فقرأه عبيد اللَّه بْن الْحَسَن فرده، فحمل عبيد اللَّه إِلَى المهدي فعاتبه، فكان فيما عاتبه به أن قَالَ لَهُ: رددت كتابي فَقَالَ لَهُ عبيد اللَّه: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إني لم أردّ كتابك، ولكنه كان ملحونا فصدق المهدي مقالته وأجازه، ورده إِلَى عمله [1] .
تُوُفِّيَ عبيد اللَّه فِي ذي القعدة [2] في هذه السنة وقيل تُوُفِّيَ سنة ثمان وسبعين.
906- غوث بْن سليمان بْن زياد بْن ربيعة بْن نعيم، أَبُو يَحْيَى الحضرمي.
ولد سنة أربع وتسعين، وولي القضاء [بمصر] [3] ثلاث مرات فِي أيام المنصور والمهدي.
روى عنه: ابْن وهب، والواقدي، وآخر من حدث عنه بالعراق أَبُو الوليد الطيالسي.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الحافظ [4] قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو القاسم وأبو عمرو قالا: أخبرنا أبو عبيد اللَّه بْن منده- وَهُوَ والدهما- قَالَ: حَدَّثَنَا أبو سعيد بن يونس الحافظ قال: حدثني عاصم بن رازح قَالَ: حَدَّثَنَا بشير بْن عَبْد الْوَاحِدِ قَالَ: سمعت أبي يَقُول: سمعت غوث بْن سليمان يَقُول: بعث إلي أمير المؤمنين أَبُو جَعْفَر المنصور، فحملت إِلَيْهِ، فَقَالَ لي: يا غوث، إن صاحبتكم الحميرية خاصمتني إليك فِي شروطها، قلت، أفيرضى أمير المؤمنين أن يحكمني عليه قال: نعم، قلت: فالحكم لَهُ شروط فيحملها أمير المؤمنين قَالَ: نعم، قلت: يأمرها أمير المؤمنين أن توكل وكيلا ويشهد عَلَى وكالته خادمين خيرين يعدلهما أمير المؤمنين عَلَى نفسه ففعل، فوكلت خادما، وبعثت معه بكتاب صداقها وشهد الخادمان عَلَى توكيلها، فقلت لَهُ: تمت الوكالة، فإن رأى أمير المؤمنين أن يساوي الخصم فِي مجلسه فليفعل، فانحط عن فرشه وجلس مع الخصم، فدفع إلى الوكيل كتاب الصداق فقرأته عليه، فقلت: أيقر أمير المؤمنين بما فيه؟
قَالَ: نعم، قلت: أرى فِي الكتاب شروطا مؤكدة بها تم النكاح بينكما أرأيت/ يَا أمير 135/ أ
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 308.
[2] في ت: «ذي الحجة» .
[3] ما بين المعقوفتين في الأصل بسنة.
[4] «الحافظ» ساقطة من ت.(8/299)
الْمُؤْمِنِينَ لو إنك خطبت إليها ولم تشرط لها هَذَا الشرط أكانت تزوجتك؟ قَالَ: لا، قلت: فبهذا الشرط تم النكاح، وأنت أحق من وفى لها بشرطها قَالَ: قَدْ علمت إذ أجلستني هذا المجلس أنك ستحكم علي قلت: أعظم جائزتي وأطلق سبيلي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: بل جائزتك عَلَى من قضيت لَهُ، وأمر لي بجائزة وخلعة، وأمرني أن أحكم بين أَهْل الكوفة فقلت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ليس البلد بلدي، ولا معرفة لي بأهله.
قَالَ: لا بد من ذلك. قلت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: فأنا أحكم بينهم فإذا أنا ناديت من لَهُ حاجة بخصومة ولم يأت أحد تأذن لي بالرجوع إِلَى بلدي؟ قَالَ: [نعم: قَالَ:] فجلست فحكمت [بينهم] [1] ، ثُمَّ انقطع الخصوم فناديت الخصوم [2] ، فلم يأت أحد، فرحلت من وقتي إِلَى مصر.
قَالَ أَبُو سَعِيد: وحدثنا عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن فرقد قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْن الحكم قَالَ: حَدَّثَنَا حماد بْن المسور أَبُو رجاء قَالَ: قدمت امرأة من الريف فِي محفة وغوث قاضي مصر إذ ذاك، فوافت غوث بْن سليمان عند السراجين رائحا إلى المسجد، فشكت إليه أمرها وأخبرته بحاجتها، فنزل عَنْ دابته فِي بعض حوانيت السراجين، ولم يبلغ المسجد، فكتب له بحاجتها [3] وركب إِلَى المسجد، فانصرفت المرأة وهي تقول: أصابت والله أمّك حين سمتك غوثا أنت والله غوث.
تُوُفِّيَ فِي جمادى الآخرة من هَذِهِ السنة.
907- قيس بْن الربيع، أَبُو مُحَمَّد الأسدي، من ولد الحارث بْن قيس [4] .
الَّذِي أسلم وعنده تسع نسوة فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمره النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يمسك منهن أربعة ويفارق سائرهن. سمع قيس بْن عَمْرو، وابْن مرة، ومحارب بْن دثار، وهشام بن عروة في آخرين [5] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «فناديت الخصوم» ساقط من ت.
[3] «دابته في بعض ... » حتى « ... بحاجتها» ساقطة من ت.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 456.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 456.(8/300)
روى عَنْ سفيان الثوري، وشعبة، وابْن المبارك، وأبو معاوية، وعفان وغيرهم.
قَالَ عفان: كَانَ قيس ثقة. / وَقَالَ شريك: مَا خلف بعده مثله [1] .
تُوُفِّيَ في هذه السنة، وقيل: سنة سبع، وقيل: سنة خمس [2] ، وقيل: سنة ست.
908- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن علاثة بْن علقمة بْن مالك أَبُو اليسير العقيلي [3] .
حدث عَنْ هِشَام بْن حسان، والأوزاعي، وغيرهما، وروى عنه ابْن المبارك، ووكيع، وغيرهم. وَكَانَ قاضيا بالجانب الشرقي ببغداد زمن المهدي.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: قرأت فِي كتاب أبي الْحَسَن بْن الفرات بخطه: أَخْبَرَنِي أخي أَبُو القاسم عَبْد اللَّه بْن الْعَبَّاس بْن الفرات قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن سراج قَالَ: مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن علاثة يقال لَهُ: قاضي الجن وذلك أن بئرا كانت بين حران وحصن مسلمة، فكان من شرب منها خبطته الجن، قَالَ: فوقف عَلَيْهَا، فَقَالَ: أيها الجن إنا قَدْ قضينا بينكم وبين الإنس، فلهم النهار، ولكم الليل.
قَالَ: فكان الرجل إذا استقى منها بالنهار لم يصبه شيء [4] .
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد مُحَمَّد بْن موسى الصَّيْرفيّ قَالَ: سمعت أبا الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن يعقوب الأصم يَقُول: سمعت الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد الدوري يَقُول سمعت يَحْيَى بْن معين يَقُول: مُحَمَّد بْن علاثة ثقة [5] .
قَالَ المصنف: وقد روينا عَنْ أبي الفتح الأزدي الحافظ أنه طعن فِي ابْن علاثة ولا يحفظ هذا عَنْ غيره، إلا أن البخاري قَالَ: فِي حفظه نظر.
تُوُفِّيَ في هذه السنة.
909- مُحَمَّد بْن ميمون، أَبُو حمزة السكري المروزي [6] .
سمع أبا إِسْحَاق السبيعي، وَعَبْد الْمَلِكِ بْن عمير، ورقبة بن مصقلة، ومنصور بن المعتمر، والأعمش، وغيرهم. وكان من أهل الفضل والفهم.
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 456.
[2] «وقيل سنة خمس» ساقطة من ت.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 389.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 5/ 389- 390.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 5/ 390.
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 3/ 266- 269.(8/301)
حدث عنه ابْن المبارك وغيره.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحمن بن محمد قال: أخبرنا [أحمد بْن علي بْن ثابت] [1] الخطيب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن العباس قال: أخبرنا أبو 136/ أأيوب/ سليمان بْن إِسْحَاق الجلاب قَالَ: سمعت إِبْرَاهِيم الحربي يَقُول: قَالَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن: أراد جار لأبي حمزة السكري أن يبيع داره، قَالَ: فقيل لَهُ: بكم تبيعها؟ قَالَ: بألفين ثمن الدار، وألفين [حق] جوار أبي حمزة. قَالَ: فبلغ ذلك أبا حمزة، فوجه إِلَيْهِ بأربعة آلاف، وَقَالَ خذها ولا تبع دارك [2] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَد بْن عَلِيّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حازم العبدي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حامد الدهان قَالَ: حَدَّثَنَا خالي أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو أيوب قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن حكيم قَالَ: حَدَّثَنَا معاذ بْن خالد قَالَ:
سمعت أبا حمزة السكري يَقُول: مَا شبعت منذ ثلاثين سنة إلا أن يكون لي ضيف [3] .
قَالَ يَحْيَى بْن معين: كَانَ أَبُو حمزة السكري من ثقات الناس وَكَانَ إذا مرض عنده من قَدْ رحل إِلَيْهِ ينظر إِلَى مَا يحتاج إِلَيْهِ من الكفاية فيأمر بالقيام به، واسمه مُحَمَّد بْن ميمون، ولم يكن يبيع السكر، وإنما سمي السكري لحلاوة كلامه [4] .
روى الغلابي عَنْ يَحْيَى بْن معين: أن أبا حمزة كَانَ إذا مرض الرجل من جيرانه تصدق بمثل نفقة لمريض بما صرف عنه من العلة [5] .
قَالَ البخاري: مُحَمَّد بْن ميمون مات سنة ثمان وستين حدثنيه بِشْر بْن مُحَمَّد.
قَالَ مؤلف الكتاب [6] : وَقَالَ غيره سنة تسع وستين.
910- مندل بْن عَلِيّ، أَبُو عَبْد اللَّه العنزي [7] .
حدث عَنْ أبي إِسْحَاق الشيناني، وعاصم، والأعمش، وغيرهم، وقيل: إن اسمه عَمْرو، ولقبه مندل، إلا أنه غلب عليه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 268.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 3/ 268.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 3/ 269.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 269.
[6] في ت: «قال المؤلف» .
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 247.(8/302)
قَالَ يَحْيَى: مندل لا بأس به، وَقَالَ مرة: ضعيف.
وَقَالَ يعقوب بْن شيبة: كَانَ رجلا فاضلا صدوقا، وَهُوَ ضعيف الحديث.
تُوُفِّيَ في [رمضان] هذه السنة وقيل: في سنة سبع) .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ قَالَ حَدَّثَنَا الدسكري قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر [مُحَمَّد] بْن الْمُقْرِئ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مخلد قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن عَمْرو قَالَ: قَالَ معاذ بْن معاذ: دخلت الكوفة/ فلم أر أحدا أورع من 136/ ب مندل بْن عَلِيّ [1] .
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن علي قال: أخبرنا أَبُو الْقَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحسين بْن الْعَبَّاس قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن القاسم الأنباري قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عبد الله بْن عَمْرو الرزاق قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام قَالَ: مرت جارية معها سلة فِيهَا رطب بمندل بْن عَلِيّ، وأصحاب الحديث حوله، فوقفت تنظر وتسمع، فنظر إليها مندل، ففطن أن السلة قد أهديت لَهُ، فَقَالَ: قدميها، فقدمتها، فَقَالَ لمن حوله: كلوا مَا فِيهَا وانصرفت الجارية إِلَى سيدها وقد احتبست، فَقَالَ: مَا أسرع مَا جئت، فقالت: وقفت أسمع من هَذَا الشيخ، فَقَالَ: قدمي السلة، ففعلت، فأكل الذين حوله مَا فِيهَا. وَكَانَ سيدها رجلا من العرب فَقَالَ لها: أنت حرة لوجه اللَّه عز وجل [2] .
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 249.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 247- 248.(8/303)
ثم دخلت سنة تسع وستين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
خروج المهدي فِي المحرم إِلَى ماسبذان.
وَكَانَ سبب خروجه: أنه قَدْ عزم فِي آخر عمره أن يقدم هارون عَلَى موسى، فبعث إِلَى موسى وَهُوَ بجرجان بعض أَهْل بيته ليقطع أمر البيعة ويقدم الرشيد، فلم يفعل، فبعث إِلَيْهِ المهدي بعض الموالي فامتنع موسى من القدوم عليه، وضرب الرسول، فخرج المهدي يريده بجرجان فأصابه مَا أصابه وولي الهادي [1] .
وَفِيهَا: تُوُفِّيَ المهدي باللَّه [2] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 168.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 168- 186.(8/304)
باب ذكر خلافة موسى الهادي
وَهُوَ موسى بْن مُحَمَّد المهدي بْن المنصور، ويكنى أبا محمد، وأمه:
الخيزران أم ولد، وكان طويلا جسيما أبيض مشربا حمرة، وفي شفته العليا تقلص، ولد بالري، وَكَانَ يثب عَلَى الدابة وعليه درعان، وَكَانَ المهدي يسميه: ريحانتي.
ذكر بيعته [1]
بويع لموسى الهادي يوم تُوُفِّيَ المهدي، وَكَانَ الهادي إذ ذاك بجرجان يحارب أَهْل طبرستان، فاجتمع الموالي والقواد عَلَى هارون، وقالوا: إن علم الجند بوفاته لم نأمن الشغب، والرأي أن تنادي فِي الجند بالقفول حَتَّى نواريه ببغداد، فقال هارون:
ادعوا إلي أبي يَحْيَى بْن خالد، وَكَانَ المهدي قَدْ ولى هارون المغرب كله من الأنبار إِلَى إفريقية، فأمر يَحْيَى بْن خَالِد أن يتولى ذلك، وَكَانَ يقوم بأعماله ودواوينه إِلَى أن تُوُفِّيَ، فلما جاء يَحْيَى قَالَ لَهُ هَارُون: يا أبت، مَا تقول فيما يَقُول عَمْرو بْن بزيع ونصير والمفضل [2] ؟ قَالَ: وما قالوا؟ فأخبره، قَالَ: مَا أرى ذلك، قَالَ: ولم؟ قَالَ: لأن هَذَا لا يخفى، ولا آمن إذا علم الجند أن يتعلّقوا بمحمله ويقولون: لا نخليه حَتَّى نعطى لثلاث سنين وأكثر، ويتحكّموا ويشتطّوا، ولكن أرى أن يوارى هاهنا، وتوجه نصيرا إِلَى أمير المؤمنين الهادي بالخاتم والقضيب والتعزية والتهنئة، فإن البريد لا ينكر أحد خروجه،
__________
[1] في ت: «ذكر أولاده» قبل: «ذكر بيعته» .
انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 187.
[2] في ت: «والفضل» .(8/305)
وأن تأمر لمن معك من الجند بجوائز مائتين مائتين، وتنادي فيهم بالقفول، فإنهم إذا قبضوا الدراهم لم يكن لهم همة سوى أهاليهم [1] وأوطانهم، فلما قبض الجند الدراهم قالوا: بغداد بغداد، فلما وصلوا إِلَى بغداد وعلموا خبر [2] الخليفة ساروا إِلَى منزل الربيع فأخرجوه [3] ، وطالبوا بالأرزاق وضجوا، وقدم هارون بغداد، وأعطى الجند لسنتين، فسكتوا.
ووجه هارون الجنود إِلَى الأمصار ونعى لهم المهدي، وأخذ بيعتهم للهادي، وله بولاية العهد، ولما بلغ الهادي وفاة المهدي نادى من فوره بالرحيل، فلما وصل إِلَى مدينة السلام استقبله الناس، فوصل لعشر بقين من صفر، فسار من جرجان إِلَى بغداد فِي عشرين يوما، فلما قدمها نزل القصر الَّذِي يسمى الخلد، وَكَانَ لَهُ [جارية] [4] حظيّة تحبّه، فكتبت إليه وهو بجرجان.
يا بعيد المحل أمسى بجرجان نازلا
[فِي أبيات أخر] [5] / فلما دخل بغداد لم يكن لَهُ هم سواها، فدخل فأقام عندها يومه وليلته قبل أن يظهر للناس [6] .
ثُمَّ ولى الربيع الوزارة مكان عبيد اللَّه بْن زياد بْن أبي ليلى، وضم إِلَيْهِ مَا كَانَ عُمَر بْن بزيع يتولاه من الزمام، وولى الفضل بْن الربيع الحجابة، وولى مُحَمَّد بْن جميل ديوان خراج العراق، وولى ابْن زياد خراج الشام وما يليه، وأقر عَلَى حرسه عَلِيّ بْن عيسى بْن ماهان، وضم إِلَيْهِ ديوان الجند، وولى شرطه عَبْد اللَّه بْن مالك مكان عَبْد اللَّه بْن حازم، وأقر الخاتم بيد عَلِيّ بْن يقطين، وولى أبا يوسف القضاء.
ذكر أولاده
كَانَ لَهُ جَعْفَر وَهُوَ الَّذِي يرشحه للخلافة، والعباس، وعَبْد الله، وإسحاق،
__________
[1] في الأصل: «إلّا أهاليهم» .
[2] في ت: «وعلموا بأمر» .
[3] في الطبري: «ساروا إلى باب الربيع فأحرقوه» .
[4] ما بين المعقوفتين زيادة من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 187- 190.(8/306)
وإسماعيل، وسليمان، وموسى ولد بعد موت أبيه، وكلهم لأمهات أولاد، وَكَانَ لَهُ ابْنتان: أم عِيسَى وكانت عند المأمون، وأم الْعَبَّاس [1] .
ذكر طرف من سيرته وأخباره
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ على بْن ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَزْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَحْمَد الدِّيبَاجِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الصُّولِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْغَلابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عبد الرحمن التَّيْمِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عُكَّاشَةَ الْمُزَنِيُّ قال: قدمنا على أمير المؤمنين الهادي [شُهُودًا] [2] عَلَى رَجُلٍ مِنَّا شَتَمَ قُرَيْشًا، وَتَخَطَّى إِلَى ذكر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجلس لنا مجلسا أحضر فِيهِ فُقَهَاءُ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَمَنْ كَانَ بِالْحَضْرَةِ على بابه، وأحضر الرجل وأحضرنا، فشهدنا عليه بِمَا سَمِعْنَا مِنْهُ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ الْهَادِي ثُمَّ نَكَّسَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ أبي [المهدي] [3] يُحَدِّثُ [4] : عَنْ أَبِيهِ الْمَنْصُورِ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّد بْن عَلِيّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيّ بْن عَبْد الله عن أبيه عبد الله بن عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ أَرَادَ هَوَانَ قُرَيْشٍ أَهَانَهُ اللَّهُ. وَأَنْتَ يَا عَدُّوَ اللَّهِ لَمْ تَرْضَ بِأَنْ أَرَدْتَ ذَلِكَ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى تَخَطَّيْتَ إِلَى ذكر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَمَا بَرِحْنَا حَتَّى قُتِلَ.
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا 138/ أالحسين بْن الْحَسَن النعالي قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن نصر الزراع قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن الفضل، عَنْ أبيه قَالَ: غضب موسى الهادي عَلَى رجل، فكلم فِيهِ فرضي عنه، فذهب يعتذر، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: إن الرضا قَدْ كفاك مئونة الاعتذار [5] .
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي [بن ثابت] [6] قال: أخبرنا
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 214.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 22- 23.
وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «يقول» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 23.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(8/307)
الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن [1] عَبْد الْوَاحِدِ بْن عَلِيّ البزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيد السيرافي قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أبي الأزهر النحوي قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثني عمي مُصْعَب بْن عَبْد اللَّه، عَنْ جدي عَبْد اللَّه بْن مُصْعَب قَالَ: دخل مروان بن أبي حفصة على الهادي فأنشده مديحا لَهُ، حَتَّى إذا بلغ قوله:
تشابه يوما بأسه ونواله ... فما أحد يدري لأيهما الفضل
فَقَالَ لَهُ الهادي: أيما أحب إليك ثَلاثُونَ ألفا معجلة أو مائة ألف تدور فِي الدواوين؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أنت تحسن مَا هو أحسن من هَذَا، ولكنك أنسيته، أفتأذن لي أن أذكرك؟ قَالَ: نعم، قَالَ: تعجل الثلاثون الألف، وتدور المائة الألف.
قَالَ: بل تعجّلان لك جميعا، فحمل ذلك إِلَيْهِ [2] .
قَالَ سَعِيد بْن سلم: سرنا مَعَ الهادي بين أبيات جرجان، فسمع صوتا من بعض تلك البساتين من رجل يتغنى فَقَالَ لصاحب شرطته: علي بالرجل الساعة. فقلت: يَا أمير المؤمنين، ما أشبه قصة هَذَا الخائن بقصة سليمان بْن عَبْد الملك، فإنه كَانَ فِي متنزه لَهُ ومعه حرمه، فسمع من بستان آخر صوت رجل يتغنى، فدعا صاحب شرطته فَقَالَ: علي بصاحب هَذَا الصوت، فلما مثل بين يديه قَالَ: مَا حملك عَلَى الغناء وأنت إِلَى جنبي ومعي حرمي! أما علمت إن الرّماك [3] إذا سمعت صوت الفحل حنت؟ قَالَ: فجب الرجل، فلما كَانَ فِي العام المقبل ذهب سليمان إِلَى ذلك المتنزه فجلس وذكر الرجل، 138/ ب فَقَالَ لصاحب شرطته: علي بالرجل الَّذِي جببْناه، فلما مثل/ بين يديه قال له: إمّا بعت فوفّيناك، وإما وهبت فكافأناك قال: فو الله مَا دعاه بالخلافة، ولكنه قَالَ: يا سُلَيْمَان إنك قطعت نسلي وذهبت بماء وجهي، وحرمتني لذتي، ثُمَّ تقول: إما وهبت وإما بعت؟ لا والله حَتَّى أقف بين يدي اللَّه. قَالَ: فَقَالَ موسى: يا غلام، رد صاحب الشرطة، فرده، قَالَ: لا تعرض للرجل [4] .
قَالَ عَلِيّ بْن صالح: ركب الهادي يوما يريد عيادة أمّه الخيزران من علّة كانت
__________
[1] في ت: «الحسين بن أحمد» .
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 23- 24.
[3] الرماك: الرمكة في القاموس: «الفرس أو البرذونة، تتخذ للنسل» .
[4] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 214- 215.(8/308)
بها، فاعترضه عُمَر بْن بزيع فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ألا أدلك عَلَى وجه هو أعود عَلَيْك من هَذَا؟ قَالَ: وما هو يا عُمَر؟ قَالَ: المظالم، لم تنظر فِيهَا منذ ثلاثة أيام، فأومأ إِلَى المطرقة أن يميلوا إِلَى دار المظالم، وبعث إِلَى الخيزران بخادم يعتذر من تخلفه ويقول: إن عُمَر أَخْبَرَنَا من حق اللَّه عز وجل بما هو أوجب علينا من حقك، فملنا إِلَيْهِ ونحن عائدون إليك فِي غد إن شاء اللَّه تعالى [1] .
وَفِيهَا [2] : اشتد طلب موسى للزنادقة، فقتل منهم جماعة، فكان فيمن قتل منهم كاتب يقطين وابْنه عَلِيّ بْن يقطين وَكَانَ علي قَدْ حج فنظر إِلَى الناس فِي الطواف يهرولون فَقَالَ: مَا أشبههم ببقر يدوس فِي البيدر. فَقَالَ شاعر:
قل لأمين اللَّه [3] في خلقه ... ووراث الكعبة والمنبر
ماذا ترى فِي رجل كافر ... يشبه الكعبة بالبيدر
ويجعل الناس إذا مَا سعوا ... حمرا يدوس البر والدوسر
فقتله موسى [4] ثُمَّ صلبه، فسقطت خشبته عَلَى رجل من الحاج فقتلته وقتلت حماره، وقتل من بْني هاشم يعقوب بْن الفضل بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عباس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب، وَكَانَ المهدي أتي به وبابْن لداود بْن عَلِيّ فحبسهما لما أقرا [5] لَهُ بالزندقة، وَقَالَ ليعقوب: لولا مُحَمَّدٍ [رَسُولِ اللَّهِ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ من كنت! أما والله لولا 139/ أإني كنت جعلت عَلَى اللَّه عهدا إن ولاني أن لا أقتل هاشميا لما ناظرتك، ثُمَّ التفت إِلَى الهادي فَقَالَ: يا موسى، أقسمت عَلَيْك بحقي إن وليت هَذَا الأمر من بعدي أن لا تناظرهما ساعة واحدة. فمات ابْن داود بْن علي في الحبس قبل وفاة المهدي، فلما قدم الهادي من جرجان ذكر وصية المهدي، فأرسل إِلَى يعقوب فألقى عليه فراشا، وأقعدت عليه الرجال حَتَّى مات، ولها عنه، وَكَانَ الحر شديدا فقيل لَهُ: قد انتفخ، فقال: ابعثوا
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 215- 216.
[2] في ت: «وفي هذه السنة» .
[3] في الطبري: «أيا أمين الله» .
[4] «موسى» ساقطة من ت.
[5] في ت: «فأقر له يا» .(8/309)
به إِلَى أخيه إِسْحَاق بْن الفضل فأخبروه أنه مات فِي الحبس، فبعث إِلَيْهِ، فإذا ليس فِيهِ موضع للغسل، فدفن من ساعته [1] .
وَكَانَ ليعقوب ابْنة تسمى فاطمة، فوجدت حبلى منه، وأقرت بذلك، فأدخلت وامرأة يعقوب بْن دَاوُد يقال لها خديجة عَلَى الهادي- أو عَلَى المهدي- فأقرتا بالزندقة وأقرت فاطمة أنها حبلى من أبيها، فأرسل بهما إِلَى ريطة بْنت أبي الْعَبَّاس فرأتهما مكحلتين مخضوبتين، فعذلتهما، خصوصا البْنت، فقالت: أكرهني- فقالت لها: فما بال الخضاب والكحل ولعنتهما، ففزعتا فماتتا [2] .
وفي هذه السنة: خرج الحسين بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أبي طالب [رَضِيَ اللهُ عنهم] .
وسبب ذلك: أن إِسْحَاق بْن عيسى بْن عَلِيّ كَانَ عَلَى المدينة، فلما استخلف الهادي وفد إِلَيْهِ واستخلف عَلَى المدينة عُمَر بْن عَبْد العزيز بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الله بن عمر بن الخطاب [رضي الله عنهم] ، فخرج الحسين بالمدينة، وصعد المنبر وعليه قميص أبيض وعمامة بيضاء، فخطب وَقَالَ: أيها الناس أنا ابْن رسول الله [صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ] فِي حرم اللَّه وفي مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدعوكم إلى كتاب اللَّه وسنة نبيه، فإن لم أف لكم فلا بيعة لي فِي أعناقكم [3] .
وجرت الحرب بينه وبين الولاة، ثُمَّ خرج إِلَى مكة، فبعث الهادي مُحَمَّد بْن سليمان للحرب، فقتل الحسين وأصحابه، وجيء برأسه إِلَى الهادي، وَكَانَ مبارك 139/ ب التركي/ قَدْ كره حرب الحسين، وبعث إِلَيْهِ: والله لئن أسقط من السماء أحب إلي من أن أشوكك بشوكة، ولا بد من الأعذار، فخرج إِلَيْهِ فِي نفر يسير فانهزم، فغضب عليه الهادي، وأمر بقبض أمواله وتصييره فِي ساسة الدواب، فلم يزل كذلك حَتَّى مات الهادي [4] .
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 190- 191.
[2] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 191.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 192- 201.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 192- 203.(8/310)
وجرت في هذه السنة حادثة عجيبة:
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن المحلى قَالَ: أَخْبَرَنَا أخي أَبُو نصر هبة اللَّه بْن عَلِيّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو سعد مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الْحَسَن الحاسب قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد العزيز أَبُو الْحَسَن قَالَ: حَدَّثَنَا [أَبُو] مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه الجوهري قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن الدمشقي قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن هانئ أَبُو نواس قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرو الأعجمي صاحب خبر السند أيام المنصور ثُمَّ ولاه موسى أول مَا استخلف- قَالَ: فكتب فِي خبره.
أن رجلا من أشراف أَهْل السند من آل المهلب بْن أبي صفرة اشترى غلاما أسود وَهُوَ صغير، فرباه وتبْناه، فلما اشتد الغلام هوي مولاته، وراودها عَنْ نفسها فأجابته، فدخل مولاه يوما عَلَى غرة منه فإذا هو عَلَى بطن امرأته فعمد إِلَيْهِ فجب ذكره، وتركه يتشحط فِي دمه، ثُمَّ أنه أدركته عليه رقة وتخوف من فعله به، فعالجه إِلَى أن أبل من علته، فأقام بعد هَذِهِ الحادثة حينا يطلب غرة مولاه ليثأر منه ويدبر عليه أمرا يكون فِيهِ شفاء قلبه وَكَانَ لمولاه ابْنان، أحدهما طفل، والآخر يافع، فغاب الرجل عن منزله في بعض أموره، فأخذ الأسود الصبيين فصعد بهما ذروة سطح عال فنصبهما هُنَاكَ وجعل يعللهما بالمطعم وباللعب، إِلَى أن دخل مولاه فرفع رأسه، فإذا بابْنيه فِي شاهق والغلام، فَقَالَ:
ويلك يا فلان عرضت ابنيّ للموت، قال: أجل قد ترى موضعهما، فو الله الَّذِي تحلف به لأن لم تجب نفسك كما جببتني لأرمين بهما. فَقَالَ: ويلك/ اللَّه اللَّه فِي وفي بنيّ، قال: دع عنك هذا، فو الله مَا هي إلّا نفسي وإني لأسمح بها من شربة ماء أسقاها، فجعل يكرر ذلك عليه ويأبى، فذهب ليروم الصعود إِلَيْهِ فأهوى بهما ليرديهما من ذروة ذلك الشاهق، فَقَالَ أبوهما: ويلك اصبر حَتَّى أخرج مدية، قَالَ: افعل مَا أردت، فأخذ مدية واستقبله ليرى ما يصنع فرمى ذكره وهو يراه، فلما علم أنه قَدْ فعل رمى بالصبيين فتقطع الصبيان، وَقَالَ: هَذَا الَّذِي فعلت ثأري، وهذا زيادة فِيهِ، فأخذ الأسود وكتب بخبره، فكتب موسى إِلَى صاحب السند بقتل الغلام، وَقَالَ: مَا سمعت بأعجب من هَذَا، وأمر أن يخرج من ملكه وملك نسائه كل أسود.
وَفِيهَا [1] : حج بالناس في هذه السنة سليمان بن المنصور [2] .
__________
[1] «وفيها» ساقطة من ت.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 204.(8/311)
وَكَانَ عَلَى المدينة عُمَر بْن عَبْد العزيز العمري، وَكَانَ عَلَى مكة والطائف عبيد اللَّه بْن قثم، وعلى اليمن إِبْرَاهِيم بْن سلم بْن قتيبة، وعلى اليمامة والبحرين سويد بْن أبي سويد الخُراسانيْ، وعلى صلاة الكوفة وأحداثها موسى بْن عيسى، وعلى صلاة البصرة وأحداثها مُحَمَّد بْن سليمان، وعلى قضائها عُمَر بْن عُثْمَان، وعلى جرجان الحجاج مولى الهادي، وعلى قومس زياد بْن حسان، وعلى طبرستان والرويان صالح بْن شيخ ابْن أبي عميرة الأسدي [1] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
911- الْحَسَن بْن الخليل بْن مرة.
كَانَ كثير التعبد طويل البكاء.
أَخْبَرَنَا ابْن ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحِيمِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر أَحْمَد بن إبراهيم بن شاذان قال: حدثنا أبو أيوب سُلَيْمَان بْن أَحْمَد بْن يَحْيَى الْبَصْرِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن مُحَمَّد [بْن بادا] [2] قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صالح قَالَ: مَا رأيت بمصر من أفضله عَلَى الْحَسَن بن الخليل 140/ ب فِي زهده وورعه، ولقد رأيته يحمل دقيقا في جراب/ للناس بأجرة، يتقوب فِي كل جمعة بحمل يوم، ثُمَّ زاد أمره فلم يكن يدخر لوقت ثاني، وعليه مدرعة قيمتها أقل من درهم، وأجمع أَهْل مصر أنه مستجاب الدعوة.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أيوب قال: أخبرنا الحسن بن محمد الخلال قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم قَالَ: حَدَّثَنَا سليمان بْن أَحْمَد قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن مُحَمَّد [بْن بادا] [3] قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن صالح قَالَ: حَدَّثَنِي موسى بْن هارون قَالَ: رأيت الْحَسَن بْن الخليل مرة بعرفات فكلمته ثُمَّ رأيته يطوف بالبيت، فقلت: ادع اللَّه لي أن يتقبل حجي، فبكى ودعا لي، ثُمَّ أتيت مصر، فقلت إن
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 204.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل.(8/312)
الْحَسَن بْن الخليل كَانَ معنا بمكة، فقالوا: مَا حج العام، وقد كَانَ يبلغني أنه يمر إِلَى مكة فِي ليلة فما كنت أصدق حَتَّى رأيته فعاتبْني وَقَالَ: شهرتني، مَا كنت أحب أن تحدث بهذا، فلا تعد بحقي عَلَيْك [1] .
912- الْحَسَن بْن صالح بْن حي.
ولد هو وأخوه علي توأم سنة [2] مائة، فكانا وأمهما يقومون الليل كله عَلَى الثلث ويقرأ ثلث القرآن، ثُمَّ ينام ويقوم الْحَسَن الثلث، ويقرأ ثلث القرآن، فماتت أمهما فحزبا الليل بينهما، ثُمَّ مات علي فقام الْحَسَن به كله، وَكَانَ يختم كل ليلة. وباع الْحَسَن جارية فَقَالَ: أخبروهم أنها تنخمت عندنا مرة دما.
أَخْبَرَنَا عَبْد الْخَالِقِ بْن أَحْمَد قَالَ: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين ابْن أخي ميمي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن صفوان قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر القرشي قَالَ: حَدَّثَنَا أبي قَالَ: أَخْبَرَنِي سليمان بْن إدريس المنقري قَالَ: اشتهي الْحَسَن أخي سمكا، فلما أتي به ضرب بيده إِلَى سرة السمكة فاضطربت يده، فأمر به فرفع، ولم يأكل شيئا، فقيل لَهُ فِي ذلك، فَقَالَ: إني ذكرت لما ضربت بيدي إِلَى بطنها إن أول مَا ينتن من الْإِنْسَان بطنه، فلم أقدر أن أذوقه.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَد قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن هبة اللَّه الطبري قال: أخبرنا/ 141/ أعلي بْن مُحَمَّد بْن بِشْرَان قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن صفوان قَالَ: حدثنا أبو بكر بن عبيد قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الحُسَيْن قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن صالح قَالَ: حَدَّثَنِي خلف بْن تميم أن حسن بْن صالح كَانَ يصلي إِلَى السحر، ثُمَّ يجلس يبكي فِي مصلاه، ويجلس علي فيبكي فِي حجرته، قَالَ: وكانت أمهم تبكي اللّيل والنهار، قَالَ: فماتت ثُمَّ مات علي، ثُمَّ مات حسن، فرأيت حسنا فِي منامي، فقلت: مَا فعلت الوالدة؟ قَالَ: بدلت بطول ذلك البكاء سرور الأبد، قلت: وعلي؟ قَالَ: وعلي عَلَى خير. قلت: فأنت فمضى وَهُوَ يَقُول: وهل يتكل إلا عَلَى عفوه.
تُوُفِّيَ الْحَسَن في هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «فلا تحدث بعد بحقي عليك» .
[2] في ت: «ولد هو وأخوه على قول سنة مائة» .(8/313)
913- خالد بْن حميد بْن خالد، أَبُو حميد النهري.
روى عَنْ قيس بْن الحجاج، وحميد بْن هاني، حدث عنه ابْن وهب وغيره، وآخر من حدث عنه بمصر روح بْن صلاح المرادي.
وتوفي بالإسكندرية في هذه السنة.
914- عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أويس بْن مالك بْن [أبي] عامر، أَبُو أويس [1] المديني الأصبحي [2] .
كَانَ زوج أخت مالك بْن أنس، وابْن ابْن عمه لحا، قدم بغداد وحدّث بها عن الزهري، ومحمد بن المنكدر، وأبي الزناد، وهشام بن عروة.
روى عنه ابناه أبو بكر، وإسماعيل، وشبابة، والقعنبي.
وثقه يحيى، [في رواية] [3] وضعفه في أخرى، وَقَالَ أَحْمَد: هو صالح. وَقَالَ النسائي: ليس بالقوي.
قَالَ أَبُو نعيم: قدم علينا وإذا معه جوار يضربْن- يعني القيان- قَالَ: فقلت لا والله لا أسمع منه شيئا.
915- عُثْمَان بْن طلحة بْن عُمَر بْن عبيد اللَّه بْن معمر التيمي.
من أَهْل مدينة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولاه بعض أمراء المدينة القضاء عَلَى إكراه، فلم يأخذ عليه رزقا. وَكَانَ محمود السيرة جميل الذكر.
روى عَنْ مُحَمَّد بْن المنكدر، فلما قدم المهدي المدينة استعفاه من القضاء، وجرت لَهُ في ذلك قصة قَدْ ذكرناها فِي سنة ستين فأعفاه.
141/ ب
916- عقبة/ بْن أبي الصهباء، أَبُو خريم [4] .
مولى باهلة الْبَصْرِيّ، سمع سالم بْن عَبْد اللَّه، وبكر المزني، والحسن، وابن
__________
[1] في ت: «عبد الله بن عبد الله بن أبي أويس بن مالك بن عامر أبو أويس» .
وفي الأصل: «عبد الله بن أبي أويس بن مالك بن عامر بن أويس» . وما أثبتناه من الكتب التي ترجمت له.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 5- 8. وطبقات ابن سعد 445 الجزء المتمم. والجروح والتعديل 5/ 92. والتاريخ الكبير 5/ 127) .
[3] في هامش الأصل.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 264- 265.(8/314)
سيرين، وروى عنه يزيد بن هارون، وكان ثقة، انتقل عَنِ البصرة فنزل المدائن، ثُمَّ دخل إِلَى مدينة السلام [1] بغداد.
وتوفي في هذه السنة ببغداد.
917- مُحَمَّد المهدي بْن عَبْد اللَّه المنصور [2] .
رأى مناما قبل وفاته يدل عَلَيْهَا.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أَبُو الحسين بْن عَلِيّ [بْن مُحَمَّد] بْن المعدل قال أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ لي عَلِيّ بْن يقطين: خرجنا مَعَ المهدي فَقَالَ لنا يوما: إني داخل البهو فنائم فِيهِ فلا يوقظني أحد حَتَّى استيقظ، قَالَ: فنام ونمنا، فما أنبهنا إلا بكاؤه، فقمنا فزعين، فقلنا: ما شأنك يا أمير المؤمنين، فقال: أتاني الساعة آت في منامي، شيخ والله لو كَانَ فِي مائة ألف شيخ لعرفته، فأخذ بعضادتي الباب وَهُوَ يَقُول:
كأني بهذا القصر قَدْ باد أهله ... وأوحش منه ركنه ومنازله
وصار عميد القوم من بعد بهجة ... وملك إِلَى قبر عليه جنادله
ولم يبق إلا ذكره وحديثه ... تنادي عليه بالعويل حلائله
واختلفوا فِي سبب وفاته عَلَى قولين:
أحدهما: رواه واضح قهرمان المهدي قَالَ: خرج المهدي يتصيد بقرية من قرى ماسبذان فلم أزل معه إِلَى بعد العصر وانصرفت إِلَى مضربي، وَكَانَ بعيدا من مضربه، فلما كَانَ وقت السّحر ركبت لإقامة الوظائف ولقيني أسود عريان، فدنا مني، ثُمّ قَالَ: أبا سهل، أعظم اللَّه أجرك فِي مولاك أمير المؤمنين. فدخلت فإذا به مسجى فِي قبة. فقلت: فارقتكم بعد [صلاة] [3] العصر وَهُوَ أسر مَا كَانَ حالا وأصحه
__________
[1] «مدينة السلام» ساقطة من ت.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ الطبري 8/ 168- 186. وتاريخ بغداد 5/ 391- 401.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(8/315)
142/ أبدنا، فما كَانَ الخبر؟ فقالوا: اطردت الكلاب ظبيا فما زال يتبعها فاقتحم الظبي/ باب خربه، فاقتحمت الكلاب خلفه واقتحم الفرس خلف الكلاب، فدق ظهره باب الخربة فمات من ساعته [1] .
القول الثاني: ذكره أَبُو نعيم المروزي قَالَ: بعثت جارية من جواري المهدي إِلَى ضرة لها لبْنا [2] فِيهِ سم وَهُوَ قاعد فِي البستان بعد خروجه من عيساباد، فدعا به فأكل، ففرقت الجارية أن تقول إنه مسموم [3] .
وروى أَحْمَد بْن مُحَمَّد الرازي: أن المهدي كَانَ جالسا فِي علية قصر بماسبذان، وكانت جاريته حسنة قَدْ عمدت إِلَى كمثرى فجعلته فِي صينية وسمّت واحدة في أحسنه وأنضجه، وردت القمع عَلَيْهَا ووضعتها فِي أعلى الصينية، وأرسلت بذلك مَعَ وصيفة لها إلى جارية المهدي- وكانت حظية عنده- تريد قتلها، فمرت الوصيفة بالصينية، فرآها المهدي، فدعاها فمدّ يده فأخذ الكمثراة الَّتِي فِي أعلى الصينية وهي المسمومة، فأكلها فصرخ: جوفي. فأخبرت حسنة الخبر، فجاءت تلطم وجهها وتبكي وتقول: أردت أن أنفرد بك فقتلتك، فهلك من يومه فجعلت حسنة عَلَى قبتها المسوح فَقَالَ أَبُو العتاهية فِي ذلك:
رحن فِي الوشي وأصبحن ... عليهن المسوح
كل نطاح من الدهر ... لَهُ يوم نطوح
لست بالباقي ولو ... عمرت مَا عُمَر نوح
فعلى نفسك نح إن ... كنت لا بد تنوح [4]
توفي المهدي بقرية يقال لها الرّد من ماسبذان فِي ليلة الخميس لثمان بقين من المحرم، سنة تسع وستين، وَهُوَ ابْن ثلاث وأربعين سنة، ولم توجد لَهُ جنارة يحمل عَلَيْهَا، فحمل عَلَى باب، وصلى عليه ابْنه هارون، ودفن تحت جوزة كان يجلس تحتها
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 168- 169.
[2] في الطبري: «لبأ» وهو أول اللبن.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 169.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 170.(8/316)
فِي المكان الَّذِي قبض فِيهِ، وكانت خلافته عشر سنين وشهرا ونصف شهر، وقيل: عشر سنين وتسعة وأربعين يوما.
918- نافع بْن عَبْد الرَّحْمَنِ/ بْن أبي نعيم الْقَارِئ المديني، ويكنى أبا نعيم. وقيل: أبا 142/ ب رويم، وقيل: أبا عَبْد الرَّحْمَنِ، وقيل: أبا الْحَسَن [1] .
وَهُوَ مولى جعونة بْن شعوب الليثي حليف حمزة بْن عَبْد المطلب، وأصله من أصبهان.
سمع من نافع مولى عُمَر، وعامر بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر. قَالَ الليث بْن سعد:
قدمت المدينة سنة عشر ومائة فوجدت نافعا إمام الناس فِي القراءة لا ينازع.
تُوُفِّيَ في هذه السنة، وقيل: سنة تسع وخمسين وأقرأ من مائة سنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (الجرح والتعديل 8/ 456، والتاريخ الكبير 8/ 87. وتهذيب التهذيب 10/ 407) .(8/317)
ثم دخلت سنة سبعين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
وفاة الهادي واستخلاف أخيه هارون [1] الرشيد.
باب ذكر خلافة الرشيد
[2] واسمه هارون بْن مُحَمَّد المهدي، ويكنى أبا جَعْفَر، وأمه الخيزران، ولد بالري لثلاث بقين من ذي الحجة سنة تسع وأربعين فِي خلافة المنصور. وقيل: ولد في يوم من المحرم سنة خمسين ومائة. وَكَانَ الفضل بْن يَحْيَى البرمكي ولد قبله بسبعة أيام، فجعلت أم الفضل ظئرا لَهُ، وهي زينب بْنت منير، فأرضعت الرشيد بلبان الفضل وأرضعت الخيزران الفضل بلبان [3] الرشيد.
وَكَانَ الرشيد أبيض طويلا سمينا جميلا وسيما جعدا ولم يمت وخطه الشيب.
__________
[1] «أخيه هارون» ساقطة من ت.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 230- 238، 343- 374.
[3] في الأصل: «بلبن» وما أثبتناه من ت، والطبري، وفي لسان العرب: «يقال: هو أخوه بلبان أمه- بكسر اللام- ولا يقال: بلبن أمه، إنما اللبن الّذي يشرب من ناقة أو شاة أو غيرهما» .(8/318)
قَالَ الصولي: وَكَانَ به حول فِي فرد عين، لا يتبين إلا لمن تأمله.
وسمع الحديث من مالك بْن أنس، وإبراهيم بْن سعد الزهري، وأكثر حديثه عَنْ آبائه.
روى عنه: أَبُو يوسف القاضي، والشافعي، وَكَانَ يحب الحديث وأهله.
ذكر أزواجه
[1] تزوج زبيدة وهي أم جَعْفَر بْنت جَعْفَر بْن [أَبِي جَعْفَرٍ] [2] الْمَنْصُورِ وأعرس بها فِي سنة خمس وستّين فِي خلافة المهدي ببغداد فولدت الأمين.
وتزوج أمة العزيز أم ولد موسى بعد موسى.
وتزوج عباسة/ بْنت سليمان بْن المنصور وأعرس بها في ذي الحجة سنة سبع 143/ أوثمانين.
وتزوج أم مُحَمَّد بْنت صالح، وأعرس بها فِي الرقة فِي ذي الحجة أيضا، وكانت أملكت من إِبْرَاهِيم بْن المهدي، ثُمَّ خلعت منه فتزوجها الرشيد فحملتا جميعا إِلَيْهِ.
وتزوج عزيزة بْنت الغطريف وكانت قبله عند سليمان ابْن أبي جَعْفَر فطلقها، فخلف عَلَيْهَا الرشيد.
وتزوج الجرشية العثمانية من أولاد عُثْمَان بْن عفان، وسمّيت الجرشيّة لأنها ولدت بجرش باليمن.
فمات الرشيد عَنْ أربع مهائر، أم جَعْفَر، وأم مُحَمَّد، وعباسة، والعثمانية.
ذكر أولاده
[3] مُحَمَّد الأكبر وَهُوَ الأمين، أمه زبيدة، وعَبْد اللَّه المأمون وأمه أم ولد يقال لها
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 359.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 360- 361.(8/319)
مراجل، والقاسم وأمه أم ولد يقال لها قصف، ومحمد المعتصم وأمه أم ولد يقال لها ماردة، وعلي أمه أمة العزيز، وصالح أمه أم ولد يقال لها رئم، ومحمد أَبُو عيسى أمه أم ولد يقال لها عرابة، ومحمد أَبُو يعقوب أمه أم ولد يقال لها شذرة، ومحمد أَبُو الْعَبَّاس أمه أم ولد يقال لها خبث، ومحمد أَبُو سليمان أمه أم ولد يقال لها رواح، ومحمد أَبُو علي أمه أم ولد يقال لها دواج [1] ، وأبو مُحَمَّد وَهُوَ اسمه ولقبه كريب، أمه أم ولد يقال لها شجر، ومحمد أبو أَحْمَد أمه أم ولد يقال لها كتمان.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَد بْن عَلِيّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو العلاء الواسطي قَالَ قرأنا عَلَى الحسين بْن هارون الضبي، عن أبي العباس بن سعيد قال:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أبي عرابة قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن حبيب، عَنْ هِشَام بْن مُحَمَّد وغيره من أصحابه قَالَ: أَبُو الْعَبَّاس، وأبو أَحْمَد، وأبو إسحاق، وأبو عيسى، وأبو يعقوب، وأبو أيوب بْنو هارون الرشيد، وكل اسمه محمد، وكان للرشيد من الإناث:
سكينة وهي أخت القاسم من أمه، وأم حبيب وهي أخت المعتصم لأمه. وأم الْحَسَن/ وهي أخت أبي عيسى لأمه، وخديجة وهي أخت كريب لأمه، وأم مُحَمَّد وهي حمدونة، وفاطمة وأمها غصص، وأم سلمة وأمها رحيق، وأم القاسم وأمها حزق، ورملة أم جَعْفَر وأمها حلي، وأم علي وأمها أنيق، والغالية وأمها سمندل، وريطة وأمها زينة [2] .
ذكر بيعة الرشيد
[3] بويع للرشيد بالخلافة فِي الليلة الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا أخوه [الهادي] أخرجه هرثمة بْن أعين ليلا فأقعده للمبايعة، وكانت تلك الليلة ليلة السبت لأربع عشر بقيت من شهر ربيع الأول سنة سبعين. وَفِيهَا مات الهادي واستخلف الرشيد وولد المأمون، فلما جلس للخلافة سلم عليه بالخلافة عمه سليمان بْن المنصور، وعم أبيه العباس بن محمد،
__________
[1] في الأصل: «شذور» والتصحيح من الطبري.
انظر: تاريخ الطبري 8/ 360.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 360.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 230- 233.(8/320)
وعم جده المنصور بْن عَبْد الصَّمَدِ بْن عَلِيّ، واستدعى الرشيد يَحْيَى بْن خالد بْن برمك- وَكَانَ قَدْ حبسه الهادي لميله إِلَى هارون، وعزم عَلَى قتله وقتل هارون- فحضر يحيى فقلّده الوزارة، وكانت الخيزران هي الناظرة فِي الأمور، فكان يَحْيَى يعرض عليها [1] ويصدر عن رأيها، وكان الرشيد يَقُول ليحيى: يا أبي.
وذكر الصولي: أنه كَانَ يَحْيَى يساير الرشيد يوما فقام رجل فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عطبت دابتي، فَقَالَ: يعطى خمسمائة درهم، فغمزه يَحْيَى، فلما نزل قَالَ:
يا أبة، أومأت إلي بشيء وقت مَا أمرت بالدراهم فما هو؟ فَقَالَ: مثلك لا يجري هَذَا المقدار عَلَى لسانه، إنما يذكر مثلك خمسة آلاف ألف، عشرة آلاف ألف، قَالَ: فإذا سئلت مثل هَذَا كيف أقول، قَالَ: تقول: نشتري لَهُ دابة يفعل به فعل نظرائه.
ولما بويع للرشيد خرج فوصل إِلَى كرسي الجسر فدعا الغواصين، فَقَالَ لهم:
كَانَ المهدي وهب لي خاتما شراؤه مائة ألف دينار، فدخلت عَلَى أخي وَهُوَ فِي يدي، فلما انصرفت لحقني سُلَيْمَان الأسود فَقَالَ: يأمرك أمير المؤمنين أن تعطيني الخاتم، فرميت/ به في هذا الموضع. فغاصوا فأخرجوه، فسر به غاية السرور [2] .
وَكَانَ الهادي قَدْ خلع الرشيد وبايع لابْنه جَعْفَر، وَكَانَ خزيمة بْن خازم فِي خمسة آلاف من الموالي عليهم السلاح تلك الليلة، فهجم، فأخذ جَعْفَر من فراشه، فَقَالَ: والله لأضربْن عنقك أو تخلعها، فلما كَانَ من غد ركب الناس إِلَى باب جَعْفَر، فأتى به خزيمة فأقامه على باب الدار فِي العلو، والأبواب مغلقة، فنادى جَعْفَر: يا معشر الناس، من كَانَ لي فِي عنقه بيعة فقد أحللته منها والخلافة لعمي هارون، لا حق لي فِيهَا [3] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني الأزهري قال: أخبرنا أحمد بن إِبْرَاهِيم قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْعَبَّاس المنصوري، عَنْ عَمْرو بْن بحر قَالَ:
أجمع الرشيد مَا لم يجمع لأحد من جد وهزل: وزراؤه البرامكة لم ير مثلهم سخاء [وسرورا] [4] ، وقاضيه أَبُو يوسف، وشاعره مروان بْن أبي حفصة كان
__________
[1] «يعرض عليها» ساقطة من ت.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 232.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 232- 233.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(8/321)
فِي عصره كجرير فِي عصره، ونديمه عم أبيه الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد صاحب العباسية، وحاجبه الفضل بْن الربيع أتيه الناس وأشدهم تعاظما، ومغنيه إِبْرَاهِيم الموصلي أوحد عصره، وضاربه زلزل [، وزامره برصوما] [1] ، وزوجته أم جَعْفَر أرغب الناس فِي خير، وأسرعهم إِلَى كل بر ومعروف، وهي التي أدخلت الماء الحرم بعد امتناعه من ذلك، إِلَى أشياء من المعروف [2] ، ومن كبار قواده المعلي ولي البصرة وفارس والأهواز واليمامة والبحرين وغير ذلك، وإليه ينسب نهر معلى.
ذكر طرف [من] [3] وأخباره وسيرته
كَانَ الرشيد يحب العلم ويؤثره ويستفيده، فنال علما كثيرا، وكانت لَهُ فطنة قوية.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلي مُحَمَّد بْن الحسين الجازري قَالَ: حَدَّثَنَا المعافى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن دريد قال: حدثنا أبو 144/ ب حاتم عَنِ/ الأصمعي قَالَ: دخلت عَلَى هارون الرشيد ومجلسه حافل، فَقَالَ: يا أصمعي مَا أغفلك عنا، وأجفاك لحضرتنا؟ فقلت: والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا ألاقتني بلاد بعدك حَتَّى أتيتك. فأمرني بالجلوس فجلست، فلما تفرق الناس- إلا أقلهم- نهضت للقيام، فأشار إلي أن أجلس، فجلست حَتَّى خلى المجلس [4] ، فلم يبق غيري وغيره ومن بين يديه [من] الغلمان، فَقَالَ لي: يا أبا سعيد: ما ألاقتني؟ قلت: [ما] [5] أمسكتني، [وأنشدته] :
كفاك كف لا تليق درهما جودا ... وأخرى تعط بالسيف الدما
فَقَالَ لي: أحسنت، وهكذا فكن وقرنا فِي الملأ، وعلمنا فِي الخلاء، فأمر لي بخمسة آلاف [6] درهم. وفي رواية دينار.
__________
[1] ما بين المعقوفتين زيادة أضفناها من تاريخ بغداد.
[2] إلى هنا الخبر في تاريخ بغداد 14/ 11.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] من أول: «فلما تفرق ... » حتى هنا ساقط من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 9.(8/322)
قَالَ الأصمعي: وتأخرت عَنِ الرشيد ثُمَّ جئته، فقال: كيف كنت يا أصمعي؟
قلت: بت والله بليلة النابغة- فَقَالَ: إنا للَّه هو والله قوله [1] :
فبت كأني ساورتني ضئيلة ... من الرقش فِي أنيابها السم ناقع
فعجبت من دكائه وفطنته لما قصدت.
وَقَالَ أَبُو سَعِيد بْن مسلم: كَانَ فهم الرشيد فوق فهم العلماء. أنشده العماني فِي وصفة فرس بيت:
كَانَ أذنيه إذا تشرفا ... قادمة أو قلما محرفا
فَقَالَ الرشيد: دع كَانَ، وقل: تخال أذنيه.
وَكَانَ الرشيد يتواضع لأهل العلم والدين.
أَنْبَأَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو العلاء الواسطي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد المزني قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مرة قَالَ: حَدَّثَنَا حسن الأزدي قَالَ: سمعت عَلِيّ بْن المديني يَقُول: سمعت أبا معاوية يَقُول:
أكلت مَعَ الرشيد طعاما يوما من الأيام فصب عَلَى يدي رجل لا أعرفه، فَقَالَ هارون: يا أبا معاوية تدري من يصب عليك [2] ؟ وقلت: لا، قَالَ: أنا/ قلت: أنت يَا أَمِيرَ 145/ أالمؤمنين، قال: نعم إجلالا للعلم [3] .
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن عَلِيّ المدبر قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر بْن ابْن المسلمة قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن سَعِيد بْن سويد قَالَ: حدثنا أَبُو علي الحسين بْن القاسم الكوكبي قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الجنيد قَالَ: سمعت عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه- يعني ابْن المديني- قَالَ: قَالَ أَبُو معاوية الضرير:
حدثت الرشيد بهذا الحديث- يعني قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وددت إني أقتل فِي سبيل اللَّه ثُمَّ أحيا ثُمَّ أقتل» - فبكى هارون حَتَّى انتحب، ثُمَّ قَالَ: يا أبا معاوية ترى [لي] [4] أن أغزو؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، مكانك في الإسلام أكبر، ومقامك أعظم،
__________
[1] في ت: «إنما هو قوله» .
[2] في ت: «على يدك» وكذلك في تاريخ بغداد.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 8.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، ت وأضفناه من تاريخ بغداد.(8/323)
ولكن ترسل الجيوش، قَالَ أَبُو معاوية: وما ذكرت النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا قَالَ صلى اللَّه عَلَى سيدي [1] .
وَكَانَ الرشيد معظما للسنة شديد النفور من البدع.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الفضل الْعَطَّار قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر درستويه قَالَ: حَدَّثَنَا يعقوب بْن سُفْيَان قَالَ: سمعت عَلِيّ بْن المديني يَقُول: قَالَ مُحَمَّد بْن حازم: كنت أقرأ حديث الأعمش عَنْ أبي صالح على أمير المؤمنين هارون، فكلما قلت قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] قال: صلى الله على سيدي ومولاي، حَتَّى ذكرت التقاء آدم وموسى فَقَالَ عمه: يا مُحَمَّد، أين التقيا؟ فغضب هارون الرشيد وَقَالَ: من طرح إليك هَذَا؟ وأمر به فحبس، فدخلت إِلَيْهِ فِي حبسه فَقَالَ: يا مُحَمَّد، والله مَا هو إلّا شيئا خطر ببالي، وحلف لي بالعتق وصدقة المال، وغير ذلك من معضلات الأيمان مَا سمعته من أحد ولا جرى بيني وبين أحد فِيهِ كلام. قَالَ: [فكلمته فِيهِ] [2] فأمر به فأطلق من الحبس، وَقَالَ لي: يا مُحَمَّد، ويحك، إنما توهمت أنه طرح إِلَيْهِ بعض الملحدين بهذا الكلام فأردت أن يدلني عليهم فأستفتحهم وإلا فأنا عَلَى يقين أن القرشي لا يتزندق [3] .
وَكَانَ الرشيد إذا عرف الصواب رجع إِلَيْهِ سريعا.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا/ أَبُو عمر الْحَسَن بْن عُثْمَان الواعظ قَالَ:
حَدَّثَنَا جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد الواسطي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطيب النعمان بْن أَحْمَد القاضي قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن زكريا بْن سفيان قَالَ سمعت أصحابْنا يقولون: قَالَ أَبُو معاوية:
دخلت عَلَى هارون [الرشيد] [4] فَقَالَ لي: يا أبا معاوية، لهممت أنه من تثبت خلافته علي فعلت به وفعلت [به] . فسكت، فقال لي: تكلم [تكلم] [5] . فقلت: إن أذنت لي تكلمت. فَقَالَ: تكلم، قلت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قالت تيم منا خليفة رسول الله، وقالت
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 7.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر: تاريخ بغداد 14/ 7- 8 مع اختلاف.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(8/324)
عدي: منا خليفة خليفة رسول الله، وقالت بْنو أمية، منا خليفة الخلفاء، فأين حظكم يا بْني هاشم من الخلافة؟ والله مَا حظكم فِيهَا إلا عَلِيّ بْن أبي طالب رضي اللَّه عنه، فَقَالَ:
واللَّهِ يا أبا معاوية لا يبلغني أن أحدا لم يثبت خلافة علي إلا فعلت به كذا وكذا.
وَكَانَ الرشيد يستقبح المدح بالكذب ويذم المادح به. قَالَ يوما لبعض ولاته:
كيف تركت النّاس؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أحسنت فيهم السيرة وأنسيتهم سيرة العمرين. فغضب الرشيد واستشاط وَقَالَ: ويلك يا ابْن الفاعلة، العمرين العمرين، وأخذ سفرجلة فرماه بها فكادت تهلكه، وأخرج من بين يديه.
وَكَانَ الرشيد يكثر الحج والغزو واتخذ قلنسوة مكتوب عَلَيْهَا: غاز حاج.
قَالَ ابْن البراء: كَانَ يحج سنة ويغزو سنة، حج بالناس ست مرات، [فَقَالَ داود بْن رزين] [1] :
بهارون لاح البدر فِي كل بلدة ... وقام به فِي عدل سيرته النهج
إمام بذات اللَّه أصبح شغله ... وأكثر مَا يعنى به الغزو والحج
تضيق عيون الناس عَنْ نور وجهه ... إذا مَا بدا للناس منظره البلج
وإن أمين اللَّه هارون بالندى ... ينيل الَّذِي يرجوه أضعاف مَا يرجو [2]
وَقَالَ أَبُو المعلى الكلابي:
فمن يطلب لقاءك أو يرده ... فبالحرمين أو أقصى الثغور
/ ففي أرض العدو علي طمر ... وفي أرض البْنية فوق كور
[3] 146/ أوألح عليه فِي بعض غزواته الثلج، فَقَالَ بعض أصحابه: أما ترى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا نحن فيه من الجهد والرعية وادعة فَقَالَ لَهُ: أسكت، عَلَى الرعية المنام، وعلينا القيام، ولا بد للراعي من حراسة رعيته. فَقَالَ بعض الشعراء فِي ذلك:
غضبت لغضبتك القواطع والقنا ... لما نهضت لنصرة الإسلام
ناموا إِلَى كنف بعدلك واسع ... وسهرت تحرس غفلة النوّام
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر الأبيات في: تاريخ الطبري 8/ 234.
[3] انظر الأبيات في: تاريخ بغداد 14/ 6.(8/325)
وَكَانَ الرشيد إذا حج حج معه مائة من الفقهاء وأبْنائهم، وإذا لم يحج أحج ثلاثمائة رَجُل بالنفقة التامة والكسوة الطاهرة، وَكَانَ يصلي كل يوم مائة ركعة إِلَى أن فارق الدُّنيا، إلا أن تعرض لَهُ علة، وَكَانَ يتصدق من صلب ماله فِي كل يوم ألف درهم بعد زكاتها [1] ، وَكَانَ يقتفي أخلاق المنصور ويطلب العمل بها، إلا فِي بذل المال، وكان لا يضيع عنده إحسان محسن، ولا يؤخر ذلك، وَكَانَ يميل إِلَى أَهْل الأدب والفقه، ويكره المراء فِي الدين، ويحب الشعر والشعراء، والمدح ولا سيما من شاعر فصيح، فدخل عليه يوما مروان بْن أبي حفصة فأنشده من قصيدة لَهُ:
وسدت بهارون الثغور فأحكمت ... به من أمور المسلمين المرائر
وما انفك معقودا بْنصر لواؤه ... لَهُ عسكر عنه تشظى العساكر
فكل ملوك الروم أعطاه جزية ... عَلَى الرغم قسرا عَنْ يد وَهُوَ صاغر
إِلَى وجهه تسمو [2] العيون وما سمت ... إِلَى مثل هارون العيون النواظر
ترى حوله الأملاك من آل هاشم ... كما حفت البدر النجوم الزواهر
إذا فقد الناس الغمام تتابعت عليهم ... بكفّيك الغيوث المواطر
146/ ب/ عَلَى ثقة ألقت إليك أمورها ... قريش كما ألقي عصاه المسافر
فطورا يهزون القواطع والقنا ... وطورا بأيديهم تهز المخاصر
ليهنكم الملك الَّذِي أصبحت بكم ... أسرته مختالة والمنابر
أبوك ولي المصطفى دون هاشم ... وإن رغمت من حاسديك المناخر
فأعطاه عشرة آلاف دينار وكساه، وأمر لَهُ بعشرة من رقيق الروم وحمله عَلَى برذون [3] .
وللرشيد أشعار حسان، منها: مَا أَخْبَرَنَا به عبد الرحمن بْن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ قَالَ: أَخْبَرَنَا سليمان بْن أَحْمَد الطبراني قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن موسى بْن حسان قَالَ: حَدَّثَنَا يعقوب بْن إِبْرَاهِيم بْن صالح قَالَ:
حَدَّثَنَا عمي عَلِيّ بْن صالح قَالَ: قَالَ الرشيد فِي ثلاث جوار:
ملك الثلاث الغانيات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان
__________
[1] في ت: «بقدر زكاته» .
[2] في ت: «تشهو العيون وما شهت» .
[3] انظر الخبر وأشعار مع زيادة فيها في: تاريخ الطبري 8/ 347- 349.(8/326)
ما لي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهن وهن فِي عصياني؟
مَا ذاك إلا أن سُلْطَانَ الهوى ... وبه قوين أعز من سلطاني [1]
وَكَانَ الرشيد طيب النفس، فكها يحب المزح.
أَخْبَرَنَا المبارك بْن علي الصيرفي قَالَ: أخبرتنا فاطمة بْنت عَبْد اللَّه الخبرية قالت:
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن الحسين بْن الفضل قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد بْن خالد الكاتب قَالَ:
أَخْبَرَنَا علي بْن عَبْد اللَّه بْن المغيرة الجوهري قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن سعيد الدمشقي قَالَ:
حدثني الزبير بْن بكار قَالَ: حدثني عَلِيّ بْن صالح قَالَ: كَانَ مَعَ الرشيد ابْن أبي مريم المديني، وَكَانَ مضاحكا محداثا فكها، وَكَانَ الرشيد لا يصبر عَنْ محادثته، وَكَانَ قَدْ جمع إِلَى ذلك [المعرفة] [2] بأخبار العرب من [3] أَهْل الحجاز ومكائد المجان، فبلغ من خصوصيته به أنه أنزله منزلا فِي قصره وخلطه ببطانته وغلمانه، فجاء ذات ليلة وهو نائم وقد طلع الفجر، فكشف اللحاف عَنْ ظهره، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كيف أصبحت؟ فَقَالَ: يا هَذَا، مَا أصبحت بعد، مر إِلَى عملك، قَالَ: ويلك، قم إِلَى/ الصلاة قال: هذا وقت صلاة 147/ أأبي الجارود، وأنا من أصحاب أبي يوسف القاضي، فقام [4] ومضى وتركه نائما، وقام الرشيد إِلَى الصلاة، فجاء غلامه فقال: أمير المؤمنين، قَدْ قام إِلَى الصلاة، فألقى عليه ثيابه ومضى نحوه، فإذا هو يقرأ فِي صلاة الصبح وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي 36: 22 [5] فَقَالَ لَهُ ابْن أبي مريم: لا أدري والله فما تمالك أن ضحك فِي صلاته، ثُمَّ التفت كالمغضب فَقَالَ: يا ابْن أبي مريم، فِي الصلاة أيضا؟! قَالَ: يا هَذَا، ما صنعت؟ قال:
قطعت علي الصلاة. قَالَ: والله مَا فعلت، إنما سمعت منك كلاما غمني حين قلت وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي 36: 22 [6] [فقلت: لا أدري] [7] . فضحك، وَقَالَ: إياك والقرآن والدين ولك ما شئت بعدها [8] .
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 12.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «العرب من» ساقطة من ت.
[4] «فقام» ساقطة من ت.
[5] سورة: يس، الآية: 22.
[6] سورة: يس، الآية: 22.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 349.(8/327)
وَكَانَ الرشيد مَعَ حبه اللهو كثير البكاء من خشية اللَّه، محبا للمواعظ، وقد وعظه الفضيل [بْن عياض] [1] ، وابْن السماك، والعمري والبهلول، وغيرهم، وكان يتقبل الموعظة ويكثر البكاء.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن أبي علي الأصبهاني قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن إِسْحَاق الشاهد قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن منيع قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أيوب الواعظ- أو قَالَ: العابد- قَالَ: سمعت منصور بْن عمار يَقُول: مَا رأيت أغزر دمعا عند الذكر من ثلاثة: فضيل بْن عياض، وأبي عَبْد الرَّحْمَنِ الزاهد، وهارون الرشيد، وأتاه يوما رَجُل من الزهاد، فَقَالَ: يا هارون، اتق اللَّه، فأخذه فخلا به، وَقَالَ: يا هَذَا أنصفني، أنا شر أم فرعون؟ قَالَ: بل فرعون، قَالَ:
فأنت خير أم موسى؟ قَالَ: بل موسى، قَالَ: أفما تعلم أن اللَّه تعالى لمّا بعثه وأخاه إِلَيْهِ قَالَ: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً 20: 44 وقد جبهتني بأغلظ الألفاظ، فلا بأدب اللَّه تأدبت، ولا بأخلاق الصالحين أخذت. قَالَ: أخطأت وأنا أستغفر الله، فقال: غفر الله لك، وأمر لَهُ بعشرين ألف درهم، فأبى أن يأخذها. فهذه الأخلاق الطيبة.
وفي هذه السنة: ولد المأمون فِي ربيع الأول، وولد الأمين/ فِي شوال [2] .
وَفِيهَا: عزل الرشيد عُمَر بْن عَبْد العزيز العمري عَنْ مدينة الرسول [عليه السلام] ، وولاها إِسْحَاق بْن سليمان بْن عَلِيّ [3] .
وَفِيهَا: أمر الرشيد بسهم ذوي القربى قسم فِي بْني هاشم بالسوية [4] .
وَفِيهَا: عزل الرشيد الثغور كلها عَنِ الجزيرة وقنسرين، وجعل لها حيزا واحدا، وسمّيت العواصم [5] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 233.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 233.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 234.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 234.(8/328)
وَفِيهَا: عمرت طرسوس عَلَى يدي أبي سليم، فخرج الخادم التركي ونزلها الناس [1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن ناصر الحافظ قال: أخبرنا المبارك بْن عَبْد الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن عُمَر البرمكي قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الحسين بْن عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم الزَّيْنبيّ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني أحمد بْن زهير قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن البربري قَالَ: حَدَّثَنِي أبي- وَكَانَ أول من سكن طرسوس حين بْناها أَبُو سليم، وَكَانَ شيخا قديما- قَالَ: كَانَ يغازينا [2] من الشام ثلاثة أخوة فرسان شجعان، وكانوا لا يخالطون العسكر، وكانوا يسيرون وحدهم، وينزلون كذلك، فإذا رأوا العدو لم يقاتلوا مَا كفوا، فغزوا مرة، فلقيهم الطاغية في جمع كثير، فقاتلوا المسلمين فقتلوا وأسروا، فَقَالَ بعضهم لبعض: قَدْ ترون مَا نزل بالمسلمين، وقد وجب علينا أن نبذل أنفسنا ونقاتل فتقدموا، وقالوا لمن بقي من المسلمين: كونوا وراء ظهورنا وخلوا بيننا وبين القتال نكفيكم إن شاء الله تعالى. فقاتلوا فقهروا الروم، فَقَالَ ملك الروم لمن معه من البطارقة: من جاءني برجل من هؤلاء قدمته وبطرقته. فألقت الروم أنفسها عليهم فأخذوهم أسرى، لم يصب رجل منهم كلم، فَقَالَ ملك الروم: لا غنيمة ولا فتح أعظم من أخذ هؤلاء. فرحل بهم حَتَّى نزل بهم القسطنطينية، فعرض عليهم النصرانية وَقَالَ:
إني أجعل فيكم الملك وأزواجكم بْناتي. فأبوا عليه ونادوا: يا محمداه، فَقَالَ الملك: مَا يقولون؟ قالوا: يدعون نبيهم، فَقَالَ لهم: إن أنتم أجبتموني/ وإلا أغليت قدورا ثلاثة 148/ أفيها الزيت، حَتَّى إذا بلغت أناها ألقيت كل واحد منهم فِي قدر. فأبوا، فأمر بثلاث قدور فنصبت، ثُمَّ صب فِيهَا الزيت، ثُمَّ أمر أن يوقد تحتها ثلاثة أيام يعرضون في كل يوم عَلَى تلك القدور، ويدعوهم إِلَى النصرانية، وإلى أن يزوجهم بْناته، ويجعل الملك فيهم، فيأبون أن يجيبوه، وأقاموا عَلَى الإسلام، فنادى الأكبر، ودعاه إلى دينه فأبى، فناشده وَقَالَ: إني ملقيك فِي هَذِهِ القدر. فأبى فألقاه فِي قدر منها، فما هو إلا أن سقط فِيهَا، فارتفعت عظامه تلوح، ثُمَّ فعل بالثاني مثل ذلك، فلما [رأى] [3] صبرهم على ما فعل
__________
[1] «الناس» ساقطة من ت. انظر: تاريخ الطبري 8/ 234.
[2] في ت: «قال: تفارينا» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(8/329)
بهم، وحفظهم لدينهم، ندم الملك وَقَالَ: فعلت هَذَا بقوم لم أر أشجع منهم، فأمر بالصغير فأدنى منه فجعل يفتنه عَنْ دينه بكل أمر فيأبى، فقام إِلَيْهِ علج من أعلاجه فقال:
أيها الملك مَا تجعل لي إن أنا فتنته؟ قَالَ: أبطرقك، قَالَ: قَدْ رضيت، قَالَ: فبماذا تفتنه؟ قَالَ: قَدْ علم الملك أن العرب أسرع شيء إِلَى النساء، وقد علمت الروم أنه ليس فيهم [امرأة] [1] أجمل من ابْنتي فلانة، فادفعه إلي حَتَّى أخليه معها، فإنها ستفتنه، قال:
فضرب الملك بينه وبين العلج أجلا أربعين يوما، ودفعه إِلَيْهِ، فجاء به فأدخله مع ابنته، وأخبرها بالذي ضمن للملك [2] ، وبالأجل الَّذِي ضربه بينه وبينه، فقالت: لَهُ: دعه، فقد كفيتك أمره، فأقام معها نهاره صائما، وليله قائما، لا يفتر من العمل، حَتَّى مضى أكبر الأجل، فسأل الملك العلج: ما حال الرجل؟ فرجع إِلَى ابْنته فَقَالَ لها: مَا صنعت؟
قالت: مَا صنعت شيئا هَذَا رجل فقد إخوته في هذه البلدة، فأخاف أن يكون امتناعه من أجل أخويه، كلما رأى آثارهما، ولكن استزد الملك فِي الأجل، وانقلني وإياه إِلَى بلد غير هَذَا البلد الَّذِي قتل فِيهِ أخواه، فسأل العلج الملك فزاده فِي الأجل، أياما، وأذن له في 148/ ب خروجهما/، فأخرجهما إِلَى قرية أخرى، فمكث عَلَى ذلك أياما صائم النهار، قائم الليل، حَتَّى إذا بقي من الأجل أيام قالت لَهُ الجارية ليلة من الليالي: يا هَذَا، إني أراك تقدس ربا عظيما، وإني قَدْ دخلت معك فِي دينك، وتركت دين آبائي فلم يثق بذلك منها، حَتَّى أعادت عليه مرارا، فَقَالَ لها: فكيف الحيلة فِي الهرب والنجاة مما نحن فِيهِ؟
فقالت لَهُ: أنا أحتال لك وجاءته بدواب وقالت لَهُ: قم بْنا نهرب إِلَى بلادك، فركبا، فكانا يسيران الليل ويكمنان النهار، وطلبا فخفيا، فبينما هما يسيران ذات ليلة سمع وقع حوافر [3] خيل، فقالت لَهُ الجارية: أيها الرجل، ادع ربك الَّذِي صدقته وآمنت به أن يخصلنا من عدونا، فإذا هو بأخويه ومعهما ملائكة رسل إِلَيْهِ، فسلم عليهما وسألهما عَنْ حالهما، فقالا لَهُ: مَا كانت إلا الغطسة الَّتِي رأيت حَتَّى خرجنا فِي الفردوس، وإن الله أرسلنا إليك لنشهد تزويجك بهذه الفتاة. فزوجوه إياها ورجعوا، وخرج إِلَى بلاد الشام، فأقام معها، وكانا مشهورين بذلك، معروفين بالشام فِي الزمن الأول. وقد قيل فيهما من الشعر ما أنسيته غير هذا البيت:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «فأخبرها بالذي فارق عليه الملك» .
[3] «حوافر» ساقطة من ت.(8/330)
ستعطي الصادقين بفضل صدق ... نجاة فِي الحياة وفي الممات
وفي هذه السنة: حج بالناس الرشيد من مدينة السلام، فأعطى أَهْل الحرمين عطاء كثيرا، وقسم مالا جزيلا [1] .
وغزا الصائفة سليمان بْن عَبْد اللَّه الركابي [2] .
وَكَانَ العامل عَلَى مكة والطائف عَبْد اللَّه بْن قثم، وعلى المدينة إِسْحَاق بْن سليمان الهاشمي، وعلى الكوفة موسى بْن عيسى وخليفته عَلَيْهَا ابْنه الْعَبَّاس بْن موسى، وعلى البصرة والبحرين وعمان واليمامة وكور الأهواز وفارس مُحَمَّد بْن سليمان بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عباس/ [3] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
919- جوهرة العابدة البراثية [4] .
نزلت مَعَ زوجها أبي عَبْد اللَّه البراثي، وكانت جارية لبعض الملوك فعتقت وتركت الدنيا، وتزوجت أبا عَبْد اللَّه، وتعبدت معه، وكانت تحرضه عَلَى العبادة، وتوقظه من الليل وتقول: يا أَبَا عَبْد اللَّه كاروان برفت، معناه: قَدْ سارت القافلة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَد بْن عَلِيّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الوراق قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُوقٍ قال: حدثنا محمد بن الحسين البرجلاني قَالَ: حَدَّثَنَا حكيم بْن جَعْفَر قَالَ:
كنا نأتي أبا عَبْد اللَّه بْن أبي جَعْفَر الزاهد، وَكَانَ يسكن براثا، وكانت لَهُ امرأة متعبدة يُقَالُ لها جوهرة، وَكَانَ يجلس عَلَى جلة خوص بحرانية، وجوهرة جالسة حذاءه على جلة أخرى، فأتيناه يوما وَهُوَ جالس عَلَى الأرض ليست الجلة تحته، فقلنا له يا أبا
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 234.
[2] في ت: «البركاري» وفي الأصل: «الركابي» والتصحيح من الطبري.
انظر: تاريخ الطبري 8/ 234.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 234.
[4] انظر ترجمتها في: تاريخ بغداد 14/ 403، 404، 436.(8/331)
عَبْد اللَّه، مَا فعلت الجلة الَّتِي كنت تقعد عَلَيْهَا؟ قَالَ: أرى جوهرة أيقظتني البارحة، فقالت: أليس يقال فِي الحديث «إن الأرض تقول لابْن آدم تجعل بيني وبينك سترا وأنت غدا فِي بطني» ؟ قَالَ: قلت: نعم، قالت: هَذِهِ الجلال لا حاجة لنا فِيهَا. فقمت والله فأخرجتها [1] .
وقد روينا عَنْ أبي شعيب الزاهد البراثي أن جارية من بنات الكبار من أبْناء الدنيا نظرت إِلَى زهده، فتزوجت به وتركت الدنيا وجرت لها معه مثل هَذِهِ القصة فِي فرش من خوص.
920- الربيع بْن يونس بْن مُحَمَّد بْن يونس بن أبي فروة- واسم أبي فروة: كيسان [2]-.
مولى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ وحاجبه، ووزر لَهُ بعد أبي أيوب المرزباني.
أَنْبَأَنَا أَبُو بكر بْن مُحَمَّد بْن الحسين الحاجي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن سليمان الواسطي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَد الفرضي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عمر الزاهد قال: أخبرنا 149/ ب/ ثعلب، عن ابن شبيب، عن الزُّبَيْر قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرو بْن عُثْمَان قَالَ: دخل المنصور أمير المؤمنين قصرا فرأى في جداره مكتوبا:
وما لي لا أبكي بعين حزينة ... وقد قربت للظاعنين حمول
وتحته مكتوب: إيه إيه. قَالَ أَبُو عُمَر: ويروى آه آه. فَقَالَ المنصور: أي شيء أه أه؟ فقال له الربيع وَهُوَ إذ ذاك تحت يدي أبي الخصيب الحاجب: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنه لما كتب البيت أحب أن يخبر أنه يبكي، فَقَالَ قائله: اللَّه، مَا كَانَ أظرفه، فكان هَذَا أول مَا ارتفع به الربيع.
وقد روى أَبُو الفرج الأصبهاني: أن الربيع قَالَ: كنت فِي خمسين وصيفا أهدوا للمنصور، ففرقنا فِي خدمته، فصرت إِلَى ياسر صاحب وضوئه، فكنت أراه يعطيه الأبريق فِي المستراح، ويقف مكانه لا يبرح. فَقَالَ لي يوما: كن مكاني في هذا، فكنت
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 403- 404.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 414.(8/332)
أعطيه الأبريق، وأخرج مبادرا، فإذا سمعت حركته بادرت إِلَيْهِ فَقَالَ لي: مَا أخفك عَلَى قلبي يا غلام، ثُمَّ دخل قصرا فرأى حيطانه مملوءة من الشعر وإذا بخط [1] منفرد فقرأه فإذا هو:
وما لي لا أبكي وأندب ناقتي ... إذا صدر الرعيان نحو المناهل
وكنت إذا مَا أشتد شوقي رحلتها ... فسارت لمحزون طويل البلابل
وتحته مكتوب: أه أه، فلم يدر مَا هو، وفطنت لَهُ، فقلت: يَا أمير المؤمنين قال الشعر، ثم تأوّه فكتب تأوهه بْنفسه فَقَالَ لي: مالك قاتلك اللَّه، قَدْ أعتقتك ووليتك مكان ياسر.
قَالَ أَبُو بكر الصولي: لم يزل الربيع وزير المنصور حَتَّى تُوُفِّيَ المنصور بمكة، فأخذ الرَّبِيع للمهدي البيعة، فشكر المهدي لَهُ ذلك، وجعله حاجبه، ولم يستوزره.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أخبرنا الحسين بن علي الصيمري قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد/ بْن علي الصيرفي قال: 150/ أحدّثنا مُحَمَّد بْن عُمَر بْن سالم الحافظ قَالَ: ذكروا أنه لم ير فِي الحجابة أعرق من الربيع، حاجب أبي جَعْفَر ومولاه، ثُمَّ صار وزيره، ثُمَّ حجب للمهدي، ومن ولده الفضل [بْن الربيع] [2] حجب هارون، ومحمد الأمين، وابْنه عباس بْن الفضل حجب الأمين، فعباس حاجب ابْن حاجب ابْن حاجب [3] .
وقد مدحهم أَبُو نواس فِي قوله:
سار الملوك ثلاثة مَا منهم ... إن حصلوا إلا أعز قريع
عباس عباس إذا اخترم الورى ... والفضل فضل والربيع ربيع
[تُوُفِّيَ الربيع في هذه السنة] [4] .
__________
[1] في ت: «وإذا بكتاب» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 8/ 414.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(8/333)
921- فتح بْن مُحَمَّد بْن وشاح، أَبُو مُحَمَّد الأزدي الموصلي.
ذكر المعافى بْن عمران أنه لم يكن أعقل منه.
[قَالَ مؤلف الكتاب] [1] : وليس هَذَا بفتح الموصلي المكني بأبي نصر، فإن أبا نصر مات فِي سنة عشرين ومائتين وابْن وشاح مات سنة سبعين ومائة وأكثر الحكايات عَنْ أبي نصر لا عَنْ أبي مُحَمَّد.
922- موسى الهادي، أمير المؤمنين ابْن المهدي [2] .
اختلفوا فِي سبب موته قَالَ بعضهم: كَانَ فِي جوفه قرحة، وكانت سبب منيته.
وحكى أَبُو جَعْفَر ابْن جرير الطبري عَنْ جماعة أنهم قالوا: إن الخيزران أمه أمرت بقتله، فأنا أستبعد ذلك.
قالوا: وكانت فِي أول خلافته تفتات عليه فِي أمور، وتسلك به مسلك أبيه فِي الاستبداد بالأمر والنهي، وكانت إذا سألته حاجة قضاها فانثال الناس إليها [3] ، فأرسل إليها: لا تخرجي من خفر الكفاية إِلَى بذاذة التبذل، فإنه ليس من قدر النساء الاعتراض فِي أمر الملك، وعليك بصلاتك وسبحتك، ولك بعد هَذَا طاعة مثلك، فكلمته يوما فِي أمر فاعتل بعلة، فقالت: لا بد من إجابتي، فَقَالَ: لا أفعل، قالت: فإنّي قد ضمنت 150/ ب [قضاء] [4] هَذِهِ الحاجة. قَالَ: والله لا أقضيها لك، فقالت: إذا والله لا/ أسألك حاجة أبدا. قَالَ: إذن والله لا أبالي، وغضب، فقامت مغضبة، فَقَالَ: مكانك [حَتَّى] [5] تستوعبي كلامي والله، وإلا فأنا نفي من قرابتي من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لئن بلغني أنه وقف ببابك أحد لأقبضن ماله، ولأضربْن عنقه، مَا هَذِهِ المواكب الَّتِي تغدو وتروح إلى بابك؟! أما لك مغزل يشغلك، أو مصحف يذكرك أو يصونك!؟ إياك ثُمَّ إياك أن تفتحي بابك لملي أو ذمي [6] . فانصرفت ما تعقل [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 21- 25. وتاريخ الطبري 8/ 205- 229.
[3] «فانثال الناس إليها» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت، والطبري: «ثم إياك ما فتحت بابك لشريف أو وضيع» .
[7] انظر الخبر في تاريخ الطبري 8/ 205- 206.(8/334)
قَالَ ابْن جرير: وذكر قوم أن سبب موت الهادي: أنه لما أخذ فِي خلع هارون والبيعة لابْنه جَعْفَر خافت الخيزران عَلَى هارون منه، فدست من جواريها لما مرض من غمه وجلس عَلَى وجهه، ووجهت إِلَى يَحْيَى بْن خالد: إن الرجل قَدْ تُوُفِّيَ، فاجدد فِي أمرك [1] .
وَكَانَ الهادي قَدْ أمر أن لا يسار قدام الرشيد بحربة، فاجتنبه الناس وتركوه، وطابت نفس هارون بالخلع لشدة خوفه عَلَى نفسه، فخلعته جماعة من القواد وبايعوا لجعفر بْن مُوسَى [2] ، ودخل هارون عَلَى موسى فَقَالَ لَهُ: يا هارون، كأني بك تحدث نفسك بتمام الرؤيا، فقال: إني لأرجو [أن يفضي] [3] الأمر إلي، فأنصف وأصل، فَقَالَ لَهُ: ذلك الظن بك، فأجلسه معه وأمر له بألف ألف دينار، وكانت الرؤيا أن المهدي قَالَ: رأيت فِي منامي كأني دفعت إِلَى موسى قضيبا وإلى هارون قضيبا فأورق قضيب موسى من [4] أعلاه قليلا، وأورق فِي قضيب هارون من أوله إِلَى آخره، فدعا المهدي الحكم بْن موسى فَقَالَ لَهُ: أعبر هَذِهِ الرؤيا، فقال: يملكان جميعا فتقل أيام موسى، ويبلغ هارون آخر مدى مَا عاش خليفة، وتكون أيامه أحسن أيام. فلم يلبث الهادي إلا يسيرا حَتَّى اعتل ثلاثة أيام ومات.
وحكى أَبُو بكر الصولي: أنه خرج عَلَى ظهر قدمه بثرة، فصارت كاللوزة، وافتصد ومات بعد ثلاث، وجاءت أمه الخيزران/ وبه رمق، فأخذت خاتمه من يده وقالت: 151/ أأخوك أحق بهذا الأمر منك. وَهُوَ يرى ذلك ولا يقدر عَلَى حيلة.
تُوُفِّيَ الهادي بعيساباذ للنصف من ربيع الأول من هَذِهِ السنة، وقيل: لثلاث عشرة بقيت من ربيع وَهُوَ ابْن ست وعشرين سنة، وقيل: ثلاث وعشرين، وصلى عليه أخوه هارون ودفن فِي بستانه بعيساباذ، وكانت خلافته سنة وشهرا وثلاثة عشر يوما، وقيل:
سنة وثلاثة أشهر، وقيل وشهرين وأحد عشر يوما [5] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 206.
[2] في ت: «وبايعوا الجعفر بن موسى» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «وإلى هارون قضيبا فأورق قضيب موسى من» ساقط من ت.
[5] انظر تاريخ بغداد 13/ 23، 24.(8/335)
923- معاوية بْن عبيد اللَّه بْن يسار، أَبُو عبيد اللَّه الأشعري مولاهم من أَهْل طبرية [1] .
ولد سنة مائة، وكتب الحديث، وسمع أبا إِسْحَاق السبيعي، ومنصور بْن المعتمر ونحوهما، وَكَانَ خيرا فاضلا عالما، وَكَانَ يكتب للمهدي قبل الخلافة رسمه لَهُ المنصور، وَكَانَ جميع أمر المهدي إِلَيْهِ، فلا يخالفه فِي شيء، ثُمَّ وزر لَهُ.
أَنْبَأَنَا المحمدان ابْن عَبْد الباقي وابْن عَبْد الملك قالا: أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَن الدارقطني قَالَ: حَدَّثَنِي القاضي أَبُو الطاهر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عبيد اللَّه بْن نصر قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بكر مُحَمَّد بْن عَبْد الملك السراج قَالَ: حَدَّثَنِي عيسى بْن أبي عباد قَالَ: حَدَّثَنِي عبيد اللَّه بْن سليمان بْن أبي عبيد اللَّه قَالَ: أبلى أبو عبيد الله مصليين، وأسرع فِي الثالث- أو ثلاثة وأسرع فِي الرابع- موضع الركبتين والوجه واليدين لكثرة صلاته، [قَالَ:] [2] وَكَانَ لَهُ فِي كل يوم كر دقيق يتصدق به عَلَى المساكين، وَكَانَ يلي ذلك مولى لَهُ، فلما اشتد الغلاء أتاه فَقَالَ: قَدْ غلا السعر، فلو نقصنا من هَذَا؟ فَقَالَ: أنت شيطان، أو رَسُول الشيطان، صيرة كرين. فكان لَهُ فِي كل يوم بعد ذلك كران يخبزان للمساكين قال: وأخبرت أن الجسور [3] يوم مات امتلأت فلم يعبر عَلَيْهَا إلا من تبع جنازته من مواليه واليتامى والأرامل والمساكين، ودفن فِي مقابر قريش ببغداد وصلى عليه عَلِيّ بْن المهدي [4] .
تُوُفِّيَ في هذه السنة، وقيل: / في السنة التي قبلها.
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 196- 197.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «أن الحسن» .
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 196- 197.(8/336)
ثم دخلت سنة إحدى وسبعين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
قدوم أبي الْعَبَّاس الفضل بْن سليمان الطوسي مدينة السلام منصرفا عَنْ خراسان، وَكَانَ خاتم الخلافة مَعَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد الأشعث، فلما قدم أبو العباس أخذه الرشيد منه ودفعه إِلَى أبي الْعَبَّاس، ثُمَّ لم يلبث أَبُو الْعَبَّاس إلا يسيرا حَتَّى تُوُفِّيَ، فدفع الخاتم إِلَى يَحْيَى بْن خَالِد [1] .
وَفِيهَا: أمر الرشيد بإخراج من كَانَ بمدينة السلام من الطالبيين إِلَى مدينة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلا الْعَبَّاس بْن الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه بْن الْعَبَّاس بْن عَلِيّ بْن أبي طالب، وَكَانَ أَبُو الْحَسَن فيمن شخص [2] .
وَفِيهَا: خرج الفضل بْن سَعِيد الحروري فقتله أَبُو خالد المروروذي [3] .
وَفِيهَا: خرجت الخيزران فِي شهر رَمَضَان إِلَى مكة فأقامت بها إِلَى وقت الحج وحجت [4] .
وَفِيهَا: حج بالناس [5] عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب [6] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 235.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 235.
[3] هذا الحدث ساقط من ت.
انظر: تاريخ الطبري 8/ 235.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 235.
[5] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة» .
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 235.(8/337)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
924- حيان بْن عَلِيّ الْكَوفِيّ، أَبُو علي أخو مندل.
حدث عَنْ الأعمش، وسهيل بْن أبي صالح، روى عنه حجر بْن المثنى وخلف بن هشام، وكان صالحا دينا فقيها.
قَالَ يَحْيَى: هو صدوق، وفي رواية عنه يضعفه.
تُوُفِّيَ في هذه السنة. وقيل: فِي السنة الَّتِي تليها [1] .
925- سَعِيد بْن السائب الطائفي [2] .
روى [عنه] [3] سفيان ووكيع.
أَخْبَرَنَا عَبْد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال:
أخبرنا علي بن أحمد الملطي قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: أخبرنا الحسين بْن صفوان قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن عبيد قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الحسين قَالَ:
حَدَّثَنَا الحميدي، عَنْ سفيان قَالَ: كَانَ سَعِيد بْن السائب الطائفي لا يكاد تجف لَهُ دمعة، إنما دموعه جارية دهره، إن صلى فهو يبكي، وإن جلس فهو يقرأ في المصحف 152/ أفهو يبكي. قَالَ سفيان: فحدثوني أن/ رجلا عاتبه عَلَى ذلك فبكى، ثُمَّ قَالَ: إنما ينبغي أن تعذلني وتعاتبْني عَلَى التقصير والتفريط، وأنهما قد استوليا علي.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، وَمُحَمَّدُ بْن ناصر الحافظ، وعلي بْن عُمَر قالوا: أَنْبَأَنَا طراد قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن بشران قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن صفوان قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو بكر بن عبيد قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن الصباح قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يزيد بْن حسن قَالَ: سمعت الثوري يَقُول: جلست ذات يوم أحدث ومعنا سَعِيد بْن السائب الطائفي، فجعل سَعِيد يبكي حَتَّى رحمته، فقلت: يا سَعِيد، مَا يبكيك وأنت تسمعني أذكر أَهْل الخير وفعالهم، قَالَ: يا سفيان، وما يمنعني من البكاء، وإذا ذكرت مناقب [4]
__________
[1] في ت: «التي قبلها» .
[2] انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 5/ 521، والتاريخ الكبير 3/ 1605، والجرح والتعديل 4/ 122، 123، وتاريخ الإسلام 6/ 182.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «مناقب» : ساقطة من ت.(8/338)
أَهْل الخير كنت منهم بمعزل، قَالَ: يَقُول سفيان: وحق لَهُ أن يبكي.
تُوُفِّيَ عَبْد اللَّه في هذه السنة.
926- عُمَر بْن ميمون بْن الرماح، أَبُو علي [1] .
قاضي بلخ، تولى القضاء بها أكثر من عشرين سنة، وَكَانَ محمودا فِي ولايته، مذكورا بالعلم والحلم والصلاح والفهم، حدث عَنْ سهيل بْن أبي صالح، والضحاك، روى عنه: سريج بْن النُّعمان، وَكَانَ ثقة، وعمي فِي آخر عمره، وتوفي ببلخ فِي رَمَضَان هَذِهِ السنة.
927- عيسى بْن يزيد بْن بكر بْن داب، أَبُو الوليد [2] .
أحد بْني الليث بْن بكر المديني، قدم بغداد وأقام بها، وحدث عَنْ صالح بْن كيسان، وهشام بْن عُرْوَة، وَكَانَ راوية عَنِ العرب، وافر الأدب، عالما بالنسب، حافظا للسير عارفا بأيام الناس، إلا أنهم قدحوا فيه، فقالوا: يزيد في الأحاديث ما ليس فيها، ونسبه خلف الأحمر إلى الكذب، ووضع الحديث.
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن علي الخطيب قال: أخبرنا الأزهري قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة قَالَ: لم يتول الخلافة قبل الهادي بسنه أحد، لأنه كَانَ حدثا وَكَانَ يحب الأدب وأهله ويعطي عليه [3] .
وَكَانَ عيسى بْن داب يجالسه، وَكَانَ أكثر أَهْل الحجاز أدبا، وأعذبهم ألفاظا، وَكَانَ قَدْ حظي/ عند الهادي، وَكَانَ يَقُول لَهُ: مَا استطلت بك يوما ولا ليلة قط، ولا 152/ ب غبت عَنْ عيني إلا تمنيت ألا أرى غيرك. وأمر لَهُ بثلاثين ألف دينار، فلما أصبح ابْن داب، وجه قهرمانه فطالب بالمال، فلقي الحاجب فأبلغه رسالته [فأعلمه] [4] أن ذلك ليس إِلَيْهِ، وأنه يحتاج إِلَى توقيع، فأمسك ابْن داب، فبينا الهادي فِي مستشرف لَهُ نظر إِلَى ابْن داب قَدْ أقبل وليس معه غلام، فَقَالَ لإبراهيم الحداني: أما ترى ابن داب، ما
__________
[1] ترجمته في تاريخ بغداد 11/ 182.
[2] في الأصل: «ابن الوليد» . وترجمته في تاريخ بغداد 11/ 148.
[3] الخبر في تاريخ بغداد 11/ 150.
[4] ما بين المعقوفتين: من ت.(8/339)
غير حاله؟ ولا تزيي لنا، وقد برزناه بالأمس لنرى أثرنا عليه، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: إن أمرني أمير المؤمنين عرضت لَهُ بشيء من هَذَا، قَالَ: لا هو أعلم بأمره. ودخل ابْن داب، فأخذ فِي حديثه إِلَى أن عرض لَهُ الهادي شيئا من أمره، فَقَالَ: أرى ثوبك غسيلا، وهذا شتاء يحتاج إِلَى لبس الجديد واللين، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ باعي قصير عما أحتاج إِلَيْهِ، فَقَالَ:
كيف ذاك [1] وقد صرفنا إليك من برنا مَا فِيهِ صلاح شأنك؟ قَالَ: مَا وصل إلي، فدعا بصاحب بيت مال الخاصة، فَقَالَ: عجل الساعة لَهُ بثلاثين ألف دينار، فحملت بين يديه [2] .
928- المفضل بن محمد بن يعلى الظبي [3] .
سمع سماك بْن حرب، وأبا إِسْحَاق السبيعي، والأعمش وغيرهم.
وروى القراءات عَنْ عاصم بْن أبي النجود، روى عنه: الكسائي، والفراء، وغيرهما، وَكَانَ راوية للآداب وأيام الأعراب، علامة موثقا فِي روايته.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال: أَخْبَرَنَا الحسين بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر الخالع فيما أذن أن نرويه عنه قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن السري قَالَ: قَالَ لنا جحظة: قَالَ الرشيد للمفضل الضبي: مَا أحسن مَا قيل فِي الذئب ولك هَذَا الخاتم الّذي في يدي وشراؤه ألف وستمائة دينار؟ فَقَالَ: قول الشاعر:
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع
153/ أ/ فَقَالَ [4] : مَا ألقي هَذَا عَلَى لسانك إلا لذهاب الخاتم. ورماه إِلَيْهِ، فاشترته أم جَعْفَر بألف وستّمائة دينار وبعثت به إِلَيْهِ، وقالت: قَدْ كنت أراك تعجب به فالتقطه الضبي وَقَالَ: خذه وخذ الدنانير، فما كنا نهب شيئا فنرجع فيه [5] .
__________
[1] «ذاك» : ساقطة من ت.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 11/ 150- 151.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13.
[4] الورقة رقم 153 من نسخة الأصل (أحمد الثالث) مفقودة.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 122.(8/340)
929- أبو عبد الله الحربي الزاهد.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو علي حسن بن أحمد قال: حدّثنا 153/ ب عبد الغفار بن محمد المؤدب قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَر بْن أَحْمَد الواعظ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن دليل قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد المقدمي قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد العزيز قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه الجروي قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن شبيب بْن شيبة قَالَ: كنا نتجالس فِي الجمعة فأتى رَجُل عليه ثوب واحد ملتحف به، فجلس إلينا، فألقى مسألة، فما زلنا نتكلم فِي الفقه حَتَّى انصرفنا، ثُمَّ جاءنا فِي الجمعة المقبلة، فأجبْناه وسألناه عَنْ منزله، قَالَ: أنزل الخريبة، فسألنا عَنْ كنيته، فَقَالَ أَبُو عَبْد اللَّه: فرغبْنا فِي مجالسته ورأينا مجلسنا مجلس فقه، فمكثنا بذلك زمانا، ثُمَّ انقطع عنا، فَقَالَ بعضنا لبعض، مَا حالنا وقد كَانَ مجلسنا عامرا بأبي عَبْد اللَّه، وقد صار يوحشنا فوعد بعضنا بعضا إذا أصبحنا أن نأتي الخريبة فنسأل عَنْهُ، فأتيناه الخريبة وكنا عددا، فجعلنا نستحي أن نسأل عَنْ أبي عَبْد اللَّه، فنظرنا إِلَى صبيان قَدِ انصرفوا من الكتاب فقلنا: أَبُو عَبْد اللَّه، فقالوا:
لعلهم يعنون الصياد، قلنا: نعم، قَالُوا: هَذَا وقته الآن يجيء، فقعدنا ننتظره، فإذا هو قد أقبل مؤتزرا بخرقة، على كتفه خرقة ومعه أطيار مذبحة وأطيار أحياء، فلما رآنا تبسم إلينا وَقَالَ: مَا جاء بكم؟ فقلنا: فقدناك، وقد كنت عمرت مجلسنا، فما غيبك عنا؟ قَالَ:
أصدقكم، كَانَ لنا جار كنت أستعير منه كل يوم ذلك الثوب الَّذِي كنت آتيكم فِيهِ، وَكَانَ غريبا، فخرج إِلَى وطنه، فلم يكن لي ثوب آتيكم فِيهِ، هل لكم أن تدخلوا المنزل فتأكلوا مما رزق اللَّه عز وجل؟ فَقَالَ بعضنا لبعض: ادخلوا منزله، فجاء إِلَى الباب فسلم ثُمَّ صلى قليلا ثُمَّ دخل، فأذن لنا فدخلنا، فإذا هو قد أتى بقطع من البواري فبسطها لنا فقعدنا، فدخل إِلَى المرأة، فسلم إليها الأطيار المذبحة، وأخذ الأطيار الأحياء ثُمّ قَالَ:
أنا آتيكم إن شاء اللَّه عَنْ قريب، فأتى السوق فباعها واشترى لنا خبزا، فجاء وقد صنعت المرأة ذلك الطير وهيئته، فقدم إلينا خبزا ولحم الطير، فأكلنا، فجعل يقوم فيأتينا بالملح والماء، فكلما قام قَالَ بعضنا لبعض: رأيتم مثل هَذَا؟ ألا تغيرون وأنتم سادة أَهْل البصرة؟! فقال أحدهم: عليّ خمسمائة، وقال الآخر: على ثلاثمائة، وَقَالَ هَذَا وَقَالَ هَذَا، ضمن بعضهم أن يأخذ لَهُ من غيره، فبلغ الَّذِي جمع له فِي الحساب خمسة آلاف درهم، فقالوا: قوموا بْنا نذهب فنأتيه بهذا المال ونسأله أن يغير مَا هو فِيهِ، فقمنا فانصرفنا عَلَى حالنا ركبانا، فمررنا بالمربد، وإذا بمحمد بْن سُلَيْمَان أمير البصرة قاعد فِي منظره(8/341)
لَهُ، فَقَالَ: يا غلام، آتيني بإبراهيم بْن شبيب بْن شيبة من بين القوم، فجئت فدخلت عليه، فسألني عَنْ قصتنا ومن أين أقبلنا، فصدقته الحديث، فَقَالَ: أنا أسبقكم إِلَى بره، يا غلام، آتيني ببدرة دراهم، فجاء فَقَالَ: أحمل هَذِهِ البدرة مَعَ هَذَا الرجل حَتَّى يدفعها إِلَى من أمرناه، ففرحت، ثُمَّ قمت مسرعا، فلما أتيت الباب سلمت فأجابْني أَبُو عَبْد اللَّه، ثُمَّ خرج إلي، فَلَمَّا رأى الفراش والبدرة عَلَى عنقه كأني سفيت فِي وجهه الرماد، فأقبل علي بغير الوجه الأول وَقَالَ: مَا لي ولك، تريد أن تفتنني؟ فقلت: يا أبا عَبْد اللَّه أقعد حَتَّى أخبرك، إنه من القصة كذا وكذا، وَهُوَ الَّذِي تعلم أحد الجبارين- يعني مُحَمَّد بْن سليمان- ولو كَانَ أمرني أن أضعها حيث أرى لرجعت إِلَيْهِ فأخبرته إني 154/ أقد وضعتها، فاللَّه اللَّه فِي نفسك، فازداد علي غيظا، وقام فدخل منزله وصفق/ الباب فِي وجهي فجعلت أقدم وأؤخر، مَا أدري مَا أقول للأمير، ثُمَّ لم أجد بدا من الصدق، فجئت فأخبرته الخبر فَقَالَ: حروري والله يا غلام، علي بالسيف، فجاء بالسيف فَقَالَ:
خذ بيد هَذَا حَتَّى يذهب بك إِلَى هَذَا الرجل، فإذا خرج إليك فاضرب عنقه وآتيني برأسه، قَالَ إِبْرَاهِيم: فقلت: أصلح اللَّه الأمير، الله الله، فو الله لقد رأينا رجلا مَا هو من الخوارج، ولكني أذهب فآتيك به، وما أريد بذلك إلا افتداء منه، قال: فضمنيه، فمضيت حَتَّى أتيت الباب فسلمت، فإذا المرأة تحن وتبكي، ثُمَّ فتحت الباب وتوارت وأذنت فدخلت، فقالت: مَا شأنكم وشأن أبي عَبْد اللَّه؟ قلت: وما حاله؟ قالت: دخل فمال إِلَى الركي فنزع منها ماء فتوضأ ثُمَّ صلى ثُمَّ سمعته يَقُول: اللَّهمّ اقبضني إليك ولا تفتني. ثُمَّ تمدد وَهُوَ يَقُول ذلك، فلحقته وقد قضى، فهو ذاك ميت، فقلت: يا هَذِهِ إن لنا قصة عجيبة، فلا تحدثوا فِيهِ شيئا، فجئت مُحَمَّد بْن سليمان فأخبرته الخبر، فَقَالَ:
أنا أركب فأصلي عَلَى هَذَا، قَالَ: وشاع خبره بالبصرة، فشهده الأمير وعامة أَهْل البصرة، رحمه اللَّه.(8/342)
ثم دخلت سنة إثنين وسبعين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
شخوص الرشيد إِلَى مرج القلعة، ثُمَّ مرتادا بها منزلا ينزله، وَكَانَ قَدِ استثقل مدينة السلام وَكَانَ يسميها البخار، فخرج إِلَى مرج القلعة فاعتل بها، وانصرف، وسميت تلك السفرة بسفرة المرتاد [1] .
وَفِيهَا: عزل الرشيد يزيد بْن مزيد عَنْ أرمينية وولاها عبيد اللَّه بْن مُحَمَّد المهدي [2] .
وَفِيهَا: غزا الصائفة إِسْحَاق بْن سليمان بْن عَلِيّ [3] .
وَفِيهَا: وضع [الرشيد] [4] عَنْ أَهْل السواد العشر الَّذِي كَانَ يؤخذ منهم بعد النصف [5] .
وَفِيهَا: تزوج مُحَمَّد بْن سليمان بْن عَلِيّ العباسة بْنت المهدي، وهي أول بْنت خليفة من بْني/ هاشم نقلت من بلد إِلَى بلد، نقلها إِلَى البصرة، وأول بْنت خليفة نقلت 154/ ب من خلفاء بني أمية صفية بْنت معاوية، نقلت إِلَى البصرة إِلَى مُحَمَّد بْن زياد ذكره الصولي.
وَفِيهَا: ولي معاذ بن معاذ القضاء.
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 236.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 236.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 236.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 236.(8/343)
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر [أحمد] [1] بن علي قال: أخبرني الأزهري قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة قَالَ:
ولي معاذ بن معاذ قضاء البصرة سنة اثنتين وسبعين، وَكَانَ لَهُ محل ومنزلة، فلم يحمد [2] أَهْل البصرة أمره [وكتبوا] [3] وكثر الكارهون لَهُ والوقائع عليه، فلما صرف عَنِ القضاء أظهر أَهْل البصرة السرور، ونحروا النحور وتصدقوا بلحمها، واستتر فِي بيته خوف الوثوب عليه، ثُمَّ شخص بعد ذلك إِلَى الرشيد فاعتذر، فقبل عذره ووهب لَهُ ألف دينار، وَكَانَ من الأثبات فِي الحديث [4] .
وَفِيهَا: حج بالناس يعقوب بْن أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ [5] .
وعمال السنة مَا قبلها [6] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
930- الحسن بن عياش بْن سالم، مولى بْني أسد وَهُوَ أخو أبي بكر بْن عياش الْقَارِئ [7] .
من أَهْل الكوفة، وَكَانَ وصي سفيان الثوري، وسمع أبا إِسْحَاق الشيباني، وإسماعيل بْن أبي خَالِد، والأعمش، وغيرهم، وَكَانَ ثقة.
تُوُفِّيَ في هذه السنة.
931- عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سليمان بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّه بْن حنظلة بْن الغسيل الأنصاري المَدِينيّ [8] .
رأى سهل بْن سعد وأنس بْن مالك، وسمع عكرمة، روى عنه أَبُو نعيم الفضل بْن دكين، وَكَانَ ثقة.
تُوُفِّيَ في هذه السنة. وقيل: السنة الَّتِي قبلها.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «فلم يحتمل» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 132.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 236.
[6] «وعمال السنة ما قبلها» ساقط من ت.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 350.
[8] انظر: ترجمته في: تاريخ 7/ 292.(8/344)
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
[أن الرشيد] [1] أقدم جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن الأشعث من خراسان وولاها ابْنه الْعَبَّاس بْن جَعْفَر [2] .
قَالَ الصولي: وخرج [3] بالناس الرشيد محرما من بغداد [4] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
932- إسماعيل بن زكريا بْن مرة، أَبُو زياد الخلقاني، مولى أسد بْن خزيمة يلقب شقوصا [5] .
كوفي الأصل، سمع إِسْمَاعِيل بْن أبي خالد، وأبا إِسْحَاق والأعمش وغيرهم وَكَانَ ثقة.
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا [أَبُو بكر] [6] ابْن ثَابِت قَالَ: أَخْبَرَنِي الأزهري قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل وفيها «أنه» .
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 238.
[3] في الأصل: «وحج بالناس» وما أثبتناه من ت.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 238.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 215- 218.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(8/345)
حدّثنا مُحَمَّد بْن عباس قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قال: أخبرنا [الحسين] [1] بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال إسماعيل بن زكريا: كَانَ تاجرا فِي الطعام وغيره، وَهُوَ من أَهْل الكوفة، نزل بغداد فِي ربض حميد بْن قحطبة ومات بها فِي أول سنة ثلاث وسبعين ومائة، وَهُوَ ابْن خمس وستين سنة [2] .
933- الخيزران جارية المهدي [3] .
اشتراها فأعتقها وتزوجها، فولدت لَهُ الهادي والرشيد، ولم تلد امرأة خليفتين غير ثلاث نسوة هي إحداهن، والثانية ولادة العنسية بْنت الْعَبَّاس زوجة عَبْد الملك بْن مروان أم الْوَلِيد وسليمان، والثالثة: شاهفريذ بْنت فيروز بْن يزدجرد ولدت للوليد بْن عَبْد الملك إِبْرَاهِيم ويزيد فوليا الخلافة [4] .
وَقَدْ أَسْنَدْتُ الْحَدِيثَ، عَنِ الْمَهْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَقَاهُ اللَّهُ كُلَّ شَيْءٍ» [5] .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَحَلِّيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الصَّرِيفِينِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الصَّيدَلانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَحْمُودٍ الْكَاتِبُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الطَّوِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَأْمُونِ قَالَ: لَمَّا عُرِضَتِ الْخَيْزُرَانُ عَلَى الْمَهْدِيِّ قَالَ لَهَا: وَاللَّهِ يَا جَارِيَةُ إِنَّكِ لَعَلَى غَايَةِ التَّمَنِّي، وَلَكِنَّكِ خَمْشَةُ السَّاقَيْنِ، فَقَالَتْ يَا مَوْلَانَا [6] ، إنك أحوج ما تكون إليهما لا تَرَاهُمَا، فَقَالَ اشْتَرُوهَا فَحَظِيَتْ عِنْدَهُ، فَأَوْلَدَهَا مُوسَى وَهَارِونَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ قال: أخبرنا أحمد بن علي ابن ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الأَزْهَرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُقْرِئِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الصَّرِيفِينِيُّ قَالُوا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمَقْرِيُّ قال: حدّثنا علي بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 218.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 14/ 430- 431.
[4] تاريخ بغداد 14/ 430.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 430- 431.
[6] في ت: «يا أمير المؤمنين» .(8/346)
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ/ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الطَّوِيلِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ يَوْمًا إِلَى الْمَهْدِيِّ فَدَعَا بِمِحْبَرَتِهِ وَدْفَتِرِه، وَكَتَبَ عَنِّي أَشْيَاءَ حَدَّثْتُهُ بِهَا، ثُمَّ نَهَضَ وَقَالَ: كُنْ بِمَكَانِكَ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْكَ، وَدَخَلَ إِلَى دَارِ الْحَرَمِ ثُمَّ خرج متنكرا ممتلئا غيظا، فلما جلس: قُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ خَرَجْتَ عَلَى خِلافِ الْحَالِ الَّتِي دَخَلْتَ عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ دَخَلْتُ عَلَى الْخَيْزُرَانِ فَوَثَبْت إِلَيَّ وَمَدَّتْ يَدَهَا إِلَيَّ وَخَرَقَتْ ثَوْبِي، وَقَالَتْ: يَا قَشَّاشُ، وَأَيُّ خَيْرٍ رأيت منك؟ وإنما اشْتَرَيْتُهَا مِنْ نَخَّاسٍ وَرَأَتْ مِنِّي مَا رَأَتْ وَعَقْدُتَ لابْنَيْهَا وِلايَةَ الْعَهْدِ وَيْحَكِ وَأَنَا قَشَّاشٌ؟ قال: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُنَّ يَغْلِبْنَ الْكِرَامَ وَيَغْلِبْهُنَّ اللِّئَامُ» وَقَالَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي» ، وَقَالَ: «خُلِقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ ضِلْعٍ أَعْوَجَ إِنْ قَوَّمْتَهُ كَسَرْتَهُ» . وحدثته فِي هَذَا الباب بكل مَا حضرني، فسكن غضبه، وأسفر وجهه، وأمر لي بألفي دينار، وَقَالَ: أصلح بهذه من حالك، وانصرفت، فلما وصلت إِلَى منزلي وافاني رسول الخيزران، فقال: تقرأ عليك ستي السلام، وتقول لك: يا عم قَدْ سمعت جميع مَا كلمت به أمير المؤمنين، فأحسن اللَّه جزاك، وَهَذِهِ ألفا دينار إلا عشرة دنانير بعثت بها إليك لأني لم أحب أن أساوي صلة أمير المؤمنين ووجهت إلي بأثواب [1] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيّ البسري، عَنْ أبي عَبْد اللَّه بن بطة قال: حدّثنا أبو عَلِيّ بْن الحسين بْن القاسم قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الفضل بْن الربعي قَالَ:
حَدَّثَنِي أبي قال: سأل رجل الخيزران حاجة ثُمَّ أرسل إليها بهدية فأجابته: إن كَانَ مَا وجهت به من هديتك ثمنا لرأيي فيك فلقد بخستني القيمة، وإن كَانَ استزادة فقد استغششتني في المودّة وردتها عليه.
وقد حكى نحوه أَبُو بكر الصولي فَقَالَ: لما ولي مُحَمَّد بْن سليمان البصرة أهدى إِلَى الخيزران مائة وصيف بيد كل وصيف [2] جام من ذهب/ مملوء مسكا. فقبلت ذلك، 156/ أوكتبت إِلَيْهِ: عافاك اللَّه إن كَانَ مَا وصل إلينا منك ثمن رأينا فيك، فقد بخستنا فِي القيمة، وإن كَانَ وزن مثلك إلينا فظننا بك فوقه.
قَالَ ابْن الأعرابي: كتب المهدي إلى الخيزران وهي بمكة:
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 430- 431.
[2] «بيد كل وصيف» ساقطة من ت.(8/347)
نحن فِي أفضل السرور ولكن ... ليس إلا بكم يتم السرور
عيب مَا نحن فِيهِ من أَهْل ودي ... أنكم غيب ونحن حضور
فأجدوا فِي السير بل إن قدرتم ... أن تطيروا مَعَ الرياح فطيروا
فأجابته، أو قالت لمن أجابه:
قَدْ أتانا الَّذِي وصفت من الشوق ... فكدنا وما فعلنا نطير
ليت إن الرياح كن تؤدين ... إليكم مَا قَدْ يجن الضمير
لم أزل صبة فإن كنت بعدي ... فِي سرور فدام ذاك السرور
توفيت الخيزران ليلة الجمعة لثلاث بقين من جمادى الآخرة من هَذِهِ السنة، ودفنت بمقابر قريش.
وروى يَحْيَى بْن الْحَسَن أن أخاه حدثه قَالَ: رأيت الرشيد يوم ماتت الخيزران وعليه طيلسان أزرق قَدْ شد به وسطه وَهُوَ آخذ بقائمة السرير حافيا يعدو فِي الطين حَتَّى أتى مقابر قريش فغسل رجليه ودعا بخف، فصلى عَلَيْهَا ودخل قبرها، فلما خرج من المقبرة وضع لَهُ كرسي فجلس عليه، ودعا الفضل بْن الربيع وَقَالَ لَهُ: وحق المهدي- وكان لا يحلف بها إلا إذا اجتهد- إني لأهم بالشيء لك من التولية [1] وغيرها فتمنعني أمي فأطيع أمرها، فخذ الخاتم من جَعْفَر وولي الفضل نفقات العامة والخاصة وبادوريا والكوفة، فتمت حاله، وانصرف الرشيد من جنازتها يتمثل بقول متمم بْن نويرة:
كنا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَة ... مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لن تتصدعا
156/ ب/ فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا ... لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نبت ليلة معا
وكانت غلة الخيزران ألف ألف وستين ألف درهم، فاتسع الرشيد بغلتها وأقطع الناس من ضياعها.
934- سعد بْن عَبْد اللَّه بْن سعد، أَبُو عُمَر المعافري.
روى عنه عَبْد اللَّه بْن وهب، ويقال هو الَّذِي أعان ابْن وهب عَلَى تصنيف كتبه، وكانت لَهُ عُبَادة وفضل. تُوُفِّيَ بالإسكندرية في هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «لأهم بالشيء لك من الليل من التولية» .(8/348)
935- عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أبي الموالي، ويقال: ابْن زيد ابْن أبي الموالي، أَبُو مُحَمَّد المدني، مَوْلَى عَلِيّ بْن أبي طالب، وقيل: مولى أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حدث عَنْ مُحَمَّد بْن كعب القرظي، وابْن المنكدر، روى عنه: الثوري، وابْن المبارك، وأبو عامر العقدي، والقعنبي، وقتيبة، وَكَانَ ثقة.
وتوفي في هذه السنة.
936- غادر جارية الهادي.
حكى جَعْفَر بْن قدامة قَالَ: كَانَ لموسى الهادي جارية يقال لها: غادر، وكانت من أحسن النساء وجها وغناء، وَكَانَ يحبها حبا شديدا، فبينا هي تغنيه يوما عرض لَهُ فكر وسهو تغير له لونه، فسأله من حضر عَنْ ذلك، فَقَالَ: وقع فِي فكري أني أموت، وأن أخي هارون يلي الخلافة ويتزوج جاريتي هَذِهِ، فقيل لَهُ: نعيذك باللَّه، ونقدم الكل قبلك، فأمر بإحضار أخيه وعرّفه [1] بما خطر لَهُ فأجابه بما يوجب زوال هَذَا الخاطر، فَقَالَ: لا أرضى حَتَّى تحلف لي إني متى مت لم تتزوجها. فأحلفه واستوفى عليه الأيمان من الحج راجلا، وطلاق نسائه [2] ، وعتق المماليك، وتسبيل مَا يملكه، ثُمَّ نهض إليها فأحلفها بمثل ذلك فما لبث إلا نحو شهر حَتَّى تُوُفِّيَ، وولي الرشيد فبعث يخطب الجارية، فقالت: كيف يميني ويمينك؟ فَقَالَ: أكفر عَنِ الكل وأحج راجلا، فتزوجها/ وزاد شغفه بها عَلَى شغف أخيه حَتَّى إنها كانت تضع رأسها على حجره وتنام ولا يتحرك 157/ أحتى تنتبه، فبينا هي ذات يوم عَلَى ذلك انتبهت فزعة تبكي، فسألها عَنْ ذلك، فقالت:
رَأَيْت أخاك الساعة وَهُوَ يَقُول:
أخلفت وعدي بعد ما جاورت سكان المقابر ... ونسيتني وحنثت في أيمانك الكذب الفواجر
ونكحت غادرة أخي صدق الذي سماك غادر ... أمسيت في أهل البلاد وغدوت في حور الغرائر
لا يهنك الألف الجديد ولا تدر عنك الدوائر ... ولحقت بي قبل الصباح فصرت حيث غدوت صائر
__________
[1] في ت: «وعرف ما خطر» .
[2] في ت: «وطلاق الزوجات» .(8/349)
والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فكأني لما سمعتها كتبها فِي قلبي فما أنسيت منها كلمة، فَقَالَ لها الرشيد: أضغاث أحلام، فقالت: كلا. ثُمَّ لم تزل تضطرب وترتعد حَتَّى ماتت بين يديه.
937- مُحَمَّد بْن سليمان بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عباس الهاشمي
أمه أم حسن بْنت جَعْفَر بْن حسن بْن حسن بْن عَلِيّ بْن أبي طالب [رَضِيَ اللَّه عنهم] [1] .
كَانَ من رجال بْني هاشم وشجعانهم، وَكَانَ قَدْ ولاه المنصور البصرة والكوفة، وزوّجه المهدي بابْنته العباسة، ونقلها إِلَيْهِ إِلَى البصرة، وَكَانَ لَهُ خاتم من ياقوت أحمر لم ير مثله، فسقط ليلة من يده [2] [ليلة بْنائه بالعباسة] [3] فجعلوا يطلبونه فلم يجدوه، فَقَالَ: أطفئوا الشمع ففعلوا فرأوه، وَكَانَ لَهُ خمسون ألف مولى منهم عشرون ألف عتاقة، وكانت به رطوبة فكان يتداوى بالمسك يستعمل منه كل يوم عشرين مثقالا ويتركه فِي عكن بطنه، وأقره على ولايته الهادي والرشيد، وكانت غلته كل يوم مائة ألف درهم.
وروي عنه حديث مسند لا يعرف لَهُ غيره/.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمُسْتَمْلِي قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صاعد قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ حَيَّانَ الْعَتَكِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ النَّاجِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي الأَكْبَرِ- يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «امْسَحْ عَلَى رَأْسِ الْيَتِيمِ هَكَذا إِلَى مَقْدِمِ رَأْسِهِ وَمَنْ لَهُ أَبٌ هَكَذَا إِلَى مُؤَخَّرِ رَأْسِه» [4] .
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن علي قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة قَالَ: لما بويع الرشيد بالخلافة قدم عليه مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان وافدا، فأكرمه وعظمه وبره وصنع به ما لم يصنع
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 291- 292.
[2] «من يد» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 5/ 291.(8/350)
بأحد، وزاده فيما كَانَ يتولى من أعمال البصرة وكور دجلة والأعمال المفردة والبحرين وعمان واليمامة، وكور الأهواز وكور فارس، ولم تجمع هَذِهِ لأحد غيره، فلما أراد الخروج شيعه الرشيد إِلَى كلواذي.
وتوفي فِي جمادى الآخر من هَذِهِ السنة، وسنه إحدى وخمسون سنة وخمسة أشهر، وأمر الرشيد بقبض أمواله [1] .
وذكر ابْن جرير: أن الرشيد بعث رجلا يصطفي مَا خلفه من الصامت، ورجلا إِلَى الكسوة و [ولى] [2] الفرش والرقيق والدواب والطيب والجوهر، فجعل لكل آلة رجلا يصطفيها، فأصابوا لَهُ ستّين ألف ألف، وأخرج من خزانته ثيابه الَّتِي كَانَ يلبسها كل سنة فِي زمن الصغر وأخرجوا مَا كَانَ يهدي إِلَيْهِ من البلاد حَتَّى الدهن والسمك، فوجدوا أكثر ذلك فاسدا، فألقي فِي الطريق فأنتنت الطريق.
وحكى الصولي: أن الرشيد قبض مَا خلفه مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان من المال فكان ثلاثة آلاف ألف دينار، ولم يتعرض للضياع ولا الدور ولا المستغلات/ ولا الجوهر ولا الفرش 158/ أولا العطر ولا الكسوة.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَد قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الطبري قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: أَخْبَرَنَا أَبُو صفوان [قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ عُبَيْدٍ] [3] قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد العتكي قَالَ: حَدَّثَنِي الحسين بْن سلام مولى آل سُلَيْمَان بْن عَلِيّ] [4] قَالَ: لما احتضر مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بْن عَلِيّ كَانَ رأسه فِي حجر أخيه جَعْفَر بْن سُلَيْمَان، فَقَالَ جَعْفَر: وانقطاع ظهراه، فَقَالَ مُحَمَّد: وانقطاع ظهر من يلقى الجبار غدا [والله] ليت أمك لم تلدني، ليتني كنت حمالا، وأني لم أكن فيما كنت فِيهِ، وولى الرشيد مكانه عمه سُلَيْمَان بْن أبي جَعْفَر.
وحكى ابْن جرير أن قوما قالوا: كانت وفاة مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان والخيزران فِي يوم واحد [5] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الحافظ قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 5/ 292.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ الطبري 8/ 238.(8/351)
مُحَمَّد بْن عبد الواحد قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحِيمِ المازني قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو علي الحسين بْن القاسم الكوكبي قَالَ: حدثنا مُحَمَّد بْن يزيد قَالَ: بلغني أن جارية من جواري مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان وقفت عَلَى قبره فقالت:
أمسى التراب لمن هويت مبيتا ... ألق التراب فقل لَهُ حييتا
إنا نحبك يا تراب وما بْنا ... إلا كرامة من عليه حثيتا
938- هيلانة جارية الرشيد [1] .
