع هذين الرسولين خدمة إلى الخليفة أربعون ثوبا أنواعا، وعشرة دسوت ثياب مخيطة، وخمسة آلاف دينار، وخمسة دسوت مخيطة من جهة خاتون زوجة القائم.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «رهبته» .
[3] في الأصل: «ومعتمدنا أبا الوفاء» .(16/47)
فحكى «نجدة» لقريش أن السلطان طغرلبك بهمذان في عساكر كثيرة، وهو بنية المسير إلى العراق متى لم يرد الخليفة إلى بغداد، فخاف قريش وارتاع، فابتاع جمالا عدة، وأصلح بيوتا كثيرة، وأنفذ إلى البرية من يحفر فيها ويعمرها ليدخلها، ثم أنفذ الكتاب الوارد إليه [1] مع «نجدة» إلى البساسيري ليدبر الأمر على مقتضاه، فأنفذ 25/ ب البساسيري إلى بغداد، فأخذ دوابه/ وجماله ورحله إلى مقره بواسط، وكاتب أهله يطيب نفوسهم ويقول: متى صح عزم هذا الرجل على قصد العراق سرت إليكم وأخذتكم، فلا تشغلوا قلوبكم.
وتقدم بأن يسلخ ثور أسود ويؤخذ [2] جلده فيكسى به رمة أبي القاسم ابن المسلمة، ويجعل قرناه على رأسه وفوقهما طرطور أحمر، ففعل ذلك.
ثم أجاب البساسيري إلى عود الخليفة، وشرط في ذلك شروطًا منها: أن يكون هو النائب على باب الخليفة، والخادم دون غيره، ورد خوزستان، والبصرة إليه علي قديم عادته، وأن يخطب للخليفة فقط دون أن يشاركه في الخطبة ركن الدين، وبعث مع رسل السلطان طغرلبك إلى الخليفة من يتولى إحلاف الخليفة له على ما اشترط، وعرف البساسيري قرب السلطان، فكاتب أصحابه بالبصرة ليصعدوا إليه ليقصد بغداد، فأعجل الأمر عن ذلك وانحدر حرم البساسيري وأولاده وأصحابهم وأهل الكرخ والمتشبهون في دجلة، وعلى الظهر وبلغت أجرة السمارية إلى النعمانية عشرة دنانير، ونهب الأعراب والأكراد أكثر المشاة، ولما وصل السائرون على الظهر إلى صرصر غرق في عبورهم قوم منهم، وبقى أكثر العامة [3] لم يعبروا، فعطف عليهم بنو شيبان فنهبوهم، وقتلوا أكثرهم، وعروا نساءهم، وتقطعت قطعة منهم في السواد، وكان خروج أصحاب البساسيري في اليوم السادس من ذي القعدة، وكذلك كان دخولهم إلى بغداد في سادس ذي القعدة، وكان تملكهم سنة كاملة، وثار الهاشميون وأهل باب البصرة إلى الكرخ فنهبوها وطرحوا النار في أسواقها ودروبها، واحترقت دار الكتب التي وقفها
__________
[1] «إليه» سقطت من ص، ت.
[2] في الأصل: «ويسلخ» .
[3] في ص: «وبقي أكثرهم لم يعبروا» .(16/48)
سابور بن أردشير الوزير في سنة ثلاث/ وثمانين وثلاثمائة، وكان فيها كتب كثيرة، 26/ أواحترق درب الزعفراني وكان فيه ألف ومائتا دينار لكل دار منها قيمة، ونهبت الكوفة نيفا وثلاثين يوما.
وأما الخليفة فإن مهارشا العقيلي صاحب الحديثة الذي كان مودعا عنده حلف له ووثق من نفسه في حراسة مهجته، وأن لا يسلمه إلى عدو، وكان قد تغير على البساسيري لوعود وعده بها ولم يف له، وأجفل قريش في البرية مصعدا إلى الموصل بعد أن بعث إلى مهارش يقول له: قد علمت أننا أودعنا الخليفة عندك ثقة بأمانتك، وقد طلبوه الآن، وربما قصدوك وحاصروك وأخذوه منك، فخذه وارحل به وأهلك وولدك إلى فإنهم إذا علموا حصوله بأيدينا لم يقدموا على طرق العراق، ثم نقرر الأمر في عوده على قاعدة نكون معها سالمين، ونقترح ما نريد من البلاء عوضا عن رده، وما أروم تسليمه منك، بل يكون في يدك علي جملته بحيث لا يمكن أن يؤخذ قهرا من أيدينا.
فقال مهارش للرسول: قل له إن البساسيري غدرني، ولم يف بما ضمنه لي، وبعثت بصاحبي إلى بغداد، وقلت له قد برئت من اليمين التي لكم في عنقي، فأنفذوا وتسلموا صاحبكم الذي عندي فلم يفعل، وعرف الخليفة خلاص رقبتي من اليمين التي كانت علي فاستحلفني لنفسه، وتوثق مني بما لا يمكن فسخه.
وقال مهارش للخليفة: الرأي الخروج والمضي إلى بلد بدران بن مهلهل لننظر ما قد [1] يجد من أمر هذا السلطان الوارد، ونكون في موضع نأمن به وندبر أمورنا بمقتضى الأمر، فما آمن أن يجيئنا البساسيري فيحضرنا فلا نملك [2] اختيارنا. فقال له: افعل ما ترى.
فسارا من الحديثة في يوم الاثنين/ الحادي عشر من ذي القعدة إلى أن حصلا 26/ ب بقلعة تل عكبرا، فلقيه ابن فورك هناك وسلم إليه ما أنفذه السلطان، وكتب إلى السلطان يخبره الحال ويسأله إنفاذ سرادق كبير، وخيم، وفروش، وكان السلطان حينئذ قد وصل إلى بغداد ففرح السلطان بذلك، ونهب عسكر السلطان ما بقي من نهر طابق، وباب
__________
[1] «قد» سقطت من ص.
[2] في الأصل: «فلا يملكنا» .(16/49)
البصرة، وجميع البلد، ولم يسلم من ذلك إلا حريم الخليفة، وكان أكثره خاليا، وأخذ الناس فعوقبوا، واستخرجت منهم الأموال بأنواع العذاب، وتشاغل [1] بعمارة دار المملكة، فوقع النقض في أكثر ما سلم، وبعث السلطان عميد الملك ومن استعقله من الأمراء والحجاب في نحو ثلاثمائة غلام، وأصحبهم أربع عشرة بختية عليها السرادق الكبير، والعدد من الخيم، والخركاهات، والآلات، والفروش، ستة أبغل عليها الثياب والأواني، وبغلا عليه مهد مسجف، وثلاثة أفراس بالمراكب الذهب.
قَالَ ابن فورك: فاستقبلتهم، فاستشرحني عميد الملك ما جرى فشرحته. فقال:
تقدم واضرب السرادق والخيام [2] وانقل أمير المؤمنين من حيث هو إليها ليلقاه فيها [3] ، وإذا حضرنا فليؤخر الإذن لنا ساعة كبيرة، فسبقت وفعلت ذلك، ودخل عميد الملك فأورد ما أوجب إيراده من سرور السلطان وابتهاجه بما يسره الله تعالى له من خلاصه، وشكر مهارشًا علي جميل فعله، وسأل الخليفة السير فقال: بل نستريح يومين ونرحل/، 27/ أفقد لحقنا من النصب ما يجب أن يحلل بالراحة قَالَ: كما ترى [4] .
وكتب عميد الملك إلى السلطان كتابا فشرح له ما جرى فيه [وأجب] [5] أخذ خط الخليفة علي رأسه تصديقا لما يتضمنه فلم يكن عنده دواة حاضرة، فأحضر عميد الملك من خيمته دواة فتركها بين يديه، وأضاف إليها سيفا منتخبا وقال: هذه خدمة محمد بن منصور- يعنى نفسه- جمع في هذه الدولة بين خدمة السيف والقلم.
فشكره الخليفة وأقاموا يومين، ثم وقع الرحيل فوصلوا إلى النهروان يوم الأحد الرابع والعشرين من ذي القعدة. فأشعر السلطان بذلك فقال: قولوا لأبي نصر- يعنى عميد الملك- يقيم إلى أن ينزل الخليفة ويستريح، ويصلى ويتناول الطعام، ثم يعرفني حتى أجيء وأخدمه.
__________
[1] في الأصل: «وتشوغل» .
[2] في ص: «والخيم» .
[3] في ص: «ليلقاه فيها» .
[4] في ص: «كما قال براء» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/50)
فلما جاء وقت العصر جاء عميد الملك فأخبر السلطان بعد أن استأذن له الخليفة، فركب فلما وقعت عينه على السرادق نزل عن فرسه ومشى إلى أن وصله، فدخل فقبل الأرض سبع مرات، فأخذ الخليفة مخدة من دسته فطرحها له بين يديه، وقال: اجلس.
فأخذ المخدة فقبلها، ثم تركها وجلس عليها، وأخرج من قبائه الجبل الياقوت الأحمر الذي كان لبني بويه، فطرحه بين يديه، وأخرج اثنتي عشرة حبة لؤلؤا كبارا مثمنة، فقال:
أرسلان خاتون- يعنى زوجة- الخليفة تخدم وتسأل أن تسبح بهذه السبحة، فقد أنفذتها معي، وكان يكلم عميد الملك وهو يفسره، واعتذر عن تأخره عن الورود إلى الحضرة الشريفة واستخلاص المهجة الكريمة بما كان من [عصيان] [1] أخيه/ إبراهيم، وقال: 27/ ب كان من الأخوة الحسدة، وقد جرت له بالعصيان عوائد عفوت عنه فيها، فأطمعه ذلك، فلما عاد فعله بالضرر على أمير المؤمنين والدين والدولة العباسية خنقته بوتر قوسه، وشفع ذلك وفاة الأخ الأكبر داود، فأحوجني الأمر إلى [ترتيب حتى] [2] رتبت أولاده مكانه، فلم يمكن أن اصمد لهذه الخدمة، ثم أعددت لأصل إلى الحديثة، وأخدم المهجة الشريفة، فوصل إلى الخبر بما كان من تفضل الله تعالى في خلاصها وخدمة هذا الرجل- يعني مهارشا- بما أبان عن صحيح ديانته، وصادق عقيدته، وأنا إن شاء الله امضي وراء هذا الكلب- يعني البساسيري- واقتنصه وأيمم إلى الشام، وأفعل بصاحب مصر فيها ما يكون جزاء لفعل البساسيري هاهنا.
فدعا له الخليفة وشكره وقلده بيده سيفا كان إلى جنبه، وقال: إنه لم يسلم مع أمير المؤمنين وقت خروجه غير هذا السيف، وقد تبرك به، وشرفك بتقليده. فتقلده وقبل الأرض، ونهض واستأذن للعسكر فأذن، فدخل الأتراك من جوانب السرادق، وكشفت أغطية الخركاه المضروبة على الخليفة حتى شاهدوه وخدموه وانصرفوا، ووقع المسير من غد والدخول إلى بغداد.
وتقدم الخليفة بضرب خيمة في معسكر السلطان وقال: أريد أن أكون معه إلى أن يكفي الله من أمر هذا اللعين، فما تأمن الخدمة الشريفة المقام في مكان لا يكون فيه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/51)
فقال السلطان: الله الله، ما هذا مما يجوز أن يكون مثله ونحن الذي يصلح للحرب 28/ أوالسفر والتهجم والخطر دون/ أمير المؤمنين، وإذا خرج بنفسه فأي حكم لنا وأي خدمة تقع منا. وامتنع أن يجيبه إلى ذلك، فدخل الخليفة البلد، وتقدم السلطان إلى باب النوبي، وقعد مكان الحاجب على دكته إلى أن ورد الخليفة والعسكر محتفون به، ولم يكن في بغداد من يستقبله سوى قاضي القضاة وثلاثة أنفس من الشهود، وذلك لهرب الناس عن البلد ومن بقي منهم، فهو في العقوبات وآثار النهب، فلما وصل إلى الدار أخذ بلجام [1] بغلته حتى وصل إلى باب الحجرة، وذلك في يوم الاثنين لخمس بقين من ذي القعدة، فلما نزل الخليفة خدمة السلطان واستأذنه في المسير وراء البساسيري، فأذن له، فانصرف وعبر إلى معسكره، فجاءه سرايا ابن منيع متقدم [2] بني خفاجة، فقال له: الرأي أيها السلطان إن تنفذ معي ألفي غلام من العسكر حتى أمضى إلى طريق الكوفة، فأشغل البساسيري عن الإصعاد إلى الشام، ويأخذه من عرقوبه [3] لما تنحدر أنت وراءه [4] ، فلم يعجب السلطان ذلك، إلا أنه خلع عليه وأعطاه سبعمائة دينار وانزل في العسكر.
فلما انتصف الليل انتبه السلطان، فاستدعى خمارتكين فقال له: أعلم أني قد رأيت الساعة في منامي كأني [5] قد ظفرت بالبساسيري وقتلته، وينبغي أن يسير عسكر إليه من طريق الكوفة كما قَالَ سرايا، فإن نشطت أنت فكن مع القوم. فقال: السمع والطاعة.
فسار وسار معه أنوشروان وجماعة من الأمراء، وتبعهم السلطان في يوم الجمعة 28/ ب تاسع وعشرين [من الشهر] [6] / فأما مهارش فإنه اقترح اقتراحات كثيرة، فأطلق له السلطان [طغرلبك] [7] عشرة آلاف دينار ولم يرض، وأما البساسيري فإنه أقام بواسط
__________
[1] في ص: «لجام» .
[2] في الأصل: «مقدم» .
[3] في ص: «من عرقوب» .
[4] «لما تنحدر أنت وراءه» سقطت من ص.
[5] في الأصل: «أني» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/52)
متشاغلا بجمع الغلات والتمور وحطها في السفن ليصعد بها إلى بغداد، مستهينا بالأمور إلى أن ورد عليه الخبر بانحدار أهله وولده، ودخول الغز، فأصعد إلى النعمانية بالسفن التي جمع فيها الغلات، فورد عليه الخبر بدخول السلطان بغداد، فكاتب ابن مزيد ليجمع العرب، ولم يتصور أن السلطان نيته الانحدار، فجاء ابن مزيد إلى نصف الطريق ثم عاد ثم جاء ثم عاد خوفا وخورا، فانحدر البساسيري إليه وكان قد وكل بأبي منصور بن يوسف، فأزال ابن مزيد التوكيل عنه وقال له: هذا وقت التقبيح. وكان البساسيري شاكا في ابن مزيد مستشعرا منه، إلا أن الضرورة قادته إليه.
وعلمت العرب أن السلطان نيته قصدهم وبوادي [1] الشام، فتفرقوا ولم يشعروا إلا بورود السرية [2] اليهم، وذلك في يوم السبت ثامن ذي الحجة من طريق الكوفة، فقال البساسيري لابن مزيد: الرأي كبسهم الليلة، فإنهم قد قدموا على كلال وتعب. فامتنع وقال: نباكرهم غدا.
فراسل أنوشروان ابن مزيد والتمس الاجتماع معه، فالتقى به فقال له أنوشروان:
إن عميد الملك يقرئك السلام ويقول لك: قد مكنت في نفس السلطان من أمرك ما جعلت لك فيه المحل اللطيف، والموقع المنيف، وشرحت له ما أنت عليه من الطاعة والولاء، ويجب أن تسلم هذا الرجل، ويسلم كل من في صحبتك، فما الغرض سواه، ولا القصد يتعداه، لما اقترف من/ عظيم الجرم، وإن امتنعت واحتججت 29/ أبالعربية وذمامها وحرمة نزوله عليك فانصرف عنه ودعنا وإياه.
فقال: ما أنا إلا خادم للسلطان مطيع، إلا أن للبدوية حكمها، وقد نزل هذا الرجل على نزولا، وما آثرته ولا اخترته، بل كرهته، وقد طال أمر هذا الرجل، والصواب أن نشرع [3] في صلاح حاله واستخدامه.
فقال أنوشروان: هذا هو الصواب، ونحن نبعد عنكم مرحلة وتبعدون عنا مثلها
__________
[1] في الأصل: «ولوالي» .
[2] في ص: «سرية» .
[3] في ص: «نشرح» .(16/53)
حتى لا يتطرق بعضنا إلى بعض، وأراسل السلطان بما رأيته، فإنه على نية اللحاق بنا، ولا شك في وصوله إلى النعمانية، وما نخالفك على شيء تراه.
وما في الرجلين إلا من قصد خديعة صاحبه، فأما ابن مزيد: فإنه أراد المدافعة بالحال لتحققه [1] بانحدار السلطان حتى يبعد عنه السرية فيصعد إلى البرية إلى حيث يأمن إلى حلته وعشيرته، ويدبر أمر انفصاله عن البساسيري. وأما أنوشروان: فأراد أن يبعد عن القوم ليفسح لهم طريق الانصراف فإذا رحلوا تبعهم وأكب عليهم وهم مشتغلون بالرحلة عن الحرب. [2] وعاد ابن مزيد فأخبر البساسيري بما جرى، فرد التدبير إليه وقال: الأمر أمرك، وتأهبت السرية واستظهرت بأخذ العلوفة، ورحل البساسيري وابن مزيد يوم الثلاثاء حادي عشر ذي الحجة والأتراك يراصدونهم، فلما أبعدوا عن أعينهم تبعوهم فحاربوهم، فثبت البساسيري وجماعته، وأسرع ابن مزيد إلى أوائل الظعن ليحطه ويرد 29/ ب العرب إلى القتال، فلم يقبلوا منه، وأسر منصور، وبدران، وجماعة/ أولاد ابن مزيد، وانهزم البساسيري على فرسه فلم ينجه، وضرب فرسه بنشابة فرمته [إلى] [3] الأرض، وأدركه بعض الغلمان فضربه ضربة على وجهه ولم يعرفه، وأسره كمشتكين دواتي عميد الملك، وحز رأسه وحمله إلى السلطان، وساق الترك الظعن، وأخذت أموال عظيمة عجزوا عن حملها، وهلك من البغداديين الذين كانوا معهم خلق كثير، وأخذت أموالهم، وتبددوا في البراري والآجام، وأخذت العرب من سلم.
وقد ذكرنا أن أصحاب البساسيري دخلوا إلى بغداد في اليوم السادس من ذي القعدة وخرجوا منها في سادس ذي القعدة، وكان ملكهم سنة كاملة، واتفق إخراج الخليفة من داره يوم الثلاثاء [ثامن عشر كانون الثاني، ومقتل البساسيري يوم الثلاثاء] [4] ثامن عشر كانون الثاني من السنة الآتية [5] ، وهذا من الاتفاقات الظريفة.
__________
[1] في الأصل: «ليحققه» .
[2] «فإذا رحلوا تبعهم وأكب عليهم وهم مشتغلون بالرحلة عن الحرب» سقط من ص.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «الماضية» .(16/54)
ولما حمل الرأس إلى السلطان حكى له الذي أسره أنه وجد في جيبه خمسة دنانير، وأحضرها، فتقدم السلطان إلى أن يفرغ المخ من رأسه ويأخذ الخمسة دنانير، ثم أنفذه حينئذ إلى دار الخلافة، فوصل في يوم السبت النصف من ذي الحجة، فغسل ونظف، ثم ترك على قناة، وطيف به من غد، وضربت البوقات والدبادب بين يديه، واجتمع من النساء والنفاطين [وغيرهم] [1] بالدفوف ومن يغني بين يديه، ونصب من بعد ذلك [2] على رأس الطيار مدة [3] بإزاء دار الخلافة، ثم أخذ إلى الدار.
وعرض في يوم السبت المذكور من الجو انقضاض كواكب كثيرة، ورعد شديد قبل طلوع الشمس بساعة، وكان ذلك مفرطا.
وهرب ابن مزيد إلى البطيحة ونجا معه ابن البساسيري وبنته/ وأخواه الصغيران 30/ أووالدتهما، وكانت العرب سلبتهم فاستهجن ابن مزيد ذلك وارتجع ما أخذ، ثم هرب ابن البساسيري إلى حلب، ثم توسط أمر ابن مزيد مع السلطان، فأطلق أولاده وإخوته، وحضر فداس البساط، وأصعد معه إلى بغداد، ونهب العسكر ما بين واسط والبصرة والأهواز.
وفي هذا الشهر: أنفذ السلطان من واسط والدة الخليفة، ووالدة الأمير أبي القاسم عدة الدين بن ذخيرة الدين، ووصال القهرمانة، وكن في أسر البساسيري، فتبعهم جمع كثير من الرجال والنساء المأخوذين في الوقعة.
وفي هذا الشهر: عول من الديوان علي بن أبي علي الحسن بن عبد الودود بن المهتدي في الخطابة بجامع المنصور بدلا من أبي الحسن بن أحمد بن المهتدي، وعزلا له لأجل ما أقدما عليه في أيام البساسيري من تولى الخطبة في هذا الجامع لصاحب مصر.
قَالَ محمد بن عبد الملك الهمذاني: ولما عاد القائم من الحديثة لم ينم على
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وقعد ما قعد» .
[3] «مدة» سقطت من ص.(16/55)
وطاء، ولم يمكن أحدًا أن [1] يقرب إليه فطوره ولا طهوره، ولأنه نذر أن يتولى ذلك بنفسه، وعقد مع الله سبحانه العفو عمن أساء إليه والصفح، وجميع من تعدى عليه، فوفى بذلك، وأشرف في بعض الأيام على البناءين والنجارين في الدار، فرأى فيهم روزجاريا [2] فأمر الخادم بإخراجه من بينهم، فلما كان في بعض الأيام عاد فرآه معهم، فتقدم إلى الخادم أن يبره بدينار، وأن يخرجه ويتهدده إن عاد، فأتاه الخادم ففعل ما رسم 30/ ب له وقال: إن رأيناك [3] ها هنا قتلناك/ فسئل الخليفة عن السبب فقال: إن هذا الروزجاري بعينه أسمعنا عند خروجنا من الدار الكلام الشنيع وتبعنا [4] بذلك إلى المكان الذي نزلناه من مشهد باب التبن، ولم يكفه ذلك حتى نقب السقف، فإذا أنا بغباره، وتبعنا إلى عقرقوف [5] فبدر من جهله ما أمسكنا عن معاقبته رجاء ثواب الله تعالى، وما عاقبت من عصى الله فيك بأكثر من أن تطيع الله فيه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3361- أرسلان أبو الحارث، ولقب بالمظفر، وهو البساسيري التركي
[6] .
كان مقدما علي الأتراك، وكان القائم بأمر الله لا يقطع أمرا دونه، فتجبر وذكر [7] عنه أنه أراد تغيير الدولة، ثم أظهر ذلك وخطب للمصري، فجرى له ما ذكرنا في الحوادث إلى أن قتل.
__________
[1] «أن» سقطت من ص.
[2] الروزجاري: الأجير.
[3] في الأصل: «رأيتك» .
[4] في ص، المطبوعة: «وبعثنا» .
[5] في ص: «عرقوف» .
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 84.
وشذرات الذهب 3/ 287، 288. والكامل لابن الأثير 8/ 349. (أحداث سنة 451 هـ-) والنجوم الزاهرة 5/ 2، 64. ووفيات الأعيان 1/ 192، 193. والأعلام 1/ 288) .
«والبساسيري» نسبة إلى «بسا» أو «فسا» بلدة بفارس (اللباب 1/ 121)
[7] في الأصل: «ونقل» .(16/56)
3362- الحسن بن علي بن محمد بن خلف بن سليمان، أبو سعيد الكتبي
[1] .
ولد سنة خمس وسبعين وثلاثمائة سمع من ابن شاهين وغيره، وكان صدوقا.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
3363- الحسن بن أبي الفضل، أبو علي الشرمقاني [2] المؤدب
[3] .
وشرمقان [4] قرية من قرى نسا. نزل بغداد، وكان أحد حفاظ القرآن العالمين باختلاف القراء ووجوه القراءات، وحدث عن جماعة، وكان صدوقا.
وجرت له قصة ظريفة رواها [5] محمد بن أبي الفضل [6] الهمذاني، عن أبيه قَالَ: كان الشرمقاني المقرئ يقرأ على ابن العلاف، وكان يأوى إلى مسجد بدرب الزعفراني، فاتفق أن ابن العلاف رآه ذات يوم في وقت مجاعة، وقد/ نزل إلى دجلة، 31/ أوأخذ من أوراق الخس [7] ما يرمى به أصحابه، وجعل يأكله، فشق ذلك عليه، وأتى إلى رئيس الرؤساء فأخبره بحاله، فتقدم إلى غلام له بالمضي إلى المسجد الذي يأوى إليه الشرمقاني، وأن يعمل لبابه مفتاحا من غير أن يعلمه، ففعل وتقدم أن يحمل في كل يوم ثلاثة أرطال خبزا سميذا ومعها دجاجة وحلوى وسكر، ففعل الغلام ذلك، وكان يحمله على الدوام، فأتى الشرمقاني في أول يوم فرأى ذلك في القبلة مطروحا، ورأى الباب مغلقا فتعجب، وقال في نفسه: هذا من الجنة ويجب كتمانه، وان لا أتحدث به، فإن من شرط الكرامة كتمانه، وأنشد:
من أطلعوه على سر فباح به ... لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا
فلما استوت حاله، وأخصب جسمه [8] سأله ابن العلاف عن سبب ذلك وهو
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 392) .
[2] في ت: «الشرقاني» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 402. والبداية والنهاية 12/ 84) .
[4] في ت: «شمرقان» .
[5] في الأصل: «ذكرها» .
[6] في ص: «محمد بن الفضل» .
[7] في ص: «الحسن» .
[8] في ص: «بدنه» .(16/57)
عارف به، وقصد المزاح معه، فأخذ يورى ولا يصرح، ويكنى ولا يفصح، ولم يزل ابن العلاف [1] يستخبره حتى أخبره أن الذي يجد في المسجد كرامة نزلت من الجنة، إذ لا طريق لمخلوق عليه. فقال ابن العلاف: يجب أن تدعو لابن المسلمة، فإنه هو الذي فعل ذلك، فنغص عليه عيشه، وبانت عليه شواهد الانكسار.
وتوفي الشرمقاني في صفر هذه السنة.
3364- الحسين [2] بن أبي عامر، علي بن أبي محمد بن أبي سليمان [3] أبو يعلى الغزال
[4] .
حدث عن ابن شاهين، وكان سماعه صحيحا، وكان يسكن باب الشام.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
3365- حمدان بن سليمان بن حمدان، هو: أبو القاسم الطحان
[5] .
حدث عن المخلص، والكتاني.
3/ ب قَالَ الخطيب: كتبت عنه وكان صدوقا. توفي في ذي الحجة/ من هذه السنة.
3366- عبيد الله [بن أحمد] [6] بن علي، أبو الفضل الصيرفي، يعرف: بابن الكوفي
[7] .
سمع الكتاني والمخلص.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: كتبت عنه وكان سماعه صحيحا، وكان من
__________
[1] في الأصل: «الخلاق» .
[2] في الأصل: «الحسن» .
[3] في ت، وتاريخ بغداد: «علي بن محمد بن سليمان» .
[4] في ت: «الغزالي» بدلا من «أبو يعلى الغزال» .
والغزّال: بفتح الغين المعجمة وتشديد الزاي. هذا اسم لمن يبيع الغزل (الأنساب 9/ 139) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 176) .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 388) .(16/58)
حفاظ القرآن، والعارفين باختلاف القراءات، ومنزله بدرب الدنانير من نواحي نهر طابق، وسمعته يذكر أنه ولد في سنة سبعين وثلاثمائة. وتوفي في هذه السنة.
3367- علي بن محمود بن إبراهيم بن ماخرة، أبو الحسن الزوزني
[1] .
وكان ماخرة مجوسيا، ولد أبو الحسن سنة ست وستين وثلاثمائة، وصحب أبا الحسن الحصري، وروى عن أبي عبد الرحمن السلمي، وصار شيخ الصوفية، والرباط المقابل لجامع المنصور ينتسب إلى الزوزني هذا، وإنما بني للحصري، والزوزني صاحب الحصري فنسب إليه، وكان يقول: صحبت ألف شيخ أحدهم الحصري، أحفظ عن كل شيخ حكاية.
توفي الزوزني في رمضان هذه السنة ودفن بالرباط.
3368- محمد بن علي بن الفتح [2] بن محمد بن علي، أبو طالب الحربي، المعروف: بالعشاري
[3] .
ولد في محرم سنة ست وستين وثلاثمائة، وكان جسده طويلا فقيل له: العشاري لذلك. وسمع من ابن شاهين، والدارقطني، وابن حبابة، وخلقا كثيرا، وكان ثقة دينا صالحا.
توفي ليلة الثلاثاء تاسع عشر [4] جمادى الأولى من هذه السنة، وقد أناف عن الثمانين، ودفن بباب حرب.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 115. والبداية والنهاية 12/ 84، وفيه: «بن ماجرة» . وشذرات الذهب 3/ 288. والكامل 8/ 351) .
[2] في الأصل: «بن أبي الفتح» وما أثبتناه هو ما في ص، ت، تاريخ بغداد 3/ 107.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 107. والبداية والنهاية 12/ 85. وشذرات الذهب 3/ 289.
والوافي بالوفيات 4/ 130. والأعلام 6/ 276. والكامل لابن الأثير 8/ 351) .
[4] في تاريخ بغداد 3/ 107: «تاسع وعشرين» .(16/59)
ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
32/ أ/ أن السلطان أصعد من واسط، فدخل بغداد في يوم الخميس السابع عشر من صفر وجلس له الخليفة فوصل إليه يوم الاثنين الحادي والعشرين من الشهر، فخلع عليه وحمل [1] إلى دار الخليفة على رواق الروشن المشرف على دجلة بعد أن أعيدت شرافاته التي قلعها البساسيري، ورم شعثه في يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من هذا الشهر سماطا حضر السلطان طغرلبك والأمراء أصحاب الأطراف ووجوه الأتراك والحواشي، وتبع ذلك سماط عمله السلطان في داره، وأحضر الجماعة في يوم الخميس ثاني ربيع الأول، وخلع على الأمراء من الغد، وتوجه إلى الجبل في يوم الأحد الخامس من الشهر، وتأخر بعده عميد الملك لتدبير الأمور، ودخل إلى الخليفة فودعه فشكره واعتد بخدمته، ولقبه سيد الوزراء مضافا إلى عميد الملك.
وفي سادس عشرين هذا الشهر: قبل قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني شهادة أبي بكر محمد بن المظفر الشامي.
وفي يوم الأربعاء ثالث جمادى الآخرة: انقض كوكب عظيم القدر عند طلوع، الشمس من ناحية المغرب إلى ناحية المشرق فطال مكثه [2] .
وفي يوم الثلاثاء تاسع جمادى الآخرة: ورد الأمير عدة الدين أبو القاسم عبد الله
__________
[1] في الأصل: «وعمل» .
[2] في ص: «لبثه» .(16/60)
ابن ذخيرة الدين، وجدته، وعمته وسنه يومئذ أربع سنين، مع أبي الغنائم/ ابن 32/ ب المحلبان، واستقبله الناس وجلس في زبزب كبير، وعلى رأسه أبو الغنائم إلى باب الغربة، قدم له فرس فركبه [1] فحمله أبو الغنائم على كتفه فأركبه الفرس، ودخل به إلى الخليفة فشكره على خدمته له ثم خرج، وكان أبو الغنائم ابن المحلبان قد دخل إلى دار بباب المراتب في أيام البساسيري. فوجد فيها زوجة أبي القاسم ابن المسلمة وأولاده، وكان البساسيري شديد الطلب لهم، فقالوا له: قد تحيرنا وما ندري ما نعمل، ولما استشرنا صاحبنا أين نأخذ- يعنون ابن المسلمة- قال: ما لكم غير ابن المحلبان فخلطهم بحرمه، ثم أخرجهم إلى ميافارقين، وجاءه محمد الوكيل فقال له: قد علمت أن ابن الذخيرة وبنت الخليفة ووالدتها يبيتون في المساجد. وينتقلون من مسجد إلى مسجد مع المكدين، ولا يشبعون من الخبز، ولا يدفأون من البرد، وقد علموا ما قد فعلته مع بنت ابن المسلمة، فسألوني خطابك في مضائهم [2] وقد ذكروا أنهم أطلعوا أبا منصور بن يوسف على حالهم، فأرشدهم إليك، وكان البساسيري قد أذكى العيون عليهم، وشدد في البحث عنهم، فلم يعرف لهم خبرا. فقال ابن المحلبان لمحمد الوكيل: واعدهم المسجد الفلاني حتى أنفذ زوجتي إليهم تمشي بين أيديهم إلى أن يدخلوا دارها.
ففعل وحمل إليهم الكسوة الحسنة، وأقام بهم وخاطر بذلك، فلما علموا بمجيء السلطان انزعجوا وقالوا: إن خوفنا من هذا كخوفنا من البساسيري لأجل أن خاتون ضرة لجدة هذا/ الصبي، تكره سلامته، فأخرجهم إلى قريب من سنجار، ثم حملهم إلى 33/ أحران، فلما سكنت الثائرة مضى وأقدمهم إلى بغداد.
وفي جمادى الآخرة: وقع في الخيل والبغال موتان، وكان مرضها نفخة العينين والرأس وضيق الحلق.
وفي رجب: وقف أبو الحسن محمد بن هلال الصابي دار كتب بشارع ابن أبي عوف من غربي مدينة السلام، ونقل إليها نحو ألف كتاب.
__________
[1] «فركبه» سقطت من ص، ت.
[2] في الأصل: «مغنامهم» .(16/61)
وكان السبب أن الدار التي وقفها سابور الوزير بين السورين احترقت، ونهب أكثر ما فيها، فبعثه الخوف على ذهاب العلم أن وقف هذه الكتب.
وفي شعبان: ملك محمود بن نصر حلب والقلعة، فمدحه ابن أبي حصينة فقال:
صبرت على الأهوال صبر ابن حرة ... فأعطاك حسن الصبر حسن العواقب
وأتعبت [1] نفسا يا ابن نصر نفيسة ... إلى أن أتاك النصر من كل جانب
وأنت امرؤ تبني العلى غير عاجز ... وتسعى إلى طرق الردى غير هائب
تطول بمحمود بن نصر وفعله ... كلاب كما طالت تميم بحاجب
وعاد طغرلبك إلى الجبل في هذه السنة بعد أن عقد بغداد وأعمالها على أبي الفتح المظفر بن الحسين العميد في هذه السنة بمائة ألف دينار، ولسنتين بعدها بثلاثمائة 33/ ب ألف دينار، فشرع العميد في عمارة سوق الكرخ/، وتقدم إلى من بقي من أهلها بالرجوع إليها، ونهاهم عن العبور إلى الحريم والتعايش [2] فيه، وابتدأت العمارة ثم تزايدت مع الأيام حتى عاد السوق كما كان دون الدروب والخانات. والمساكن.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3369- باي [3] بن جعفر بن باي، أبو منصور الجيلي الفقيه
[4] :
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قَالَ: سكن باي بغداد، ودرس فقه الشافعي على أبي حامد الأسفراييني، وسمع من أبي الحسن بن الجندي، وأبي القاسم الصيدلاني، وعبد الرحمن بن عمر بن حمة الخلال، كتبنا عنه وكان ثقة، وولى القضاء بباب الطاق وبحريم دار الخلافة، ومات في المحرم سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة.
__________
[1] في الأصل: «وأرهيت» .
[2] في الأصل: «التعيسن» .
[3] في الأصل، ص: «بالي بن جعفر بن بالي» . وفي ت: «بابي» .
وفي البداية والنهاية 12/ 85 لم يورد المؤلف اسمه بل أورد كنيته فقال: «أبو منصور الجيلي» .
وما أثبتناه هو ما في تاريخ بغداد 7/ 136.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 136. والبداية والنهاية 12/ 85. والكامل 8/ 353) .(16/62)
3370- الحسن بن أبي الفضل، أبو محمد النسوي الوالي
[1] .
سمع الحديث من ابن حبابة، والمخلص. وحدث بشيء يسير، وكانت له في شغله فطنه عظيمة.
وحدثني أبو محمد المقرئ قَالَ: كان أصحابه أصحاب الحديث إذا جاءوا إلى ابن النسوي يقول: ويلكم، هذا سمعناه على أن يكون فينا خير.
وسمع [2] ليلة صوت برادة تحط، وكان ذلك في زمان الشتاء، فأمر بكبس الدار فوجدوا رجلا مع امرأة، فسألوه من أين علمت؟ فقال: برادة لا تكون في الشتاء، وإنما هي علامة بين اثنين.
قَالَ: وأتى بجماعة متهمين فأقامهم بين يديه، واستدعى بكوز ماء، فلما جيء به شرب ثم رمى بالكوز من يده، فانزعجوا إلا واحدًا منهم، فإنه لم يتغير، فقال: خذوه فأخذوه، فكانت العملة معه. فقيل له: من أين علمت؟ فقال: اللص يكون قوي القلب.
وشاع عنه أنه كان/ يقتل أقواما ويأخذ أموالهم، وقد ذكرنا فيما تقدم أنه شهد قوم 34/ أعند أبي الطيب الطبري على ابن النسوي أنه قتل جماعة، وأن أبا الطيب حكم بقتله فصانع بمال فرق على الجند وسلم. وتوفي في رجب هذه السنة.
3371- قطر الندى
[3] .
والده الخليفة القائم بأمر الله، هكذا سماها أبو القاسم التنوخي. وقال أبو الحسن [4] بن عبد السلام: اسمها بدر الدجى. وقال غيرهما: اسمها علم.، وكانت جارية أرمينية توفيت ليلة السبت الحادي عشر من رجب، وقدم تابوتها وقت المغرب فصلى عليها الخليفة بمن حضر في الرواق بصحن السلام بعد صلاة المغرب [5] ،
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 85، وفيه: «الفسوي» . والكامل 8/ 353) .
[2] في ص: «وأنه سمع» .
[3] انظر ترجمتها في: (البداية والنهاية 12/ 86. والكامل 8/ 353) .
[4] في الأصل: «أبو القاسم» .
[5] في الأصل: «بعد صلاة العصر» .(16/63)
وحملت إلى الترب بالرصافة، وجلس للعزاء [بها في بيت النوبة] [1] .
3372- محمد بن الحسين [بن محمد بن الحسن] [2] بن علي بن بكران، أبو علي، المعروف بالجازري النهرواني
[3] .
حدث عن المعافى بن زكريا [4] وغيره، وكان صدوقا.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة.
3373- محمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن عمرو بن [5] أبو الفضل البزاز
[6] .
كان من القراء المجودين وسمع أبا القاسم بن حبابة، وابن شاهين، والمخلص، وغيرهم، وانتهت الفتوى في الفقه على مذهب مالك إليه، وكان دينا ثقة، وقبل قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني شهادته.
وتوفي في محرم هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] حدث في الأصل خطأ وهو: بدأ الناسخ قبل هذه الترجمة بما نصه: «النهرواني، حدث عن المعافى بن عمران وغيرهم، وكان صدوقا، وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة بها في بيت النوبة» .
ثم أتى بعد ذلك فأورد الترجمة هكذا: «محمد بن الحسين بن علي بن بكران، أبو علي، المعروف:
بالنهرواني.... إلخ» فبذلك أصبحت ترجمتان لا واحدة، وهذا خطأ واضح.
انظر ترجمة محمد بن الحسين النهرواني في: (تاريخ بغداد 2/ 255. والكامل 8/ 353) .
[4] في الأصل: «المعافى بن عمران» .
[5] في تاريخ بغداد: «عمروس» .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 339. والبداية والنهاية 12/ 86. وشذرات الذهب 3/ 290.
والكامل 8/ 35) .(16/64)
ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[حملت أرسلان خاتون زوجة الخليفة إلى السلطان طغرلبك]
/ أن أرسلان خاتون زوجة الخليفة حملت إلى السلطان طغرلبك في يوم البساسيري 34/ ب على ما سبق ذكره، فأريد ردها إلى دار الخليفة والسلطان يعد بذلك ولا ينجزه، ثم خطب طغرلبك بنت الخليفة لنفسه بعد موت زوجته، وكانت زوجته سديدة عاقلة، وكان يفوض أمره إليها فأوصته [1] قبل موتها بمثل هذا، واتفق أن قهرمانة الخليفة لوحت للسلطان بهذا، وقد نسب إلى عميد الدولة أيضا، فبعث أبا سعد بن صاعد يطلب هذا، فثقل الأمر على الخليفة وانزعج منه، فأخذ ابن صاعد يتكلم في بيت النوبة بكلام يشبه التهدد إن لم تقع الإجابة. فقال الخليفة، هذا ما لم تجر العادة به، ولم يسم أحد من الخلفاء مثله، ولكن ركن الدين أمتع الله به عضد الدولة والمحامي عنها وما يجوز أن يسومنا هذا، ثم أجاب إجابة خلطها بالاقتراحات التي ظن أنها تبطلها، فمنها: تسليم واسط وجميع ما كان لخاتون من الأملاك والإقطاع والرسوم في سائر الأصقاع وثلاثمائة ألف دينار عينا منسوبة إلى المهر، وأن يرد السلطان إلى بغداد و [يكون] [2] مقامه فيها، ولا يحدث نفسه بالرحيل عنها.
فقال العميد أبو الفتح: أما الملتمس وغيره فمجاب إليه من جهتي عن السلطان، ولو أنه أضعافه، فإن أمضيتم الأمر، وعقدتم العهد سلم جميعه، وأما مجيء السلطان
__________
[1] في ص، المطبوعة: «فأوصلته» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/65)
إلى بغداد ومقامه فيها فهذا أمر لا بد من عرضه عليه، وأخذ رأيه فيه.، وندب للخروج إلى الري في ذلك أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب، وأصحب تذكرة بذلك، ورسم له 35/ أالخطاب/ على الاستقصاء في الاستعفاء، فإن تم فهو المراد، وإلا عرضت التذكرة.
وأنفذ طراد بن محمد الزينبي نقيب الهاشميين في ذلك أيضا، وأنفذ أبو نصر غانم صاحب قريش بن بدران برسالة من الخليفة إلى السلطان في معنى قريش، وإظهار الرضا عنه، والتقدم برد أعماله المأخوذة منه، وكان قد بذل للخليفة عند تمام ذلك عشرة آلاف دينار، وحلف له الخليفة على صفاء النية، وخلوص السريرة، والتجاوز عما مضى.
فلما وصل القوم وقد حملوا معهم الخلع للسلطان، فقام حين وضعت بين يديه وخدم، ثم استحضروا في غد، وطيف بهم في مجالس الدار حتى شاهدوا المفارش والآلات، وقيل لهم: هذا كله للجهة الملتمسة، وكان من جملة ذلك بيت في صدره دست مؤزر، ومفروش بالنسيج، ووسطه سماط من ذهب فيه تماثيل المحكم والبلور والكافور والمسك والعنبر، يوفي وزن ما في السماط على أربعمائة ألف دينار [وبيت مثله يوفي ما فيه على مائة ألف دينار] [1] في أشياء يطول شرحها فاجتمع أبو محمد التميمي بعميد الملك وفاوضه في ذلك الأمر وعرض عليه التذكرة، فقال له: هذه الرسالة والتذكرة لا يحسن عرضها، فإن الامتناع لا يحسن في جواب الضراعة، ولا المطالبة بالأموال في مقابلة الرغبة في التجمل، ومتى طرق هذا سمع السلطان، حتى يعلم أن الرغبة في الشيء لا فيه، والإيثار للمال لا له تغيرت نيته، وهو يفعل في جواب الإجابة أكثر مما يطلب منه. فقال له أبو محمد الأمر إليك، ومهما رأيت فافعل.
فطالع السلطان بذلك، فسر وأعلم الأكابر [به] [2] ثم تقدم إلى عميد الملك بأن 35/ ب يأخذ خط/ التميمي بذلك، فراسله بأن السلطان قد شكر ما أعلمته من خدمتك في هذا الأمر، وتقدم بالمسير فيه، وأريد أن تكتب خطك بذاك لأطلعه عليك، فكتب خطه بمقتضى الرسالة والتذكرة، فشق ذلك على عميد الملك.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/66)
[قبول قاضي القضاة الدامغانيّ شهادة الشريف أبي جعفر]
وفي يوم الثلاثاء ثاني ربيع الأول: قبل قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني شهادة الشريف أبي جعفر بن أبي موسى الهاشمي، وأبي علي يعقوب بن إبراهيم الحنبلي.
[ورود أرسلان خاتون إلى دار الخلافة]
وفي يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الأولى: وردت أرسلان خاتون إلى دار الخلافة ومعها عميد الملك أبو نصر وقاضي الري، وفي الصحبة المهر والجهاز الجديد [1] ، وأمر الوصلة بابنة الخليفة، وبعث مائة ألف دينار منسوبة إلى المهر، وأشياء كثيرة من آلات الذهب، والفضة، والحلي، والنثار، والجواري، والكراع، وألفان ومائتان وخمسون قطعة من [الجوهر من] [2] جملتها سبعمائة وعشرون قطعة وزن الواحدة ما بين ثلاثة مثاقيل إلى مثقال، فبان للخليفة أن الشروط التي شرطها [3] [مع أبي محمد التميمي] [4] والاقتراحات لم يكن عنها جواب محرر، والمهر إنما حمل منه مائة ألف مثقال [5] ، وقبح للخليفة الأمر من كل جهة، وقيل: إنه تشنع فيه ما لا خفاء به، إذ كان ما لم تجربه عادة أحد من الملوك بأحد من الخلفاء مثله، فامتنع من العقد وقال: إن أعفيت، وإلا خرجت من البلد.
[إطلاق عميد الملك لسانه بالقبيح ووصوله إلى الخليفة]
وأطلق عميد الملك لسانه بالقبيح وقال: قد كان يجب أن يقع [6] الامتناع في أول الأمر، ولا يكون اقتراح وتذكرة. ثم غضب واخرج نوبه فضربها بالنهروان، وسأله قاضي القضاة وأبو منصور بن يوسف التوقف، وكاتبا الخليفة وأرهباه/ وساقا الأمر إلى العقد 36/ أعلى أن يشهد عميد الملك وقاضي الري بحكم وكالتهما في هذا الأمر [7] على نفوسهما أنهما لا يطالبان بالجهة المطلوبة مدة أربع سنين، ثم استفتى الفقهاء في ذلك، فقال الحنفيون: العقد يصح والشرط يلغو. وقال الشافعيون: العقد يبطل إذا دخله شرط.