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قال: أخبرنا [أحمد بْن علي بْن ثابت] [2] الخطيب قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الجوهري قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمران المرزباني قَالَ: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى المكي قال: حدثنا محمد بن القاسم بْن خلاد قَالَ: حَدَّثَنَا الأصمعي قَالَ: كَانَ الرشيد شديد الحب لهيلانة، وكانت قبله ليحيى بْن خالد بْن برمك، فدخل يوما إِلَى يَحْيَى قبل الخلافة فلقيته فِي ممر فأخذت بكمه فقالت: نحن لا 158/ ب يصيبنا منك يوم، فقال لها: فكيف السبيل إِلَى ذلك، فقالت: تأخذني/ من هَذَا الشيخ، فَقَالَ ليحيى: أحب أن تهب لي فلانة فوهبها له حَتَّى غلبت عليه، وكانت تكثر [3] أن تقول هي إلا أنه، فسماها هيلانة، فأقامت عنده ثلاث سنين ثُمَّ ماتت، فوجد عَلَيْهَا وجدا شديدا وأنشد:
قَدْ قلت لما ضمنوك الثرى ... وجالت الحسرة فِي صدري [4]
اذهب فلا والله لا سرني ... بعدك شيء آخر الدهر
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت] [5] الخطيب قَالَ: أَخْبَرَنَا الأصبهاني قَالَ: أَخْبَرَنَا العسكري عَنْ أبي بكر الصولي قَالَ: أَخْبَرَنَا الغلابي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ قَالَ: لما توفيت هيلانة جارية الرشيد أمر الْعَبَّاس بْن الأحنف أن يرثيها فَقَالَ:
يا من تباشرت القبور بموتها ... قصد الزمان مساءتي فرماك
أبغي الأنيس فلا أرى لي مؤنسا ... إلا التردد حيث كنت أراك
ملك بكاك وطال بعدك حزنه ... لو يستطيع بملكه لفداك
__________
[1] انظر ترجمتها في: تاريخ بغداد 1/ 97- 98.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «يكثر» .
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 1/ 97- 98.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(8/352)
يحمي الفؤاد عَنِ النساء حفيظة ... كيلا يحل حمى الفؤاد سواك
فأمر لَهُ بأربعين ألف درهم لكل بيت عشرة آلاف وَقَالَ: لو زدت لزدناك.
الخاتمة تم الجزء الثامن من كتاب «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» تأليف الشيخ الإمام العالم الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي الجوزي غفر الله له.
يتلوه في الجزء التاسع:
ثم دخلت سنة أربع وسبعين ومائة: فمن الحوادث فيها: أن الرشيد ولى إسحاق بن سليمان الهاشمي السند ومكران.(8/353)
[المجلد التاسع]
بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيم
ثم دخلت سنة أربع وسبعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
أن الرشيد ولى إسحاق بن سليمان الهاشمي السند [ومكران] [1] ، واستقصى، [الرشيد فيها] [2] يوسف بن أبي يوسف وأبوه حي [3] .
وغزا الصائفة عبد الملك بن صالح [4] .
وفيها: خرج الرشيد إلى البصرة يريد الحج، فزاد في مسجد البصرة مما يلي القبلة، وخرج فبدأ بالمدينة، فقسم في أهلها مالا عظيما [5] .
ووقع الوباء في هذه السنة بمكة، فأبطأ عن دخولها، ثم دخلها [6] فقضى طوافه وسعيه، ولم ينزل مكة [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[3] تاريخ الطبري 8/ 239. البداية والنهاية: 1/ 165 والكامل لابن الأثير 5/ 287 (أحداث سنة 174) .
[4] المصادر السابقة والصفحات.
[5] المصادر السابقة والصفحات.
[6] «ثم دخلها» ساقطة من ت.
[7] تاريخ الطبري 8/ 239. والبداية والنهاية 10/ 165. ولم يذكر ابن الأثير في الكامل وقوع الوباء في هذه السنة.(9/3)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
939- بكر بن مضر بن محمد بن حكيم، أبو عبد الملك، مولى ربيعة بن شرحبيل بن حسنة
[1] ولد سنة مائة، وكان عابدا، وتوفي يوم عرفة من هذه السنة.
940- عبد الله [2] بْن لهيعة بن عقبة بن فرغان، أبو عبد الرحمن الحضْرَمِيّ
[3] .
ولد سنة سبع وتسعين. وروى عَن مشرح [4] بن هاعان، وغيره. وكان قاضي مصر، وروى عنه: الليث، وابن المبارك [5] .
وتوفي فِي ربيع/ الأول من هذه السنة، وكان ضعيفا.
941- عبد الرحمن بن أبي الزناد، يكنى: أبا عبد الله
[6] .
تُوُفّي في هذه السنة.
942- محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزناد
[7]- واسم أبي الزناد: عبد الله بن ذكوان- مولى رملة بنت شَيْبة، وكنية محمد: أبو عبد الله، المَدِيني.
كان يطلب الحديث مع أَبِيهِ، ولقي عامة شيوخه، وكان بينهما في السن سبع عشرة سنة، وحديثه قليل، روى عنه محمد بن عمر الواقدي [8] . وكان عالما بالقراءة
__________
[1] تهذيب التهذيب 1/ 487. وتهذيب الكمال 756. وتقريب التهذيب 1/ 107 وقال: ثقة ثبت. والتاريخ الكبير 2/ 95. والجرح والتعديل 2/ 392.
[2] في ت: «عبيد الله» .
[3] تهذيب الكمال ت 353. وتهذيب التهذيب 5/ 373. وتقريب التهذيب 1/ 444. والتاريخ الكبير 5/ 182. والجرح والتعديل 5/ 145. وطبقات ابن سعد 7/ 516.
[4] في الأصل، ت: «مسروح» .
[5] في الأصل: «ابن مبارك» .
[6] في ت: «محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزناد، واسم أبي الزناد يكنى أبا عبد الله» .
انظر ترجمة عبد الرحمن بن أبي الزناد في: تهذيب التهذيب 6/ 170. والتقريب 1/ 479. والجرح والتعديل 5/ 252. وطبقات ابن سعد 5/ 415، 7/ 324. وتاريخ بغداد 10/ 228- 230.
[7] في ت: « ... بن عبد الرحمن بن أبي الزناد» .
[8] في الأصل: «روى عنه غير الواقدي» .(9/4)
والحديث، والفرائض، والحساب، والعروض.
توفي في هذه السنة وهو ابن أربع وخمسين سنة، ومات أبوه قبله بإحدى وعشرين ليلة، ودفنا في مقابر باب التين. وقيل: في مقبرة الخيزران.
943- منصور، مولى عيسى بن جعفر، ولقبه: زلزل فغلب عليه ونسي اسمه.
وكان يضرب بالعود، فيضرب به المثل، وعمل ببغداد بركة للسبيل كان يضرب بها المثل.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا [أبو بكر] أحمد [بن علي] [1] الخطيب قال:
أنشدنا الحَسَن بن أبي بَكْر قَالَ: أنشدنا أَبِي [2] قَالَ: أنشدنا إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه لنفسه:
لو انَّ زهيرا [3] وامرأ القيس أبصرا ... ملاحة ما تحويه بركة زلزل
/ لما وصفا سلمى ولا أم سالم ... ولا أكثرا ذكر الدخول فحومل
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ قَالَ: أنبأنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حيويه قَالَ: أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان قال: أخبرنا أبو العباس المروزي قَالَ: حدَّثني المفضل قَالَ: حدَّثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي، عن أَبِيهِ قَالَ: قال لي زلزل: عندي جارية من حالها من قصتها قد علمتها الغناء. فكنت أشتهي أن أراها، وأستحي أن أساله، فلما توفي زلزل بلغني أن ورثته يعرفون الجارية، فصرت إليهم، فأخرجوها فإذا هي [4] جارية كاد الهزال يكويها، لولا ما تم منها ونقص منه، فقلت لها: غني، فغنت وعيناها تذرفان، ثم شهقت، ظننت أن نفسها قد خرجت.
فركبت من ساعتي، فدخلت على أمير المؤمنين، فأخبرته خبرها، فأمر بإحضارها، فلما دخلت عَلَيْهِ قَالَ: غني. فغنت وجعلت تريد البكاء، فتمنعها هيبة [5] أمير المؤمنين،
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «قال: أنشدنا الحَسَن بن أبي بَكْر قَالَ: أنشدنا أبي» ساقطة من ت.
[3] في الأصل: «وقرا» .
[4] «هي» ساقطة من ت.
[5] في ت: «فيمنعها إجلال» .(9/5)
فرحمها وأعجب بها، وقَالَ: أتحبين أن أشتريك؟ فقالت: يا سيدي، أما إذ خيرتني فقد وجب نصحك عليّ، والله لا يشتريني أحد بعد زلزل فينتفع بي. فأمر بشرائها وأعتقها وأجرى عليها رزقا.
وفي رواية أخرى: أنه قَالَ: أتحبين/ أن أشتريك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين، لقد عرضت علي ما يقصر عنه الأمل، ولكن ليس من الوفاء أن يملكني أحد فينتفع بي. فزاد رقة عليها، وقال: غني [صوتا] [1] فغنت:
العين تظهر كتماني وتبديه ... والقلب يكتم ما ضمنته فيه
وكيف ينكتم المكنون بينهما ... والعين تظهره والقلب يخفيه
فاشتراها وأعتقها، وأجرى عليها إلى أن مات.
944- عابد مصري مبتلى.
أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي قَالَ: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال: أخبرنا أحمد بن علي التوذي قَالَ: أَخْبَرَنَا عمر بْن ثابت [قَالَ:] أَخْبَرَنَا علي بْن أحمد بْن أبي قيس [قَالَ:] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا [قَالَ:] [2] حدثنا علي بن الحُسَين، عن موسى بن عيسى، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعيّ قَالَ: حدثني بعض الحكماء قَالَ: خرجت وأنا أريد الرباط، حتى إذا كنت بعريش مصر أو دونه إذا أنا بمظلة، وإذا فيها رجل قد ذهبت يداه ورجلاه وبصره، وإذا هُوَ يقول: اللَّهمّ إني أحمدك حمدا يوافي محامد خلقك، كفضلك على سائر خلقك، إذ فضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلا.
فقلت: والله لأسألنه أعلمه أم ألهمه، فدنوت منه، فسلمت عَلَيْهِ فرد علي السلام فقلت لَهُ: إني/ سائلك عن شيء تخبرني بِهِ. قَالَ: إن كان عندي منه علم أخبرتك. فقلت:
على أي نعمة من نعمه تحمده أم على أي فضيلة تشكره؟ قَالَ: أليس ترى ما قد صنع بي؟ قُلْتُ: بلى. قال: فو الله لو أن الله عز وجل صب علي السماء نارا فأحرقتني، وأمر الجبال فدمرتني، وأمر البحار فغرقتني، وأمر الأرض فخسفت بي، ما ازددت له إلا حبا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/6)
وشكرًا وإن لي إليك حاجة. قُلْتُ: وما هِيَ؟ قَالَ [1] : كان لي من [2] يتعاهدني [3] في وقت صلاتي [4] ويطعمني عند إفطاري، وقد فقدته منذ أمس، انظر [لي] [5] ، هل تحسه لي. فقلت: إن في قضاء حاجة هذا العبد لقربة إلى الله تعالى، فخرجت في طلبه حتى إذا كنت في كثبان من رمل، إذا سبع قد افترس الغلام فأكله، فقلت: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156، كيف آتي هذا العبد الصالح من وجه رقيق فأخبره الخبر لئلا يموت، فأتيته، فسلمت عَلَيْهِ، فرد علي السلام، فقلت لَهُ [6] : إني سائلك عن شيء، أتخبرني بِهِ؟
قَالَ: إن كان عندي منه علم أخبرتك بِهِ. قُلْتُ: أنت أكرم على الله عز وجل [7] منزلة أم أيوب عليه السلام؟ قَالَ: بل أيوب عليه السلام [8] كان أكرم على الله عز وجل مني، وأعظم منزلة. فقلت: أليس [قد] [9] ابتلاه فصبر، حتى استوحش منه من كان يأنس به، وصار غرضا لمرار الطريق؟ فَقَالَ: بلى. قُلْتُ: إن ابنك الذي أخبرتني من قصته ما أخبرتني [10] ، خرجت في طلبه، حتى إذا كنت/ بين كثبان رمل، إذا أنا بالسبع قد افترس الغلام وأكله. فقال: الحمد للَّه الّذي لم يجعل في قلبي حسرة من الدنيا. ثم شهق شهقة فمات. فقلت: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156، من يعينني على غسله وتكفينه ودفنه. فبينا أنا كذلك إذا بركب يريدون الرباط، فأشرت إليهم فأقبلوا، فقالوا: ما أنت وهذا؟
فأخبرتهم بالذي كان من أمره، فثنوا رحلهم [11] فغسلناه بماء البحر، وكفناه بأثواب كانت معهم، ووليت الصلاة عليه من بينهم، ودفناه في مظلته تلك، ومضى القوم إلى
__________
[1] في ت: «إليك حاجة لي كان» .
[2] «لي من» ساقطة من ت.
[3] في ت: «يتعاهد» .
[4] في ت: «في لوقت» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] «له» ساقطة من ت.
[7] «عز وجل» ساقطة من ت.
[8] «عليه السلام» ساقطة من ت.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] في الأصل: «الّذي استخبرتني عنه خرجت» .
[11] في الأصل: «فتنوا أرجلهم» .(9/7)
رباطهم، وبت في مظلته تلك الليلة آنسا به.
فلما مضى من الليل مثل ما بقي، إذا أنا بصاحبي في روضة خضراء عليه ثياب خضر قائما يتلو الوحي، فقلت: أليس أنت صاحبي؟ قَالَ: بلى. قُلْتُ: فما الذي صيرك إلى ما أرى؟ قَالَ: وردت من الصابرين على درجة لم ينالوها إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء [1] .
فقال الأوزاعيّ ما زلت أحب أهل ذلك البلاء منذ حدثني الحكيم بهذا الحديث
__________
[1] في الأصل: «الرضا» .(9/8)
ثم دخلت سنة خمس وسبعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
عقد الرشيد لابنه محمد من بعده ولاية [1] العهد، فأخذ له بيعة القواد والجند ببغداد/، وسماه: الأمين، وله يومئذ خمس سنين، فقدّمه على المأمون، والمأمون أكبر 5/ أمنه، لأن [2] أمه زبيدة [3] .
وقد روى أبو بكر الصولي قَالَ: حدثنا سليمان بن داود [المهلبي قَالَ:] [4] حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ، عن أَبِيهِ قَالَ: كان الرشيد يَقُولُ: إني لأتعرف في عبد الله حزم المنصور، ونسك المهدي، وعزة نفس الهادي، فلو أشاء أن أنسبه إلى الرابعة في لنسبته، وإني لأرضى سيرته، وأحمد طريقته، واستحسن سياسته، وأرى قوته وذهنه، وأمن ضعفه ووهنه، وإني لأقدم محمدا عَلَيْهِ، وأعلم أنه منقاد لهواه، متصرف في طريقه، مبذر لما حوته يده، مشارك للنساء والإماء في رأيه، ولولا أم جعفر وميل بني هاشم إليه لقدمت عبد الله عليه [5] .
__________
[1] في ت: «بولاية» .
[2] في ت: «لأجل» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 240. والبداية والنهاية 10/ 165. والكامل لابن الأثير 5/ 288. وتاريخ الموصل للأزدي ص 274.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] البداية والنهاية 10/ 165.(9/9)
قال الصولي: ثم جعل يرى فضل المأمون، وعقله فيندم [1] على تقديمه محمدا، فقال:
لقد بان وجه الرأي لي غير أنني ... غلبت على الأمر الذي كان أحزما
فكيف يرد الذر في الضرع بعد ما ... توزع حتى صار نهبا مقسما
/ أخاف التواء الأمر بعد انصداعه [2] ... وأن ينقض الأمر الذي كان أبرما
[3] وكان السبب في التقدم لمحمد: أن جماعة من بني العباس مدوا أعناقهم إلى الخلافة بعد الرشيد، إذ لم يكن له ولي عهد، فمضى عيسى بن جعفر إلى الفضل بن يحيى، فقال لَهُ: أنشدك الله لما عملت في البيعة لابن أختي- يعني محمد بن زبيدة- فإنه ولدك، وخلافته لك. فوعده أن يفعل، فلما صار الفضل إلى خراسان فرق فيهم أموالا وأعطى [الجند] [4] عطيات متتابعة، ثم أظهر البيعة لمحمد، فبايع الناس لَهُ، وكتب إلى الآفاق فبويع لَهُ، فأنكر قوم البيعة لصغر سنه [5] .
وفيها: [6] عزل الرشيد العباس بن جعفر عن خراسان، وولاها خاله الغطريف بن عطاء [7] .
وفيها: صار يحيى بن عبد الله بن حسن بن حسن إلى الديلم، فتحرك هناك [8] .
وفيها: غزا الصائفة [9] عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح [10] .
__________
[1] في ت: «فيقدم» .
[2] في ت، والبداية والنهاية: «استوائه» .
[3] البداية والنهاية 10/ 165، 166.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ الطبري 8/ 240. والكامل لابن الأثير 5/ 288.
[6] في ت: «وفي هذه السنة» .
[7] تاريخ الطبري 8/ 241. والكامل لابن الأثير 5/ 288.
[8] تاريخ الطبري 8/ 241. والكامل لابن الأثير 5/ 288، 5/ 291 (أحداث سنة 176) . والبداية والنهاية 10/ 166.
[9] في ت: «وغزا الصائفة من هذه السنة»
[10] تاريخ الطبري 8/ 241، والكامل 5/ 288، والبداية والنهاية 10/ 166.(9/10)
[قال الواقدي: الذي غزاها عبد الله بن صالح] [1] . قَالَ: وأصابهم في هذه الغزاة [2] برد قطع أيديهم وأرجلهم [3] .
/ وفيها [4] : حج بالناس الرشيد [5] . وقيل: بل سليمان بن المنصور.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
945- الحكم بن فضيل، أبو محمد الواسطي
[6] .
نزل المدائن، وحدث بها عن خالد الحذّاء، ويعلى بن عطاء، روى عنه: أبو النضر هاشم [7] بْن القاسم، وكان الحكم ثقة عند أهل زمانه، توفي في هذه السنة.
946- شعوانة العابدة
[8] .
كانت كثيرة التعبد، شديدة الخوف، طويلة البكاء، وسألها الفضيل بن عياض الدعاء فقالت: يا فُضَيْل، أما بينك وبين الله ما إن دعوته استجاب لك؟ فشهق الفضيل وخر مغشيا عَلَيْهِ.
أخبرنا [محمد بن] [9] ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا [10] جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا [11]
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «في هذه السنة» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 241. والكامل 5/ 288. والبداية والنهاية 10/ 166.
[4] في ت: «وفي هذه السنة» .
[5] «الرشيد» ساقطة من ت.
انظر: تاريخ الطبري 8/ 241. والكامل 5/ 288. والبداية والنهاية 10/ 166.
[6] تاريخ بغداد 8/ 222- 223.
[7] في الأصل: «أبو نصر» .
في ت: «أبو نضر الهاشم» .
[8] البداية والنهاية 10/ 166.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] في ت: «قال: أنبأنا» .
[11] في ت: «قال: حدثنا» .(9/11)
أحمد بن علي التوزي قَالَ: حدثنا محمد بن عبد الله الدقاق، حدثنا أَبُو عَلِيِّ بْنُ صَفْوَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر بن عبيد قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الحُسَيْن قَالَ: حَدَّثَنِي مالك بن ضيغم قال: قال لي أبي يوما [1] : انطلق بنا [2] حتى نأتي هذه المرأة الصالحة، فننظر إليها- يعني شعوانة- فانطلقت أنا وأبو همام فدخلنا عليها فقالت: مرحبا يا ابن من لم نره ونحن نحبه، أما والله يا بني إني لمشتاقة إلى أبيك، وما يمنعني من إتيانه إلا أني أخاف أن أشغله عن خدمة/ سيده، وخدمة سيده أولى به من محادثة شعوانة، ثم قالت [3] :
ومن شعوانة، وما شعوانة [4] ؟! أمة سوداء عاصية. ثم أخذت في البكاء فلم تزل تبكي حتى خرجنا وتركناها.
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت: أخبرنا جعفر بن أحمد السراج قال: حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله القطيعي قَالَ: حدثنا ابْن صفوان قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد قَالَ: حدثني إبراهيم بن عبد الملك قَالَ:
قدمت شعوانة [5] وزوجها مكَّةَ، فجعلا يطوفان ويصليان، فإذا كل أو أعيا جلس، وجلست خلفه فيقول هو في جلوسه: أنا العطشان من حبك لا أروى [6] . وتقول هِيَ:
أنبت لكل داء دواء في الجبال ودواء المحبين في الجبال لم ينبت.
947- الليث بن سعد بن عبد الرحمن، أبو الحارث. يقال إنه مولى خالد بن ثابت الفهمي
[7] .
ولد بقرقشندة، وهي قرية من أسفل أرض مصر، سنة أربع وتسعين. وروى عَن:
عطاء بن أبي رباح، والزُّهْرِيّ، ونافع في آخرين. حدث عَن: هشيم، وابن المبارك
__________
[1] «يوما» ساقطة من ت.
[2] «بنا» ساقطة من ت.
[3] «ثم قالت» ساقطة من ت.
[4] «وما شعوانة» ساقطة من ت.
[5] في الأصل: «شغوانة» .
[6] في ت: «تروى» .
[7] تاريخ بغداد 13/ 3- 14. والتاريخ الكبير 7/ 246. والجرح والتعديل 7/ 179. وطبقات ابن سعد 7/ 517. وتهذيب التهذيب 8/ 459. والتقريب 2/ 138.(9/12)
وغيرهما. وكان فقيها فاضلا ثقة جوادا، يحفظ [1] القرآن ويعرف الحديث/ والعربية 7/ أوالشعر.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد [بْن علي بْن ثابت] [2] الخطيب قَالَ أخبرني الأزهري [3] قال: حدثنا عبد الله بن عثمان الدقاق قال: حدثنا علي بن محمد الْمَصْريّ قَالَ: حدثني محمد بن أحمد بن عياض [4] قَالَ: سمعت حرملة بن يحيى يَقُولُ: سمعت [5] ابن وَهْبِ يَقُولُ: كتب مالك [بن أنس] إلى الليث [بن سعد:] [6] أريد أن أدخل ابنتي على زوجها فأحب أن تبعث لي بشيء من عصفر [7] .
قَالَ: فبعث إليه الليث ثلاثين حملا [8] عصفر فصبغ لابنته، وباع منه بخمس مائة دينار وبقي عنده فضلة [9] .
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا علي بن طلحة المقري، أَخْبَرَنَا صالح بن أحمد بن محمد الهَمْداني قَالَ: حدثنا أحمد بن القاضي قَالَ: حدثنا أحمد بن عثمان النسائي قَالَ: سمعت قتيبة بن سَعِيد يَقُولُ: سمعت شعيب بن اللَّيْث يَقُولُ: خرجت مع أبي حاجا، فقدم المدينة، فبعث إليه مالك بن أنس بطبق فيه [10] رطب، فجعل على الطبق ألف دينار ورده إِلَيْهِ [11] .
أخبرنا عبد الرحمن بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرنا عبيد الله بن عمر الواعظ قال: حدثنا عبد الله بن سُلَيْمَان [12] قَالَ: سمعت أبي يقول:
__________
[1] في ت: «الحفظ القرآن» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «الزهري» .
[4] في ت: «بن العباس» .
[5] «حرملة بن يحيى يقول: سمعت» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «العصفر» .
[8] في تاريخ بغداد: «جملا» .
[9] تاريخ بغداد 13/ 7، 8.
[10] «وفيه» ساقطة من ت.
[11] تاريخ بغداد 13/ 9.
[12] في ت: «حدثنا أبي قال: حدثنا عبيد الله بن سُلَيْمَان قَالَ سمعت أَبِي يَقُولُ» .(9/13)
قَالَ قتيبة بن سَعِيد: كان الليث بن سعد يستغل كل سنة عشرين ألف دينار، وقَالَ:
ما وجبت [1] علي زكاة قط، وأعطى ابن لهيعة ألف دينار وأعطى مالك بن أنس ألف دينار، وأعطى منصور بن عمار ألف دينار، وجارية تساوي ثلاثمائة دينار. قَالَ: وجاءت امرأة إلى الليث [بن سعد] [2] فقالت: يا أبا الحارث إن ابني [3] عليل/ وقد [4] اشتهى عسلا، فَقَالَ: يا غلام، أعطها مرطا من عسل. والمرط مائة وعشرون رطلا [5] .
توفي الليث في شعبان من هذه السنة.
948- المنذر بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد بن حزام
[6] .
كان من سروات قريش، وأهل الفضل.
أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال:
أخبرنا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سليمان بن داود قال: حدثنا الزبير بن بكار قَالَ:
حدثني عمي مصعب قَالَ: أخبرني الفضل بن الربيع قال: دعاه أمير المؤمنين المهدي إلى قضاء المدينة فلمُ أر رجلا قط [7] كان له استعفاء منه، قَالَ لأمير المؤمنين: إني كنت وليت ولاية فخشيت أن لا أكون [8] سلمت منها، فأعطيت الله عهدا أن لا ألي ولاية أبدا، وأنا أعيذ أمير المؤمنين باللَّه ونفسي أن يحملني على أن أخيس بعهد اللَّه. قال أمير المؤمنين [المهدي:] [9] فو الله لقد أعطيت هذا من نفسك قبل أن أدعوك. قَالَ: والله لقد أعطيت هذا من نفسي قبل أن تدعوني. فَقَالَ: قد أعفيتك [10] .
__________
[1] في ت: «ما وجب» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «إن لي ابنا» . وفي تاريخ بغداد: «إن ابنا لي» .
[4] «وقد» ساقطة من ت، وتاريخ بغداد.
[5] تاريخ بغداد 13/ 8.
[6] تاريخ بغداد 13/ 244، 245.
[7] «قط» ساقطة من ت.
[8] في ت: «أن لا يكون» .
[9] «أمير المؤمنين» ساقطة من ت.
ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] تاريخ بغداد 13/ 244.(9/14)
قال الزُّبَيْر: وحدثني غير عمي من قريش قَالَ: عرض عليه [1] أمير المؤمنين المهدي [2] مائة ألف درهم على أن يلي له القضاء فاستعفى، فَقَالَ: لا أعفيك حتى تدلني على إنسان أوليه القضاء [3] . فدله على عبد الله بن محمد بن عمران فاستقضاه، فحج تلك الأيام المنذر بْن عَبْد الله وأبوه فاكترى لأبيه إلى الحج وما يجد ما يكتري لنفسه فحج ماشيا.
توفي المنذر في هذه السنة رحمه الله [4] .
__________
[1] «عليه» ساقطة من ت.
[2] «المهدي» ساقطة من ت.
[3] في ت: «على إنسان أستقضيه» .
[4] «توفي المنذر من هذه السنة رحمه الله» ساقطة من ت.(9/15)
ثم دخلت سنة ست وسبعين ومائة
فمن الحوادث فيها [1] :
تولية الرشيد الفضل بن يحيى كور الجبال، وطبرستان، ودنباوند، وقومس، وأرمينية، وأَذْرَبَيْجان [2] .
وفيها: ظهر يحيى بن عبد الله بن حسن بالديلم، فاشتدت شوكته، وقوي أمره، ونزع إِلَيْهِ الناس [3] من الأمصار والكور، فاغتم لذلك الرشيد، وندب إليه [4] الفضل بن يحيى [5] في خمسين ألفا، ومعه صناديد القواد، فاستخلف منصور بن زياد بباب أمير المؤمنين يجري الكتب على يديه، ثم مضى وحمل معه الأموال، وكاتب صاحب الديلم وجعل له ألف ألف درهم على أن يسهل خروج يحيى، فأجاب يحيى إلى الصلح [والخروج] [6] على أن يكتب له الرشيد [7] أمانا بخطه على نسخة يبعث بها إِلَيْهِ. فكتب الفضل بذلك إلى الرشيد، فسره وكتب أمانا ليحيى بن عبد الله، وأشهد [عليه] [8]
__________
[1] في الأصل: «فمن الحوادث ومائة» .
[2] تاريخ الطبري 8/ 242. وتاريخ الموصل ص 277. والبداية والنهاية لابن كثير 10/ 167.
[3] في ت: «ونزع الناس إليه» .
[4] «من الأمصار ... وندب إليه» ساقطة من ت.
[5] في ت: «فوجه إليه الفضل بن يحيى» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «أن يكتب الرشيد له» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/16)
الفقهاء والقضاة وجلة [بني هاشم] [1] مشايخهم منهم: عبد الصمد بن عليّ، والعباس بن مُحَمَّد، ومحمد بن إبْرَاهِيم، وموسى بن عيسى، ومن أشبههم ووجه [2] به مع جوائز وكرامات وهدايا فوجه الفضل بذلك إِلَيْهِ، فقدم يحيى عَلَيْهِ، وورد به الفضل/ 8/ ب بغداد، فلقيه الرشيد بكل ما أحب، وأمر له بمال كثير، وأجرى له أرزاقا سنية، وأنزله منزلا سريا بعد أن أقام في منزل يحيى بْن خالد أياما، وكان يتولى أمره بنفسه، ولا يكل ذلك إلى غيره، وأمر الناس بإتيانه والسلام [3] عليه بعد انتقاله عن منزل يحيى، وفي ذلك يقول مروان بن أبي حفصة الشاعر [4] في الفضل:
ظفرت فلا شلت يد برمكية ... رتقت بها الفتق الذي بين هاشم
على حين أعيا الراتقين التئامه ... فكفوا وقالوا ليس بالمتلائم
فأصبحت قد فازت يداك بخطة ... من المجد باق ذكرها في المواسم
وما زال قدح الملك يخرج فائزا ... لكم كلما ضمت قداح المساهم
[5] ثم إن الرشيد دعا يحيى بن عبد اللَّه وعنده أبو البختري القاضي ومحمد بن الحَسَن الفقيه، وأحضر كتاب الأمان الذي أعطاه يحيى، فَقَالَ لمحمد [6] بن الحسن:
ما تقول في هذا الأمان، أصحيح هُوَ؟ قَالَ: نعم، فحاجه الرشيد في ذَلِكَ [7] . فقال له محمد بن الحَسَن: ما يصنع بالأمان لو كان محاربا ثم وُلَّي وكان آمنا. فسأل أبا البختري أن ينظر في الأمان، فقال/ أَبُو البختري: هذا منتقض من وجه كذا ومن وجه كذا، فقال 9/ أالرشيد: أنت قاضي القضاة وأنت أعلم بذلك، فمزق الأمان وتفل فيه أبو البختري، وقام يحيى ليمضي إلى الحبس. فقال لَهُ الرشيد [8] : انصرف، أما ترون به أثر علة الآن، إن
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وجهز» .
[3] في ت، وتاريخ الطبري: «والتسليم» .
[4] «الشاعر» ساقطة من ت.
[5] تاريخ الطبري 8/ 242، 243. والكامل 5/ 291. والبداية والنهاية 10/ 167. وتاريخ الموصل ص 277.
[6] في ت: «فقال محمد» .
[7] في ت: «في ذلك الرشيد» .
[8] «أنت قاضي القضاة ... فقال له الرشيد» . ساقطة من ت.(9/17)
مات قال النَّاسَ سموه؟! فقال يحيى: كلا ما زلت عليلا منذ كنت في الحبس وقبله. فما مكث بعد هذا إلا شهرا حتى مات [1] .
وفي هذه السنة: هاجت العصبية [2] بالشام بين النزارية واليمانية، وكان رأس النزارية يومئذ أبو الهيذام، وقتل بينهم خلق كثير [3] .
وكان العامل على الشام حين هاجت [هذه] [4] الفتنة موسى بن عيسى، فولى الرشيد موسى بْن يحيى بن خالد البرمكي [5] الشّام، وضم إليه من القواد والجنود جماعة [6] ، فأصلح بين أهلها، وسكنت الفتنة، فمدحه الشاعر [فَقَالَ] [7] :
قد هاجت الشأم هيجا ... يشيب راس وليده
فصب موسى عليها ... بخيله وجنوده
فدانت الشأم لما ... أتى بسنح وحيده
هو الجواد الّذي بذّ ... كل جود بجوده
أعداه جود أبيه ... يحيى وجود جدوده
فجاء موسى بن يحيى ... بطارف وتليده
ونال موسى ذرى المجد ... وهو حشو مهوده
خصصته بمديحي ... / منثوره وقصيده
من البرامك عود ... له فأكرم بعوده
حووا على الشعر طرّا ... خفيفة ومديده
[8]
__________
[1] البداية والنهاية 10/ 167، 168، والكامل 5/ 291.
[2] في الأصل: «الفتنة» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 251. والكامل 5/ 292. والبداية والنهاية 10/ 168. وتاريخ الموصل ص 279.
وتاريخ ابن عساكر 7/ 176 (التهذيب) .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «البرمكي» ساقطة من ت.
[6] في ت: «وجماعة»
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] تاريخ الطبري 8/ 251، 252.(9/18)
وفي هذه السنة: عزل الرشيد الغطريف [بن عطاء] [1] عن خراسان [2] ، وولاها حمزة [بن مالك] [3] بْن الهيثم الخزاعي [4] .
وفيها: ولي جعفر بن يحيى بن خالد مصر فولاها عمر بن مهران [5] .
وسبب ذلك: أن موسى بن عيسى كان على مصر، فبلغ الرشيد أنه عازم على الخلع، فَقَالَ: والله لا أعزله إلا بأخس من على بابي. فذكر له عمر بن مهران وكان أحول مشوه [6] الوجه خسيس اللباس، وكان يشمر ثيابه، ويقصر أكمامه، ويركب بغلا عليه رسن، ويردف غلامه خلفه، فدعاه فولاه مصر، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، أتولى (على شرط أن يكون] [7] إلي إذني إذا أصلحت البلاد انصرفت. فجعل ذلك إِلَيْهِ وبلغ الخبر موسى بن عيسى، فدخل عمر دار موسى [8] والناس عنده، فجلس في أخريات النَّاسَ، فلما تفرق أهل المجلس قال موسى لعُمَر: ألك حاجة يا شَيْخ؟ قَالَ: نعم. ثم قام بالكتب، فدفعها إِلَيْهِ فَقَالَ: يقدم أبو حفص. قَالَ: فأنا أبو حفص. قَالَ: أنت عمر بن مهران [9] ؟! قَالَ: نعم. قَالَ: لعن الله فرعون حين قال: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ 43: 51 [10] ، ثم سلم له العمل ورحل، فتقدم عمر إلى غلامه، فَقَالَ: لا تقبل مُن الهدايا إلا ما يدخل في الجراب، / لا تقبل دابة، ولا جارية، ولا غلاما. فجعل الناس يبعثون بهداياهم، فيرد 10/ أالألطاف، ويقبل المال والثياب، فيأتي بها عُمَر، فيكتب عليها أسماء من بعث بها، ثم وضع الجباية. وكان قوم قد اعتادوا المطل وكسر الخراج، فبدأ برجل منهم فلواه، فقال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «عن الشام» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ الطبري 8/ 252. والبداية والنهاية 10/ 169.
[5] تاريخ الطبري 8/ 252. والبداية والنهاية 10/ 169. والكامل 5/ 291، 292.
[6] في الأصل: «مسنون الوجه» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في الأصل: «دار عيسى» .
[9] في الأصل: «عمر بن ماهان» .
[10] سورة: الزخرف، الآية: 51.(9/19)
والله لا تؤدي [ما عليك من] [1] الخراج إلا [في بيت المال] [2] بمدينة السلام بغداد [3] .
فأشخصه مع رجلين، وكتب إلى الرشيد بالحال، وأخبره أنه قد خلف. فلم يلوه بعدها أحد من الخراج بشيء، واستأدى النجم الأول، والثاني، فلما كان في الثالث وقعت مماطلة فأحضر [4] أهل الخراج فشكوا الضيقة، فأمر بإحضار تلك الهدايا فأجزاها عن أهلها، ثم انصرف عَن البلد [5] .
وحكى [أبو بكر] [6] الصولي أن الرشيد بايع في سنة ست وسبعين [ومائة] [7] لابنه عبد الله بالعهد بعد الأمين، وسماه: المأمون، وولاه المشرق كله، وكتب بينهما كتابا علقه في المسجد [8] الحرام.
وفيها [9] غزا الصائفة [عبد الرحمن] [10] بن عبد الملك، فافتتح حصنا [11] .
وفيها: حج بالناس [12] سليمان بن المنصور [13] .
قال أبو بكر [14] الصولي: وفي هذه السنة حجت زبيدة فأمرت ببناء المصانع [15] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «إلا بمدينة السلام بغداد في بيت المال» .
[3] «بغداد» ساقطة من ت.
[4] في الأصل: «فدعى» .
[5] تاريخ الطبري 8/ 253، 254. البداية والنهاية 10/ 169. والكامل 5/ 292.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «البيت الحرام» .
[9] في ت: «غزا الصائفة من هذه السنة» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] تاريخ الطبري 8/ 254. والبداية والنهاية 10/ 169.
[12] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة» .
[13] تاريخ الطبري 8/ 254.
[14] «أبو بكر» ساقطة من ت.
[15] تاريخ الطبري 8/ 254. والبداية والنهاية 10/ 169.(9/20)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
949- إبراهيم بن صالح بن عبد الله بن عباس
[1] .
كان أمير مصر، حكى عنه ابن وَهْبِ، وتوفي في شعبان هذه السنة.
950- إبراهيم [بن علي] [2] بن سلمة بن علي بن هرمة، أبو إسحاق الفهري المَدِيني
[3] .
/ شاعر مفلق، فصيح مسهب مجيد، أدرك دولة [4] الأمويين والهاشميين، وكان 10/ ب ممن اشتهر بالانقطاع للطالبيين.
أخبرنا أبو منصور القزاز، [أخبرنا الخطيب، أخبرنا الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبْرَاهِيم، أخبرنا] [5] إبراهيم بن عرفة قَالَ: تحول المنصور إلى مدينة السلام، ثم كتب إلى أهل المدينة أن يوفدوا عليه خطباءهم وشعراءهم، فكان ممن وفد عليه إبراهيم بن هرمة، قَالَ: فلم يكن في الدنيا خطبة أبغض إلي من خطبة تقربني منه، واجتمع الخطباء والشعراء من كل مدينة، وعلى المنصور ستر يرى الناس من ورائه ولا يرونه، وأبو الخصيب حاجبه قائم يَقُولُ: يا أمير المؤمنين، هذا فلان الشاعر فيقول: أنشد، حتى كنت آخر من بقي. فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، هذا إبراهيم بن هرمة [6] ، فسمعته يَقُولُ: لا مرحبا ولا أهلا، ولا أنعم الله بِهِ عيشا [7] ، فقلت: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156، ذهبت والله نفسي ثم رجعت إلى نفسي، فقلت: يا نفس هذا موقف إن لم تشتدي [8] فيه هلكت، فقال أبو الخصيب: أنشد. فأنشدته:
سرى ثوبه عنك الصبى المتخايل ... وقرب للبين الخليط المزايل
[9]
__________
[1] البداية والنهاية 10/ 169.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] البداية والنهاية 10/ 169، 170. وتاريخ بغداد 6/ 127- 131.
[4] «دولة» ساقطة من ت.
[5] في الأصل، ت: «أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ إبراهيم بن عرفة» وما بين المعقوفتين من تاريخ بغداد.
[6] «بن هرمة» ساقطة من ت.
[7] في تاريخ بغداد «عينا» .
[8] في الأصل: «تستدي» .
[9] في ت: «المنازل» .(9/21)
حتى انتهيت إلى قولي:
فأما [1] الذي أمنته يأمن الردى ... وأما [2] الذي حاولت بالثكل ثاكل
/ فَقَالَ: يا غلام، ارفع عني الستر فرفع، فإذا وجهه كأنه فلقة قمر، ثم قَالَ: تمم القصيدة. فلما فرغت قَالَ: ادن. فدنوت، ثم قَالَ: اجلس، فجلست، وبين يديه مخصرة فَقَالَ: يا إبراهيم، قد بلغني عنك أشياء لولاها لفضلتك على نظرائك، فأقر لي بذنوبك أعفها عنك [3] . فقلت: هذا رَجُل فقيه عالم، وإنما يريد أن يقتلني بحجة تجب عليَّ فقلت: يا أمير المؤمنين، كل ذنب بلغك مما عفوته عني فأنا مقرّ به.
فتناول المخصرة فضربني بها، فقلت:
أصبر من ذي ضاغط عركرك ... ألقى بواني زوره للمبرك
[4] ثم ثنى [5] فضربني، فقلت:
أصبر من عود بجنبيه جلب ... قد أثر البطان فيه والحقب
فَقَالَ: قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم، وألحقتك بنظرائك من طريح بن إِسْمَاعِيل، ورؤبة بْن العَجَّاج ولئن بلغني عنك أمر أكرهه لأقتلنك. قُلْتُ: نعم، وأنت في حل [وسعة] [6] من دمي إن بلغك أمر تكرهه. قال ابن هرمة: فأتيت المدينة. فأتاني رجل من الطالبيين، فسلم عليّ فقلت: تنح عني لا تشيط بدمي [7] .
أخبرنا القزاز قَالَ: أخبرنا أحمد [بن علي] الخطيب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الحسن المخزومي، حدثنا أبو بكر الصولي، حدثنا محمد بن زكريّا
__________
[1] في الأصل: «فأمّ» .
[2] في الأصل: «فأمّ» .
[3] في الأصل: «أعف عنها» .
[4] في ت: «في المبرك» .
[5] «ثم ثنى» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] تاريخ بغداد 6/ 128، 129.(9/22)
الغلابي، عن أحمد بن عيسى [1] وذكر ابن هرمة/ قَالَ- وكان متصلا بنا- وهو القائل فينا:
ومهما ألام على حبهم ... فإني أحب [2] بني فاطمة
بني بنت من جاء بالمحكما ... ت وبالدين والسنة القائمه
فلست أبالي بحبي لهم ... سواهم من النعم السائمه
فقيل له في دولة بني الْعَبَّاس: ألست القائل كذا. وأنشده هذه الأبيات، فَقَالَ:
أعض اللَّه قائلها بهن أمه، فقال له من يثق بِهِ: ألست قائلها؟ قَالَ: بلى [3] ، ولكن أعض بهن أمي خير من أن أقتل [4] .
أخبرنا القزاز قَالَ: أخبرنا الخطيب قَالَ: [حدثنا أبو جعفر محمد بن علان الوارق، حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن حمَّاد قال: حدثنا هاشم بن محمد بن هارون الخزاعي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قريب] [5] ابن أخي الأصمعي، عن عمه قَالَ: قال لي رجل من أهل الشّام: قدمت المدينة فقصدت منزل إبراهيم [6] بن هرمة، فإذا بنية له صغيرة تلعب بالطين، فقلت لها: ما فعل أبوك؟ قالت: وفد إلى بعض الأجواد، فما لنا به علم منذ مدة. فقلت: انحري لنا ناقة، فإنا أضيافك. قالت: والله ما عندنا ناقة. قُلْتُ: فشاة. قالت: والله ما عندنا. قُلْتُ: فدجاجة، قالت: والله ما عندنا.
قُلْتُ: فأعطينا بيضة. قالت: والله ما عندنا. قتل: فباطل ما قال أبوك:
كم ناقة قد وجأت منحرها ... بمستهل الشؤبوب أو جمل
__________
[1] في ت، الأصل: «أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب بإسناده عن أحمد بن عيسى» وما أضفناه من تاريخ بغداد.
[2] في ت: «أجبت» .
[3] «بلى» ساقطة من ت.
[4] تاريخ بغداد 6/ 129. 130.
[5] في الأصل، ت: «أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب بإسناده عن ابن أخي الأصمعي» وما أضفناه من تاريخ بغداد.
[6] «إبراهيم» ساقطة من ت.(9/23)
/ قالت: فذلك الفعل من أبي هو الذي أصارنا إلى أن ليس عندنا شيء [1] .
قال الأخفش: قال لنا ثعلب مرة: إن الأصمعي قال: ختم الشعر بإبراهيم [2] بن هرمة، وهو آخر الحجج [3] .
951- الجراح بن مليح بن عَدِيّ، أبو وكيع
[4] .
ولد بالسند [5] ، حدث عَن أبي إسحاق السبيعي، والأعمش. وولي بيت المال ببغداد في زمان الرشيد. وثقه يحيى بن معين، ويعقوب بن سُفْيان، وقَالَ محمد بن سعد: كان ضعيفا في الحديث، قال الدارَقُطْنيُّ: ليس [بشيء] [6] .
توفي في هذه السنة.
952- سعيد بْن عَبْد الرحمن بْن عَبْد اللَّه بْن جميل، أبو عبد الله المَدِيني
[7] .
ولي القضاء ببغداد في عسكر المهدي، وزمن هارون [8] الرشيد، وولي سبع عشرة سنة، وحدث عَن هشام بن عُرْوَة، وسهل بن أبي صالح. قال يحيى: هو ثقة.
توفي ببغداد في هذه السنة.
953- صالح بن بشير، أبو بشر القارئ، المعروف بالمري
[9] .
من أهل البصرة، كان مملوكا لامرأة من بني مرة بن الحارث، حدّث عن الحسن،
__________
[1] تاريخ بغداد 6/ 130، 131.
[2] «بإبراهيم» ساقطة من ت.
[3] تاريخ بغداد 6/ 131.
[4] في الأصل: «بن وكيع» انظر: البداية والنهاية 10/ 170. وتهذيب التهذيب 2/ 66- 68. وطبقات ابن سعد 6/ 308. والتاريخ الكبير 2/ 227. وتاريخ بغداد 7/ 252.
[5] في الأصل: «بالشعل» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] تاريخ بغداد 9/ 67، 69.
[8] «هارون» ساقطة من ت.
[9] تاريخ بغداد 9/ 305.(9/24)
وابن سيرين، وبكر بن عبد اللَّه، وثابت، روى عَنْه: عفَّان، وغيره. وكان عبدا صالحا، كثير الخوف، شديد البكاء، وكان يذكر ويعظ، فحضر مجلسه سفيان الثَّورِي فَقَالَ: هذا نذير قوم.
[قال المؤلف:] [1] وقد ضعفه بعض/ المحدثين، والذي نراه أنه كان يخلط فيما يروي، ولا يتعمد الخطأ.
[أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال أخبرنا السُّكري] [2] قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ الشافعي قال: حدثنا جعفر بن محمد [بن] الأزهر قال: حدّثنا [ابن] الغلابي قال: حدثنا شيخ من الكتاب: أن صالحا المري [لما] [3] أرسل إليه المهدي، قدم عَلَيْهِ، فلما دخل عليه ودنا بحماره من بساط المهدي أمر ابنيه- وهما وليا عهده- مُوسَى وهارون، فَقَالَ: قوما فأنزلا عمكما. فلما أقبلا إِلَيْهِ أقبل صالح على نفسه، فَقَالَ: يا صالح [لقد] [4] خبت وخسرت، إن كنت إنما عملت لهذا اليوم [5] .
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن [علي] الخطيب [6] قَالَ: أخبرني علي [ابن أيّوب قال] : [7] حدثنا محمد بن عمران بن موسى قَالَ: حدثنا محمد بن أحمد الكاتب قَالَ: حدثنا الحسين بْن فهم قَالَ: حَدَّثَني أبو همام قَالَ: حدثني أبو نعيم بن أعين قال: قال صالح المري: دخلت على المهدي فقلت: يا أمير المؤمنين، احمل [8] للَّه ما أكلمك به اليوم، فإن أولى الناس باللَّه أحملهم لغلظة النصيحة فيه، وجدير بمن له [قرابة] [9] برسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أن يرث أخلاقه، ويأتمّ بهداه وقد ورثك الله من فهم العلم
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ بغداد 9/ 305، 306.
[6] في ت: «أحمد بن علي» في الأصل: «أحمد بن الخطيب» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «استحمل» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/25)
ميراثًا قطع به عذرك، اعلم أن رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم خصم من/ خالفه في أمته، ومن كان محمد خصمه كان الله خصمه، فاعتد لمخاصمة اللَّه، ومخاصمة رسوله حججا تضمن لك النجاة، أو استسلم للهلكة، واعلم أن أبطأ الصرعى نهضة صريع هوى يدعيه إلى الله قربة، وإن أثبت النَّاسَ قدمًا يوم القيامة آخذهم بكتاب الله وسنة نبيه صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، فمثلك لا يكاثر بتجريد المعصية، ولكن تتمثل لك الإساءة إحسانا [1] ، ويشهد لك [2] عليها خونة [3] العلماء، وبهذه الحبالة [4] تصيدت الدنيا نظراءك، فأحسن الحلم [5] فقد أحسنت إليك الأداء [6] قَالَ: فبكى المهدي.
قال أبو همام: فأخبرني بعض الكتاب أنه رأى هذا الكلام مكتوبا في دواوين المهدي [7] .
954- عبد الملك [بن محمد] بن أبي بكر بن محمد بن عمر وبن حزم الأنصاري
[8] .
مديني قدم واليا على قضائها من قبل الهادي، وكان عالما بمذاهب أهل المدينة، روى عَنْه: المفضل بن فَضَالة [وغيره] ، وتوفي [بالعراق] [9] في هذه السنة.
955- الفرج بن فضالة بن النعمان بن نعيم، أبو فضالة الحمصي التنوخي [من أنفسهم]
[10] .
سكن بغداد، وكان على بيت المال بها في [أول] [11] خلافة الرشيد. حدّث عن
__________
[1] في ت: «أحيانا» .
[2] «لك» ساقطة من ت.
[3] في الأصل: «حوبة» .
[4] في الأصل: «الحالة» .
[5] في تاريخ بغداد: «الحمل» .
[6] في الأصل: «الآراء» .
[7] تاريخ بغداد 9/ 306.
[8] في الأصل: «عبد الملك بن أبي بكر ... » . انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 408- 410.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 393- 397. والتاريخ الكبير 7/ 134. والجرح والتعديل 7/ 86.
وطبقات ابن سعد 7/ 327، 469. وتهذيب التهذيب 8/ 260. والتقريب 2/ 108.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/26)
يحيى بن سعيد الْأنصَارِيّ، وهشام بن عُرْوَة، وغيرهما. روى عَنْه: علي بن الْجَعْد وسريج [1] بن يونس.
وذكر رجل من ولده أنه ولد في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان في غزوة [2] مَسْلَمةُ الطوانة جاء الخبر بولادته [يوم فتحت الطوانة، فأعلم أبوه مسلمة] [3] فَقَالَ مَسْلَمةُ [4] : ما سميته؟ قَالَ: سميته الفرج لما قرج الله/ عنا في هذا اليوم بالفتح. فقال مسلمة [لفضالة:] [5] أصبت [6] وكان أصاب المسلمين على الطوانة شدة شديدة. وذلك في سنة ثمان وثمانين [7] .
أخبرنا عبد الرحمن [بن مُحَمَّد] قَالَ: أخبرنا أحمد [بْن علي بْن ثابت] [8] الخطيب قَالَ: أخبرنا أَبُو منصور مُحَمَّد بْن عيسى بْن عبد العزيز قَالَ: حدثنا علي بن محمد بن الحسن القزويني قَالَ: سمعت بعض أصحابنا يَقُولُ: أقبل المنصور يوما راكبا والفرج بن فضالة جالس عند باب الذهب، فقام النَّاسَ، فدخل من الباب ولم يقم له الفرج فاستشاط غضبا، ودعا بِهِ [9] فَقَالَ: ما منعك من القيام حين رأيتني؟ قَالَ: خفت أن يسألني الله عنه لم فعلت، ويسألك لم رضيت، وقد كرهه رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فبكى المنصور وقربه وقضى حوائجه [10] .
توفي الفرج فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقِيلَ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وسبعين، وقد وثقه بعض المحدثين وضعفه بعضهم.
__________
[1] في الأصل: «هشام بن يونس» .
[2] في ت: «غزاة» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «سلمة» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل بعد ذلك: «وكان ذلك في سنة ثمان وثمانين» .
[7] تاريخ بغداد 12/ 393.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «غيظا ودعي فقال» .
[10] تاريخ بغداد 12/ 394.(9/27)
956- المسيب بن زهير بن عمرو، أبو مسلم الضَّبُّي
[1] .
ولد في خلافة عمر بن عبد العزيز، وكان من رجالات الدولة العباسية، وولي شرطة بغداد في أيام المنصور، والمهدي، والرشيد، وقد كان تولى خراسان أيام المهدي، وتوفي فِي هذه السنة وهو ابن ست وسبعين سنة.
957- الوضاح أبو عوانة، مولى يزيد بن عطاء الواسطي
[2] .
وقال البخاري: يزيد بن عطاء، ويزيد مولى [بني] [3] يشكر، وكان من سبي جرجان، رأى الحَسَن، وابن سيرين، وسمع من محمد بن المنكدر، وقتادة، ومنصور/ ابن المعتمر والأعمش، روى عَنْه: شُعْبَة، وابن عليه، وابن مهدي، وكان أمينا ثبتا [ثقة] [4] صدوقا.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر] أحمد [بْن علي بْن ثابت] [5] ، الخطيب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر [6] بن أحمد بن الليث الواسطي قَالَ: حَدَّثَنَا أسلم بن سهل قَالَ: حدثنا أحمد بن محمد بن أبان قَالَ:
سمعت أَبِي يَقُولُ:
اشترى عطاء بن يزيد أبا عوانة ليكون مع أبيه يزيد، وكان لأبي عوانة صديق قاصّ، وكان أبو عوانة يحسن إِلَيْهِ، فقال القاص: ما أدري بأي شيء أكافئه، فكان بعد ذلك لا يجلس مجلسا إلا قال لمن حضره: أدعو الله لعطاء البزار، فإنه أعتق أبا عَوَانَة. فكان قل مجلس إلا ذهب إلى عطاء من يشكره، فلما كثر عليه ذلك أعتقه [7] .
توفي أبو عوانة في هذه السنة. وقيل: في سنة خمس، وله اثنتان وثلاثون سنة.
__________
[1] تاريخ بغداد 13/ 137.
[2] تاريخ بغداد 13/ 490- 495.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «حدثنا أحمد بن محمد بن جعفر» .
[7] تاريخ بغداد 13/ 491.(9/28)
ثم دخلت سنة سبع وسبعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
أن الرشيد عزل جعفر [1] بن يحيى عن مصر، وولاها إسحاق بن سُلَيْمَان. وعزل حمزة بن مالك عَن خراسان وولاها الفضل بن يحيى إلى ما كان إليه من الأعمال [2] .
وفيها: غزا الصائفة [3] عبد الرزاق بن عبد الحميد/ التغلبي [4] .
وكان في ليلة الأحد لأربع بقين من المحرم ظلمة وحمرة وريح، ثم كانت ظلمة ليلة الأربعاء لليلتين بقيتا من المحرم، ثم كانت ريح وظلمة شديدة يوم الجمعة لليلة خلت من صفر [5] .
وفيها: حج الرشيد بالناس [6] .
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
958- شريك بن عبد الله، أبو عبد الله النخعي الكوفي، القاضي
[7] .
أدرك عمر بن عبد الرَّحْمَن، وسمع أبا إِسْحَاق السبيعي، ومنصور بْن المعتمر،
__________
[1] في الأصل: «عزل الرشيد جعفر ... » .
[2] تاريخ الطبري 8/ 255. والكامل 5/ 400، 301. والبداية والنهاية 10/ 171.
[3] في ت: «غزا الصائفة فيها» .
[4] تاريخ الطبري 8/ 255. والكامل 5/ 301.
[5] تاريخ الطبري 8/ 255. والكامل 5/ 301. والبداية والنهاية 10/ 171.
[6] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة الرشيد» .
[7] تاريخ بغداد 9/ 279- 295.(9/29)
وعَبْد الملك بن عُمَيْر، وسماك بن حرب [1] ، وسلمة بن كهيل، وحبيب بن أبي ثابت، والأعمش وخلقا كثيرًا. روى عَنْه: ابن المبارك، ووكيع، وابن مهدي، وغيرهم. وهو من كبار العلماء الثقات، إلّا أن قوما قدحوا في حفظه.
أخبرنا [أبو منصور] القزاز، قَالَ: أخبرنا [أبو بكر أحمد بن علي] [2] الخطيب قَالَ: أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء الواسطي قَالَ: أخبرنا مُحَمَّد بن جعفر التميمي قَالَ:
أَخْبَرَنَا أبو القاسم الحسن بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا وكيع قَالَ: أخبرني إبراهيم بن عثمان قَالَ: حدثنا أبو خَالِد يزيد بن يحيى بن يزيد قَالَ: حدثني أَبِي قَالَ: مر شريك القاضي بالمستنير بن عمرو النَّخْعي فجلس إِلَيْهِ فَقَالَ: أبا عبد اللَّه، من أدبك؟ قَالَ: أدبتني نفسي، والله ولدت ببخارى فحملني ابن عم لنا حتى طرحني عند بني عم لي، فكنت أجلس/ إلى معلم لهم فعلق بقلبي تعلم القرآن، فجئت إلى شيخهم فقلت: يا عماه، الذي كنت تجريه علي هنا أجره علي بالكوفة أعرف بها السنة وقومي، ففعل، فكنت بالكوفة أضرب اللبن وأبيعه وأشتري دفاتر وطروسا، فأكتب فيها العلم والحديث، ثم طلبت الفقه فبلغت ما ترى فقال المستنير لولده: سمعتم قول [ابن] [3] عمكم، وقد أكثرت عليكم في الأدب ولا أراكم تفلحون فيه، فليؤدب كل رجل منكم نفسه، فمن أحسن فلها، ومن أساء فعليها [4] .
لما ولي القضاء اضطرب حفظه.
أخبرنا أبو منصور قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر بْن ثابت قَالَ: أخبرنا أبو الفرج محمد بن عُمَر الجصاص قَالَ: أخبرنا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن الحسن الصواف قَالَ: وجدت في كتابنا عن أبي الْعَبَّاس بن مسروق ما يدل حاله على السماع. قَالَ: سمعت أبا كريب يَقُولُ:
سمعت يحيى بن يمان يَقُولُ: لما ولي شريك القضاء أكره على ذلك، وأقعد معه جماعة من الشرطة يحفظونه، ثم طاب للشيخ [فقعد] [5] من نفسه، فبلغ الثوري أنه قعد من
__________
[1] في الأصل: «بن الحارث» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ بغداد 9/ 380.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/30)
نفسه، فجاء فتراءى لَهُ، فلما رأى الثوري قام إليه فعظمه وأكرمه، ثم قَالَ: يا أبا عبد اللَّه، هل من حاجة؟ قَالَ: نعم مسألة. قَالَ: أو ليس عندك من العلم ما يجزيك؟
قَالَ: أحببت أن أذاكرك/ بها. قَالَ: قل. قَالَ: ما تقول في امرأة جاءت فجلست على باب رَجُل، ففتح الرجل الباب واحتملها، ففجر بها [، لمن تحد منهما؟] [1] فقال لَهُ:
دونها لأنها مغصوبة. قَالَ: فإنه لما كان من الغد جاءت فتزينت [وتبخرت] [2] وجلست على ذلك الباب، ففتح الرجل الباب فرأها فاحتملها ففجر بها، لمن تحد منهما؟ قَالَ:
أحدهما [3] جميعا، لأنها جاءت من نفسها، وقد عرفت الخبر بالأمس. قَالَ: أنت كان عذرك [4] حيث كان الشرط يحفظونك، اليوم أي عذر لك؟ قَالَ: يا أَبَا عبد الله، أكلمك. قَالَ: ما كَانَ الله ليراني [5] أكلمك أو تتوب. قَالَ: فوثب فلم يكلمه حتى مات وكان إذا ذكره قَالَ: أي رجل كان لو لم يفسدوه [6] .
أخبرنا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر بن ثابت] [7] الخطيب قَالَ: أخبرنا حمزة بن مُحَمَّد بن طاهر قَالَ: أخبرنا أحمد بن إبْرَاهِيم قال: حدثنا البغوي قَالَ: حدثنا أحمد بن زهير قال: حدّثنا سليمان بن شيخ قال: حدثني عبد الله بن صالح بن مسلم قَالَ: كان شريك على قضاء الكوفة فخرج يلقى الخيزران، فبلغ شاهي [8] وأبطأت الخيزران، فأقام ينتظرها ثلاثا ويبس خبزه، فجعل يبله بالماء ويأكله، فقال العلاء بن المنهال:
فإن كان الذي قد قلت حقا ... بأن قد أكرهوك على القضاء
فما لك موضعا في كل يوم ... تلقى من يحج من النساء
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «هما جميعا» .
[4] في الأصل: «عذرك كان» .
[5] في ت: «ليراني وأنا» .
[6] تاريخ بغداد 9/ 286، 287.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] شاهي: موضع قرب القادسية.(9/31)
/
مقيم في قرى شاهي ثلاثا ... بلا زاد سوى كسر وماء
[1] أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أبو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا قال: حدثنا محمد بن مزيد [2] الخزاعي قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر قَالَ: حدثني عمي، عن عمر بن الهياج بن سَعِيد قال: أتته امرأة يوما- يعني شريكا- وهو في مجلس الحَكَم، فقالت: إنا باللَّه ثم بالقاضي، امرأة من ولد جرير بن عبد الله صاحب النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ. ورددت الكلام فَقَالَ: إيها عنك الآن من ظلمك؟
فقالت: الأمير موسى بن عيسى، كَانَ لي بستان على شاطئ الفرات، لي فيه نخل ورثته عن آبائي، فقاسمت أخوتي وبنيت بيني وبينهم حائطا، وجعلت فيه فارسيا في بيت يحفظ النخل، ويقوم ببستاني، فاشترى الأمير موسى بن عيسى من أخوتي جميعا، وساومني وأرغبني فلم أبعه، فلما كان في هذه الليلة بعث بخمسمائة فاعل فاقتلعوا الحائط، فأصبحت لا أعرف من نخلي شيئا، واختلط بنخل أخوتي، فَقَالَ: يا غلام طينه بختم، ثم قال لها: امضي إلى بابه [3] حتى يحضر معك. فجاءت المرأة بالطينة فأخذها الحاجب ودخل بها إلى مُوسَى/ فَقَالَ: أعدى شريك عليك، فَقَالَ: ادع لي صاحب الشرط. فدعا بِهِ، فَقَالَ: امض إلى شَرِيك، فقل يا سبحان الله، ما رأيت أعجب من أمرك امرأة ادعت دعوى لم تصح أعديتها عليّ! قَالَ: يقول [4] له صاحب الشرط، إن رأى الأمير أن يعفيني فليفعل، فَقَالَ: امض ويلك. فخرج فأمر غلمانه أن يتقدموا إلى الحبس بفراش وغيره من آلة الحبس، فلما جاء وقف بين يدي شَرِيك فأدى الرسالة؟
قَالَ: خذ بيده فضعه [5] في الحبس. قال: قد عرفت والله إنك [6] تفعل بي هذا، فقدمت ما يصلحني إلى الحبس، وبلغ مُوسَى بن عيسى الخبر، فوجه الحاجب إِلَيْهِ فَقَالَ: هذا رسول، أي شيء عَلَيْهِ؟ فلما وقف بين يديه وأدى الرسالة قال: ألحقه بصاحبه فحبس.
__________
[1] تاريخ بغداد 9/ 285.
[2] في ت: «بن يزيد» .
[3] في الأصل: «بابك» .
[4] في الأصل: «قال» .
[5] في ت: «فوضعه» .
[6] في ت: «قد والله عرفت بأنك» .(9/32)
فلما صلى الأمير العصر بعث إلى إسحاق بن الصباح الأشعثي وجماعة من وجوه الكوفة من أصدقاء شَرِيك. فَقَالَ: امضوا إليه وأبلغوه سلامي [1] ، وأعلموه أنه قد استخف بي وإني لست كالعامة، فمضوا وهو جالس في مسجده بعد العصر، فدخلوا عليه فأبلغوه الرسالة، فلما انقضى كلامهم قال [لهم:] [2] ما لي لا أراكم جئتم في غيره من الناس فكلمتموني؟ من ها هنا من فتيان الحي؟ فليأخذ كل واحد منكم بيد رَجُل، فيذهب به إلى الحبس لا ينم والله إلّا فيه. قالوا: أجاد أنت؟ قَالَ: حقا حتى لا تعودوا برسالة ظالم.
فحبسهم فركب موسى بن عيسى فِي الليل إلى باب/ الحبس، فأطلقهم [3] جميعا.
فلما كان من الغد وجلس شريك للقضاء، جاء السجان فأخبره فدعا بالقمطر فختمه، ووجه به إلى منزله، ثم قَالَ لغلامه ألحقني بثقلي إلى بغداد، فو الله ما طلبنا هذا الأمر منهم، ولكن أكرهونا عَلَيْهِ، ولقد ضمنوا لنا الإعزاز فيه إذ [قد] [4] تقلدناه لهم، ومضى نحو قنطرة الكوفة إلى بغداد.
وبلغ موسى بن عيسى الخبر، فركب في موكبه فلحقه وجعل يناشده اللَّه ويقول:
يا أبا عَبْد اللَّه تثبت، انظر إخوانك تحبسهم دع أعواني. قَالَ: نعم لأنهم مشوا لك في أمر لم يجب عليهم المشي فيه، ولست ببارح أو يردوا جميعا إلى الحبس وإلا مضيت إلى أمير [5] المؤمنين فاستعفيته مما قلدني. فأمر بردهم جميعا إلى الحبس، وهو والله [6] واقف مكانه حتى جاءه السجان فقال لَهُ: قد رجعوا إلى الحبس. فَقَالَ لأعوانه: خذوا بلجامه، فردوه بين يدي إلى مجلس الحَكَم فمروا به بين يديه حتى أدخل المسجد وجلس مجلس القضاء، ثم قَالَ: علي بالجويرية المتظلمة [من هذا] [7] فجاءت فَقَالَ:
هذا خصمك قد حضر، وهو جالس معها بين يديه، فقال: أولئك يخرجون من الحبس
__________
[1] في ت: «السلام» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت، وتاريخ بغداد: «ففتح الباب وأخرجهم» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «ألق أمير المؤمنين» .
[6] «والله» ساقطة من ت.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/33)
قبل كل شيء. قال: أما الآن فنعم، أخرجوهم. ثم قال لَهُ: / ما تقول فيما تدعيه هذه [المرأة؟] [1] قَالَ: صدقت. قَالَ: فرد جميع ما أخذ منها وتبني حائطها في وقت واحد سريعا كما هدم. قَالَ: أفعل. قَالَ: بقي لك شيء. قَالَ: تقول المرأة بيت الفارسي ومتاعه. قَالَ: يقول موسى بن عيسى: ونرد ذلك [جميعه] [2] ، بقي لك شيء تدعينه؟
قالت: لا، وجزاك الله خيرا. قَالَ: قومي، ثم وثب من مجلسه، فأخذ بيد موسى بن عيسى، فأجلسه في مجلسه، ثم قَالَ: السلام عليك أيها الأمير تأمر بشيء؟ قَالَ: أي شيء آمر؟! وضحك [3] .
أخبرنا القزاز قال أخبرنا [أحمد بن علي] [4] الخطيب قَالَ: أخبرنا العتيقي قَالَ:
أخبرنا مُحَمَّد بن الْعَبَّاس قَالَ: حدثنا محمد بن خلف قَالَ: أخبرني أحمد بن عثمان بن حكيم قَالَ: أخبرني أَبِي قَالَ: كان شريك القاضي لا يجلس حتى يتغدى ثم يأتي المسجد فيصلي ركعتين، ثم يخرج رقعة من قمطرة فينظر فيها، ثم يدعو بالخصوم، وإنما كان يقدمهم الأول فالأول، فقيل لابن شَرِيك: نحب أن نعلم ما في هذه الرقعة؟
فنظر فيها ثم أخرجها إلينا، فإذا فيها: يا شريك بْن عبد اللَّه [اذكر الصراط وحدته، يا شريك بن عبد اللَّه] [5] اذكر الموقف بين يدي الله تعالى [6] .
توفي شريك بالكوفة يوم السبت غرة ذي القعدة من هذه السنة رحمه الله تعالى [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ بغداد 9/ 290، 291.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] تاريخ بغداد 9/ 293، 294.
[7] «رحمه الله تعالى» ساقطة من ت.(9/34)
ثم دخلت سنة ثمان وسبعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
/ وثوب الحوفية بمصر بعامل الرشيد عليهم إسحاق بن سُلَيْمَان، وقتالهم إياه وتوجيه الرشيد إليه هرثمة بن أعين في عدة من القواد [مددا له] [1] حتى أذعن أهل الحوف، ودخلوا في الطاعة، وأدوا [2] ما كان عليهم من وظائف السلطان، وكان هرثمة إذ ذاك والي فلسطين، فلما انقضى أمر الحوفية صرف هارون إسحاق عن مصر، وولاها هرثمة نحوا من شهر، ثم صرفه عنها وولاها عبد الملك بن صالح [3] .
وفيها: كان وثوب أهل إفريقية بعبدويه الأنباري ومن معه من الجند هنالك، فقتلوا الفضل بن روح بن حاتم، وأخرج من كان بها من آل المهلب، فوجه الرشيد إليهم هرثمة فرجعوا إلى الطاعة، وكان عبدويه قد غلب على إفريقية، وخلع السلطان فتلطف الأمير يحيى بن خالد، وكاتبه بالترغيب في الطاعة [والترهيب والتجريد للمعصية] [4] فقبل الأمان، وعاد إلى الطاعة، فولي له يحيى [5] .
وفيها: فوض [6] الرشيد أموره إلى يحيى بن خالد بن [7] برمك [8] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «وأدوا» ساقطة من ت.
[3] تاريخ الطبري 8/ 256. والبداية والنهاية 10/ 171. والكامل 5/ 302.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ الطبري 8/ 256. والبداية والنهاية 10/ 171.
[6] في ت: «وفي هذه السنة فوّض» .
[7] «خالد بن» ساقطة من ت.
[8] تاريخ الطبري 8/ 256. والبداية والنهاية 10/ 171. وتاريخ الموصل ص 280. والكامل 5/ 304.(9/35)
وفيها: خرج الوليد بن طريق الشاري بالجزيرة فقتل إبراهيم بن خازم بن خزيمة بنصيبين، ثم مضى إلى إرمينية [1] .
وفي هذه السنة [2] : شخص الفضل بن يحيى إلى/ خراسان واليا عليها، فأحسن السّيرة بها، وبنى المساجد والرباطات، وغزا ما وراء النهر، واتخذ بخراسان جندا من العجم يبلغ عددهم خمس مائة ألف، وسماهم العباسية، وقدم بغداد منهم عشرون ألفا فسموا [3] ببغداد الكرنبية [4] .
وفيها [5] : غزا الصائفة معاوية بن زفر بن عاصم، وغزا الشاتية سليمان بن راشد [6] .
وفيها: حج بالناس [7] محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي، وهو إذ ذاك العامل على [8] مكة [9] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
959- عبد الملك بن محمد بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بن حزم، أبو طاهر الأنصاري الْمَدَنِيّ
[10] .
قدم بغداد [11] فحدث بها، وروى عنه: سريج [12] بن النُّعْمان وكان ثقة جليلا، من
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 256. والبداية والنهاية 10/ 171، 172. والكامل 5/ 302- 304.
[2] في ت: «وفيها» .
[3] في ت: «فسموه» .
[4] تاريخ الطبري 8/ 257. والكامل 5/ 304، 305. والبداية والنهاية 10/ 173.
[5] «وفيها» ساقطة من ت.
[6] تاريخ الطبري 8/ 260. والكامل 5/ 304.
[7] في ت: «وحج فيها» .
[8] «وهو إذ ذاك العامل على» ساقطة من ت.
[9] تاريخ الطبري 8/ 260. وتاريخ الموصل ص 281. والبداية والنهاية 10/ 173.
[10] تاريخ بغداد 10/ 408- 410.
[11] «بغداد» ساقطة من ت.
[12] في ت: «شريح»(9/36)
أهل العلم والسّنَّة [1] والحديث، وولاه الرشيد القضاء بالجانب الشرقي من بغداد، فمكث أياما ثم مات، فصلى عليه هارون ودفنه [2] في مقبرة العباسة بنت المهدي، وقيل: توفي [في] سنة ست وسبعين [ومائة] [3] .
960- عبثر بن القاسم، أبو زبيد الكوفي
[4] .
سَمِعَ أبا إسحاق الشيباني، وسليمان التَّيْمي، والأعمش، والثَّورِي، روى عن قتيبة، وكان ثقة صدوقًا [5] توفي في هذه السنة.
__________
[1] في ت: «والسير»
[2] في ت: «ثم دفنه» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ بغداد 12/ 310، 312. والجرح والتعديل 7/ 43. وطبقات ابن سعد 6/ 382. وتهذيب التهذيب 5/ 136. والتقريب 1/ 400.
[5] «صدوقا» ساقطة من ت.(9/37)
ثم دخلت سنة تسع وسبعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
انصراف الفضل بن يحيى عن خراسان، واستخلافه عليها عمرو بن شُرَحْبيل [1] .
وفيها: ولى الرشيد خراسان منصور بن يزيد بن منصور الحمْيَرِي، وعزل محمد بن خالد بْن برمك عن الحجبة، وولاها الفضل بن الربيع [2] .
وفيها: خرج بخراسان حمزة بن أترك السجستاني [3] .
وفيها: رجع الوليد بن طريف الشاري إلى الجزيرة، واشتدت شوكته، وكثر تبعه، فوجه الرشيد إليه يزيد بن مزيد بن زائدة [4] الشيباني، فراوغه يزيد، ولقيه على غرة فقتله وجماعة [ممن] معه [5] وتفرق الباقون [6] .
واعتمر الرشيد في هذه السنة في رمضان شكرا للَّه تعالى على ما أنعم به عليه في
__________
[1] في الأصل، ت: «عمرو بن جبل» .
وفي ابن كثير: «عمرو بن جميل» .
وما أثبتناه من الطبري.
انظر: تاريخ الطبري 8/ 261. والبداية والنهاية 10/ 173. والكامل 5/ 306.
[2] تاريخ الطبري 8/ 271. والكامل 5/ 306. والبداية والنهاية 10/ 173.
[3] تاريخ الطبري 8/ 261. والكامل 5/ 436. والبداية والنهاية 10/ 173.
[4] «بن زائدة» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] تاريخ الطبري 8/ 261. والبداية والنهاية 10/ 173. وتاريخ الموصل ص 281، 282.(9/38)
الوليد بن طريف، فلما قضى عمرته انصرف إلى المدينة، فأقام بها إلى وقت الحج، ثم حج بالناس، فمضى من مكة إلى منى، ثم إلى عرفات وشهد مشاهدها [1] والمشاعر ماشيا، ثم انصرف على طريق البصرة [2] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
961-/ إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة، أبو هاشم الحمْيَرِي
[3] .
يلقب: السيد، كان شاعرا مجيدا، لكنه أفرط في سب الصحابة، وقذف أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقول بإمامة محمد بن الحنفية، ويقول: إنه مقيم بجبل رضوى، وإنه لم يمت.
ومن شعره [4] في ذَلِكَ:
ألا قل للوصي فدتك نفسي ... أطلت بذلك الجبل المقاما
أضر بمعشر والوك منا ... وسموك الخليفة والإماما
وعادوا فيك أهل الأرض طرا ... مقامك فيهم ستين عاما
وما ذاق ابن خولة طعم موت ... ولا وارت لنا أرض عظاما
لقد أمسى بمورق شعب رضوى ... تراجعه الملائكة الكلاما
هدانا الله إذ حرتم لأمر ... به وارثه [5] يلتمس التماما
/ تمام مودة [6] المهدي حتى/ ... تروا آياتنا تترى نظاما
وكان الحميري يشرب الخمر، ويقول بالرجعة، فقال لرجل [7] : تعطيني دينارا
__________
[1] في ت: «المشاهد» .
[2] تاريخ الطبري 8/ 2261. والبداية والنهاية 10/ 173. والكامل 5/ 306. وتاريخ الموصل ص 282، 283.
[3] البداية والنهاية 10/ 173، 174.
[4] في ت: «وقال في ذلك» .
[5] في ت: «ولديه»
[6] في ت: «إمامة» .
[7] في الأصل: «وقال له رجل» والتصحيح من ت.(9/39)
بمائة دينار [1] إلى الرجعة؟ فَقَالَ: نعم، إن وثقت لي بمن يضمن لي أنك ترجع إنسانا، إنما أخشى أن ترجع كلبا أو خنزيرا فيذهب مالي [2] .
قال الأصمعي لما سمع شعره: قاتله الله، ما أطبعه وأسلكه طريق الشعراء، والله لولا ما في شعره من سب السلف ما قدمت عليه من طبقته أحدا [3] .
وذكر القاضي أبو بكر محمد بن الطيب قَالَ: كان السيد الحميري [4] يزعم أن جهنم بحضرموت وبوادي برهوت.
وقال في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما يصف عداءهما عنده:
أمست عظامهما بطيبة للبلى ... وبحضرموت شرها روحاهما
وقال في ذم سيدتنا [5] عائشة رضي الله عنها:
أعائش إنك في المحدثات ... وفي المحدثين بوادي اليمن
ببرهوت تسقين من مائها ... شرابا كريها شديد الأسن
قَالَ: وكان شديد اللهج بسب سيدتنا عائشة وسيدتنا حفصة رضي الله عنهما، وقال في ذَلِكَ [6] :
جاءت مع الأشقين في هودج ... تزجي إلى البصرة أجنادها
كأنها في فعلها حية ... ، تريد أن تأكل أولادها
قَالَ: وكان يقصد قذف حرم رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم بالعظائم.
ذكر أبو الفرج الأصفهاني أنه قال- يعني [في-] [7] عائشة وحفصة:
أحداهما نمت عليه حديثه ... وبغت عليه بغية إحداهما
__________
[1] «دينار» ساقطة من ت.
[2] البداية والنهاية 10/ 173، 174.
[3] البداية والنهاية 10/ 174.
[4] «الحميري» ساقطة من ت.
[5] «سيدتنا» ساقطة من ت.
[6] في ت: «بسب عائشة وحفصة فقال:» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/40)
فهما اللتان سمعت رب محمد ... في الذكر قص على العباد نباهما
[قال المصنف] [1] : وإنما يذكر العلماء ذَلِكَ [2] لتعرف هذا اللعين وغوره في الكفر.
واختلفوا أين مات لعنه الله، فقيل: بواسط، أخذه كرب [3] فجلس قبل موته فَقَالَ: اللَّهمّ هذا كان جزائي لحب [4] آل مُحَمَّد، فمات فلم يدفنوه لكفره وسبه الصحابة رضي الله عنهم.
وقيل: بل توفي ببغداد، واسود وجهه قبل موته، فأفاق من سكرته وفتح عينيه وقَالَ: يا أمير المؤمنين، تفعل هذا لوليك؟ قالها ثلاث مرات/ ومات، فدفن بالحديثة ببغداد وذلك في خلافة الرشيد.
962- حماد بن زيد بن إبراهيم، أبو إسماعيل
[5] .
كان من كبار العلماء وسادات الفقهاء، أسند عن خلق كثير من التابعين.
وتوفي في رمضان هذه السنة وهو ابن إحدى وثمانين سنة.
قال ابن مهدي: ما رأيت أعرف بالسنة منه.
وقال يزيد بن زريع يوم موته: مات سيد المسلمين.
963- خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن، أبو الهَيْثَمُ. وقيل: أبو أحمد الطحان، مولى مُزَيْنَة
[6] .
من أهل واسط، ولد سنة عشر ومائة، وسمع يونس بن عبيد، وابن عون، وغيرهما. روى عنه: وكيع، وابن مهدي، وعفان بن مسدد، وكان ثقة صالحا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «مثل هذا» .
[3] «كرب» ساقطة من ت.
[4] في ت: «في حب» .
[5] طبقات ابن سعد 7/ 286. والتاريخ الكبير 3/ 25. والبداية والنهاية 10/ 74.
[6] طبقات ابن سعد 7/ 313. والجرح والتعديل 3/ 340. وتهذيب التهذيب 3/ 100. والتقريب 1/ 215. والمعرفة والتاريخ 1/ 171. وتاريخ بغداد 8/ 294.(9/41)
قال إسحاق الأزرق: ما أدركت أفضل من خَالِد. قِيلَ: قد رأيت سُفْيان فَقَالَ:
كان سفيان [1] رَجُل نفسه، وكان خالد رجل عامة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ على بْن ثابت قَالَ: حَدَّثَنَا أبو نُعَيم الحافظ قَالَ: سمعت الطبراني يَقُولُ: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يَقُولُ:
قال أَبِي: كَانَ خالد بن عبد الله/ الواسطي من أفاضل المسلمين اشترى نفسه من الله أربع مرات فتصدق بوزن نفسه فضة أربع مرات [2] .
توفي في رجب هذه السنة، وقيل: في سنة اثنتين وثمانين رحمه الله تعالى [3] .
964- الإمام مالك بن أنس بن مالك بن عامر بن الحارث بن غيمان- بالغين المعجمة بعدها ياء مثناة من تحتها- بن جثيل- بالجيم بعدها ثاء مثلثة- بن عمرو بن الحارث [4] ، وهُوَ ذو أصبح.
حمل بمالك ثلاث سنين، وكان طوالا عظيم الهامة، أصلع شديد البياض إلى الشقرة، أبيض الرأس واللحية.
رأى خلقا من التابعين، وروى عَنْهُمْ، وكان ثقة حجة، يلبس الثياب العدنية الجياد، وكان نقش خاتمه «حسبي الله ونعم الوكيل» فقيل لَهُ: لم نقشت هذا؟ فَقَالَ:
سمعت الله يقول عقب هذه الآية فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ 3: 174 [5] وكان إذا دخل بيته فأدخل رجله قَالَ: ما شاء الله، وقَالَ: سمعت الله يقول: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شاءَ الله 18: 39 [6]
__________
[1] في الأصل: «سفيان كان» .
[2] تاريخ بغداد 8/ 294، 295.
[3] «رحمه الله تعالى» ساقطة من ت.
[4] تهذيب التهذيب 10/ 5. وصفة الصفوة 2/ 99. وحلية الأولياء 6/ 316. والديباج المذهب 17/ 30.
ووفيات الأعيان 1/ 439. وتاريخ الخميس 2/ 332. واللباب 3/ 86. والبداية والنهاية 10/ 174.
والكامل 5/ 306، 307. وتاريخ الموصل ص 284. وطبقات ابن سعد ترجمة رقم 372 (الجزء المتمم) .
[5] سورة: آل عمران، الآية: 174.
[6] سورة: الكهف، الآية: 39. والخبر في طبقات ابن سعد ص 437 الجزء المتمم.(9/42)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سهل بن سعدويه قَالَ: أَخْبَرَنَا/ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضِل القرشي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن مردويه قَالَ: حدثنا سليمان بن أَحْمَد قَالَ: حَدَّثَنَا مسعدة بن أسعد العطار قَالَ: حدثنا إبراهيم بن المنذر قَالَ: سمعت معن بن عيسى يَقُولُ: كَانَ مالك بن أنس إذا أراد أن يحدث بحديث رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم اغتسل وتبخر وتطيب، فإذا رفع أحد صوته عنده قَالَ: اغضض من صوتك فإن الله عز وجل يَقُولُ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ 49: 2 [1] فمن رفع صوته عند حديث النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ فكأنما [2] رفع صوته فوق صوت رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم.
أخبرنا مُحَمَّد بْن أَبِي الْقَاسِم [3] ، أَخْبَرَنَا حمد بْن أحمد الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا محمد بن علي بن عاصم قَالَ: سمعت الفضل بن محمد الجندي يَقُولُ: سمعت أبا مصعب يَقُولُ: سمعت مالك بن أنس يَقُولُ: ما أفتيت/ حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي [بْنِ سُلَيْمَان قَالَ:] [4] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قال:
أخبرنا أبو نُعَيم الأصفهاني [الحافظ قَالَ:] [5] حدثنا أبو محمد بن حيَّان قَالَ: حدثنا محمد بن أحمد بن عَمْرو قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن عَبْد اللَّهِ بن كليب قَالَ: حدثني أبو طالب، عن أبي عُبَيْدة قَالَ: سمعت ابن مهدي يَقُولُ: سأل رجل مالكا عن مسألة فَقَالَ:
لا أحسنها. فقال الرجل: إني ضربت إليك من كذا وكذا لأسألك عنها. فقال له مالك [ابن أنس] (ع) : [6] إذا رجعت إلى مكانك وموضعك فأخبرهم إني قد قُلْتُ لك لا أحسنها.
أخبرنا زاهر بن طاهر قَالَ: أخبرنا أَبُو بكر أَحْمَد بْن الحسين البيهقي قَالَ: أخبرنا أبو عبد الله [محمد بن عبد الله] [7] الحاكم قال: حدّثنا أبو الحسين محمد بن يحيى
__________
[1] سورة: الحجرات، الآية: 2.
[2] في ت: «فقد رفع» .
[3] هذا الخبر جاء في النسخة ت قبل الخبر السابق.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/43)
العلوي قَالَ: حدثنا أبو علي الغطريف [1] قَالَ: حدثنا أبو إسماعيل التِّرْمِذِيّ [2] ، حدثنا نعيم بْن حمَّاد قَالَ: سمعت ابن المبارك يَقُولُ: ما رأيت رجلا ارتفع مثل مالك بن أنس من رجل ليس لَهُ كثير صلاة ولا صيام، إلا أن تكون له سريرة عند الله [3] . / أخبرنا محمد بن عبد الباقي قَالَ: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال:
أخبرنا أبو أيوب الجلاب، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَر قَالَ: لما دعي مالك وسور وسمع منه شنف الناس له وحسدوه، فلما ولي جعفر بْن سُلَيْمَان المدينة سعوا به إِلَيْهِ، وقالوا: إنه لا يرى أيمان بيعتكم بشيء، وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت عن الأحنف، في طلاق المكره أنه لا يجوز، فغضب جعفر بن سُلَيْمَان [4] ، فدعا بمالك، فاحتج عليه بما رقي إِلَيْهِ، ثم جرده ومده وضربه بالسياط، ومدت يده حتى انخلع كتفاه، وارتكب منه أمر عظيم، فو الله ما زال بمالك بعد ذلك من رفعة عند الناس، وكأنما [كانت] [5] تلك السياط حليا حلي بها [6] .
وكان يشهد الصلوات والجنائز والجمعة [7] ، ويعود المرضى، ويجلس في المسجد، ويجتمع إليه أصحابه، ثم ترك الجلوس في المسجد، وكان يصلي ثم ينصرف وترك شهود الجنائز، وكان يأتي أهلها فيعزيهم، ثم ترك ذلك كله فلم يكن يشهد الصلوات في مسجد ولا الجمعة، ولا يأتي أحدا يعزيه، واحتمل الناس له ذلك، / ومات على ذَلِكَ وربما كلم في ذَلِكَ فيقول: ليس كل الناس يقدر يتكلم بعذره [8] .
__________
[1] في الأصل: «العطوف» .
[2] في الأصل: «اليزيدي» .
[3] «عند الله» ساقطة من ت.
[4] «سليمان» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «يحلى بها» .
[7] في ت وابن سعد: «الجمعة والجنائز» .
[8] طبقات ابن سعد ص 441- 443 الجزء المتمم. ونقله ابن خلكان في وفيات الأعيان 4/ 136. والذهبي في تذكرة الحفاظ 1/ 310.(9/44)
ومنذ خرج مُحَمَّد بن [عَبْد اللَّهِ بن] [1] حسن بالمدينة لزم مالك بيته فلم يخرج حتى قتل مُحَمَّد، وكان يجلس في منزله على ضجاع لَهُ ونمارق مطروحة يمنة ويسرة في سائر البيت لمن يأتيه من قريش والأنصار، وكان مجلسه مجلس وقار وحلم، وكان نبيلا مهيبا لا يستفهم هيبة [2] .
قال محمد بن سعد: وحدثنا ابن أبي أويس قَالَ اشتكى مالك أياما يسيرة [3] ، فسألت بعض أهلنا عما قال عند الموت، فَقَالَ: تشهد ثم قَالَ: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمن بَعْدُ 30: 4 [4] .
وتوفي في صبيحة أربعة عشر من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة، في خلافة هارون، وصلى عليه والي المدينة عبد الله بن محمد بن إبْرَاهِيم، ودفن بالبقيع وهو ابْن خمس وثمانين سنة، وقيل: تُوُفِّيَ فِي صفر من هذه السنة رضي الله عَنْه [5] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] طبقات ابن سعد ص 442، 443 الجزء المتمم.
[3] «يسيره» ساقطة من ت.
[4] سورة: الروم، الآية: 4.
[5] «من هذه السنة رضي الله عنه» ساقطة من ت.(9/45)
ثم دخلت سنة ثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
عود الفتنة بالشام، فاقتتل أهلها، وتفاقم الأمر، فاغتم بذلك الرشيد [1] ، وعقد لجعفر بْن يحيى على الشّام، وقال لَهُ: إما أن تخرج أنت أو أنَا. فقال له جعفر: بل أقيك [2] بنفسي. فشخص [3] في جلة القواد والكراع والسلاح، وأتاهم فأصلح بينهم، وقتل المناصفية منهم ولم يدع بها رمحا ولا فرسا، فعادوا إلى الأمن والطمأنينة، وانطفأت/ تلك الثائرة، وولى جعفر بن يحيى صالح بن سليمان البلقاء وما يليها، واستخلف على الشام عيسى بن العتكي، وانصرف فازداد الرشيد له إكراما، فلما قدم دخل على الرشيد فقبل يديه ورجليه، وقال: الحمد للَّه الَّذِي آنس وحشتي وأنسأ في أجلي حتى أراني وجه سيدي وأكرمني بقربه، وردني إلى خدمته، فو الله إن كنت لأذكر غيبتي، والمقادير التي أزعجتني، فأعلم أنها كانت بمعاص لحقتني، ولو طال مقامي لخفت أن يذهب عقلي إشفاقا على قربك وأسفا على فراقك [4] .
وفي هذه السنة: كانت زلزلة بمصر ونواحيها، وسقطت رأس منارة الاسكندرية فيها [5] .
__________
[1] في ت: «الرشيد بذلك» .
[2] في الأصل: «أفدك» .
[3] في الأصل: «فشخصي» . والتصحيح من: ت.
[4] تاريخ الطبري 8/ 263، 264. والبداية والنهاية 10/ 175. والكامل 5/ 310.
[5] تاريخ الطبري 8/ 266. والكامل 5/ 311. والبداية والنهاية 10/ 175.(9/46)
وفيها: أخذ الرشيد من جعفر بن يحيى الخاتم، فدفعه إلى أبيه يحيى بن خَالِد [1] .
وفيها: ولى جعفر بن يحيى خراسان وسجستان، فاستعمل جعفر عليها محمد بن الحسن بن عطية [2] .
وفيها: شخص الرشيد من مدينة السلام يريد الرقة على طريق الموصل، فلما نزل البردان، ولّى عيسى بن جعفر خراسان، وعزل عنها جعفر بن يحيى، وكانت ولاية جعفر إياها [3] عشرين ليلة [4] .
وفيها: ولى جعفر بن يحيى الحرس [5] .
وفيها: هدم الرشيد سور الموصل بسبب الخوارج الذين خرجوا منها، ثم مضى إلى الرقة فنزلها، فاتخذها/ وطنا [6] .
وفيها: عزل هرثمة بن أعين عن إفريقية وأقفله إلى مدينة السلام فاستخلف جعفر بْن يحيى على الحرس [7] .
وفيها: خرجت خراشة الشيباني وشري بالجزيرة فقتله مسلم بن بكار بن مسلم العقيلي [8] .
وفيها: خرجت المحمرة بجرجان، وكتب علي بن موسى بن هامان أن الذي يهيج ذلك عليه عَمْرو بن محمد العمركي، وأنَّه زنديق، فأمر الرشيد بقتله، فقتل بمرو [9] .
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 265. والكامل 5/ 310.
[2] تاريخ الطبري 8/ 266. والكامل 5/ 310. والبداية والنهاية 10/ 175.
[3] في الأصل: «عليها» .
[4] تاريخ الطبري 8/ 266. وتاريخ الموصل ص 284- 289.
[5] تاريخ الطبري 8/ 266. والبداية والنهاية 10/ 175. والكامل 5/ 310.
[6] تاريخ الطبري 8/ 866. والكامل 5/ 310.
[7] تاريخ الطبري 8/ 266. والكامل 5/ 311. والبداية والنهاية 10/ 175.
[8] تاريخ الطبري 8/ 266. والكامل 5/ 311. والبداية والنهاية 10/ 175.
[9] تاريخ الطبري 8/ 266. والبداية والنهاية 10/ 175.(9/47)
وفيها: عزل الرشيد الفضل بن يحيى عن طبرستان والرويان، وولى ذلك عبد الله بن حازم. وعزل الفضل أيضا عن الري، ووليها محمد بن يحيى بن الحارث، وولى سعيد بن مسلم الجزيرة [1] .
وفيها [2] : غزا الصائفة معاوية بن زفر بن عاصم [3] .
وفيها: قدم الرشيد من مكة إلى البصرة في المحرم فنزل المحمدية أياما، ثم تحول منها إلى قصر عيسى بالحربية، وشخص عن البصرة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرم، فقدم بغداد، ثم شخص [منها] [4] إلى الحيرة فسكنها، وابتنى بها المنازل، وأقطع من معه الخطط، وأقام بها نحوا من أربعين يوما، فوثب أهل الكوفة وأساءوا مجاورته، فارتحل إلى مدينة السلام، ثم شخص إلى الرقة، فاستخلف ببغداد الأمين، وولاه العراق [5] .
وحج بالناس في هذه السنة: موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي/ [6] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
965- إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير [7] ، أبو إبراهيم الأنصاري
[8] .
مولى بني زريق، قارئ مدينة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعَ عبد الله بن دينار، وشريك بن عبد الله، ومالك بن أنس، وغيرهم. وكان ثقة مأمونا. فأقام ببغداد يؤدب علي بن المهدي إلى أن توفي في هذه السنة.
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 266. والكامل 5/ 311.
[2] «وفيها» ساقطة من ت.
[3] تاريخ الطبري 8/ 266. والكامل 5/ 311 والبداية والنهاية 10/ 175.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ الطبري 8/ 266، 267.
[6] تاريخ الطبري 8/ 267. وتاريخ الموصل ص 290. والبداية والنهاية 10/ 175. والكامل 5/ 311.
[7] في الأصل: «إسماعيل بن أبي بكر بن أبي كثير» .
[8] تاريخ بغداد 6/ 218- 221. والبداية والنهاية 10/ 175.(9/48)
966- علي بن المهدي [1] ، أبو محمد الهاشمي، وأمه ريطة بنت أبي العباس
[2] .
تولى أمور الحج وإمارة الموسم غير مرة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي، أنبأنا إبراهيم بن مخلد قال: أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي قَالَ: توفي أبو محمد علي ابن أمير المؤمنين [3] المهدي في المحرم من سنة ثمانين ومائة في بستانه بعيساباذ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، لأن مولده بالري سنة سبع وأربعين ومائة [4] وهو أسن من أخيه الرشيد بشهور.
967- حسان بن سنان بن أوفى بن عوف، أبو العلاء التنوخي الأنباري
[5] .
ولد سنة ستين من الهجرة على النصرانية، وكانت دينه ودين آبائه ثم أسلم، وحسن إسلامه/، وكان يكتب بالعربية والفارسية والسريانية، ولحق الدولتين، فلما قلد السفاح ربيعة الرأي القضاء بالأنبار أتى مكتوب بالفارسية، فلم يحسن أن يقرأه، فطلب رجلا ثقة دينا يحسن قراءته، فدل على حسان فجاء بِهِ، فكان يقرأ له الكتب بالفارسية، فلما اختبره ورضي مذاهبه استكتبه، وكان جد إسحاق البهلول، وسمع أنس بن مالك، ودعا لَهُ، فخرج من أولاده جماعة: فقهاء، وقضاة، ورؤساء، وصلحاء، وكتاب، وزهاد. وروى عنه: ابن أبي إسحاق.
وتوفي فِي هذه السنة، وهو ابن مائة وعشرين سنة.
968- سلمة بن صالح، أبو إسحاق الجعفي الأحمر الكوفي
[6] .
حدث عَن أبي إسحاق، وحماد بن أبي سُلَيْمَان. روى عنه: أحمد بن منيع، وكان قد ولي القضاء بواسط في زمن الرشيد ثم عزل وقدم بغداد فأقام بها إلى أن مات.
__________
[1] في الأصل: «عيسى بن المهدي» .
[2] تاريخ بغداد 12/ 54.
[3] «أمير المؤمنين» ساقطة من ت.
[4] «لأن مولده ... ومائة» ساقطة من ت.
[5] تاريخ بغداد 8/ 258- 260.
[6] تاريخ بغداد 9/ 130- 134.(9/49)
وكان سبب عزله عن واسط: أن هشيم بن بشير تقدم مع خصم له إليه، فكلم الخصم هشيما بكلمة، فرفع هشيم يده، فلطم الخصم، فأمر سلمة بهشيم فضرب عشر درر وقَالَ: تتعدى على خصمك بحضرتي؟ فأغضب ذلك مشيخة واسط، فخرجوا إلى الرشيد/، فلقوه بمكة يطوف، فكلموه في سلمة وقالوا: لسنا نطعن عَلَيْهِ، ولكن رجل موضع رَجُل. فأمر بعزله وتقليد سواه [1] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، أخبرنا محمد بْن عُمَر بْن روح، أَخْبَرَنَا المعافى بْن زكريّا، حدثنا طاهر بن مسلم العبدي قَالَ: حدثني محمد بن عمران الضَّبُّي، حَدَّثَنَا محمد بن خلاس قَالَ: لما عزل شريك عن القضاء تعلق به رجل ببغداد فَقَالَ: يا أبا عبد الله، لي عليك ثلاثمائة درهم فأعطنيها. قَالَ: ومن أنَا؟ قَالَ:
أنت شريك بن عبد اللَّه، القاضي. قَالَ: ومن أين هي لك؟ قَالَ: ثمن هذا البغل الذي تحتك. قَالَ: نعم، تعال. فجاء يمشي معه، حتى إذا بلغ الجسر قَالَ: من ها هنا؟ فقام إليه أولئك الشرط، فَقَالَ: خذوا هذا فاحبسوه، لئن أطلقتموه لأخبرن أبا العباس عبد الله بن مالك. فقالوا: إن هذا الرجل يتعلق بالقاضي [إذا عزل] [2] فيدعي عليه فيفتدي منه، قد تعلق بسلمة الأحمر حين عزل عن واسط، فأخذ منه أربعمائة درهم، فَقَالَ: هكذا؟ فكلم فيه، فأبى أن يطلقه، فقال له عبد الله بن مالك: / إلى كم يحبس؟
قَالَ: إلى أن يرد على سلمة الأحمر أربعمائة درهم. قال: فردّ [3] على سلمة الأحمر أربعمائة درهم، فجاء سلمة إلى شريك فشكر لَهُ، فقال لَهُ: يا ضعيف كل من سألك مالك أعطيته إياه [4] .
اضطرب على سلمة حفظه فضعفه أصحاب الحديث، وتوفي ببغداد في هذه السنة. وقيل: في سنة ست وثمانين. وقيل: سنة ثمان وثمانين.
969- الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حزام.
كان علامة قريش بالمدينة بأخبارها، وأشعارها، وأيامها، وأيام العرب وأشعارها،
__________
[1] تاريخ بغداد 9/ 130، 131.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «فرد» ساقطة من الأصول. وأثبتناه من تاريخ بغداد.
[4] تاريخ بغداد 9/ 131.(9/50)
وأيامها. وكان من أكبر أصحاب مالك بن أنس هو وأبوه، ولما استعمل عبد الله بن مصعب بْن ثابت على اليمن وجه الضحاك خليفة له عليها، وفرض له كل سنة ألف دينار، وكلم لَهُ الخليفة فأعطاه أربعين ألف درهم، وكان محمود السيرة.
وتوفي بمكة عند منصرفه من اليمن يوم التروية من هذه السنة.
970- عَبَّادُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْمُهَلَّبِ بْن أبي صفرة، أبو معاوية الْبَصْرِيّ
[1] .
سَمِعَ هشام بن عُرْوَة. وروى عَنْه: أحمد بن حنبل، وأبو عُبَيْد، وكان ثقة صدوقا، غزير العقل، / ذا هيئة حسنة.
وتوفي في هذه السنة. وقيل: سنة إحدى وثمانين.
971- عبد الوارث بن سعيد، أبو عبيدة التميمي، مولى بني العنبر
[2] .
شهد له شعبة بالإتقان. وتوفي في هذه السنة.
972- عافية بن يزيد بن قيس القاضي
[3] .
ولاه المهدي القضاء ببغداد في الجانب الشرقي، وحدث عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليلى، والأعمش، وغيرهما. وكان من أصحاب أبي حنيفة الذين يجالسونه، فكان أصحابه يخوضون في مسألة فإن لم يحضر عافية قال أبو حنيفة: لا ترفعوا المسألة حتى يحضر عافية، فإذا حضر، فإن وافقهم قال أبو حنيفة: أثبتوها، وإن لم يوافقهم قال أبو حنيفة: لا تثبتوها [4] .
وكان عافية هو وابن علاثة فكانا يقضيان في عسكر المهدي في جامع الرصافة، هذا في أدناه وهذا في أعلاه [5] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا
__________
[1] تاريخ بغداد 11/ 10 وتاريخ الموصل ص 290.
[2] الكامل لابن الأثير 5/ 311. وتاريخ الموصل ص 290. وشذرات الذهب 1/ 293.
[3] تاريخ بغداد 12/ 307- 310. والبداية والنهاية 10/ 176.
[4] تاريخ بغداد 12/ 308.
[5] تاريخ بغداد 12/ 308.(9/51)
عليّ بن المحسن القاضي قَالَ: أخبرنا أَبِي [1] قَالَ: حدثنا أبو الحسين علي بن هشام الكاتب/ قَالَ: حَدَّثَنَا أبو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ سعد مولى بني هاشم قَالَ: حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، عن أشياخه قَالَ: كان عافية القاضي يتقلد للمهدي القضاء، وكان عافية عالما زاهدا، فصار إلى المهدي في وقت الظهر في يوم [2] من الأيام وهو خال، فاستأذن عَلَيْهِ فأدخله، فإذا معه قمطرة فاستعفاه من القضاء واستأذنه في تسليم القمطر إلى من يأمر بذلك، فظن أن بعض الولاة [3] قد غض منه، أو أضعف يده في الحَكَم، فقال لَهُ في ذَلِكَ، فقال لَهُ: ما جرى من هذا شيء، قَالَ: فما كان سبب استعفائك؟ قَالَ: كان يتقدم إلي خصمان موسران وجيهان منذ شهرين في قضية معضلة مشكلة، وكل يدعى بينة وشهودا، ويدلي بحجج تحتاج إلى تأمل وتثبت، فرددت الخصوم رجاء أن يصطلحوا أو يتبين لي وجه فصل ما بينهما. قَالَ: فوقف أحدهما من خبري على أني أحب الرطب السكر، فعمد في وقتنا- وهو أول/ أوقات الرطب- إلى أن جمع لي [4] رطبا سكرا لا يتهيأ في وقتنا جمع مثله إلا [5] لأمير المؤمنين، وما رأيت أحسن منه ورشا بوابي جملة دراهم على أن يدخل الطبق إلي ولا يبالي أن يرد، فلما دخل إلي أنكرت ذَلِكَ وطردت بوابي وأمرت برد الطبق، فلما كان اليوم تقدم إلي مع خصمه فما تساويا في قلبي ولا في عيني، وهذا يا أمير المؤمنين ولم أقبل فكيف يكون حالي لو قبلت، ولا آمن أن تقع علي حيلة في ديني فأهلك، وقد فسد [الناس] . [6] فأقلني أقالك الله وأعفني، فأعفاه [7] .
أخبرنا عبد الرَّحْمَن قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي] الخطيب. قال: أخبرنا محمد بن الحُسَين القطان، أخبرنا محمد بن الحسن [8] بن زياد المقرئ أن داود بْن
__________
[1] في الأصل: «أخبرنا أحمد أبي» .
[2] في الأصل: «يوما» .
[3] في تاريخ بغداد: (الأولياء) .
[4] «لي» ساقطة من ت، وتاريخ بغداد.
[5] «إلّا» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] تاريخ بغداد 12/ 308، 309.
[8] «القطان أخبرنا محمد بن الحسن» ساقطة من ت.(9/52)
وسيم البوشنجي أخبرهم قَالَ: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد اللَّه، عن عمه عبد الملك بن قريب الأصمعي: أنه قَالَ: كنت عند الرشيد يوما، فرفع إليه في قاض يقال لَهُ: عافية، فكبر عَلَيْهِ، فأمر بإحضاره، فأحضر، وكان في المجلس جمع كبير، فجعل أمير المؤمنين يخاطبه ويوقفه عَلَى ما رفع إِلَيْهِ، وطال المجلس، ثم إن أمير المؤمنين عطس/ فشمته من كان بالحضرة ممن قرب منه سواه، فإنه لم يشمته، فقال له الرشيد: ما بالك لم تشمتني كما فعل القوم؟ فقال له عافية [لأنك] [1] يا أمير المؤمنين لم تحمد اللَّه، فلذلك لم أشمتك، هذا النبي صلَّى الله عليه وسلّم عطس عنده رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر، فَقَالَ يا رسول الله، ما بك شمت ذلك ولم تشمتني؟ قال: «لأن هذا حمد الله فشمتناه وأنت لم تحمده فلم أشمتك» . فقال له الرشيد: ارجع إلى عملك، فأنت لم تسامح في عطسة تسامح في غيرها؟ وصرفه منصرفا جميلا وزبر القوم الذين كانوا رفعوا عَلَيْهِ [2] .
أخبرنا عبد الرَّحْمَن قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي] الخطيب قال: أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء مُحَمَّد بْن عَلِي بْن يعقوب قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بن محمد بن إبراهيم الرياحي قال: حَدَّثَنَا إبراهيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة قَالَ: أخبرنا أبو العباس المنصور، عن ابن الأعرابي قال: خاصم أبو دلامة رجلا إلى عافية فَقَالَ:
لقد خاصمتني غواة الرجا ... ل وخاصمتهم سنة وافيه
فما دحض الله لي حجة ... وما خيب الله لي قافيه/
فمن كنت من جوره خائفا ... فلست أخافك يا عافيه
فقال له عافية: لأشكونك إلى أمير المؤمنين. قَالَ: لم تشكوني؟ قَالَ: لأنك هجوتني قَالَ: والله لئن شكوتني ليعزلنك. قَالَ: ولم؟ قَالَ: لأنك لم تعرف الهجاء من المديح [3] .
973- عمرو بن عثمان بن قنبر، أبو بِشْرِ، المعروف بسيبويه النَّحْوِي، مولى بْني الحارث بن كعب. وقيل: مولى آل الربيع بن زياد [1] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ بغداد 12/ 309.
[3] تاريخ بغداد 12/ 310.(9/53)
وتفسير سيبويه: رائحة التفاح، وكانت والدته ترقصه [2] في الصغر بذلك.
قال إبراهيم الحربي: سمي سيبويه لأن وجنتيه كانتا كأنهما تفاحة.
قال مؤلف الكتاب [3] : وكان سيبويه يصحب المحدثين والفقهاء، ويطلب الآثار، وكان يستملي على حماد بن سَلَمَة، فلحن في حرف، فعابه حماد فأنف من ذَلِكَ، ولزم الخليل فبرع في النَّحْو، وقدم بغداد وناظر الكسائي.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أنبأني الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن سلامة القضاعي قال: أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن إسماعيل النجيرمي قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسن علي بن أحمد المهلبي قَالَ: أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الرَّحْمَن الروذباري قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الملك التاريخي/ قَالَ: حدثنا إبراهيم الحربي قال: سمعت ابن عائشة يَقُولُ: كنا نجلس مع سيبويه النحوي في المسجد، وكان شابا جميلا نظيفًا، قد تعلق من كل علم بسبب، وضرب في كل أدب [4] بسهم مع حداثة سنه وبراعته في النَّحْو [5] .
قال التاريخي: وحدثني ابن الأعلم قَالَ: حدثنا محمد بن سلام قال: كان سيبويه جالسا في حلقة بالبصرة، فتذاكرنا شيئا من حديث قَتَادةُ، فذكر حديثا غريبا وقَالَ: لم يرو هذا غير سعيد [6] بن أبي العروبة. فقال له بعض من حضر: ما هاتان الزيادتان يا أبا بِشْرِ؟ قَالَ: هكذا يقال، لأن العروبة يوم الجمعة، فمن قال عروبة فقد أخطأ، قال ابن سلام: فذكرت ذلك ليونس فَقَالَ: أصاب، للَّه دره [7] .
قال أبو سعيد السيرافي: أخذ سيبويه اللغات عَن أبي الخطاب الأخفش وغيره،
__________
[1] تاريخ بغداد 12/ 195- 199. وتاريخ بغداد 10/ 176.
[2] في الأصل: «تصغره» .
[3] في ت: «قال المصنف» .
[4] في الأصل: «في كل علم» .
[5] تاريخ بغداد 12/ 196، 197.
[6] في ت: «لم يرو هذا الحديث إلا سعيد ... » .
[7] تاريخ بغداد 12/ 197.(9/54)
وعمل كتابه الذي لم يسبقه أحد إلى مثله ولا لحق به من بعده، وكان كتابه لشهرته [1] عند النحويين علما، فكان يقال بالبصرة قرأ فلان للكتاب فيعلم أنه كتاب سيبويه، وكان المبرد إذا أراد مريد أن يقرأ عليه كتاب سيبويه يقول لَهُ: هل ركبت البحر. تعظيما لَهُ واستصعابا لما فيه.
وقال السيرافي: / لم نعلم [2] أحدا قرأ كتاب سيبويه عليه، إنما قرئ بعده على أبي الحسن الأخفش، ورأيت في تعاليق أبي عبد الله المرزباني: قَالَ ثعلب: اجتمع أربعون نفسا حتى عملوا كتاب سيبويه هو أحدهم، وهو أصول الخليل ونكته فادعاه سيبويه، وأنا أستبعد هذا لأن مثله لا يخفى [3] ، والكل قد سلموا للرجل.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ [بْن عَلِيِّ بْن ثَابِتٍ] [4] الْخَطِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا هلال بن المحسن قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الْجَرَّاح قَالَ:
حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قَالَ: أخبرنا ابن المتوكل [5] قَالَ: حدثنا أبو بكر العبدي قَالَ: لما قدم سيبويه بغداد، فناظر سيبويه الكسائي وأصحابه، فلم يظهر عليهم، فسأل من يبذل من الملوك ويرغب في النَّحْو؟ فقيل لَهُ: طلحة بن طاهر.
فشخص إلى خراسان، فلما انتهى إلى ساوة [6] مرض مرضه الَّذِي مات فيه، فتمثل عند الموت:
يؤمل دنيا لتبقى له ... فمات المؤمل قبل الأمل
حثيثا يروي أصول الفسيل ... فعاش الفسيل ومات الرجل
[7] أخبرنا عبد الرحمن [بن مُحَمَّد قال:] أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت] [8]
__________
[1] في الأصل: «أشهر» .
[2] في ت: «ولا نعلم» .
[3] في الأصل: «لا يلقى» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «ولد المتوكل» . وفي تاريخ بغداد: «أبو بكر مؤدب ولد الكيّس بن المتوكل» .
[6] في الأصل: «إلى سامراء» .
[7] تاريخ بغداد 12/ 198. والبيت في البداية والنهاية:
يربي فسيلا ليبقى له ... فعاش الفسيل ومات الرجل
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/55)
الخطيب، أخبرنا عبد الله بن يحيى [1] السُّكري قَالَ: أخبرنا جعفر/ بن محمد بن أحمد بن الحَكَم قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ [2] الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ المتوكل قَالَ: أخبرنا أبو الحسن المدائني قال: قال أبو عمرو بن يزيد: احتضر سيبويه فوضع رأسه في حجر أخيه، فأغمي عَلَيْهِ فدمعت عين أخيه فأفاق فرآه يبكي فَقَالَ [3] :
فكنا جميعا فرق الدهر بيننا ... إلى الأمد الأقصى فمن يأمن الدهرا؟
توفي سيبويه في هذه السنة. وقيل: في التي قبلها.
قال أبو بكر الخطيب: ويقال أن سنه كانت اثنتين وثلاثين سنة [4] .
974- عفيرة العابدة
[5] .
كانت طويلة الحزن، كثيرة البكاء، قدم أخ لها، فبشرت بقدومه، فبكت، فقيل لها هذا وقت بكاء؟ فقالت: ما أجد للسرور في قلبي مسكنا مع ذكر الآخرة، ولقد أذكرني قدومه يوم القدوم على الله فمن بين مسرور ومثبور.
أخبرنا ابن ناصر بإسناد لَهُ عن محمد بن عبيد قال: دخلنا على امرأة بالبصرة يقال لها: عفيرة، فقيل لها: [يا عفيرة] [6] ، ادعي الله لنا. فقالت: لو خرس الخاطبون ما تكلمت عجوزكم، ولكن المحسن أمن المسيء بالدعاء، جعل الله قراكم من بيتي في الجنة، وجعل الموت مني ومنكم/ عَلَى بال.
975- مسلم بن خالد بن سعيد بن خرجة، أبو خَالِد. ويلقب: الزنجي.
كان فقيها، عابدا، يصوم الدهر.
توفي بمكة في هذه السنة، لكنه كان كثير الغلط والخطأ في حديثه [7] .
__________
[1] في الأصل: «بن عيسى» .
[2] في الأصل: «أبو حمزة» .
[3] تاريخ بغداد 12/ 198.
[4] تاريخ بغداد 12/ 199.
[5] البداية والنهاية 10/ 177.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «تم المجلد الثاني عشر والنصف الأول بسم الله الرحمن الرحيم» .(9/56)
ثم دخلت سنة إحدى وثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
غزو الرشيد أرض الروم، فافتتح بها عنوة حصن الصفصاف، فقال مروان بن أبي حفصة:
إن أمير المؤمنين المصطفى ... قد ترك الصفصاف قاعا صفصفا
[1] وفيها: غزا عبد الملك بن صالح الروم فبلغ أنقرة، وافتتح مطمورة [2] .
وفيها: غلبت المحمرة على جرجان [3] .
وفيها: أحدث الرشيد عند نزوله للرقة في صدور كتبه الصلاة على النبي مُحَمَّد صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم [4] .
وفيها: حج بالناس [5] الرشيد، وتخلف عنه يحيى بن خَالِد، ثم لحقه بالعمرة، فاستعفاه من الولاية، فأعفاه فرد إليه الخاتم، وسأله الإذن له في المقام بمكة، فأذن له، فانصرف اليها [6] .
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 267. وتاريخ الموصل ص 290. والبداية والنهاية 10/ 177.
[2] تاريخ الطبري 8/ 268. والبداية والنهاية 10/ 177.
[3] تاريخ الطبري 8/ 168. والبداية والنهاية 10/ 177.
[4] البداية والنهاية 10/ 177. وتاريخ الطبري 8/ 268.
[5] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة» .
[6] تاريخ الطبري 8/ 268. والبداية والنهاية 10/ 177. وتاريخ الموصل ص 292.(9/57)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
976- الحسن بن قحطبة بن شبيب بن خالد بن معدان، أبو الحَسَن، وهو أخو حميد بن قحطبة
[1] .
والحسن أحد قواد الدولة [العباسية] [2] .
توفي في هذه السنة وهو ابن أربع وثمانين سنة.
977- خلف بن خليفة بن صاعد، أبو أحمد الأشجعي
[3] .
روى عَنْه: هشيم، وقتيبة، والحسن بن عرفة. وكان ثقة صدوقا، نزل الكوفة، ثم انتقل إلى واسط، ثم تحول إلى بغداد فأقام بها، حتى توفي في هذه السنة وهو ابن مائة سنة وستة.
978- عبد الله بن المبارك، أبو عبد الرحمن المروزي، مولى بني حنظلة
[4] .
كان أبو تركيا [وكان عبدا لرجل من التجار] [5] من همذان من بني حنظلة، وكان عبد الله إذا قدم همذان يخضع لوالديه [6] ويعظمهم [7] ، وكانت أمه خوارزمية [8] .
ولد سنة ثماني عشرة ومائة، وسمع هشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وسليمان التَّيْمي، وحميد الطويل، وابن عَوْن ومالكا، والثَّورِي، والأوزاعي، وغيرهم. وكان من أئمة المسلمين الموصوفين بالحفظ والفقه والعزيمة والزهد والكرم والشجاعة. وله التصانيف الحسان/، والشعر المتضمن للزهد والحكمة، وكان من أهل الغزو والمرابطة، وكان ابن عُيَيْنَة يَقُولُ: نظرت في أمر
__________
[1] تاريخ بغداد 7/ 493.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ بغداد 8/ 318.
[4] تاريخ بغداد 10/ 152- 169.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «لولده» .
[7] في ت: «ويطعمهم» .
[8] تاريخ بغداد 10/ 153.(9/58)
الصحابة وأمر ابن المبارك، فما رأيت لهم عليه فضلا إلا بصحبتهم للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أخبرنا [أبو] منصور القزاز قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي] [1] الخطيب، أخبرنا أحمد بن عبد الله أبو الحسين المحاملي قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَكِّي قَالَ:
حدّثنا أبو العباس مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَنِ الدغولي قَالَ: حَدَّثَنَا عبد المجيد بن إبراهيم، حدثنا وهب بن زمعة [2] قال: حدّثنا معاذ بن خَالِد قَالَ: قال إسماعيل بن عيّاش: ما على وجه الأرض مثل عبد الله بن المبارك ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها في عبد الله بن المبارك [3] ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكَّةَ، فكان يطعمهم الخبيص وهو الدهر صائم [4] .
أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد قال:] أخبرنا أحمد بن عليّ قَالَ: أخبرنا أبو الطيب [5] عبد العزيز بن علي بن محمد الْقُرَشِيّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عمر بن أَحْمَد بن هارون قَالَ: حدثنا محمد بن حمدويه قَالَ: حدثنا أحمد بن سعيد بن مسعود المروزي قَالَ:
حدثنا أبو حاتم الرازيّ قال: سمعت عبده بن سُلَيْمَان يَقُولُ: كنا في سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعى إلى البراز، فخرج إليه رجل فطارده ساعة، فطعنه فقتله، ثم خرج آخر فقتله، ثم خرج آخر/ فقتله، ثم دعى إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فقتله [6] ، فازدحم عليه الناس، فكنت فيمن ازدحم عَلَيْهِ، فإذا هو يلثم وجهه بكمه، فأخذت بطرف كمه فمددته، فإذا هو عبد الله بن المبارك، فَقَالَ: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا [7] .
أخبرنا عبد الرحمن بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي] [8] الخطيب قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «بن جمعة» .
[3] في الأصل: «قد جعلها فيه» .
[4] تاريخ بغداد 10/ 157.
[5] في الأصل: «الخطيب أبو الطيب» .
[6] «ثم خرج آخر فقتله ... ساعة فقتله» ساقطة من ت.
[7] تاريخ بغداد 10/ 167.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/59)
أخبرني أَبُو عَلي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فضالة قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّد بْنُ مُحَمَّدِ بن مجاهد قَالَ: حدثنا محمد بن جبريل قَالَ: سمعت أبا حسان [1] الْبَصْرِيّ يَقُولُ: سمعت الحسن بن عرفة يَقُولُ: قال ابن المبارك: استعرت قلما بأرض الشّام، فذهب علي أن أرده إلى صاحبه، فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي، فرجعت يا أبا علي إلى [أرض] [2] الشام حتى رددته على صاحبه [3] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قَالَ: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قَالَ: حدثني يحيى بن علي بن الطيب الدسكري قَالَ: أخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي قال:
أخبرنا أبو الحسين عبد الله بن إبراهيم الرازي قَالَ: حدثنا محمد بن علي الهَمَذاني قَالَ: حدثنا أبو حفص عمر بن مدرك قَالَ: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن قَالَ: حدثنا أشعث بن شعبة المصيصي قال: قدم هارون الرشيد أمير المؤمنين الرقة [وقدم عبد الله بن المبارك بعده] [4] فانجفل الناس خلف/ عبد الله بن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فاشرفت أم ولد لأمير [5] المؤمنين من برج من قصر الخشب، فلما رأت النَّاسَ قالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقال لَهُ:
عبد الله بن المبارك [6] . فقالت: هذا والله الملك لا ملك هارون الّذي لا يجمع الناس إلا بسوط [7] وأعوان [8] .
أخبرنا زَاهِرُ بْن طَاهِرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ البيهقيّ قَالَ: حدثنا أبو عبد الله الحاكم قال: سمعت أبا عبد الله مُحَمَّد بْن العباس الضَّبُّي يَقُولُ: سمعت عمر بن علي الجوهري يقول: حدّثنا [أبو بكر] [9] محمد بن عيسى الطرسوسي يَقُولُ: حدّثنا نعيم بن
__________
[1] في ت: «سمعت حسان» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ بغداد 10/ 167.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل. وتاريخ بغداد.
[5] في ت: «أم ولد مروان أمير المؤمنين» .
[6] في الأصل: «ابن المبارك عبد الله» .
[7] في الأصل: «إلا بصوت» . وفي تاريخ بغداد «إلا بشرط» .
[8] تاريخ بغداد 10/ 156، 167.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/60)
حمَّاد قَالَ: حدثنا ابن المبارك قَالَ: قدمت على معمر فسمعت منه وأمرت له بجارية وخمسين دينارا، ثم ودعته وخرجت، فلما كنت على مرحلة ذاكرني عنه إنسان بحديث لم أكن سمعته منه فقلت: لم أسمع منه هذا [1] ، فَقَالَ: ارجع فإنك منه قريب. فقلت:
بعد ما بررته لا أرجع فيكون عليه فيه غضاضة أن أرجع إليه بعد البر، حدثني أنت [2] عَنْه. فحدثني عَنْه.
قال الحاكم: وحدثنا محمد بن أيّوب قَالَ: أخبرنا أحمد بن عيسى قال: سمعت علي بن الحسن يقول: سمعت عبد الله بن المبارك يَقُولُ. لا أرى لصاحب عشرة آلاف درهم أن يدع الكسب، فإنه إن لم يفعل لم آمن أن لا يعطف على جاره/ ولا يوسع على عياله.
قال الحاكم: وأخبرني مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المنذر قال: حدثني محمد بن إبراهيم الحدثي قَالَ: حدثني أبي عن رجل قد سماه كان ينزل عليه عبد الله بن المبارك في بعض ما كان ومعه إخوان لَهُ، فشكى إلي العزبة [3] وأمرني أن أشتري له جارية. قَالَ: فاشتريت له [جارية] [4] وعرضتها عليه فرضيها، وقَالَ: ابعث بها إلى المنزل. قَالَ: فأتيت بها أهلي فأقامت حتى حاضت وطهرت، فأخبرته بذلك فقال لي: ابعث بها الليلة، فأتيت بناتي فأخبرتهن، فقمن إليها فمشطنها وهيأنها. قَالَ:
فلما صلى العشاء الآخرة وجهتها إِلَيْهِ، فلما أصبحنا قَالَ للجارية: امضي إلى أهل فلان. قَالَ: فجاءت الجارية فسألتها بناتي وأمهن عن حالها فقالت: ما وضع يده عليّ، قَالَ: فغدوت إليه فقلت: يا أبا عبد الرَّحْمَن، شكوت إلي العزبة، وأمرتني فاشتريت لك جارية، وعرضتها عليك فرضيتها، وقامت بناتي فهيأنها، وإن أم فلان أخبرتني أنك لم تضع يدك عليها؟! قال: لي يا أبا [5] فلان، القول ما قلت لك من شدة العزبة، لكني لما
__________
[1] «فقلت لم أسمع منه هذا» ساقطة من ت.
[2] «أنت» ساقطة من ت.
[3] في ت: «العزوبة» .
والعزبة، والعزوبة: واحد، وهي عدم التزوج. انظر (لسان العرب «عزب» ) .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «أبا» ساقطة من ت.(9/61)
خلوت بها ذكرت إخواني فتذهمت أن أنال شهوة لا ينالوها، وليس في يميني [1] ما يسعهم أخرج الجارية فبعها.
وفي معنى هذه الحكاية قول الشاعر: /
وتركي مواساة الأخلاء بالذي ... تنال يدي ظلم لهم وعقوق
وإني لأستحيي من الناس أن أرى ... بحال اتساع والصديق مضيق
قال الحاكم: وأخبرني أبو نصر الخفاف قَالَ: أخبرنا محمد بن المنذر قَالَ:
سمعت يعقوب [بْن إسحاق بن أيوب] [2] الشيباني يقول: سمعت أبي يحكي عن أَبِيهِ قَالَ: كان عبد الله بن المبارك يحج ومعه أحمال وصناديق وخدم [3] كثيرة، وكان مع بعض خدمه قبجة فلما ارتحلوا من المنزل قدم أثقالهم، فنظر صاحب القبجة إلى القبجة وهي ميتة، فألقاها على كناسة [4] ، وبقرب الكناسة باب صغير، وعبد الله قائم على دابته، ونظر إلى جويرية تخرج رأسها وترجع لتجد بذلك فرصة لكي لا يراها أحد، فتغافل عنها عبد اللَّه، فخرجت في إزارها [5] ليس عليها قميص ولا مقنعة، فحملت تلك القبجة، ودخلت الدار تعدو، فقال عبد اللَّه لغلام لَهُ: انزل واقرع هذا الباب. ونزل الغلام وفعل ما أمره بِهِ، فخرجت تلك الجارية، فسألها عبد الله عن حالها وقصتها وقصة القبجة الميتة، لماذا حملتها؟ فقالت: يا أبا عبد الله، أنا وأخت لي في هذه الحجرة ليس لنا في هذه الدنيا إلا هذا/ الإزار [الواحد] [6] وكان والدنا [7] رجلا موسرا [فمات] [8] فظلمنا وغصبنا على أموالنا، فبقينا بحال [9] تحل لنا [أكل] [10] الميتة، وليس في منزلنا
__________
[1] في ت: «يدي» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «وخدكم» .
[4] في ت: «الكناسة» .
[5] في ت: «إزار» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «وكان لنا والد» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «بحاله» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/62)
شيء إلا هذا الإزار، إذا لبسته بقيت أختي عريانة، فهو كسوتنا وفراشنا ودثارنا. فقال لها [1] عبد الله: ليس لكم قيم؟ قالت: لا، والله. فرق لها عبد اللَّه، ثم قال لغلامه:
الحق فرد الأثقال، فردها، فسأل وكيله: أين النفقة؟ فَقَالَ: على وسطي. وكان حمل ألف دينار فَقَالَ: يا غلام، عد عشرين دينارا لنفقتنا [2] إلى مرو، وصب [3] الباقي في إزار هذه الجارية. ففعل الغلام ذَلِكَ، فلما رجع إلى المنزل قيل لَهُ: ما ردك؟ قَالَ: استقبلني ما هو أفضل من الحج. ورجع إلى مرو.
قال محمد بن المنذر [4] : وحدثني موسى بن عمر وقَالَ: سمعت الحسين بن الحسن يقول: كنا عند ابن المبارك جلوسا، فجاء سائل فسأله شيئا، فَقَالَ: يا غلام ناوله درهما، فلما ولى السائل قَالَ له بعض أصحابه: يا أبا عبد الرَّحْمَن، هؤلاء السؤال يتغدون بالشواء والفالوذج! كَانَ يكفيه قطعة، فلم أمرت له بدرهم؟ قَالَ ابن المبارك: يا غلام، رده، إنما ظننت أنهم يجيزون بالبقل والخل عند غدائهم، فأما إذا كان غداؤهم بالشواء والفالوذج فلا بد من عشرة دراهم، يا غلام ناوله عشرة دراهم.