ووصل عميد الملك إلى الخليفة في ليلة الجمعة ثامن جمادى الآخرة فوعظه
__________
[1] في الأصل: «لتحرير» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص، ت: «التي نشرها» وفي الأصل: «شرطتها» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] «مثقال» سقطت من ص، ت.
[6] «أن يقع» سقطت من ص.
[7] «وفي هذا الأمر» سقطت من ص.(16/67)
ونهاه عما قد لج فيه، فقال: نحن نحضر جماعة من الواردين صحبتك، ونرد هذا الأمر إلى رأيك وتدبيرك، فيظهر جلوسنا وإجابتنا للخاص والعام، وتكفينا أنت بحسن نياتك في هذا الأمر في الباطن، ففيه الغضاضة والوهن، ولم تجر لبني العباس بمثله عادة من قبل.
وجاء كتاب من السلطان إلى عميد الملك يأمره بالرفق، وأن لا يخاطب في هذا الأمر إلا بالجميل، وذلك في جواب كتاب من الديوان إلى خمارتكين يشكو [1] فيه مما يجري من عميد الملك، ويؤمر بإطلاع السلطان عليه، فعاد جواب خمارتكين أن السلطان غير مؤثر لشيء مما يجري، ولا يكرهه [2] على هذه الحال، فبقيت الحال على ما هي عليه، وعميد الملك يقول ويكثر، والخليفة يحتمل ويصبر، وجاء يومأ إلى الديوان بثياب بيض، وتوسط الأمر قاضي القضاء الدامغاني، وأبو منصور بن يوسف، واستقر الأمر على أن كتب الخليفة لعميد الملك: إننا قد استخلفناك على هذا الأمر 36/ ب ورضينا بك فيما تفعله، مما يعود بمرضاتنا ومرضاة ركن الدين، فاعمل في/ ذلك برأيك الصائب الموفق، تزجية للحال، ودفعا بالأيام، وترقبا لأحد أمرين: إما قناعة السلطان بهذا الأمر، أو طلب الإتمام، فلا يمكن المخالفة.
ثم دخل عميد الملك يوما إلى الخليفة ومعه قاضي القضاة وجماعة من الشهود، وقال: أسأل مولانا أمير المؤمنين التطول بذكر ما شرف به ركن الدين الخادم الناصح فيما رغب فيه، وسمت نفسه إليه ليعرفه الجماعة من رأيه الكريم، وأراد أن يقول الخليفة ما يلزمه به الحجة بالإجابة. ففطن لذلك فقال: قد شرط في المعنى ما فيه كفاية، والحال عليه جارية. فانصرف مغتاظا، ورحل في عشية يوم الثلاثاء السادس والعشرين من جمادى الآخرة، ورد المال والجواهر والآلات إلى همذان، وبقي الناس وجلين من هذه المنازعة.
[انكساف الشمس جميعها]
وفي يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى على ساعتين منه: انكسفت
__________
[1] في ص: «يشتكي» .
[2] في الأصل: «مكرهه» .(16/68)
الشمس جميعها، وأظلمت الدنيا وشوهدت الكواكب [1] كلها، وسقطت الطيور في طيرانها، وكان المنجمون قد زعموا أنه يبقى سدسها فلم يبق منها شيء، وكان انجلاؤها على أربع ساعات وكسر، ولم يكن الكسوف في غير بغداد وأقطارها عاما في جميع الشمس.
وفي رجب: ورد رسول من عميد الملك يذكر أن كتاب السلطان ورد عليه بأن الخليفة إن لم يجب إلى الوصلة التي سألناها فطالبه بتسليم أرسلان خاتون إليك وأعدها معك، لأسير بنفسي وأتولى الخطاب على هذا، وأنه أراد العود من الطريق لفعل ما رسم له من [2] / هذا، فخاف أن لا ينضبط له العسكر إذا عادوا إلى بغداد ويقول: إني قد 37/ أأعدت هذا الرسول لحمل أرسلان خاتون إلى دار المملكة إلى حين اجتماعي بالسلطان وإصلاح هذه القصة، وكاتب أرسلان بمثل ذلك وبانتقالها عن الدار، فتجدد الإنزاع والخوف، ودافع الخليفة عن الجواب، وتبسط أصحاب في أشياء توجب خرق الحرمة [3] فأظهر الخليفة الخروج من بغداد، وتقدم بإصلاح الطيار فحل صفره، ورم شعثه، وانزعج الناس من ذلك وخافوا، فنودي فيهم أنه ما يبرح فسكتوا، ثم جاء أمر السلطان إلى شحنته ببغداد يأمره بما يوجب دفع المراقبة، وقيل في ذلك، وهذا في مقابلة خرق حرمتنا، ورد أصحابنا على أقبح حال، وإلى السيدة أرسلان [4] بالانفصال عن الدار العزيزة، والمقام في دار المملكة إلى أن يرد من يسيرها، وأدخلوا أيديهم في الجواري، فروسلوا بأن هذا يقبح فأمسكوا.
[خلع في بيت النوبة على طراد الزينبي]
وفي يوم الخميس [5] لأربع بقين من رجب: خلع في بيت النوبة على طراد الزينبي [6] ، وردت إليه نقابة العباسيين، وتقلد نقابة الطالبيين أبو الفتح أسامة بن أبي عبد الله بن أحمد بن على بن أبي طالب العلويّ، وانحدر من بغداد إلى البصرة،
__________
[1] «وشوهدت الكواكب» سقطت من ص.
[2] في الأصل: «من ذلك» .
[3] في ص: «الحشمة» .
[4] في ص: «رسال» وكذلك في المطبوعة.
[5] في المطبوعة: «الخمس» .
[6] في الأصل: «خلع على طراد الزينبي في بيت الكوفة» .(16/69)
واستخلف ببغداد أخاه أبا طالب [1] ، وضمن أبو إسحاق إبراهيم بن علان اليهودي جميع ضياع الخليفة من واسط إلى صرصر مدة سنة واحدة بستة وثمانين ألف دينار وسبعة عشر ألف كر، وسبع مائة كر.
وفي سابع رمضان: رأى إنسان زمن طويل المرض من نهر طابق رسول الله صلى الله عليه وسلم/ 37/ ب في المنام قائما مع أسطوانة، وقد جاءه ثلاثة [2] أنفس، فقالوا له: قم فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم، فقال لهم، أنا زمن، ولا يمكنني الحركة. فقالوا: هات يدك. وأقاموه فأصبح معافى [3] يمشي في حوائجه ويتصرف في أموره.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3374- أحمد بن مروان، أبو نصر الكردي
[4] .
صاحب ديار بكر، وميافارقين، لقبه القادر: نصر الدولة، فاستولى على الأمور بديار بكر وهو ابن اثنتين وعشرين سنة، وعمر الثغور وضبطها، وتنعم تنعما لم يسمع به عن أحد من أهل زمانه [5] ، وملك من الجواري والمغنيات ما اشترى بعضهن بخمسة آلاف دينار، واشترى منهن بأربعة عشر ألفا، وملك خمسمائة سرية سوى توابعهن، وخمسمائة خادم، وكان يكون في مجلسه من آلات [6] الجواهر ما تزيد قيمته على مائتي ألف دينار، وتزوج من بنات الملوك جملة، وكان إذا قصده عدو يقول: كم يلزمني من النفقة [على قتال هذا] [7] فإذا قالوا: خمسون ألفًا بعث بهذا القدر أو ما يقع عليه
__________
[1] «أبا طالب» سقطت من ص.
[2] «ثلاثة» سقطت من ص.
[3] في ص: «قائما» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 87. وشذرات الذهب 3/ 290، 291، والنجوم الزاهرة 5/ 69، والأعلام 1/ 256، والكامل 8/ 356. ووفيات الأعيان 1/ 177، 178) .
[5] في الأصل: «لم يسمع بمثله، وملك ... » .
[6] في الأصل: «الآلات» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/70)
الاتفاق، وقال: أدفع هذا إلى العدو وأكفه بذلك، وآمن على عسكره [1] من المخاطرة، وأنفذ للسلطان طغرلبك هدايا عظيمة، ومنها: الجبل الياقوت الذي كان لبني بويه، وابتاعه من ورثة الملك أبي منصور بن أبي طاهر، وأنفذ مع ذلك مائة ألف دينار عينا، ووزر له أبو القاسم المغربي نوبتين، ووزر له أبو نصر محمد بن محمد بن جهير، ورجت الأسعار في زمانه، / وتظاهر الناس بالأموال، ووفد إليه الشعراء، وسكن عنده 38/ أالعلماء والزهاد، وبلغه أن الطيور في الشتاء تخرج من الجبال إلى القرى فتصاد، فتقدم بفتح الأهراء وأن يطرح لها من الحب ما يشبعها، فكانت في ضيافته طول عمره.
توفي في هذه السنة عن سبع وسبعين، وقيل عبر الثمانين سنة، وكانت إمارته اثنتين وخمسين سنة.
__________
[1] في الأصل: «عسكري» .(16/71)
ثم دخلت سنة اربع وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه خرج في يوم الخميس غرة صفر أبو الغنائم بن المحلبان إلى باب السلطان طغرلبك من الديوان العزيز بالإجابة إلى الوصلة. وكان السبب أن الكتب وردت من السلطان إلى بغداد وواسط والبصرة بإدخال اليد في الإقطاع المفردة لوكلاء الدار العزيزة، والحواشي، والأصحاب، وإلى أصحاب الأطراف وغيرهم، بتعديد ما فعل من الجميل دفعة بعد دفعة، وما كان من المقابلة في الرد عما وقعت الرغبة فيه على أقبح حال، وخرج الكلام في ذلك إلى ما ينافى قانون الطاعة ومقتضى الخدمة، وقطعت المكاتبة إلى الديوان، ووصل الكتاب [1] إلى قاضي القضاة عنوانه: «إلى قاضي القضاة من شاهنشاه المعظم ملك المشرق والمغرب، محيي الإسلام، خليفة الإمام، يمين خليفة الله أمير المؤمنين» ، فكان في الكتاب أن قاضي القضاة يعلم أن تلك الوصلة لم 38/ ب تكن جفوة/ قصدناها حتى يستوجب قبح المكافأة على جميع ما قدمناه من المؤاثرات، وإن كنا لا نؤهل للإجابة، ولا نحض بالمساءة، وليس يخفي على العوام ما قدمناه من الاهتمام، وأوجبناه من الإنعام، وأظهرناه من التذلل والخضوع الذي ما كان لنا به عهد ظننا بأننا نتقرب إلى الله تعالى بذلك، فصارت كلها [وبالا علينا] [2] ولكنا واثقون بصنع الله تعالى أنه لا يضيع جميل أفعالنا ونرى سوء المغبّة لمن يضمر لنا [3] سوءا فينا،
__________
[1] في الأصل: «ووصل كتاب» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] «لنا» سقطت من ص.(16/72)
واقتضى الرأي استرداد جميع ما كان للديوان الخاص وقصر أيدي [1] وكلاء تلك الجهة عنها، ليقصروا على ما كان لهم يوم وردت راياتنا العراق، فيجب أن نشير عليهم بالتخلية عنها، وترك المراجعة فيها فإنّها [2] لا تفيد [3] غير الجدال والنزاع، وقد خاطبنا الشيخ الزكي أبا منصور بن يوسف بكتاب أشبعنا فيه القول، فيجب أن يتأمله ويعمل به، لئلا يتكرر الكلام، والسلام. وكتب في منتصف شعبان سنة ثلاث وخمسين.
ثم ما زالت المشورة على الخليفة بما في هذا الأمر قبل أن لا يتلافى، فعين على أبي الغنائم بن المحلبان في الخروج إلى السلطان واستسلال ما حصل في نفسه، فقال:
متى لم يقترن بخروجي إليه إجابته إلى غرضه من الوصلة كان قصدي زائدا في غيظه، وتوقف عن الخروج، ودافع واتسع الخرق بما قصد به الخليفة من الأذى، فأجاب حينئذ مكرها بعد أن يمنع ثلاث سنين، وكتب وكالة لعميد الملك في العقد، وأذن في الوصول لقاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، وأبي منصور/ بن يوسف حتى شهدا بما سمعاه 39/ أمن الإجابة، وخرج أبو الغنائم، وورد بعد خروجه بخمسة أيام ركابية بكتب تتضمن رد الأقطاع إلى وكلاء الدار العزيزة، وكثر الاعتذار مما جره سوء المقدار من تلك الأسباب المكروهة، والتقدم بإنفاذ أبي نصر بن صاعد رسولا بخدمة وهدية ومشافهة بالتنصل مما جرى، وشاع هذا فطابت النفوس ووقعت البشائر في الدار العزيزة، وخلع منها على الركابية، وضربت الدبادب والبوقات بين أيديهم، وطيف بهم في البلد، وأعيد الإقطاع إلى أيدي الوكلاء.
وورد كتاب من عميد الملك إلى أبي منصور بن يوسف يخبره بأن تلك اللوثة زالت من غير مذكر، بل برأي رآه السلطان حسما لقالة [4] تظهر، أو عدو يشمت وكوتب أبو الغنائم بن المحلبان بالتوقف حيث وصل من الطريق إلى أن يصل أبو نصر بن صاعد ويصدر [5] في صحبته على ما يقتضيه جوابه، ورسم له طي ذلك وستره، فوصله الأمر
__________
[1] «أيدي» سقطت من ص.
[2] في ص: «فأنا» .
[3] في ص: «لا نفيد» .
[4] في ص: «لغالة» .
[5] في الأصل: «ويعدر» .(16/73)
وهو بشهرزور، فأقام متعللا بالأمطار والثلوج، وجرح ساقه، ثم أظهر أن مادة قد نزلت فمنعته من الركوب.
[ورود سيل شديد ليلا ونهارا]
وفي ربيع الأول: وكان ذلك في السابع عشر من آذار، ورد سيل [1] شديد ليلا ونهارا، فوقف الماء في الدروب، وسقطت منه الحيطان، واتصل المطر والغيم بقية آذار وجميع نيسان، حتى لم يجد يوم ذاك، وكان في أثنائه من البرد الكبار ما اهلك كثيرا من الثمار، ووزنت واحدة فإذا فيها رطل، وتحدث المسافرون أنه كان مثل ذلك 39/ ب بفارس، والجبال/، وأعمال الثغور، وأنه قد ورد مطر بسنجار [2] ثمانين يوما متوالية ما طلعت فيها الشمس، وجاء سيل على حلد الأكراد فأقلعتها، وشوهدت الخيل المقيدة [3] غرقى على رأس الماء.
[زيادة دجلة إحدى وعشرين ذراعا]
وفي هذا الشهر: زادت دجلة فبلغت الزيادة إحدى وعشرين ذراعا، ورمت عدة دور، وعملت السكور على نهر معلى، وباب المراتب، وباب الأزج، والزاهر، وخرج الخليفة من باب البشري إلى دجلة ليلا، وغمس [4] القضيب النبوي في الماء دفعتين، فكان ينقص ثم يزيد بعد.
وزادت تامرا اثنين وعشرين ذراعا وكسرا، وكانت زيادته المعروفة ثمانية ذراعا [5] وتفجرت فيه بثوقه، ودار الماء من جلولا وتامرا على الوحش فحصرها، فلم يكن لها مسلك، فكان أهل السواد يسبحون فيأخذونه بأيديهم، فيحصل للواحد منهم في اليوم مائتي رطل لحما.
وفي ربيع الآخر: عطلت المواخير وغلقت، ونودي بإزالتها، وكان السبب أنه كثر الفساد وشرب الخمر، وشرب رجل يهودي وتغنى بالقرآن.
ولما طالت أيام أبي الغنائم [6] بن المحلبان في تأخره ببلد شهرزور عن السلطان
__________
[1] في الأصل: «انارودسيل» .
[2] «بسنجار» سقطت من ص،
[3] في الأصل: «المشكلة» .
[4] في الأصل: «غمر» .
[5] «وكان زيادته المعروفة ثمانية ذراعا» سقطت من ص، ت.
[6] «أبي الغنائم» سقطت من ص.(16/74)
علم أنه أمر بالتوقف، فحرك الخليفة بأن أنفذ [1] كتابا إلى الجهة الخاتونية مع جابر بن صقلاب، يتضمن اشتياقا إليهم، وإيثارا لمشاهدتها، ورسم لها المسير [2] إليه، والخروج [3] من دار الخلافة على أي حال أوجبته ومضيق [4] العذر في التأخر وكتاب إلى الحاجب ترمس بملازمتها إلى أن تسير وتردد الخطاب في السبب/ الموجب لذلك، 40/ أإلى أن أفصح به ابن صقلاب، وأنه بسبب تأخر أبي الغنائم بن المحلبان، فقيل: إنما توقف لانتظارنا ابن صاعد الرسول الذي ذكرتم إنفاذه إلى بابنا لنسمع رسالته، ويكون إنفاذهما جميعا، وحيث تأخر ذلك، وأوجب هذا الاستشعار، فنحن نكاتب ابن المحلبان ونأمره بالإتمام، ففعل ذلك.
[عقد السلطان على السيدة بنت الخليفة]
وفي يوم الخميس ثالث عشر شعبان: كان العقد للسلطان على السيدة بنت الخليفة بظاهر تبريز، فكتب ابن المحلبان إلى الخليفة يخبره أنه عمل سماط عظيم، وأنه قرأ [5] نسخة التوقيع الشريف إلى السلطان على الناس والسلطان حاضر، وأنه سلم الوكالة إلى عميد الملك فقبلها، ورفع يده بها إلى السلطان، فقام عند مشاهدتها وقبلها وقبل الأرض ودعا، ثم أعادها إلى عميد الملك فقرأها، وقد رسم فيها تعيين المهر وهو: أربعمائة ألف دينار، فارتفعت الأصوات بالدعاء للخليفة، وعقد العقد ونثر الذهب واللؤلؤ، وتكلم السلطان بما معناه الشكر والدعاء، وأنه المملوك القن الذي قد سلم نفسه ورقه وما حوته يده وما يكسبه باقي عمره إلى الخدمة الشريفة.
ونفذ في شوال خدمة للديوان العزيز تشتمل على ثلاثين غلاما أتراكا على ثلاثين فرسا، وخادمين، وفرس بمركب وسرج من ذهب مرصع بالجواهر الثمينة، وعشرة آلاف دينار/ للخليفة، وعشرة آلاف دينار لكريمته، وعقد جوهر فيه نيف وثلاثون حبة في كل 40/ ب حبة مثقال، وجميع ما كان لخاتون المتوفاة من الاقطاع بالعراق، وثلاثة آلاف دينار
__________
[1] «بأن أنفذ» سقطت من ص.
[2] في الأصل: «الخروج إليه» .
[3] في الأصل: «وتخرج» .
[4] في الأصل: «نضيق» .
[5] في المطبوعة: «قرئ» .(16/75)
لوالدتها، وخمسة آلاف للأمير عدة الدين، فتولت أرسلان خاتون تسليم ذلك.
ووردت الكتب في ذي القعدة بتوجيه السلطان إلى بغداد.
وفي ذي الحجة: كثر الإرجاف بالسلطان طغرلبك ووفاته، واختلط الناس إلى أن جاءت البشارة بعد أيام بسلامته من مرض شديد.
وفي هذه السنة: عم الرخص جميع الأصقاع، وبيع بالبصرة كل ألف رطل تمر بثمانية قراريط.
وفيها: عزل أبو الفتح محمد بن منصور بن دارست عن وزارة القائم، واقبل أبو منصور محمد بن محمد بن جهير من ميافارقين وقد سفر له في الوزارة تقلدها، ولقب فخر الدولة شرف الوزراء.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3375- ثمال بن صالح، الملقب: بمعز الدولة صاحب حلب
[1] .
كان كريما فأغنى أهل البلد، وكان حليما، بينا الفراش يصب عليه ضربت بلبلة الإبريق ثنيته فسقطت في الطست فعفا عنه، فقال له ابن أبي حصينة:
41/ أ/
وسن العدل في حلب فأخلت ... بحسن العدل بقعته البقاعا
حليم عن جرائمنا إليه ... وحي عن ثنيته انقلاعا
مكارم ما افتدى فيها بخلق ... ولكن ركبت فيه طباعا
إذا فعل الكريم بلا قياس ... فعالا كان ما فعل ابتداعا
3376- الحسن بن علي بن محمد، أبو محمد الجوهري، ويعرف: بابن المقنعي
[2] :
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 88. وشذرات الذهب 3/ 292. والكامل 8/ 359. وتاريخ ابن خلدون 4/ 273. والأعلام 2/ 100) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 393.
والبداية والنهاية 12/ 88. وشذرات الذهب 3/ 292. والأعلام 2/ 202. والكامل 8/ 359) .(16/76)
[أخبرنا ابن ناصر، عن أبي محمد بن طاهر المقدسي قال: سمعتهم يقولون ان أول من يضع تحت العمامة كما يفعل العدول اليوم ببغداد] [1] . ولد [الحسن] [2] في شعبان سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، وكان يسكن درب الزعفراني، وهو شيرازي الأصل، وسمع الكثير، وأول إملائه [في رمضان] [3] سنة إحدى وأربعين، وختم الإسناد وهو آخر من حدث عن أبي بكر بن مالك القطيعي، وابن صالح الأبهري، وابن العباس الوراق، وابن شاذان، وابن أيوب القطان، وابن إسحاق الصفار، وعن أبي الحسن ابن كيسان النحوي، وابن لؤلؤ أبي الحسن الجراحي، وابن إسماعيل الأنباري، وابن أبي عزة العطار، وابن العباس الرفاء، وابن أبي القصب الشاعر وأبيه أبي الحسن الجوهري، وعن أبي عبيد الله الحسين [4] بن الضراب، وابن بطة، وابن مروان الكوفي، وابن مهدي الأزدي، وابن عبيد الدقاق، وعن أبي القاسم الخرقي، وابن جعفر المقرئ، وطلحة الشاهد، وعن أبي جعفر بن الجهم الكاتب، وابن العباس الجوهري، وعن أبي محمد بن عبد الله بن ماهود [5] الأصبهاني، وعبد العزيز بن أبي صابر، وعن أبي علي العطشي، والفارسي، وعن أبي [6] العباس بن حمزة الهاشمي، وابن مكرم المعدل، وعن أَبِي الْحَسَن [7] بْن يعقوب المقرئ، وأبي حفص جعفر بن علي القطان، وأبي 41/ ب سعيد بن الوضاح: وكان ثقة أمينا، وتوفي في ذي القعدة من السنة. ودفن في الجانب الشرقي من مقبرة باب أبرز.
3377- الحسين بن أبي زيد، أبو علي الدباغ، واسم أبي زيد: منصور، وأصله من الصّغد
[8] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من ص، والأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «الحسن» .
[5] في الأصل: «بن ماهر» .
[6] في الأصل: «أبوي» .
[7] «بن حمزة الهاشمي، وابن مكرم المعدل، وعن أبي الحسن» سقط من ص.
وفي الأصل كتب الناسخ العبارة هكذا: «وعن أبوي العباس بن حمزة الهاشمي والفارسيّ، وعن أبي العباس بن حمزة وابن مكرم العدل، وعن أبي الحسن....» .
[8] في ت: «السعد» . انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 110. والبداية والنهاية 12/ 88) .(16/77)
سمع سفيان بن عيينة، ووكيعا [1] ، وأبا معاوية في آخرين. روى عنه الباغندي، وكان من الثقات.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ محمد القزاز، أخبرنا أحمد بن على بن ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ الضَّبِّيُّ [2] قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا [الْحَسَنِ] [3] السَّرَّاجَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ [4] بْنَ أَبِي زَيْدٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحْيِيَنِي عَلَى الإسلام. فقال: إيه [5] وَالسُّنَّةِ، وَجَمَعَ إِبْهَامَهُ وَسَبَّابَتَهُ [6] وَحَلَّقَ حَلْقَةً، وَقَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: «وَالسُّنَّةِ، وَالسُّنَّةِ، وَالسُّنَّةِ» .
توفي في شوال هذه السنة.
3378- سعد بن محمد بن منصور، أبو المحاسن الجرجاني
[7] .
كان رئيسا في أيام والده في سنة عشر وأربعمائة فدرس الفقه وتخرج علي يده جماعة، وروى الحديث، ووجه رسولا إلى محمد بن سبكتكين، فخرج وعقد له مجلس النظر في جميع البلدان بنيسابور وهراة وغزنة، وقتل ظلما بأستراباذ في رجب هذه السنة. رحمه الله وإيانا وجميع المسلمين آمين [8] .
__________
[1] «ووكيعا» سقطت من ص.
[2] في الأصل: «المقرئ» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
وفي تاريخ بغداد 8/ 110: «أبا العباس» .
[4] في الأصل: «الحسن» .
[5] في ص: «فقال لي» .
[6] في الأصل: «والوسطى» .
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 88. وتاريخ نيسابور ت 763 فيه: «الجولكي» ) .
[8] «رحمه الله وإيانا وجميع المسلمين آمين» سقطت من ص، ت.(16/78)
ثم دخلت سنة خمس وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن السلطان وصل إلى [إزاء] [1] القفص فعزم الخليفة على تلقيه، فاستعفى فأعفى من ذلك، فأخرج إليه الوزير أبو منصور، فلما دخل العسكر نزلوا في دور الناس وأخرجوهم، وأوقدوا أخشاب الدور لبرد عظيم كان، وكانوا يتعرضون لحرم الناس، حتى إن قوما من الأتراك صعدوا إلى جامات حمام ففتحوها وطالعوا النساء، ثم نزلوا فهجموا عليهن فأخذوا من أرادوا منهن، وخرج الباقيات عراة إلى الطريق، فاجتمع الناس وخلصوهن من أيديهم، فعلوا هذا بحمامين.
وجاء عميد الملك إلى دار الخلافة وخدم عن السلطان فأوصله الخليفة وخاطبه بالجميل، وأعطاه عدة أقطاع ثياب تشريفا له، وتردد الخطاب في نقل الجهة إلى دار المملكة، وبعث السلطان إلى الجهة بخاتمه، وكان ذهبا وعليه فص ماس وزنه درهمان، وبعث جبتين في سستحة [2] ، ولازم عميد الملك المطالبة بها حتى بات في الديوان، فكان مما قاله الخليفة: يا منصور بن محمد، أنت كنت تذكر أن الفرض في هذه الوصلة التشرف بها، والذكر الجميل، وكنا نقول لك: إننا ما نمتنع من ذاك إلا خوفا من المطالبة بالتسليم، وجرى ما قد علمته، ثم أخرجنا ابن المحلبان، وقرر [معكم] [3]
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ت: «وبعثت حسين في سسحة» .
وفي ص: «وبعث جبتين في مسلحد» .
وفي الأصل كما أثبتناه، ولم نجد لها معنى في لسان العرب لابن منظور.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/79)
42/ ب قبل العقد ما أخذ به خطك، وأنه إن كان يوما ما يطالبه برؤية واجتماع كان ذلك/ في الدار العزيزة النبوية، ولم يسم إخراج هذه الجهة من دارنا، فقال عميد الملك: هذا جميعه صحيح، والسلطان مقيم عليه وعازم على الانتقال إلى هذه الدار العزيزة حسب ما استقر، وهو يسأل أن يفرد لحجابه وغلمانه [وخواصه] [1] فيها مواضع يسكنونها، فما يمكنه [2] بعدهم عنه، فقطع بهذا الكلام الحجة، ثم راجع وكرر إلى أن استقر انتقالها إلى دار المملكة على أن لا تخرج من بغداد، وأن تكون بها إذا سافر السلطان، وأحضر قاضي القضاة الدامغاني حتى استخلفه على الاجتهاد في ذلك.
وحمل السلطان إلى الخليفة مائة ألف دينار ومائة وخمسين ألف درهم وأربعة آلاف ثوب فيها عشرة طميم كل ذلك منسوب اليه.
[زفاف السيدة ابنة الخليفة إلى دار المملكة]
وفي ليلة الاثنين خامس عشر صفر: زفت السيدة ابنة الخليفة إلى دار المملكة، ونصب لها من دجلة إلى الدار [سرادق] [3] ، وضربت البوقات والدبادب [4] عند دخولها الدار، فجلست على سرير ملبس بالذهب، ودخل السلطان إليها فقبل الأرض [لها] [5] وخدمها، وشكر الخليفة وخرج من غير أن يجلس، ولا قامت له ولا كشفت برقعا كان على وجهها ولا أبصرته، وكان السلطان والحجاب ووجوه الأتراك يرقصون في صحن الدار فرحا وسرورا، وأنفذ لها مع أرسلان خاتون، وكانت قد مضت في صحبتها عقدين فاخرين، وقطعة ياقوت أحمر [6] كبيرة [ودخل من الغد فقبل الأرض وخدمها [7] ، وجلس على سرير ملبس بالفضة بإزائها ساعة، ثم خرج وأنفذ إليها جواهر كثيرة] [8] مثمنة، 43/ أوفرجية نسيج مكللة بالحب، وما زال على مثل ذلك كل يوم/ يحضر ويخدم، فظهر منه
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «فما يمكنهم» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ت، ص: «والكوسات» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في ت: «ياقوت حمراء» .
[7] في ت: «وخديها» وقد سقطت من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/80)
سرور شديد من الخليفة تألم لما ألزمه من ذلك، وخلع السلطان في بكرة يوم الاثنين على عميد الملك، وزاد في ألقابه جزاء على توصله إلى هذا الأمر، واتصل [1] في دار المملكة السماط أسبوعا، ثم كان في يوم الأحد لتسع بقين من الشهر سماط كبير، وخلع على جميع الأمراء.
وفي يوم الخميس تاسع ربيع الأول: حضر عميد الملك بيت النوبة، واستأذن للسلطان طغرلبك في الانصراف وللسيدة خاتون في المسير صحبته، وأنه يستردها مدة ستة أشهر، فأذن الخليفة للسلطان ولم يأذن لأرسلان، وقال: هذا لا يحسن. وتردد من المراجعة ما أدى إلى إذن الخليفة فيه، وكانت شاكية من إطراحه لها، وأنه لم يقرب منها منذ اتصل إليها.
وأنفذ للسلطان في يوم السبت [حادي عشر الشهر] [2] خلع من حضرة الخليفة، وخرج من الغد وهو ثقيل من علته، مأيوس من سلامته، واستصحب السيدة ابنة الخليفة معه بعد أن امتنعت، فألزمها ولم يصحبها [3] من دار الخلافة إلا ثلاث نسوة برسم خدمتها، ولحق والدتها من الحزن ما لم يمكن دفعه عنها.
[انقضاض كوكب كبير كان له ضوء]
وفي ليلة الاثنين لخمس بقين من ربيع الآخر: انقض كوكب كبير كان له ضوء كبير، وفي صبيحته جاءت ريح ومطر فيه برق متصل، لحق منه قافلة وردت من دجيلة عند قبر الإمام [4] أحمد بن حنبل ما أحرق واحدًا من أهلها فمات من وقته، وكان الموضع الذي احترق من جسمه وثوبه أبيض لم يتغير لونه، فلما أرادوا قلع القميص عنه لم يتغير القميص/ في منظر العين، ووجدوه عند مسه هباء منثورا.
43/ ب وَفِي لَيْلَةِ الأَرْبِعَاءِ لِثَمَانٍ بَقَيْنَ مِنْ شَعْبَانَ: رَأَتِ امْرَأَةٌ هَاشِمِيَّةٌ فِي مَنَامِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي مَسْجِدٍ صَغِيرٍ بِالْمَأْمُونِيَّةِ مِنَ الْحَرِيمِ الشَّرِيفِ، فقال لها النبي
__________
[1] في الأصل: «وانتقل» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص، ت: «يتبعها» .
[4] «الإمام» سقطت من ص، ت.(16/81)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرِيهِمْ أَنْ يَعْمُرُوا هَذَا الْمَسْجِدَ» . فقالت: لا يصدقونني في رؤيتي لكم. [1] فمد يده إلى حائط عقد هناك قديم مبني بالجص والآجر، وهو من أحد حيطان [المسجد] [2] وجر آجرة من وسطها [3] حتى برز بثلثها وقال لها: «هذا دليل على صدق قولك وصحة رؤياك» .
[زلزلة بأنطاكيّة، واللاذقية وطرابلس، وصور]
وفي هذا الشهر: كانت زلزلة بأنطاكية، واللاذقية، وقطعة من بلاد الروم، وطرابلس، وصور، وأماكن من الشام، ووقع من سور طرابلس قطعة.
وورد الخبر بموت طغرلبك إلى بغداد من جهة السيدة [ابنة] [4] الخليفة ليلة الأحد الرابع والعشرين من رمضان بأنه توفي في ثامن رمضان، وشرى العيارون بهمذان فقتلوا العميد وسبعمائة رجل من أصحاب الشحنة، وأحضروا المخانيث بالطبول والزمور، وأكلوا نهارا وشربوا على القتلى، وكانوا كذلك بقية الشهر.
ولما توفي طغرلبك بعث إلى عميد الملك الكندري، وكان على سبعين فرسخا فجاء قبل أن يدفن، وأخذ البيعة لسليمان بن داود بن أخي طغرلبك، وكان طغرلبك قد نص عليه، وحط من القلعة سبعمائة ألف دينار وكسر، وستة عشر ألف ثوب من ديباج، وسقلاطون وسلاحا تساوى مائتي ألف دينار ففرقها على العسكر، فسكن الناس، ولم يبق لهم خوف إلا من الملك ألب أرسلان، وهو محمد بن داود، فإن العسكر مالوا إليه.
وانتشرت في هذه الأيام الأعراب في سواد بغداد وما حولها، وقطعوا الطرقات، وأخذوا ثياب الناس حتى في الزاهر وأطراف البلد، واستاقوا من عقرقوف من الجواميس 44/ أما قيمته/ ألوف دنانير، وتحدث الناس بما عليه مسلم بن قريش من دخول بغداد والجلوس في دار المملكة، وحصار دار الخلافة ونهبها، فانزعج الناس وتعرض مسلم للنواحي الخاصة جميعها، وقرر على أهلها مالا، ونهب من امتنع من ذلك، ونهب المواشي والعوامل، وامتنعت الزراعة إلا على المخاطرة، وكثرت استغاثة أهل السواد
__________
[1] في الأصل: «رؤيتكم» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «من وسطه» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/82)
على الأبواب العزيزة، وخرج العسكر لمقاومته، فبعث يعتذر [ويقول: أنا الخادم] [1] وكان عميد الملك قد طالب [2] الجهة الخليفية بجواهر كانت للسلطان معها [3] وذكر زيادة قيمتها وحاجته إلى صرفها [إلى الغلمان] [4] فأنكرت ذلك، فاعترض نواحيها كذلك وأقطاعها ثم استظهر عليها. [5]
[زلزلة بأرض واسط ووباء بمصر]
[وفي ذي الحجة [6] : كانت زلزلة بأرض واسط لبثت طويلا.
وفي هذه السنة: وقع موتان بالجدري والفجأة، ونقض في هذا الوقت الدور الباقية بمشرعة الزوايا، والفرضة، ومن بقايا المسنيات، والدور الشاطية، وغيرها شيء كبير، وأخذت أخشاب الدور، وحملت الأنقاض إلى دار الخليفة، فكانت عدة الدور ذوات المسنيات في الماء في سنة سبع وأربعين وأربعمائة عند دخول طغرلبك إلى بغداد مائة ونيفًا وسبعين دارًا.
ووقع الوباء بمصر وكان يخرج منها في اليوم الواحد نحو ألف جنازة، وقبض على أبي الفرج المغربي وزير مصر، ونظر أبو الفرج عبد الله بن محمد البابلي مدة ثم عزل.
وفيها دخل صاحب اليمن مكة فأحسن السيرة، وجلب إليها الأقوات، وفعل الجميل.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3379- الحسن [7] بن على بن علي بن حزام [8] ، أبو نصر الجذامي
[9] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «قد طالب» سقطت من ت، ص.
[3] في الأصل: «عندها» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «ثم استظهر هراة» .
[6] من أول: «وفي ذي الحجة ... » حتى « ... وولي ابن عمه الحسن بن موسى» في ترجمة محمد بن ميكائيل بن سلجوق، وهو ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في ت: «زهير بن الحسن ... » .
[8] في ت: «بن خدام» .
[9] الجذامي: بضم الجيم وفتح الذال المعجمة. هذه النسبة إلى جذام، ولخم وجذام قبيلتان من اليمن نزلتا الشام. (الأنساب 3/ 209) .(16/83)
ورد بغداد، وتفقه على أبي حامد الأسفراييني، وسمع المخلص، وانحدر إلى البصرة فسمع سنن أبي داود من القاضي أبي عمر الهاشمي، وحدث بالكثير، وكان يرجع إليه في الفتاوى والمشكلات، وتوفي بسرخس.
3380- سعيد بن مروان
[1] صاحب آمد، توفي في هذه السنة، وقيل إن أبا الفرج الخازن سقاه السم باتفاق من نصر بن سعيد صاحب ميافارقين، فأحس سعيد، وأمر بقتل أبي الفرج فقطع قطعا.
3381- محمد بن أحمد بن محمد بن حسنون، أبو الحسين القرشي
[2] .
ولد في صفر سنة سبع وستين وتوفي في يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر هذه السنة.
قَالَ أبو الفضل بن خيرون: هو ثقة ثقة ثقة.
3382- محمد بن ميكائيل بن سلجوق، أبو طالب السلطان، الذي يقال له: طغرلبك
[3] .
وأصله من جيل من التركمان، وكان ابن سلجوق قد زوج ابنته من رجل يعرف بعلي تكين، فاستفحل أمرهما وأفسدا على محمود بن سبكتكين فقصدهما، فأما على تكين فأفلت من محمود، وأما ابن سلجوق [4] فقبض عليه محمود، وحصل من أصحابه أربعة آلاف خركاه منتقلة في البلاد، وتوفي محمود فاشتغل ابنه مسعود بلذاته، فاجتمع أصحاب ابن سلجوق وشنوا الغارات على سواد نيسابور، واستولى العيارون على نيسابور فوردها طغرلبك فهذبها، فمال إليه المستورون فحصل الأموال، فسار مسعود للقاء طغرلبك حين استفحل أمره فالتقيا فانهزم مسعود، واستولى طغرلبك على
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 90. والكامل 8/ 363) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 356، وفيه: النرسي بدلا من القرشي) .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 90. وشذرات الذهب 3/ 294، 295، 296. والكامل لابن الأثير 8/ 360، 361 (حوادث 455) . ووفيات الأعيان 5/ 63. والنجوم الزاهرة 5/ 5، 73. والأعلام 7/ 120، 121) .
[4] في كل النسخ: «وابن سلجوق» وقد أضفنا «أما» لاستقامة المعنى.(16/84)
خراسان، وذلك في سنة ثلاثين، وولى أخاه لأمه إبراهيم ينال بن يوسف قهستان وخراسان، وقصد بنفسه الري فخربها أصحابه، ووقع على دفائن وأموال وفتح أصبهان سنة ثلاث وأربعين واستطابها، وعول على أن يجعلها دار مقامه، ونقل إليها أمواله من الري، وولى أخاه داود في سنة ثلاثين مرو، وسرخس، وبلخ إلى نيسابور، وولى ابن عمه الحسن بن موسى] [1] هراة، وبوشنج، وسجستان.
وكان قد كتب إلى دار الخليفة في سنة خمس [2] وثلاثين كتابا إلى عميد الرؤساء الوزير، وخاطبه بالشيخ الأجل أبي طالب محمد بن أيوب، فمضى في الجواب إليه من دار الخلافة أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، ولقيه بجرجان فاستقبله على أربعة فراسخ إجلالا لرسالة الخليفة، ثم أعطاه على التشريف الذي صحبه ثلاثين ألف دينار، وعشرين ألفًا للخليفة، وعشرة آلاف لحواشيه، وسارت عساكر طغرلبك إلى الأهواز فنهبوها، ثم قدم بغداد وجلس له القائم، وفوض إليه الأعمال، وخاطبه بملك المشرق والمغرب.
وطغرلبك أول ملك من السلجوقية، وهو الذي بنى لهم الدولة، وكان مدبرا حكيما يطلع على أفعال [3] تسوؤه فلا يؤاخذ بها، ولقد كتب بعض خواصه سوء سيرته إلى أبي كاليجار فرأى الملطفة [4] ولم يعاتبه، وبعث إليه ملك الروم أموالا كثيرة.
وقد ذكرناها فيما تقدم وذكرنا/ أحواله على ترتيب السنين، وكيف رد القائم من 44/ ب حديثه عانة وقتل البساسيري وتزوج ابنة الخليفة.
وتوفي بالري يوم الجمعة ثامن رمضان هذه السنة، وكانت مملكته ثلاثين سنة وعمره سبعين.
__________
[1] إلى هنا ينتهي الساقط من الأصل.
[2] «خمس» سقطت من ص.
[3] في الأصل: «أحوال» .
[4] في الأصل: «المطالعة» .(16/85)
ثم دخلت سنة ست وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه لما أفسدت الأعاريب [1] في سواد بغداد وأطرافها حملت العوام السلاح لقتالهم، وكان ذلك سببا إلى كثرة العيارين وانتشارهم في محرم هذه السنة.
ووقع الإرجاف بأن السلطان ألب أرسلان محمد بن داود بن ميكائيل وارد إلى بغداد فغلت الأسعار، ثم ورد الخبر أن السلطان ألب أرسلان قبض على عميد الملك [2] أبي نصر منصور بن محمد بن الكندري في عشية يوم السبت السابع من المحرم، وأخذ ماله، ثم أنفذ إلى مروالروذ واعتقل بها، وخلع على وزيره نظام الملك أبي علي الحسين بن إسحاق الطوسي في ذلك اليوم، وروسلت [3] السيدة ابنة الخليفة في الحال بالإذن لها في المسير إلى بغداد، وأنفذ إليها خمسة آلاف دينار للنفقة فأبت أن تقبل، فقبح عليها [4] أن ترد فقبلت، ووصلت إلى بغداد عشية يوم الأحد ثالث عشر ربيع الآخر، واجتمع العوام [5] لمشاهدة دخولها فدخلت ليلا، وكان في صحبتها القاضي أبو 45/ أعمرو محمد بن عبد الرحمن/، فحضر بيت النوبة وسأل قاضي القضاة الدامغانيّ أن
__________
[1] في الأصل: «الأغارب» .
[2] في الأصل: «عبد الملك» .
[3] في الأصل: «ووصلت» .
[4] في ص: «فقبح لها» .
[5] في ص، ت: «الناس» .(16/86)
يكون جلوس هذا القاضي الوارد دونه فلم يجب، وأمر أن يجلس على روشن بيت النوبة بمعزل من المجلس، فقام هذا القاضي فخطب خطبة وصف فيها ألب أرسلان، وشكر وزيره نظام الملك، ثم جلس وسلم الكتب الواصلة معه، وكانت كتابين إلى الخليفة، وكتابًا إلى الوزير فخر الدولة أبي نصر بن جهير، فخرج الجواب يتضمن شكر السلطان ألب أرسلان، والاعتداد بخدمته في تسيير السيدة، وتقدم إلى الخطباء بإقامة الدعوة، فقيل في الدعاء: اللَّهمّ أصلح السلطان المعظم عضد الدولة وتاج الملة أبا شجاع ألب أرسلان محمد بن داود، فبعث عشرة آلاف دينار وزنا ومائتي ثوب إبريسمية أنواعا، وحوالة على الناظر ببغداد بعشرة آلاف أخرى، وعشرة أفراس، وعشرة بغلات، وقيل للسلطان في أمر عميد الملك، وأنه لا فائدة في بقائه، فَإنَّهُ غير مأمون أن يفسد، فأمر بالمكاتبة إلى مقدم [1] مروالروذ بقتله وصلبه، وأنفذ ثلاثة غلمان لذلك.
وبيعت في هذا الزمان دار بنهر طابق بثلاثة قراريط، وبيعت دار بواسط بدرهم.
وفي ربيع الأول: شاع ببغداد أن قوما من الأكراد خرجوا متصيدين فرأوا في البرية خيما سودا سمعوا فيها لطما شديدا، وعويلا كبيرا، وقائلا يقول: قد مات سيدوك ملك الجن، وأي بلد لم يلطم به عليه ولم يقم فيه مأتم قلع أصله، وأهلك أهله. فخرج النساء العواهر من حريم بغداد إلى المقابر يلطمن/ ثلاثة أيام، ويخرقن ثيابهن وينشرن 45/ ب شعورهن، وخرج رجال من السفساف يفعلون ذلك، وفعل هذا في واسط وخوزستان من البلاد، وكان هذا فنا من الحمق لم ينقل مثله.
ولما فرغت خلع السلطان سأل العميد أبو الحسن أن يجلس الخليفة جلوسا عاما لذلك، فجلس يوم الخميس سابع جمادى الآخرة في البيت المستقبل بالتاج المشرف على دجلة، وأوصل إليه الوزير فخر الملك، وتقدم بإيصال العميد والقاضي أبي عمر فدخلا فشافههما بتولية عضد الدولة، واستدعى اللواءين فعقدهما بيده، وسلمت الخلع بحضرته، ورتب للخروج بالخلع أبو الفوارس طراد الزينبي، وأبو محمد التميمي، وموفق الخادم، وكتب معهم إلى السلطان كتاب بتوليته، ولقب العميد شيخ
__________
[1] في الأصل: «متقدم» .(16/87)
الدولة ثقة الحضرتين، ولقب نظام الملك قوام الدين والدولة رضى أمير المؤمنين، وهو يذكر في تلك البلاد بخواجا بزرك.
[هجوم قوم من أصحاب عبد الصمد علي أبي علي بن الوليد المدرس لمذهب المعتزلة]
وفي يوم الجمعة الثاني عشر من شعبان: هجم قوم من أصحاب عبد الصمد علي أبي على بن الوليد المدرس لمذهب المعتزلة فسبوه وشتموه لامتناعه من الصلاة في الجامع وتدريسه لهذا المذهب، فقال لهم: لعن الله من لا يوثر الصلاة، ولعن الله من يمنعني منها ويخيفني فيها. إيماء إليهم وإلى أمثالهم من العوام لما يعتقدونه في أهل هذا المذهب من استحلال الدم، ونسبتهم إلى الكفر، وأوقعوا به وجرحوه، وصاح صياحا 46/ أخافوا اجتماع/ [أهل الموضع] معه عليهم، فتركوه ثم أغلق بابه واتصل اللعن للمعتزلة في جامع المنصور، وجلس أبو سعد بن أبي عمامة فلعن المعتزلة.
وفي يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من رمضان: جمع أبو عبد الله [1] بن جردة البيع [2] جمعا عظيما [3] من الضعفاء ليتصدق عليهم، فكثروا، فمنعهم بواب باب المراتب فأثخنوه ضربا، ففرق على نحو مائتي نفس قميصا ودرهمين درهمين، ثم كثر الجمع وجاء النفاطون والركابية فخافهم على نفسه، فرمى الثياب والدراهم عليهم ومضى، فازدحموا فمات خمسة رجال وأربع نسوة، وصار الرجل إذا لقي [4] الرجل فيقول: كنت في وقعة ابن جردة. فيقول: نعم. فيقول: الحمد الله على سلامتك.
[غزاة السلطان أبي الفتح الروم]
وفي شوال: ورد الخبر بغزاة السلطان أبي الفتح الروم، وأنه دخل بلدا عظيما كان لهم فيها سبعمائة ألف دار، وألف بيعة ودير، وقتل به ما لا يحصى، وأسر خمسمائة ألف منهم.
وفي ذي القعدة: وكان تشرين الأول، وامتد إلى تشرين الثاني: حدث وباء عظيم تفاقم بنهر الملك، وتعدى إلى بغداد، وكان فيها حر شديد، وفساد هواء، وزيادة إنداء، وعدم التمر الهندي حتى بلغ الرطل منه أربع دنانير، وكذلك الشيرخشك.
__________
[1] في ص: «أبو عبيد الله» .
[2] «البيع» سقطت من ص، ت.
[3] في ص، ت: «كثيرا» .
[4] في ص: «وصار الرجل يلقي ... » .(16/88)
وخلع في ذي القعدة على النقيب أبي الغنائم المعمر بن محمد بن عبيد الله [1] العلويّ في/ بيت النوبة، وقلد نقابة الطالبيين، والحج، والمظالم، ولقب بالطاهر ذي 46/ ب المناقب، وقرئ عهده في الموكب.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3383- عبد الواحد بن علي بن برهان، أبو القاسم النحوي
[2] .
كان مجودا في النحو وكان له أخلاق شرسة ولم يلبس سراويل قط، ولا قبل عطاء أحد، وكان لا يغطي رأسه.
وذكر محمد بن عبد الملك قَالَ: كان ابن برهان يميل إلى المرد الصباح ويقبلهم من غير ريبة.
قَالَ المصنف: وقوله: «من غير ريبة» [3] أقبح من التقبيل، لأن النظر إليهم ممنوع منه إذا كان بشهوة، فهل يكون التقبيل بغير شهوة.
قَالَ ابن عقيل: وكان يختار مذهب المرجئة [4] المعتزلة، وينفي خلود الكفار، ويقول: قوله: خالِدِينَ فِيها أَبَداً 33: 65 [5] أي: أبدا من الآباد، وما لا غاية له، لا يجمع ولا يقبل التثنية، فيقال: ابدان، وآباد. ويقول: دوام العقاب في حق من لا يجوز عليه التشفي لا وجه مع ما وصف به نفسه من الرحمة، وهو إنما يوجد من الشاهد لما يعتري الغضبان من غليان دم [6] قلبه طلبا [7] للانتقام، وهذا مستحيل في حقه سبحانه وتعالى.
__________
[1] في الأصل: «عبد الله» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 17. والبداية والنهاية 12/ 92. وشذرات الذهب 3/ 297. وفوات الوفيات 2/ 19. وإنباه الرواة 2/ 213. وهدية العارفين 1/ 634. وبغية الوعاة 317. والأعلام 4/ 176، والكامل 8/ 371.
[3] في الأصل: «بغير ريبة» .
[4] في الأصل، ت: «مرجئة» .
[5] سورة: الأحزاب، الآية: 65.
[6] «دم» سقطت من ص، ت.
[7] «طلبا» سقطت من ص، ت.(16/89)
قَالَ ابن عقيل: هذا كلام يرده على قائله جميع ما ذكره، وذلك أنه أخذ صفات البارئ في صفات الشاهد، وذكر أن المثير للغضب ما يدخل على قلب الغضبان من غليان الدم طلبا للانتقام، وأوجب بذلك منع دوام العقاب حيث لا يوجد في حقه [سبحانه] [1] التشفي، والشاهد يرد عليه ما ذكره، لأن المانع من التشفي عليه الرأفة 47/ أوالرحمة، / وكلاهما رقة طبع، وليس البارئ بهذا الوصف، وليس الرحمة والغضب من أوصاف المخلوقين بشيء، وهذا الذي ذكره من عدم التشفي كما يمنع الدوام يمنع ابتداء العقوبة إذا كان المحيل للدوام من عدم التشفي، وفورة الغضب، وغليان الدم، كما يمنع دخوله في الدوام يمنع دخوله عليه، ووصفه به، فينبغي بهذه الطريقة أن يمنع أصل الوعيد، ويحيله في حقه [2] [سبحانه] [3] كسائر المستحيلات عليه [4] لا يختلف نفس وجودها ودوامها، فلا أفسد اعتقادا ممن أخذ صفات الله تعالى من صفاتنا، وقاس أفعاله على أفعالنا، والعقل أجب قطعة من الشاهد، فإنه قادر أن يجعل القوت من النبات، فجعله من الحيوان ينال بعد ألمه، فأي أفعاله ينطبق على أفعالنا، وأي أوصافه تلحق بأوصافنا.
قَالَ المصنف: وكان ابن برهان يقدح في أصحاب أحمد ومن يخالف اعتقاده اعتقاد المسلمين، إذ كلهم أجمعوا على خلود الكفار في النار [5] ، ولا ينبغي أن يؤثر قدحه في أحد.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة وقد أناف على الثمانين.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «في حقه» سقطت من ص.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] «عليه» سقطت من ص.
[5] «في النار» سقطت من ص، ت.(16/90)
ثم دخلت سنة سبع وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن أهل باب البصرة قلعوا باب مشهد العتيقة وأخذوه ليلا، وكان من حديد، فبحث عمن فعله حتى عرف وأخذ منه.
وفيها: أن السلطان ألب أرسلان نفذ إلى عميد الملك تركيا فقتله.
وفي جمادى الأولى: عقد مسعود الرازي الحنفي حلقه/ بجامع المنصور، 47/ ب وحضرها قاضي القضاة الدامغانيّ و [جماعة] [1] الشهود إلا القاضي أبا يعلى، والشريف أبا جعفر، فإن قاضي القضاة استدعا هما فلم يحضرا ولم يفارقا حلقتهما.
وفي ليلة الثلاثاء ثالث رمضان: انقض كوكب عظيم، وانبسط نوره كالقمر، ثم تقطع قطعا وأسمع دويا مفزعا.
وفيها: خرج جماعة من الحاج بخفر فعدوا بهم فرجعوا إلى الكوفة بعد أن خاصموهم في ثامن ذي القعدة.
[عمل المدرسة النظامية]
وفي ذي الحجة: بدئ بعمل المدرسة النظامية، ببغداد، ونقض لأجل بنيانها بقية الدور الشاطية بمشرعة الزوايا، والفرضة، وباب الشعير، ودرب الزعفراني.
وتوفي أبو منصور بن بكران حاجب الباب، فولي مكانه أبو عبد الله المردوسي [2] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل، ت: «المردوشي» .(16/91)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3384- محمد بن أحمد بن محمد بن علي أبو الحسين [1] [ابن] [2] الآبنوسي الصيرفي
[3] .
ولد سنة ست وسبعين وثلاثمائة وروى عن الدارقطني وغيره، وتوفي في هذه السنة، وصلى عليه في جامع الشرقية، ودفن في مقبرة باب حرب.
3385- محمد بن منصور [4] ، أبو نصر الكندري، وزير طغرلبك
[5] .
وكان يلقب عميد الملك، منسوب إلى «كندر طريثيث» قرية من قراها، وقد ينسب الكندري إلى قرية يقال لها «كندر» قريبا من قزوين، ومنها: أبو غانم، وأبو الحسن، ابنا عيسى بن الحسن الكندري سمعا أبا عبد الرحمن السلمي، وكتبا تصانيفه، ووقفا كتبا كثيرة.
وينسب الكندري إلى بيع «الكندر» منهم: عبد الملك بن سليمان، أبو 48/ أحسان/ سمع حسان بن إبراهيم، ذكره أبو سعيد بن يونس في «تاريخ مصر» .
وكان الكندري له فضل وله شعر، وكان طغرلبك قد بعثه ليتزوج له امرأة فتزوجها هو [6] فخصاه طغرلبك، ثم أقره على خدمته.
فلما مات وتمكن ألب أرسلان بعثه إلى مروالروذ، فقيل له: انه لا يؤمن. فبعث
__________
[1] في الأصل: «أبو الحسن» وكذلك في ت.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 356. والكامل 8/ 375) .
[4] في الأصل: «منصور بن محمد» وكذلك في ت.
وفي تاريخ ابن قاضي شهبة: «قيل: اسمه منصور بن محمد» .
ولكن أغلب المراجع أجمعت على أن اسمه «محمد بن منصور» ولذلك أثبتناه بهذا الاسم.
[5] انظر ترجمته في: (وفيات الأعيان 5/ 138. وأخبار الدولة السلجوقية للحسين 23: 25. وتاريخ دولة آل سلجوق 9: 29. والأعلام 7/ 112. والأنساب للسمعاني 10/ 482، 483. والبداية والنهاية 12/ 92، 93) .
[6] «هو» سقطت من ص.(16/92)
غلمانا لقتله، فدخلوا عليه فقال له أحدهم: قم فصل ركعتين وتب إلى الله تعالى.
فقال: أدخل أودع أهلي ثم أخرج [1] . فقالوا: افعل فنهض [2] فدخل إلى زوجته، وارتفع الصياح وعلق الجواري به نشرن شعورهن، وحثون التراب على رءوسهن، فدخل الغلام فقال: قم. قَالَ: خذ بيدي فقد منعني هؤلاء [الجواري من] [3] الخروج.
فخرج إلى مسجد هناك، فصلى فيه ركعتين، ثم مشي حافيا إلى وراء المسجد، فجلس وخلع فرجية سمورا عليه فأعطاهم إياها، وخرق قميصه وسراويله حتى لا يؤخذا، فجاءوا بشاروفة فقال: لست بعيار ولا لص فأخنق، والسيف أروح لي. فشدوا عينيه بخرقة خرقها هو من طرف كمه وضربوه بالسيف، وأخذوا رأسه وتركوا جثته، فأخذتها أخته، فحملتها إلى كندر بلده، وكان عمره نيفا وأربعين سنة.
3386- أبو منصور بن بكران الحاجب [4] .
قد ذكرنا وفاته.
__________
[1] «ثم أخرج» سقطت من ص، ت.
[2] «فنهض» سقطت من المطبوعة.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] الحاجب: بفتح الحاء المهملة وبعدها الجيم وفي آخرها الباء المنقوطة بواحدة: من كان يحجب.
(الأنساب 4/ 9) .(16/93)
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن أهل الكرخ أغلقوا دكاكينهم يوم عاشوراء، وأحضروا نساء فنحن على الحسين عليه السلام على ما كانوا قديما يستعملونه، واتفق أنه حملت [1] جنازة رجل من باب 48/ ب المحول إلى الكرخ ومعها [2] / الناحة، فصلى عليها، وناح الرجال بحجتها على الحسين، وأنكر الخليفة على الطاهر أبي الغنائم المعمر بن عبيد الله [3] نقيب الطالبيين تمكينه من ذلك، فذكر أنه لم يعلم به إلا بعد فعله، وأنه لما علم أنكره وأزاله، فقيل له:
لا تفسح بعدها في شيء من البدع التي كانت تستعمل.
واجتمع في يوم الخميس رابع عشر المحرم خلق كثير من الحربية، والنصرية، وشارع دار الرقيق، وباب البصرة، والقلائين، ونهر طابق بعد أن أغلقوا دكاكينهم، وقصدوا دار الخلافة وبين أيديهم الدعاة والقراء وهم يلعنون أهل الكرخ واجتمعوا [4] وازدحموا على باب الغربة، وتكلموا من غير تحفظ في القول، فراسلهم الخليفة ببعض الخدم أننا قد أنكرنا ما أنكرتم، وتقدمنا بأن لا يقع معاودة، ونحن نغفل في هذا ما لا يقع به المراد. فانصرفوا وقبض على ابن الفاخر العلوي في آخرين، ووكل بهم في الديوان،
__________
[1] في ص: «حمل» .
[2] في ص: «معه» .
[3] في الأصل: «عبد الله» .
[4] «واجتمعوا» سقطت من ص، ت.(16/94)
وهرب صاحب الشرطة لأنه كان أجاز لأهل الكرخ ما فعلوا، وركب أصحاب السلطان فأرهبوا العامة، وقد كانوا على التعرض بأهل الكرخ وإيقاع الفتنة، ثم واصل أهل الكرخ التردد إلى الديوان، والتنصل مما كان، والاحتجاج بصاحب الشرطة، وأنه أمرهم بذلك، والسؤال في معنى المعتقلين، فأفرج عنهم في ثامن عشر المحرم بعد أن خرج توقيع بلعن من يسب الصحابة، ويظهر البدع.
[ولد بباب الأزج صبية لها رأسان ووجهان ورقبتان مفترقتان وأربع أيد على بدن كامل]
وفي شهر ربيع الأول: ولد بباب الأزج صبية لها رأسان، ووجهان، ورقبتان مفترقتان، وأربع أيد على بدن كامل [1] ، ثم ماتت.
وفي هذا الشهر: مرض الأمير عدة الدين [أبو القاسم] [2] ، وتعدى ذلك إلى/ الخليفة جده، ولحق الناس من الانزعاج والارتياع أمر عظيم، لأنه لم يكن بقي 49/ أمن يلتجأ إليه غير هذا الجناب، فتفضل الله تعالى بعافيتهما، فاجتمع العوام إلى باب الغربة داعين وشاكرين الله تعالى على نعمه.
[ظهور في السماء كوكب كبير له ذؤابة]
وفي العشر الأول من جمادى الأولى: ظهر في السماء كوكب كبير له في المشرق [3] ذؤابة عرضها نحو ثلاثة أذرع، وطولها أذرع كثيرة، إلى حد المجرة من وسط السماء مادة إلى المغرب، ولبث إلى ليلة الأحد لست بقين من هذا الشهر، وغاب [4] ثم ظهر في ليلة الثلاثاء عند غروب [5] الشمس، قد استدار نوره عليه كالقمر فارتاع الناس وانزعجوا، ولما أعتم الليل رمى ذؤابة نحو الجنوب وبقى عشرة أيام حتى اضمحل.
ووردت كتب التجار من بعد بأن ستة وعشرين مركبا خطفت من سواحل البحر طالبة لعمان، فغرقت في الليلة الأخيرة من طلوع هذا الكوكب وهلك فيها نحو من ثمانية عشر ألف إنسان وجميع المتاع الذي حوته، وكان من جملته عشرة آلاف طبلة كافور.
وفي جمادى الآخرة: كانت زلزلة بخراسان لبثت أياما فصدعت منها الجبال،
__________
[1] في ص: «كليل» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «الشرق» .
[4] في الأصل: «وصات» .
[5] «غروب» سقطت من المطبوعة.(16/95)
وأهلكت جماعة، وخسفت بعدة قرى، وخرج الناس إلى الصحراء وأقاموا هناك.
وفي يوم الأحد تاسع جمادى [الآخرة] [1] : خلع على فخر الدولة أبي نصر بن جهير بعد أن شافهه بما طاب قلبه ورفع من مرتبته.
وفي هذا اليوم: عند مغيب الشمس وقع حريق بنهر معلى في دكان خباز، فاحترق 49/ ب من باب الجديد إلى آخر السوق الجديد/ في الجانبين، وتلف من المال والعقار ما لا يحصى، ونهب الناس بعضهم بعضا، وكان الذي احترق مائة دكان وثلاثة دور.
وفي شعبان: وقع قتال في دمشق فضربوا دارًا كان مجاورا للجامع بالنار، فاحترق جامع دمشق.
وفي شعبان: ذكر رجل من أهل سوق يحيى يقال له: أخو جمادى، وكانت يده اليسرى قد خبثت وأشرف على قطعها أنه رأى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي منامه كأنه يصلي في مسجد بدرب داود، فدنا منه وأراه يده، وسأله العافية، فأمر يده عليها فأصبح معافى، وانثال الناس لمشاهدته، وكان يغمس يده في الماء فيقتسمونه، وستأتي قصته مستوفاة في السنة التي مات فيها إن شاء الله تعالى.
ورخصت الأسعار في هذه السنة رخصا متفاحشا [2] حتى صار الكر الجيد من الحنطة بعشرة دنانير.
وفي ليلة الأحد لأربع بقين من شعبان: انقض كوكبان كان لأحدهما ضوء كضوء القمر، وتبعهما في نحو ساعة بضعة عشر كوكبا صغارا إلى [نحو] [3] المغرب.
وفي رمضان: نقص الماء من دجلة فاستوعبه القاطول، وتعلق نهر الدجيل عليه، فهلكت الثمار، وزادت الأسعار، وامتنعت السفن من عكبرا وأوانا من الانحدار، فكان أقوام يعبرون إلى أوانا بمداساتهم على الآجر، وغارت المياه في الآبار ببغداد.
وفي هذا الشهر: كسي جامع المنصور، وفرش بالبواري، فدخل فيه أربع
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ومكانها بياض في ص.
[2] في ص: بينا» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/96)
وعشرون ألف ذراع بواري، وثلاثمائة منًا خيوط، وأخذ الصناع الخياطين لها أجرتهم عشرين دينار.
وفي شوال: أنفذ خادم خاص/ إلى السلطان للتهنئة بسلامته في غزوته، وإقامة 50/ أتشريفات عليه، وأضيف إلى الخادم أبو محمد التميمي، ورسم لهما الخطاب فيما يستعمله النظام [1] مع حواشي الدار من التعرض لما في أيديهم، والخطاب على التقدم إلى السيدة أرسلان خاتون بالمسير إلى دار الخلافة، فقد طالت غيبتها، وأخرج الوزير أبو نصر حاجبا له مع الجماعة بقود وتحف.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3387- أحمد بن الحسين
بن علي بن عبد الله بن موسى البيهقي، أبو بكر [2] .
ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، وكان واحد زمانه في الحفظ والإتقان، حسن التصنيف، وجمع علم الحديث، والفقه، والأصول، وهو من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله، ومنه تخرج، وسافر وجمع الكثير، وله التصانيف الكثيرة الحسنة، وجمع نصوص الشافعي رضي الله عنه [3] في عشر مجلدات، وكان متعففا زاهدا، وورد نيسابور مرارا، وبها توفي ونقل تابوته إلى بيهق في جمادى الأولى من هذه السنة.
3388- الحسن بن غالب بن علي بن غالب بن منصور بن صعلوك، أبو علي التميمي، ويعرف: بابن المبارك
[4] .
ولد لعشر بقين من ذي الحجة سنة ست وستين وثلاثمائة، وصحب ابن سمعون.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي بن ثابت قَالَ: كان الحسن ابن غالب زوج بنت إبراهيم بن عمر البرمكي، وحدث عن عبيد الله بن عبد الرحمن
__________
[1] في الأصل: «النظار» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 94. وشذرات الذهب 3/ 304، 305. وطبقات الشافعية 3/ 3. ومعجم البلدان 2/ 346.
ووفيات الأعيان 1/ 75. والأعلام 1/ 116. والكامل 8/ 377. وتاريخ نيسابور ت 257) .
[3] «رضي الله عنه» سقط من ص، ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 400. والبداية والنهاية 12/ 94) .(16/97)
الزهري، وابن أخي ميمي وغيرهما، وكان له سمت وهيئة وظاهر صلاح، وكان يقرئ 50/ ب فأقرأ بحروف خرق بها الإجماع، وادعى/ فيها رواية عن بعض الأئمة المتقدمين، وجعل لها أسانيد باطلة مستحيلة، فأنكر أهل العلم عليه ذلك إلى أن استتيب منها، وذكر أنه قرأ على إدريس المؤدب، وإدريس قرأ على ابن شنبوذ، وابن شنبوذ قرأ على أبي خالد، وكل ذلك باطل لأن ابن شنبوذ لم يدرك أبا خالد، وإدريس لم يقرأ على ابن شنبوذ، وادعى أشياء غير ذلك يتبين فيها كذبه واختلافه.
وقال أبو علي ابن البرداني: كان الحسن بن غالب متهما في سماعه من أبي الفضل الزهري، وجرت له أمور مع أبي الحسن القزويني بسبب قراآت أقرئ بها عن إدريس، وكتب عليه بذلك محضر.
وقال أبو محمد بن السمرقندي: كان كذابا. وتوفي في ليلة السبت العاشر من رمضان هذه السنة، ودفن صبيحة تلك الليلة عند قبر إبراهيم الحربي.
3389- عبد العزيز بن محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل، أبو القاسم القطان
[1] .
سمع المخلص، وكان يسكن دار القطن، وكان صدوقا وتوفي في ربيع الآخر [2] من هذه السنة.
3390- محمد بن الحسين بن محمد [بن خلف بن أحمد] [3] بن الفراء، أبو يعلى
[4] .
ولد في محرم سنة ثمانين، وسمع الحديث الكثير، وحدث عن أبي القاسم بن حبابة، وأول ما سمع من أبي الطيب بن علي بن معروف [5] البزاز، وعلي بن عمر الحربي، وأملى الحديث، وهو آخر من حدث عن أبي القاسم موسى السراج، وكان عنده مصنفات قد تفرد بها، منها كتاب «الزاهر» لابن الأنباري فإنه [6] حدث به عن ابن سويد عنه. وكتاب «المطر» لابن دريد، وكتاب «التفسير» ليحيى بن سلام وغير ذلك،
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 469. والكامل 8/ 378) .
[2] في تاريخ بغداد: «التاسع من ربيع الأول» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 256. والبداية والنهاية 12/ 94. وشذرات الذهب 3/ 306.
والوافي بالوفيات 3/ 7. وطبقات الحنابلة 2/ 193: 230. والأعلام 6/ 100) .
[5] في ص: «من أبي بكر الطيب (بياض) بن علي بن معروف» .
[6] «فإنه» سقطت من ص.(16/98)
وكان من سادات الثقات، [1] وشهد عند قاضى القضاة أبى عبد الله بن ماكولا، والدامغاني، فقبلا شهادته وتولى النظر في الحكم بحريم دار الخلافة، وكان إماما في الفقه، له التصانيف الحسان الكثيرة/ في مذهب أحمد، ودرس وأفتى سنين، وانتهى إليه 151/ أالمذهب، وانتشرت تصانيفه وأصحابه، وجمع الإمامة، والفقه، والصدق، وحسن الخلق، والتعبد، والتقشف، [والخشوع] [2] ، وحسن السمت، والصمت، عما لا يعني واتباع السلف.
حدثنا عنه أبو بكر بن عبد الباقي، وأبو سعد الزوزني.
وتوفي في ليلة الاثنين وقت العشاء، ودفن يوم الاثنين لعشرين من رمضان هذه السنة، وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وغسله الشريف أبو جعفر بوصية إليه، وكان من وصيته إليه إن يكفن في ثلاثة أثواب، وأن لا يدخل [3] معه القبر غير ما غزله لنفسه من الأكفان، ولا يخرق عليه ثوب، ولا يقعد لعزاء، واجتمع له خلق لا يحصون، وعطلت الأسواق، ومشى مع جنازته القاضي أبو عبد الله الدامغاني وجماعة الفقهاء والقضاة والشهود، ونقيب الهاشميين أبو الفوارس طراد، وأرباب الدولة، وأبو منصور بن يوسف، وأبو عبد الله ابن جردة، وصلى عليه ابنه أبو القاسم عبيد الله وهو يومئذ ابن خمس عشرة سنة [4] ، وكان قد خلف عبيد الله، وأبا الحسن [5] ، وأبا حازم، وافطر جماعة ممن تبعه لشدة الحر، لأنه دفن في اليوم الثالث عشر [6] من آب، وقبره ظاهر بمقبرة باب حرب.
قَالَ أبو علي البرداني: رأيت القاضي أبا يعلى فقلت له: يا سيدي، ما فعل الله بك؟ فقال لي وجعل يعد بأصابعه: رحمني وغفر لي، ورفع منزلتي، وأكرمني. فقلت:
بالعلم؟ فقال لي: بالصدق.
__________
[1] «الثقات» مكانها بياض في ص.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص: «لا يدفن» .
[4] «أبو القاسم عبيد الله وهو يومئذ ابن خمس عشرة سنة» سقط من ص.
[5] في الأصل: «الحسين» .
[6] «عشر» سقط من ص، ت.(16/99)
ثم دخلت سنة تسع وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن السيدة أرسلان خاتون زوجة الخليفة دخلت إلى بغداد في جمادى الأولى، / 51/ ب وخرج الناس لتلقيها، واستقبلها الوزير فخر الدولة على نحو فرسخ وخدمها بالدعاء على ظهر فرسه، وحضر العميد أبو سعد المستوفي في بيت النوبة حتى قرئت الكتب الواردة في هذه الصحبة، وهي مشتملة على التمسك بالطاعة، والتصرف على قوانين الخدمة، والإجابة إلى المرسوم، وخوطب فيها الوزير بالوزير الأجل بعد أن كان يكتب إليه الرئيس الأجل.
[بناء مشهد الإمام أبي حنيفة]
وفي هذه الأيام بنى أبو سعد المستوفي الملقب شرف الملك مشهد الإمام [1] أبي حنيفة رضي الله عنه [2] ، وعمل لقبره ملبنا، وعقد القبة، وعمل المدرسة بإزائه، وأنزلها الفقهاء، ورتب لهم مدرسا، فدخل أبو جعفر ابن البياضي إلى الزيارة فقال ارتجالا:
ألم تر أن العلم كان مضيعا ... فجمعه هذا المغيب في اللحد
كذلك كانت هذه الأرض ميتة ... فأنشرها جود العميد [3] أبي سعد
قَالَ المصنف رحمه الله: قرأت بخط أبي الوفاء بن أبي عقيل قَالَ: وضع أساس مسجد بين يدي ضريح أبي حنيفة بالكلس والنورة وغيره، فجمع سنة ست وثلاثين
__________
[1] «الإمام» سقطت ص.
[2] «رضي الله عنه» سقط من ص، ت.
[3] في الأصل: «الأمير» .(16/100)
وأربعمائة وأنا ابن خمس سنين أو دونها بأشهر، وكان المنفق عليه تركيا قدم حاجا، ثم قدم أبو سعد [1] المستوفي، وكان حنفيا متعصبا، وكان قبر أبي حنيفة تحت سقف عمله بعض الأمراء [2] التركمان، وكان قبل ذلك وأنا صبي عليه خربشت خاصا له، وذلك في سنتي سبع أو ثمان وثلاثين قبل دخول الغز بغداد سنة سبع وأربعين، فلما جاء شرف الملك سنة ثلاث وخمسين عزم على إحداث القبة وهي هذه، فهدم جميع أبنية المسجد وما يحيط بالقبر، وبنى هذا المشهد، فجاء بالقطاعين والمهندسين وقدر لها/ ما بين 52/ أألوف آجر وابتاع دورا من جوار المشهد، وحفر أساس القبة، وكانوا يطلبون الأرض الصلبة فلم يبلغوا إليها إلا بعد حفر سبعة عشر ذراعا في ستة عشر يوما، فخرج من هذا الحفر عظام الأموات الذين كانوا يطلبون جوار النعمان أربعمائة صن، ونقلت جميعها إلى بقعة كانت ملكا لقوم، فحفر لها ودفنت، وخرج في ذلك الأساس شخص منتظم العظام له ريح كريح الكافور.
قَالَ ابن عقيل: فقلت: وما يدريكم لعل النعمان قَدْ خرجت عظامه فِي هَذِهِ العظام وبقيت هذه القبة فارغة من مقصود.
قَالَ: فبعث شرف الملك إلى أبي منصور بن يوسف شاكيا مني وطالبا منه مقابلتي على ذلك، فكان غاية ما قَالَ لي بعد أن أحصرني في خلوة: يا سيدي، ما نعلم كيف حالنا مع هؤلاء الأعاجم والدولة لهم. فقلت: يا سيدي، رأيت منكرا فاشيا فما ملت نفرتي الدينية.
قَالَ ابن عقيل: وكانت العمارة في سنة تسع وخمسين، وساجه وأبوابه غصب من بعض بيع سامرا، فما عند هؤلاء من الدين خبر.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، أنبأنا أبو الحسين المبارك ابن عبد الجبار الصيرفي قَالَ: سمعت أبا الحسين ابن المهتدى يقول: لا يصح أن قبر أبي حنيفة في هذا الموضع الذي بنوا عليه القبة، وكان الحجيج قبل ذلك يردون ويطوفون حول المقبرة فيزورون أبا حنيفة لا يعينون موضعا.
__________
[1] في الأصل: «أبو سعيد» .
[2] في ص: «أمراء» .(16/101)
[هبوب ريح حارة]
وفي شعبان: هبت ريح حارة فقتلت بضعة عشر نفسا كانوا مصعدين من واسط، وخيلا كثيرة، وأهلكت ببغداد شجر الأترج والليمون.
[احتراق تربة معروف الكرخي]
وفي ليلة الأحد سلخ [1] شعبان، احترقت تربة معروف الكرخي، وكان السبب أن 52/ ب القيم بها كان مريضا فطبخ له شعير، فبعدت النار/ إلى خشب وبواري هناك، وارتفعت إلى السقوف، فأتت على الكل فاحترقت القبة والساباط، وجميع ما كان، ثم أمر القائم بأمر الله بعمارة المكان.
[لحق الدواب موتان]
وفي شوال: لحق الدواب موتان، وانتفخت رءوسها وأعينها، حتى كانوا يصيدون حمر الوحش بأيديهم فيعافون أكلها، ووقع عقيب [2] ذلك بنيسابور وأعمال خراسان الغلاء الشديد، والوباء المفرط، وكذلك بدمشق، وحلب، وحران.
وفي هذه السنة: قبل قاضي القضاة [أبو عبد الله] [3] الدامغاني شهادة الشريف أبي الحسن محمد بن علي بن المهتدي، وأبي طاهر عبد الباقي بن محمد البزار.
وفي يوم السبت عاشر ذي القعدة: جمع العميد أبو سعد القاضي الناس على طبقاتهم إلى المدرسة النظامية التي بناها نظام الملك ببغداد للشافعية، وجعلها برسم أبي إسحاق الشيرازي بعد أن وافقه على ذلك، فلما كان يوم اجتماع الناس فيها وتوقعوا مجيء أبي إسحاق فلم يحضر، فطلب فلم يظهر، وكان السبب أن شابا لقيه فقال: يا سيدنا، تريد تدرس في المدرسة؟ فقال: نعم، فقال: [و] [4] كيف تدرس في مكان مغصوب؟ فغير نيته فلم يحضر، فوقع العدول إلى أبي نصر بن الصباغ فجعل مكانه، وضمن له أبو منصور بن يوسف أن لا يعدل عنه، ولا يمكن أبو إسحاق من الإفساد عليه، فركن إلى قوله فجلس، وجرت مناظرة وتفرقا، وأجرى للمتفقهة لكل واحد أربعة أرطال خبز كل يوم، وبلغ نظام الملك فأقام القيمة على العميد، وظهر أبو إسحاق في مسجد
__________
[1] في الأصل: «ثالث» .
[2] في الأصل: «عقب» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/102)
بباب المراتب، فدرس على عادته، فاجتمع العوام [1] فدعوا/ وأثنوا عليه، وكان قد بلغ 53/ أإليهم أنه قَالَ: إني لم أطب نفسا بالجلوس في هذه المدرسة لما بلغني أن أبا سعد القاشي غصب أكثر آلاتها، ونقض قطعة من البلد لأجلها، ولحق أصحابه غم.
وراسلوه لما عرضوا فيه بالانصراف عنه والمضي إلى ابن الصباغ إن لم يجب إلى الجلوس في المدرسة ويرجع عن هذه الأخلاق الشرسة، فأرضاهم بالاستجابة تطييبا لقلوبهم، وسعوا وهو أيضا في ذلك إلى أن استقر الأمر في ذلك له، وصرف ابن الصباغ فكانت مدة مقامه بها عشرين يوما، وجلس أبو إسحاق فيها في عشر ذي الحجة، وكان إذا حضر وقت الصلاة خرج منها وقصد بعض المساجد فأداها.
أنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي، عن أبيه قَالَ: سمعت أبا القاسم منصور بن محمد [2] بن الفضل- وكان فقيها متورعا- يقول: سمعت أبا علي المقدسي ببغداد يقول: رأيت أبا إسحاق الشيرازي في المنام فسألته عن حاله فقال: طولبت بهذه البنية- يعني المدرسة [النظامية] [3]- ولولا أني ما أديت فيها الفرض لكنت من الهالكين.
وفي هذه السنة: عقدت البصرة وواسط على هزارسب بثلاثمائة ألف دينار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3391- عبد الكريم بن علي بن أحمد، أبو عبد الله التميمي، المعروف: بالسني القصري من قصر ابن هبيرة
[4] :
ولد سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة [سكن بغداد] [5] وحدث بها عن أبي محمد بن
__________
[1] في المطبوعة: «الناس» .
[2] في الأصل: «بن أحمد» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 82) .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/103)
الأكفاني، وكان صدوقا دينا كثير التلاوة بالقرآن.
وتوفي في محرم هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3392- محمد بن إسماعيل بن محمد، أبو علي القاضي
[1] :
53/ ب من أهل/ طوس ولي القضاء بطوس، ولقب: بالعراقي لظرافته وطول مقامه ببغداد، وكان فقيها فاضلا مبرزا بفقهه ببغداد، اختلف إلى أبي محمد الباقي، ثم إلى أبي حامد الأسفراييني، وسمع الحديث من أبي طاهر المخلص [2] .
وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 96) .
[2] في الأصل: «أبي ظاهر المجلس» .(16/104)
ثم دخلت سنة ستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه خلع على أبي القاسم عبد الله بن أحمد بن رضوان في دار الخلافة الخلع الكاملة والطيلسان، ورد إليه النظر في المارستان.
وبنيت تربة قبر معروف في ربيع الأول، وعقد مشهده أزاجا بالجص والآجر.
[زلزلة بأرض فلسطين]
وفي جمادى الأولى: كانت زلزلة بأرض فلسطين أهلكت بلد الرملة، ورمت شرافتين من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم [1] ، ولحقت وادي الصفراء وخيبر، وانشقت الأرض عن كنوز من المال، وبلغ حسها إلى الرحبة والكوفة، وجاء كتاب بعض التجار في هذه الزلزلة، ويقول: إنها خسفت الرملة جميعها حتى لم يسلم منها إلا دربان فقط، وهلك منها خمسة عشر ألف نسمة، وانشقت الصخرة التي ببيت المقدس، ثم عادت فالتأمت بقدرة الله تعالى، وغار البحر مسيرة يوم وساح في البر، وخرب الدنيا، ودخل الناس إلى أرضه يلتقطون فرجع إليهم فأهلك خلقا عظيما منهم.
قَالَ المصنف: وقرأت بخط أبي علي بن البناء قَالَ: اجتمع الأصحاب وجماعة الفقهاء وأعيان أصحاب الحديث في يوم السبت النصف من جمادى الأولى من سنة ستين بالديوان العزيز، وسألوا إخراج الاعتقاد/ القادري وقراءته، فأجيبوا وقرئ هناك 54/ أبمحضر من الجمع، وكان السبب أن ابن الوليد المعتزلي عزم على التدريس، وحرضه
__________
[1] في الأصل: «ورمت من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم شرافتين» .(16/105)
على ذلك جماعة من أهل مذهبه، وقالوا: قد مات الأجل بن يوسف وما بقي من ينصرهم، فعبر الشريف أبو جعفر إلى جامع المنصور، وفرح أهل السنة بذلك، وكان أبو مسلم الليثي البخاري المحدث معه كتاب «التوحيد» لابن حزمة فقرأه على الجماعة، وكان الاجتماع يوم السبت في الديوان لقراءة الاعتقاد القادري والقائمي، وفيه قَالَ السلطان وعلى الرافضة لعنة الله وكلهم كفار قَالَ: ومن لا يكفرهم فهو كافر، ونهض ابن فورك قائما فلعن المبتدعة وقال: لا اعتقاد لنا إلا ما اشتمل عليه هذا الاعتقاد، فشكرته الجماعة على ذلك، وكان الشريف أبو جعفر والزاهد أبو طاهر الصحراوي وقد سألا أن يسلم إليهم الاعتقاد، فقال لهما الوزير ابن جهير: ليس هاهنا نسخة غير هذه ونحن نكتب [1] لكم نسخة لتقرأ في المجالس، فقال: هكذا فعلنا في أيام القادر، قرئ في المساجد والجوامع، وقال: هكذا تفعلون فليس اعتقاد غير هذا. وانصرفوا شاكرين.
وفي يوم الأحد سابع جمادى الآخرة: قرأ الشريف أبو الحسين [2] بن المهتدي الاعتقاد القادري والقائمي بباب البصرة، وحضر الخاص والعام، وكان قد سمعه من القادر.
وفي يوم الثلاثاء ثامن ذي القعدة خرج توقيع الخليفة إلى الوزير فخر الدولة أبي نصر محمد بن محمد بن جهير متضمنا بعزله بمحضر من قاضي القضاة الدامغاني، وعددت فيه ذنوبه، فمنها: أنه قيل له إنك بدلت أشياء في الخدمة، فوفيت بالبعض ومنها: أنك تحضر باب الحجرة من غير استئذان، وقد قلت: ما يجب أن يدخل هذا 54/ ب المكان/ غيري، ومنها: أنك لبست خلع عضد الدولة في الدار العزيزة في أشياء أخر.
وقيل له: انظر إلى أي جهة تحب أن تقصدها لنوجهك [3] لنوصلك إليها. فبكى في الجواب بكاء شديدا، وقلق قلقا عظيما، واعتذر عن كل ذنب بما يصلح، وقال: إذا رئي إبعادي فإلى [4] حلة ابن مزيد، وبعد فانا أضرع إلى العواطف المقدسة في إجرائي
__________
[1] في الأصل: «نكتبه لكم» .
[2] في الأصل: «أبو الحسن» .
[3] في ص: «أن تقصد لنوصلك» .
[4] في ص: «فإذا» .(16/106)
على كريم العادة المألوفة في ترك المؤاخذة، فخرج الجواب عن الفصل الأخير المتعلق [بالمسير إلى] [1] الحلة بأن الأمر يجري عليه، واطرح جواب ما عداه، ثم أذن له في بيع غلاته والتصرف في ماله، وباع أصحابه ما لهم من الرحل والمتاع [2] [وطلقوا النساء] [3] ، وظهر من الاغتمام عليه من جميع أهل دار الخليفة الأمر العظيم، وكانوا يحضرون عنده فيبكي ويبكون، وخرج غلمانه وأصحابه في يوم الخميس عاشر ذي القعدة، وقدم له وقت العتمة من ليلة الجمعة سميرية خالية من فرش وبارية، وجاء هو وأولاده حتى وقف عند شباك المدورة وظن أن الخليفة في الشباك، فقبل الأرض عدة دفعات وبكى بكاء شديدا، وقال: الله بيني وبين من ثقل قلبك علي يا أمير المؤمنين، فارحم شيبتي وأولادي وذلي وموقفي، وارع لحرمتي. فلما يئس نزل إلى دجلة معضدا بين نفسين وهو يبكي، والعامة تبكي لبكائه، وتدعوا له فيرد عليهم ويودعهم، ثم أعيد إلى الوزارة بشفاعة دبيس بن مزيد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3393- خديجة بنت محمد بن علي بن عبد الله الواعظة المعروفة بالشاهجانية
[4] :
ولدت سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، وروت عن ابن سمعون/، وابن شاهين، 55/ أوكانت صادقة صالحة تسكن قطيعة الربيع.
وتوفيت في هذه السنة ودفنت إلى جنب ابن سمعون، وكانت قد صحبته.
3394- عبد الملك بن محمد بن يوسف، أبو منصور، الملقب: بالشيخ الأجل
[5] .
ولم يكن في زمانه من يخاطب بالشيخ الأجل سواه، ولد في سنة خمس وتسعين
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ص: «والقماش» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 446. وشذرات الذهب 3/ 308. والأعلام 2/ 303) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 434. والبداية والنهاية 12/ 97. والكامل 8/ 381) .(16/107)
وثلاثمائة، وسمع أبا عمر بن مهدي، وأبا الحسن بن الصلت، وأبا الحسين [1] بن بشران، وغيرهم، وكان أوحد أهل زمانه في فعل المعروف، والقيام بأمور العلم، والنصرة لأهل السنة، والقمع لأهل البدع، وافتقاد المستورين بالبر، ودوام الصدقة، وكان إذا وصل أحد وصله سرًا [2] حيث لا يراه أحد، فإذا شكره المعطي قَالَ: إنما أنا في هذه العطية وسيط وليست من مالي، ولما انحدر البساسيري إلى واسط أخذ ابن يوسف معه فنزل على رجل طحان، فلما رحل عنه أعطاه شيئا ثم مضت مدة فركب [3] الطحان ديون، فقصد بغداد ودخل على ابن يوسف فأكرمه، وأفرد له حجرة، وكساه وأمر بعض غلمانه [4] أن يسأله سبب قدومه فأخبره، فحدث ابن يوسف بذلك، فأرسل رجلا إلى واسط واكترى له سفينة، وحمل فيها ما يصلح حمله من الفواكه والتحف وكسوة كبيرة، وأعطاه مائتي دينار وقال له: ناد في الجامع من له دين على فلان فليحضر ومعه وثيقته، فإذا حضروا فعرفهم فقره، وأن رجلا أقرضه شيئا ليصالحوه على بعض ديونهم. ففعل ذلك، وأشهد عليهم بالقبض، وحمل تلك التحف إلى بيت الطحان، وعاد الطحان فظن أن ابن يوسف قد نسيه، فأحضره وسأله عن سبب قدومه فأخبره الوثائق، وأعطاه مائة دينار.
55/ ب قَالَ/ المصنف رحمه الله: قرأت بخط أبي الوفاء بن عقيل قَالَ: كان أبو منصور بن يوسف عين زماننا، وكان قد انتقد أهل زمانه فاستعمل كل واحد منهم فيما يصلح لهم، فاستعمل للحجر والباعة أفره من وجد من الأحداث الأقوياء الشطار، فما قهر على رأي ولا كسر له غرض في بيع، واستعمل في إقامة الديانة الحنابلة مشايخ أفراد زهاد متنزهين عن معاشرة السلاطين ومكاثرة أبناء الدنيا يُقصدون ولا يَقصدون، العوام تعظمهم وتحبهم، والسلاطين توقرهم، وأخذ بالعطاء والكفاية [5] أصحاب
__________
[1] في الأصل: «أبا الحسن» .
[2] في ص: «وكان إذا وصله أحد وصل في سر» .
[3] في الأصل: «فركبت» .
[4] في ص: «بعض أصحابه» .
[5] في الأصل: «بالكفاية والعطاء» .(16/108)
عبد الصمد، وهم أئمة [1] المساجد والزهاد، واستعبد القصاص والوعاظ، وأكرم بني هاشم الأشراف بالعطاء الجزيل، ثم عطف على الشحن والعمداء والعرب والتركمان فأرغبهم [2] باللطائف والهدايا، فصار في الحشمة والمحبة الذي لا يناله أحد، فاحتاج إلى جاهه الخلفاء والملوك، وما كان يسمع منه كلمة تدل على فعل فعله، ولا إنعام أسداه، ولا منة على أحد، وصمد لحوائج الناس، وكان يعظم من يقصده في حاجة أكثر من تعظيمه من يقصده في غير حاجة.
وتولى ابن يوسف المارستان وهو لا يوجد فيه دواء ولا طبيب، والمرضى ينامون على بواري النقض، فطبقه بخمسة وعشرين ألف طابق، ورتب فيه ثمانية وعشرين طبيبا، وثلاثة خزان [3] ، وابتاع له أملاكا نفيسة وكان مقدما عند السلاطين.
ولقد ماتت ابنته وكانت زوجه أبي عبد الله بن جردة، فتبعها الأكابر والقضاة، ومشوا بعض الطريق، وجاءت صلف القهرمانة بطعام وشراب من عند الخليفة.
وتوفي ابن يوسف في داره بباب المراتب يوم الثلاثاء، ودفن يوم الأربعاء لأربع عشرة من محرم هذه السنة بقبر أحمد، / وأبيه وجده لأمه أبي الحسين بن 56/ أالسوسنجردي [4] ، وغسله القاضي أبو الحسين بن المهتدي، وصلى عليه ابنه أبو محمد الحسن داخل المقصورة، وتبعه مائة ألف رجل سوى النساء، وعطلت أسواق بغداد.
قَالَ محمد بن الفضل الهمذاني: حدثني رجل من أهل النهروان أن ابن يوسف كان يعطيه كل سنة عشرة دنانير، فأتى بعد وفاته إلى ابن رضوان فأذكره بها، فأعرض عنه، فألح عليه، فقال له: اطلب من الّذي [5] كان يعطيك. فمضى إلى قبر ابن يوسف، وجلس عنده يترحم عليه ويقرأ القرآن، فوجد عنده قرطاسا فيه عشرة دنانير فأخذه، وجاء إلى ابن رضوان فعرفه الحال، فتعجب وتفكر، فذكر أنه زار القبر وفي صحبته كواغد فيها
__________
[1] في المطبوعة: «أصحاب» .