قال مؤلف الكتاب [5] : وقرأت/ على ابن ناصر، عن أبي القاسم بن اليسرى، عن عبد الله بن بطة قَالَ: سمعت أحمد بن الخليل يَقُولُ: حدثني الحسن بن عيسى قَالَ: سمعت إبراهيم بن رستم يَقُولُ: حدثني خالد الواسطي قَالَ: سمعت سفيان الثَّورِي يَقُولُ: إني لأجهد أن أكون ثلاثة أيام عَلَى حالة يكون عليها ابن المبارك سنة فما أقدر عليّه.
توفي ابن المبارك بهيت، في رمضان هذه السنة، وهو ابن ثلاث وستين سنة.
979- عيسى بن أبي جعفر المنصور.
توفي ببغداد في ذي القعدة من هذه السنة [6] .
__________
[1] في ت: «فسألها» .
[2] في ت: «تكفينا» .
[3] في ت: «وصبت» .
[4] في الأصل: «أخبرنا محمد بن المنذر» .
[5] «قال مؤلف الكتاب» ساقطة من ت.
[6] تاريخ بغداد 11/ 152.(9/63)
980- علي بن هاشم بن البريد، أَبُو الحسن الخزاز
[1] .
الكوفي قدم بغداد، وحدث بها عن إسماعيل بن أبي خالد، الأعمش.
روى عنه: أحمد بن حنبل، واتفقوا على أنه [كان] ثقة [ولكن] [2] كان يتشيع.
وتوفي في هذه السنة.
981- المفضل بن فضالة بن عبيد، أبو معاوية الرعيني، ثم القتباني
[3] .
ولد سنة سبع ومائة وولي القضاء بمصر مرتين، وكان من أهل الدين والفقه والورع، وإجابة الدعوة، دعا إلى الله أن يذهب عنه [4] الأمل فأذهبه عنه، وكاد يختلس/ عقله ولم يهنئه شيء من الدنيا، فدعى الله أن يرده إِلَيْهِ، فرده فرجع إلى حاله.
قال ابن رمح: كان بيني وبين جار لي مشاجرة في حائط، فقالت أمي: امض إلى القاضي المفضل بن فضالة فقل لَهُ: أمي تقول لك: أحب أن تأتي فتنظر هذه الحائط لنا أو لجارنا؟ فمضيت فأخبرته، فَقَالَ اجلس لي بعد العصر حتى آتيك. فجلست له، فأتى فدخل إلى دارنا ثم دخل إلى دار جارنا، فنظر ثم قَالَ: الحائط لجاركم. ثم انصرف.
توفي في شوال هذه السنة وسيأتي ذكر ابن ابنه المفضل بن فضالة بن المفضل بن فَضَالة [5] .
982- يعقوب العابد الكوفي
[6] .
أخبرنا أبو بكر بن حبيب الصوفي قال: أخبرنا أبو سعد بن أبي صادق الحيريّ قال: أخبرنا أبو عبد الله باكويه الشيرازي قَالَ: حدثنا عمر بن محمد الأردبيلي حدّثنا
__________
[1] تاريخ بغداد 12/ 116.
وفي ت: «علي بن هشام» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] التاريخ الكبير 8/ 317. وطبقات ابن سعد 7/ 517. والجرح والتعديل 8/ 317. وتهذيب التهذيب 10/ 273. والتقريب 2/ 271. والبداية والنهاية 10/ 179.
[4] «عنه» ساقطة من ت.
[5] سيأتي في الجزء الثاني عشر إن شاء الله.
[6] البداية والنهاية 10/ 179. وفيه: يعقوب التائب.(9/64)
علي بن محمد الْقُرَشِيّ قَالَ: حدثنا علي بن الموفق، حدثنا منصور بن عمار قَالَ:
خرجت ذات ليلة فظننت أني قد أصبحت، فإذا علي ليل، فقعدت عند باب صغير، فإذا بصوت [1] شاب يبكي ويقول: وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك/، ولقد عصيتك حين عصيتك، وما أنا بنكالك جاهل، ولا بعقوبتك متعرض، ولا بنظرك مستخف، ولكن سولت لي نفسي، وغلبتني شقوتي، وغرني سترك المرخي علي، عصيتك حين عصيتك [2] بجهلي، وخالفتك بجهدي، فالآن من عذابك من يستنقذني، وبحبل من أتصل إن قطعت حبلك عني؟ وا سوأتاه على ما مضى من أيامي في معصية ربي، يا ويلي كم أتوب وكم أعود، قد آن [3] لي أن أستحي من ربي.
قال منصور: فلما سمعت كلامه، قُلْتُ: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم، بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ.. 66: 6 [4] الآية، فسمعت صوتا واضطرابا شديدا، فمضيت لحاجتي، فلما أصبحت [5] رجعت، وإذا أنا بجنازة علي الباب، وعجوز تذهب.
وتجيء، فقلت لها: من الميت؟ فقالت: اذهب [عني] [6] لا تجدد علي أحزاني [7] .
فقلت: إني رجل غريب. فقالت: هذا ولدي، مر بنا البارحة رجل [8]- لا جزاه الله خيرا- فقرأ آية فيها ذكر النار، فلم يزل ولدي يضطرب ويبكي حتى مات.
قال منصور: هكذا والله صفة الخائفين يا ابن عمار.
__________
[1] «بصوت» ساقطة من ت.
[2] في ت: «ما عصيتك بجهلي» .
[3] في ت: «قد حان» .
[4] سورة: التحريم، الآية: 6.
[5] في ت: «أصبحنا» .
[6] في ت: «إليك عني» وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «أجرا في» .
[8] «رجل» ساقطة من ت.(9/65)
ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
انصراف الرشيد عن مكَّةَ، ومسيره إلى الرقة، وبيعته بها لابنه المأمون بعد الأمين [1] ، فأخذ له البيعة على الجند، وضمه إلى جعفر بن يحيى، ووجهه إلى مدينة السلام، ومعه من أهل بيته: جعفر بن المنصور، وعبد الملك بن صالح. ومن القواد:
علي بن عيسى، فبويع له بمدينة السلام حين قدمها، وولاه أبوه خراسان وما يتصل بها إلى همدان، وسماه المأمون [2] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الحُمَيْدِي قَالَ: أخبرنا أبو غالب بن بشران قال: أخبرنا أبو الحسين بن دينار الكاتب قَالَ: حدثنا أَبُو عَلِيٍّ عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّومَارِيُّ قَالَ: حدثنا أبو بكر بن الجنيد قال: حدثني الحسين بن الصباح الزعفراني. قال: لما قدم الشافعي إلى بغداد وافق عقد الرشيد للأمين والمأمون [على العهد] [3] .
قَالَ: فبكر الناس ليهنئوا الرشيد، فجلسوا في دار العامة ينتظرون الإذن، قَالَ:
فجعل الناس يقولون: كيف/ ندعو لهما؟ فإنا إذا فعلنا ذلك كان دعاء عَلَى الخليفة، وإن لم ندع لهما كان تقصيرا؟ قَالَ: فدخل الشافعي رضي الله عنه، فجلس [4] ، فقيل له
__________
[1] في الأصل: «الأمين بعد المأمون» ووضع الناسخ علامة التقديم والتأخير.
[2] تاريخ الطبري 8/ 269. وتاريخ الموصل 293. والبداية والنهاية 10/ 179. والكامل 5/ 317.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «رضي الله عنه، فجلس» ساقطة من ت.(9/66)
في ذلك، فقال: الله الموفق. فلما أذن دخل النَّاسَ، وكان أول متكلم الشافعي رضي الله عَنْه فقال:
لا قصرا عنها ولا بلغتهما ... حتى تطول على يديك طوالها
وفيها: غزا عبد الرحمن بن عبد الملك الصائفة [1] فبلغ أفسوس [2] مدينة أصحاب الكهف [3] .
وفيها: سملت الروم عيني ملكهم قسطنطين [4] .
وحج بالناس في هذه السنة [5] موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي [6] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
983- إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي، أبو عتبة
[7] .
من أهل حمص، ولد سنة اثنتين ومائة. وقيل: سنة ست. وسمع من الأكابر [8] من أبي بكر بن أبي مريم، ويحيى بن سعيد الْأنصَارِيّ، وسهل بن أبي صالح، وغيرهم.
وروى عَنْه: الأعمش وابن المبارك ويزيد بن هارون/ وقدم بغداد على المنصور فولاه خزانة الكسوة، وكان يَقُولُ: ورثت عن أبي أربعة آلاف دينار فأنفقها في طلب العلم.
__________
[1] في ت: «وغزا فيها الصائفة عبد الرحمن بن عبد الملك» .
[2] في الطبري: «أفسوس» وأسقطها ابن كثير، وفي تاريخ الموصل: «فشوش» وفي الكامل لابن الأثير كما هنا في الأصول، وهو الصحيح.
[3] تاريخ الطبري 8/ 269. والكامل 5/ 317. وتاريخ الموصل ص 293. والبداية والنهاية 10/ 179.
[4] تاريخ الطبري 8/ 269. والبداية والنهاية 10/ 179. والكامل 5/ 317.
[5] «في هذه السنة» ساقطة من ت.
[6] تاريخ الطبري 8/ 269. وتاريخ الموصل ص 294. والبداية والنهاية 10/ 179. والكامل 5/ 317.
[7] «أبو عتبة» ساقطة من ت.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 221- 228.
[8] «من الأكابر» ساقطة من ت.(9/67)
قال يحيى بن معين: إِسْمَاعِيل ثقة، والعراقيون يكرهون حديثه. وقال البخاري:
إذا حدث عن أهل بلده فصحيح، وإذا حدث عن غير أهل بلده ففيه نظر.
توفي في هذه السنة وبعضهم يَقُولُ: في سنة إحدى وثمانين.
984- عمار بن محمد، أبو اليقظان الكوفي
[1] .
ابن أخت سفيان الثَّورِي، سكن بغداد وحدث عن الأعمش. روى عَنْه:
أحمد بن حنبل، والحسن بن عرفة. وقد وثقه قوم.
وقال ابن حِبّان: كان ممن فحش خطؤه وكثر وهمه فاستحق الترك.
توفي في محرم هذه السنة.
985- محمد بن أبي شيبة بن إبراهيم بن عثمان [2] [العبسي] الكوفي
[3] .
والد أبي بكر وعثمان وغيرهما.
قال أبو زكريّا [يحيى بن معين] [4] كان رجلا جميلا ثقة كيسا، وكان على قضاء فارس، ومات بفارس فِي هذه السنة وهو ابن سبع وسبعين [5] سنة.
986- محمد بن حميد، أبو سفيان اليشكري يعرف بالمعمري
[6] .
[لقي] [7] معمر بن راشد، ولرحلته [إليه] [8] سمّي المعمري. وسمع سفيان الثوري وغيره. وكان ثقة صدوقا فاضلا.
توفي في هذه السنة.
__________
[1] تاريخ بغداد 12/ 252، 253. والتاريخ الكبير 7/ 29. والجرح والتعديل 6/ 393. وطبقات ابن سعد 6/ 388، 7/ 328. وتهذيب التهذيب 7/ 405. والتقريب 2/ 48.
[2] في الأصل: «بن عمار» . ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ بغداد 1/ 383- 387. وتهذيب التهذيب 9/ 12- 13.
[4] في الأصل: «أبو بكر» . ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «وهو ابن بضع وسبعين» .
[6] تاريخ بغداد 2/ 257- 259.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/68)
987- مروان بن سليمان [بن يحيى] [1] بن أبي حفصة، أبو الهيذام. وقيل: أبو السمط
[2] .
واسم أبي حفصة: يزيد، وكان من سبي اصطخر، سبي غلاما فاشتراه عثمان بن عفان، فوهبه لمروان [بن الحكم] [3] / فأعتقه يوم الدار، لأنه أبلى يومئذ بلاء [4] حسنا.
وقيل: إن أبا حفصة كان طبيبا يهوديا أسلم على يد عثمان بن عفان. وقيل: على يد مروان بن الحَكَم [5] .
كان مروان بن سليمان شاعرا مجيدا، ومدح المهدي والرشيد ومعن بن زائدة.
وقال الكسائي: إنما الشعر سقاء تمخض، فدفعت الزبدة إلى مروان بن أبي حفصة [6] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر أحمد بن علي] [7] الخطيب قال:
أخبرني أبو علي الجازري قَالَ: حدثنا المعافى قَالَ: حدثنا أحمد بن العباس العسكري قال: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بن أبي سعد قَالَ: حدثنا عبد الله بن موسى بن حمزة قَالَ: حدثني أحمد بن مُوسَى قَالَ: حدثنا الفضل بن بزيع [8] قَالَ: رأيت مروان بن أبي حفصة قد دخل على المهدي بعد موت معن [بن زائدة] فمدحه بأبيات، فَقَالَ: من أنت؟ قَالَ:
شاعرك مروان بن أبي حفصة. فقال لَهُ: ألست تَقُولُ:
أقمنا باليمامة بعد معن ... مقاما ما نريد به زيالا
وقلنا أين نرحل بعد معن ... وقد ذهب النوال فلا نوالا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ بغداد 13/ 142- 145.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «يومئذ بلاء» ساقطة من ت.
[5] «بن الحكم» ساقطة من ت.
انظر: تاريخ بغداد 13/ 142.
[6] تاريخ بغداد 13/ 145.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في الأصل: «بن الربيع»(9/69)
قد جئت تطلب نوالنا، وقد ذهب النوال [1] فلا شيء لك عندنا، جروا برجله.
فجر برجله [2] حتى أخرج. فلما كان في العام المقبل تلطف حتى دخل مع الشعراء.
وإنما كانت الشعراء تدخل على الخلفاء [3] في كل عام مرة، فمثل بين يديه فأنشده:
طرقتك زائرة فحي خيالها
إلى أن بلغ [منها] [4]
شهدت من الأنفال آخر آية ... بتراثهم فأردتم أبطالها/
فجعل المهدي يتزاحف عن مصلاه إعجابا بقوله، ثم قَالَ: كم هي بيتا؟ قال:
مائة بيت. فأمر له بمائة ألف درهم، فلما أفضت الخلافة إلى الرشيد أنشده فقال: ألست القائل في معن كذا وكذا؟ وذكر البيتين، ثم أمر بإخراجه، فتلطف حتى عاد ودخل بعد يومين، فأنشده قصيدة، فأمر له بعدد أبياتها ألوفا [5] .
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الخطيب [قَالَ: أَخْبَرَنَا] [6] الأزهري قَالَ: أخبرنا أَحْمَد بْن إبراهيم، حَدَّثَنَا إبراهيم [7] بْن مُحَمَّد بن عرفة قَالَ: حدثني عبد الله بن إِسْحَاق بن سلام قَالَ: خرج مروان من دار المهدي ومعه ثمانون ألف درهم، فمر بزمن، فسأله فأعطاه ثلثي درهم، فقيل لَهُ: هلا أعطيته درهما؟ فَقَالَ: لو أعطيت مائة ألف لأتممت له درهما.
قَالَ: وكان مروان يبخل فلا يسرج له في داره [8] ، فإذا أراد أن ينام أضاءت له الجارية بقصبة إلى أن ينام [9] .
__________
[1] «وقد ذهب النوال» ساقطة من ت.
[2] «فجر برجله» ساقطة من ت.
[3] في ت: «الحلفا» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ بغداد 13/ 144، 45.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «حدثنا إبراهيم» ساقطة من ت.
[8] «في داره» ساقطة من ت.
[9] تاريخ بغداد 13/ 143.(9/70)
أنبأنا محمد بن عبد الملك، عن أبي محمد الجوهري قَالَ: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني قَالَ: أخبرني يوسف بن يحيى بن علي المنجم، عن أبيه قَالَ [1] : حدثني ابن مهرويه قَالَ: حدثني علي بن محمد النوفلي قَالَ: سمعت أَبِي يَقُولُ: كان المهدي يعطي ابن أَبِي حفصة وسلما الخاسر عطية واحدة، وكان سلم يأتي باب المهدي على برذون قيمته عشرة آلاف درهم، ولباسه الخز والوشي والطيب يفوح منه، ويجيء مروان/ وعليه فرو وكل [2] وقميص كرابيس، وكساء غليظ، وكان لا يأكل اللحم بخلا حتى يقدم إِلَيْهِ، فإذا قدم [إليه] [3] أرسل غلامه فاشترى له رأسا فأكله، فقيل لَهُ: نراك لا تأكل إلا الرءوس. فَقَالَ: الرأس أعرف شعره فآمن خيانة الغلام، وليس بلحم يطبخه الغلام فيقدر أن يأكل منه، وآكل منه ألوانا: آكل [4] عينيه لونا، وأذنيه لونا، وغلصمته لونا، ودماغه لونا، وأكفى [5] مئونة طبخه، فقد اجتمعت لي فيه مرافق.
قال المرزباني: وحدثني أحمد بن عيسى الكرخي قَالَ: حدثنا أبو العيناء قَالَ:
كان مروان بن أبي حفصة [6] من أبخل النَّاسَ، خرج يريد المهدي، فقالت له امرأة من أهله: ما لي عليك إن رجعت بالجائزة؟ قال: إن أعطيت [7] مائة ألف درهم أعطيتك درهما، فأعطى ستين ألفا، فدفع إليها أربعة دوانيق.
توفي مروان في هذه السنة ودفن ببغداد في مقبرة نصر بن مالك.
988- يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة الأنصاري
[8] .
وسعد من الصحابة، عرض على النَّبِيِّ [9] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فاستصغره. وحبتة أمه، وأبوه: بحير بن معاوية.
__________
[1] «قَالَ أخبرني يوسف بن يحيى بن علي المنجم، عن أبيه قال:» ساقطة من ت.
[2] هكذا في الأصول كلها.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «آكل ألوانا» .
[5] في ت: «أكتفي» .
[6] في ت: «كان بن حفصة» .
[7] في الأصل: «أعطى» .
[8] تاريخ بغداد 14/ 242- 262. والبداية والنهاية 10/ 180- 182.
[9] في ت: «رسول الله» .(9/71)
ويكنى يعقوب: أبا يوسف القاضي، وهو صاحب أبي حنيفة.
سَمِعَ أبا إسحاق الشيباني، وسليمان التَّيْمي، ويحيى بن سعيد الْأنصَارِيّ، والأعمش، وهشام بن عروة، وابن إسحاق، والليث في آخرين.
روى عَنْه: محمد/ بن الحَسَن، وعلي بن الْجَعْد، وأحمد بن حنبل، ويحيى ابن معين.
وسكن بغداد وولاه الهادي القضاء، ثم الرشيد، وهو أول من دعي بقاضي القضاة في الإسلام.
وكان استخلف ابنه يوسف على الجانب الغربي، وأقره الرشيد على عمله وولاه قضاء القضاة بعد أبي يوسف.
وقد روينا أنه تردد إلى أبي حنيفة وهو فقير، فنهاه أبوه عن ذَلِكَ فانقطع فلما رآه أبو حنيفة [انقطع] [1] سأله عن سبب [2] انقطاعه، فأخبره فأعطاه مائة درهم وقَالَ:
استمتع [3] بهذه، فإذا فرغت [4] فأخبرني. ثم كان يتعاهده [5] .
وروينا أن أباه مات وخلفه طفلا، وأن أمه هي التي أنكرت عليه ملازمة أبي حنيفة [6] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا الحسن بن أبي بَكْر قَالَ: ذكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش: أن محمد بْن عَبْد الرَّحْمَن الشامي أخبرهم قَالَ: أخبرنا علي بن الجعد قَالَ: أخبرني يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف قَالَ: توفي أبي وخلفني صغيرا في حجر أمي، فأسلمتني إلى قصار أخدمه، فكنت أدع القصّار وأمر إلى حلقة أبي حنيفة، فأجلس فأستمع، وكانت أمي
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «سبب» ساقطة من ت.
[3] في ت: «استنفع» .
[4] في ت: «فنيت» .
[5] تاريخ بغداد 14/ 244.
[6] تاريخ بغداد 14/ 244.(9/72)
تجيء خلفي إلى الحلقة [1] فتأخذ بيدي، وتذهب بي إلى القصار، وكان أبو حنيفة يعنى بي، لما يرى من حرصي على التعلم، فلما كثر ذلك على أمي قالت لأبي حنيفة: ما لهذا الصبي فساد غيرك، هذا صبي يتيم لا كسب [2] له، وأنا/ أطعمه من مغزلي، وآمل أنه يكسب دانقا يعود به عَلَى نفسه. فقال لها أبو حنيفة: مري يا رعناء، ها هو ذا يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق. فانصرفت وقالت لَهُ: أنت شيخ قد خرفت وذهب عقلك.
ثم لزمته، فنفعني الله بالعلم، ورفعني حتى تقلدت القضاء، وكنت أجالس الرشيد، وآكل معه على مائدته، فلما كان في بعض الأيام قدّم إلي هارون فالوذجة بدهن [فقال لي هارون: يا يعقوب، كل منه، فليس كل يوم يعمل لنا مثْلَه. فقلت: وما هذه يا أمير المؤمنين؟ فَقَالَ: هذه فالوذجة بدهن] [3] الفستق، فضحكت. فقال لي: مم تضحك؟
فقلت: خيرا، أبقى الله أمير المؤمنين. فقال: لتخبرني. وألحّ عليّ، فأخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها، فتعجب من ذَلِكَ، وقَالَ: لعمري إن العلم يرفع وينفع دنيا وآخرة.
وترحّم على أبي حنيفة، وقَالَ: كان ينظر بعين عقله ما لا يرى بعين رأسه [4] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِي بْن الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حدثني أَبِي قَالَ: كَانَ سَبَبُ اتِّصَالِ يُوسُفَ بِالرَّشِيدِ أَنَّهُ قَدِمَ بَغْدَادَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي حَنِيفَةَ، فحنث بعض الْقُوَادِ فِي يَمِينٍ، وَطَلَبَ فَقِيهًا يَسْتَفْتِيهِ [5] فِيهَا، فَجِيءَ بِأَبِي يُوسُفَ فَأَفْتَاهُ أَنَّهُ لَم يَحْنَثْ، فَوَهَبَ لَهُ دَنَانِيرَ، وَأَخَذَ لَهُ دَارًا بِالْقُرْبِ مِنْهُ، وَاتَّصَلَ بِهِ، فَدَخَلَ الْقَائِدُ يَوْمًا إِلَى الرَّشِيدِ فَوَجَدَهُ مَغْمُومًا، فَسَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ غَمِّهِ، فَقَالَ: شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ قَدْ أَحْزَنَنِي فاطلب لي فقيها أستفتيه فَجَاءَهُ بِأَبِي يُوسُفَ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: فَلَمَّا دَخَلْتُ إِلَى مَمَرٍّ بَيْنَ الدُّورِ رَأَيْتُ فَتًى حَسَنًا عَلَيْهِ أَثَرُ الْمُلْكِ/، وَهُوَ فِي حُجْرَةٍ مَحْبُوسٌ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ بِإِصْبَعِهِ مُسْتَغِيثًا، فَلَمْ أَفْهَمْ عَنْهُ إِرَادَتَهُ، فَأُدْخِلْتُ إِلَى الرَّشِيدِ، فَلَمَّا مَثُلْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ سَلَّمْتُ وَوَقَفْتُ، فَقَالَ لِي: مَا اسْمُكَ؟ قُلْتُ: يَعْقُوبُ، أَصْلَحَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قال: ما تقول
__________
[1] إلى الحلقة» ساقطة من ت.
[2] في ت: «لا شيء له» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ بغداد 14/ 244، 245.
[5] في ت: «ليستفتيه» .(9/73)
فِي إِمَام شَاهَدَ رَجُلا يَزْنِي، هَلْ يَحُدُّهُ [1] ؟ قُلْتُ: لا يَجِبُ ذَلِكَ. فَحِينَ قُلْتُهَا سَجَدَ الرشيد فوقع لي أنه قد رَأَى بَعْضَ أَهْلِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ الَّذِي أَشَارَ إِلَيَّ بِالاسْتِغَاثَةِ هُوَ الزَّانِي. ثُمَّ قَالَ الرَّشِيدُ: وَمِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا؟ قُلْتُ: مِنْ قول [2] النبي صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» وَهَذِهِ شُبْهَةٌ يَسْقُطُ الْحَدُّ مَعَهَا. فَقَالَ: وَأَيُّ شُبْهَةٍ مَعَ الْمُعَايَنَةِ؟! قُلْتُ: لَيْسَ تُوجِبُ الْمُعَايِنَةُ لِذَلِكَ أَكْثَرَ مِنَ الْعِلْمِ بِمَا جَرَى، وَالْحُدُودُ لا تَكُونُ بِالْعِلْمِ، وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَخْذُ حَقِّهِ بِعِلْمِهِ. فَسَجَدَ مَرَّةً أُخْرَى وَأَمَرَ لِي بِمَالٍ جزيل، وأن أَلْزَمَ الدَّارَ، فَمَا خَرَجْتُ حَتَّى جَاءَتْنِي هَدِيَّةُ الْفَتَى، وَهَدِيَّةُ أُمِّهِ، وَأَسْبَابُهُ، فَصَارَ ذَلِكَ أَصْلا لِلنِّعْمَةِ، وَلَزِمْتُ الدَّارَ، فَكَانَ هَذَا الْخَادِمُ يَسْتَفْتِينِي وَهَذَا يُشَاوِرُنِي وَصِلاتُهُمْ تَصِلُ إِلَيَّ، ثُمَّ اسْتَدْعَانِي الرَّشِيدُ وَاسْتَفْتَانِي فِي خَوَاصِّ أَمْرِهِ، فَلَمْ تَزَلْ حَالِي تَقْوَى حَتَّى قَلَّدَنِيَ قَضَاءَ الْقُضَاةِ.
قال لي أَبِي: بلغني أن أبا يوسف لما مات خلف مائتي سراويل [من أصناف السراويلات وكل] [3] بتكة أرمني تساوي دينارا.
وبلغ من محله عند الرشيد أنه طلبه [4] يوما فجاء/ وعليه بُردَة فقال [الرشيد] [5] :
جاءت به معتجرا ببرده ... سفواء ترضى بنسيج وحده
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أخبرنا محمد بن القاسم [6] الأزرق قَالَ: حدثنا محمد بن الحسن المقرئ أن محمد بن عبد الرحمن الشامي أخبرهم قَالَ: أخبرنا ابن الجعد قَالَ: سمعت أبا يوسف يَقُولُ:
العلم شيء لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، فأنت إذا أعطيته كلك كان [7] من إعطائه البعض على عشر [8] .
__________
[1] في ت: «أيحده» .
[2] في ت: «لأن النبي» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «من محله أنه طلبه الرشيد» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «بن أبي القاسم» .
[7] في الأصل: «كنت» .
[8] في تاريخ بغداد: «غرر» . انظر الخبر في تاريخ بغداد 14/ 248، 249.(9/74)
قال مؤلف الكتاب [1] : كان أبو حنيفة يشهد لأبي يوسف أنه أعلم الناس.
وقال المُزَني: أبو يوسف أتبعهم للحديث.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر بن ثابت] [2] الخطيب، أخبرنا الحسين بن محمد المعدل قَالَ: أخبرنا عبد الله بن الأسدي قَالَ: حدثنا أبو بكر الدامغاني الفقيه قَالَ: حدثنا أبو جعفر الطحاوي قَالَ: حدثنا ابن أبي عمران قال: حدثنا بشر بن الوليد قال: سمعت أبا يوسف يَقُولُ: سألني الأعمش عن مسألة فأجبته فيها، فقال [لي] [3] : من أَيْنَ قُلت هذا؟ قلت: لحديثك الذي حدثتناه أنت. ثم ذكرت الحديث، / فقال [لي] : [4] يا يعقوب، إني لأحفظ هذا الحديث قبل أن يخرج أبواك، فما عرفت تأويله حتى الآن [5] .
وقال أبو زرعة الرازي: كان محمد بن الحسن جهيما، وكان أبو يوسف سليما من التجهم [6] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَبُو بكر أَحْمَد بْن عَلي قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي طَالِب قَالَ: حدثنا علي بن عمر بن محمد التمار قَالَ: حدثنا مكرم بن أحمد القاضي قَالَ: حدثنا أحمد بن عطية قَالَ: سمعت بشارا الخفاف [7] قَالَ: سمعت أبا يوسف يَقُولُ: من قال القرآن مخلوق فحرام كلامه وفرض مباينته [8] .
قال ابن المَدِيني: كان أبو يوسف صدوقا. وقال يحيى: هو ثقة.
أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد قال:] أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت] [9]
__________
[1] في ت: «قال المؤلف» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ بغداد 14/ 246.
[6] تاريخ بغداد 14/ 253.
[7] في الأصل: «يسار» .
[8] تاريخ بغداد 14/ 253.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/75)
الخطيب قَالَ: أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء الواسطي قَالَ: حدثنا مُحَمَّد بن جعفر التميمي قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو القاسم الحسن بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا وكيع قَالَ: أخبرني إبراهيم بن أبي عثمان، عن يحيى بن عبد الصمد قَالَ: خوصم موسى أمير المؤمنين إلى أبي يوسف في بستانه فكان الحكم في الظاهر لأمير [1] المؤمنين، وكان الأمر على خلاف ذلك. / فقال أمير المؤمنين لأبي يوسف: ما صنعت في الأمر الذي نتنازع إليك فيه؟ قَالَ: خصم أمير المؤمنين يسألني أن أحلف أمير المؤمنين أن شهوده شهدوا على حق. فقال له مُوسَى: وترى ذَلِكَ؟ قَالَ: [قد] [2] كان ابن أَبِي ليلى يراه. قَالَ: فأردد البستان عَلَيْهِ، إنما احتال أبو يوسف [3] .
وروى الحسن بن أبي مالك قَالَ: سمعت أبا يوسف يَقُولُ: وليت هذا الحكم [4] ، وانغمست فيه، وليس في قلبي منه شيء، وأسأل الله أن لا يسألني عن جور ولا ميل مني إلى أحد إلا يوما واحدا، فإنه يقع في قلبي منه شيء. قالوا: وما هو؟ قال:
جاءني رجل فقال: لي بستان قد اغتصبني إياه أمير المؤمنين. فقلت: في يد من هو الآن؟ فَقَالَ: في يد أمير المؤمنين. قلت: ومن يقوم بعمارته ومصلحته؟ قال: أمير المؤمنين. فأخذت قصته ودخلت، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن لك خصما بالباب [قد] [5] ادعى كيت وكيت. فَقَالَ: هذا البستان لي، اشتراه [لي] [6] المهدي. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن رأيت أن تدعو خصمك فأسمع منكما. قَالَ: فدعي بِهِ، فأدخل فادعى، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما تقول فيما ادعى؟ قَالَ: البستان لي وفي يدي، اشتراه لي/ المهدي. قلت: يا رجل [قد سمعت] [7] فما تشاء. قَالَ: خذ لي يمينه.
قلت: أيحلف أمير المؤمنين؟ قَالَ: لا. قُلْتُ: يا أمير المؤمنين، أعرض عليك اليمين ثلاثا، فإن حلفت وإلا حكمت عليك. فعرضت عليه اليمين ثلاثا، فأبى أن يحلف،
__________
[1] في ت: «على أمير المؤمنين» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ بغداد 14/ 249.
[4] في ت: «وليت القضاء» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/76)
فقلت: يا أمير المؤمنين، قد حكمت عليك بهذا البستان، فإن رأيت أن تأمر بتسليمه إِلَيْهِ. قَالَ: لا أسلم. قُلْتُ: يا رجل، تعود في مجلس غير هذا [1] فَقَالَ: افعل لي [2] ما يجب أن تفعل. قُلْتُ: يا أمير المؤمنين، بالحبس يعرض. فأمر به فأخرج. فقال الفضل بن الربيع: والله ما رأيت مجلسا قط إلا وهذا أحسن منه. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن رأيت أن يتم حسن هذا المجلس برد هذا البستان. قيل لَهُ: فأي شيء في قلبك؟ قال: جعلت أحتال في صرف الخصومة والقضية عن أمير المؤمنين، ولم أسأله أن يقعد مع خصمه أو يأذن لخصمه أن يقعد معه على السرير.
أخبرنا عبد الرحمن [بن مُحَمَّد قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلَيٍّ] [3] الْخَطِيبُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن عمر بن روح النهرواني قَالَ: أَخْبَرَنَا المعافى بْن زكريا قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن أبي الأزهر قَالَ: حدثنا حماد بن إسحاق الموصلي قَالَ: حدثني أَبِي قَالَ:
حدثني بشر بن الوليد وسألته: من أَيْنَ جاء؟ قَالَ: كنت عند أبي يوسف/ القاضي وكنا في حديث ظريف، فقلت لَهُ: حدثني به، قَالَ: قال لي يعقوب القاضي: بينا أنا البارحة قد آويت إلى فراشي، فإذا داق يدق الباب دقا شديدا، فأخذت علي إزاري وخرجت وإذا هو هرثمة [4] بن أعين، فسلمت عَلَيْهِ فَقَالَ: أجب أمير المؤمنين. فقلت: يا أبا حاتم، لي بك حرمة، وهذا وقت كما ترى، فإن أمكنك أن تدفع ذلك إلى الغد [5] .
قَالَ: ما لي إلى ذلك سبيل. قلت: وكيف كان السبب؟ قَالَ: خرج إلي مسرور الخادم فأمر أن آتي بك أمير المؤمنين. فقلت: قد أذن لي أن أصب [6] علي ماء وأتحنط، فإن كان أمر من الأمور كنت قد أحكمت شأني، وإن رزق الله العافية فلن يضر. فأذن لي فدخلت، فلبست ثيابا جددا، وتطيبت بما أمكن من الطيب، ثم خرجنا، فمضينا [حتى أتينا] [7] إلى دار الرشيد، فإذا مسرور، فقال له هرثمة: قد جئت به. فقلت
__________
[1] في ت: «مجلس آخر» .
[2] «لي» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «تمامة بن أعين» .
[5] في الأصل: «غد» .
[6] في ت: «فتأذن لي أن أصبت» .
[7] في الأصل: «حتى مضينا إلى دار الرشيد» .(9/77)
لمسرور: يا أبا هاشم، خدمتي وحرمتي، وهذا وقت ضيق فتدري لم طلبني أمير المؤمنين؟ قال: لا. قُلْتُ: فمن عنده؟ قَالَ: عيسى بن جعفر. قلت: ومن؟ قَالَ: ما عنده ثالث. فَقَالَ: مر. فإذا صرت [1] في الصحن، فإنه في الرواق، فحرك رجلك [في الأرض] [2] ، فإنه سيسألك، فقل: أنَا. فجئت ففعلت، فَقَالَ: / من هذا؟ قُلْتُ:
يعقوب قَالَ: ادخل. فدخلت، فإذا هو جالس وعن يمينه عيسى بن جعفر، فسلمت فرد عليّ السلام، وقَالَ: أظننا روعناك. قُلْتُ: أي والله، وكذلك من خلفي. قَالَ: اجلس.
فجلست حتى سكن روعي، ثم التفت إلي فَقَالَ: يا يعقوب، تدري لم دعوتك؟ قُلْتُ:
لا. قَالَ: دعوتك لأشهدك على هذا أن عنده جارية سألته أن يهبها لي فامتنع، وسألته أن يبيعنيها فأبى، وو الله لئن لم يفعل لأقتلنه. قَالَ: فالتفت إلى عيسى فقلت لَهُ: وما بلغ الله بجارية تمنعها أمير المؤمنين وتنزل نفسك هذه المنزلة؟ فقال لي: عجلت في القول قبل أن تعرف ما عندي. قُلْتُ: وما في هذا من الجواب؟ قَالَ: إن علي يمينا بالطلاق والعتاق وصدقة ما أملك أن لا أبيع هذه الجارية ولا أهبها. فالتفت إلي الرشيد فَقَالَ: هل لَهُ في ذلك من مخرج؟ قلت: نعم. قَالَ: وما هُوَ؟ قُلْتُ [3] : يهب لك النصف ويبيعك النصف [4] . فيكون لم يبع ولم يهب. قَالَ: ويجوز ذلك؟ قُلْتُ: نعم. قَالَ: فأشهدك أني قد وهبت له نصفها وبعت له نصفها [5] الباقي بمائة ألف دينار، فَقَالَ: [علي] [6] بالجارية. فأتى بالجارية وبالمال، فَقَالَ: خذها يا أمير المؤمنين [7] ، بارك الله لك فيها.
قال: يا يعقوب، بقيت واحدة. قُلْتُ: وما هي؟ قَالَ: هي مملوكة، ولا بد أن تستبرأ، وو الله لئن لم أبت معها ليلتي إني لأظن أن نفسي ستخرج. قُلْتُ: يا أمير المؤمنين، تعتقها وتتزوجها، فإن الحرة لا تستبرأ. قَالَ: / فإني قد أعتقتها فمن يزوجنيها؟ قلت:
__________
[1] في الأصل: «ضربت» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «قال: وما هو قلت» ساقطة من ت.
[4] في ت: «يهبك نصفها ويبيعك نصفها» .
[5] في ت: «وبعت النصف» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «يا أمير المؤمنين» ساقطة من ت.(9/78)
أنَا فدعا بمسرور وحسين [1] فخطبت وحمدت الله، ثم زوجته على عشرين ألف دينار، ودعا بالمال فدفعه إليها، ثم قال لي يا يعقوب، انصرف. ورفع رأسه إلى مسرور وقَالَ: يا مسرور [قَالَ: لبيك أمير المؤمنين. قَالَ:] [2] احمل إلى يعقوب مائتي ألف درهم، وعشرين تختا ثيابا. فحمل ذلك معي.
فقال بشر بن الوليد: فالتفت إلي يعقوب فَقَالَ: هل رأيت بأسا فيما فعلت؟ قُلْتُ:
لا. قَالَ: فخذ منها حقك. قُلْتُ: وما حقي؟ قال: العشر. قَالَ: فشكرته ودعوت له وذهبت لأقوم، فإذا بعجوز قد دخلت فقالت: يا أبا يوسف، ابنتك تقرئك السلام وتقول لك: والله ما وصل إلي في ليلتي هذه من أمير المؤمنين إلا المهر الذي عرفته، وقد حملت إليك النصف منه، وخلفت الباقي لما أحتاج إِلَيْهِ. فقال: ردّيه، فو الله لا قبلته، أخرجتها من الرق وزوجتها من أمير المؤمنين وترضى لي بهذا؟!! فلم نزل نشفع [3] إليه أنا وعمومتي حتى قبل، وأمر لي منه بألف دينار [4] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني محمد بن الحسين القطان قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ النَّقَّاشُ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الصَّايغَ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي [5] وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ، فَوَافَتْهُ هَدِيَّةٌ مِنْ أُمِّ جَعْفَرٍ احْتَوَتْ عَلَى تُخُوت/ دَبِيقِيٍّ، وَمُصْمَتٍ، وَطِيبٍ، وَتَمَاثِيلَ نِدٍّ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَذَاكَرَنِي رَجُلٌ بِحَدِيثِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ جُلُوسٌ فَهُمْ شُرَكَاؤُهُ فِيهَا» فَسَمِعَهُ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ:
أَبِي تَعْرِضُ؟ ذَلِكَ إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [6] وَالْهَدَايَا يَوْمَئِذٍ [7] الأَقْطُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ، وَلَمْ تَكُنِ الْهَدَايَا مَا تَرَوْنَ يَا غُلامُ، شُلْ إِلَى الخزائن [8] .
__________
[1] في الأصل: «حسن» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «يطلب» .
[4] تاريخ بغداد 14/ 250، 251.
[5] في الأصل: «الرضي» .
[6] في ت: «إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك» .
[7] «يومئذ» ساقطة من ت.
[8] تاريخ بغداد 14/ 252.(9/79)
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن عليّ قَالَ: أخبرني الخلال قَالَ: أخبرنا علي بن عمرو الحريري: أن علي بن محمد النَّخْعي حدثهم قَالَ: أخبرنا إبراهيم بن إسحاق، عن بشر بن غياث قال: سمعت أبا يوسف يَقُولُ: صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة، ثم انصبت عليّ الدنيا سبع عشرة سنة، فما أظن أجلي إلا قد اقترب [قال:] فما مضت [1] شهور حتى مات [2] .
قال النَّخْعي: وحدثني أبو عمرو القزويني قَالَ: حدثنا القاسم بن الحكم العربي قَالَ: سمعت أَبَا يوسف يَقُولُ عند موته: يا ليتني مت على ما كنت عليه من الفقر، وإني لم أدخل في القضاء، يا ليتني على أني ما تعمدت بحمد الله ونعمته جورا ولا حابيت خصما على خصم من سلطان أو سوقة [3] .
توفي أبو يوسف رحمه الله [4] فِي ربيع الأول من هذه السنة. وهو ابن تسع وستين سنة، وأقام في القضاء ست عشرة سنة [5] .
989- يعقوب بن داود بن طهمان، أبو عبد الله
[6] .
مولى عبد الله بن حازم السلمي، استوزره المهدي، وقرب من قلبه، وغلب على أمره، ثم إنّه أمره بقتل [بعض] [7] العلويين فَقَالَ: قد فعلت. ولم يفعل على ما حكيناه في سنة ست وستين، فسجنه إلى أن أخرجه الرشيد.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا علي بن محمد المعدل قَالَ: أخبرنا أبو علي الحسين [8] بن صَفْوان قال: حدّثنا أبو
__________
[1] في ت: «قد قرب. قال: فما كان» .
وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ بغداد 14/ 252.
[3] تاريخ بغداد 14/ 252.
[4] «رحمه الله» ساقطة من ت.
[5] تاريخ بغداد 14/ 261.
[6] تاريخ بغداد 14/ 262- 265. والبداية والنهاية 10/ 182.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في الأصل: «أبو الحسن» .(9/80)
بكر بن أبي الدنيا قَالَ: حدثني خالد بن يزيد [1] الْأَزْدِيّ قَالَ: حدثني عبد الله بن يعقوب بْن دَاوُد قَالَ: قال أَبِي: حبسني المهدي في بئر وبنيت علي قبة، فمكثت فيها خمس عشرة سنة [2] حتى مضى صدر من خلافة الرشيد، وكان يدلى إلي كل يوم رغيف وكوز من ماء، وأوذن [3] بأوقات الصلوات، فلما كان في رأس ثلاث عشرة حجة أتاني آت في منامي فَقَالَ:
حنى على يوسف رب فأخرجه ... من قعر جب وبيت حوله غمم
قَالَ: فحمدت اللَّه، وقلت: أتى الفرج. قَالَ: فمكثت حولا لا أرى شيئا، فلما كان رأس الحول أتاني ذلك الآتي فقال [لي] : [4]
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
فيأمن خائف ويفك عان ... ويأتي أهله النائي الغريب
فلما أصبحت نوديت، فظننت أني أوذن [5] بالصلاة، فدلي لي حبل أسود، وقيل لي: اشدد به وسطك [6] ففعلت [فأخرجوني] [7] فلما قابلت الضوء عشي بصري، فانطلقوا [8] بي فأدخلوني على الرشيد/، فقيل لي: سلم على أمير المؤمنين. فقلت:
السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين المهدي. فَقَالَ: لست به. قُلْتُ:
السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته الهادي. قال: ولست به. قلت: السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. قال [9] : الرشيد. فقلت: الرشيد. فَقَالَ: يا يعقوب، إنه والله ما شفع فيك إلي أحد غير أني حملت الليلة صبية لي على عنقي،
__________
[1] في الأصل: «خالد بن زيد» .
[2] في ت: «حجة» .
[3] في الأصل: «وزن» . والتصحيح من تاريخ بغداد 14/ 264.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
هذا وقد تكررت الفقرة السابقة في النسخة ب.
[5] في الأصل: «أوقت» .
[6] في ت: «اشدده وسطك» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «فانطلق» .
[9] «وقال» ساقطة من ت.(9/81)
فذكرت حملك إياي على عنقك، فرثيت لك من المحل الذي كنت فيه، فأفرجت عنك [1] . قال: فأكرمني وقرب مجلسي.
ثم قَالَ: إن يحيى بن خالد تنكر لي كأنه خاف أن أغلبه على أمير المؤمنين دونه، فخفته فاستأذنت للحج، فأذن لي.
فلم يزل مقيما بمكة حتى مات بها [2] في هذه السنة رحمه اللَّه.
990- يزيد بن زريع بن معاوية العيشي
[3] .
من بني عايش، وهم من ولد بكر بن [وائل] [4] . كان عالما صدوقا ثبتا. وكان أبوه والي البصرة، فلم يأخذ من ميراثه شيئا، وكان يعمل الخوص.
أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا عبد القادر بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا أبو بكر الخياط قال: حدّثنا ابن أبي الفوارس قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم قَالَ: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق قال: حدثنا أبو بكر المروزي قَالَ: سمعت عبد الوهاب يقول:
سمعت أبا سليمان الأشقر يقول: تنزّه/ يزيد بن زريع عن خمسمائة ألف من ميراث أبيه فلم يأخذه.
توفي يزيد بالبصرة فِي هَذِهِ السَّنَةِ. وَقِيلَ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وسبعين، وكان ثقة صدوقا ثبتا في الحديث [5] .
__________
[1] «عنك» ساقطة من ت.
[2] تاريخ بغداد 14/ 264، 265.
[3] البداية والنهاية 10/ 182. والجرح والتعديل 9/ 263. وطبقات ابن سعد 7/ 289. والتاريخ الكبير 8/ 335. وتهذيب التهذيب 11/ 325. والتقريب 2/ 364.
[4] في الأصل «وابل» .
[5] «وكان ثقة صدوقا ثبتا في الحديث» هذه الجملة قد سبقت في أول الترجمة، هذا وقد أسقطها ناسخ النسخة ت.(9/82)
ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
خروج الخزر على الناس. وفي سبب ذلك قولان:
أحدهما: أن ابنة خاقان الملك [1] ماتت، فقيل لأبيها إنما قتلها المسلمون غيلة.
فحنق لذلك، فأخذ في الأهبة لحرب المسلمين، وجاء في أكثر من مائة ألف، فانتهكوا أمرا عظيما، وأوقعوا بالمسلمين وبأهل الذمة، وسبوا منهم.
والثاني: أن سعيد بن مسلم قتل المنجم السلمي بفارس، فدخل ابنه بلاد الخزر، فاستجاشهم على سَعِيد، فدخلوا أرمينية من الثلمة، فانهزم سعيد، ونكحوا المسلمات، فأقاموا مدة، فوجه الرشيد خزيمة بن خازم ويزيد بن مزيد إلى أرمينية حتى أصلحوا ما أفسد سعيد، وأخرجوا الخزر، وسدت الثلمة [2] .
وفيها: كتب الرشيد إلى عيسى بن ماهان وهو بخراسان أن يصير إِلَيْهِ، وكان سبب كتابه: أنه حمل عَلَيْهِ، وقيل: إنه قد أجمع على الخلاف [3] .
وفيها: خرج أبو الخصيب وهيب بن عبد الله النسائي [4] .
__________
[1] في ت: «أن بنت خاقان ماتت» .
[2] تاريخ الطبري 8/ 270. والكامل 5/ 319. والبداية والنهاية 10/ 183. وتاريخ الموصل ص 294، 295.
[3] تاريخ الطبري 8/ 270. والكامل 5/ 319.
[4] تاريخ الطبري 8/ 270. والكامل 5/ 319.(9/83)
وفيها: / حج بالناس العباس بن موسى الهادي [1] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
991- إبراهيم بن سعد [2] بن عبد الرحمن بن عوف بن إسحاق الزهري
[3] .
سَمِعَ أَبَاهُ، وابن هشام، وابن شهاب [4] وابن عروة، وغيرهم.
روى عنه: شعبة، والليث بن سعد، وابن مهدي، وعلي بن الجعد، وأحمد بن حنبل، وكان ثقة، ونزل بغداد فمات بها فِي هذه السنة وهو ابن خمس وسبعين سنة، ودفن في مقابر باب التين.
992- بهلول بن راشد الإفريقي
[5] .
روى عَن يونس بن يزيد، والقعنبي وكانت له عبادة وفضل، أمر محمد بن مقاتل العتكيّ الأمير بالمعروف فضربه فمات بإفريقية في هذه السنة.
993- داود بن مهران بن زياد، أبو هاشم الربعي
[6] .
ولد سنة مائة، وقدم مصر سنة تسع وثلاثين، وخرج عن المغرب إلى البصرة، وأقام بها ورجع إلى مصر سنة ستين وخرج إلى المغرب فأقام بها، وعاد إلى مصر فمات بها في رمضان هذه السنة، وكان عالما دينا في خلقه زعارة لا يحدث.
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 271. والكامل 5/ 319. وتاريخ الموصل ص 295.
وفي الأصل: «العباس بن مرداس الهلالي» .
وفي ت: «حج بالناس هذه السنة ... » .
[2] في الأصل: «سعيد» .
[3] تاريخ بغداد 6/ 81. والتاريخ الكبير 1/ 288. والجرح والتعديل 2/ 101. وطبقات ابن سعد 7/ 322. وتهذيب التهذيب 1/ 121. والتقريب 1/ 35.
[4] في ت: «ابن شهاب، وابن هشام» .
[5] ميزان الاعتدال 1/ 355.
[6] الربعي بفتح الراء والباء المنقوطة بواحدة وفي آخرها العين المهملة. هذه النسبة إلى ربيعة بن نزار (الأنساب 6/ 76) .(9/84)
994- علي بن الفضيل بن عياض
[1] .
مات في حياة أَبِيهِ، وكان متعبدا، مجتهدا، شديد الخوف من الله تعالى على حداثة سنه، يدقق في الورع، ويبالغ في النظر في المطعم، وقد أسند الحديث عَن عبد العزيز/ بن أبي رواد، وسفيان بن عُيَيْنَة، وغيرهما.
[أخبرنا المحمدان، ابن ناصر، وابن عبد الباقي قَالا:] [2] أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حدثنا عبد الله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْحُسَيْن الحذاء قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إبراهيم الدورقي قَالَ: حدثنا سلمة بن عفان، عن محمد بن الحسين قَالَ: كان علي بن الفضيل يصلي حتى يزحف إلى فراشه ثم [يلتفت إلى أَبِيهِ] [3] فيقول: يا أبت، سبقني العائدون.
قال الدورقي: وحدثني محمد بن شجاع، عن سفيان بن عُيَيْنَة قَالَ: ما رأيت أحدا أخوف من الفضيل وابنه عليّ [4] .
995- علي بن زياد، أبو الحسن العبسي [5] المغربي.
من أهل تونس، رحل إلى الحجاز والعراق في طلب العلم. وروى عن:
الثوري، ومالك، وهو الّذي أدخل المغرب «جامع الثوري» [6] ، و «موطأ مالك» وفسر لهم قول مالك [7] ولم يكونوا يعرفونه [قبل ذلك] [8] ، وهو معلم سحنون بن سعيد الفقيه.
توفي في هذه السنة.
__________
[1] تهذيب التهذيب 7/ 373. وتقريب التهذيب 2/ 42. وحلية الأولياء 7/ 57، 8/ 297- 299.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «علي» ساقطة من ت.
[5] بفتح العين المهملة، وسكون الباء الموحدة، وكسر السين المهملة (الأنساب 8/ 365) .
[6] «الثوري» ساقطة من ت.
[7] «وفسر لهم قول مالك» ساقطة من ت.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/85)
996- محمد بن صبيح، أبو العباس المذكر، مولى بني عجل [1] ، يعرف: بابن السماك
[2] .
سَمِعَ هشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وسفيان الثوري، وغيرهم.
روى عنه: حسين بن [علي] الجعفي [3] ، وأحمد بن حنبل، وغيرهما. وله مواعظ حسان، ومقامات عند الرشيد.
أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد قال: أخبرنا] [4] أحمد بن عليّ قَالَ: أخبرني بكران بن الطيب [5] قال: حدثنا محمد بن أحمد [6] المفيد قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة قال: حدّثنا أبي قال: حدّثني أبي المغيرة بن شعيب قَالَ: حضرت يحيى بن خالد [وهو] [7] يقول لابن السماك: / إذا دخلت على [8] أمير المؤمنين فأوجز ولا تكثر عَلَيْهِ. قَالَ: فلما دخل عَلَيْهِ وقام بين يديه قَالَ: يا أمير المؤمنين، إن لك بين يدي الله مقاما، وإن لك من مقامك منصرفا، فانظر [9] إلى أَيْنَ منصرفك إلى الجنة أم إلى النار. قَالَ: فبكى هارون حتى كاد أن [10] يموت [11] .
توفي ابن السماك بالكوفة في هذه السنة.
__________
[1] «مولى بني عجل» ساقطة من ت.
[2] تاريخ بغداد 5/ 368- 374.
[3] في الأصل: «حسين بن الجعفي» .
وفي الأصل: «حسين الجعفي»
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «بكر بن الخطيب» .
[6] في الأصل: «حمد» .
وفي ت: «حميد» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في الأصل: «إذا أحضرت عند» .
[9] في الأصل: «فأين» .
[10] «ان ساقطة من ت.
[11] تاريخ بغداد 5/ 372، 373.(9/86)
997- موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عَنْهُمْ، أبو الحسن الهاشمي
[1] .
ولد بالمدينة في سنة ثمان وعشرين. وقيل: سنة تسع وعشرين. وولد له أربعون ولدا من ذكر وأنثى، وكان كثير التعبد، جوادا، وإذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث إليه ألف دينار، وخرج إلى الصلح [2] .
وأهدى له بعض العبيد عصيدة، فاشترى الضيعة التي فيها ذلك العبد والعبد بألف دينار، وأعتقه ووهبها لَهُ.
وأقدمه المهدي بغداد ثم رده إلى المدينة لمنام له رآه.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بْن ثَابِت قَالَ: حدثني الحسن بْن مُحَمَّد الخلال قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمران قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يحيى الصولي قَالَ: حدثنا عون بن مُحَمَّد قَالَ: سمعت إِسْحَاق الموصلي يَقُولُ: حدثني الفضل بن الربيع، عن أبيه: أنه لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى المهدي في النوم علي بن أبي طالب رضي الله عَنْه وهُوَ يَقُولُ: يا مُحَمَّد فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ 47: 22 [3] قَالَ الربيع: فأرسل إلي ليلا، فراعني ذلك فجئته، فإذا هو يقرأ/ هذه الآية، وكان أحسن النَّاسَ صوتا. وقال علي بموسى بن جعفر: فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه، وقَالَ: يا أبا الحَسَن، رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم فقرأ علي كذا، فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي؟ فَقَالَ: والله لا فعلت ذلك، ولا هو من شأني قَالَ: صدقت، يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ورده إلى أهله إلى المدينة [4] قال الربيع: فأحكمت أمره ليلا، فما أصبح إلّا وهو على الطريق خوف العوائق [5] .
__________
[1] تاريخ بغداد 13/ 27- 32.
[2] تاريخ بغداد 13/ 27.
[3] سورة: محمد، الآية: 22.
[4] في الأصل: «ورده إلى المدينة إلى أهله» .
[5] تاريخ بغداد 13/ 30، 31.(9/87)
قال مؤلف الكتاب رحمه اللَّه [1] : ثم لم يزل مقيما بالمدينة إلى أيام الرشيد، فحج الرشيد فاجتمعا عند قبر النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ فسمع منه الرشيد كلاما غيره [2] .
وهو ما أخبرنا به منصور القزاز قَالَ: أخبرنا أحمد بن على قَالَ: أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء الواسطي قَالَ: حَدَّثَنَا عمر بن أَحْمَد الواعظ قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بن القاسم [3] قَالَ: حدثني أحمد بن وَهْبِ قَالَ: أخبرني عبد الرحمن بن صالح الْأَزْدِيّ قَالَ: حج هارون الرشيد فأتى قبر النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ زائرا له وحوله قريش وأفياء القبائل ومعه موسى بن جعفر فلما انتهيا إلى القبر قَالَ: السلام عليك يا رسول الله [4] ، يا ابن عم. افتخارا على من حوله، فدنا موسى بن جعفر فَقَالَ: السلام عليك يا أبت فتغير وجه هارون وقَالَ: هذا الفخر يا أبا الحسن حقا [5] ؟
ثم اعتمر الرشيد في رمضان سنة تسع وسبعين، فحمل موسى معه/ إلى بغداد فحبسه بها، فتوفي في حبسه، فلما طال حبسه كتب إلى الرشيد بما أخبرنا به عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا الجوهري قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران المرزباني قَالَ: حدثنا عبد الواحد بن محمد الخصيبي قَالَ: حدثني أحمد بن إِسْمَاعِيل قَالَ: بعث موسى بْن جعفر إلى الرشيد من الحبس رسالة كانت: إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء، حتى نقضي جميعا إلى يوم ليس فيه انقضاء، يخسر فيه المبطلون [6] . توفي موسى بن جعفر لخمس بقين من رجب هذه السنة.
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا [أَبُو بَكْرِ بْنُ ثابت] [7] الخطيب قال: أخبرنا القاضي أبو
__________
[1] «مؤلف الكتاب رحمه الله» ساقطة من ت. وبدلا منها: «وقال المصنف» .
[2] في ت: «كلمات غيرته» .
[3] في الأصل: «الحسين بن الفهم» .
[4] «يا رسول الله» ساقطة من ت.
[5] تاريخ بغداد 13/ 31.
[6] تاريخ بغداد 13/ 32.،
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/88)
محمد الحسن بن الحسين الأستراباذي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنُ حَمْدَانَ القطيعي قال: سَمِعْتُ الحسن بن [1] إبراهيم الخلال يَقُولُ: ما أهمني أمر، فقصدت قبر موسى بن جعفر، فتوسلت به إلّا سهل الله لي ما أحب.
998- هشيم بن بشير بن أبي حازم، واسم أبي حازم: القاسم بن دينار. وكنية هشيم: أبو معاوية، السلمي الواسطي
[2] .
بخاري الأصل. ولد سنة أربع ومائة، وكان أبوه طباخ الحجاج بن يوسف.
سمع هشيم من: عمرو بن دينار، والزُّهْرِيّ، ويونس بن عُبَيْد، وأيوب، وابن عَوْن، وخلق كثير.
روى عَنْه: مالك، والثَّورِي، وشعبة، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وغيرهم.
وكان من العلماء الحفاظ الثقات.
أَخْبَرَنَا/ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد قال: أخبرنا [أحمد بن علي] [3] الخطيب، قال:
أخبرنا العتيقي قال: حدثنا محمد بن العباس قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ إِسْحَاقَ الجلاب قَالَ: قال أَبُو إسحاق الحربي كان هشيم رجلا كان أبوه صاحب صحناة وكواميخ [4] ، يقال له: بشر، فطلب ابنه هشيم الحديث واشتهاه، وكان أبوه يمنعه، فكتب الحديث حتى جالس أبا شيبة القاضي، وكان يناظر أبا شيبة في الفقه، فمرض هشيم، فقال أبو شيبة: ما فعل ذلك الفتى الذي كان يجيء إلينا؟ قالوا: عليل. فَقَالَ:
قوموا بنا حتى نعوده [فقام أهل المجلس جميعا يعودونه حتى جاءوا إلى منزل بشير، فدخلوا إلى هشيم، فجاء رجل إلى بشير ويده في الصحناة. فَقَالَ: الحق ابنك، قد جاء القاضي إليه يعوده] [5] فجاء بشير والقاضي [6] في داره فلما خرج قَالَ لابنه: يا بني، قد
__________
[1] «الأستراباذي ... سمعت الحسن بن» . ساقطة من ت.
[2] تاريخ بغداد 14/ 85- 94.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] الصحنا والصحناة: إدام يتخذ من السمك الصغار منه مصلح للمعدة.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «فجاء القاضي وبشير» .(9/89)
كنت أمنعك من طلب الحديث، فأما اليوم فلا. فصار القاضي يجيء إلى بابي، متى أملت [1] أنَا هذا؟ [2] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: أخبرنا أحمد بن أحمد بْن رزق قَالَ: حدثنا أحمد بن سليمان النجاد قَالَ: حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا قَالَ: حدثني من سمع عمرو بن عَوْن قَالَ: مكث هشيم يصلي الفجر بوضوء عشاء الآخرة قبل أن يموت عشر سنين [3] .
توفي هشيم ببغداد في شعبان هذه السنة.
999- يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، أبو سَعِيد
[4] .
سَمِعَ أَبَاهُ وهشاما بن عُمَر، والأعمش. [وغيرهم. روى عَنْه: قتيبة، وأحمد، ويحيى] [5] وغيرهم وولي قضاء المدائن، وكان عالما ثقة.
وقال ابن المَدِيني: انتهى العلم إليه في زمانه. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم:
هو أول من صنف الكتب بالكوفة [6] .
توفي في هذه السنة. وقيل: في سنة/ اثنتين وثمانين. وقيل أربع وثمانين [7] ، وهو ابن ثلاث وستين سنة.
__________
[1] في ت: «آمنت» .
وما أثبتناه من الأصل وتاريخ بغداد.
[2] تاريخ بغداد 14/ 87.
[3] تاريخ بغداد 14/ 93.
[4] تاريخ بغداد 14/ 114- 119.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] تاريخ بغداد 14/ 116.
[7] «وثمانين» ساقطة من ت من الموضعين.(9/90)
1000- يونس بن حبيب
[1] .
صحب أبا عمرو بن العلاء، وسمع من العرب. وقد روى عن العرب. وروى [2] .
عنه سيبويه، فأكثر. وله مذهب في النحو تفرد به، وقد سمع منه الكسائي والفراء، وكانت حلقته بالبصرة يتباهى بها أهل العلم وأهل [3] الأدب وفصحاء العرب والبادية.
توفي في هذه السنة وله ثمان وتسعون سنة.
__________
[1] وفيات الأعيان 2/ 416. طبقات النحاة لابن قاضي شهبة (خط) . والمزهر 2/ 231. ومرآة الجنان 1/ 388.
[2] «عن العرب وروى» ساقطة من ت.
[3] «أهل» ساقطة من ت.(9/91)
ثم دخلت سنة أربع وثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
قدوم هارون مدينة السلام في جمادى الآخرة منصرفا إليها من الرقة في الفرات بالسفن، وغرق أكثر بغداد بزيادة الماء [1] .
وولي حماد البربري مكة واليمن، وولي داود بن يزيد بن حاتم المهلبي السند، ويحيى الحرشي الجبل، ومهرويه الرازي طبرستان، [وقام بأمر] [2] إفريقية إبراهيم بن الأغلب [3] .
وفيها: خرج أبو عمرو الشاري فقتل [4] .
وفيها: طلب أبو الخصيب الأمان، فأعطاه ذلك علي بن عيسى [5] .
وفيها: حج بالناس إبراهيم بن محمد المهدي أمير المؤمنين [6] .
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 272. والبداية والنهاية 10/ 184.
[2] الزيادة من تاريخ الطبري 8/ 272.)
[3] تاريخ الطبري 8/ 272. والكامل 5/ 321.
[4] تاريخ الطبري 8/ 272. والكامل 5/ 321. والبداية والنهاية 10/ 184، وتاريخ الموصل ص 299.
[5] تاريخ الطبري 8/ 272. والكامل 5/ 321.
[6] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بن المهدي» .
انظر: تاريخ الطبري 8/ 272. والكامل 5/ 321. وتاريخ الموصل ص 300. والبداية والنهاية 10/ 184.(9/92)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1001- أحمد بن هارون الرشيد
[1] .
أخبرنا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْحَرِيرِيُّ قَالَ: أنبأنا أبو طَالِبٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ الْعِشَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غالب/ الخوارزمي قَالَ: أَخْبَرَنَا إبراهيم بن أحمد المزكي قَالَ: أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي قَالَ: سمعت عليّ بن الموفق يَقُولُ: سمعت عبد الله بن الفتوح يَقُولُ: خرجت يوما أطلب رجلا يرم لي شيئا في الدار، فذهبت، فأشير لي إلى رجل حسن الوجه بين يديه مزود وزنبيل، فقلت: تعمل لي؟ قَالَ: نعم بدرهم [2] ودانق. فقلت: قم. فقام فعمل لي عملا بدرهم ودانق [ودرهم ودانق، ودرهم ودانق] [3] ثم أتيت يوما آخر فسألت عنه فقيل ذاك رجل لا يرى في الجمعة إلا يوما واحدا يوم كذا. قال: فجئت ذلك اليوم، فقلت: تعمل لي؟ قَالَ: نعم بدرهم ودانق. فقلت أنا [4] : بدرهم. فَقَالَ: بدرهم ودانق [5] . ولم يكن بي الدانق، ولكن أحببت أن أستعلم ما عنده، فلما كان المساء وزنت لَهُ درهما [6] ، فقال لي: ما هذا؟ قلت: درهم. قَالَ: ألم أقل لك: درهم ودانق؟! أفسدت عليّ. فقلت: وأنا ألم أقل لك بدرهم؟ فَقَالَ: لست آخذ منه شيئا قَالَ: فوزنت له درهما ودانقا. فقلت: خذ. فأبى [أن يأخذ] [7] وقَالَ: سبحان الله أقول [لك] [8] لا آخذ وتلح عليّ!؟ فأبى أن يأخذه ومضى.
قَالَ: فأقبل علي أهلي، وقالت: فعل الله بك ما أردت من رجل عمل لك عملا بدرهم أن أفسدت عَلَيْهِ. قَالَ: / فجئت يوما أسأل عنه [9] ، فقيل لي: مريض،
__________
[1] البداية والنهاية 10/ 184.
[2] في ت: «تعمل لي؟ فقال: بدرهم» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «أنا» ساقطة من الأصل.
[5] في ت: «فقلت: قم» .
[6] في ت: «وزفت درهما» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «فسألت عنه» .(9/93)
فاستدللت على بيته فأتيته، فاستأذنت عليه فدخلت وهو مبطون، وليس في بيته شيء إلا ذَلِكَ المزود [1] والزنبيل، فسلمت عَلَيْهِ وقلت لَهُ: لي إليك حاجة، وتعرف فضل إدخال السرور عَلَى المؤمن أحب لما جئت إلى بيتي أمرضك. قَالَ: وتحب ذَلِكَ؟ قُلْتُ: نعم.
قَالَ: بشرائط ثلاث. قُلْتُ: نعم. قَالَ: أن لا تعرض علي طعاما حتى أسألك، وإذا أنا مت أن [2] تدفني في كسائي وجبتي هذه. قُلْتُ: نعم. قَالَ: والثالثة أشد منهما، وهي شديدة، قُلْتُ: وإن كان. فحملته إلى منزلي عند الظهر، فلما كان من [3] الغد ناداني يا عبد اللَّه [فقلت: ما شأنك. قَالَ] [4] قد احتضرت، افتح صرة على كم جبتي. قَالَ:
ففتحتها فإذا فيها خاتم عليه فص أحمر، فَقَالَ: إذا أنا مت ودفنتني فخذ هذا الخاتم، ثم ادفعه إلى هارون [الرشيد] [5] أمير المؤمنين، فقل لَهُ: يقول لك صاحب هذا الخاتم:
ويحك! لا تموتن على سكرتك هذه فإنك إن مت على سكرتك هذه ندمت. قَالَ: فلما دفنته سألت [6] يوم خروج هارون الرشيد [7] أمير المؤمنين، وكتبت قصة، وتعرضت له وأوذيت أذى شديدا، فلما دخل قصره وقرأ القصة وقَالَ: علي بصاحب هذه القصة.
قال: فأدخلت عليه وهُوَ مغضب يَقُولُ: يتعرضون لنا ويفعلون. فلما رأيت غضبه/ أخرجت الخاتم، فلما نظر إلى الخاتم قَالَ: من أين لك هذا [الخاتم] [8] قلت: دفعه إلي رجل طيان. فقال لي: طيان طيان، وقربني منه. فقلت: يا أمير المؤمنين إنه أوصاني بوصية. فقال [9] لي: ويحك! قل. فقلت: يا أمير المؤمنين إنه أوصاني إذا أوصلت إليك هذا الخاتم أن أقول لك يقرئك صاحب هذا الخاتم السلام ويقول لك: ويحك لا تموتن على سكرتك هذه فإنك إن مت عليها ندمت. فقام على رجليه قائما وضرب
__________
[1] في الأصل: «في بيته غير المزود» .
[2] «ان» ساقطة من ت.
[3] في ت: «فلما أصبحت» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «سألته» .
[7] «الرشيد» ساقطة من ت.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «قال» .(9/94)
بنفسه على البساط، وجعل يتقلب عَلَيْهِ ويقول: يا بني نصحت أباك. فقلت في نفسي:
كأنه ابنه، ثم جلس وجاءوا بالماء، فمسحوا وجهه، وقَالَ: كيف عرفته؟ قَالَ: فقصصت عليه قصته.
قَالَ: فبكى وقَالَ: هذا أول مولود لي، وكان أبي المهدي ذكر لي زبيدة أن يزوجني بها [1] ، فبصرت بهذه [2] المرأة فوقعت في قلبي، وكانت خسيسة فتزوجتها سرا من أَبِي، فأولدتها هذا المولود، وأحدرتها إلى البصرة [وأعطيتها] [3] هذا الخاتم وأشياء، وقلت لها [4] : اكتمي نفسك، فإذا بلغك أني قعدت للخلافة فأتيني، فلما قعدت للخلافة سألت عنهما فقيل [لي إنهما] [5] ماتا، ولم أعلم أنه باق، فأين دفنته؟
قُلْتُ: يا أمير المؤمنين دفنته في قبور عبد الله بن مالك. / قَالَ: لي إليك حاجة، إذا كان بعد المغرب فقف لي بالباب حتى أنزل [6] إليك [فأخرج] [7] متنكرا إلى قبره.
فوقفت لَهُ، فخرج متنكرا والخدم حوله حتى وضع يديه بيدي، وصاح بالخدم فتنحوا، فجئت به إلى قبره، فما زال ليلته يبكي إلى أن أصبح ويداه ورأسه ولحيته على قبره [وجعل] [8] يَقُولُ: يا بني، لقد نصحت أباك. قَالَ: فجعلت أبكي لبكائه رحمة مني لَهُ، ثم سمع كلاما فقال: كأني أسمع كلام النَّاسَ. قلت: أجل أصبحت يا أمير المؤمنين، قد طلع الفجر. فقال لي: قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم، واكتب عيالك مع عيالي، فإن لك علي حقا بدفنك ولدي، وإن أنا مت أوصيت: من يكون من بعدي أن يجري عليك ما بقي لك عقب، ثم أخذ بيدي حتى إذا بلغ قريبا من القصر [ويده بيدي، فلما صار إلى القصر] [9] قال: أَنظر ما أوصيك به إذا طلعت الشمس، فقف لي حتى
__________
[1] «بها» ساقطة من ت.
[2] «بهذه» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «لها» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «حتى أخرج» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/95)
أنظر إليك فأدعو بك فتحدثني حديثه. قُلْتُ: إن شاء الله، فلم أعد إِلَيْهِ.
[قال المصنف] [1] : وقد روي حديث السبتي من طريق آخر، وفيه أشياء تخالف هذا، وهذه الطريق التي سقناها أصح، وأسنادها ثقات.
وقد زاد القصّاص في حديث السبتي، وأبدءوا وأعادوا وذكروا أنه كان من زبيدة، وأنه خرج يتصيد فوعظه صالح المرِّيُّ، فوقع من فرسه وأشياء كلها محال.
1002- زين بن شعيب بن كريب، أبو عبد الملك المعافري
[2] .
روى عَنْه: ابن وَهْبِ، وغيره، وآخر من حدث عنه: مرة الترسلي. وكانت له [3] .
عبادة وفضل، كان يحيى بن بُكَيْر يَقُولُ: حدثني زين بن شُعَيْب وكان والله زينا.
توفي بالإسكندرية في هذه/ السنة.
1003- عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام، أبو بكر الأسدي
[4] .
روى عَن أبي حازم، وهشام بن عروة، وموسى بن عقبة، وغيرهم. فلما قدم المهدي المدينة اتصل به، وصار أحد خواصه، وكان المهدي يقول: والله ما كان في آبائه أحد إلا وهو أكمل منه، وما له في الناس نظير في كماله [5] .
وبعث إليه أبو عبيد الله بألفي دينار فردها وكتب إليه إني لا أقبل صلة إلا من خليفة أو ولي عهد [6] .
ولما بايع المهدي لموسى قال له عبد الله بن مُصْعَب:
اشدد بهارون حبال العقد ... ووله بعد وليّ العهد.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «المعامري» .
[3] في الأصل: «كان له» .
وفي ت: «وكانت عبادة» .
[4] البداية والنهاية 10/ 185. وتاريخ بغداد 10/ 173- 176.
[5] تاريخ بغداد 10/ 174.
[6] تاريخ بغداد 10/ 174.(9/96)
فبايع له بعد موسى، فقال له عبد الله بن مُصْعَب:
لا قصرا عنها ولا بلغتهما ... حتى تطول علي يديك طوالها
فلما ولي الرشيد عرض على عبد الله بن مصعب الولاية [فأبى] [1] ، فألزمه، فكان جميل السيرة.
أخبرنا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر بن ثابت] [2] الخطيب قَالَ: أخبرنا الأزهري قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا أحمد بن سليمان الطوسي قال:
حدثنا الزبير قال: حدّثني عمي مُصْعَب قَالَ: كان أبي يكره الولاية، فعرض عليه الرشيد ولاية المدينة، فأبى فألزمه، فأقام على ذلك ثلاث [3] ليال يلزمه فيأبى، فلما كان في الليلة الثالثة قال لَهُ: أغد علي بالغداة إن شاء اللَّه فغدا [عَلَيْهِ] [4] فدعا أمير المؤمنين بقناة وعمامة [5] ، فعقد اللواء بيده، / ثم قَالَ: عليك طاعة؟ قَالَ: نعم يا أمير المؤمنين. قَالَ:
فخذ هذا اللواء. فأخذه، وقَالَ له: أما إذا ابتليتني يا أمير المؤمنين [6] بعد العافية فلا بد لي أن أشترط لنفسي؟ قال لَهُ: اشترط. فاشترط خلالا، منها: أنه قال له مال الصدقات مال قسمه الله بنفسه، ولم يكله إلى أحد من خلقه، فلست أستجيز أن أرتزق منه، ولا بد أن أرزق المرتزقة، فاحمل معي رزقي ورزق المرتزقة من مال الخراج. قَالَ: قد أجبتك إلى ذلك [7] .
قَالَ: وأنفذ من كتبك ما رأيت [، وأقف] [8] عما لا أرى، قَالَ: وذلك لك. قَالَ:
فولي المدينة، وكان يأمر بمال الصدقات يصير إلى عبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ، وإلى آخر معه وهو يحيى بْن أبي غسان، فكانا يقسمانه، ثم ولّاه الرّشيد اليمن، وزاده
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «ثلاث» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «عمامته» .
[6] «يا أمير المؤمنين» ساقطة من ت.
[7] في الأصل: «إلى هذا» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/97)
معها ولاية عك، وكانت عك إلى والي مكَّةَ، ورزقه ألفي دينار في كل شهر. فَقَالَ يحيى بْن خَالِد: يا أمير المؤمنين، كان رزق والي اليمن ألف دينار، فجعلت رزق عبد الله بن مصعب ألفي دينار، وأخاف أن لا يرضى أحد توليه اليمن من الرزق [1] من قومك بأقل ما أعطيت عَبْد الله بن مصعب، فلو جعلت رزقه ألف دينار كما كان [يكون] [2] وأعضته من الألف الأخرى ما لا تجيزه به لم يكن عليك حجة لأحد من قومك في الجائزة فصير رزقه ألف دينار، وأجازه بعشرين ألف دينار، واستخلف على اليمن الضحاك بن عثمان [3] .
قال مؤلف الكتاب رحمه الله [4] : ثم ولى المدينة/ ابنه بكار بن عبد اللَّه، وشخص عبد الله بْن مصعب إلى بغداد، ثم رحل إلى الرقة في صحبة الرشيد، فتوفي بها فِي ربيع الأول من هذه السنة، وهو ابن سبعين سنة، فتلهف عليه الرشيد، وبعث ابنه المأمون فصلى [5] عَلَيْهِ.
أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَارِعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن المسلمة قَالَ: أَخْبَرَنَا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثني عبد الله بن نافع قال: قال لي عبد الله بن مُصْعَب: أريت فيما يرى النائم كأن رجلا يقول: يولد لك ابن من أم ولدك ولا تراه، فلم يكن شيء أثقل عليه من [حمل] [6] أم ولده أم عبد الله، فولدت عبد الله بْن عبد الله بن مصعب يوم مات عبد الله، فلم يره.
1004- عبد الله بن عبد العزيز العمري، أبو عبد الرحمن
[7] .
أدرك أبا طوالة، وروى عَن أَبِيهِ، وعن إبراهيم بن سعد، وكان عابدا مجتهدا، ووعظ الرشيد فبالغ.
__________
[1] «من الرزق» ساقطة من ت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ بغداد 10/ 175، 176.
[4] في ت: «قال المؤلف» .
[5] في ت: «يصلي عليه» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] البداية والنهاية 10/ 185.(9/98)
أخبرنا ابن ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إْبِرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدِ الْحَبَّالِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ محمد بن الْجَرَّاح قَالَ: حدثنا محمد بن جعفر بن دران قَالَ: أخبرنا هارون بن عبد العزيز العباسي قَالَ: حدثنا محمد بن خلف بن حِبّان قال: حدثنا محمد بن إسحاق بْن عَبْد الرحمن البغوي قَالَ: سمعت سعيد بن سليمان يَقُولُ: كنت بمكة في رواق [1] الشطوي وإلى جنبي عَبْد الله بن عبد العزيز [العمري] [2] وقد حج هارون الرشيد، فقال لي إنسان: يا أبا عبد الرحمن، هو ذا أمير المؤمنين يسعى، قد أخلي له المسعى [3] . قَالَ/ العمري للرجل: لا جزاك الله عني خيرا، كلفتني أمرا كنت عنه غنيا. ثم تعلق نعليه وقام، فتبعته، فأقبل هارون [الرشيد] [4] من المروة [5] يريد الصفا، فصاح بِهِ: يا هارون قَالَ: فلما نظر إليه قال: لبيك يا عم. قال: ارق الصفا.
فلما رقيه قَالَ: ارم بطرفك [إلى البيت] [6] قَالَ: قد فعلت. قَالَ: كم هُمْ؟ قَالَ: ومن يحصيهم؟ قال: فكم في الناس مثلهم؟ قَالَ: خلق لا يحصيهم إلا الله، قَالَ: اعلم أيها الرجل أن كل واحد منهم يسأل عن حاجته نفسه، وأنت تسأل وحدك [7] عنهم كلهم، فانظر كيف تكون. قَالَ: فبكى هارون، وجلس وجعلوا يعطونه منديلا منديلا للدموع.
قال العمري: وأخرى أقولها [لك] [8] قَالَ: قل يا عم. قَالَ: والله إن الرجل ليسرع في ماله فيستحق الحجر عَلَيْهِ، فكيف بمن أسرع في مال المسلمين؟ ثم مضى وهارون يبكي.
قال محمد بن خلف: سمعت محمد بن عبد الرَّحْمَن يَقُولُ: بلغني أن هارون الرشيد قَالَ: إني لأحب أن أحج كل سنة ما يمنعني إلا رجل من ولد عمر، ثم يسمعني ما أكره.
__________
[1] في ت: «في زقاق» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «له الطواف» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «على المروة» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «وحدك» ساقطة من ت.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/99)
وقد روي لنا من طريق آخر أنه لقيه بالمسعى [1] ، فأخذ بلجام دابته فأهوى الأجناد إِلَيْهِ، فكفهم عنه الرشيد، فكلمه، فإذا دموع الرشيد تسيل على معرقة دابته، ثم انصرف.
وإنه لقيه مرة فَقَالَ: يا هارون، فعلت وفعلت. فجعل يسمع منه ويقول:
مقبول منك يا عم، على الرأس والعين [2] . فقال لَهُ: يا أمير المؤمنين، حال الناس كيت وكيت. / فقال: عن غير علمي وأمري.
وخرج العمري إلى الرشيد مرة ليعظه، فلما نزل الكوفة زحف العسكر، حتى لو [كان] [3] نزل بهم مائة ألف من العدو وما زادوا على هيئته، ثم رجع ولم يصل إِلَيْهِ.
توفي العمري بالمدينة في هذه السنة، وهو ابن ست وستين سنة.
1005- محمد بن يوسف بن معدان، أبو عبد الله الأصفهاني
[4] .
أدرك التابعين، وتشاغل بالتعبد، وكان ابن المبارك يسميه عروس الزهاد.
وقال ابن المهدي: ما رأيت مثْلَه.
وقال يحيى بن سعيد القطان: ما رأيت أفضل منه، وكان كأنه قد عاين.
أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي قَالا: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن جعفر [بن حبان] [5] الحافظ قَالَ: حدثنا أحمد بن عصام قَالَ: حدثني يوسف بن زكريّا قَالَ: كان محمد بن يوسف لا يشتري زاده من خباز واحد ولا من بقال واحد، قَالَ: لعلهم يعرفوني فيحابوني، فأكون ممن يعيش بدينه.
قال ابن عاصم: وأخبرنا عبد الرحمن بن عمر قَالَ: قال عبد الرحمن بن مهدي
__________
[1] في ت: «في المسعى» .
[2] في الأصل: «على الرأس والرأس» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] البداية والنهاية 10/ 185. وحلية الأولياء 9/ 49.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
و «الحافظ» ساقطة من ت.(9/100)
باينت محمد بن يوسف في الشتاء والصيف فلم يكن يضع جنبه.
توفي محمد بن يوسف [1] ، ولم تكتمل له أربعون سنة.
1006- المعافى بن عمران، أبو مسعود الأزدي الموصلي
[2] .
رحل في طلب الحديث إلى البلاد البعيدة، / وجالس العلماء، ولازم سفيان الثوري فتفقه به وتأدب بآدابه، حدث عَنْه وعن أبي ذئب، ومالك، وابن جُرَيْج، وغيرهم [3] .
وكان سُفْيان يَقُولُ: أنت معافى كاسمك [4] . وكان يسميه الياقوتة، فيقول: يا ياقوتة [5] العلماء.
وصنف كتبا، وروى عَنْه: ابن المبارك، وبشر الحافي، وكان زاهدا عابدا [6] ، فاضلا عاقلا، صاحب سنّة ثقة [7] .
أَخْبَرَنَا [أَبُو منصور] القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا [أبو بكر بْنِ ثَابِتٍ] [8] الْخَطِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عمر بن القاسم النرسي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ الشافعي قَالَ: حدثنا هيثم بن مجاهد قَالَ: حدثنا إسحاق بن الضيف قَالَ: سمعت بشر بن الحارث يَقُولُ:
قتل للمعافى بن عمران ابنان في وقعة الموصل، فجاء إخوانه يعزونه من الغد، فقال لهم: إن كنتم جئتم لتعزوني فلا تعزوني، ولكن هنئوني، قَالَ: فهنوه، فما برحوا حتى غدّاهم وغلفهم بالغالية [9] .
__________
[1] «محمد بن يوسف» ساقطة من ت.
[2] تاريخ بغداد 10/ 226- 229. والتاريخ الكبير 8/ 60. والجرح والتعديل 8/ 399. وتهذيب التهذيب.
10/ 199. والتقريب 2/ 258. وتاريخ الموصل ص 301.
[3] «حدث عنه ... وغيرهم» ساقطة من ت.
[4] «وكان سفيان ... كإسمك» ساقطة من ت.
[5] في ت: «ياقوتة» بسقوط أداة النداء.
[6] «عابدا» ساقطة من ت.
[7] في ت: «وفقه» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] تاريخ بغداد 10/ 228.(9/101)
توفي المعافى في هذه السنة بالموصل [1] . وقيل: في سنة خمس. وقيل: ست.
1007- يعقوب بن الربيع. حاجب المنصور
[2] .
وهو أخو الفضل بن الربيع، كان أديبا شاعرا، حسن الافتنان في العلوم، وكان له جارية طلبها سبع سنين يبذل فيها ماله وجاهه حتى ملكها، وأعطي بها [مائة] [3] ألف دينار فلم يبعها، ولم تمكث عنده إلا ستة أشهر حتى ماتت، فرثاها بمراث كثيرة [4] .
أخبرنا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر أحمد بْن علي بْن ثابت] [5] الخطيب قَالَ: أخبرنا التنوخي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران المرزباني قَالَ: أنشدنا/ علي بن سليمان الأخفش ليعقوب بن الربيع:
أضحوا يصيدون الظباء وإنني ... لأرى تصيدها علي حراما
أشبهن منك سوالفا ومدامعا ... فأرى بذاك لها علي ذماما
أعزز علي بان أودع شبهها ... أو أن تذوق على يدي حماما
[6] وله أيضا في جاريته:
لئن كان قربك لي نافعا ... لبعدك أصبح لي أنفعا
لأني أمنت رزايا الدهور ... وإن جل خطب بأن أجرعا [7]
__________
[1] في الأصل: «توفي المعافى بالموصل في هذه السنة بالموصل» .
[2] تاريخ بغداد 14/ 267، 268.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ بغداد 14/ 267.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] تاريخ بغداد 14/ 267.
[7] تاريخ بغداد 14/ 268.(9/102)
ثم دخلت سنة خمس وثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
قتل أهل طبرستان مهرويه الرازي واليها، فولى الرشيد مكانه عبد الله بن سعيد [الحرشي] [1] .
وفيها: قتل عبد الرحمن الأبناوي [2] أبان بن قحطبة الخارجي بموج القلعة [3] .
وفيها: أغار حمزة الشاري بباذغيس من خراسان فوثب عيسى بن علي على عشرة آلاف من أصحاب حمزة فقتلهم، وبلغ كابل، وزابلستان [4] .
[وفيها غدر أبو الخصيب، وخرج وذهب إلى مرو، فأحاط بها، فهزم، ومضى نحو سرخس، وقوي أمره] [5] .
وفيها: مات يزيد بن مزيد ببرذعة، فولّي مكانه أسد بن يزيد [6] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر: تاريخ الطبري 8/ 273. والكامل 5/ 322. والبداية والنهاية 10/ 186.
[2] في الأصل: «الأبياوي» .
وفي ت: «الأنباري» وكذا في الكامل وابن كثير. والصحيح ما أثبتناه، وهو: «عبد الرحمن بن جبلة الأبناوي» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 273. والكامل 5/ 322. والبداية والنهاية 10/ 186.
[4] تاريخ الطبري 8/ 273. والكامل 5/ 322. والبداية والنهاية 10/ 186.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر: تاريخ الطبري 8/ 273. والكامل 5/ 322. والبداية والنهاية 10/ 186.
[6] في الأصل: «فولى أسد بن يزيد مكانه» .
انظر: تاريخ الطبري 8/ 273. وتاريخ الموصل ص 300. والبداية والنهاية 10/ 186.(9/103)
وفيها: شخص الرشيد إلى الرقة على طريق الموصل [1] .
واستأذنه فيها يحيى بن خالد في العمرة والمجاورة، فأذن له، فخرج في/ شعبان هذه السنة [2] ، واعتمر عمرة رمضان، ثم رابط بجدة إلى وقت الحج [3] .
وفيها: حج بالناس [4] منصور بن المهدي ووقعت صاعقة في المسجد الحرام في رمضان هذه السنة على بعض ظلال المسجد الحرام [5] فأحرقت الظلة، وقتلت رجلين [6]
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1008- عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس
[7] .
روى عن أَبِيهِ، ولد سنة أربع ومائة، وكان عظيم الخلق، وكانت فيه عجائب:
منها: أنه حج يزيد بن معاوية سنة خمسين، وحج [8] عبد الصمد بالناس [9] سنة خمسين ومائة. كذلك ذكره أبو بكر الخطيب.
وقال الزبير بن بكار: حج يزيد بالناس [10] سنة خمسين، وعبد الصمد سنة خمسين إحدى ومائة [11] وكان بين حجهما [مائة سنة على قول الخطيب، وهما في النسب إلى عبد مناف سواء، لأن يزيد هو ابن معاوية بن صخر بن حرب بن أمية بن
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 273. تاريخ الموصل ص 300.
[2] «هذه السنة» ساقطة من ت.
[3] تاريخ الطبري 8/ 273. والبداية والنهاية 10/ 186.
[4] في ت: «ثم حج بالناس في هذه السنة» .
[5] «الحرام» ساقطة من ت.
[6] تاريخ الطبري 8/ 274. والبداية والنهاية 10/ 186. والكامل 5/ 322.
[7] تاريخ بغداد 11/ 37- 39.
[8] «وحج» ساقطة من ت.
[9] «بالناس» ساقطة من ت.
[10] «بالناس» ساقطة من ت.
[11] في الأصل: «سنة إحدى وسبعين» وهو خطأ.(9/104)
عبد شمس بن عبد مناف. وعبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف] [1] .
ومنها: أنه ولد سنة أربع ومائة، وتوفي سنة خمس وثمانين.
وولد أخوه محمد بن علي سنة ستين، وكانت بينه وبين أخيه في المولد أربع وأربعون [2] سنة.
وتوفي محمد بن علي سنة ست وعشرين، وتوفي عبد الصمد سنة خمس وثمانين، وكان بينهما في الوفاة تسع وخمسون سنة [3] .
ومنها: أنه ولد عبد الله بن الحارث على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو وعبد الصمد إلى عبد مناف سواء.
ومنها: أنه أدرك [أبا] [4] العباس وهو ابن أخيه، وأدرك المنصور وهو ابن أخيه، ثم أدرك [5] المهدي وهو عم أَبِيهِ، ثم أدرك الهادي وهو عم جدّه، / ثم أدرك الرشيد.
وقال يوما للرشيد: يا أمير المؤمنين، هذا مجلس فيه أمير المؤمنين، وعم أمير المؤمنين، وعم عمه، وعم عم عمه، وذلك أن سليمان بن جعفر عم الرشيد.
والعباس بن محمد بن علي عم سليمان، وعبد الصمد عم الْعَبَّاس.
ومنها: أنه مات بأسنانه التي ولد بها ولم تتغير، وكانت أسنانه قطعة واحدة من أسفل [6] .
ومنها: أنه طارت ريشتان إلى عينيه فذهب بصره [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل «أربع وخمسون» والتصحيح من ت وتاريخ بغداد.
[3] في الأصل: «تسعا وثلاثين سنة» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «المنصور وهو ابن أخيه، ثم أدرك» ساقطة من ت.
[6] تاريخ بغداد 11/ 37، 38.
[7] تاريخ بغداد 11/ 38.(9/105)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ [1] قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
حدثني عبد العزيز بْن عَلي الوراق قَالَ: حدثنا أبو موسى هارون بن عيسى [2] الخطيب قَالَ: حدثنا إبْرَاهِيم بن عَبْد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام قَالَ: حدّثني أبي قال: حدّثنا جدي [3] محمد بن إبراهيم الإمام- وكان يجلس لولده وولد ولده في كل يوم خميس يعظهم ويحدثهم- قَالَ: أرسل إلي المنصور بكرة واستعجلني الرَّسُول فدخلنا، فإذا الربيع واقف عند الستر، وإذا المهدي ولي العهد في الدهليز جالس، وإذا عبد الصمد بن عليّ، وداود بن عليّ، وإسماعيل بن عليّ [وسليمان بن عليّ] [4] ، وجعفر بن محمد بن علي بن الحسين، وعبد الله بن حسن بن حسن، والعباس بن مُحَمَّد، فقال الربيع: اجلسوا مع بني عمكم فجلسنا، ثم دخل الربيع وخرج، وقَالَ للمهدي: ادخل أصلحك الله. ثم خرج، فَقَالَ: ادخلوا جميعا. [فدخلنا] [5] فسلمنا، وأخذنا/ مجالسنا، فقال للربيع: هات دوى وما يكتبون فيه. فوضع بين يدي كل واحد منا دواة وورق، ثم التفت إلى عَبْد الصمد بن عليّ فَقَالَ: يا عم، حدث ولدك واخوتك [6] ، وبني أخيك بحديث البر والصلة.
فَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيٍّ [7] : حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْبِرَّ وَالصِّلَةِ لَيُطِيلانِ فِي الأَعْمَارِ، وَيُعَمِّرَانَ الدِّيَارَ، وَيُثْرِيَانِ الأَمْوَالَ، وَلَوْ كَانَ الْقَوْمُ فُجَّارًا» . ثُمَّ قَالَ: يَا عَمِّ، الْحَدِيثَ الآخر.
فقال عبد الصمد: حدثني أبي، عن جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْبِرَّ وَالصِّلَةَ لَيُخَفِّفَانِ سُوءَ الْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ثُمَّ تَلا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِينَ 13: 21
__________
[1] «القزاز» ساقطة من ت.
[2] «بن عيسى» ساقطة من ت.
[3] «جدي» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «وأقربك» .
[7] «بن علي» ساقطة من ت.(9/106)
يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ 13: 21 [1] .
فقال المنصور: يَا عَمِّ، الْحَدِيثَ الآخَرَ.
فَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي [2] ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَلِكَانِ أَخَوَانِ عَلَى مَدِينَتَيْنِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا بَارًّا بِرَحِمِهِ، عَادِلا عَلَى رَعِيَّتِهِ، وَكَانَ الآخَرُ عَاقًّا بِرَحِمِهِ، جَائِرًا عَلَى رَعِيَّتِهِ، وَكَانَ فِي عَصْرِهِمَا نَبِيٌّ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى ذَلِكَ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِ هَذَا الْبَارِّ ثَلاثُ سِنِينَ، وَبَقِيَ مِنْ هَذَا [3] الْعَاقِّ ثَلاثُونَ سَنَةً. قَالَ: فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ رَعِيَّةَ هَذَا وَرَعِيَّةَ هَذَا، فَأَحْزَنَ ذَلِكَ رَعِيَّةَ الْعَادِلِ، وَأَحْزَنَ ذَلِكَ رَعِيَّةَ الْجَائِرِ، قَالَ: فَفَرَّقُوا بَيْنَ الأَطْفَالِ/ وَالأُمَّهَاتِ، وَتَرَكُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، وَخَرَجُوا إِلَى الصَّحْرَاءِ يَدْعُوَن اللَّهَ أَنْ يُمَتِّعَهُمْ بِالْعَادِلِ، وَيُزِيلَ عَنْهُمْ أَمْرَ الْجَائِرِ [فَأَقَامُوا ثَلاثًا،] [4] فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى ذَلِكَ النَّبِيِّ أَنْ أَخْبِرْ عِبَادِي أَنِّي قَدْ رَحِمْتُهُمْ، وَأَجَبْتُ دُعَاءَهُمْ، فَجَعَلْتُ مَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِ هَذَا الْبَارِ لِذَلِكَ الْجَائِرِ، وَمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِ الْجَائِرِ لِهَذَا الْبَارِ [5] . قَالَ: فَرَجِعُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَمَاتَ الْعَاقُّ لِتَمَامِ الثَّلاثِ سِنِينَ، وَبَقِيَ الْعَادِلُ فِيهِمْ ثَلاثِينَ سَنَةً، ثُمَّ تَلا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ 35: 11 [6] .
ثم التفت المنصور إلى جعفر بن مُحَمَّد، فَقَالَ: يا أبا عبد اللَّه حدث بني عمك وأخوتك [7] بحديث أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ [بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ الله عَنْه] [8] عن النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم في البر.
__________
[1] سورة: الرعد، الآية: 21.
[2] في ت: «عن جدي عن ابن عباس» .
[3] «هذا» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «من عمر هذا البار لذلك لهذا البار قال: فرجعوا» وكتب الكلام الساقط على الهامش، وفيه نقص.
[6] سورة: فاطر، الآية: 11.
[7] في ت: «إخوتك وبني عمك» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/107)
فَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَلِكٍ يَصِلُ رَحِمَهُ وَذَا قُرْبَتِهِ وَيَعْدِلُ فِي رَعِيَّتِهِ إِلا شَيَّدَ اللَّهُ مُلْكَهُ، وَأَجْزَلَ لَهُ ثَوَابَهُ، وَأَكْرَمَ مَا بِهِ، وَخَفَّفَ حِسَابَهُ» . توفي عبد الصمد في هذه السنة بالجدري، وصلى عليه الرشيد ليلا، ودفن في باب البردان، وله إحدى وثمانون سنة.
1009- عباد بن العوام بن عبد الله، أبو سهل الواسطي
[1] .
سَمِعَ حصين بن عبد الرَّحْمَن، وسعيد بن أبي عروبة.
روى عَنْه: أبو نُعَيم، وأحمد بن حنبل، / وكان ثقة صدوقا.
أخبرنا القزاز قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت] [2] الخطيب قال: أخبرنا الجوهري قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قَالَ: عباد بن العوام كان من أهل واسط، وكان يتشيع، فأخذه هارون أمير المؤمنين فحبسه زمانا، ثم خلى عَنْه [3] ، فأقام ببغداد، وكان ينزل بالكرخ على نهر البزازين [4] .
توفي في هذه السنة. وقيل: في سنة ست وثمانين. وقيل: في سنة تسع. وقيل:
في سنة ثلاث.
1010- محمد بن إبْرَاهِيم، المعروف بالإمام، ابن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس
[5] .
كان يلي إمارة الحج والمسير بالناس [6] إلى مكَّةَ وإقامة المناسك في خلافة المنصور عدة سنين.
__________
[1] تاريخ بغداد 11/ 104- 106.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «خلى سبيله» .
[4] تاريخ بغداد 11/ 106.
[5] البداية والنهاية 10/ 186.
[6] «بالناس» ساقطة من ت.(9/108)
وتوفي ببغداد في خلافة الرشيد لإحدى عشرة بقيت من شوال هذه السنة.
وكان الرشيد إذ ذاك قد شخص إلى الرقة، فصلى عليه الأمين، ودفن في المقبرة المعروفة بالعباسية بباب الميدان.
1011- محمد بن إبراهيم، المعروف بالإمام بن الحسن، أبو بكر الهُذَلي
[1] .
كان هروي الأصل، وهو أخو أبي معمر إِسْمَاعِيل وأبي الهذيل إسحاق.
سمع من سفيان بن عُيَيْنَة وغيره.
وقال موسى بن هارون الحافظ: هو صدوق لا بأس به.
__________
[1] في الأصل: «الهذلي» .(9/109)
ثم دخلت سنة ست وثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
خروج علي بن عيسى بن ماهان من مرو لحرب أبي الخصيب/ إلى نسا، فقتل بها، وسبي نساؤه وذراريه، فاستقامت خراسان [1] .
وفيها: حبس الرشيد ثمامة بن أشرس لوقوفه على كذبه في أمر أحمد بن عيسى بن زيد [2] .
وكانت ببغداد رجفة شديدة بين المغرب والعشاء في رمضان.
وفيها: حج الرشيد، وكان شخوصه من الرقة في رمضان، فمر بالأنبار، ولم يدخل مدينة [3] السلام، ولكنه نزل منزلا على شاطئ الفرات، وأخرج معه ابنيه الأمين والمأمون، فبدأ بالمدينة، فأعطى أهلها ثلاث عطيات، وبدأ بنفسه، فنودي باسمه، فأخذ ثلاث [4] أعطيات فوضعها بين يديه، وفعل ذلك بالأمين والمأمون، ثم ببني هاشم، ثم بالناس بعدهم، ثم صار إلى مكة فأعطى أهلها عطاءين، فبلغ ذلك ألف ألف دينار وخمسين ألف دينار، وكان عقد لابنه محمد ولاية العهد في يوم الخميس في شعبان سنة ثلاث وسبعين، وسماه الأمين، وضم إلَيْهِ الشام والعراق في سنة خمس وسبعين. ثم بايع للمأمون في سنة ثلاث [5] وثمانين، وولّاه من حدّ همذان إلى آخر المشرق.
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 275. والبداية والنهاية 10/ 187. وتاريخ الموصل ص 303. والكامل 5/ 326.
[2] تاريخ الطبري 8/ 275.
[3] في الأصل: «إلى مدينة السلام» .
[4] «عطيات وبدأ بنفسه فنودي باسمه فأخذ ثلاثة» ساقطة من ت، وكتبت على الهامش.
[5] في ت: «اثنتين وثمانين» .(9/110)
أخبرنا ابن ناصر قَالَ: أخبرنا الحميدي قَالَ: أخبرنا أبو غالب أبو غالب بن بشران قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين بْن دينار قَالَ: حدثنا أبو علي الطوماري قال: حدثنا أبو بكر بن الجنيد قال: حدثني الحسين بن الصباح الزعفراني قال: لما قدم الشافعي إلى بغداد وافق عقد الرشيد للأمين، والمأمون/ على العهد. قَالَ: فبكر الناس لتهنئة الرشيد، فجلسوا في دار العامة ينتظرون الإذن، فجعل الناس يقولون: كيف ندعو لهما، فإنا إذا فعلنا ذلك كان دعاء على الخليفة وإن لم ندع لهما كان تقصيرا، فدخل الشافعي، فجلس، فقيل لَهُ في ذَلِكَ، فقال: الله الموفق، فلما أذن دخل الناس، فكان أول متكلم الشافعي فَقَالَ:
لا قصرا عنها ولا بلغتهما ... حتى تطول على يديك طوالها
قال علماء السير: وكان القاسم بن الرشيد في حجر عبد الملك بن صالح، فلما بايع [1] الرشيد للأمين والمأمون، كتب إليه عبد الملك:
يا أيها الملك الذي ... لو كان نجما كان سعدا
اعقد لقاسم بيعة ... واقدح [2] له في الناس [3] زندا
الله فرد واحد ... فاجعل ولاة العهد فردا
[4] فكان ذلك أول ما حض الرشيد على البيعة للقاسم، فبايع له وسماه المؤتمن، وولاه الجزيرة والثغور والعواصم [5] .
فلما قسم الأرض بين أولاده الثلاثة قال بعض الناس: قد أحكم الملك. وقَالَ بعضهم: بل ألقى بأسهم بينهم، وعاقبة ما صنع مخوفة [6] على الرّعيّة [7] .
__________
[1] في الأصل: «بلغ» .
[2] في الأصل: «أقدم» .
[3] في ت: «الورى» .
وفي تاريخ بغداد «الملك» .
[4] تاريخ الطبري 8/ 276.
[5] تاريخ الطبري 8/ 276.
[6] في الأصل: «مجوفة» .
[7] تاريخ الطبري 8/ 276.(9/111)
وحج هارون ومعه أبناؤه [1] ووزراؤه، وقواده [2] ، وقضاته في سنة ست وثمانين، وخلف بالرقة إبراهيم بن عثمان بن نهيك العكي، وعلى الحرم، والخزائن [3] ، والأموال والعسكر [4] / وأشخص القاسم ابنه إلى [5] منبج، فأسكنه إياها، ثم ضم [إليه] [6] من القواد والجند، فلما قضى مناسكه كتب إلى المأمون [7] ابنه كتابين أجهد الفقهاء والقضاة آراءهم فيهما، أحدهما: على مُحَمَّد الأمير [8] بما اشترط عليه من الوفاء بتسليم [9] ما ولي عبد الله من الأعمال، وصير له من الضياع والغلات والجوهر والأموال. والآخر: نسخة البيعة التي أخذها على الخاصة والعامة والشروط لعبد الله على محمد وعليهم، وحضر في الكعبة، وأحضر [وجوه] [10] بني هاشم والقواد والفقهاء، وقرأ الكتاب على الأمين والمأمون، وأشهد عليهما جميع من حضر من سائر ولده وأهل بيته ومواليه ووزرائه وقواده وكتابه وغيرهم، ثم رأى أن يعلق الكتاب في الكعبة، فلما رفع ليعلق [11] سقط [12] .
وقد روى إبراهيم بن عبد الله الحجبي عن أبيه قَالَ: لما رفع الكتاب ليعلق بسقف الكعبة سقط قبل أن يعلق، فقلت في نفسي: هذا أمر سريع انتقاضه. وتقدم إلى الحجبة في حفظ الكتابين ومنع من أراد إخراجهما.
وكانت نسخة الكتاب: «هذا كتاب لعبد الله هارون أمير المؤمنين [كتبه محمد بْن هارون أمير المؤمنين] [13] في صحة عقله وجواز [من] [14] أمره طائعا غير مكره أن أمير المؤمنين ولاني العهد من بعده وصيّر البيعة لي في رقاب المسلمين، وولى عبد الله بن
__________
[1] «أبناؤه» ساقطة من ت.
[2] «قواده» ساقطة من ت.
[3] في الأصل: «والجزائر» .
[4] «والعسكر» ساقطة من ت.
[5] في الأصل: «ابنه محمد الى منبج» والتصحيح من ت والطبري.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «للمأمون» .
[8] «الأمير» ساقطة من ت.
[9] في ت: «الوفاء من تسليم» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] «ليعلق» ساقطة من ت.
[12] تاريخ الطبري 8/ 277، 278.
[13] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[14] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/112)
هارون [أمير المؤمنين] [1] العهد والخلافة، وجميع أمور المسلمين بعدي، برضا مني وتسليمه طائعا غير مكره، وولاه خراسان وثغورها، وكورها، وحربها/، وجندها، وخراجها، وبيوت أموالها، [وصدقاتها، وعشرها، وجميع أعمالها في حياته وبعده، وشرطت لعبد الله هارون أمير المؤمنين برضا مني وطيب نفسي أن لأخي عبد الله بن هارون علي الوفاء بما عقد له هارون أمير المؤمنين من العهد والولاية والخلافة وأمور المسلمين جميعا بعدي، وتسليم ذلك له، وما جعل له من ولاية خراسان] [2] وأعمالها كلها، وما أقطعه أمير المؤمنين من قطيعته أو جعل لَهُ من عقده [3] أو ضيعة من ضياعه [4] ، وابتاع من الضياع والعقد وما أعطاه في حياته وصحته من مال أو حلي أو جوهر، أو متاع، أو كسوة، أو منزل، أو دواب، أو قليل، أو كثير، فهو لعبد الله بن هارون أمير المؤمنين موفرا مسلما إليه، وقد عرفت ذلك كله شيئا فشيئا، فإن حدث بأمير المؤمنين الموت، وأفضت الخلافة إلى محمد ابن أمير المؤمنين، فعلى محمد إنفاذ ما أمر به [5] هارون أمير المؤمنين في تولية عبد الله بن هارون أمير المؤمنين خراسان وثغورها من لدن الري إلى أقصى خراسان ليس لمحمد ابن أمير المؤمنين أن يحول عنه قائدا ولا راجلا واحدا ممن ضم إليه من أصحابه الذين ضمهم إليه أمير المؤمنين، ولا يحول عبد الله ابن أمير المؤمنين من ولايته التي ولاها إياه [6] هارون [أمير المؤمنين] [7] من ثغور خراسان وأعمالها كلها بندارا [8] ولا عاملا، ولا يدخل عليه في صغير من أمره ولا كبير ضرارا [9] ، ولا يحول بينه وبين العمل في ذلك كله برأيه وتدبيره، ولا يعرض
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «عقد» .
[4] في ت: «طبيعته في ضياعه» .
[5] في الأصل: «ما أمره» .
[6] في ت: «ولاه إياها» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في الأصل: «مدارا» .
[9] في الأصل: «ضررا» .(9/113)
لأحد ممن ضم إليه أمير المؤمنين من أهل بيته وصحابته، وقضاته، وعماله، وكتابه، وخدمه، ومواليه، وجنده بما [1] يلتمس إدخال الضرر والمكروه عليهم في أنفسهم، ولا قرابتهم/، ولا مواليهم، ولا أموالهم، ولا في ضياعهم ودورهم ورباعهم ورقيقهم، ولا أحد من الناس بأمره ورأيه يترخص له في ذلك ولا ينزع إليه أحد ممن ضم أمير المؤمنين عبد الله ابن أمير المؤمنين وأهل بيت أمير المؤمنين، وصحابته وعماله وخدمه وجنده، ورفض اسمه [ومكتبه] [2] ومكانه مع عبد الله، عاصيا لَهُ أو مخالفا، فعلى محمد ابن أمير المؤمنين رده إلى عَبْد الله ابن أمير المؤمنين بصغر له [3] وقماء حتى ينفذ رأيه وأمره.
فإن أراد محمد ابن أمير المؤمنين خلع عبد الله ابن أمير المؤمنين من ولاية خراسان وثغورها وأعمالها، أو صرف أحد من قواده الذين ضمهم إليه أمير المؤمنين أو أن ينتقصه [4] قليلا أو كثيرا مما جعله أمير المؤمنين [5] له بوجه من الوجوه، أو بحيلة من الحيل، فلعبد اللَّه بن هارون أمير المؤمنين الخلافة بعد أمير المؤمنين، وهو المقدم على مُحَمَّد ابن أمير المؤمنين وهو ولي الأمر بعد أمير المؤمنين والطاعة من جميع قواد أمير المؤمنين هارون من أهل خراسان وجميع المسلمين في جميع الأمصار لعبد الله ابن أمير المؤمنين، والقيام معه، والمجاهدة لمن خالفه، والذب عَنْه، ما كانت الحياة في أبدانهم. وليس لأحد منهم أن يخالفه أو يعصيه، ولا يخرج من طاعته، ولا يطيع محمد ابن أمير المؤمنين في خلع عبد الله بن هارون أمير المؤمنين، وصرف العهد عنه من بعده إلى غيره أو ينتقصه شيئا مما جعله/ له أمير المؤمنين هارون في حياته وصحته.
واشترط [6] في كتابه الذي كتبه عليه في البيت الحرام وفي كتابه هذا. وعبد الله ابن أمير المؤمنين المصدق في قوله، وأنتم في حل من البيعة التي في أعناقكم لمحمد
__________
[1] في ت: «مما» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل. وأثبتناه من الطبري 8/ 279.
[3] في الأصل: «صغرا وفما» .
[4] في الأصل: «ينتقضه» .
[5] في الأصل: «مما جعله له أمير المؤمنين» .
[6] في الأصل: «وأشرط» .(9/114)
ابن أمير المؤمنين، وعلى محمد بن أمير المؤمنين أن ينقاد لعبد الله ابن أمير المؤمنين، ويسلم له الخلافة.
وليس لمحمد ولا لعبد الله أن يخلعا القاسم ابن أمير المؤمنين، ولا يقدما [1] عليه أحدا من أولادهما وقراباتهما ولا غيرهم من جميع البرية، فإذا أفضت الخلافة إلى عبد اللَّه ابن أمير المؤمنين فالأمر إليه في إمضاء ما جعله أمير المؤمنين من العهد للقاسم بعده، أو صرف ذلك عنه إلى من رأى من ولده وإخوته، وتقديم من أراد أن يقدم قبله، يحكم في ذلك بما أحب وأراد [2] ، فعليكم معشر المسلمين إنفاذ ما كتبه أمير المؤمنين في كتابه هذا وشرط، وعليكم السمع والطاعة لأمير المؤمنين فيما ألزمكم لعبد الله ابن أمير المؤمنين، وعهد الله وذمته وذمم المسلمين والعهود والمواثيق التي أخذ الله عَلَى الملائكة المقربين والمرسلين والنبيين، ووكدها في أعناق المؤمنين ليقرب لعبد الله ابن أمير المؤمنين بما سمى، ولمحمد، وعبد الله، والقاسم بني أمير المؤمنين بما سمى، وكتب في كتابه هذا واشترط عليكم، فبرئت منك ذمة الله، وذمة رسوله مُحَمَّد/ صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، وذمم المسلمين، وكل مال هو اليوم لكل رجل منكم أو يستفيده إلى خمسين سنة فهو صدقة عَلَى المساكين، وعلى كل رجل منكم المشي إلى بيت الله الحرام الّذي بمكة خمسين حجّة نذرا واجبا لا يقبل الله منه إلا الوفاء بذلك، وكل مملوك لأحد منكم- أو يملكه فيما يستقبل إلى خمسين سنة- حر، وكل امرأة له [3] فهي طالق ثلاثا ألبتة طلاق الحرج، لا مثنوية لذلك [4] فيها، والله عليكم بذلك كفيل، وكفى باللَّه حسيبا [5] .
ونسخة الشرط الذي كتبه عبد الله ابن أمير المؤمنين [بخط يده في الكعبة:
هذا كتاب لعبد الله بن هارون أمير المؤمنين] [6] كتبه له عبد الله بن هارون أمير
__________
[1] في الأصل: «يقدمان» .
[2] في الطبري: «ورأى» .
[3] في الأصل: «وكل امرأة يتزوجها أو متزوجها» .
[4] «لذلك» ساقطة من ت.
[5] تاريخ الطبري 8/ 278- 281. وفيه زيادات عما أورده ابن الجوزي هنا.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/115)
المؤمنين في صحة من عقله وجواز أمر من أمره، وصدق نية، فيما كتبه في كتابه هذا، ومعرفة بما فيه من الفضل [1] والصلاح له ولأهل بيته وجماعة المسلمين أن أمير المؤمنين هارون ولاني العهد والخلافة وجميع أمور المسلمين بعد أخي محمد بن هارون، وولاني في حياته ثغور خراسان وكورها، وجميع أعمالها، وشرط على محمد بن هارون الوفاء بما عقد لي من الخلافة وولاية العباد والبلاد بعده وولاية خراسان وجميع أعمالها، ولا يعرض لي في شيء مما أقطعني أمير المؤمنين، أو ابتاع [2] لي من الضياع والعقد والرباع، / أو ابتعت [3] منه من ذلك، وما أعطاني أمير المؤمنين من الأموال والجواهر والكساء والمتاع والدواب والرقيق [4] وغير ذلك، فلا يعرض لي ولا لأحد من عمالي وكتابي بسبب محاسبة، ولا يتّبع لي في ذلك ولا لأحد [5] منهم أبدا، ولا يدخل علي ولا عليهم ولا على من كان معي ممن استعنت به من جميع الناس مكروها في نفسي ولا دم، ولا شعر، ولا بشر ولا مال، ولا صغير ولا كبير. فأجابه إلى ذلك وأقر بِهِ، وكتب له كتابا أكد فيه على نفسه ورضي به أمير المؤمنين، وقبله [6] فشرطت لأمير المؤمنين، وجعلت له على نفسي [7] أن أسمع وأطيع لمحمد، ولا أعصيه، وأنصحه ولا أغشه، وأوفي ببيعته وولايته، ولا أغدر، ولا أنكث، وأنفذ كتبه وأوامره [8] ، وأحسن مؤازرته، وجهاد عدوه في ناحيتي، ما وفى لي على ما شرط لأمير المؤمنين في أمري، وسمي في الكتاب الذي كتبه لأمير المؤمنين، فإن احتاج محمد إلى جند وكتب إلي يأمرني بإشخاصه إليه، أو إلى ناحية من النواحي، أو عدو خالفه وأراد نقض شيء من سلطانه أو سلطاني الذي أسنده أمير المؤمنين إلينا أن أنفذ أمره ولا أخالفه، ولا أقصر في شيء كتب به إلي، وإن أراد محمد أن يولي رجلا من ولاة العهد
__________
[1] في الأصل: «القصد» .
[2] في الأصل، وت: «وابتاع» .
[3] في الأصل، وت: «وابتعت» .
[4] «والرقيق» ساقطة من ت.
[5] «من عمالي وكتابي بسبب محاسبة، ولا يتبع لي في ذلك ولا لأحد» ساقطة من ت.
[6] في الأصل: «وقربه وقبله» .
[7] «نفسي» ساقطة من ت.
[8] في الطبري: «وأموره» .(9/116)
والخلافة بعدي، فذلك له ما وفى لي بما جعله لي أمير المؤمنين واشترط لي عَلَيْهِ، وعلي إنفاذ ذلك والوفاء له به/ ولا انقض ذلك ولا أبدله، ولا أقدم قبله أحدا من ولدي، ولا قريبا ولا بعيدا من الناس، إلا أن يولي [1] أمير المؤمنين هارون أحدا من ولده العهد بعدي فيلزمني ومحمدا الوفاء لَهُ [2] .
وجعلت لأمير المؤمنين ولمحمد الوفاء لي بما شرطت وسميت في كتابي هذا، ما وفى لي محمد بجميع ما اشترط لي أمير المؤمنين عليه في نفسي، وما أعطاني أمير المؤمنين من جميع الأشياء المسماة في هذا الكتاب الذي كتبه لَهُ، وعلي عهد الله وميثاقه وذمه أمير المؤمنين وذمتي وذمم آبائي وذمم المسلمين وأشد ما أخذ الله على ميثاقه على النبيين والمرسلين من خلقه، من عهوده ومواثيقه، والأيمان المؤكدة التي أمر الله الوفاء بها، ونهى عن نقضها وتبديلها، وإن أنا نقضت شيئا مما شرطت وسميت في كتابي هذا، أو غيرت أو بدلت، أو نكثت أو غدرت، فبرئت من الله ومن ولايته ودينه، ومحمد رسوله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، ولقيت الله يوم القيامة كافرا مشركا، وكل امرأة هي لي اليوم [3] ، أو أتزوجها إلى ثلاثين سنة طالق ثلاثا ألبتة [طلاق الحرج، وكل مملوك هو لي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة أحرار لوجه الله، وعلي المشي إلى بيت الله الحرام الذي بمكة ثلاثين حجة، نذرا واجبا علي في عنقي حافيا راجلا، لا يقبل الله مني إلا الوفاء بذلك، وكل مال لي أو أملكه إلى ثلاثين سنة] [4] هدي بالغ الكعبة، وكل ما جعلت لأمير المؤمنين وشرطت في كتابي هذا لازم لا أضمر غيره، ولا أنوي غيره. / وشهد سليمان ابن أمير المؤمنين وفلان وفلان. وكتب في ذي الحجة سنة سبع وثمانين ومائة [5] .
وكان في نسخة الكتاب الذي كتبه هارون إلى العمّال [6] :
__________
[1] من أول: «رجلا من ولاة العهد والخلافة ... » . حتى: « ... من الناس إلا أن يولي» ساقطة من ت.
[2] الطبري 8/ 281، 282.
[3] في ت: «لي اليوم طالقة» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ الطبري 8/ 281- 283، وفيه زيادات عما أورده ابن الجوزي هنا.
[6] في ت: «إلى عماله» .(9/117)
أما بعد، فإن الله ولي أمير المؤمنين، وولي ما ولاه، والحافظ لما استرعاه وأكرمه بِهِ من خلافته وسلطانه والصانع له فيما قدم وأخر من أموره، والمنعم عليه بالنصر والتأييد في مشارق الأرض ومغاربها، والكالئ والحافظ والكافي من جميع خلقه [1] ، وهُوَ المحمود على جميع آلائه، والمسئول تمام حسن [2] ما مضى من قضائه لأمير المؤمنين، وعادته الجميلة عنده، وإلهام ما يرضى بِهِ، ويوجب له عليه أحسن المزيد من فضله [3] .
ولم يزل أمير المؤمنين منذ اجتمعت الأمة على عقد العهد لمحمد ابن [4] أمير المؤمنين [من] [5] بعد أمير المؤمنين، ولعبد الله ابن أمير المؤمنين من بعد محمد، يعمل رأيه ونظره ورويّته [6] فيما فيه الصلاح لهما ولجميع الرعية والجمع للكلمة، واللّم للشعث، والحسم لكيد أعداء النعم من أهل الكفر والنفاق والغل، والقطع لآمالهم من كل فرصة يرجون إدراكها وانتهازها، ويستخير الله [7] في ذلك ويسأله [8] العزيمة له على ما فيه الخيرة لهما ولجميع الأمة [9] .
فعزم الله لأمير المؤمنين على الشخوص بهما إلى بيت الله الحرام، وأخذ البيعة منهما لأمير المؤمنين بالسمع والطاعة والانقياد لأمره، واكتتاب الشرط/ على كل واحد منهما لأمير المؤمنين ولهما بأشد المواثيق والعهود وأغلظ الأيمان والتوكيد، وأخذ لكل واحد منهما على صاحبه بما التمس به أمير المؤمنين اجتماع ألفتهما ومودتهما
__________
[1] في الأصل: «وجميع خلقه عنده» .
[2] في الأصل، وت: «والمسئول بما أحسن» .
[3] «من فضله» ساقطة من ت.
تاريخ الطبري 8/ 283- 284.
[4] «ابن» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «ورؤيته» .
وما أثبتناه من الطبري والأصل.
[7] في الأصل: «نستخير الله» .
[8] في الأصل: «ونسأله» .
[9] تاريخ الطبري 8/ 284.(9/118)
وتواصلهما ومكانفتهما على حسن النظر لأنفسهما ولرعية أمير المؤمنين التي استرعاهما [1] .
فلما قدم مكة أظهر لمحمد وعبد الله رأيه في ذَلِكَ، وما نظر فيه لهما، فقبلا ما دعاهما إِلَيْهِ، وكتبا لأمير المؤمنين في بطن بيت الله الحرام بخطوطهما، بمحضر ممن شهد الموسم وأهل بيت أمير المؤمنين وقواده وقضاته وحجبة الكعبة وشهاداتهم عليهما كتابين استودعهما أمير المؤمنين الحجبة، وأمر بتعليقهما في داخل الكعبة [2] .
فلما فرغ أمير المؤمنين من ذَلِكَ أمر قضاته الذين شهدوا عليهما، وحضروا كتابيهما، أن يعلموا جميع من حضر الموسم من الحاج والعمار [3] ووفود الأمصار ما شهدوا عليه من شرطهما وكتابيهما [4] ليعرفوا ذلك ويؤدوه [5] إلى إخوانهم وأهل بلدانهم.
ففعلوا، وقرئ عليهم الشرطان جميعا في المسجد الحرام، فانصرفوا. وقد اشتهر علم ذلك عندهم فأثبتوا الشهادة عليه، وعرفوا نظر أمير المؤمنين لصلاحهم [6] وحقن دمائهم، ولم شعثهم/ وإطفاء جمرة أعداء الله، وأعداء دينه.
وقد نسخ أمير المؤمنين ذينك الشرطين اللذين كتبهما محمد وعبد الله في أسفل كتابه هذا.
وكتب إسماعيل بن صبيح يوم السبت لسبع ليال بقين من المحرم سنة ثمان وثمانين ومائة [7] .
وأمر هارون الرشيد للمأمون بمائة ألف درهم حملت له من الرقة إلى بغداد [8] .
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 284.
[2] تاريخ الطبري 8/ 285.
[3] في الأصل: «العما» .
[4] في ت: «كتابتها» .
[5] في الأصل: «يردوه» .
[6] في الطبري: «بصلاحهم» .
[7] تاريخ الطبري 8/ 283- 286، وفيه زيادات عما أورده ابن الجوزي هنا.
[8] في ت: «إلى بغداد من الرقة» .(9/119)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1012- أصبغ بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، أبو زيان
[1] حكى عنه عون بن عبد الله قَالَ: قال لي أصبغ: سمعت من أبيك كلاما نفعني الله بِهِ: لئن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة.
توفي أصبغ في رمضان هذه السنة.
1013- حسان بن إبراهيم، أبو هشام العنزي الكوفي، قاضي كرمان
[2] .
ولد سنة ست وثمانين، رأى محارب بن دثار، وسمع هشام بن عروة، والثَّورِي، وروى عَنْه عفان بن مسلم، ووثقه يحيى. وتوفي في هذه السنة، وله مائة سنة.
1014- سلم الخاسر
[3] الشاعر هو: سلم بن عمرو بن حماد بن عطاء [4] .
يقال إنّه مولى أَبِي بَكْر الصديق رضي اللَّه عَنْهُ. ويقال: بل مولى المهدي.
واختلف لم سمي الخاسر، / فقال اليزيدي: ورث من أبيه مائة ألف درهم [وأصاب من مدائح الملوك مائة ألف درهم] [5] فأنفقها كلها على الأدب [وأهله] [6] .
وحكى الأصفهاني: أنه ورث من أبيه مصحفا فباعه واشترى بثمنه طنبورا.
وذكر الصولي أن الرشيد قال له: لم سميت الخاسر؟ فَقَالَ: بعت وأنا صبي مصحفا واشتريت بثمنه شعر امرئ القيس، وقد رزقني الله حفظ القرآن بعد ذَلِكَ، فقال لَهُ: فأنت الآن الرابح.
__________
[1] البداية والنهاية 10/ 187.
وفي ت: «أبو زبان» .
[2] البداية والنهاية 10/ 187، 188. وتاريخ بغداد 8/ 260.
[3] في ت: «سلم بن الخاسر» .
[4] البداية والنهاية 10/ 188. وتاريخ بغداد 9/ 136. ووفيات الأعيان 1/ 198، وفيه: «سالم الخاسر» .
والأعلام 3/ 110، 111.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/120)
قَالَ: وقيل إنهم رأوه يوما في سوق الدفاتر وقد باع مصحفا بشعر الأعشى، فقال له الناس: أنت والله الخاسر. فبقيت [1] عَلَيْهِ.
قَالَ: وكان مقتدرا على الشعر بلغ من اقتداره أنه اخترع شعرا على حرف واحد لم يسبق إليه، وأقل شعر سمع للعرب على حرفين، نحو قول دريد بن الصمة:
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع [2]
فقال سلم [الخاسر] [3] لموسى الهادي شعرا على حرف واحد منه:
موسى المطر ... غيث بكر
ثم انهمر ... كم اعتسر
ثم اقتسر ... وكم قدر
ثم غفر ... عدل السير
باقي الأثر/ ... خير البشر
فرع مضر ... بَدْرٌ بَدَر
لمن نظر ... هو الوزر
لمن حضر ... والمفتخر
لمن غبر ... والمجتبر
لمن عثر
[4] .
وذكر الخطيب أنه كان على طريقة غير مرضية من المجون والخلاعة والفسق، ثم تعرى وترك ذَلِكَ، فرقت حاله، فاغتم لذلك، ورجع إلى شر مما كان عليه أولا، فباع مصحفا كان لَهُ واشترى بثمنه دفترا فيه شعر، فشاع خبره في النَّاسَ فسموه: سلما الخاسر لذلك [5] .
وكان من الشعراء المجيدين، وكان من تلامذة بشار، وصار يقول أرق من شعره، فغضب بشار، وكان بشار قد قَالَ:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
__________
[1] في ت: «فثبتت» .
[2] في ت: «وأقع» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] البداية والنهاية 10/ 188.
[5] تاريخ الطبري 9/ 136.(9/121)
فقال هو:
من راقب الناس مات غما ... وفاز باللذة الجسور
فغضب بشار وقَالَ: ذهب والله بيتي، تأخذ المعاني التي قد تعبت فيها فتكسوها [1] ألفاظا أخف من ألفاظي!؟ لا أرضى عنك. فما زالوا يسألونه حتى رضي عنه [2] .
أخبرنا [أبو منصور] القزاز [قال] : أخبرنا [أبو بكر أحمد بْن علي بْن ثابت] [3] الخطيب [قَالَ:] أخبرنا الجوهري، [قَالَ] : / أخبرنا طلحة بن محمد بن عُمَر قَالَ: قال محمد بن داود بن الجراح: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قَالَ: حدثني أحمد بن المبارك بن خَالِد قَالَ: حدثني الجواني [4] الهاشمي قَالَ: حدثني أَبِي قَالَ: كان سلم قد كسب مالا بقصيدته التي مدح بها المهدي، التي أوّلها:
حضر الرحيل وشدّت الأحداج ... وحدابهنّ مشمر مزعاج
شربت بمكة من ذرى بطحائها ... ماء النبوة ليس فيه مزاج
وكان المهدي أعطى [هارون] [5] بن أبي حفصة مائة ألف درهم، التي أولها [6] :
طرقتك زائرة فحي خيالها.