[2] في ص: «فقعدعهم» .
[3] في الأصل: «خوان» .
[4] في الأصل: «الوسنجري» .
[5] في ص: «ممن كان» .(16/109)
دنانير قد أعدها للصدقة فسقط أحدها، فقال ابن رضوان: خذه ولن أقطعك إياه كل سنة ما دمت حيا.
ومن العجائب: ما ذكره هبة الله بن المبارك السقطي قَالَ: توفي الأجل أبو منصور بن يوسف فورث عنه ابناه ثلاثين ألف دينار، فتزوجا بابنتي [1] علي بن جردة، وقد ورثتا عن أبيهما ثلاثين ألف دينار عقارا وعينا فانفق الجماعة ذلك في أيسر زمان، حتى ظل قوم منهم يتكففون [2] الناس.
3395- أبو جعفر الطوسي
[3] .
فقيه الشيعة، توفي بمشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
__________
[1] في ص: «فتروجها بابنتين» .
[2] في الأصل: «مكففون» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 97. وطبقات السبكي 3/ 51. وروضات الجنات للموسوي 580. والذريعة إلى تصانيف الشيعة 2/ 14، 269، 486، 3/ 328، 5/ 145. والأعلام 6/ 84.
والكامل 8/ 382) .(16/110)
ثم دخلت سنة احدى وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن الرغبات في الوزارة زادت، فطلبها من لا يصلح، واستقر أمر ابن عبد الرحيم، فكتب العوام الرقاع وألصقوها/ في الجامع باللعن لمن يسعى في هذا، لأن ابن 56/ ب عبد الرحيم كان مع البساسيري نهب الحرم، وقالت خاتون للخليفة: هذا الرجل من جملة من نهبني، وكان ابن جهير يواصل السؤال في العفو عن نفسه، وتكلمت القهرمانة في حقه، وبذل عنه خمسة عشر ألف دينار، فوقعت الإجابة، وأعفى من المال، وبعث حاجب الباب أبو عبد الله المردوسي ومعه خادمان لاستدعائه، فأقبل إلى بغداد في يوم الأربعاء ثاني عشر صفر، وفرح الناس بمجيئه حتى صام بعضهم وتصدق آخرون [1] ، وصعد الخليفة إلى المنظرة التي على الحلبة لمشاهدته، فلما نزل إلى هناك نزل تحتها وقبل الأرض ودعا، ثم ركب والعوام حوله، فلما وصل إلى باب النوبي نزل فقبّل العتبة، ثم دخل إلى الديوان، وانتهى حضوره فخرج في التوقيع: وقف على ما أنهيته وحصولك واستقرارك بمقر عز خدمتك من الديوان، مشمولا بعز خدمتك [2] الخدمة الشريفة، قد أكمل الله لك بيمن بركتها [3] كل بغية، وأعادك إلى أفضل ما عهدته، وليس فيما جرى بقادح في موضعك فأكثر حمد الله على ما أولاك، ثم جمع الناس إلى بيت النوبة في يوم
__________
[1] «آخرون» سقطت من ص.
[2] «خدمتك» سقطت من ص، ت.
[3] في الأصل: «بعينها» .(16/111)
الأربعاء ثالث ربيع الأول، وجلس الخليفة في التاج على دجلة [1] وأوصل الوزير وولداه إلى حضرته فقال للوزير: الحمد للَّه جامع الشمل بعد شتاته، وواصل الحبل بعد بتاته، ثم خلع عليهم وركبوا في يوم الجمعة سادس ربيع الأول إلى جامع المدينة في موكب كبير، والناس يضجون بالدعاء والسرور به، ومدحه ابن الفضل فقال [2] :
قد رجع الحق إلى نصابه ... وأنت من دون الورى أولى به
ما كنت إلا السيف سلته يد ... ثم أعادته إلى قرابه
57/ أ/ هزّته حتى إذا رأته [3] صارما ... رؤيته تغنيك عن ضرابه
أكرم بها وزارة ما سلمت ... ما استودعت إلا إلى أربابه
مشوقة إليك مذ فارقتها [4] ... شوق أخي الشيب إلى شبابه
[حاولها قوم ومن هذا الّذي ... يخرج ليثا حادرا من غابه [5]]
يدمى أبو الأشبال من زاحمه ... في خيسه بظفره ونابه
وهل رأيت أو سمعت لابسا ... ما خلع الأرقم من ثيابه
إن الهلال يرتجى طلوعه ... بعد السرار ليلة احتجابه
والشمس لا يوءس من طلوعها ... وإن طواها الليل في جلبابه
ما أطيب الأوطان إلا أنها ... أحلى عليه أثر اغترابه
لو قرب الدر على جالبه ... ما لجج الغائص في طلابه
ولو أقام لازما أصدافه ... لم تكن التيجان في حسابه
ما لؤلؤ البحر ولا مرجانه ... إلا وراء الهول من عبابه [6]
من يعشق العلياء يلق عندها ... ما لقى المحب من أحبابه
طورا صدودا ووصالا مرة ... ولذة الوامق في عتابه
__________
[1] «على دجلة» سقطت من ص.
[2] من هنا ساقط من ت، وينتهي السقط عند ما نشير له في الهامش قريبا.
[3] في ص: «حتى أبصرته» .
[4] من هنا خرم في: ص، ينتهي في منتصف أحداث السنة التالية، وسنشير إلى ذلك هناك.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «عيابه» .(16/112)
ذل لفخر الدولة الصعب الذرى [1] ... وعلم الإمام من آدابه
وفي ربيع الآخر: جرت فتنة لأجل أبي الوفاء بن عقيل، وكان أصحابنا قد نقموا عليه تردده إلى أبي علي بن الوليد لأجل [2] أشياء كان يقولها [3] وكان في ابن عقيل فيه [4] فطنة وذكاء، فأحب الاطلاع على [كل] [5] مذهب [6] يقصد ابن الوليد، وقرأ عليه شيئا من الكلام في السر، وكان ربما تأول بعض أخبار الصفات، فإذا أنكر عليه ذلك حاول [7] عنه، واتفق أنه مرض فأعطى رجلا [ممن كان] [8] يلوذ به يقال له: معالي الحائك بعض كتبه، وقال له: إن مت فأحرقها بعدي فاطلع عليها ذلك الرجل، فرأى فيها ما يدل على تعظيم المعتزلة والرحم على الحلاج/، وكان قد صنف في مدح الحلاج جزء في زمان 57/ ب شبابه، وذلك الجزء عندي بخطه، تأول فيه أقواله وأفعاله [9] وفسر أسراره [10] ، واعتذر له، فمضى ذلك الحائك فأطلع على ذلك الشريف أبا جعفر وغيره [11] ، فاشتد ذلك على أصحابنا، وراموا الإيقاع به، فاختفى ثم التجأ إلى باب المراتب، ولم يزل في [الأمر] [12] يختبط إلى أن آل إلى الصلاح في سنة خمس وستين.
[بلوغ دجلة زيادة إحدى وعشرين ذراعا]
وفي جمادى الأولى: بلغت زيادة دجلة [13] إحدى وعشرين ذراعا وثلاثين [وبلغ
__________
[1] في الأصل: «الّذي» .
[2] «لأجل» سقطت من ص، ت.
[3] في ص: «في أشياء قريبة» .
[4] «فيه» سقطت من ص، ت.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت.
[6] في الأصل: «مذهبه» .
[7] في الأصل: «يجادل» .
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت.
[9] «وأفعاله» سقطت من ص، ت.
[10] في الأصل: «أشعاره» .
[11] إلى هنا ينتهي الساقط من ت.
[12] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[13] في ص: «زيادة الماء» .(16/113)
إلى الثريا] [1] وفجرت بثقا فوق دار الغربة، ودخل [2] الماء إلى مشهد النذور، ومشهد المالكية [3] والسبتي وتلوفي وسد.
وفي عشية يوم الأربعاء رابع رجب: ولد للأمير عدة الدين بن أبي القاسم [4] مولود كنى: أبا الفضل، وسمي أحمد، وجلس الوزير فخر الدولة من غد للهناء به بباب الفردوس، وابتدأ العوام بتعليق الأسواق، ونصب القباب، وتوفي وقت الظهر وحمل سرا إلى الترب بالرصافة، فحط ما علق.
[ورود الخبر بأن الأفشين التركي خرب بلادا كثيرة من بلاد الروم]
وورد من بلاد الروم من أخبر أن [الأمير] [5] الأفشين التركي ومن معه من الغزاة خربوا بلادا كثيرة من بلاد الروم، وبلغوا إلى عمورية، واتفق أن ملك الروم قبض على بطريق كبير من بطارقته، وهرب أخوه عند علمه بذلك، فصادف الأفشين [6] في طريقه فعرفه ما لحق أخاه من الملك، ووعده أن يحتال على عمورية فيأخذها له، وتحالفا علي ذلك، وقصد البطريق ومن معه [من الروم] [7] عمورية، وبين يديه الصلبان، وراسل من فيها بأن الملك أنفذني إليكم لأعاونكم وأشد منكم لأجل هؤلاء الغزاة العائثين في 58/ أأعمالكم، فخرجوا فتلقوه ومشوا [8] بين يديه، فحين ملك البطريق ومن معه/ البلد لحقه الأفشين، فدخل البلد فنهبه وقتل وسبى، وأخذ من الأموال شيئا عظيما [وأسرى إلى قريب من بحيرة قسطنطينية فارغا على خير بلاد الروم هناك] [9] وأخذ منه [نحو] [10] ستة آلاف أسير [11] ، وعاد إلى أنطاكية فحصرها فتقرر [12] عليها عشرين ألف دينار.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتت في آخر الفقرة.
[2] في ص «وبلغ الماء» .
[3] «المالكية و» سقطت من ص.
[4] «بن أبو القاسم» سقطت من ص.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في ص: «أفشين» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] في الأصل: «دخلوا» .
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[11] في ص: «ستة آلاف دينار» ثم بياض بعدها.
[12] في الأصل: «وقرر» .(16/114)
أنبانا محمد بْن ناصر الحافظ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ميمون النرسي قال: بيع السمك النّبيء عندنا بالكوفة- يعني [1] في هذه السنة- في حدود أربعين رطلا، بحبة ذهب [2] وما رأينا بالكوفة هكذا ولا حدثنا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3396- أحمد بن الحسن بن الفضل، أبو الحسن [ابن] الكاتب
[3] .
من ساكني الحريم الطاهري، ولد سنة ست وسبعين وثلاثمائة، وسمع ابني بشران أبا الحسين وأبا القاسم [4] ، وغيرهما، وكان صالحا ثقة.
توفي في ليلة السبت ثامن عشر ربيع الآخر، ودفن يوم السبت بباب حرب.
3397- أحمد بن أبي حنيفة، أبو طاهر.
حدث عن أبي الحسين [5] السوسنجردي.
وتوفي يوم الخميس خامس عشر ربيع الأول [6] ودفن بباب حرب.
3398- عبد الباقي بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، المعروف: بصهر عبد الله البزار المعدل.
ولد سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وحدث عن أبي الحسن بن الصلت، وتوفي في صفر، وقيل: في محرم سنة إحدى وستين، وكان ثقة.
__________
[1] «يعني» سقطت من ص.
[2] «ذهب» سقطت من ص، ت.
[3] في ت، ص: «أحمد بن الحسن بن الكاتب» .
والكاتب: بكسر التاء المنقوطة من فوقها بنقطتين والباء بعدها. اشتهر بها جماعة الكتابة المعروفة (الأنساب 10/ 303) .
[4] في الأصل: «وسمع أبا الحسن ابني، وأبا القاسم ... » .
[5] في الأصل: «أبي الحسن» .
[6] في الأصل: «ربيع الآخر» .(16/115)
ثم دخلت سنة اثنتين [وستين] [1] واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
58/ ب/ أنه كان ثلاث ساعات من يوم الثلاثاء الحادي عشر من جمادى الأولى [2] وهو الثامن من آذار زلزلة عظيمة بالرملة وأعمالها، فذهب أكثرها وانهدم سورها، وعم ذلك ببيت المقدس وتنيس، وانخسفت أيلة كلها، وانجفل البحر في وقت الزلزلة حتى انكشفت أرضه، ومشى الناس فيه، ثم عاد إلى حاله. وتغيرت إحدى زوايا الجامع بمصر، وتبع هذه الزلزلة في ساعتها زلزلتان.
وتوجه ملك الروم من قسطنطينية إلى الشام في ثلاثمائة ألف، ونزل على منبج ستة عشر يوما، وسار إليه المسلمون، فانهزم المسلمون وقتل جماعة منهم، وأحرق ما بين بلد الروم ومنبج من الضياع والقرى، وقتل رجالهم، وسبي نساءهم، وخاف أهل حلب خوفا شديدا، ثم انقطعت الميرة عن ملك الروم فهلك من معه جوعا فرجع.
وفي هذه السنة: فسدت أحوال ملك مصر وقوتل، فاحتاج فبعث [3] فأخذ ما في مشهد إبراهيم الخليل [عليه السلام] [4] ، وضاقت يد ابن أبي هاشم أمير مكة لانقطاع ما
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «جمادى الآخرة» .
[3] «فبعث» سقطت من ص.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/116)
كان يصله من مصر وغيرها، فعمد إلى ثياب [1] الكعبة فقطع الذهب [2] الذي فيها [3] وسبكه، وإلى قبلتها وميزابها وحلق بابها، فكسره وضربه دنانير ودراهم، ثم عدل إلى مصادرات أهل مكة حتى رحلوا [4] عنها، وكذلك صنع أمير المدينة، فأخذ قناديل وآلات فضة كانت هناك فسبكها.
وفي يوم الاثنين [5] السادس والعشرين من جمادى الآخرة: جمع [الأمير] [6] العميد أبو نصر الوجوه فأحضر أبا القاسم بن الوزير فخر الدولة، والنقيبين، والأشراف، وقاضي القضاة، والشهود إلى المدرسة [النظامية] [7] وقرئت كتب وقفتها، ووقف كتب فيها ووقف ضياع وأملاك وسوق أبنيت عليها [8] ، وعلى [بابها عليه وعلى] [9] أولاد نظام الملك على شروط شرطت فيها.
/ وفي شهر رجب: وصل رسول السلطان للخدمة والدعاء وأجيب [10] بما أشرف 59/ أبه وأضحت توقيعا للديوان بعشرة آلاف دينار على الناظر ببغداد، وتوقيعا بإقطاع مبلغ ارتفاعه سبعة آلاف دينار كل سنة من واسط والبصرة.
وفي ذي القعدة: ورد من مصر والشام عدد كثير [من رجال] [11] ونساء هاربين من الجرف [12] والغلاء، وأخبروا أن مصر لم يبق بها كبير [13] أحد من الجوع والموت، وأن
__________
[1] في ص: «إلى باب» .
[2] في ص: «فقلع الّذي» .
[3] في ص: «الّذي فيه» .
[4] في الأصل: «حتى أجلوا» .
[5] في الأصل: «الأحد» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] «عليها و» سقطت من ص.
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] في الأصل: «لأجل» .
[11] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[12] في الأصل: «الخوف» .
[13] في الأصل: «كبير أحد» .(16/117)
الناس أكل بعضهم بعضًا، وظهر علي رجل [1] قد ذبح عدة من الصبيان والنساء وطبخ لحومهم وباعها، وحفر حفيرة دفن فيها رءوسهم وأطرافهم، فقتل، وأكلت البهائم فلم يبق إلا ثلاثة أفراس لصاحب مصر بعد ألوف من الكراع، وماتت الفيلة، وبيع الكلب بخمسة دنانير، وأوقية زيت بقيراط، واللوز والسكر بوزن الدراهم، والبيضة بعشرة قراريط، والرواية الماء بدينار لغسل الثياب.
وخرج وزير صاحب مصر إلى السلطان، فنزل عن بغلته وما معه إلا غلام واحد لعدم ما يطعم الغلمان، فدخل وشغل الركابي عن البغلة لضعف قوته، فأخذها ثلاثة أنفس ومضوا بها، فذبحوها وأكلوها فأنهى ذلك إلى صاحب مصر، فتقدم بقتلهم وصلبهم فصلبوا، فلما كان من الغد وجدت عظامهم مرمية تحت خشبهم [2] وقد أكلهم الناس، وكانت البادية تجلب الطعام، فتبيع الحمل بثلاثمائة دينار خارج البلد، ولا يتجاسرون أن يدخلوا البلد، ومن اشترى منه فربما نهبه الناس منه، وبيع من ثياب 59/ ب صاحب مصر وآلاته ما اشترى منه في دار الخلافة، فوجدت فيه/ أشياء [كانت] [3] نهبت عند القبض على الطائع، وأشياء نهبت في نوبة البساسيري، وخرج من خزانة السلاح التي لصاحب [4] مصر أحد عشر ألف درع، وتجفاف، وعشرون ألف سيف محلى، وثمانون ألف قطعة بلور كبار، و [خمسة] [5] وسبعون ألف قطعة من الديباج القديم، وبيعت ثياب النساء، وسجف المهود، وبيع من ذلك طست وإبريق بلور باثنى عشر دينارا، وبيع من هذا الجنس وحده نحو ثمانين ألف قطعة، وبيع نحو خمس وسبعين ألف قطعة من الثياب الديباج، وبيعت عشر حبات وزنها عشرة مثاقيل بأربعمائة دينار، وباع رجل دارا بمصر كان ابتاعها [6] بتسعمائة دينار بسبعين دينارا، فاشترى بها دون الكارة من الدقيق.
__________
[1] هنا انتهى الخرم الّذي في النسخة ص.
[2] في الأصل: «وتحت جثثهم» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «من خزانة السلاح إلى صاحب مصر» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «اشتراها» والمعنى واحد.(16/118)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3399- أحمد بن محمد بن سياووش الكازروني
[1] .
سمع أبا أحمد الفرضي، وهلالا الحفار، وأبا عبد الله بن دوست، وغيرهم، وكان مكثرا ثقة صالحا من أهل السنة، صحيح السماع، حدثنا عنه أبو عبد الله بن السلال.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن قريبا من رباط عتاب بالجانب الغربي.
3400- أحمد بن الحسن، اللحياني [2] الصفار
[3] .
توفي في رجب وكان يقرئ القرآن.
3401- أحمد بن علي، الأسدآباذي [4] أبو منصور
[5] :
حدث عن الصيدلاني وغيره. روى عنه أبو الفضل بن خيرون، وأطلق عليه الكذب الصريح واختلاق الشيوخ الذين لم يكونوا وادعى ما لم يسمع.
3402- الحسن بن علي بن محمد بن باري، أبو الجوائز الكاتب الواسطي
[6] .
ولد سنة/ اثنتين وخمسين وثلاثمائة، سكن بغداد دهرا طويلا، وكان أديبا شاعرا 60/ أمليح الشعر.
__________
[1] الكازرونيّ: بفتح وسكون الزاي وضم الراء وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى كازرون وهي إحدى بلاد فارس خرج منها جماعة من العلماء والفضلاء (الأنساب 10/ 318) .
[2] في الأصل: «الجياني» .
[3] الصّفار: بفتح الصاد المهملة والفاء المخففة وفي آخرها الراء (الأنساب 8/ 78) .
[4] في الأصل: «الأشدباذي» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 325) .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 393. والكامل لابن الأثير 8/ 385 وحوادث سنة 462) .
والبداية والنهاية 12/ 100. ووفيات الأعيان 2/ 111. وفوات الوفيات 1/ 129. وميزان الاعتدال 1/ 338.
ولسان الميزان 2/ 240. والأعلام 2/ 202) .(16/119)
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أنشدنا أبو الجوائز الحسن بن علي بن باري الواسطي لنفسه:
واحربا من قولها ... خان عهودي ولها
وحق من صيرني ... وقفا عليها ولها
ما خطرت بخاطري ... إلا كستني ولها
3403- عبد الله بن عبد العزيز بن باكويه
[1] :
روى الحديث وتوفي في رجب ودفن في باب حرب.
3404- محمد بن أحمد بن سهل، أبو غالب بن بشران النحوي الواسطي، ويعرف: بابن الخالة
[2] :
ولد سنة ثلاثين وثلاثمائة وكان عالما بالأدب وانتهت إليه الرحلة في اللغة سمع أبا الحسين علي بن محمد بن عبد الرحيم، وأبا القاسم علي بن طلحة، وأبا عبد الله الحسين بن الحسن العلويّ في آخرين، حدّث عنه أبو عبد الله [3] الحميدي وغيره، وله من الشعر المستحسن.
أخبرنا محمد بن ناصر قَالَ: أنشدنا أبو عبد الله الحميدي قَالَ: أنشدني أبو غالب بن بشران لنفسه:
يا شائدا للقصور كهلا ... أقصر فقصر الفتى الممات
لم يجتمع شمل أهل قصر ... إلا وقصراهم الشتات
وإنما العيش مثل ظل ... منتقل ما له ثبات
قَالَ: وأنشدني لنفسه:
سيان إن لاموا وإن غدروا ... ما لي عن الأحباب مصطبر
__________
[1] باكويه: هي إحدى بلاد دربند خزران عند شروان كما قال في معجم البلدان.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 100. وشذرات الذهب 3/ 310. وإرشاد الأريب 6/ 329.
ولسان الميزان 5/ 43. والأعلام 5/ 314. والكامل 8/ 385) .
[3] في ص: «أبو بكر» خطأ.(16/120)
إن واصلوا شكروا، وإن هجروا ... عذروا، وما اجترموه مغتفر
/ لا غرو إن أغرى بحبهم ... إذ ليس لي في غيرهم وطر 60/ ب
فليفعلوا ما حاولوا فهم ... منى بحيث السمع والبصر
لا بد لي منهم وإن تركوا ... قلبي بنار الهجر يستعر
وعلى أن أرضى بما اصطنعوا ... وأطيعهم في كل ما أمروا
قَالَ: وأنشدني لنفسه:
ولما أثاروا العيس بالبين بينت ... غرامي لمن حولي دموع وأنفاس
فقلت لهم لا بأس بي فتعجبوا ... وقالوا الذي أبديته كله بأس
[تعوض بأنس الصبر من وحشة الأسى ... فقد فارق الأحباب من قبلك الناس]
[1] قَالَ: وأنشدني لنفسه:
ودعتهم ولي الدنيا مودعة ... ورحت ما لي سوى ذكراهم وطر
وقلت يا لذتي بيني لبينهم ... فإن صفو حياتي بعدهم كدر
لولا تعلل قلبي بالرجاء لهم ... ألفيته [2] إذ حدوا بالعيس [3] ينفطر
يا ليت عيسهم ويوم النوى نحرت ... أوليتها للضواري بالفلا جزر
يا ساعة البين أنت الساعة اقتربت ... يا لوعة البين أنت النار تستعر
قَالَ: وأنشدني لنفسه:
طلبت صديقا في البرية كلها ... فأعيا طلابي أن أصيب صديقا
بلى من تسمى بالصديق مجازة ... ولم يك في معنى الوداد صدوقا
فطلقت ود العالمين صريمة ... وأصبحت من أسر الحفاظ طليقا
توفي ابن بشران في منتصف رجب هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «ألفيته» سقطت من ص.
[3] في ص بياض بقدر كلمة بعد «بالعيس» .(16/121)
3405- محمد بن الحسين [1] بْن عَبْد الله بن أحمد بن الحسن بن أبي علانة
[2] :
ولد في سنة ثمانين وثلاثمائة، وحدث عن أبي طاهر المخلص، روى عنه أبو بكر الخطيب، وكان سماعه صحيحا.
وتوفي فجأة يوم الخميس العشرين في شعبان من هذه السنة [3] ودفن يوم الجمعة عند قبر معروف الكرخي [4] .
__________
[1] في الأصل: «محمد بن الحسن» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 257) .
[3] ومن هذه السنة» سقطت من ص، ت.
[4] في ت ما نصه: «تم المجلد الحادي والعشرون. بسم الله الرحمن الرحيم، ثم دخلت سنة ثلاث وستين وأربعمائة ... » .(16/122)
ثم دخلت 61/ أسنة ثلاث وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[ورد على السلطان خبر ملك الروم جمعه العساكر]
أنه ورد على السلطان خبر ملك الروم في جمعه العساكر [الكثيرة] [1] ومسيره نحو البلاد الإسلامية، وكان السلطان في فل من العسكر، لأنهم عادوا من الشام جافلين إلى خراسان للغلاء الّذي استنفد أموالهم، فطلبوا مراكزهم راجعين، وبقي السلطان في نحو أربعة آلاف غلام، ولم ير مع ذاك أن يرجع إلى بلاده، ولم يجمع عساكره فيكون هزيمة على الإسلام، وأحب الغزاة والصبر فيها، فأنفذ خاتون السفرية ونظام الملك والأثقال إلى همذان، وتقدم [إليه] [2] بجمع العساكر وإنفاذها إليه، وقال له ولوجوه عسكره: أنا صابر في هذه الغزاة صبر المحتسبين وصائر إليها [3] مصير المخاطرين، فإن سلمت فذاك ظني في الله تعالى، وإن تكن الأخرى فأنا أعهد إليكم وأشهد الله عليكم [4] أن تسمعوا لولدي ملك شاه وتطيعوه، وتقيموه مقامي، وتملكوه عليكم، فقد وقفت هذا الأمر عليه، ورددته إليه.
فأجابوه بالدعاء والسمع والطاعة، وكان ذلك من فعل نظام الملك وترتيبه ورأيه، وأبقى السلطان مع القطعة من العسكر المذكورة جريدة، ومع كل غلام فرس يركبه وفرس
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص: «إليه» .
[4] «وأشهد الله عليكم» سقطت من ص، ت.(16/123)
يجنبه، وسار قاصدا لملك الروم وأنفذ أحد الحجاب في جماعة من الغلمان مقدمة له، فصادف عند خلاط صليبا تحته عشرة آلاف من الروم [1] فحاربهم فنصر عليهم، وأخذ الصليب، وهربوا بعد أن أثخنوا قتلا وجراحًا، وحمل مقدمهم إلى السلطان فأمر بجدع 61/ ب أنفه، وأنفذ الصليب وكان خشبا وعليه فضة وإقطاع/ من الفيروزج، وإنجيلًا كان معه في «سفط» من فضة إلى «همذان» [2] ، وكتب معه إلى نظام الملك بالفتح، وأمر أن يحمل إلى حضرة الخلافة.
ووصل ملك الروم فالتقيا بموضع يقال له «الرهوة» في يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة، وكثر عسكر الروم وجملة من كان مع السلطان يقاربون عشرين ألفا، وأما ملك الروم فإنه كان معه خمسة وثلاثون ألفا من الإفرنج وخمسة وثلاثون ألفا مائتين [3] بطريق، ومتقدم مع كل رجل منهم بين ألفي فارس إلى خمسمائة، وكان معه خمسة عشر ألفا من الغز الذين من وراء القسطنطينية، ومائة ألف نقّاب وحفّار، و [مائة] [4] ألف روزجاري، وأربعمائة عجلة تجرها ثمانمائة جاموسة عليها نعال ومسامير للدواب، وألف عجلة [5] عليها السلاح والسروج والعرادات والمجانيق، منها منجنيق يمده ألف رجل ومائتا رجل.
فراسل السلطان ملك الروم بأن يعود إلى بلاده وأعود أنا، وتتم الهدنة بيننا التي توسطنا فيها الخليفة، وكان ملك الروم قد بعث رسوله يسأل الخليفة أن يتقدم إلى السلطان بالصلح والهدنة، فعاد جواب ملك الروم بأني قد أنفقت الأموال الكثيرة، وجمعت العساكر الكثيرة للوصول إلى مثل هذه الحالة، فإذا ظفرت بها فكيف أتركها، هيهات لا هدنة إلا بالري، ولا رجوع إلا بعد أن أفعل ببلاد الإسلام مثل ما فعل ببلاد الروم.
__________
[1] «وأنفذ أحد الحجاب في جماعة من الغلمان مقدمة له فصادف عند خلاط صليبا تحته عشرة آلاف من الروم» هذه العبارة سقطت من ص.
[2] في الأصل: «حمدان» .
[3] في ص: «وخمسة وثلاثون ألفا (بياض) في مائتين بطريق ... » .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] «تجرها ثمانمائة جاموسة عليها نعال ومسامير للدواب، وألف عجلة» سقطت هذه العبارة من ص، ت.(16/124)
فلما كان وقت الصلاة من يوم الجمعة صلى السلطان بالعسكر، ودعا الله تعالى وابتهل وبكى وتضرع وقال لهم: نحن مع القوم تحت الناقص، وأريد أن أطرح نفسي عليهم في هذه الساعة التي يدعى فيها لنا وللمسلمين علي المنابر، فإما أن أبلغ الغرض، وأما أن أمضى شهيدا إلى الجنة، فمن أحب أن يتبعني منكم فليتبعني، ومن أحب أن ينصرف فليمض مصاحبا/ عني، فما هاهنا سلطان يأمر، ولا عسكر يؤمر، 62/ أفإنما أنا اليوم واحد منكم، وغاز معكم، فمن تبعني ووهب نفسه للَّه تعالى فله الجنة والغنيمة [1] ، ومن مضى حقت عليه النار والفضيحة.
فقالوا له: أيها السلطان، نحن عبيدك، ومهما فعلته تبعناك فيه وأعناك عليه، فافعل ما تريد.
فرمى القوس والنشاب، ولبس السلاح، وأخذ الدبوس، وعقد ذنب فرسه بيده وركبها، ففعلوا مثله، وزحف إلى الروم، وصاح وصاحوا، وحمل عليهم وثار الغبار، واقتتلوا ساعة أجلت الحال فيها عن هزيمة الكفار، فقتلوا يومهم وليلتهم القتل الذريع، ونهبوا وسبوا النهب والسبي العظيم.
ثم عاد السلطان إلى موضعه، فدخل عليه الكهراي الخادم فقال: يا سلطان، أحد غلماني قد ذكر أن ملك الروم في أسره، وهذا الغلام عرض على نظام الملك في جملة العسكر فاحتقره وأسقطه، فخوطب في أمره فأبى أن يثبته، وقال مستهزئا، لعله أن يجيئنا بملك الروم أسيرا، فأجرى الله تعالى أسر ملك الروم على يده. واستبعد السلطان ذلك، واستحضر غلاما يسمى: «شاذى» كان مضى دفعات مع الرسل إلى ملك الروم، فأمره بمشاهدته وتحقيق أمره، فمضى فرآه ثم عاد فقال: هو هو. فتقدم بضرب خيمة له، ونقله إليها وتقييده وغل يده إلى عنقه، وأن يوكل به مائة غلام، وخلع على الذي أسره وحجبه، وأعطاه ما اقترحه، واستشرحه الحال فقال: قصدته وما أعرفه وحوله عشرة صبيان من الخدم، فقال لي أحدهم: لا تقتله فإنه الملك فأسرته وحملته.
فتقدم السلطان بإحضاره فأحضر بين يديه، فضربه بيده ثلاث مقارع أو أربعا،
__________
[1] في الأصل: «للَّه تعالى له الغنيمة والجنة» .(16/125)
ورفسه مثلها فقال له: الم آذن لرسل الخليفة في قصدك وإمضاء الهدنة معك وإجابتك 62/ ب في ذلك إلى ملتمسك، ألم أرسلك الآن وأبذل لك الرجوع/ عنك فأبيت إلا ما يشبهك، وأي شيء حملك على البغي؟
فقال: قد جمعت أيها السلطان واستكثرت واستظهرت، وكان النصر لك، فافعل ما تريد ودعني من التوبيخ.
قَالَ: فلو وقعت معك ماذا كنت تفعل بي. قَالَ: القبيح. قَالَ: صدق والله، ولو قَالَ غير ذلك لكذب، وهذا رجل عاقل جلد لا ينبغي أن يقتل.
قَالَ: وما تظن الآن أن يفعل بك. قَالَ: أحد ثلاثة أقسام: الأولى قتلى. والثاني:
إشهاري في بلادك التي تحدثت [1] بقصدها [وأخذها] [2] ، والثالث: لا فائدة في ذكره فإنك لا تفعله. قَالَ: فاذكره. قَالَ: العفو عني وقبول الأموال والفدية مني، واصطناعي وردى إلى ملكي مملوكا لك نائبا في ملك الروم عنك.
فقال: ما اعتزمت فيك إلا هذا الذي وقع يأسك منه، وبعد ظنك عنه، فهات الأموال التي تفك رقبتك. فقال: يقول السلطان ما شاء، فقال: أريد عشرة آلاف ألف دينار. فقال: والله إنك تستحق مني ملك الروم إذا وهبت لي نفسي، ولكني قد أنفقت واستهلكت [3] من أموال الروم أحد عشر ألف [ألف] [4] دينار، منذ وليت عليهم في تجديد العساكر والحروب التي بليت بها إلى يومي هذا، فأفقرتهم بذلك، ولولا هذا ما استكثرت شيئا تقترحه.
فلم يزل الخطاب يتردد إلى أن استقر الأمر على ألف ألف وخمسمائة ألف دينار، وفي الهدنة على ثلاثمائة ألف وستين ألف دينار في كل سنة، وإطلاق كل أسير في الروم، وحمل ألطاف وتحف مضافة إلى ذلك، وأن يحمل من عساكر الروم المزاحة العلل ما يلتمس أي وقت دعت حاجة إليها.
__________
[1] في ص: «التي كدت» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص: «واستملكت» .
[4] في ص: «عشر ألف دينار» .(16/126)
فقال له: إذا كنت قد مننت على فعجل تسريحي قبل أن تنصب الروم ملكا غيري، ولا يمكنني أن أقرب منهم، ولا أفي بشيء مما بذلته.
فقال السلطان: أريد أن تعيد أنطاكية، والرها، ومنبج، فإنها أخذت من المسلمين عن قرب، وتطلق أسارى المسلمين. فقال: / إذا رجعت إلى ملكي سوف 63/ أأريك ما أفعل [1] فأنفذ إلى كل موضع منها عسكرا وحاصره، لا توصل إلى تسليمها [2] ، فأما أن ابتدئ بذلك فلا يقبل مني، وأما الأسارى فأنا أسرحهم وأفعل الجميل معهم.
فتقدم السلطان يفك قيده وغله، ثم قَالَ: أعطوه قدحا ليسقينيه، فأعطى فظن أنه له فأراد أن يشربه فمنع منه، وأمر أن يخدم السلطان، ويتقدم إليه ويناوله إياه، وأومأ إلى الأرض إيماء قليلا على عادة الروم، وتقدم إليه فأخذ السلطان القدح، وجز شعره، فجعل وجهه على الأرض وقال: إذا خدمت الملوك فافعل هكذا.
وكان لذلك سبب اقتضاه وهو أن السلطان قَالَ بالري: ها أنا أمضي إلى قتال ملك الروم وآخذه أسيرا، وأقيمه على رأسي ساقيا.
وانصرف ملك الروم إلى خيمته، فاقترض عشرة آلاف دينار فأصلح منها شأنه، وفرق في الحواشي والأتباع والموكلين به، واشترى جماعة من بطارقته واستوهب آخرين. فلما كان من الغد أحضره وقد ضرب له سريره وكرسيه اللذان أخذا منه، فأجلسه عليهما،. وخلع قباءه وقلنسوته فألبسه إياهما وقال له: إني [3] قد اصطنعتك وقنعت بقولك، وأنا أسيرك إلى بلادك، وأردك إلى ملكك.
فقبل الأرض، وقال له: أليس ينفذ إليك خليفة الله [تعالى] [4] في أرضه رسولا يحملك به ويقصد إصلاح أمرك؟ فتأمر بأن يكشف رأسه ويشد وسطه ويقبل الأرض بين يديك، وكان بلغه أنه فعل هذا بابن المحلبان فقال ما فعلت؟ فقال: أليس الأمر على ما
__________
[1] «سوف أريك ما أفعل» سقطت من ص، ت.
[2] في الأصل: «لا توصل إلى ساحتها» .
[3] «إني» سقطت من ص.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/127)
يقول. وبان له منه تغير فقال: يا سلطان في أي شيء وفقت حتى أوفق في هذا؟ وقام 63/ ب وكشف رأسه، وأومأ إلى الأرض وقال: هذا عوض عما فعلته برسوله/ فسر السلطان بذلك، وتقدم بأن عقدت له راية عليها مكتوب: «لا اله إلا الله محمد رسول الله» فرفعها على رأسه وأنفذ حاجبين ومائة غلام يسيرون معه إلى قسطنطينية، وشيعه نحو فرسخ، فلما ودعه أراد أن يترجل فمنعه السلطان، واعتنقا ثم افترقا.
وهذا الفتح في الإسلام كان عجبا لا نظير له، فإن القوم اجتمعوا ليزيلوا الإسلام وأهله، وكان ملك الروم قد حدثته نفسه بالمسير إلى السلطان ولوالي الري، وأقطع البطارقة البلاد الإسلامية وقال لمن أقطعه بغداد: لا تتعرض لذلك الشيخ الصالح، فإنه صديقنا- يعني الخليفة- وكانت البطارقة تقول: لا بد أن نشتو بالري ونصيف بالعراق، ونأخذ في عودنا بلاد الشام [1] .
فلما كان الفتح ووصل الخبر إلى بغداد ضربت الدبادب والبوقات، وجمع الناس في بيت النوبة، وقرئت كتب الفتح، ولما بلغ الروم ما جرى حالوا بينه وبين الرجوع إلى بلاده [2] ، وملكوا غيره، فأظهر الزهد ولبس الصوف، وأنفذ إلى السلطان مائتي ألف دينار وطبق ذهب عليه جواهر قيمتها تسعون ألف دينار، وحلف بالإنجيل أنه ما يقدر على غير ذلك، وقصد ملك الأرمن مستضيفا به وكحله وبعث إلى السلطان يعلمه بذلك.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3406- أحمد بن محمد بن عبد العزيز، أبو طاهر العكبري
[3] .
ولد سنة تسعين وثلاثمائة، وسمع الحديث مع أخيه أبي منصور النديم.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، وكان سماعه صحيحا.
__________
[1] في الأصل: «في عودنا إلى دمشق الشام» .
[2] في ص: «إلى بلادهم» .
[3] العكبريّ: بضم العين وفتح الباء الموحدة. وقيل: بضم الباء أيضا، والصحيح بفتحها، بلدة على الدجلة فوق بغداد بعشرة فراسخ من الجانب الشرقي، خرج منها جماعة من العلماء والمحدثين، وهي أقدم من بغداد (الأنساب 9/ 27) .(16/128)
3407- أحمد/ بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب [1] ، أبو بكر
[2] . 64/ أولد يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة كذا رأيته بخط أبي الفضل بن خيرون، وأول ما سمع الحديث في سنة ثلاث وأربعمائة وهو ابن احدى عشرة سنة وكان أَبُوهُ يَخْطُبُ بدرب ريحان [3] ونشأ أبو بكر ببغداد، وقرأ القرآن والقراءات، وتفقه على أبي الطيب الطبري، وأكثر من السماع من البغداديين، ورحل إلى البصرة، ثم إلى نيسابور، ثم إلى أصبهان، ودخل في طريقه همذان والجبال، ثم عاد إلى بغداد، وخرج إلى الشام، وسمع بدمشق وصور، ووصل إلى مكة، وقد حج في تلك السنة أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن سلامة [القضاعي] [4] فسمع منه، وقرأ «صحيح البخاري» على كريمة بنت أحمد المروزية في خمسة أيام، ورجع إلى بغداد، فقرب من أبي القاسم ابن المسلمة [5] الوزير، وكان قد أظهر بعض اليهود كتابا وادعى أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادات الصحابة، وأن خط علي بن أبي طالب فيه، فعرضه رئيس الرؤساء [ابن المسلمة] [6] على أبي بكر الخطيب، فقال:
هذا مزور. قيل: من أين لك؟ قَالَ: في الكتاب [7] شهادة معاوية بن أبي سفيان، ومعاوية أسلم يوم الفتح، وخيبر كانت في سنة سبع، وفيه شهادة سعد بن معاذ وكان قد مات يوم الخندق [8] . فاستحسن ذلك منه، فلما جاءت نوبة البساسيري استتر الخطيب، وخرج
__________
[1] في ت العبارة هكذا: « ... أحمد بن مهدي الخطيب في سنة ثلاث وأربعمائة، أبو بكر ... » .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 101، 102، 103. وشذرات الذهب 3/ 311، 312. ومعجم الأدباء 1/ 248. وطبقات الشافعية 3/ 12. والنجوم الزاهرة 5/ 87. وتاريخ ابن عساكر 1/ 398.
وتاريخ ابن الوردي 1/ 374. وتاريخ آداب اللغة 2/ 324. ووفيات الأعيان 1/ 92. والأعلام 1/ 172. والكامل 8/ 390. وتاريخ نيسابور ت 236) .
[3] «وكان أبوه يخطب في درب ريحان» ساقطة من ص. وفي ت: «دورلحان» بدلا من «درب لعان» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «مسلمة» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في الأصل: «فيه شهادة ... » .
[8] على هامش ص: «صوابه جرح ومات عقيب غزاة بني قريظة» .(16/129)
من بغداد إلى الشام، وأقام بدمشق، ثم خرج إلى صور، ثم إلى طرابلس، ثم إلى 64/ ب حلب، ثم عاد/ إلى بغداد في سنة اثنتين وستين، وأقام بها سنة ثم توفي.
فروى «تاريخ بغداد» و «سنن أبي داود» وغير ذلك، وانتهى إليه علم الحديث [1] ، وصنف فأجاد، فله ستة وخمسون مصنفا بعيدة المثل منها: «تاريخ بغداد» ، «وشرف أصحاب الحديث» ، و «كتاب الجامع لأخلاق الراويّ وآداب السامع» ، و «الكفاية في معرفة أصول علم الرواية» ، و «كتاب المتفق والمفترق» ، و «كتاب السابق واللاحق» ، و «تلخيص المتشابه في الرسم» ، و «كتاب باقي التلخيص» ، و «كتاب الفصل والوصل» ، والمكمل في بيان المهمل» ، و «الفقه والمتفقه» ، و «كتاب غنية المقتبس في تمييز الملتبس» ، و «كتاب الأسماء المبهمة والأنباء المحكمة» ، و «كتاب الموضح أوهام الجمع والتفريق» ، و «كتاب المؤتنف بكلمة المختلف والمؤتلف» ، و «كتاب لهج الصواب في أن التسمية من فاتحة الكتاب» ، و «كتاب الجهر بالبسملة» ، و «كتاب رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والألقاب» ، و «كتاب القنوت» ، و «كتاب التبيين لأسماء المدلسين» ، و «كتاب تمييز المزيد في متصل الأسانيد» ، و «كتاب من وافق كنيته اسم أبيه» ، و «كتاب من حدّث فنسي» ، و «كتاب رواية الآباء عن الأبناء» ، و «كتاب الرحلة» ، و «كتاب الرواة عن مالك» ، و «كتاب الاحتجاج عن الشافعي [2] فيما أسند إليه والرد على الطاعنين بجهلهم عليه» ، و «كتاب التفصيل لمبهم المراسيل» ، و «كتاب اقتفاء العلم بالعمل» ، و «كتاب تقييد العلم» ، و «كتاب القول في علم النجوم» ، و «كتاب روايات الصحابة عن التابعين» ، و «كتاب صلاة التسبيح» ، و «كتاب مسند 65/ أنعيم بن حماد» ، و «كتاب النهي عن صوم يوم الشك» / و «كتاب الإجازة للمعدوم والمجهول» ، و «كتاب روايات السنة من التابعين» ، و «كتاب البخلاء» .
فهذا الذي ظهر لنا من مصنفاته، ومن نظر فيها عرف قدر الرجل وما هيئ له مما لم يتهيأ لمن كان أحفظ منه كالدارقطني وغيره.
__________
[1] في الأصل: «وانتهى إليه علم الحديث لك» .
[2] في الأصل: «الاحتجاج للشافعي» .(16/130)
وقد روى لنا عن أبي الحسين بن الطيوري أنه قَالَ: أكثر كتب الخطيب مستفادة من كتب الصوري، ابتدأ بهما.
قَالَ المصنف: وقد يضع الإنسان طريقا فتسلك، وما قصر الخطيب علي كل حال، وكان حريصا على علم الحديث، وكان يمشي في الطريق وفي يده جزء يطالعه، وكان حسن القراءة، فصيح اللهجة، وعارفا بالأدب، يقول الشعر الحسن.
أنبأنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن إبراهيم الصائغ قَالَ: أنبأنا أبو بكر الخطيب أنه قَالَ لنفسه:
لعمرك ما شجاني رسم دار ... وقفت به ولا ذكر المغاني
ولا أثر الخيام أراق دمعي ... لأجل تذكري عهد الغواني
ولا ملك الهوى يوما قيادي ... ولا عاصيته فثنى عناني
عرفت فعاله بذوي التصابي ... وما يلقون من ذل الهوان
فلم أطمعه في وكم قتيل ... له في الناس ما يحصى وعان
طلبت أخا صحيح الود محضا ... سليم الغيب مأمون اللسان
فلم أعرف من الإخوان إلا ... نفاقا في التباعد والتداني
وعالم دهرنا لا خير فيه ... ترى صورا تروق بلا معاني
ووصف جميعهم هذا فما أن ... أقول سوى فلان أو فلان
/ ولما لم أجد حرا يؤاتي ... على ما ناب من صرف الزمان 65/ ب
صبرت تكرمًا لفراغ دهري ... ولم أجزع لما منه دهاني
ولم أك في الشدائد مستكينا ... أقول لها ألا كفي كفاني
ولكني صليب العود عود ... ربيط الجأش مجتمع الجنان
أَبِيُّ النفس لا أختار رزقا ... يجيء بغير سيفي أو سناني
لعز في لظى باغية يشوى [1] ... ألذ من المذلة في الجنان
ومن طلب المعالي وابتغاها ... أدار لها رحى الحرب العوان
__________
[1] في الأصل: «يثوي» .(16/131)
قَالَ المصنف رحمة الله: هذه الأبيات نقلتها من خط أبي بكر قالها لنفسه، وله أشعار كثيرة، وكان أبو بكر الخطيب قديما على مذهب أحمد بن حنبل، فمال عليه أصحابنا لما رأوا من ميله إلى المبتدعة وآذوه، فانتقل إلى مذهب الشافعي رضي الله عنه [1] وتعصب في تصانيفه عليهم فرمز إلى ذمهم، وصرح بقدر ما أمكنه، فقال في ترجمة أحمد بن [حنبل] [2] سيد المحدثين، وفي ترجمة الشافعي: تاج الفقهاء، فلم يذكر أحمد بالفقه.
وحكى في ترجمة حسين الكرابيسي أنه قَالَ عن أحمد: أيش نعمل بهذا الصبي إن قلنا لفظنا بالقرآن مخلوق، قَالَ: بدعة وإن قلنا غير مخلوق، قَالَ: بدعة، ثم التفت إلى أصحاب أحمد فقدح فيهم بما أمكن.
وله دسائس في ذمهم عجيبة [3] من ذلك: أنه ذكر مهنأ بن يحيى وكان من كبار أصحاب أحمد، وذكر عن الدار الدارقطني أنه قَالَ: مهنأ ثقة نبيل، وحكى بعد ذلك عن 66/ أأبي/ الفتح الأزدي أنه قَالَ: مهنأ منكر الحديث، وهو يعلم أن الأزدي مطعون فيه عند الكل.
قَالَ الخطيب: حدثني أبو النجيب عبد الغفار بن عبد الواحد الأرموي قَالَ: رأيت أهل الموصل يهينون أبا الفتح الأزدي ولا يعدونه شيئا.
قَالَ الخطيب: حدثني محمد بن صدقة الموصلي: أن أبا الفتح قدم بغداد على ابن بويه، فوضع له حديثا: أن جبريل عليه السلام كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في صورنا، فأعطاه دراهم أفلا يستحي الخطيب أن يقابل قول الدار الدارقطني في مهنا بقول هذا، ثم لا يتكلم عليه هذا ينبئ عن عصبية وقلة دين.
قَالَ الخطيب على أبي الحسن التميمي بقول أبي القاسم عبد الواحد بن علي الأسدي وهو ابن برهان، وكان الأسدي معتزليا، وقد انتصرت للتميمي من الخطيب في
__________
[1] «رضي الله عنه» سقطت من ص، ت.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] «عجيب» سقطت من ص، ت.(16/132)
ترجمته وقال [1] الخطيب علي أبي عبد الله بن بطة بعد أن ذكر عن القاضي أبي حامد الدلوي والعتيقي: أنه كان صالحا مستجاب الدعوة، ثم عاد يحكى عن أبي ذر الهروي وهو أول من أدخل الحرم مذهب الأشعري القدح في ابن بطة، ويحكى عن أبي القاسم بن برهان القدح فيه، وقد انتصرت لابن بطة من الخطيب في ترجمته، ومال الخطيب علي أبي علي بن المذهب بما لا يقدح عند الفقهاء، وإنما يقدح ما ذكره في قلة فهمه، وقد ذكرت ذلك في ترجمة ابن المذهب.
/ وكان في الخطيب شيئان أحدهما: الجري على عادة عوام المحدثين في الجرح 66/ ب والتعديل، فإنهم يجرحون بما ليس يجرح، وذلك لقلة فهمهم، والثاني: التعصب على مذهب أحمد وأصحابه، وقد ذكر في كتاب «الجهر» أحاديث نعلم أنها لا تصح، وفي كتاب «القنوت» أيضا، وذكر في مسألة صوم يوم الغيم [2] حديثا يدرى أنه موضوع فاحتج به، ولم يذكر عليه شيئا، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ رَوَى حَدِيثًا يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكاذبين [3] » .
وقد كشفت عن جميع ذلك في كتاب «التحقيق في أحاديث التعليق» وتعصبه على ابن المذهب ولأهل البدع مألوف منه، وقد بان لمن قبلنا.
فأنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي، عن أبيه قَالَ: سمعت إسماعيل بن أبي الفضل القومسي وكان من أهل المعرفة بالحديث يقول: ثلاثة من الحفاظ لا أحبهم لشدة تعصبهم وقلة إنصافهم: الحاكم أبو عبد الله، وأبو نعيم الأصبهاني، وأبو بكر الخطيب.
قَالَ المصنف: لقد صدق إسماعيل وقد كان من كبار الحفاظ ثقة صدوقا، له
__________
[1] في الأصل: «ومال» .
[2] في الأصل: «يوم عرفة» .
[3] حديث: «مَنْ رَوَى حَدِيثًا يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أحد الكاذبين» .
أخرجه: الإمام أحمد في زوائد مسندة، وابن جرير، وابن ماجة عن علي.
ومسلم، وأحمد، وابن ماجة، وابن جرير عن المغيرة والطيالسي في مسندة، والإمام أحمد في المسند، ومسلم في صحيحه، وابن ماجة في سننه عن سمرة.(16/133)
معرفة حسنة بالرجال والمتون، غزير الديانة، سمع أبا الحسين بن المهتدى، وجابر بن ياسين، وابن النقور وغيرهم، وقال الحق، فإن الحاكم كان متشيعا ظاهر التشيع، والآخران كانا يتعصبان للمتكلمين والأشاعرة، وما يليق هذا بأصحاب الحديث، لأن 67/ أالحديث جاء في ذم الكلام، وقد أكد الشافعي في هذا حتى/ قَالَ: رأيي في أصحاب الكلام [1] أن يحملوا على البغال ويطاف بهم.
وكان للخطيب شيء من المال، فكتب إلى القائم بأمر الله: إني إذا مت كان مالي لبيت المال، وإني استأذن أن أفرقه على من شئت. فأذن له ففرقه على أصحاب الحديث، وكان مائتي دينار، ووقف كتبه على المسلمين، وسلمها إلى أبي الفضل، فكان يعزها، ثم صارت إلى ابنه الفضل فاحترقت في داره.
ووصى الخطيب أن يتصدق بجميع ما عليه من الثياب، وكان يقول: شربت ماء زمزم لثلاث [2] : على نية أن أدخل بغداد، وأروى بها التاريخ، وأن أموت بها وأدفن إلى جنب [3] بشر بن الحارث، وقد رزقني الله تعالى دخولها، ورواية التاريخ بها، وأنا أرجو الثالثة، وأوصى أن يدفن إلى جانب بشر.
توفي ضحوة نهار يوم الاثنين سابع ذي الحجة من هذه السنة في حجرة كان يسكنها بدرب السلسلة في جوار المدرسة النظامية، وحمل جنازته أبو إسحاق الشيرازي، وعبر به على الجسر، وجازوا به في الكرخ [4] ، وحمل إلى جامع المنصور، وحضر الأماثل والفقهاء والخلق الكثير، وصلى عليه أبو الحسين بن المهتدى، ودفن إلى جانب بشر، وكان أحمد بن علي الطريثيثي قد حفر هناك قبرًا لنفسه، فكان يمضي إلى ذلك الموضع ويختم فيه القرآن عدة سنين، فلما أرادوا دفن الخطيب هناك منعهم، وقال: هذا قبري أنا حفرته وختمت فيه القرآن عدة دفعات [5] ولا أمكنكم. فقال له أبو
__________
[1] في الأصل: «الحديث» .
[2] «لثلاث» سقطت من ص، ت.
[3] في ص: «أدفن بجنب» .
[4] في الأصل: «وعبر به على الكرخ وجاوز به في الجسر» .
[5] في ص: «وختمت فيه ختمات» .(16/134)
سعد الصوفي: يا شيخ/ لو كان بشر الحافي في الحياة ودخلت أنت والخطيب عليه [1] 67/ ب أيكما كان يقعد إلى جانبه، فقال: الخطيب. فقال: كذا ينبغي أن يكون في حالة الموت. فطاب قلبه ورضي فدفن الخطيب هناك.
3408- حسان بن سعيد بن حسان بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن منيع بن خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي المنيعي، أبو علي
[2] .
كان في شبابه يجمع بين الدهقنة والتجارة، فساد أهل ناحيته بالثروة والمروءة، ثم أعرض عن الدنيا اشتغالا بالتقوى والورع، وسمع الحديث من جماعة وأخذ في بناء المساجد، والرباطات، والقناطر، وبنى الجامع ببلده مروالروذ، وكان السلطان يجيء إليه ويتبرك به، ووقع غلاء فكان ينصب القدور كل يوم، ويطبخ فيها، ويحضر زيادة على ألف منا من الخبز ويجمع الفقراء، ويفرق عليهم ويوصل إليهم صدقة السر بحيث لا يعلم أحد، ويتعهد المنقطعين في الزوايا، ويتخذ كل سنة للشتاء الجباب والقمص والسراويلات، فيكسو قريبا من ألف فقير، ويجهز بنات الفقراء الأيتام، ورفع الأعشار من أبواب نيسابور، والوظائف عن القرى، وكان يحيى الليل ويصوم، ويجتهد في العبادة اجتهادا يعجز عنه غيره، ويمشي من بيته إلى المسجد، ويلبس الغليظ من الثياب، ويتمندل بإزار من صوف، ويصلى على قطعة لبد، ويقعد على التراب فأصابه مرض من شدة تعبده، فحمل إلى بلدته فتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
3409- كريمة بنت أحمد [3] بن محمد بن أبي حاتم المروزية
[4] .
/ من أهل «كشميهن» قرية من قرى مرو، وكانت عالمة صالحة، سمعت أبا الهيثم 68/ أ
__________
[1] في الأصل: «إليه» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 103 وشذرات الذهب 3/ 313. والكامل 8/ 390) .
[3] في ت: «كريمة خاتون بنت أحمد ... » .
[4] انظر ترجمتها في: (الكامل لابن الأثير 8/ 390. والأعلام للزركلي 5/ 225. والبداية والنهاية 12/ 105. وشذرات الذهب 3/ 314) .(16/135)
الكشميهني وغيره، وقرأ عليها الأئمة: كالخطيب، وابن المطلب، والسمعاني، وأبي طالب الزينبي، توفيت بمكة في هذه السنة.
3410- محمد بن وشاح [1] بن عبد الله، أبو علي، مولى أبي تمام محمد بن علي بن أبي [2] الحسن الزينبي
[3] .
ولد سنة تسع وسبعين وثلاثمائة. [في جمادى الآخرة وقيل سنة ست وسبعين] [4] وكان كاتبا لنقيب النقباء الكامل، وكان أديبا شاعرا، وسمع أبا حفص [5] بن شاهين، وأبا طاهر المخلص، وغيرهما، وحدث عنهم، وكان يرمى بالاعتزال والرفض.
توفي في ليلة الأحد سابع عشرين رجب هذه السنة عن أربع وثمانين سنة، وقبره في مقبرة جامع المنصور.
أنبأنا محمد بن طاهر قَالَ: أنشدنا أبو علي بن وشاح لنفسه:
حملت العصا لا الضعف أوجب حملها ... على ولا أني انحنيت من الكبر [6]
ولكنني ألزمت نفسي بحملها ... لأعلمها أني المقيم على سفر
3411- محمد بن علي بن الحسن بن الدجاجي [7] ، أبو الغنائم القاضي
[8] .
سمع أبا الحسن الحربي [9] السكوني، وأبا طاهر المخلص، وابن معروف، وغيرهم، وكان سماعه صحيحا وهو من أهل السنة، حدثنا عنه، وكان له مال فافتقر في
__________
[1] في ت: «وشاح بن وشاح» .
[2] في ت: «محمد بن علي بن الحسن الزينبي» .
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 314) .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «سمع أبا دقة، وابن شاهين» .
[6] في الأصل: «ولا أني تجنّيت من كبر» .
[7] في ت: «محمد بن علي بن الحسن الدجاجيّ» .
[8] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 314 والأنساب للسمعاني 5/ 282 وفيه: الدجاجيّ نسبة إلى بيع الدجاج. وتاريخ بغداد 3/ 108) .
[9] في ص: «أبا الحسن الحميري السكونيّ» .(16/136)
آخر عمره، فجمع له أهل الحديث شيئا فلم يقبل، وقال: وا فضيحتنا، آخذ عَلَى حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لا والله.
وتوفي يوم الخميس سلخ شعبان، ودفن يوم الجمعة [1] غرة رمضان بمقبرة الخيزران.
3412- محمد بن الحسين بن [2] حمزة، أبو يعلى الجعفري/ فقيه الإمامية
[3] . 68/ ب
__________
[1] في الأصل: «وتوفي يوم الخميس سلخ شعبان ودفن يوم الخميس سلخ شعبان ودفن يوم الجمعة غرة رمضان» تكرار في الجملة.
[2] في الأصل: «محمد بن الحسن» .
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 390) .(16/137)
ثم دخلت سنة اربع وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه ركب قاضي القضاة في المحرم عائدا أبا نصر بن الصباغ.
وفي يوم الخميس حادي عشر ربيع الآخر: وصل سعد الدولة، وخرج الجماعة وقبل عتبة باب النوبي، ونزل دار المملكة، وتردد إلى الديوان، وسأل الوصول إلى الخدمة وتسليم كتابه من يده، وإيراد رسالة من لفظه، فأذن في ذلك يوم السبت لعشر بقين من ربيع الآخر، فوصل مع فخر الدولة أبي نصر بن جهير، وكان يؤثر [1] دخوله وحده فلم يجب، فسلم كتاب السلطان في خريطة سوداء، ولم يمكنه مع حضور فخر الدولة المشافهة بالرسالة، فسطرها في رقعة، وتعرف الخليفة خبر السلطان وسلامته عن سلامته في نفسه واستقامة الأمور لديه، ثم استأذن في إحضار ثلاثة حجاب، فأذن لهم فدخلوا فخدموا ثم انصرفوا.
[حدوث زلزلة ارتجت لها الأرض ست مرات.]
وفي ليلة الجمعة [2] لأربع بقين من ربيع الآخر، وقت طلوع الفجر: حدثت زلزلة ارتجت لها الأرض ست مرات.
وفي جمادى الآخرة: لقي أبو سعد بن أبي عمامة مغنية قد خرجت من عند تركي بنهر طابق فقبض على عودها وقطع أوتاره، فعادت إلى التركي فأخبرته، فبعث التركي
__________
[1] في ص، ت سقطت كلمة «وكان» .
[2] في الأصل: «وفي ليلة الاثنين» .(16/138)
إليه من كبس داره وأفلت، وعبر إلى الحريم إلى ابن أبي موسى الهاشمي شاكيا ما لقي، واجتمع الحنابلة في جامع القصر من الغد فأقاموا فيه مستغيثين، وأدخلوا معهم الشيخ أبا إسحاق [1] الشيرازي وأصحابه، وطلبوا قلع المواخير/ وتتبع المفسدات ومن يبيع 69/ أالنبيذ، وضرب دراهم تقع المعاملة بها عوض القراضة، فتقدم أمير المؤمنين بذلك، فهرب المفسدات، وكبست الدور، وارتفعت الأنبذة، ووعد بقلع المواخير ومكاتبة عضد الدولة برفعها، والتقدم بضرب دراهم يتعامل بها، فلم يقتنع أقوام منهم بالوعد، وأظهر أبو إسحاق الخروج من البلد فروسل برسالة سكتته.
وحكى أبو المعالي صالح بن شافع عمن حدثه أن الشريف أبا جعفر رأى محمد ابن الوكيل حين غرقت بغداد في سنة ست وستين، وجرى على دار الخلافة العجائب، وقد جاء ببعض الجهات إلى الترب بالرصافة أو غيرها من تلك الأماكن، وهم على غاية التخبيط، فقال له الشريف: يا محمد يا محمد، قَالَ: لبيك يا سيدنا. قَالَ. كتبنا وكتبتم، وجاء جوابنا قبل جوابكم- يشير إلى قوله «سأكتب في رفع المواخير» ويريد بالجواب الغرق وما فيه.
وفي هذا الوقت غلت الأسعار، وتعذر اللحم ووقع الموتان في الحيوان، حتى إن راعيا في بعض طريق خراسان قام عند الصباح إلى غنمة ليسوقها فوجدها موتى.
ووقع سيل عظيم، وبرد كثير في طريق خراسان، وكان في المكان المسمى بباغ [2] ثلاثة آلاف وخمسمائة جريب حنطة وشعيرا فبرد [3] ونسفته الريح [4] فلم يشاهد له أثر، وانقلع شجر التوت العظيم من أصله، وإحدى عشرة نخلة، وقام في ساقية من البرد إلى فخذ الإنسان [5] ، واحضر قوم من قردلى بندقا من الطين قد وقع مع البرد كبيضة العصفور طيب الرائحة.
__________
[1] في ص: «وأدخلوا عليهم أبا إسحاق» .
[2] في ت: «وكان في الموضع المسمى تباع ثلاثة آلاف» .
[3] في ص: «وخمسمائة جريب حنطة وشعير فرد» .
[4] في ت: «وأنسفته الريح» .
[5] في الأصل: «إلى فخذ الرجل» .(16/139)
69/ ب وفي هذه الأيام كان ابن محسن/ الوكيل قد توكل على صاحب الظفر الخادم في معنى دار، فحضر ظفر عند الوزير فخر الدولة، وخاصم ابن محسن، واستخف به، حتى قَالَ: هذا يأخذ أموال الناس ويبيع الشريعة بالثمن الخسيس، ويحكم القضاة بما لا يحل، ويشهد الشهود بما لا يجوز. وكان قاضي القضاة حاضرا فغالطه وأظهر أنه لم يسمع، فأعان الوزير ابن محسن، فنهض ظفر مغضبا وقال لأصحابه: أين رأيتم ابن محسن فاقتلوه. فركب قاضي القضاة للقاء صافي الخادم، وقد قدم من عند السلطان، فخرج معه ابن محسن، فضربه أصحاب ظفر، ووقعت مقرعة في قاضي القضاة فامتعض ونزل عن البغلة، ومشى من الحلبة إلى شاطئ دجلة على ثقل بدنه، وعبر إلى داره، وراسله الوزير أن يعود إلى الديوان فأبى، وكان ذلك بمرأى من الخليفة، لأنه كان في المنظرة، فتقدم إلى الوزير بصرف ظفر من الدار، والختم على داره واصطبلاته وما يتعلق به، ونقض الدار التي جرى عليها الخصام، وضرب الغلام الذي ضرب ابن محسن على باب النوبي مائة سوط، وركب أحد الغلمان الخواص إلى قاضي القضاة فاعتذر إليه مما جرى.
وعقد للأمير عدة الدين على ابنة السلطان من خاتون السفرية، وكان العقد في دار المملكة بنيسابور، وضربت الدبادب والبوقات وامتلأت الدّار [1] بالفيلة المزينة، والخيل المجفجفة، وجلس السلطان ألب أرسلان على سرير الملك ونظام الملك قائم بين يديه/ وخطب الشطبي، ووكل السلطان نظام الملك [2] وكان وكيل [3] عدة الدين عميد الدولة أبي نصر بن جهير، فعقد العقد، ووقع النثار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3413- أحمد بن عثمان بن الفضل بن جعفر، أبو الفرج المخبزي
[4] .
__________
[1] «بنيسابور، وضربت الدبادب والبوقات وامتلأت الدار» سقطت من ص.
[2] «قائم بين يديه وخطب الشطبي، ووكل السلطان نظام الملك» هذه العبارة ساقطة من ص.
[3] في الأصل: «وكان وكيله عدة الدين» .
[4] في الأصل، ص: «المحري» وما أثبتناه من ت، وفي تاريخ بغداد 4/ 302: «المعروف بابن المخبزي» . انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 302) .(16/140)
ولد في سنة ست وسبعين وثلاثمائة، وحدث عن أبي القاسم بن حبابة، وعلى بن عيسى، توفي ليلة الأربعاء العشرين من صفر.
3414- بكر بن محمد بن حيدر، أبو منصور النيسابوري
[1] .
ولد في سنة ست وثمانين وثلاثمائة، وذكر أنه من ولد عثمان بن عفان، وسمع من أبي علي بن المذهب، وكان ثقة، وتوفي بالري في محرم هذه السنة.
3415- جابر بن ياسين بن الحسن بن محمد بن محمويه، أبو الحسن الجبائي [2] العطار [3] .
ولد يوم الثلاثاء ثامن محرم سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، وسمع أبا حفص الكتاني، وأبا طاهر المخلص، وعيسى بن علي وغيرهم، وحدث وكان ثقة من أهل السنة، حدثنا عنه جماعة من مشايخنا، وتوفي في ليلة الأحد خامس عشرين شوال، ودفن في مقبرة باب حرب قريبا من قبة السعيد.
3416- محمد بن أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الصمد بن المهتدي باللَّه، أبو الحسن الهاشمي خطيب جامع المنصور
[4] .
ولد في شوال سنة أربع وثمانين، وقرأ القرآن على أبي القاسم الصيدلاني، وحدث عن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير الحافظ، وأبي الحسن بن رزقويه [5] ، / وعثمان الباقلاوي [6] وغيرهم، حدثنا عنه مشايخنا، وقد حدّث عنه الخطيب، وكان 70/ ب عدلا ثقة، شهد عند ابن ماكولا، وأبي عبد الله الدامغاني فقبلا شهادته، وكان ممن يلبس القلانس الطوال التي تسميها العوام: الدنيات، وتوفي يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 318. والبداية والنهاية 12/ 105. وتاريخ نيسابور ت 422) .
[2] في ص: «الجباني» ، وفي شذرات الذهب 3/ 316: «الحنائي» . وهي غير موجودة في تاريخ بغداد.
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 316. تاريخ بغداد 7/ 239) .
[4] انظر ترجمته في: (الكامل لابن الأثير 8/ 392. وتاريخ بغداد 1/ 356. والبداية والنهاية 12/ 105) .
[5] في الأصل: «رزقونة» .
[6] في الأصل: «الباقلاني» .(16/141)
الأولى من هذه السنة، وصلى عليه أبو الفوارس الزينبي النقيب في جامع المدينة، ودفن بقرب قبر بشر الحافي.
3417- محمد بن أحمد بن شاده بن جعفر، أبو عبد الله الأصبهاني القاضي بدجيل
[1] .
تفقه على مذهب الشافعي رضي الله عنه [2] ، وسمع أبا عمرو بن مهدي [3] ، وغيره، روى عنه أشياخنا، وكان ثقة، توفي فجأة يوم الجمعة حادي عشر ذي القعدة من هذه السنة، وصلى عليه في جامع المدينة، وحمل إلى القرية المعروفة بواسط دجيل فدفن فيها.
3418- محمد بن علي
بن عبيد الله [4] ، أبو بكر الطحان، ويعرف: بابن القابلة.
سمع أبا الحسين بن سمعون، وتوفي يوم عيد الفطر من هذه السنة وكان رجلا صالحا.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 105) .
[2] «رضي الله عنه» سقطت من ص، ت.
[3] في ص: «أبا عمر بن مهدي» .
[4] في ت: «ابن عبد الله» .(16/142)
ثم دخلت سنة خمس وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه يوم الحادي عشر من محرم حضر أبو الوفاء ابن عقيل الديوان ومعه جماعة من الحنابلة/ واصطلحوا، ولم يحضر الشريف أبو جعفر الديوان يومئذ لأجل ما جرى منه 71/ أفيما يتعلق بإنكار المواخير على ما سبق ذكره، فمضى ابن عقيل إلى بيت الشريف وصالحه، وكانت نسخة ما كتب به ابن عقيل خطه ونسب إلى توبته: بسم الله الرحمن الرحيم يقول على بن عقيل بن محمد: إني ابرأ إلى الله تعالى من مذاهب المبتدعة والاعتزال وغيره، ومن صحبة أربابه، وتعظيم أصحابه، والترحم على أسلافهم والتكثر بأخلافهم [1] وما كنت علقته ووجد خطى به من مذاهبهم وضلالاتهم فأنا تائب إلى الله تعالى من كتابته، [2] [وأنه لا تحل كتابته] [3] ولا قراءته ولا اعتقاده، وأني علقت مسألة الليل في جملة ذلك، وأن قوما قالوا: هو أجسام سود، وقلت: الصحيح ما سمعت من الشيخ أبي علي، وأنه قَالَ: هو عدم، ولا يسمى جسما ولا شيئا أصلا، واعتقدت أنا ذلك، وأنا تائب إلى الله تعالى منه، واعتقدت [4] في الحلاج أنه من أهل الدين والزهد والكرامات، ونصرت ذلك في جزء عملته، وأنا تائب إلى الله تعالى منه، وأنه قتل
__________
[1] «والتكثر بأخلافهم» سقطت من ص.
[2] في الأصل: «فأنا تائب إلى الله تعالى منه من كتابته» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] «أنا ذلك، وأنا تائب إلى الله تعالى منه، واعتقدت» هذه العبارة سقطت من ص.(16/143)
بإجماع فقهاء عصره، وأصابوا في ذلك، واخطأ هو، ومع ذلك فإني أستغفر الله تعالى [1] وأتوب إليه من مخالطة المبتدعة والمعتزلة وغيرهم، ومكاثرتهم، والترحم عليهم، والتعظيم لهم، فإن ذلك كله حرام، ولا يحل لمسلم فعله، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَظَّمَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ فَقَدْ أَعَانَ عَلَى هَدْمِ الإِسْلَامِ» ، وقد كان الشريف أبو جعفر ومن معه من 71/ ب الشيوخ والأتباع ساداتي وإخواني- حرسهم الله- مصيبين/ في الإنكار علي لما شاهدوه بخطى في الكتب التي أبرأ إلى الله تعالى منها، وأتحقق أني كتبت مخطئا وغير مصيب، ومتى حفظ على ما ينافي هذا الخط وهذا الإقرار فلإمام المسلمين مكافأتي على ذلك بما يوجبه الشرع من ردع ونكال وإبعاد وغير ذلك فأشهدت اللَّه تعالى وملائكته وأولي العلم عَلَى ذلك [2] غير مجبر ولا مكره، وباطني وظاهري يعلم الله تعالى في ذلك سواء. قَالَ الله تعالى: وَمن عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَالله عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ 5: 95 [3] وكتب يوم الأربعاء عاشر محرم سنة خمس وستين وأربعمائة. وشهد عليه بذلك جماعة كثيرة من الشهود.
[وقوع الإرجاف بقتل السلطان ألب أرسلان محمد بن داود]
وفي ربيع الأول [4] وقع الإرجاف بقتل السلطان ألب أرسلان محمد بن داود، فنودي من دار الخلافة في الحريم بالتوعد لمن يتفوه بذاك، ثم تزايدت الكتب من الأهواز، والري بصحته، وكان السلطان قد غزا في أول هذه السنة جيحون على جسر مده، وكان معه زيادة على مائتي ألف فارس، وعبر [عسكره النهر في صفر وأتاه] [5] أصحابه بمستحفظ قلعة يعرف بيوسف الخوارزمي في سادس ربيع الأول، فحضر إليه بيد غلامين [6] ، كل واحد قد أمسك يده، فلما وصل شتمه السلطان وواقفه على أفعال قبيحة كانت منه، وتقدم بأن يضرب له أربعة أوتاد، وتشد أطرافه إليها، فقال له يوسف:
__________
[1] في الأصل: «وأخطأ هو وأنا استغفر الله تعالى» .
[2] «فأشهدت اللَّه تعالى وملائكته وأولي العلم عَلَى ذلك» سقطت من ص. وكلمة «وملائكته» سقطت من ت.
[3] سورة: المائدة، الآية: 95.
[4] في الأصل: «وفي ربيع الآخر» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «فحط إليه يد غلامين» .(16/144)
يا مخنث، مثلي يقتل هذه القتلة؟! فاحتد السلطان، وأخذ القوس والنشابة، وقال للغلامين: خلياه، فرماه بسهم فأخطأ، فعدا يوسف إليه، وكان السلطان جالسا على سدة فنهض فنزل، فعثر ووقع على وجهه، فبرك عليه/ يوسف فضربه بسكين كانت معه 72/ أفي خاصرته، فلحقه الجند فقتلوه، وشدت جراحة السلطان، وعاد إلى جيحون فتوفي، وكان ذلك يوم السبت عاشر ربيع الأول.
وكان لما بلغ أهل بخارى عبوره، وتقدمت سريته، اجتاحت ونهبت، واجتمع الصالحون وصاموا ودعوا عليه فهلك.
فلما مات جمع العسكر، وجلس ولده على سدة الملك، والأمراء قيام، فقال له نظام الملك: تكلم أيها السلطان! فقال: الأكبر منكم أبي، والأوسط أخي، والأصغر ولدي، وسأفعل معكم ما لم أسبق إليه. فأمسكوا فأعاد القول فأجابوا بالسمع والطاعة.
وتولى نظام الملك وأبو سعد المستوفي أخذ البيعة عليهم، وإطلاق الأموال لهم، وزيدوا في الجامكية ما قدره سبع مائة ألف دينار، وساروا إلى مرو، فدفن السلطان بها إلى جنب قبر أبيه، وجلس الوزير فخر الدولة للعزاء بالسلطان في صحن السلام يوم الأحد الثامن من جمادى الأولى، وخرج في يوم الثلاثاء توقيع من الخليفة يتضمن الجزع علي السلطان، ويذكر سعيه في مصالح المسلمين، وفتكه بالروم، وغلقت الأسواق أيام العزاء، وأقامت خاتون زوجة الخليفة العزاء والمناحة، وجلست على التراب.
ووردت كتب السلطان إلى دار الخلافة في ثامن رجب يذكر وفاة والده، ويسأل إقامة الخطبة، فأقيمت من غد على المنابر.
[ثوران الفتنة بين أهل الكرخ وباب البصرة]
وفي شعبان: ثارت فتنة بين أهل الكرخ وباب البصرة، والقلائين، / أحرق فيها 72/ ب من الكرخ الصاغة وقطعة من الصف، وقتل فيها خلق كثير.
ولما بلغ قاورت بك [1] وفاة أخيه ألب أرسلان سار طالبا للري والممالك، فسبقه إليها ملك شاه، فالتقوا بقرب همذان في رابع شعبان، وكان العسكر مائلا إلى قاورت
__________
[1] في كل النسخ: «قارون» بالنون. وفي الكامل لابن الأثير 8/ 396، والبداية والنهاية 12/ 106:
«قاروت» .(16/145)
بك، فحمل قاورت على ميمنة ملك شاه فكسرها، وحمل هؤلاء على ميمنته فهزموها، فالتجأ قاورت إلى بعض القرى، فجاء رجل سوادي فأخبر ملك شاه، فأخذه وكان قبل ذلك قد داراه، ووعده بالإقطاع الكثير فسطع وأبى وحارب، فجيء به ماشيا فأومأ بتقبيل [1] الأرض، ثم قبل يد السلطان فقال له ملك شاه: يا عم، كيف أنت من تعبك أما تستحي يا أخي، أما تستحي [2] من هذا الفعل؟ أطرحت وصية أخيك، وأظهرت الشماتة به، وقصدت ولده، وفعلت ما لقاك الله جوابه، فقال: والله ما أردت قصدك، وإنما عسكرك واصلوا مكاتبتي.
فأنفذ إلى همذان فاعتقل هناك، فلما وصل السلطان إلى همذان أمر بقتله فخنق ثم إن العسكر تبسطوا وقالوا: ما يمنع السلطان أن يعطينا ما نريد إلا نظام الملك، وبسطوا أيديهم في التصرف، فذكر النظام للسلطان طرفا من هذا، وبين له ما في هذا من الوهن، وخرق السياسة، وقال: ما يمكنني أن أعمل شيئا من غير إذنك، فإما أن تدبر أنت، أو تأمرني فيه بما أعتمده فقال له: قد رددت إليك الأمور كبيرها وصغيرها، وقليلها وكثيرها، وما منى اعتراض عليك، ولا رد لما يكون منك، وأنت الوالد. وحلف له، 73/ أوأقطعه طوس بلده، وتقدم بإفاضة الخلع عليه، / وأعطاه دواة وعليها ألف مثقال، ومنجوقا عليه طلعة فيها ألف مثقال، ومدرجة محلاة ألف مثقال، ومائة ثوب ديباج، وعشرين ألف دينار، ولقبه: أتابك، ومعناه: الأمير الوالد.
وظهر من النظام من الرجلة والشهامة والصبر إلى حين ظفر بالمراد واللطف بالرعية، حتى إن المرأة الضعيفة تخاطبه ويخاطبها، ولقد رفع بعض حجابه امرأة ضعيفة [فزبره] [3] وقال: أنا استخدمتك لتوصل إلى مثل هذه، لا لتوصل إلى رجلا كبيرا، أو حاجبا جليلا. ثم صرفه، وكان إذا اجتاز بضيعة فأفسدها العسكر غرم لصاحبها فيه ما أفسدوا.
وفي شعبان: قصد أهل المحال الكرخ، فقاتلوا أهلها، وأحرقوا فيها شيئا كثيرا،
__________
[1] في الأصل: «ولومي بتقبيل الأرض» .
[2] «يا أخي أما تستحي» سقطت من ص، ت.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/146)
وخرج الشحنة، فأخذ من ثياب أهل باب البصرة وثياب أهل القلائين ما حمله أصحابه على البغال.
[ورود جراد عظيم]
وفي رمضان: ورد جراد عظيم أكل ما وجد، حتى عدم البقل [في آخر هذا الشهر] [1] فبيع ما جلب منه من عكبرا بالميزان.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3419- أحمد بن الحسن بن عبد الودود بن المهتدى [باللَّه]
[2] :
سمع أبا الحسين [3] بن المتيم، والصرصري، وغيرهما، وحدث.
وتوفي في يوم الأربعاء رابع عشرين شوال.
3420- ألب أرسلان، واسمه: محمد، إنما غلب عليه ألب أرسلان بن داود السلطان
[4] :
قد ذكرنا سيره في الحوادث، وكيفية قتله، وكان يقول حين قتل: ما وجه قصدته إلا واستعنت الله عليه إلا هذا الوجه، / فإني اشتغلت بالعساكر، ولم يخطر ربي بقلبي. 73/ ب قَالَ: ولما كان في أمسنا صعدت تلا فارتجت الأرض تحتي من عظم الجيش وكثرة العسكر، فقلت في نفسي: أنا ملك الدنيا، وما يقدر أحد علي، فجاءتني قدرة لم يخطر على بالي، وأنا استغفر الله من ذلك الخاطر، ووصى العسكر بولده ملك شاه الذي جعل فيه الملك بعده، ونظام الملك وزيره، والطاعة لهما، وأحلف من ينبغي أن يحلف، واستوثق وأوصى أن يعطى أخاه «قاورت بك» أعمال فارس، وكرمان، وشيئا عينه من المال، وأن يتزوج بزوجته، وأن يعطى ابنه «إياز» ما كان لداود والده وهو خمسمائة ألف دينار، وأن يكون لولده ملك شاه القلعة وما ضمها.
وتوفي في يوم السبت عاشر ربيع الأول من هذه السنة، ودفن عند قبر أبيه بمرو.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «أبا الحسن» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 107. وشذرات الذهب 3/ 318. والكامل 8/ 394، 395) .(16/147)
3421- الحسن بن محمد بن علي [بن فهد] [1] العلاف
[2] .
سمع الحديث،. وقرئ عليه، وكان صالحا ورعا مجتهدا، وعمَّر حتى جاوز المائة سنة بثلاث سنين، وسقطت أسنانه ثم نبتت، وتطرأ شعر لحيته.
توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
3422- الحسين بن محمد، أبو محمد الهاشمي الدلال
[3] .
من أهل نهر طابق، سمع أبا بكر بن بشران، وأبا الحسن الدار الدّارقطنيّ، توفي يوم الأحد رابع عشرين ربيع الآخر، ومر بجنازته في الكرخ وجرت فتنة عظيمة، ودفن في مقبرة باب الدير.
3423- عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك [بن طلحة] [4] أبو القاسم القشيري
[5] .
قشيري الأب، سلمى الأم، ولد سنة ست وسبعين وثلاثمائة، توفي أبوه وهو طفل، 74/ أفنشأ وقرأ الأدب والعربية، وكان يهوى مخالطة/ أهل الدنيا، فحضر عند أبي علي الدقاق فجذبه عن ذلك، فسمع الفقه من أبي بكر محمد بن بكر الطوسي، ثم اختلف إلى أبي بكر بن فورك فأخذ عنه الكلام، وصار رأسا في الأشاعرة، وصنف «التفسير الكبير» ، وخرج إلى الحج في رفقة فيها أبو المعالي الجويني، وأبو بكر البيهقي، فسمع معهما الحديث ببغداد والحجاز، ثم أملى الحديث، وكان يعظ.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] العلّاف: بفتح العين المهملة، وتشديد اللام ألف، وفي آخرها الفاء. هذه النسبة لمن يبيع علف الدواب أو يجمعه من الصحاري ويبيعه، واشتهر جماعة بهذه النسبة (الأنساب 9/ 95) .
[3] الدّلّال: بفتح الدال المهملة وتشديد اللام ألف. هذه النسبة لمن يتوسط بين الناس في البياعات وينادي على السلعة من كل جنس (الأنساب 5/ 385) .
[4] «بن طلحة» سقطت من ص، والأصل.
[5] «القشيري» سقطت من ص.
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 83. الكامل 8/ 402. والبداية والنهاية 12/ 107. وشذرات الذهب 3/ 319، 320، 321، 322. وطبقات السبكي 3/ 243: 248. ووفيات الأعيان 1/ 299.
ومفتاح السعادة 1/ 438، 2/ 186 وتاريخ نيسابور ت 1104) .(16/148)
وتوفي في رجب هذه السنة بنيسابور، ودفن إلى جانب شيخه أبي علي الدقاق، ولم يدخل أحد من أولاده بيته، ولا مس ثيابه ولا كتبه إلا بعد سنين احتراما له وتعظيما، ومن عجيب ما وقع أن الفرس التي كان يركبها كانت قد أهديت إليه، فركبها عشرين سنة لم يركب غيرها، فذكر أنها لم تعلف بعد وفاته، وتلفت بعد أسبوع.
3424- عبد الصمد [1] بن علي بن محمد بن الحسن بن الفضل بن المأمون، أبو الغنائم
[2] :
ولد سنة أربع وسبعين وثلاثمائة وسمع الدارقطني، والمخلص، وأبا الحسن الحربي، وغيرهم، وحدث وكان ثقة، وحدثنا عنه جماعة من شيوخنا آخرهم محمد بن عمر بن يوسف الأرموي.
وتوفي ليلة الخميس ثامن عشر شوال، ودفن بمقبرة باب حرب عند الشهداء.
3425- عمر بن محمد، بن درهم
[3] .
سمع أبا الحسين [4] بن بشران، وتوفي في ليلة الجمعة تاسع عشرين ربيع الآخر، وصلي عليه بجامع المنصور، ودفن بمقبرة باب حرب.
3426- علي بن الحسن [5] / بن علي بن الفضل، أبو منصور الكاتب، المعروف: 74/ ب بابن صربعر
[6] .
وقال له نظام الملك: أنت صردر، لا ابن صربعر.
وهجاه ابن البياضي فلطمه فقال:
لئن نبز الناس شحا أباك ... فسموه من شحه صرّبعرا
__________
[1] في ت: «عبد العزيز»
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 401. وشذرات الذهب 3/ 319) .
[3] في الأصل: «عمر بن محمد بن عمر بن درهم» .
[4] في الأصل: «أبا الحسن» .
[5] في الأصل: «علي بن الحسين» وكذا في البداية والنهاية 12/ 108.
[6] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 322 وفيه: «صردر» . والكامل 8/ 402. والبداية والنهاية 12/ 108. ووفيات الأعيان 3/ 385. والأعلام 4/ 272) .(16/149)
فإنك تنبز بالصربعرا ... عقوقا له وتسميه شعرا
[1] وهذا ظلم فاحش، فإن شعره غاية في الحسن، ومن شعره:
تزاورن عن أذرعات يمينا ... نواشر ليس يطعن البرينا
كلفن بنجد كأن الرياض ... أخذن لنجد عليها يمينا
وأقسمن يحملن إلا نحيلا ... إليه ويبلغن إلا حزينا
ولما استمعن زفير المشوق ... ونوح الحمام تركن الحنينا
إذا جئتما بانة الواديين ... فأرخوا النسوع وحلوا الوضينا
فثم علائق من أجلها ... ملاء الدجى والضحى قد طوينا
وقد أنبأتهم مياه الجفون ... بأن بقلبك داء دفينا
وله أيضا:
إيه أحاديث نعمان وساكنه ... إن الحديث عن الأحباب أسمار
أفتش الريح [2] عنكم كلما نفحت ... من نحو أرضكم نكباء معطار
وله أيضا:
النجاء النجاء من أرض نجد ... قبل أن يعلق الفؤاد بنجد
وله أيضا:
ما مر ذو شجن يكتّمه ... إلا أقول متيم مثلي
75/ أ/ وعهودهم بالرمل [3] قد نقضت ... وكذاك ما يبني على الرمل
من يطلع شرفا فيعلم لي ... هل روح الرعيان بالإبل
أم غرد الحادي بقافية ... منها غراب البين يستملي
وله أيضا:
أكلف القلب أن يهوى وأسأله ... صبرا وذلك جمع بين أضداد
__________
[1] في الأصل: «سفرا» .
[2] في ص، ت: «أفتش الركب» .
[3] في الأصل: «بالوصل» .(16/150)
وأكتم الركب أوطاري وأسألهم ... حاجات نفسي لقد أتعبت روادي
هل مدلج عنده من مبكر خبر ... وكيف يعلم حال الرائح الغادي
وإن رويت أحاديث الذين نأوا ... فعن نسيم الدجى والبرق إسنادي
وحفظ القرآن، وسمع الحديث من ابن بشران وغيره، وحدث، وركب يوما فتردى هو والدابة في البئر فماتا، وذلك في صفر هذه السنة، ودفن بباب أبرز.
قَالَ المصنف: وقرأت بخط ابن عقيل قَالَ: كان صربعر خازنا بالرصافة ينبز [1] بالإلحاد.
3427- محمد بن نصر
بن الحسن، أبو سعد المعروف: بابن البصري.
سمع أبا القاسم بن بشران، وكان صالحا، وتوفي في يوم الجمعة ثامن عشر صفر هذه السنة وصلى عليه القاضي أبو الحسين [2] ابن المهتدى، ودفن بباب حرب.
3428- محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن [3] بن عبيد بن عمرو بن خالد بن الرفيل، أبو جعفر ابن المسلمة القرشي
[4] .
أسلم الرفيل على يدي عمر بن الخطاب، / ولد في سنة خمس وسبعين 75/ ب وثلاثمائة، وسمع أبا الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، وهو آخر من حدث عنه، وأبا محمد بن معروف، وهو آخر من حدث عنه، وأبا عمرو الآدمي، وأبا الحسين بن أخي ميمي، وأبا طاهر المخلص، وأبا الفرج ابن المسلمة أباه في آخرين، وكان صحيح السماع، واسع الرواية، نبيلا ثقة صالحا، حدث بالكتب الكبار، وحدثنا عنه جماعة من شيوخنا وكان ثقة، وقد حدث عنه الكبار من العلماء، وخرّج له الخطيب
__________
[1] في ت: «ينبر» .
[2] في الأصل: «أبو الحسن بن المهتدي» .
[3] في الأصل، ت: «بن الحسين» .
[4] في نسخة ت بياض من أول: «عمرو بن خالد بن الرفيل......» حتى « ... على يدي عمر بن الخطاب» .
انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 323) .(16/151)
مجالس، وتوفي ليلة السبت جمادي الأولى من هذه السنة، وصلى عليه في جامع الرصافة، ودفن بالخيزرانية، وكان يوما مشهودا [1] .
3429- محمد بن أحمد بن قفرجل، أبو البركات المجهر.
سمع أبا أحمد الفرضيّ، وأبا الحسين بن بشران، وحدث بشيء يسير، وكان ثقة، وكان يملك نحوًا من عشرين ألف دينار فأوصى بالثلث صدقة، وأخرج قبل موته ألف دينار، فتصدق بها، وتوفي يوم الجمعة ثالث جمادى الأولى، ودفن في مقبرة باب الدير قريبا من قبر معروف.
3430- محمد بن عمر بن إبراهيم، أبو بكر [ابن] [2] الآدمي
[3] .
سمع أبا القاسم بن بشران، وكان ثقة، وتوفي ليلة الخميس ثالث عشرين ربيع الآخر، ودفن بمقبرة الخيزران.
3431- محمد بن علي بن محمد بن عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي باللَّه، أبو الحسين، ويعرف: بابن الغريق
[4] .
76/ أولد يوم الثلاثاء غرة ذي القعدة من سنة سبعين/ وثلاثمائة، وسمع أبا الحسن الدار الدارقطني، وأبا الفتح القواس في آخرين، وكان ثقة صالحا كثير الصيام والتلاوة، رقيق القلب، بكاء عند الذكر، حسن الصوت بالقرآن، وكان من اشتهر بالصلاح والتعبد حتى كان يقال له: زاهد بني هاشم، وكان غزير العلم والعقل، رحل الناس إليه من البلاد لعلو إسناده، وكان مكثرا، وثقل سمعه في آخر عمره فكان يقرأ هو على الناس، وذهبت إحدى عينيه، وكان آخر من حدث في الدنيا عن الدار الدّارقطنيّ، وابن شاهين، وأبي بكر بن
__________
[1] في ت: «يوما مشهورا» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] الآدمي: بمد الألف وفتحها وفتح الدال المهملة وفي آخرها الميم. هذه النسبة إلى آدم، وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه، وإن كانت هذه النسبة لجميع ولد آدم عليه السلام. (الأنساب 1/ 97) .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 108، وفيه: «ابن العريف» . وشذرات الذهب 3/ 324.
والأعلام 6/ 276. والكامل 8/ 401) .(16/152)
دوست، خطب وله ست عشرة سنة، وشهد في سنة سبع وأربعمائة، وولي القضاء في سنة تسع وأربعمائة فبقي يخطب بجامعي المنصور والمهدي ستا وسبعين سنة، وشهد ستين سنة، وتقضى ستا وخمسين سنة.