فأراد أن ينقص سلما عن هذه الجائزة، فحلف سلم أن لا يأخذ إلا مائة ألف درهم، وألف درهم [7] ، وقَالَ: تطرح القصيدتان إلى أهل العلم حتى يخيروا بتقديم قصيدتي، فأنفذ له المهدي مائة ألف درهم، وألف درهم، فلما بلغ إلى زمان الرشيد.
قال قصيدته التي أولها [8] : /
قل للمنازل بالكثيب الأعفر ... أسقيت غادية السحاب الممطر
__________
[1] في ت: «فتكسرها» .
[2] تاريخ بغداد 9/ 139.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «الحراني» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] التي أولها» ساقطة من ت، وتاريخ بغداد.
[7] «وألف درهم» ساقطة من ت.
[8] في ت: «التي فيها» .(9/122)
قد بايع الثقلان مهدي الهدى ... لمحمد ابن زبيدة ابنة جعفر
فحشت زبيدة فاه درا، فباعه بعشرين [1] ألف دينار، وهذا حين بايع الرشيد لمحمد ابن زبيدة.
ومات سلم في أيام الرشيد وقد اجتمع عنده من المال قيمة ستة وثلاثين ألف دينار، فأودعها أبا السمراء الغساني، فبقيت عنده، وأتى [2] إبراهيم الموصلي يوم [العيد] [3] عند الرشيد وغناه فأطربه، فَقَالَ: يا إبْرَاهِيم، سل ما شئت. قَالَ: نعم يا سيدي، أسأل شيئا لا يرزأك، قَالَ: ما هُوَ؟ قَالَ: مات سلم وليس له وارث، وقد خلف ستة وثلاثين ألف دينار عند أبي السمراء الغساني، تأمره بدفعها إلي. فبعث إليه أن يدفعها إليه فدفعها. وكان الجماز بعد ذلك قدم هو وأبوه يطلبان ميراث سلم. وأنهما من قرابته [4] .
وفي رواية: أن تركته كانت [5] خمسين ألف دينار، وذكروا أنه لما قال أبو العتاهية:
/ تعالى الله يا سلم بن عمر ... وذل الحرص أعناق الرجال
غضب سلم وقَالَ: يزعم أني حريص، فقال يرد عَلَيْهِ:
ما أقبح التزهيد من واعظ ... يزهد الناس ولا يزهد
لو كان في تزهيده صادقا ... أضحى وأمسى بيته المسجد
ورفض الدنيا فلم يلقها ... ولم يك يسعى ويسترفد
[يخاف أن تنفذ أرزاقه ... والرزق عند الله لا ينفد] [6]
والرزق مقسوم على ما ترى ... يناله الأبيض والأسود
__________
[1] في الأصل: «بعشرة» .
[2] في الأصل: «وأن» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ بغداد 9/ 137، 138.
[5] في الأصل: «جاءت» .
[6] هذا البيت ساقط من الأصل.(9/123)
كلا يوفى رزقه كاملا ... من كف عن جهد ومن يجهد
قال أبو هفان: وصل إلى سلم من البرامكة خاصة عشرون ألف دينار، ومن الرشيد مثلها.
1015- شقران بن علي الإفريقي، صاحب الفرائض
[1] .
كان رجلا صالحا، بعبادته يضرب المثل [2] . توفي في هذه السنة.
1016- عمرو بن زرارة بن واقد، أبو محمد، الكلابي النيسابوري
[3] .
سَمِعَ معاذ بن معاذ، وسفيان بن عُيَيْنَة، وهشيم بن بشير، وابن علية، وغيرهم.
وقرأ القرآن/ على علي بن حمزة الكسائي. روى عنه: البخاري، ومسلم، وغيرهما.
وكان فوق الثقة.
1017- العباس بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ [بْنِ] [4] العباس
[5] .
كان من رجالات بني هاشم، وولي إمرة الجزيرة أيام الرشيد، وكان أجود الناس رأيا، وكان الرشيد يَقُولُ: عمي العباس. يذكرنا أسلافنا [6] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، قال: أَخْبَرَنَا الأزهري، أَخْبَرَنَا أحمد بْن إبراهيم بْن عرفة قَالَ: توفي العباس سنة خمس وثمانين ومائة، ولي العباس بن محمد- الذي تنسب إليه العباسية- الجزيرة، وصار إلى الرقة، وأمر الرشيد ففرش له في قصر الإمارة، واتخذت له فيه الآلات وشحن بالرقيق، وحمل إليه خمسة آلاف ألف درهم، وفي سنة ست وثمانين ومائة توفي العباس ببغداد في رجب، وصلى عليه الأمين، ودفن في العباسية وسنه خمس وستون سنة وستة أشهر، وستة عشر يوما [7] .
__________
[1] الكامل لابن الأثير 5/ 326.
[2] في ت: «وله بأخبار تعبده وعبادته يضرب المثل» .
[3] تهذيب التهذيب 8/ 35. والتقريب 2/ 70.
[4] «بن» ساقطة من ت.
[5] تاريخ بغداد 12/ 125. وتاريخ الموصل ص 303.
[6] في ت: «في أسلافنا» .
[7] تاريخ بغداد 12/ 125.(9/124)
أخبرنا عبد الرحمن [1] ، أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: أخبرنا البيهقيّ قَالَ: حدثنا سهل بن أَحْمَد الديباجي قَالَ: حدثنا محمد بن أحمد بن الفضل قَالَ: حدثنا أبو سلمة هشام بن عمرو القرشي قال: قَالَ رجل للعباس بن مُحَمَّد: إني أتيتك لحاجة صغيرة.
فقال لَهُ: / اطلب لها رجلا صغيرا.
1018- يقطين بن موسى
[2] .
كان أحد الدعاة إلى دولة بني الْعَبَّاس، وكان حازما داهية، ولما حبس مروان بن محمد إِبْرَاهِيم الإمام تحيرت الشيعة فلم تدر من الإمام بعده، فقال لهم يقطين: أنا أعلمكم. فمضى إلى الشام فوقف لمروان، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، أنا رجل تاجر، قدمت بمتاع، فأدخلت إلى هيئة فابتاعه مني، ولم يزل يسوفني بثمنه، حتى جاءت رسلك فحبسته، فإن رأيت أن تجمع بيني وبينه وتأخذ لي بحقي. فقال مروان لبعض خدمه: يا غلام، امض معه إلى إبْرَاهِيم وقل له أخرج لهذا من حقه. فمضى معه إِلَيْهِ، فلما رآه قَالَ: يا عدو الله، إلى متى تمطلني [3] ومن أمرت بدفع مالي إلي؟. فَقَالَ: إلى ابن الحارثية. فعاد إلى الشيعة فأعلمهم أن أبا العباس هو الإمام بعده [4] .
__________
[1] تاريخ بغداد 12/ 125.
[2] البداية والنهاية 10/ 188.
[3] في الأصل: «من تكلني» .
[4] «بعده» ساقطة من ت.(9/125)
ثم دخلت سنة سبع وثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
قتل الرشيد جعفر بن يحيى [بن خالد] [1] ، وإيقاعه بالبرامكة [2] .
فأما سبب غضبه على جعفر الذي قتله لأجله فقد اختلف فيه، وفي سبب تغيره عَلَى البرامكة.
فقال بختيشوع: إني لقاعد في مجلس الرشيد إذ طلع يحيى بن خَالِد، وكان يدخل بلا إذن، فلما صار بالقرب/ من الرشيد وسلم عليه رد عليه ردا ضعيفا، فعلم يحيى أن أمرهم قد تغير، ثم أقبل علي الرشيد فقال: يا بختيشوع، يدخل عليك في منزلك أحد بلا إذنك؟ فقلت: لا، ولا يطمع في ذلك، فَقَالَ: ما بالنا يدخل علينا بلا إذن. فقام يحيى فقال: يا أمير المؤمنين قدمني الله قبلك، والله ما ابتدأت ذلك الساعة، وما هو إلا شيء خصني به أمير المؤمنين، ورفع به ذكري حتى إن كنت لأدخل وهو في فراشه، وما علمت أن أمير المؤمنين كره ما كان يحب، وإذ علمت فإني أكون في الطبقة الثانية من أهل الإذن والثالثة إن أمرني سيدي بذلك. قَالَ: فاستحى، وكان من أرق الخلفاء وجها، وعيناه في الأرض، ما يرفع طرفة. ثم قَالَ: ما أردت ما تكره، ولكن [3] الناس يقولون. وخرج يحيى [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 8/ 287. والبداية والنهاية 10/ 189. وتاريخ الموصل ص 304. والكامل 5/ 327.
[3] في ت: «وإنما» .
[4] تاريخ الطبري 8/ 287، 288.(9/126)
وقال ثمامة بن أشرس: رفع محمد بن الليث رسالة إلى الرشيد يعظه فيها ويقول:
إن يحيى بن خالد لا يغني عنك من الله شيئا، وقد جعلته فيما بينك وبين الله، فكيف أنت إذا وقفت بين يدي الله فسألك عما عملت في عباده وبلاده، فقلت: استكفيت يحيى أمور عبادك. أتراك تحتج بحجة يرضاها. مع كلام فيه توبيخ وتقريع، فدعى الرشيد يحيى وقد تقدم إِلَيْهِ خبر الرسالة، / فَقَالَ: تعرف محمد بن الليث؟ قَالَ: نعم.
قَالَ: فأي الرجال هُوَ؟ قَالَ: متهم على الإسلام. فأمر به، فوضع في الحبس دهرا، فلما تنكر الرشيد للبرامكة ذكره فأمر بإخراجه، فأحضر فقال له بعد مخاطبة طويلة: يا محمد، أتحبني؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين. قَالَ: تَقُولُ هذا!؟ قَالَ: نعم، وضعت رجلي في الأكبال، وحلت بيني وبين العيال بلا ذنب أتيت، ولا حدث أحدثت [1] ، سوى قول حاسد يكيد الإسلام وأهله، ويحب الإلحاد وأهله، فكيف أحبك؟ قَالَ:
صدقت. وأمر بإطلاقه، ثم قَالَ: يا مُحَمَّد، أتحبني؟ قَالَ: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكن قد ذهب ما في قلبي. فأمر أن يعطى مائة ألف درهم، فأحضرت فَقَالَ: يا مُحَمَّد، أتحبني؟ قَالَ: أما الآن فنعم، قد أنعمت علي، وأحسنت إلي. قَالَ: انتقم الله ممن ظلمك، وأخذ لك بحقك ممن بعثني عليك. قال: فقال الناس في البرامكة، فأكثروا، وكان ذلك أول ما ظهر من تغير [2] حالهم [3] .
وقال محمد بن الفضل مولى سليمان بن أبي جعفر: دخل يحيى بن خالد بعد ذلك إلى الرشيد [4] ، فقام الغلمان إِلَيْهِ فقال الرشيد لمسرور [الخادم] [5] : مر الغلمان أن لا يقوموا إليه إذا دخل. فدخل فلم يقم إليه أحد، فاربد لونه، وكان الغلمان والحجاب بعد ذلك إذا رأوه أعرضوا عنه، فكان ربما استسقى الشربة فلا يسقونه [6] .
/ وقال أبو محمد اليزيدي: من قال إن الرشيد قتل جعفر بن يحيى بغير سبب
__________
[1] «أتيت ولا حدث أحدثت» ساقطة من ت.
[2] في الأصل: «تغيير» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 288.
[4] في ت: «على الرشيد» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] تاريخ الطبري 8/ 294.(9/127)
يحيى بن عبد الله بن حسن فلا تصدقه، وذلك أن الرشيد دفع يحيى إلى جعفر فحبسه، ثم دعي به ليلة من الليالي فسأله عن شيء من أمره فأجابه إلى أن قال لَهُ: اتق الله في أمري ولا تتعرض أن يكون خصمك غدا مُحَمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلم، فو الله ما أحدثت حدثا، ولا آويت [1] محدثا. فرق لَهُ وقَالَ: اذهب حيث شئت من بلاد اللَّه. قَالَ: وكيف أذهب ولا آمن أن أؤخذ بعد قليل. فأرد إليك أو على غيرك. فوجه إليه من أداه إلى مأمنه. وبلغ الخبر الفضل بن الربيع من عين كانت له عليه من خاص خدمه، فدخل على الرشيد فأخبره، فأراه أنه لا يعبأ بخبره وقَالَ: ما أنت وهذا، لا أم لك، فلعل ذلك عن أمري. فانكسر الفضل، وجاءه جعفر فدعا بالغداء فأكلا، وجعل يلقمه ويحادثه، إلى أن كان آخر ما كان بينهما أن قَالَ: ما فعل يحيى بن عبد الله؟ قال: بحاله يا أمير المؤمنين في الحبس الضيق والأكبال الثقيلة. فَقَالَ: بحياتي! فأحجم جعفر، وكان من أرق الخلق ذهنا، وأصحهم فكرا، فهجس في نفسه أنه قد علم بشيء من أمره، فقال: لا وحياتك يا سيدي، ولكن أطلقته وعلمت أنه لا حياة به [2] ، ولا مكروه عنده. قَالَ: نعم ما فعلت، ما عدوت ما كان في نفسي. فلما خرج أتبعه بصره/ حتى كاد يتوارى عن وجهه، ثم قَالَ: قتلني الله بسيف الهدى [3] على عمل الضلالة إن لم أقتلك. فكان من أمره ما كان [4] .
وقال إدريس بن بدر: عرض رجل للرشيد فَقَالَ: نصيحة، فَقَالَ لهرثمة: خذ إليك الرجل وسله عن نصيحته. فسأله فأبى أن يخبره وقَالَ: هي سر من أسرار الخليفة. فأخبر هرثمة الرشيد [5] فَقَالَ له: لا تبرح بالباب [6] حتى أفرغ له. فلما كان في الهاجرة، وانصرف من كان عنده، دعا بِهِ، فَقَالَ: أخلني. فالتفت هارون إلى بنيه فَقَالَ: انصرفوا يا فتيان. فوثبوا، وبقي خاقان وحسين على رأسه، فنظر إليهما الرجل فَقَالَ: تنحيا عنا.
ففعلا، ثم أقبل على الرجل فَقَالَ: هات ما عندك. فَقَالَ: على أن تؤمنني. قال: على
__________
[1] في الأصل: «أديت» .
[2] في ت: «لا حياء به» .
[3] في الأصل، وت: «بسيف الهدى» . وما أثبتناه من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 8/ 289. والكامل لابن الأثير 5/ 327، 328.
[5] في الأصل: «فأخبر الرشيد هرثمة» .
[6] خطأ من الناسخ، وقد وضح الناسح علامة التقديم والتأخير.(9/128)
أن أؤمنك وأحسن إليك. قَالَ: كنت بحلوان في خان من خاناتها، فإذا أنا بيحيى بن عبد الله في دراعة صوف غليظة وكساء صوف [1] أخضر غليظ، وإذا معه جماعة ينزلون إذا نزل، ويرحلون إذا رحل، ويكونون منه برصد، يوهمون من رآهم أنهم لا يعرفونه وهم أعوانه، ومع [كلّ] [2] واحد منهم منشور يأمن له إن عرض لَهُ. قال: تعرف يحيى بن عبد الله؟ قَالَ: أعرفه قديما، وذلك الّذي حقق معرفتي به بالأمس. قَالَ:
فصفه. قَالَ: مربوع، أسمر، رقيق البشرة، أجلح، حسن العينين/، عظيم البطن.
قَالَ: صدقت هو ذَلِكَ. قَالَ: فما سمعته يَقُولُ؟ قال: ما سمعته يقول شيئا غير أني رأيته يصلي، ورأيت غلاما من غلمانه أعرفه قديما جالسا على باب بالخان، فلما فرغ من صلاته أتاه بثوب غسيل، فألقاه في عنقه، ونزع الجبة الصوف، فقال لَهُ: أحسن الله جزاءك، وشكر سعيك، فمن أنت؟ قال: رجل من أبناء هذه الدولة، وأصلي من مرو، ومولدي مدينة السلام. قال: فمنزلك بها؟ قَالَ: نعم. فأطرق مليا، ثم قال: كيف احتمالك لمكروه تمتحن به في طاعتي؟ قَالَ: أبلغ من ذلك حيث أحب أمير المؤمنين.
قَالَ: كن بمكانك حتى أرجع. فدخل حجرة كانت خلف ظهره، فأخرج كيسا فيه ألفا دينار، فَقَالَ: خذ هذه ودعني وما أدبر فيك. فأخذها وضم عليها ثيابه، ثم قَالَ: يا غلام.
فأجابه خاقان وحسين، فَقَالَ: اصفعا [3] ابن اللخناء، فصفعاه [4] نحوا من مائة صفعة، ثم قَالَ: أخرجاه [5] إلى من بقي في الدار [6] وعمامته في عنقه، فقولا [7] : هذا جزاء من يسعى ببطانة أمير المؤمنين وأوليائه! ففعلا [8] ذلك وتحدثوا بخبره، ولم يعلم بحال الرجل أحد [9] ، ولا بما ألقى إلى الرشيد حتى كان من أمر البرامكة ما كان [10] .
__________
[1] «غليظة وكساء صوف» ساقطة من ت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، ت، وأثبتناها من الطبري.
[3] في الأصل، ت: «اصفعوا» .
[4] في الأصل، ت: فصفعوه» .
[5] في الأصل، ت: «أخرجوه» .
[6] في الأصل، ت: «من الدار» .
[7] في الأصل، ت: «فقولوا» .
[8] في الأصل، ت: «ففعلوا» .
[9] في الأصل: «ولم يعلموا» . وفي ت: «ولم يعلم أحد بحال الرجل» .
[10] تاريخ الطبري 8/ 289- 291.(9/129)
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عبد الجبار قال: أخبرنا/ أبو محمد الجوهري قَالَ: أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قَالَ: حدثنا عبد الواحد بن محمد الخصيبي قال: حدّثني أبو الفضل ميمون بن مهران [1] قال: حدثتني أمية البرمكية [2] قالت: الناس يكثرون في قصة البرامكة، وأوكد الأسباب فيما نالهم أن جعفر بن يحيى كان اشترى جارية [مغنية] [3] يقال لها «فتينة» [4] لم يكن لها نظير في الدنيا في حسن الخلق وسجاة وطيبة [5] ، وكان ابن جامع إذا سمعها بكى ما دامت تغني، وكان غيره من الحذاق يسلمون لها، وكان شراؤها على جعفر مائة ألف دينار، فطلبها منه الرشيد فلم يدفعها إِلَيْهِ، فلم يكن إلا قليلا حتى نزل بهم ما نزل، فأخذت وأخذ جميع من معها من الجواري [6] والعوامل، ثم جلس لنا وأدخلنا عليه وفي يد كل واحدة منا ما تعمل بِهِ، فأقبل يأمر واحدة واحدة، فتغني المغنية، وتزمر الزامرة، حتى بلغ إلى «فتينة» [7] فقال لها: غني. فأمسكت، فقلنا لها ونحن نرعد: ويحك غني! فأسبلت دمعها وقالت: أما بعد السادة فلا. فحثثناها على ذلك فأبت، فنظر الرشيد إلى أقبح من على رأسه وهو الحارث بن بسيحر وقال: خذها، قد وهبتها لك. فأخذ بيدها ومضت معه، فلما ولت دعا الحارث وأسر إليه شيئا علمناه فيما بعد، أمره أن لا يقربها، إذ كان إنما أراد كسرها، ثم أمر بصرفنا فانصرفنا، ومكثنا أياما، ثم ذكرنا فأمر بإحضارنا/ على السبيل التي حضرناها [أولا] [8] ، فلما وقفنا بين يديه قال للحارث: ما فعلت فلانة؟ يعني: فتينة. قال:
__________
[1] في ت: «بن هارون» .
[2] في ت: «البرامكية» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «فنفنه» في جميع المواضع.
وفي ت: «قتيته» في جميع المواضع.
وما أوردناه من ابن كثير 10/ 192.
[5] في ت: «شجاة وطية» .
[6] في ت: «وأخذ معها جميع الجواري» .
[7] في ت: «قتيته» .
وفي الأصل: «فنفته» .
[8] في الأصل: «التي حضرنا» .
وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/130)
هي قبلي يا أمير المؤمنين. قَالَ: هاتها. فأحضرها وجلست وجلسنا، فأخذنا في شأننا وقَالَ: هيه غني. فعصرت عينيها ثم بكت [1] وقالت: أما بعد السادة فلا. فغضب الرشيد وقَالَ: سيف ونطع، ثم قال لها: غني. فردت مثل قولها الأول، وأسبلت الدموع، وذهبت عقولنا نحن، ووقعت علينا الرعدة من شدة الخوف، فقال للسياف: انظر إلى يدي، فإذا عقدت لك بالخنصر اثنين فأمسك [2] ، فإذا عقدت بالوسطى ثلاثا فاضرب.
فأخذ السياف السيف ووقف وراءها شاهرا به. فقال لها الرشيد: غني: فقالت: أما بعد السادة فلا، وهي تبكي وقد علا بكاؤها، فعقد بيده واحدة، ثم قَالَ لها ثانية فقالت القول الأول، فعقد اثنين، ورفع يديه يريها السياف وأقبل يحرك الوسطى ويقول لها: غني.
وأقبلنا عليها نناشدها في نفسها وفينا [3] ، فاندفعت تغني:
لما رأيت الديار قد درست ... أيقنت أن النعيم لم يعد
فوثب إليها الرشيد، فأخذ العود من يدها، وأقبل يضرب به وجهها ورأسها حتى تفتت، وأقبلت الدماء، وتطايرنا نحن، وحملت من بين يديه وقيدة [4] ، فمكثت ثلاثا/ وماتت [5] .
وروى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري [6] سببا [7] عجبا في خبر البرامكة في هلاك جعفر قال: كان الرشيد لا يصبر عن جعفر وأخته عباسة بنت المهدي، وقال لجعفر: أزوجكها ليحل لك النظر إليها، ولا تمسها. فكانا يحضران مجلسه، ثم يقوم عن مجلسه ويخليهما، فيقوم إليها جعفر فيجامعها، فحبلت منه، فولدت غلاما، وخافت من [8] الرشيد، فلم يزل الأمر مستورا، ووجهت المولود مع خواص لها من
__________
[1] في الأصل: «وبكت» .
[2] في الأصل: «فأمسك» .
[3] في ت: «في نفسها ونجهد بها» .
[4] في ت: «يديه رجيدة» .
[5] البداية والنهاية 10/ 192.
[6] في ت: «وروى جعفر بن جرير الطبري» .
[7] في ت: «شيئا» .
[8] «من» ساقطة من ت.(9/131)
مماليكها إلى مكة، فلم يزل الأمر مستورا عن الرشيد حتى [1] وقع بين عباسة وبعض جواريها شر، فأنهت أمرها [وأمر الصبي] [2] إلى الرشيد، وأخبرت بمكان الصبي، ومع من هو من جواريها، وما معه من الحلي الذي كانت زينته بها أمه [3] ، فلما حج هارون هذه الحجة أرسل إلى الموضع من يأتيه بالصبي وحواضنه، فلما حضرن سأل اللواتي معهن الصبي، فأخبرنه بمثل القصة التي أخبرته بها الرافعة على عباسة، وكان ذلك سبب ما نزل بهم [4] .
وقد ذكر [أبو بكر] [5] الصولي أن علية بنت المهدي قالت للرشيد: ما رأيت لك يوم سرور منذ قتلت جعفرا، فلأي شيء قتلته؟ فَقَالَ: لو علمت أن قميصي يعلم السبب الذي قتلت له جعفرا لأحرقته. وكان يحيى بن خالد قد كتب إلى جعفر: إني إنما أهملتك ليعثر الزمان بك عثرة يعرف بها أمرك، وإن كنت أخشى أن تكون التي لا سوى لها. وقال يحيى للرشيد: يا أمير المؤمنين، أنا والله أكره مداخلة جعفر معك، ولست آمن أن ترجع العاقبة في ذلك علي منك، فلو أعفيته واقتصرت/ به على ما يتولاه من جسيم أعمالك كان ذلك واقعا بموافقتي. قَالَ الرشيد: يا أبت، ليس بك ذلك [6] ، ولكن [7] تريد أن تقدم عليه الفضل.
وقد أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَلِي بْن المحسن التنوخي، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الحسين علي بن هشام قال: سمعت الحسن بن عيسى يَقُولُ: الشره قتل جعفر بن يحيى. فقيل لَهُ: إن الناس يقولون إن ذنبه أمر بعض أخوات الرشيد.
فَقَالَ: هذا من رواية الجهال من كان يجسر على الرشيد بهذا إنما كان جعفر قد حاز ضياع الدنيا لنفسه، وكان الرشيد إذا سافر لا يمر بضيعة أو بستان إلا قيل: هذا لجعفر.
__________
[1] في ت: «عن هارون حتى» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «وأخبرت بمكانه مع زينته به أمه» .
[4] تاريخ الطبري 8/ 294.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «هذا» .
[7] في ت: «لكنك» .(9/132)
فما زال ذلك في نفسه، ثم جنى على نفسه بأن وجه برأس بعض الطالبيين في يوم نيروز من غير أن يكون قد أمره بقتله، فاستحل بذلك دمه.
وقيل: بل أرادت البرامكة إظهار الزندقة وإفساد الملك فقتلهم لذلك.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك [1] ، ومحمد بن ناصر قالا: أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الجبار، أخبرنا أبو عبد الله النصيبي، أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن سُوَيْد، حدثنا أبو بكر الأنباري قَالَ: حدثني أَبِي، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن المدائني قَالَ: قال أبو زكار [2] الأعمى: كنت عند جعفر البرمكي في الليلة التي قتل فيها وهو يغني بهذا الشعر:
فلا تبعد فكل فتى سيأتي ... عليه الموت يبكر أو يغادي
وكل ذخيرة لا بد يوما ... وإن بقيت تصير إلى نفاد/
فلو فوديت من حدث الليالي ... فديتك بالطريف وبالتلاد
فقلت: يا سيدي، ممن أخذت هذا الشعر. قَالَ: من أحسن شعرا من حكم الوادي. فما قام عن موضعه حتى جاء مسرور غلام الرشيد فأخذ رأسه [3] .
قال علماء السير [4] : لما انصرف الرشيد عن الحج في سنة ست وثمانين قال مسرور الخادم: سَمِعْتُ الرشيد يقول في الطواف: اللَّهمّ إنك تعلم أن جعفر بن يحيى قد وجب عليه القتل، وأنا أستخيرك في قتله فخر لي. قالوا: ثم عاد إلى الأنبار وبعث إليه بمسرور وحماد بْن سالم، والمغني يغني:
فلا تبعد فكل فتى سيأتي ... عليه الموت يبكر أو يغادي
قال مسرور: الذي جئت فيه من ذاك قد والله طرقك، أجب أمير المؤمنين. قال:
فوقع عَلَى رجلي يقبلها ويقول: حتى أدخل فأوصي. فقلت: أما الدخول فلا سبيل إِلَيْهِ، ولكن أوص بما شئت. فتقدم في وصيته بما أراد، وقَالَ: كل مال لي فهو صدقة، وكل
__________
[1] هذا الخبر من أوله لآخره ساقط من ت.
[2] في الأصل: «أبو بكار» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 295.
[4] انظر تاريخ الطبري 8/ 294- 296.(9/133)
عَبْد لي فهو حر، وكل من لي عنده وديعة أو حق فهو في حل. ثم أتت رسل الرشيد تستحث مسرورا، فأخرجه إخراجا عنيفا، حتى أتى به المنزل الذي فيه الرشيد، فحبسه وقيده بقيد حمار، وأخبر الرشيد فَقَالَ: ائتني برأسه. فجاء إلى جعفر وأخبره، فقال: الله الله، والله ما أمرك بما أمرك به إلا وهو/ سكران، فدافع بأمري [حتى أصبح] [1] أؤامره في ثانية. فعاد ليؤامره، فَقَالَ: يا ماص بظر أمه ائتني برأس جعفر. فرجع إليه فأخبره فقال:
عاوده ثالثة. فأتاه فحذفه بعمود وقَالَ: نفيت من المهدي إن جئتني ولم تأتني برأسه لأرسلن إليك من يأتيني برأسك، فأتاه برأسه [2] .
وكان قتله ليلة السبت أول ليلة من صفر سنة سبع وثمانين بأرض الأنبار، وهو ابن سبع وثلاثين سنة، ثم أمر بنصب رأسه على الجسر، وتقطيع بدنه، وصلب كل قطعة على جسر، فلم يزل كذلك حتى مر عليه الرشيد حين خروجه إلى خراسان، فَقَالَ:
ينبغي أن يحرق هذا. فأحرق.
قال علماء السير: وجه الرشيد في ليلة قتل جعفر من أحاط بيحيى بن خالد وجميع ولده ومواليه ومن [كان] [3] منهم [4] بسبيل، فلم يفلت منهم أحد كان حاضرا، وحول الفضل بن يحيى ليلا فحبس في ناحية من منازل الرشيد، وحبس يحيى بن خالد في منزله، وأخذ ما وجد لهم من مال وضياع ومتاع وغير ذَلِكَ، ومنع أهل العسكر من أن يخرج منهم خارج إلى مدينة السلام أو إلى غيرها، ووجه من ليلته رجاء الخادم إلى الرقة في قبض أموالهم، وما كان من رقيقهم ومواليهم وحشمهم، وفرق الكتب من ليلته في جميع الغلمان في نواحي البلدان والأعمال بقبض أموالهم وأخذ [5] وكلائهم [6] فلما أصبح كتب إلى السندي بتوجيه جثة [7] جعفر إلى مدينة السلام، ونصب رأسه على
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، ت. وأثبتناه من الطبري 8/ 295.
[2] تاريخ الطبري 8/ 294- 295.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت، والأصل: «منه» .
[5] «وما كان من رقيقهم ومواليهم وحشمهم وفرق الكتب ليلته في جميع الغلمان في نواحي البلدان والأعمال بقبض أموالهم وأخذ وكلائهم» ساقط من ت.
[6] في الأصل: «ودوابهم» .
[7] في ت: «جيفة» .(9/134)
الجسر الأوسط، وقطع جثته وصلب [1] كل قطعة على/ الجسر الأعلى والجسر الأوسط. ففعل السندي ذَلِكَ، وأمر بالنداء في جميع البرامكة أن لا أمان لمن أمنهم أو آواهم [2] إلا محمد بن خالد وولده وأهله وحشمه، فإنه استثناهم لما ظهر من نصيحة محمد لَهُ، وعرف براءته مما دخل فيه غيره من البرامكة، وخلى سبيل يحيى قبل شخوصه مع العم، ووكل بالفضل، ومحمد، وموسى، وأبي المهدي صهرهم حفظة من قبل هرثمة بن أعين إلى أن وافى بهم الرقة، وأتى بأنس بن أبي شيخ صبيحة الليلة التي قتل فيها جعفر فأمر بقتله، وكان من أصحاب البرامكة، وكان قد رفع [إليه] [3] عنه أنه على الزندقة [4] .
وقيل ليحيى بن خَالِد أن الرشيد قد قتل ابنك، فَقَالَ: كذلك يقتل ابنه [5] .
أنبأنا مُحَمَّد بْن أبي طاهر البزاز، أنبانا علي بن المحسن التنوخي، عن ابنه قال:
حدثني علي بن هشام، أخبرنا علي بن عيسى قَالَ: حدثنا أبي، حدثنا داود بن الْجَرَّاح قَالَ: قال لي الفضل بن مروان قَالَ: كنت أعمل في أبواب ضياع الرشيد الحساب، فنظمت في حساب السنة التي نكب فيها البرامكة، فوجدت ثمن هدية دفعتين من مال الرشيد أهداهما إلى جعفر بن يحيى بضعة عشر ألف دينار، وفيه بعد شهور من هذه الهدية قد بينا الحساب لثمن نفط وحب قطن ابتيع فأحرق به جثة جعفر بن يحيى بضعة عشر قيراطا ذهبا.
وقد ذكر [أبو بكر] [6] الصولي: أن الرشيد كان يقول، لعن الله من أغراني بالبرامكة، ما رأيت رخاء بعدهم، ولا وجدت لذة راحة.
قال الصولي: / وحدثنا الغلابي، حدثنا العتبي قَالَ: قال لي الرشيد بعد قتل
__________
[1] في الأصل: «ونصب» .
[2] «لمن آمنهم أو آواهم» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ الطبري 8/ 296، 297.
[5] تاريخ الطبري 8/ 299.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/135)
البرامكة: وددت والله إني شوطرت عمري، وغرمت نصف ملكي، وأني تركت البرامكة على أمرهم.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني الأزهري، أخبرنا محمد بن العباس قَالَ: أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف قال: أخبرني أبو النضر هشام بن سعيد الزُّهْرِيّ قَالَ: أخبرني أَبِي قَالَ: لما صلب الرشيد جعفر بن يحيى وقف الرقاشي الشاعر [1] فَقَالَ:
أما والله لولا خوف [2] واش ... وعين للخليفة لا تنام
لطفنا حول جذعك واستلمنا ... كما للناس بالحجر استلام
فما أبصرت قبلك يا ابن يحيى ... حساما فله السيف الحسام
على اللذات [3] والدنيا جميعا [4] ... ودولة آل برمك السلام
فقيل للرشيد، فأمر به فأحضر فقال لَهُ: ما حملك على ما فعلت؟ قَالَ: تحركت نعمته في قلبي فلم أصبر. قَالَ: كم أعطاك؟ قَالَ: كان يعطيني كل سنة ألف دينار. قال:
فأمر له بألفي دينار [5] .
أخبرنا القزاز أخبرنا [أحمد بن علي] [6] الخطيب. قَالَ: أخبرنا محمد بن عبد الْوَاحِدِ [بْن عَلِيّ] [7] البزاز قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي قَالَ:
أخبرنا محمد بن أَبِي الأزهر قَالَ: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثني عمي مصعب بن عبد الله قَالَ: لما قتل جعفر بن يحيى وصلب بباب الجسر رأسه، وفي الجانب الغربي جسده، وقفت امرأة على حمار فاره، فنظرت إلى رأسه فقالت بلسان فصيح: / والله لئن
__________
[1] في تاريخ الطبري 8/ 301 أنه العطوى أبو عبد الرحمن.
[2] في الطبري: «لولا قول» .
[3] «اللذات» ساقطة من ت.
[4] في الطبري: «الدنيا وساكنيها» .
[5] تاريخ بغداد 7/ 158. وتاريخ الطبري 8/ 301.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «أخبرنا عبد الواحد بن علي» .
وفي الأصل: «أخبرنا محمد بن عبد الواحد البزار» .(9/136)
صرت اليوم آية لقد كنت في المكارم [1] غاية، ثم أنشأت تَقُولُ:
لما رأيت السيف خالط جعفرا ... ونادى مناد للخليفة في يحيى
بكيت على الدنيا وأيقنت أنما ... قصارى الفتى يوما مفارقة الدنيا
وما هي إلا دولة بعد دولة ... تخول ذا نعمى وتعقب ذا بلوى
إذا أنزلت هذا منازل رفعة ... من الملك حطت ذا إلى الغاية القصوى
ثم إنها حركت الحمار الذي تحتها وكأنها [كانت] ريحا لم يعرف لها أثر [2] .
وفي هذه السنة: هاجت العصبية بدمشق بين المضرية واليمانية، فوجّه الرشيد محمد بن منصور فأصلح بينهم [3] .
وفيها: زلزلت المصيصة فانهدم بعض سورها، ونضب ماؤهم ساعة [من الليل] [4] .
وفيها: غزا هارون الروم، وافتتح هرقلة فظفر بابنة بطريقها فاستخلصها لنفسه، وأغزى ابنة القاسم الصائفة، ووهبه للَّه عز وجل، وجعله قربانا له ووسيلة، وولاه العواصم، فدخل أرض الروم في شعبان، فأناخ على حصن سنان، فجهدوا، فبعث إليه [ملك] [5] الروم يبذل له إطلاق ثلاثمائة أسير وعشرين أسيرا من أسارى المسلمين على أن يرحل عنهم، ففعل [6] .
وفيها: غضب الرشيد على عبد الملك بن صالح وحبسه، وكان بلغه أنه يروم
__________
[1] في الأصل: «في الكرم» .
[2] في ت: «لم يعرف لها خبر» .
نظر الخبر في: تاريخ بغداد 7/ 159، 160. والبداية والنهاية 10/ 192 وفيها: وكأنها كانت ريحا.
[3] تاريخ الطبري 8/ 302. والكامل 5/ 336.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر: تاريخ الطبري 8/ 302. والكامل 5/ 336. والبداية والنهاية 10/ 193.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] انظر تاريخ الطبري 8/ 302. والبداية والنهاية 10/ 193. والكامل 5/ 336.(9/137)
الخلافة، فلم يزل محبوسا حتى توفي الرشيد، فأطلقه محمد، وعقد له على الشّام [1] .
وفيها: نقض صاحب الروم الصلح الذي كان جرى بين الذي/ قبله وبين المسلمين، ومنع ما كان ضمنه الهالك لهم، وكان سبب النقض: أن الروم كانت عليهم امرأة تملكهم، فخلعوها وملكوا عليهم نقفور، فكتب إلى الرشيد:
من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أما بعد: فإن الملكة التي كانت قبلي [2] أقامتك مقام الرخ، وأقامت نفسها مقام البيدق، فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقا بحمل أمثاله إليها [3] ، لكن ذلك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد [4] ما حصل قبلك من أموالها، وافتد نفسك، وإلا فالسيف بيننا وبينك.
فلما أن [5] قرأ الكتاب استفزه الغضب، حتى لم يمكن أحدا أن ينظر إليه دون أن يخاطبه، وتفرق جلساؤه خوفا، واستعجم الرأي على الوزير [من] [6] أن يشير عليه أو يتركه برأيه، فدعا بدواة وكتب على ظهر الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم. من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه. والسلام.
ثم شخص من يومه، وسار حتى أناخ بباب هرقلة، ففتح وغنم، واصطفى، وخرب وأحرق، واصطلم. فطلب نقفور الموادعة على خراج يؤديه في كل سنة، فأجابه إلى ذلك، فلما/ رجع من غزوته، وصار بالرقة نقض نقفور العهد، وخان الميثاق، وكان البرد شديدا، فيئس نقفور من رجوعه إليه، فأتى الخبر بارتداده عما أخذ عَلَيْهِ، فلم يتهيأ لأحد إخباره بذلك إشفاقا عَلَيْهِ وعلى أنفسهم من الكرّة في مثل تلك الأيام، فاحتيل
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 302- 307. والكامل 5/ 330- 333. والبداية والنهاية 10/ 193.
[2] في الأصل، وت: «كانت قبل» .
[3] في الطبري: «بحمل أمثالها إليها» .
[4] في الأصل: «فاردده» .
[5] «أن» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل،، ت. وأثبتناه من الطبري.(9/138)
لَهُ بشاعر من أهل جدة يقال لَهُ: أبو محمد عبد الله بن يوسف فأخبره بذلك في أبيات [1] .
وفي هذه السنة: قتل إبراهيم بن محمد [بن عثمان] [2] بن نهيك. وقيل: إنما قتل في سنة ثمان وثمانين [3] .
وسبب قتله: أنه كان كثيرا ما يذكر البرامكة فيبكي حبا لهم، إلى أن خرج من حد البكاء ودخل في باب طالبي الثأر، فكان إذا خلا بجواريه فشرب وسكر قَالَ: يا غلام، سيفي، فيجيء غلامه بالسيف، فينتضيه ثم يقول: وا جعفراه، وا سيداه، والله لأقتلن قاتلك. فلما كثر هذا من فعله جاء ابنه [4] عثمان إلى الفضل بن الربيع فأخبره، فأخبر الفضل الرشيد، فَقَالَ: أدخله. فأدخله فَقَالَ: ما الذي قال عنك الفضل؟ فأخبره بقول أبيه وفعله [5] . فقال الرشيد: فهل سمع هذا أحد معك؟ قَالَ: نعم، خادمه. فدعا خادمه/ سرا فسأله، فَقَالَ: قد قال ذلك غير مرة [6] . فَقَالَ الرشيد: ما يحل لي أن أقتل وليا من أوليائي بقول غلام وخصي [7] ، لعلهما تواصيا على هذا. فأراد أن يمتحن إبْرَاهِيم، فقال للفضل: إذا حضر الشراب فادعه، فإذا شرب خلني وإياه. ففعل ذَلِكَ الفضل، فلما خلا به الرشيد قَالَ: يا إبراهيم، كيف أنت وموضع السر من قلبك [8] ؟ قال: يا سيدي، أنا كأحسن عبيدك وأطوع خدمك. قَالَ: إن في نفسي. أمرا أريد أن أودعك إياه قد ضاق صدري، وأسهد [9] ليلي. قَالَ: إذا أخفيه أن تعلمه نفسي. قَالَ: ويحك! قد ندمت على قتل جعفر بن يحيى ندامة ما أحسن أن أصفها، فوددت أني خرجت من ملكي، وأنه كان بقي لي، فما وجدت طعم النوم [10] منذ فارقته، ولا لذة العيش منذ قتلته. فلما سمعها
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 307- 310. البداية والنهاية 10/ 193، 194. والكامل 5/ 333، 334.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ الطبري 8/ 310- 311. والكامل 5/ 334. والبداية والنهاية 10/ 193.
[4] في الأصل: «جاء أبوه» .
[5] في الأصل: «بفعل ابنه وقوله» .
[6] في الأصل: «غير ما مرة» .
[7] في الأصل: «غلام خصي» .
[8] في ت، والطبري: «السر منك» .
[9] في ت، والطبري: «أسهر» .
[10] في الأصل: «طعم العيش» .(9/139)
إبراهيم أسبل دمعه، وقَالَ: رحم الله أبا الفضل وتجاوز عَنْه، والله يا سيدي لقد أخطأت في قتله. فقال الرشيد: قم عليك لعنة الله يا ابن اللخناء [1] ! فقام ما يعقل، فانصرف إلى ابنه [2] فقال: يا بني [3] ، ذهبت والله نفسي. فما كان إلا ثلاث ليال حتى قتل [4] .
وفيها حج بالناس عُبَيْد الله بن العباس بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس [5] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1019- جعفر بن يحيى بن خالد، أبو الفضل البرمكي
[6] .
كانت له فصاحة وبلاغة وكرم زائد، وكان أبوه يحيى بن خالد قد ضمه إلى القاضي أَبِي يوسف ففقهه، فصار له اختصاص بالرشيد. وقيل إنه وقع له [7] في ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع، فنظر في جميعها فلم يخرج شيء منها عن موجب الفقه.
أخبرنا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر أحمد بْن علي بْن ثابت] [8] .
الخطيب قَالَ: أخبرنا الجوهري قَالَ: أخبرنا محمد بن عمران بن المرزباني قال: حدثنا عبد الواحد بن محمد الخصيبي قَالَ: سمعت علي بن الحسين الإسكافي يحدث
__________
[1] في الأصل: «قم يا بن اللخناء عليك لعنة الله» .
[2] في الأصل: «ابنه» .
[3] في الأصل: «يا أبت» .
[4] تاريخ الطبري 8/ 308- 310. والكامل 5/ 334.
[5] «بن عبد الله بن عباس» ليست في ت.
انظر: تاريخ الطبري 8/ 312. والكامل 5/ 336. والبداية والنهاية 10/ 194.
[6] تاريخ بغداد 7/ 152- 160. والبداية والنهاية 10/ 194- 198.
[7] «له» ساقطة من ت.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/140)
قَالَ [1] : كان [2] أحمد بن الجنيد الإسكافي وكان أخص الناس بجعفر بن يحيى البرمكي، وكان النَّاسَ يقصدونه في حوائجهم إلى جعفر، وإن رقاع الناس كثرت في خف أحمد بن الجنيد، فلم يزل كذلك إلى أن تهيأت له الخلوة بجعفر فقال لَهُ: جعلني الله فداك، قد كثرت رقاع النَّاسَ معي وأشغالك كثيرة، وأنت اليوم خال، فإن رأيت أن تنظر فيها. فقال له جعفر: على أن تقيم عندي اليوم. فَقَالَ: نعم. فصرف دوابه وأقام، فلما تغدوا جاءه بالرقاع، فقال له جعفر: هذا وقت ذا دعنا اليوم، فأمسك عنه وانصرف ولم ينظر في الرقاع، فلما كان بعد أيام خلا به، فأذكره [3] [الرقاع] [4] ، فقال: نعم، على أن تقيم عندي اليوم. فأقام عنده، ففعل به مثل الفعل/ الأول، حتى فعل به ذلك ثلاثا، فلما كان ذلك في آخر يوم أذكره فَقَالَ: دعني الساعة. وناما، فانتبه جعفر قبل أَحْمَد، فقال لخادم له: اذهب إلى خف أحمد بن الجنيد فجئني بكل رقعة فيه، وانظر لا يعلم أحمد. فذهب الغلام، وجاء بالرقاع، فوقع فيها جعفر عن آخرها بخطه بما أحب أصحابها، ووكد ذَلِكَ، ثم أمر الغلام أن يردها إلى الخف، فردها، فانتبه أحمد ولم يقل فيها شيئا، وانصرف أَحْمَد، فركب يعلل أصحاب الرقاع بها أياما، ثم قال لكاتب لَهُ:
ويحك هذه الرقاع قد أخلقت في خفي، وهذا ليس ينظر فيها، فخذها فتصفحها، وجدد ما أخلق منها. فأخذها الكاتب، فنظر فيها، فوجد الرقاع موقعا فيها بما سأل أصحابها، فتعجب من كرمه ونبل أخلاقه، ومن أنه قضى حاجته ولم يعلمه بها لئلا يظن أنه اعتد بها عَلَيْهِ [5] .
أخبرنا أبو منصور القزاز [6] ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أخبرنا أبو القاسم الأزهري حدثنا محمد بن العباس الخزَّاز، حدثنا محمد بن خلف بن
__________
[1] «علي بن الحسين الاسكافي يحدث قال» . ساقطة من ت.
[2] في الأصل: «حدثنا أحمد بن الجنيد ... » .
وفي ت: «بن محمد الخصيبي قال سمعت أحمد بن الجنيد الإسكافي» .
[3] في تاريخ بغداد: نذاكره» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ بغداد 7/ 153، 154.
[6] في ت: «قال» بدلا من: «أخبرنا أبو منصور القزاز» .(9/141)
المرزبان، حدثنا يعقوب النَّخْعي، حدثنا علي بن زيد كاتب العباس المأمون قَالَ:
حدثني محمد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قَالَ: حدثني أَبِي قَالَ: حج هارون الرشيد ومعه جعفر بن يحيى البرمكي. قَالَ: وكنت معهم، فلما صرنا إلى مدينة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لي جعفر بن يحيى: أحب أن تنظر لي جارية، / ولا تبقى غاية في حذاقتها بالغناء والضرب، والكمال في الظرف [1] والأدب، وجنبني قولهم صفراء. قَالَ:
فأرشدت إلى جارية لرجل، فدخلت عليه فرأيت رسول النعمة، وأخرجها إلي فلم أر أجمل منها ولا أصبح ولا آدب، ثم تغنت إلي أصواتا فأجادتها. قَالَ: فقلت لصاحبها:
قل ما شئت. قال: أقول لك قولا ولا انقص منه درهما. قَالَ: قُلْتُ: قل. قَالَ: أربعين ألف دينار. قال: قُلْتُ: قد أخذتها وأشترط عليك نظرة قَالَ: ذاك لك [2] . قَالَ: فأتيت جعفر بن يحيى. فقلت لَهُ: قد أصبت حاجتك على غاية الظرف والأدب والجمال ونقاء اللون وجوده الضرب، وقد اشترطت نظرة [3] ، فاحمل المال ومر بنا [4] . فحمل المال على حمالين، وجاء جعفر مستخفيا، فدخلنا على الرجل، فأخرجها، فلما رآها جعفر أعجب بها، وعرف أن قد صدقته، ثم غنّته فازداد بها عجبا، فقال لي: اقطع أمرها.
فقلت لمولاها هذا المال، قد وزناه ونقدناه، فإن قنعت وإلا فوجه إلى من شئت لينقد.
فَقَالَ: لا بل أقنع بما قلتم. قَالَ: فقالت الجارية: يا مولاي في أي شيء أنت؟ فَقَالَ: قد عرفت ما كنت [5] فيه من النعمة، وما كنا [6] فيه من انبساط اليد، وقد انقبضت عن ذلك لتغير الزمان [علينا] [7] ، فقدرت أن تصيري إلى هذا الملك فتنبسطي في شهواتك وإرادتك. فقالت الجارية: والله يا مولاي لو ملكت منك ما ملكت مني ما بعتك بالدنيا وما فيها، وبعد فاذكر العهد/ الذي بيني وبينك. وقد كان حلف لها أن لا يأكل لها ثمنا.
__________
[1] في الأصل: «الطرف» .
[2] في الأصل: «ذاك له» .
[3] في الأصل: «نظرك» .
[4] في ت: «وامض بنا» .
[5] في ت، وتاريخ بغداد: «ما كنا» .
[6] في ت، وتاريخ بغداد: «وما كنا» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/142)
فتغرغرت عينا المولى، وقَالَ: اشهدوا أنها حرة لوجه الله تعالى، وإني قد تزوجتها وأمهرتها داري. قَالَ: فقال لي جعفر: انهض بنا. قَالَ: فدعوت الحمالين ليحملوا المال فقال جعفر: والله لا يصحبنا منه درهم، [ثم قال لمولاها: بارك الله لك فيه، انفقه عليها وعليك] [1] . قَالَ: وقمنا فخرجنا [2] .
أخبرنا القزاز قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي] [3] الخطيب قال: أخبرنا سلام بن الحسن المقرئ قَالَ: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قَالَ: حدثنا إبراهيم بن حمَّاد قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بن أَبِي سعد [4] قَالَ: حدثني محمد بن أحمد بن المبارك العبدي قَالَ:
حدثني عبد الله بن علي أبو مُحَمَّد قَالَ: لما غضب [الرشيد] [5] على البرامكة أصيب في خزانة لجعفر بن يحيى في جرة ألف دينار، في كل دينار مائة دينار، على أحد جانبي كل دينار منها:
وأصفر من ضرب دار الملوك ... يلوح على وجهه جعفر
يزيد على مائة واحدا ... متى تعطه معسرا يوسر
[6] .
[قال المصنف: وقد ذكرنا السبب الذي أوجب قتل جعفر، ونكب البرامكة فلا نحتاج إلى إعادة.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، ومحمد بن ناصر قالا: أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الجبار قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ محمد النصيبي قَالَ: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن سُوَيْد قَالَ: حدثنا أبو بكر الأنباري قَالَ: حدثني أبي قَالَ: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن المدائني قَالَ: قال أبو زكار الأعمى [7] : كنت عند جعفر بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ بغداد 7/ 154، 155.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «إبراهيم بن سعد» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] تاريخ بغداد 7/ 155، 156.
[7] في ت: «أبو بكار الأعمى» .(9/143)
يحيى البرمكي في الليلة التي قتل فيها وهو يغني بهذا الشعر:
فلا تبعد فكل فتى سيأتي ... عليه الموت يبكر أو يغادي [1]
وكل ذخيرة لا بد يوما ... وإن بقيت تصير إلى نفاد
فلو فوديت من حدث الليالي ... فديتك بالطريف وبالتلاد
فقلت لَهُ: يا سيدي، ممن أخذت هذا الشعر؟ فَقَالَ: أخذته من أحسن الناس شعرا [من] [2] حكم الوادي. فما قام عن موضعه حتى جاء مسرور غلام الرشيد فأخذ رأسه] [3] .
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أَخْبَرَنَا أبو يعلي أَحْمَد بن عبد الواحد قَالَ: أَخْبَرَنَا إسماعيل بن سعيد المعدل قَالَ: حدثنا الحسين بن الفهم قَالَ:
أخبرني الحسين بن سعيد العنبري قَالَ: حدثني حماد بن إسحاق، عن أَبِيهِ قَالَ: قال أبو يزيد الرياحي: كنت قاعدا عند خشبة جعفر بن يحيى البرمكي أتفكر في زوال ملكه، وحاله التي صار إليها إذ أقبلت امرأة راكبة لها رواء وهيئة، فوقفت على جعفر فبكت فأحزنت [4] ، / وتكلمت فأبلغت، وقالت: أما والله لئن أصبحت في الناس آية، لقد بلغت فيهم الغاية، ولئن زال ملكك، وخانك دهرك، ولم يطل بك عمرك، لقد كنت المغبوط حالا، الناعم بالا، يحسن بك الملك، فاستعظم الناس فقدك إذ لم يستخلفوا ملكا بعدك، فنسأل الله الصبر على عظيم الفجيعة وجليل الرزية التي لا تستعاض بغيرك، والسلام عليك وداع غير قال ولا ناس لذكرك، ثم أنشأت تَقُولُ:
العيش بعدك مر غير محبوب ... ومذ صلبت ومقنا كل مصلوب
أرجو لك الله ذا الإحسان إن له ... فضلا علينا وعفوا غير محسوب
ثم سكتت [5] ساعة وتأملته، ثم أنشأت تقول:
__________
[1] في ت: «يفادي» .
[2] ما بين المعقوفتين زيادة لاكتمال المعنى.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، من أول «قال المصنف ... » حتى هنا.
[4] في الأصل: «وأحرقت» .
[5] في ت: «ثم سكنت» .(9/144)
عليك من الأحبة كل يوم ... سلام الله، ما ذكر السلام
لئن أمسى صداك برأي عين ... على خشب حباك بها الإمام
فمن ملك إلى ملك برغم ... من الأملاك أسلمك الحمام
[1] أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال: أخبرنا عمر بن جعفر بن محمد بن مُسْلِم قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ:
حدثني إسماعيل بن مُحَمَّد قال: لما بلغ سفيان بن عيينة قتل جعفر بن يحيى وما نزل بالبرامكة حول وجهه إلى القبلة/ وقال: اللَّهمّ إنه كان قد كفاني مئونة الدنيا فاكفه مئونة الآخرة [2] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلي مُحَمَّد بْن الحسين الجازري قال: حدثنا المعافى بن زكريّا (ح) [3] .
وأخبرنا محمد بن ناصر قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عبد الواحد قَالَ: حدثنا مُحَمَّد بْن عبد الرحيم المازني قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو علي الحسين بْن القَاسِم الكوكبي قَالَ: حدثنا أبو بكر الضرير قَالَ: حدثني غسان بن عمر القاضي، عن محمد بن عبد الرحمن الهاشمي قَالَ: دخلت على أمي في يوم أضحى وعندها امرأة برزة في أثواب دنسة رثه، فقالت لي: أتعرف هذه؟ قُلْتُ: لا. قالت:
هذه عبادة أم جعفر بن يحيى بن خالد. فسلمت عليها ورحبت بها، وقلت لها: يا فلانة، حدثيني ببعض أمركم. قالت: أذكر لك جملة كافية فيها اعتبار لمن اعتبر، وموعظة لمن فكر، لقد هجم علي مثل هذا العيد وعلى رأسي أربعمائة وصيفة، وأنا أزعم أن جعفرا ابني عاق بي، وقد أتيتكم في هذا اليوم [أسألكم] [4] جلد شاتين أجعل أحدهما شعارا والآخر دثارا [5] .
__________
[1] في تاريخ بغداد: الهمام» .
انظر الخبر في تاريخ بغداد 7/ 158، 159.
[2] تاريخ بغداد 7/ 160.
[3] علامة تحويل السند ساقطة من الأصل.
[4] في الأصل [أسلكم.]
[5] تاريخ بغداد 7/ 157.(9/145)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، أَنْبَأَنَا عَلي بْن أبي على البصري، عن أبيه، أن مسروا قَالَ: استدعاني المأمون فقال لي: قد أكثر علي أخبار السر بأن شيخا يأتي خراب البرامكة فيبكي وينتحب طويلا ثم ينشد شعرا يرثيهم به وينصرف، فاركب أنت ودينار بْن عَبْد الله/ واستتر بالجدران، فإذا جاء وشاهدتما ما فعل وسمعتما ما قال فأتياني به، فركبنا مغلسين، فأتينا الموضع فاختفينا فيه وأبعدنا الدواب، فلما أصبحنا إذا بخادم أسود قد أقبل ومعه كرسي حديد، فطرحه وجاء على أثره كهل فجلس على الكرسي وتلفت فلم ير أحدا، فبكى وانتحب حتى قلت قد فارق الدنيا، ثم أنشأ يَقُولُ:
ولما رأيت السيف خلل جعفرا ... ونادى مناد للخليفة في يحيى
[1] وذكر أبياتا قد تقدمت، فلما قام قبضنا عَلَيْهِ، فقال: ما تريدان مني. قُلْتُ: هذا دينار بْن عَبْد الله وأنا مسرور خادم أمير المؤمنين وهو يستدعيك فالبس، ثم قَالَ: إني لا آمنه عَلَى نفسي، فأمهلني حتى أوصي. قُلْتُ: شأنك. فسرنا معه فوقف على دكان رجل واستدعى دواة وبيضاء، فكتب فيها وصيته، ودفعها إلى خادمه، وسرنا بِهِ، فلما مثل بين يدي الخليفة زبره وقَالَ: من أنت؟ وبم استحق منك البرامكة ما تصنع [2] . فقال غير هائب ولا محتشم: يا أمير المؤمنين، إن للبرامكة عندي أيادي خضراء، فإن أمر أمير المؤمنين حدثته ببعضها. فَقَالَ: هات. فقال: أنَا المنذر بن المغيرة الدمشقي، نشأت في نعمة فزالت حتى أفضت إلى بيع داري، وأملقت إلى [غير] [3] غاية، فأشير علي بقصد البرامكة، فخرجت إلى بغداد/ ومعي نيف وعشرون امرأة وصبيا، فدخلت بهم إلى [مسجد] [4] ببغداد، ثم خرجت وتركتهم جياعا لا نفقة لهم، فمررت بمسجد فيه جماعة عليهم أحسن زي، فجلست معهم أردد في صدري ما أخاطبهم به فتحيد نفسي عن ذل السؤال [5] ، فإذا خادم قد أزعج القوم، فقاموا فقمت معهم، فدخلوا دارا كبيرة، فدخلت معهم، فإذا يحيى بن خالد على دكة وسط بستان، فجلسوا وجلست، وكنا مائة
__________
[1] الأبيات في تاريخ بغداد 7/ 159، 160.
[2] في ت: «يصنع» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «فتحد نفسي باني ذل السؤال» .(9/146)
رَجُل ورجل، فخرج مائة خادم وخادم، في يد كل واحد منهم مجمرة [1] ذهب، فيها قطعة عنبر، فسجروا العود، وأقبل يحيى على القاضي فَقَالَ زوج ابن عمي هذا بابنتي عائشة فخطب وعقد النكاح، فأخذنا النثار من فتات المسك وبنادق العنبر وتماثيل الند، فالتقط النَّاسَ والتقط، ثم جاءنا الخدم في يد كل واحد منهم صينية فضة، فيها ألف دينار، مخلوط بالمسك، فوضع بين يدي كل واحد واحدة، فأقبل كل واحد يأخذ الدنانير في كمه، والصينية تحت إبطه، ويخرج، فبقيت وحدي، لا أجسر أفعل ذَلِكَ، فغمزني بعض الخدم وقَالَ: خذها [وقم] [2] ، فأخذتها وقمت، وجعلت أمشي، والتفت/ [خوفا من أن يؤخذ مني،] [3] ويحيى يلاحظني من حيث لا أفطن، فلما قاربت الستر رددت فيئست من الصينية، فجئت فأمرني بالجلوس، فجلست فسألني عن حالي فحدثته بقصتي، فبكى، ثم قَالَ: علي بموسى. فجاءه، فَقَالَ: يا بني، هذا رجل من أولاد النعم، قد رمته الأيام بصرفها، فخذه واخلطه بنفسك، فأخذني فخلع علي وأمر لي بحفظ الصينية فكنت في العيش يومي وليلتي، ثم استدعى [أخاه] [4] لعباس وقَالَ: إن الوزير سلم إلي هذا، وأريد الركوب إلى دار أمير المؤمنين، فليكن عندك اليوم. فكان يومي مثل أمسي، وأقبلوا يتداولوني وأنا قلق بأمر عيالي، ولا أتجاسر أن أذكرهم، فلما كان اليوم العاشر أدخلت إلى الفضل بن يحيى، فأقيمت عنده يومي وليلتي، فلما أصبحت جاءني خادم فَقَالَ: قم إلى عيالك وصبيانك. فقلت: إنا للَّه، ذهبت الصينية وما فيها، فيا ليت هذا كان من أول يوم. فقمت والخادم يمشي بين يدي، فأخرجني من الدار، فازداد يأسي [5] ، ثم أدخلني إلى دار كأن الشمس تطلع من جوانبها، وفيها من صنوف الآلات والفرش، فلما توسطتها رأيت عيالي يرتعون فيها في الديباج والستور، وقد حمل إليهم مائة ألف درهم، وعشرة آلاف دينار/، وسلم إلي الخادم صكا بضيعتين جليلتين، وقال: هذه الدار وما فيها والضياع لك. فأقمت مع البرامكة في أخفض عيش إلى الآن.
__________
[1] في الأصل: «محمرة» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «أوياسى» .(9/147)
ثم قصدني عمرو بن مسعدة [1] في الضيعتين، فألزمني من خراجهما ما لا يفي به دخلهما، فكلما لحقتني نائبة قصدت دورهم فبكيتهم، فاستدعى المأمون عمرو بن مسعدة، فأمره أن يرد على الرجل ما استخرج منه، ويقرر خراجه على ما كان في أيام البرامكة. فبكى الرجل بكاء شديدا، فقال له المأمون: ألم استأنف لك جميلا؟ قال:
بلى، ولكن هذا من بركة البرامكة. فَقَالَ: امض، فإن الوفاء مبارك، وحسن العهد من الإيمان.
1020- الفضيل بن عياض، أبو علي التميمي
[2] .
ولد بخراسان بكور أبيورد، وقدم الكوفة وهو كبير، فسمع الأعمش، ومنصور بن المعتمر، وعطاء بن السائب، وحصين بن عبد الرَّحْمَن، وغيرهم.
ثم تعبد وانتقل إلى مكة، فمات بها في أول هذه السنة. وكان ثقة فاضلا زاهدا.
أخبرنا محمد [3] بن ناصر قَالَ: حدثنا [4] حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ/ الأصفهاني قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا أبو سعيد الجندي قَالَ: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: كانت قراءة الفضيل حزينة شهية بطيئة مترسلة [5] ، كأنه يخاطب إنسانا، وكان إذا مرّ بآية فيها ذكر الجنة تردد فيها وسأل [6] ، وكان يلقى له حصير بالليل في مسجده، فيصلي من أول الليل ساعة حتى تغلبه عيناه فينام على الحصير [7] ، فينام قليلا، ثم يقوم، فإذا غلبه النوم نام، ثم يقوم، هكذا حتى يصبح.
وسمعته يَقُولُ: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبّل [8] ، كبّلتك خطيئتك.
__________
[1] في الأصل: «مصعدة» .
[2] طبقات ابن سعد 5/ 500. والتاريخ الكبير 7/ 123. والجرح والتعديل 7/ 73. وتهذيب التهذيب 8/ 294. والتقريب 2/ 113. وحلية الأولياء 5/ 15، 30، 8/ 87- 114.
[3] «محمد» ساقطة من ت.
[4] في ت: «أخبرنا» .
[5] «مترسلة» ساقطة من ت.
[6] في ت: «ويسأل» .
[7] في ت: «فيلقي نفسه على الحصير فينام» .
[8] في الأصل: «مكبول محروم» .(9/148)
أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي قَالا: حَدَّثَنَا حَمَدُ [1] بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زكريا [2] الغلابي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْجَرْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الْفُضَيْلُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: حَجَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَتَانِي فَخَرَجْتُ مُسْرِعًا، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لو أرسلت [3] إليّ أتيتك. فقال: ويحك! قد حَكَّ فِي نَفْسِي شَيْءٌ، فَانْظُرْ لِي رَجُلا أَسْأَلُهُ.
فَقُلْتُ/: هُنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. فَقَالَ: امْضِ بِنَا إِلَيْهِ. فَأَتَيْنَاهُ فَقَرَعْتُ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قُلْتُ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَخَرَجَ [4] مُسْرِعًا، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ أَتَيْتُكَ، فَقَالَ لَهُ: خُذْ لِمَا جِئْنَاكَ لَهُ رَحِمَكَ اللَّهُ. فَحَدَّثَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ لَهُ: عَلَيْكَ دَيْنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَبَا الْعَبَّاس، اقْضِ دَيْنَهُ.
فَلَمَّا خَرَجْنَا قَالَ: مَا أَغْنَى عَنِّي صَاحِبُكَ شَيْئًا، انْظُرْ لِي رَجُلا أَسْأَلُهُ. قُلْتُ: هُنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ. قَالَ: امْضِ بِنَا إِلَيْهِ. فَأَتَيْنَاهُ، فَقَرَعْتُ الْبَابَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ:
أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَخَرَجَ مُسْرِعًا فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ أَتَيْتُكَ [5] .
قَالَ: خُذْ لِمَا جِئْنَاكَ له. فحادثه ساعة، ثُمَّ قَالَ: هَلْ عَلَيْكَ دَيْنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَبَا عَبَّاسٍ، اقْضِ دَيْنَهُ.
فَلَمَّا خَرَجْنَا قَالَ: مَا أَغْنَى عَنِّي صَاحِبُكَ شَيْئًا، انْظُرْ لِي رَجُلا أَسْأَلُهُ. قُلْتُ: هُنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ. قَالَ: مُرَّ بِنَا إِلَيْهِ. فَأَتَيْنَاهُ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَتْلُو آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، يُرَدِّدُهَا، فَقَالَ: اقْرَعِ الْبَابَ. فَقَرَعْتُ الْبَابَ. فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: مَا لِي وَلأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَمَا عَلَيْكَ طَاعَةٌ، أَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ/ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «لَيْسَ للْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ» ؟ فَنَزَلَ فَفَتَحَ الْبَابَ ثُمَّ ارْتَقَى إِلَى الْغُرْفَةِ، فَأَطْفَأَ الْمِصْبَاحَ، ثم التجأ إلى زاوية من زوايا البيت، فدخلنا فجعلنا
__________
[1] في ت: «أحمد» .
[2] في الأصل: «بكر» .
[3] في الأصل: «لم لا أرسلت» .
[4] في الأصل: «فحرج» .
[5] في الأصل: «أتيك» .(9/149)
نَجُولُ [1] عَلَيْهِ بِأَيْدِينَا، فَسَبَقَتْ كَفُّ هَارُونَ قَبْلِي إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا لَهَا مِنْ كَفٍّ، مَا ألينها، إن نجت غدا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَيُكَلِّمَنَّهُ اللَّيْلَةَ بِكَلامٍ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ. فَقَالَ لَهُ: خُذْ لِمَا جِئْنَاكَ لَهُ رَحِمَكَ اللَّهُ.
قَالَ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا وُلِّيَ الْخِلافَةَ دَعَا سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، ومحمد بن كعب القرظي، وَرَجَاءَ بْنَ حَيْوَةَ. فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي قَدِ ابْتُلِيتُ بِهَذَا الأَمْرِ [2] فَأَشِيرُوا عَلَيَّ.
فَقَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ غَدًا من عذاب الله عز وجل فصم [عَنِ] [3] الدُّنْيَا، وَليَكُنْ إِفْطَارُكَ فِيهَا [4] الْمَوْتَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فَلْيَكُنْ كَبِيرُ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَكَ أَبًا، وأوسطهم أخا، وأصغرهم عندك ولدا، فوقّر ْأَبَاكَ، وَأَكْرِمْ أَخَاكَ، وَتَحَنَّنْ عَلَى وَلَدِكَ.
وَقَالَ لَهُ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ غَدًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ/ فَأَحِبَّ لِلْمُسْلِمِينَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ، ثُمَّ مِتْ إِذَا شِئْتَ، وَإِنِّي أَقُولُ لَكَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ أَشدَّ الْخَوْفِ، يَوْمًا تَزَلْ فِيهِ الأَقْدَامُ، فَهَلْ مَعَكَ- رَحِمَكَ اللَّهُ- مَنْ يُشِيرُ عَلَيْكَ بِمِثْلِ هَذَا؟
فَبَكَى بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: ارْفُقْ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَا بْنَ أُمِّ الرَّبِيعِ، تَقْتُلُهُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ وَأَرْفُقُ أَنَا [5] . بِهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ لَهُ: زِدْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ. فَقَالَ: يَا أمير المؤمنين، بلغني أَنَّ عَامِلا [6] لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ شَكَى إِلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ:
يَا أَخِي، أُذَكِّرُكَ اللَّهَ طُولَ سَهَرِ أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ مع خلود الأبد، وإياك أن ينصرف
__________
[1] في الأصل: «نحول» .
[2] في ت: «البلاء» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «منه» .
[5] «أنا» ساقطة من ت.
[6] في الأصل: «غلاما» وصححت في الهامش.(9/150)
بِكَ مَنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَكُونَ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْكَ وَانْقِطَاعَ الرَّجَاءِ [1] .
فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ طَوَى الْبِلادَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العزيز فقال: ما أقدمك؟
قال: خلعت قلبي بِكِتَابِكَ، لا أَعُودُ إِلَى وِلايَةٍ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ: زِدْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ.
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الْعَبَّاسَ عَمَّ الْمُصْطَفَى صلّى الله عليه وسلّم جاء إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِّرْنِي عَلَى إِمَارَةٍ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الإِمَارَةَ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنِ استطعت أن لا تَكُونَ أَمِيرًا فَافْعَلْ» . قَالَ: فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيدًا، وَقَالَ لَهُ: زِدْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ/.
قَالَ: يَا حَسَنَ الْوَجْهِ أَنْتَ الَّذِي يَسْأَلُكَ اللَّهُ عَنْ هَذَا الْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقِيَ هَذَا الْوَجْهَ مِنَ النَّارِ فَإِيَّاكَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ وَفِي قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَصْبَحَ غَاشًّا لِرَعِيَّتِهِ لَمْ يَرِحْ [2] رَائِحَةَ الْجَنَّة» . فبكى هارون وقال لَهُ: عليك دين؟ قَالَ: نعم، دين لربي لم يحاسبني عليه، فالويل لي إن سألني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم ألهم حجتي. قَالَ: أعني من دين العباد. قَالَ: إن ربي لم يأمرني بهذا، أمرني أن أوحده وأطيع أمره، فقال عز وجل: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ 51: 56- 58 [3] .
فقال لَهُ: هذه ألف دينار خذها أنفقها على عيالك، وتقو بها على عبادتك. فَقَالَ:
سبحان الله، أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني [4] بمثل هذا؟ سلمك الله ووفقك. ثم صمت، فلم يكلمنا، فخرجنا من عنده، فلما صرنا على الباب قَالَ: أبا الْعَبَّاس، إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا، هذا سيد المسلمين.
__________
[1] في الأصل: «الرحا» .
[2] في الأصل: «من أصبح لهم غاشا لم يرح ... » .
[3] سورة: الذاريات، الآية: 57.
[4] في الأصل: «تكافني» .(9/151)
فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت لَهُ: يا هذا، قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال، / فلو قبلت هذا المال فانفرجنا بِهِ. فقال لها: مثلي ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كثر نحروه فأكلوا لحمه.
فلما سمع هارون هذا الكلام قَالَ: تدخل فعسى يقبل المال، فلما علم الفضيل خرج فجلس على السطح على باب الغرفة، فجلس هارون إلى جنبه، فجعل يكلمه فلا يجيبه، فبينا نَحْنُ كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت: يا هذا، قد أذيت الشيخ منذ الليلة، فانصرف رحمك اللَّه. فانصرفنا.
1021- أبو شعيب البراثي العابد
[1] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْر بْن ثَابِت قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ قَالَ: أخبرني أبو جعفر [2] الخلدي [3] في كتابه. وحدثني فيه محمد بن إبْرَاهِيم عَنْه قال: سمعت الجنيد بن مُحَمَّد يَقُولُ: كان أبو شعيب البراثي أول من سكن براثا في كوخ يتعبد فيه، فمرت بكوخه جارية من بنات الكبار [4] من أبناء الدنيا كانت ربيت [5] في قصور الملوك، فنظرت إلى أبي شعيب فاستحسنت حاله [6] ، فصارت كالأسير له، فعزمت على التجرد عن الدنيا والاتصال بأبي شعيب، فجاءت إليه وقالت: أريد أن أكون لك خادمة. فقال لها: إن أردت ذلك فغيري من هيئتك وتجردي عما أنت فيه حتى تصلحي لما أردت. فتجردت عن كل ما تملكه/ ولبست لبسة النساك وحضرته فتزوجها، فلما دخلت الكوخ رأت قطعة خصاف وكان يجلس عليها أبو شُعَيْب تقيه من الندى، فقالت: ما أنا بمقيمة فيها حتى تخرج ما تحتك، لأني سمعتك تقول: إن الأرض تقول لابن آدم: تجعل بيني وبينك حجابا وأنت غدا في بطني، فما كنت لأجعل
__________
[1] البداية والنهاية 10/ 199.
[2] في ت: «أخبرني جعفر» .
[3] في الأصل: «الخالديّ» .
[4] في ت: «الكتاب» .
[5] في الأصل: «ربيبته» .
[6] في الأصل: «إلى حال أبي شعيب فاستحسنتها» .(9/152)
بيني وبينها حجابا، فأخذ أبو شعيب الخصاف فرمى بِهِ، فمكثت معه سنين كثيرة يتعبدان أحسن عبادة، وتوفيا على ذلك متعاونين.
[قال المصنف:] [1] وقد ذكرنا فيما تقدم أن جوهرة [2] زوجة عبد الله البراثي جرى لها نحو هذا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «جوهر» .(9/153)
ثم دخلت سنة ثمان وثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
غزو [1] إبراهيم بن جبريل الصائفة، ودخوله أرض الروم، فخرج للقائه نقفور، فجرح وانهزم وقتل من الروم أربعون ألفا وسبعمائة، وأخذ أربعة آلاف دابة [2] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت] الخطيب قَالَ:
قرأت عَلَى الجوهري، عن أبي عبد الله المرزباني قَالَ: حدثني علي بن هارون قَالَ:
أخبرني أَبِي قَالَ: قال أبو الشيص يمدح الرشيد عند ورود الخبر بهزيمة نقفور وفتح بلد الروم من قصيدة: /
شددت أمير المؤمنين قوى الملك ... صدعت بفتح الروم أفئدة الترك.
قرنت بسيف الله هام عدوه ... وطأطأت بالإسلام ناصية الشرك
فأصبحت مسرورا ولا تعي ضاحكا ... وأصبح نقفور على ملكه يبكي
[3] .
وفيها: رابط القاسم بن الرشيد بدابق [4] .
__________
[1] في ت: «غزاة» .
[2] تاريخ الطبري 8/ 313. والبداية والنهاية 10/ 199. والكامل 5/ 337.
[3] تاريخ بغداد 5/ 401، 402.
[4] في الأصل: «بغدائق» .
انظر: تاريخ الطبري 8/ 313. والبداية والنهاية 10/ 200.(9/154)
وفيها: حج بالناس [1] الرشيد، وهي آخر حجة حجها الرشيد، ولقيه بهلول في الطريق، فوعظه [2] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد أبو الغنائم بن ميمون الزينبي قَالَ:
حَدَّثَنَا محمد بن علي بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: حدثنا زيد بن الحاجب قَالَ: أخبرنا محمد بن هارون قَالَ: حدثنا علي بن الحَسَن قَالَ: حدثنا علي بن إبراهيم الكرخي قَالَ [3] : حدّثنا محمد بن الحسن الحراني قَالَ: حدثنا أحمد بن عبد الله [4] القزويني، عن الفضل بن الربيع قَالَ: حججت مَعَ هارون الرشيد، فمررنا بالكوفة، فإذا بهلول المجنون يهذي، فقلت: اسكت فقد أقبل أمير المؤمنين. فسكت، فلما حاذاه الهودج قَالَ: يا أمير المؤمنين، حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ بَابِلَ [5] قَالَ: حَدَّثَنَا قُدَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَامِرِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنًى عَلَى جَمَلٍ، وَتَحْتَهُ رَحْلٌ رَثٌّ/، وَلَمْ يَكُنْ ثُمَّ طَرْدٌ وَلا ضَرْبٌ وَلا إِلَيْكَ إِلَيْكَ. قُلْتُ: يا أمير المؤمنين، إنه بهلول المجنون، قَالَ: قد عرفته، قل يا بهلول. فَقَالَ: يا أمير المؤمنين:
فهب أن قد ملكت الأرض طرا ... ودان لك العباد فكان ماذا
أليس غدا مصيرك جوف قبر ... ويحثو الترب هذا ثم هذا
قَالَ: أجدت يا بهلول، أفغيره؟
قَالَ: نعم يا أمير المؤمنين، من رزقه الله جمالا ومالا، فعف في جماله، وواسى في ماله، كتب في ديوان الأبرار.
قَالَ: فظن أنه يريد شيئا، قَالَ: فإنا قد أمرنا بقضاء دينك.
قَالَ: لا تفعل يا أمير المؤمنين، لا تقض دينا بدين، اردد الحق إلى أهله، واقض دين نفسك من نفسك.
__________
[1] في ت: «وحج في هذه السنة الرشيد» .
[2] تاريخ الطبري 8/ 313. والبداية والنهاية 10/ 200. والكامل 5/ 337.
[3] «حدثنا علي بن إبراهيم الكرخي قال» ساقطة من ت.
[4] في ت: «عبيد الله» .
[5] في ت: «أيمن بن بابل» .(9/155)
قَالَ: إنا قد أمرنا أن نجري عليك.
قَالَ: لا تفعل يا أمير المؤمنين، لا يعطيك شيئا وينساني، أجرى علي الذي أجرى عليك، لا حاجة لي في جرايتك [1] .
وقد روى أبو بكر الصولي قَالَ: حدثنا محمد بن القاسم قَالَ: حدثنا محمد بن مِسْعَر قال: لما دخل الرشيد إلى الفضيل بن عياض ولم يعرفه الفضيل، ثم عرفه فقال لَهُ: أنت هو يا حسن الوجه، استكثر من زيارة هذا البيت، فإنه لا يحج خليفة بعدك.
قال الصولي: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم البزار قَالَ: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم السندي [2] ، عن/ أبي بكر بن عياش أنه قَالَ وقد مر به الرشيد بالكوفة منصرفا من الحج سنة ثمان وثمانين ومائة: لا يحج الرشيد بعد هذه الحجة، ولا يحج بعده خليفة أبدا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1022- إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة، أبو إسحاق الفَزَارِيّ
[3] .
كان عالما صاحب سنة، أسند الحديث عن سفيان الثَّورِي، والأوزاعي. وتوفي بالمصيصة في هذه السنة، وقيل: سنة خمس وثمانين.
1023- إبراهيم بن ماهان بن بهمن، أبو إسحاق، المعروف بالموصلي
[4] .
وهو من أرجان، ينسب إلى ولاء الحنظليين، وأصله من الفرس. خرج أبوه من أرجان بأمه وهي حاملة بِهِ، فقدم الكوفة فولدته سنة خمس وعشرين ومائة، وصحب بالكوفة فتيانا في طلب الغناء، فاشتدت عليه أخواله في ذلك، فخرج إلى الموصل، ثم عاد إلى الكوفة، فقال لَهُ أخواله: مرحبا بالفتى الموصلي، ونظر في الأدب، وقال الشعر: واتصل بالخلفاء والملوك.
__________
[1] البداية والنهاية 10/ 200.
[2] في ت: «الشهيدي» .
[3] البداية والنهاية 10/ 200. وتهذيب التهذيب 1/ 151- 153.
[4] تاريخ بغداد 6/ 175- 178.(9/156)
أخبرنا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر أحمد بْن علي بْن ثابت] [1] الخطيب قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بن عبد العزيز الطاهري قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بْن عَبْد اللَّه بْن المغيرة الجوهري قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن سَعِيد [2] الدمشقي قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرِ بْن بكار قَالَ: حدثني إسحاق الموصلي، عن أبيه إبْرَاهِيم قَالَ: جاءني غلامي فَقَالَ: بالباب رجل حائك يطلب عليك الأذن. فقلت: ويلك! ما لي وللحائك؟ قَالَ: لا أدري غير أنه حلف بالطلاق أنه لا ينصرف/ حتى يكلمك لحاجته. فقلت: ائذن لَهُ. فدخل، فقلت:
ما حاجتك؟ قَالَ: جعلني الله فداك، أنا رجل حائك كان بالأمس جماعة من أصحابي وأنا تذاكرنا الغناء والمقدمين فيه، فأجمع من حضر أنك رأس القوم وبندارهم [3] وسيدهم فيه، فحلفت بطلاق ابنة عمي أعز الخلق علي، ثقة مني بكرمك على أن تشرب عندي غدا وتغنيني، فإن رأيت- جعلني الله فداك- أن تمن على عبدك بذلك.
فقلت لَهُ: أَيْنَ منزلك؟ قَالَ في دور الصحابة. قلت: فصف للغلام موضعه.
فلما صليت الظهر مضيت، فلما دخلت قام لي الحاكة وأكبوا عليّ، فقبلوا [4] أطرافي، وعرضوا عليّ الطعام، فقلت: قد تقدمت في الأكل، وقلت لَهُ: اقترح. فقال لي الحائك: غنني [5] بحياتي:
يقولون لي لو كان بالوصل [6] لم تمت ... نسيبة [7] والطراق يكذب قيلها
فغنيت، فَقَالَ: أحسنت والله، جعلني الله فداك. ثم قُلْتُ: اقترح. فَقَالَ: غنني بحياتي:
وخطا بأطراف الأسنة مضجعي ... وردّا على عينيّ فضل ردائيا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «بن سعد» .
[3] في الأصل: «بيدارهم» .
[4] في ت: «يقبلون» .
[5] في ت: «عني» .
[6] في ت: «بالرّحل» .
وفي تاريخ بغداد: «بالرمل» .
[7] في الأصل: «نبيشة» .(9/157)
فغنيت، فَقَالَ: أحسنت والله، جعلني الله فداك. فقلت: اقترح. فَقَالَ غنني بحياتي:
أحقا عباد الله أن لست واردا ... ولا صادرا إلا علي رقيب
/ فقلت: يا بن اللخناء، [أنت] [1] بابن سريج أشبه منك بالحاكة، ثم قلت: والله إن عدت ثانية حلت امرأتك لغلامي قبل أن تحل لك. ثم انصرفت، وجاء رسول الرشيد يطلبني، فمضيت من فوري [ذلك] [2] فدخلت على الرشيد، فَقَالَ: أين كنت يا إبْرَاهِيم؟ فقلت: ولي الأمان؟ فَقَالَ: ولك الأمان [، فحدثته] [3] فضحك وقَالَ: هذا أنبل حائك على وجه الأرض، والله لقد كرمت في أمره وأحسنت في إجابته. وبعث إلى الحائك فاستنطقه وسأله، فاستطابه [4] واستظرفه، وأمر له بثلاثين ألف درهم [5] .
توفي إبراهيم في هذه السنة، وقال في ذَلِكَ:
مل والله طبيبي ... من مقاساة الذي بي
سوف أنعى عن قريب ... لعدو وحبيب
ويقال: مات سنة ثلاث عشرة ومائتين. والأول أصح. ووجد له من المال أربعة وعشرين ألف ألف درهم.
1024- جرير بن عبد الحميد بن جرير بن قرط بن هلال، أبو عبد الله الضبي الرازي
[6] .
كوفي الأصل، ولد سنة عشر ومائة، ورأى أيوب السجستاني. وسمع من مغيرة بن مقسم، وحصين بن عبد الرَّحْمَن، ومنصور بن المعتمر، وهشام بن عروة، والأعمش، وغيرهم.
روى عَنْه ابن المبارك، والطيالسي، وأحمد بن حنبل، ويحيى، وابن المَدِيني،
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «فاستطابه» ساقطة من ت.
[5] تاريخ بغداد 6/ 176، 177.
[6] التاريخ الكبير 2/ 214. والجرح والتعديل 2/ 505. وطبقات ابن سعد 7/ 281. وتهذيب التهذيب 2/ 75. والتقريب 1/ 127.(9/158)
وغيرهم. وكان صاحب ليل، وعرض عليه ابن شبرمة [1] أن يجري عليه من/ الصدقة في كل شهر مائة درهم، فأبى.
وتوفي فِي هذه السنة وهو ابن ثمان وسبعين سنة.
1025- رشيدين بن سعد [2] بن مفلح، أبو الحجاج
[3] .
ولد سنة عشر ومائة، وروى عنه: ابن المبارك، وبقية. وكان رجلا صالحا أدركه نوع [من] التغفل [4] .
وتوفي في هذه السنة.
1026- عمر بن أيّوب، أبو حفص العبدي الموصلي
[5] .
رحل إلى الشام [6] ، والعراق، وأكثر من سماع الحديث وكتابته، وسمع من المعافى بن عمران، والثَّورِي، وخلق كثير. روى عنه: أحمد بن حنبل ومدحه، وقَالَ:
هو ثقة، وكانت له هيئة.
أخبرنا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا [أحمد بْن علي بْن ثابت] الخطيب [قَالَ:
أَخْبَرَنَا البرقاني قال:] أخبرنا [أبو الفضل محمد بن عبد الله] [7] بن حميرويه قَالَ: حدثنا الحسين بن إدريس الْأنصَارِيّ قَالَ: قال ابن عمار: رأيت [عمر] [8] بن أيوب أخرج
__________
[1] في الأصل: «سبرمة» .
[2] في الأصل: «رشد بن سعد» .
[3] قال أحمد: ليس به بأس في أحاديث الرقاق. وقال ابن معين: لا يكتب حديثه. وقال عمرو بن علي، وأبو زرعة وابن قانع والدارقطنيّ: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: منكر الحديث، وفيه غفلة ويحدث بالمناكير عن الثقات، ضعيف الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن حجر ضعيف.
انظر: التاريخ الكبير 3/ 337. والجرح والتعديل 3/ 513. وطبقات ابن سعد 7/ 517. وتهذيب التهذيب 3/ 277. والتقريب 1/ 251.
[4] في الأصل: «أدركه نوع تعقل» وفي ت: «فيه تعقل» .
[5] التاريخ الكبير 6/ 143. والجرح والتعديل 6/ 98. وتهذيب التهذيب 7/ 429. والتقريب 2/ 52.
وتاريخ ابن معين 2/ 425. وتاريخ بغداد 11/ 185.
[6] في الأصل: «دخل الشام» .
[7] ما بين المعقوفتين في السند ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/159)
صوفا [من قفة] [1] مرقعة [2] فدفعه إلى ابنه، فذهب بِهِ فباعه، فجاء بخبز، فوضعه بين أيدينا، فأبينا أن نأكل، فبات ليلته ولم يكن عنده شيء، وما رأيته يذكر الدنيا بواحدة، وكان من أشد الناس حياء [3] .
توفي [بالرقة] [4] في هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «مرقعة» ساقطة من ت.
[3] تاريخ بغداد 11/ 186.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/160)
ثم دخلت سنة تسع وثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
شخوص الرشيد إلى الري. وسبب ذلك: أن الرشيد كان [1] قد استشار يحيى بن خالد في تولية خراسان علي بن عيسى بن ماهان، فأشار عليه أن لا يفعل، فخالفه وولاه إياها، فلما شخص علي بن عيسى ظلم الناس وعسفهم، وجمع مالا جليلا، ووجه/ إلى هارون بهدايا لم ير مثلها قط من الخيل، والرقيق، والثياب، والنساء، والأموال، فقعد هارون بالشماسية على دكان مرتفع حين وصلت إليه تلك الهدايا وأحضرت فعرضت عَلَيْهِ، فعظمت في عينه، وكان إلى جانبه يحيى بن خالد، فقال لَهُ: يا أبا عليّ، هذا الذي أشرت علينا أن لا نوليه هذا الثغر فخالفناك فيه، وكان في خلافك البركة. وهو كالمازح [2] معه إذ ذاك فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك، أنَا وإن كنت أحب أن أصيب في رأيي وأوافق في مشورتي، فأنا أحب أن يكون رأي أمير المؤمنين أعلى، وفراسته أثقب، وما أحسن هذا وأكثره إن لم يكن وراءه ما تكره. قَالَ: وما ذاك؟ قَالَ:
إني أحسب أن أكثر هذا أخذ ظلما. فوقر ذلك في نفس الرشيد، فلما عاث علي بن عيسى بخراسان ووتر أشرافها، وأخذ أموالهم، واستخف برجالهم شكى الناس سوء سيرته، وسألوا أمير المؤمنين أن يبدلهم من أحب من كفاءته، فدعا يحيى بن خالد فشاوره في أمر علي بن عيسى وفي صرفه، وقَالَ: أشر عليّ برجل ترضاه لذلك الثغر،
__________
[1] في ت: «أنه كان» .
[2] في الأصل: «كالماذح» .(9/161)
يصلح ما أفسد ذلك [1] الفاسق ويرتق ما فتق. فأشار عليه بيزيد بن مزيد، فلم يقبل.
وكان قد قيل للرشيد أن علي بن عيسى قد أجمع على خلافك، فشخص إلى الري من أجل ذلك عند منصرفه [2] من مكة، فعسكر بالنهروان لثلاث عشرة بقيت من جمادى الأولى ومعه ابناه: المأمون والقاسم، فلما صار بقرميسين أشخص إليه جماعة من القضاة/ وغيرهم، وأشهدهم عليه [3] أن جميع ماله في عسكره ذلك من الأموال والخزائن والسلاح والكراع، وما سوى ذلك للمأمون، وأنه ليس له فيه قليل ولا كثير، وجدد البيعة له على من كان معه، ووجه هرثمة بن أعين صاحب حرسه إلى بغداد، فأخذ البيعة [4] على الأمين، ثم مضى الرشيد عند انصراف هرثمة إلى الري، وأقام بها نحوا من أربعة أشهر حتى قدم عليه علي بن عيسى من خراسان بالأموال، والهدايا، والطرف، والمتاع، والمسك، والجوهر، وآنية الذهب والفضة، والسلاح، والدواب، وأهدى بعد ذلك إلى جميع من كان معه من أهل بيته وخدمه على طبقاتهم، فرأى منه خلاف ما كان ظن به، وغير ما كان يقال عنه، فرضي عنه، ورده إلى خراسان، فخرج وهو مشيع له.
وقدم خزيمة بن خازم على الرشيد الري، فأهدى له هدايا كثيرة [5] .
وفي هذه السنة [6] : قدم سعيد الجرشي [7] بأربعمائة رجل من طبرستان، فأسلموا على يد الرشيد [8] .
وفيها: ولى الرشيد عبد الله بن مالك طبرستان، والريّ، والرّويان [9] ، ودنباوند، وقومس، وهمدان. وولى عيسى بن جعفر بن سليمان عمان، فقطع البحر فافتتح
__________
[1] «ذلك» ساقطة من ت.
[2] «منصرفه» ساقطة من ت.
[3] «عليه» ساقطة من ت.
[4] في ت: «فأعاد أخذ البيعة» .
[5] تاريخ الطبري 8/ 314- 316. والكامل 5/ 338، 339. والبداية والنهاية 10/ 201.
[6] في الأصل: «وفيها» .
[7] في الأصل: «الجرسي» .
[8] تاريخ الطبري 8/ 316.
[9] في الأصل: «روبان» .(9/162)
حصنين، وعاد الرشيد إلى بغداد، فدخلها لليلتين بقيتا من ذي الحجة، وقَالَ: والله إني لأطوي [1] مدينة ما وضعت مدينة بشرق ولا غرب [2] ، وما رأيت مدينة أيمن منها ولا أيسر، وإنها لوطني ووطن آبائي، ودار مملكة بني العباس ما بقوا، وما رأى أحد من آبائي سوءا ولا نكبة/ ولا شرا، ولنعم الدار هي، ولكني أريد المناخ على ناحيتها أهل الشقاق والنفاق والبغض لأئمة الهدى، ولولا ذلك ما فارقت بغداد ما حييت، ولا خرجت عنها أبدا [3] .
وفي هذه السنة: كان الفداء [4] بين المسلمين والروم، فلم يبق بأرض الروم مسلم إلا فودي بِهِ. فقال مؤمل بن جميل [5] بن يحيى بن أبي حفصة ابن عم مروان بن أبي حفصة، من قصيدة:
وفكت بك الأسرى التي شيدت لها ... محابس ما فيها حميم يزورها
على حين أعيا المسلمين فكاكها ... وقالوا: سجون المشركين قبورها
[6] .
وفي هذه السنة [7] : رابط القاسم بدابق.
وفيها: حج بالناس العباس بن موسى بن عيسى بن موسى بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس [8] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1027- إسحاق بن عبد الرحمن بن المغيرة بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري
[9] .
من أهل المدينة، سكن بغداد، وكان له قدر عند الخلفاء والأمراء، وأبوه
__________
[1] في ت: «لأطري» .
[2] في الأصل: «ما وصف بشرق ولا غرب مدينة» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 317. والكامل 5/ 338، 339.
[4] في ت: «كان الفراة» .
[5] في ت: «بن حميد» .
[6] تاريخ الطبري 8/ 318. والبداية والنهاية 10/ 201.
[7] في الأصل: «وفيها» .
[8] تاريخ الطبري 8/ 318. والكامل 5/ 339. والبداية والنهاية 10/ 201.
[9] تاريخ بغداد 6/ 316.(9/163)
عَبْد الرَّحْمَن [1] كان [2] يقال لَهُ: عزيز، وكان إسحاق في صحابة المهدي، والهادي، والرشيد وهلك/ في خلافته، وكان موصوفا بالصفاء والجود، حتى قال الشاعر الهيصبي [3] فيه ولأخيه يعقوب:
نفى الجوع عن بغداد إسحاق ذو الندى ... كما قد نفى جوع الحجاز أخوه
وما يك من خير أتوه فإنما ... فعال غرير قبلهم ورثوه
فأقسم لو ضاف الغريري بغتة ... جميع بني حواء ما حفلوه [4]
هو البحر بل لو حل بالبحر وفده ... ومن يجتديه [5] ساعة نزفوه
[6] أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي الحافظ، أخبرنا علي بن أبي علي، حدثنا محمد بن عبد الرَّحْمَن وأحمد بن عبد اللَّه قالا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ، حدثنا أبو عزية [7] محمد بن موسى الأنصاري قال:
__________
[1] في ت: «وأبو عبد الرحمن» .
[2] «كان» ساقطة من ت.
[3] «الهيصبي» ساقطة من ت.
وفي تاريخ بغداد: «الصهيبي» .
[4] في ت: «جفلوه» .
وفي الأصل: «خلفوه» .
[5] في الأصل: «يجتدبه» .
وفي ت: «يحتديه» .
[6] من هنا ساقط من نسخة ترخان (ت) حتى عنوان: «باب: خلافة المأمون» . والّذي يقع في الجزء العاشر.
وجدير بالذكر أن الناسخ قد وضع في هذا المكان جزءا آخر خاصا بأحداث سنة 309 هـ حتى سنة 442 هـ بدلا من هذا الجزء الساقط، هذا وقد قام أحد الناسخين بإكمال الجزء الخاص بهذه الفترة (309 هـ- 442 هـ) وذلك في موضعه الأصلي الصحيح على أنه جزء ساقط ولم ينتبه أنه موجود ولكن في هذا المكان، وقد ميّز هذا ببرواز حول الصفحة، كما أن الخط مغاير لخط الناسخ الأصلي.
ومثل هذا الخطأ قد وقع في عدة أماكن من هذه النسخة، وقد قام الناسخ الآخر باستدراك النقص في كل المواضع، ولكنه لم يفطن لهذا الجزء. وقد راجعنا نسخة الأصل على الكتب التي نقل عنها المؤلف نصوصه، وقمنا بالمقارنة بينهما كلما أمكن هذا.
[7] في الأصل: «أبو غزية» .(9/164)
كان إسحاق بن غرير معجبا بعبادة جارية المهلبية، وكانت الجارية منقطعة إلى الخيزران أم المؤمنين، وهي ذات منزلة عندها/ قَالَ: فركب يوما عبد الله بن مصعب بن الزبير وإسحاق بن غرير إلى المهدي، وكانا يأتيانه في كل عشية إذا صلى الناس العصر، فيقيمان معه إلى أن ينقضي سمره، فلقيا يوما عبادة في طريقهما، فقال إسحاق بن غرير لعبد الله بن مصعب: يا أبا بَكْر، هذه عبادة التي كنت تسمعني أذكرها. وركض دابته حتى استقبلها، فنظر إليها، ثم رجع. فضحك عبد الله بن مصعب مما صنع. ثم مضيا فدخلا على أمير المؤمنين المهدي، فحدثه عبد الله بن مصعب حديث إسحاق بن غرير وعبادة، وما كان منه في أمرها تلك العشية، فقال لإسحاق: أنا أشتريها لك. وقام فدخل على الخيزران، فَقَالَ: أين المهلبية؟ فأمرت بها فدعيت لَهُ، فَقَالَ [لها] [1] : أتبيعيني عبادة بخمسين ألف درهم؟ فقالت: يا سيدي، إن كنت تريدها لنفسك فبها- فداك اللَّه- فَقَالَ: إنما أريدها لإسحاق بن غرير. فبكت وقالت: يدي ورجلي ولساني في حوائجي تنزعها مني لإسحاق بن غرير. فقالت الخيزران [2] : ما يبكيك؟ لا يقدر والله إسحاق عليها. وقالت للمهدي: صار ابن غرير يتعشق جواري الناس. فخرج المهدي فأخبر عليها. وقالت للمهدي: صار ابن غرير يتعشق جواري الناس. فخرج المهدي فأخبر إسحاق الخبر، وأمر له بخمسين ألف درهم، فأخذها، فقال في ذلك أبو العتاهية/:
من صدق الحب لأحبابه ... فإن حب ابن غرير غرور
أنساه عباده ذات الهوى ... وأذهل الحب لديه الضمير
خمسون ألفا كلها وازن ... [خشن] [3] لها في كل كيس صرير
وقال أبو العتاهية في ذلك أيضا:
حبك المال [4] لا كحبك [5] عبادة ... يا فاضح المحبّينا [6]
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «الخيزران» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
وأضفناه من تاريخ بغداد.
[4] في الأصل: «للمال» وما أوردناه من تاريخ بغداد.
[5] في الأصل: «كحب» وما أوردناه من تاريخ بغداد.
[6] تاريخ بغداد 6/ 317، 318 وبعده:
لو كنت أخلصتها الوفاء كما ... قلت لما بعتها بخمسينا(9/165)
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرني أحمد بن محمد بن أحمد الكاتب قَالَ: حدثني جدي محمد بن عبيد الله بن قفرجل، حدثنا محمد بن يحيى النديم قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى قَالَ: أنشدني الزبير لمنكف- وهو من ولد زهير بن أَبِي سلمى- يرثي إسحاق بن غرير:
[بكت العيون فأقرحت أجفانها ... عبراتها جزعا على إسحاق] [1]
فلئن بكت جزعا عليه فقد بكت ... حزنا [2] عليه مكارم الأخلاق
يا خير من بكت المكارم فقده ... لم يبق بعدك للمكارم باق
لو طاف في شرق البلاد وغربها ... لم يلق إلا حامدا للاقي
ما بث من كرم الطبائع ليلة ... إلا لعرضك من نوالك واق
بخلت بما حوت الأكف وإنما ... خلق الإله يديك للإنفاق
[3]
1028- الزبير بن خبيب [4] بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي
[5] .
سمع محمد بن عبَّاد. وروى عنه معن بن عيسى، وكان من الفضلاء العباد. قدم بغداد مرتين، إحداهما في زمن المهدي، والأخرى في زمن الرشيد.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قَالَ: أَخْبَرَنِي الأَزْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن الحسن، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بْن بكار قَالَ:
حَدَّثَنِي مصعب بن عبد اللَّه قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قال لي أمير المؤمنين هارون الرشيد: دلني على رجل من أهل المدينة من قريش، له فضل منقطع. قَالَ: قلت:
عمارة بن حمزة بن عبد الله. قال: فأين أنت عن ابن عمك الزبير بن خبيب؟ قال: قلت
__________
[1] هذا البيت ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ بغداد.
[2] في الأصل: «جزعا» وما أوردناه من تاريخ بغداد.
[3] تاريخ بغداد 6/ 318.
[4] في الأصل: «بن حبيب» .
[5] تاريخ بغداد 8/ 466.(9/166)
/ له: إنما سألتني عن الناس، ولو سألتني عن أسطوان [1] من أساطين [2] المسجد قلت لك الزبير بْن خبيب [3] .
توفي الزبير بوادي القرى في ضيعة لَهُ، وهو ابن أربع وسبعين سنة.
1029- سعيد بن سليمان بن نوفل بن إسحاق المديني
[4] .
ولي قضاء المدينة في خلافة المهدي، ووفد على الرشيد، وكان شديد [5] .
المذهب، حسن الطريقة.
أَخْبَرَنَا القزاز، [أَخْبَرَنَا الخطيب، أَخْبَرَنَا الأزهري، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الطوسي، حَدَّثَنَا] [6] الزُّبَيْر بْن بكار قَالَ: حَدَّثَنِي نوفل بن ميمون قَالَ: جاء سعيد بْن سُلَيْمَان إلى محمد بن [7] عبد الله بن محمد بن عمران شاهدا فرد شهادته، فلما ولي القضاء جاءه عبد الله بن محمد بن عمران شاهدا فأخذ شهادته، فنظر فيها ساعة، ثم رفع رأسه وقَالَ: المؤمن لا يشفي غيظه، أوقع شهادته [8] يا ابن دينار، فأوقعها [9] .
1030- سليمان بن حيان، أبو خالد الأحمر الأزدي الكوفي
[10] .
ولد سنة أربع عشرة ومائة. سَمِعَ يحيى بن سعيد الأنصاري، وسليمان التيمي،
__________
[1] في الأصل: «عن أسطوانة» .
والتصحيح من تاريخ بغداد.
[2] في الأصل: «من أسطوانة» .
والتصحيح من تاريخ بغداد.
[3] تاريخ بغداد 8/ 466.
[4] تاريخ بغداد 9/ 66.
[5] في الأصل: «سديد» .
والتصحيح من تاريخ بغداد.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وما أوردناه من تاريخ بغداد.
[7] «محمد بن» ساقطة من تاريخ بغداد.
[8] في الأصل: «بشهادتك» . والتصحيح من تاريخ بغداد.
[9] تاريخ بغداد 9/ 66.
[10] تاريخ بغداد 9/ 21- 24.(9/167)
والأعمش، روى عنه: أحمد بن حنبل، وكان سُفْيان يَقُولُ: هو رجل صالح، وكان ينقم عليه خروجه مع [إبراهيم بن] [1] عبد الله بن حسن [2] ، فهجره لذلك. وقَالَ يحيى: / هو ثقة.
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الخطيب، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن رزق اللَّه، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، أخبرنا محمد بن أحمد بن البَرَاء، حدثنا عثمان بن أبي شَيْبة قَالَ: دخلت على أَبِي خالد الأحمر عند موته وهو يَقُولُ: يا نفس اخرجي، والله لخروجك أحب إلي من بقائك في بدني [3] .
توفي في هذه السنة. وقيل: في سنة تسعين.
1031- عبد الله بن محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله، أبو محمد التيمي
[4] .
من أَهْل مدينة رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولاه هارون الرشيد قضاء المدينة، ثم صرفه وولّاه مكة، ثم صرفه ورده إلى قضاء المدينة، ثم عزله فقدم بغداد وأقام في ناحية الرشيد، ثم سافر معه إلى الري، فمات بها في هذه السنة.
1032- علي بن حمزة بن عبد الله، أبو الحسن الأسدي، المعروف بالكسائي النحوي
[5] .
أحد أئمة القراء، من أهل الكوفة، استوطن بغداد، وعلم الرشيد، ثم الأمين بعده، وكان قد قرأ على حمزة الزيات، فأقرأ ببغداد زمانا بقراءة حمزة، ثم اختار لنفسه/ قراءة، فأقرأ بها النَّاسَ.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
وأضفناه من تاريخ بغداد.
[2] في الأصل: «عبد الله بن حسر بن حسن» .
والتصحيح من تاريخ بغداد.
[3] تاريخ بغداد 9/ 23.
[4] تاريخ بغداد 1/ 61.
[5] تاريخ بغداد 11/ 403- 415. غاية النهاية 11/ 535. ووفيات الأعيان 1/ 330. ونزهة الألباء 81- 94. وطبقات النحويين 138. وإنباه الرواة 2/ 256. والأعلام 4/ 283. والبداية والنهاية 10/ 201، 202.(9/168)
وقد سمع الحديث من أبي بكر بن عياش، وسفيان بن عيينة، وآخرين.
وروى عَنْه: الفراء، وأبو عُبَيْد.
وقال الشافعي [1] : من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي.
أخبرنا عبد الرَّحْمَن، أخبرنا أحمد بْن ثَابِت، أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء مُحَمَّد بن علي، أَخْبَرَنَا محمد بْن جعفر بْن هارون التميمي، حدثنا أبو علي الحسن بن دَاوُد، حدثنا أبو جعفر عقدة، حدثنا أبو يزيد الوضاحي قَالَ: قال لي الفراء: إنما تعلم الكسائي النحو على الكبر، وكان سبب تعلمه: أنه جاء يوما وقد مشى حتى أعي، فجلس إلى الهبارين [2] فَقَالَ: قد عييت. فقالوا له: أتجالسنا وأنت تلحن؟! فَقَالَ: كيف لحنت؟
فقالوا لَهُ: إن كنت أردت من التعب فقل أعييت، وإن كنت أردت من انقطاع الحيلة والتدبير والتحير [3] في الأمر فقل: عييت- مخففة فأنف من هذه الكلمة وقام من فوره، فسأل عمن يعلم النحو. فأرشدوه إلى معاذ الهرا، فلزمه حتى أنفذ ما عنده، ثم خرج إلى البصرة [فلقي الخليل وجلس في حلقته، فقال له رجل من الأعراب: تركت أسد الكوفة وتميمها وعندها الفصاحة، وجئت إلى البصرة؟] [4] فقال للخليل [5] : من أين أخذت علمك [هذا] [6] ؟ فَقَالَ: من بوادي [7] الحجاز، ونجد، وتهامة. فخرج ورجع وقد أنفذ خمس عشرة قنينة حبرا في الكتابة عن العرب سوى/ ما حفظه [8] ، ولم يكن له همة [9] غير [البصرة و] [10] الخليل، فوجد الخليل قد مات وقد جلس موضعه يونس النحويّ،
__________
[1] في الأصل: «قال الكسائي» .
انظر القول في تاريخ بغداد 11/ 407.
[2] في تاريخ بغداد: «الهباريين» .
[3] في الأصل: «التمييز» وما أوردناه من تاريخ بغداد.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأكملناه من تاريخ بغداد.
[5] في الأصل: «إلى الخليل وقال له:» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأكملناه من تاريخ بغداد.
[7] في الأصل: «وادي» والتصحيح من تاريخ بغداد.
[8] في تاريخ بغداد: «ما حفظ» .
[9] في تاريخ بغداد: «له هم» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وما أضفناه من تاريخ بغداد.(9/169)
فمرت بينهم مسائل أقر له يونس فيها وصدره موضعه [1] .
قال مؤلف الكتاب رحمه الله: وفي تسميته بالكسائي قولان:
أحدهما: أنه أحرم في كساء.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي، أنبأنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ، أخبرنا عبد الواحد عمر بن محمد بن أبي هاشم، حدثني محمد بن سليمان بن محبوب، حدثنا أبو عبد الرحمن البصري مردويه، حدثنا علي بن عبد الله الْمَدَنِيّ [2] ، حدثنا عبد الرحيم بن مُوسَى قال: قلت للكسائي: لم سميت الكسائي؟
قَالَ: لأني أحرمت في كساء [3] .
القول الثاني: أَخْبَرَنَا به أبو منصور القزاز، أَخْبَرَنَا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا محمد بن علي الصوري، أخبرنا أبو الحسن عبيد الله بن القاسم القاضي، حدثنا علي بن محمد الحرَّاني، حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى بن سليمان المروزي قال:
سألت خلف بن هشام: لم سمي الكسائي كسائيا؟ قَالَ: دخل الكسائي الكوفة فجاء إلى مسجد السبيع [4] ، وكان حمزة بن حبيب الزيات يقرئ فيه، فتقدم الكسائي مع أذان الفجر وهو ملتف بكساء، فرمقه القوم بأبصارهم، فقالوا: إن كان حائكا فسيقرأ سورة يوسف/، وإن كان ملاحا فسيقرأ سورة طه، فسمعهم، فابتدأ بسورة يوسف، فلما بلغ قصة الذئب قرأ: فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ 12: 17 [5] بغير همز، فقال لَهُ حمزة: الذئب بالهمز. فقال له الكسائي: وكذلك أهمز الحوت فالتقمه الحؤت. قَالَ: لا. قَالَ: فلم همزت الذئب ولم نهمز الحوت؟ وهذا فأكله الذئب، وهذا فالتقمه الحوت؟ فرفع حمزة بصره إلى خلاد الأحول، وكان أجمل غلمانه، فتقدم إليه في جماعة [من] [6] أهل المجلس فناظروه فلم
__________
[1] تاريخ بغداد 11/ 404.
[2] في الأصل: «المولى» .
[3] تاريخ بغداد 11/ 404.
[4] في الأصل: «السبع» .
[5] سورة: يوسف، الآية: 17.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(9/170)
يصنعوا شيئا. فقالوا: أفدنا يرحمك اللَّه. فقال لهم الكسائي: تفهموا عن الحائك؟ تقول إذا نسبت [الرجل] [1] إلى الذئب: قد استذأب الرجل، فلو قلت: استذاب- بغير همز- لكنت إنما نسبته إلى الهزال، تقول: قد استذاب الرجل إذا استذاب شحمه- بغير همز- وإذا نسبته إلى الحوت تَقُولُ: قد استحات الرجل، أي كثر أكله، لأن الحوت يأكل كثيرا، لا يجوز فيه الهمز، فلتلك العلة همز الذئب ولم يهمز الحوت، وفيه معنى آخر: لا تسقط الهمزة [2] من مفرده ولا من جمعه [3] ، وأنشدهم:
أيها الذئب وابنه وأبوه ... أنت عندي من أذأب الضاريات
قَالَ: فسمي الكسائي من ذلك اليوم [4] .
أخبرنا/ أبو منصور، أخبرنا أحمد الخطيب، حدثنا الحسين بن محمد أخو الخلال، حدّثنا الصاحب إسماعيل بن عبَّاد، أخبرنا عبد الله بن محمد الإيجي، أخبرنا محمد بن الحسن الأزدي، حدثنا أبو حاتم السجستاني قَالَ: وفد علينا عامل من أهل الكوفة لم أر في عمال السلطان بالبصرة أبرع منه، فدخلت مسلما عليه، فقال لي: يا سجستاني، من علماؤكم بالبصرة؟ قلت: الزيادي أعلمنا بعلم الأصمعي، والمازني أعلمنا بالنحو، وهلال الرأي [5] أفقهنا، والشاذكوني أعلمنا بالحديث، وأنا رحمك الله أنسب إلى علم القرآن، وابن الكلبي من أكتبنا للشروط. قَالَ: فقال لكاتبه: إذا كان غد فاجمعهم. قَالَ: فجمعنا فَقَالَ: أيكم أبو عثمان المازني؟ قال أبو عثمان: ها أنا ذا يرحمك الله. قَالَ: هل يجزي في كفارة الظهار عتق عَبْد أعور؟ قال المازني: لست صاحب فقه، أنا صاحب عربية. فقال: يا زيادي، كيف يكتب بين رَجُل وامرأة خالعها زوجها على الثلث من صداقها؟ قَالَ: ليس هذا من علمي، هذا من علم هلال الرأي.
قَالَ: يا هلال، كم أسند ابن عون عن الحسن؟ قال: ليس هذا من علمي، هذا من علم
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في تاريخ بغداد: «لا يسقط الهمز» .
[3] في تاريخ بغداد: «جميعه» .
[4] تاريخ بغداد 11/ 404، 405.
[5] في الأصل: «الرازيّ» .(9/171)
الشاذكوني. قال: يا شاذكوني يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ 11: 5 [1] قال: ليس هذا من علمي، هذا من علم أَبِي حاتم. قَالَ: يا أبا حاتم، / كيف تكتب إلى أمير المؤمنين كتابا تصف فيه خصاصة أهل البصرة وما أصابهم في الثرمة، وتسأله لهم النظر والنظرة؟ قَالَ: لست- رحمك الله- صاحب بلاغة وكتابه، أنا صاحب قرآن. فَقَالَ: ما أقبح الرجل يتعاطى العلم خمسين سنة لا يعرف إلا فنا واحدا، حتى إذا سئل عن غيره لم يجل فيه ولم يمر، ولكن عالمنا بالكوفة الكسائي لو سئل عَنْ هذا كله أجاب [2] .
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد الأصفهاني، حدّثنا جعفر الخالدي، حدثنا ابن مسروق، حدثنا سلمة بن عاصم قَالَ:
قال الكسائي: صليت بهارون الرشيد فأعجبتني قراءتي، فغلطت في آية ما غلط فيها صبي قط، أردت أن أقول: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 3: 72 [3] فقلت: لعلهم يرجعين، فو الله ما اجترأ هارون [أن] [4] يقول لي أخطأت، ولكنه لما سلمت قَالَ لي: يا كسائي، أي لغة هذه؟ قُلْتُ: يا أمير المؤمنين، قد يعثر الجواد. فَقَالَ: أما هذا فنعم [5] .
أخبرنا عبد الرَّحْمَن، أخبرنا أبو بكر بن عليّ، أخبرنا هلال بن الحَسَن، أخبرنا ابن الْجَرَّاح، أخبرنا أبو بكر بن الأنباري قَالَ: قال لي الفراء: لقيت الكسائي يوما فرأيته كالباكي، فقلت: ما يبكيك؟ فَقَالَ: هذا الملك يحيى بن خالد يوجه إلي فيحضرني فيسألني عن الشيء، فإن أبطأت في الجواب لحقني منه عيب [6] ، وإن بادرت لم آمن الزلل. قَالَ: فقلت- ممتحنا لَهُ-: يا أَبَا الحَسَن، من يعترض [7] عليك قل ما شئت، فأنت الكسائي. فأخذ لسانه بيده/ فقال: قطعه الله إن قلت ما لا أعلم [8] .
__________
[1] سورة: هود، الآية: 5.
[2] تاريخ بغداد 11/ 407.
[3] سورة: الأعراف، الآية: 178 وغيرها.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ بغداد 11/ 407، 408.
[6] في الأصل: «عتب» .
[7] في الأصل: «يعرض» والتصحيح من تاريخ بغداد.
[8] تاريخ بغداد 11/ 411.(9/172)
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ [أَخْبَرَنَا الخطيب، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عبد الله الثابتي، أخبرنا أحمد بن موسى القرشي، أخبرنا محمد بن يحيى الصولي، حدثنا عون بن محمد الكندي، حدثنا] [1] سلمة بن عاصم قال: حلفت أن لا أكلم عاميا إلا بما يوافقه ويشبه كلامه، فوقفت على نجار فقلت: بكم هذان البابان؟ فَقَالَ: بسلحتان يا مصفعان [2] .
توفي الكسائي في هذه السنة. هكذا ذكر ابن عرفة، وابن كامل القاضي. وذكر ابن الأنباري أنه مات في سنة اثنتين وثمانين هو ومحمد بن الحَسَن، فدفنهما الرشيد، قَالَ: وبلغ الكسائي سبعين سنة.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ، أخبرنا أبو بَكْر بن مقسم، حدثنا ابن فضلان، حدثنا الكسائي الصغير، حدثنا أبو مسحل قَالَ:
رأيت الكسائي في النوم كأن وجهه البدر فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بالقرآن، فقلت: ما فعل حمزة الزيات؟ قَالَ: ذاك في عليين ما نراه إلا كما نرى الكوكب الدري [3] .
1033- محمد بن الحسن بن فرقد، أبو عبد الله الشيباني مولاهم، صاحب أبي حنيفة
[4] .
أصله دمشقي من قرية هناك، قدم أبوه العراق فولد محمد بواسط في سنة اثنتين وثلاثين، ونشأ بالكوفة وسمع العلم بها من أبي حنيفة، ومسعر، والثَّورِي، وعمر بن ذر، ومالك بن مِغْوَل، وكتب عن مالك بن أنس رضي الله عَنْهُمَا، والأوزاعي، وأبي يوسف القاضي.
سكن بغداد وحدث بها، وغلب عليه الرأي، وبلغ فيه الغاية. وروى عنه:
الشافعي، وأبو عُبَيْد/ وجماعة.
وخرج إلى الرقة، والرشيد بها، فولاه قضاء الرقة، ثم عزله [5] فقدم بغداد، فلما
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ بغداد.
وفي الأصل: «أخبرنا القزاز بإسناده عن سلمة بن عاصم» .
[2] تاريخ بغداد 11/ 412، 3413. والبداية والنهاية 10/ 210 ط. دار الكتب العلمية.
[3] تاريخ بغداد 11/ 414، 415.
[4] تاريخ بغداد 2/ 272- 182.
[5] في الأصل: «غزاة» والتصحيح من تاريخ بغداد.(9/173)
خرج الرشيد إلى الري خرج معه، فمات بالري.
وكان يَقُولُ: ترك أبي ثلاثين ألف درهم، فأنفقت خمسة عشر ألفا على النحو والشعر، وخمسة عشر ألفا على الحديث والفقه.
وكان يقول لأهله: لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا تشغلوا قلبي، وخذوا ما تحتاجون إليه من وكيلي، فإنه أقل لهمي، وأفرغ لقلبي [1] .
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، أخبرنا رضوان بن محمد الدينَوَريّ قال: سمعت الحسين [2] بن جعفر العنزي [3] يَقُولُ: سمعت أبا بكر بن المنذر يَقُولُ:
سمعت المُزَني يَقُولُ [4] : سَمِعْتُ الشافعي يَقُولُ: ما رأيت سمينا أخف روحا من محمد بن الحَسَن، وما رأيت أفصح منه، كنت إذا رأيته يقرأ كأن القرآن أنزل بلغته [5] .
وفي رواية عن الشافعي: أنه قَالَ: ما رأيت أعقل من محمد بن الحسن، وحملت عنه وقر بختي كتبا [6] .
وقال رجل للشافعي: في أي مسألة خالفك الفقهاء؟ فقال الشافعي: وهل رأيت فقيها قط، اللَّهمّ إلا أن يكون محمد بن الحسن، فإنه كان يملأ العين والقلب [7] .
قال الطحاوي: وكان الشافعي قد طلب من محمد بن الحسن كتاب [السير] [8] فلم يجبه إلى الإعارة، فكتب إِلَيْهِ:
قل للذي لم تر ... عين من رآه مثله
حتى كأن من رآه ... قد رأى من قبله
العلم ينهى أهله ... ان يمنعوه أهله
__________
[1] تاريخ بغداد 2/ 176، 177.
[2] في الأصل: «لما سمعت الحسن» .
[3] في الأصل: «العزى» .
[4] «سمعت المزني يقول» مكرر في الأصل.
[5] تاريخ بغداد 2/ 175.
[6] تاريخ بغداد 2/ 176.
[7] تاريخ بغداد 2/ 176.
[8] في الأصل: السر، والتصحيح في البداية والنهاية 10/ 210 ط. دار الكتب العلمية.(9/174)
لعله يبذله ... لأهله لعله
/ فوجه به إليه في الحال هدية لا عارية.
وقال إبراهيم الحربي: قلت لأحمد بن حنبل: هذه المسائل الدقاق من أين لك؟
قَالَ: من كتب محمد بن الحَسَن [1] .
قال أحمد: وكان يذهب مذهب جَهْمُ [2] .
وكذلك قال أبو زُرْعة: كان محمد بن الحسن جهميا [3] .
قال نوح بن ميمون: دعاني محمد بن الحسن إلى القول بخلق القرآن، فأبيت عَلَيْهِ [4] .
أخبرنا أبو منصور، أخبرنا أبو بكر الحافظ، أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب قال:
سألت الدارقطنيّ عن محمد بن الحَسَن فَقَالَ: قال يحيى بن معين: كذاب.
وقال فيه أَحْمَد نحو هذا. وعندي لا يستحق التُّرْكُ [5] .
وقال علي بن المديني: محمد بن الحسن صَدُوق [6] .
توفي محمد بن الحسن بالري في صحبة الرشيد سنة تسع وثمانين ومائة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
قال أبو عمر الزاهد: سمعت أحمد بن يحيى يَقُولُ: توفي الكسائي ومحمد بن الحسن في يوم واحد، فقال الرشيد: دفنت اليوم اللغة والفقه [7] .
قال أبو عبد الله محمد بن يوسف بن درست: مات محمد بن الحسن والكسائي
__________
[1] تاريخ بغداد 2/ 177.
[2] تاريخ بغداد 2/ 179.
[3] تاريخ بغداد 2/ 179.
[4] تاريخ بغداد 2/ 179.
[5] تاريخ بغداد 2/ 181.
[6] تاريخ بغداد 2/ 181.
[7] تاريخ بغداد 2/ 181.(9/175)
في يوم واحد، ومات معروف الكرخي في يوم واحد وأبو نواس، ومات ابن دريد وأبو هاشم بن علي الجبائي في يوم واحد، ومات الشبلي، وعلي بن عيسى الوزير في يوم واحد، ودفنا جميعا بالخيزرانية [1] ومات محمد بن داود الأصفهاني ويوسف بن يعقوب القاضي في يوم واحد، ومات القاضيان أبو حسان الزيادي- وكان على قضاء الشرقية- والحسن بن الجعد-/ وكان على مدينة المنصور- في يوم واحد، ومات أبو العتاهية والعباس بن الأحنف وإبراهيم الموصلي في يوم واحد.
1034- يحيى بن يمان، أبو زكريا العجلي
[2] .
كوفي، سَمِعَ الثَّورِي، وروى عَنْه: يحيى بن مَعِين، والحسن بن عرفة، وكان صالحا صدوقا، كثير الحفظ، لكنه نسي فصار يغلط.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا علي بن محمد بن محمد الْمُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا الحسن بن عُمَر قَالَ: سمعت بشرا يَقُولُ: كنت جالسا بين يدي يحيى بن يمان. قَالَ: فكنت أعجب من ثيابه، وكان يعجب من ثيابي، وذكر كثرة رقاع في جبة يحيى بن يمان. قال بِشْرِ: فمر إنسان عليه بزة فَقَالَ:
ثيابك أحسن من ثيابي. قال بشر: أراد أن يقويني [3] .
توفي يحيى بن يمان في هذه السنة. وقيل: في سنة ثمان، وكان قد فلج.
__________
[1] في الأصل: «الخيزرلية» .
[2] تاريخ بغداد 14/ 120.
[3] تاريخ بغداد 14/ 121.(9/176)
ثم دخلت سنة تسعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
خروج رافع بن الليث بن نصر بن سيار بسمرقند مخالفا لهارون، وخلعه إياه، ونزعه يده من طاعته [1] .
وكان سبب ذَلِكَ: أن يحيى بن الأشعث بن يحيى الطائي تزوّج بنتا لعمّه أبي النعمان، وكانت ذات يسار، فأقام بمدينة السلام وتركها بسمرقند، فلما طال مقامه بها، وبلغها أنه قد اتخذ أمهات أولاد، التمست سببا للتخلص منه، وبلغ رافعا خبرها، فطمع فيها وفي مالها، فدس إليها من قال لها: إنه لا سبيل [لها] [2] إلى التخلص من صاحبها إلا أن/ تشرك باللَّه، وتحضر لذلك قوما عدولا، وتكشف شعرها بين أيديهم ثم تتوب، فتحل للأزواج، ففعلت ذَلِكَ وتزوجها رافع. وبلغ ذلك يحيى بن الأشعث، فرفع ذلك إلى الرشيد، فكتب إلى علي بن عيسى يأمره أن يفرق بينهما، وأن يجلد رافعا الحد، ويقيده ويطيف به في مدينة سمرقند مقيدا على حمار، حتى يكون عظة لمن يراه، فدرأ عنه سليمان بن حميد الحد، وحمله على حمار مقيّدا حتى طلقها، ثم حبسه، فهرب من الحبس ليلا، فلحق بعلي بن عيسى ببلخ، فطلب الأمان فلم يجبه [علي إليه] [3] ، وهم بضرب عنقه، فكلمه فيه ابنه عيسى بن علي، فأذن له في الانصراف إلى سمرقند، فوثب بسليمان بن حميد عامل علي بن عيسى فقتله، فوجه علي بن عيسى ابنه، فمال
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 319. والكامل 5/ 341. والبداية والنهاية 10/ 203. وتاريخ الموصل ص 308.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وما أضفناه من الطبري.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من الطبري.(9/177)
الناس إلى سباع بن مسعدة، فرأسوه عليهم، فوثب على رافع فقيده، فوثب بسباع، فقيدوه ورأسوا رافعا وبايعوه [1] ، وطابقه [2] من وراء النهر، ووافاه عيسى بن علي، [فلقيه رافع فهزمه، فأخذ علي بن] [3] عيسى في فرض الرجال، والتأهب للحرب [4] .
وفي هذه السنة: قدم الرشيد من الري، فأتى الرقة، فبدأ بأم جعفر فظل عندها، وأمر لها من الغد بستة آلاف ألف درهم [5] ، وتخوت من الوشي، وسلال من الزعفران، وطرائف مما أهداه إِلَيْهِ علي بن عيسى بن ماهان.
أخبرنا محمد بن ناصر، أخبرنا أبو الغنائم بن الرسي، أخبرنا/ الشريف أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّدً بْن علي العلوي وأبو الفرج محمد بن أحمد بن علان الشاهد قالا:
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عبد الله النهرواني قال: حدثني محمد بن الحسن السكونيّ، حدثنا أبو الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي قَالَ: حدثني الزبير بْن بكار قَالَ:
حدثني عمي مصعب بْن عَبْد الله قَالَ: كان عبيد الله بن ظبيان قاضي الرقة، وكان الرشيد إذ ذاك بها، فجاء إِلَيْهِ رجل، فاستعدى إليه من عيسى بن جعفر، فكتب إليه ابن ظبيان [6] :
أما بعد، أبقى الله الأمير وحفظه وأتم نعمه عَلَيْهِ، أتاني رجل فذكر أنه فلان بن فلان، وأن له على الأمير أبقاه الله خمسمائة ألف درهم، فإن رأى الأمير أبقاه الله أن يحضر هو مجلس الحَكَم، أو يوكل وكيلا يناظر خصمه فعل.
ودفع الكتاب إلى الرجل، فأتى باب عيسى فدفع الكتاب إلى حاجبه، فأوصله إليه، فقال له: قل له: كل هذا الكتاب. فرجع إلى القاضي فأخبره، فكتب إليه: أبقاك الله وحفظك، وأمتع بك، حضر رجل يقال له فلان بن فلان، ذكر أن له عليك خمسمائة
__________
[1] في الأصل: «فقيدوه وبايعوه» .
[2] في الأصل: «وطائفة» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 8/ 320.
[5] في الأصل: «ألف هم» .
[6] في الأصل: «طبيان» .(9/178)
ألف درهم، فصر معه إلى مجلس الحكم أو وكيلك إن شاء الله.
ووجه الكتاب مع عونين من أعوانه، فحضرا باب عيسى، ودفعا الكتاب إليه، فغضب ورمى بِهِ، فانطلقا فأخبراه، فكتب إليه: حفظك الله وأبقاك، وأمتع بك، لا بد أن تصير أنت وخصمك إلى مجلس الحَكَم، فإن أبيت أنهيت أمرك إلى أمير المؤمنين.
ثم وجه الكتاب/ مع رجلين من أصحابه، فقعدا على باب عيسى حتى خرج، فقاما إليه ودفعا إليه كتاب القاضي، فلم يقرأه، ورمى بِهِ، فأبلغاه فختم قمطره وانصرف، وقعد في بيته، وبلغ الخبر إلى الرشيد، فدعاه فسأله عن أمره، فأخبره بالقصة حرفا حرفا، فقال لإبراهيم بْن عثمان: صر إلى باب عيسى بن جعفر واختم أبوابه كلها، ولا يخرجن أحد منها، ولا يدخل إليه أحد، حتى يخرج إلى الرجل حقه، أو يصير معه إلى مجلس الحَكَم.
فأحاط إبراهيم بداره خمسين فارسا، وغلقت أبوابه، فظن ابن عيسى أنه قد حدث بالرشيد أمر في قتله، ولم يعلم ما سبب ذلك، وجعل يكلم الأعوان من خلف الباب، وارتفع الصياح من منزله بصراخ النساء، فأمرهن أن يسكتن، وقال لبعض غلمان إبراهيم: ادع لي أبا إسحاق لأكلمه، فأعلموه ما قَالَ، فجاء حتى صار إلى الباب فقال له عيسى: ما حالنا؟ فأخبره بخبر ابن ظبيان، فأمر أن يحضر خمسمائة ألف درهم من ساعته [1] ، وتدفع إلى الرجل، فجاء إبراهيم إلى الرشيد فأخبره، فَقَالَ: إذا قبض الرجل ماله أفتح عليه أبوابه.
وفي هذه السنة: غزا الرشيد الصائفة- وهي بلاد الروم- في رجب، واستخلف المأمون بالرقة، وفوض إليه الأمور، وكتب إلى الآفاق بالسمع والطاعة، ودفع إليه خاتم المنصور يتيمّن به، وهو خاتم الخاصة، / ونقشه: «الله ثقتي آمنت بِهِ» [2] .
وفيها: أسلم الفضل بن سهل على يد المأمون [3] .
__________
[1] في الأصل: «من ساعة» .
[2] تاريخ الطبري 8/ 320. والكامل 5/ 343. وتاريخ الموصل ص 308.
[3] تاريخ الطبري 8/ 320. وتاريخ الموصل ص 308.(9/179)
وفيها: خرجت الروم إلى عين [1] زربة، وكنيسة السوداء، فأغارت وأسرت، فاستنقذ أهل المصيصة ما أخذوا [2] .
وفيها: فتح الرشيد هرقلة [3] .
وكان من خبر غزاة الرشيد أن الروم كانوا ملكوا امرأة لم يكن بقي في زمانها من أهل المملكة غيرها، فكانت تكتب إلى المهدي والهادي والرشيد بالتبجيل والتعظيم، وتهدي لهم، حتى بلغ ابنها، فجاءه الملك دونها، وعاث وأفسد، وتغير على الرشيد، فخافت على ملك الروم أن يذهب، لعلمها بسطوة الرشيد، فسملت عيني ابنها، فبطل ملكه، وعاد إليها، فعظم ذلك عند أهل مملكتها وأبغضوها، فخرج عليها نقفور- وكان كاتبها- فأعانوه وعضدوه، وقام بأمر الملك، وكتب إلى الرشيد:
من نقفور ملك الروم إلى الرشيد ملك العرب، أما بعد: فإن هذه المرأة كانت وضعتك وأباك وأخاك موضع الملوك، وإني واضعك بغير ذلك الموضع، وعامل على تطرق بلادك، والهجوم/ على أمصارك، أو تؤدي إلي ما كانت المرأة تؤدي إليك، والسلام.
فلما ورد الكتاب على الرشيد كتب جواب كتابه يَقُولُ:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله هارون أمير المؤمنين إلى نقفور [4] كلب الروم، جوابك عندي ما تراه عيانا، لا ما تسمعه.
وقد ذكرنا أنهم تكاتبوا نحو هذا في سنة سبع وثمانين، فشخص الرشيد إلى بلاد الروم في مائة ألف وخمسة وثلاثين ألفا من المرتزقة سوى الأتباع، فدخل بلاد الروم، فجعل يقتل ويسبي ويغنم ويعفي الآثار ويخرب الحصون، حتى نزل على هرقلة، وهي أوثق حصن وأمنعه، فتحصن أهلها، وكان لها خندق يطيف [5] بها، فلما ألح عليهم
__________
[1] في الأصل: «عير» .
[2] تاريخ الطبري 8/ 320. والكامل 5/ 343. وتاريخ الموصل ص 308.
[3] تاريخ الطبري 8/ 320- 322. والكامل 5/ 341، 342. والبداية والنهاية 10/ 203.
[4] في الأصل: «تقفور» وهي كذلك في بعض المراجع.
[5] في الأصل: «يطف» .(9/180)
الرشيد بالسهام والمجانيق والعرادات، ففتح الباب يوما رجل منهم وخرج في أكمل زي وسلاح، فنادى: هل من مبارز؟ قد طالت مرافقتكم إيانا، فليبرز [1] إلي منكم رجلان، ثم لم يزل يزيد حتى بلغ عشرين، فلم يجبه أحد، فدخل وأغلق الباب، وكان الرشيد نائما، فلم يعلم بخبره إلا بعد انتباهه، فغضب ولام خدمه إذ لم يعلموه/ فقيل لَهُ: إن الامتناع عَنْه سيغريه [2] ويطغيه، وهو يخرج في غد فيطلب مثل ما طلب، فطالت على الرشيد ليلته انتظارا لَهُ، فإذا هو بالباب قد فتح، وخرج طالبا للبراز، فجعل يدعي أنه يثبت لعشرين، فقال الرشيد: من له؟ فابتدر جماعة من القواد كهزيمة وخزيمة، فعزم على إخراج المطوعة بعضهم، فضج المطوعة، فإذا بعشرين منهم، فقال قائلهم: يا أمير المؤمنين، قوادك مشهورون بالبأس، ومتى خرج واحد منهم فقتل هذا العلج لم يكبر ذَلِكَ، وإن قتله العلج كانت وصمة على العسكر قبيحة، ونحن عامة لا يرتفع لأحد منا صوت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يخلينا نختار رجلا من العامة فنخرجه إِلَيْهِ، فإن ظفر علم أهل الحصن أن أمير المؤمنين ظفر بأعرفهم على يد رجل من العامة، ليس ممن يؤمن قتله، ولا يؤثر، وإن قتل الرجل كان شهيدا ولم يؤثر دما. فقال الرشيد: قد استصوبت رأيكم، فاختاروا رجلا منكم، فاختاروا [3] رجلا يقال له: ابن الجزري، وكان معروفا بالبأس والنجدة، فقال له الرشيد: أتخرج؟ قَالَ: نعم، واستعين باللَّه.
فَقَالَ: اعطوه فرسا ورمحا وسيفا وترسا. فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، أنا بفرسي أوثق، ورمحي بيدي أشد، ولكن قد قبلت السيف والترس فلبس سلاحه واستدناه الرشيد وودعه وأتبعه الدعاء، وخرج معه عشرون من المطوعة، فلما انقض [4] في الوادي قال لهم العلج وهو يعدهم واحدا واحدا، / إنما الشرط عشرون وقد زدتم رجلا، ولكن لا بأس. فنادوه: ليس يخرج إليك إلا رجل واحد. فلما فصل منهم ابن الجزري تلقاه الرجل الرومي وقد أشرف أكثر [5] الناس من الحصن يتأملون صاحبهم والقرن، حتى
__________
[1] في الأصل: «فليبزز» .
[2] في الأصل: «سيغربه» .
[3] في الأصل: «فاحتاروا» .
[4] في الأصل: «انقص» .
[5] في الأصل: «أكنر» .(9/181)
ظن أنه لم يبق أحد في الحصن إلا أشرف، فقال الرومي: أتصدقني عما استخبرك؟
قَالَ: نعم، قَالَ: أنت باللَّه ابن الجزري، قَالَ: اللَّهمّ نعم. فكفر لَهُ، ثم أخذا في شأنهما فاطعنا حتى طال الأمر بينهما، وكان الفرسان يقومان ولم نجد من واحد منهما صاحبه، ثم تجالدا بالسيوف، وجعل ابن الجزري يضرب الضربة التي يرى أنه قد بلغ فيها، فيتقيها الرومي، وكان ترسه حديدا، فيسمع لذلك صوت منكر، ويضربه الرومي ضرب مغدر، لأن ترس ابن الجزري كان درقة، فلما يئس كل واحد منهما من صاحبه انهزم ابن الجزري، فدخلت المسلمين كآبة لم يكتئبوا مثلها قط، وعطعط المشركون، ثم اتبعه العلج، فالتفت [1] ابن الجزري، فرمى العلج بوهق فوقع في عنقه، وركض إليه فاستلبه عن فرسه، ثم عطف عَلَيْهِ، فما وصل إلى الأرض حتى فارقه رأسه، فكبر المسلمون وانخذل المشركون، وبادروا الباب يغلقونه. وإنما كانت هزيمة ابن الجزري حيلة منه.
واتصل الخبر بالرشيد فقال للقواد: اجعلوا النار في المجانيق، فتهافت السور، ففتحوا الباب مستأمنين، وصبت الأموال على ابن الجزري/ وقود، فلم يقبل النقود، وسأل أن يعفى ويترك بمكانه من الثغر، فلم يزل به طول عمره.
وكان فتح هرقلة في شوال، وأخربها وسبى من أهلها ستة عشر ألفا، فأقدمهم الرافقة، فتولى بيعهم أبو البختري القاضي.
ووجه الرشيد داود بن عيسى بن موسى سائحا في أرض الرقة في سبعين ألفا.
وافتتح شراحيل [2] بن معن بن زائدة حصن الصقالبة وديسة [3] .
وافتتح يزيد بن مخلد الصّفصاف، ومقلونية [4] .
وولي حميد بن معيوف ساحل بحر الشام إلى مصر، فبلغ حميد قبرس، فهدم
__________
[1] في الأصل: «فالتف» .
[2] في الأصل: «شراحبل» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 320.
[4] تاريخ الطبري 8/ 320.(9/182)
وحرق وسبى من أهلها ستة عشر ألفا، وأقدمهم الرافقة، فتولى بيعهم أبو البختري القاضي [1] .
وبعث نقفور بالخراج والجزية عن رأسه، وولي عهده وبطارقته وسائر أهل بلده خمسين ألف دينار، منها عن رأسه أربعة دنانير، وعن رأس ولده دينارين [2] .
وكتب نقفور مع بطريقين من عظماء بطارقته في جارية من سبي هرقلة كتابا نسخته:
لعبد الله هارون أمير المؤمنين، من نقفور ملك الروم، سلام عليك، أما بعد: أيها الملك، إنّ لي حاجة لا تضرك في دينك ولا دنياك، هينة [3] يسيرة، [أن] [4] تهب لابني جارية من بنات أهل هرقلة كنت خطبتها على ابني، فإن رأيت أن تسعفني في حاجتي [فعلت] [5] . والسلام عليك ورحمة الله وبركاته [6] .
واستهداه أيضا طيبا وسرادقا، فأمر الرشيد بطلب الجارية، فأحضرت وزينت وأجلست عَلَى فراش في مضربه الذي كان نازلا فيه، وسلمت الجارية والمضرب بما فيه من الآنية والمتاع إلى رسول نقفور، وبعث إليه بما سأل/ من العطر، وبعث إليه من التمور [7] والزبيب والأخبصة [8] والترياق، فسلم ذلك إليه رسول الرشيد، فأعطاه نقفور وقر برذون دراهم كَانَ مبلغه خمسين ألف درهم، ومائة ثوب ديباج، ومائتي ثوب بزيون [9] ، واثني عشر بازيا [10] ، وأربعة أكلب من كلاب الصّيد [11] ، وثلاث براذين،
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 320.
[2] تاريخ الطبري 8/ 321.
[3] في الأصل: «هنية» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ الطبري.
[6] تاريخ الطبري 8/ 321.
[7] في الأصل: «الثمور» .
[8] في الأصل: «الأخصبة» .
[9] البزيون: ضرب من نسيج البز أو من رقيق الديباج، مركب من: «بز» ومن: «يون» . أي يشبه البز.
(الألفاظ الفارسية لأدي شير 22) .
[10] في الأصل: «بارا» .
[11] في الأصل: «السند» .(9/183)
وكان نقفور اشترط ألا يخرب [1] ذا الكلاع، ولا حمله، ولا حصن سنان، واشترط الرشيد عليه ألا يعمر هرقله، وعلى أن يحمل نقفور ثلاثمائة ألف دينار، فقال أبو العتاهية في ذلك:
إمام الهدى أصبحت بالدين معنيا ... وأصبحت تسقي كل مستمطر ريا
لك اسمان شقا من رشاد ومن هدى ... فأنت الذي تدعى رشيدا [و] مهديّا
إذا ما سخطت الشيء كان مسخطا ... وإن ترض شيئا [كان] [2] في الناس مرضيا
بسطت لنا شرقا وغربا يد العلا ... فأوسعت شرقيا وأوسعت غربيا
ووشيت وجه الأرض بالجود والندى ... فأصبح وجه الأرض بالجود بالجود موشيا
وأنت أمير المؤمنين فتى التقى ... نشرت من الإحسان ما كان مطويا
تحليت للدنيا وللدين بالرضا ... فأصبح نقفور لهارون ذميا
وفيها: خرج خارجي من عبد القيس يقال لَهُ سيف بن بكر، فوجه إليه الرشيد محمد بن يزيد بن مزيد فقتله بعين النورة [3] .
وفيها: نقض أهل قبرس العهد، فغزاهم معيوف وسبى أهلها [4] .
وفيها: حج بالناس عيسى بن موسى الهادي [5] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1035- أسد بن عمرو بن عامر، أبو المنذر البجلي الكوفي، صاحب أبي حنيفة
[6] .
تفقه وسمع من حجاج بن أرطأة، روى عَنْه: أحمد بن حنبل وغيره. كان قد ولي
__________
[1] في الأصل: «ألا يجوز» .
[2] ما بين المعقوفين ساقط من الديوان.
[3] في الأصل: «النويرة» .
انظر: تاريخ الطبري 8/ 322. والكامل 5/ 342، والبداية والنهاية 10/ 203 وتاريخ الموصل ص 309، وفيه: «عين البقرة» وهو موضع بالقرب من عكا (معجم البلدان 6/ 253) .
[4] تاريخ الطبري 8/ 322 وتاريخ الموصل ص 310.
[5] تاريخ الطبري 8/ 322 والكامل 5/ وتاريخ الموصل ص 310 والبداية والنهاية 10/ 203.
[6] تاريخ بغداد 7/ 16- 19. والبداية والنهاية 10/ 203.(9/184)
القضاء ببغداد وبواسط، فأنكر من بصره شيئا، فرد القمطر واعتزل عن القضاء. وثقه يحيى، وقَالَ أحمد: كان صدوقا. وضعفه علي، والبخاري، وتوفي في هذه السنة.
1036- حكام بن سلم [1] الكناني الرازي، أبو عبد الرَّحْمَن
[2] .
سمع من إسماعيل بن خَالِد، والزبير بن عدي، وحميد الطويل، والثَّورِي. روى عَنْه: يحيى بْن معين، وأبو معمر الهذلي. وكان ثقة.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، أخبرنا الحسن بْن أبي بكر، أَخْبَرَنَا محمد بْن أحمد الصواف، / حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثنا أبو مَعْمَر قَالَ:
حدثنا حكام الرازي، حدثنا جراح الكنْدِي، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لقد رأيت ثلاثمائة من أهل بدر، ما فيهم [3] أحد إلا وهو يحب أن يكفيه صاحبه الفتوى [4] .
توفي حكام بمكة في هذه السنة قبل أن يحج.
1037- سعدون المجنون
[5] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأصفهاني، حدثنا عثمان بن محمد العثماني قَالَ: قرئ على أبي الحسن أحمد بن محمد بن عيسى وأنا حاضر قال: سمعت يوسف يَقُولُ: قال الفتح بن شخرف: كان سعدون صاحب محبة للَّه، صام ستين سنة حتى خف دماغه، فسماه الناس مجنونا لتردد قوله في المحبة، فغاب عنا زمانا، فبينا أنا قائم على حلقة ذي النون رأيت عليه جبة صوف، وعليها مكتوب: «لا تباع ولا تشترى» فسمع كلام ذي النون، فصرخ وأنشأ يَقُولُ:
ولا خير في شكوى إلى غير مشتكى ... ولا بد من شكوى إذا لم يكن صبر
__________
[1] في الأصل: «حكام بن سنان» والتصحيح من تهذيب الكمال، وكتب الرجال.
[2] تهذيب الكمال للمزي 7/ 83. وتاريخ بغداد 8/ 281، 282.
[3] في تاريخ بغداد: «ما منهم» .
[4] تاريخ بغداد 8/ 281.
[5] البداية والنهاية 10/ 203، 204.(9/185)
أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن خيرون، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا رضوان بْن محمد بن الدينَوَريّ، حدثنا أحمد بن علي بن لال، حدثنا مكي بن بندار الزنجاني [1] ، حدّثنا أبو علي الحسين بن عبد الله البلاذري، حدثنا عبد العزيز بن قُرَّةَ قال: قال الأصمعي: مررت بسعدون فإذا هو جالس/ عند رأس شيخ سكران يذب عنه. فقلت: سعدون، ما لي أراك جالسا عند رأس هذا الشَّيْخ. فَقَالَ: إنه مجنون، فقلت لَهُ: أنت المجنون أو هُوَ؟ قال: لا بل هو. قلت: من أين قلت ذَلِكَ؟ قَالَ: لأني صليت الظهر والعصر جماعة وهو لم يصل جماعة ولا فرادى. قُلْتُ: فهل قلت في ذلك شيئا؟ فَقَالَ:
تركت النبيذ لأهل النبيذ ... وأصبحت أشرب ماء قراحا
لأن النبيذ يذل العزيز ... ويكسو [سواد] [2] الوجوه الصباحا
فإن كان ذا جائزا للشباب ... فما العذر فيه إذا الشيب لاحا
فقلت لَهُ: صدقت. وانصرفت [3] .
1038- عبد الله بن عمر بن غانم، أبو عبد الرحمن الرعيني
[4] .
ولد سنة ثمان وعشرين ومائة، ورحل في طلب العلم. وروى عَن مالك وغيره.
وهو أحد الثقات الأثبات. ولي القضاء بإفريقية، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
1039- عبد الواحد بن واصل، أبو عبيدة الحداد، مولى سدوس
[5] .
سَمِعَ سعيد بن أبي عروبة، وشُعْبة، وهو بَصْرِيّ سكن بغداد وحدث بها، فروى عَنْه أَحْمَد وغيره، ويحيى، وأبو خيثمة، وكان ثقة/ من المثبتين.
توفي في هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «الريحاني» .
[2] في الأصل: [بذاك] والتصحيح من البداية والنهاية وبه يستقيم المعنى.
[3] البداية والنهاية 10/ 204.
[4] الجرح والتعديل 5/ ترجمة 503. والمجروحين لابن حبان 2/ 39. والأنساب للسمعاني 1/ 327.
والكاشف 2903. والمعنى 3278. وتهذيب التهذيب 5/ 331، 332. وتهذيب الكمال ترجمة 3443.
[5] تاريخ بغداد 11/ 3. وتهذيب التهذيب 6/ 440. والتاريخ الكبير 6/ 61. والجرح والتعديل 6/ 24.
والتقريب 1/ 526.(9/186)
1040- عبيدة بن حميد بن صُهَيْبَ، أبو عبد الرحمن التيمي
[1] .
ولد سنة سبع ومائة، وسمع منصور بن المعتمر، والأعمش. وروى عنه:
أحمد بن حنبل، وكان كوفيا، فسكن بغداد إلى أن توفي بها في هذه السنة. وكان مؤدبا للأمين، وكان أحمد يثني عَلَيْهِ.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني الأزهري، حدثنا محمد بن العباس، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، أخبرنا محمد بن سعد قَالَ: عُبَيْدة بن حُمَيْد كان ثقة صالحا، صالح الحديث، صاحب نحو وعربية، وقراءة للقرآن، وكان من أهل الكوفة، فقدم بغداد أيام هارون الرشيد، فصيره مع ابنه محمد، فلم يزل معه حتى مات [2] .
1041- عطاء بن مسلم، أبو مخلد الخفاف الحلبي
قدم بغداد وحدث عن الأعمش. [3] قال يحيى [4] ، وأبو دَاوُد: كان ثقة.
حدثنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا أبو حازم عمر بن أحمد بن إبراهيم العبدوي [5] ، أخبرنا محمد بن أحمد الغطريف العبدي، حدثنا محمد بن مَخْلَد، حدثنا محمد بن الحسن بن نافع، حدّثنا محمد بن أبي سكينة قَالَ: دخلت على عطاء بن مسلم أعوده، فما لبثت أن قمت، فَقَالَ: جزاك الله خيرا من عائد، لكن عيسى بن صالح لا جزاه الله خيرا، عادني فما برح حتى بلت في ثيابي [6] .
توفي عطاء في رمضان/ هذه السنة.
__________
[1] تاريخ بغداد 11/ 120.
[2] تاريخ بغداد 11/ 122، 123.
[3] تاريخ بغداد 12/ 294، 295.
[4] «قال يحيى» تكررت في الأصل.
[5] في الأصل: «العبديّ» .
[6] تاريخ بغداد 12/ 295.(9/187)
1042- يحيى بْن خالد بْن برمك، أَبُو عليّ
[1] .
كان المهدي قد ضم إليه هارون الرشيد وجعله في حجره، فلما استخلف هارون عرف ليحيى حقه، وكان يعظمه، وإذا ذكره يَقُولُ: قال أَبِي. وجعل إصدار الأمور وإيرادها إليه، إلى أن نكب البرامكة، فغضب عليه، وخلده في الحبس إلى أن مات فيه.
وكان له الكلام الحسن، والكرم الواسع، فمن كلامه: حاجب الرجل عامله على عرضه.
وقَالَ: من بلغ رتبة تاه بها أخبر أن محله دونها.
وقَالَ: يدل على كرم الرجل سودان غلمانه.
وقَالَ لابنه: خذ من كل طرفا، فإن من جهل شيئا عاداه.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، أخبرنا الحسن بن محمد الخلال، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ، أَخْبَرَنَا أبو بكر محمد بن يحيى النديم قال:
قال يحيى بن خالد: ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها: الهدية، والكتاب، والرسول.
وكان يقول لولده: اكتبوا أحسن ما تسمعون، واحفظوا أحسن ما تكتبون، وتحدثوا بأحسن ما تحفظون [2] .
قال ابن عمران: وحدثنا أبو عبد الله الحكيم قَالَ: حدثني ميمون بن هارون قال:
حدّثني علي بن عيسى قَالَ: كان يحيى بن خَالِد يَقُولُ: إذا أقبلت الدنيا فأنفق فإنها لا تفنى، وإذا أدبرت فأنفق فإنها لا تبقى [3] .
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد القزاز، أخبرنا أبو سعيد السيرافي، حدثنا محمد بن أبي الأزهر، حدثنا الزبير بن بكار/ قال:
سمعت إسحاق بن إبْرَاهِيم يَقُولُ: كانت صلات يحيى بن خالد إذا ركب لمن تعرض له
__________
[1] تاريخ بغداد 14/ 128- 132. والبداية والنهاية 10/ 204- 206. ووفيات الأعيان 2/ 243. ومروج الذهب 2/ 228. وإرشاد الأريب 7/ 272.
[2] تاريخ بغداد 14/ 131.
[3] تاريخ بغداد 14/ 131.(9/188)
بمائتي درهم، فركب ذات يوم، فعرض له أديب شاعر فَقَالَ:
يا سمي الحصور يحيى أتيحت ... لك من فضل ربنا جنتان
كل من مر في الطريق عليكم ... فله من نوالكم مائتان
مائتا درهم لمثلي قليل ... هي منكم للقابس [1] العجلان
قال يحيى: صدقت. وأمر بحمله إلى داره، فلما رجع من دار الخليفة سأله عن حاله، فذكر أنه تزوج، وأخذ بواحدة من ثلاث، إما أن تؤدي المهر وهو أربعة آلاف درهم، وإما أن يطلق، وإما أن يقيم جاريا [للمرأة] [2] ما يكفيها إلى أن يتهيأ له نقلها، فأمر له يحيى بأربعة آلاف للمهر، وأربعة آلاف لثمن منزل، وأربعة آلاف لما يحتاج إليه [المنزل] [3] وأربعة آلاف للبنية، وأربعة آلاف يستظهر بها، فأخذ عشرين ألف درهم [4] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي الحافظ، أخبرنا أحمد بن عُمَر النهرواني، أخبرنا المعافى، حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج، حدثنا حسين بن فهم قَالَ: قال ابن الموصلي: حدثني أَبِي [قال:] أتيت يحيى بن خالد بن برمك، فشكوت إليه ضيقة، فَقَالَ: ويحك! ما أصنع بك؟ ليس عندنا في هذا الوقت شيء، ولكن ها هنا أمر أدلك عليه، فكن فيه رجلا، قد جاءني خليفة صاحب مصر يسألني أن أستهدي صاحبه شيئا، وقد أبيت ذلك، فألح عليّ وقد بلغني/ أنك أعطيت بجاريتك فلانة آلاف دنانير، فهو ذا أستهديه إياها وأخبره [5] أنها قد أعجبتني، فإياك أن تنقصها من ثلاثين ألف دينار، وانظر كيف يكون. قَالَ: فو الله ما شعرت إلا بالرجل قد وافاني فساومني بالجارية. فقلت: لا أنقصها من ثلاثين ألف دينار، فلم يزل يساومني حتى بذل لي عشرين ألف دينار، فلما سمعتها ضعف قلبي عن ردها، فبعتها وقبضت
__________
[1] في الأصل: «للعانس» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ بغداد.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ بغداد.
[4] تاريخ بغداد 14/ 130.
[5] في الأصل: «أجبره» .(9/189)
العشرين ألفا، وصرت إلى يحيى بن خَالِد، فقال لي: كيف صنعت في بيع جاريتك؟
فأخبرته وقلت: والله ما ملكت نفسي أن أجبت إلى العشرين ألفا حين سمعتها. فَقَالَ:
إنك لخسيس، وهذا خليفة فارس قد جاءني في مثل هذا، فخذ جاريتك، فإذا ساومك بها [1] فلا تنقصها من خمسين ألف دينار، فإنه لا بد أن يشتريها منك بذلك.
قال: فجاءني الرجل فأسمت عليه خمسين ألف دينار، فلم يزل يساومني حتى أعطاني ثلاثين ألف دينار، فضعف قلبي عن ردها، ولم أصدق بها، فأوجبتها له بها، ثم صرت إلى يحيى بْن خَالِد، فقال لي: بكم بعت الجارية؟ فأخبرته، فَقَالَ: ويحك! أما تؤدبك الأولى عن الثانية. قلت: والله ضعف قلبي عن رد شيء، لم أطمع فيه. فَقَالَ:
هذه جاريتك فخذها إليك. قَالَ: جارية أفدت بها خمسين ألف دينار، ثم أملكها، أشهدك أنها حرة، وأني قد تزوجتها [2] .
أَخْبَرَنَا [أَبُو] [3] مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت الخطيب: وبلغنا أن الرشيد بعث صالحا صاحب المصلى إلى منصور بن زياد يقول لَهُ: قد وجب عليك/ عشرة آلاف درهم، فاحملها إلي اليوم، فإن فعل إلى ما قبل غروب الشمس، وإلا فخذ رأسه، وائتني به، ولا تراجعني. قَالَ صالح: فخرجت إلى منصور فعرفته، فقال: ذهبت والله نفسي، والله ما أتمكن من ثلاثمائة ألف درهم فضلا [عن] عشرة آلاف ألف. قال له صالح:
خذ فيما هو أعود عليك من هذا القول. فَقَالَ لَهُ: تحملني إلى أهلي حتى أوصي. فلما دخل إليهم ارتفع صياح الحريم [4] والجواري، فَقَالَ لصالح: امض بنا إلى يحيى بن خالد، لعل الله أن يأتي بالفرج على يده. فمضى معه، فدخل على يحيى وهو يبكي فَقَالَ: ما لك؟ فقص عليه القصة، فأطرق متفكرا ثم دعى جارية فَقَالَ: كم عندك من المال؟
قالت: خمسة آلاف ألف درهم. فقال: أعديها. ثم وجه إلى الفضل فقال لَهُ: يا بني، كنت عرفتني أنك تريد أن تشتري ضيعة بألفي ألف درهم، وقد وجدت لك ضيعة تغل
__________
[1] في الأصل: «ساومكها» .
[2] تاريخ بغداد 14/ 130، 131.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «الحرم» .(9/190)
السكر، وتبقى الدهر فأنفذها إلي. فأنفذها وأرسل إلى جعفر، فَقَالَ: يا بني أبعث إلي بألف ألف درهم لحق لزمني. فبعث إِلَيْهِ، ففكر ساعة ثم قال لخادم على رأسه: ابعث إلى دنانير وقل لها هات العقد الذي وهبه لك أمير المؤمنين فأهديه. فَقَالَ: هذا عقد أمير المؤمنين بمائة وعشرين ألف دينار. فوهبه لدنانير، وقد قومناه عليك بألفي ألف درهم ليتم المال، فخل عن صاحبنا. فأخذت ذلك، ورددت منصورا معي، فلما صرنا إلى الباب تمثل منصور:
فما بقيا علي تركتماني ... ولكن خفتما صرد النبال
/ قال صالح: فقلت في نفسي ما أحد أكرم من يحيى، ولا أردأ طبعا من هذا النبطي، إذ لم يشكر من أحيا نفسه. وصرت إلى الرشيد فعرفته ما جرى إلا إنشاد [1] البيت، خوفا عليه أن يقتله. فقال الرشيد: قد علمت أنه لا يسلم إلا بأهل هذا البيت، فاقبض المال، واردد العقد، فما كنت لأهب هبة ثم أرتجعها.
قال صالح: وحملني غيظي من منصور أن عرفت يحيى ما أنشد، فأقبل يحيى يتحمل له بالغدر ويقول: إن الخائف لا يتقى [2] له لب، وربما نطق بما لا يعتقد، فقلت: والله لا أدري من أي فعليك أعجب، من فعلك معه، أو من اعتذارك عنه، لكني أعلم أن الزمان لا يأتي بمثلك أبدا.
وكان يحيى بن خالد يجري على سفيان بن عيينة كل شهر ألف درهم، فسمع سفيان يقول في سجوده: اللَّهمّ إن يحيى كفاني أمر دنياي فاكفه بهم آخرته. فلما مات يحيى رآه بعض إخوانه في النوم، فقال لَهُ: ما فعل الله بك. قَالَ: غفر لي بدعوة سُفْيان.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا أحمد بن أبي جعفر الأخرم، أخبرنا أبو علي عيسى بن محمد بن أحمد الطوماري، حدثنا المبرد قال: حدثني محمد بن جعفر بن يحيى بْن خالد بن برمك قال: قال أبي لأبيه: يحيى بن خالد بن [3] برمك- وهم في القيود ولبس الصوف والحبس-: يا أبت، بعد الأمر والنهي والأموال العظيمة
__________
[1] في الأصل: «إنساد» .
[2] في الأصل: «لا يتفى» .
[3] في الأصل: «أظنه محمد بن الفضل بن يحيى»(9/191)
أصارنا الدهر إلى القيود ولبس الصوف والحبس؟ فقال له أبوه: يا بني، دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها، ثم أنشأ يَقُولُ:
/ رب قوم قد غدوا في نعمة ... زمنا والدهر ريان غدق
سكت الدهر زمانا عنهم ... ثم أبكاهم دما حين نطق
[1] توفي يحيى في حبس الرشيد بالرافقة لثلاث خلون من محرم هذه السنة وهو ابن سبعين، وصلى عليه ابنه الفضل، ودفن على شاطئ الفرات في ربض هرثمة، ووجد في جيبه رقعة حين مات، مكتوب فيها بخطه: «قد تقدم الخصم والمدعى عليه بالأثر، والقاضي هو الحكم العدل الّذي لا يجور ولا يحتاج إلى بينة» [2] .
فحملت الرقعة إلى الرشيد، فلم يزل يبكي يومه، وبقي أياما يتبين الأسى في وجهه.
__________
[1] تاريخ بغداد 14/ 131، 132.
[2] في الأصل: «بنيه» .(9/192)
ثم دخلت سنة إحدى وتسعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
خروج خارجي يقال له: ثروان بن سيف، وكان يتنقل في السواد، فوجه إليه طوق بن مالك فهزمه وجرحه، وقتل عامة أصحابه وهرب مجروحا [1] .
وفيها: خرج أبو النداء بالشام، فوجه الرشيد في طلبه يحيى بن معاذ، وعقد له على الشام [2] .
وفيها: ظفر حماد بهيصم اليماني [3] .
وفيها: غلظ أمر رافع بن الليث بسمرقند، وكتب إليه أهل نسف يعطونه الطاعة، ويسألونه أن يبعث إليهم/ من يعينهم على قتل عيسى بن علي، فوجه قائدا من قواده، فقتل عيسى بن علي في ذي القعدة [4] .
وفيها: غزا يزيد بن مخلد الهبيري أرض الروم في عشرة آلاف، فأخذ الروم عليه المضيق فقتلوه في خمسين من أصحابه، وسلم الباقون [5] .
وفيها: ولى الرشيد حمويه الخادم بريد خراسان، وولى غزو الصائفة هرثمة بن
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 323. والكامل 5/ 348. والبداية والنهاية: 10/ 206.
[2] تاريخ الطبري 8/ 323. والكامل 5/ 348. والبداية والنهاية: 10/ 206.
[3] تاريخ الطبري 8/ 323. والكامل 5/ 348.
[4] تاريخ الطبري 8/ 323. والكامل 5/ 348.
[5] تاريخ الطبري 8/ 323. والكامل 5/ 348. والبداية والنهاية: 10/ 206.(9/193)
أعين، وضم إليه ثلاثين ألفا من جند خراسان، ومعه مسرور الخادم، إليه النفقات وجميع الأمور [1] ، خلا الرئاسة، ومضى الرشيد إلى درب الحدث، فرتب هناك عبد الله بن مالك، ورتب سعيد بن سلم مقيما [بمرعش، فأغارت الروم عليها، وأصابوا من المسلمين وانصرفوا وسعيد بن سلم مقيم] [2] بها، وبعث محمد بن يزيد بن مزيد إلى طرطوس، وأقام الرشيد بدرب الحدث ثلاثة أيام من شهر رمضان، ثم انصرف إلى الرقة وأقام [3] .
وأمر الرشيد بهدم كنائس الثغور، وكتب إلى السندي بن شاهك يأمره بذلك، وبأخذ أهل الذمة من مدينة السلام بمخالفة هيئتهم هيئة المسلمين في لباسهم وركوبهم [4] .
وفيها: عزل الرشيد علي بن عيسى بن ماهان عن خراسان وولاها هرثمة، واستصفى أمواله فبلغت ثمانين ألف ألف [5] .
وفيها: وقع الثلج بمدينة السلام، وكان مقداره أربعة أصابع مفرجة [6] .
وفيها: حج بالناس الفضل بن العباس بن محمد بن علي، وكان والي مكة [7] .
ولم يكن للمسلمين بعد هذه السنة صائفة إلى سنة خمس عشرة ومائتين [8] .
__________
[1] في الأصل: «الأمر» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من الطبري.
[3] تاريخ الطبري 8/ 323، 324. والكامل 5/ 348. والبداية والنهاية: 10/ 206.
[4] تاريخ الطبري 8/ 324. والكامل 5/ 348. والبداية والنهاية 10/ 206.
[5] تاريخ الطبري 8/ 324. والبداية والنهاية: 10/ 206.
[6] تاريخ الطبري 8/ 323.
[7] تاريخ الطبري 8/ 337. والكامل 5/ 349. وتاريخ الموصل ص 312.
[8] تاريخ الطبري 8/ 323.(9/194)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1043- البختري بن محمد البختري، أبو صالح اللخمي المعدل
[1] .
حدث عن كامل بن طلحة. روى عنه: الطبراني. وقال الدارقطني: لا بأس بِهِ.
توفي في هذه السنة.
1044- خالد بن حيان، أبو يزيد الخراز الرَّقّي
[2] .
سمع جعفر بن برقان، وفرا بن سلمان. روى عنه: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وقَالَ: هُوَ ثقة. وكان شديد التحفظ في الضبط والتوقي، نزل الرقة فتوفي بها في ذي القعدة من هذه السنة.
1045- عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، أبو عمرو الهمداني الكوفي
[3] .
رأى جده أبا إسحاق، إلا أنه لم يسمع منه، وسمع إسماعيل بن أبي خالد، وهشام بن عروة، والأعمش، والأوزاعيّ، وشُعْبة، ومالك بن أنس، وابن إسحاق.
روى عنه: القعنبي، ويحيى بن معين، وعلي بن المَدِيني، وابن راهويه، وكان ثقة ثبتا، وانتقل عن الكوفة إلى بعض ثغور الشّام فسكنها.
قال أحمد بن حنبل: كنا نخبر أن عيسى كان سنة في الغزو، وسنة في الحج، وقد كان قدم بغداد، فأمر له بمال فلم يقبله.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، أخبرنا أحمد بن سليمان بن علي المقرئ، أخبرنا محمد بن أحمد بن فارس، أخبرنا علي بن حسين النديم، أخبرنا الحسين بن عمر الثقفي، حدثنا عبد الله بن سعيد الكنْدِي، حدثنا عمر بن أبي الرطيل، عن أبي بلال الأشعري، عن جعفر بن يحيى بن خَالِد قال: ما رأينا مثل عيسى بن يونس، أرسلنا إليه فأتانا بالرقة، فاعتل قبل أن يرجع، فقلنا لَهُ: يا أبا عمر، قد
__________
[1] تاريخ بغداد 7/ 133.
[2] تاريخ بغداد 8/ 295. والأنساب 5/ 65.
[3] تاريخ بغداد 11/ 152- 156. وتهذيب التهذيب 8/ 237. والتاريخ الكبير 6/ 406. والجرح والتعديل 6/ 291. وطبقات ابن سعد 7/ 488. والتقريب 2/ 103.(9/195)
أمر لك بعشرة آلاف. / [فَقَالَ: هيه] [1] . فقلت: هي خمسون ألفا. فقال لي: لا حاجة لي فيها. فقلت: ولم؟ أما والله [2] لا هنيتكها، هي والله مائة ألف. قَالَ: لا والله لا يتحدث أهل العلم أني أكلت للسنة ثمنا، ألا كان هذا قبل أن ترسلوا إليّ؟ فأما على الحديث فو الله لا شربة [3] ماء ولا إهليلجة!.
توفي في هذه السنة بالحدث. وقيل: في سنة إحدى وثمانين. وقيل: سبع وثمانين وقيل: ثمان وثمانين.
1046- مخلد بن الحسين، أبو مُحَمَّد
[4] .
كان من أهل البصرة، ونزل المصيصة، وتوفي بها في هذه السنة، وقد أسند عن هشام بن حسان.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أَخْبَرَنَا حمد بْن أَحْمَد، أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الأصفهاني، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، حدثنا أحمد بن الحسين الحداد، حدّثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا عبد الله بن عبد الله قَالَ: قال مخلد بن الحسين: ما تكلمت بكلمة أريد أن أعتذر عنها منذ خمسين سنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ بغداد.
[2] في الأصل: «لم أمر والله» .
[3] في تاريخ بغداد: «والله ولا شربة ماء» .
[4] تهذيب التهذيب 10/ 72، 73. والتاريخ الكبير 4/ 1/ 437.(9/196)
ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
شخوص هرثمة إلى خراسان واليا عليها، فأخذ علي بن عيسى وقيده، وأخذ ماله ومال أولاده وأصحابه، وأقامه للناس ليرد المظالم [1] .
وفيها: ولي ثابت بن نصر بن مالك الثغور، وغزا فافتتح مطمورة، وكان الفداء بين المسلمين والروم [2] .
وفيها: خرجت الخرمية في الجبل وناحية أذربيجان، فوجه إليهم عبد الله بن مالك بْن الهيثم الخزاعي، فأسر منهم وقتل وسبى ذراريهم، وقدم بهم بغداد فبيعوا، وكان قد/ غزاهم قبله خزيمة بن خازم [3] .
وفيها: وافى الرشيد من الرقة في السفن مدينة السلام، يريد الشخوص إلى خراسان لحرب رافع، وكان مصيره بغداد يوم الخميس لخمس خلون من ربيع الآخر، واستخلف بالرقة ابنه القاسم، وضم إليه خزيمة بن خازم، ثم شخص من مدينة السلام عشية الاثنين لخمس خلون من شعبان بعد صلاة العصر من الخيزرانية، فبات في بستان أبي جعفر، وسار من غد إلى النهروان، فعسكر هناك، وردّ حمّاد البربري إلى أعماله، واستخلف ابنه محمدا بمدينة السلام، وخرج وهو مريض [4] .
__________
[1] البداية والنهاية 10/ 206.
[2] تاريخ الطبري 8/ 340. والبداية والنهاية 10/ 206.
[3] البداية والنهاية: 10/ 207. وتاريخ الطبري 8/ 339.
[4] تاريخ الطبري 8/ 338. والكامل 5/ 350. والبداية والنهاية 10/ 207.(9/197)
وفيها: أمر الرشيد بنقض جامع المنصور وبنيانه.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، أخبرنا إبراهيم بن مخلد، أخبرنا إسماعيل بن علي الحبطي قَالَ: وهدم مسجد أبي جعفر، وزيد في نواحيه، وجدد بناؤه، وأحكم، وكان الابتداء فيه في سنة اثنتين وتسعين، والفراغ منه في سنة ثلاث وتسعين ومائة.
وفيها: قدم يحيى بن معاذ بأبي النداء [1] على الرشيد وهو بالرقة، فقتله وقتل الهيصم اليماني [2] .
وفيها: تحرك ثروان الحروي، وقتل عامل السلطان بطف البصرة [3] .
وفيها: حج بالناس الفضل بن العباس بن محمد بن علي، وكان والي مكَّةَ [4] .
وقيل: بل حج بهم الْعَبَّاس بن عبد الله بن جعفر بن المنصور.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأعيان
1047-/ إسماعيل بن جامع بن إسماعيل بن عبد الله بن المطلب بن وداعة، أبو القاسم
[5] .
كان يحفظ القرآن- فيما ذكر الأصفهاني- إلا أنه اشتهر بالغناء.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الأنطاكي، أخبرنا أبو الحسن بن الطيوري، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان، حدثنا حماد بن إسحاق قال: أخبرني أَبِي قَالَ: قال ابن جامع: كان أبي ينهاني عن الغناء ويعذبني عليه، ويضيق علي، فهربت منه إلى أخوالي، وكانوا ينزلون بحران، فأنزلوني في مشرعة على نهر، فإنّي أشرف منها على نهر إذ طلعت سوداء معها قربة، فنزلت إلى المشرعة، فجلست ووضعت قربتها، واندفعت تغني:
__________
[1] في الأصل: «بابن الندا» .
[2] تاريخ الطبري 8/ 339.
[3] تاريخ الطبري 8/ 340. والبداية والنهاية 10/ 207.
[4] تاريخ الطبري 8/ 340.
[5] البداية والنهاية 10/ 207. والأغاني للأصفهاني 6/ 289- 326.(9/198)
إلى
الله أشكو بخلها وسماحتي ... لها عسل مني وتبدل علقما [1]
فردي مصاب القلب أنت قتلته ... ولا تتركيه هائم القلب مغرما
قَالَ: فاستفزني ما لا قوام لي به، ورجوت أن ترده فلم تفعل، وأخذت القربة ونهضت، فنزلت أعدو خلفها، وقلت: يا جارية. فوقفت، فقلت لها: بأبي أنت وأمي، ردي الصوت. قالت: ما أشغلني عنك. قُلْتُ: بماذا؟ قالت: علي خراج كل يوم درهمين. فأعطيتها درهمين، فوضعت القربة وجلست تغنيه حتى أخذته وانصرفت، فلهوت/ يومي به، وبت فأصبحت وما أذكر منه حرفا واحدا، وإذا أنا بالسوداء قد طلعت، ففعلت كفعلها الأول، إلا أنها تغنت غير ذاك الصوت، فنهضت وعدوت في أثرها وقلت: الصوت قد ذهب عني نغمته. فأبت أن تعيده إلا بدرهمين، فأعطيتها، فأعادته فذكرته، فقلت: حسبك. فقالت: كأنك تكاثر فيه بأربعة دراهم، كأني والله بك وقد أصبت فيه أربعة آلاف دينار.
قال ابن جامع: فبينا أنا أغني الرشيد وبين يديه أكيسة أربعة، وفي كل واحد ألف دينار، قَالَ: من أطربني فله كيس، وعن لي والله الصوت. فغنيته، فرمى إلي بكيس، ثم قال لي: أعد. فأعدت، فرمى إلي بكيس آخر، ثم قال لي: أعد. فأعدت، فرمى إلي بكيس، فتبسمت فقال لي: مم تضحك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، لهذا الصوت حديث عجيب. فحدثته الحديث، فضحك ورمى إلي بالكيس الرابع، وقَالَ: لا تكذب السوداء. ورجعت بأربعة آلاف دينار.
وقد روى نحو هذه الحكاية أبو الفرج علي بن عيسى الأصفهاني [2] : أن ابن جامع قال: انتقلت من مكة إلى المدينة لشدة لحقتني، فأصبحت يوما وما أملك إلا ثلاثة دراهم، فهي في كمي، إذا بجارية في يدها جرة تريد الركي [3] ، تسعى بين يدي، وترنم بصوت شجي:
شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا ... فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا
__________
[1] العجز في الأصل: (حتى لها غسل مني وتبدل علقما) ولا يستقيم معه الوزن والتصحيح من البداية والنهاية 10/ 207.
[2] انظر الأغاني 6/ 289- 326.
[3] الرّكي: جنس للركية، وهي البئر (لسان العرب «ركا» ص 1722) .(9/199)
وذاك لأن النوم يغشى عيونهم ... سراعا ولا يغشى لنا النوم أعينا
إذا ما دنا الليل المضر بذي الهوى ... جزعنا وهم يستبشرون إذا دنا
فلو أنهم كانوا يلاقون مثل ما ... نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا
قَالَ: فأخذ الغناء بقلبي ولم يدر لي منه حرف فقلت: يا جارية، ما أدري أوجهك أحسن أم غناؤك، فلو شئت أعدت. قالت: حبا وكرامة، ثم أسندت ظهرها إلى جدار، ثم انبعثت تغنيه، فما دار لي منه حرف، فقلت: لو تفضلت مرة أخرى. فغضبت وكلحت [1] وقالت: ما أعجب أحدكم يجيء إلى الجارية عليها الضريبة فيشغلها، فضربت يدي إلى الدراهم الثلاثة فدفعتها إليها، فأخذتها، وقالت: تريد أن تأخذ مني صوتا أحسبك تأخذ به ألف دينار وألف دينار وألف دينار. ثم غنت ففهمته ثم سافرت إلى بغداد، فآل الأمر إلى أن غنيت الرشيد بهذا الصوت، فرمى إلي ثلاثة أكياس، فتبسمت فأخبرته خبر الجارية.
أخبرني بعض أهل الأدب قَالَ: كان إسماعيل بن جامع قد تزوج بالحجاز جارية سوداء مولاة لقوم، يقال لها مريم، / فلما صار من الرشيد بالموضع الذي صار به اشتاق إلى السوداء، فَقَالَ يذكر الموضع الذي كان يألفها فيه ويجتمعان فيه:
هل ليلة بقفا الصحصاح عائدة ... من قبة ذات أشراح وأزرار
تسمو مجامرها بالمندلي كما ... تسمو بحباته أفراح أعصار
المسك يبدو إلينا من غلائلها ... والعنبر الورد تذكيه على النار
ومريم بين أتراب منعمة ... طورا وطورا تغنيني بأوتار
فقال الرشيد: ويلك! من مريمك هذه التي وصفتها صورة الحور العين؟ قال:
زوجتي. ثم وصفها كلاما أكثر مما وصفها شعرا، فأرسل الرشيد من الحجاز حتى حملت، فإذا هي سوداء طمطمانية، ذات مشافر، فقال لَهُ: ويلك! هذه مريم التي ملأت الدنيا بذكرها، عليك وعليها لعنة الله. فقال: يا سيدي، إن عمر بن أبي ربيعة يَقُولُ [2] :
فتضاحكن وقد قلن لها ... حسن في كل عين ما تود
__________
[1] في الأصل: «كلخت» .
[2] انظر القصة في ذم الهوى 236- 237 ط. دار الكتب العلمية.(9/200)
1048- بكر بن النطاح، أبو وائل الحنفي، الشاعر
[1] .
بصري سكن بغداد في زمن الرشيد، وكان يعاشر أبا العتاهية وأصحابه/. وكان أبو هفان يَقُولُ: أشعر أهل الغزل من المحدثين أربعة، أولهم بكر بن النطاح.
أخبرنا القزاز [أخبرنا الخطيب، أخبرنا علي بن طلحة المقرئ، أَخْبَرَنَا أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمران، حَدَّثَنَا محمد بن يحيى النديم، حدثنا عثمان بن محمد الكنْدِي، حدثنا] [2] النضر بن حديد قَالَ: كنا في مجلس فيه أبو العتاهية، والعباس بن الأحنف، وبكر بن النطاح، ومنصور النميري، والعتابي، فقالوا لمنصور: أنشدنا، فأنشد مدائح الرشيد، فقال أبو العتاهية لابن الأحنف- أعني الْعَبَّاس-: [طرفنا بملحك] [3] . فأنشد أبياته:
تعلمت أسباب [4] الرضا خوف عتبه ... وعلمه حبي [له] [5] كيف يغضب
ولي غير وجه قد عرفت مكانه ... ولكن بلا قلب إلى أين أذهب؟
فقال أبو العتاهية: الجيوب من هذا الشعر على خطر، ولا سيما إن سنح [6] بين حلق ووتر، فَقَالَ بَكْر: قد حضرني شيء في هذا، فأنشد:
أرانا معشر الشعراء قوما ... بألسننا تنعمت القلوب [7]
إذا انبعثت قرائحنا أتينا ... بألفاظ تشق لها الجيوب
فقال العتابي:
ولا سيما إذا ما هيجتها ... بنان قد تجيب وتستجيب
__________
[1] تاريخ 7/ 90، 91. والبداية والنهاية 10/ 208.
[2] في الأصل: «أخبرنا القزاز بإسناد له قال النضر بن حديد» .
وما بين المعقوفتين أضفناه من تاريخ بغداد.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ بغداد.
[4] في تاريخ بغداد «ألوان» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ بغداد.
[6] في الأصل: «سنج» .
[7] في الأصل (أرنا) والتصحيح من تاريخ بغداد: 7/ 91.(9/201)
قال النّضْر: فما زلت معهم في سرور. وبلغ إسحاق الموصلي خبرنا فَقَالَ:
اجتماع هؤلاء ظرف الدهر [1] .
قال المبرد: سمعت الحسن بن رجاء يَقُولُ: حضرت بكر بن النطاح ومعه جماعة من الشعراء، وهم يتناشدون، فلما فرغوا من طوالهم/ أنشدهم:
ما ضرها لو كتبت بالرضا ... فجف جفن العين أو أغمضا
شفاعة مردودة عندها ... في عاشق تندم لو قد قضى
يا نفس صبرا واعلمي أن ما ... نأمل منها مثل ما قد مضى
لم تمهن [2] الأجفان من قاتل ... بلحظة إلا لأن أمرضا
قَالَ: فابتدروه يقبلون رأسه [3] .
ولما مات ابن النطاح رثاه أبو العتاهية فَقَالَ:
مات ابن نطاح أبو وائل ... بكر فأمسى الشعر قد بانا
[4]
1049- بهلول المجنون
[5] .
كانت له كلمات حسان، ولقي الرشيد في سنة ثمان وثمانين وهو يريد الحج، فوعظه موعظة بليغة. وقد ذكرناها هناك. وكان بهلول يأوي المقابر.
1050- عبد الله بن إدريس بن يزيد [6] بن عبد الرحمن بن الأسود، أبو محمد الأودي، الكوفي
[7] .
ولد سنة خمس عشرة ومائة. وقيل: سنة عشرين. والأول أصح.
__________
[1] تاريخ بغداد 7/ 90، 91.
[2] في تاريخ بغداد «لم تمرض» .
[3] تاريخ بغداد 7/ 91.
[4] تاريخ بغداد 7/ 91.
[5] البداية والنهاية 10/ 208.
[6] في الأصل: «عبد الله بن يزيد بن إدريس» .
[7] تاريخ بغداد 9/ 415- 421. والبداية والنهاية 10/ 208، 209.(9/202)
سَمِعَ الأعمش، وأبا إسحاق الشيباني، وابن جُرَيْج [1] ، ومالك بن أنس، وشعبة، وسفيان الثَّورِي. ورُويَ عَنْه: ابن المبارك/، وأحمد بن حنبل، ويحيى، وغيرهم.
وأقدمه الرشيد إلى بغداد ليوليه قضاء الكوفة، فامتنع وعاد إلى الكوفة، وأقام بها إلى أن مات في هذه السنة. وكان ثقة عالما زاهدا ورعا، وكان أحمد بن حنبل يقول فيه: نسيج وحده [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلي محمد بْن الحسين النهرواني، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا ابن مَخْلَد، حدّثنا حماد بن المؤمل الكلبي قَالَ: حدثني شيخ على باب بعض المحدثين قَالَ: سألت وكيعا عن مقدمه هو وابن إدريس وحفص على الرشيد فقال لي: ما سألني عن هذا أحد قبلك، قدمنا على هارون فأقعدنا بين السريرين فكان [3] أول من دعا [4] به أنَا، فقال:
أهل بلدك طلبوا مني قاضيا، وسموك لي فيمن سموا، وقد رأيت أن أشركك في أمانتي، وصالح ما أدخل فيه من أمر هذه الأمة، فخذ عهدك أيها الرجل وامض. فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا شيخ كبير، وإحدى عيني ذاهبة، والأخرى ضعيفة. فقال هارون: اللَّهمّ غفرا خذ عهدك أيها الرجل وامض. فقلت: يا أمير المؤمنين، والله إن كنت صادقا إنه لينبغي أن تقبل مني، ولئن [5] كنت كاذبا فما ينبغي أن تولي القضاء كذابا. فقال:
اخرج. فخرجت، ودخل ابن إدريس، وكان هارون قد وسم له من ابن إدريس وسم-/ يعني خشونة جانبه- فدخل، فسمعنا صوت ركبتيه على الأرض حين برك، وما سمعناه يسلم إلا سلاما خفيا، فقال له هارون: أتدري لم دعوتك؟ فقال له: لا. قَالَ:
إن أهل بلدك طلبوا مني قاضيا، وإنهم سموك لي فيمن سموا، وقد رأيت أن أشركك في أمانتي، وأدخلك في صالح ما أدخل فيه من أمر هذه الأمة، فخذ عهدك وامض. فقال له
__________
[1] » ابن جريج» تكررت في الأصل.
[2] تاريخ بغداد 9/ 416.
[3] في الأصل: «وكان» .
[4] في تاريخ بغداد: «ما دعا» .
[5] في الأصل: «وإن» .(9/203)
ابن إدريس: ليس أصلح للقضاء. فنكت [1] هارون بإصبعه وقال لَهُ: وددت أني لم أكن رأيتك. قَالَ له ابن إدريس: وأنا وددت أني لم أكن رأيتك. فخرج، ثم دخل حفص بن غياث. فقال لَهُ كما قَالَ لنا. فقبل عهده وخرج. فأتانا خادم معه ثلاثة أكياس في كل كيس خمسة آلاف. فَقَالَ: إن أمير المؤمنين يقرئكم السلام ويقول لكم قد لزمتكم في شخوصكم مئونة فاستعينوا بهذه في سفركم. قال وكيع: فقلت لَهُ: أقرئ المؤمنين السلام، وقل لَهُ قد وقعت مني بحيث يحب أمير المؤمنين، وأنا عنها مستغن وفي رعية أمير المؤمنين من [2] هو أحوج إليها مني، فإن رأى أمير المؤمنين بصرفها إلى من أحب.
وأما ابن إدريس فصاح بِهِ: مر من هنا. وقبلها حفص، وخرجت الرقعة إلى ابن إدريس من بيننا: عافانا الله وإياك، سألناك أن تدخل في أعمالنا فلم تفعل، ووصلناك من أموالنا فلم تقبل، فإذا جاءك ابني المأمون فحدثه إن شاء الله. فَقَالَ للرسول: إذا جاءنا مع الجماعة حدثناه إن شاء اللَّه. ثم مضينا، فلما صرنا إلى الياسرية حضرت الصلاة، فنزلنا نتوضأ للصلاة. قال وكيع: فنظرت إلى شرطي محموم نائم في الشمس، عليه سواده، فطرحت كسائي عليه وقلت: تدفأ إلى أن نتوضأ. فجاء ابن إدريس فاستلبه/ [ثم قال لي: رحمته] [3] لا رحمك الله، في الدنيا أحد يرحم مثل ذا؟ ثم التفت إلى حفص فقال لَهُ: يا حفص، [قد] [4] علمت حين دخلت إلى سوق أسد، فخضبت لحيتك، ودخلت الحمام، أنك ستلي القضاء، لا والله لا كلمتك حتى تموت. قَالَ: فما كلمه حتى مات [5] .
أخبرنا محمد بن ناصر، أخبرنا محفوظ بن أحمد، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلي مُحَمَّد بْن الحسين الجازري [6] ، أخبرنا المعافى بن زكريا، حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قَالَ: حدثني أَبِي، حدثنا موسى بن عبد الرحمن بن مسروق الكنْدِي، حدثنا ابن
__________
[1] في الأصل: «فنكث» .
[2] في الأصل: «وفي رعيته هو أحوج» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ بغداد.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ بغداد.
[5] تاريخ بغداد 9/ 416، 417.
[6] في الأصل: «الحارزي» انظر: الأنساب للسمعاني 3/ 162.(9/204)
المنذر- وكان جارا لعبد الله بن إدريس- قَالَ: حج الرشيد ومعه الأمين والمأمون، فدخل الكوفة، فقال لأبي يوسف: قل للمحدثين يأتونا فيحدثونا. فلم يتخلف عنه من شيوخ أهل الكوفة إلا اثنان: عبد الله بن إدريس، وعيسى بن يونس، فركب الأمين والمأمون إلى عَبْد الله بن إدريس فحدثهما بمائة حديث، فقال المأمون لعبد الله: يا عم، أتأذن لي أن أعيدها عليك من حفظي؟ قَالَ: افعل. فأعادها كما سمعها، وكان ابن إدريس من أهل الحفظ يقول: لولا أني أخشى أن ينفلت مني القرآن لدونت [1] العلم. فعجب عبد الله من حفظ المأمون. وقَالَ المأمون: يا عم، إلى جانب مسجدك دار، إن أردت اشتريناها ووسعنا بها المسجد. فقال: ما لي إلى هذا حاجة، قد أجزى من كان قبلي وهو يجزيني. فنظر إلى قرح في ذراع الشَّيْخ، فَقَالَ: إن معنا أطباء وأدوية، أتأذن لي أن أجيئك بمن يعالجك؟ قَالَ: لا، قد ظهر بي مثل هذا وبرأ. فأمر له بمال فأبى أن يقبله.
وصار إلى عيسى/ بن يونس فحدثه، فأمر له المأمون بعشرة آلاف درهم، فأبى أن يقبلها، فظن أنه استقلها، فأمر له بعشرين ألفا، فقال عيسى: والله ولا أهليلجة، ولا شربة ماء عَلَى حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، ولو ملأت لي هذا المسجد ذهبا إلى السقف.
فانصرفا من عنده.
وعن حسين بن عمرو المنقري قَالَ: لما نزل بابن إدريس الموت بكت ابنته، فَقَالَ: لا تبكي، فقد ختمت في هذا البيت أربعة آلاف ختمة.
توفي ابن إدريس في هذه السنة [2] .
1051- علي بن ظبيان، أبو الحسن العبسي، الكوفي
[3] .
تقلد قضاء الشرقية، ثم ولي قضاء القضاة في أيام الرشيد. وكان يجلس في المسجد الَّذِي ينسب إلى الخلد فيقضي فيه. وحدث عَن عبيد الله بن عمر العمري، وإسماعيل بن أبي خَالِد، وعَبْد الملك بن أبي سُلَيْمَان. روى عنه: داود بن رشيد. وقد ضعفه بعض أصحاب الحديث. وقَالَ بعضهم: لا بأس به [4] .
__________
[1] في الأصل: «لدونت» .
[2] تاريخ بغداد 9/ 421.
[3] تاريخ بغداد 11/ 443. والبداية والنهاية 10/ 209.
[4] تاريخ بغداد 11/ 444.(9/205)
أخبرنا أبو منصور القزاز، أبو بكر بن ثابت، أخبرنا علي بن المحسن، أَخْبَرَنَا طلحة بْن محمد بْن جعفر، حدثنا علي بن محمد بن عبيد، عن أحمد بن زهير، عن سليمان بن أَبِي شيخ، حدثنا عبيد بن ثابت قَالَ: كتبت إلى علي بن ظبيان وهو قاضي بغداد: بلغني أنك تجلس على بارية [1] ، وقد كان من قبلك من القضاة يجلسون على الوطاء، ويتكئون. فكتب إلي: إني لا أستجيز [2] أن يجلس بين يدي رجلان حران مسلمان على بارية وأنا على وطاء، لست أجلس إلّا على ما يجلس/ عليه الخصوم [3] .
قال طلحة: علي بن ظبيان رجل جليل، متواضع، دين، حسن العلم بالفقه، من أصحاب أبي حنيفة، وكان حسنا في باب الحكم، تقلد قضاء الشرقية، ثم تقلد قضاء القضاة، ولّاه الرشيد، وكان يخرجه معه إذا خرج إلى المواضع. فتوفي بقرميسين [4] سنة اثنتين وتسعين ومائة [5] .
1052- العباس بن الأحنف بن الأسود بن طلحة، أبو الفضل الشاعر
[6] .
كان من عرب خراسان ومنشأة بغداد، وكان طريفا مقبولا حسن الشعر.
عن محمد بن يحيى قَالَ: سمعت عبد الله بن المعتز يَقُولُ: لو قيل لي: ما أحسن شعر تعرفه لقلت شعر العباس بن الأحنف:
قد سحب الناس أذيال الظنون بنا ... وفرق الناس فيها قولهم فرقا
فكاذب قد رمى بالظن غيركم ... وصادق ليس يدري أنه صدقا
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عبد الواحد، أخبرنا محمد بن عبد الرحيم المازني [7] ، حدثنا محمد بن القاسم الأنباري، حدّثنا
__________
[1] البارية: الحصيرة المنسوجة (قاموس) .
[2] في تاريخ بغداد: «إني لأستحي أن» .
[3] تاريخ بغداد 11/ 440.
[4] في الأصل: «بقومس» .
[5] تاريخ بغداد 11/ 445، 446.
[6] تاريخ بغداد 12/ 127- 133. والبداية والنهاية 10/ 209، 210.
[7] في الأصل: «المارني» .(9/206)
أَبِي، حدثنا عبد الله بن أبي سعد، حدثنا عبد الله بن الربيع قَالَ: قال هارون الرشيد في الليل بيتا وأراد أن يشفعه بآخر فامتنع القول عليه، فَقَالَ: علي بالعباس بن الأحنف، فلما طرق ذعر وفزع أهله، فلما وقف بين يدي الرشيد/ قَالَ: وجهت إليك لبيت قلته، ورمت أن اشفعه بمثله فامتنع القول علي. فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، دعني حتى ترجع إليّ نفسي، فإنّي تركت عيالي على حال من القلق عظيمة، ونالني من الخوف ما يتجاوز الحد والوصف. فانتظر هنية، ثم أنشده:
جنان قد رأيناها ... ولم نر مثلها بشرا
فقال العباس:
يزيدك وجهها حسنا ... إذا ما زدته نظرا
فقال له الرشيد: زدني.
فقال الْعَبَّاس:
إذا ما الليل مال عليك ... بالظلماء [1] واعتكرا
ودج فلم تر قمرا ... فأبرزها ترى القمرا
فقال له الرشيد: قد ذعرناك وأفزعنا عيالك، وأقل الواجب أن نعطيك دينك فأمر له بعشرة آلاف درهم، وصرفه [2] .
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزُّهْرِيّ، حَدَّثَنَا محمد بن القاسم الشطوي، حدثنا أحمد بن عبيد قَالَ: سمعت الأصمعي يَقُولُ:
بينا أنا قاعد يوما في مجلس بالبصرة، فإذا أنا بغلام أحسن الناس وجها وثوبا، واقف على رأسي، فَقَالَ: إن مولاي يريد أن يوصي إليك، فأخذ بيدي حتى أخرجني إلى الصحراء، فإذا بالعباس بن الأحنف ملقى على فراشه، وإذا هو يجود بنفسه وهو يَقُولُ:
يا بعيد الدار عن وطنه ... مفردا يبكي على شجنه
كلما جد النجيب [3] به ... زادت [4] الأسقام في بدنه
__________
[1] في تاريخ بغداد «بالأظلام»
[2] تاريخ بغداد 12/ 131.
[3] في تاريخ بغداد: «النجباء» .
[4] في تاريخ بغداد: «دارت» .(9/207)
/ ثم أغمي عَلَيْهِ، فانتبه بصوت طائر على شجرة، وهو يَقُولُ:
ولقد زاد الفؤاد شجى ... هاتف يبكي على فننه
شاقه ما شاقني فبكى ... كلنا يبكي على سكنه
ثم أغمي عَلَيْهِ، وظنناها مثل الأولى، فحركته فإذا هو ميت [1] .
توفي العباس بن الأحنف في قول إبراهيم بن العباس الصولي في هذه السنة.
وقال عمر بن شبة: توفي سنة ثمان وثمانين. وقال غيره: بقي بعد الرشيد.
1053- عيسى بن جعفر بن أبي جعفر المنصور
[2] .
كان من وجوه بني هاشم وسراتهم، وولي إمارة البصرة، وخرج من بغداد يقصد الرشيد، وهو إذ ذاك بخراسان، فأدركه أجله بالدسكرة من طريق حلوان، فتوفي في هذه السنة.
1054- الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي
[3] .
أخو جعفر، ولد بالمدينة سنة سبع وأربعين ومائة، وأمه زبيدة بنت منين [4] بربرية، فأرضعته الخيزران، وأرضعت زبيدة أمه الرشيد أياما، فصارا رضيعين، وفي ذلك يقول مروان بن أَبِي حفصة يمدحه:
كفى لك فضلا أن أفضل حرة ... غذتك بثدي والخليفة واحد
لقد زنت يحيى في المشاهد كلها ... كما زان يحيى خالدا في المشاهد
[5] قال مؤلف الكتاب رحمه الله: كان الفضل أجود من أخيه جعفر، / وأندى راحة، إلا أنه كان فيه كبر شديد، وكان جعفر أطلق وجها، وأظهر بشرا، وكان الناس يؤثرون لقاء جعفر على لقاء الفضل.
__________
[1] تاريخ بغداد 12/ 131، 132.
[2] تاريخ بغداد 11/ 152.
[3] تاريخ بغداد 12/ 334- 339. والبداية والنهاية 10/ 210- 212.
[4] في تاريخ بغداد: «بنت سينن» .
[5] تاريخ بغداد 12/ 334.(9/208)
وهب الفضل لطباخه مائة ألف درهم، فعاتبه أخوه في هذا، فقال: إن هذا صحبني وأنا لا أملك شيئا، واجتهد في نصحي، وقد قال الشاعر:
إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان عاونهم في المنزل الخشن
[1] ووهب لبعض الأدباء عشرة آلاف دينار، فبكى الأديب، فقال: أتبكي استقلالا لها؟ قَالَ: لا والله، ولكن أسفا، كيف تواري الأرض مثلك [2] .
وولى الرشيد الفضل أعمالا جليلة. بخراسان وغيرها، فلما غضب على البرامكة وقتل جعفرا خلد الفضل في الحبس مع أبيه يحيى، فلم يزالا محبوسين حتى ماتا في حبسهما [3] .
مات يحيى سنة تسعين، ومات الفضل سنة اثنتين وتسعين، قبل موت الرشيد بشهور. وقيل: سنة ثلاث.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا أبو القاسم الأزهري، أخبرنا أَحْمَد بْن إبراهيم، حَدَّثَنَا إبراهيم بْن مُحَمَّد بن عرفة، حدثنا محمد بن الحسين بن هشام، حدثنا علي بن الجهم، عن أبيه قال: لما أصبحت ذات يوم وأنا في غاية الضيقة، ما أهتدي إلى دينار ولا درهم، ولا أملك إلا دابة أعجف، وخادما خلعا، فطلبت الخادم فلم أجده/، ثم جاء فقلت: أَيْنَ كنت؟ فَقَالَ: كنت في احتيال شيء لك، وعلف لدابتك، فو الله ما قدرت عليه. فقلت: اسرج لي دابتي. فأسرجه، فركبت، فلما صرت في سوق يحيى إذا أنا بموكب عظيم، وإذا الفضل بن يحيى، فلما بصرني قَالَ: سر. فسرنا قليلا، وحجز بيني وبينه غلام يحمل طبقا على باب، يصيح بجارية، فوقف الفضل طويلا، ثم قَالَ: سر. ثم قَالَ: أتدري ما سبب وقفتي؟ قُلْتُ: إن رأيت أن تعلمني. قَالَ: كانت لأختي جارية، وكنت أحبها حبا شديدا، واستحي من أختي أن أطلبها منها، ففطنت أختي لذلك، فلما كان في هذا اليوم لبّستها وزيّنتها، وبعثت بها
__________
[1] تاريخ بغداد 12/ 336.
[2] تاريخ بغداد 12/ 338.
[3] تاريخ بغداد 12/ 334.(9/209)
إلي، فما كان في عمري يوم أطيب من يومي هذا، فلما كان في هذا الوقت جاءني رسول أمير المؤمنين فأزعجني، وقطع علي لذتي، فلما صرت إلى هذا المكان دعا هذا الغلام صاحب الطبق باسم تلك الجارية، فارتحت لندائه، ووقفت فقلت: أصابك ما أصاب أخا بني عامر حيث يَقُولُ:
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيج أحزان الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلى طائرا كان في صدري
فَقَالَ: اكتب لي هذين البيتين. فعدلت لأطلب ورقة أكتب له هذين البيتين فيها فلم أجد، فرهنت خاتمي/ عند بقال، وأخذت ورقة، وكتبتهما فيها، وأدركته بها، فقال لي: ارجع إلى منزلك. فرجعت، ونزلت، فقال لي الخادم: اعطني خاتمك أرهنه.
فقلت: رهنته. فما أمسيت حتى بعث إلي بثلاثين ألف درهم جائزة، وعشرة آلاف درهم سلفا لسنة من رزق أجراه لي [1] .
أخبرنا ابن ناصر الحافظ، أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الجبار، أخبرنا محمد بن عبد الواحد بْن مُحَمَّد، أخبرنا جعفر، أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، أخبرنا أَبُو عبد الله الحكيمي، حدثنا أَبُو الفضل ميمون بن هارون، حدثني عبد الله بن الحسين العلوي قَالَ: أتيت الفضل بن يحيى فاجلسني معه وأكرمني، فكلمته في ديني ليكلم أمير المؤمنين في قضائه عني. قال: فكم دينك؟ قلت: ثلاثمائة ألف درهم. قَالَ: نعم.
فخرجت من عنده وأنا مغمور لضعف رده، فمررت ببعض إخواني مستريحا إِلَيْهِ، ثم صرت إلى منزلي، فوجدت المال قد سبقني.
1055- محمد بن أبي أمية بن عمرو، مولى بني أمية بن عبد شمس
[2] .
أصله من البصرة، وله إخوة وأقارب كلهم شعراء، وقد اختلطت أشعارهم، واختلفت الروايات في أنسابهم، إلّا أن محمد بن أمية أشهرهم ذكرا، وأكثرهم شعرا، والباقون أشعارهم نزرة [3] جدا. ومحمد بن أمية شاعر منهم، اختلط شعره بشعر عمه، فلم يفرق أكثر الناس بينهما/.
__________
[1] تاريخ بغداد 12/ 334، 335.
[2] تاريخ بغداد 2/ 86، 87. والبداية والنهاية 10/ 212.
[3] في الأصل (نزيرة) .(9/210)
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا علي بن المحسن القاضي قَالَ: حدثنا أَبِي، حدثنا أبو بكر الصولي، حدثنا عون بن محمد الكنْدِي قال: قال لي محمد بن أبي أمية الكاتب: كنت أنا وأخي نكتب للعباس بن الفضل بن الربيع فجاءه أبو العتاهية مسلما، فأمره بالمقام عنده، فَقَالَ: على شريطة ينشدني كاتبك هذا من شعره- وأومأ إلي- فقال: ذلك لك. وتغدينا، فَقَالَ:
الشرط. فأمرني أن أنشده، فحضرت وقلت: ما أجسر [1] على ذلك، وما ذاك قدرتي.
فَقَالَ: إن أنشدني وإلا قمت. فأنشدته:
رب قول منك لا أنساه لي ... واجب الشكر وإن لم يفعل
أقطع الدهر بظن حسن ... وأجلي [2] غمرة ما تنجلي
وأرى الأيام لا تدني الذي ... أرتجي منك وتدني أجلي
وإذا أملت يوما صالحا ... عرض [3] المقدور لي في أملي
فبكى أبو العتاهية أشد بكاء، ثم قال لي: زدني. فقال لي: زده. فأنشدته:
بنفسي من يناجيني ... ضميري بأمانيه
ومن يعرض عن ذكري ... كأني لست أعنيه
لقد أسرفت في الذل ... كما أسرفت في التيه
أما تعرف لي إحسان ... يوم فتجازيه
[4]
1056- منصور بن سلمة بن الزبرقان. وقيل: منصور بن الزبرقان/ بن سَلَمَة، أبو الفضل، النميري الشاعر
[5] .
من أهل الجزيرة. قدم بغداد، ومدح الرشيد.
وجد منصور يقال لَهُ: مطعم الكبش الرخم، لأنه أطعم ناسا نزلوا به، ونحر لهم،
__________
[1] في الأصل: «ما أحس» .
[2] في الأصل: «وأخلى» .
[3] في الأصل: «غرض» .
[4] تاريخ بغداد 2/ 86.
[5] تاريخ بغداد 13/ 65- 69. والبداية والنهاية 10/ 212.(9/211)
ثم رفع رأسه فإذا هو برخم تحملق [1] حول أضيافه، فأمر أن يذبح لهن كبش ويرمى به بين [أيديهن] [2] ففعل ذَلِكَ، فنزلن عليه، فمزقنه، فسمي: مطعم الكبش الرخم.
وفي ذلك يقول أبو بعجة النميري يمدح رجلا منهم:
أبوك زعيم بني قاسط ... وخالك ذو الكبش يقري الرخم
[3] وكان منصور شاعرا من شعراء الدولة العباسية، وهو تلميذ كلثوم بن عمرو العتابي وراويته، وعنه أخذ. ووصفه العتابي للفضل بن يحيى حتى استصحبه، ثم وصله بالرشيد، ثم جرت بعد ذلك بينه وبين العتابي وحشة فتهاجيا.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا الحسن بن الحسن الثعالبي، أخبرنا أبو الفرج الأصفهاني قال: حدثني عمي، عن جدي قَالَ: قال النميري: كنت واقفا على جسر بغداد أنا وعبيد الله بن هشام بن عمرو التغلبي وقد وخطني الشيب يومئذ/، وعبيد الله شاب حدث السن، [فإذا أنا بقصرية ظريفة] [4] وقد وقفت، فجعلت أنظر إليها وهي تنظر إلى [5] عبيد الله بن هشام، ثم انصرفت، فقلت فيها:
لما رأيت سوام الشيب منتشرا ... في لمتي [6] وعبيد الله لم يشب
سللت سهمين من عينيك فانتصلا ... على شبيبة ذي الأذيال والطرب
كذا الغواني مراميهن قاصدة ... إلى الفروع معداة عن الخشب
[7] شبه الشباب بالفرع الأخضر، والشيخ بالخشبة التي قد يبست، أو ساق الشجرة الذي لا ورق له.
ثم أتم القصيدة يمدح بها يزيد بن مزيد، فأعطاه عشرة آلاف درهم.
__________
[1] في الأصل: «يحمز» .
[2] في الأصل: (أيديهم) والتصحيح من تاريخ بغداد: 13/ 66.
[3] تاريخ بغداد 13/ 66.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل،، وأضفناه من تاريخ بغداد.
[5] في الأصل: «فجعلت تنظر إلى عبيد الله بن هشام وأنا انظر إليها» .
[6] في الأصل: «بلمتي» .
[7] تاريخ بغداد 13/ 66، 67.(9/212)
1057- يوسف بن يعقوب بن إبراهيم، القاضي
[1] .
سمع الحديث من يونس بن إسحاق السبيعي، والسري بن يحيى، ونظر في الرأي وفقه، وولي القضاء بالجانب الغربي من بغداد في حياة أَبِيهِ، وصلى بالناس الجمعة في مدينة المنصور بأمر الرشيد، ولم يزل على القضاء ببغداد إلى أن توفي في رجب من هذه السنة.
__________
[1] تاريخ بغداد 14/ 296، 297. والبداية والنهاية 10/ 212.(9/213)
ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
خروج الرشيد إلى ناحية خراسان
[1] :
أخبرنا محمد بن ناصر، أخبرنا أبو المعالي، أخبرنا أحمد بن محمد/ البخاري، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا أبو الحسن بن رزقويه، أخبرنا أبو جعفر بن برية، أَخْبَرَنَا أبو بكر بن محمد بن خلف بن المرزبان قَالَ: أخبرنا أحمد بن محمد بن علي التَّيْمي، عن أحمد بن صباح الطبري مولى عيسى بن جعفر الهاشمي قَالَ: حدثني أبي قَالَ: شيعت الرشيد حين مضى إلى خراسان فقال لي وهو يريد أن يأرما [2] : يا صباح، ما أحسبك تراني بعد هذا أبدا. فقلت: أعيذك باللَّه يا أمير المؤمنين أن تقول هذا، والله إني لأرجو أن يبقيك الله لأمة محمد صلّى الله عليه وسلّم مائة سنة. فتبسم وقَالَ: يا صباح، أنا والله ميت بعد قريب. فقلت: يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك، والله إني أرى دما ظاهرا، ولونا ناصعا، وشبابا زائدا، ومئونة [3] قوية، وروحا طيبة، فعمرك الله أكثر مما عمر [4] من ملك الأرض، وفتح لك ما فتح على ذي القرنين، ولا أرى رعيتك فيك. قال: فالتفت إلى جمعية كانت من ورائه، فَقَالَ: تنحوا عني. ثم قَالَ: مل بنا نحو تلك الشجرة حتى أسر إليك سرا. قَالَ: فسرت معه منحرفا عن الجادة نحوا من ثلاثمائة
__________
[1] انظر: الكامل لابن الأثير 5/ 250، 251.
[2] أرم على الشيء يأرم، بالكسر: أي عضّ عليه (لسان العرب: أرم) .
[3] في الأصل هكذا: «مئّة» .
[4] في الأصل: «ما عمر» .(9/214)
ذراع، فكمن في ظل حائط ثم قَالَ: أمانة الله في عنقك أن [لا] [1] تخبر بما ألقي إليك أحدا. فقلت: يا سيدي، هذه مخاطبة الأخ أخاه، وأنا عبد يخاطبني مولاي بمثل هذا.
فَقَالَ: والله لتقولن إني لا أقولها لأحد، وإنها أمانة حتى أؤديها إليك عند الله. قَالَ:
فعلت. فكشف عَن بطنه/، فإذا حرير قد عصب بن بطنه وظهره، ثم حول إلى قفاه فأخذ ثيابه عن ظهره، فإذا قروح ونقابات قد واراها بخرق وأدوية، وقَالَ: منذ كم ترى هذا بي؟ قُلْتُ: لا أدري. قال: ظهرت في أول سنة تسع وثمانين، والله ما اطلع عليها أحد من الناس إلا بختيشوع، ورجاء، ومسرور، فأما ابن بختيشوع فإنه بلغني أنه أخبر به المأمون، وو الله لئن بقيت لابن الفاعلة لأتركنه يهيم بطلب الخبر حتى يشغله ذلك عن إذاعة السر. وأما مسرور فأخبر الأمين بعلتي، وما منهم أحد إلا له علي حين، فأنى تصفوا [2] لي حياة وأعز ولدي يحصي أنفاسي، ويستحب علتي، ولقد بلغ من تبرمهم بي وبحياتي أني إذا أردت الركوب جاءوني ببرذون قطوف، وليس إلا ليزيد في علتي، ويفسد علي جوارحي، فأكره أن أظهر هذا لهم، فيستوحشوا مني، ومتى استوحشوا أظهروا من العداوة ما كان باطنا، والعامة لهم أرجأ والخاصة إليهم أميل، وأنا كالخائف بينهم، أصبح فلا أطمع في المساء، وأمسي ولا أطمع في الصباح.
فقلت: يا سيدي، ما أحسن الجواب عن هذا، ولكن أقول: من أرادك بكيد فأراه الله ذلك الكيد في نفسه، وأراه فيك ما يسوءه، وأطال بقاءك، وكبت أعداءك حيث كانوا.
فقال: سمع الله دعاءك، انصرف فإن أشغالك ببغداد كثيرة. فودعته، وكان آخر العهد بِهِ.
وروى أبو بكر الصولي/ قَالَ: حدثنا محمد بن الفضل بن الأسود، حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي قَالَ: حدثني مسرور قَالَ: دخلت على الرشيد وهو يبكي عند خروجه إلى خراسان آخر خرجة، وفي يده قرطاس يقرأه فَقَالَ: يا مسرور،
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «يصفو» .(9/215)
كأني والله عنيت بما في هذا القرطاس. ثم رمى به مزيدة [1] ، فأخذته، ووثب فدخل، فإذا فيه شعر لأبي العتاهية: [2] .
هل أنت معتبر بمن خربت ... منه غداة قضى دساكره
وبمن أذل الدهر مصرعه ... فتبرأت منه عساكره
وبمن خلت منه أسرته ... وبمن خلت منه منابره
أين الملوك وأين جندهم ... صاروا مصيرا أنت صائره
يا مؤثر الدنيا بلذته ... والمستعد لمن يفاخره
نل ما بدا لك أن تنال من الدنيا ... فإن الموت آخره
قَالَ: فمات في سفرته تلك.
قال علماء السير/: ودخل الرشيد جرجان، فوافته خرائن علي بن عيسى على ألف بعير وخمسمائة بعير، ثم رحل من جرجان وهو مريض إلى طوس، فأقام بها إلى أن توفي، واتهم هرثمة [3] ، فوجه ابنه المأمون قبل وفاته بثلاث وعشرين ليلة إلى مرو، ومعه عبد الله بْن مالك، ويحيى بن معاذ، وأسد بن يزيد في آخرين. وكان بين هرثمة وأصحاب رافع فيها وقعة، ففتح فيها بخارى، وأسر أخا رافع بشير بن الليث، فبعث به إلى الرشيد وهو بطوس، فدخل به عليه وهو ينظر في المرآة ويقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156 [4] . فنظر إِلَيْهِ فَقَالَ: يا ابن اللخناء، إني لأرجو ألا يفوتني رافع كما لم تفتني أنت. فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، قد أظفرك الله، فافعل ما يحبّ الله، ولعل الله أن يلين لك قلب رافع إذا رأى أنك قد مننت عليّ! فغضب وقَالَ: والله لو لم يبق من أجلي إلا أن
__________
[1] في الأصل: «مربده» .
[2] ديوان أبي العتاهية ص (106) ط. دار الكتب العلمية و (205- 206) ط. صادر وما بين المعقوفين.
البيت الثاني في الديوان:
وبمن خلت منه مدائنه ... وتفرقت منه عساكره
[3] في ت: «هرنمه» .
[4] سورة: البقرة، الآية: 156.(9/216)
أحرك شفتي بكلمة لقلت: اقتلوه. ثم دعا بقصاب فَقَالَ: لا تشحذ مداك، دعها على حالها، وفصل هذا الفاسق ابن الفاسق. فجعله أشلاء، ثم أغمي عليه، وتفرق من حضره [1] .
وفي هذه السنة: توفي الرشيد، وبويع الأمين.
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 341، 342.(9/217)
باب ذكر خلافة الأمين
[1] / هو محمد بن هارون. ويكنى: أبا موسى، ويقال: أبا عبد الله. ولد برصافة بغداد سنة إحدى وسبعين ومائة. أمه أم جعفر، واسمها: زبيدة بنت جعفر الأكبر بن المنصور.
وكان أبيض، سبطا، أنزع، صغير العينين، أقنى، جميلا، طويلا، سمينا، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين. سمع الحديث الكثير، وأسند الحديث [2] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي الحسن بن أبي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ محمد المهلبي قَالَ: رَأَيْتُ عِنْدَ الْحُسَيْنِ بْنِ الضَّحَّاكِ جَمَاعَةً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الأَمِينِ وَأَدَّبَهُ، فوصف أَدَبًا كَثِيرًا، وَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ:
حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمَنْصُورِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أبيه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ مُحْرِمًا حُشِرَ مُلَبِّيًا» [3] .
ذكر بيعته توفي الرشيد بطوس، فبويع للأمين صبيحة الليلة التي مات فيها الرشيد، تولى ذلك صالح بن الرشيد، وذلك يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة، وكتب حمويه مولى المهدي صاحب البريد من طوس إلى
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 365- 373. والكامل 5/ 359. والبداية والنهاية 10/ 222، 223.
وتاريخ الموصل ص 314- 318. تاريخ بغداد 3/ 336، 342.
[2] انظر تاريخ بغداد 3/ 336.
[3] تاريخ بغداد 3/ 338.(9/218)
سلام مولاه، وخليفته على البريد ليعلمه بوفاة الرشيد، فدخل على الأمين فعزّاه وهنأه بالخلافة.
وكان الأمين نازلا/ ببغداد في الخلد، فتحول إلى قصر [1] المنصور بالمدينة، وأمر الناس بالحضور، فحضروا، فصعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ونعى الرشيد إلى الناس، وعزى نفسه والناس، ووعدهم الخير وبسط الأمان للأسود والأبيض.
فبايعه جلة [2] أهل بيته وخاصة مواليه وقواده، ثم دخل ووكل ببيعته من بقي منهم سُلَيْمَان بن المنصور، وأمر للجند بمدينة السلام برزق سنتين، واتخذ الفضل بن الربيع وزيرا، وابنه العباس بن الفضل حاجبا، وجعل إسماعيل بن صبيح كاتبا، وجعله على ديوان الرسائل والتوقيعات والخاتم. وجعل عيسى بن علي بن ماهان على الشرطة، وقيل: عبد الله بن حازم.
أخبرنا ابن ناصر، أَنْبَأَنَا أحمد بن خلف، حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم، حدثنا أحمد بن كامل قَالَ: حدثني عبد الله بن إبراهيم النَّحْوِي، حدثنا أبو هفان، حَدَّثَنَا أحمد بن يوسف قال: دخل أبو نواس على محمد الأمين فهنأه بالخلافة وعزاه بالرشيد في بيت، فأنشأ يَقُولُ:
جرت جوار بالسعد والنحس ... فنحن في وحشة وفي أنس
العين تبكي والسن ضاحكة ... فنحن في مأتم وفي عرس
/ يضحكها القائم الأمين ويبكيها ... وفاة الرشيد بالأمس
بدران: بدر أضحى ببغداد في ... الخلد وبدر بطوس في الرمس
ثم قدم القادم بالبردة والقضيب والخاتم، فوصل لثلاث عشرة بقيت من جمادى الآخرة، وقدم عليه حسين الخادم بالخزائن التي كانت مع الرشيد، وقدمت زبيدة من الرافقة في آخر رجب بخزائن الرشيد، فتلقاها محمد بالأنبار [3] ، وكان الأمين قد بعث من يأتيه بأخبار الرشيد في زمن علته كل يوم، وأرسل بدر بن المعتمر فكتب معه كتبا، وجعلها في قوائم صناديق منقورة، وألبسها جلود لبقر، وقَالَ: لا يظهرن أمير المؤمنين ولا أحد ممن في عسكره على شيء من أمرك، وما توجهت فيه، ولا على ما معك، ولو
__________
[1] في الأصل: «مصر» .
[2] في الأصل: «حلة» .
[3] في الأصل: «بالأبنار» .(9/219)
قتلت حتى يموت أمير المؤمنين، فإذا مات فادفع إلى كل إنسان منهم كتابه [1] .
فلما قدم بكر طوس بلغ هارون قدومه، فدعا بِهِ، فَقَالَ: ما أقدمك؟ قَالَ: بعثني محمد لأعلم خبرك وآتيه بِهِ. قَالَ: فهل معك كتاب؟ قَالَ: لا فأمر بما معه ففتش، فلم يصيبوا شيئا، فهدده بالضرب، فلم يقر بشيء، فأمر به، فحبس وقيد، فلما كان في الليلة التي مات فيها هارون أمر الفضل بن الربيع أن يصير إلى محبس بكر بن المعتمر، فيقرره، فإن أقر وإلا ضرب عنقه.
وصار إلى هارون/ فغشي عليه غشية [2] ظنوا أنها هِيَ، وارتفعت الصيحة، فأرسل بكر بن المعتمر برقعة منه إلى الفضل بن الربيع يسأله أن لا يعجلوا في أمره، ويعلمه أن معه أشياء [3] يحتاجون إليها، وكان بكر محبوسا عند حسين الخادم، فلما توفي الرشيد دعاه الفضل بْن الربيع فسأله عما عنده فأنكر أن يكون عنده شيء وخشي على نفسه من أن يكون هارون حيا، حتى صح عنده موت هارون، فأخبره أن عنده كتبا من أمير المؤمنين الأمين، وأنه لا يجوز [4] له إخراجها وهو على حاله في قيوده، فامتنع حسين الخادم من إطلاقه حتى أطلقه الفضل فأتاهم بالكتب التي [5] عنده، فكان في تلك الكتب:
كتاب من محمد إلى حسين الخادم بخطه، يأمره بتخلية بكر بن المعتمر وإطلاقه، فدفعه إِلَيْهِ.
وكتاب إلى المأمون، فاحتبس كتاب المأمون لغيبته بمصر، وأرسلوا إلى صالح بن الرشيد، فأتاهم، فدفعوا إليه كتاب الأمين، وكان في الكتاب إلى المأمون:
إذا ورد عليك كتاب أخيك- أعاذه [6] الله من فقدك- فعز نفسك بما عزّاك الله به، واعلم
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 366. والكامل 5/ 359- 361.
[2] في الأصل: «غسيه» .
[3] في الأصل: «اسا» .
[4] في الأصل: «لا يجوز» .
[5] في الأصل: «الّذي عنده» .
[6] في الأصل: «أعاده» .(9/220)
أن الله قد اختار لأمير المؤمنين أفضل الدارين، وأجزل الحظين، فقم في أمرك قيام ذي الحزم، والناظر لأخيه وسلطانه، وعامة المسلمين، وإياك أن يغلب عليك الجزع، فإنه يحبط/ الأجر، ويعقب الوزر، وصلوات الله على أمير المؤمنين حيا وميتا، وإنا للَّه وإنا إليه راجعون، ثم إنا للَّه وإنا إليه راجعون وخذ البيعة على من [1] قبلك من قوادك وجندك، وخاصّتك وعامّتك، لأخيك ثم لنفسك، ثم للقاسم ابن أمير المؤمنين، على الشرط التي جعلها لك أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فإنك مقلد من ذلك ما قلدك الله وخليفته، فاعلم من قبلك رأيي في صلاحهم، وسد خلتهم، والتوسعة عليهم، فمن أنكرته عند بيعته، أو اتهمته على طاعته، فابعث إلي برأسه، وإياك وإقالته، فإن النار أولى به. واكتب إلى عمال ثغورك، وأمراء أجنادك بما طرقك من المصيبة بأمير المؤمنين، وأعلمهم أنّ الله لم يرض الدّنيا ثوابا له حتى قبضه إلى رحمته وجنته [2] ، مغبوطا محمودا. ومرهم أن يأخذوا البيعة عَلَى أجنادهم وخواصهم وعوامهم على مثل ما أمرتك به، وأوعز إليهم في ضبط ثغورهم، والقوّة على عدوهم، وأعلمهم أني متفقد أحوالهم، ولام شعثهم، وموسّع عليهم، واعمل فيما تأمر به لمن حضرك أو نأى عنك من أجنادك، على حسب ما ترى وتشاهد، فإن أخاك يعرف حسن اختيارك، وصحة رأيك، وبعد نظرك، وهو يستحفظك الله، ويسأله أن يشد بك عضده، ويجمع بك أمره، إنه لطيف لما يشاء.
وكتب بكر بن المعتمر بين يدي بإملائي في شوال سنة اثنتين وتسعين ومائة [3] .
وكتب إلى صالح أخيه:
إذا ورد عليك كتابي هذا عند وقوع/ ما قد سبق من علم الله، ونفذ من قضائه في خلفائه وأوليائه، وجرت به سنته في الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين، فقال تعالى:
كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 28: 88 [4] فاحمد الله على ما صار إليه
__________
[1] في الطبري: «عمن» .
[2] في الطبري: «روحه وراحته وجنته» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 367، 368.
[4] سورة: القصص، الآية: 88.(9/221)
أمير المؤمنين من عظيم ثوابه ومرافقة أوليائه [1] ، وصلى الله على أمير المؤمنين حيا وميتا، وإنا للَّه وإنا إليه راجعون، وإياه نسأل أن يحسن الخلافة على أمة نبيه صلَّى الله عليه وسلّم، فقد كان لهم عصمة وكهفا، وبهم رءوفا رحيما، فشمر في أمرك، وإياك أن تلقي بيديك [2] ، فإن أخاك قد اختارك لما استنهضك له، وهو متفقد مواقع فعلك [3] ، فحقق ظنه، ونسأل الله التوفيق. وخذ البيعة على من قبلك من ولد أمير المؤمنين، فإن السعادة واليمن في الأخذ بعهده، والمضيّ على منهاجه [4] . وأعلم من قبلك من الخاصة والعامة رأيي في استصلاحهم، ورد مظالمهم، وتفقد حالاتهم، وإدرار [5] أرزاقهم وأعطياتهم، فإن شغب شاغب، أو نعر ناعر، فاسط به سطوة تجعله نكالا، واضمم إلى الفضل بن الربيع ولد أمير المؤمنين وحرمه وأهله، ومره بالمسير معهم فيمن معه من جنده ورابطته، وصير إلى عبد الله بن مالك أمر العسكر وأحداثه، فإنه ثقة على ما يلي، مقبول عند العامة، ومره بالجد والتيقظ، وتجديد الحرم [6] ، وتقديم الحزم في أمره كله، وأقر حاتم بن هرثمة على ما هو عليه، ومره بحراسة/ ما يحيط به [7] من قصور أمير المؤمنين، ومر الخدم بإحضار روابطهم ممن يسد بهم [8] وبأجنادهم مواضع الخلل من عسكرك. والسلام [9] .
ولما بلغ المأمون الخبر نعى الرشيد على المنبر، وشق ثوبه ونزل، وأمر للناس بمال، وبايع لمحمد ولنفسه، وأعطى الجند [رزق] [10] اثني [11] عشر شهرا [12] .
__________
[1] في الطبري: «أنبيائه» .
[2] في الأصل: «بيدك» .
[3] في الطبري: «مواقع فقدانك» .
[4] في الطبري: «على مناهجه» .
[5] في الطبري: «وأداء» .
[6] «وتجديد الحرم، ليس في الطبري» .
[7] في الطبري: «لا يحفظ به» .
[8] الأصل: «يشد بهم» والتصحيح من الطبري.
[9] تاريخ الطبري 8/ 368، 369.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل. وأوردناه من الطبري.
[11] في الأصل: «لاثنى عشر» .
[12] تاريخ الطبري 8/ 370.(9/222)
ولما قرأ الذين وردت عليهم كتب محمد بطوس من القواد والجند وأولاد هارون، تشاوروا في اللحاق بمحمد، فقال الفضل بن الربيع: لا أدع ملكا حاضرا لآخر، ما ندري ما يكون من أمره. وأمر الناس بالرحيل، ففعلوا ذلك محبة منهم للحوق بأهليهم ومنازلهم ببغداد، وتركوا العهود التي كانت أخذت عليهم للمأمون، فانتهى الخبر بذلك من أمرهم إلى المأمون بمرو، فجمع من معه من قواد أَبِيهِ، منهم: عبد الله بن مالك، ويحيى بن معاذ، وشبيب بن حميد بن قحطبة، وذو الرئاستين [وهو] [1] عنده من أعظم [الناس] [2] قدرا، وأخصهم به، فأخبرهم وشاورهم، فأشاروا عليه أن يلحقهم في ألفي فارس جريدة، فيردهم، فدخل عليه ذو الرئاستين فَقَالَ: إن فعلت ما أشاروا عليك جعلت هؤلاء هدية إلى محمد [3] ، ولكن الرأي أن تكتب كتابا، وتوجه إليهم رسولا، فتذكرهم البيعة، وتسألهم الوفاء، وتحذرهم الحنث، وما يلزمهم في ذلك في الدين والدنيا، فتستبرئ ما عند القوم. فكتب كتابا، ووجهه مع سهل بن صاعد، ونوفل الخادم، فلحقاهم بنيسابور قد رحلوا ثلاث مراحل.
فقال الفضل بن الربيع: إنما أنا رجل واحد منهم. وشد على سهل عبد الرحمن/ ابن جبلة بالرّمح [4] ، وقَالَ: قل لصاحبك: والله لو كنت حاضرا لوضعت الرمح في فيك، هذا جوابي. ونال من المأمون، فرجعا بالخبر.
فقيل للمأمون: أعداء قد استرحت [منهم] [5] ، فابعث إلى الفقهاء فادعهم إلى الحق والعمل به، وأحياء السنة [6] .
ففعل، وحط عن خراسان ربع الخراج، ورد المظالم، وأقام على ولايته، وكاتب الأمين بالتعظيم منهم، وأهدى له هدايا كثيرة من فنون الطرف [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وقد أضفناه من الطبري.
[3] في الطبري: «جعلت هؤلاء هدية إلى محمد» . وفي الكامل لابن الأثير: «جعلوك هدية إلى أخيك» .
[4] في الأصل: «وشد على سهل بن عبد الرحمن بن جبلة بالرمح» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[6] تاريخ الطبري 8/ 370- 372.
[7] تاريخ الطبري 8/ 372.(9/223)
وأما الأمين فإنه تشاغل باللهو واللعب، وبنى ميدانا حول قصر المنصور للصوالجة، وعمل خمس حراقات في دجلة على خلقة: الأسد، والفيل، والعقاب، والفرس، والحية. وأمر لبعض من أنشده بثلاثمائة ألف دينار، وأوقر لشاعر أنشده ثلاثة أبغل دراهم.
قال الصولي: حدثني أحمد بن يزيد المهلبي، عن أَبِيهِ قَالَ: لما ولي الأمين الخلافة استبطأ الناس جلوسه، وقالوا: تشاغل باللهو. فجلس، وأمضى الأمور، وقال:
أتراني لا أعرف الإصدار والإيراد، ولكن شرب كأس، وسم آس، والاستلقاء من غير نعاس أحب إلي من مداراة النَّاسَ.
وفي هذه السنة: دخل هرثمة حائط سمرقند، ولجأ رافع إلى المدينة الداخلة، وراسل رافع التُّرْكُ فوافوه، فصار هرثمة هو ورافع والترك، ثم انصرف هرثمة إلى الترك، وضعف رافع [1] .
وفيها: قتل نقفور ملك الروم في حرب برحان، / وكان ملكه سبع [2] سنين، وملك بعده ابنه استبراق [3]- وكان مجروحا [4]- شهرين ومات، وملك ميخائيل ختنه على أخته [5] .
وأقر الأمين أخاه القاسم على ولايته التي ولاه الرشيد من عمل الجزيرة وقنّسرين والثغور، ثم صرفه عن الجزيرة في هذه السنة، واستعمل عليها خزيمة بن خازم [6] .
وفي ذي القعدة: توفي إسماعيل بن علية، وكان على المظالم، فولى الأمين
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 373.
[2] في الطبري: «سبع» . وفي إحدى نسخ الطبري: «تسع» . وفي الكامل: «سبع» .
[3] في الأصل: «استبرق» .
[4] في الأصل: «مجروح» ، وهو خطأ.
[5] تاريخ الطبري 8/ 373. والكامل 5/ 362.
[6] تاريخ الطبري 8/ 373. والكامل 5/ 362.(9/224)
مكانه محمد بن عبد الله الأنصاري على المظالم والقضاء ببغداد [1] .
وفيها: حج بالناس داود بن عيسى بن مُوسَى، وكان والي مكة [2] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1058- إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، أبو بشر الأسدي مولاهم، يعرف بابن علية
[3] .
من أهل البصرة، وأصله كوفي. سمع من أبي الساج الضبعي حديثا واحدا.
وروى الكثير: عَن عَبْد العزيز بن صهيب، وأيوب السجستاني، وابن عون، وسليمان التيمي، وحميد الطويل، وغيرهم.
وحدث عَنْه: ابن جريح، وشعبة، وحماد بن زيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد، ويحيى، وعليّ، وغيرهم. وكان حافظا، ثقة، مأمونا، ورعا، تقيا، وكان يقرأ في الليل ثلث القرآن.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، حدثنا الجوهري، حدثنا محمد بن العباس، أخبرنا أحمد بن معروف الخشاب/ حدثنا الحسين بن فهم، حدثنا محمد بن سعد قَالَ: إِسْمَاعِيل بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، مولى عبد الرحمن بن قطبة الأسدي- أسد خزيمة- وكان إبراهيم تاجرا من أهل الكوفة، وكان يقدم البصرة بتجارته، فتزوج علية بنت حسان مولاة لبني شيبان، وكانت امرأة نبيلة عاقلة، لها دار بالعوقة تعرف بها، وكان صالح المري وغيره من وجوه البصرة وفقهائها يدخلون فتحادثهم وتسائلهم، فولدت لإبراهيم إسماعيل سنة عشر ومائة، فنسب إليها، وكان ابن إبراهيم ثقة ثبتا في الحديث حجة، وقد ولي صدقات البصرة، وولي ببغداد
__________
[1] الكامل 5/ 362.
[2] تاريخ الطبري 8/ 373.
[3] تاريخ بغداد 6/ 229- 240. والجرح والتعديل 2/ 153. والتاريخ الكبير 1/ 342. وطبقات ابن سعد 7/ 325. وتهذيب التهذيب 1/ 275. والتقريب 1/ 65.(9/225)
المظالم في آخر خلافة هارون [1] .
قال مؤلف الكتاب: وقد زعم علي بن حجر أن علية جدته لأُمّه.
وكان إسماعيل يَقُولُ: من قال ابن علية فقد اغتابني. إلا أن هذا شاع فعرف بِهِ [2] .
وقال أحمد بن حنبل: فاتني مالك فأخلف الله علي سفيان بن عيينة، وفاتني حماد بن زيد فأخلف الله علي إسماعيل بن علية.
وقال شُعْبَة: ابن علية سيد المحدثين.
أنبأنا زاهر بن طاهر، حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم قَالَ: سمعت أبا الفضل محمد بن إبْرَاهِيم يَقُولُ: حدثنا أحمد بْن سلمة، حدثنا عمرو بن زائدة قَالَ: صحبت ابن علية ثلاث عشرة سنة، ما رأيته تبسم فيها [3] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو العلاء محمد بن علي الواسطي، أخبرنا أبو الفوارس/ إبراهيم بن أحمد بن محمد الفارسيّ، حدّثنا أبو الحسين يحيى بن محمد، حدثنا مسبح بن حاتم قَالَ: قال عبد الله بن محمد بن جعفر بْن عائشة، حدثنا حماد بن سلمة، وحماد بن زيد: أن عبد الله بن المبارك كان يتجر في البز، وكان يقول: لولا خمسة ما تجرت. فقيل لَهُ: يا أبا محمد، من الخمسة؟ فَقَالَ: سفيان الثوري، وسُفْيان بن عُيَيْنَة، والفضيل بن عياض، ومحمد بن السماك، وابن علية. وكان يخرج إلى خراسان فيتجر، فما ربح من شيء أخذ القوت للعيال ونفقة الحج، والباقي يصل به إخوانه الخمسة. قَالَ: فقدم سنة، فقيل لَهُ: قد ولي ابن علية القضاء. فلم يأته ولم يصله بالصرة التي كان [4] يصله
__________
[1] تاريخ بغداد 6/ 230.
[2] تاريخ بغداد 6/ 231.
[3] تاريخ بغداد 6/ 235.
[4] في الأصل: «التي كانت» .(9/226)
بها في كل سنة، فبلغ ابن علية أن ابن المبارك قد قدم، فركب إليه، فلم يرفع به عبد الله رأسا، ولم يكلمه، فانصرف، فلما كان من الغد كتب إليه رقعة فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم. أسعدك الله بطاعته، وتولاك بحفظه، وحاطك بحياطته، قد كنت منتظرا لبرك وصلتك أتبرك بها، وجئتك أمس فلم تكلمني، ورأيتك واجدا علي، فأي شيء رأيت مني حتى أعتذر إليك منه؟
فلما وردت الرقعة على عبد الله دعا بالدواة والقرطاس وقَالَ: يأبى هذا الرجل إلا أن نشق [1] له العصا، ثم كتب إِلَيْهِ:
يا جاعل الدين له بازيا ... يصطاد أموال المساكين
احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذهب بالدين
/ فصرت مجنونا بها بعد ما ... كنت دواء للمجانين
أين رواياتك في سردها ... عن ابن عون وابن سيرين
أين رواياتك والقول في ... إتيان أبواب السلاطين
إن قلت أكرهت فذا باطل ... زل حمار العلم في الطين
فلما وقف ابن علية على الأبيات قام من مجلس القضاء، فوطئ بساط هارون، وقَالَ: يا أمير المؤمنين، الله الله ارحم شيبتي، فإني لا أصبر للخطأ. فقال له هارون:
لعل هذا المجنون قد أغرى بقلبك. فقال لَهُ: الله الله أنقذك الله. فأعفاه من القضاء، فلما اتصل بعبد الله بن المبارك ذلك وجه إليه بالصرة [2] .
توفي ابن علية في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن في مقابر عبد الله بن مالك.
1059- محمد بن جعفر، أبو عبد الله الْبَصْرِيّ، يلقب: غندر [3] . وهو مولى لهذيل
[4] .
__________
[1] في تاريخ بغداد: «أن نقشر» .
[2] تاريخ بغداد 6/ 235، 236.
[3] في الأصل: «عندر» .
[4] التاريخ الكبير 1/ 57. والجرح والتعديل 7/ 221. وطبقات ابن سعد 7/ 296. وتهذيب التهذيب 9/ 96. والتقريب 2/ 151.(9/227)
بَصْرِيّ صاحب سعيد بن أبي عروبة، جالس شعبة نحوا من عشرين سنة، وسمع من جماعة غيرهما، وكان إماما ثقة، أخرج عنه في الصحيحين. وكان فيه سلامة صدر.
أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي، أخبرنا سعد الله بن علي بن أيوب، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمَأْمُونِ، أخبرنا أبو الفضل مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْمَأْمُونِ، حَدَّثَنَا أَبُو بكر بن الأنباري قَالَ: حدثني مُحَمَّد بْن المرزبان قَالَ: حدثني أبو محمد المروزي، حدثنا عبد الله بن بشير، عن سليمان بن أيّوب صاحب البصري قَالَ: قيل لغندر إن الناس يعظمون أمر السلامة التي فيك، / قَالَ: يكذبون. قال: قُلْتُ: فحدثني منها بشيء صحيح. قَالَ: صمت يوما فأكلت ثلاث مرات ناسيا، ثم ذكرت أني صائم، ثم نسيت، فثنيت، ثم ثلثت، فأتممت صومي.
قال ابن المرزبان: وحدثنا عباس بن محمد، عن يحيى بن معين قال: اشترى غندر يوما سمكا، وقَالَ لأهله: اصلحوه. ونام، فأكل عياله السمك ولطخوا يده، فلما انتبه قَالَ: قدموا السمك. قالوا: قد أكلت. قَالَ: لا. قالوا: فشم يدك. ففعل، فَقَالَ:
صدقتم، ولكن ما شبعت [1] .
قال البخاري في تاريخه [2] : مات في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة.
وذكر ابن سعد في الطبقات [3] أنه مات بالبصرة سنة أربع وتسعين.
قال مؤلف الكتاب: وقد اتفق في أسماء المحدثين أسماء جماعة: محمد بن جعفر، فلقبوا: غندر تشبيها بهذا الرجل، فمنهم:
محمد بن جعفر بن دران بن سليمان، أبو الطيب. توفي سنة سبع وخمسين وثلاثمائة. وسيأتي ذكره [4] في السنين.
ومنهم: محمد بن جعفر، أبو بكر الوراق. توفي سنة سبعين وثلاثمائة.
__________
[1] تهذيب التهذيب 9/ 97، 98.
[2] التاريخ الكبير 1/ 57.
[3] الطبقات الكبرى 7/ 296.
[4] في الأصل: «ذكرهما» .(9/228)
ومنهم: محمد بن جعفر، أبو بكر القاضي، مولى فاتن المقتدري. روى عن ميسرة بن عبد الله الخادم.
ومحمد بن جعفر. حدث عن الحسن بن علي العمري. / روى عن أحمد بن الفرج بن حجاج.
كل هؤلاء يلقب، غندر، واسمه: محمد بن جعفر.
1060- مروان بن معاوية بن الحارث بن عثمان بن أسماء بن خارجة بن عيينة بن حصن الفزاري
[1] .
كوفي الأصل. سَمِعَ إسماعيل بن خَالِد، وعاصما الأحول. وحميد الطويل، والأعمش.
وقَالَ: أتيت الأعمش فقال لي: قد قسم جدك أسماء قسما، فنسي جارا لَهُ، ثم استحى أن يعطيه وقد بدأ بآخر قبله، فبعث عليه، وصب عليه المال صبا.
وكان مروان قد تحول إلى دمشق، فسكنها، وقدم بغداد، فحدث بها، فروى عَنْه قتيبة، وأحمد بن حنبل، ويحيى، وأبو خيثمة، وابن راهويه. ثم عاد إلى مكَّةَ. وكان ثقة، إلا أنه كان يروي عن ضعاف ويدلسهم.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا ابن الفضل، حدثنا عبد الله بن جعفر، حَدَّثَنَا يعقوب بن سُفْيان قَالَ: سمعت مهدي بن أبي مهدي قَالَ: كان في خلق الفزاري شراسة، وكان معيلا شديد الحاجة، وكان الناس يبرونه، فإذا بره الإنسان كان ما دام ذلك البر عنده في منزله يعرف فيه الانبساط إلى الرجل. قَالَ: فنظرت فلم أجد شيئا أبقى في منزل الرجل من الخل، ولا أرخص منه بمكة، فكنت أشتري جرة من خل فأهدي له، فأرى موقع ذلك منه، فإذا فنى أرى ذلك منه، فأسأل الجارية: أفني خلكم؟
فتقول: نعم. فأشتري جرة، فأهديها له، فيعود/ إلى ما كان عَلَيْهِ [2] توفي بمكة قبل التروية بيوم من هذه السنة.
__________
[1] تاريخ بغداد 13/ 149- 152. والجرح والتعديل 8/ 272. وطبقات ابن سعد 7/ 329. وتهذيب التهذيب 10/ 97. والتقريب 2/ 239.
[2] تاريخ بغداد 13/ 151، 152.(9/229)
1061- هارون الرشيد، أمير المؤمنين، ابن المهدي
[1] .
كان بالرقة، وكان جبرئيل بن بختيشوع يدخل عليه كل يوم، فإن أنكر شيئا وصفه لَهُ، فذكر له ما يصلح، فدخل عليه يوما، فرآه مهتما، فسأله عن حاله، فَقَالَ: لرؤيا رأيتها أفزعتني. فقال: لعلها من بخارات رديئة، أو من تهاويل السوداء: فَقَالَ: رأيت كأني جالس على سريري هذا، إذ مدت إلي من تحتي ذراع أعرفها، وكف أعرفها، وفي الكف تربة حمراء، فقال لي قائل اسمعه ولا أرى صفته: هذه التربة التي تدفن فيها.
فقلت: أين هذه التربة؟ فَقَالَ: بطوس. وغابت اليد وانتبهت. فقال له الطبيب: أحسبك أخذت مضجعك ففكرت في خراسان وحروبها. فقال: قد كان ذلك. ومرت الأيام، ونسي، واتفق خروجه إلى خراسان حين تحرك رافع الخارجي، فلما كان ببعض الطريق ابتدأت به العلة، وما زالت تزيد حتى دخل إلى طوس، فمرض في بستان هناك، فبينا هو في البستان وذكر تلك الرؤيا، فوثب متحاملا يقوم ويسقط، فاجتمعوا إليه، كلّ يقول: يا سيدي، ما جاء لك!؟ فَقَالَ: يا جبريل، تذكر رؤياي بالرقة، في طوس. ثم رفع رأسه إلى مسرور فَقَالَ: جئني من تربة هذا البستان/ فمضى وأتى بالتربة في كفه حاسرا عن ذراعه، فلما نظر إِلَيْهِ قَالَ: والله هذه الذراع التي رأيتها في منامي، وهذا والله الكف بعينه، وهذه والله التربة الحمراء ما خرمت شيئا. وأقبل على البكاء والنحيب بعد هذا الكلام ثلاثة أيام [2] .
وفي رواية أخرى: أنه رأى في المنام أن امرأة وقفت عليه، وأخذت كف تراب وقالت: هذه تربتك عن قليل. فأصبح فزعا، فقص رؤياه، فقال له أصحابه: وما في هذا؟ قد يرى النائم أغلظ من هذا. فبينا هو يوما يسير إذ نظر إلى امْرَأَة فَقَالَ: هذه والله المرأة التي رأيتها في منامي، ولقد رأيتها بين ألف امرأة ما خفيت عليّ، ثم أمرها أن تأخذ كفا من تراب فتناوله، فضربت بيدها الأرض، وناولته، فَقَالَ: هذه والله التربة التي رأيتها، وهذه المرأة بعينها. وكان إذ مات [3] هناك.
__________
[1] البداية والنهاية 10/ 213- 222. والكامل 5/ 352- 359. وتاريخ الطبري 8/ 342- 364.
[2] البداية والنهاية 10/ 213. والكامل 5/ 352، 353. وتاريخ الطبري 8/ 342- 344.
[3] هكذا بالأصل.(9/230)
وروى الصولي قال: حدثني حسين بن يحيى قَالَ: سمعت هبة الله بن إبراهيم بن المهدي يحدث عنه أَبِيهِ قال: أحب الرشيد أن يعرف حقيقة علته، وعلم أن ابن يختيشوع يكتمه، فواطأ إنسانا من أهل طوس وسأله أن يلاطف بختيشوع، ففعل، ثم أعطى الرجل ماءه وقال له: اذهب به إلى ابن بختيشوع على أنه ماء لمريض لك. ففعل الرجل ذَلِكَ، فلما رأى ابن بختيشوع الماء قَالَ لبعض من معه: كأنه والله ماء الرجل ففطن الذي جاء بالماء، فقال لابن بختيشوع: اتق الله في، فإن بيني وبين [1] هذا الرجل/ معاملات، فإن كان يعيش لم استقص عَلَيْهِ، وأن كان يموت فرغت مما بيني وبينه.
فَقَالَ: تريد أن أصدقك؟ قَالَ: نعم. قال: صاحب هذا الماء لا يعيش إلا أياما. فعاد الرسول وأخبر الرشيد بذلك. وعلم ابن بختيشوع بالأمر، فاختفى إلى أن مات الرشيد، ولما قرب موت الرشيد جعل يقول:
إني بطوس مقيم ... ما لي بطوس حميم
أرجو إلهي لما بي ... فإنه بي رحيم
لقد أتاني بطوس ... قضاؤه المحتوم
[2] وقَالَ: (احفروا لي قبرا. فحفروا له في ذلك البستان. فَقَالَ: احملوني أنظر إِلَيْهِ.
فحمل فنظر إليه، فجعل يَقُولُ: أغثني أغثني، وارحم عبرتي. ثم قَالَ: قربوني قليلا.
فقربوه، فنظر في القبر فقال: وسعوا عند الصدر قليلا. ففعلوا، وهو ينظر، وأنزل قوما فختموا فيه القرآن، وقَالَ: مدوا موضع الرجلين. ففعلوا، وهو في محفة على شفير القبر، ثم شخص ببصره إلى السماء وقال: يا من لا يموت، ارحم من يموت، يا من لا يزول ملكه، ارحم من قد زال ملكه [3] . ثم بكى بكاء شديدا، وأنشد:
/ أنا ميت وعز من لا يموت ... قد تيقنت أنني سأموت
ليس ملك يزيله الموت ملكا ... إنما الملك ملك من لا يموت
وتوفي ليلة الأحد، وقيل: ليلة السبت نصف الليل، لغرّة جمادى الأولى، لثلاث
__________
[1] في الأصل: «فإن سسى وس» بدون نقط.
[2] البداية والنهاية 10/ 221.
[3] البداية والنهاية 10/ 213.(9/231)
خلون منه، من سنة ثلاث وتسعين، فكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة، وشهرين، وثمانية عشر يوما، وكان له سبع وأربعون سنة، وخمسة أشهر، وخمسة أيام. وقيل:
خمس وأربعون سنة. وقيل: ست وأربعون. وصلى عليه ابنه.
وتوفي وفي بيت المال تسعمائة ألف ألف ونيف. وذكر بعض المؤرخين أنه خلف ما لم يخلفه أحد من الملوك من العين والورق والجوهر والدواب والأثاث، ما بلغ قيمته سوى قيمة الضياع: مائة ألف ألف دينار [1] .
ورثاه أبو الشيص فَقَالَ:
غربت في الشرق شمس ... فلها العينان تدمع
ما رأينا قط شمسا ... غربت من حيث تطلع
[2] .
1062- أبو بكر بن عياش بن سالم بن الحناط، مولى واصل بن حيان الأسدي
[3] .
وقد اختلفوا في اسمه، فقيل: شعبة، وقيل: مُحَمَّد، وقيل: مُطَرِّف، وقيل:
رؤبة، / وقيل: سالم، وقيل: اسمه كنيته.
ولد سنة سبع وتسعين، وقيل: أربع وتسعين، وقيل: خمس وتسعين، وقيل:
ست وتسعين.
سمع أبا إسحاق السبيعي، وسليمان التيمي، والأعمش، وإسماعيل بن أبي خَالِد، وهشام بْن عُرْوَة، وغيرهم.
روى عَنْه: ابن المبارك، وابن مهدي، وحسين الجعفي، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وغيرهم.
وكان ثقة متشددا في السّنّة، إلا أنه ربما أخطأ في الحديث.
__________
[1] البداية والنهاية 10/ 222.
[2] البداية والنهاية 10/ 22، وتاريخ الطبري 8/ 364.
[3] تاريخ بغداد 14/ 371- 385. والتاريخ الكبير 9/ 14. وتهذيب التهذيب 12/ 34. والتقريب 2/ 399. وطبقات ابن سعد 6/ 376. والأنساب للسمعاني 4/ 239. وفي الأصل: «الخياط» بدلا من «الحناط» وكذلك في تاريخ بغداد، والتاريخ الكبير.
وما أثبتناه هو الصحيح، يؤكده ما في الأنساب للسمعاني 4/ 239.(9/232)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، أخبرنا البرقاني قَالَ: قرأت عَلَى أبي القاسم النحاس، أخبرنا ابن أبي دَاوُد، حدثنا إسحاق بن وَهْبِ قَالَ: سمعت يزيد بْن هارون وذكر عنده أبو بكر بن عياش، فقال: كان أبو بكر بن عياش خيرا فاضلا، لم يضع جنبه على الأرض أربعين سنة [1] .
أخبرنا القزاز، [أخبرنا الخطيب، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْعَلاءِ الْوَاسِطِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن جعفر التميمي بالكوفة، أخبرنا أبو بكر الدارمي، حدثنا الحسن بن يحيى بن أبان] [2] ، عن ابن هشام الرفاعي قَالَ: سمعت أبا بكر بن عياش يَقُولُ: لي غرفة قد عجزت عن الصعود إليها وما يمنعني من النزول منها إلا أني أختم فيها القرآن كل يوم وليلة ختمة ستون سنة [3] .
أخبرنا القزاز، [أخبرنا الخطيب، أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر الدوادي، حدثنا محمد بن العباس بن الفرات، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا أبو شيخ الإصبهاني، حدثنا دلويه قَالَ: سمعت] [4] عليًّا- يعني ابن محمد ابن أخت يعلى بن عُبَيْد- يقول: مكث أبو بكر/ بن عياش عشرين سنة وقد نزل الماء في إحدى عينيه ما يعلم به [5] أهله [6] .
وأخبرنا القزاز [أخبرنا الخطيب، أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن أَحْمَد بن البراء، حدثنا] [7] إسحاق بن
__________
[1] تاريخ بغداد 14/ 380.
[2] في الأصل: «أخبرنا القزاز بإسناده عن أبي هشام» .
وما أضفناه من تاريخ بغداد.
[3] تاريخ الطبري 14/ 382.
[4] في الأصل: «أخبرنا القزاز بإسناد له عن علي بن محمد بن أخته يعلى بن عبيد» .
وما أضفناه من تاريخ بغداد.
[5] في الأصل: «ما لم يعلم» .
[6] تاريخ الطبري 14/ 380، 381.
[7] في الأصل: «أخبرنا القزاز بإسناد له عن إسحاق بن الحسين» .
وما أضفناه من تاريخ بغداد.(9/233)
الحُسَين قَالَ: كان أبو بكر بن عياش [لما كبر] [1] يأخذ إفطاره، ثم يغمسه في إناء في جر [2] كان لَهُ في بيت مظلم، ويقول: يا ملائكتي، طالت صحبتي لكما، فإن كان [3] .
لكما عند الله شفاعة فاشفعا [4] .
وتوفي أبو بكر بن عياش في هذه السنة، وقد جاز التسعين، وقد قِيلَ أنه [جاز] ستا [5] وتسعين.
وأخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا ابن بشر، أخبرنا ابن صفوان، أخبرنا ابن أبي الدنيا، حدثنا محمد بن المثنى قَالَ: سمعت إبراهيم بن شماس قال: سمعت إبراهيم بن أَبِي بكر بن عياش يَقُولُ: شهدت [6] أبي عند الموت فبكيت، فَقَالَ: يا بني، ما يبكيك؟ فما أتى أبوك فاحشة قط [7] .
ثم دخلت سنة أربع وتسعين ومائة. يذكر ما فيها في أول الجزء العاشر، التالي لهذا الجزء إن شاء الله تعالى.
والحمد للَّه وحده، وصلواته على سيدنا محمد وآله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ بغداد.
[2] في الأصل: «جرة» .
[3] في الأصل: «كانت» .
[4] تاريخ بغداد 14/ 382.
[5] في الأصل: «فقد قيل انه ستا وتسعين» .
[6] في الأصل: «سهدت» .
[7] تاريخ بغداد 14/ 383.(9/234)
[المجلد العاشر]
بِسم الله الرَحمنِ الرَحيم وصلى الله عَلَى سيدنا محمد وآله
ثم دخلت سنة أربع وتسعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
مخالفة أهل حمص عاملهم إسحاق بن سليمان، وكان محمد ولاه إياها، فلما خالفوه انتقل إلى سلمية، فصرفه محمد عَنْهُمْ، وولى عليهم مكانه عبد الله بن سعيد الحرشي، فقتل عدة من وجوههم، وضرب مدينتهم من نواحيها بالنار، فسألوه الأمان فأجابهم وسكنوا ثم هاجوا، فضرب أيضا أعناق عدة منهم [1] .
وفيها: عزل محمد أخاه القاسم عن جميع ما كان أبوه هارون ولاه من عمل الشام وقنسرين والعواصم، وولى مكانه خزيمة بن خازم، وأمره بالمقام بمدينة السلام [2] .
وفيها: بدأ الفساد بين الأمين والمأمون، وكان السبب في ذلك: أن الفضل بن الربيع، فكر بعد مقدمه العراق على محمد، منصرفا عن طوس، وناكثا للعهود التي كان الرشيد أخذها عليه لابنه عبد الله، فعلم أن الخلافة إن أفضت يوما إلى المأمون وهو حي [3] لم يبق عَلَيْهِ، فسعى في إغراء محمد به، وحثه على خلعه، وصرف ولاية العهد من بعده إلى ابنه موسى، ولم يكن ذلك من رأي محمد ولا عزمه، بل كان عزمه الوفاء بما ضمن [4] ، فلم يزل الفضل يصغّر عنده شأن المأمون، ويزيّن له خلعه، / وأدخل معه
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 374.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 374.
[3] في الأصل: «وهي» .
[4] في الطبري: «بل كان عزمه الوفاء لأخويه» .(10/3)
في ذلك علي بن عيسى بن ماهان والسندي وغيرهما، فأزاله عن رأيه.
فأول ما بدأ به محمد عن رأي الفضل بن الربيع فيما دبر من ذَلِكَ، أن كتب إلى جميع العمال في الأمصار بالدعاء لابنه موسى بالإمرة بعد الدعاء له وللمأمون [والقاسم بْن الرشيد] [1] ، فلما بلغ ذلك إلى المأمون وعرف عزل القاسم وإقدامه على التدبير على خلعه قطع البريد عن محمد، وأسقط اسمه من الطّرز والضرب.
وكان رافع بن الليث بن نصر بن سيار لما انتهى إليه من الخبر عن المأمون وحسن سيرته في أهل عمله وإحسانه إليهم، بعث في طلب الأمان لنفسه، فسارع إلى ذلك هرثمة، وخرج رافع فلحق بالمأمون، وهرثمة بعد مقيم بسمرقند، فأكرم المأمون رافعا، ولما دخل رافع في الأمان استأذن هرثمة المأمون في القدوم عليه، فعبر نهر بلخ بعسكره والنهر جامد، فتلقاه الناس، وولاه المأمون الحرس، فأنكر ذلك كله محمد، فبدأ بالتدبير على المأمون، فكان أول ما دبر عليه أنه كتب للعباس بن عبد الله بن مالك- وهو عامل المأمون على الري- يأمره أن يبعث إليه بغرائب غروس الري- مريدا بذلك امتحانه- فبعث إليه ما أمره به، وكتم ذلك عن المأمون وذي الرئاستين، فبلغ المأمون، فعزل العباس، ثم وجه محمد إلى المأمون رسلا ثلاثة: العباس بن موسى/ بن عيسى، وصالح صاحب المصلى، ومحمد بن عيسى بن نهيك، وكتب إليه كتبا معهم يسأله تقديم موسى على نفسه، ويذكر أنه قد سماه: الناطق بالحق، وكان ذلك بمشورة علي بن عيسى بن ماهان، فرد المأمون ذلك، وسمي المأمون في ذلك اليوم: الإمام.