وتوفي وقت المغرب من يوم الأربعاء سلخ ذي القعدة من هذه السنة، ودفن يوم الخميس غرة ذي الحجة خلف القبة الخضراء، وكان قد جاوز التسعين، وحضره خلق عظيم، وكان يوما مشهودا. رئي في المنام فقال: غفر لي بطول تهجدي.
قَالَ أبو بكر بن الخاضبة: رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، ومناد ينادي: أين ابن الخاضبة؟ فقيل لي: ادخل الجنة فدخلت، فاستلقيت فرفعت رأسي فرأيت بغلة مسروجة ملجومة في يد غلام، فقلت: لمن هذه؟ فقيل: للشريف أبي الحسين بن الغريق. فلما كانت صبيحة تلك الليلة نعي إلينا الشريف أنه مات تلك الليلة.
3432- هناد بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن إسماعيل، أبو المظفر النسفي
[1] .
ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة وسمع أبا الحسين بن بشران، وأبا عمر القاسم بن جعفر الهاشمي، / وأبا عبد الرحمن السلمي، وغيرهم من أهل البلاد 76/ ب المختلفة. سمع منه شيوخنا وحدثونا عنه، وكانوا يتهمونه لأن الغالب [2] على حديثه المناكير.
توفي هناد في ربيع الأول من هذه السنة ببعقوبا وكان قاضيها، ودفن هناك.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 324) .
[2] في الأصل: «لأن الغالب» .(16/153)
ثم دخلت سنة ست وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في صفر جلس الخليفة جلوسا عاما وعلى رأسه الأمير عدة الدين وسنه ثماني عشرة سنة وهو في غاية الحسن، وأوصل إليه سعد الدولة الكوهرائين والجماعة، وسلم إليه العهد المنشأ للسلطان بعد أن قرأ الوزير فخر الدولة أوله، واللواء بعد أن عقده الخليفة بيده. وكان الزحام عظيما حتى هنأ الناس بعضهم بعضا بالسلامة.
وفي هذا الشهر: وردت التوقيعات لبعض التركمان بعدة نواح من إقطاع حواشي الدار العزيزة، وذلك لتغير رأي نظام الملك في الخدمة الشريفة بما أوقعه الأعداء من الضغائن بينه وبين فخر الدولة، وكان من فعل العميد أبي الوفاء، فلوطف التركمانية من الديوان بمال رضوا به عما كانوا أقطعوه.
[وردت البشارة إلى الديوان بفتح بيت المقدس]
وفي هذا الشهر: وردت الكتب إلى الديوان تتضمن البشارة بفتح بيت المقدس في شوال سنة خمس وستين، وإقامة الخطبة هناك، وكانوا قد حوصروا حتى بلغت الكارة سبعين دينارا.
[زيادة دجلة زيادة مفرطة]
77/ أوفي جمادى الآخرة: ورد الحاجب السليماني من عكبرا فدخل/ الديوان، فرسم له تدارك القورج الّذي هو فوق الدار المعزية [1] ، وكانت دجلة قد زادت زيادة مفرطة، واتصل المطر بالموصل والجبال، ونودي بالعوام أن يخرجوا معه لذلك، فخرج من الديوان، وأراد قصد الموضع فرأى الماء قد حجز بينه وبين الطريق، فرجع إلى دار
__________
[1] في الأصل: «الدار العزيزة» .(16/154)
المملكة، وخلا وجمع زواريق، وطرح فيها رحلة ليعبر فهرب، فجاءت في الليل ريح شديدة جدا، وسيل عظيم، وطفح الماء من البرية إلى الحريم، وطغى على أسوار المحال فهدمها، ونزل من فوقها وأسفل منها، وصعد من تحت الأرض، وقلع الطوابيق، ونبع من الآبار والبلاليع فرماها في ليلتها فصارت تلالا عالية، ثم صبح دار الخلافة ففعل بأكثرها مثل ذلك، وكان قد دخلها من بيت النوبة ومن سور باب الغربة، ثم من باب النوبي وباب العامة والجامع، فهرب الخدم والخواص متحيرين، والمطر يأتي من فوق، وخرج الماء على الخليفة من تحت السرير الذي كان جالسا عليه، فنهض إلى الباب فلم يجد طريقا، فحمله أحد الخدم على ظهره إلى التاج، وخرج الجواري حاسرات، فعبرن إلى الجانب الغربي، وأقيم في الدار أربع ركاء، وحطت إليها الأموال والحرم، ولبس الخليفة البردة، وأخذ بيده القضيب ولم يطعم يومه وليلته.
وأما الوزير فخر الدولة فإنه دخل عليه الماء في داره بباب العامة، فركب وخاض بالفرس/ إلى حضرة الخليفة، فاستأذن فيما يفعل فقيل له: اطلب لنفسك مخلصا قبل 77/ ب أن لا تجده، فمضى إلى الطيار على باب الغربة، فأقام فيه، وجاءه الملاح بثلاثة أرغفة يابسة وخل، فأكل واستلقى على البارية.
وهلك من أموال الناس تحت الهدم الكثير، وتلف من سكان درب القباب الجم الغفير، وهرب الناس إلى باب الطاق، ودار المملكة، وتلال الصحراء العالية، والجانب الغربي على تخبيط شديد، وتضنك قبيح، وجاء الماء من البرية كالجبال يهلك ما مر به من إنس ووحش، وجاء على رأس الماء في الأبواب والأخشاب والآلات والحباب شيء كثير، وشوهد على تل في وسط الماء سبع ويحمور واقفين، وهلك من الوحوش ما لا يحصى، وصعد بعضها الردافي فصعد السوادية سباحة فأخذوها.
وجاء الخبر من الموصل أن الماء ورد في البرية كالجبال، فلطم سور سنجار وكان حجرا فهدم قطعة منه، ودحا بأحد بابيه أربعة فراسخ، ووقعت آدر [1] بباب المراتب منها دار ابن جردة، وكانت تشتمل على ثلاثين دارا، وعلى بستان، وحمام يساوي عشرات
__________
[1] آدر: جمع «دار» [انظر لسان العرب صفحة 1452 (دور) ] .(16/155)
ألوف [1] ، ووقع مشهد باب أبرز ومنارته، وغرقت المقابر، وصعدت التوابيت على الماء، وخرق مشهد النذور، ومقبرة الخيزران، وقبر السبتي، وتهدم الحريم من باب 78/ أالنوبي إلى أكثر المأمونية، وباب الأزج، وخرابة ظفر، ودرب الشاكرية/، ودرب المطبخ، ودرب حلاوة، والمسعودة، والشمعية، وخرج الناس من هذه المواضع لا يلتفت أحد على أحد، ووقع في درب القيار عدل [2] قطن وسط الدرب، وعبر الناس عليه، فداس بعضهم بعضا [3] ، فوقع عليه جماعة موتى، وكان رجل على كتفه ولدان صغيران فما زال يخوض بهما حتى أعيا فرمى بهما ونجا بنفسه، وهلك من الناس والبهائم عدد كثير، ثم عنّ لأقوام من المفسدين أن يزحفوا على الخليفة ليتسلطوا بذلك على النهب، ونودي في الملاحين أن لا يأخذوا من الناس إلا ما جرت به العادة في العبور، وأقيمت الجمعة في الطيار أسبوعين، وفي الحلبة ثلاث جمع بعد ذلك، فهيئ للخطيب في الحلبة ثلاث قواصر، فصعد عليها، وكان الماء واقفا في الجامع أكثر من قامة، ووقع معظمه، ومالت حيطانه.
وأما الجانب الغربي فإنه وقع فيه مشهد الكف، وغرقت مقابر قريش، ومقبرة أحمد بن حنبل، ودخل الماء من شبابيك المارستان العضدي، فوقف فيه، وصمد نقيب النقباء الكامل بمواضع [4] في أعلى البلد فسدها [والطاهر نقيب العلويين بمواضع في جانب الكرخ فسدها] [5] ولما نقص الماء تحول فخر الدولة من الطيار إلى صحن السلام، فضرب فيه خيما وخركاهات، وكانت داره بباب العامة قد غرقت، وعمل الخدم أكواخا، وبلغت أجرة الروزجاري خمسة قراريط [6] إلى ثلاثة قراريط، وجلس حاجب الباب أبو عبد الله المردوسي في كوخ على عمل له عند باب النوبي، ثم أردف
__________
[1] في الأصل: «عشرة آلاف» .
[2] في الأصل: «في درب العيار عدل» .
[3] «بعضهم بعضا» سقطت من ص، ت.
[4] في الأصل: «لمواضع في أعلى» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في ص: «خمسة قاط» والمعنى واحد.(16/156)
هذا الطرق/ تغير الهواء بريح الغلات ونتن الأشياء الغريقة، وتولى نقيب النقباء القورج. 78/ ب ومن العجائب: أن أسافل دجلة وواسط كانت تغرق من دون هذه الزيادة، فما تجاوز هذا الأمر بغداد، وكان الناس يظنون أن السمك يكثر بهذا الماء، فصار كالمعدوم، وزرع الناس البطيخ والقثاء فداد [1] حتى كان الناس إذا مروا بالقراح أمسكوا على الأنف.
وزاد في هذا الوقت جيحون حتى ذهب ماؤه أربع فراسخ، وتعذر الصناع حتى كان النساء يضربن اللبن.
ودخل في هذه الأيام مؤيد الملك أبو بكر بن نظام الملك لأجل تزوجه بابنة أبي القاسم بن رضوان البيع، ونزل في دار حموه بباب المراتب، فلم يكن للناس طريق إلى تلقيه، فأخذ في نفسه من ذلك، فبعث الخليفة إليه من طيب قلبه، وأقام العذر، وحمل له خلعا، وأذن له في الركوب بباب المراتب عن سؤال تكرر منه، فلبس الخلع ومضى إلى بيت النوبة، وتلقاه الوزير تلقيا لم تجر به عادة تطييبا لقلبه، وانصرف إلى دار بناها والده مع المدرسة، فمضى الوزير إليه من غد في موكب.
وفي شعبان: وقعت الفتنة بين القلائين والكرخ، وجعلوا يشتمون الشحنة ومن قلده، فعبر إليهم، وقتل منهم وأحرق أماكن.
وفي ليلة الأربعاء سادس عشر ذي الحجة: ظهر في السماء برق كثير في جميع الأوقات، واسودت السماء بالغيم، وهبت بالليل ريح رمت عدة من الستر، / وجاء معها تراب كثير ورمل، وسقط من أعمال البصرة نحو من خمسة آلاف نخلة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3433- أحمد بن محمد بن أحمد، أبو الحسن [2] السمناني القاضي، حمو قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغانيّ
[3] .
__________
[1] في ص: «فدان» .
[2] في ت: «أبو الحسين» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 109. والكامل 8/ 404) .(16/157)
ولد في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة بسمنان، وقدم بغداد، وسمع بها من أبي أحمد الفرضيّ، وأبي عمر بن مهدي وغيرهما. روى عنه أشياخنا وكان ثقة، صاهره أبو عبد الله الدامغانيّ على ابنته، وولّاه نيابة القضاء، فقلد قطعة من السواد، وقضاء باب الطاق، وكان نبيلا من ذوي الهيئات، وكان أشعريا، وهذا مما يستظرف أن يكون الحنفي أشعريا. وتوفي يوم الاثنين تاسع عشر جمادى الأولى، ودفن بداره بنهر القلائين، وجلس قاضي القضاة للعزاء به، ثم نقل إلى الخيزرانية.
3434- إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد، أبو علي [العلوي] [1] من أولاد زيد بن علي.
سمع الحديث، وقرأ اللغة والأدب، وسافر إلى الأقطار [2] ، ونفق على أهل مصر، وحصل له من المستنصر خمسة آلاف مصرية، ومرض مدة بدمشق فبكى وقال:
أشتهى أموت بالكوفة حتى إذا نشرت يوم القيامة أخرجت رأسي من التراب فرأيت ابن عمي ووجوها أعرفها. فعوفي وعاد إلى الكوفة، فمات بها في هذه السنة.
وله شعر حسن فمنه قوله:
[راخ لها زمامها والأنسعا ... ورم بها من العلى شسعا
وارحل بها مغتربا عن العدى ... توطئك عن أرض العدي متسعا] [3]
79/ ب/ يا رائد الظعن بأكناف الحمى ... بلغ سلامي إن وصلت لعلعا
وحي خدرا بأثيلات الحمى ... عهدت فيها قمرا مبرقعا
ماذا عليها لو رثت لساهر ... لولا انتظار طيفها ما هجعا
3435- عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علي بن سلمان الكتاني، أبو محمد الحافظ الدمشقيّ
[4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.
[2] في ت: «الأمطار» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 109. وشذرات الذهب 3/ 325. والعبر في خبر من غبر 3/ 261. والأعلام 4/ 13. والكامل 8/ 405) .(16/158)
سمع أبا القاسم الحمامي، والخرقي، وابن بشران، وأبا الحسن بن البادا [1] ، وابن مخلد، وابن الروزبهان، والرازي، وأبا علي بن شاذان، وسمع بدمشق وغيرها من جماعة، روى عنه أبو بكر الخطيب، وكان من المكثرين في الحديث كتابة وسماعا، ومن المعنيين به من صدق وأمانة، وصحة استقامة، وسلامة مذهب، ودرس القرآن.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
3436- علي بن الحسين بن عبد الرحيم، أبو الحسن
[2] .
مات بالنيل فجاءة بشرقة، وقد عبر السبعين [3] .
3437- محمد بن إبراهيم، بن علي بن إبراهيم بن جعفر، أبو بكر القطان الأَصْبَهَانِيّ الحافظ
[4] .
مستملي أبي نعيم. سمع الكثير بالبلاد، وورد بغداد أيام أبي علي بن شاذان، وكتب عنه، وعلق عنه أبو بكر الخطيب حديثا واحدا، وهو عظيم الشأن عند أهل بلده، ثقة، وكان يملى من حفظه، وتوفي بأصبهان في هَذِهِ السنة.
3438- محمد بْن عبيد الله بْن أحمد بن محمد بن أبي الرعد [5] الحنفي أبو نصر [6] قاضي عكبرا
[7] .
سمع أبا أحمد الفرضيّ، وأبا عمر بن مهدي. توفي يوم الجمعة ثالث ربيع الآخر من هذه السنة.
3439-/ الماورديّة
[8] . 80/ أذكرها هلال بن المحسن في تاريخه قَالَ: كانت الماوردية عجوزا صالحة بالبصرة.
__________
[1] في ص: «وأبا الحسن بن بادا» .
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 4: 4) .
[3] في ص، ت: «وقد عبر التسعين» .
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 325) .
[5] في ت: «بن أبي زرعة» .
[6] «أبو نصر» سقطت من ت، ص.
[7] في ت: «عكبر» .
[8] انظر ترجمتها في: (البداية والنهاية 12/ 109) .(16/159)
قاربت ثمانين سنة [1] ، بقيت منها خمسين سنة لا تفطر، ولا تنام بالليل، ولا تأكل خبزا ولا رطبا ولا تمرا، وإنما يطحن [لها] [2] قلى [3] فتخبز منه خبزا فتقتات به [4] ، وتأكل التين اليابس دون الرطب، وتنال من الزبيب والعنب واللحم شيئا يسيرا، وكانت تكتب وتقرأ وتعظ الناس، وكانت كثيرة الخير، توفيت بالبصرة في هذه السنة، وتبع جنازتها أكثر الناس، ودفنت خارج البلد عند قبور الصالحين.
__________
[1] في الأصل: «قاربت ثلاثين سنة» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص، ت: «باقلى» .
[4] في ص: «فتقتاته» .(16/160)
ثم دخلت سنة سبع وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في صفر مرض القائم بأمر الله مرضا شديدا، وانتفخ حلقه، وامتنع من الفصد، فقصد الوزير فخر الدولة باب الحجرة ليلا وحلف بالأيمان المغلظة أنه لا يبرح حتى يقع الفصد، فأذن في إحضار الطبيب، وافتصد فصلح بذلك، وانزعج الناس في البلد والحريم ونقلوا أموالهم إلى الجانب الغربي، فلما وقعت العافية سكن الناس.
وفي هذا الشهر: جاء سيل متتابع قاسى الناس منه بلاءً [1] صعبا، قرب أمره من يوم الغرق، فإن أكثر الأبنية لم تكن تمت، وإنما رفع الناس من البنيان ما قعدوا فيه فاحتاجوا/ إلى أن خرج أكثرهم وثيابهم على رءوسهم، فقعدوا على التلول يقاسون 80/ ب المطر، وزاد تامرا من ذلك بضعة عشر ذراعا، ووقع وباء بالرحبة، فهلك فيه عشرة آلاف إنسان، وكذلك في أوانا، وصريفين، وعكبرا، وطريق خراسان، وواسط، والبصرة، وخوزستان.
وفي يوم الخميس الثامن والعشرين من رجب: فصد الخليفة من ماشرى لحقته، وكان من وقت الغرق يعتاده المرض، فنام بعد الفصد فأنفج فصاده [2] وانتبه، وقد مضت القوة ووقع اليأس منه وكثر الإرجاف به، وماج الناس واختلطوا، ونقلوا أموالهم من الحريم إلى دواخل الدار وإلى الجانب الغربي، وخيف [3] من العيارين، وكانوا
__________
[1] في ص: «أمرا» .
[2] في الأصل: «الفصاد» .
[3] من هنا في نسخة ص خرم سنشير إلى نهايته بعد قليل.(16/161)
يقامرون [1] ويقترضون على موت الخليفة لينهبوا، فلما أحس الخليفة بانقراض المدة استدعى عدة الدين وقال له: يا بني، قد استخدمت في أيامي ابن أيوب، وابن المسلمة، وابن دارسة، وابن جهير، فما رأيت أصلح للدولة من ابن جهير وولده، فلا تعدل عنهما. فقبل يده وبكى بين يديه، وأحضرت الدواة وكتب القائم بأمر الله رقعة بذاك إليه، وقال: اكتب خطك في جوابها، وبالإجابة وبالتعويل على عميد الملك في وزارتك تعويل معرض غير معترض عليك. فكتب فاحضر قاضي القضاة والنقيبان والشهود في يوم الأحد تاسع شعبان، فأقاموا في الديوان إلى الليل، ثم استدعوا مع الوزير إلى الحجرة، وكان الخليفة وراء الشباك مستندا وعدة الدين قائم على رأسه، 81/ أوالقوم يسمعون كلامه ولا يرون شخصه فقال: / اشهدوا على ما تضمنته هذه الرقعة [2] التي كتبت فيها سطرين بخطى. فقالوا: السمع والطاعة. وأسبلت الستارة.
وكان مضمون الرقعة ولاية العهد لعدة الدين، ورد الأمر إليه والوصاة له [3] بما يجب الرضا به.
ونسختها: بسم الله الرحمن الرحيم، إن أمير المؤمنين يحكم [4] ما وكله الله إليه من أمور عباده [وبلاده] [5] وأوجبه عليه من صلة طريقة في إحسان الإيالة [6] بقلاده رأى [7] أن ينتهي في مراعاة أحوال المسلمين، والنظر في مصالحهم، وإسباغ ظل العاطفة [8] على أكابرهم وأصاغرهم إلى الحد الذي تحلى [9] مشارتهم من ملابس [الكبد وتعرى مشارتهم من ملابس] [10] الحذر، فلذلك اقتضت [11] عزائمه الميمونة
__________
[1] في الأصل: «وكانوا يتعامرون» .
[2] في ص: «اشهدوا بما تضمنته هذه الرقعة» .
[3] «والوصاة له» سقطت من ص، ت.
[4] في الأصل: «إن أمير المؤمنين يسلم» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «الإنالة» .
[7] «رأى» سقطت من ص، ت.
[8] في الأصل: «حال العاطفة» .
[9] في الأصل: «إلى الحد الّذي على» .
[10] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[11] في ص: «تنصب» .(16/162)
إحضار وزير دولته الناظر في خدمته محمد بن محمد بن جهير وولده، ونقيب النقباء طراد بن محمد، وقاضى القضاة محمد بن علي، والمعمر بن محمد نقيب الطالبيين، ومحمد بن محمد البيضاوي [1] ، وعبد الله [2] بن عبد السيد السيبي، وعبد الله بن محمد الدامغاني في ليلة الأحد التاسع من شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة، فحين مثلوا بين سدته الشريفة أنعم متبرعا في إيصاله من رأيه، ونفاذ عزائمه بمشافهة سلالته الطاهرة أبي القاسم عبيد الله بن محمد أمير المؤمنين بتوليته العهد، وتصييره خليفة بعده في المسلمين، ووصاه بما يطابق الشرع في مثل [3] / هذه الحال، ويحل من رضى 81/ ب الله أجل المحال، حيث وجده أهلا لذلك وراءه، واستوثق كل مسعى له في الرشاد وارتضاه، وألفاه ناهضا بأعباء ما ولاه، ناهجا للسنن الذي أوجبه جميل خلاله، وأوصاه مجتمعة فيه شرائط ما فوضه إليه واستكفاه، والله يمد أمير المؤمنين بالتوفيق في إيجابه وعزائمه، ويقرن التشديد بمفاتح عزمه [4] وخواتمه، ويحسن الخبرة له ولولي عهده ولكافة المسلمين فيما أذن فيه، وقصد به أحكام [دعائم] [5] الصلاح ومبانيه بمنه.
والسطران الملحقان: لا يغير للخدم حال، ولا يزعجوا في ملك ولا إقطاع.
واستدعى عدة الدين من الغد عميد الدولة أبا منصور، وتقدم بإفاضة الخلع عليه، وماج الناس بالإرجاف على الخليفة بالوفاة، ورتب الوزير فخر الدولة الأتراك والهاشميين بالسلاح يطوفون، وتقدم إلى الشحنة أن يضرب خيما عند دار المملكة، فقامت الهيبة، واتفقت الوفاة ليلة الخميس الثالث عشر من شعبان، وجلس الوزير فخر الدولة وولده عميد الدولة في الديوان العزيز على الأرض حافيين، قد خرقا ثوبيهما، ونحيا عمامتيهما، وطرحا رداءين لطيفين [6] عوضهما، وفعل الناس مثل ذلك، ومنع عدة الدين الجواري والخدم من الصراخ.
__________
[1] إلى هنا انتهى الخرم الّذي في ص.
[2] في الأصل: «وهبة الله» .
[3] «مثل» سقطت من ص، ت.
[4] في ص: «بمفاتح أمره وخواتمه» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «خليفين» .(16/163)
باب ذكر خلافة المقتدى بأمر الله
واسمه: عبد الله بن ذخيرة الدين أبي العباس محمد بن القائم بأمر الله، ويكنى:
82/ أأبا القاسم. ومولده في سحرة يوم الأربعاء ثامن/ جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، وأمه أم ولد أرمنية، تسمى: أرجوان، وتدعى قرة العين، أدركت خلافته وخلافة ابنه وابن ابنه، وكان الذخيرة قد بقى من أولاد القائم ولم يبق له ذكر سواه، فاستشعر الناس انتقاض الدولة وانقضام الأمر لعدم ولد للبيت القادري، وأن من [سواهم من] [1] الأسرة مخالط للعوام في البلد، وجارى مجاري السوقة، وذلك تنفر قلوب العوام عن المتولي، فحفظ الله هذا البيت بأن كان الذخيرة قد ألم بجاريته أرجوان فتشوقت النفوس إلى ما يكون من ذلك، فجاءت بالمقتدي بعد موت الذخيرة بخمسة أشهر وكسر، فوقعت البشائر ولم يزل جده ضنينا به، حذرا عليه، فلما كانت نوبة البساسيري كان للمقتدي دون الأربع سنين، فستره أهله وحملوه إلى أبي الغنائم محمد بن علي بن المحلبان، فسار به إلى حران على ما قد سبق ذكره، فلما عاد القائم إلى منزله أعيد المقتدى، فبلغ والقائم حي، فأشهد القائم على نفسه بولاية العهد، فظهرت ألطاف الله سبحانه في أمر المقتدى من حيث ولادته وأنها كانت سببا لحفظ هذا البيت من جهة حراسته في الفتنة [2] ومن جهة بلوغه مرتبة الخلافة في حياة جده، ومن جهة سلب ملك شاه حين تغيرت نيته عليه، وأراد منه أن يخرج من بغداد فقال: أمهلني عشرة أيام، فهلك السلطان في اليوم العاشر.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ص: «من جهة حراسة الفتنة» .(16/164)
ذكر بيعة المقتدي بأمر الله
[1] / قد ذكرنا أنه لما احتضر القائم كتب ولاية العهد للمقتدي، فلما توفي استخلف 82/ ب المقتدى يوم الجمعة ثالث عشر شعبان هذه السنة، ولقب: بالمقتدي بأمر الله، وجلس في دار الشجرة بقميص أبيض، وعمامة لطيفة بيضاء، وطرحة قصب درية، ودخل الوزير فخر الدولة وعميد الدولة، واستدعى مؤيد الملك بن النظام، والنقيبان طراد العلوي، وقاضي القضاة الدامغاني، ودبيس، وأبو طالب الزينبي، وابن رضوان، وابن جردة، ووجوه الأشراف والشهود والمتقدمون وبايعوه، وكان أول من بايعه الشريف أبو جعفر، وذاك أنه لما غسل القائم بايعه حينئذ قبل الناس، وقال الشريف أبو جعفر: لما أن بايعته أنشدته:
إذا سيد منا مضى قام سيد
ثم ارتجز على تمامة فقال هو:
قؤول بما قَالَ الرجال فعول
وبايعه مع الجماعة أبو إسحاق، وأبو نصر بن الصباغ، وأبو محمد التميمي، وبرز فصلى بالناس العصر، وبعد ساعة حمل التابوت على الطيار يبكون من غير صراخ، وصلى عليه فكبر أربعا، ودفن في حجرته التي كانت برسم خلوته، وكان المقتدى من رجال بني العباس، له همة عالية وشجاعة وهيبة، وفي زمانه قامت حشمة الدولة، ولما استفحل أمر تتش بعد وفاة أخيه ملك شاه، واشتدت شوكته، وكثرت عساكره، واستولى على ديار بكر وبلاد العرب كاتب المقتدى يسأله أن يقيم له الخطبة، وخلط السؤال بنوع تهديد، فأمر المقتدى أن يكتب له كتاب فيه خشونة، وكانت فيه: صلح/ أن يكون 83/ أخطابك في الخطبة إذا حصلت الدنيا بحكمك وخزائن الأموال بأصفهان، وولايتها تحت يدك، والبلاد بأسرها في قبضتك، ولم يبق من أولاد أخيك من يخالفك، ثم تسأل حينئذ تشريفك بالخطبة وتأهيلك للخدمة، فأما في هذه الحال فلا سبيل إلى ما التمسته [2] ، ولا طريق إلى ما تحاوله، فلا تعد حد العبيد فيما تنهيه وتسطره، والاتباع
__________
[1] في ص، والأصل: «ذكر بيعته» .
[2] في الأصل: «إلى ما تلتمسه» .(16/165)
فيما تورده وتصدره، وليكن خطابك ضراعة لا تحكما، وسؤال تخير، فإن أطعت فنفسك نفعت، وإن خالفت وقصدتنا [رددناك و] [1] منعنا [2] طلبتك، واعتمدنا معك ما يقتضيه حكم الإمام والسلطان، وأتاك من الله تعالى ما لا قبل لك به، ولا يدان [3] .
وخطب للمقتدي في اليمن، والشامات، وبيت المقدس، والحرمين، واسترجع المسلمون الرها وأنطاكية، وعمر الجانب الشرقي من بغداد، فعمرت البصلية، والقطيعة، والحلبة، والأجمة، ودرب القيار، وخرابة ابن جردة، وخرابة الهراس، والخاتونيتين، والمقتدية، وبني الدار الشاطئية على دجلة، والأبنية العجيبة في داخل الدار، وكانت أيام المقتدى كثيرة الخير، ووزر له أبو منصور محمد بن جهير، ثم أبو شجاع، ثم عاد أبو منصور، وكان قضاته أبو عبد الله الدامغاني، ثم أبو بكر الشامي، وحاجبه أبو عبد الله المردوسي، ثم بعده أبو منصور المعوج.
83/ ب وفي شعبان: تقدم فخر الدولة إلى المحتسب في الحريم بنفي المفسدات، / وبيع دورهن فشهر جماعة منهن على الحمير [مناديات على أنفسهن] [4] وأبعدهن إلى الجانب الغربي، ومنع الناس من دخول الحمامات بلا مآزر [5] وقلع الهوادي والأبراج، ومنع اللعب بالطيور لأجل الإطلاع على سطوح الناس، ومنع الحماميين من إجراء ماء الحمامات إلى دجلة، وألزمهم أن يحفروا [6] لها آبارًا تجتمع المياه فيها، وصار من يغسل السمك والمالح يعبر إلى النجمي فيغسل هناك، ومنع الملاحين أن يحملوا الرجال والنساء مجتمعين.
وفي يوم الخميس السابع والعشرين من رمضان: خرج عميد الدولة أبو منصور وسار [7] إلى حضرة السلطان لأخذ البيعة للمقتدي، وحمل معه ثماني مائة ثوب أنواعا وخمسة عشر ألف دينار.
ووقعت نار في شوال في دكان خباز في نهر المعلى، فأتت على السوق جميعه،
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «منعناك» .
[3] في الأصل: «ولا بد» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ص: «بغير ميآزر» .
[6] في ص: «أن حفروا لها» .
[7] في ص: «وصار إلى حضرة» .(16/166)
وأذهبت اثنان وثمانون دكانا غير الدور، ثم وقعت نار في المأمونية، ثم في الظفرية، ثم في درب المطبخ، ثم في دار الخليفة، ثم في حمام السمرقندي، ثم في باب الأزج، ثم في درب فراشة، ثم في الجانب الغربي من نهر طابق، ونهر القلائين والقطيعة، ونهر البوابين، وباب البصرة.
وورد الكتاب أنه وقع الحريق بواسط في تسعة مواضع، واحترقت أربع وثمانون دارا وست خانات سوى الحوانيت اللطاف، وآدر ليس عندها نار فذهب الفكر.
وفي عيد الأضحى: قطعت الخطبة العباسية والسلطانية من مكة، وأعيدت/ 84/ أالخطبة المصرية، وكان مدة الخطبة العباسية بها أربع سنين وخمسة أشهر، وسبب ذلك أن صاحب مصر قوى أمره، فتراجع الناس إلى مصر، ورخصت الأسعار واتفقت وفاة السلطان ووفاة الخليفة وخوف أمير مكة واجتمع إليه أصحابه فقالوا: إنما سلمنا هذا الأمر لبني العباس [1] لما عدمنا المعونة من مصر، ولما رجعت إلينا المعونة فإنا لا نبتغي بابن عمنا بدلا، فأجابهم الأمير على كره، وفرق المال الذي بعث، وردت الأسماء المصرية التي كانت قلعت من قبة المقام.
وفي هذه السنة: جلت السوادية من أسافل دجلة، وهلك أكثرهم بالوباء وجفلوا من نهر الملك بنسائهم وأولادهم وعواملهم، فمنهم من التجأ إلى واسط، ومنهم من عبر النهروانات، ومنهم من قصد طريق خراسان لنقصان الفرات نقيصة قل أن يتحدث بمثلها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3440-[الحسن] [2] بن عبد الودود بن عبد المتكبر بن المهتدي، أبو علي الهاشمي
[3] .
__________
[1] في الأصل: «لبني العباس» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص: «أبو علي الشامي» .(16/167)
سمع أبا القاسم الصيدلاني، وغيره، ولد سنة ثمانين وثلاثمائة وكان صدوقا مقبول الشهادة عند الحكام [1] وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن في داره بسكة الخرقي، ثم أخرج بعد ذلك فدفن في مقبرة جامع المدينة.
3441- عبد الله القائم بأمر الله
[2] .
84/ ب أمير المؤمنين، توفي ليلة الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من شعبان/ من هذه السنة، وكانت ليلة ذات ريح ومطر، وكان الزمان ربيعا، وصلى عليه في صبيحتها وغسله الشريف أبو جعفر بن موسى، وأعطى ما كان عنده فامتنع فلم يأخذ شيئا.
أنبأنا على بن عبيد الله، عن أبي محمد التميمي قَالَ: ما حسدت أحدا قط إلا الشريف أبا جعفر في ذلك اليوم، وقد نلت مرتبة التدريس والتذكير والسفارة بين الملوك، ورواية الأحاديث، والمنزلة اللطيفة عند الخاص والعام، فلما كان ذلك اليوم خرج علينا الشريف وقد غسل القائم عن وصية بذلك، ثم لم يقبل شيئا من الدنيا، وبايع ثم انسل طالبا لمسجده ونحن كل منا جالس على الأرض، متحف مغير لزيه، مخرق ثوبه، يهمه ما يحدث بعد موت هذا الرجل على قدر ماله تعلق بهم، فعرفت أن الرجل هو ذاك، وغلقت الأسواق لموت القائم، وعلقت المسوح، وفرشت البواري مقلوبة، وتردد عبد الكريم النائح في الطرقات ينوح، ولطم نساء الهاشميين ليلا، وجلس الوزير وابنه عميد الدولة للعزاء ثلاثة أيام في صحن السلام، ثم خرج توقيع يتضمن التعزية والإذن في النهوض، وكان عمر القائم أربعا وسبعين سنة وثمانية أشهر وثمانية أيام، وكانت خلافته أربعا وأربعين سنة وثمانية أشهر، وخمسة وعشرين يوما.
3442- عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود، أبو الحسن بن أبي طلحة الداودي
[3] .
__________
[1] «وكان صدوقا مقبول الشهادة عند الحكام» سقطت من ص.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 110، 112. وشذرات الذهب 3/ 326. والكامل 8/ 406، 407 (حوادث سنة 422، 467) . وتاريخ الخميس 2/ 357. وفوات الوفيات 1/ 203. والأعلام 4/ 66) .
[3] في ت: «الدوادي» .
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 112. وشذرات الذهب 3/ 327.(16/168)
ولد سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، وسمع أبا الحسن بن الصلت، وأبا عمر بن مهدي في خلق كثير، وقرأ الفقه على أبي بكر القفال/ وأبي حامد الأسفراييني 85/ أوغيرهما، وصحب أبا عمر الدقاق، وأبا عبد الرحمن السلمي، ودرس، وأفتى، ووعظ، وصنف وكان له حظ من النظم والنثر، وكان لا يفتر عن ذكر الله تعالى، واتفق أنه وقعت نهوب فترك أكل اللحم سنين، ودخل عليه نظام الملك فقعد بين يديه فقال له: إن الله قد سلطك على عباده فانظر كيف تجيبه إذا سألك عنهم.
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي المقرئ، حدثنا أبو محمد عبد الله بن عطاء الإبراهيمي قَالَ: أنشدنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداودي لنفسه:
كان في الاجتماع للناس نور ... فمضى النور وادلهم الظلام
فسد الناس والزمان جميعا ... فعلى الناس والزمان السلام
توفي الداودي في هذه السنة ببوشنج، وحدثنا عنه أبو الوقت عبد الأول بن عيسى السجزيّ.
3443- عبد السلام بن أحمد بن محمد بن عمر، أبو الغنائم الأنصاري نقيب الأنصار
[1] .
ولد سنة ست وثمانين وثلاثمائة، وسمع هلالا الحفار، أبا الحسين بن بشران، وأبا الفتح ابن أبي الفوارس، وأبا الحسن بن رزقويه وغيرهم. روى عنه أشياخنا، وكان ثقة صدوقا متدينا، من أمثال الشيوخ وأعيانهم.
وتوفي في شعبان هذه السنة ودفن بمقبرة جامع المدينة.
3444- علي بن عبد الملك، أبو الحسن [2] الشهوري المعدل القارئ.
كان لذيذ التلاوة، قد قرأ بالقراءات الكثيرة.
__________
[1] الأنصاري: هذه النسبة إلى الأنصار، وهم جماعة من أهل المدينة من الصحابة من أولاد الأوس والخزرج، قيل لهم الأنصار لنصرتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (الأنساب 1/ 367) .
[2] في ت: «أبو الحسين» .(16/169)
85/ ب/ توفي في ليلة السبت ثاني عشرين شعبان، وصلى عليه بجامعي القصر والمنصور، وتبعه الخلق العظيم، ودفن بمقبرة باب حرب.
3445- محمد بن علي بن محمد بن موسى بن جعفر، أبو بكر الخياط المقرئ
[1] .
ولد سنة ست وسبعين وثلاثمائة، وقرأ القرآن على أبي أحمد الفرضيّ [2] ، و [أبي] [3] بكر بن شاذان، وابن السوسنجردي، وأبي الحسن الحمامي، وتوحد في عصره في القراءات، وسمع الحديث الكثير، وحدث بالكثير، وكان ثقة صالحا، حدثنا عنه أشياخنا.
توفي ليلة الخميس ثالث جمادى الأولى، ودفن في مقبرة جامع المدينة.
3446- منصور بن أحمد بن دارست أبو الفتح [4] .
وزر للقائم، وتوفي بالأهواز في هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 329) .
[2] في الأصل: «أبي محمد الفرضيّ» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 411 (أحداث سنة 468 هـ) .(16/170)
ثم دخلت سنة ثمان وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه جاء جراد في شعبان كعدد الرمل والحصى، فأكل الغلات، فكدى أكثر الناس وجاعوا، وطحن السوادية الخرنوب مخلوطا بدقيق الدخن، ووقع الوباء، ثم منع الله سبحانه الجراد من الفساد، وكان يمر بالقراح فلا يقع منه عليه واحدة، ورخصت لذلك الأسعار.
[خلع الخليفة على الوزير أبي منصور]
وفي شوال: خلع الخليفة على الوزير أبي منصور، وولد الوزير فخر الدولة أبي نصر بعد أن استدعا هما إلى حضرته وخاطبهما بما طيب نفوسهما، ورد الأمور إلى عميد الدولة.
[وصول خبر الغلاء بدمشق]
وفي ذي الحجة: وصل الخبر بالغلاء في دمشق بأن الكارة بلغت نيفا وثمانين دينارا، وبقيت على هذا/ ثلاث سنين.
86/ أوكان غلام يعرف بابن الرواس من أهل الكرخ يحب امرأة فماتت، فحزن عليها فبقي لا يطعم الطعام، وانتهى به الأمر إلى أن خنق نفسه.
[أعيدت الخطبة العباسية والسلطانية]
وفي هذا الشهر: أعيدت الخطبة العباسية والسلطانية [1] بمكة، وكان السبب أن سلار الحاج قرر مع ابن أبي هاشم أن يزوجه [2] أخت السلطان جلال الدولة ملك شاه،
__________
[1] «والسلطانية» سقطت من ص، ت.
[2] في ص: «قرر مع أبي العباس أن يزوجه» .(16/171)
فتعلق طمعه بذلك، فبعث رجلين إلى مصر ينظران، فإن كان أمر صاحب مصر صالحا يرجى دام على خطبته، فرجعا إليه فقالا: ما بقي ثم شيء يرجى، وقد فسدت الأحوال، ونفذ المال، ونفذ صاحب مصر ألف دينار. فورد كتاب سلار الحاج [1] يخبره بأنه قد قرر أمر الوصلة، وأنه قد أعطى للسنين الماضية والآتية [2] عشرين ألف دينار عزل منها عشرة آلاف للمهر، فرأى ابن أبي هاشم أن دنانير المهر قد أخذت، والوصلة قد تمت فسر بذلك وخطب. للعباس والسلطان [3] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3447- إسماعيل بن محمد بن إبراهيم بن كمادي [4] ، أبو علي الواسطي.
حدث عن جماعة، وتوفي بواسط في جمادى الأولى من هذه السنة.
3448- أحمد بن علي بن أحمد، أبو سعد السّدوسي
[5] .
حدّث عن أبي أحمد القرضي، وكان ثقة، وتوفي في ليلة عيد الفطر.
3449- أحمد بن إبراهيم بن عمر البرمكي، أخو أبي إسحاق
[6] .
حدث بشيء يسير، وكان ثقة صالحا، وتوفي ليلة الثلاثاء ثاني ذي القعدة، ودفن بباب حرب.
__________
[1] في ص، ت: «فورد كتاب سلار يخبره» .
[2] «والآتية» سقطت من ص.
[3] «للعباس والسلطان» سقطت من ص، ت.
[4] في ت: «كادي»
[5] في الأصل: «السوسي» .
وهذه الترجمة سقطت من ت.
السّدوسي: هذه النسبة إلى سدوس- بضم السين الأولى. قال ابن حبيب: كل سدوس في العرب فهو مفتوح إلا سدوس بن أجمع بن أبي عبيد بن ربيعة بن نصر بن سعد بن نبهان (الأنساب 7/ 61) .
[6] البرمكي: بفتح الباء المنقوطة بواحدة وسكون الراء وفتح الميم وفي آخرها كاف. هذه النسبة إلى اسم وموضع، أما المنتسب إلى الاسم فجماعة من أولاد أبي علي يحيى بن خالد، وأما الموضع فقرية يقال لها البرمكية (الأنساب 2/ 168) .(16/172)
3450-/ الحسن بن القاسم [1] ، أبو علي المقرئ، المعروف: بغلام الهرّاس 86/ ب الواسطي
[2] .
توفي ليلة الخميس سادس جمادى الأولى بواسط.
قَالَ المصنف: ورأيت بخط أبي الفضل بن خيرون قَالَ: [3] قيل عنه أنه خلط في شيء من القراءات، وادعى إسنادا لا حقيقة له، وروى عجائب.
3451- عبد الجبار بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن برزة [أبو الفتح] [4] الأردستاني الجوهري الواعظ
[5] .
ولد سنة ثمان وسبعين، وسافر الكثير، وسمع بالبلاد وكان تاجرا.
وتوفي بأصبهان في هذه السنة.
3452- علي بن الحسين بن جداء العكبري
[6] .
سمع أبا علي بن شاذان، والبرقاني، وكان ثقة، وحدث، وتوفي في هذه السنة.
3453- محمد بن إسماعيل بن محمد [7] بن إبراهيم بن كثير، أبو حاجب الأستراباذي
[8] .
من أهل مازندران، سمع الكثير، وحدث، وبرع في الفقه والنظر.
وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] في كل النسخ: «الحسن بن محمد» وما أثبتناه هو ما في: شذرات الذهب 3/ 329. والكامل لابن الأثير 8/ 411. وكذلك في لسان الميزان.
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 329، 330. والكامل 8/ 411) .
[3] «قال: «سقطت من ص.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 330) .
[6] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 331) .
[7] «ابن محمد» سقطت من ت.
[8] الأستراباذي: بكسر الألف وسكون السين المهملة وكسر التاء المنقوطة باثنتين من فوقها وفتح الراء والباء الموحدة بين الألفين وفي آخرها الذال المعجمة. هذه النسبة إلى أستراباذ، وقد يلحقون فيه ألفا أخرى بين التاء والراء فيقولون: استاراباذ، إلا أن الأشهر هذا وهي بلدة من بلاد مازندان بين سارية وجرجان (الأنساب 1/ 214) .(16/173)
3454- محمد بن أحمد بن عبيد، المعروف: بابن صاحب الزيادة
[1] .
سمع [2] أبا الحسن الحمامي، وأبا القاسم بن بشران، توفي في ذي الحجة من هذه السنة، ودفن بمقبرة جامع المدينة.
3455- محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن عيسى بن أبي موسى أبو همام [3] بن أبي القاسم ابن القاضي أبي علي الهاشمي [العبديّ] [4] المقرئ
[5] .
سمع الحديث، وولى نقابة الهاشميين، وهو ابن عم أبي جعفر بن أبي موسى الفقيه الحنبلي، روى عنه شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي.
توفي في ربيع الأول من هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3456- محمد بن القاسم بن حبيب بن عبدوس، أبو بكر الصفاري
[6] .
87/ أمن أهل نيسابور، سمع/ أبا عبد الله الحاكم وأبا عبد الرحمن السلمي، وخلقا كثيرا، وتفقه على الجويني، وكان يخلفه وينوب عنه.
توفي بنيسابور في ربيع الآخر من هذه السنة.
3457- محمد بن محمد بن عبد الله [7] بن عبد الله، أبو الحسن البيضاوي الشافعي
[8] .
ختن القاضي أبي الطيب الطبري على ابنته، ولد في سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة
__________
[1] في ت: «محمد بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ المعروف بابن صاحب الزيادة» .
[2] في المطبوعة: «تسمع» .
[3] «أبو همام» سقطت من ص.
وفي الأصل: «أبو تمام» وكذلك في البداية والنهاية.
[4] في ص: «المعبدي» وقد سقطت «العبديّ» من الأصل.
[5] «المقرئ» سقطت من ت، ص. انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 113) .
[6] في ت: «الصغار» .
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 113. وشذرات الذهب 3/ 331. والكامل 8/ 411. وتاريخ نيسابور ت 106) .
[7] «بن محمد بن عبد الله» سقطت من ت.
[8] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 113. والكامل 8/ 411) .(16/174)
وحدث عن أبي الحسن بن الجندي وغيره، وكان ثقة خيرا، روى عنه أشياخنا، وتوفي يوم الجمعة سابع عشر [1] شعبان بالكرخ، وتقدم بالصلاة عليه أبو نصر بن الصباغ، وصلى عليه قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني مأموما ودفن في داره بقطيعة الربيع.
3458- محمود بن نصر بن صالح أمير حلب
[2] .
كان من أحسن الناس، نزل بها في سنة سبع وخمسين، وقوي على عمه، وكان عطية قد ملكها بعد أخيه نصر فحاصره فخرج منها، فقال ابن حيوس:
أبى الله إلا أن يكون لك السعد ... فليس لما تبغيه منع ولا رد
قضت حلب ميعادها بعد مطله ... وأطيب وصل ما مضى قبله صد
تهز لواء النصر حولك عصبة ... إذا طلبوا نالوا وإن عقدوا شدوا [3]
وخطية سمر وبيض قواضب ... وصافية رعف وصافنة جرد
3459- مسعود بن المحسن بن الحسن [4] بن عبد الرزاق، أبو جعفر بن البياض/ الشاعر
[5] له شعر مطبوع. 87/ ب أخبرنا [6] إسماعيل بن أحمد قَالَ: أنشدني أبو جعفر بن البياض لنفسه:
ليس لي صاحب معين سوى الليل ... إذا طال بالصدود عليا
أنا أشكو بعد الحبيب إليه ... وهو يشكو بعد الصباح إليا
قَالَ: وأنشدني لنفسه:
يا من لبست لهجره ثوب الضنا ... حتى خفيت به عن العواد
__________
[1] في الأصل: «وتوفي يوم السبت سابع عشر» .
[2] انظر ترجمته في: البداية والنهاية 12/ 113 وفيه: «محمد بن نصر» . وشذرات الذهب 3/ 329.
والكامل 8/ 413 أحداث سنة 469 هـ. والنجوم الزاهرة 5/ 100 المختصر في تاريخ البشر لأبي الفداء 2/ 192. والأعلام 7/ 189) .
[3] هذا البيت سقط من ت.
[4] «بن الحسن» سقطت من ت.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 113، 114. وشذرات الذهب 3/ 331، 332. ووفيات الأعيان 2/ 92. وروض المناظر (بهامش الكامل 12/ 29. والأعلام 7/ 218. والكامل 8/ 411) .
[6] في الأصل: «أنبأنا» .(16/175)
وأنست بالسهر [1] الطويل فأنسيت ... أجفان عيني كيف كان رقادي
إن كان يوسف بالجمال مقطع ... الأيدي فأنت مقطع الأكباد
قَالَ: وأنشدني لنفسه:
لأية علة ولأي حال ... صرمت حبال وصلك من حبالي [2]
وبدلت البعاد من التداني ... ومر الهجر من حلو الوصال
فإن تكن الوشاة سعوا بشيء ... على فرب ساع بالمحال
فعاقبني عليه بكل شيء ... أردت سوى الصدود فما أبالي
وإن تك مثل ما زعموا ملولا ... لما تهوى سريع الانتقال
صبرت على ملالك لي برغمي ... وقلت عسى تمل من الملال
ولم أنشدك حين صرمت حبلي ... بدا لي من محبتكم بدا لي
توفي ابن البياضي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن بباب أبرز.
88/ أ
3460- ناصر بن محمد بن علي التركي المضافري [3] ، / أبو منصور، والد شيخنا أبي الفضل بن ناصر
[4] .
ولد سنة سبع وثلاثين وأربعمائة وقرأ القرآن بالقراءات، وسمع الحديث من أبي الحسين بن المهتدي، وأبي جعفر ابن المسلمة، والصريفيني، وغيرهم، وكتب الكثير من اللغة، وقال الشعر، فكان أبو بكر الخطيب يرى له ويقدمه على الأشياخ، وتولى قراءة التاريخ عليه بحضرة الشيوخ، وكان ظريفا صبيحا، وتوفي في حداثته ليلة الأحد الثالث عشر من ذي القعدة من هذه السنة فرثاه شيخنا أَبُو عَبْد اللَّهِ الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن عبد الوهاب الدباس [5] ويعرف بالبارع.
__________
[1] في ص: «بالسحر» .
[2] في الأصل: «حالي» .
[3] في ت: «الصّافري» وكذلك في البداية والنهاية 12/ 114.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 114) .
[5] في الأصل: «الديباس» .(16/176)
أنبأنا أبو عبد الله البارع أنه قَالَ:
سلام وأني يرد السلاما ... معاشر في الترب أمسوا رماما
لدى البيد صرعى كأن الحمام ... سقاهم بكأس المنايا مداما
أحباءنا في بطون الثرى ... فأبلين تلك الوجوه الوساما
فلو تبصر العين ما في الصفيح ... نهاها تخوفها أن تناما
ألا هل أرى لكم أوبة ... وللشمل بعد الفراق التئاما
ألا كل يوم مطايا المنون ... تحف بكم موحدا أو تؤاما
نحيي ضرائحكم إنها ... تضمن قوما علينا كراما
سلام على جدث بالعراق ... أغمدت بالأمس فيه حساما
أناصر يفديك من لو أطاق ... دافع عنك المنايا وحامى [1]
دفنت العلا والتقى والعفاف ... والحلم والعلم فيه حماما
/ أناصر لو أن لي ناصرا ... صببت على الموت موتا زؤاما 88/ ب
هو الدهر لا يتقى ضيمه ... لشيء فأجدر أن لا يضاما
أناديك إذ لات حين الدعاء ... بمسمعه لو أطقت الكلاما
لقد خصني يا قرين الشباب ... فيك المصاب وعم الاناما
وأجدني منك ريب المنون ... ظمآن لم أشف منك الأواما
وكيف يطير مهيض الجناح ... خانته عند النهوض القدامى
وأطفئ بالدمع نار الحشا ... ويأبى لها الوجد إلا ضراما
وكنت ألام على أدمعي ... فأيقنت بعدك أن لا ألاما
فلا استشعر القلب عنك السلو ... ولا ازداد بعدك إلا هياما
إذا رام صبرا تمثلت فيه ... فأقصى خيالك ذاك المراما
وما أنا من بعد علم اليقين ... أحسب يومك إلا مناما
لقد كنت غرة وجه الزمان ... فقد عاد من عاد بشر جهاما
__________
[1] هذا البيت مكرر في الأصل مرتين.(16/177)
وكنت على تاجه درة ... [تضيء الدجى] [1] وتزين النظاما
فأضحى بك الله مستأثرا ... وجللنا بعد نور ظلاما
وضن بك الدهر عن أهله ... فنلت حميدا ولم تلق ذاما
وأيقنت أن الدنا للفناء ... فاعتضت في الخلد عيشا دواما
فغص ببرد الزلال امرؤ ... يرى أن ورد المنايا أماما
لتبك عليك فنون العلوم ... فقد كنت في كل فن إماما
وما كنت إلا قريع الزمان ... وما الناس بعدك إلا سواما
89/ أ/ ألا لا أرى مشكلات العلوم ... يزددن بعدك إلا انفحاما
فمن ذا يفرج عنا الهموم ... إذ ازدحمت في الصدور ازدحاما
ومن للمجالس صدر سواك ... إذا اضطرمت أبحر العلم عاما
ومن للمحاريب أهل سواك ... وقدما تقدمت فيها غلاما
تجاوزت في العلم حد الشيوخ ... وكل سنيك ثلاثون عاما
ولم أر كاليوم بدرًا سواك ... عاجل فيه السرار التماما
كفى حزنا أنني لا أرى ... ضريحك يزداد إلا لماما
وأن لو يفي بالإخاء الوفاء ... إذا لسقى ثراه استلاما
وإني لأنظر دون الصفيح ... بحار العلوم لديه نظاما
أرى زفراتي تحدو إلى ... ضريحك من عبراتي غماما
فيا ساكن القبر حيا ثراه ... مريض النسيم بريح الخزامى
ولا برحت بالغدو الشمال ... ولا بالأصائل فيه النعامى
وجاد أصيل الغيث فكاكه ... تبل الثرى وتروي العظاما
ولا كحل الترب تلك الجفون ... ولا اضمحل [2] اللحد ذاك القواما
وحاشا لسانا تلا ما تلوت ... يصبح للدود يوما طعاما
وحاشا لكف يخط العلوم ... تعري أشاجعها والسلامي
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب «انحل» .(16/178)
فلست أرى جثث الأولياء ... على الدود في الأرض إلا حراما
يهون وجدي أني غدا ... كما قد لقيت ملاق حماما
وأن سوف يجمعنا موقف ... ترى الخلق في حافتيه قياما
عليك السلام فإني امرؤ ... على القرب والبعد أهدى السلاما
3461-/ يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد، أبو القاسم النهرواني.
89/ ب ولد سنة ثمانين وثلاثمائة وكان يسكن رباط الزوزني، وحدث عن أبي أحمد الفرضي وغيره، وخرج له أبو بكر الخطيب مشيخة، وحدثنا عنه أبو الفضل الأرموي، وكان ثقة، وتوفي يوم الأربعاء رابع عشر ذي الحجة ودفن على باب الرباط.
3462- يوسف بن محمد
بن يوسف بن الحسن [1] ، أبو القاسم الخطيب الهمذاني [2] .
ولد سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وسمع الكثير، ورحل بنفسه وجمع وصنف، وانتشرت عنه الرواية، وكان خيرا صالحا صادقا دينا، توفي في ذي القعدة من هذه السنة.
__________
[1] في ت: «بن أبي الحسن» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 114 شذرات الذهب 3/ 331) .(16/179)
ثم دخلت سنة تسع وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[مرض الخليفة]
انه مرض الخليفة في المحرم فارجف به، فركب في التاج حتى رآه العوام فسكنوا.
وكان بالمدينة أمير يقال له: الحسين بن مهنأ قد وضع على من يرد لزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضريبة تشبيها بما يفعل بمكة، وإنما كان يؤخذ من التجار القاصدين مكة، فأما المدينة فإنه لا يراد منها إلا الزيارة، ونشأت [1] بذلك السمعة، فدخل رجل علوي المدينة فخطب بها للمصري في صفر، وهرب ابن مهنأ [2] .
وكان قد توفي محمود بن نصر صاحب حلب ووصى لابنه شبيب بالبلد والقلعة، 90/ أفلم يتم ذلك/ وأعطيها ولده الأكبر واسمه: نصر، فسلك طريق أبيه في كرمه، وقد مدحه ابن حيوس بقصيدة فقال فيها:
ثمانية لم تفترق مذ جمعتها ... ولا افترقت ما فر عن ناظر شفر
ضميرك والتقوى وجودك والغنى ... ولفظك والمعنى وعزمك والنصر
وكان لمحمود بن نصر سجية ... وغالب ظني أن سيخلفها نصر
فقال: والله لو قَالَ سيضعفها نصر لأضعفتها له، وأمر له بما أمر له أبوه، وهو ألف دينار في طبق فضة، وكان على بابه جماعة من الشعراء فقال أحدهم:
على بابك المعمور منا عصابة ... مفاليس فانظر في أمور المفاليس
__________
[1] في الأصل: «فشات» .
[2] في الأصل: «وهرب بها المصري في صغر وهرب ابن مهنأ» .(16/180)
وقد قنعت منك العصابة كلها ... بعشر الذي أعطيته لابن حيوس
وما بيننا هذا التفاوت كله ... ولكن سعيد لا يقاس بمنحوس
فقال: والله لو قَالَ مثل الذي أعطيته لأعطيتهم ذلك. وأمر لهم بنصفه، ثم إنه وثب على هذا الأمير بعض الأتراك فقتله [1] ، وولى أخوه سابور بن محمود، وهو الذي نص عليه أبوه.
[زيادة دجلة إحدى وعشرين ذراعا]
وفي جمادى الآخرة: زادت دجلة فبلغت الزيادة إحدى وعشرين ذراعا ونصفا، ونقل الناس أموالهم، وخرج الوزير فخر الدولة إلى الفورح وبات عليه، وخيف من دخول [2] الماء إلى دار الخلافة [3] فنقل تابوت القائم/ بأمر الله ليلا إلى الترب 90/ ب بالرصافة.
[وقوع الفتنة بين الحنابلة والأشعرية]
وفي شوال: وقعت الفتنة بين الحنابلة والأشعرية، وكان السبب أنه ورد إلى بغداد أبو نصر ابن القشيري، وجلس في النظامية، وأخذ يذم الحنابلة وينسبهم إلى التجسيم، وكان المتعصب له أبو سعد الصوفي، ومال الشيخ [4] أبو إسحاق الشيرازي إلى نصرة القشيري، وكتب إلى النظام يشكو الحنابلة ويسأله المعونة، ويسأل الشريف [5] أبا جعفر، وكان مقيما بالرصافة، فبلغه أن القشيري على نية الصلاة في جامع الرصافة يوم الجمعة، فمضى إلى باب المراتب فأقام أياما، ثم مضى إلى المسجد المعروف اليوم بابن شافع وهو المقابل لباب النوبي، فأقام فيه وكان يبذل لليهود مالا ليسلموا على يد ابن القشيري ليقوي الغوغاء، فكان العوام يقولون: هذا إسلام الرشى، لا إسلام التقى.
فأسلم يوما يهودي، وحمل على دابة، واتفقوا على الهجوم على الشريف أبي جعفر في مسجده والإيقاع به، فرتب الشريف جماعة أعدهم لرد خصومة إن وقعت [فلما وصل أولئك إلى باب المسجد رماهم هؤلاء بالآجر، فوقعت الفتنة] [6] ووصل الآجر إلى
__________
[1] في الأصل: «بعض الإدراك فقتله» .
[2] «فخر الدولة إلى الفورح وبات عليه، وخيف من دخول» سقطت من ص.
وفي ص العبارة هكذا: «وخرج الوزير على الماء إلى دار الخلافة» .
[3] في ت: «إلى دار التابوت» .
[4] «الشيخ» سقطت من ص، ت.
[5] في الأصل: «وكان الشريف» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/181)
حاجب الباب، وقتل من أولئك خياط من سوق الثلاثاء، وصاح أصحابها على باب النوبي المستنصر باللَّه: يا منصور، تهمة للديوان بمعرفة الحنابلة، وتشنيعا عليه، وغضب أبو إسحاق الشيرازي، ومضى إلى باب الطاق، وأخذ في إعداد أهبة السفر، فأنفذ إليه الخليفة من رده عن رأيه، فبعث الفقهاء أبا بكر الشاشي وغيره من النظام يشرح له الحال، فجاء كتاب النظام إلى الوزير فخر الدولة بالامتعاض مما جرى، والغضب 91/ ألتسلط الحنابلة على الطائفة الأخرى، وإني/ أرى حسم القول في ما يتعلق بالمدرسة التي بنيتها في أشياء من هذا الجنس.
وحكى الشيخ أبو المعالي صالح بن شافع عن شيخه أبي الفتح الحلواني وغيره ممن شاهد الحال: أن الخليفة لما خاف من تشنيع الشافعية عليه عند النظام أمر الوزير أن يجيل الفكر فيما تنحسم به الفتنة، فاستدعى الشريف أبا جعفر، وكان فيمن نفذه إليه ابن جردة فتلطف به ابن جردة [1] حتى حضر في الليل، وحضر أبو إسحاق، وأبو سعد الصوفي، وأبو نصر ابن القشيري، فلما حضر الشريف عظمه الوزير ورفعه، وقال: إن أمير المؤمنين ساءه ما جرى من اختلاف المسلمين في عقائدهم وهؤلاء يصالحونك على ما تريد.
وأمرهم بالدنو من الشريف، فقام إليه أبو إسحاق، وقد كان يتردد في أيام المناظرة إلى مسجده بدرب المطبخ، فقال له: أنا ذاك الذي تعرف، وهذه كتبي في أصول الفقه، أقول فيها خلافا للأشعرية، ثم قبل رأسه فقال الشريف: قد كان ما تقول، إلا أنك لما كنت فقيرا لم يظهر لنا ما في نفسك فلما جاءك الأعوان والسلطان وخواجا بزرك أبديت ما كان مخفيا.
ثم قام أبو سعد الصوفي فقبل يد الشريف وتلطف [به فالتفت] الشريف [2] مغضبا وقال: أيها الشيخ، أما الفقهاء فإذا تكلموا في مسائل الأصول فلهم فيها مدخل، فأما أنت فصاحب لهو سماع وبغته، فمن زاحمك على ذلك وعلى ما نلته من قبول عند أمثالك حتى داخلت المتكلمين والفقهاء، فأقمت سوق التعصب.
__________
[1] «فتلطف به ابن جردة» سقطت من ص.
[2] في ص: «فقبل يد الشريف فالتفت الشريف» .
وفي الأصل: «فقبل يد الشريف وتلطف الشريف» .(16/182)
/ ثم قام القشيري وكان أقلهم للشريف أبي جعفر لجروانه معه، فقال الشريف: 91/ ب من هذا؟ فقيل: أبو نصر القشيري. فقال: لو جاز أن يشكر أحد على بدعته لكان هذا الشاب، لأنه بادهنا بما في نفسه، ولم ينافقنا كما فعل هذان، ثم التفت إلى الوزير وقال: أي صلح بيننا، إنما يكون الصلح بين مختصمين على ولاية أو دنيا، أو قسمة ميراث، أو تنازع في ملك، فأما هؤلاء القوم فهم يزعمون أننا كفار، ونحن نزعم أن من لا يعتقد ما نعتقده كافر، فأي صلح بيننا وهذا الإمام مفزع المسلمين، وقد كان جده القائم والفادر أخرجا اعتقادهما للناس، وقرئ عليهم في دواوينهم، وحمله عنهما الخراسانيون والحجيج إلى أطراف الأرض، ونحن على اعتقادهما.
وأنهى الوزير ما جرى، فخرج في الجواب: عرفنا ما أنهيته في حضور ابن العم [1] ، كثر الله في الأولياء مثله، وحضور من حضر من أهل العلم، والحمد للَّه الذي جمع الكلمة، وضم الألفة، فليؤذن الجماعة في الانصراف، وليقل لابن أبي موسى أنه قد أفرد له موضع قريب من الخدمة ليراجع في كثير من الأمور الدينية، وليتبرك بمكانه.
فلما سمع الشريف هذا قَالَ: فعلتموها، فحمل إلى موضع أفرد له وكان الناس يدخلون عليه مديدة ثم قيل له: قد كثر استطراق الناس دار الخلافة فاقتصر على من يعين دخوله. فقال: ما لي غرض في دخول أحد علي. فامتنع الناس، ثم مرض الشريف مرضا أثر في رجليه فانتفختا، فيقال: إن بعض المتفقهة من الأعداء نزل له في/ مداسه 92/ ب سما، والله أعلم.
[كثرة العلل والأمراض ببغداد، وواسط]
وفي ذي القعدة: كثرت العلل والأمراض ببغداد، وواسط، والسواد، وكثر الموت
__________
[1] العبارة في جميع الأصول مضطربة وبها سقط، ففي الأصل جاءت العبارة هكذا:
«وأنهى الوزير ما جرى، فخرج في الجواب عرف ما جرى في حضور ما أنهيته من حضور ابن العم» .
وفي النسخة ت: «وأنهى الوزير ما جرى، فخرج من الجواب عرف ما أنهيته في حضور ابن العم» .
وقد حدث سقط بعد كلمة: «في الجواب» لأن العبارة التي بعدها هي ردّ الخليفة على الوزير بعد ما أرسل إليه يعلمه بما جرى، وهذا كما يفهم من عبارة ابن كثير 12/ 115: «فأرسل الوزير إلى الخليفة يعلمه بما جرى، فجاء الجواب يشكر الجماعة ... » والله أعلم.(16/183)
حتى بقي معظم الغلات بحالها في الصحراء لعدم من يرفعها، وورد الخبر من الشام كذلك.
وفي يوم الأربعاء لعشر بقين من ذي القعدة: أزيلت المواخير، ودور الفسق ببغداد ونقضت، وهرب الفواسق وذلك لخطاب جرى من الخليفة للشحنة الّذي كانت هذه إقطاعه، وبذل له عنها ألف دينار فامتنع، وقال: هذه يحصل منها ألف وثماني مائة دينار، فكوتب النظام بما جرى، فعوض الشحنة من عنده، وكتب بإزالتها.
وفي ذي القعدة: أخرج أبو طالب الزينبي إلى مكة لأجل البيعة للمقتدي على أمير مكة ابن أبي هاشم وأصحب خلعة.
وفي ذي الحجة: ورد الخبر بأن سابور بن محمود صاحب [1] حلب أنفذ إلى أنطاكية بمن حاصرها، فبلغ الخبز بها رطلين بدينار، وقرر عليها مائة وخمسون ألفا وأخذوها وعادوا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3463- اسبهند وست [2] بن محمد بن الحسن، أبو منصور الديلمي
[3] .
شاعر مجود لقي أبا عبد الله بن الحجاج، وعبد العزيز بن نباتة، وغيرهما من الشعراء، وكان يتشيع ثم تاب من ذلك.
وذكر توبته في قصيدة يقول فيها:
لاح الهدى فجلا عن الأبصار ... كالليل يجلوه ضياء نهار
92/ ب/ ورأت سبيل الرشد عيني بعد ما ... غطى عليها الجهل بالأستار
__________
[1] في الأصل: «ورد الخبر بأن شابور بن محمود بن حاجب» .
[2] من ت: «اسبهدوست» .
ومن البداية والنهاية: «اسفهدوست» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 116. والكامل 8/ 414.(16/184)
لا بد فاعلم للفتى من توبة ... قبل الرحيل إلى ديار بوار
يمحو بها ما قد مضى من ذنبه ... وينال عفو إلهه الغفار
يا رب إني قد أتيتك تائبا ... من زلتي يا عالم الأسرار
وعلمت أنهم هداة قادة ... وأئمة مثل النجوم دراري
وعدلت عما كنت معتقدا له ... في الصحب صحب نبيه المختار
والسيد الصديق والعدل الرضي ... عمر وعثمان شهيد الدار
وعَلِيُّ الطهر المفضل بعدهم ... سيف الإله وقاتل الفجار
صحب النبي الغر بل خلفاؤه ... فينا بأمر الواحد القهار
رحماء بينهم بذاك صفاتهم ... وردت أشداء على الكفار
وتراهم من راكعين وسجد ... يستغفرون الله بالأسحار
أيقنت حقا أن من والاهم ... سيفوز بالحسنى بدار قرار
فعدلت نحوهم مقرا بالولا ... ومخالفا للعصبة الأشرار
مترجيا عفو الإله ومحوه ... ما قدمته يدي من الأوزار
وإذا سئلت عن اعتقادي قلت ما ... كانت عليه مذاهب الأبرار
وأقول خير الناس بعد محمد ... صدِّيقه وأنيسه في الغار
ثم الثلاثة بعده خير الورى ... أكرم بهم من سادة أطهار
هذا اعتقادي والذي أرجو به ... فوزي وعتقي من عذاب النار
وسئل شيخنا عبد الوهاب الأنماطي عن اسبهندوست [1] قَالَ: كان شاعرا يشتم أعراض الناس.
توفي في ربيع الآخر/ من هذه السنة، ودفن في مقبرة الخيزران.
93/ أ
3464- رزق الله بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي، أبو سعد الأنباري الخطيب، ويعرف: بابن الأخضر من أهل الأنبار
[2] :
سمع أبا أحمد الفرضي، وأبا عمر بن مهدي وغيرهما، وتفقه على مذهب أبي
__________
[1] في الأصل: «اسهتندوست» .
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 414) .(16/185)
حنيفة رضي الله عنه [1] وحدث وكان يفهم ما يقرأ عليه، ويحفظ عامة حديثه، وانتشرت عنه الرواية، وكان صدوقا ثقة، حسن الصوت والسمت، وهو أخو أبي الحسن علي بن محمد بن محمد الخطيب. توفي ليلة عيد الفطر من هذه السنة.
3465- طاهر بن أحمد بن بابشاذ، أبو الحسن المصري النحوي اللغوي
[2] .
توفي في رجب هذه السنة، وكان سبب وفاته أنه سقط في جامع عمرو بن العاص فتوفي من ساعته.
3466- عبد الله بن محمد [بن عبد الله] [3] بن عمرو بن أحمد بن المجمع بن مجيب بن بحر بن معبد [4] بن هزارمرد [5] أبو محمد الصريفيني.
ولد ليلة الجمعة سابع صفر سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، ويعرف بابن المعلم [6] .
سكن صريفين [7] وسمع أبا القاسم بن حبابة، وابن أخي ميمي، وأبا حفص الكتاني، والمخلص وغيرهم، وهو آخر من حدث بكتاب على بن الجعد. وكان قد انقطع عن بغداد. حدثنا عنه عبد الوهاب الأنماطي وغيره.
أنبأنا محمد بن ناصر قَالَ: أنبأنا محمد بن طاهر المقدسي قَالَ: سمعت أبا 93/ ب القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي يقول: [8] / دخلت بغداد وسمعت ما قدرت
__________
[1] «رضي الله عنه» سقطت من ص، ت.
[2] في ص: «المصري اللغوي» .
وفي ت، الأصل: «المصري النحويّ» .
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 116. وشذرات الذهب 3/ 333. وفيات الأعيان 2/ 515.
وبغية الوعاة 272، 427. ومعجم الأدباء 12/ 17. والنجوم الزاهرة 5/ 105. وحسن المحاضرة 1 1/ 306. والأعلام 3/ 220. والكامل 8/ 414)
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ت: «بن سعيد» .
[5] من الأصل: «بن هزار مرجا» .
[6] انظر ترجمته في: (البداية 12/ 116، 117. وشذرات الذهب 3/ 334. والكامل 8/ 414)
[7] العبارة من أول: «وله ليلة الجمعة ... » حتى «.. سكن صريفين» سقطت من ص.
[8] «قَالَ سمعت أبا القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي يقول» سقطت من ص.(16/186)
عليه من المشايخ، ثم خرجت أريد الموصل، فدخلت صريفين فكنت في مسجدها فقال: كان أبي يحملني إلى أبي حفص الكتاني، وابن حبابة وغيرهما، وعندي أجزاء فقلت: أخرجها لي حتى أنظر إليها، فأخرج إلى حزمة فيها كتاب علي بن الجعد بالتمام مع غيره من الأجزاء فقرأته عليه، ثم كتبت إلى أهل بغداد، فرحلوا إليه وأحضرته للكبراء من أهل بغداد، وأحضره قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني، وكل من سمع من الصريفيني فالمنة لأبي القاسم، وفي بعض ألفاظ هذه الحكاية من طريق آخر: أن الأصول التي أخرجها كانت بخط ابن الصقال وغيره من العلماء، وأنه سمع منه أبو بكر الخطيب، وكان ثقة محمود الطريقة صافي الطوية.
وتوفي بصريفين في جمادى الأولى من هذه السنة.
3467- عبد الله بن سعيد بن حاتم، أبو نصر السجزي الوائلي الحافظ
[1] .
منسوب إلى قرية على ثلاث فراسخ من سجستان يقال لها: وائل، ويقع في الحديث جماعة يقال لهم الوائلي إلا أنهم منسوبون إلى بني وائل.
سمع أبو نصر الحديث الكثير وفقه وفهم، وصنف وخرج وكان قيما بالأصول والفروع، وله التصانيف الحسان منها: «الإبانة في الرد على الرافعين» / وأقام بالحرم. 94/ ب أنبأنا محمد بن ناصر، عن أبي إسحاق بن إبراهيم بن سعيد [2] الحبال قَالَ:
خرج أبو نصر على أكثر من مائة شيخ ما بقي منهم غيري، قَالَ: وكان أحفظ من خمسين مثل الصوري.
3468- عبد الباقي بن أحمد بن عمر، أبو نصر الداهداري [3] الواعظ.
سمع من ابن بشران وغيره، وحدث، ولا نعلم به بأسا، وتوفي يوم السبت العشرين من شعبان.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 117) .
[2] في الأصل: «بن سعد» .
[3] في ت: «الراهداري» .(16/187)
3469- عبد الكريم بن الحسن بن علي بن رزمة، أبو طاهر الخباز
[1] .
ولد سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، سمع أبا عمر بن مهدي، وابن رزقويه [2] ، وابن بشران وغيرهم، وكان ثقة، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
3470- عبد الكريم بن أحمد بن طاهر بن أحمد، أبو سعد الوزان [3] التميمي
[4] .
من أهل طبرستان، سمع الحديث بمرو، وما وراء النهر، وبغداد، وروي عنه زاهر بن طاهر، وتفقه وبرع في المناظرة وكانت له فصاحة، وتوفي في هذه السنة.
3471- علي بن خليفة بن رجاء بن الصقر، أبو الحسن الحربي
[5] .
ولد في سنة أربعمائة، وسمع أبا القاسم الخرقي، وروى عنه شيخنا أبو منصور بن زريق.
وتوفي في ليلة الجمعة سابع عشرين ذي الحجة، ودفن بمقابر الشهداء.
3472- محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن هارون، أبو الحسن [6] البرداني أبو أبي علي [7] البرداني
[8] .
ولد سنة ثمانين وثلاثمائة بالبردان [9] ، ثم انتقل إلى بغداد، وسمع من أبي الحسن
__________
[1] الخباز: بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة المشددة وفي آخرها الزاي. هذه النسبة إلى الخبز وخبزه وبيعه. (الأنساب 5/ 34) .
[2] في الأصل: «رزقونة» .
[3] في ت: «الوراق» .
[4] «التميمي» سقطت من ت.
انظر ترجمته في: (تاريخ نيسابور ت 1105)
[5] الحربي: بفتح الحاء وسكون الراء المهملتين ومن آخرها الباء المعجمة بواحدة. هذه النسبة إلى محلة وإلى رجل، فأما النسبة إلى المحلة فهي الحربية محلة معروفة بغربي بغداد بها جامع وسوق (الأنساب 4/ 99) .
[6] في الأصل: «أبو الحسين» .
[7] في ت: «ابن أبو علي البرداني» خطأ. فمحمد بن أحمد هو والد أحمد بن محمد أبو علي البرداني الحافظ.
[8] انظر ترجمته في: (الأنساب للسمعاني 2/ 136. وشذرات الذهب 3/ 335)
[9] من ت: «ولد سنة ثمان وثمانين بالبردان» ومن ص: «ولد سنة ثمان وثلاثمائة» .(16/188)
ابن رزقويه، وابن بشران، وابن شاذان، وغيرهم، وكان له علم بالقراءات، [وكان ثقة عالما صالحا أمينا. تُوُفّي ليلة الْجُمُعَة سلخ ذي القعدة من هَذِهِ السنة. وحدث عَنْهُ شيخنا أبو بَكْر بْن طاهر] [1] .
3473- محمد بن علي بن الحسين المعروف بابن سكينة، أبو عبد الله الأنماطي
[2] .
ولد سنة تسعين وثلاثمائة وحدث عن أبي القاسم الصيدلاني وغيره، / وكان كثير 94/ ب السماع، ثقة حدثنا عنه جماعة من مشايخنا.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن بباب أبرز.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص. وأثبتناها من ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 117) .(16/189)
ثم دخلت سنة سبعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[وقوع صاعقة في شهر ربيع الأول في محلة التوثة]
أنه وقعت صاعقة في شهر ربيع الأول في محلة التوثة من الجانب الغربي على نخلتين من مسجد فأحرقتهما، فصعد الناس فأطفئوا [1] النار بعد أن اشتعل من سعفهما وكربهما وليفهما، فرمى به، فأخذه الصبيان وهو يشتعل في أيديهم كالشمع.
وفي رمضان: حمل إلى مكة مع أصحاب محمد بن أبي هاشم العلوي أمير مكة منبر كبير، جميعه منقوش مذهب، تولى الوزير فخر الدولة أبو نصر بن جهير عمله في داره بباب العامة، وكان مكتوبا عليه: «لا اله إلا الله محمد رسول الله، الإمام المقتدي بأمر الله أمير المؤمنين» [2] مما أمر بعمله محمد بن محمد بن جهير، فاتفق وصوله إلى مكة وقد أعيدت الخطبة المصرية، وقطعت العباسية، فآل أمره إلى أن كسر وأحرق.
وورد كتاب من النظام إلى أبي إسحاق الشيرازي في جواب بعض كتبه الصادرة إليه في معنى الحنابلة، وفيه: ورد كتابك بشرح أطلت فيه الخطاب، وليس توجب سياسة السلطان وقضية المعدلة إلى أن نميل في المذاهب إلى جهة دون جهة، ونحن بتأييد السنن أولى من تشييد الفتن، ولم نتقدم ببناء هذه المدرسة إلا لصيانة أهل العلم 95/ أوالمصلحة، لا للاختلاف وتفريق الكلمة، ومتى جرت الأمور على/ خلاف ما أردناه من هذه الأسباب فليس إلا التقدم بسد الباب، وليس في المكنة إلا بيان على بغداد
__________
[1] من المطبوعة: «فاطفوا»
[2] «أمير المؤمنين» سقطت من ت، ص.(16/190)
ونواحيها، ونقلهم عن ما جرت عليه عاداتهم فيها، فإن الغالب هناك وهو مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمة الله عليه، ومحله معروف بين الأئمة، وقدره معلوم في السنة، وكان ما انتهى إلينا أن السبب في تجديد ما تجدد مسألة سئل عنها أبو نصر القشيري عن الأصول، فأجاب عنها بخلاف ما عرفوه في معتقداتهم، والشيخ الإمام أبو إسحاق وفقه الله رجل سليم الصدر، سلس الانقياد، ويصغي إلى كل من ينقل إليه، وعندنا من تصادر كتبه ما يدل على ما وصفناه من سهوله يجتذبه والسلام.
فتداول هذا الكلام بين الحنابلة وسروا به، وقووا معه، فلما كان يوم الثلاثاء ثاني شوال وهو يوم يسمى بفرح ساعة [1] خرج من المدرسة متفقه يعرف بالإسكندراني، ومعه بعض من يؤثر الفتنة إلى سوق الثلاثاء، فتكلم بتكفير الحنابلة، فرمى بآجرة، فدخل إلى سوق المدرسة واستغاث بأهلها، فخرجوا معه إلى سوق الثلاثاء، ونهبوا بعض ما كان فيه، ووقع الشر، وغلب أهل سوق الثلاثاء بالعوام، ودخلوا سوق المدرسة فنهبوا القطعة التي تليهم منه، وقتلوا مريضا وجدوه في غرفة، وخاف مؤيد الملك على داره فأرسل إلى العميد أبي نصر يعلمه الحال، فأنفذ إليه الديلم والخراسانية فدفعوا العوام، وقتلوا بالنشاب بضعة عشر، وأنفذ من الديوان خدم لإطفاء الثائرة، ولحمل المقتولين إلى الديوان حتى شهدهم القضاة والشهود، وكتبوا خطوطهم بذلك، وكان نساؤهم على باب النوبي/ يلطمن، وكتب بذلك إلى النظام فجاءت مكاتبات [منه] [2] 95/ ب بالجميل، ثم ثناها بضد ذلك.
[ولد للمقتدي مولود سماه أحمد وكناه أبا العباس]
وفي بكرة السبت تاسع عشر شوال ولد للمقتدي مولود سماه أحمد، وكناه: أبا العباس، وجلس الوزير فخر الدولة في باب الفردوس للهناء، وعلق الحريم، وما بقي من محال الكرخ، ونهر طابق، ونهر القلائين، وباب البصرة، وشارع دار الرقيق سبعة أيام، وهو الذي آل الأمر إليه، وسمي: المستظهر باللَّه، وولد له آخر وقت الظهر يوم الأحد السادس والعشرين من ذي القعدة سماه: هارون، وكناه: أبا محمد، وجلس لهنائه يوم الاثنين.
__________
[1] في الأصل: «وهو يوم ليعم مفرج ساعة» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/191)
وولى تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان الشام، وحاصر حلب [1] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3474- أحمد بن أحمد بن سليمان [بن علي] [2] الواسطي.
سمع أبا أحمد الفرضي [3] ، وأبا عمر بن مهدي وغيرهما، وكان سماعه صحيحا.
وتوفي يوم الجمعة ثالث عشر ربيع الأول، وحدث عنه شيخنا أبو القاسم بن السمرقندي، ودفن بباب حرب
[4] .
3475- حمد بن محمد بن طالب، أبو طالب الدلال، وهو حمو [5] ابن القزويني الزاهد
[6] :
ولد سنة سبع وسبعين وثلاثمائة، وحدّث عن أبي الحسن ابن رزقويه [7] وغيره، وتوفي يوم الاثنين سابع عشر ربيع الأول، ودفن بباب حرب.
3476- أحمد بْن مُحَمَّد [بْن أحمد] [8] بْن يعقوب بن حمد [9] ، وهو أبو بكر الوزان [10] المقرئ
[11] :
ولد في صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وحدث عن خلق كثير، وهو آخر من
__________
[1] «الشام، وحاصر حلب» سقطت من ت.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.
[3] في ت: «القرضي» .
[4] «ودفن بباب حرب» سقطت من ت.
[5] في ص: «وهو أحمد بن القزويني» .
[6] الدلال: هذه النسبة لمن يتوسط بين الناس في البياعات وينادي على السلعة من كل جنس (الأنساب 5/ 385) .
[7] في الأصل: «رزقونة» .
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.
[9] في ص: «بن أحمد» وفي الشذرات: «بن حمدوية»
[10] في ت، وشذرات الذهب: «الرزاز» ، ومن إحدى نسخ الشذرات: «الدرار» .
[11] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 118. وشذرات الذهب 3/ 338) .(16/192)
حدث عن أبي الحسين بن سمعون، وكان ثقة زاهدا متعبدا/، حسن الطريقة، كتب 96/ أعنه أبو بكر الخطيب، وكان صدوقا.
وتوفي في ليلة السبت رابع عشرين ذي الحجة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3477- أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله، أبو الحسين [1] ابن النقور البزاز
[2] :
ولد في جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وسمع من ابن حبابة، وابن مردك، والمخلص، وخلق كثير، وكان [مكثرا] [3] صدوقا ثقة، متحريا فيما يرويه، تفرد بنسخ رواها البغوي عن أشياخه: كشيخه هدبة، وكامل بن طلحة، وعمر بن زرارة، وأبي السكن البلدي، وكان يأخذ على جزء طالوت بن عباد دينارا.
قَالَ شيخنا ابن ناصر: كان أصحاب الحديث يشغلونه عن الكسب لعياله، فأفتاه أبو إسحاق الشيرازي بجواز أخذ الأجرة على التحديث، وكان يأخذ زكاة، ويسكن طرف درب الزعفران مما يلي الكرخ.
حدثنا عنه جماعة من أشياخنا آخرهم أبو القاسم بن الحاسب، وهو آخر من حدث عنه، وتوفي يوم الجمعة النصف من رجب هذه السنة، ودفن من الغد في مقابر الشهداء بباب حرب.
3478- أحمد بن عبد الملك بن علي بن أحمد، أبو صالح المؤذن النيسابوري
[4] :
ولد سنة ثمان وثمانين، وحفظ القرآن وهو ابن تسع سنين، وسمع الكثير، وكتب الكثير وصنف، وكان حافظا ثقة، ذا دين متين وأمانة [وثقة] [5] وكان يعظ ويؤذن.
أنبأنا زاهر بن طاهر قَالَ: خرج أبو صالح المؤذن ألف حديث عن ألف شيخ.
__________
[1] في الأصل: «أبو الحسن» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 118. وشذرات الذهب 3/ 335. والكامل 8/ 415)
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 118. وشذرات الذهب 3/ 335. والأعلام 1/ 163.
وإرشاد الأريب 1/ 219. والكامل 8/ 415. وتاريخ نيسابور ت 238) .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/193)
3479- عبد الله بن الحسن بن محمد بن الحسن [1] بن علي، أبو القاسم بن أبي محمد الخلال
[2] :
ولد في شعبان سنة خمس وثمانين، وسمع من المخلص، وأبي حفص الكتاني 96/ ب وغيرهما، وهو آخر من حدّث/ عن الكتاني وعمر، ونقل عنه الكثير، وروى عنه أشياخه وكان ثقة.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي بن ثابت قَالَ: عبد الله بن محمد الخلال: كتبت عنه، وكان صدوقا ينزل باب الأزج، وسألته عن مولده فقال:
ولدت في سنة خمس وثمانين وثلاثمائة.
توفي يوم الأحد ثامن عشر صفر هذه السنة، وصلى عليه في جامع المدينة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3480- عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن إبراهيم [بن منده] [3] ، ومنده [لقب] [4] إبراهيم [5] ، أبو القاسم بن أبي عبد الله الأصبهاني الإمام ابن الإمام
[6] .
ولد سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، وسمع أباه، وأبا بكر بن مردويه وخلقا كثيرا، وكان كثير السماع، كبير الشأن، سافر البلاد، وصنف التصانيف، وخرج التاريخ، وكان له وقار وسمت وأتباع فيهم كثرة، وكان متمسكا بالسنة، معرضا عن أهل البدع، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، لا يخاف في الله لومة لائم، وكان سعد بن محمد الزنجاني
__________
[1] «ابن محمد بن الحسن» سقط من ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 118. وشذرات الذهب 3/ 336)
[3] «بن مندة» سقطت من جميع النسخ، وأثبتناها من شذرات الذهب، وبها يستقيم السياق.
[4] ما بين المعقوفتين سقطت من الأصل.
[5] «إبراهيم» سقطت من ت.
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 118. وشذرات الذهب 3/ 337. وفوات الوفيات 1/ 260.
وطبقات الحنابلة 2/ 242. والنجوم الزاهرة 5/ 105. وتاريخ ابن الوردي 1/ 379. والأعلام 3/ 327. والكامل 8/ 415) .(16/194)
يقول: حفظ الله الإسلام برجلين: أحدهما بأصبهان، والآخر بهراة عبد الرحمن بن منده، وعبد الله الأنصاري.
توفي بأصبهان في هذه السنة وصلى عليه أخوه عبد الوهاب وحضر جنازته خلق لا يعلم عددهم إلا الله تعالى.
3481- عبد الملك بن عبد الغفار بن محمد بن المظفر بن علي، أبو القاسم الهمذاني يلقب سحير
[1] :
سمع خلقا كثيرا بهمذان وبغداد، وكان فقيها حافظا، وكان من الأولياء، كان يكتب للطلبة بخطه، ويقرأ لهم.
توفي باكري في محرم هذه السنة، ودفن بجنب/ إبراهيم الخواص.
97/ أ
3482- عبد الخالق بن عيسى بن أحمد بن محمد بن عيسى بن أحمد بن موسى بن أحمد [2] بن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب، أبو جعفر بن أبي موسى الهاشمي
[3] :
ولد سنة إحدى عشرة وأربعمائة، وكان عالما فقيها، ورعا عابدا زاهدا، قؤولا بالحق لا يحابي أحدا، ولا تأخذه في الله لومة لائم.
سمع أبا القاسم بن بشران، وأبا محمد الخلال، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا طالب العشاري وغيرهم، وتفقه على القاضي أبي يعلى، ثم ترك الشهادة قبل وفاته، ولم يزل يدرس في مسجده بسكة الخرقي من باب البصرة وبجامع المنصور، ثم انتقل إلى الجانب الشرقي فدرس في مسجد مقابل لدار الخلافة ثم انتقل لأجل الغرق إلى باب الطاق، وسكن درب الديوان من الرصافة، ودرس بجامع المهدي، وبالمسجد الذي على باب درب الديوان، وكان له مجلس نظر، ولما احتضر القائم بأمر الله قَالَ: يغسلني
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 118، وفيه: «كان يلقب ببجير» )
[2] في ت: «بن محمد» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 119. وشذرات الذهب 3/ 336. ومناقب الإمام أحمد 521.
والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 20. والنجوم الزاهرة 5/ 106. والأعلام 3/ 292)(16/195)
عبد الخالق. ففعل ولم يأخذ [مما هناك] [1] شيئا فقيل له: قد وصى لك أمير المؤمنين بأشياء كثيرة. فأبى أن يأخذ. فقيل له: فقميص أمير المؤمنين تتبرك به. فأخذ فوطة نفسه فنشفه بها، وقال: قد لحق هذه الفوطة بركة أمير المؤمنين.
ثم استدعاه في مكانه المقتدى فبايعه منفردا، فلما وصل إلى بغداد أبو نصر بن القشيري ظهرت الفتن، فكان هو شديدا على المبتدعة وقمعهم، وحبس فضج الناس من حبسه، وإنما حبس قطعا للفتن في دار والناس يدخلون عليه، وقيل له: نكون قريبا 97/ ب منك نراجعك في أشياء، فلما اشتد مرضه/ تحامل بين إثنين، ومضى إلى باب الحجرة وقال: قد جاء الموت، ودنا الوقت، وما أحب أن أموت إلا في بيتي بين أهلي: فأذن له، فمضى إلى بيت أخته بالحريم الظاهري.
وقرأت بخط أبي على بن البناء، قَالَ: جاءت رقعة بخط الشريف أبي جعفر ووصيته إلى الشيخ أبي عبد الله بن جردة فكتبتها وهذه نسختها: ما لي يشهد الله سوى الدلو والحبل أو شيء يخفي على لا قدر له، والشيخ أبو عبد الله، لئن راعاكم بعدي وإلا فاللَّه لكم، قَالَ الله عز وجل: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا الله 4: 9 [2] ومذهبي الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وما عليه مالك [وأحمد] [3] والشافعي، وغيرهم ممن يكثر ذكرهم، والصلاة بجامع المنصور إن سهل ذلك عليهم، ولا يقعد لي عزاء، ولا يشق على جيب، ولا يلطم خد، فمن فعل ذلك فاللَّه حسيبه.
فتوفي ليلة الخميس للنصف من صفر، وتولى غسله أبو سعيد [4] البرداني وابن الفتى، لأنه أوصى إليه بذلك، وكانا قد خدماه طول مرضه، وصلى عليه يوم الجمعة بجامع المنصور فازدحم الناس، وكان يوما مشهودا لم ير مثله، وكانت العوام تقول:
ترحموا على الشريف الشهيد القتيل المسموم، لأنه قيل إن بعض المبتدعة ألقى سما في مداسه. ودفن إلى جانب قبر أحمد بن حنبل، وكان الناس يبيتون هناك كل ليلة أربعاء
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] سورة: النساء، الآية: 9.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «أبو سعد»(16/196)
ويختمون الختمات، وتخرج المتعيشون فيبيعون المأكولات، وصار ذلك فرجة للناس، ولم يزالوا كذلك إلى أن جاء الشتاء فامتنعوا، فختم على قبره في تلك المدة أكثر من عشرة آلاف ختمة.
3483- محمد بن محمد [بن مُحَمَّدُ] [1] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن أبي الحسن [2] / 98/ أالبيضاوي.
والد شيخنا أبي الفتح [3] .
حدث بشيء يسير عن أبي القاسم عمر بن الحسين [4] الخفاف، وكان فقيها على مذهب الشافعي، تولى القضاء بربع الكرخ.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة، ودفن إلى جانب أبيه في مقبرة باب حرب.
3484- بنت الوزير نظام الملك، [وهي] [5] زوجة الوزير عميد الدولة ابن الوزير فخر الدولة
[6] .