وكان سبب هذه التسمية: ما جاءه من خلع محمد له، ثم ضمن ذو الرئاستين للعباس ولاية الموسم وما شاء من أموال مصر، فما برح حتى أخذ منه البيعة للمأمون، وكان يكتب إليهم الأخبار، ويشير عليهم بالرأي، ورجعت الرسل إلى الأمين وأخبروه بامتناعه، وألح الفضل بن الربيع وعلي بن موسى على محمد في البيعة لابنه، وخلع المأمون، وكان الأمين يشاور في خلع المأمون فينهاه القواد، وقال له خزيمة بن خازم: لا تجرئ القواد على الخلع فيخلعوك، ولا تحملهم على نكث العهد فينكثوا عهدك- فبايع لابنه موسى، وأحضنه علي بْن عيسى، وولاه العراق.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(10/4)
وكان أول ما أخذ له البيعة بشر بن السميدع، وكان واليا على بلد، ثم أخذها صاحب مكة وصاحب المدينة على خواص من الناس قليل، دون العامة ونهى الفضل بن الربيع عن ذكر عبد الله والقاسم، والدعاء لهما على شيء من المنابر، ودس لذكر عبد الله والوقيعة فيه. ووجه إلى مكة كتابا مع رسول من حجبة البيت في أخذ الكتابين اللذين كان هارون اكتتبهما، وجعلهما في الكعبة، فقدم بهما عليه، وتكلم في ذلك بقية الحجبة، فلم يحفل بهم، فلما أتاه بهما أجازه بجائزة عظيمة ومزقهما [1] .
/ وكان محمد قد كتب إلى المأمون قبل مكاشفة المأمون إياه بالخلاف يسأله أن يتجافى لَهُ عن كور من كور خراسان سماها له، وأن يوجه العمال إليها من قبله، وأن يحتمل توجيه رجل من قبله يوليه البريد ليكتب إليه بخبره، فاشتد ذلك على المأمون، وشاور في ذلك الفضل بن سهل وأخاه الحَسَن، ثم كتب إِلَيْهِ:
قد بلغني كتاب أمير المؤمنين يسألني التجافي عن مواضع سماها مما أثبته الرشيد في العقد، وجعل أمره إلي، ولو لم يكن ذلك مثبتا بالعهود والمواثيق المأخوذة، ثم كنت على الحال التي أنا عليها من إشراف عدو مخوف الشوكة، وجنود لا تستتبع طاعتها إلا بالأموال، لكان في ذلك نظر أمير المؤمنين لعامته، وما يحب من لم أطرافه ما يوجب عليه أن يقسم له كثيرا من عنايته، وأن يستصلحه ببذل كثير من ماله، فكيف بمسألة ما أوجبه الحق، ووكد به مأخوذ العهد [2] .
وكان المأمون قد وجه حارسه إلى الحد، فلا يجوز رسول من العراق حتى يوجهوه مع ثقات من الأمناء، ولا يستعلم خبرا ولا يؤثر أثرا فحصن أهل خراسان من أن يستمالوا برغبة ورهبة، أو يحملوا على مخالفة. ثم وضع على مراصد الطرق ثقات من الحراس لا يجوز عليهم إلا من لا يدخل الظنة في أمره [3] ، فيسلم ممن يدخل موغلا في هيئة السابلة والطارئة. وفتّشت [4] الكتب.
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 374- 377.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 379.
[3] في الأصل: «الظنة من أمره» . وما أثبتناه من الطبري.
[4] في الأصل: «وفتش» .(10/5)
فوجه محمد جماعة ليناظروا في منعه ما قد سأل، وإنما وجهوا ليعلم أنهم قد عاينوا وسمعوا، ثم يلتمس منهم أن يبدلوا أو يحرفوا [1] ، فيكون عليهم حجة وذريعة/ لما التمس.
فلما صاروا إلى حد الري [2] وجدوا تدبيرا مؤيدا، وعقدا مستحكما [3] ، وأخذتهم الأحراس من جوانبهم. وكتب بخبرهم من مكانهم، فجاء الإذن في حملهم فحملوا محروسين لا خبر يصل إليهم، ولا خبر يخرج منهم، وقد كانوا على نية بذل الأموال والولايات للمفارقين، فوجدوا ذَلِكَ ممنوعا، فوصلوا ومعهم كتاب الأمين وفيه [4] :
أما بعد، فإن الرشيد وإن كان أفردك بالطرف، وضم إليك من الكور ما ضم، تأييدا لأمرك، فإن ذلك لا يوجب لك فضلة المال عن كفايتك، والحق في الفضول أن تكون مردودة في أهلها، فكتبت تلط [5] دون ذلك بما إن تم أمرك عليه صيرنا الحق إلى مطالبتك.
فكتب المأمون: بلغني كتاب أمير المؤمنين، ولم يكتب فيما جهل فأسأل [6] عن وجهه، ولم يسأل ما يوجبه حق فتلزمني الحجة بترك إجابته، فلا تبعثني يا ابن أبي على مخالفتك، وأنا مذعن بطاعتك.
فلما وصل الكتاب تغيظ الأمين، وكتب:
أما بعد، فقد بلغني كتابك غامطا لنعمة الله عليك، متعرضا لحراق نار لا قبل لك بها، فأعلمني رأيك.
فقال المأمون لذي الرئاستين: إن ولدي وأهلي ومالي الذي أفرده الرشيد لي بحضرة محمد- وهو مائة ألف ألف- وأنا إليها محتاج، فما ترى؟
__________
[1] في الطبري «يبذلوا أو يحرموا» .
[2] في الأصل: «إلى حد الرأي» .
[3] في تاريخ الطبري: «مستحصدا» .
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 380.
[5] تلطّ: تجحد.
[6] في الطبري: «فأكشف عن وجهه» .(10/6)
فقال ذو الرئاستين: بك حاجة إلى مالك وأهلك، فإن منعك صار إلى خلع عهده، وحملك على محاربته، وأنا أكره أن تكون أنت المستفتح باب الفرقة [1] .
قَالَ: فاكتب إليه: أما بعد، فإن نظر أمير المؤمنين للعامة نظر من لا يقتصر على إعطاء النصفة من نفسه حتى يتجاوزها إليهم ببره وصلته، / فإذا كان للعامة، فأحر بأن يكون ذَلِكَ بصنوه، وقد علم أمير المؤمنين حالا أنا عليها من ثغور حللت بين لهواتها، وأخبار لا تزال تنكث رأيها، وقلة الخراج قبلي، والأهل والمال والولد قبل أمير المؤمنين، وما للأهل- وإن كانوا في كفاية أمير المؤمنين فكان لهم والدا- بد من النزوع إلى كنفي، وقد وجهت لحمل العيال وحمل المال، فرأى أمير المؤمنين في إجازة فلان إلى لرقة في حمل ذلك. والسلام [2] .
فكتب الأمين: أما المال فمن مال الله، وأمير المؤمنين يستظهر لدينه، وبه إلى ذَلِكَ حاجة في تحصين أمور المسلمين، فكان أولى به، وأما الأهل فلم أر من حملهم ما رأيت من تعريضهم للتشتيت، فإن رأيت ذلك وجهتهم مع الثقة.
فلما وصل الكتاب قال ذو الرئاستين: الرأي حسم ما يوجب الفرقة، فإن تطلع إليها فقد تعرض للَّه بالمخالفة وتعرضت بالتأييد والمعونة [3] .
ودس الفضل بن سهل أقواما يكاتبونه بالأخبار اختارهم لذلك، وكان أول ما دبر الفضل أن أقام الأجناد، وأشخص طاهر بن الحسين، فورد الري، فنزلها ووجه الأمين عصمة بن أحمد بْن سالم إلى من بهمدان أن يكون في ألف رجل، وولاه حرب كور الجبل، وأمره أن يقيم بهمدان، وأن يوجه مقدمته إلى ساوة، وجعل الفضل بن الربيع وعلي بن عيسى يحثان محمدا على/ خلع المأمون [4] .
وفي هذه السنة في ربيع الأول: عقد الأمين لابنه موسى على جميع ما استخلف
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 381.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 382.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 383.
[4] انظر تاريخ الطبري 8/ 386- 387.(10/7)
عَلَيْهِ، وجعل [صاحب] [1] أمره كله علي بن عيسى بن ماهان، وعلى شرطته محمد بن عيسى بن نهيك، وعلى حرسه عثمان بن عيسى بن نهيك، وعلى خراجه عبد الله بن عبيدة [2] ، وعلى ديوان رسائله علي بن صالح [3] .
وفيها: وثب الروم على ميخائيل، فهرب وترهب، وكان ملكه سنتين، وملك الروم عليهم ليون.
وحج بالناس في هذه السنة داود بن عيسى بن موسى بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس، وهو كَانَ الوالي على مكة والمدينة. وقيل: حج بهم علي بن الرشيد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1063- سلم بن سالم، أبو مُحَمَّد- وقيل: أبو عبد الرحمن- البلخي
[4] .
قدم بغداد، وحدث عن إبراهيم بن طهمان، [و] الثوري. روى عنه [5] :
الحسن بن عرفة.
وكان مذكورا بالعبادة والزهد، مكث أربعين سنة لم ير له فراش، ولم ير مفطرا إلا يوم فطر أو أضحى، وما رفع رأسه إلى السماء أكثر من أربعين سنة. [6] وكان داعيا في الإرجاء، وكان صارما في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فدخل بغداد، فشنع على الرشيد، فأخذه وحبسه وقيده باثني عشر قيدا، فشنع عليه أبو معاوية الضرير حتى بقيت أربعة، وكان يدعو في حبسه ويقول: اللَّهمّ لا تجعل موتي في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقطة من الأصل، وأضفناه من الطبري.
[2] في الأصل: «بن عبدة» .
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 387.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 140- 145.
[5] في الأصل: «روى عن» .
[6] انظر: تاريخ بغداد 9/ 141.(10/8)
حبسه، / ولا تمتني حتى ألقى أهلي. فمات الرشيد فخلت عنه زبيدة، فخرج إلى الحج فوافى أهله بمكة قدموا حجاجا، فمرض فاشتهى البرد، فجمعوا [له] [1] فأكل ومات. وذلك في [ذي] [2] الحجة من هذه السنة.
وقد اتفق المحدثون على تضعيف رواياته.
1064- عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت بن محمد الثقفي البصري
[3] .
ولد سنة ثمان ومائة- وقيل: سنة عشر- وسمع أيوب السجستاني، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وخالدا الحداد وغيرهم.
روى عَنْه: الشافعي، وأحمد، وابن راهويه، ويحيى، وغيرهم. وكان ثقة، إلا أنه اختلط في آخر عمره.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا يحيى بْن علي بن الطيب الدسكري قَالَ: سمعت أبا محمد الحسن بن أحمد بن سعيد بن عصمة يَقُولُ: سمعت الفضيل بن العباس الهروي يَقُولُ: سمعت عاصما المروزي يَقُولُ:
سمعت عمرو بن عليّ يَقُولُ: كانت غَلَّةُ عَبْد الوهاب بن عبد المجيد في كل سنة ما بين أربعين ألفا إلى خمسين ألفا، فكان إذا أتت عليه السنة ينفقها على أصحاب الحديث، فلم يبق منها شيء [4] .
توفي عبد الوهاب في هذه السنة، وهو ابن أربع وثمانين سنة.
1065- أبو نصر الجهيني المصاب.
أنبأنا ابن ناصر الحافظ، أنبأنا المبارك بن عبد الجبار، أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت، أنبأنا أبو الحسن بن رزقويه، أنبأنا عثمان بن أحمد الدقاق، أنبأنا العباس بن مسروق، أَنْبَأَنَا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن الأشهلي قال: سمعت محمد بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ بغداد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ بغداد.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 18- 21.
[4] انظر: تاريخ بغداد 11/ 19- 20.(10/9)
إسماعيل بن أبي فديك قَالَ: كان عندنا رجل يكنى أبا نصر من جهينة، ذاهب العقل/، في غير ما الناس فيه، لا يتكلم حتى يكلم، وكان يجلس مع أهل الصفة في آخر مسجد رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، وكان إذا سئل عن شيء أجاب فيه جوابا حسنا مغربا، فأتيته يوما وهو في مؤخر المسجد مع أهل الصفة، منكسا رأسه، واضعا جبهته بين ركبتيه، فجلست إلى جنبه، فحركته فانتبه فزعا، فأعطيته شيئا كان معي، فأخذه فقال: قد صادف منا حاجة، فقلت لَهُ: يا أبا نصر، ما الشرف؟ قَالَ: حمل ما ناب العشيرة، أدناها وأقصاها، والقبول من محسنها، والتجاوز عن مسيئها. قلت له: فما السخاء؟ قال:
جهد مقل. قُلْتُ: فما البخل؟ قال: أف، وحول وجهه عني. قلت: تجيبني؟ قال:
أجبتك.
وقدم علينا هارون الرشيد فأخلي له المسجد، فوقف على قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى منبره، وفي موقف جبريل عليه السلام، واعتنق أسطوانة النبوة، ثم قَالَ: قفوا بي على أهل الصفة. فلما أتاهم حرك أبو نصر وقيل: هو أمير المؤمنين. فرفع رأسه وقال:
أيها الرجل، إنه ليس بين عباد الله وأمة نبيه ورعيتك وبين الله خلق غيرك، وإن الله سائلك عنهم، فأعد للمسألة جوابا، وقد قال عمر بن الخطاب: لو ضاعت سخلة على شاطئ الفرات لخاف عمر أن يسأله الله عنها. فبكى هارون وقَالَ: يا أبا نصر، إن رعيتي غير رعية عمر، ودهري غير دهر عمر. فقال لَهُ: هذا والله غير مغن عنك، فانظر لنفسك، فإنك وعمر تسألان عما خولكما الله. فدعى هارون بصرّة فيها ثلاثمائة/ دينار، فَقَالَ: ادفعوها إلى أبي نصر، فَقَالَ أبو نصر: ما أنا إلا رجل من أهل الصفة، فادفعوها إلى فلان يفرقها عليهم ويجعلني كرجل منهم.
وكان أبو نصر يخرج كل يوم جمعة صلاة الغداة، فيدخل السوق مما يلي الثنية، فلا يزال يقف على مربعة مربعة ويقول: أيها الناس، اتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة، إن العبد إذا مات صحبه أهله وماله وعمله، فإذا وضع في قبره رجع أهله وماله وبقي عمله، فاختاروا لأنفسكم ما يؤنسكم في قبوركم رحمكم اللَّه. فلا يزال يعمل ذلك في مربعة مربعة حتى يأتي مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يصلي الجمعة، فلا يخرج من المسجد حتى يصلي العشاء الآخرة.(10/10)
ثم دخلت سنة خمس وتسعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
أن الأمين أمر بإسقاط الدراهم والدنانير التي ضربت لأخيه بخراسان في سنة أربع وتسعين، وسبب ذلك: أن المأمون أمر أن لا يثبت فيها اسم محمد، فكانت لا تجوز حينا. [1] وفيها: نهى عن الدعاء على المنابر في عمله كله للمأمون والقاسم، وأمر بالدعاء لنفسه، ثم لابنه مُوسَى، وذلك في صفر من هذه السنة، وكان موسى طفلا صغيرا، وذلك عن رأي الفضل بن الربيع، فبلغ ذلك المأمون، فسمي بإمام المؤمنين، وكوتب بذلك [2] .
ولما عزم محمد على خلع المأمون/ قال له الفضل: ألا تعذر إليه [يا أمير المؤمنين] [3] لعله يسلم الأمر في عافية، فتكتب إليه كتابا فتسأله الصفح عما في يديه.
فقال له إسماعيل بْن صبيح: هذا تقوية إليهم، ولكن اكتب إليه فأعلمه حبك لقربه [4] .
فكتب إِلَيْهِ: إني أحب قربك لتعاونني. فكتب إِلَيْهِ: إن مكاني أعود على أمير المؤمنين. ثم دعى الفضل فَقَالَ: ما ترى؟ قَالَ: أن تمسك موضعك قال: كيف؟ مع
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 389.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 389.
[3] ما بين المعقوفتين: زيادة من الطبري.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 400 وما بعدها.(10/11)
مخالفة محمد والمال والجند معه، والملوك حولي كلهم عدو لي. قَالَ: تصلح ما بيني وبينهم، فلما عرف الأمين أنه لا يأتيه وجه إليه عصمة بن حماد، وأمره بقطع الميرة عن خراسان.
وفيها: عقد الأمين لعلي بن عيسى بن ماهان، وذلك يوم الأربعاء لليلة خلت من ربيع الآخر على كور الجبل كلها: نهاوند، وهمدان، وقم، وأصفهان، حربها وخراجها، وضم إليه جماعة من القواد، وأمر له بمائتي ألف دينار، ولولده بخمسين ألف دينار، وأعطى الجند مالا عظيما، وأمر له من السيوف المحلاة بألفي سيف، وستة آلاف ثوب للخلع، وأحضر الأمين أهل بيته ومواليه وقواده المقصورة بالشماسية يوم الجمعة لثمان خلون من جمادى الآخرة، فصلى الجمعة، ودخل وجلس لهم ابنه موسى في المحراب ومعه الفضل بن الربيع وجميع من حضر، فقرأ على جماعتهم كتابا من الأمين يعلمهم رأيه فيهم، وحقه عليهم، وما سبق له من البيعة منفردا بها، ولزوم ذلك لهم، وما أحدث المأمون من/ التسمي بالإمام [1] ، والدعاء إلى نفسه، وقطع البريد، وقطع ذكره من دار الطرز، وأن ما أحدث من ذلك ليس لَهُ.
ثم تكلم الفضل وقال: لا حق لأحد في الخلافة، إلا لأمير المؤمنين محمد، ولم يجعل الله لعبد الله ولا لغيره في ذلك حظا، وأن الأمير موسى قد أمر لكم من صلب ماله ثلاثة آلاف ألف درهم تقسم بينكم يا أهل خراسان [2] .
وفيها: شخص علي بن عيسى إلى الري لحرب المأمون، فكان خروجه عشية الجمعة لأربع عشرة خلت من جمادى الآخرة، وخرج فيما بين صلاة الجمعة إلى صلاة العصر إلى معسكره في زهاء من أربعين ألفا [3] .
ولما أراد الخروج ودع أم جعفر فقالت لَهُ: يا علي، إن أمير المؤمنين وإن كان ولدي فأني على عبد الله مشفقة، فاعرف لعبد الله حق إخوته، ولا تبجه بالكلام ولا
__________
[1] من الطبري: «التسمي بالإمامة» .
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 389- 390.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 390.(10/12)
تفتشره افتشار العبيد، وإن شتمك فاحتمله، ثم دفعت إليه قيدا من فضة فقالت: إن صار في يدك فقيده به.
فشخص ومعه الأمين إلى النهروان يوم الأحد لست بقين من جمادى الآخرة، فعرض الجند، وعاد إلى مدينة السلام، وأقام علي بن عيسى بالنهروان ثلاثة أيام، ثم شخص إلى ما وجه لَهُ مسرعا، حتى نزل همدان، فولى عليها عبد الله بن حميد بن قحطبة، وكان الأمين قد كتب إلى عصمة بن حماد يأمره بالانصراف في خاصة أصحابه، وضم بقية العسكر وما فيه من الأموال إلى علي بن عيسى، وكتب إلى أبي دلف القاسم بن علي بالانضمام إليه فيمن معه من أصحابه، وشخص علي بن عيسى من همدان يريد الري، فكان يسأل عن خراسان فيقال له إن طاهرا مقيم بالري، فيضحك فيقول/ وما طاهر!؟ هل هو إلا شوكة بين أعضائي. فلقيه طاهر في نحو أربعة آلاف، فلما رأى طاهر جمع علي بن عيسى قَالَ: هذا ما لا طاقة لنا به، ولكن نجعلها خارجية نقصد القلب. فحملوا فجرى القتال، فقتل علي بن عيسى وألقي في بئر، وهزم عسكره وأخذ منهم سبعمائة ألف درهم.
وكتب طاهر إلى ذي الرئاستين: أطال الله بقاءك، وكبت أعداءك، وجعل من يشنؤك فداءك، كتبت إليك ورأس علي بن عيسى بين يدي، وخاتمه في أصبعي، والحمد للَّه رب العالمين.
فدخل على المأمون فبشره، فأيد طاهرا بالرجال، وسماه ذا اليمينين، وأمر بإحضار أهل بيته، والقواد، ووجوه الناس، فدخلوا فسلموا عليه بالخلافة، وأعلن يومئذ بخلع الأمين.
ثم ورد برأس علي بن عيسى يوم الثلاثاء، فطيف به خراسان، وبلغ الخبر إلى الأمين، فندم على نكثه وغدره، ومشى القواد بعضهم إلى بعض، وذلك يوم الخميس للنصف من شوال، فقالوا: أن عليا قد قتل، ولا شك أن محمدا يحتاج إلى الرجال، فاطلبوا الجوائز والأرزاق، فلعلنا نصيب في هذه الحالة ما يصلحنا، فأصبحوا يكبرون ويطلبون الأرزاق.
وبلغ الخبر عبد الله بن خازم، فركب إليهم في أصحابه، فتراموا بالنشاب(10/13)
والحجارة، وسمع محمد التكبير والضجيج، فَقَالَ: ما الخبر؟ فأعلموه، فَقَالَ: مروا ابن خازم فلينصرف عنهم.
ثم أمر لهم بأرزاق أربعة شهور، ورفع من كان دون الثمانين إلى الثمانين، وأمر للقواد بالصلات، وبعث إلى نوفل خادم المأمون، فأخذ/ منه ستة آلاف ألف درهم التي كان الرشيد وصل المأمون بها، وقبض ضياعه وغلاته وأمواله، وولى عليها عمالا من قبله، ووجه عَبْد الرَّحْمَن بن جبلة من الأنبار بالقوة والعدة في عشرين ألفا، فنزل همدان لحرب طاهر، وولاه ما بين حلوان إلى ما غلب عليه من أرض خراسان، فمرّ حتى نزل همدان، وضبط طرقها، وحصر سورها، وسد ثلمها واستعد للقاء طاهر. ثم التقوا فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم هزمهم طاهر فحصرهم في مدينة همدان، وقطع عنهم الميرة، فطلبوا الأمان، فأمنهم، ثم قتل عَبْد الرَّحْمَن بن جبلة.
وكان السبب أنه لما أمنه طاهر أقام يريه أنه مسالم لَهُ، راض بعهده، ثم اغتره وأصحابه، فهجم بأصحابه عليهم، فوضعوا فيهم السيف، فثاروا إليهم، فاقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم أصحاب عبد الرحمن، وترجل هو وجماعة من أصحابه فقاتل حتى قتل [1] .
وفي هذه السنة: طرد طاهر عمال محمد عن قزوين وسائر كور الجبل [2] .
وفيها: ظهر السفياني بالشام، واسمه علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية، فدعا لنفسه، وذلك في ذي الحجة. وطرد عنها سليمان بن أبي جعفر بعد أن حصره بدمشق- وكان عامل مُحَمَّد عليها- ثم أفلت منه بعد اليأس، فوجه إليه محمد بن الحسين بن علي بن عيسى بْن ماهان، فلم يصل إليه، وأقام بالرقة [3] .
وحج بالناس في هذه السنة داود بن موسى بن عيسى بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاس، وهو كان العامل على مكة والمدينة من قبل محمد، وكان على
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 390- 417.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 415- 416.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 415.(10/14)
الكوفة العباس بن موسى الهادي، وعلى البصرة منصور/ بن المهدي، وبخراسان المأمون [1] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1066- إسحاق بن يوسف بن محمد بن محمد الأزرق الواسطي
[2] .
سَمِعَ الأعمش، والجريري، والثوري، وغيرهم.
روى عنه: أحمد ويحيى. وكان من الثقات المأمونين، ومن عباد الله الصالحين.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر بن علي بن ثابت، أخبرنا أبو نصر مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الزَّيَّاتُ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَيُّوبَ الْمَخْرميُّ قَالَ:
سَمِعْتُ الحسن بن حماد سجادة يَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّ أُمَّ إِسْحَاقَ الأَزْرَقِ قَالَتْ لَهُ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ بِالْكُوفَةِ رَجُلا يَسْتَخِفُّ بِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَأَنْتَ عَلَى الْحَجِّ فَأَسْأَلُكَ بِحَقِّي عَلَيْكَ أَنْ لا تَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ إِسْحَاقُ: فَدَخَلْتُ الْكُوفَةَ فَإِذَا الأَعْمَشُ قَاعِدٌ وَحْدَهُ، فَوَقَفْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقُلْتُ: أُمِّي وَالأَعْمَشُ!! وقال النبي للَّه صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» . فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَسَلَّمْتُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، حَدِّثْنِي فَإِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ. قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ وَاسِطَ. قَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قُلْتُ: إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ. قَالَ: فَلا حَيِيتَ وَلا حَيِيَتْ أُمُّكَ، أَلَيْسَ حَرَّجَتْ أَنْ لا تَسْمَعَ مِنِّي شَيْئًا؟
قُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، لَيْسَ كُلُّ مَا بلغك يكون حَقًّا. قَالَ: لأُحَدِّثَنَّكَ بِحَدِيثٍ مَا حَدَّثْتُهُ أَحَدًا قَبْلَكَ. فَحَدَّثَنِي عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْخَوَارِجُ كِلابُ أَهْلِ النَّارِ» [3] .
تُوُفِّيَ إِسْحَاقُ بواسط في هذه السنة. /
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 417.
[2] انظر: تاريخ بغداد 6/ 319- 321.
[3] انظر: تاريخ بغداد 6/ 319.(10/15)
1067- بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير.
يقال: بكار، وإنما هو: أبو بكر. كان مدرة قريش شرفا وبيانا ولسانا وجاها وحسن أثر، وكان الرشيد معجبا به، فاستعمله على المدينة، وأقام عامله عليها اثنتي عشرة سنة وثلاثة أشهر وأحد عشر يوما، وأخرج على يده لأهل المدينة ثلاث أعطيات مقدارها ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار، كل عطاء أربعمائة ألف دينار.
وكان الرشيد إذا كتب إليه كتب: من عبد الله هارون أمير المؤمنين إلى أبي بكر بن عَبْد اللَّه.
وكان عماله وجوه أهل المدينة فقها وعلما ومروءة وشرفا. وكان جوادا، فقل بيت بالمدينة لم يدخله صنيعه.
توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
1068- أبو نواس الحسن بن هانئ بن جناح بن عبد الله بن الجراح، أبو علي. الشاعر المعروف بأبي نواس
[1] .
ويقال لَهُ: الحكمي، وفي ذلك قولان: أحدهما: أنه نسبة إلى جده الأعلى الحكم بن سعد العشيرة والثاني: أنه مولى الجراح.
ولد بالأهواز، ونشأ بالبصرة، وقرأ القرآن على يعقوب الحضرمي، واختلف إلى أبي زيد النَّحْوِي، وكتب عنه الغريب والألفاظ، وحفظ عن أبي عبيدة أيام الناس، ونظر في نحو سيبويه.
قال الجاحظ: ما رأيت أحدا كان أعلم باللغة من أبي نواس، ولا أفصح لهجة مع حلاوة ومجانبة الاستكراه.
وسمع الحديث من: حماد بن زيد، وعبد الواحد بن زيد، ومعمر بن سُلَيْمَان، وغيرهم. وأسند الحديث.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ خَيْرُونٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ علي بن ثابت
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 436- 449.(10/16)
قَالَ: أَخْبَرَنَا هِلالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ الصُّوفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُوَاسٍ الْحَسَنُ بْنُ هَانِئٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَزِيدَ الرِّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحْسِنَ ظَنَّهُ باللَّه مِنَ الْخَيْرِ.
قال ابن كثير: ودخلنا على أبي نواس نعوده في مرضه الذي مات فيه، فقال له عيسى بن موسى الهاشمي: يا أبا عليّ، أنت في آخِرَ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَأَوَّلَ يَوْمٍ من أيام الآخرة، وبينك وبين الله هنات، فتب إلى الله. قال أبو نواس: أسندوني. فلما استوى جالسا قال: إيّاي يخوف باللَّه وَقَدْ حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «لِكُلِّ نَبِيٍّ شَفَاعَةٍ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ شَفَاعَتِي لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَفَتَرَى لا أَكُونُ مِنْهُمْ؟!.
قال أبو عبيدة: كان أبو نواس للمحدثين مثل امرئ القيس للمتقدمين.
وقال أبو نواس: ما قلت من الشعر شيئا حتى رويت لستين امرأة من العرب منهن الخنساء وليلى، فما ظنك بالرجال [1] ! وله مدائح في الخلفاء:
أخبرنا أبو منصور القزاز قَالَ: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
أخبرني أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عبد الغفار قَالَ: أخبرنا محمد بن الحسن بن الفضل بن المأمون، حَدَّثَنَا أبو بكر بن القاسم الأنباري، حدثنا عبد الله بن خلف، حدّثني عبد الله بن سفيان، حدّثني عبد الله الخزاعي، عن ابن مبادر الشاعر قَالَ: دخل سليمان بن المنصور على مُحَمَّد الأمين/ فرفع إليه أن أبا نواس هجاه، وأنه زنديق حلال الدم، وأنشده من أشعاره المنكرة أبياتا، فقال له: يا عم اقتله بعد قوله:
أهدي الثناء إلى الأمين محمد ... ما بعده بتجارة متربص
صدق الثناء على الأمين محمد ... ومن الثناء تكذب وتخرص
قد ينفص القمر المنير إذا استوى ... هذا ونور محمد لا ينقص
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 7/ 437.(10/17)
وإذا بنو المنصور عد حصاؤهم ... فمحمد ياقوتها المتخلص
فغضب سليمان وقَالَ: لو شكوت من عبد الله ما شكوت من هذا الكافر لوجب أن تعاقبه، فكيف منه. فقال: يا عم كيف أعمل بقوله:
قد أصبح الملك بالمنى ظفرا ... كأنما كان عاشقا قدرا
حسبك وجه الأمين من قمر ... إذا طوى الليل دونك القمرا
خليفة يعتني بأمته ... وإن أتته ذنوبها غمرا
حتى لو استطاع من تحننه ... دافع عنها القضاء والقدرا
فازداد سليمان غضبا فقال: يا عم، كيف أعمل بقوله:
يا كثير النوح في الدمن ... لا عليها بل على السكن
سنة العشاق واحدة ... فإذا أحببت فاستبن
ظن بي من قد كلفت به ... فهو يجفوني على الظنن
بات لا يعنيه ما لقيت ... عين ممنوع من الوسن
رشأ لولا ملاحته ... خلت الدنيا من الفتن
تضحك الدنيا إلى ملك ... قام بالآثار والسنن
/ يا أمين الله عش أبدا ... دم على الأيام والزمن
أنت تبقى والفناء لنا ... فإذا أفنيتنا فكن
قَالَ: فانقطع سليمان عن الركوب، فأمر الأمين بحبس أبي نواس، فلما طال حبسه كتب إِلَيْهِ:
تذكر أمين الله والعهد يذكر ... مقامي وإنشاديك والناس حضر
ونثري عليك الدر يا در هاشم ... فيا من رأى درا على الدر ينثر
أبوك الذي لم يملك الأرض مثله ... وعمك موسى عدله المتخير
وجداك مهدي الهدى وشقيقه ... أبو أمك الأدنى أبو الفضل جعفر
وما مثل منصور يك منصور هاشم ... ومنصور قحطان إذا عد مفخر
فمن ذا الذي يرمي بسهميك في العلى ... وعبد مناف والداك وحمير(10/18)
تحسنت الدنيا بحسن خليفة ... هو الصبح إلا أنه الدهر مسفر
يشير إليه الجود من وجناته ... وينظر من أعطافه حين ينظر
مضت لي شهور مذ حبست ثلاثة ... كأني قد أذنبت ما ليس يغفر
فإن لم أكن أذنبت فيم عقوبتي ... وإن كنت ذا ذنب فعفوك أكبر
فلما قرأ محمد الأبيات قال: أخرجوه وأجيزوه، ولو غضب/ ولد المنصور كلهم.
قال المصنف: كان أبو نواس قد غلب عليه حب اللعب واللهو وفعل المعاصي، ولا أؤثر أن أذكر أفعاله المذمومة، لأني قد ذكرت عنه التوبة في آخر عمره، وإنما كان لعبه في أول العمر.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الطَّبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أحْمَد بْن مُحَمَّد بن عمران، حَدَّثَنَا الحسين بن إسماعيل المحاملي، حدّثنا علي بن الأعرابي قال: قال أبو العتاهية: لقيت أبا نواس في المسجد الجامع فعذلته. فقلت له: أما آن لك أن ترعوي، أما آن لك أن تنزجر!؟ فرفع رأسه إلي وهو يقول:
أتراني يا عتاهي ... تاركا تلك الملاهي؟
أتراني مفسدا بالنسك ... عند القوم جاهي؟
قال: فلما ألححت عليه بالعذل أنشأ يقول:
لن ترجع الأنفس عن غيها ... ما لم يكن منها لها زاجر
قال: فوددت أني قلت هذا البيت بكل شيء قلته [1] .
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا علي بن محمد المعدل، أخبرنا عثمان بن محمد الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ، أخبرنا علي بن محمد بن زكريا قال: دخلت على أبي نواس وهو يكيد بنفسه، فقال لي: أتكتب؟ قلت: نعم.
فأنشأ يقول:
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 7/ 446.(10/19)
دب في الفناء سفلا وعلوا ... وأراني أموت عضوا فعضوا
ذهبت شرتي بحدة نفسي ... فتذكرت طاعة الله نضوا
ليس من ساعة مضت بي إلا ... نقصتني بمرها بي حذوا [1]
لهف نفسي على ليال وأيام ... تملّيتهنَّ لعبا ولهوا
/ قد أسأنا كل الإساءة يا ... رب فصفحا عنا إلهي وعفوا [2]
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، حدثني [3] عبيد الله بن أبي الفتح، حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن السكري، حدثنا عبد الله بن أبي سعد، حدّثنا إبراهيم بن إسماعيل ابن أخي أبي نواس، حدثني [4] جعفر الصائغ قال:
لما احتضر أبو نواس قال: اكتبوا هذه الأبيات على قبري:
وعظتك أجداث صمت ... ونعتك أزمنة خفت
وتكلمت عن أوجه ... تبلى وعن صور سبت
وأرتك قبرك في القبور ... وأنت حي لم تمت [5]
توفي أبو نواس سنة خمس وتسعين ومائة. وقيل: سنة ست. وقيل: سنة ثمان.
وكان عمره تسعا وخمسين سنة. ودفن بمقابر الشونيزي في تل اليهود.
أخبرنا القزاز، أنبأنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا علي بن محمد المعدل، أخبرنا عثمان بن أحمد، أخبرنا أحمد بن البراء، أخبرنا عمر بن مدرك، حدثني محمد [6] بن يحيى، عن محمد بن نافع قال: كان أبو نواس لي صديقا، فوقعت بيني وبينه هجرة في آخر عمره، ثم بلغني وفاته فتضاعف علي الحزن، فبينا أنا بين النائم واليقظان إذا أنا به، فقلت: أبو نواس؟ قَالَ: لات حين كنيته. قلت: الحسن بن هانئ؟ قال: نعم. قلت:
__________
[1] في الأصل: «جزوا» .
[2] انظر: تاريخ بغداد 7/ 447- 448.
[3] في الأصل: «وحدثني» .
[4] في الأصل: «وحدثني» .
[5] انظر: تاريخ بغداد 7/ 448.
[6] في الأصل: «وحدثني» .(10/20)
ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بأبيات قلتها هي [تحت] [1] ثني وسادتي. فأتيت أهله، فلما أحسوا بي أجهشوا بالبكاء. فقلت لهم: هل قال أخي شعرا قبل موته؟ قالوا: لا نعلم إلا أنه دعا بدواة وقرطاس وكتب/ شيئا لا ندري ما هو. قلت: ائذنوا لي أدخل.
قَالَ: فدخلت إلى مرقده، فإذا ثيابه لم تحرك بعد، فرفعت وسادة فلم أر شيئا، ثم رفعت أخرى فإذا برقعة فيها مكتوب:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فمن الذي يدعو ويرجو المجرم؟
أدعوك رب كما أمرت تضرعا ... فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
ما لي إليك وسيلة إلا الرجا ... وجميل عفوك، ثم إني مسلم [2] .
1069- محمد بن خازم، أبو معاوية التميمي. مولى سعد بن زيد مناة
[3] .
ولد سنة ثلاث عشرة ومائة، وعمي بعد أربع سنين، ولازم الأعمش عشرين سنة، وكان أثبت أصحابه، وكان يقدم على الثوري وشعبة، وكان حافظا للقرآن ثقة، لكنه كان يرى رأي المرجئة.
وروى عَنْه: أَحْمَد ويحيى، وخلق كثير.
وروى عن خلق كثير، إلا أنه كان يضبط حديث الأعمش ضبطا جيدا، ويضطرب في غيره.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ ثابت، أخبرنا أبو رزق، أخبرنا جعفر بن محمد الخالديّ، حدثنا الحسين بن محمد بن الحسين الكوفي، حدّثني [4] جعفر بن محمد بن الهذيل، حدّثني [5] إبراهيم الصيني قَالَ: سمعت أبا معاوية يَقُولُ:
حججت مع جدي أبي وأمي وأنا غلام، فرأني أعرابي فقال لجدي: ما يكون هذا الغلام
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ بغداد.
[2] انظر: تاريخ بغداد 7/ 449.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 242- 249.
[4] في الأصل: «وحدثني» .
[5] في الأصل: «وحدثني» .(10/21)
منك؟ قَالَ: ابني. قَالَ: ليس بابنك. قال: ابن ابنتي. قَالَ: ليكونن له شأن، وليطأن برجليه هاتين بسط الملوك، قَالَ: فلما قدم الرشيد بعث إلي، فلما دخلت عليه ذكرت حديث الأعرابي، فأقبلت التمس برجلي البسط فَقَالَ: يا أبا معاوية، لم تلتمس البساط برجليك؟ فحدثته الحديث، فأعجب بِهِ. قَالَ: وحركني شيء فقلت: يا أمير المؤمنين/ أحتاج إلى الخلاء. فقال للأمين والمأمون: خذا بيد عمكما فأرياه الموضع. فأخذا بيدي فأدخلاني إلى الموضع، فشممت منه رائحة طيبة، فقالا لي: يا أبا معاوية، هذا الموضع، فشأنك، فقضيت حاجتي [1] .
قال الخطيب: عن محمد بن فُضَيْل: مات أبو معاوية سنة خمس وتسعين ومائة في آخر صفر أو في أول ربيع الأول [2] .
قال المصنف: وكذلك ذكر أبو موسى المدائني وغيره أنه مات في هذه السنة.
وقد روينا عن ابن نمير أنه مات في سنة أربع والأول أكثر.
1070- الوليد بن مسلم الدمشقي، أبو العباس
[3] .
روى عَن الليث بن سعد، والفضل بن فضالة، وابن لهيعة، وغيرهم.
وروى عنه: ابن وهب.
وتوفي عند انصرافه من الحج في هذه السنة.
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 5/ 242- 243.
[2] انظر: تاريخ بغداد 5/ 249.
[3] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 2/ 336.(10/22)
ثم دخلت سنة ست وتسعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
أن محمدا وجه إلى المأمون أحمد بن مزيد في عشرين ألفا، وعبد الله بن حميد بن قحطبة في عشرين ألفا، وأمرهما أن يدافعا طاهرا عن حلوان، وكان قد نزلها، فنزل بخانقين، فكان طاهر يبعث العيون إلى عسكريهما، فيأتونهم بالأراجيف، ويحتال في وقوع الاختلاف بينهم حتى اختلفوا، وانتقض أمرهم، وقاتل بعضهم بعضا، فرجعوا من خانقين من غير أن يلقوا طاهرا، وأقام طاهر بحلوان، فأتاه هرثمة بن أعين/ بكتاب المأمون والفضل بن سهل يأمرانه بتسليم ما حوى من المدن والكور إليه، والتوجه إلى الأهواز. فسلم ذلك إليه ومضى إلى الأهواز وأقام هرثمة بحلوان [1] .
وفي هذه السنة: رفع المأمون منزلة الفضل بن سهل وقدره، وذلك أنه لما قتل علي بْن عيسى وعبد الرحمن بن جبلة وبشره الفضل بذلك عقد له في رجب من هذه السنة على المشرق طولا وعرضا، وجعل عمالته ثلاثة آلاف ألف درهم، وسماه ذا الرئاستين، وكان على سيفه مكتوب من جانب: رئاسة الحرب، ومن جانب: رئاسة التدبير [2] .
وفيها: ولى محمد بن هارون بن عبد الملك بن صالح بن علي الشام، وأمره بالخروج إليها، وفرض له من رجالها جنودا يقال بهم طاهرا وهرثمة، فسار حتى بلغ
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 418- 423.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 424.(10/23)
الرقة، فأقام بها، وأنفذ كتبه ورسله إلى رؤساء أجناد الشام ووجوه الجزيرة، فقدموا عَلَيْهِ، فأجازهم، وخلع عليهم، وحملهم، ثم جرى بين الجند خصومات، فاقتتلوا وتفرقوا [1] .
وفي هذه السنة: خلع محمد بن هارون، وأخذت عليه البيعة للمأمون ببغداد، وحبس في قصر أبي جعفر مع أم جعفر بنت جعفر بن المنصور.
وسبب ذلك: أن عبد الملك بن صالح لما جمع النَّاسَ، ثم تفرقوا مات بالرقة، فرد الجند الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان إلى بغداد، وكان ذلك في رجب، فبعث إليه في الليل محمد بن هارون/، فقال للرسول: والله ما أنا بمعبر ولا مسامر ولا مضحك ولا وليت لَهُ عملا، فأي شيء يريد مني في هذه الساعة؟ إذا أصبحت غدوت إليه إن شاء الله.
فأصبح الحسين، فوافى باب الجسر، واجتمع إليه الناس، فأمر بإغلاق الباب الذي يخرج منه إلى قصر عبيد الله بن عليّ، وباب سوق يحيى، وقال: إن خلافة الله لا تجوز [2] بالبطر، وإن محمدا يريد أن يوتغ [3] أديانكم، وينكث بيعتكم، وباللَّه إن طالت به مدة ليرجعن وبال ذَلِكَ عليكم، فاقطعوا أثره قبل أن يقطع آثاركم، فو الله ما ينصره منكم ناصر إلا خذل.
ثم أمر الناس بعبور الجسر، فعبروا حتى صاروا إلى سكة باب خراسان، واجتمع أهل الأرباض مما يلي باب الشام، وتسرعت خيول من خيول محمد إلى الحُسَين، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم كشفهم الحسين، فخلع الحسين بن علي محمدا يوم الأحد لإحدى عشرة من رجب سنة ست وتسعين. وأخذ البيعة لعبد الله المأمون من غد يوم الاثنين إلى الليل، وغدا الْعَبَّاس بن موسى بن عيسى الهاشمي إلى محمد، فوثب بِهِ، ودخل عليه وأخرجه من قصر الخلد إلى قصر أَبِي جعفر، فحبسه هناك، ثم وثب على أم جعفر، فأمرها بالخروج من قصرها إلى قصر أبي جعفر فأبت، فقنعها بالسوط وسبّها، ثم
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 425- 427.
[2] في الطبري: «لا تجاور» .
[3] يوتغ أديانكم: الوتغ- بالتحريك- الهلاك. ويوتغ أديانكم، أي: يهلك أديانكم (لسان العرب: وتغ) .(10/24)
أدخلت المدينة مع ابنها، فلما أصبح الناس من الغد طلبوا من الحسين بن علي الأرزاق، وهاج الناس بعضهم في بعض، وقام محمد بن أبي خالد بباب الشام وقَالَ:
والله ما أدري بأي سبب يتأمر [1] الحسين بن علي علينا، ويتولى [2] هذا الأمر دوننا، وما هو بأكبرنا سنا، ولا أكرمنا/ حسبا، وإني أولكم أنقض عهده، وأظهر التغير عليه، فمن كان رأيه معي فليعتزل معي [3] .
وقام أسد الحربي فَقَالَ: هذا يوم له ما بعده، إنكم قد نمتم [وطال نومكم] [4] فقدم عليكم غيركم، وقد ذهب أقوام بذكر خلع محمد وأسره، وأذهب بذكر فكه وإطلاقه.
وجاء شيخ كبير فَقَالَ: أقطع محمد أرزاقكم؟ قالوا: لا. قَالَ: فهل قصر بأحد من رؤسائكم؟ قالوا: لا. قال: فما بالكم خذلتموه! انهضوا إلى خليفتكم فادفعوا عنه [5] .
فنهضوا فقاتلوا الحسين بن علي وأصحابه قتالا شديدا، وأسر الحسين ودخل أسد الحربي عَلَى محمد، فكسر قيوده، وأقعده [6] في مجلس الخلافة، فنظر محمد إلى قوم ليس عليهم لباس الجند ولا عليهم سلاح، فأمرهم فأخذوا من السلاح الذي في الخزائن حاجتهم، ووعدهم ومنّاهم، وانتهب الغوغاء بذلك السبب سلاحا كثيرا ومتاعا، وأتى الحسين بن علي فلامه محمد على خلافه، وقَالَ: ألم أقدم أباك على الناس، وأوليه أعنة الخيل، وأملأ يده بالأموال! قَالَ: بلى: قَالَ: فبم استحققت منك أن تخلع طاعتي، وتندب الناس إلى قتالي. قَالَ: الثقة بعفو أمير المؤمنين وحسن الظن به. قَالَ: فإن أمير المؤمنين قد فعل ذلك بك، وولّاك الطلب بثأر أبيك، ومن قتل من أهل بيتك.
ثم دعا له بخلعة فخلعها عليه، وولاه ما وراء بابه، وحمله على مراكب، وأمره
__________
[1] في الأصل: «يأمر» .
[2] في الأصل: «ويولى هذا» .
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 428- 429.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأضفناه من الطبري.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 430.
[6] في الأصل: «وأقعد» .(10/25)
بالمسير إلى حلوان، فخرج فوقف على باب الجسر حتى إذا خف الناس قطع الجسر وهرب في نفر من مواليه، فنادى محمد في الناس فركبوا/ في طلبه، فأدركوه.
فلما بصر بالخيل نزل فصلى ركعتين وتحرم، ثم لقيهم فحمل عليهم حملات في كلها يهزمهم ويقتل فيهم. ثم إن فرسه عثر به فسقط، وابتدره الناس فقتلوه وأخذوا رأسه. وذلك في نصف رجب في طريق النهرين [1] ، وفي الليلة التي قتل فيها الحسين بن علي هرب الفضل بن الربيع، وجددت البيعة لمحمد يوم الجمعة لست عشرة ليلة خلت من رجب.
وفيها: توجه طاهر بن الحسين إلى الأهواز، فخرج عاملها محمد بن يزيد المهلبي يحميها فقتل، وأقام طاهر بالأهواز، وأنفذ عماله إلى كورها. وولي اليمامة والبحرين وعمان، ثم أخذ على طريق البر متوجها إلى واسط، فدخلها وهرب عاملها، ووجه قائدا من قواده إلى الكوفة وعليها العباس بن موسى الهادي، فلما بلغ العباس الخبر خلع محمدا، وكتب بطاعته إلى طاهر وبيعته، وكتب منصور بن المهدي وهو عامل البصرة إلى طاهر بطاعته، فنزل حتى طرنايا [2] ، وأمر بجسر فعقد، وأنفذت كتبه بالتولية إلى العمال، وبايع المطلب بن عبد الله بْن مالك بالموصل للمأمون، فكان خلعهم في رجب، فلما كتبوا بخلعهم محمدا أقرهم المأمون على أعمالهم، وولى داود بن عيسى بن موسى بن محمد على مكة والمدينة، ويزيد بن جرير البجلي اليمن، ووجه الحارث بن هشام إلى قصر ابن هبيرة [3] .
وفيها: أخذ طاهر المدائن من أصحاب محمد، ثم صار إلى صرصر، فعقد جسرا، ولما بلغ محمدا أن الحارث وهشاما خلفاه وجه محمد بن سليمان العابد/ ومحمد بن حماد البربري، وأمرهما أن يبيتاهما، فبلغ الخبر إليهما، فوجه طاهر إليهما
__________
[1] في الأصل: «نهرين» .
[2] في الأصل: «حين حرانا» .
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 435- 436.(10/26)
مددا، فاقتتلوا، فهرب محمد بن سليمان حتى صار إلى قرية شاهي [1] ، وعبر الفرات، وأخذ علي البرية إلى الأنبار، ورجع محمد بن حماد إلى بغداد [2] .
وفيها: خلع داود بن عيسى عامل مكة والمدينة محمدا، وبايع للمأمون، وأخذ البيعة على النَّاسَ، وكتب بذلك إلى طاهر بن الحسين والمأمون، وكان السبب في ذَلِكَ: أنه لما أخذ الكتابان من الكعبة جمع داود بن عيسى حجبة الكعبة والقرشيين والفقهاء ومن كان شهد ما في الكتابين، فقال لهم: قد علمتم ما أخذ علينا الرشيد من العهد والميثاق عند بيت اللَّه الحرام، لنكونن مع المظلوم على الظالم، وقد رأيتم أن محمدا بدأ بالظلم والغدر والنكث والخلع وخلع أخويه، وبايع لطفل رضيع لم يفطم، واستخرج الشرطين من الكعبة عاصيا ظالما فحرقهما بالنار، وقد رأيت خلعه وأن أبايع للمأمون إذ كان مظلوما.
فقال له أهل مكَّةَ: رأينا تبع لرأيك. فوعدهم صلاة الظهر، وأرسل في فجاج مكة صائحا يصيح: الصلاة جامعة، وذلك يوم الخميس لسبع وعشرين ليلة خلت من رجب، فخرج فصلى بالناس الظهر، وقد وضع له المنبر بين الركن والمقام، فجلس عليه، وحمد الله تعالى وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَالَ: يا أهل مكَّةَ، أنتم الأصل، وإلى قبلكم يأتم المسلمون، وقد علمتم ما أخذ عليكم الرشيد، وقد علمنا أن محمدا بدأ بالظلم والبغي، وقد/ حل لنا ولكم خلعه وأشهدكم أني خلعت محمد بن هارون من الخلافة كما خلعت قلنسوتي هذه من رأسي. ثم خلعها فرمى بها إلى بعض الخدم تحته، وأتي بقلنسوة فلبسها، ثم قَالَ: قد بايعت لعبد الله المأمون، ألّا فقوموا فبايعوه.
فبقوا أياما يبايعونه.
وكتب إلى ابنه سليمان بن داود بن عيسى وهو خليفته على المدينة يأمره [أن] [3] يفعل كذلك، فلما رجع جواب البيعة من المدينة إلى داود رحل إلى المأمون فأعلمه بذلك، فسر المأمون وتيمن ببركة مكة والمدينة، وكتب لداود عهدا على مكة والمدينة
__________
[1] في الأصل: «قرية ساهي» .
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 436- 437.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وزدناه من الطبري.(10/27)
وأعمالها، وزيد ولاية عك، وكتب له إلى الري بمعونة خمسمائة ألف درهم، وخلع أهل اليمن محمدا وبايعوا للمأمون، ثم عقد محمد في رجب وشعبان نحوا من أربعمائة لواء لقواد شتى، وأمر على جميعهم علي بن محمد بن عيسى بن نهيك، وأمرهم بالسير إلى هرثمة بن أعين، فساروا فالتقوا في رمضان، فهزمهم هرثمة، وأسر علي بن محمد، فبعث به إلى المأمون، ونزل هرثمة النهروان [1] .
وفيها: استأمن إلى محمد جماعة من جند طاهر، ففرق فيهم مالا كثيرا، وشغب الجند على طاهر، وكان السبب في ذلك: أن طاهرا أقام بصرصر، وشمر لمحاربة محمد وأهل بغداد، فكان لا يأتيه جيش إلا هزمه، فاشتد على أصحابه ما كان محمد يعطي من الأموال، ودس محمد إلى رؤساء الجند الكتب بالأطماع، فخرج من عسكر طاهر نحو من خمسة آلاف رجل من أهل/ خراسان ومن التف إليهم من الجند، فسر بهم محمد، ووعدهم ومناهم، فمكثوا شهرا، وقوي أصحابه بالمال، فخرجوا إلى طاهر، ثم ولوا منهزمين، وبلغ الخبر محمدا، فأخرج المال، وفرق الصلات، فراسلهم طاهر، ووعدهم واستمالهم، فشغبوا على محمد يوم الأربعاء لست خلون من ذي الحجة.
ثم قدم طاهر فنزل البستان الذي على باب الأنبار يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة من ذي الحجة، وأكثر لأصحابه العطاء، وأضعف للقواد، ونقب أصحاب السجون وخرجوا، وفتن النَّاسَ، وغلب أهل الفساد، وقاتل الأخ أخاه [2] .
وحج بالناس في هذه السنة العباس بن موسى بن عيسى من قبل طاهر، ودعا للمأمون بالخلافة، فهو أول موسم دعي له بالخلافة بمكة والمدينة [3] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 438- 441.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 438- 444.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 444.(10/28)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1071- بقية بن الوليد بن صائد بن كعب، أبو محمد الكلاعي البصري [1] .
ولد سنة عشر ومائة، وسمع من خلق كثير. وروى عَنْه: شعبة، وحماد بن زيد، وابن المبارك، ويزيد بن هارون.
وفي أحاديثه مناكير، إلا أن أكثرها عن المجاهيل.
قال ابن المبارك: كان ثقة صدوقا، لكنه كان يكتب عن من أقبل وأدبر.
وقال يعقوب بن شَيْبة: ثقة صدوق/ [ويتقى [2] حديثه عن مشيخته الذين لا يعرفون، وله أحاديث مناكير جدا.
توفي بقية فِي هَذِهِ السَّنَةِ. وَقِيلَ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وتسعين ومائة.
1072- حفص بن غياث بن طلق، أبو عمر الكوفي
[3] .
سمع عبيد الله بن عمر العمري، وهشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد، وأبا إسحاق الشيباني، وسليمان الأعمش، وجعفر بن محمد بن علي، وليث بن أبي سُلَيْم، وداود بن أبي هند، والحسن بْن عبد الله، وأشعث بن عبد الملك، وأشعث بن سوار، وابن جُرَيْج، ومسعر بن كدام، والثوري.
روى عَنْه: ابنه عمر، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعفان بن مسلم، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وابن المدني، وأبو خيثمة، والحسن بن عرفة، وابن راهويه، وعامة الكوفيين.
وولي حفص القضاء ببغداد وحدث بها، ثم عزل وولي قضاء الكوفة.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أنبأنا القاضي
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 123- 127.
[2] الورقة رقم 17/ أ- ب مفقودة من المخطوط، وقد أكملنا هذا النقص من تاريخ بغداد بقدر المستطاع لعدم توافر أي نسخة مخطوطة لهذا الجزء سوى الأصل.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 188- 200.(10/29)
أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري، وأبو الحسن أحمد بن عمر بن روح النهرواني- قَالَ طاهر حدثنا، وقال أَحْمَد أنبأنا- المعافى بن زكريا الْجُرَيْرِي، حدثنا محمد بن مخلد بن جعفر العطار، حدثني أبو علي بن علان، حدثني يحيى بن الليث قَالَ: باع رجل من أهل خراسان جمالا بثلاثين ألف درهم من مرزبان المجوسي وكيل أم جعفر فمطله بثمنها وحبسه، فطال ذلك على الرجل، فأتى بعض أصحاب حفص بن غياث فشاوره، فقال: اذهب إليه فقل له أعطني ألف درهم وأحيل عليك بالمال الباقي، وأخرج إلى خراسان، فإن فعل هكذا فالقني حتى أشير عليك. ففعل الرجل وأتى مرزبان فأعطاه ألف درهم، فرجع إلى الرجل فأخبره فَقَالَ: عد إِلَيْهِ فقل لَهُ: إذا ركبت غدا فطريقك على القاضي تحضر وأوكل رجلا يقبض المال واخرج، فإذا جلس إلي القاضي فادع عليه ما بقي لك من المال، فإذا أقر حبسه حفص وأخذت مالك. فرجع إلى مرزبان فسأله فَقَالَ: انتظرني بباب القاضي. فلما ركب من الغد وثب إليه الرجل فَقَالَ:
إن رأيت أن تنزل إلى القاضي حتى أوكل بقبض المال وأخرج، فنزل مرزبان فتقدما إلى حفص] [1] . / بْن غياث، فقال الرجل: أيد الله القاضي لي على هذا الرجل تسعة وعشرون ألف درهم، فقال حفص: ما تقول يا مجوسي؟ قَالَ: صدق أصلح الله القاضي. قَالَ: ما تقول يا رَجُل، قد أقر لك؟ قال يعطيني مالي. قال حفص للمجوسي:
ما تَقُولُ؟ فَقَالَ: هذا المال على السيدة. قال: أنت أحمق، تقر ثم تقول على السيدة، ما تقول يا رَجُل!؟ فَقَالَ: إن أعطاني مالي وإلا حبسته. قَالَ: ما تقول يا مجوسي؟ قَالَ:
المال على السيدة، قال حفص: خذوا بيده إلى الحبس. فلما حبس بلغ الخبر أم جعفر، فغضبت وبعثت إلى السندي وجه إلي مرزبان فأخرجه، وبلغ حفص الخبر فَقَالَ: أحبس أنَا ويخرج السندي؟ لا جلست مجلسي هذا أو يرد مرزبان إلى الحبس.
فجاء السندي إلى أم جعفر فَقَالَ: الله الله في، إنه حفص بن غياث، وأخاف من أمير المؤمنين أن يقول لي: بأمر من أخرجته؟ رديه إلى الحبس وأنا أكلم حفصا في أمره، فأجابته فرجع مرزبان إلى الحبس، فقالت أم جعفر لهارون: قاضيك هذا أحمق، حبس وكيلي، فمره لا ينظر في هذا الحَكَم، وتولي أمره إلى أبي يوسف. فأمر له بالكتاب، وبلغ حفصا الخبر فقال للرجل: أحضر لي شهودا حتى أسجل لك على المجوسي
__________
[1] إلى هنا ينتهي الساقط من الأصل والّذي يتمثل في فقد الورقة رقم 17.(10/30)
بالمال فجلس حفص، فسجل على المجوسي، وورد كتاب هارون مع خادم لَهُ، فَقَالَ:
هذا كتاب أمير المؤمنين. فَقَالَ: انظر ما يقال لك، فلما فرغ حفص من السجل أخذ الكتاب من الخادم فقرأه/ فَقَالَ: اقرأ على أمير المؤمنين السلام وأخبره أن كتابه ورد، وقد أنفذ الحَكَم، فَقَالَ الخادم: قد والله عرفت ما صنعت، ما أردت أن تأخذ كتاب أمير المؤمنين حتى تفرغ مما تريد، والله لأخبرن أمير المؤمنين بما فعلت. فقال حفص: قل له ما أحببت. فجاء الخادم، فأخبر هارون، فضحك وقال للحاجب: مر لحفص بن غياث بثلاثين ألف درهم. فركب يحيى بن خَالِد واستقبل حفصا منصرفا من مجلس القضاء، فَقَالَ: أيها القاضي، قد سررت أمير المؤمنين اليوم، وأمر لك بثلاثين ألف درهم، فما كان السبب في هذا؟ قَالَ: تمم الله نعم أمير المؤمنين، وأحسن حفظه وكلاءته، ما زدت على ما أفعل كل يوم. قَالَ: ما أعلم إلا أني سجلت عَلَى مرزبان المجوسي بما وجب عَلَيْهِ، فقال: فمن هذا سر أمير المؤمنين. قال حفص: الحمد للَّه كثيرا. فقالت أم جعفر لهارون: لا أنا ولا أنت، إلا أن تعزل حفصا. فأبى عليها، ثم ألحت عَلَيْهِ فعزله عن الشرقية، وولاه قضاء الكوفة، فمكث عليها ثلاث عشرة سنة، وكان أبو يوسف لما ولي حفص قال لأصحابه: تعالوا نكتب نوادر حفص، فلما وردت أحكامه وقضاياه على أَبِي يوسف قال له أصحابه: أين النوادر [1] التي تكتبها؟ قَالَ:
ويحكم إن حفصا أراد الله فوفقه اللَّه [2] .
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: قرأت على الحسن بْن أبي بكر، عن أحمد بن كامل القاضي قال: سمعت محمد بن عثمان يَقُولُ: حدثني أَبِي قَالَ:
سمعت عمر بن حفص يَقُولُ: لما حضرت أبي الوفاة/ أغمي عَلَيْهِ، فبكيت عند رأسه، فأفاق فَقَالَ: ما يبكيك؟ قُلْتُ: أبكي لفراقك، ولما دخلت فيه من هذا الأمر- يعني القضاء- قَالَ: لا تبك، فإني ما حللت سراويلي على حرام قط، ولا جلس بين يدي خصمان فباليت على من توجه الحكم منها [3] .
__________
[1] في الأصل: «أي النوادر» .
[2] انظر: تاريخ بغداد 8/ 191- 193.
[3] انظر: تاريخ بغداد 8/ 190.(10/31)
أنبأنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا أبو سعد ظفر بن الفرح الخفاف، حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف العلاف، أخبرنا الحسين بن يحيى بن عَبَّاس قَالَ: وجدت في كتاب أخي علي بن يحيى، أخبرنا العباس بن أبي طالب، أخبرنا الحسن بن علي، حَدَّثَني يحيى بن آدم، عن حفص بن غياث قَالَ: ولدت أم محمد بن أبي إسماعيل أربع بنين في بطن، قَالَ: فرأيتهم كلهم قد نيفوا على الثمانين.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي البيع، أخبرنا العباس بن أحمد بن موسى أخبرنا أبو علي الطوماري قَالَ: حدثني عبيد بن غنام قال: حَدَّثَني أَبِي قال: مرض حفص خمسة عشر يوما فدفع إلي مائة درهم فقال: امض بها إلى العامل وقل لَهُ: هذه رزق خمسة عشر يوما لم أحكم فيها بين المسلمين لا حظ لي فيها [1] .
توفي حفص بن غياث سنة ست وتسعين ومائة. كذا قال الفلاس، ومحمد بن المثنى.
وقال خليفة بن خياط، ومحمد بن سعد: سنة أربع وتسعين.
وقال عبيد الله بن الصباح: سنة تسع وتسعين.
وقال سلم بن جنادة: سنة خمس وتسعين [2] .
1073- عبد الله بن مرزوق، / أبو محمد الزاهد.
زعم أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي أنه كان وزير الرشيد، فخرج من ذلك وتخلى من ماله وتزهد، وكان كثير البكاء، شديد الحزن.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، حدثنا أبو بكر بن محمد بن هبة الله الطبري، أَخْبَرَنَا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا ابن صفوان، أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد الْقُرَشِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنِي [3] محمد بْن إدريس قَالَ: حدثنا [4] عبد الله بن السري قال: حدّثني سلامة
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 8/ 190- 191.
[2] انظر: تاريخ بغداد 8/ 200.
[3] في الأصل: «وحدثني» .
[4] في الأصل: «وحدثني» .(10/32)
قاضي عبد الله بن مرزوق في مرضه، حدثنا سلامة قَالَ: قال عبد الله بن مرزوق: يا سلامة، إن لي إليك حاجة. قُلْتُ: وما هِيَ؟ قَالَ: تحملني فتطرحني على تلك المزبلة لعلي أموت عليها، فيرى مكاني فيرحمني.
1074- محمد بن زين بن سُلَيْم، أبو الشيص الشاعر
[1] .
انقطع إلى عقبة بن جعفر بن الأشعث الخزاعي، وكان أميرا على الرقة، فمدحه [في] [2] أكثر شعره، وكان أبو الشيص سريع الخاطر، الشعر عليه أهون من شرب الماء.
روى أبو بكر الأنباري، عن أبيه، عن أحمد بن عُبَيْد قَالَ: اجتمع مسلم بن الوليد، وأَبُو نواس، وأبو الشيص، ودعبل في مجلس، فقالوا: لينشد كل منكم أجود ما قال من الشعر، فَقَالَ رجل كان معهم: اسمعوا مني أخبركم بما ينشد كل منكم قبل أن ينشد. قالوا: هات. فَقَالَ لمسلم: أما أنت فكأني بك قد أنشدت:
إذا ما علت منا ذؤابة واحد ... وإن كان ذا حلم دعته إلى الجهل
هل العيش إلا أن تروح مع الصبى ... وتغدو صريع الكأس والأعين النجل
قَالَ: وبهذا البيت لقب «صريع الغواني» لقبه به الرشيد. / فقال له مسلم:
صدقت.
ثم أقبل على أبي نواس فقال لَهُ: وكأني بك قد أنشدت:
لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند ... واشرب على الورد من حمراء كالورد
تسقيك من عينها خمرا ومن يدها ... خمرا فما لك من سكرين من بد
فقال لَهُ: صدقت.
ثم أقبل على دعبل فقال لَهُ: كأني بك وقد أنشدت:
أين الشباب وأية سلكا ... لا أين يطلب ضل بل هلكا
__________
[1] انظر ترجمته في: الأغاني 16/ 432- 441.
[2] ما بين المعقوفتين: زدناه ليستقيم المعنى.(10/33)
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
فقال لَهُ: صدقت، ثم أقبل على أبي الشيص فقال لَهُ: كأني بك قد أنشدت:
لا تنكري صدي ولا إعراضي ... ليس المقل عن الزمان براضي
فقال لَهُ: لا، ما أردت [أن] [1] أنشد هذا، وليس هذا بأجود شيء قلته. قالوا:
فأنشدنا ما بدا لك. فأنشدهم:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم
أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبا لذكرك فليلمني اللوم
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ... إذ كان حظي منك حظي منهم
وأهنتني فأهنت نفسي صاغرا ... يا من أهون عليك ممن أكرم
[2] فقال أبو نواس: أحسنت والله وجودت.
وعمي أبو الشيص في آخر عمره.
1075- معاذ بن مُعَاذ، أبو المثنى البصري العنبري
[3] .
ولد سنة تسع عشرة ومائة، وسمع سليمان التيمي، وشعبة، [و] [4] الثوري، وغيرهم.
روى عنه: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، / وأبو خيثمة، وغيرهم. وولي قضاء البصرة، وكان من الأثبات في الحديث.
وقال أحمد بن حنبل: ما رأيت أحدا إلا وقد تعلق عليه شيء من الحديث إلا مُعَاذ العنبري، فإنهم ما قدروا أن يتعلقوا عليه في شيء من الحديث مع شغله بالقضاء [5] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: زدناه ليستقم المعنى.
[2] الأغاني 16/ 435.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 131- 134.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] انظر: تاريخ بغداد 13/ 132.(10/34)
توفي معاذ بالبصرة في ربيع الآخر من هذه السنة، وهو ابن سبع وسبعين سنة.
1076- هاشم بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن أبي بكر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي بكر الصِّدِّيق، يكنى: أبا بَكْر.
مدبغي، كان من ساكني الكوفة، فقدم قاضيا على مصر من قبل الأمين في جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين، وكان يذهب مذهب أبي حنيفة.
توفي في محرم هذه السنة.(10/35)
ثم دخلت سنة سبع وتسعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
أن القاسم بن الرشيد، ومنصور بن المهدي خرجا من العراق، فلحقا بالمأمون، فوجّه المأمون القاسم إلى جرجان [1] .
وفيها: حاصر طاهر وهرثمة وزهير [2] بن المسيب محمد بن هارون ببغداد.
وصفة ما جرى: أن زهير [3] بن المسيب نزل قصرا بكلواذي، ونصب المجانيق والعرادات، وحفر الخنادق، وجعل يخرج في الأيام [4] عند اشتغال الجند بحرب طاهر، فيرمي بالعرادات من أقبل وأدبر، ويعشر أموال التجار، وبلغ من الناس كل مبلغ، فشكوا ذلك إلى طاهر/، وبلغ هرثمة ذَلِكَ فأمده بالجنود، وسكت الناس، ونزل هرثمة نهر بين، وجعل عليه حائطا وخندقا وأعد المجانيق والعرادات، وأنزل عبد الله بن الوضاح الشماسية، ونزل طاهر البستان بباب الأنبار، فانزعج لذلك الأمين، ونفد ما كان عنده، فأمر ببيع ما في الخزائن من الأمتعة، وضرب آنية الذهب والفضة دنانير ودراهم، وكان فيمن استأمن إلى طاهر: سعيد بن مالك بن قادم مولى ناجية، فولاه ناحية البغيين والأسواق هنالك، وشاطئ دجلة، ووكل بطريق دار الرقيق وباب الشام واحدا بعد واحد، وكثر الخراب والهدم حتى درست محاسن بغداد، وأرسل طاهر إلى الأرباض من
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 445.
[2] في الأصل: «زهر بن المسيب» .
[3] في الأصل: «زهر بن المسيب» .
[4] في الأصل: «من الأيام» .(10/36)
طريق الأنبار وباب الكوفة وما يليها، فكل ناحية أجابه أهلها خندق عليهم، ووضع مسالحه، ومن أبى قاتله وأحرق منزله، فذلت الأجناد وتواكلت عن القتال، وبقي أهل السجون والأوباش والرعاع والطرارين [1] ، وكان حاتم بن الصقر قد أباحهم النهب [2] .
وخرج من أصحاب طاهر رجل من أصحاب النجدة والبأس، فنظر إلى قوم عراة لا سلاح معهم، فقال لأصحابه: ما يقابلنا إلا من أرى استهانة بهم. فقالوا: نعم، هؤلاء هم آلافة. فَقَالَ: أف لكم حين تنكصون عن هؤلاء، ولا عدة لهم. فأوتر قوسه وتقدم، فقصده أحدهم وفي يده بارية مقيرة، وتحت/ إبطه مخلاة فيها حجارة، فجعل الخراساني كلما رمى بسهم استتر منه العيار، فيأخذه من باريته فيجعله في موضع من البارية قد هيأه لذلك كالجعبة ويصيح: دانق، أي هذا ثمن النشابة. فأنفذ الخراساني سهامه، ثم حمل على العيار ليضربه بالسيف، فأخرج العيار حجرا من مخلاته فجعله في مقلاع ورماه، فما أخطأ عينه، ثم ثناه بآخر فكاد يصرعه عن فرسه، فكر راجعا وهو يَقُولُ: ليس هؤلاء بإنس، فحدّث طاهرا بهذا فضحك وأعفاه من القتال وقال في هذا بعض شعراء بغداد:
خرجت هذه الحروب رجالا ... لا لقحطانها ولا لنزار
معشرا في جواشن الصوف يغدون ... إلى الحرب كالأسود الضواري
وعليهم مغافر الخوص تجزيهم ... عن البيض والتراس البواري
ليس يدرون ما الفرار إذا الأبطال ... عاذوا من القنا بالفرار
واحد منهم يشد على ... ألفين عريان ما له من إزار
ويقول الفتى إذ طعن الطعنة ... : خذها من الفتى العيار
كم شريف قد أخملته وكم قد ... رفعت من مقامر طرار [3]
ولم يزل طاهر [4] يصاير محمدا وجنده حتى مل أهل بغداد، فاستأمر إلى طاهر خلق
__________
[1] الطرّ: الخلس (القاموس) .
[2] تاريخ الطبري 8/ 445- 448.
[3] في الأصل: «رفعت من مقامر عيار» وما أثبتناه من تاريخ الطبري.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 457- 458.(10/37)
من أصحاب محمد وقواده، فلما استأمن محمد بن عيسى صاحب شرطة محمد استأمن محمد/.
وفي هذه السنة: منع طاهر الملاحين وغيرهم من إدخال شيء إلى بغداد إلا من كان في عسكره منهم ووضع الرصد عليهم بسبب ذَلِكَ.
وكان السبب في فعله هذا: أن أصحابه نيل منهم بالجراح، فأمر بالهدم والإحراق، فهدم دور من خالفه ما بين دجلة ودار الرقيق وباب الشّام وباب الكوفة، إلى الصراة وأرجاء أبي جعفر وربض حميد ونهر كرخايا والكناسة، وجعل يحوي كل ناحية ويخندق عليها، فلما رأى أنهم لا يحفلون بالقتل والهدم والحرق أمر بمنع التجار أن يجوزوا بشيء من الدقيق وغيره من المنافع، فغلت الأسعار، واشتد الحصار وفرح من خرج، وتأسف من أقام [1] .
ثم كانت بعد وقعات منها: وقعة بالكناسة، باشرها طاهر بنفسه، قتل فيها خلق كثير من أصحاب مُحَمَّد [2] .
ومنها وقعة بدرب الحجارة، كانت على أصحاب طاهر، قتل فيها خلق كثير [3] .
ومنها: وقعة بباب الشماسية، أسر فيها هرثمة، وكان هرثمة ينزل نهر بين، وعليه حائط وخندق، وقد أعد المجانيق والعرادات، وقد أنزل عبيد الله بن الوضاح الشماسية، وكان يخرج أحيانا فيقف بباب خراسان ساعة، ثم ينصرف، وكان حاتم بن الصقر من أصحاب محمد، وكان قد واعد أصحابه/ العراة العيارين أن يوافوا عبد الله بن الوضاح ليلا، فمضوا إليه مفاجأة، وأوقعوا به وقعة أزالوه عن موضعه، فانهزم، وبلغ هرثمة [الخبر] [4] ، فأقبل لنصرته، فأسر هرثمة، فضرب بعض أصحابه يد من أسره فقطعها، فتخلص، فانهزم. وبلغ خبره أهل عسكره، فخرجوا هاربين نحو حلوان، ثم قام بنصرة طاهر، فرجع إلى مكانه، وهرب عبد الله بن خازم بن خزيمة من بغداد إلى
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 459- 461.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 461- 463.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 463- 464.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(10/38)
المدائن في السفن بعياله وولده، فأقام بها، ولم يحضر القتال. وقيل: بل كاتبه طاهر وحذره قبض ضياعه واستئصاله، فحذره من الفتنة وسلم.
وتضايق على محمد أمره، ونفد ما كان عنده، وطلب الناس الأرزاق، فَقَالَ:
وددت أن الله قتل الفريقين جميعا، هؤلاء يريدون مالي وأولئك يريدون نفسي. وضعف أمره، وأيقن بالهلاك [1] .
وحج بالناس في هذه السنة العباس بن موسى بن عيسى بتوجيه طاهر إياه على الموسم بأمر المأمون بذلك [2] .
وكان عامل مكة في هذه السنة: داود بن عيسى [3] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1077- شعيب بن حرب، أبو صالح المَدِيني
[4] .
سمع شعبة، والثوري، وزهير بن معاوية.
وروى عنه: أحمد بن حنبل وغيره. وكان من الثقات العلماء العباد الآمرين بالمعروف، / المدققين في طلب الحلال.
أَخْبَرَنَا [أَبُو] [5] مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، أخبرنا البرقاني قَالَ:
قرأت عَلَى أبي حفص الزيات، حدثكم أحمد بن الحسين الصوفي قَالَ: سمعت أبا حمدون المقرئ، واسمه: طيب بن إِسْمَاعِيل يَقُولُ: ذهبنا إلى المدائن إلى شعيب بن حرب، كان قاعدا على شط دجلة، وكان قد بنى كوخا، وخبز له معلق، وإنما كان جلدا
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 464- 471.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 471.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 471.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 238- 242.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(10/39)
وعظما، قَالَ: فَقَالَ: أرى ها هنا بعد لحما، والله لا علم في دورنا به حتى أدخل إلى القبر [1] وأنا عظام تقعقع، أريد السمن للدود والحيات؟
قَالَ: فبلغ أحمد بن حنبل قوله فقال: شعيب بن حرب حمل على نفسه في الورع [2] .
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، أخبرنا رزق الله، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا ابن صوفان، أخبرنا ابن أبي الدنيا، أخبرنا إبراهيم بن عبد الملك قَالَ:
جاء رجل إلى شعيب بن حرب وهو بمكة فَقَالَ: ما جاء بك؟ قَالَ: جئت أؤنسك. قَالَ:
جئت تؤنسني وأنا أعالج الوحدة منذ أربعين سنة.
قال ابن أبي الدنيا: وحدثني الحسن بن الصباح قَالَ: سمعت شعيب بن حرب يَقُولُ: لا تجلس إلا مع أحد رجلين: رجل يعلمك خيرا فتقبل منه، أو رجل تعلمه خيرا فيقبل منك. والثالث اهرب منه.
أخبرنا ابن ناصر، أخبرنا عبد القادر بن محمد، أخبرنا أبو بكر بن علي الخياط، أخبرنا ابن أبي الفوارس، أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عبد الخالق، أخبرنا المروزي قَالَ: سمعت عبد الوهاب يَقُولُ: كان ها هنا قوم خرجوا إلى المدائن إلى شعيب بن حرب، فما رجعوا إلى دورهم، ولقد أقام/ بعضهم لم يستق الماء، وكان شعيب يقول لبعضهم الذي يستقي الماء: لو رآك سفيان لقرت عينه.
قال المصنف رحمه الله: كان شعيب قد اعتزل الناس وأقام بالمدائن يتعبد، ثم خرج إلى مكَّةَ، فتوفي بها بعلة البطن في هذه السنة. وقيل في سنة تسع وتسعين.
1078- عبيد بن وهب بن مسلم، أبو محمد، مولى لقريش.
ولد في ذي القعدة سنة خمس وعشرين ومائة، وطلب العلم وهو ابن سبع عشرة سنة.
أخبرنا أبو الْقَاسِم، أَخْبَرَنَا حمد بْن أَحْمَد، أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الأصفهاني، أخبرنا
__________
[1] في تاريخ بغداد: «والله لأعلمن في ذوبانه حتى أدخل القبر» .
[2] انظر: تاريخ بغداد 9/ 240- 241.(10/40)
أَبِي، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني قَالَ: دخل ابن وهب الحمام فسمع قارئا يقرأ: وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ 40: 47 [1] فسقط مغشيا عليه، فغسلت عنه النورة وهو لا يعقل.
أخبرنا زاهر بن طاهر، أنبأنا أحمد بن الحسين البيهقي، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم قال: سمعت أبا إسحاق المزكي يَقُولُ: سمعت محمد بن المسيب يَقُول: سمعت يونس بْن عَبْد الأعلى يَقُول: كتب الخليفة إلى عبد الله بن وهب في قضاء مصر، فجنن نفسه ولزم البيت، فاطلع عليه رشدين بن سعد من السطح فَقَالَ:
يا أبا محمد، ألا تخرج للناس فتحكم بينهم كما أمر الله ورسوله، قد جننت نفسك، ولزمت البيت. فال: إني ها هنا انتهى عقلك، ألم تعلم أن القضاء يحشرون يوم القيامة مع السلاطين ويحشر العلماء مَعَ الأنبياء!؟
توفي عبد الله بمصر في شعبان هذه السنة.
1079- عبد الرحمن بن مسهر بن عمر- وقيل: عمير- أبو الهيثم الكوفي
[2] .
حدث عَن هشام بن عروة وغيره. وهو/ قاضي جبل.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني الأزهري قال:
أخبرني ابن عروة وغيره، أخبرنا عبيد الله بن عثمان بن يحيى، أخبرنا الحسين الأصفهاني قال: أخبرني جعفر بن قدامة قَالَ: حدثني [3] محمد بن يزيد الضرير قَالَ:
حدثني [4] عبد الرحمن بن مسهر قَالَ: ولاني أبو يوسف القاضي القضاء بجبل، وبلغني أن الرشيد ينحدر إلى البصرة، فسألت أهل جبل أن يثنوا علي، فوعدوني أن يفعلوا ذلك إذا انحدر، فلما قرب منا سألتهم الحضور، فلم يفعلوا وتفرقوا، فلما آيسوني من أنفسهم سرحت لحيتي وخرجت له، فوقفت فوافى وأبو يوسف معه في الحراقة، فقلت:
يا أمير المؤمنين، نعم القاضي قاضي جبل، قد عدل فينا وفعل وصنع، وجعلت أثنى
__________
[1] سورة: غافر، الآية: 47.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 238- 239.
[3] في الأصل: «وحدثني» .
[4] في الأصل: «وحدثني» .(10/41)
على نفسي، ورآني أبو يوسف فطأطأ رأسه وضحك، فقال له الرشيد: مم ضحكت؟
فقال: المُثَنَّي عَلَى القاضي هو القاضي. فضحك هارون حتى فحص برجليه وقال: هذا شيخ سخيف سفلة فاعزله، فعزلني. فلما رجع جعلت أختلف إليه وأسأله أن يوليني قضاء ناحية أخرى، فلم يفعل. فحدثت الناس عَن مجالد، عن الشعبي أن كنية الدجال: أبو يوسف، وبلغه ذلك، فَقَالَ: هذه بتلك، فحسبك وصر إلي حتى أوليك ناحية أخرى. ففعل، وأمسكت عَنْه.
قال يحيى: عبد الرحمن بن مسهر ليس بشيء.
وقال النسائي: هو متروك الحديث/.
1080- عثمان بن سَعِيد، أبو سَعِيد، الملقب: ورش
[1] .
روى عن نافع القراءة، وهو من أعلام أصحابه، توفي في هذه السنة.
1081- وكيع بن الجراح [2] بن عدي بن فرس بن جمحة، أبو سفيان الرؤاسي الكوفي
[3] .
ولد سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل سنة ثمان.
وسمع إسماعيل بن أبي خالد، وهشام بن عروة، والأعمش، وابن عون، وابن جريج والأوزاعي، وسفيان وخلقا كثيرا.
وحدث وهو ابن ثلاث وثلاثين، فروى عَنْه ابن المبارك، وقتيبة، وأحمد، ويحيى. وأحضره الرشيد ليوليه القضاء فامتنع.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا الجوهري، أَخْبَرَنَا علي بن محمد بن لؤلؤ، حدثنا محمد بن سويد الزيات، أخبرنا أبو يحيى الناقد، أَخْبَرَنَا محمد بن خلف التيمي قَالَ: سمعت وكيعا يَقُولُ: أتيت الأعمش فقلت: حَدَّثَني: فقال لي: ما اسمك؟ قُلْتُ: وكيع. فَقَالَ: اسم نبيل، وما أحسب إلا سيكون لك نبأ، أين تنزل من الكوفة؟ قلت: في بني رؤاس. قال: أين من منزل
__________
[1] انظر ترجمته في: إرشاد الأريب 5/ 33. وغاية النهاية 1/ 502.
[2] في الأصل: «وكيع بن الحسين بن الجراح» . وما أثبتناه من جميع المصادر التي ترجمت له.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 496- 512.(10/42)
الجراح بن مليح؟ قلت: ذاك أبي، وكان أبي على بيت المال. قَالَ: اذهب فجئني بعطائي وتعال حتى أحدثك بخمسة أحاديث. قال: فجئت أبي فأخبرته، فَقَالَ: خذ نصف العطاء واذهب به، فإذا حدثك بالخمسة فخذ النصف الآخر فاذهب به حتى تكون عشرة. قال: فأتيته بنصف عطائه، فأخذه فوضعه في كفه، ثم سكت/، فقلت:
حَدَّثَني. فقالت: اكتب. فأملى علي حديثين. قَالَ: قُلْتُ: وعدتني خمسة. قَالَ: فأين الدراهم كلها؟ أحسب أن أباك أمرك بهذا، ولم يعلم أن الأعمش قد شهد الوقائع، اذهب وجئ بتمامها كلها وتعال أحدثك خمسة أحاديث. قَالَ: فجئته فحدثني بخمسة.
قَالَ: فكان إذا كان كل شهر جئته بعطائه فحدثني بخمسة أحاديث [1] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، أخبرنا الأزهري، حدثنا عبيد الله بْن عثمان الزيات، حدثنا علي بن محمد المصري قَالَ: حدثني [2] عبد الرحمن بن حاتم المرادي قَالَ: حَدَّثَني [3] أسد بن عفير قال: حدثني رجل من أهل هذا الشأن من أهل المروة والأدب قَالَ: جاء رجل إلى وكيع فقال لَهُ: إني أمت إليك بحرمة. قَالَ: وما حرمتك؟ قَالَ: كنت تكتب من محبرتي في مجلس الأعمش. قَالَ:
فوثب وكيع فأخرج له من منزله صرة فيها دنانير وقَالَ: أعذرني، فإني ما أملك غيرها [4] .
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ علي بن ثابت قال: أخبرني إبراهيم بن عمر البرمكي، حدثنا عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان، أخبرنا محمد بن أيوب بن المعافى قَالَ: سمعت إبراهيم الحربي يقول: سمعت أحمد بن حنبل ذكر يوما وكيعا فَقَالَ: ما رأت عيني مثْلَه قط، يحفظ الحديث جيدا، ويذاكر بالفقه فيحسن، مع ورع واجتهاد، ولا يتكلم في أحد [5] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورِ بْنُ خَيْرُونَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مسعدة، أخبرنا حمزة بن
__________
[1] انظر، تاريخ بغداد 13/ 498- 499.
[2] في الأصل: «وحدثني» .
[3] في الأصل: «وحدثني» .
[4] انظر: تاريخ بغداد 13/ 500.
[5] انظر: تاريخ بغداد 13/ 504- 505.(10/43)
يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ/ قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا مَاتَ لَمْ يُدْفَنْ حَتَّى رَبَا بَطْنُهُ وانتشرت خِنْصَرَاهُ. قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَكِيعٌ وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَكَانَتْ سَنَةً حَجَّ فِيهَا الرَّشِيدُ فَقَدَّمُوهُ إِلَيْهِ، فَدَعَا الرَّشِيدُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدَ الْمَجِيدِ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، فَأَمَّا عَبْدُ الْمَجِيدِ فَقَالَ: يَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ هَذَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِ هَذَا إِلا وَفِي قَلْبِهِ غِشٌّ لِلنَّبِيِّ صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فسأل الرشيد سفيان بن عيينة فَقَالَ: لا يجب عليه القتل رجل سمع حديثا فرواه، لا يجب عَلَيْهِ القتل، إن المدينة شديدة الحر، توفي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، فنزل إلى قبره ليلة الأربعاء لأن القوم كانوا في صلاح أمة مُحَمَّد صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، واختلفت قريش والأنصار، فمن ذلك تغير.
قال قتيبة: فكان وكيع إذا ذكر له فعل عَبْد المجيد قَالَ: ذلك رجل جاهل، سمع حديثا لم يعرف وجهه، فتكلم بما تكلم.
توفي وكيع بفيد في هذه السنة وهو ابن ست وستين سنة.(10/44)
ثم دخلت سنة ثمان وتسعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
استئمان خزيمة بن خازم إلى طاهر بن الحسين، ومفارقته محمدا [1] .
وسبب ذلك: أن طاهرا كتب إلى خزيمة، فشاور/ من يثق بِهِ، فقالوا: نرى والله أن هذا الرجل أخذ بقفا صاحبنا عن قليل، فاحتل لنفسك ولنا. فكتب إلى طاهر بطاعته، وكتب طاهر بن محمد بن علي بن عيسى بن ماهان بمثل ذلك، فلما كان ليلة الأربعاء لثمان بقين من المحرم وثب خزيمة ومحمد بن علي بن عيسى بن ماهان على جسر دجلة فقطعاه، وركبا أعلامهما عَلَيْهِ، وخلعا محمدا ودعوا للمأمون، وغدا طاهر يوم الخميس على المدينة الشرقية وأرباضها والكرخ وأسواقها، وهدم قنطرتي الصراة العتيقة والحديثة، واشتد عندهما القتال، وباشر طاهر القتال بنفسه، فهزم أصحاب محمد ودخل قسرا، وأمر مناديه فنادى: الأمان لمن لزم منزله. ووضع بقصر الوضاح وسوق الكرخ والأطراف قوادا وجندا، وقصدوا مدينة أبي جعفر فأحاط بها وبقصر زبيدة وقصر الخلد ورمى، فخرج محمد بأمه وولده مما كان يصل إليه من حجارة المنجنيق إلى مدينة أبي جعفر، وتفرق عنه عامة أصحابه وخصيانه [2] وجواريه إلى السكك والطرق لا يلوي أحد منهم على أحد، وتفرق الغوغاء والسفلة، وأمر ببسطه ومجالسه أن تحرق فأحرقت [3] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 472.
[2] في الأصل: «وخطيانه» والتصحيح من تاريخ الطبري 8/ 474.
[3] تاريخ الطبري 8/ 472- 474.(10/45)
وفي هذه السنة: قتل محمد بن هارون، وذلك أنه لما تيقن محمد أنه لا عدة له للحصار، وخاف أن يظفر به وبأصحابه صار إليه حاتم بن الصقر، ومحمد بن إبراهيم بن الأغلب الأفريقي وقواده، فقالوا: قد آلت حالك/ وحالنا إلى ما ترى، وقد رأينا رأيا نعرضه عليك فانظر فيه، فإنا نرجو أن يكون صوابا. قال: ما هو؟ قالوا: قد تفرق عنك النَّاسَ، وأحاط بك عدوك من كل جانب، وقد بقي من خيلك معك ألف فرس، فنرى أن تختار من قد عرفناه بمحبتك من الأبناء مع ألف رجل، ونخرج ليلا من هذه الأبواب حتى نلحق بالجزيرة والشام، فتفرض [الفروض] [1] وتجبي الخراج، وتصير في مملكة واسعة، ويسارع إليك الناس. فَقَالَ: نعم ما رأيتم. واعتزم على ذَلِكَ.
فخرج الخبر إلى طاهر، فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر، وإلى محمد بن عيسى بن نهيك، وإلى السندي بن شاهك: والله لئن لم تردوه عن هذا الرأي لا تركت لكم ضيعة إلا قبضتها، ولا يكون لي همة إلا أنفسكم. فدخلوا على محمد فقالوا: قد بلغنا الذي عزمت عليه، ولسنا نأمن الذين تخرج معهم أن يأخذوك أسيرا ويأخذوا رأسك، فيتقربوا بك.
فأضرب عما كان عزم عليه، ومال إلى طلب الأمان، فلما اشتد الحصار عليه فارقه سليمان بن أبي جعفر، وإبراهيم بن المهدي، ومحمد بن عيسى بن نهيك، ولحقوا جميعا بعسكر المأمون، وقَالَ له السندي: بادر بنا إلى هرثمة، واخرج ليلا، فغضب طاهر، وأراد أن يخرج إليه. فقيل له يخرج إلى هرثمة لأنه يأنس به، ويدفع إليك الخاتم والقضيب والبردة. فقيل لطاهر: هذا مكر منه، وإن الخاتم والقضيب والبردة تحمل معه إلى هرثمة/.
فاغتاظ وكمن حول القصر كمينا بالسلاح، وذلك ليلة الأحد لخمس مضين من المحرم سنة ثمان وأربعين ومائة، وذلك لخمس وعشرين من أيلول.
فلما أراد الخروج استسقى ماء، فلم يوجد له، فدعا بولديه فضمهما إليه وقبلهما
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأضفناه من الطبري 8/ 478.(10/46)
وقَالَ: استودعكما الله. وجعل يمسح دموعه، ولبس ثياب الخلافة، وركب يريد هرثمة، وبين يديه شمعة. فلما انتهى إلى دار الحرس قال لخادمه: اسقني من جباب الحرس.
فناوله كوزا، فعافه لزهوكته [1] ، فلم يشرب منه، فلما أن سار في الحراقة [2] خرج طاهر وأصحابه فرموا الحراقة بالسهام والحجارة فانكبت الحراقة، فغرق محمد ومن كان فيها، فشق محمد ثيابه وسبح حتى عبر، فصار إلى بستان موسى، فعرفه محمد بن حميد الطاهري، فصاح بأصحابه، فنزلوا فأخذوه، فبادر محمد الماء، فأخذوا بساقيه، ثم حمل على برذون وألقي عليه إزار من أزر [3] الجند غير مفتول، وحمل إلى منزل إبراهيم بن جعفر البلخي، وكان بباب الكوفة، وأردف رجل خلفه ليلا يسفط كما يفعل بالأسير [4] .
وقيل إنه عرض على الذين أخذوه مائة حبة، كل حبة قيمتها مائة ألف، فأبوا أن يتركوه، وجاء الخبر بذلك إلى طاهر بن الحسين، فدعا مولى له يقال لَهُ: قريش الدنداني، فأمره بقتل محمد، فلما انتصف الليل فتح الدار قوم من العجم، بأيديهم السيوف مسللة، فلما رآهم قام قائما/ وقال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156 [5] ذهبت والله نفسي في سبيل الله، أما من حيلة، أما من مغيث!؟ [6] فلما وصلوا إليه أحجموا عن الإقدام، وجعل بعضهم يقول لبعض: تقدم. فأخذ محمد بيده وسادة وجعل يَقُولُ: ويحكم، إني ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن هارون، وأخو المأمون، الله الله في دمي. فدخل عليه رجل يقال له: حميرويه [7]- غلام لقريش الدنداني- فضربه بالسيف ضربة وقعت على مقدم رأسه، وضرب وجهه بالوسادة التي كانت في يده، ودخل جماعة، فنخسه واحد منهم بالسيف في خاصرته، وركبوه فذبحوه ذبحا من قفاه، وأخذوا راسه، فمضوا به إلى طاهر، وتركوا جثته، فنصب طاهر الرأس
__________
[1] في الأصل: «لشهوكته» . والزهوكة: الرائحة الكريهة.
[2] الحراقة: نوع من السفن بها مرامي للنيران.
[3] في الأصل: «إزار» .
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 478- 483.
[5] سورة: البقرة، الآية: 156.
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 486- 487.
[7] في الطبري: «خمارويه» .(10/47)
عَلَى رمح على برج حائط البستان الذي يلي باب الأنبار، وفتح باب الأنبار، وتلى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ 3: 26 [1] .
وخرج من أهل بغداد من لا يحصى عدده ينظر إليه، ثم بعث برأسه إلى المأمون مع الرداء والقضيب والبردة، فأمر له بألف ألف دينار، فأدخل ذو الرئاستين الرأس [2] بيده على ترس إلى المأمون، فلما رآه سجد، وأعطى طاهر بعد قتل محمد الناس كلهم الأمان، وهدأ الناس، ودخل طاهر المدينة يوم الجمعة، فصلى بالناس وخطبهم، وحض على الطاعة ولزوم الجماعة، وانصرف إلى معسكره. [3] وفي هذه السنة: وثب الجند بعد مقتل محمد بخمسة أيام بطاهر، وشهروا السلاح، ونادوا: يا منصور. / فهرب منهم طاهر، وتغيب أياما حتى أصلح أمرهم.
وكان السبب أنه لم يكن عنده مال، فضاق به الأمر فهرب، وانتهب بعض متاعه، ومضى إلى عقرقوف [4] ، وتهيأ لقتالهم بمن معه من القواد، فأتوه واعتذروا، وأحالوا على السفهاء والأحداث، وسألوه الصفح عَنْهُمْ، فأمر لهم برزق أربعة أشهر، وكان قد أمر بحفظ أبواب المدينة، وباب القصر على أم جعفر، وموسى، وعبد الله ابني محمد، ثم أمر بتحويل زبيدة وموسى وعبد الله معها من قصر أبي جعفر إلى الخلد، فحوّلوا ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول، ثم أمر بحمل موسى وعبد الله إلى عمهما. [5] وفي هذه السنة: ورد كتاب المأمون بعد قتل محمد على طاهر وهرثمة بخلع القاسم بْن هارون، فأظهرا ذَلِكَ، ووجها كتبهما به، وقرئ الكتاب بخلعه يوم الجمعة لليلتين بقيتا من شهر ربيع الأول.
وفي هذه السنة بويع للمأمون البيعة العامة.
__________
[1] سورة: آل عمران، الآية: 26.
[2] في الأصل: «فأدخل الرأس ذو الرئاستين» .
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 486- 488.
[4] في الأصل: «عاقرقوف»
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 495- 496.(10/48)
باب ذكر خلافة المأمون [1]
واسمه: عبد الله بن هارون الرشيد، وكان يكنى أبا العباس في أيام الرشيد، وكان في خلافته تكنى بأبي جعفر تفاؤلا بكنية المنصور والرشيد في طول العمر.
ولد ليلة استخلف الرشيد في ربيع الأول سنة سبعين، وكان أبيض، أقنى، أعين، جميلا، طويل اللحية، قد وخطه/ الشيب، ضيق الجبهة، بخده خال أسود يعلوه صفرة، ساقاه دون سائر جسده صفراوين كأنهما طليا بالزعفران، وأمه أمة اسمها مراجل، ماتت بعد ولادته بقليل، فسلمه الرشيد إلى سعيد الجوهري، وكان من زمن صغره فطنا ذكيا.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بْن علي [بْن ثابت] [2] الخطيب قَالَ: أخبرني الأزهري قَالَ: حَدَّثَنَا إبراهيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة قَالَ: قال أبو محمد اليزيدي: كنت أؤدب المأمون وهو في حجر سعيد الجوهري. قَالَ: فأتيته يوما وهو داخل، فوجهت إليه بعض خدمه [3] يعلمه بمكاني، فأبطأ علي، ثم وجهت آخر فأبطأ عليّ، فقلت لسعيد: إن هذا الفتى ربما تشاغل بالبطالة وتأخر. فَقَالَ: أجل، ومع هذا إذا فارقك عزم على خدمه، ولقوا منه أذى شديدا، فقومه بالأدب، فلما خرج أمرت
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 527. وتاريخ بغداد 10/ 183- 192.
ومن هنا تبدأ النسخة ت في هذا الجزء.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ت: «فوجهت إليه بعد خدمه» .(10/49)
بحمله فضربته سبع درر. قَالَ: فإنه ليدلك عينه من البكاء [1] إذ قِيلَ: هذا جعفر بن يحيى قد أقبل، فأخذ منديلا، فمسح عينيه، وجمع ثيابه، وقام إلى فراشه، فقعد عليه متربعا وقال: ليدخل. فدخل، فقمت إلى المجلس، وخفت أن يشكوني إليه، فألقى منه ما أكره، فأقبل عليه بوجهه وحدثه حتى أضحكه، وضحك إليه، فلما هم بالحركة دعى بدابته، وأمر غلمانه فسعوا بين يديه، ثم سأل عني، فجئت فَقَالَ: خذ علي ما بقي من جزئي، فقلت: أيها الأمير، أطال الله بقاءك، لقد خفت أن تشكوني إلى جعفر بن يحيى، ولو فعلت/ ذلك لتنكر لي. فقال: أتراني يا أبا محمد كنت أطلع الرشيد على هذا، فكيف بجعفر بن يحيى حتى أطلعه إني أحتاج إلى أدب [2] ، أدب يغفر الله لك بعد ظنك، خذ في أمرك، فقد خطر ببالك ما لا تراه أبدا، ولو عدت كل يوم مائة مرة [3] .
وروى الطالقاني قَالَ: قال الرشيد لأبي معاوية الضرير وهشيم: إني أسمع من ابني هذا- يعني المأمون- كلاما لست أدري أمن تلقين القيم عليه هو أم من قريحة؟
فادخلا إليه، فناظراه وأسمعا منه، وأخبراني بما تقفان عليه. فدخلا عليه وهو في أثواب صباه، فقالا له: إن أمير المؤمنين أمرنا بالدخول عليك ومناظرتك، فأي العلوم أحب إليك؟ قال: أمتعها لي. قالا: وما أمتعها لك. قَالَ: أثبتها عن ثقة، وأقربها من أفهام مستمعيها. فقال له هشيم: جئناك لنعلمك فتعلمنا. ثم أخبرا الرشيد فقالا: إن هذا شيء أوله لحقيق أن يرجى آخره، ثم أعتق عنه مائة عبد وأمة، وألزمها خدمته.
وبلغنا أن أم جعفر عاتبت الرشيد على تقريبه المأمون دون ابنها محمد، فدعا خادما بحضرتها، وقال لَهُ: وجه إلى عبد الله ومحمد خادمين حصيفين يقولان لكل واحد منهما عَلَى الخلوة: ما يفعل به إذا أفضت الخلافة إِلَيْهِ؟. فأما محمد فقال للخادم الذي مضى إليه: أقطعك وأوليك وأبلغ لك. وأما المأمون فرمى الخادم بالدواة وقال: يا ابن اللخناء تسلني ما أفعل بك بموت أمير المؤمنين؟ بل نكون جميعا فداء له. فرجع بالخبر/ كل منهما. فقال لأم جعفر: كيف ترين ما أقدم ابنك إلا متابعة لرأيك وتركا
__________
[1] في الأصل: «بالبكاء» .
[2] في الأصل: «أحتاج إلى أدب أدّب» .
[3] انظر: تاريخ بغداد 10/ 184- 185.(10/50)
للجزع، وقد كان المأمون يعنى بالعلم قبل ولايته كثيرا حتى جعل لنفسه مجلس نظر.
أَخْبَرَنَا ابن ناصر قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو علي الطوماري قَالَ: أخبرنا أبو الحسين بن الفهم قَالَ: حدثنا يحيى بن أكثم قَالَ: كان المأمون قبل تقلده الخلافة يجلس للنظر، فدخل يهودي حسن الوجه، طيب الرائحة، حسن الثوب، فتكلم فأحسن الكلام، فلما تقوض المجلس دعاه المأمون فقال لَهُ: إسرائيلي؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أسلم حتى أفعل لك وأصنع. فَقَالَ:
ديني ودين آبائي فلا تكشفني. فتركه، فلما كان بعد سنة جاءنا وهو مسلم، فتكلم في الفقه [1] ، فأحسن الكلام، فلما تقوض المجلس دعاه المأمون فَقَالَ: ألست صاحبنا؟
قَالَ: نعم. قَالَ: أي شيء دعاك إلى الإسلام، وقد كنت عرضته عليك فأبيت؟ قَالَ:
إني أحسن الخط، فمضيت فكتبت ثلاث نسخ من التوراة، فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة، فبعتها، فاشتريت. قَالَ: وكتبت ثلاث نسخ من الإنجيل، فزدت فيها ونقصت فأدخلتها إلى البيعة فاشتريت مني. قَالَ: وعمدت إلى القرآن فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها إلى الوراقين، فكلما تصفحوها قرءوا الزيادة والنقصان ورموا بها، فعلمت أن هذا الكتاب محفوظ، فكان سبب إسلامي.
قال يحيى بن أكثم: فحججت فرأيت سفيان/ بن عيينة فحدثته بهذا الحديث فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله عز وجل. قُلْتُ: في أي موضع؟ قَالَ: في قوله عز وجل في التوراة والإنجيل: بِمَا اسْتُحْفِظُوا من كِتابِ الله وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ 5: 44 [2] فجعل حفظه إليهم فضاع. وقال الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ 15: 9 [3] .
فحفظه الله تعالى علينا فلم يضع.
أخبرنا القزاز [4] قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الحصين بن أبي بَكْر قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد الله الشافعي قال: حدثنا عمر بن حفص السدوسي قال:
__________
[1] في الأصل: «فتكلم علي للفقه» .
[2] سورة: المائدة، الآية: 44.
[3] سورة: الحجر، الآية: 9.
[4] في ت: «أخبرنا القرآن» .(10/51)
حَدَّثَنَا محمد بن يزيد قَالَ: استخلف المأمون في المحرم سنة ثمان وتسعين [ومائة] [1] ، وقد سلّم عليه بالخلافة قبل ذلك ببلاد خراسان نحو سنتين، وخلع أهل خراسان وغيرها محمد بن هارون [2] .
فصل
ولما استوثق الأمر للمأمون ولى الحسن بن سهل كل ما افتتحه طاهر بن الحسين من كور الجبال وفارس والأهواز والكوفة والبصرة والحجاز واليمن، وكتب المأمون إلى طاهر بتسليم جميع ما في يده من الأعمال في البلدان إلى خلفاء الحسن بن سهل، وولاه الموصل والجزيرة والشام والمغرب، فقدم علي بن سعيد الوراق خليفة الحسن بن سهل على خراجها، فدافع طاهر عليا بتسليم الخراج إليه حتى وفى الجند أرزاقهم، ثم سلم إليه العمل.
ذكر طرف من أخبار المأمون وسيرته
كان المأمون يحفظ القرآن، وقد سمع الحديث/ من مالك بن أنس، وحماد بن زيد، وهشيم، وغيرهم، وكان له حظ من علوم كثيرة، وأسند الحديث.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قَالَ: أخبرني الخلال قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يعقوب قَالَ: حدثنا أحمد بن عبد الله الوكيل قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ قال: سمعت أبي يَقُولُ: لم يحفظ القرآن من الخلفاء إلا عثمان والمأمون، وكان المأمون يقرأ القرآن كثيرا، فروى عنه ذو الرئاستين أنه ختم في رمضان ثلاثة وثلاثين ختمة، وكان يحفظ الحديث ويرويه.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ [3] قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ قال: أنبأنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر: تاريخ بغداد 10/ 183- 184.
[3] في الأصل: «أنبأنا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بن ثابت قَالَ: أخبرني الخلال قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يعقوب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه قَالَ: أنبأنا محمد بن ناصر.(10/52)
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْكَتَّانِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ السّليطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ السُّلَمِيُّ صَاحِبُ ابْنِ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ الْبُخَارِيُّ قال: سمعت المأمون أمير المؤمنين يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» وَقَالَ مَرَّةً: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» . قال محمد بن قدامة: بلغ المأمون أن أبا حذيفة حدث بهذا الحديث عنه، فأمر له بعشرة آلاف درهم.
أنبأنا زاهر/ [بْن طاهر] [1] قَالَ: أنبأنا أَحْمَد بْن الحسين البيهقي قال:
أخبرنا [2] الحاكم أبو عبد الله [محمد بن عبد الله] قَالَ: حدثني أبو علي منصور بن عبد الله بن خالد المروزي قَالَ: حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن حمدويه قال:
حدثنا إبراهيم بن يونس بن مروان الضبي قَالَ: حدثني [3] نصر بن منصور الطفاوي قَالَ: حدثنا أبو عمر الحوضي قال: لما دخل المأمون مصر قام إليه فرج الأسود مولاه، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، الحمد للَّه الذي كفاك أمر عدوك، ودان لك العراقان والشامان ومصر وخراسان، وأنت ابن عم رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم والعالم به. فَقَالَ: ويحك يا فرج، قد بقيت لي خلة. قلت: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قَالَ: جلوسي في عسكر، ومستمل يجيء فيقول: من ذكرت رضي الله عنك؟ فأقول: حَدَّثَنَا الْحَمَّادَانِ: حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالا: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «من عال ابنتين أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً حَتَّى يَمُتْنَ أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ» فَأَوْمَأَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِالْوُسْطَى وَالإِبْهَامِ.
قال الحاكم: وسمعت أبا الحسين محمد بن محمد بن يعقوب الحافظ يقول:
سمعت أبا العباس مُحَمَّد بن إسحاق يَقُولُ: سمعت محمد بن سهل يقول: كنت بالمصيصة وبها المأمون أمير المؤمنين، فأذن يوما [للناس فقام إليه] [4] شاب وبيده
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ت: «حدثنا» .
[3] في الأصل: «وحدثني» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أثبتناه من ت.(10/53)
محبرة، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، صاحب حديث منقطع بِهِ/ فقال له المأمون: أي شيء تحفظ من باب كذا؟ فلم يذكر الفتى شيئا، فما زال المأمون يَقُولُ: حدثنا هشيم، وحدثنا أبو الأحوص، وحدّثنا وكيع، حتى ذكر الباب، ثم قَالَ: وإيش تحفظ في باب كذا؟ فلم يذكر الفتى شيئا، فما زال المأمون يَقُولُ: حدثنا حجاج بن محمد، وحدثنا فلان وفلان، حتى ذكر الباب، ثم التفت إلى الفضل فقال: أحدهم يطلب الحديث ثلاثة أيام ثم يقول أنا من أصحاب الحديث، أعطوه ثلاثة آلاف درهم.
أخبرنا هبة الله بن أحمد الحرسي قال: أخبرنا إبراهيم عن عمر البرمكي قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْن أحمد بن خلف قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي الطبري قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن داود قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن عون قَالَ: سمعت ابن عيينة يَقُولُ:
جمع أمير المؤمنين العلماء وجلس للناس، فجاءت امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين، مات أخي وخلف ستمائة دينار، أعطوني دينارا واحدا وقالوا: هذا نصيبك. قَالَ: فحسب المأمون ثم قَالَ: هكذا نصيبك رحمك اللَّه، فقالت العلماء: كيف علمت يا أمير المؤمنين؟ فقال لها: هذا الرجل خلف أربع بنات. قالت: نعم. قال: فلهما الثلثان أربعمائة وخلف والدة فلها السدس مائة، وخلف زوجة فلها الثمن خمسة وسبعون دينارا، باللَّه لك اثنا عشر أخا. قالت: نعم. قال: أصابهم ديناران ديناران، وأصابك دينار/.
[أخبرنا ابن ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا محفوظ بْن أحمد الفقيه قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلي مُحَمَّد بْن الحسين الجازري قَالَ: حَدَّثَنَا المعافى بْن زكريّا قَالَ:] [1] أَخْبَرَنَا محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا الحسين [2] بن يحيى الكاتب قَالَ: حدثني من سمع قحطبة بن حميد بن قحطبة يَقُولُ: حضرت المأمون يناظر محمد بن القاسم النوشجاني يقول في شيء ومحمد يفضي له ويصدقه. فقال له المأمون: أراك تنقاد لي إلى ما ترى أنه يسرني قبل وجوب الحجة عليك، ولو شئت أن أقيس الأمور بفضل بيان، وطول لسان، وأبهة الخلافة، وسطوة الرئاسة لصدقت وإن كنت كاذبا، وصوبت، وإن كنت مخطئا وعدلت، وإن كنت جائرا، ولكن لا أرضى إلا بإزالة الشبهة، وغلبة
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «حدثنا الحسن بن يحيى» .(10/54)
الحجة، وإن شر الملوك عقلا وأسخفهم رأيا من رضي بقولهم: صدق الأمير.
قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرنا القاضي أبو العلا الواسطي قَالَ: حدثنا علي بن عمر الحافظ قال: حدّثنا الكوكبي قال: حدّثنا أبو عكرمة الضَّبُّي قَالَ: حدثني ابن الأعرابي قَالَ: بعث إلي المأمون فصرت إليه وهو في بستان يحيى بن أكثم، فرأيتهما موليين، فجلست، فلما أقبلا قمت فسلمت عليه بالخلافة، فسمعته يقول ليحيى: يا أبا مُحَمَّد، ما أحسن أدبه، رآنا موليين فجلس، ثم رآنا مقبلين فقام ثم رد السَّلَام وقَالَ: يا مُحَمَّد، أخبرني عن أحسن ما قيل في الشراب فقلت: يا أمير المؤمنين، قوله:
تريك القذى من دونها وهي دونه ... إذا ذاقها من ذاقها يتمنطق
فقال: أشعر منه الذي يقول: - يعني أبا نواس-
/ فتمشت في مفاصلهم ... كتمشي البرء في السقم
فعلت في البيت إذ مزجت ... مثل فعل الصبح في الظلم
واهتدى ساري الظلام بها ... كاهتداء السفر بالعلم
فقلت: فائدة يا أمير المؤمنين. فَقَالَ: أخبرني عن قول هند بنت عُتْبَة:
نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق
من طارق هذا؟ قَالَ: فنظرت في نسبها فلم أجده. فقلت: يا أمير المؤمنين، ما أعرف في نسبها! فقال: إنما أرادت النجم، فانتسبت إليه لحسنها، من قول الله عز وجل: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ 86: 1 [1] . فقلت: فائدتان يا أمير المؤمنين قال: أنا بؤبؤ هذا الأمر [2] [وأنت بؤبؤه] [3] . ثم دفع [4] إليّ بعنبرة وكان يقلبها في يده، فبعتها بخمسة آلاف درهم [5] .
__________
[1] سورة: الطارق، الآية: 1.
[2] في الأصل: «أنا أبو هذا الأمر» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ت: «ثم دحا» .
[5] انظر: تاريخ بغداد 5/ 284- 285.(10/55)
حدثنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: أخبرني الأزهري قال: حدّثنا محمد بن جامع قَالَ: حدثنا أبو عمر الزاهد قَالَ: حدثنا المبرد قَالَ: حدثني عمارة بْن عُقَيْل قَالَ: قال لي ابن أبي حفصة الشاعر: أعلمت أن أمير المؤمنين لا يبصر الشعر!؟ فقلت: ومن يكون أفرس منه!؟ والله إنا لننشد أول البيت فيسبق إلى آخره من غير أن يكون سمعه. قَالَ: إني أنشدته شيئا أجدت فيه، فلم أره تحرك لَهُ، فأسمعه:
أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلا ... بالدين والناس بالدنيا مشاغيل
/ فقلت: ما زدته على أن جعلته عجوزا في محرابها في يدها سبحة، فمن يقوم بأمر الدنيا إذا كان مشغولا عنها، وهو المطوق بها؟ ألا قلت كما قال جرير لعمر بن عبد العزيز:
فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه ... ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله [1]
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: حدثنا أحمد بن علي قال: أخبرنا يحيى بن الحَسَن بْن المنذر قَالَ: حدثنا إسماعيل بن سعيد المعدل قَالَ: حدثنا أبو بكر بن دريد قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن بن خضر قَالَ: سمعت ابن أبي دؤاد يقول: أدخل رجل من الخوارج على المأمون فَقَالَ: ما حملك على خلافنا؟ قَالَ: آية في كتاب الله عز وجل. قَالَ: وما هِيَ؟ قَالَ: قوله: وَمن لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ 5: 44 [2] قال له المأمون: ألك علم بأنها منزلة؟ قال: نعم. قال: وما دليلك؟ قَالَ: إجماع الأمة. قَالَ:
فكما رضيت بإجماعهم في التنزيل فارض بإجماعهم في التأويل. قَالَ: صدقت، السلام عليك يا أمير المؤمنين [3] .
أخبرنا عبد الرحمن [القزاز قَالَ:] [4] أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني الحسن بن مُحَمَّد الخلال قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عمران قَالَ: حدثنا محمد بن الحسن بن محمد الموصلي قَالَ: حدثنا عبد الله بن محمود المروزي قال: سمعت
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 10/ 189.
[2] سورة: المائدة، الآية: 44.
[3] انظر: تاريخ بغداد 10/ 186.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(10/56)
يحيى بن أكثم يَقُولُ: ما رأيت أكمل آلة من المأمون. وجعل يحدث بأشياء استحسنها من كَانَ في مجلسه. ثم قال: كنت عنده ليلة أذاكره وأحدثه، / ثم نام وانتبه وقال: يا يحيى، انظر أيش عند رجلي. فنظرت فلم أر شيئا. فَقَالَ: شمعة، فتبادر الفراشون.
فَقَالَ، انظروا، فنظروا، فإذا تحت فراشه حية بطوله، فقتلوها، فقلت: قد انضاف إلى كمال أمير المؤمنين علم الغيب. فقال: معاذ الله، ولكن هتف بي هاتف الساعة وأنا نائم:
يا راقد الليل انتبه ... إن الخطوب لها سرى
ثقة الفتى بزمانه ... ثقة محللة العرى
فانتبهت، فعلمت أن قد حدث أمر إما قريب، وإما بعيد. فتأملت ما قرب فكان ما رأيت [1] .
أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ قَالَ: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد الفقيه قَالَ:
أخبرنا ابن دودان قَالَ: أخبرنا المرزباني قَالَ: أخبرنا ابن دريد، عن أبي العيناء قال:
قصد أعرابي المأمون فوقف على بابه سنة لا يصل إِلَيْهِ، فصاح الأعرابي يوما: نصيحة، نصيحة. قَالَ: فأدخل على المأمون فقال لَهُ: يا أعرابي، ما نصيحتك؟ قَالَ: يا أمير المؤمنين، رأيت البارحة رؤيا، وقد أحببت أن تفسرها لي. فتبسم المأمون وقَالَ: ما الرؤيا؟ فأنشأ يَقُولُ:
إني رأيتك في منامي سيّدي ... يا ابن الإمام على الجواد السابق
وكسوتني حللا طرائف حسنها ... يزهو لدي مع الكميت الفائق
فقال المأمون: ادفعوا إلى الأعرابي خلعة وفرسا/ كميتا بسرجه ولجامه. فلما دفع إِلَيْهِ قَالَ: يا أمير المؤمنين:
وأجزتني بخريطة مملوءة ... ذهبا وأخرى باللجين الفائق
فقال المأمون: يدفع إليه ألف دينار، وألف درهم، فقبض ذلك وأنشأ يَقُولُ:
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 10/ 188.(10/57)
وأجزتني بخريدة رومية ... حسناء تشفع بالغلام الفائق
فقال المأمون: يدفع إليه ذَلِكَ، ثم قَالَ: يا أعرابي، إياك أن ترى مثل هذه، فربما لم تجد من يفسرها لك.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ التَّنُّوخِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر أَحْمَدَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ أَحْمَدَ الْهَاشِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي جُمْعَةَ النَّحَّاسُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ بْنِ عبد الله بن علي بن عبد الله بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ: كُنْتُ يَوْمًا بَيْنَ يَدَيِ الْمَأْمُونِ، فَجَعَلَ لا يَمُرُّ عَلَيْهِ غُلامٌ مِنْ غِلْمَانِهِ إِلا أَعْتَقَهُ، وَعَلَى رَأْسِهِ غُلامٌ نَظِيفٌ، نَظِيفُ الثِّيَابِ، وَكُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يَعْتِقَهُ فِيمَنْ يَعْتِقُ، فَلَمَّا تَنَحَّى الْغُلامُ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ المؤمنين، رأيت لا يَمُرُّ أَحَدٌ مِنْ غِلْمَانِكَ إِلا أَعْتَقْتَهُ وعلى رأسك غلام مَنْ صِفَتُهُ وَحَالَهُ، وَكُنْتُ أُحِبُّ أَنْ تَعْتِقَهُ. فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ آبَائِهِ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «طِينَةُ الْمُعْتِقِ مِنْ طِينَةِ الْمُعْتَقِ» وَالَّذِي رأيته على رأسي حجام، فكرهت/ أن يكون من طينتنا حجام.
أخبرنا ابن ناصر قَالَ: أخبرنا ابن المبارك عبد الجبار قال: أخبرنا الجوهري قال:
أخبرنا ابن حيوية قَالَ: حدثنا المقدمي، عن الحارث بن محمد قَالَ: أخبرني بعض أصحابنا قَالَ: بكّر أحمد بن أبي خالد يقرأ على المأمون قصصا، فجاع، فمرت به قصة فيها فلان بن فلان اليزيدي، فقرأ: الثريدي. فقال المأمون: يا غلام، صحفة مملوءة ثريدا لأبي العباس، فإنه أصبح جائعا. فاستحيى وقَالَ: ما أنا بجائع، ولكن صاحب القصة أحمق، نقط على الياء ثلاث نقط. فَقَالَ: ما أنفع جمعه لك. فأحضرت الصحفة مملوءة ثريدا وعراقا وودكا، فخجل أحمد، فَقَالَ له المأمون: بحياتي لما ملت إليها فأكلت. فعدل فأكل حتى اكتفى وغسل يده، وعاود القراءة، ومرت قصة فلان بن فلان الحمصي، فقرأ: الخبيصي فقال المأمون: يا غلام، جام مملوء خبيصا لأبي العباس، فإن طعامه كان مبتورا. فاستحيى وقَالَ: يا سيدي، صاحب القصة أحمق، فتح الميم فصارت سنتين. فَقَالَ: لولا حمقه وحمق صاحبه مت اليوم جوعا، فأتي بجام مملوء خبيصا، فخجل، فقال المأمون: بحياتي إلا ملت نحوه فأكلت. فأكل وغسل يده، وعاود القراءة، فما أسقط حرفا حتى انقضى/ المجلس.(10/58)
وقال محمد بن الْجَهْمُ: دعاني المأمون فقال: أنشدني بيت مدح نادر. فأنشدته:
يجود بالنفس إذ ضن البخيل بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود
فَقَالَ: قد وليتك همذان، فأنشدني بيت هجاء نادر فأنشدته:
قبحت مناظره فحين خبرته ... حسنت مناظره لقبح المخبر
فَقَالَ: قد وليتك الدينور، فأنشدني بيت مرثية نادر، فأنشدته:
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه ... فطيب تراب القبر دل على القبر
فَقَالَ: قد وليتك نهاوند، فأنشدني بيت غزل. فأنشدته:
حب مجد وحبيب يلعب ... والقلب ما بينهما يذهب
ومن كلام المأمون:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو المعالي أحمد بن محمد البخاري قال:
أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أبو الحسن بن رزقويه قال: أخبرنا أبو جعفر عبد الله بن إِسْمَاعِيل بن توتة/ قَالَ: أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف قَالَ: حدثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ محمد القرشي قَالَ: حَدَّثَني ابن هشام قَالَ: قال لي المأمون: يا عليّ، الملوك تحتمل لأصحابها كل شيء خلا ثلاث خصال. قلت: وما هن يا أمير المؤمنين؟ قَالَ: القدح في الملك، وإفشاء السر، والتعرض للحرمة.
وبلغنا أن المأمون جمع ولده يوما فَقَالَ: يا بني، ليعلم الكبير منكم إنما عظم قدره بصغار عظموه، وقويت قوته بضعاف أطاعوه، وشرفت منزلته بعوام اتضعوا لَهُ، فلا يدعونه تفخيم المفخم منهم إياه إلى تصغيره، وتعزيز أمره إلى تذليله، ولا تستأثرن بعائده ورفق دونه، ولا يولعن بتسميته عمدا كما سمت الأعاجم وليا وأخا، فإن الشيء الذي قوامه من أجزاء خسيسة، ومعان مذمومة، فهو أيضا خسيس مذموم، وكل أمر من أولئك جزء من عدده، وعماد من عماد أمره، فإذا انحلت أجزاؤه، وزالت دعائمه مال العماد، وتهدم الكل، وقد قِيلَ إن من ملك أحرارا كان أشرف ممن ملك عبيدا مستكرهين، يا بني، ارجعوا فيما اشتبه عليكم من التدبير إلى آراء الحزمة المجربين، فإنّهم مرآتكم يرونكم ما لا ترون، قد صحبوا الدهور، وكفوكم الأمور بالتجارب، وقد(10/59)
قِيلَ: إن من جرعك مر التبري أشفق عليك ممن أوجرك حلق النقم، ومن خوفك لتأمن أبر ممن أمنك لتخاف.
وقَالَ: الإخوان ثلاث طبقات، فأخ/ كالغذاء الذي تحتاج إليه في كل يوم وفي كل وقت، وهو الأخ العاقل الأديب، وأخ كالدواء تحتاج إليه عند الداء، وهو الأخ الأريب الّذي يصادق المودة، وأخ كالداء الذي لا يحتاج إليه، وهو الأحمق.
وكان المأمون يَقُولُ: أعظم الناس سلطانا من تسلط على نفسه فوليها بمحكم التدبير وملك هواه فحمله على محاسن الأمور، وأشرب معرفة الحق فانقاد للواجب، فوقف عند الشبهة حتى استوضح مقر الصواب فتوخاه ورزق عظيم الصبر فهان عليه هجوم النوائب تأميلا لما بعدها من عواقب الرغائب، وأعطي فضيلة التثبت، فحبس عزب لسانه، ومما ينبغي الاحتياط فيه اختيار الكفاة من الأعوان، وإنزالهم منازلهم، والانتصار بهم على ما يطيقونه. وأنشد:
من كان راعيه دينا في حلوبته ... فهو الذي نفسه في أمره ظلما
ترجو كفايته والغدر عادته ... ومن ولايته يستجني الندما
وقيل للمأمون: أي المجالس أحسن؟ قَالَ: ما نظر فيه إلى النَّاسَ.
وبعث المأمون رجلا ليسبق الحاج [1] ، فجاء بعد جماعة وكتب إلى المأمون رقعة ليسأله فيها شيئا، وكتب عليها: سابق الحاج. فنقط المأمون تحت الباء نقطة أخرى وردها إليه [2] .
ورفع [رجل] [3] صوته في مجلسه اسمه عبد الصمد، فقال:
لا ترفعن الصوت يا عبد الصمد ... إن الصواب في الأسد الأشد
/ أخبرنا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عُثْمَانَ الصابوني وأبو بكر البيهقي قالا:
أنبأنا أبو عبد الله الحاكم قَالَ: حدثني عبيد الله بن محمد بن عبد الرحمن الضبي قَالَ:
__________
[1] في الأصل: «ليسبق الناس» .
[2] «إليه» ساقط من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(10/60)
حَدَّثَنَا الحسن بن محمد الكاتب قَالَ: ذكر بشر بن الوليد القاضي المأمون فقال: كان والله الملك حقا، ما رأيت خليفة كان الكذب عليه أشد منه على المأمون، وكان يحتمل كل آفة تكون في الإنسان ولا يحتمل الكذب. قال لي يوما: صف لي أبا يوسف القاضي، فإنّي لم أره ولم استكثر منه. فوصفته له، فاستحسن صفته وقَالَ: وددت أن مثل هذا يحضرنا فنتجمل به [1] . ثم قَالَ: ما شيء من الخلافة إلا وأنا أحسن [أن] [2] أدبره، وأبلغ منه حيث أريد، وأقوى عليه، إلّا أمر أصحابك- يعني: القضاة- فو الله لقد اجتهدت وما ظنك بشيء يتحرج منه علي بن هشام، ويتوقى سوء عاقبته، ويتكالب عليه الفقهاء وأهل التصنع والرياء. فقلت: يا أمير المؤمنين، والله ما أدري ما أقصد فأجيب بحبسه. فَقَالَ: لكني أدريه، ولا والله ما تجيبني فيه بجواب مقنع أبدا. ثم ابتدأ فَقَالَ:
ولينا رجلا- أشرت به علينا- قضاء الأبلة، وأجرينا عليه ألف درهم، ولا له ضيعة ولا عقار ولا مال، فرجع صاحب الخبر بالناحية أن نفقته في الشهر أربعة آلاف درهم، فمن أين هذه الثلاثة آلاف درهم!؟
وولينا رجلا- أشار به/ محمد بن سماعة- دمشق، وأجرينا عليه ألفي درهم في الشهر، فأقام بها أربعة عشر شهرا، ووجهنا من يتتبع أمواله ويرجع إلينا بخبره [3] ، فصح عنه أنه يملك قيمة ثلاثة عشر ألف دينار من دابة وبغل وخادم وجارية وغير ذلك.
وولينا رجلا- أشار به غيركما- نهاوند، فأقام بعد عشرين شهرا من دخول يده في العمل سبعين بحينا وعشرين بحينا [4] ، وفي منزله أربعة خدم خصيان قيمتهم ألف وخمسمائة دينار، وذلك سوى نتاج فكر اتخذه. هات ما عندك من الجواب.
قُلْتُ: والله يا أمير المؤمنين ما عندي جواب. فَقَالَ: ألم أعلمك أنه لا جواب عندك!؟ وأكثر من هذا أنه ترغب لي علي بن هشام في رجل أوليته القضاء، فأعلمني
__________
[1] في ت: «فتتزين به» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «ويرجع إليه بخبره» .