توفيت في شعبان نفساء بولد ذكر مات بعدها فدفنا بدار بباب العامة لأبيها، ولم تكن العادة جارية بالدفن في ما يدور عليه السور، وجلس فخر الدولة وعميد الدولة للعزاء بها ثلاثة أيام.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ت: «أبو عبد الله أبي الحسن» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 119. والكامل 8/ 415)
[4] في الأصل: «الحسن» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] انظر ترجمتها في: (الكامل 8/ 415، 416)(16/197)
ثم دخلت سنة احدى وسبعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[جاءت رسالة من السلطان مشتملة على كراهية الوزير فخر الدولة والمطالبة بعزله]
أنه جاءت رسالة من السلطان مشتملة على كراهية الوزير فخر الدولة والمطالبة بعزله، وأن لا ينفذ إلى خراسان رسول من دار الخلافة، وأن لا يكون فيها غلمان أتراك للخاص ولا للخدم والأتباع، ثم واصل سعد الدولة الكوهرائين إنفاذ أصحابه إلى باب الفردوس، والملازمة فيه لأجل الوزير، والمطالبة بعزله، وجرى من التهدد وامتناع الخليفة ما يطول شرحه، حتى قيل إنه ليس بوزير، وإنما عميد الدولة وزيرنا، وقد أنفذناه إليكم في مهماتنا، ولما خلا الديوان منه جلس فيه والده بحكم النيابة عنه، وكتبت كتب في هذا المعنى من الديوان، وأنفذت مع ركابي يعرف: «بالدكدك» مرتب لأمثالها، 98/ ب فخرج بها فأخذ منها أصحاب سعد الدولة ما أخذوا/ وضربوه، وتمم إلى أصبهان فشكا ما لقي، فلم يشك، وحضر سعد الدولة باب الفردوس وهو سكران وقال: إن سلم الوزير إلى وإلا دخلت أخذته، وإن كلمني في معناه إنسان قتلته. فلوطف فعاد من الغد وبات في جماعة في باب الفردوس، وضربت هناك الطوابل، وشدت فيها خيل الأتراك، ونقل الناس أموالهم من نهر معلى والحريم إلى باب المراتب والجانب الغربي، وأحضر الوزير قوما بسلاح فباتوا على باب الديوان، وحضر في بكرة فسأل الإذن في ملازمة بيته فأذن له، وخرج إلى سعد الدولة توقيع فيه:
لما عرف محمد بن محمد بن جهير ما عليه جلال الدولة ونظام الملك من المطالبة بصرفه سأل الإذن في ملازمة داره إلى أن نكاتبهما بحقيقة حاله، وما هو عليه من الولاء والمخالصة. فأذن له.(16/198)
فأخذ سعد الدولة التوقيع وانصرف، وأقام الوزير في داره، وجعل ولديه أبا القاسم وأبا البركات ينظران في الأعمال، وأما الوزير عميد الدولة فإنه لما وصل إلى العسكر وجد من النظام التغير الشديد، فأعياه أن يطيبه، وندب نقيب النقباء للخروج إلى أصبهان والخطاب على اعتبار ما [1] قصد له الوزير عميد الدولة ليعود إلى مراعاة أمر الديوان، فإنه قد وقع الاستضرار ببعده، وليشرح ما جرى من سعد الدولة. فخرج في ليلة الأحد الحادي والعشرين من صفر، فأنفذ سعد الدولة من النهروان، وجرت في ذلك أمور حتى تمكن من السير، ثم ورد صاحب الوزير بكتابين من السلطان والنظام إلى سعد الدولة أنه انتهى إلينا أنك تعرضت بنواحي الديوان العزيز والوزير فخر الدولة، فأخذت منهما ما يجب/ أن تعيده، فلا تتعرض بما لم تؤمر به. 99/ أوأحضر سعد الدولة إلى باب الفردوس من غد، وسلمت الكتب إليه، وعوتب على ما كان منه من فظيع الفعل وقبيح القول، فقال: الله يعلم أن الذي أمرت به أضعاف ما فعلته، وأنا ماض إلى هناك، فإنني قد استدعيت سأوافق على ذلك بمشهد من عميد الدولة. ثم إن الوزير عميد الدولة تلطف بصبره وبوصله إلى أن استسل ما في نفس نظام الملك واستعاده إلى المألوف منه، فأنفذ فرسين بعدتهما وعشرين قطعة ثيابا للوزير فخر الدولة إظهارا لرجوع المودة إلى حالها المعهود، وقضى له كل حاجة، وزوجه بابنته، وقدم الوزير إلى بغداد وقد تغير قلب الخليفة له لأفعال الفقهاء الأعداء، وكتب إليه: قد أعدتك إلى والديك، ولا مراجعة لك بعد هذا إلى خدمتنا. فانكفأ مصاحبا فدخل إلى والده بباب العامة، وأغلق الديوان، وسمرت أبوابه التي تلي باب العامة.
[فتح الديوان وترتيب الخليفة فيه الوزير أبا شجاع محمد بن الحسين]
وفي يوم السبت سلخ جمادى الآخرة: فتح الديوان، ورتب الخليفة فيه الوزير أبا شجاع محمد بن الحسين [2] نائبا فيه فجلس بغير مخدة.
وفي يوم الثلاثاء السادس عشر من ذي القعدة: وقع الرضا عن الوزير عميد الدولة، والتعويل عليه في الخدمة، وورد غلام تركي من غلمان النظام إلى الخليفة يشير
__________
[1] «اعتبار ما» سقطت من ت، ص.
[2] في الأصل: «بن الحسن» .(16/199)
برده إلى خدمته، لأنه استشير فيمن يرتب، وقال: ما وصلته بولدي وقد بقي في نفسي بقية مكروهة.
وفي هذا اليوم: انقطع أبو شجاع محمد بن الحسين عن الديوان العزيز، ورتب على باب الحجرة فكان ينهى ويخرج إليه الجواب.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
99/ ب
3485-/ الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء، أبو علي المقرئ الفقيه المحدث
[1] :
ولد في سنة ست وتسعين وثلاثمائة، وقرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي وغيره، وسمع الحديث من ابني بشران، وهلال الحفار، وأبي الفتح بن أبي الفوارس، وابن رزقويه في خلق كثير، وتفقه على القاضي أبي يعلى بن الفراء، وصنف في كل فن، فحكى عنه أنه قَالَ: صنفت خمسين ومائة مصنف، وكان له حلقة بجامع القصر حيال المقصورة يفتي فيها ويقرئ الحديث، وحلقة بجامع المنصور، حدثنا عنه جماعة من مشايخنا، وتوفي ليلة السبت خامس رجب هذه السنة، وأم الناس في الصلاة عليه أبو محمد التميمي، ودفن في مقبرة باب حرب.
وقد حكى أبو سعد السمعاني قَالَ: سمعت أبا القاسم بن السمرقندي يقول: كان واحد من أصحاب الحديث اسمه الحسن بن أحمد بن عبد الله النيسابوري، وكان سمع الكثير، وكان ابن البناء يكشط من التسميع بورى ويمد السين، وقد صار الحسن بن أحمد بن عبد الله البناء، قَالَ: كذا قيل إنه يفعل هذا.
قَالَ المصنف: وهذا القول [2] بعيد الصحة لثلاثة أوجه: أحدها: أنه قَالَ «كذا [3] قيل» ولم يحك عن علمه بذلك، فلا يثبت هذا. والثاني: أن الرجل مكثر لا
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 338، 339. والنجوم الزاهرة 5/ 107. وطبقات الحنابلة 397. والأعلام 2/ 180. الذيل على طبقات 1/ 41. والكامل 8/ 419. وتاريخ نيسابور ت 502)
[2] «القول» سقطت من ت، ص.
[3] في الأصل: «هكذا» .(16/200)
يحتاج إلى الاستزادة لما يسمع، ومتدين ولا يحسن أن يظن بمتدين الكذب. والثالث:
أنه قد اشتهرت كثرة رواية أبي علي بن البناء، فأين هذا الرجل الذي يقال له الحسن بن أحمد بن عبد الله النيسابوري، ومن ذكره، ومن يعرفه، ومعلوم/ أن من اشتهر سماعه لا 100/ أيخفى، فمن هذا الرجل، فنعوذ باللَّه من القدح بغير حجة.
3486- سعد بن علي بن محمد بن علي بن الحسين [1] ، أبو القاسم الزنجاني
[2] :
طاف البلاد، ولقي الشيوخ بمصر والشام والسواحل، وقرأ، وكان إماما حافظا ورعا متعبدا متقنا، وانقطع في آخر عمره بمكة، وكان الناس يتبركون به، فإذا خرج يطوف قبلوا يده [3] أكثر مما يقبلون الحجر، وتوفي في هذه السنة بمكة [4] .
أنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي، عن أبيه قَالَ: سمعت أبا عبد الله محمد بن أحمد الكوفي يقول: لما عزم سعد على الإقامة بمكة والمجاورة [5] عزم على نفسه نيفا وعشرين عزيمة أنه يلزمها من المجاهدات والعبادات.
ومات بعد ذلك بأربعين سنة، ولم يخل منها بعزيمة واحدة.
3487- سليم الحوزي
[6] :
وحوزى قرية من أعمال دجيل، كان زاهدا عابدا، وكان يقول: أعرف من بقي مدة يأكل كل يوم زبيبة- يعني نفسه- وسمع الحديث.
وتوفي يوم الثلاثاء ثامن عشر شوال ودفن بقريته.
__________
[1] في الأصل: «الحسن» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 120. وشذرات الذهب 3/ 339)
[3] في الأصل: «يقبلون يده» .
[4] «بمكة» سقطت من ت، ص.
[5] «في ص، ت: «على الإقامة بالحرم عزم» .
[6] في ت: «الحوري» . وفي الكامل: «الجوري» انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 120، وفيه: «سليم بن الجوزي» . والكامل 8/ 419 وفيه:
«الجوري» )(16/201)
3488- سلمان بن الحسن بن عبد الله، أبو نصر صاحب ابن الذهبية
[1] .
ولد سنة ست وستين وثلاثمائة، وسمع من ابن مخلد، والخرقي، وكان سماعه صحيحا، وكان من أهل الستر [2] والصلاح، روى عنه شيخنا عبد الوهاب الأنماطي، واثنى عليه، وشهد له بالخير والصلاح، وقال: عاش أكثر من مائة سنة.
وتوفي يوم الثلاثاء من رجب ودفن بمقبرة باب حرب.
3489- عبد الله بن سبعون، أبو محمد [المالكي [3] القيرواني
[4] .
100/ ب سمع الكثير روى عنه أشياخنا، وتوفي في ليلة السبت/ ثالث عشر رمضان، ودفن بباب حرب.
3490- عبد الرحمن بن أحمد بن علي، أبو القاسم الطبري، المعروف: بابن الزجاجي
[5] .
سمع أبا أحمد الفرضي، وتوفي يوم الأحد [6] سادس عشر ربيع الأول.
3491- عبد الرحمن بن علوان بن عقيل بن قيس، أبو أحمد [7] الشيباني
[8] .
سمع جماعة، وتوفي يوم الاثنين رابع ربيع الآخر، وقد حدثنا عنه أشياخنا.
__________
[1] من ت: «الذهبية»
[2] في الأصل: «من أهل السنة والصلاح»
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 120، وفيه: «عبد الله بن شمعون» )
[5] في ت: «الدجاجيّ» خطأ.
والزجاجي: نسبة إلى عمل الزجاج وبيعه. (الأنساب للسمعاني 6/ 258) انظر ترجمة عبد الرحمن بن أحمد في: (الأنساب 6/ 258)
[6] في الأصل: «يوم الأربعاء»
[7] في ت: «بن عقيل أبو محمد الشيبانيّ»
[8] الشّيبانيّ: بفتح الشين المعجمة وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها والباء الموحدة بعدها وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى «شيبان» وهي قبيلة معروفة في بكر بن وائل وهو شيبان بن ذهل بن ثعلبة (الأنساب 7/ 431)(16/202)
3492- عبد الباقي بن محمد بن غالب، أبو منصور المعدل
[1] .
ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، وسمع المخلص وغيره، وكان سماعه صحيحا، روى عنه أشياخنا، وكان صدوقا.
وتوفي في ليلة الأحد خامس عشرين ربيع الآخر، ودفن بمقبرة باب حرب.
3493- عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الحسين [أبو القاسم] [2] الحربي الأنماطي، المعروف بابن بنت أبي الحسن علي بن عمر السكري
[3] .
ولد سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، وسمع أبا طاهر المخلص، وغيره، وكان سماعه صحيحا، وروى عنه أشياخنا.
قَالَ شيخنا عبد الوهاب بن المبارك: كان عبد العزيز بن علي ثقة، وكنا عنده يوما نقرأ عليه فاحتاج إلى القيام، فقلنا له: تقيم ساعة، ما بقي إلا ورقة فأقعدنا وقرأنا عليه، ثم قلنا: قد فرغت الورقة. فقال: وأنا أيضا قد بلت في ثيابي.
توفي في رجب هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3494- عمر بن أبي الفتح عبد الملك بن عمر بن خلف الرزاز
[4] .
كان زاهدا، وحدث عن ابن رزقويه [5] ، وابن شاذان وغيرهما، وابتلى بمرض أقعد منه، وتوفي في ليلة السبت خامس رجب، ودفن في مقبرة باب حرب.
3495- عمر بن عبيد الله بن عمر، أبو الفضل البقال الشافعيّ
[6] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 340)
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 340)
[4] انظر ترجمته في: (الأنساب 6/ 108. وتاريخ بغداد 10/ 433) .
الرزاز: هذه النسبة إلى الرزّ وهو الأرز، وهو اسم لمن يبيع الرز (الأنساب 6/ 108) .
[5] في الأصل: «رزقونة»
[6] البقّال: بفتح الباء المنقوطة بواحدة وتشديد القاف ومن آخرها اللام، هذه الحرفة لمن يبيع الأشياء المتفرقة من الفواكه اليابسة وغيرها (الأنساب 2/ 261)(16/203)
101/ أسمع أبا الحسين بن بشران/ وغيره، وكان ثقة، روى عنه أشياخنا.
وتوفي يوم الثلاثاء النصف من ذي الحجة، ودفن بباب حرب.
3496- على بن محمد بن علي، أبو القاسم الكوفي الأصل، النيسابوري المولد
[1] .
ولد في غرة ذي الحجة سنة ثمان وأربعمائة، وسمع من أبي سعيد محمد بن موسى الصيرفي، وأبي بكر أحمد بن الحسن الحيري [2] ، وخلق كثير، وسمع مسند شعبة، وحدث بمسند الشافعيّ رضي الله عنه [3] .
3497- محمد بن علي، أبو عبد الله بن المهدي الهاشمي، ويعرف: بابن الحندقوقي [4] الشاعر.
سمع أبا عمر الهاشمي، وأبا الحسن [5] بن رزقويه [6] ، وكان سماعه صحيحا، وتوفي يوم الأحد سادس ذي الحجة، ودفن في داره بباب البصرة.
__________
[1] الكوفيّ: هذه النسبة إلى بلدة بالعراق، هي من أمهات بلاد المسلمين، بنت في زمن عمر بن الخطاب وخرج منها جماعة من العلماء والمحدثين قديما وحديثا (الأنساب 10/ 497)
[2] في الأصل: «بن الحسين الحربي»
[3] «رضي الله عنه» سقطت من ت، ص.
[4] في ت: «الحندقوتي» .
[5] في الأصل: «بن الحسين»
[6] في الأصل: «أبا الحسين بن رزقونة»(16/204)
ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في يوم الجمعة خامس ربيع الأول [1] رتب في الحسبة بالحريم [2] أبو جعفر بن الخرقي [3] الشاهد، وكان التطفيف فاشيا، والأمور فاسدة، حتى إنه وجد في ميزان بعض المتعيشين حبات على شكل الأرز من رخام وزن الواحدة حبتان ونصف، فتولى ذلك على أن يبسط يده في الخاص والعام، وأن لا يستعمل مراقبة، ولا يجيب شفاعة، فوعده عميد الدولة بذلك، وتنجز له به التوقيع، فزم الأمور، وأقام الهيبة، وأدب وعزّر، و [لم يقبل شفاعة] [4] فانحرست الأمور، وانحسمت الأدواء.
/ وفي رجب: وصل السلطان جلال الدولة إلى الأهواز للصيد والفرجة، وقبض 101/ ب على ابن علان اليهودي ضامن البصرة وقتله، وأخذ من ذخائره نحوا من أربعمائة ألف دينار، وكان هذا الرجل منتميا إلى نظام الملك [وكان] [5] بين نظام الملك وبين
__________
[1] في ص: «خامس ربيع رتب» .
وفي ت: «خامس ربيع الآخر» .
[2] في الأصل: «في الحسبة في الحريم» .
وفي ت: «للحسبة في الحريم» .
[3] في ت: «أبو سعد بن الخرقي» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(16/205)
خمارتكين بن الشراي وبنيه [1] وسعد الدولة الكوهرائي [2] عداوة، فتوصلا في هلاك ابن علان لينفرا لنظام الملك ويوحشا السلطان منه، وعرف نظام الملك الحال فنفر وأغلق بابه ثلاثة أيام، وأشير عليه بالرجوع عن هذا الفعل فرجع، ولما عاد السلطان إلى أصبهان عمل له نظام الملك دعوة اغترم عليها جملة، وعاتبه عتابا أجابه عنه بتطييب نفسه. وكان ابن علان قد تفاقم أمره حتى إن زوجته ماتت فمشى خلف جنازتها [3] جميع من بالبصرة سوى القاضي [4] ، وكان معه تذكرة بأمواله، فلما تقدم بتغريقه رمى التذكرة إلى الماء قبله، ووجد له برموز في تذكرة فأخذ أكثر ذلك، وكان فيها مكنسة ألف دينار، فلم يفطن لذلك حتى رأوا امرأة مقعدة ترجف فأرهبوها فأقرت. وضمن خمارتكين بن الشراي [5] البصرة بمائة ألف دينار ومائة فرس كل سنة.
وفي هذه السنة: أقيمت الخطبة بمكة للخليفة وللسلطان، وقطعت الخطبة المصرية، وفتح أبو بكر عبد الله بن نظام الملك تكريت.
وفيها: أخذ مسلم بن قريش حلب، وكتب إلى السلطان ملك شاه كتابا أشهد فيه على نفسه العدول بضمانها بثلاثمائة ألف دينار [كل سنة] [6] يؤديها إلى خزانة السلطان، فأجابه إلى ذلك.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
102/ أ
3498-/ أحمد بن محمد بن عثمان، أبو عمر السنخواني
[7] .
وسنخوان قرية من قرى نسا، وهو من أولاد الحسن بن سفيان الشيباني. ولد سنة
__________
[1] «وبنيه» سقطت من ص.
[2] «الكوهرائي» سقطت من ص، ت.
[3] في الأصل: «في جنازتها» .
[4] في الأصل: «حتى القاضي» .
[5] «بن الشراي» سقطت من ص، ت.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في ت: «أبو عمرو السيحواني» .
انظر ترجمته في: (تاريخ نيسابور ت 254، وفيه: «البشخواني» بدلا من «السنخواني» )(16/206)
أربعمائة اشتغل بالعلم مدة وسمع الحديث من جماعة، وناب في القضاء، ثم استعفى وخرج إلى الحجاز، وقطع البادية على التجريد، ثم عاد إلى نيسابور، وقدم [1] أبا سعيد بن أبي الخير، وأبا القاسم القشيري، ثم عاد إلى قريته فبنى بها رباطا، وجلس محافظا للأوقات، كثير الذكر، وقصده المريدون من النواحي.
توفي في هذه السنة، ودفن بقريته [2] .
3499- عبد الله بن أحمد بن عبيد الله بن عثمان، أبو محمد السكري
[3] .
ولد سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، سمع أبا الحسن بن الصلت، وأبا أحمد الفرضي وغيرهما، وصاحب عبد الصمد، وانتمى إليه، وتأدب بأخلاقه، وكان أمينا مأمونا، روى عنه شيخنا أبو القاسم ابن السمرقندي، وتوفي في رجب من هذه السنة، وصلى عليه بجامع المنصور أبو محمد التميمي، ودفن في مقبرة باب حرب، وقد ذكره شجاع فقال: عبد الله بن عثمان فنسبه إلى جده.
3500- عبد الملك بن الحسن [4] بن أحمد [بن أحمد] [5] بن خيرون، أبو نصر
[6] .
روى الحديث، وكان زاهدا يختم كل ليلة ختمة، ويسرد الصوم، وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة.
3501- محمد بن هبة الله بن الحسن بن منصور، أبو بكر بن أبي القاسم الطبري اللالكائي
[7] .
ولد سنة تسع وأربعمائة، وحدث عن هلال الحفار وغيره، وكان ثقة كثير السماع،
__________
[1] في الأصل: «وخدم» .
[2] في ت: «بمقبرته» .
[3] السكّري: بضم السين المهملة، وفتح الكاف المشدودة وفي آخرها الراء، هذه النسبة إلى بيع السّكّر وعمله وشرائه (الأنساب 7/ 95)
[4] «بن الحسن» سقطت من ص.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من ت، الأصل.
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 120)
[7] انظر ترجمته: (الكامل 8/ 422)(16/207)
حدثنا عنه أبو القاسم بن السمرقندي وغيره، وتوفي في يوم الجمعة رابع عشر جمادى 102/ ب الأولى من هذه السنة، ودفن بمقبرة/ الشونيزيّة. [1]
3502- محمد بن عبد العزيز، أبو يعلى الدلال، ويعرف [2] : بابن الظاهري، ويعرف بابن المناتقي
[3] .
سمع من ابن رزقويه [4] وغيره، وكان سماعه صحيحا.
وتوفي في يوم الثلاثاء النصف من رمضان.
3503- محمد بن محمد [5] بن أحمد بن الحسين بن عبد العزيز بن مهران، أبو منصور العكبري
[6] .
ولد يوم الأحد سابع عشر رجب سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة، وسمع هلال الحفار، والحمامي، وابن رزقويه، وابن بشران وغيرهم، وقد ذكره الخطيب فقال كان صدوقا، وذكره أبو الفضل بن خيرون فغمزه وقال: خلط ونسبه إلى التشيع، وقال:
استعار مني جزءا لنفسه فيه. ومن الجائز أن يكون قد عارض نسخة فيها سماعه، فلا يجوز القطع بالتضعيف من أمر محتمل، والأثبت في حاله أنه صادق، إلا أنه كان صاحب جد وهزل، وكان نديما، يحكي الحكايات المستحسنة، وكان مليح النادرة، وله هيئة حسنة، وما زال يخالط أبناء الدنيا.
أنشدنا [7] أبو نصر أحمد بن محمد الطوسي قَالَ: أنشدنا أبو منصور بن عبد العزيز العكبريّ:
__________
[1] في ص: «الشونيزي» وهو صحيح أيضا.
[2] في ت: «المعروف» .
[3] الدّلّال: بفتح الدال المهملة وتشديد اللام ألف، هذه النسبة لمن يتوسط بين الناس من البياعات وينادي على السلعة من كل جنس.
[4] في الأصل: «رزقونة»
[5] «بن محمد» سقطت من ت.
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 120. وشذرات الذهب 3/ 342. والكامل 8/ 422 وفيه:
«محمد بن عبد العزيز العكبريّ» )
[7] في ص: «أخبرنا» .(16/208)
أطيل تفكُّري في أي ناس ... مضوا عنا وفيمن خلفونا
هم الأحياء بعد الموت حقا ... ونحن من الخمول الميتونا
لذلك قد تعاطيت التحافي ... وان خلائقي كالماء لينا
ولم أبخل بصحبتهم لدهر ... ولكن هات ناسا يصحبونا
توفي أبو منصور في رمضان هذه السنة.
3504- محمد بن علي/ بن محمود، أبو بكر الزوزني [1] الصوفي
[2] . 103/ أحدّث عن أبي القاسم الخرقي، وتوفي يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة، ودفن إلى جانب أبيه على باب الرباط المقابل لجامع المنصور.
3505- محمد بن عامر، أبو الفضل وكيل المقتدى
[3] والقائم على جميع أموالهما.
3506- هياج [4] بن عبيد بن الحسين، أبو محمد الحطيني الشامي
[5] .
وحطين قرية من قرى الشام بين طبرية وعكا، بها قبر شعيب النبي عليه السلام وبنته صفورا زوجة موسى عليه السلام.
سمع هياج الحديث من جماعة كثيرة وتفقه، وكان فقيه الحرم في عصره، ومفتي أهل مكة، وكان زاهدا ورعا متنسكا مجتهدا في العبادة، كثير الصوم والصلاة، وكان يأكل كل ثلاث مرة، وكان يعتمر كل يوم ثلاث مرات على قدميه ويذكر عدة دروس لأصحابه، ومذ دخل الحرم لم يلبس نعلا، وكان يزور رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أهل مكة كل
__________
[1] في ت: «الزروني» .
[2] انظر ترجمته في: (الأنساب 6/ 322) الزوزني: بسكون الواو بين الزايين المعجمتين ومن آخرها النون، هذه النسبة إلى زوزن وهي بلدة كبيرة حسنة بين هراة ونيسابور، وكان بعض الكبراء قال: زوزن هي البصرة الصغرى لكثرة فضلائها وعلمائها. (الأنساب 6/ 320)
[3] في ت: «المقدي» .
[4] في ت: «هياج» .
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 120.
وشذرات الذهب 3/ 342)(16/209)
سنة ماشيا حافيا، فكان إذا خرج فأي من يأخذ بيده يكون في مؤنته إلى أن يرجع، وكان يزور ابن عباس في كل سنة مرة، يأكل بمكة مرة، وبالطائف أخرى، وكان لا يدخر شيئا ولا يلبس غير ثوب، ووقعت بين أهل السنة والشيعة فتنة فاتفق أن بعض الروافض شكا إلى أمير مكة محمد بن أبي هاشم فقال: إن أهل السنة ينالون منا ويبغضوننا. فأخذ هياجا فضربه ضربا شديدا فحمل إلى زاويته، [1] فبقي أياما ومات في هذه السنة وقد نيف على الثمانين.
__________
[1] في الأصل: «مروانية» .(16/210)
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين واربعمائة
/ فمن الحوادث فيها: 103/ ب أنه جمع الوعاظ في جمادى الآخرة في الديوان وأذن لهم في معاودة الجلوس، وقد كانوا منعوا من ذلك منذ فتنة القشيري، وتقدم إليهم أن لا يخلطوا وعظهم بذكر شيء من الأصول والمذاهب.
[القبض على إنسان يعرف بابن الرسولي الخباز]
وفي ذي الحجة: قبض على إنسان يعرف: بابن الرسولي الخباز، وعلى عبد القادر [1] الهاشمي البزاز، وجماعة انتسبوا إلى الفتوة، وكان هذا ابن الرسولي قد صنّف شيئا [2] في معنى الفتوة وفضائلها وقانونها، وجعل عبد القادر المتقدم على من يدخل في الفتوة، وأن يكونوا تلامذته، وكتب لكل منهم منشورا وقلده صقعا، ولقب نفسه: كاتب الفتيان، وجعل ذلك طريقا إلى دعوات ومجتمعات تعود بمصلحته [3] ، وكتب إلى خادم لصحاب مصر بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم يعرف: بخالصة الملك ريحان الإسكندراني، قد ندب نفسه لرياسة الفتيان، وصارت المكاتبات من جميع البلدان صادرة منه واليه، والتعويل في هذا الفن وقف عليه، وعنَّ لابن الرسولي أن جعل اجتماعهم بمسجد براثا، وكان مسدود الباب مهجورا، ففتح بابه ونصب عليه بابا، ورتب فيه من يراعيه، فعرف ذلك أصحاب عبد الصمد فأنكروه وشكوه إلى الديوان،
__________
[1] في الأصل: «وعلي بن عبد القادر الهاشمي» .
[2] «شيئا» سقطت من ص، ت.
[3] في الأصل: «بمسلحبه»(16/211)
وعظموا ما يكون منه وما يتفرع عنه، وقالوا: إن هؤلاء القوم يدعون لصاحب مصر، ويجعلون ذكر الفتوة عنوانا لجمع الكلمة على هذا الباطن، فطالع الوزير عميد الدولة بالحال، فتقدم حينئذ بالقبض على ابن الرسولي وعبد القادر، و/ الكشف عن الحال، 104/ أووجد لابن الرسولي في هذا المعنى كتب كثيرة، وكتاب منه إلى الخادم المقدم ذكره، فاستخلاه الوزير عميد الدولة وسأله عن الداخلين في هذا الجهل، فأثبته له [1] جميعهم، وطلبوا فقبض على من وجد منهم، وهرب الباقون، وجعل الشحنة والوالي ذلك طريقا إلى [الشنقصة و] [2] قطع المصانعات عليهم، ونهبت دورهم، ثم أخذت فتاوى الفقهاء عليهم بوجوب كفهم عن هذا الفساد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3507- أحمد بن محمد بن عمر [بن محمد] [3] بن إسماعيل بن الأخضر، أبو عبد [4] الله.
سمع أبا علي بن شاذان، وروى عنه أشياخنا، وكان يذهب إلى مذهب أهل الظاهر، وكان أحسن الناس تلاوة [للقرآن] [5] في المحراب، حسن الطريقة، حميد السيرة، مقلا من الدنيا قنوعا [6] ، توفي ليلة الخميس لليلتين بقيتا من شهر ربيع [الآخر] [7] من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3508- عبد السلام بن أحمد بن محمد بن جعفر، أبو الفتح [8] الصوفي، ويعرف: بابن سالبة
[9] :
من أهل فارس، سافر الكثير وجال في البلاد، وسمع بها الحديث، وورد بغداد
__________
[1] «له» سقطت من ص.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 121)
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت.
[6] في الأصل: «متورعا» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] في ت: «أبو جعفر»
[9] في الأصل: «بابن سالة» ، انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 424) .(16/212)
في سنة خمس وعشرين وأربعمائة فسمع بها من أبي القاسم ابن بشران، وأبي علي ابن شاذان، وبمصر من أبي عبد الله ابن نظيف، وبأصبهان من أبي بكر ابن ريذة، سمع منه يحيى بن عبد الوهاب بن منده، وتوفي ببيضاء فارس في جمادى الأولى من هذه السنة.
3509- مُحَمَّد [1] [بن محمد]
[2] بن علي بن الخوزراني [3] العكبري، أبو الفضل.
ولد ليلة عرفة سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، وحدّث عن ابن رزقويه [4] .
وتوفي يوم الجمعة للنصف من ربيع الأول.
3510- محمد بن أحمد
بن الحسين/ الدواني [5] ، أبو طاهر الدباس [6] : 104/ ب من ساكني الخلالين محلة كانت عند نهر القلائين، سمع أبا القاسم بن بشران، روى عنه شيخنا إسماعيل السمرقندي، وعبد الوهاب.
توفي يوم الثلاثاء غرة شعبان، ودفن بمقبرة باب حرب.
3511- محمد بن الحسين بْن عَبْد الله بن أحمد بن يوسف بن الشبل، أبو علي الشاعر
[7] :
من أهل شارع دار الرقيق، سمع الحديث من أحمد بن علي البلدي وغيره، روى لنا عنه أشياخنا وكان أحد الشعراء المجودين، فمن جيد شعره:
لا تظهرن لعاذل أو عاذر ... حاليك في السراء والضراء
فلرحمة المتوجعين مرارة ... في القلب مثل شماتة الأعداء
وله:
يفنى البخيل بجمع المال مدته ... وللحوادث والأيام ما يدع
__________
[1] «محمد» سقطت من ت.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ت: «الحورراني»
[4] في الأصل: «رزقونة» .
[5] في ت: «الدواتي» .
[6] في ت: «الدوات» .
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 121. وطبقات الأطباء 1/ 247: 252. وإرشاد الأريب 4/ 38. والوافي بالوفيات 3/ 11. ووفيات الأعيان 1/ 521. والأعلام 6/ 100. والكامل 8/ 423)(16/213)
كدودة القز ما تبنيه يهدمها ... وغيرها بالذي تبنيه ينتفع
وقد روى من شعره ما يدل على فساد عقيدته وهو:
بربك أيها الفلك المدار ... أقصد ذا المسير أم اضطرار
مدارك قل لنا في أي شيء ... ففي أفهامنا عنك انبهار
ودنيا كلما وضعت جنينا ... عراه من نوائبها طوار
هي العشواء ما خبطت هشيم ... هي العجماء ما جرحت جبار [1]
فإن يك آدم أشقى بنيه ... بذنب ما له منه اعتذار
فكم من بعد غفران وعفو ... يغير ما تلا ليلا نهار
لقد بلغ العدو بنا مناه ... وحل بآدم وبنا الصغار
وتهنا ضائعين كقوم موسى ... ولا عجل أضل ولا خوار
فيا لك أكلة ما زال فيها ... علينا نقمة وعليه عار
نعاقب في الظهور وما ولدنا ... ويذبح في حشا الام الحوار
105/ أ/ ونخرج كارهين كما دخلنا ... خروج الضب أخرجه الوجار
وكانت أنعما لو أن كونا ... نشاور قبله أو نستشار
وما أرض عصته ولا سماء ... ففيم يغول أنجمها انكدار
وبعض هذه الأبيات يكفي في بيان قبح [2] العقيدة.
توفي ابن الشبل في محرم هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3512- نصر بن أحمد بن نصر، أبو الفتح السمنجاني [3] الخطيب
[4] :
حدث عن أبي علي ابن شاذان وغيره، وتوفي يوم الأحد السابع والعشرين من جمادى الآخرة، ودفن في مقبرة باب الدير.
__________
[1] في الأصل: «غبار»
[2] في الأصل: «يكفي من سوء العقيدة»
[3] في ت: «السيمحاني» .
[4] انظر ترجمته في: (الأنساب 7/ 150، 151) السّمنجاني: سمنجان: بكسر السين والميم وسكون النون والجيم. بليدة من طخارستان وراء بلخ، وهي بين بلخ وبغلان، وبها شعاب كثيرة، وثمار وأشجار، وبها العرب من تميم (الأنساب 7/ 150)(16/214)
3513- يوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن، أبو القاسم التفكري [1] من أهل زنجان
[2] :
ولد سنة خمس وتسعين وثلاثمائة بزنجان، ورحل إلى أبي نعيم الأصبهاني فقرأ عليه الكثير، وعلى غيره، وانتقل إلى بغداد محدثا فقيها، ولحق أبا الطيب الطبري، وتفقه على أبي إسحاق، وكان ورعا زاهدا عاملا بعلمه، خاشعا بكاء عند الذكر، مقبلا على العبادة، روى عنه شيخنا أبو القاسم السمرقندي.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
__________
[1] في الأصل: «العكبريّ» وفي ت: «البعكري» .
وفي البداية والنهاية 12/ 122: «العسكري» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 122. والكامل لابن الأثير 8/ 424 (أحداث سنة 473 هـ)(16/215)
ثم دخلت سنة اربع وسبعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن ابن بهمنيار كاتب خمار تكين الشرابي اجتمع مع السلطان [1] ، وتكلم على نظام الملك وقال انه سرق [2] من الأموال كل سنة سبعمائة ألف دينار، وأقام وجوها بها [3] في كل بلد، وضمن أصبهان بزيادة سبعين ألف دينار [4] ، فأخذت من يد ضامنها وسلمت إليه، وجاء في أثناء هذا رجل صوفي إلى نظام الملك، فأخرج له قرصين/ 105/ ب وسأله أن يتبرك بأكل شيء منهما، وذكر أنهما فاضل إفطار بعض الزهاد هناك [5] فلما مد يده إليهما أومأ إليه صوفي آخر بأن لا تفعل، فإنهما مسمومان، وهما من دسيس ابن بهمنيار، فاختبر أفصح ذلك فيهما، وأخذ الصوفي ليقتل فمنع نظام الملك من ذلك وبره بشيء، وشكا ذلك إلى السلطان فقال ابن بهمنيار في الجواب: هذه موضوعة عليّ لتكون سببا [6] إلى إبعادي عن السلطان، وتضييع المال الذي أقمت وجوهه، فصدق السلطان قوله ولم يسمع فيه، ثم آل الأمر إلى أن كحل وكفى النظام أمره.
وفي يوم الخميس حادي عشر ذي الحجة: توفي داود ولد السلطان جلال الدولة
__________
[1] في الأصل: «اجتمع بالسلطان» .
[2] في ص: «وذكر أنه سير» .
[3] في ص: «وجوهها» .
[4] في الأصل: «سبعمائة ألف دينار» .
[5] في الأصل: «هنالك» .
[6] في ص: «طريقا» .(16/216)
بأصفهان، فلحقه عليه ما زاد على المعهود، ولم يسمع بأمثاله، ورام قتل نفسه دفعات، فمنعه خواصه، ومنع من أخذه وغسله لقلة صبره على فراقه، إلى أن تغير فمكن من ذلك، وامتنع عن المطعم والمشرب، ونزع أثواب الصبر، وأغلق أبواب السلو، وجز الأتراك والتركمان شعورهم، وكذلك نساء الحشم والحواشي والخيول، وأقام أهل البلد المأتم في المنازل والأسواق، وبقيت الحال على هذا سبعة أيام، وخرج السلطان بعد شهر إلى الصيد وكتب بخطه رقعة يقول فيها: أما أنا يا ولدي داود فقد خرجت إلى الصيد، وأنت غائب عني، وعندي من الاستيحاش لفراقك والا نزعاج لبعدك عني، والبكاء على أخذك مني، ما أسهر ليلى، ونغص عيشي، وقطع كبدي، وضاعف كمدي، فأخبر أنت بعدي مالك وحالك، وما غير البلى منك، وما فعل الدود بجسمك، والتراب بوجهك وعينك، وهل عندك على مثل ما عندي، وهل بلغ الحزن بك ما بلغ بي، فوا شوقاه إليك، ووا حسرتاه عليك، ووا أسفا على ما فات منك.
وحملت الرقعة إلى نظام الملك فقرأها وبكى بكاء شديدا، وجمع الوجوه والمحتشمين وقصد بهم القبر، وقرأ الرقعة عليه وارتج المكان بالبكاء والعويل، وتجدد الحزن في البلد/ واللطم وعادت المصيبة كأول يوم، وجلس الوزير عميد الدولة [1] 106/ أللعزاء في صحن السلام ثلاثة أيام أولها يوم السبت لثلاث بقين من ذي الحجة.
[دخول خادمين لشرف الدولة عليه الحمام فخنقاه]
وفي هذه السنة [2] : دخل خادمان لشرف الدولة مسلم بن قريش عليه الحمام فخنقاه [وأدركه أصحابه وقد شارف الموت، فنجا] [3] وقتل الخادمان.
وذكر محمد بن عبد الملك أن خادما واحدا وثب في الحمام فخنقه [4] وسمعت زوجته الصراخ [5] فبادرت إلى الحمام، فوجدته مغلقا فكسرت الباب، فخرج خادم فقال: إن هذا الأمير يراودني على نفسي، ويطلب مني الفاحشة، وأنا آبى ذلك. فخرج
__________
[1] «وعادت المصيبة كأول يوم وجلس الوزير عميد الدولة» سقطت هذه العبارة من ص.
[2] هذا الحدث ورد في ت في أول أحداث السنة.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] «فخنقه» سقطت من ص، ت.
[5] في ص: «الصياح» .(16/217)
فركب فرسا فدخلت إليه فرأته تالفا، ثم ظفر بالخادم بعد [مغضبة] [1] أيام، فجيء به إلى شرف الدولة فقطع لسانه وقتله [2] .
وورد في هذه السنة من واسط خبر عجيب، جاء به كتاب ابن وهبان الواسطي:
يذكر قصة عجيبة وهي: أن امرأة عندهم في نهر الفصيلي أصابها الجذام حتى أسقط أنفها وشفتيها وأصابع يديها ورجليها، وجافت ريحها، وتأذى أهلها بها، فأخرجها زوجها وولدها إلى ظاهر المحلة على شوط منها، وعملوا لها كوخا فكانت فيه، ولا يمكن الاجتياز بها من نتن ريحها، وإنما كان ولدها يأتيها برغيفين يرميهما إليها، فجاء يوما فقالت له: يا بني، باللَّه قف حتى أبصرك وجئني بجرعة ماء أشربها. فلم يفعل وهرب.
وكان قريبا من الموضع جوبة ماء الكتان، فحملها العطش على قصدها، فتحاملت فوقعت عندها فأغمي عليها، فذكرت بعد إفاقتها أنها رأت رجلين وامرأتين جلوسا عندها فأخرجوا لها قرصين عليهما ورقة خضراء، وجاءوها بكراز فيه ماء وقالوا لها: كلي من هذا الخبز واشربي من هذا الماء. قالت: فكل ما أكلت عاد القرص كما كان إلى أن شبعت، وشربت من الكراز ماء لم أشرب قط ألذّ منه. فقلت: يا سادتي، من أنتم؟ فقال أحدهم: أنا الحسن، وهذا الحسين، وهذه خديجة الكبرى، وهذه فاطمة الزهراء، ثم 106/ ب أمر الحسن/ يده على صدري ووجهي، والحسين يده على ظهري، فعادت شفتاي وأنفي ونبتت أصابعي، وأقاموني فسقط مني نحو ثلاثين كهيئة صدف السمك، فأقبل الناس من البلاد لمشاهدتها والتبرك بها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3514- أحمد بن محمد بن إبراهيم بن علي، أبو طاهر القصاري [3] الخوارزمي
[[4]] :
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ص: «فجيء به فقطع شرف الدولة لسانه وقتله» .
[3] في ت: «القصار» .
[4] انظر ترجمته في: (الأنساب 10/ 165) القصّاريّ: بفتح القاف والصاد المهملة وفي آخرها الراء. هذه-(16/218)
ولد ببغداد سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، وسمع من أبي القاسم إسماعيل بن الحسن الصرصري، حدث عنه أشياخنا، وكان يترسل من الديوان إلى غزنة.
توفي يوم السبت ثاني عشر ذي الحجة من هذه السنة، ودفن في مقبرة معروف.
3515- أحمد بن عبد العزيز بن محمد [1] ، أبو طالب الجرجاني الشروطي
[2] :
حدث عن أبي علي بن شاذان.
وتوفي يوم السبت غرة محرم، ودفن في مقبرة باب الدير.
3516- أحمد بن هبة الله بن محمد بن يوسف، ويعرف بأبي بكر الرحبي السعدي
[3] :
من ولد سعد بن معاذ، ولد سنة سبعين وثلاثمائة، سمع أبا الحسين بن بشران وغيره. روى عنه أشياخنا.
وتوفي يوم السبت رابع رجب عن مائة وأربع سنين [4] ودفن بباب حرب.
3517- أحمد بن علي بن الحسن بن محمد بن عمرو بن أبي عثمان [5] وكان من أهل نهر القلائين
[6] :
__________
[ () ] النسبة إلى القصار، وهو الّذي يقصر الثياب، ولعل بعض أجداد المنتسب إليه يستعمل هذا الشغل، ومثل هذا الانتساب- أعني إلى الحرف- اختص بها أهل خوارزم وآمل وطبرستان (الأنساب 10/ 165) .
[1] «بن محمد» سقطت من ت.
[2] الشّروطيّ: بضم الشين المعجمة والراء، وبعدهما الواو، وفي آخرها الطاء المهملة. هذه النسبة لمن يكتب الصّكاك والسجلات، لأنها مشتملة على الشروط، فقيل لمن يكتبها: الشروطي (الأنساب 7/ 321) .
[3] السعدي، بفتح السين وسكون العين، ومن آخرها الدال، المهملات. هذه النسبة إلى عدة قبائل منهم سعد بن معاذ (الأنساب 7/ 82)
[4] جاءت هذه الترجمة مضطربة الفقرات، فلم ينقص مما أوردناه شيئا، ولكن مع تقديم وتأخير في الجمل.
[5] في الأصل: «بن أبي عامر» .
ومن ت زيادة: «السبيعي المقرئ» قفزة نظر من ناسخ النسخة ت مع الترجمة التالية.
[6] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 426)(16/219)
سمع أبا الحسن بن الصلت، وأبا أحمد الفرضي، وخلقا كثيرا، وخوطب أن يستشهد فامتنع.
107/ أأنبأنا أبو القاسم السمرقندي/ قَالَ: سئل أحمد بن أبي عثمان أن يستشهد فامتنع [1] ، فكلف فقال: اصبروا إلى غد، فأصبح ميتا.
3518- السبيعي المقرئ [2] .
ولد سنة سبع وتسعين وثلاثمائة [3] ، وكان ثقة مكثرا، حدثنا عنه أشياخنا، وتوفي فجأة في ليلة الأربعاء الحادي عشر من ذي القعدة، ودفن بالشونيزية، وحضر جنازته أبو عبد الله الدامغاني، وأبو إسحاق الشيرازي.
3519- داود بن ملك شاه [4] .
قد ذكرنا في الحوادث وفاته.
3520- دبيس بن علي بن مزيد، الملقب نور [5] الدولة
[6] .
[توفي عن ثمانين سنة، كان فيها أميرا نيفا وستين سنة، وأقام] [7] ابنه أبو كامل مقامه، ولقب بهاء الدولة.
3521- عبد الله بن أحمد بن رضوان، أبو القاسم
[8] .
كان من كبار أهل بغداد، مرض بالشقيقة وبقي ثلاث سنين مقيما في بيت مظلم لا
__________
[1] «فامتنع» سقطت من ص.
[2] السّبيعي: بفتح السين المهملة وكسر الباء المنقوطة بواحدة وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين وفي آخرها العين المهملة. هذه النسبة إلى سبيع، وهو بطن من همذان، وهو سبيع بن صعب بْن معاوية بْن كثير بْن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن خيوان.. إلخ. (الأنساب 7/ 35)
[3] من أول هذه الترجمة حتى هنا ساقط من ت.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 122. والكامل 8/ 426)
[5] بياض في ت مكانه كلمة «نور» .
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 123.
والكامل 8/ 425. وتاريخ ابن خلدون 4/ 277.
والأعلام 2/ 337. ووفيات الأعيان 2/ 263: 265)
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 123. والكامل 8/ 426.)(16/220)