[4] هكذا بالأصلين.(10/61)
أنّهُ وجده، فسرني والله، وسري عني، ورجوت أن يكون بحيث أحب، فأمرته بإحضاره، فغدا علي فسألته عن الرجل، فذكر أنه لم يجده على الصفة التي يحب، فسألته عن السبب في ذلك بعد وصفه الأول، فوصف أن الذي وصفه لي علي بن مقاتل، وأنه كان عنده من أهل العفاف والستر، فانصرف علي، ولم يحضره، ووجه إليه وهو لا يشك أنه يظهر كراهة لما أردناه عليه، ويستعفي تصنعا، فخبره بما أردناه له، فوثب إلى رأسه فقبله، فقضى أنه لا خير عنده، لأنه لو كان من أهل الخير لعد الذي دعا إليه إحدى المصائب والرزايا، / فقلت لَهُ: جزاك اللَّه عن إمامك ونفسك خير ما جزى امرأ عن إمامه ونفسه ودينه.
قال بشر: فبهت ولم أجر بكلمة، فقال لي: ولكن إذا أردت العفيف النظيف التقي النقي الطاهر الزكي- يعني الحسين- وهو بحالته التي فارقنا عليها، والله ما غير ولا بدل.
أما يحيى بن أكثم فما ندري ما عيبه!؟ أما ظاهره فأعف خلق اللَّه. فقلت: والله يا أمير المؤمنين ما لك في الخلفاء شبيه إلا عمر بن الْخَطَّاب، فإنه كان يفحص عن عماله وعَنْ دقيق أسرار حكامه فحصا شافيا، وكان لا يخفى عليه ما يفيده كل امرئ منهم وما ينفق، وكل من نأى عنه كمن دنا منه في بحثه وتنقيره. فقال: يا بشر، إن أهم الأمور كلها إلي أمور الحكام، إذ كنا قد ألزمناهم النظر في الدماء والأموال والفروج والأحكام، ووددت أن يتأتى مائة قاض مرضيين، وأني أجوع يوما وأشبع يوما.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو عمر الحسن بْن عُثْمَان الواعظ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَر بْن محمد بن الحكم قال: حدثني [1] أحمد بن الحسن الكسائي قَالَ: حدثنا سليمان بن الفضل النهرواني قَالَ: حدثني يحيى بن أكثم قَالَ: بت ليلة عند المأمون فعطشت في جوف الليل، فقمت لأشرب ماء، فرآني المأمون فقال: ما لك ليس تنام يا يحيى؟ قلت: يا أمير المؤمنين، أنا والله عطشان. فَقَالَ: ارجع إلى موضعك. فقام والله/ إلى البرادة فجاءني بكوز، فقام على رأسي فَقَالَ: اشرب يا يحيى. فقلت: يا أمير المؤمنين، فهلا وصيف أو وصيفة! فَقَالَ:
إنهم نيام. قلت: فأنا كنت أقوم أشرب! فقال لي: لؤم بالرجل أن يستخدم ضيفه. ثم
__________
[1] في الأصل: «وحدثني» .(10/62)
قَالَ: يا يحيى قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قَالَ: ألا أحدثك. قُلْتُ: بلى يا أمير المؤمنين. فَقَالَ: حَدَّثَنِي الرَّشِيدُ قَالَ: حَدَّثَنِي الْمَهْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الْمَنْصُورُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الله قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَيِّدُ الْقَوْمِ خَادِمُهُمْ» [1] .
حدثنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الجوهري قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمران المرزباني قَالَ: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى المكي قال: حدثنا محمد بن القاسم بن خلاد، عن يحيى بن أكثم قَالَ: ما رأيت أكرم من المأمون، بت عنده ليلة فعطش، فكره أن يصيح بالغلمان، فرأيته قد [قام] [2] قليلا قليلا إلى البرادة وبينه وبينها بعد، فشرب ورجع.
قَالَ يحيى بن أكثم: ثم بت عنده ونحن بالشام، فأخذ المأمون سعال، فرأيته يسد فاه بكم قميصه حتى لا أنتبه. ثم حملني آخر الليل النوم، فكان له وقت يستاك فيه، فكره أن ينبهني، فلما ضاق الوقت عليه تحركت. فَقَالَ: الله أكبر يا غلمان، نعل أبي مُحَمَّد.
قال يحيى: وكنت أمشي معه يوما في ميدان البستان والشمس علي وهو في الظل، فلما رجعنا قَالَ لي: كن الآن في الظل. فأبيت عليه، فَقَالَ: أول العدل أن يعدل الملك في بطانته/ ثم الذين يلونهم، حتى يبلغ الطبقة السفلى [3] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرِ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ علي المقرئ قال: أخبرنا محمد بن عبد الله النيسابوري قَالَ: سمعت أبا بكر بن داود بن سليمان الزاهد يَقُولُ: سمعت محمد بن عبد الرحمن الشامي يَقُولُ: سمعت أبا الصلت عبد السلام يَقُولُ: حبسني المأمون ليلة، فكنا نتحدث حتى ذهب من الليل ما ذهب، وطفئ السراج ونام القيّم الذي كان يصلح السراج، فدعاه فلم يجبه- وكان نائما- فقلت: يا أمير المؤمنين أصلحه. فقال: لا، فأصلحه هُوَ. ثم انتبه الغلام، فظننت أنه
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 10/ 187.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[3] انظر: تاريخ بغداد 10/ 187- 188.(10/63)
يعاقبه، فسمعته يَقُولُ: ربما أكون في المتوضأ فيشتموني ولا يدرون أني أسمع فاعف عَنْهُمْ [1] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: أخبرنا الجوهري قال:
أَخْبَرَنَا محمد بن العباس قال: حدثنا الصولي قال: حدثنا عون بن محمد قَالَ: حدثنا عبد الله بْن البواب قَالَ: كان المأمون يحلم حتى يغيظنا، وأنه في بعض الأوقات جلس يستاك عَلَى دجلة من وراء ستر ونحن قيام بين يديه، فمر ملاح وهو يقول بأعلى صوته:
أتظنون أن هذا المأمون ينبل في عيني وقد قتل أخاه!؟ قال: فو الله ما زاد على أن تبسم وقَالَ: ما الحيلة عندكم حتى أنبل في عين هذا الرجل الجليل!؟ [2] .
[أخبرنا] [3] أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ قال: أخبرنا عَلي بْن أبي عَلي المعدل قَالَ: حَدَّثَنَا أبو بكر بن عبد الرحيم المازني قال:
حدّثنا الحسين بن القيم الكوكبي قَالَ: حدثنا أبو الفضل الربعي قَالَ: لما ولد أبو جعفر بن المأمون دخل المهنئون على المأمون فهنأوه بصنوف التهاني، وكان فيمن دخل/ عليه العباس بن الأحنف، فمثل قائما بين يديه، ثم أنشأ يَقُولُ:
مد لك الله الحياة مدا ... حتى يريك ابنك هذا جدا
ثم يفدى مثل ما تفدى ... كأنه أنت إذا تبدا
أشبه منك قامة وقدا ... مؤزرا [4] بمجده مردى
فأمر له بعشرة آلاف درهم [5] .
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا جعفر بن أحمد قال: أخبرنا عبد العزيز بْن الحسن الضراب قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مروان قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن بن عليّ الربعي قَالَ: حدثني قحطبة بن حميد بن الحسن بن قحطبة قال: كنت
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 10/ 188- 189.
[2] انظر: تاريخ بغداد 10/ 189.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «مؤتزرا» .
[5] انظر: تاريخ بغداد 10/ 189- 190.(10/64)
واقفا على رأس المأمون يوما وقد قعد للمظالم، فأطال الجلوس حتى زالت الشمس، وإذا امرأة قد أقبلت تعثر في ذيلها حتى وقفت على طرف البساط، فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فنظر المأمون إلى يحيى بن أكثم، فأقبل يحيى عليها فَقَالَ: تكلمي. فقالت: يا أمير المؤمنين، قد حيل بيني وبين ضيعتي، وليس لي ناصر إلا الله. فَقَالَ لها يحيى بن أكثم: إن الوقت قد فات، ولكن عودي يوم الخميس. قال: فرجعت، فلما كان يوم الخميس قال المأمون: أول من يدعى المرأة المظلومة. فدعا بها. فَقَالَ: أين خصمك؟ قالت: واقف على رأسك يا أمير المؤمنين، قد حيل بيني وبينه. وأومأت إلى العباس ابنه. فَقَالَ لأحمد بن أبي خَالِد: خذ بيده وأقعده معها. ففعل، فتناظرا ساعة/ حتى علا صوتهما عليه [1] فقال لها أحمد بن أبي خَالِد: إنك تناظرين الأمير أعزه الله بحضرة أمير المؤمنين أطال اللَّه بقاءه، فأخفضي عليك. فقال له المأمون: دعها يا أحمد، فإن الحق أنطقها، والباطل أخرسه. فلم تزل تناظره حتى حكم لها المأمون عليه، وأمر برد ضيعتها، وأمر ابن أبي خالد أن يدفع لها عشرة آلاف درهم.
وروى الصولي: أنه رفع إلى المأمون أن خادمه رشد الأسود يسرق طساسه وأبا ريقه، وكان عَلَى وضوئه، فعاتبه في ذلك فَقَالَ: رزقي يقصر عني، فأضعفه لَهُ. ثم فقد بعد ذلك طستا وإبريقا، فقال: بعني ويحك الشيء إذا أخذته. قَالَ: فاشتر مني هذا الطست وهذا الإبريق. قَالَ: بكم؟ قَالَ: بخمسة دنانير. فَقَالَ: ادفعوا له خمسة دنانير.
فقال لَهُ رشد: بقي والله هذان ما بقى الزمان، فقال لَهُ المأمون: قد رأيت المعاملة، فكل من تعلم أنه يسرق مني شيئا فقل له يبيعنيه.
وقال المأمون: أنا والله أستلذ العفو حتى أخاف أن لا أؤجر عليه، ولو علم النَّاسَ مقدار محبتي للعفو لتقربوا إلي بالذنوب.
وقال المأمون: أنا والله أستلذ العفو حتى أخاف أن لا أؤجر عليه، ولو علم النَّاسَ مقدار محبتي للعفو لتقربوا إلي بالذنوب.
وفي هذه السنة: كتب المأمون إلى هرثمة يأمره بالشخوص إلى خراسان [2] .
__________
[1] «ففعل، فتناظرا ساعة حتى علا صوتهما عليه» . ساقطة من ت.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 527.(10/65)
وفيها: خرج خارجي يقال له الهرش في ذي الحجة يدعو بزعمه إلى الرضى من آل محمد، ومعه جماعة من سفلة الناس، وجمع كثيرا من الأعراب/ فأتى النيل، فجبى الأموال، وأغار على التجار، وانتهب القرى، وساق المواشي [1] .
وحج بالناس في هذه السنة العباس بن موسى بن عيسى بن محمد بن عليّ [2] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1082- سفيان بن عيينة بن أبي عمران بن محمد، مولى لبني هاشم بن رؤبة. وقيل: مولى محمد بن مزاحم الهلالي
[3] .
ولد بالكوفة سنة سبع ومائة، وكان أبوه من عمال خالد القسري، فلما عزل خالد عَن العراق وولي يوسف بن عمر طلب عمال خالد فهربوا منه، وهرب عيينة فسكن مكة.
وكان لسفيان تسعة إخوة، حدث منهم أربعة: محمد، وآدم، وعمران، وإبْرَاهِيم، وكان سفيان مقدما على الكل.
وقال أبو أحمد محمد بن أحمد النيسابوري الحافظ: كان بنو عيينة عشرة خزازين، حدث منهم خمسة- فذكرهم- وأخوال بني عيينة: بنو بني المتئد، حدث منهم يوسف ويعقوب ونعيم بْن يعقوب بن المتئد، وأدرك سفيان ستة وثمانين نفسا من التابعين.
وروى عنه من الكبار الأعمش، والثوري، وشعبة، وابن المبارك، ووكيع، وابن مهدي، والشافعي، وأحمد، ويحيى، وكتب عَن سفيان بن عيينة وهو ابن خمسة وثلاثين سنة قبل موت الأعمش بخمس سنين، وحدث في مجلس الأعمش.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن ميمون قَالَ: أخبرنا عبد العزيز بن أحمد النصيبي قَالَ: / حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْن الليث الدينَوَريّ قال:
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 527.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 527.
[3] انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 4/ 117- 122. وتاريخ الطبري 9/ 174- 184.(10/66)
حدّثني [1] الليث بن عُبَيْد الله قَالَ: حدثني أبو الميمون محمد بن عبد الله قال: حدثنا زكريّا بن يحيى بن عبيد العطار قَالَ: حدثنا إبراهيم بن ازداد الرافقي قَالَ: قال لي سفيان بن عيينة: لما بلغت خمس عشرة سنة دعاني أَبِي فقال لي: يا سُفْيان، قد انقطعت عنك شرائع الصب [من الخير] [2] ، فاحتفظ من الخير تكن من أهله، لا يغرنك من اغتر باللَّه فمدحك بما تعلم خلافه منك، فإنه ما من أحد يقول في أحد من الخير إذا رضي إلا وهو يقول فيه من الشر مثلي ذلك إذا سخط، فاستأنس بالوحدة من جلساء السوء، ولا تنقل أحسن ظني بك إلى غير ذَلِكَ، ولن يسعد بالعلماء إلا من أطاعهم. قال سُفْيان: فجعلت وصية أبي قبلة أميل معها ولا أميل عنها.
أنبأنا علي بن محمد بن أبي عمر، عن أبي طاهر أحمد بن الحسن الباقلاوي، عن أبي العلاء محمد بن علي بن يعقوب، عن عبد الله بن موسى السلامي قَالَ: سمعت عمار بن علي اللوزي يَقُولُ: سمعت أحمد بن النضر الهلالي يَقُولُ: سمعت أبي يَقُولُ: كنت في مجلس سفيان بْن عيينة، فنظر إلى صبي دخل المسجد فتهاونوا به لصغر سنه، فقال سُفْيان: كَذلِكَ كُنْتُمْ من قَبْلُ فَمَنَّ الله عَلَيْكُمْ 4: 94 [3] ثم قال: يا نصر، لو رأيتني ولي عشر سنين طولي خمسة أشبار، ووجهي كالدينار، وأنا كشعلة نار، ثيابي صغار، وأكمامي قصار، / وذيلي بمقدار، ونعلي كآذان الفار، أختلف إلي علماء الأمصار، مثل الزهري وعمرو بن دينار، أجلس بينهم كالمسمار، محبرتي كالجوزة، ومقلمتي كالموزة، وقلمي كاللوزة، فإذا دخلت المجلس قالوا: أوسعوا للشيخ، ثم تبسم ابن عيينة وضحك.
أخبرنا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن حبيب قَالَ: أخبرنا علي بن أبي صادق قَالَ: أخبرنا ابن باكويه قال: حدثنا عبد الواحد بن بَكْر قَالَ: حدثني [4] القاسم بن الحسن السامري قَالَ: حَدَّثَني [5] العباس بن يوسف الشكلي قَالَ: حدثنا بشر بن مطر قال: كنا على باب
__________
[1] في الأصل: «وحدثني» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[3] سورة: النساء، الآية: 94.
[4] في الأصل: «وحدثني» .
[5] في الأصل: «وحدثني» .(10/67)
سفيان بن عيينة فجاءت طائفة فدخلوا، وطائفة أخرى فدخلوا، فصحنا وقلنا: يجيء أصحاب الدراهم والدنانير فيدخلون ونحن الفقراء وأبناء السبيل نمنع الدخول!؟ فخرج إلينا وهُوَ يبكي فَقَالَ لنا: أصبتم مقالا، فقولوا هل رأيتم صاحب عيال أفلح؟ ثم قال:
أعلمكم أني كنت أوتيت فهم القرآن، فلما أخذت مال أبي جعفر منعت.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا محمد بْن عَبْد الله بن أحمد بن شهريار قَالَ: أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني قال:
حدّثنا أبو بكر بن أحمد بن عبد الله الطرسوسي قَالَ: سمعت حامد بن يحيى البلخي يَقُولُ: سمعت سفيان بْن عُيَيْنَة يَقُولُ: رأيت كأني [1] أسناني كلها سقطت، فذكرت ذلك للزهري فَقَالَ: يموت أصحابك [2] وتبقى [أنت] [3] وحدك [4] . فمات أصحابي [5] .
وبقيت [6] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد [7] قال: أخبرنا أَحْمَد بْن عَلِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِي بْن الحسن بن محمد الدقاق/ قَالَ: حدثنا محمد بن إسماعيل الوراق قَالَ: حدثنا ابن صاعد قَالَ: حدثنا أَبُو بكر الأثرم قَالَ: سمعت أحمد بن حنبل- وذكر سفيان بن عيينة- قال: ما رأينا مثله.
أخبرنا عبد الرحمن قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بن مُحَمَّد المعدل قال: أخبرنا ابن صفوان قال: أخبرنا ابن أبي الدنيا قَالَ: أخبرنا محمد بن سعد قَالَ: أخبرني الحسن بن عمران بن عُيَيْنَة أن [8] سفيان قال [له] [9] بجمع آخر حجة
__________
[1] في ت: «رأيت كأن» .
[2] في الأصل، وتاريخ بغداد: «أسنانك» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] «وحدك» ساقطة من ت.
[5] في الأصل، وتاريخ بغداد: «أسناني» .
[6] انظر: تاريخ بغداد/ 178.
[7] في الأصل: عبد الرحمن بن أحمد.
[8] في الأصل: «عيينة بن سفيان» .
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(10/68)
حجها: قد وافيت هذا الموضع سبعين مرة، أقول في كل سنة: اللَّهمّ لا تجعله آخر العهد من هذا المكان، وقد استحييت من الله من كثرة ما أسأله ذَلِكَ.
فرجع فتوفي في السنة الداخلة [1] .
قال ابن سعد: وقال الواقدي أخبرني سفيان أنه ولد سنة سبع ومائة، ومات أول يوم من رجب سنة ثمان وتسعين ومائة، ودفن بالحجون وقيل: في آخر يوم من جمادى الآخرة.
1083- عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن، أبو سعيد العنبري
[2] .
ولد سنة خمس وثلاثين ومائة. سَمِعَ سفيان الثوري، ومالكا، وشعبة، والحمادين، وخلقا كثيرا.
روى عنه: ابن المبارك، وابن المديني، وأحمد بن حنبل، ويحيى، وغيرهم.
وكان من كبار العلماء، وأحد المذكورين بالحفظ والفقه، وكان شديد الحب لحفظ الحديث.
فأَخْبَرَنَا أبو منصور القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر أحمد بن علي قَالَ: أخبرنا حمزة بن محمد بن طاهر قال: أخبرنا الوليد بن بكر الأندلسي قال: حدثنا علي بن أحمد بن زكريا/ الهاشمي قال: حدثنا صالح بن أحمد بن عبد الله العجلي قال: حدّثني أبي وذكر عبد الرحمن بن مهدي- قَالَ: قال له رَجُل: أيما أحب إليك يغفر الله لك ذنبا، أو تحفظ حديثا؟ قَالَ: أحفظ حديثا [3] .
وقال أحمد بن حنبل: إذا حدث عبد الرحمن عن رجل فهو حجة [4] .
وقال ابن المديني: كان عبد الرحمن أعلم الناس، ولو أني أخذت فخلفت بين الركن والمقام لحلفت باللَّه أني لم أر أحدا قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدي [5] .
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 9/ 183- 184.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 240- 248.
[3] انظر: تاريخ بغداد 10/ 242.
[4] انظر: تاريخ بغداد 10/ 243.
[5] انظر: تاريخ بغداد 10/ 244.(10/69)
وقال محمد بن يحيى: ما رأيت في يد عبد الرحمن كتابا قط، وكل ما سمعته منه سمعته حفظا.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن ثابت قال: أخبرني محمد بن عبد الملك القرشي قَالَ: حدثنا علي بن عمر الحافظ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه أحمد بْن علي بن العلاء قال: أخبرنا أبو إسحاق إسماعيل بن الصلت بن أبي مريم قَالَ: حدثنا علي بن المَدِيني قَالَ: كان عبد الرحمن بن مهدي يختم في كل ليلتين، وكان ورده في كل ليلة نصف القرآن [1] .
قال ابن المَدِيني: توفي عبد الرحمن سنة ثمان وتسعين، وهو ابن ثلاث وستين سنة.
1084- عمرو بن الهيثم بن قطن بن كعب، أبو قطن القطعي الْبَصْرِيّ
[2] .
قدم بغداد وحدث بها عن شعبة، وهشام الدَّسْتُوائي. وروى عنه أحمد، ويحيى، وقَالَ: هو ثقة.
وتوفي في شعبان/ هذه السنة.
1085- محمد الأمين
[3] .
[قال مؤلف الكتاب] [4] : قد ذكرنا كيفية قتله في الحوادث، وقتل لست بقين من المحرم سنة ثمان وأربعين ومائة، وكان عمره ثلاثة وثلاثين. وقيل: ثمانية وعشرين.
وكانت خلافته مع زمان الفتنة أربع سنين وثمانية أشهر وخمسة أيام. وقيل: وسبعة أشهر وثمانية أيام. وقيل: وستة أشهر وأربعة وعشرين يوما.
وكان قد تزوج لبابة بنت المهدي، ولم يدخل بها فقالت حين قتل ترثيه:
أبكيك لا للنعيم والأنس ... بل للمعالي والرمح والفرس
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 10/ 247.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 199.
[3] انظر حوادث السنة.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(10/70)
أبكي على هالك فجعت به ... أرملني قبل ليلة العرس
وقيل: إن هذا لابنه عيسى وكانت مملكة بمحمد.
1086- محمد بن مناذر الشاعر، يكنى أبا ذريح. وقيل: أبا جعفر. وقيل: أبا عبد اللَّه
[1] .
كان مولى سليمان القهرماني، وكان سليمان مولى عبيد الله بن أبي بكرة. سَمِعَ محمدا، وشُعْبَة، وسفيان بن عيينة وغيرهم. وكان شاعرا فصيحا، ومدح المهدي، وكان عالما باللغة.
قال الثوري: سألت أبا عبيدة عن اليوم الثاني من النحر، ما كانت العرب تسميه؟
فَقَالَ: لا أعلم، فلقيت ابن مناذر فأخبرته فَقَالَ: أسقط مثل هذا على أبي عبيدة، وهي أربعة أيام/ متواليات، كلها على حرف الراء، الأول: يوم النحر، والثاني: يوم الفر، والثالث: يوم النفر، والرابع: يوم الصدر. فلقيت أبا عبيدة فحدثته، فكتبه عني عن محمد بن مناذر.
وكان محمد بن مناذر يتعبد ويتنسك، ويلازم المسجد، ثم هوى عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي فتهتك، وعدل عن التنسك، وأظهر الخلاعة، وكان عبد المجيد من أحسن الناس وجها وأدبا ولباسا، وكان يحب ابن منادر أيضا فتزوج عبد المجيد امرأة، وأولم عليها شهرا، يجتمع عنده أهل البصرة، فصعد ذات يوم إلى السطح فرأى طنبا من أطناب الستارة قد انحل، فأكب عليه يشده، فتردى على رأسه ومات من سقطته، فما رأيت مصيبة أعظم من مصيبته، ورثاه ابن مناذر فقال:
إن عبد المجيد يوم تولى ... هد ركنا ما كان بالمهدود
ما درى نعشه ولا حاملوه ... ما على النعش من عفاف وجود
قال يحيى بن مَعِين: كان ابن مناذر صاحب شعر، لا صاحب حديث، وكان يتعشق ابن عبد الوهاب، ويقول فيه الشعر، وتشبب بنساء ثقيف فطردوه من البصرة،
__________
[1] انظر ترجمته في: لسان الميزان 5/ 390. وإرشاد الأريب 7/ 107- 110. وبغية الوعاة 107. والشعر والشعراء 364.(10/71)
فخرج إلى مكَّةَ، فكان يرسل العقارب في المسجد الحرام حتى يلسعن الناس ويصب المداد بالليل في المواضع التي يتوضأ الناس منها حتى تسود وجوههم لا يروي عنه/ رجل فيه خير.
1087- يحيى بن سعيد بن فروخ، أبو سعيد القطان الأحول.
[1] ولد سنة عشر ومائة. سَمِعَ هشام بن عُرْوَة، ويحيى بن سعيد الْأنصَارِيّ، والأعمش، وسفيان، وغيرهم.
روى عنه: ابن مهدي، وعفان، وأحمد، وعلي، ويحيى، وغيرهم.
وقال علي: لم أر أحدا أثبت من يحيى بن سعيد، ولا أعلم بالرجال.
وقال أحمد: ما رأت عيناي مثله، لا والله ما أدركنا مثله، ما كان أضبطه وأشد تفقده.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قرأت على الحسن بْن أبي بكر، عن أَحْمَد بن كامل القاضي قَالَ: حدثني الحسن بن الحباب قَالَ: حدثنا سليمان بْن الأشعث قَالَ: سمعت يحيى بن معين يَقُولُ: أقام يحيى بن سعيد عشرين سنة يختم القرآن في كل ليلة، ولم يفته المسجد أربعين سنة، وما رئي يطلب جماعة قط [2] .
توفي يحيى بن سعيد في صفر هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 14/ 135.
[2] تاريخ بغداد 14/ 136.(10/72)
ثم دخلت سنة تسع وتسعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
قدوم الحسن بن سهل بغداد من عند المأمون، وإليه الحرب والخراج، فلما قدمها فرق عماله في الكور والبلدان [1] .
وفيها: شخص طاهر إلى الرقة في جمادى ومعه عيسى بن محمد بن أبي خَالِد، وشخص هرثمة إلى خراسان، وخرج/ أزهر بن زهير بن المسيب إلى الهرش فقتله في المحرم. [2] وفيها: خرج بالكوفة محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة يدعو إلى الرضى من آل محمد، والعمل بالكتاب والسنة، وهو الذي يقال له ابن طباطبا.
وكان القيم بأمره في الحرب وتدبيرها وجيوشها أبو السرايا، واسمه السري بن منصور، وكان يذكر أنه من ولد هانئ بن قبيصة [3] .
وكان سبب خروج هذا الرجل صرف المأمون طاهر بن الحسين عما كان إليه من أعمال البلدان التي افتتحها، وتوجيهه ذلك إلى الحسن بن سهل، فلما فعل ذلك تحدث الناس أن الفضل قد غلب على المأمون، وأنه يبرم الأمور على هواه، ويستبد بالرأي
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 528.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 528.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 528.(10/73)
دونه، فغضب لذلك بالعراق من بها من بني هاشم ووجوه الناس، وأنفوا من غلبة الفضل عَلَى المأمون، واجترأوا على الحسن بن سهل بذلك، وهاجت الفتن في الأمصار، وكان أول من خرج بالكوفة ابن طباطبا، وكان أبو السرايا من رجال هرثمة، فمطله برزقه فغضب ومضى إلى الكوفة، وبايع محمد بن إبراهيم، وأخذ الكوفة، واستوثق لَهُ أهلها بالطاعة، وأقام محمد بالكوفة، وأتاه الناس من النواحي والأعراب. [1] فلما بلغ الخبر إلى الحسن بن سهل ذلك عنف سليمان بن المنصور، وكان عامل الكوفة من قبل الحسن بن سهل، ووجه/ زهير بن المسيب في عشرة آلاف، فلقوه فهزموه، واستباحوا عسكره، وأخذوا ما كان معه من مال وسلاح ودواب وغير ذَلِكَ، وكان هذا اليوم الأربعاء سلخ جمادى الأخرة، فلما كان من الغد مات محمد بن إبراهيم، فجاءة، فيقال إن أبا السرايا سمه [2] .
وكان السبب في ذَلِكَ: أنه لما جاز ما في عسكر ابن زهير منع منه أبا السرايا، فعلم أَنَّهُ لا أمر له معه، فسمه وأقام أبو السرايا مكانه غلاما حدثا يقال لَهُ: محمد بن محمد بْن زيد بْن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان أبو السرايا هو الذي ينفذ الأمور، ويولي من يرى، ويعزل من يريد. ورجع زهير إلى قصر ابن هبيرة، فوجه الحسن عبدوس بن محمد بن أبي خالد في أربعة آلاف، فتوجه إليه أبو السرايا فواقعه يوم الأحد لثلاث عشرة بقيت من رجب، فقتله وأسر هارون بن أبي خَالِد، واستباح عسكره بين قتيل وأسير، فلم يفلت منهم أحد، وانتشر الطالبيون في البلاد، وضرب أبو السرايا الدراهم بالكوفة، ونقش حولها: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ 61: 4 [3] .
ولما بلغ زهير قتل أبي السرايا عبدوسا وهو بالقصر، انحاز بمن معه إلى نهر الملك [4] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 529.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 529.
[3] سورة: الصف، الآية: 4.
[4] في الأصل: «نهر ملك» .
انظر: تاريخ الطبري 8/ 530.(10/74)
ثم إن أبا السرايا أقبل حتى نزل قصر ابن هبيرة بأصحابه، وكانت طلائعه تأتي كوثى، ونهر الملك، ووجه أبو السرايا جيوشا إلى البصرة/ وواسط، فدخلوها، وكان بواسط ونواحيها عَبْد الله بن سعيد الحرشي واليا عليها من قبل الحسن بن سهل، فواقعه جيش أبي السرايا قريبا من واسط فهزموه، فانصرف راجعا إلى بغداد وقد قتل من أصحابه جماعة وأسر آخرون، فلما رأى الحسن بن سهل أن أبا السرايا ومن معه لا يلقون له عسكرا إلا هزموه ولا يتوجهون إلى بلدة إلا دخلوها، ولم يجد فيمن معه من القواد من يكفيه حربه، اضطر إلى هرثمة- وكان هرثمة حين قدم الحسن العراق واليا عليها من قبل المأمون سلم له ما كان بيده بها من الأعمال، ثم توجه إلى خراسان مغاضبا للحسن، فسار حتى نزل حلوان- فبعث إِلَيْهِ الحسن السندي وصالحا صاحب المصلى، فسأله الانصراف إلى بغداد لحرب أبي السرايا، فامتنع فانصرفت الرسل إلى الحسن بإبائه، فأعاد عليه السندي بكتب لطيفة، فأجاب، فانصرف إلى بغداد فقدمها في شعبان، وتهيأ للخروج إلى الكوفة، فأمر الحسن بن سهل علي بن أبي سَعِيد أن يخرج إلى ناحية المدائن وواسط والبصرة، فتهيئوا لذلك.
وبلغ الخبر أبا السرايا وهو بقصر ابن هبيرة، فتوجه إلى المدائن فدخلها أصحابه في رمضان، وتقدم هو بنفسه ومن معه حتى نزل نهر صرصر مما يلي طريق الكوفة، وكان هرثمة لما احتبس قدومه على الحسن ببغداد أمر منصور بن المهدي/ أن يخرج فيعسكر بالياسرية إلى قدوم هرثمة، فخرج فعسكر، فلما قدم هرثمة خرج فعسكر بين يدي المنصور، ثم مضى حتى عسكر بنهر صرصر بإزاء أبي السرايا والنهر، وكان علي بن أبي سعيد معسكرا بكلواذى، فشخص يوم الثلاثاء بعد الفطر بيوم، ووجه مقدمته إلى المدائن، فقاتل بها أصحاب أَبِي السرايا، وأخذ علي بن أبي سعيد المدائن فقاتل بها أصحاب أبي السرايا غداة الخميس إلى الليل، ثم غدوا على القتال، فانكشف أصحاب أبي السرايا، وأخذ علي بن أبي سَعِيد المدائن، وبلغ الخبر أبا السرايا من يومه، فلما كان ليلة السبت لخمس خلون من شوّال رجع أبو السرايا من نهر صرصر إلى قصر ابن هبيرة، فنزل به، وأصبح هرثمة متوجها في طلبه، فوجد جماعة كثيرة من أصحاب أبي السرايا فهزمهم وقتلهم، وبعث برءوسهم إلى الحسن بن سهل، فلما صار هرثمة إلى قصر ابن هبيرة كانت بينه وبين أبي السرايا وقعة، وقتل فيها خلق كثير، فلما رأى ذلك أبو(10/75)
السرايا انحاز إلى الكوفة، فوثب محمد بن محمد ومن معه من الطالبيين على دور بني العباس ودور مواليهم وأتباعهم بالكوفة فانتهبوها وهدموها وأحرقوها، وخربوا ضياعهم، وأخرجوهم من الكوفة، وعملوا في ذلك عملا قبيحا، واستخرجوا الودائع التي كانت لهم عند الناس فأخذوها [1] .
وبعث أبو السرايا إلى مكة حسين بن حسن/ بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طَالِب، وبعث إلى المدينة محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب ليأخذها، وكان الوالي على مكة والمدينة داود بن عيسى بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاس.
فأما المبعوث إلى المدينة فإنه دخلها، ولم يمنعه أحد. وأما المبعوث إلى مكة فإنه لما مضى توقف هنيهة لمن فيها، وكان داود بن عيسى لما بلغه توجيه أبي السرايا حسين بن حسن جمع موالي بني العباس والعبيد، وكان مسرور الكبير الخادم قد حج تلك السنة في مائتي فارس من أصحابه، وتعبأ لحرب من يريد دخول مكة من الطالبيين، فقال لداود: أقم لي شخصك أو شخص بعض ولدك، وأنا أكفيك قتالهم. فقال له داود:
لا استحل القتال في الحرم، والله لئن دخلوا من هذا الفج لأخرجن من هذا الفج.
فانحاز داود من مكة وقال لابنه: صل بأهل الموسم، وبت بمنى، ثم الحقني وخشي مسرور أن يقاتل فيميل عنه أكثر من جمع. فخرج إلى العراق، ودفع الناس لأنفسهم من عرفة بغير إمام، حتى أتى مزدلفة، فصلى بهم المغرب والعشاء رجل من عرض الناس من أهل مكة، وحسين بن حسن واقف يرهب أن يدخل مكة فيدفع عنها، فخرج إليه قوم يميلون إلى الطالبيين فأخبروه أن الأماكن قد خلت من السلطان، فدخل قبيل المغرب ومعه نحو من عشرة، فطافوا وسعوا، ومضوا إلى عرفة بالليل، ثم رجع إلى مزدلفة فصلى بالناس الفجر، ودفع بالناس، وأقام بمنى أيام الحج/، فلم يزل مقيما بها حتى انقضت سنة تسع وتسعين، وأقام محمد بن سليمان الطالبي بالمدينة حتى انقضت سنته أيضا [2] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 530- 531.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 531، 533.(10/76)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1088- إسحاق بن سليمان، أبو يحيى العبدي الكوفي. مولى لعبد القيس
[1] .
سمع من مالك، والثوري، وغيرهما. روى عَنْه: قتيبة، وأبو كريب، وكان ثقة.
انتقل إلى الري فسكنها، ونسب إليها، وكان ثقة صالحا ورعا ظاهر الخشوع، كثير البكاء، وقدم بغداد في هذه السنة فحدث بها، فسمع أحمد بن حنبل، ثم رجع إلى الري فمات بها.
1089- أسباط بن محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن ميسرة، أبو محمد القرشي، مولى السائب بن يزيد
[2] .
من أهل الكوفة، ولد سنة خمس ومائة. سَمِعَ أبا إسحاق الشيباني، والأعمش، والثوري، وغيرهم رَوى عنه: قتيبة، وأحمد بن حنبل.
قال يحيى: هو ثقة، والكوفيون يضعفونه. وتوفي في هذه السنة. وقيل: أول سنة مائتين.
1090- الحكم بن عبد الله بن مسلمة بن عبد الرحمن بن مطيع البلخي
[3] .
حدث عن هشام بن حسان، وبكر بن حبيش، ومالك، وسُفْيان. روى عنه:
أحمد بن منيع، وكان من أهل الرأي. وولي قضاء بلخ.
قال يحيى: وهو ضعيف، وليس بشيء [4] .
وقال أحمد بن حنبل- وقد سئل عنه-[5] : لا ينبغي أن يروى عنه، خلوا عَنْه، إنه قَالَ: الجنة والنار خلقتا وستفنيان، وهذا كلام جَهْمُ، لا يروى/ عنه شيء.
__________
[1] انظر ترجمته في تاريخ بغداد 6/ 324.
[2] انظر ترجمته في تاريخ بغداد 7/ 45.
[3] انظر ترجمته في تاريخ بغداد 8/ 223.
[4] في الأصل: «وهو ضعيف وليس يسجل عنه أحمد بن حنبل» .
[5] في الأصل: «وسئل عنه أحمد بن حنبل فقال» .(10/77)
وقال أبو دَاوُد: تركوا حديثه، كان جهميا، توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
1091- سليمان بن أبي جعفر المنصور، يكنى أبا أيّوب.
حدث عن أبيه، وإليه ينسب درب سليمان ببغداد.
توفي في هذه السنة في صفر وهو ابن خمسين سنة.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية قال: حدثني عبد الرحمن بن بشر قَالَ: حدثني مُحَمَّد بن الحسن قَالَ: حدثتني أم إبراهيم بن جميل قالت: حدثني عبيد الله الشروي قهرمان سليمان بْن أبي جعفر قَالَ: دخل هارون الرشيد على سليمان بن أبي جعفر وكان عليلا، فرأى جارية تسمى ضعيفة، في غاية الحسن والجمال والشكل [فوقعت بقلبه] [1] فقال [هارون] : [2] هبها لي. فَقَالَ: هي لك يا أمير المؤمنين. فلما أخذها مرض سليمان من شدة حبه [3] لها، فَقَالَ:
أشكو إلى ذي العرش ما ... لاقيت من أمر الخليفة
يسع البرية عدله ... ويريد ظلمي في ضعيفة
علق الفؤاد بحبها كالبحر ... يعلق بالصحيفة
قَالَ: فبلغ ذلك هارون الرشيد، فردها عَلَيْهِ.
1092- شعيب بن الليث، أبو عبد الملك
[4] .
ولد سنة خمس وثلاثين ومائة. روى عَن أَبِيهِ وغيره. وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في تاريخ بغداد 9/ 24.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «من شدة حبها» .
[4] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 353.(10/78)
1093- علي بن بكار، أبو الحسن البصري
[1] .
كان فقيها متعبدا كثير البكاء.
أخبرنا ابن ناصر قال: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا [أَبُو] [2] نعيم الأصبهاني قال: أَخْبَرَنَا أبو أحمد بن حبان/ قَالَ: حدثنا أحمد بن روح قال: حدثنا عبد الله بن حسن قال: سَمِعْتُ موسى بن طريف يَقُولُ: كانت الجارية تفرش لعلي بن بكار الفراش فيلمه بيده ويقول: والله إنك لطيب، والله إنك لبارد، لا علوتك الليلة. فكان يصلي الغداة لوضوء العتمة.
[قال المؤلف:] [3] أسند علي عن هشام بن حسان، وأبي إسحاق الفزاري في آخرين، وصحب إبراهيم بن أدهم.
وبلغنا عنه أنه طعن في بعض مغازيه، فخرجت أمعاؤه على قربوس سرجه، فردها إلى بطنه، وشدها بالعمامة، وقاتل حتى قتل ثلاثة عشر علجا.
وتوفي بالمصيصة في هذه السنة.
1094- عامر بن حمزة، مولى بني هاشم
[4] .
وهو من ولد عكرمة مولى ابن عباس. وقيل: هو عمارة بن حمزة بن مالك بن يزيد بن عَبْد اللَّه، مولى العباس بن عبد المطلب.
كان أحد الكتاب البلغاء، وكان أتيه الناس حتى ضرب بتيهه المثل، فقيل: «أتيه من عمارة» .
وكان جوادا، وإليه تنسب دار عمارة ببغداد أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الخطيب قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري قال: حدثنا محمد بن عمران بن موسى قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى المكي قال: حدّثنا محمد بن
__________
[1] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 2/ 32.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 280- 282.(10/79)
القاسم بن خلاد قَالَ: قال إبراهيم بن دَاوُد: استأذن قوم على عمارة بن حمزة ليشفعوا إليه في بر قوم أصابتهم حاجة، وكان قد قام من مجلسه فأخبره حاجبه بحاجتهم، فأمر لهم بمائة ألف درهم، فاجتمعوا ليدخلوا عليه في الشكر له، فقال له حاجبه، فَقَالَ:
اقرئهم السلام وقل لهم إني رفعت عنكم ذل المسألة، فلا أحملكم مئونة الشكر [1] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن ثابت قَالَ:
أخبرنا سلامة بن الحُسَين/ المقرئ قَالَ: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قَالَ:
أخبرنا القاضي الحسين بن إِسْمَاعِيل قَالَ: حدثنا عبد الله بن أبي سَعِيد قَالَ: حدثنا هارون بن محمد بن إسماعيل القرشي قَالَ: أخبرنا عَبْد اللَّه بن أيوب الْمَكِّيّ قَالَ: بعث أبو أيوب المكي بعض ولده إلى عمارة بن حمزة، فأدخله الحاجب. قَالَ: ثم أدناني إلى ستر مسبل، فَقَالَ: ادخل. فدخلت فإذا هو مضطجع محول وجهه إلى الحائط فقال لي الحاجب: سلم. فسلمت، فلم يرد عليّ. فقال الحاجب اذكر حاجتك فقلت: لعله نائم قَالَ: لا أذكر حاجتك، فقلت له: جعلني الله فداك أخوك يقرئك السلام ويذكر دينا ويقول: بهظني وستر وجهي، ولولاه لكنت مكان رسولي تسأل أمير المؤمنين قضاءه.
فَقَالَ: وكم دين أبيك؟ قلت: ثلاثمائة ألف. فَقَالَ: وفي مثل هذا أكلم أمير المؤمنين!؟ يا غلام احملها معه. وما التفت إلي ولا كلمني بغير هذا [2] .
قال ابن سعيد: وحدثنا إبراهيم بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن سليمان الهاشمي قَالَ: حدثني محمد بن سلامة قال: حدثنا الفضل بن الربيع قَالَ: كان أبي يأمرني بملازمة عمارة بن حمزة قَالَ: فاعتل عمارة، وكان المهدي سيئ الرأي فيه فقال له أبي يوما: يا أمير المؤمنين، مولاك عمارة عليل، وقد أفضى الأمر منه إلى بيع فرشه وكسوته، فَقَالَ: غفلت عَنْه وما كنت أظن أنه بلغ هذه الحال، احمل إليه خمسمائة ألف درهم يا ربيع وأعلمه أن لَهُ عندي بعدها ما يحب. قَالَ: فحملها أبي من ساعته وقَالَ:
اذهب بها إلى عمك/ وقل لَهُ: أخوك يقرئك السلام ويقول: أذكرت أمير المؤمنين أمرك، فاعتذر من غفلته عنك، وأمر لك بهذه الدراهم وقال: لك عندي بعدها ما تحب.
قَالَ: فأتيته ووجهه إلى الحائط، فسلمت، فقال لي: من أنت؟ فقلت: ابن أخيك
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 12/ 280.
[2] انظر: تاريخ بغداد 12/ 280- 281.(10/80)
الفضل بن الربيع. فَقَالَ: مرحبا بك. فأبلغته الرسالة، فَقَالَ: قد كان طال لزومك لنا وقد كُنَّا نحب أن نكافئك على ذلك، ولم يمكنا قبل هذا الوقت انصرف بها، فهي لك.
قَالَ: فهبته أن أرد عَلَيْهِ، فتركت البغال على بابه وانصرفت إلى أبي فأعلمته الخبر فقال:
يا بني، خذها بارك الله لك، عمارة ليس ممن يراد، فكانت أول مال ملكته. [1] .
1095- هشام بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ معاوية بن خديج، أبو طالب التجيبي.
[2] سمع مالك بن أنس، وجالس ابن وهب، وكان كريما جوادا. وولي إمرة برقة من أرض مصر، وولي شرطة فسطاط مصر.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
1096- يوسف بن أسباط، أبو مُحَمَّد.
من قرية يقال لها: سيح [3] . كان يَقُولُ: إن أسباط يقول: أشتهي [أن] أموت، وما ملكي درهم ولا على عظمي لحم، ولا علي دين. فرزق ذلك، فأعد في مرضه شيئا بعشرة دراهم، فعزل منها درهما لحنوطه، وأنفق الباقي ومات.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قَالَ: أخبرنا أحمد بن جعفر بن أَحْمَد السراج قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد العزيز بْن الحسن بن إسماعيل الضراب قَالَ: أخبرنا أَبِي قال: أخبرنا أحمد بن مروان المالكي قال: حدثنا إبراهيم بن ديزيل قَالَ: سمعت الربيع بن نافع يَقُولُ/ سمعت من يوسف بن أسباط حرفا في الورع ما سمعت أحسن منه. قلت له يوما وقد اتخذ كواير نحل: لو اتخذت حماما. فَقَالَ: النحل أحب إلي من الحمام، الحمام يدخل الغريب [فيهم] [4] ، والنحل لا تدخل الغريب فيها، فمن ذاك [5] اتخذت النحل
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 12/ 281.
[2] بضم التاء المعجمة بنقطتين من فوق وكسر الجيم وسكون المنقوطة باثنتين من تحتها في آخرها باء منقوطة بواحدة (الأنساب 3/ 24) .
[3] معجم البلدان 3/ 294.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «فمنها» .(10/81)
ثم دخلت سنة مائتين
فمن الحوادث فيها:
أنه في أول المحرّم بعد ما تفرق الحاج من مكة جلس حسين بن حسن الأفطس خلف المقام على نمرقة مثنية، وأمر بالكعبة فجردت من الثياب حتى بقيت حجارة مجردة، ثم كساها ثوبين من قز، كان أبو السرايا وجههما معه [1] عليهما مكتوب: مما أمر به الأصفر بن الأصفر أبو السرايا داعية آل محمد، لكسوة بيت الله الحرام، وأن يطرح عنه كسوة الظلمة من ولد العباس ليطهره من كسوتهم، وكتب في سنة تسع وتسعين ومائة.
ثم أمر حسين بالكسوة التي كانت على الكعبة فقسمت بين أصحابه العلويين وأتباعهم، وعمد إلى ما في خزانة الكعبة من مال فأخذه، ولم يسمع بأحد عنده وديعة لأحد من ولد العباس وأتباعهم إلا هجم عليه في داره، فإن وجد من ذلك شيئا أخذه، وإذا لم يجد شيئا حبسه وعذبه حتى يفتدي نفسه [2] .
وهرب كثير من الناس، فهدم دورهم، وجعلوا يحكون الذهب الرقيق الّذي في رءوس أساطين المسجد الحرام، فيخرج من الأسطوانة بعد التعب الشديد [3] قدر مثقال، وقلعوا شباك زمزم فبيع بالثمن [4] .
ومن الحوادث/ في هذه السنة: هرب أبي السرايا من الكوفة، ودخول هرثمة
__________
[1] في الأصل: «معهما» ولا يستقيم بها المعنى.
[2] في الأصل: «يفتدي يحسبه» .
[3] في الأصل: «بعد التعجب والتعب» .
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 536- 537.(10/82)
إليها، وكانت هزيمته بمن معه من الطالبيين ليلة الأحد لأربع عشرة بقيت من المحرم سنة مائتين حتى أتوا القادسية، ودخل منصور بن المهدي وهرثمة الكوفة صبيحة تِلْكَ الليلة، وأمنوا أهلها، ولم يعرضوا لأحد منهم، فأقاموا بها يومهم إلى العصر، ثم رجعوا إلى معسكرهم، وخلفوا بها رجلا منهم يقال لَهُ: غسان بن [أبي] [1] الفرج.
ثم إن أبا السرايا خرج من القادسية هو ومن معه، حتى أتوا ناحية واسط، وكان بواسط علي بن أبي سعيد وأصحابه، وكانت البصرة بيد العلويين بعد، فجاء أبو السرايا حتى عبر دجلة أسفل واسط، فوجد مالا كان قد حمل من الأهواز، فأخذه، ثم مضى إلى السوس، فنزل بمن معه، فأقام أربعة أيام، وخرق على أصحابه مالا. فلما كان في اليوم الرابع أتاهم الحَسَن بن علي الباذغيسي، فأرسل إليهم: اذهبوا حيث شئتم، فلا حاجة لي في قتالكم، وإذا خرجتم من عملي فلست أتبعكم. فأبى أبو السرايا إلا قتاله، فقاتلهم فهزمهم الحسن، واستباح عسكرهم وهرب أبو السرايا، فلحق، فأتي به الحسن بن سهل فضرب عنقه يوم الخميس لعشر خلون من ربيع الأول، وطيف برأسه في المعسكر، وبعث بجسده إلى بغداد، فصلب بصفين على الجسرين، فكان من زمن خروجه إلى وقت مقتله عشرة أشهر، والذي كان/ بالبصرة من الطالبيين زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طَالِب الّذي يقال له: زيد النار- وإنما قيل له ذَلِكَ لكثرة ما حرق من دور بني العباس وأتباعهم بالبصرة- فتوجّه إليه علي بن سعيد فأخذه أسيرا فحبسه، وقيل: إنه طلب منه الأمان فأمنه [2] .
وفي هذه السنة: خرج إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي باليمن، وذلك أنه كَانَ بمكة، فلما بلغه خبر أبي السرايا والطالبيين بالعراق خرج باليمن في جماعة من أهل بيته، ووالي اليمن [3] المقيم بها من قبل المأمون إسحاق بن موسى العلوي وقربه من صنعاء، وخرج منصرفا عن اليمن بعسكره وخلى اليمن لإبراهيم بن موسى، وكره قتاله، وذهب نحو مكة، فلما أراد دخولها منعه من بها من العلويين، وكان
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 8/ 534- 535.
[3] في الأصل: «ووالي لليمن» .(10/83)
[يقال] : [1] لإبراهيم بن مُوسَى الجزار [2] لكثرة من قتل باليمن من الناس وسبى، وأخذ من الأموال [3] .
وفي هذه السنة: وجه بعض ولد عقيل بن أبي طالب من اليمن في جند كثيف ليحج بالناس، فحورب العقيلي وهزم، ولم يقدر على دخول مكة، ومرت به قافلة من الحاج والتجار، وفيها كسوة الكعبة وطيبها، فانتهب ذلك، وكان على الموسم أبو إسحاق بن الرشيد، فبعث إليه من قتل من أصحابه وهرب الباقون. [4] وفيها: بويع لمحمد بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طَالِب، وذلك أن حسين بن حسن الذي حكينا عنه ما فعل بمكة عن أمر أبي السرايا لما تغير الناس لَهُ لسوء سيرته/، وبلغه أن أبا السرايا قد قتل، وأنه قد طرد من كان بالكوفة والبصرة وكور العراق [5] من الطالبيين، ورجعت الولاية بها لولد العباس، اجتمعوا إلى محمد بن جعفر بْن محمد بن علي- وكان شيخا محببا في الناس، حسن السيرة، يروي العلم والناس يكتبون عَنْه، ويظهر زهدا وسمتا- فقالوا لَهُ: قد نعلم حالك في الناس، فأبرز شخصك نبايع لك بالخلافة، فإنك إن فعلت ذلك لم يختلف عليك اثنان، فأبى عليهم، فلم يزل ابنه به وحسين بن حسن الأفطس، حتى غلباه على رأيه، فأجابهم، فأقاموه بعد صلاة الجمعة لثلاث خلون من ربيع الآخر، فبايعوه بالخلافة، وحشروا إليه الناس من أهل مكة والمجاورين، فبايعوه طوعا وكرها، فأقام كذلك أشهرا، وليس له من الأمر سوى الاسم.
ثم أقبل إسحاق بن موسى بن عيسى العباسي من اليمن، فاجتمع العلويون [6] إلى محمد بْن جعفر، فقالوا لَهُ: هذا إسحاق بن موسى قد أقبل في الخيل والرحل، وقد رأينا أن نخندق على مكَّةَ ونحاربه. فقاتلوه أياما، ثم كره إسحاق القتال فرجع، ثمّ ردّ عليهم،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «الحداد» .
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 535- 536.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 540- 541.
[5] في الأصل: «وكفر العراق» .
[6] في الأصل: «العليون» .(10/84)
وكانت الهزيمة على محمد بن جعفر وأصحابه، فطلب محمد الأمان حتى يخرج من مكة فأمنوه.
ودخل إسحاق في جمادى الآخرة، وتفرق الطالبيون كل قوم في ناحية، ومضى محمد بن جعفر بجمع الجموع، وجاء إلى والي المدينة فخاصمه، فهزم محمد، وفقئت عينه، وقتل من أصحابه خلق كثير.
ثم رده قوم من الولاة إلى مكة، وضمنوا له الأمان، فرقا المنبر بمكة وقال: إنه بلغني أن المأمون مات، فدعاني الناس إلى أن يبايعوا لي، وقد صح/ عندي أنه حي، وأنا استغفر الله مما دعوتكم إليه من البيعة، وقد خلعت نفسي من البيعة. فخرج به عيسى بن يزيد إلى الحسن بن سهل، فبعث بن الحسن إلى المأمون [1] .
وفي هذه السنة: خالف علي بن أبي سعيد الحسن بن سهل، فبعث المأمون بسراج الخادم وقَالَ لَهُ: إن وضع يده في يد الحسن أو يشخص إلينا، وإلا فأضرب عنقه.
فشخص إلى المأمون [2] .
وفيها: خرج هرثمة إلى المأمون، وكان قد أتته كتب المأمون أن يلي الشام والحجاز. فأبى، وقَالَ: لا أرجع حتى ألقى أمير المؤمنين، إدلالا منه، لما كان يعرف من نصيحته لَهُ ولآبائه، وأراد أن يلقى المأمون فيعرفه ما يدبر عليه الفضل بن سهل، وما يكتم عنه من الأخبار، وأن لا يدع المأمون حتى يرده إلى بغداد دار الخلافة وملك بني العباس، فعلم الفضل ما يريد، فقال للمأمون إن هرثمة قد أنغل عليك العباد والبلاد، وظاهر عليك عدوك، وعادى وليك، ودس أبا السرايا، ولو شاء هرثمة لم يفعل أبو السرايا ما فعل، وقد كتب إليه أمير المؤمنين عدة كتب: أن يمضي إلى الشام والحجاز، فأبى وقد جاء إلى أمير المؤمنين غاضبا، وأبطأ هرثمة في السير، فلما قدم ضرب الطبل لكي يعلم المأمون بقدومه، فَقَالَ المأمون: ما هذا؟ فقالوا: هرثمة [قد] [3] أقبل يبرق ويرعد، وظن هرثمة أن قوله المقبول، فلما دخل قال له المأمون: مالأت أهل الكوفة والعلويين،
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 537- 540.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 541.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(10/85)
وداهنت ودسست إلى أبي السرايا حتى خرج وعمل ما عمل، وقد كان رجلا من أصحابك، ولو أردت أن تأخذه لأخذته/ فذهب هرثمة ليعتذر، فلم يسمع منه، وأمر به فوجئ على أنفه، وديس في بطنه، وسحب على وجهه من بين يديه، وقد تقدم الفضل بن سهل إلى الأعوان بالغلظة عليه والتشديد، حتى حبس، فمكث في الحبس أياما، ثم دس إليه من قتله، وقالوا مات. [1] .
وفيها: وقع شغب ببغداد بين الجند والحسن بن سهل، وذلك أن الحسن بعث إلى علي بن هشام وهو والي بغداد من قبله: أن امطل الجند أرزاقهم، ومنهم ولا تعطهم.
وكان الجند قد قالوا: لا نرضى حتى تطرد الحسن بن سهل وعماله عن بغداد.
فطردوهم، وصيروا إسحاق بْن المهدي خليفة للمأمون ببغداد، وجاء علي بن هشام فقاتل الجند أياما على قنطرة الصراة والأرحاء، ثم وعدهم أن يعطيهم رزق ستة أشهر إذا أدركت الغلة، فسألوه أن يعجل لكل رجل منهم خمسين درهما لينفقوها في رمضان، ففعل، فبينا هم كذلك خرج عليهم زيد بن موسى بن جعفر الذي كان بالبصرة، المعروف بزيد النار، وذلك أنه كان محبوسا عند علي بن أبي سعيد، فأفلت من الحبس.
وخرج بناحية الأنبار، ومعه أخو أبي السرايا في ذي القعدة سنة مائتين، فبعثوا إِلَيْهِ، فأخذ وأتوا به علي بن هشام، فلم يلبث إلا جمعة حتى هرب [2] .
وفيها: أحصي ولد العباس فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفا ما بين ذكر وأنثى. [3] وفيها: قتلت الروم ملكها أليون [4] ، وكان قد ملك عليهم سبع سنين/ وستة أشهر، وملكوا عليهم ميخائيل مرة ثانية [5] .
وفيها: قتل المأمون يحيى بن عامر بن إسماعيل، وذلك أن يحيى أغلظ له، فقال لَهُ: أمير الكافرين، فقتل بين يديه في ذي القعدة [6] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 542- 543.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 543- 544.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 545.
[4] في تاريخ الطبري: «ليون» .
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 545.
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 545.(10/86)
وحج بالناس في هذه السنة أبو إسحاق ابن الرشيد [1] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1097- أيوب بن المتوكل المقرئ.
من أهل البصرة، سَمِعَ عبد الرحمن بن مهدي وغيره روى عَنْه: علي بن المديني ويحيى، وكان من القراء.
توفي في هذه السنة.
1098- أبان بن عبد الحميد بن إسحاق بن غفير، مولى بني رقاش
[2] .
من أهل البصرة، شاعر مطبوع مقدم، قدم بغداد واتصل بالبرامكة، وانقطع إليهم، وعمل لهم كتاب «كليلة ودمنة» شعرا. وله قصائد ومدائح في الرشيد والفضل بن يحيى، ويقال إن كل كلام نقل إلى شعر فالكلام أفصح منه إلا هذا الكتاب.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: قرأت على الجوهري، عَنْ أبي عَبْد اللَّه المرزباني قَالَ: أَخْبَرَنِي محمد بن يحيى قَالَ: حدثنا القاسم بن إسماعيل قَالَ: حدثني مُحَمَّد بن صالح الهاشمي، قَالَ: حدثني ابن لعبد الحميد اللاحقي قَالَ: أحب يحيى بن خالد أن يحفظ كتاب «كليلة ودمنة» فاشتد عليه ذَلِكَ فقال له/ أبان بن عبد الحميد: أنا أجعله شعرا ليخف على الوزير حفظه. فنقله إلى قصيدة عملها مزدوجة عدد أبياتها أربعة عشر ألف بيت في ثلاثة أشهر، فأعطاه يحيى عشرة آلاف دينار، وأعطاه الفضل خمسة آلاف دينار. وقال له جعفر بن يحيى: ألا ترضى أن أكون راويتك لها! ولم يعطه شيئا. قَالَ: فتصدق بثلث المال الّذي أخذه. وكان أبان حسن السيرة [3] ، حافظا للقرآن، عالما بالفقه. وقال عند وفاته: أنا أرجو الله وأسأله رحمته ما مضت علي ليلة قط لم أصل فيها تطوعا كثيرا.
وأول قصيدته هذه:
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 545.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 44.
[3] في تاريخ بغداد: «حسن السريرة» .(10/87)
هذا كتاب أدب ومحنه ... وهو الذي يدعى كليل دمنه
[1]
1099- معروف بن الفيرزان، أبو محفوظ، ويعرف بالكرخي.
[2] نسبة إلى كرخ بغداد، كان أهله نصارى، وكان صبيا في المكتب يقول معلمهم:
أب وابن. فيصيح: أحد أحد.
وأسلم، وروى عَن بكر بن حبيس، والربيع بن صبيح وغيرهما، وكان من كبار الزاهدين في الدنيا، والعارفين للَّه، والمحبين له، وكان له كرامات.
وذكر مرة عند أَحْمَد فقيل: هو قليل العلم فَقَالَ: وهل يراد من العلم إلا ما وصل إِلَيْهِ معروف!؟
وكان سفيان بن عيينة يَقُولُ: لا يزال أهل بغداد بخير ما بقي فيهم معروف.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ [الْقَزَّازِ] قَالَ: أَخْبَرَنَا [أَحْمَدُ بْن عَلِيِّ بْن ثَابِتٍ] [3] الْخَطِيبُ قَالَ: أخبرنا الحسن بن عثمان قَالَ: أخبرنا ابن مالك/ القطيعي قَالَ: حدثنا العباس بن يوسف قَالَ: حدثني سعيد بن عثمان قَالَ: سمعت محمد بن منصور يقول:
مضيت يوما إلى معروف الكرخي ثم عدت إليه من الغد، فرأيت في وجهه أثر شجة، فهبت أن أسأله عنها، وكان عنده رجل أجرأ مني عليه فقال لَهُ: كنا عندك البارحة ومعنا محمد بن منصور، فلم نر في وجهك هذا الأثر. فَقَالَ له معروف: خذ فيما تنتفع بِهِ.
فقال لَهُ: أسألك بحق الله. فانتفض معروف ثم قال لَهُ: وما حاجتك إلى هذا!؟ مضيت البارحة إلى بيت الله الحرام، ثم صرت إلى زمزم، فشربت منها، فزلت رجلي، فنطح الباب وجهي، فهذا الذي ترى من ذلك. [4] أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا [أبو بكر بن ثابت] [5] الخطيب قال: أخبرني
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 7/ 44- 45.
[2] انظر ترجمته في: 13/ 199- 209.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر: تاريخ بغداد 13/ 202.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(10/88)
أحمد بن علي التوزي [1] قَالَ: حدثنا الحسين بن الحسن بن الْعَبَّاس قَالَ: حدثني أبو محمد الحسن بن عثمان بن عبد الله البزار قَالَ: حدثني أبو بكر بن الزيات قَالَ:
سمعت ابن شيرويه [2] يَقُولُ: كنت أجالس معروفا الكرخي كثيرا، فلما كان ذات يوم رأيت وجهه قد خلا، فقلت لَهُ: يا أَبَا محفوظ، بلغني أنك تمشي على الماء. فقال لي:
ما مشيت قط على الماء، ولكن إذا هممت بالعبور جمع لي طرفاها فأتخطاها [3] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: أخبرنا أبو محمد الخلال قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الواحد بن علي الفامي [4] قَالَ: أخبرنا عبد الله [5] بن سليمان الوراق قَالَ: حدّثنا محمد بن أبي هارون قَالَ: حدثنا محمد بن المبارك قَالَ: حدثنا محمد بن صبيح قَالَ: مر معروف عَلَى سقاء يسقي الماء وهو يَقُولُ: رحم الله من شرب.
فشرب- وكان صائما- فَقَالَ: لعل الله أن يستجيب لَهُ [6] .
[قال المؤلف:] [7] توفي معروف في سنة مائتين/ ويقال: في سنة أربع ومائتين والأول أصح. وقد جمعت أخباره في كتاب مفرد، فلم أطل هاهنا [بالتكرار] [8] .
1100- وهب بن وهب بن كثير بن عبد الله بن زمعة بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى، أبو البختري، القرشي
[9] .
حدث عَن هشام بن عروة، وجعفر بن محمد، وابن جريج، وانتقل عن المدينة إلى بغداد، فولّاه الرشيد القضاء بعسكر المهدي، ثم عزله فولاه مدينة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
__________
[1] في الأصل: «الثوري» .
[2] في ت: «ابن شبرمة» .
[3] انظر: تاريخ بغداد 13/ 206.
[4] في ت: «القاضي» .
[5] في الأصل: «عبد الرحمن» .
[6] انظر: تاريخ بغداد 13/ 208.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[9] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 481- 487.(10/89)
وجعل إليه صلاتها وقضاءها وحربها. وكان جوادا، يعتذر إلى من يعطيه وإن كثر عطاؤه.
فقال مادحه:
هلا فعلت- هداك المليك ... - فينا كفعل أبي البختري [1]
تتبع إخوانه في البلاد ... فأغنى المقل عن المكثر
إلا أنه كان يضع الحديث ويسهر الليل في وضعه.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا القاضي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى بْنُ زكريا قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يحيى الصولي قَالَ: حَدَّثَنَا وكيع قَالَ: حدثنا محمد بن الحسين بن مسعود الزرقي قَالَ: حدثنا عثمان بن عثمان قال: حدثنا أبو سعيد العقيلي قال: لما قدم الرشيد المدينة أعظم أن يترقأ منبر النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ في قباء أسود ومنطقة فقال أبو البختري حدثنا جعفر بن محمد، عن أَبِيهِ قَالَ: نزل جبريل على النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ وعليه قباء ومنطقة مخنجرا فيها بخنجر، فقال المعافى التيمي هذه الأبيات:
ويل وعول لأبي البختري ... إذا توافى الناس في المحشر
/ من قوله الزور وإعلانه ... بالكذب في الناس على جعفر
والله ما خليت ساعة ... للفقه في بدو ولا محضر
ولا رآه الناس في دهره ... يمر بين القبر والمنبر
قاتل الله أبا وهب لقد ... أعلن بالزور وبالمنكر
يزعم أن المصطفى أحمدا ... أتاه جبريل التقي البري
عليه خف وقباء أسود ... مخنجرا في الحقو بالخنجر [2] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن [علي] [3] بن ثابت قال:
__________
[1] في الأصل: «هلا فعلت- هداك الله فينا- كفعل السخي أبي البختري» والتصحيح من ت وتاريخ بغداد 13/ 482.
[2] انظر: تاريخ بغداد 13/ 482- 483.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(10/90)
أخبرنا التنوخي قَالَ: أخبرنا طلحة بْن محمد بن جعفر قَالَ: حدثني عمر بن الحسن الأشناني قَالَ:
حدثنا جعفر الطيالسي، عن يحيى بن مَعِين: أنه وقف على حلقة أبي البختري، فإذا هو يحدث بهذا الحديث: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر. فَقَالَ له:
كذبت يا عدو اللَّه عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. قال: فأخذني الشرط، فقلت: هذا يزعم أن رسول رب العالمين نزل على النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ وعليه قباء. قَالَ: فقالوا لي: هذا قاض كذاب فأفرجوا عني [1] .
توفي أبو البختري ببغداد في هذه السنة.
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 13/ 483.(10/91)
ثم دخلت سنة إحدى ومائتين
فمن الحوادث فيها:
مراودة أهل بغداد منصور بن المهدي على الخلافة، فأبى، فراودوه على الإمرة عليهم عَلَى أن يدعو للمأمون بالخلافة. وقالوا: لا نرضى/ بالمجوسي [1] ابن المجوسي يعنون الحسن بن سهل- فأجابهم المنصور لذلك [2] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قَالَ: أخبرنا عبد الله بن إسحاق بن إبْرَاهِيم قَالَ: حَدَّثَنَا الحارث بن مُحَمَّد قَالَ: حدثنا محمد بن سعد قَالَ: عسكر منصور بن المهدي في سنة إحدى ومائتين بكلواذي وسمي المرتضى، ودعي له على المنابر، وسلم عليه بالخلافة فأبى ذلك وقال: أنا خليفة أمير المؤمنين المأمون حتى يقدم أو يولي من يحب. وعزل سعد بْن إبراهيم عن الجانب الشرقي، وولاه قتيبة بن زياد، وأقر محمد بن سماعة على قضاء الجانب الغربي.
وفي هذه السنة: تجردت المطوعة للإنكار على الفساق ببغداد، وكان رئيسهم خالد الدريوش، وسهل بن سلامة.
وكان السبب في ذلك: أن فساق الجند والشطار أذوا الناس أذى شديدا، وأظهروا الفسق وقطع الطريق، وأخذوا النساء والغلمان علانية من الطرق، وكانوا يجتمعون
__________
[1] في الأصل: «لا نرضى المجوسي» .
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 546.(10/92)
فيأتون الرجل، فيأخذون ابنه، فيذهبون به، فلا يقدر على المنع منهم، وكانوا يجتمعون فيأتون القرى، فيأخذون ما قدروا عليه، ولا سلطان يمنعهم ولا سلطان يعثر بهم، وخرجوا في آخر أمرهم إلى قطربُّل فانتهبوها علانية، وجاءوا بما أخذوه يبيعونه علانية، وجاء أهلها فاستعدوا السلطان فلم يعدهم، وكان ذلك في آخر شعبان، فلما رأى الناس ذلك، قام صلحاء كل ربض ودرب/ ومشى بعضهم إلى بعض وقالوا: إنما يكون في الدرب الواحد الفاسق والفاسقان إلى العشرة، فأنتم أكثر منهم وقد غلبوكم، فلو اجتمعتم لمنعتم هؤلاء الفساق. فقام رجل من ناحية طريق الأنبار يقال لَهُ: خالد الدريوش، فدعا جيرانه، وأهل محلته إلى معاونته على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأجابوه، فشد على من يليه من الفساق والشطار فمنعهم وحبسهم ورفعهم إلى السلطان لأنه كان لا يرى أن يغير على السلطان شيئا، ثم قام من بعده بيومين أو ثلاثة رجل يقال لَهُ: سهل بن سلامة الأنصاري من أهل خراسان، ويكنى: أبا حاتم، فدعا الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلَّى اللَّه عليه وسلم، وعلق مصحفا في عنقه، ثم بدأ بأهل محلته وجيرانه، فأمرهم ونهاهم فقبلوا منه، ثم دعا الناس جميعا إلى ذَلِكَ وجعل لنفسه ديوانا يثبت فيه اسم من أتاه يبايعه على ذلك، لقتال من خالفه، فأتاه خلق كثير فبايعوه، إلا أن خالد الدريوش خالفه فَقَالَ: أنا لا أغير على السلطان شيئا ولا أقاتله. قال سهل: أنا أقاتل كل من خالف الكتاب والسنة، كائنا من كان، سلطانا أو غير سلطان، فمن بايعني على ذلك قبلته، ومن خالفني قاتلته.
وقام سهل بذلك يوم الخميس لأربع خلون من رمضان، وقوتل من قبل السلطان، قاتله عيسى بن محمد بن أبي خالد، فقاتل/ فضرب ضربة بالسيف، فرجع إلى منزله، ثم اعتذر إليه عيسى أن يعود إلى الأمر بالمعروف، فعاد [1] .
وفي هذه السنة: جعل المأمون علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ولي عهد المسلمين والخليفة من بعده، وسماه الرضي من آل مُحَمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلم وأمر [2] جنده أن يطرح السواد ولبس ثياب الخضرة، وكتب بذلك إلى الآفاق، وذلك يوم
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 551- 554.
[2] في الأصل: «وأمره جنده» .(10/93)
الأثنين لليلتين خلتا من رمضان هذه السنة. فكتب الحسن بن سهل إلى عيسى بن محمد يخبره أن أمير المؤمنين قد جعل علي بن موسى الرضا ولي عهده، وذلك أنه نظر في بني العباس وبني علي فلم يجد أحدا أفضل ولا أورع ولا أعلم منه، وأنه سماه الرضي من آل مُحَمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلّم، وأمر أن يطرح السواد ولبس الخضرة، وأن يأمر من قبله من الجند والقواد وبني هاشم بالبيعة لَهُ، ويأخذهم بلبس الخضرة في أقبيتهم وقلانسهم وأعلامهم، ويأخذ أهل بغداد جميعا بذلك، فوصل الكتاب إلى عيسى يوم الثلاثاء لخمس بقين من ذي الحجة، فدعا أهل بغداد إلى ذلك، فاختلفوا، فقال قوم: نبايع، وقَالَ قوم: لا نخرج الأمر من ولد العباس، وإنما هذا دسيس من قبل الفضل بن سهل، وغضب ولد العباس من ذلك، واجتمع بعض إلى بعض، وتكلموا فيه وقالوا: نولي بعضنا ونخلع المأمون. وكان المتكلم في هذا والمختلف فيه والمتقلد له: إبراهيم ومنصور بن المهدي [1] .
ذكر العهد الّذي كتبه المأمون بخطّه لعلي ابن موسى الرّضا [عليهما السلام]
بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد أمير المؤمنين بيده لعلي بن موسى بن جعفر ولي عهده.
أما بعد: فإن الله اصطفى الإسلام دينا، واصطفى له عباده رسلا دالين عَلَيْهِ، وهادين إِلَيْهِ، يبشر أولهم بآخرهم، ويصدق تاليهم ماضيهم، حتى انتهت نبوة اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم على فترة من الرسل، ودروس من العلم، وانقطاع من الوحي، واقتراب من الساعة، فختم الله به النبيين، وجعله شاهدا لهم، ومهيمنا عليهم، وأنزل عليه كتابه العزيز الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ من حَكِيمٍ حَمِيدٍ 41: 42 [2] بما أحل وحرم، ووعد وأوعد، وحذر وأنذر، ليكون له الحجة البالغة على خلقه، لِيَهْلِكَ من 8: 42
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 554- 555.
[2] سورة: فصلت، الآية: 42.(10/94)
هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَإِنَّ الله لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ 8: 42. [1] فبلغ عن الله رسالته، ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ثم الجهاد والغلظة حتى قبضه الله إليه، واختار له ما عنده صلَّى اللَّه عليّه وسلم، فلما انقضت النبوة، وختم الله بمحمد الوحي والرسالة، جعل قوام الدين ونظام أمر المسلمين بالخلافة، وإتمامها وعزها، والقيام بحق الله فيها بالطاعة التي بها [2] تقام فرائض الله وحدوده/ وشرائع الإسلام وسننه، ويجاهد بها عدوه، فعلى خلفاء الله طاعته فيما استخلفهم، واسترعاهم من أمر دينه وعباده، وعلى المسلمين طاعة خلفائهم ومعاونتهم على إقامة حق الله وعدله، وأمن السبل، وحقن الدماء، وإصلاح ذات البين، وجمع الألفة، وفي خلاف ذلك اضطراب أمر المسلمين، واختلاف ملتهم، وقهر دينهم، واستعلاء عدوهم، وتفرق الكلمة، وخسران الدنيا والآخرة، فحق على من استخلفه في أرضه، وائتمنه على خلقه أن يجهد للَّه نفسه، ويؤثر على ما فيه رضى الله وطاعته، ويعمل لما الله واقفه عَلَيْهِ [3] ، وسائله عنه، ويحكم بالحق، ويعمل بالعدل فيما حمله الله وقلده، فإن الله عز وجل يقول لنبيه داود عليه السلام: يَا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ 38: 26 [4] وقال تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ 15: 92- 93 [5] .
وبلغنا أن عمر بن الخطاب قَالَ: لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات لتخوفت أن يسألني اللَّه عنها، وأيم الله إن المسئول عن خاصة نفسه على عمله فيما بين الله وبينه ليعرض أمر كبير على خطر عظيم، فكيف بالمسئول عن رعاية الأمة، وباللَّه الثقة، وإليه المفزع والرغبة في التوفيق والعصمة والتسديد والهداية إلى ما فيه ثبوت الحجة، والفوز من الله، والرضوان والرحمة، وأنظر الأئمة لنفسه وأنصحهم للَّه في دينه وعباده، وخلافته في أرضه من عمل بطاعته ودينه وسنة نبيه عليه السلام في/ [مدة] [6] أيامه وبعدها،
__________
[1] سورة الأنفال، الآية: 42.
[2] في الأصل: «التي تقام بها» .
[3] في الأصل: «لما عليه وافقه عليه» .
[4] سورة: ص، الآية 26.
[5] سورة: الحجر. الآية: 92.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(10/95)
فأجهد رأيه ونظره فيمن يوليه عهده، ويختاره لإمارة المسلمين ورعايتهم بعده، وينصبه علما لهم [1] ، ومفزعا في جمع ألفتهم، ولم شعثهم، وحقن دمائهم، والأمن بإذن الله من فرقتهم، وفساد ذات بينهم، واختلافهم، ورفع نزغ الشيطان وكيده عَنْهُمْ، وإن الله عز وجل جعل العهد بعد الخلافة من تمام أمر الإسلام وكماله وعزه وصلاح أهله، وأنهم خلفاؤه من توكيده لمن يختارونه لهم من بعدهم ما عظمت به النعمة، وسلمت فيه العاقبة، وينقض [2] الله بذلك الشقاق [3] والعداوة، والسعي في الفرقة، والتربص للفتنة، ولم يزل أمير المؤمنين مذ أفضت إليه الخلافة، فاختبر بشاعة مذاقها، وثقل محملها، وشدة مئونتها، وما يجب على من تقلدها من ارتباط طاعة الله ومراقبته فيما حمله فيها وأنصب بدنه، وأسهر عينه، وأطال فكره فيما فيه عز الدين، وقمع المشركين، وصلاح الأمة، ونشر العدل، وإقامة الكتاب والسنة، ومنع ذلك من الخفض، والدعة، ومهنأ العيش، علما بما الله سائله عنه، ومحبته أن يلقى الله مناصحا في دينه وعباده، ومختارا لولاية عهده ورعاية الأمة من بعده أفضل ما يقدر عليه في دينه وورعه، وأرجاهم للقيام بأمر الله وحقه، مناجيا للَّه [4] بالاستخارة في ذَلِكَ، ومسألته [5] إلهامه ما فيه رضاه/ وطاعته في آناء ليله ونهاره، معملا في طلبه، والتماسه [6] في أهل بيته من ولد عبد الله بن العباس وعلي بن أبي طالب، فكره ونظره، مقتصرا فيمن علم حاله، ومذهبه منهم على الحق علما بالغا في المسألة فيمن خفي عليه أمره، وجهده وطاقته، حتى استقضى أمورهم معرفة، وابتلى أخبارهم مشاهدة، وكشف ما عندهم مساءلة، فكانت خيرته بعد استخارته للَّه، وإجهاد نفسه في قضاء حقه في عباده من البيتين جميعا:
علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، لما رأى من فضله البارع، وعلمه الناصع، وورعه الظاهر، وزهده الخالص، وتخلية من الدنيا،
__________
[1] هكذا بالأصل، وفي ت: «ومضيه ومفزعا» .
[2] في ت: «ويمض الله بذلك» .
[3] في الأصل: «الفراق» .
[4] في الأصل: «مناجيا فيه» .
[5] في ت: «ويسأله إلهامه» .
[6] في الأصل: «والبأساء في أهل بيته» .(10/96)
ومسلمته من الناس، فقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطئة، والألسن متفقة، والكلمة فيه جامعة، وما لم يزل يعرفه [به] [1] من الفضل، يافعا وناشئا، وحدثا ومكتهلا، فعقد له العهد والولاية من بعده، واثقا بخيرة الله في ذلك، إذ علم الله من فعله إيثارا لَهُ وللدين، ونظرا للمسلمين، وطلبا للسلامة، وثبات الحجة، والنجاة في اليوم الّذي يقوم الناس فيه لرب العالمين، ودعا أمير المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصته وقواده وجنده، فبايعوه مسارعين مسرورين عالمين بإيثار أمير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده وغيرهم/ ممن هو أشبك رحما، وأقرب قرابة، وسماه الرضي، إذ كان رضا عند أمير المؤمنين، فبايعوه معشر بيت أمير المؤمنين، ومن بالمدينة المحروسة من قواده وجنده وعامة المسلمين لأمير المؤمنين والرضي من بعده على اسم الله وبركته وحسن قضائه لدينه وعباده، بيعة مبسوطة إليها أيديكم، منشرحة لها صدروكم، عالمين ما أراد أمير المؤمنين بها، وأثر طاعة الله، والنظر لنفسه ولكم فيها، شاكرين للَّه على ما ألهم أمير المؤمنين من قضاء حقه في رعايتكم، وحرصه على رشدكم وصلاحكم، راجين عائدة الله في [2] جمع ألفتكم، وحقن دمائكم، ولم شعثكم، وسد ثغوركم، وقوة دينكم، وقمع عدوكم، واستقامة أموركم، فسارعوا إلى طاعة الله وطاعة أمير المؤمنين، فإنه الأمر إن سارعتم إليه، وحمدتم الله عليه، عرفتم الحظ فيه إن شاء الله، وكتب بيده لسبع خلون من شهر رمضان المعظم قدره سنة إحدى ومائتين.
وكتب الرضي [عليه السلام] [3] كلمات منها أنه كتب عند قوله: اختار من البيتين جميعا علي بن موسى بن جعفر، كتب تحته: وصلتك رحم وجزيت خيرا.
وكتب تحت مدحه إياه بقوله: وورعه وزهده: أثنى الله عليك فأجمل، / وأجزل لك الثواب فأكمل.
وكتب تحت قوله: فعقد له العهد بعده: بل جعلت فداك
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «راحين عائدة ذلك» )
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/97)
وكتب تحت قوله: وسماه الرضي: رضي الله عنك وأرضاك وأحسن في الدارين جزاك.
ثم كتب الرضي على ظهر العهد ما نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد للَّه رب العالمين، الفعال لما يريد، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وصلواته على نبيه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أقول وأنا علي بن موسى بن جعفر إن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد، ووفقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره، فوصل أرحاما قطعت، وأمن أنفسا فزعت، بل أحياها وقد تلفت، وأغناها وقد افتقرت، مبتغيا رضا رب العالمين، لا يرضى جزاء [1] من غيره، وسيجزي الله الشاكرين، ولا يضيع أجر المحسنين، وإنه جعل إلي عهده والإمرة الكبرى إن بقيت من بعده، فمن حل عقدة أمرها، وفصم عروة [أحب] [2] إيثاقها، فقد أباح حريمه وأحل محرمه، إذ كان بذلك زاريا على الإمام، منتهكا حرمة الإسلام/ وقد جعلت للَّه على نفسي إن استرعاني أمير المؤمنين وقلدني خلافته العمل فيهم عامة، وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة، بطاعته وسنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن لا أسفك دما حراما، ولا أبيح فرجا ولا مالا إلا ما سفكته حدوده، وأباحته فرائضه، وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي، وقد جعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكدا، يسألني الله عنه، فإنه عز وجل يَقُولُ: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا 17: 34 [3] فإن حدت أو غيرت أو بدلت كنت للتغيير مستحقا، وللنكال متعرضا، فأعوذ باللَّه من سخطه وإليه أرغب في التوفيق لطاعته والحول بيني وبين معصيته في عافيته لي وللمسلمين. وقد امتثلت أمر أمير المؤمنين، وآثرت رضاه، والله يعصمني وإياه، وأشهدت الله على نفسي، وكفى باللَّه شهيدا.
وكتبت خطي بحضرة أمير المؤمنين، أطال الله بقاءه، والفضل بن سهل،
__________
[1] في الأصل: «لا يرضى جراه» .
وفي ت: «لا يريد جزاء» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] سورة: الإسراء، الآية: 34.(10/98)
ويحيى بن أكثم، وعبد الله بن طاهر، وثمامة بن أشرس، وبشر بن المعتمر، وحماد بن النُّعْمان. في شهر رمضان سنة إحدى ومائتين.
نسخة الشهادات
رسم أمير المؤمنين- أطال الله بقاءه وكبت أعداءه- قراءة مضمون هذه الصحيفة، ظهرها وبطنها بحرم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروضة والمنبر، على رءوس الأشهاد، وبمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم وسائر الأولياء والأجناد، بما أوجب أمير المؤمنين الحجة به عَلَى سائر المسلمين، وأبطل الشبهة التي كانت اعترضت آراء الجاهلين، وما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ 3: 179 [1] . وكتب الفضل بن سهل بحضرة أمير المؤمنين في التاريخ المذكور:
عبد الله بن طاهر بن الحسين أثبت شهادته في تاريخه.
شهد يحيى بن أكثم على مضمون هذا المكتوب، ظهره وبطنه [2] ، وهو يسأل الله عز وجل أن يعرف أمير المؤمنين وكافة المسلمين بركات هذا العهد، والميثاق، وكتب بخطه في التاريخ المبيّن.
شهد حماد بن النعمان على مضمون ظهره وبطنه [2] ، وكتب بيده في تاريخه.
بشر بن المعتمر يشهد بذلك، وكتب بيده في التاريخ.
ثمامة بن أشرس حضر وكتب خطه.
قال هبة الله بن الفضل بن صاعد الكاتب: هذا العهد، رأيته بخط المأمون، ابتاعه خالي يحيى بن صاعد بمائتي دينار، وحمله إلى سيف الدولة صدقة بن منصور، وكان فيه خطوط جماعة من الكتاب، مثل: الصولي/ عبد الله بن العباس، والوزير المغربي.
__________
[1] سورة آل عمران، الآية: 179.
[2] في ت: «ظهره وباطنه» .(10/99)
وفي هذه السنة: بويع لإبراهيم بن المهدي. وكان السبب ما ذكرناه، وهو أن المأمون لما بايع لعلي بن موسى الرضي [1] نفر العباسيون وأظهروا أنهم خلعوا المأمون، وبايعوا لإبراهيم [2] بن المهدي، ومن بعده إسحاق بن موسى بن المهدي، وضمنوا للجند أشياء يعطونهم، وأمروا رجلا يقول يوم الجمعة حين يؤقت [3] المؤذن:
إنا نريد أن ندعو للمأمون، ومن بعده لإبراهيم يكون خليفة، ودسوا قوما فقالوا: إذا قام من يتكلم بهذا فقوموا وقولوا: لا نرضى إلا أن تبايعوا لإبراهيم، ومن بعده لإسحاق وتخلعوا [4] المأمون، فلمّا قام من تكلم بهذا وأجيب بهذا، لم يصلوا في ذلك اليوم الجمعة، ولا خطب أحد، وصلى الناس أربع ركعات، وذلك في يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذي الحجة [5] .
وفي هذه السنة: افتتح عبد الله بن خرداذبه والي طبرستان بلادا من بلاد الديلم، وزادها في بلاد الإسلام، وافتتح جبال طبرستان [6] .
وفيها: تحرك بابك الخرمي في الجاويذانية أصحاب جاويذان بن سهل، وادعى أن رَوْح جاويذان صاحب البذ دخلت فيه [7] ، وأخذ في العيث والفساد [8] .
وفيها: أصاب أهل خراسان والري وأصبهان مجاعة، وعز الطعام، ووقع الموت [9] /.
وحج بالناس في هذه السنة إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي.
__________
[1] «الرضي» ساقطة من ت.
[2] «لإبراهيم» ساقطة من ت.
[3] في ت: «يؤذن»
[4] ف ت: «وخلفوا» .
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 555.
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 556
[7] في ت: «صاحب البذر ادعى أن روح جاويذان دخلت فيه» .
[8] انظر: «تاريخ الطبري 8/ 556.
[9] انظر: تاريخ الطبري 8/ 556.(10/100)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
1101- الحسين بن الحسن بن عطية بن سعد بن جنادة أبو عبد الله [1] العوفي
[2] .
من أهل الكوفة، ولي ببغداد قضاء الشرقية بعد حفص بن غياث، ثم نقل إلى قضاء عسكر المهدي في خلافة الرشيد أياما، ثم عزله. وحدث عن أبيه، وعن الأعمش، ومِسْعَر [3] .
روى عَنْه: عمر بن شبة وغيره، وكان ضعيفا في الحديث، ويصحف إذا رَوى، وكانت لحيته تبلغ إلى ركبته.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ بن الحسن الشَّاهِدُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادَرَائِيُّ [4] قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: وحدثني بعض أصحابنا قال: جاءت امرأة إلى العوفي قاضي هارون، ومعها صبي ورجل فقالت: هذا زوجي، وهذا ابني منه، فقال لَهُ: هذه امرأتك؟ قال: نعم، قَالَ: وهذا الولد منك؟ قَالَ: أصلح اللَّه القاضي، أنا خصي، قَالَ:
فألزمه الولد فأخذ الصبي فوضعه على رقبته وانصرف، فاستقبله صديق له خصي والصبي/ على عنقه، فَقَالَ: من هذا الصبي؟ فَقَالَ: القاضي [5] ، يفرق أولاد الزنا عَلَى النَّاسَ [6] .
توفي العوفي في هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «بن عبد الله»
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 29- 32.
[3] في ت: «ومسعود»
[4] في ت: «البارداي»
[5] القاضي ساقطة من ت.
[6] «على الناس» ساقطة من ت.
انظر أخبر في: تاريخ بغداد 8/ 30(10/101)
1102- سعد بن إبراهيم بن سعد بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أبو إسحاق الزُّهْرِيّ
[1] .
سمع أباه وغيره، روى عَنْه: أحمد بن حنبل، وخلف بن سالم، وكان صدوقا ثقة، ولي القضاء بواسط في خلافة هارون، ثم ولي قضاء العسكر للمهدي ببغداد، ثم عزل فلحق بالحسن بن سهل، وهو بفم الصلح فولاه قضاء عسكره.
وتوفي بالمبارك في هذه السنة [2] وهو ابن ثلاث وستين سنة.
1103- عبد الله بن الفرج، أبو محمد القنطري
[3] .
كان أحد العباد [4] ، وكان بشر الحافي يوده [5] ويزوره.
روى عَنْه: البرجلاني، وعلي بن الموفق.
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي [6] قال: أخبرنا العتيقي [7] قال: حدثنا محمد بن الْعَبَّاس قَالَ: حدثنا العباس بن العباس الجوهري قَالَ: حدثنا عبد الله بن عمرو قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن بيان [8] المكي قَالَ: حدثني صاعد قَالَ: لما مات عبد الله بن الفرج حضرت جنازته، فلمّا واريته رأيته في الليل في النوم جالسا على شفير قبره، ومعه صحيفة ينظر فيها [9] فقلت [له] [10] : ما فعل الله بك قال: غفر لي ولكل من شيع جنازتي [قَالَ] : [11] قلت لَهُ: أنا كنت معهم قَالَ: هُوَ ذا اسمك في الصحيفة [12] /.
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 123- 124.
[2] «في هذه السنة» ساقطة من ت.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 41- 42.
[4] في ت: «الزهاد» وما أثبتناه من الأصل.
[5] في ت: «يرده» .
[6] في ت: «محمد بن علي» .
[7] في ت: «العتيبي» .
[8] في ت: «محمد بن البيان» .
[9] «جالسا على شفير قبره، ومعه صحيفة ينظر فيها» . ساقطة من ت.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[12] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 42.(10/102)
1104- علي بن عاصم بن صهيب، أبو الحسن، مولى قريبة بنت محمد بن أبي بكر الصِّدِّيق
[1] .
من أهل واسط، ولد سنة ثمان ومائة، وقيل: سنة خمس ومائة، وسكن بغداد وحدث بها عن حصين بن عبد الرحمن ومحمد بن سوقة، وداود بن أبي هند وإسماعيل بن أبي خالد وابن جريج وحميد الطويل، روى عَنْه: أحمد بن حنبل، وغيره، إلا أنهم قالوا: كان يخطئ فضعفوه بذلك.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ [الْقَزَّازِ] [2] قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أَخْبَرَنَا مسعود بن ناصر بن أبي زيد السُّكري قَالَ: حدثنا أبو الفضل محمد بن الفضيل المزكي قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن الحسين المرواني قَالَ: سمعت زنجويه بن محمد اللباد يَقُولُ: سمعت عبد الله بن كثير البكري يَقُولُ: سمعت أحمد بن أعين يَقُولُ: سمعت علي بن عاصم يَقُولُ: دفع إليّ أبي مائة ألف درهم وقَالَ: اذهب فلا أرى وجهك إلا بمائة ألف حديث [3] .
أخبرنا عبد الرحمن (القزاز قَالَ] [4] : أخبرنا الخطيب قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الوليد الحسن بْن مُحَمَّد الدربندي قَالَ: حدثنا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سليمان الحافظ قَالَ: حدثنا أحمد بن سهل [5] بن حمدويه قَالَ: سمعت أبا نصر بن الليث بن حبرويه [6] يَقُولُ: سمعت يحيى بن جعفر يَقُولُ: كان يجتمع عند علي بن عاصم أكثر من ثلاثين ألفا/، وكان يجلس على سطح، وكان له ثلاثة مستملين [7] .
أخبرنا عبد الرحمن [بن مُحَمَّد] [8] قال: أخبرنا أحمد بن علي [بن ثابت] [9] قال
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 446- 458.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 11/ 447.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ت: «محمد بن سهل» .
[6] في ت: «حرويه» .
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 11/ 454.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(10/103)
حَدَّثَني الحسن بن علي المقرئ قَالَ: حدثني أبو عمر [1] بن مهدي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ [قال: حدثني جدي قَالَ: حدثني يوسف بن يعقوب] [2] الصَّفَّار [3] قَالَ: سمعت عاصم بن علي [بن عاصم] [4] يقول: قَالَ: أخبرنا أَبِي أنه صام ثمانين شهر رمضان ومات وهو ابن أربع وتسعين سنة [5] .
__________
[1] في الأصل: «أبو عمرو» وما أثبتناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[3] «الصفار» ساقط من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 11/ 457.(10/104)
ثم دخلت سنة اثنتين ومائتين
فمن الحوادث فيها:
أن أهل بغداد خلعوا المأمون، وبايعوا لإبراهيم بن المهدي بالخلافة، وسمّوه المبارك [وفي وقت فعلهم هذا قولان: أحدهما أنه أول يوم من المحرم والثاني لخمس خلون منه. وصعد إبْرَاهِيم المنبر] [1] فكان أول من بايعه عبيد الله بن محمد الهاشمي، ثم منصور بن المهدي، ثم سائر الناس، ثم [2] بنو هاشم ثم القواد، وكان المتولي لأخذ البيعة المطلب بن عبد الله بْن مالك، وكان الذي سعى في ذلك وقام به: السندي، وصالح صاحب المصلى، ومنجاب [3] ، ونصير الوصيف وسائر الموالي [إلا أن] [4] الذين سميناهم كانوا الرؤساء والقادة، وإنما فعلوا ذلك غضبا على المأمون حين أراد إخراج الخلافة من ولد العباس إلى ولد علي، ولترك لباس آبائه من السواد ولبس الخضرة [5] .
ولما فرغ من البيعة وعد الجند أن يعطيهم أرزاقا لستة أشهر، فدافعهم بها، فلمّا رأوا ذلك شنعوا عَلَيْهِ، فأعطى كل رجل منهم مائتي درهم، وكتب لبعضهم إلى السواد بقيمة مالهم من الحنطة [6] ، فخرجوا في قبضها، فلم يمروا بشيء إلا نهبوه وأخذوا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[2] «الناس، ثم» ساقطة من ت.
[3] في ت: «وسحاب» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 557.
[6] في ت: «من حنطة وشعيرا» .(10/105)
النصيبين جميعا: / نصيب أهل البلاد ونصيب السلطان، وغلب إبراهيم مع [أهل] [1] بغداد على [أهل] [2] الكوفة والسواد كله، وعسكر بالمدائن، وولى الجانب الشرقي من بغداد العباس، والجانب الغربي إسحاق بن موسى الهادي [3] .
وأمر أن يستتاب المريسي.
أخبرنا أبو منصور قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر بْن ثابت قَالَ: أخبرنا علي بن أبي علي قال: أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر قَالَ: هاجت العامة على بشر المريسي فسألوا إبراهيم بن المهدي أن يستتيبه [4] ، وأمر إبراهيم قتيبة بن زياد القاضي أن يحضره مسجد الرصافة.
فحدثني محمد بن أحمد بن إسحاق، عَن محمد بن خلف قَالَ: سمعت محمد بن عبد الرحمن الصيرفي يَقُولُ: شهدت المسجد الجامع بالرصافة وقد اجتمع الناس، وجلس [5] قتيبة بن زياد، وأقيم بشر المريسي [6] على صندوق من صناديق [7] المصاحف عند باب الخدم [8] ، وقام المستمليان أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس مستملي ابن عُيَيْنَة، وهارون بن موسى مستملي يزيد بن هارون يذكران: أن أمير المؤمنين إبراهيم بن المهدي أمر قاضيه قتيبة بن زياد أن يستتيب [9] بشر بن غياث المريسي عن أشياء عددها منها: ذكر القرآن وغيره، وأنه تائب، فرفع بشر صوته يَقُولُ:
معاذ الله، إني لست بتائب، فكثر الناس عليه حتى كادوا يقتلونه وأدخل إلى باب الخدم، وتفرّق الناس.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ت وأثبتناه من تاريخ الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 557.
[4] في ت: «تستبه» .
[5] في ت: «وحبس» .
[6] «المريسي» ساقطة من ت.
[7] في ت: «الصناديق» .
[8] في ت: «الخرم» .
[9] في ت: «تستيت» .(10/106)
وفي هذه السنة: خرج مهدي بن علوان الحروري فوجه/ إليه إبراهيم بن المهدي أبا إسحاق بن الرشيد [1] في جماعة من القواد فهزم مهديا [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ [3] قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن عمر بْن أَحْمَد الواعظ قَالَ: أخبرنا أَبِي قَالَ: قال إسماعيل بن عليّ: وبايع أهل بغداد لأبي إسحاق [4] إبراهيم بن المهدي ببغداد [5] في داره المنسوبة إليه في ناحية سوق العطش وسموه المبارك، ويقال: سمي المرضي [6] ، وذلك يوم الجمعة [7] لخمس خلون من المحرم سنة اثنتين ومائتين وأمه أم ولد يقال لها: شكلة وبها يعرف، فغلب على الكوفة والسواد، وخطب له على المنابر وعسكر بالمدائن، ثم رجع إلى بغداد، فأقام بها، والحسن بن سهل مقيم في حدود واسط خليفة للمأمون، والمأمون ببلاد خراسان، فلم يزل إبراهيم مقيما ببغداد عَلَى أمره يدعى بأمير المؤمنين، ويخطب له على منبري بغداد، وما غلب عليه من السواد والكوفة، ثم رحل المأمون متوجها إلى العراق، وقد توفي [8] علي بن موسى الرضي، فلما أشرف المأمون على العراق، وقرب من بغداد، ضعف أمر إبراهيم بن المهدي، وقصرت يده، وتفرق الناس عنه، فلم يزل على ذلك إلى أن حضر الأضحى من سنة ثلاث ومائتين.
وفي هذه السنة [9] : وثب أخو أبي السرايا بالكوفة فبيض، واجتمعت إليه جماعة، فلقيه غسّان بن الفرج في رجب، فقتله وبعث برأسه إلى إبراهيم بن المهدي.
وفيها: ظفر إبراهيم بن المهدي بسهل/ بن سلامة المطوعي، فحبسه وعاقبه،
__________
[1] «أبا إسحاق بن الرشيد» ساقطة من ت.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 558.
[3] «القزاز» ساقطة من ت.
[4] «إسحاق» ساقطة من ت.
[5] «ببغداد» ساقطة من ت.
[6] في ت: «الرضا» .
[7] «يوم الجمعة» ساقطة من ت.
[8] في ت: «وقد فرما» .
[9] في ت: «وفيها» .(10/107)
وقد ذكر عن سهل أنه كان يأمر بالمعروف، واجتمع إليه عامة أهل بغداد، وكان كل من أجابه يثني على بابه برجا بجص وآجر، وينصب عليه السلاح والمصحف، حتى بلغوا قرب باب الشّام، وكان سهل يذكر الولاة بأقبح أعمالهم ويقول: الفساق. فقاتله أصحاب إبراهيم بْن المهدي، وخذله العوام حتى أخذ، فأتى به إسحاق بن الهادي فقال لَهُ:
حرضت علينا الناس وعبت أمرنا. فَقَالَ: إنما كنت أدعو إلى العمل بالكتاب والسنة.
فقالوا [1] له: اخرج فقل إنما الّذي كنت أدعو إليه باطل: فخرج فَقَالَ: إن الذي كنت أدعو إليه من الكتاب والسنة أنا أدعو إليه اليوم. فوجئ عنقه وضربوه وقيد وحبس وخفي أمره [2] .
وفي هذه السنة [3] : شخص المأمون من مرو يريد العراق.
وكان سبب ذلك: أنه أخبر بالقتال والفتن منذ قتل الأمين، وأن أهل بيته قد غضبوا لمبايعة علي بن موسى وأنهم قد بايعوا لإبراهيم بن المهدي، وكان الفضل بن سهل يكتمه هذه الأحوال، فلما أخبر بها وبان [4] أن هرثمة إنما جاء لنصحه، وأنه إن لم يتدارك الأمر خرجت الخلافة من يده، وأن طاهر بن الحسين لما وطأ له الخلافة أخرج من الأمر وصير في زاوية في الرقة، وأنه لو كان ببغداد لم يجترئ أحد على ما اجترأ عليه، وإنك لو خرجت عاد إليك بنو هاشم كلهم وأطاعوا، ولم يخبروا بهذا حتى [5] أخذوا خطة بالأمان من الفضل بن سهل، لأنه كان لا يظهره على شيء من هذا/ فلما تحقق الأمر عنده، وأمر بالرحيل إلى بغداد، علم الفضل بن سهل ببعض أمورهم، فتعنتهم [6] فضرب بعضهم بالسياط، وحبس بعضهم، ثم ارتحل من مرو، فلما دخل سرخس دخل أربعة نفر على الفضل بن سهل [7] وهو في الحمام، فقتلوه وهربوا، فطلبهم المأمون
__________
[1] في ت: «إنما كنت أدعو إليه باطل، أخرج ... » .
[2] انظر: تاريخ الطبري. / 562- 563.
[3] في ت: «وفيها» .
[4] في ت: «ربان» .
[5] «ولم يخبروا حين أخذوا» .
[6] في ت: «فبتعهم» .
[7] «بن سهل» ساقطة من ت.(10/108)
فقتلهم، وبعث برءوسهم إلى الحسن بن سهل، وأعلمه ما دخل عليه من المصيبة بقتل الفضل بْن سهل [1] ، وأنه صيره مكانه، ووصل الخبر بذلك إلى الحسن في رمضان، وجعل المطلب يدعو في السر للمأمون، وخلع إبراهيم، فأجابه منصور، وخزيمة، وقواد كثير، وعلم إبراهيم فبعث إلى المطلب، ومنصور، وخزيمة فاعتلوا عليه، ونهب ألفا من [2] دار المطَّلِب [3] .
وفي هذه السنة: تزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل، إلا أنه دخل بها في سنة عشر، وسنذكر هناك خبرها [4] .
وفي هذه السنة [5] : زوج المأمون علي بن موسى الرضي ابنته أم حبيب، وزوج محمد بن علي بْن موسى ابنته أم الفضل [6] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ [7] أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أجاز لي أبو نصر أحمد بن محمد بن حسنون النرسي وحدثنيه ثقة من أصحابنا عَنْه قَالَ:
أخبرنا إبْرَاهِيم بن حامد بن شباب الأصبهاني قَالَ: أخبرنا أحمد بن يحيى [8] قَالَ:
سمعت يحيى بن أكثم يَقُولُ: لما أراد المأمون أن يزوج ابنته من الرضي، قال لي يا يحيى تكلم. قَالَ: فأجللته أن أقول له: أنكحت؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، أنت الحاكم الأكبر وأنت أولى بالكلام، فقال: الحمد للَّه الذي تصاغرت الأمور بمشيئته، ولا إله إلا الله/ إقرارا بربوبيته وصلى الله على سيدنا محمد عند ذكره، أما بعد:
فإن الله جعل النكاح الذي رضيه سببا للمناسبة ألا وإني قد زوّجت ابنتي من
__________
[1] «بن سهل» ساقطة من ت.
[2] «ألفا من» ساقطة من ت.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 564- 566.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 566.
[5] في ت: «وفيها» .
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 566.
[7] «أبو بكر» ساقطة من ت.
[8] في ت: «بن مهدي» .(10/109)
علي بن موسى الرضي، وأمهرتها عنه أربعمائة درهم.
وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد ودعا لأخيه بعد المأمون بولاية العهد، ومضى إبراهيم بن موسى إلى اليمن، وكان قد غلب عليها حمدويه بن علي بن موسى بن ماهان [1] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1105- الفضل بن سهل بن عبد الله، أبو العباس الملقب ذا الرئاستين
[2] .
كان من أولاد ملوك المجوس، وأسلم أبوه سهل في أيام الرشيد، واتصل بيحيى بن خالد البرمكي، واتصل الفضل والحسن ابنا سهل بالفضل وجعفر ابنا يحيى بن خالد، فضم جعفر بْن يحيى الفضل بن سهل إلى المأمون وهو ولي عهد، وقيل: إن الفضل لما أراد أن يسلم كره أن يسلم على يد الرشيد والمأمون، فصار وحده إلى الجامع يوم الجمعة، فاغتسل ولبس ثيابه، ورجع مسلما، وغلب على المأمون لخلاله الجميلة من الكرم والوفاء والبلاغة والكتابة، فلما استخلف المأمون فوض إليه أموره كلها، وسماه ذا الرئاستين لتدبيره أمر السيف والقلم.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن عمر النرسي [3] قَالَ: أخبرنا أحمد بن محمد بن المكتفي باللَّه قال: حَدَّثَنَا/ ابن الأنباري قَالَ: قال رجل للفضل بن سهل اسكتني عن وصفك تساوي أفعالك في السؤدد وحيرني فيها كثرة عددها، فليس [لي] [4] إلى ذكرها جميعها [5] سبيل، وإذا أردت وصف واحدة اعترضت أختها إذ كانت الأولى ليست بأحق
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 567.
[2] انظر ترجمته في تاريخ بغداد 12/ 339- 343.
[3] في ت: «النوسي» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] «جميعها» ساقطة من ت.(10/110)
في الذكر، فلست أصفها إلا بإظهار العجز عن وصفها [1] .
أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] [2] قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو بشر محمد بن أبي السري الوكيل قَالَ: حدثنا أبو عبيد الله محمد [3] بن عمران المرزباني قال: أخبرني الصولي قال: [أنشدنا ثعلب قال:] [4] أنشدنا إبراهيم بن العباس الصولي لنفسه في الفضل بن سهل:
لفضل بن سهل يد ... تقاصر عنها المثل
فبسطتها للغنى ... وسطوتها للأجل
وباطنها للندى ... وظاهرها للقبل
فأخذه ابن الرومي فقال للقاسم بن عبيد الله:
أصبحت بين خصاصة وتجمل ... والمرء بينهما يموت هزيلا
فامدد إلي يدا تعود بطنها ... بذل النوال وظهرها التقبيلا [5]
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ] [6] قَالَ: أخبرنا أحمد بن محمد بن علي [ابن ثابت] [7] قَالَ: أخبرني أَبُو بَكْرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الواحد المنكدري قَالَ:
حدثني [أبو] [8] أحمد بن عبيد الله بن محمد بن أحمد المنقري قَالَ: أخبرنا الصولي قَالَ: أخبرنا القاسم بن إِسْمَاعِيل قَالَ [9] : حدثني إبراهيم بن العباس الصولي قَالَ: اعتل
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 343.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ت: «أبو عبد الله محمد» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 342.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[8] في الأصل: «حدثني أحمد بن عبيد الله» .
[9] في ت: «القاسم بن إسماعيل قال: حدثني إسماعيل قال: ... » .(10/111)
الفضل بن سهل ذو الرئاستين علة بخراسان ثم برأ، فجلس [1] للناس فهنأوه [2] بالعافية وتصرفوا في الكلام [3] ، فلما فرغوا/ أقبل على الناس فَقَالَ: إن في العلل لنعما ينبغي للعقلاء أن يعرفوها بمحيص الذنوب، وتعرض لثواب الصبر، وإيقاظ من الغفلة، وإذكار بالنعمة في حال الصحة، واستدعاء للتوبة وحض على الصدقة، فنسي الناس ما تكلموا به وانصرفوا بكلام الفضل [4] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قَالَ: أخبرني الحسن بن أبي بَكْر قَالَ: كتب إلي محمد بن إبراهيم أن أحمد بن حمدان أخبرهم قَالَ: حدثنا أحمد بن [5] يونس الضَّبُّي قَالَ: حدثنا أبو حسان الزيادي قَالَ: سنة اثنتين ومائتين فيها قتل ذو الرئاستين الفضل بْن سهل [6] يوم الخميس لليلتين خلتا من شعبان بسرخس في الحمام، اغتاله نفر، فدخلوا عليه فقتلوه، فقتل به المأمون عبد العزيز بن عمران الطائي، ومؤنس بن عمران البصري، وخلف بن عمرو البصري، وعلي بن أبي سعيد، وسراجا الخادم [7] .
قال المصنف رحمه الله [8] : وفي رواية أخرى: أنه لما رحل المأمون من مرو ووصل [9] إلى سرخس، شد أربع نفر من خواص المأمون وهم غالب المسعودي، وقسطنطين الرومي، وفرج الديلميّ، وموفق الصقلي على الفضل بن سهل وهو في الحمام فقتلوه وهربوا، وذلك في يوم الجمعة لليلتين [10] خلتا من شعبان هذه السنة، فجعل المأمون لمن جاء بهم عشرة آلاف دينار، فجاء بهم العباس بن القاسم، فقالوا للمأمون: أنت أمرتنا بقتله فأمر بهم فضربت أعناقهم.
وذكر الجاحظ أن عمر الفضل كان إحدى وأربعين سنة وخمسة أشهر.
1106- يحيى بن المبارك/ بن المغيرة، أبو محمد العدوي، المعروف باليزيدي صاحب أبي عمرو بن العلاء
[11] .
__________
[1] «ثم برأ، فجلس» ساقطة من ت.
[2] في ت: «ننراوه» .
[3] في ت: «بالكلام» .
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 342.
[5] «أحمد بن» ساقطة من ت.
[6] في ت: «فيها قتل الفضل بن سهل ذو الرئاستين» .
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 343.
[8] «قال المصنف رحمه الله» ساقطة من ت.
[9] «وصل» ساقطة من ت.
[10] في ت: «لست ليال»
[11] انظر ترجمته في تاريخ بغداد 14/ 146.(10/112)
حدث عن أبي عمرو وابن جُرَيْج، وأخذ عَن الخليل من اللغة أمرا عظيما، وجلس يوما إلى جانبه، فقال له: احسبني ضيقت عليك؟ فقال الخليل: ما ضاق شيء عن صاحبين، والدنيا ما تسع متباغضين.
وإنما قيل له: اليزيدي، لأنه كان منقطعا إلى يزيد بن منصور الحميري يؤدب ولده، فنسب إِلَيْهِ.
ثم اتصل بالرشيد فجعل المأمون في حجره، وكان يكلم الأمين والمأمون وهما صبيان بكلام بقصيدته تعلم الفصاحة: فأكلا يوما كمأة فتحمرا، فقال لهما اليزيدي:
«فلأكلأكما كمأكما لا سوا أن سوالا سلا» [؟] . [1] .
وكان الرشيد قد وكل بهما خادما يؤدي إليه ما يجري منهما، فمضى إلى الرشيد وقال له: إنه اليوم علمهما كلام الزنجية، فدعاه فَقَالَ: أحسنت الزنجية قط، قَالَ: كذا عرفني الخادم. فقال الخادم: بلى، قد كان ذلك وقت أكل الكمأة، فقال اليزيدي: إنما قلت كذا ليتفصحا، وأنا أفعل مثل هذا كثيرا. فقال الرشيد: لا تلم الخادم، فلولا التقدمة لظننته أنَا بالزنجية.
وكان اليزيدي أحد القراء الفصحاء الشعراء، عالما بلغات العرب، ثقة، وكان يجلس في أيام الرشيد مع الكسائي ببغداد في مسجد واحد يقرئان الناس، وكان الكسائي يؤدب الأمين، واليزيدي يؤدب المأمون/ فأقر الرشيد الكسائي أن يأخذ على الأمين بحرف حمزة، وأمر اليزيدي أن يعلم المأمون حرف أبي عَمْرو.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد البزاز، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيد السيرافي، قَالَ: أخبرنا محمد بن أبي الأزهر، قَالَ: أخبرنا الزُّبَيْر بن بكار قَالَ: أنشدني: إسحاق بن أبي إبْرَاهِيم، قَالَ: أنشدني أبو محمد اليزيدي:
إذا نكبات الدهر لم تعظ الفتى ... وتفرغ منه، لم تعظه عواذله
ومن لم يؤدبه أبوه وأمه ... تؤدبه روع [2] الردى وزلازله
فدع عنك ما لا تستطيع ولا تطع ... هواك ولا يغلب بحقك باطله
__________
[1] هكذا في الأصل بدون نقط ولم أعثر في كتب اللغة على معنى لها أو شبيه.
[2] في الأصل: وتاريخ بغداد 14/ 148: «روعات» وبها يكسر الوزن.(10/113)
توفي اليزيدي في هذه السنة.
1107- أبو إسحاق الدولابي
[1] .
من أهل الري، كان يقال إنه من الأبدال، وله كرامات.
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الخطيب، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن رزق، إجازة، حدثنا جعفر الجلدي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن منصور قَالَ: سمعت محمد بن منصور يَقُولُ:
جئت مرة إلى معروف الكرخي، فغض أنامله وقَالَ: هاه، لو لحقت أبا إسحاق الدولابي كان ها هنا الساعة يسلم علي، فذهبت أقوم، فقال لي: اجلس، لعله قد بلغ منزله بالري.
توفي أبو إسحاق الدولابي في هذه السنة، رحمة الله عليه.
__________
[1] تاريخ بغداد 14/ 419.(10/114)
ثم دخلت سنة ثلاث ومائتين
فمن الحوادث فيها:
أن المأمون شخص من سرخس حتى صار إلى طوس، فأقام عند قبر أبيه أياما، ثم إن علي بْن موسى بن جعفر أكل عنبا فأكثر منه فمات فجأة، وذلك في آخر صفر فصلى عليه المأمون وأمر بدفنه عند قبر أبيه الرشيد، وكتب في شهر ربيع الأول إلى الحسن بن سهل يعلمه بوفاته، ويعلمه ما دخل عليه من الغم به، وكتب إلى بني العباس والموالي وأهل بغداد يعلمهم موت علي، وإنهم إنما نقموا بيعته من بعده، ويسألهم الدخول في طاعته فكتبوا إِلَيْهِ بأغلظ كتاب [1] .
ورحل المأمون من طوس يريد بغداد، فلما صار إلى الري أسقط من وظيفتها ألف ألف درهم [2] .
وفي هذه السنة: غلبت السوداء على الحسن بن سهل فتغير بذلك المرض عقله حتى قيد، وكتب بذلك قواد الحسن [3] إلى المأمون، فكتب أن يكون على عسكره دينار بن عبد الله [4] .
وفيها: ضرب إبراهيم بن المهدي عيسى بن محمد بن أبي خالد، وحبسه.
وسبب ذلك: أنه كان يكاتب حميدا والحسن، ويظهر لإبراهيم الطاعة، فإذا قال
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 568.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 568 وفي الأصل: «وضيفتها» .
[3] في الأصل: «القواد» .
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 568- 569.(10/115)
له إبْرَاهِيم: تهيأ للخروج لقتال حميد، اعتل بأن الجند يريدون أرزاقهم، وتارة يَقُولُ/: حتى تدرك الغلة، فلما توثق فيما بينه وبين الحسن وحميد فارقهم على أن يدفع إليهم إبراهيم يوم الجمعة لانسلاخ شوال، فبلغ ذلك إبراهيم، فأخذ الحذر، وبعث إليه ليأتي، فاعتل، فأعاد الرَّسُول فأمر به، فضرب وحبس، وأخذ جماعة من قواده فحبسهم وحبس أم ولده وصبيانه، فنهض أهل بيت عيسى وأصحابه فحرضوا الناس على إبراهيم، فشدوا على عامل إبراهيم فطردوه، وطردوا جميع عماله، فلما كان يوم الجمعة صلوا أربع ركعات بغير خطبة، فأخرج إبراهيم عيسى من الحبس، وسأله المدافعة عنه فأبى، وأخرج إبراهيم أصحابه ليقاتلوا، فهزمهم حميد، فلما رأى إبراهيم هذه الحال اختفى في ليلة الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة، وبعث المطلب إلى حميد يعلمه أنه قد أحاط بدار إبْرَاهِيم، فإن كان يريده فليأته، فأتوا فلم يجدوه في الدار [1] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثنا عبيد الله بن عمر الواعظ قال: حدثنا أبي قال: إسماعيل بن عليّ لما حضر الأضحى من سنة ثلاث ومائتين: ركب إبراهيم في زي الخلافة، فصلى بالناس صلاة الأضحى، ومضى من يومه إلى داره المعروفة، فلم يزل فيها إلى آخر النهار، ثم خرج منها بالليل، فاستتر وانقضى أمره، وكانت مدته منذ بويع/ له بمدينة السلام إلى أن استتر سنة وأحد عشر شهرا وخمسة أيام، ثم ظفر به المأمون، فعفا عنه، فلم يزل ظاهرا مكرما إلى أن تُوُفِّي.
وفي هذه السنة: انكسفت الشمس لليلة بقيت من ذي الحجة حتى ذهب ضوؤها، وغاب أكثر من ثلثيها، فلم تزل كذلك حتى قرب الظهر ثم انجلت [2] .
وصار المأمون إلى همذان في ذي الحجة في آخرها [3] .
وحج بالناس في هذه السنة: سليمان بن عبد الله بن سليمان بن علي [4] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 569- 570.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 573.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 573.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 573.(10/116)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1108- أحمد بن أبي طيبة بن عيسى بن سليمان بن دينار الدارمي
[1] .
حدث عن مالك بن أنس، وولاه المأمون قضاء جرجان، ثم ولاه قضاء قومس، فأقام بها يقضي حتى توفي في هذه السنة.
1109- حسين بن عليّ [أبو عبد الله] [2] الجعفي:
كان عالما عابدا، قال أحمد بن حنبل: ما رأيت بالكوفة أفضل من حسين الجعفي كان يشبه بالرهبان.
أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا عبد القادر بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن عمر البرمكي قَالَ: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر قَالَ: أخبرنا أبو بكر الخلال قَالَ: حدثني مُحَمَّد بن عبيد الرَّحبي قَالَ: سمعت أبا بكر بن سماعة يَقُولُ: كنا عند ابن أبي عمر العدني [3] بمكة، فسمعناه يَقُولُ/: قدم علينا هارون قدمة إلى هذا المسجد، فأخبرني الخادم الذي كان معه قَالَ: كنت معه ومعه جعفر بن يحيى، فخرجنا جميعا حتى صرنا إلى الثنية فقال لي: سل عَن حسين بن علي [4] الجعفي فلقيت رجلا، فقلت لَهُ [5] : حسين بن علي الجعفي؟ فَقَالَ: هو ذا يطلع عليك راكبا حمارا وخلفه أسود يقود أحمالا له، فإذا هو قد طلع، فقلت: هو ذا يا أمير المؤمنين، فلما حاذاه قام إليه، فقبل يده أو قال رجله- فقال له جعفر: أتدري من المسلم عليك يا شَيْخ؟ [6] هو أمير المؤمنين [هارون] [7] فالتفت إليه حسين فقال له: أنت يا حسن الوجه مسئول عن هذا الخلق كلهم.
فقعد يبكي وأتانا آت ونحن عند ابن عيينة، فقال لسفيان [8] قدم [حسين بن علي]
__________
[1] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 17.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ت: «العبديّ» .
[4] «بن علي» ساقطة من ت.
[5] «له» ساقطة من ت.
[6] من أول «راكبا حمارا» ... » حتى « ... عليك يا شيخ» ساقطة من ت.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[8] في الأصل: «السفير» .(10/117)
الجعفي، فقام إليه يتلقاه وخرجنا معه، فلما صار في الطريق إلى باب بني شيبة لقيه فضيل بن عياض فقال له: أين تريد يا أبا مُحَمَّد؟ فَقَالَ: قدم حسين الجعفي فأردت لقاءه، فقال: أنا معك، فخرجا يمشيان جميعا ونحن خلفهما، فلما صرنا في أصحاب اللؤلؤ إذا حسين راكب حمارا [1] ، فتقدم إليه فضيل فقبل رجله، وتقدم سفيان فقبل يده أو قبل سفيان رجله وفُضَيْل يده، فقال له فضيل: بأي رجل تعلمت القرآن على يديه أو علمني الله القرآن على يديه. ثم دخل المسجد فطاف بالكعبة، وجاء إلى الأسطوانة الحمراء فقعد عندها، فأكب الناس عَلَيْهِ.
توفي الجعفي في هذه السنة.
1110- الحسين بن الوليد، أبو عبد الله القرشي/ النيسابوري
[2] .
سَمِعَ ابن جريج، وابن أبي ذئب [3] ، ومالك بن أنس [4] وابن لهيعة، والثوري، والحمادين.
روى عَنْه: أحمد بن حنبل، وابن راهويه، ويحيى بن يحيى، وكان ثقة فقيها قارئا للقرآن، قرأ عَلَى الكسائي، وكان يغزو الترك في كل ثلاث سنين ويحج في كل خمس وكان له مال، وكان سخيا، وكان يَقُولُ: من تعشى عندي فقد أكرمني.
توفي في هذه السنة، وقيل في التي قبلها.
1111- خزيمة بن خازم النهشلي القائد
[5] .
كان له تقدم ومنزلة عند الخلفاء، ودرب خزيمة ببغداد ينسب إليه، وقد أسند الحديث عن ابن أبي ذئب.
توفي في شعبان هذه السنة بعد أن عمي.
__________
[1] «حمار» ساقطة من ت.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 143.
[3] في ت: «ابن أبي حبيب» .
[4] «بن أنس» ساقطة من ت.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 341.(10/118)
1112- زيد بن الحباب بن الريان، أبو الحسن التيمي العكلي [الكوفي]
[1] .
سمع [2] مالك بن مغول، وسفيان الثوري، وشعبة، ومالك بن أنس، وابن أبي ذئب. روى عنه: يزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، وقال فيه: كان صاحب حديث كيسا صدوقا، وقد رحل إلى مصر وخراسان في الحديث [3] ، وما كان أصبره على الفقر.
توفي في هذه السنة.
1113- عمرو بن شعيب [4] أبو داود الجعفري، وجفر موضع.
أخبرنا ابن ناصر قال: أنبأنا الحسن بن أحمد قَالَ: أخبرنا أبو محمد الخلال قَالَ:
حَدَّثَنَا أبو بكر أَحْمَد بن مُحَمَّد بن غالب قَالَ: قرأت على أبي بكر محمد بن أحمد بن جعفر القاضي، حدثكم محمد بن العباس المستملي قَالَ: حدثنا أبو بكر/ المروزي قَالَ: سمعت أحمد بن حنبل يَقُولُ: رأيت أبا داود الجفري وعليه جبة مخرقة قد خرج القطن منها يصلي بين المغرب والعشاء وهو يترجج من الجوع، وبلغني عن عباس الدُّوري [5] قَالَ: لو رأيت أبا داود لرأيت رجلا كأنه أطلع على النار فرأى ما فيها.
أسند أبو داود عن الثوري وغيره.
وتوفي في هذه السنة.
1114- علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب- عليهم السلام- أبو الحسن الرضي
[6] .
سَمِعَ أَبَاهُ، وعمومته، وغيرهم، وكان يفتي في مسجد رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وهو ابن نيف
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 442- 444.
[2] في ت: «مع مالك» .
[3] من أول: «كان صاحب ... » حتى «..... في الحديث» ساقط من ت.
[4] في ت: «بن سعد» .
[5] في الأصل: «المروزي» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ الطبري 10/ 251. واليعقوبي 3/ 180. ووفيات الأعيان 1/ 321.(10/119)
وعشرين سنة، وكان المأمون قد أمر بإشخاصه من المدينة، فلما قدم نيسابور [خرج] [1] وهو في عماريه على بغلة شهباء فخرج علماء البلد في طلبه [مثل] [2] يحيى بن يحيى، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن رافع [3] ، وأحمد بن حرب، وغيرهم. فأقام بها مدة، والمأمون بمرو إلى أن أمر [4] بأخراجه إليه، وجعله ولي عهده على ما سبق ذكره، فلما رأوا أن الخلافة قد خرجت إلى أولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه سقوا علي بن موسى.
فتوفي بطوس في قرية يقال لها سناباذ في رمضان هذه السنة.
فقال الصولي: ومدحه أبو نواس فَقَالَ [5] :
قيل لي أنت واحد الناس في كل ... ل كلام من المقال بديه
لك في جوهر الكلام بديع ... يثمر الدر في يدي مجتنيه/
فعلى من تركت مدح ابن موسى ... والخصال التي تجمعن فيه
قلت لا أهتدي لمدح إمام ... كان جبريل خادما لأبيه
1115- محمد بن بكر، أبو عثمان [6] ، وقيل: أبو عبد الله البصري البرساني، وبرسان من الأزد
[7] .
سمع ابن جريج، وسعيد بن أبي عروبة، وشُعْبة. وقدم بغداد وحدث بها فروى عنه أَحْمَد بْن حنبل، ويحيى بْن معين، وغيرهما. وقال يحيى: كان ثقة ظريفا.
وتوفي بالبصرة في ذي الحجة من هذه السنة وقيل: في سنة أربع.
1116- محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أَبُو جعفر [1] ، ويعرف: بالديباج لقب به لحسن وجهه، وهو أخو إسحاق وموسى وعلي بن جعفر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ت: «محمد بن نافع» .
[4] في ت: «إلى وتأمر بإخراجه» .
[5] أبيات أبي نواس في منهاج السنة 2/ 125. مع بعض التغيير، وهي ليست موجودة في الديوان.
[6] في الأصل: «بن «عمم» من دون نقط.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 91.(10/120)
[2] .
حدث عن أبيه، روى عنه جماعة وكان محمد قد خرج بمكة في أيام المأمون، ودعا إلى نفسه فبايعه أهل الحجاز وتهامة بالخلافة يوم الجمعة لثلاث خلون من ربيع الآخر سنة مائتين، فلم يزل يسلم [3] عليه بالخلافة منذ بويع [4] إلى يوم الثلاثاء خامس جمادى الأول [5] .
فحج بالناس المعتصم، وبعث إليه من حاربه وقبض عليه، وأورده بغداد في صحبته، والمأمون إذ ذاك بخراسان، فوجه به إليه، فعفا عنه، ولم يمكث إلا يسيرا حتى توفي عنده، فقيل إنّه جامع وافتصد ودخل الحمام في يوم واحد، فكان سبب موته.
أخبرنا [عبد الرحمن] القزاز قال: أخبرنا [أحمد بن على بن] [6] ثابت قال:
أخبرنا الحسن بن أَبِي بَكْر قال: أخبرنا أبو الحسن بن محمد بْن يحيى/ بْن الْحَسَن العلوي قَالَ: حدثنا جدي قَالَ: كَانَ محمد بن جعفر شجاعا عاقلا فاضلا، وكان يصوم يوما. ويفطر يوما، وكانت زوجته خديجة ابنة عبد اللَّه بن الحسين تَقُولُ: ما خرج من عندنا في ثوب قط فرجع حتى يكسوه [7] .
قَالَ أبو مُحَمَّد: وحدثنا جدي قَالَ: حدثنا داود بن المبارك قَالَ: توفي محمد بن جعفر بخراسان مع المأمون، فركب المأمون لشهوده حتى دخل به القبر فلم يزل فيه حتى بنى عليه، ثم خرج فقام على القبر فدعا له [8] عبد الله وقَالَ [9] : يا أمير المؤمنين، إنك قد تعبت فلو ركبت فقال له المأمون: هذه رحم قطعت من مائتي سنة.
__________
[1] «أبو جعفر» ساقطة من ت.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 135.
[3] «يسلم» ساقطة من ت.
[4] «منذ بويع» ساقطة من ت.
[5] «خامس جمادى الأول» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] لم أجده في تاريخ بغداد المطبوع.
[8] في ت: «فقام على القبر فقال عبد الله» .
[9] «وقال» ساقطة من ت.(10/121)
1117- مصعب بن المقدام، أبو عبد الله الخثعمي الكوفي
[1] .
سمع مسعرا، وسفيان الثَّورِي، روى عنه: أبو كريب، وابن راهويه، وكان ثقة [صدوقا] [2] .
توفي في هذه السنة.
1118- النضر بن شميل، أبو الحسن المازني المروزي
[3] .
سكن مرو، وسمع من ابن عون، وعوف، وشعبة، وغيرهم. وكان راوية للشعر، وله المعرفة بالنحو واللغة وأيام النَّاسَ.
توفي بخراسان [في هذه السنة] [4] .
أخبرنا ابن نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بْنُ علي بن ميمون قال: أخبرنا عبد الله بن محمد العلوي وأبو الفرج محمد بن أحمد بن علان الشاهد قالا: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عبد الله الهرواني قَالَ: وحدثني أبو القاسم الحسن بن محمد السكوني قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي قَالَ: وحدثني الزبير بن بكار قَالَ: حَدَّثَني النضر بن شميل قَالَ: دخلت على المأمون بمرو وعلي أطمار مرعبله؟ [5] فقال لي: يا نضر/ تدخل عَلَى أمير المؤمنين في مثل هذه الثياب، فقلت: يا أمير المؤمنين إن حر مرو لا يدفع إلّا بمثل هذه الأخلاق فقال: لا ولكنك متقشف، فتجارينا الحديث، فقال المأمون: حَدَّثَنِي هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابن عباس قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ لِدِينِهَا وَجَمَالِهَا كَانَ ذَلِكَ سَدَادٌ مِنْ عِوَزٍ» [قُلْتُ: صَدَقَ فُوكَ عَنْ هُشَيْمٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَدَّثَنِي عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ عَنِ الْحَسَنِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ إِلَى الْمَرْأَةِ لِدِينِهَا وَجَمَالِهَا كَانَ
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 110.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/ 437- 438.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] هكذا بالأصل.(10/122)
فِي ذَلِكَ سَدَادٌ مِنْ عِوَزٍ» . وكان المأمون متكئا] [1] فاستوى المأمون [2] جالسا وقَالَ:
السداد لحن يا نضر، قُلْتُ: نعم ها هنا، وإنما لحن هشيم وكان لحانة، فَقَالَ: ما الفرق بينهما؟ قلت: السداد: القصد [3] في الدين والسبيل. والسداد: البلغة، وكلما سددت به شيئا فهو سداد قَالَ: فتعرف العرب ذَلِكَ، قُلْتُ: نعم، هذا العرجي من ولد عثمان بن عفان يَقُولُ:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... اليوم كريهه وسداد ثغر
قَالَ: فأطرق المأمون مليا ثم قَالَ: قبح الله من لا أدب له، ثم قَالَ: أنشدني يا نضر أخلب بيت للعرب، قُلْتُ: قول ابن بيض يا أمير المؤمنين [4] في الحكم بن مروان:
تقول لي والعيون هاجعة ... أقم علينا يوما فلم أقم
أي الوجوه انتجعت قلت لها ... وأي وجه إلا إلى الحكم
متى يقل حاجبا سرادقه ... هذا ابن بيض بالباب يبتسم
قد كنت أسلمت فيك مقتبلا ... فهات ادخل أعطى سلمي
قال المأمون للَّه درك لكأنما شق لك عن قلبي أنشدني/ أنصف بيت قالته العرب، قلت قول ابن أبي عروبة [المديني] [5] :
إني وإن كان ابن عمي غائبا ... لمزاحم من خلفه وورائه
ومفيده نصري وإن كان أمرأ ... متزحزحا في أرضه وسمائه
وأكون واري سره فأصونه ... حتى يحن علي وقت أدائه [6]
وإذا الحوادث أجحفت بسوامه ... قربت صحيحهما إلى جريان [7]
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأضفناه من ت.
[2] «المأمون» ساقطة من ت.
[3] في ت: «الفقه» .
[4] «يا أمير المؤمنين» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في ت: «أدانه» .
[7] في ت: «حريانه» .(10/123)
وإذا دعى باسمي لأركب مركبا ... صعبا قعدت [1] له على سيسائه
وإذا أتى من وجهه بطريقه ... لم أطلع مما وراء خبائه
وإذا ارتدى ثوبا جميلا لم أقل ... يا ليت أن علي فضل ردائه
قَالَ: أحسنت يا نضر، أنشدني الآن أقنع بيت للعرب، فأنشدته قول ابن عبدل [2] :
إني امرؤ لم أزل وذاك من ... الله أديب أعلم الأدبا
أقيم بالدار ما أطمأنت بي الدار ... وإن كنت نازحا طربا
لا أجتري خلة الصديق ولا ... أنفع نفسي شيئا إذا ذهبا
أطلب ما يطلب الكرام من الر ... زق بنفسي وأجمل الطلبا
وأحلب الترة الصفي ولا ... أجهد أخلاف غيرها حلبا
/ إني رأيت الفتى الكريم إذا ... رغبته في صنيعه رغبا
والعبد لا يطلب الفلاة ولا ... يعطيك شيئا إلا إذا رهبا
مثل الحمار الموقع السوء لا ... يحسن مشيا إلا إذا ضربا
ولم أجد عروة الخلائق إلا ... الدين إذ اخترت والحسبا
قد يرزق الخافض المقيم وما ... شد [3] لعيس رجلا ولا قتبا
ويحرم الرزق ذو المطية و ... الرحل ومن لا يزال مغتربا
قَالَ: أحسنت ما شئت يا نضر فعندك ضد هذا، قلت: نعم أحسن منه قَالَ:
هات، فأنشدته:
يد المعروف غيم حيث كانت ... تحملها كفور أو شكور
قَالَ: أحسنت يا نضر، فكتب شيئا لا أدري ما هُوَ [4] ، ثم قَالَ: كيف تقول [5] :
__________
[1] في ت: «بلغت» .
[2] «قول ابن عبدك» ساقطة من ت.
[3] في ت: «ولا شد» .
[4] في ت: «ما كتب» .
[5] في ت: «كيف تأمر» .(10/124)
أفعل من [1] التراب [2] ؟ قلت: أترب قَالَ: والطين [3] ، قلت: أطين [4] ، قَالَ: والكتاب ماذا؟ قُلْتُ: مترب ومطين. قال هذه أحسن من الأولى، وكتب لي بخمسين ألف درهم، ثم أمر الخادم أن يأتي به الفضل بن سهل ومضيت معه [فلما قرأ الكتاب] [5] قَالَ: لحنت أمير المؤمنين [يا نضر] [6] قُلْتُ: كلا ولكن هشيما لحانه. فأمر لي بثلاثين ألف درهم [7] ، فخرجت إلى منزلي بثمانين ألف درهم.
__________
[1] «افعل من» ساقطة من ت.
[2] في ت: «من بأتراب» .
[3] في ت: «أترب الكتاب قال ممن الطين» .
[4] في ت: «واطن» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] «درهم» ساقط من ت.(10/125)
ثم دخلت سنة أربع ومائتين
فمن الحوادث فيها:
قدوم المأمون العراق وانقطاع مواد الفتن/ من بغداد. وكان المأمون لما توجه إلى العراق خلف غسان [1] بن عباد، فولى أحمد بن أسد الساماني [2] فرغانة وأخاه نوح بن أسد سمرقند، وأخاه يحيى بن أسد: الشاس [3] وأشروسنة، وأخاهم [4] إلياس بن أسد هراة، وهؤلاء أولاد أسد بن سامان، وكان سامان من أصحاب أبي مسلم لما ظهر بخراسان، ثم توفي وخلف ابنه أسدا، ثم توفي فخلف هؤلاء وكان [5] أحمد أحسنهم سيرة، وكان المأمون [6] في سفره قد أقام بجرجان شهرا، ثم قدم الري، فأقام أياما، ثم جعل يسير فيقيم اليوم واليومين، فقال لَهُ أَحْمَد بن أبي خالد: يا أمير المؤمنين، نقدم بغداد وليس معنا سوى خمسين ألف درهم [7] : فكيف حالنا [8] إن هاج أمر!؟ فقال
__________
[1] في ت: «حساد» .
[2] «الساماني» ساقطة من ت.
[3] في ت: «الساماني» .
[4] في ت: «وأخاه» .
[5] «توفي فخلف هؤلاء وكان» ساقطة من ت.
[6] «المأمون» ساقطة من ت.
[7] في ت: «ألفاهم» .
[8] في ت: «فكيف أمرنا» .(10/126)
المأمون [1] : إنما نقدم على ظالم فلا يتوقع [إلا عفونا، ومظلوم فيتوقع] [2] إنصافنا فمن كان لا ظالما ولا مظلوما فبيته يسعه.
فلما وصل إلى النهروان وذلك يوم السبت أقام ثمانية أيام فخرج إليه أهل بيته والقواد ووجوه الناس، وكان قد كتب إلى طاهر بن الحسين أن يوافيه [3] ، بالنهروان، فلقيه بها ثم دخل بغداد يوم السبت لأربع عشرة [ليلة] [4] خلت [5] من صفر سنة أربع ومائتين بعد ارتفاع النهار، ولباسه ولباس أصحابه قلانسهم وأعلامهم كلها الخضرة، ولبس أهل بغداد/ وبنو هاشم كلهم الخضرة وكانوا يخرقون كل شيء يرونه من السواد، فلما قدم نزل [6] الرصافة، وأمر طاهرا بنزول الخيزرانية مع أصحابه، ثم تحول ونزل قصره على شاطئ دجلة، وقيل: بل أقام بالرصافة حتى بنى منازل على شاطئ دجلة عند قصره الأول في بستان مُوسَى، وأمر القواد بالإقامة في العسكر فكانوا يختلفون إلى دار المأمون كل يوم، فلما مضت ثمانية أيام تكلم بنو هاشم وولد العباس خاصة، وقالوا: يا أمير المؤمنين، تركت لباس أهل بيتك. وكان المأمون قد أمر طاهر بن الحسين أن يسأله حوائجه، فكان أول ما سأله أن يطرح لباس الخضرة ويرجع إلى لباس السواد وزي دولة الآباء، فلما رأى كراهية الناس للخضرة، دعا بسواد [7] فلبسه، ودعى بخلعة سواد فألبسها طاهرا، ثم دعا قواده فألبسهم أقبية وقلانس سودا وطرح لباس الخضرة، وذلك يوم السبت لسبع بقين من صفر، فلم يلبس الخضرة ببغداد إلا ثمانية أيام [8] .
وروى الصولي: أن زينب بنت سليمان بن علي كلمت المأمون في ترك لباس الخضرة، والإضراب عما فعل من تولية أولاد علي عليه السلام فقال [لها] [9] : إن أبا
__________
[1] في الأصل: «فقال الناس» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ت: «يرافيه» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ت: «بقيت» .
[6] في ت: «قدم» .
[7] من أول: «وزي الدولة ... » حتى « ... دعا بسواد» ساقط من ت.
[8] انظر: تاريخ الطبري 8/ 574- 575.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(10/127)
بكر تولى فما ولى أحدا من بني هاشم، ثم عمر كذلك، ثم عثمان، فأقبل على بني عبد شمس وترك غيرهم، ثم ولي علي بن أبي طالب، فولى عبد الله بن العباس البصرة، وعبيد الله اليمن ومعبدا مكة، وقثما البحرين ما ترك منا أحدا إلا ولاه، وكانت هذه/ في أعناقنا فكافئيه بما فعل قَالَ: وقال المأمون:
ألام على شكر الوصي أبي الحسن ... وذلك عندي من عجائب ذا الزمن
خليفة خير الناس والأول الذي ... أعان رسول الله في السر والعلن
ولولاه ما عدت لهاشم إمرة ... وكانت على الأيام تعصى وتمتهن
فولى بني العباس ما اختص غيرهم ... ومن منه أولى بالتكرم والمنن
فأوضح عبد الله بالبصرة الهدى ... وفاض عبيد الله جودا على اليمن
وقسم عمال الخلافة بينهم ... فلا زلت مربوطا [1] بذا الشكر مرتهن
أخبرنا [أبو] [2] منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بْن علي بْن ثابت الخطيب [3] قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن [4] الجازري قَالَ: أَخْبَرَنَا المعافى بن زكريا قال: أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال: أخبرنا محمد بن زكريا الغلابي [5] قَالَ: أخبرنا أبو [6] سهل الرازي، قَالَ: لما دخل المأمون بغداد تلقاه أهلها فقال له رجل/ من الموالي: يا أمير المؤمنين، بارك الله لك في مقدمك [7] ، وزاد في نعمك وشكرك عن رعيتك فقد فقت من قبلك، وأتعبت من بعدك، وآيست أن يعتاض عنك، لأنه لم يكن مثلك، ولا علم شبهك أما فيمن مضى فلا يعرفونه، وأما فيمن بقي فلا يرتجونه فهم بين دعاء لك، وثناء عليك، وتمسك بك، أخصب لهم جنابك،
__________
[1] في ت: «مضبوطا» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] «الخطيب» ساقطة من ت.
[4] في الأصل: «الحصين» .
[5] في ت: «العلامي» .
[6] في الأصل: «ابن سهل» .
[7] في ت: «بارك مقدمك وزاد ... » .(10/128)
واحلولي [1] لهم ثوابك، وكرمت مقدرتك، وحسنت أثرتك، فجبرت الفقير وفككت الأسير، فأنت كما قال الشاعر:
ما زلت في البذل للنوال ... وإطلاق لعان بحرمه علق
حتى تمنى البراء أنهم ... عندك أمسوا في القيد والحلق
فقال [له] [2] المأمون: مثلك يعيب من لا يصطنعه، ويعز من يجهل قدره، فاعذرني في سالفك، فإنك ستجدنا في مستأنفك [3] .
أخبرنا ابن ناصر قَالَ: أخبرنا ثابت بن بندار قَالَ: أخبرنا عبد الوهاب بن علي الملحمي قَالَ: حدثنا المعافى بْن زكريا قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن القاسم الكركي قَالَ:
حدثني أبو جعفر محمد بن القاسم بن مهرويه قَالَ: حدثني حسن بن الربيع، عن أبيه، ربيع بن حباب مولى الرشيد قَالَ: لما دخل المأمون بغداد دخلت عليه زبيدة أم جعفر فقالت: الحمد للَّه الّذي لقبك بخلافة قد هنئت بها عنك قبل أن أراك [4] ولئن كنت فقدت ابنا خليفة لقد اعتضت ابنا خليفة [5] وما خسر من/ اعتاض مثلك، وما ثكلت [6] أم ملأت يدها منك، وأنا أسأل الله أجرا على ما أخذ وإمتاعا بما وهب. فقال المأمون:
ما تلد النساء مثل هذه، ماذا أبقت في هذا الكلام لبلغاء الرجال.
وروى الصولي: أنه لما قدم المأمون بغداد من خراسان كتبت إليه أم جعفر بشعر عمله بعض [7] شعرائها وهو:
لخير إمام قام من خير عنصر ... وأفضل راق كان أعواد منبر
ووارث علم الأولين وملكهم ... وللملك المأمون من أم جعفر
__________
[1] هكذا بالأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 186- 187.
[4] من أول: «الّذي لقيك ... » حتى « ... أن أراك» ساقط من ت.
[5] «لقد اعتضت ابنا خليفة» ساقطة من ت.
[6] في ت: «وما ملكت» .
[7] «بشعر عمله بعض» ساقطة من ت.(10/129)
كتبت وعيني تستهل دموعها ... إليك ابن عمي من جفوني ومحجري
أصبت بأدنى الناس منك قرابة ... ومن هو لي زوج فعيل تصبري
أبى طاهر لا طهر الله طاهرا ... فما طاهر في فعله بمطهر
فأبرزني مكشوفة الوجه حاسرا ... وأنهب أموالي وأحرق آدري
وعز على هارون ما قد لقيته ... وما مر بي من ناقص الخلق أعور
تذكر أمير المؤمنين قرابتي ... فديتك من ذي قربة متذكر
فإن يك ما أسدي لأمر أمرته ... صبرت لأمر من قدير مقدر
وإن تكن الأخرى فغير مدافع ... إليك أمير المؤمنين فغبر
فلما قرأ الأبيات بكى وقَالَ: أنا والله طالب بثأر [1] أخي، قتل الله قتلته [2] وكتب إليها في ظهر رقعتها:
يعز علي ما لاقيت فيه ... وأنت الأم خير الأمهات
ولم أرض الذي فعلوا إليه ... من القتل المخالف والشتات
أمرت بأخذ هذا الأمر منه ... وقبض يديه عن تلك الهنات [3] /
وإني مثله لك فاعلميه ... على ما كان ما بقيت حياتي
وثأري بعد ثأر الله فيه ... سيذهب بالجبابرة العتاة
بنى لك جعفر بيتا منيعا ... وشيده بأعلى المكرمات
أمير المؤمنين ورثت حقا ... وأنت أميرة للمؤمنات
ثم عبر [4] إليها فعزاها، وأكثر البكاء معها، فقالت: يا أمير المؤمنين: إن دواء دائي وباب مسألتي في غدائك اليوم [5] عندي، فأقام وقعد، فأخرجت إليه من جواري محمد من تغنيه وسألته [6] أن يأخذ منهن من يرتضيه، فغنت واحدة:
__________
[1] في ت: «المطالب بثأر» .
[2] في ت: «قاتله» .
[3] هذا البيت ساقط من ت.
[4] في الأصل: «ثم دخل» .
[5] «اليوم» ساقطة من ت.
[6] في ت: «وسألتهن» .(10/130)
هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما غدرت يوما بكسرى مرازبه
فوثب مغضبا، فقالت زبيدة: يا أمير المؤمنين [1] ، حرمني الله أجره إن كنت علمتها أو دسست إليها فصدقها وعجب من ذَلِكَ.
وفي هذه السنة: أمر المأمون بمقاسمة أهل السواد على الخمس، وكانوا يقاسمون عَلَى النصف [2] .
وفيها: ولى المأمون أبا عيسى بن الرشيد البصرة، وولى عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بْن العباس بن علي بن أبي طالب الحرمين، وهو الذي حج بالناس في هذه السنة [3] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1119- أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم، أبو عمر العامري
[4] .
ولد سنة أربعين ومائة، وكان أحد فقهاء مصر، وذوي رأيها.
توفي في شعبان هذه السنة.
قال محمد بن عاصم المغافري/: رأيت في المنام قائلا يَقُولُ: يا مُحَمَّد، فأجبته، فَقَالَ:
ذهب الذين يقال عند فراقهم ... ليت البلاد بأهلها تتصدع
وكان أشهب مريضا، فقلت: ما أخوفني أن يموت أشهب. فمات من مرضه ذَلِكَ.
__________
[1] «يا أمير المؤمنين» ساقطة من ت.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 576.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 576.
[4] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 80.(10/131)
1120- بهلول بن حسان بن سنان، أبو الهيثم التنوخي
[1] .
من أهل الأنبار، سمع ببغداد، والبصرة، والكوفة، ومكة، والمدينة، وحدث عَن شيبان بن عَبْد الرَّحْمَن، وورقاء بن عمر، والفرج بن فضالة وإسماعيل بن عياش، وسعيد بن أبي عروبة، وشعبة، وحماد بن سَلَمَة، وهشيم، وغيرهم وكذا حدث [2] عَن مالك، وابن عُيَيْنَة.
أخبرنا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر بْنِ ثَابِتٍ] [3] الخطيب قَالَ:
حدثني عَلي بْن أَبِي عليّ، عن أحمد بن يوسف الأزرق قَالَ: أخبرني عمي البهلول بن إسحاق بن البهلول قَالَ: كَانَ جدي البهلول بن حسان قد طلب الأخبار، واللغة، والشعر، وأيام الناس، والتفسير، والسير، فأكثر من ذَلِكَ.
ثم تزهد إلى أن مات بالأنبار سنة أربع ومائتين [4] .
1121- الحسن بن زياد، أبو علي اللؤلؤي
[5] .
أحد أصحاب أبي حنيفة، حدث عنه فروى عَنْه ابن سماعة، ومحمد بن شجاع البلخي، وولي القضاء بعد حفص بن غياث، وكان إذا جاءه خصمان لم يدر كيف يحكم، فإذا ذهبا عرف الحكم [6] ولم يوفق في القضاء، وكان يحكى عنه قلة دين.
قال يحيى بن مَعِين: هو كذاب خبيث، وقال أبو ثور: ما رأيت أكذب منه، قال الدارقطنيّ: متروك توفي في هذه السنة/.
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 108، 109.
[2] «وغيرهم وكذا حدث» سقطت من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 7/ 109.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 341.
[6] «إذا جاءه خصمان لم يدر كيف يحكم فإذا ذهبا عرف الحكم» هذه العبارة جاءت في النسخة ت في آخر الفقرة.(10/132)
1122- سليمان بن داود بن الجارود [أبو الوليد [1] الطيالسي مولى قريش [2] .
وأصله فارسي، سكن البصرة، وحدث عَن شعبة والثوري، وخلق كثير، وروى عنه: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وجماعة.
وكان حافظا مكثرا ثبتا، كتبوا عنه أربعين ألف حديث، وليس معه كتاب.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا حمزة بن محمد بن طاهر [3] قال: أخبرنا الوليد بن بكر قَالَ: أخبرنا علي بن أحمد [4] بن زكريّا قَالَ: أخبرنا أَبُو مسلم [5] صالح بن أحمد العجْلي قَالَ: حدثني أَبِي قَالَ: أبو داود الطيالسي بصري ثقة، وكان كثير الحفظ، وكان قد شرب البلاذر هو وعبد الرحمن بن مهدي، فجذم أبو داود، وبرص عبد الرَّحْمَن فحفظ أبو داود أربعين ألف حديث، وحفظ عبد الرحمن عشرة آلاف حديث [6] .
توفي أبو داود في صفر هذه السنة، وقيل في ربيع الأول وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. وقيل: في سنة ثلاث.
1123- لهيعة بن عيسى بن لهيعة، أبو عقبة [7] الحضرمي.
يروي عن عمه عبد الله بن لهيعة، وكان قاضي مصر.
توفي في ذي القعدة من هذه السنة.
1124- محمد بن عبيد بن أبي أمية- واسمه عبد الرحمن- ويكنى محمد أبا عبد الله الإيادي الطنافسي الكوفي [8] .
ولد سنة سبع وعشرين ومائة، وسمع هشام بن عروة، ومحمد بن إسحاق،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 24- 29.
[3] «بن طاهر» ساقطة من ت.
[4] «بن أحمد» ساقطة من ت.
[5] «أبو» ساقطة من ت.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 26.
[7] في ت: «أبو عكرمة» .
[8] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 365.(10/133)
والأعمش، وغيرهم. نزل بغداد دهرا، ثم رجع إلى الكوفة، فمات/ بها في هذه السنة وقيل: في سنة خمس. وقيل: في سنة ثلاث.
[حدث عَنْه أحمد بن حنبل، وابن معين، وابن راهويه، وخلق كثير] [1] .
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بْن مُحَمَّد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب قَالَ: سمعت أبا الحسن الدارَقُطْنيُّ يَقُولُ: يعلى، ومحمد، وعمر، وإدريس، وإبْرَاهِيم بنو عبيد كلهم ثقات، وإبراهيم ثقة [وأبوهم ثقة] [2] .
1125- الإمام أبو عبد الله [3] محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بْن عَبْد مناف بْن قصي بْن كلاب بْن مرة بْن كعب بْن لؤي بْن غالب، أبو عبد الله
[4] .
أخبرنا عبد الرحمن القزاز قال: أخبرنا [أحمد بْنُ عَلِيٍّ] [5] الْخَطِيبُ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ الطَّبَرِيَّ يَقُولُ: شَافِعُ بْنُ السَّائِبِ الَّذِي يُنْسَبُ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ [6] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَقِيَ النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو مرتوع، وَأَسْلَمَ أَبُوهُ السَّائِبُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَ صاحب راية بني هاشم، فأسر وفدى نفسه، ثُمَّ أَسْلَمَ فَقِيلَ لَهُ: لِمَ لَمْ تُسْلِمْ قَبْلَ أَنْ تُفْتَدَى؟ فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأَحْرِمَ المؤمنين طعما لهم فِيَّ.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ وَصَفَ بَعْضُ أْهَلِ الْعِلْمِ بِالنَّسَبِ الشَّافِعِيَّ فَقَالَ: شَقِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في نسبه، وشريكه في حسبه، لم ينل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طَهَارَةً فِي مَوْلِدِهِ، وَفَضِيلَةً فِي آبَائِهِ إِلا وَهُوَ قَسِيمَةُ فِيهَا إِلَى أَنِ افْتَرَقَا مِنْ عَبْدِ مَنَافٍ، فَزَوَّجَ الْمُطَّلِبُ ابْنَهُ هَاشِمًا الشَّفَا بِنْتَ/ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ يَزِيدَ جَدَّ الشَّافِعِيِّ، وَكَانَ يُقَالُ لِعَبْدِ يَزِيدَ الْمَحْضُ لا قَذًى فِيهِ، فَقَدْ وَلَدَ الشافعيّ الهاشمان: هاشم بن المطلب،
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «أبو عبد الله» ساقطة من ت.
[4] كتب في هامش الأصل: الإمام الشافعيّ رضي الله عنه. وانظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 56- 73.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في ت: «الشافعيّ إليه» .(10/134)
وَهَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ. وَالشَّافِعِيُّ ابْنُ عَمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عَمَّتِهِ، لأَنَّ الْمُطَّلِبَ عَمُّ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالشَّفَا بِنْتَ هَاشِمٍ أُخْتُ عبد المطلب عمة رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، وَأَمَّا أُمُّ الشَّافِعِيِّ فَهِيَ أَزْدِيَّةٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الأَزْدُ جُرْثُومَةُ الْعَرَبِ» [1] . ولد بغزة من بلاد الشام، وقيل: باليمن، ونشأ بمكة وكتب العلم بها وبمدينة الرَّسُول صلَّى اللَّه عليه وسلم، وكان خفيف العارضين يخضب بالحناء، وقدم بغداد مرتين وحدث بها، وسمي فيها ناصر الحديث، وخرج إلى مصر فنزلها إلى حين وفاته.
وسمع من مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد، وسفيان بن عيينة، وعبد العزيز الدراوَرْديّ، ومسلم بن خالد الزنجي، وخلق كثير.
وروى عنه أحمد بن حنبل وغيره من الأكابر [2] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ رِزْقٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو علي الحسن بن محمد بن شيظم قال: أخبرنا نصر بن مكيّ قَالَ: حدثنا محمد بْن عبد الله بن عبد الحكم قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي: ولدت بغزة سنة خمس، وحملت إلى مكة وأنا ابن سنتين.
قَالَ: وأخبرني غيره، عن الشافعي قَالَ: لم يكن لي مال وكنت أطلب العلم في الحداثة، أذهب/ إلى الدواوين أستوهب الظهور، أكتب فيها [3] .
وفي رواية عن الشافعي أنه قَالَ: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ، وأنا ابن عشر سنين [4] ، وما أفتيت حتى حفظت عشرة آلاف حديث، وكان الشافعي في أول أمره قليل التلاوة للقرآن لاشتغاله بالعلم ثم أكثر آخر عمره من القراءة.
فروى عنه الربيع أنه كان يختم في كل ليلة ختمة، وإذا كان رمضان ختم ستين ختمة، وكان حسن الصوت، إذا سمعه الناس يتلو اشتد بكاؤهم، كان أول أمره ينام ثلث الليل،
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 58.
[2] انظر تاريخ بغداد 2/ 56.
[3] انظر: تاريخ بغداد 2/ 59.
[4] انظر: تاريخ بغداد 2/ 63.(10/135)
ويصلي ثلث الليل، ويطلب العلم ثلث الليل، ثم صار يحيي الليل، وأفتى وله خمس عشرة سنة [1] .
كذلك أخبرنا عبد الرحمن القزاز قال: أخبرنا [أحمد بن على بن ثابت] [2] الخطيب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بن إبراهيم البيضاوي قَالَ:
حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود قَالَ: سمعت الربيع بن سُلَيْمَان يَقُولُ:
كان الشافعي يفتي وله خمس عشرة سنة، وكان يحيي الليل إلى أن مات.
وَذكر أَبُو بَكْرِ بْنُ بَدْرَانَ الْمَعْرُوفُ بِخَالوَيْهِ فِي كِتَابِ «فْضَائِلِ الشَّافِعِيِّ» : عَنِ الرَّبِيعِ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ عِنْدَ مَالِكٍ وَعِنْدَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَالزِّنْجِيُّ فَأَقْبَلَ رَجُلانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا الرَّبِيع [3] الْقَمَارِيّ وَقَدْ بِعْتَ هَذَا قُمْرِيًّا، وَحَلَفْتَ لَهُ بِالطَّلاقِ أَنَّهُ لا يَهْدَأُ مِنَ الصِّيَاحِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ أَتَانِي فَقَالَ: قَدْ سَكَتَ فَرُدَّ عَلَيَّ دَرَاهِمِي، وَقَدْ حَنِثْتَ، فَقَالَ مَالِكٌ: بَانَتْ مِنْكَ امْرَأَتُكَ. فَمَرَّ [4] الشَّافِعِيُّ، فَقَالَ لِلْبَائِعِ: أردت أنه لا يهدأ أبدا وأن كلامه أكثر من سكوته؟ فقال: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ يَنَامُ وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وَإِنَّمَا أَرَدْتُ كَلامُهُ أَكْثَرُ مِنْ سُكُوتِهِ، فَقَالَ: رُدَّ عَلَيْكَ امْرَأَتَكَ/ فَأَخْبَرَ مَالِكًا، فَقَالَ للشَّافِعِيِّ: مِنْ أَيْنَ؟
قُلْتَ؟ فَقَالَ: حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي فَقَالَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ صُعْلُوكٌ، وَإِنَّ أَبَا جَهْمٍ لا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ. وَقَدْ كَانَ يَنَامُ وَيَسْتَرِيحُ، وَإِنَّمَا خَرَجَ كَلامُهُ عَلَى الأَغْلَبِ، فَعَجِبَ مَالِكٌ فَقَالَ الزِّنْجِيُّ: أَفْتِ فَقَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَفْتِيَ. وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً [5] .
أخبرنا علي بن عبيد الله قَالَ: أنبأنا أبو محمد التميمي، عن عبد الرحمن السَّلَميّ قَالَ: سمعت أحمد بن الحسين الأصفهاني يَقُولُ: سمعت عبد الله بن محمد بن بشر [6] .
يَقُولُ: سمعت عبد اللَّه بن محمد بن هارون يَقُولُ: قال محمد بن إدريس الشافعيّ
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 2/ 63.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ت: «أنا رجل الربيع» .
[4] في ت: «فتبعه» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 64.
[6] «يقول» : سمعت عبد الله بن محمد بن بشر» ساقطة من ت.(10/136)
بمكة سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل: ما تقول في المحرم قتل زنبورا، فَقَالَ: قال الله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا 59: 7 [1] .
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رَبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ» . وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مسلم، عن روق بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ:
أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ الزُّنْبُورِ.
أخبرنا يحيى بن علي قَالَ: أخبرنا أبو بكر الخياط، قَالَ: أخبرنا الحسن بن الحسين بن حمكان قَالَ: أخبرنا أبو بكر النقاش قَالَ: حدثنا أبو نعيم الأستراباذي قَالَ:
حدثنا الربيع بْن سُلَيْمَان قَالَ: سمعت الشافعي يَقُولُ: أشد الأعمال ثلاثة: الجود من قلة والورع في خلوة وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الأصفهاني قال: حدثنا أبو محمد بن حيان/ قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثنا الربيع قَالَ: سمعت الشافعي يَقُولُ: لوددت أن الخلق يتعلمون مني ولا ينسب إلي منه شيء. وسمعته يَقُولُ: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.
وفي رواية أخرى عنه: ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ بل أحب أن يوفق ويسدد، وما ناظرت أحدا إلا ولم أبال بين الله الحق على لساني أو لسانه.
أخبرنا عبد الرحمن بن مُحَمَّد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قَالَ: أخبرنا ابن بُكَيْر قَالَ: حدثنا الحسين بن أحمد الصوفي قال: حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد ابن زياد قَالَ: سمعت المُزَني يَقُولُ: سمعت الشافعي يقول: من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل مقداره، ومن تعلم اللغة رق طبعه، ومن تعلّم الحساب
__________
[1] سورة: الحشر، الآية: 7.(10/137)
جزل رأيه، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ [الأَصْبَهَانِيُّ] [1] قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن إبْرَاهِيم قَالَ: سمعت محمد بن عبد الرحيم بن عبد اللَّه يحكى عن المُزَني قَالَ: دخلت على الشافعي في علته التي مات فيها، فقلت كيف أصبحت قَالَ: أصبحت من الدنيا راحلا، ولإخواني مفارقا، وكأس المنية شاربا، ولسوء أعمالي ملاقيا، وعلى الله تعالى واردا، فلا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أو إلى النار فأعزيها، ثم بكى، وأنشأ يقول:
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
وما زلت ذا عفو عن الذنب لم نزل ... تجود وتعفو منة وتكرما
أخبرنا ابن ناصر قال: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن قَالَ: حدثنا ابن أبي حاتم قَالَ: حدثنا الربيع قال:
توفي الشافعي ليلة الجمعة بعد العشاء الأخرة آخر يوم من رجب، ودفناه يوم الجمعة، فانصرفنا فرأينا هلال شعبان.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا إسماعيل بن علي الأستراباذي قَالَ: سمعت طاهر بن محمد البكري يَقُولُ: حدثنا الحسن بن حبيب الدمشقي قَالَ: سَمِعْتُ الربيع بن سليمان يَقُولُ: رأيت الشافعي بعد وفاته في المنام فقلت: يا أبا عبد الله، ما صنع الله بك؟ قَالَ: اجلسني على كرسي من ذهب، ونثر علي اللؤلؤ الرطب [2] .
أخبرنا أبو ظفر بإسناد له، عن أبي بيان الأصفهاني يَقُولُ: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول الله، محمد بن إدريس الشافعي ابن عمك، هل نفعته بشيء؟ أو خصصته بشيء؟ قَالَ: نعم، سألت الله تعالى أن لا يحاسبه، فقلت: بماذا يا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 70.(10/138)
رسول الله؟ قَالَ: إنه كان يصلي علي صلاة لم يصل بمثل تلك الصلاة أحد، فقلت: وما تلك الصَّلاة؟ قَالَ: كان يصلي علي اللَّهمّ صل على محمد كلما ذكره الذاكرون، وصل على محمد كلما غفل عنه الغافلون.
كان أحمد بن حنبل كثير الثناء على الشافعي، قَالَ أبو سعيد القرماني: قَالَ أحمد بْن حنبل: إن الله يقيض للناس في رأس كل مائة سنة ما يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم الكذب. فنظرنا فإذا في المائة عمر بن عبد العزيز في رأس المائتين/ الشافعي [1] .
وفي رواية: عن أحمد قَالَ: ما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو إلى الشافعي وأستغفر لَهُ، وقال له ابنه عبد اللَّه: يا أبه، أي رجل كان الشافعي؟ فإني أسمعك تكثر من الدعاء لَهُ، قَالَ: يا بني، كان كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف أو منهما من عوض [2] .
وقال أحمد لإسحاق بن راهويه: تعالى حتى أذهب بك إلى من لم تر عيناك مثله، فذهب بِهِ إلى الشافعي.
وقال صالح بن أَحْمَد: مشى أبي مع بغلة الشافعي، فبعث إليه يحيى بن معين ما رضيت إلّا أن تمشي مع بغلته، فَقَالَ: يا أبا زكريا، لو مشيت من الجانب الآخر كان أنفع لك.
وقال أبو دَاوُد: ما رأيت أحمد يميل إلى أحد ميله إلى الشافعي [3] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بإسناد لَهُ، عن نهشل بن كثير، عن أَبِيهِ قَالَ: دخل الشافعي يوما إلى بعض حجر هارون الرشيد استأذن له عَلَيْهِ فأقعده الخادم عند أبي عبد الصمد مؤدب أولاد الرشيد، قال لَهُ: يا أبا عبد الله، هؤلاء أولاد أمير المؤمنين وهذا مؤدبهم، فلو أوصيته، فأقبل على أبي عبد الصمد، فقال لَهُ: ليكن أول ما نبدأ به من
__________
[1] هذا الخبر غير موجود في النسخة ت وكذلك الأخبار التالية حتى آخر الترجمة. انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 62.
[2] هذا الخبر ساقط من ت. وكذلك كافة الأخبار التي تليه ساقطة من ت.
[3] هذا الخبر ساقط من ت.(10/139)
إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاحك نفسك، فإن أعينهم مغفورة بعينك، فالحسن عندهم ما تستحسنه، والقبيح عندهم ما تستقبحه، علمهم كتاب الله، ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم فيهجروه، ثم زدهم من الشعر أعفه/ ومن الحديث أشرفه، ولا تخرجنهم من علم إلى غيره حتى يتقنوه، فإن ازدحام الكلام في المسمع مصد للفهم [1] .
1126- هشام بن محمد بن السائب بن بشر، أبو المنذر الكلبي
[2] .
صاحب سمر ونسب [3] ، حدث عن أَبِيهِ، روى عَنْه ابنه، وخليفة بن خياط، ومحمد بن سعد، وهو من أهل الكوفة، قدم بغداد، وحدث بها.
وكان أحمد يقول: ومن يحدث عنه إنما هو صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحدا حدثني [4] عَنْه.
أخبرنا عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الحسن بن أبي طالب قال: أخبرنا عبيد الله بن أحمد بن علي المقرئ قَالَ: حدثنا علي بن محمد بن الْجَهْمُ الكاتب قَالَ: أخبرنا أبو العباس بن الفضل قَالَ: وحدثني محمد بن أبي السرى قَالَ: قال لي هشام الكلبي: حفظت ما لم يحفظه أحد، ونسبت ما لم ينسبه أحد، كان لي عم يعاتبني عَلَى حفظ القرآن، فدخلت بيتا وحلفت أن لا أخرج منه حتى أحفظ القرآن، فحفظته في ثلاثة أيام، ونظرت يوما في المرآة فقبضت على لحيتي لآخذ ما زاد على القبضة، فأخذت ما فوق القبضة [5] .
توفي هشام في هذه السنة. وقيل: سنة ست.
__________
[1] هذا الخبر ساقط من ت.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 14/ 45- 46.
[3] في ت: «صاحب النسب» .
[4] في ت: «يحدث» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 45- 46.(10/140)
ثم دخلت سنة خمس ومائتين
فمن الحوادث فيها:
تولية المأمون طاهر بن الحسين من مدينة السلام إلى أقصى عمل المشرق.
ودخل طاهر عليه/ يوما فبكى المأمون فقال له طاهر: لم تبكي؟ لا أبكى الله عينك، والله لقد دانت لك البلاد وأذعن لك العباد، فصرت إلى المحبة في كل أمرك. فقال:
أبكي لأمر ذكره ذل، وستره حزن، ولن يخلو أحد من شجو، فلما خرج طاهر أنفذ إلى حسين الخادم مائتي ألف درهم، وإلى كاتبه محمد بن هارون مائة ألف درهم [1] ، وسأله أن يسأل المأمون لم بكى. فلما تغدى المأمون قَالَ: يا حُسَين، اسقني [ماء] [2] .
قَالَ: لا والله لا أسقيك حتى تقول لي لم بكيت حين دخل عليك طاهر. قال: يا حسين، وكيف عنيت بهذا حتى سألت عَنْه!؟ قال لغمي بذلك [3] قَالَ: يا حسين، أمر إن خرج [من رأسك] [4] قتلتك قَالَ: يا سيدي، ومتى أخرجت لك سرا؟ قَالَ: إني ذكرت محمدا أخي وما ناله من الذل، فخنقتني العبرة فاستحرت إلى الإفاضة، ولن يفوت طاهر مني ما بكرة. قَالَ: فأخبر حسين طاهرا بذلك، فركب طاهر إلى أحمد بن أبي خالد فقال
__________
[1] «درهم» ساقطة من ت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «بذلك» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/141)
لَهُ [1] : إن الثناء مني ليس برخيص، وإن المعروف عندي ليس بضائع فغيبني عن عينه، فقال لَهُ: سأفعل وبكر علي غدا [2] . وركب ابن أبي خالد إلى المأمون، فلما دخل قال ما نمت البارحة. قال: ولم يحك؟ قَالَ: لأنك وليت غسان بن عباد خراسان، وهو ومن معه أكلة رأس فأخاف أن يخرج عليه خارج من الترك فتصطلحه.
قال: فمن ترى؟ قال: طاهر بن الحسين فعقد له فشخص/ يوم الجمعة لليلة بقيت من ذي القعدة من سنة خمس [3] .
وفي هذه السنة: ولى المأمون يحيى بن معاذ الجزيرة لما قدم عليه.
وولى عيسى بن محمد بن أبي خالد بلاد [4] أرمينية، وأذربيجان، ومحاربة بابك.
وولى بشر بن داود مصر على أن يحمل إليه في كل سنة ألف ألف درهم [5] .
وولى عيسى بن يزيد الجلوذي [6] محاربة الزط [7] .
وحج بالناس فِي هذه السنة عبيد الله بن الحسن والي الحرمين وقد تقدم ذكره [8] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1127- إبراهيم بن عبد الله، أبو إسحاق الخفاف [9] مولى بخيت.
حدث عن عمران بن عبد الله بن بكير. توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
__________
[1] «له» ساقطة من ت.
[2] «وبكر على غدا» ساقطة من ت.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 577- 579.
[4] «بلاد» ساقطة من ت.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 580.
[6] في الأصل: «اليزيدي» .
[7] انظر: تاريخ الطبري 8/ 580.
[8] انظر: تاريخ الطبري 8/ 580.
[9] من هنا حتى: « ... بن عبد الرحمن أبو إسحاق» ساقط من ت.(10/142)
1128- إبراهيم بن إِسْحَاق بن إبراهيم بن إِسْحَاق بن عبد الرحمن، أبو إسحاق [1] القارئ.
جمع له بمصر القضاء والقصص، وكان رجلا صالحا، حدث عن سعيد [2] بن عُفَيْر.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
1129- داود بن يزيد عامل السند.
توفي في هذه السنة.
1130- روح بن عبادة بن العلاء بن حسان، أبو محمد القيسي
[3] .
سَمِعَ عبد الله بن عوف، وسعيد بن أبي عروبة، وابن جريج، والأوزاعي، ومالك بن أنس، والثوري، وشعبة، والحمادين.
كان من أهل البصرة، ثم قدم بغداد فحدث بها، فروى عَنْه أحمد، وعلي، وابن راهويه، والحسن بْن عرفة، وغيرهم، ثم انصرف إلى البصرة فمات بها/ في هذه السنة.
وكان كثير الحديث، وصنف الكتب في الأحكام والسنن، وجمع التفسير، وكان ثقة.
1131- السري بن الحكم، عامل مصر:
توفي [4] بها في هذه السنة.
1132- شجاع بن مخلد [5] أبو الفضل البغوي
[6] .
ولد سنة خمس ومائة سكن بغداد وحدث بها عَن هشيم، وابن علية، وابن عيينة، ووكيع، وأبي عاصم الفضل.
روى عنه: إبراهيم الحربي، والبغوي، وقال يحيى: هو ثقة.
[توفي في هذه السنة، ودفن في مقبرة باب التين] [7] .
__________
[1] انظر ترجمته في.
[2] في الأصل: «شعبة» .
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 401.
[4] في ت: «ومات» .
[5] في ت: «شجاع بن محمد» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 251.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(10/143)
1133- شجاع بْن الوليد بْن قيس، أبو بدر السكوني الكوفي.
سكن بغداد، وحدث عن عطاء بن السائب، والأعمش، وغيرهم.
روى عَنْه: يحيى بن مَعِين [1] ، وأحمد بن حنبل، وابن المَدِيني، وغيرهم، وكان ثقة.
وقال سفيان الثَّورِي: ليس بالكوفة أعبد من شجاع بن الوليد.
توفي في هذه السنة. وقيل: سنة أربع. وقيل: [سنة] [2] ثلاث.
1134- عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام، أبو محمد الدارمي، السمرقندي
[3] ولد سنة إحدى وثمانين ومائة.
وسمع بخراسان من عثمان بن جبلة، ومحمد بن سلام، وطبقتهما.
وبالعراق من عبيد الله بن موسى، وأبي نعيم، وروح [وعبدان وطبقتهم] [4] .
وبمصر من سعيد بن أبي مريم، وأبي صالح، وطبقتهما.
وبالحجاز من الحميدي، وابن أبي أويس، وطبقتهما.
وبالشام من محمد بن يوسف الفريابي، وأبي اليمان، وأبي مسهر، وطبقتهم.
روى عنه: محمد بن يحيى الذهلي [5] ، وأبو زرعة الرازي، وأبو حاتم، ومسلم بن حَجَّاج في الصحيح، وكان أحمد بن حنبل يثني عليه ويقول: ذلك السيد عرض علي الكفر فلم يقبل [6] ، وعرضت عَلَيْهِ الدنيا- يعني القضاء فلم يقبل، فألح عليه السلطان في القضاء. فجلس فقضى قضية واحدة ثم استعفى، وكان رحمه الله
__________
[1] في ت: «أحمد بن حنبل ويحيى بن معين» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 29- 32.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ت: «الديمي» .
[6] في تاريخ بغداد: «ذاك السيد عرض عليّ الكفر فلم أقبل» .(10/144)
على غاية من الفضل والديانة، والرواية [1] ، والزهد، والعفاف. وله مصنفات كثيرة من التفسير وغيره، وله المسند حدثنا به أبو الوقت [2] .
وتوفي في يوم التروية أو يوم عرفة من هذه السنة.
1135- عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن عطية، أبو سليمان الداراني [3] من أهل داريا.
وهي ضيعة إلى جانب [4] دمشق [5] .
جالس سفيان الثَّورِي، وغيره، وكان من كبار الصالحين.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد [قال: أخبرنا أحمد بن علي] [6] بن ثابت قال أخبرنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدَّلُ قَالَ أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: حدثنا إِسْحَاق بن إبراهيم بْن أبي حسان [7] الأنماطي قال حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال:
سمعت أبا سليمان [الداراني] [8] يَقُولُ سمعت أبا جعفر يبكي في خطبته يوم الجمعة فاستقلني [9] الغضب وحضرتني نيّة أن أقوم فأعظه بما أعرف من فعله إذا نزل. قَالَ:
فتفكرت أن أقوم إلى خلفه فأعظه والناس جلوس يرمقوني بأبصارهم فيعرض لي فيأمر بي فأقتل على غير تصحيح، فجلست وسكت [10] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا القاسم/ [11]
__________
[1] في ت: «والرزانة» .
[2] «حدثنا به أبو الوقت» ساقطة من ت.
[3] في ت: «الداراي» .
[4] في ت: «إلى جنب» .
[5] انظر: تاريخ بغداد 10/ 248- 250.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] في ت: «بن أبي حيان» .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[9] في ت: «فاستعفى» .
[10] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 249.
[11] في ت: «أبو القاسم» .(10/145)
عبد الرحمن بن عبد الله [1] بن محمد الحربي [2] قَالَ أخبرنا أحمد بن سليمان [3] النجاد قَالَ حَدَّثَنَا أبو إسحاق إبراهيم الأنماطي قال حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال:
سمعت أبا سليمان يَقُولُ: لولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا [ولا أحب البقاء في الدنيا] لتشقيق الأنهار ولا لغرس الأشجار [4] .
مات أبو سليمان [5] في هذه السنة [6] وقيل: في سنة خمس عشرة، ولا يصح.
1136- نمير الكوفي المجنون.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، قال أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال أخبرنا أبو محمد الجوهري قَالَ حدثنا أبو عبد الله المرزباني قَالَ أخبرنا محمد بن مخلد العطار قال: حدثنا العباس بن محمد بن عبد الرحمن الأشهلي قَالَ: حدثني أبي، عن ابن نمير قَالَ:
كان لي ابن أخت سمته أختي باسم أبي نمير، وكان من فتاك أهل الكوفة، وكان [7] قد سمع سماعا حسنا، وكان حسن الطهور، حسن الصلاة، يراعي الشمس للزوال، فعرض له فذهب عقله، وكان لا يأويه سقف بيت، إذا كان النهار فهو في الجبانة، وإذا كان الليل ففي السطح قائما على رجليه [8] في البرد والمطر والريح، فنزل يوما يريد المقابر، فقلت: يا نمير، تنام؟ قَالَ: لا. قلت: أي [شيء] [9] العلة التي تمنعك [من] [10] النوم؟ قَالَ: هذا البلاء الّذي تراه قلت: يا نمير، أما تخاف الله عز
__________
[1] «بن عبد الله» ساقطة من ت.
[2] «الحربي» ساقطة من ت.
[3] في ت: «إسحاق بن سليمان» .
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 249- 250.
[5] في ت: «مات سليمان» .
[6] في ت: «وقد قيل» .
[7] «وكان» ساقطة من ت.
[8] في ت: «على رهينة» .
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(10/146)
وجلَّ؟ قَالَ: بلى. وقال: أليس أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل!؟ قَالَ: قلت [لَهُ] [1] : أنت أعلم مني، قَالَ: كلام مضى. قَالَ: وصعدت إليه ليلة باردة وهو قائم على السطح/ [2] ، وأمه قائمة تبكي. فقلت يا نمير بقي منك شيء لم ننكره؟ قَالَ: نعم. قلت:
ما هُوَ؟ قَالَ: حب الله عز وجل، وحب رسوله صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ. قال: وصعدت [إليه] [3] ليلة في رمضان فقلت لَهُ: يا نمير، لم أفطر [4] . قَالَ: ولم؟. قلت: أحب أن تراك أختي تأكل معي قَالَ: أفعل. قَالَ: فأصعد إلينا السطح طعام. فجعل يأكل معي حتى فرغت وفرغ، فلما أردت أن أقوم [5] رحمته من أن يراني موليا وهو في الظلمة [والريح. فبكيت فَقَالَ:
ويحك رحمك الله. قلت لَهُ: كيف أنزل إلى الكن والضوء وأدعك في الظلمة/ [6] والبرد فغضب وقال: إن لي ربا هو أرحم بي منك وأعلم بما يصلحني، فدعه يصرفني كيف شاء فإني لا أتهمه في قضائه. فقلت لَهُ: لئن كنت في ظلمة الليل فإن جدك في ظلمة اللحد أريد أن أعزيه وأطيب نفسه. فقال لي: أجعل روح رجل صالح مثل روح رجل متلون. ثم قال لي: أتاني البارحة أبي وأبوك عبد الله بن نمير، فوقف، ثم أشار إلى موضع كان أبي يصلي فيه فقال لي: يا نمير أما أنك ستأتينا يوم الجمعة شهيدا.
قَالَ: فدعوت أمه فصعدت إلي فأخبرتها، بما قَالَ: فقالت: والله ما جربت [7] عليه كذبا ولا هذا مما يتحدث [8] بِهِ، ولا قال إلا حقا، وقال هذه المقالة عشية الأربعاء فجعلنا نتعجب ونقول غدا الخميس وبعد غد الجمعة فهبه مرض غدا ومات [9] بعد غد، فأين الشهادة؟ فلما كان ليلة الجمعة في وسط الليل سمعنا هذه، فإذا هو قد هاج به ما كان يهيج فبادر الدرجة فزلت قدمه، فسقط منها، فاندقت عنقه فحفرت له إلى/ جنب أبي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ت: «في السطح» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ت: «لم أحضر» .
[5] في ت: «فلما أردت النزول» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «فقالت: ما جربت» .
[8] في ت: «مما يتكلم» .
[9] في ت: «غدا نموت» .(10/147)
ودفنته وانكببت على قبر أَبِي فقلت: يا أبي قد أتاك نمير وجاورك، فو الله ما قلت هذه المقالة إلا لما كان في قلبي من الغم، ثم انصرفت، فلما كان الليل رأيت أبي في النوم كأنه قد دخل علي من باب البيت فقال لي: يا بني، جزاك الله خيرا الذي جاورتني [1] بنمير، اعلم أنه منذ أتيتنا [2] به إلى أن جئتك تزوج بالحور [3] .
__________
[1] في ت: «جزاك الله خيرا آنستني» .
[2] في ت: «أتيتمونا» .
[3] في ت: «بالجوون» .(10/148)
ثم دخلت سنة ست ومائتين
فمن الحوادث فيها المد الذي غرق منه السواد وكسكر [1] وقطيعة أم جعفر، وقطيعة العباس فذهبت غلات كثيرة، وامتلأت الآبار، وفسد الزرع [2] ، ووقع الجراد واليرقان [3] .
وفيها: ولى المأمون عبد الله بن طاهر الرقة لحرب نصر بن شبث، ومضر، وذلك أن المأمون دعا عبد الله بن طاهر في رمضان سنة ست- وقيل: سنة خمس، وقيل: سنة سبع- فقال: يا عبد الله، إني أستخير الله عز وجل منذ شهر، وأرجو [4] أن يخير الله لي، وقد رأيت الرجل يصف ابنه ليطريه لرأيه فيه، وليرفعه، ورأيتك فوق ما قال أبوك فيك، وقد مات يحيى بن معاذ، واستخلف الله [أحمد بن] يحيى [5] ، وليس بشيء، وقد رأيت توليتك مضر ومحاربة [6] نصر بن شبث، فَقَالَ: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين، وأرجو أن يجعل الله عز وجل لأمير المؤمنين الخيرة وللمسلمين/ [7] .
فعقد له وخرج إلى مصر بعد خروج أبيه إلى خراسان.
__________
[1] «وكسكر» ساقطة من ت.
[2] في ت: «وفسدت الزروع» .
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 581.
[4] في ت: «وإني أرجو» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في ت: «ومحاربته» .
[7] انظر: تاريخ الطبري 8/ 581.(10/149)
أخبرنا محمد بن ناصر، قال أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد قال: أخبرنا أبو عمرو [بن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بْن الرحمن السُّكري قَالَ: حدثنا أبو عَبْد اللَّهِ] [1] بْن عَمْرو بْن عَبْد الرَّحْمَنِ البلخي قال: حَدَّثَني عبد الله بن يحيى بن فرقد قَالَ: حدثني محمد بن الفضل بن محمد بن منصور قَالَ: لما افتتح عَبْد اللَّه بن طاهر مضر ونحن معه سوغه المأمون خراجها سنة، فصعد المنبر، فلم ينزل حتى أجاز بها كلها ثلاثة آلاف دينار أو نحوها، فقبل أن ينزل أتاه معلى الطائي، وقد أعلموه بما صنع عبد الله بن طاهر [بالناس] [2] في الجوائز، فوقف بين يديه تحت المنبر فَقَالَ: أصلح الله الأمير- وكان واجدا عليه-: أنا معلى الطائي، ما كان من جفاء وغلظة، فلا يغلظ عَلَى قلبك، أصلح الله الأمير، وأنا الذي أقول:
يا أعظم الناس عفوا عند مقدرة ... وأظلم الناس عند الجود بالمال
لو أصبح النيل يجري ماؤه ذهبا ... لما أشرت إلى خزن بمثقال
يغني بما فيه رق الحمد تملكه ... وليس شيء أعاض الحمد بالغالي
تفك باليسر كف العسر من زمن ... إذا استطال على قوم بإقلال
لم يخل كفك من جود لمحتبط ... أو مرهف قاتل من رأس قتال
وما تبث رحيل الخيل في بلد ... إلا عصفن بأرزاق وآجال
هل من سبيل إلى إذن فقد ظمئت ... نفسي إليك فما تروى على حال
إن كنت منك على بال منيت به ... فإن شكرك من حمدي على بال/
ما زلت مقتضبا لولا مجاهرة ... من ألسن خضن في صبري بأقوال
قال: فضحك عبد الله، وسر بما كان منه، فَقَالَ: يا أبا الشمر باللَّه أقرضني عشرة آلاف دينار، فو الله ما أصبحت أملكها، فأقرضه إياها، فدفعها إِلَيْهِ.
وحج بالناس فِي هذه السنة عبيد الله بن الحسن، وهو والي الحرمين [3] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 592.(10/150)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1137- إسحاق بن بشر [بن محمد] [1] بن عبد الله بن سالم، أبو حذيفة البخاري. مولى بني هاشم
[2] .
ولد ببلخ، واستوطن بخارى فنسب إليها، وهو صاحب كتاب «المبتدأ» ، وكتاب «الفتوح» .
حدث عن ابن إسحاق، وابن جريج، وابن أبي عروبة، وجويبر، ومقاتل بن سليمان، [ومالك] [3] ، والثَّورِي، وجماعة من العلماء بأحاديث باطلة.
وكان يروي عن أقوام قد ماتوا قبل أن يولد، فلم يلتفت المحدثون إلى روايته.
وتوفي في رجب هذه السنة ببخارى.
1138- بهيم العجلي، يكنى أبا بكر.
يروي عن أبي إسحاق الفزاري. كان زاهدا في الدنيا كثير التعبد، غزير البكاء، عليه أثر الحزن والكآبة.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال:
أخبرنا علي بن أحمد الملطي قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف [4] قال: أخبرنا الحسين بْنُ صَفْوَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد القرشي قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الحُسَيْن قال: حدثني عبيد الله/ بن محمد بن حفص قَالَ: حدثنا معاذ بن زياد قَالَ: لما اتخذت عبادان سكنها قوم نساك فيهم، رَجُل يقال له: بهيم، وكان رجلا حزينا، يزفر الزفرة فيسمع زفيره.
قال مُحَمَّد: وحدثني مخول قَالَ: جاءني بهيم يوما فقال لي: تعلم [5] رجلا من
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 326.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] «قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف» . ساقط من ت.
[5] في ت: «فقال: تعلم لي» .(10/151)
إخوانك وجيرانك [1] يريد الحج، ترضاه يرافقني؟ قُلْتُ: نعم، فذهبت به إلى رجل من الحي، له صلاح ودين، فجمعت بينهما وتواطئا على المرافقة [2] . ثم انطلق بهيم إلى أهله، فلما كان بعد، أتاني الرجل فَقَالَ: يا هذا، أحب أن تزوي عني صاحبك ويطلب رفيقا غيري. فقلت: ويحك، ولم؟ [3] فو الله ما أعلم بالكوفة [4] له نظير في حسن الخلق والاحتمال. ولقد ركبت معه البحر فلم أر إلا خيرا. فَقَالَ: ويحك، حدثت أنه طويل البكاء، ولا يكاد يفتر، فهذا ينغص علينا العيش [في] [5] سفرنا كله. قَالَ: قلت:
ويحك، إنما يكون البكاء أحيانا عند التذكرة، يرق القلب فيبكي الرجل، أو ما تبكي أنت أحيانا؟ قَالَ: بلى، ولكن [قد] [6] بلغني عنه أمر عظيم جدا من كثرة بكائه. قَالَ:
قُلْتُ: اصحبه فلعلك أن تنتفع بِهِ. قَالَ: أستخير الله فلما كان اليوم الذي أرادا أن يخرجا فيه جيء بالإبل، ووطئ لهما، فجلس بهيم في ظل حائط، فوضع يده تحت لحيته، وجعلت دموعه تسيل على خديه، ثم على لحيته، ثم على صدره، حتى والله رأيت دموعه [عَلَى] [7] الأرض. قَالَ: يقول لي صاحبي: يا مخول، قد ابتدأ صاحبك، ليس هذا لي برفيق. قال: قلت: أرفق، فلعله ذكر عياله ومفارقته إياهم فرق. فسمعنا بهيم فَقَالَ: والله يا أخي [8] ما هو ذاك، ولكني ذكرت [9] بها الرحلة/ إلى الآخرة. قَالَ: وعلا صوته بالنحيب. قَالَ: يقول لي صاحبي، والله ما هي بأول عداوتك لي وبغضك إياي، أنا ما لي ولبهيم، وإنما كان ينبغي أن ترافق بين بهيم وبين داود الطائي وسلام أبي الأحوص، حتى يبكي بعضهم إلى بعض، يشفون أو يموتون جميعا قَالَ: فلم أزل أرفق به. قلت: ويحك، لعلها خير سفرة سافرتها.
__________
[1] في ت: «من جيرانك وإخوانك» .
[2] في الأصل: «الموافقة» .
[3] في الأصل: «ولم ويحك» .
[4] «بالكوفة له» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل ومكانها: «ولكني بلغني» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «يا أخي والله» .
[9] في ت: «وما هو إلا أني» .(10/152)
قَالَ: وكان كثير الحج، رجلا صالحا، إلا أنه كان تاجرا موسرا مقبلا على شأنه، ولم يكن صاحب حزن ولا بكاء.
قَالَ: فقال لي: قد وقعت مرتي هذه، ولعلها أن تكون خيرة. قَالَ: وكل هذا الكلام لا يعلم به بهيم، ولو علم بشيء منه ما صحبه. قَالَ: فخرجا جميعا حتى حجا ورجعا، ما يدري كل واحد منهما أن له أخا غير صاحبه، فلما جئت أسلم على جاري قال لي: جزاك الله يا أخي عني خيرا ما ظننت أن في هذا الخلق مثل أبي بَكْر، كان والله يتفضل علي في النفقة وهو معدم وأنا موسر، ويتفضل علي في الخدمة وأنا شاب قوي وهو شيخ ضعيف، ويطبخ لي وأنا مفطر وهو صائم.
قَالَ: فقلت [لَهُ] : كيف كان أمرك معه في الذي تكرهه من طول بكائه قَالَ: ألفت والله ذَلِكَ البكاء وسر قلبي حتى كنت أساعده عليه حتى يتأذى بنا أهل الرفقة. قَالَ: ثم والله ألفوا ذلك، فجعلوا إذا سمعونا [1] نبكي وبكوا، وجعل بعضهم يقول لبعض: ما الذي جعلهم أولى بالبكاء منا والمصير واحد.
قَالَ: فجعلوا والله يبكون ونبكي قَالَ: ثم خرجت من عنده فأتيت بهيما، فسلّمت عليه وقلت: كيف رأيت صاحبك؟ قال: خير صاحب [2] ، / كثير الذكر للَّه عز وجل، طويل التلاوة للقرآن، سريع الدمعة، محتمل لهفوات الرفيق، جزاك الله عني خيرا.
1139- جارود بن يزيد أخو الضحاك النيسابوري
[3] .
حدث عن بهز بن حكيم، وعمر بن ذر.
روى عنه الحسن بن عرفة، وقد ضعفوه.
توفي في هذه السنة.
__________
[1] في ت: «إذا رأونا» .
[2] في ت: «كخير صاحب» .
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 261.(10/153)
1140- حجاج بن محمد أبو محمد الأعور، مولى سليمان بن مجالد، مولى أبي جعفر المنصور. ترمذي الأصل.
سَمِعَ ابن جريج، وابن أبي ذئب، وشعبة، وحمزة الزيات، والليث بن سعد [1] .
روى عنه أحمد بن حنبل، ويحيى، وابن أبي خيثمة، وكان ضابطا ثقة، إلا أنه تغير في آخر عمره، وكان قد تحول إلى المصيصة بولده وعياله، فأقام بها سنين، ثم قدم بغداد فتوفي بها.
1141- داود بن المحبر بن قحذم بن سليمان [2] بن ذكوان، أبو سليمان الطائي البصري
[3] .
نزل بغداد، وحدث بها عن شعبة، وحماد بن سلمة، وصالح المري، ومقاتل بن سليمان، وإسماعيل بن عياش، وغيرهم.
روي عنه: البرجلاني وغيره.
كان يحيى بن معين يثني عليه ويقول: هو ثقة، وإنما صحب قوما من المعتزلة فأفسدوه.
وقال أحمد بن حنبل: هو شبه لا شيء وكذلك قال البخاري: هو شبه [4] لا شيء، لا يدري ما الحديث.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: حدثني محمد بن عليّ الصوري قَالَ: سمعت عبد الغني بن سعيد الحافظ يَقُولُ: قال لنا أبو الحسن/ علي بن عمر: كتاب [5] «العقل» وضعه أربعة، أولهم ميسرة بن عبد ربه، ثم سرقه منه [داود بن المحبر، وركّبه بأسانيد غير أسانيد ميسرة، وسرقه] [6] عبد العزيز بن أبي رجاء وركّبه
__________
[1] في ت: «الليث بن سعيد» .
[2] في ت: «أبو سليمان» .
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 359- 362.
[4] «هو شبه لا شيء وكذلك قال البخاري: هو شبه» ساقط من ت.
[5] في الأصل: «كان العقل» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/154)
بأسانيد أخرى، ثم سرقه سليمان بن عيسى السجزي فركبه [1] بأسانيد أخرى. أو كما قَالَ الدارقطني.
توفي داود [2] ببغداد في جمادى الأولى من هذه السنة.
1142- شبابة بن سوار، أبو عمرو الفزاري، مولاهم
[3] .
أصله من خراسان، نزل المدائن، وحدث بها وببغداد عن شعبة، وجرير بن عثمان، وابن أبي ذئب، والليث.
وروى عنه: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو خيثمة.
واسم أبيه مروان، وإنما غلب عليه سوار، وكان شبابة كثير الحديث. وكان أحمد بن حنبل يحمل عليه. وكان مرجئا، لكنه رجع عن ذَلِكَ.
وتوفي بمكة في هذه السنة.
1143 [- أبو جعفر، محمد بن جعفر المدائني
[4] .
سَمِعَ ورقاء بن عُمَر، وشعبة، وغيرهما.
وروى عنه أحمد بن حنبل، وعباس الدوري في آخرين.
وقال أحمد وأبو داود: وليس به بأس.
وتوفي في هذه السنة] .
1144- يزيد بن هارون بن زاذي بن ثابت، أبو خالد السّلَميّ
[5] .
من أهل واسط، ولد سنة ثماني عشرة ومائة، وسمع يحيى بن سعيد الأنصاري، وسُلَيْمَان التميمي، وعاصما الأحوال، وحميدا الطويل، وخلقا كثيرا.
__________
[1] في ت: «فأتى» .
[2] في الأصل: «توفي في هذه السنة داود....» .
[3] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 345.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 116 وهذه الترجمة ساقطة من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 14/ 337.(10/155)
وكان ثقة [ثبتا] [1] حافظا، حدث ببغداد فحرر مجلسه تسعين ألفا.
قال علي بن المديني: [2] لم أر أحفظ من يزيد بن هارون بن زاذي بن ثابت.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال:
أخبرنا الأزهري قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن بْن عمر الخلال قَالَ: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا جدي قَالَ: سمعت أحمد/ بن أبي الطيب يَقُولُ سمعت يزيد بن هارون، وقيل له إن هارون المستملي يريد أن يدخل عليك- يعني في حديثك- فتحفظ منه، فبينما [3] هو كذلك إذ دخل هارون فسمع يزيد نغمته، فَقَالَ: يا هارون، بلغني أنك تريد أن تدخل علي في حديثي، فأجهد جهدك لا أرعى الله عليك إن أرعيت، أحفظ ثلاثة وعشرين ألف حديث ولا بغي، لا أقامني الله إن كنت لا أقوم بحديثي [4] أخبرنا عبد الرحمن بن مُحَمَّد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني الخلال قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان قَالَ: أخبرنا الحسين بن محمد بن عفير قال:
قال أبو جعفر أحمد [5] بن سنان: ما رأيت عالما قط [6] أحسن صلاة من يزيد بن هارون، يقوم كأنه أسطوانة، كَانَ يصلي بين المغرب والعشاء، وبين [7] الظهر والعصر، ولم يكن يفتر من صلاة الليل والنهار هُوَ وهشيم جميعا معروفين بطول الصلاة بالليل والنهار [8] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي [قال: أخبرنا] [9]
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «قال ابن المديني» .
[3] في ت: «فحفظ منه فيضا هو كذلك» .
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 340.
[5] «أحمد» ساقطة من ت.
[6] في ت: «حافظا» .
[7] «وبين» ساقطة من ت.
[8] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 340.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/156)
العتيقي قال: أخبرنا أبو مسلم محمد بن أحمد بن علي الكاتب قال: أخبرنا الحسن بن حبيب بْن عبد الملك قَالَ: سمعت أبا جعفر محمد بن إسماعيل الصائغ يَقُولُ: قَالَ رجل ليزيد بن هارون: كم حزبك [من الليل] [1] ؟ قَالَ: وأنام من الليل شيئا؟ إذا لا أنام الله عيني [2] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا علي بن أحمد الرزاز قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري قَالَ: أخبرنا أحمد بن محمد بْن الأزهر قَالَ: سمعت الحسن [3] بن عرفة يَقُولُ: / رأيت يزيد بن هارون بواسط وهو من أحسن الناس عينين، ثم رأيته بعين واحدة، ثم رأيته وقد ذهبت عيناه، فقلت: يا أبا خَالِد، ما فعلت العينان الجميلتان؟ فَقَالَ: ذهب بهما بكاء الأسحار [4] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد [بْن علي بْن ثابت] [5] الخطيب قَالَ: أَخْبَرَنَا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن [6] الحيزي وأبو سعيد الصيرفي قالا: حَدَّثَنَا أبو الْعَبَّاس محمد بن يعقوب الأصم قَالَ: حدثنا يحيى بن أبي طالب قَالَ: أخبرني الحسن بن شاذان الواسطي [7] قَالَ: حدثني ابن عرعرة قَالَ: حدثني ابن أكثم قَالَ: قال لنا المأمون:
لولا مكان يزيد بن هارون لأظهرت أن القرآن مخلوق فقال بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين [8] ، ومن يزيد حتى يتقى [9] ؟ قَالَ: ويحك، إني أخاف أن يرد علي، فيختلف الناس وتكون فتنة، وأنا أكره الفتنة. فقال له الرجل [10] : فأنا أخبر لك [11] ذلك منه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ بغداد.
[2] في ت: «لا أقام الله لي عيني» انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 341.
[3] في الأصل: «سمعت أحمد» .
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 341- 342.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «أحمد بن الحسين» .
[7] «الواسطي» ساقطة من ت.
[8] «يا أمير المؤمنين» ساقطة من ت.
[9] في ت: «حتى نخافه» .
[10] في الأصل: «فقال له رجل» .
[11] في ت: «اختبرتك» .(10/157)
فَقَالَ له: نعم قال: فخرج إلى واسط، فجاء إلى يزيد بن هارون، فدخل عليه المسجد، وجلس إليه فَقَالَ لَهُ: يا أبا خَالِد، إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لك إني أريد أن أظهر أن القرآن مخلوق. فَقَالَ: كذبت على أمير المؤمنين، أمير المؤمنين لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه، فإن كنت صادقا فعد غدا إلى المجلس [1] ، فإذا اجتمع الناس فقل، قَالَ: فلما كان الغد اجتمع الناس فقام، فَقَالَ: يا أبا خَالِد، رضي الله عنك، [2] إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لك: إني أريد [3] أن أظهر أن القرآن مخلوق، فما عندك في ذلك؟ قَالَ: كذبت في ذلك على [4] أمير/ المؤمنين، أمير المؤمنين لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه وما لم يقل له أحد قَالَ: فقدم فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، كنت أنت أعلم.
[قَالَ:] [5] وكان من القصة كيت وكيت. فقال له: ويحك، تلعب بك. [6] توفي يزيد بواسط غرة ربيع الآخر من هذه السنة.
أخبرنا عبد الرحمن [من محمد] [7] قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الحسين بْن عَبْد الله بن أحمد بن أبي علاثة حدثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان قَالَ: حدثنا أبو محمد السُّكري قَالَ: حدثنا يحيى بن إسحاق بن إبراهيم بن سافري قَالَ: حدثني أبو نافع ابن بنت يزيد بن هارون قال: كنت عند أحمد بن حنبل وعنده رجلان، فَقَالَ أحدهما: [8] يا أبا عبد الله، رأيت يزيد بن هارون في المنام فقلت لَهُ: يا أبا خالد، ما فعل الله بك؟ قَالَ: غفر لي وشفعني وعاتبني. فقلت لَهُ [9] : غفر لك
__________
[1] «إلى» ساقطة من ت.
[2] «رضي الله عنه» ساقطة من ت.
[3] في ت: «إني أردت» .
[4] «في ذلك على» ساقطة من ت.
[5] «قال» ساقطة من الأصل، ت، وأضفناها من تاريخ بغداد.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 342.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] «أحدهما» ساقطة من ت.
[9] «له» ساقطة من ت.(10/158)
وشفعك، قد عرفت، ففيم عاتبك؟ قَالَ: قال لي: [يا يزيد] [1] ، أتحدث عن جرير بن عثمان. قَالَ: قلت: يا رب [2] ، ما علمت إلا خيرا. قَالَ: يا يزيد، إنه كان يبغض أبا الحسن علي بن أبي طالب. قَالَ: وقَالَ الأخر: وأنا والله [3] رأيت يزيد بن هارون في المنام. فقلت [لَهُ] [4] : هل أتاك منكر ونكير. قَالَ: إي والله، وسألاني من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فقلت: ألمثلي يقال هذا؟ وأنا كنت أعلم الناس بهذا في الدنيا فقالا لي: صدقت، فنم نومة العروس [لا بأس عليك] [5] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «يا رب» ساقطة من ت.
[3] «وأنا والله» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل. انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 347.(10/159)
ثم دخلت سنة سبع ومائتين
فمن الحوادث فيها:
خروج عبد الرحمن بن أحمد بن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ علي بن أبي طالب ببلاد عك من اليمن يدعو إلى الرضى من آل مُحَمَّد، / وكان سبب خروجه أن العمال باليمن أساءوا السيرة، فبويع عبد الرحمن، فلما بلغ ذلك المأمون وجه إليه دينار بن عبد الله في عسكر كثيف [1] ، وكتب معه بأمانه، فحضر دينار الموسم، فلما فرغ من الحج سار إلى اليمن، فأتى عَبْد الرحمن فبعث إليه أمانه من المأمون، فقبل ودخل في الأمان، ووضع يده في يد دينار، فخرج به إلى المأمون، فمنع عند ذلك الطالبيين من الدخول عَلَيْهِ، [2] ، وأمر [3] بأخذهم بلبس السواد. وذلك في يوم الخميس لليلة بقيت من ذي القعدة.
وفيها: توفي طاهر بن الحسين، فولي ولده طلحة بن طاهر، فأقام واليا على خراسان سبع [4] سنين بعد موت أَبِيهِ، ثم توفي فولي عبد الله بن طاهر خراسان مع الشام، وكان يتولى حرب بابك، فأقام بالدينور، وبعث بالجيوش، فوجه المأمون إلى عبد الله بيحيى بن أكثم يعزيه عَن أخيه ويهنئه بولاية خراسان، وولى علي بن هشام حرب بابك.
__________
[1] في ت: «كثير» .
[2] في ت: «إليه» .
[3] في الأصل: «وأمرهم» .
[4] في ت: «بسبع» .(10/160)
وقد قيل إنه [1] إنما ولى عبد الله بعد موت أبيه دون طلحة، وأن عبد الله وجّه أخاه طلحة إلى خراسان.
أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْن الحسين البيهقي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم قَالَ: سمعت علي [بن أحمد] [2] بن أسد الأديب [3] يَقُولُ: حدثني غير واحد من مشايخنا بالعراق يسندونه إلى عبد الله بن طاهر: أنه كتب من خراسان إلى أمير المؤمنين المأمون: بسم الله الرحمن الرحيم. بعدت داري عن ظل أمير المؤمنين وإن كنت كيف تصرفت في الأمور لا أتفيأ إلا به، وقد اشتد إلى حضرة أمير المؤمنين شوقي لأتشرف بخدمته، وأتجمل بمجلسه، وأتزين بخطابه، وأنقح عقلي بحسن آدابه، فلا شيء آثر عندي من قربه، وإن كنت في سعة من عيش وهبه الله لي به، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن [لي] [4] في ورود حضرته لأجدد/ عهدا بالمنعم علي،، وأتهنأ بنعمة أسداها إلي فعل محسنا إن شاء الله.
فلما قرأ المأمون كتابه، وقع فيه: قربك يا أبا العباس إلي حبيب، وأنت مني حيث كنت قريب وإنما بعدت دارك نظرا لك، وسموا بك، ورغبة فيك، فاتبع قول الشاعر:
رأيت دنو الدار ليس بنافع ... إذا كان ما بين القلوب بعيدا
وفي هذه السنة: ولي موسى بن جعفر [5] طبرستان، والرومان، ودوباوند.
وغلا السعر ببغداد حتى بلغ القفيز من الحنطة أربعين درهما.
وحج بالناس في هذه السنة أبو عيسى بن الرشيد.
__________
[1] في ت: «إنما قيل ولى»
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «بن أسد الأسود» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «موسى بن حفص» .(10/161)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1145- حذيفة بن قتادة المرعشي
[1] .
صحب الثَّورِي، وتوفي في هذه السنة.
أخبرنا عمر بن ظفر، أخبرنا جعفر [2] بن أحمد، أخبرنا عبد العزيز بْن عَلي أَخْبَرَنَا ابن جهضم، حدثنا الحسن بن إسحاق، حدثنا محمد بن المسيّب، حدّثنا عبد الله بن حنبق قَالَ: قال حُذيْفة المرعشي: إياكم وهدايا الفجار والسفهاء، فإنكم إن قبلتموها ظنوا بكم أنكم [3] [قد] [4] رضيتم فعلهم.
1146- زيد بن محمد بن عُبَيْد، أبو عبد الله الخزاعي الدمشقي.
سمع مالك بن أنس، روى عنه: ابن عوف وأحمد بن حنبل، وأبو خيثمة، وكان ثقة مأمونا.
وتوفى في هذه السنة بدمشق.
1147- عبد الرحمن بن غزوان، أبو نوح عبد الله بن مالك الخزاعي، ويعرف بقراد
[5] .
سَمِعَ شعبة، وعكرمة بن عمار، والليث بن سعد روى عنه أحمد بن حنبل. وكان ثقة. توفي في هذه السنة.
1148- عمر بن حبيب العدوي
[6] من بني عدي بن مناة. من أهل البصرة.
حدث عن داود بن أبي هند، وخالد الحذاء، وسليمان التيمي، وهشام بن عروة.
__________
[1] في ت: «المرعسي» .
[2] في الأصل: «حفص» .
[3] «أنكم» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 494.
[6] انظر ترجمته في: تقريبه التهذيب 2/ 52 وتاريخ بغداد 11/ 196.(10/162)
روى عنه/ محمد بن عبيد الله المنادي. وكان قد قدم بغداد، وولي بها قضاء الشرقية، وولي قضاء البصرة [أيضا] [1] .
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد [القزاز] [2] قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر بْن ثابت قَالَ: أخبرني الأزهري قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن حمدان العكبري قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ القاسم النَّحْوِي، حدثنا أبو العباس محمد بن يونس الكديمي، حدثنا يزيد بن مرة الدارع، حدثنا عمر بن حبيب قَالَ: حضرت مجلس هارون [الرشيد] [3] فجرت مسألة فتنازعها الخصوم وعلت أصواتهم، واحتج بعضهم بحديث يرويه أبو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ، فدفع بعضهم الحديث، وزادت المدافعة والخصام حتى قال قائلون منهم: لا يحمل هذا الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فإن أبا هريرة متهم فيما يرويه، وصرحوا بتكذيبه، ورأيت الرشيد قد نحا نحوهم، ونصر قولهم، فقلت: إن الحديث [4] صحيح النقل [5] وأبو هريرة صحيح النقل عن رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم [6] ، صدوق فيما يرويه عن نبي الله وغيره. فنظر إلي الرشيد نظر مغضب، فقمت من المجلس فانصرفت إلى منزلي، فلم ألبث حتى قيل: صاحب البريد بالباب فدخل إلي، فَقَالَ:
أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول، وتحنط وتكفن فقلت: اللَّهمّ إنك [7] تعلم أني دافعت [8] عن صاحب نبيك، وأجللت نبيك صلَّى اللَّه عليه وسلم، أن يطعن في أصحابه [9] ، فسلمني منه. فأدخلت على الرشيد وهو جالس على كرسي، حاسر عن ذراعيه، بيده السيف وبين يديه النطع، فلما بصرني قال [لي] [10] : يا عمر بن حبيب، ما تلقاني أحد من الرد
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «أما الحديث» .
[5] النقل» ساقطة من ت.
[6] «عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساقطة من ت.
[7] في ت: «إني» .
[8] في الأصل: «دفعت» .
[9] في ت: «على أصحابه» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/163)
والدفع [لقولي] [1] بمثل ما تلقيتني به. فقلت: [2] يا أمير المؤمنين، إن الذي قلته وجادلت عليّ فيه [3] إزراء على رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم [على ما جاء به] [4] ، إذا كان أصحابه كذابين فالشريعة/ باطلة، والفرائض والأحكام في الصيام والصلاة والطلاق والنكاح والحدود كله مردود غير مقبول. فرجع إلى نفسه، ثم قَالَ: أحييتني يا عمر بن حبيب [5] .
أحياك الله. وأمر لي بعشرة آلاف درهم. [6] أخبرنا عَبْد الرَّحْمَنِ [بن مُحَمَّد أَبُو مَنْصور القزاز] [7] قال: أخبرنا [أبو بكر] أَحْمَدُ [بْنُ عَلِيِّ] [8] بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عبد العزيز بن أبي طاهر الصوفي، أخبرنا تمام بن محمد الرازي قَالَ: حَدَّثَني أَبِي قَالَ: أخبرني أَبُو الحسين عَلي بْن مُحَمَّد بْن أبي حسان الزيادي قَالَ: حدثنا أَبُو زيد الحارث بن أحمد العبدي قال: حدثني الحسين بن شداد قَالَ: كان عمر بن حبيب على قضاء الرصافة لهارون الرشيد، فاستعدى إليه رجل على عبد الصمد بن علي فأعداه عليه، فأبى عَبْد الصمد أن يحضر مجلس الحكم، فختم عمر بن حبيب قمطره وقعد في بيته. فرفع ذلك إلى هارون، فأرسل إليه، فَقَالَ: ما منعك أن تجلس للقضاء؟ فقال: أعدي على رجل فلم يحضر مجلسي. قال: ومن هُوَ؟
قال: عبد الصمد بن عليّ. فَقَالَ هارون: والله لا يأتي [9] مجلسك إلا حافيا قَالَ: وكان عبد الصمد شيخا كبيرا قَالَ: فبسطت [له] [10] اللبود من باب قصره إلى مسجد الرصافة، فجعل يمشي ويقول: أتعبني أمير المؤمنين، أتعبني أمير المؤمنين. فلما صار إلى
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «بمثل ما تلقاني به، قلت..» .
[3] في الأصل: «وجادلت عنه إزراء.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «بن حبيب» ساقطة من ت.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 11/ 197.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «لا يحضر» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/164)
مجلس عمر [1] بن حبيب أراد أن يساويه في المجلس، فصاح [به] [2] عمر وقال:
اجلس مع خصمك. قال: فتوجه الحكم على عبد الصمد فحكم عليه، وسجل به.
فقال له [3] عبد الصمد: لقد حكمت علي بحكم لا يجاوز شحمة أذنك فقال له عُمَر: أما إني قد طوقتك بطوق لا يفكه عنك الحدادون. قم.
قال الخطيب: كذا ذكر في هذا الحديث، أنه كان على [4] الرصافة. والمحفوظ أنه/ كان عَلَى الشرقية [5] .
توفي عمر في هذه السنة بعد رجوعه إلى البصرة [6] .
1149- طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق بن أسعد بن زادان، أبو طلحة الخزاعي، والي خراسان
[7] .
بعثه المأمون إلى بغداد لمحاربة الأمين، وظفر به طاهر وقتله، ولقبه المأمون ذا اليمين.
وحدث عَن ابن المبارك وغيره. وكان جوادا وقع يوما بصلات أحصيت ألف ألف وسبعمائة ألف.
أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ، عن أبي محمد السراج قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الواحد، حدثنا المعافى بن زكريّا حدثنا محمد بن القاسم [8] الأنباري، حدثنا عبد الله بن بيان، حدثنا أبو جعفر مولى بني هاشم قَالَ: بينا طاهر بن الحسين في حراقته يوما وقد أدنيت إلى الشط لتخرج، إذ عرض له مقدس الخلوفي الشاعر فقال لَهُ: أيها الأمير، أريد أن تسمع مني أبياتا. فَقَالَ: قل. فأنشأ يَقُولُ:
__________
[1] «عمر» ساقطة من ت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «له» ساقطة من الأصل.
[4] «له» ساقطة من الأصل.
[5] في ت: «أنه إذ كان» .
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 11/ 197- 198.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 353.
[8] في الأصل: «العتبي» .(10/165)
عجبت لحراقة ابن الحسين ... كيف تعوم ولا تغرق
وبحران من تحتها واحد ... وآخر من فوقها مطبق
وأعجب من ذاك عيدانها ... / وقد مسها كيف لا تورق
فَقَالَ: أعطوه ثلاثة آلاف دينار. وقَالَ: زدنا حتى نزيدك. فَقَالَ: حسبي.
أخبرنا أبو منصور القزاز قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الجوهري قال:
أَخْبَرَنَا محمد بن العباس قال: حدثنا أبو القاسم علان الوزان [1] قَالَ: حدثني أبو الحسن الجاماسي قَالَ: قَالَ رجل بخراسان: قال لي صديق لي: رأيت رجلا بمرو في يوم جمعة بحال [سيئة] [2] ، ثم رأيته في الجمعة الأخرى على برذون، فقلت لَهُ: ما الخبر؟
فَقَالَ/: أنا على باب طاهر بن الحسين منذ ثلاث سنين ألتمس الوصول إليه فيتعذر علي ذلك حتى قال لي بعض أصحابه يومًا: إن الأمير [قد] [3] يركب اليوم في الميدان يلعب بالصوالجة. فقلت: اليوم أصل إِلَيْهِ. فصرت إلى الميدان [فرأيت الوصول إليه متعذرا، وإذا فرجة في بستان، فالتمست الوصول إلى الميدان] [4] فلما سمعت الحركة وصوت الصوالجة ألقيت نفسي من الثلمة، فنظر إلي فقال: من أنت؟ فقلت: أنا باللَّه وبك أيها الأمير، إياك قصدت، ومنك أطلب وقد قلت بيتي شعر فَقَالَ: هاتهما.
وأقبل ميكال إلي فزجره عني، فأنشدته:
أصبحت بين خصاصة وتجمل ... والمرء بينهما يموت هزيلا
فامدد إلي يدا تعود بطنها ... بذل النوال وظهرها التقبيلا
فأمر لي بعشرة آلاف درهم وقَالَ: هذه ديتك ولو كان ميكال أدركك لقتلك، وهذه عشرة آلاف لعيالك، امض لشأنك، ثم قَالَ: سدوا هذه الثلمة، لا يدخل إلينا منها أحد.
__________
[1] في الأصل: «علائن الرزاز» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/166)
وقد ذكرنا أن المأمون كان إذا ذكر أخاه الأمين وما فعل به طاهر جرت دموعه، وإن طاهرا [أعلم بذلك و] [1] طلب البعد عن الخليفة واحتال لذلك فولاه خراسان، فخرج، فلما كان بعد مدة من مقدمه خراسان قطع الدعاء للمأمون على المنبر يوم الجمعة، فقال له عون بْن مجاشع صاحب البريد: ما دعوت [2] في هذه الجمعة لأمير المؤمنين فقال [لَهُ] [3] : سهو وقع، فلا تكتب به [4] ، ثم فعل ذلك في الجمعة الثانية والثالثة. فَقَالَ له عون: إن كتب التجارة لا تنقطع/ عن بغداد، وإن اتصل هذا بأمير المؤمنين من غيرنا لم نأمن أن يكون ذلك سبب زوال نعمتي فَقَالَ: اكتب بما أحببت. فكتب بالخبر إلى المأمون. فلما وصل كتابه دعا أحمد بن أبي خَالِد وقال له: إنه لم يذهب علي احتيالك في أمر [5] طاهر وتمويهك له، وأنا أعطي الله عهدا إن لم يشخص حتى توافيني به [6] كما أخرجته من قبضتي، وتصلح ما أفسدته علي من أمر ملكي ليدمين [7] عقباك، فشخص أحمد وجعل يتلوم في الطريق ويقول لأصحاب البريد: اكتبوا بأخبار عله أحدها، فلما وصل إلى الري لقيته الأخبار بوفاة طاهر، ولقيه ولده طلحة فقال لَهُ: لا تريني وجهك، فإن أباك عرضني للغضب. قَالَ: قد مضى لسبيله، وأنا أحلف لك على الإخلاص. فكتب أحمد بالخبر، فلما بلغت وفاته المأمون قَالَ: لليدين وانعم [8] : الحمد للَّه الذي قدمه وأخرنا.
وكان قد أخذته حمى وحرارة، فوجدوه في فراشه ميتا. وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة بمرو.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بْنِ عَلِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ [9] بْنُ
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «ما دعوت» ساقط من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «فلا تكتب فيه» .
[5] «أمر» ساقطة من ت.
[6] في الأصل: «حتى تأتيني» .
[7] هكذا في الأصل.
[8] هكذا بالأصلين.
[9] في ت: «عبد الله» .(10/167)
أَبِي الفتح قَالَ: حدثنا محمد بن جعفر الأديب، قَالَ أخبرنا أبو القاسم السكوني قَالَ:
أنشدني جعفر بن الحسين لبعض المحدثين يرثي طاهر بن الحُسَين.
فلئن كان للمنية رهنا ... إن أفعاله [1] لرهن الحياة
ولقد أوجب الزكاة على قوم ... وقد كان عيشهم [2] بالزكاة/
1150- محمد بن أبي رجاء الخراساني
[3] .
من أصحاب أبي يوسف القاضي. ولي القضاء ببغداد أيام المأمون وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
1151- محمد بن عبد الله بن عبد الأعلى بن عبد الله، أبو يحيى الأسدي. ويعرف بابن كناسة لقب أبيه عبد الله. ومحمد هو: ابن أخت إبراهيم بن أدهم [4] .
وكان عالما بالشعر والعربية وأيام الناس، ورد بغداد، وحدث بها عن هشام بن عروة، والأعمش وغيرهما.
روى عَنْه: أحمد بن حنبل وغيره. وقال يحيى وابن المَدِيني: ابن كناسة [5] ثقة.
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن عليّ قَالَ: أخبرنا أحمد بن روح الهمداني [6] قَالَ: أخبرنا المعافى زكريّا قَالَ: أخبرنا محمد بن القاسم الأنباري قال:
حدثنا مُحَمَّد بْن المرزبان قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بن محمد قال: رأى رجل محمد بن كناسة يحمل بيده بطن شاة فقال لَهُ أعطني أحمله لك [7] فقال:
__________
[1] في الأصل: «إن أصحابه» .
[2] في الأصل: «وقد كان عليهم» .
[3] انظر ترجمته في تاريخ بغداد 5/ 275.
[4] انظر ترجمته في تاريخ بغداد 5/ 404.
[5] «ابن كناسة» ساقطة من ت.
[6] في الأصل: «النهرواني» .
[7] في الأصل: «فقال له أنا أحمل لك» .(10/168)
لا ينقص الكامل من كماله ... ما جر من نفع إلى عياله.
[1] أخبرنا عبد الرَّحْمَن قال: أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: أخبرني الأزهري قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إبراهيم [بن شاذان قَالَ: حدثنا إبراهيم بن محمد النَّحْوِي قَالَ: حدثني الفضل الربيعي قَالَ: حَدَّثَنَا حماد بن إبراهيم] [2] عن أَبِيهِ قال: أتيت محمد بن كناسة لأكتب عنه، فكثر عليه أصحاب الحديث، فضجر بهم وتجهمهم، فلما انصرفوا عنه دنوت منه، فهش إلي واستبشر بي، وبسط وجهه، فَقَلَت لَهُ: لقد تعجبت من تفاوت حالتيك!؟ فقال لي: أضجرني هؤلاء بسوء أدبهم، فلما جئتني أنت انبسطت إليك وقد حضرني في المعنى بيتان وهما:
/ في انقباض وحشمة فإذا ... صادفت أهل الوقار والكرم
أرسلت نفسي على سجيتها ... وقلت ما قلت غير محتشم
فقلت: لوددت إن هذين البيتين لي بنصف ما أملك فَقَالَ: قد وفر الله عليك مالك، ما سمعهما أحد ولا قلتهما إلا [3] الساعة. فقلت لَهُ: كيف لي بعلم نفسي أنهما ليسا لي [4] .
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن عليّ قال: أخبرنا محمد بن الحسين القطان، أخبرنا جعفر الخلدي، أخبرنا محمد بن عبد الله الحضْرَمِيّ قَالَ: توفي محمد بن كناسة سنة سبع ومائتين [5] .
وقال ابن قانع: سنة تسع. والأول أصح.
__________
[1] انظر الخبر في تاريخ بغداد 5/ 406.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «أنا الساعة» .
[4] انظر الخبر في تاريخ بغداد 5/ 406 و 407.
[5] في ت: «قَالَ: توفي محمد بن كناسة» .
سنة سبع ومائتين، فيها.(10/169)
1152- محمد بن عمر بن واقد، أبو عبد الله الواقدي المَدِيني
[1] .
ولد سنة ثلاثين ومائة. وسمع ابن أبي ذئب، ومعمر بن راشد، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، وخلقا كثيرا.
وقدم بغداد وولي قضاء الجانب الشرقي، وله الكتب المصنفة في المغازي، والسيرة، والأحداث، والحديث، والفقه. وكان كريما [2] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا سلامة بن الحُسَين [3] المقرئ، أخبرنا الدارقطني، أخبرنا محمد بن القاسم الأنباري قَالَ: حدثني أبي قَالَ: حَدَّثَنَا أبو عكرمة الضبي، قَالَ: حدثنا يحيى بن محمد العنبري، قال: قال الواقدي كنت حنّاطا بالمدينة في يدي مائة ألف درهم للناس أضارب بها، فتلفت [الدراهم] [4] في يدي، فشخصت [5] إلى العراق، فقصدت يحيى بن خالد، فجلست في دهليزه، وآنست بالخدم والحجاب، / وسألتهم أن يوصلوني إِلَيْهِ، فقالوا: إذا قدم الطعام إليه لم يحجب عنه أحد، ونحن ندخلك عليه ذَلِكَ الوقت. فلما حضر طعامه أدخلوني فأجلسوني معه على المائدة، فسألني: من أنت، وما قصتك؟ فأخبرته، فلما رفع الطعام وغسلنا أيدينا دنوت منه لأقبل رأسه، فاشمأز من ذلك، [6] ، فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني خادم معه كيس فيه ألف دينار فَقَالَ: الوزير يقرأ عليك السلام ويقول لك: استعن بها [7] على أمرك، وعد إلينا في غد [8] . فأخذته وعدت في اليوم الثاني، فجلست معه على المائدة، فأنشأ يسألني كما سألني في اليوم الأول، فلما رفع الطعام دنوت منه لأقبل رأسه، فاشمأز
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 3/ 3- 21.
[2] انظر: تاريخ بغداد 3/ 3.
[3] في الأصل: سلامة بن أبي.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «فجئت» .
[6] في الأصل: «فاشمأز مني لذلك» .
[7] في الأصل، ت: «استعن بهذا» وما أثبتناه من تاريخ بغداد.
[8] «في غد» ساقطة من ت.(10/170)
مني، فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني الخادم [و] [1] معه كيس فيه ألف دينار، فَقَالَ: الوزير يقرأ عليك السلام ويقول لك: [2] استعن بهذا على أمرك وعد إلينا في غد فأخذته وانصرفت، وعدت إليه في اليوم الثالث، فأعطيت مثلما أعطيت في اليوم الأول والثاني، فلما كان في اليوم الرابع أعطيت الكيس [كما أعطيت قبل ذَلِكَ] [3] وتركني بعد ذلك أقبل رأسه وقَالَ: منعتك ذلك لأنه لم يكن وصل إليك من معروفي ما يوجب هذا، والآن قد لحقك بعض النفع مني، يا غلام، أعطه الدار الفلانية، [يا غلام] [4] ، [افرشها] [5] الفرش الفلاني، يا غلام، أعطه مائتي ألف درهم يقضي دينه بمائة ألف، ويصلح شأنه بمائة ألف. ثم قال لي: / الزمني وكن في داري. فقلت: أعز الله الوزير، لو أذنت لي بالشخوص [6] إلى المدينة لأقضي للناس أموالهم ثم أعود إلى حضرتك كان ذلك أرفق بي [7] . فَقَالَ: قد فعلت. وأمر بتجهيزي فشخصت إلى المدينة، فقضيت ديني، ثم رجعت إليه، فلم أزل في ناحيته [8] قال أبو عِكْرِمة: وأخبرنا سليمان بن أبي شيخ قَالَ: أخبرنا الواقدي قَالَ: ضقت مرة وأنا مع يحيى بن خالد، وجاء عيد، وجاءتني الجارية فقالت لي: قد حضر العيد وليس عندنا من آلته شيء، فمضيت [9] إلى صديق لي من التجار، فعرفته حاجتي إلى القرض، فأخرج لي كيسا مختوما فيه ألف ومائتا درهم، فأخذته وانصرفت إلى منزلي، فلما استقررت فيه جاءني صديق لي هاشمي، وشكا إلي تأخر غلته وحاجته إلى القرض، فدخلت إلى زوجتي فأخبرتها فقالت: على أي شيء عزمت؟ قلت: على أن أقاسمه الكيس. قالت: ما صنعت شيئا أتيت رجلا سوقة فأعطاك ألفا ومائتي درهم، وجاءك
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «لك» ساقط من ت.
[3] في ت: «أعطيت الكيس أيضا» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ بغداد.
[6] في ت: «حتى أروح» .
[7] في الأصل: «كان في ذلك رفق بي» .
[8] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 4- 5.
[9] من ت: «فمشيت» .(10/171)
رجل له من رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم رحم ماسة تعطيه نصف ما أعطاك السوقة، ما هذا شيئا، أعطه الكيس كله [فأخرجت الكيس كله] [1] فدفعته إليه ومضى صديقي التاجر إلى الهاشمي وكان صديقا لَهُ، فسأله القرض، فأخرج الهاشمي إليه الكيس، فلما رأى خاتمه عرفه وانصرف إلي فأخبرني بالأمر، وجاءني رسول يحيى بن خالد فركبت إليه فأخبرته/ خبر الكيس، فَقَالَ: يا غلام، هات تلك الدنانير، فجاءه بعشرة آلاف دينار. فَقَالَ: خذ ألفي دينار لك، وألفين لصديقك التاجر [2] ، وألفين للهاشمي، وأربعة آلاف لزوجتك فإنها أكرمكم. [3] وقال الواقدي: صار إليّ من السلطان ستمائة ألف درهم ما وجبت [علي] [4] فيها زكاة [5] .
قال عباس الدُّوري: ومات الواقدي وما له كفن، فبعث المأمون بأكفانه.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن جعفر الرافعي قال: أخبرنا القاضي أبو بكر بْنُ كامل قَالَ: حدثني مُحَمَّد بْن مُوسَى الترمذي قَالَ: قال المأمون للواقدي: أريد أن تصلي الجمعة غدا بالناس. قَالَ: فامتنع فَقَالَ: لا بد من ذلك. فَقَالَ: والله يا أمير المؤمنين ما أحفظ سورة الجمعة. قال: فأنا أحفظك قال: فافعل فأقبل المأمون يلقنه سورة الجمعة حتى بلغ النصف منها، فإذا حفظ ابتدأ بالنصف الثاني، فإذا حفظ النصف الثاني [6] نسي الأول، فتعب المأمون ونعس، فقال لعلي بن صالح: يا علي حفظه أنت. قال: [7] [عليّ] [8] :
ففعلت، ونام المأمون، فجعلت أحفظه النصف الأول [فيحفظه فإذا حفظته الثاني نسي
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «لصديقك خلع التاجر» .
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 19- 20.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 20.
[6] «الثاني» ساقطة من ت.
[7] «قال» ساقطة من ت.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/172)
الأول] [1] ، فاستيقظ المأمون، فقال لي: ما فعلت؟ فأخبرته فقال: هذا رجل يحفظ التأويل ولا يحفظ [2] التنزيل، اذهب فصل بهم واقرأ أي سورة شئت [3] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدِ بن دوست/، حدثنا أبو الحسن علي بن محمد قال: أخبرنا أبو زيد عبد الرحمن بن حاتم المرادي قَالَ: حدثنا هارون بن عبد الله الزهري القاضي قَالَ:
كتب الواقدي رقعة إلى المأمون يذكر فيها غلبة الدين وغمه بذلك، فوقع المأمون على ظهرها: فيك خلتان: السخاء والحياء، فأما السخاء فهو الذي أطلق ما ملكت، وأما الحياء فهو الذي منعك من إطلاعنا عَلَى ما أنت عليه، وقد أمرنا لك بكذا وكذا، فإن كنا أصبنا إرادتك في بسط يدك، فإن خزائن الله مفتوحة، وأنت كنت حدثتني وأنت على قضاء الرشيد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلزُّبَيْرِ: «يَا زُبَيْرُ، إِنَّ بَابَ الرِّزْقِ مَفْتُوحٌ بِبَابِ [4] الْعَرْشِ، يُنْزِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْعِبَادِ أَرْزَاقَهُمْ عَلَى قَدْرِ نَفَقَاتِهِمْ، فَمَنْ قَلَّلَ قَلَّلَ لَهُ، وَمَنْ كَثَّرَ كَثَّرَ لَهُ» . قال الواقدي: وكنت قد أنسيت الحديث، فكان تذكيره إياي أحب إلي من جائزته. [5] قال هارون القاضي: بلغني أن الجائزة كانت مائة ألف وكان الحديث أحب إليه من المائة ألف [6] أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] [7] قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني الحسن بن أبي طَالِب، أخبرنا محمد بن الْعَبَّاس، حدثنا أبو الحسين بن المغيرة [8] قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «ولم يحفظ» .
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 7- 8.
[4] في ت: «بإزاء العرش» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 19.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 19.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «حدثنا الحسين بن المغيرة» .(10/173)
حَدَّثَني أبو جعفر أحمد بن محمد الضبعي قال: حدثني إسماعيل بن مجمع قَالَ:
سمعت الواقدي يَقُولُ: ما أدركت رجلا من أبناء الصحابة وأبناء الشهداء ولا مولى لهم إلا سألته: هَلْ سمعت أحدا من أهلك يخبرك عن مشهده وأين قتل، فإذا أعلمني/ مضيت إلى الموضع حتى أعاينه ولقد مضيت إلى المريسيع، فنظرت إليها، وما علمت غزاة إلا مضيت إلى الموضع أعاينه [1] .
قال الضبعي: وحدثني محمد بن خلاد قَالَ: سمعت محمد بن سلام الجمحيّ يقول: محمد بن [2] عُمَر الواقدي عالم دهره [3] .
وقال يعقوب بن شيبة: انتقل [4] الواقدي فحمل [5] كتبه على عشرين ومائة وقر [6] .
وقال غيره: كان له [7] ستمائة قمطر كتب، [8] وكان الواقدي يَقُولُ: حفظي [9] أكثر من كتبي.
وقال: الدراوَرْديّ: ذاك أمير المؤمنين [في] [10] الحديث [11] .
وقال مصعب [12] الزبيري: هو ثقة مأمون، والله ما رأينا مثله قط [13] .
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 6.
[2] في الأصل: «يذكر محمد بن عمر» .
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 5.
[4] في ت: «فقل» .
[5] «فحمل» ساقطة من ت.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 5- 6.
[7] في ت: «كانت في» .
[8] «كتب» ساقطة من ت.
[9] في الأصل: «حفظت» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، ت وأضفناه من تاريخ بغداد
[11] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 9.
[12] «مصعب» ساقطة من ت.
[13] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 9.(10/174)
وكذلك قال يزيد بن هارون: الواقدي ثقة [1] .
وكذلك قال [أبو] [2] عبيد.
وقال مجاهد بن مُوسَى: ما كتبت عن أحد قط [3] أحفظ منه.
وقال عباس العنبري: الواقدي أحب إلي من عبد الرزاق [4] كان إبراهيم الحربي معجبا بِهِ، يَقُولُ: الواقدي آمن الناس على أهل الإسلام، وأعلم الناس بأمر الإسلام [وفقه أبو عُبَيْد من كتب الواقدي] [5] ، ومن قال إن مسائل مالك وابن أبي ذئب تؤخذ عمن هو أوثق من الواقدي فلا يصدق.
قال المصنف رحمه الله: وقد قدح فيه جماعة.
كان علي بن المديني يَقُولُ: الواقدي ضعيف، لا يروى عَنْه.
وقال يحيى بن مَعِين: ليس بشيء، ولا نكتب حديثه.
وقال أحمد بن حنبل: هو كذاب، جعلت كتبه ظهائر للكتب منذ حين [6] .
وقال الشافعي: كتب الواقدي كذب.
وقال بندار: ما رأيت أكذب شفتين من الواقدي.
وقال البخاري والنسائي: هو متروك الحديث.
وقال أبو زُرْعة/: ترك الناس حديثه.
وقد ذكر إبراهيم الحربي: سبب طعن أحمد فيه واعتذر عَنْه.
فأَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي [بن ثابت] [7] الحافظ
__________
[1] «الواقدي ثقة» ساقطة من ت. انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 11.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «قط» ساقطة من ت.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 11.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 13- 15.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/175)
قال: أخبرني إبراهيم بن عمر البرمكي، حدثنا عبيد الله بن محمد بن حمدان، حدثنا محمد بْن أيّوب قَالَ: قال إبراهيم [الحربي] [1] : سمعت أحمد ذكر الواقدي فَقَالَ: ليس أنكر عليه شيئا إلا جمعه الأسانيد ومجيئه بمتن واحد على سياقة واحدة عن جماعة، وربما اختلفوا [2] .
قال إبراهيم: [ولم؟] [3] وقد فعل هذا ابن إسحاق، والزهري وحماد بن سَلَمَة [4] ؟
قال المصنف: لو كانت المحنة جمع الأسانيد لقرب الأمر، فإن الزهري [قد جمع] [5] رجالا في حديث الإفك محمول على اختلاف اللفظ دون المعنى، وليس هذا يقع في كل ما يجمع [عَلَيْهِ] [6] ، وإنما نقموا عليه ما هو أشد من هذا.
فروى إسحاق الكوسج عن أحمد أنه قال: الواقدي يقلب الأحاديث كأنه يجعل ما لمعمر لابن أخي الزُّهْرِيّ، [وما لأبن أخي الزهري] [7] لمعمر.
وقال إسحاق بن راهويه: كان يفعل هذا، وكان ممن يضع الحديث.
وقال اللاحي: الواقدي متهم.
توفي الواقدي ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة [ليلة] [8] خلت من ذي الحجة من هذه السنة، ودفن في مقابر الخيزران وهو ابن ثمان وسبعين سنة.
1153- المظفر بن مدرك، أبو كامل الخراساني الأصل [9] .
سمع حماد بن سَلَمَة. وروى عنه أحمد بن حنبل.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 16.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 16.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل.
[9] انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/ 183 وتاريخ بغداد 13/ 125.(10/176)
وقال يحيى: كنت آخذ منه [1] صنعة الحديث ومعرفة الرجال، وكان ثقة.
توفي في هذه السنة/
1154-[الهيثم بن عدي بن عبد الرحمن، أبو عبد الرحمن الطائي.
حدث عَن هشام بن عروة، وابن إسحاق، وشعبة، وغيرهم. وكان أحسن الناس وجها، وأنظفهم ثوبا، وأطيبهم ريحا] [2] فوجد له مائتا قميص، ومائتا طيلسان، ومائة [رداء] [3] ، وخمسين عمامة، ومائة سروال.
[ولم يكن عند المحدثين بثقة، وتوفي في هذه السنة [4]] وقيل: في سنة ست.
1155- هشام بن القاسم [5] ، أبو النصر الكتاني.
خراساني الأصل [6] ، سمع شعبة، وليث بن سعد.
روى عنه: أحمد بن حنبل. وقيل: كان من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
وقال يحيى: كان ثقة [7] .
توفي في هذه السنة، ودفن في مقابر عبد الله بن مالك بالجانب الشرقي.
1156- يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور، أبو زكريا الفراء، مولى بني أسد
[8] .
من أهل الكوفة. حدث عَن قيس بن الربيع، ومندل بن علي، والكسائي، وأبي
__________
[1] في ت: «أخذ صنعة الحديث ومعرفة الرجال منه» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل والترجمة ساقطة من الأصل وهي من تاريخ بغداد 14/ 50.
[5] في ت وتاريخ بغداد 14/ 63. «هاشم بن القاسم» .
[6] «الأصل» ساقطة من ت.
[7] في الأصل: «هو ثقة» .
[8] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 14/ 149- 150.(10/177)
بَكْر بن عياش، وسفيان بن عُيَيْنَة وكان ثقة إماما.
قال ثعلب: لولا الفراء ما كانت عربية، لأنه خلصها وضبطها. [1] أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء الواسطي قَالَ: أخبرنا محمد بن جعفر بن محمد بن هارون التميمي، حدثنا الحسن بْن دَاوُد، حدثنا أبو جعفر عقدة، أخبرنا أبو بديل الوضاحي قَالَ: أمر أمير المؤمنين المأمون الفراء أن يؤلف ما جمع به أصول النحو وما سمع من العرب، وأمر أن يفرد في حجرة من حجر الدار، ووكل به جواري وخدما يقمن بما يحتاج إليه حتى لا يتعلق قلبه، ولا تتشوق نفسه إلى شيء حتى أنهم كانوا يؤذنونه بأوقات الصَّلاة، وصير له [2] .
الوراقين، وألزمه الأمناء والمنفقين، فكان يملي والوراقون يكتبون، حتى صنف الحدود في سنين، وأمر المأمون بكتبه في الخزائن، فبعد أن فرغ من ذلك خرج إلى الناس، وابتدأ يملي كتاب «المعاني» وكان وراقاه: سلمة وأبا نصر. قال: فأردنا ابن نعد الناس الذين اجتمعوا لإملاء كتاب «المعاني» فلم يضبط. قَالَ: فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضيا، فلم يزل يمليه حتى أتمه، وله كتابان في المشكل، أحدهما أكبر من الآخر، قَالَ: فلما فرغ من إملاء كتاب «المعاني» خزنه الوراقون عن الناس ليكسبوا بِهِ [3] ، وقالوا: لا نخرجه إلى أحد إلا من أراد أن ننسخه له على خمس أوراق بدرهم فشكى الناس [ذلك] [4] إلى الفراء، [فدعا الوراقين] [5] فَقَالَ لهم في ذلك، فقالوا: إنما صحبناك لننتفع بك وكل ما صنفته فليس بالناس إليه من الحاجة ما بهم إلى هذا الكتاب، فدعنا نعيش به. فَقَالَ: فقاربوهم تنتفعوا وتنتفعوا، فأبوا عليه، فقال: سأريكم. وقال للناس:
إني ممل كتاب معان أتم شرحا وأبسط قولا من الذي أمليت. فجلس يملي، فأملى الحمد في مائة ورقة، فجاء [6] الوراقون إليه [7] فقالوا: نحن نبلغ للناس ما يحبون،
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 149.
[2] في ت: «إليه» .
[3] في ت: «ليكتبونه» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، ت وأضفناه من تاريخ بغداد.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل فقط.
[6] في الأصل: «فأتى» .
[7] «إليه» ساقطة من ت.(10/178)
فنسخوا كل عشرة أوراق بدرهم. قَالَ: وكان المأمون قد وكل الفراء يلقن ابنيه النحو، فلما كان يوما أراد [1] الفراء أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدمانه له، فتنازعا أيهما يقدمه، ثم اصطلحا [على] [2] أن يقدم كل واحد منهما فردا، فقدماها، وكان المأمون له على كل شيء صاحب خبر، فرفع ذلك إليه في الخبر، فوجه إلى الفراء فاستدعاه، فلما دخل [3] عليه قال لَهُ: [4] من أعز النَّاسَ؟ قَالَ: ما أعرف أعز من أمير المؤمنين قَالَ: بلى، من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين، حتى/ رضي كل واحد منهما [5] أن يقدم فردا. قَالَ: يا أمير المؤمنين، لقد أردت منعهما من ذلك، ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقًا إليها، أو أكسر نفوسهما عن شريفة حرصا عليها. وقد يروى عن ابن عباس أنه أمسك للحسن والحسين ركابيهما حين خرجا من عنده، فقال له بعض من حضر: أتمسك لهذين الحديثين ركابيهما وأنت أشرف [6] منهما؟ قال لَهُ: اسكت يا جاهل، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل، [وأنا ذو فضل] [7] فقال له المأمون: لو منعتهما عن ذلك لأوجعتك لوما وعتبا، وألزمتك ذنبًا، وما وضع ما فعلاه من شرفهما، بل رفع من قدرهما وبين عن جوهرهما، ولقد تبينت لي مخيلة الفراسة بفعلهما، فليس يكبر الرجل وإن كان كبيرا [عن ثلاث] : [8] عن تواضعه لسلطانه، ولوالده، ولمعلمه العلم، ولقد عوضتهما عما فعلاه عشرين ألف دينار، ولك عشرة آلاف درهم على حسن [9] أدبك لهما [10] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قَالَ: أخبرنا الأزهري قَالَ: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قَالَ: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد،
__________
[1] في ت: «كان في بعض الأيام» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «فدخل» .
[4] «له» ساقطة من ت.
[5] في الأصل: «منهم» .
[6] في ت، وتاريخ بغداد: «أسن» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في الأصل: «عن حسن» .
[10] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 149- 151.(10/179)
حَدَّثَنَا بيان بن يعقوب الرقومي قال: سمعت عبد الله بن الوليد [1] صعودا يَقُولُ: كان محمد بْن الحسن الفقيه ابن خالة الفراء، وكان الفراء يوما [2] عنده [3] جالسا، فقال الفراء: قل رجل أمعن [4] النظر في باب من العلم فأراد غيره إلا سهل عليه، فقال له مُحَمَّد: يا أبا زكريّا، فأنت الآن قد أمعنت [5] النظر في العربية فنسألك عن باب من الفقه؟ قال: هات على بركة اللَّه. قال: ما تقول في رجل صلى/ وسها فسجد سجدتي [6] السهو فسها فيهما؟ ففكر الفراء ساعة، ثم قَالَ: لا شيء عَلَيْهِ قال له محمد: ولم؟ [قال:] [7] لأن التصغير عندنا لا تصغير له [8] [وإنما السجدتان إتمام الصلاة فليس للتمام تمام] [9] . فقال محمد: ما ظننت أن آدميا يلد مثلك [10] .
توفي الفراء ببغداد في هذه السنة. وقد بلغ ثلاثا وستين سنة. وقيل: مات في طريق مكة.
__________
[1] في ت: «ابن أبي ليلى» .
[2] «يوما» ساقطة من ت.
[3] في ت: «عندنا» .
[4] في ت: «أنعم» .
[5] في تاريخ بغداد، ت: «أنعمت» .
[6] في ت، الأصل: «في رجل صلى فيها وسها عن سجدتي السهو» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] «له» ساقطة من ت.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، ت وأضفناه من تاريخ بغداد.
[10] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 152.(10/180)
ثم دخلت سنة ثمان ومائتين
فمن الحوادث فيها:
أن الحسن بن الحسين بن مصعب مضى من خراسان إلى كرمان ممتنعا، فمضى إليه أحمد بْن أبي خالد حتى أخذه، فقدم به على المأمون فعفا عَنْه [1] .
وفيها: ولى المأمون محمد بن عبد الرحمن المخزومي قضاء عسكر المهدي في المحرم، ثم عزله في ربيع الأول وولى بشر بن الوليد الكندي [2] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أَحْمَد بْن عَلِي بْن ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا الأَزْهَرِيُّ، حدثنا علي بن عمر الحافظ، أخبرنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا الحارث بن مُحَمَّد، حدثنا محمد [بن سعد] [3] قَالَ: سنة ثمان ومائتين فيها استعفى محمد بن سماعة القاضي من القضاء، فأعفي وأقره المأمون في صحابته، وولى مكانه القضاء بمدينة السلام إسماعيل بن حمَّاد بن أبي حنيفة وولى مكان إسماعيل حمادا [4] على قضاء الشرقية [5] والكرخ: عكرمة بن طارق، ولبس خلعتين.
وحج بالناس في هذه السنة صالح بن الرشيد [6] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري: 8/ 597.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 597.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «حماد» ساقطة من ت.
[5] في ت: «على القضاء بالشرقة» .
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 597.(10/181)
وجاء سيل إلى مكة حتى نال الماء الحجر [1] والباب، وهدم أكثر من ألف دار، ومات ألف إنسان/.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1157- أسود بن عامر، أبو عبد الرَّحْمَن المعروف بشاذان
[2] .
أصله من الشام، وسمع سفيان الثوري، وشعبة، والحمادين، وابن المبارك وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، ووثقه.
توفي ببغداد هذه السنة.
1158- ثابت بن نصر بن الهيثم، الخزاعي
[3] كان يتولى إمارة الثغور. ويذكر عنه فضل وصلاح [4] وحسن أثر فيما ولي.
توفي في هذه السنة بالمصيصة.
1159- صالح بن عبد الكريم العابد [5]
حدث عَن فضيل بن عياض، وابن عُيَيْنَة. حدث عنه البرجلاني.
أخبرنا أبو منصور [6] القزاز قَالَ: أخبرنا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا أبو طاهر محمد بْن أحمد بن أبي الصقر [7] ، أخبرنا عبد الرحمن بن عثمان الدمشقيّ، حدثنا
__________
[1] في ت: «حتى بلغ الماء الحجر» .
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 34- 35.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 142- 143.
[4] في ت: «ويذكر عنه أحمد بن فضل وصلاح وحسن....» .
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 312- 313.
[6] «أبو منصور» ساقطة من ت.
[7] في ت: «بن أبي الصفراء» .(10/182)
خيثمة بن سليمان الأطرابلسي [1] ، حدثنا أبو العباس النسائي قال: سمعت بعض الأشياخ يقول: قال لي صالح بن عبد الكريم يوما أيش في كمك يا أبا يوسف؟ قُلْتُ:
حديث قَالَ: يا أصحاب الحديث، ما كان ينبغي أن يكون أحد أزهد منكم، إنما تقلبون ديوان الموتى، لعل ليس بينك وبين النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ في كتابك أحد إلا وقد مات.
1160- عبد الله بن بكر بن حبيب، أبو وهب الباهلي الْبَصْرِيّ
[2] .
سكن بغداد، وحدث بها عَن حميد الطويل، وحاتم بن أبي صغيرة، وسعيد بن أبي عروبة روى عَنْه أحمد بن حنبل وأبو خيثمة، والحسن بن عرفة/ وكان ثقة صدوقا.
توفي في محرم هذه السنة.
1161- عمر بن عبد العزيز، أبو حفص الشطرنجي.
كان أبوه من موالي المنصور، ونشأ أبو حفص في دار المهدي [3] ومع أولاده، وتأدب، وكان محبًا للشطرنج فلقب بِهِ، ثم انقطع إلى علية وكان يقول لها الأشعار فيما تريده وكان نديمًا مستحسنا ومؤنسا لطيفا.
روى محمد بن المرزبان عن أبي العباس الكاتب قَالَ: كان الرشيد يحب ماردة جاريته، وكان قد خلفها بالرقة، فلما قدم بغداد اشتاقها فكتب إليها:
سلام على النازح المغترب ... تحية صب به مكتئب
سأستر والستر من شيمتي ... هوى من أحب بمن لا أحب
فلما ورد الكتاب أمرت أبا حفص الشطرنجي بإجابته عنها فأجاب:
أتاني كتابك يا سيدي ... وفيه العجائب كل العجب
أتزعم أنك لي عاشق ... وأنك بي مستهام وصب
__________
[1] في الأصل: «الطرابلسي» .
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 421- 423.
[3] في ت: «أبو حفص مع المهدي» .(10/183)
فلو كان هذا كذا لم تكن ... لتتركني نهزة للكرب
وأنت ببغداد ترعى بها ... نبات اللذاذة مع من تحب
فيا من جفاني ولم أجفه ... ويا من شجاني بما في الكتب
كتابك قد زادني صبوة ... وأشعر قلبي بحر اللهب
فهبني نعم قد كتمت الهوى ... فكيف بكتمان دمع سرب
ولولا اتقاؤك يا سيدي ... لوافتك بي الناجيات النحب
فلما قرأ الرشيد كتابها أنفذ من وقته خادما على البريد/ حتى حدروها [1] إلى بغداد في الفرات.
وروينا أن الرشيد غضب على علية، فأمرت أبا حفص الشطرنجي أن يقول شعرا يعتذر فيه عنها فَقَالَ:
لو كان يمنع حسن العقل صاحبه ... من أن يكون له ذنب إلى أحد
كانت علية أيدي الناس كلهم ... من أن تكافى بسوء آخر الأبد
ما لي إذا غبت لم أذكر بواحدة ... وإن سقمت وطال القسم لم أعد
ما أعجب الشيء أرجوه فأكرمه ... قد كنت أحسب أني قد ملأت يدي
فغنى بها الرشيد فأحضرها وقبل رأسها وقَالَ: لا أغضب عليك أبدا.
وقال عبد الله بن الفضل بن الربيع: دخلت على أبي حفص الشطرنجي أعوده في علته التي مات فيها، فأنشدني لنفسه:
نعى لك ظل الشباب المشيب ... ونادتك باسم سواك الخطوب
فكن مستعدا لداعي الفنا ... فإن الذي هو آت قريب
ألسنا نرى شهوات النفوس ... تفنى وتبقى علينا الذنوب
وقبلك داوى المريض الطبيب ... فعاش المريض ومات الطبيب
يخاف على نفسه من يتوب ... فكيف ترى حال من لا يتوب
__________
[1] في ت: «حتى حدوها» .(10/184)
1162- الفضل بن الربيع بن يونس بن محمد بن أبي فروة، واسم أبي فروة: كيسان، وكنية الفضل: أبو الْعَبَّاس
[1] .
وكان حاجب [2] الرشيد والأمين. وكان أبو العباس أبوه حاجب [3] المنصور والمهدي. وأسند الحديث عَن حميد الطويل، ولما أفضت الخلافة إلى الأمين قدم الفضل عليه من خراسان بالأموال/ والقضيب والخاتم، وكان في صحبة الرشيد إلى أن مات الرشيد [4] بطوس، فأكرمه الأمين وقربه وألقى إليه [5] أن دبر الأمور، وعول عليه في المهمات، وفوض إليه ما وراء بابه، فكان هو الَّذِي يولي ويعزل وتخلى الأمين مستريحا، واحتجب عن الناس فقال أبو نواس:
لعمرك ما غاب الأمين محمد ... عن الأمر يعنيه إذا شهد الفضل
ولولا مواريث الخلافة أنها ... له دونه ما كان بينهما فضل [6]
وإن كانت الأخبار فيها تباين ... فقولهما قول وفعلهما فعل
أرى الفضل للدنيا وللدين جامعا ... كما السهم فيه الفوق والريش والنصل [7]
فلما خلع الأمين، وجاء المأمون إلى بغداد لمحاربته هرب الفضل بن الربيع، فلما قتل الأمين نفى الفضل وطاهر بن الحسين ببغداد فثنى عنانه معه وقَالَ: إن هذا العنان ما ثني إلا لخليفة، فقال له طاهر: صدقت، فسل ما شئت فَقَالَ: تكلم لي أمير المؤمنين فكلمه، فصفح عنه.
وله في هربه قصة طريفة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو القاسم علي بن المحسن التنوخي، عن
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 343.
[2] في ت: «وكان صاحب الرشيد» .
[3] في ت: «أبوه صاحب» .
[4] «الرشيد» ساقطة من ت.
[5] في ت: «وألقى إليه مقاليد» .
[6] هذا البيت ساقط من النسخة ت.
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 344.(10/185)
أَبِيهِ قَالَ: حدثني علي بن هشام الكاتب قَالَ: حدثنا علي بن مقلة قَالَ: حدثني أبو عيسى بْن سعيد الديناري، عن أبي أيوب سليمان بن وهب، عن ابن طالوت كاتب ابن وهب [1] قَالَ: سَمِعْتُ الفضل بن الربيع يَقُولُ: لما استترت عن المأمون أخفيت نفسي عن عيالي وولدي، وكنت أستقل وحدي، فلما قرب المأمون من بغداد زاد حذري وخوفي على نفسي فشددت في الاحتياط والتواري وأفضيت إلى منزل بزاز كنت أعرفه بباب الطاق، وشدد المأمون في/ طلبي، فلم يعرف لي خبرا، فتذكرني يوما واغتاظ وجد بإسحاق بن إبراهيم في طلبي وأغلظ له، فخرج إسحاق من حضرته، فجد بأصحاب الشرط حتى أوقع ببعضهم المكاره، ونادى في الجانبين بأن من جاء بي فله عشرة آلاف درهم وأقطاع بثلاثة آلاف دينار كل سنة، وأن من وجدت عنده بعد النداء ضرب خمسمائة سوط، وهدمت داره، وأخذ ماله، وحبس طول عمره، فما شعرت إلا بصاحب الدار قد دخل علي فأخبرني بخبر النداء، وقال: والله ما أقدر بعد هذا على سترك ولا آمن زوجتي ولا جاريتي ولا غلامي، تشره نفوسهم إلى المال فيدلون عليك فأهلك بهلاكك، فإن صفح الخليفة [عنك] [2] لم آمن أن تتهمني [أنت] [3] أني دللت عليك، فيكون ذلك أقبح، وليس الرأي لي ولك إلا أن تخرج عني. فورد علي أعظم مورد وقلت: إذا جاء الليل خرجت عنك فَقَالَ: ومن يطيق الصبر على هذا إلى الليل، فإن وجدت عندي قبل الليل فكيف يكون حالي؟ وهذا وقت حار، وقد طال عهد الناس بك، فتنكر واخرج فقلت: وكيف أتنكر؟ قَالَ: تأخذ أكثر لحيتك، وتغطي رأسك، وتلبس قميصا ضيقا. ففعلت ذلك، وخرجت في أول أوقات العصر وأنا ميت جزعا، فمشيت في الشارع حتى بلغت الجسر فوجدته خاليا فتوسطته، فإذا بفارس من الجند الذين كانوا يتناوبون في داري أيام وزارتي قد قرب مني وعرفني فَقَال: طلبة أمير المؤمنين والله وعدل إلي ليقبض علي، فمن حلاوة النفس دفعته ودابته، فوقع في بعض سفن البحر، وأسرع الناس لتخليصه وظنوا أنه/ قد زلق لنفسه فزدت أنا المشي من غير عدو لئلا ينكر حالي، إلى أن عبرت الجسر، ودخلت درب سليمان، فوجدت امرأة على باب دار
__________
[1] في ت: «كاتب ابن طاهر» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/186)
مفتوح، فقلت لها: يا امْرَأَة، أنا خائف من القتل فأجيريني واحفظي دمي. قالت: ادخل فأومأت إلى غرفة فصعدتها. فلما كان بعد ساعة إذا بالباب قد دق، فدخل زوجها فتأملته، فإذا هو صاحبي على الجسر، وهو مشدود الرأس يتأوه من شجة لحقته، فسألته المرأة عن خبره، فأخبرها بالقصة وقال لها: قد زمنت دابتي، وقد نفذت بها تباع للحم، وقد فاتني الفتى وجعل يشتمني وهو لا يعلم أني في الدار، فأقبلت [1] المرأة ترقق به حتى [يهدأ] [2] قالت: أَحْمَد الله الذي حفظك ولم تكن سببا [3] لسفك دمه. فلما اختلط الظلام صعدت المرأة إلي فقالت: أظنك صاحب القصة مع هذا الرجل فقلت: نعم فقالت: قد سمعت ما عنده فاتق الله عز وجل في نفسك. واخرج فدعوت لها وخرجت، فوجدت الحراس قد أغلقوا الدروب [4] . فتحيرت، ثم رأيت رجلا يفتح بابا بمفتاح رومي. فقلت: هذا غريب [ليس عنده أحد] [5] ، فدنوت منه، فقلت: استرني سترك اللَّه قَالَ: ادخل فأقمت [عنده] [6] ليلتي، فخرج من الغد وعاد ومعه حمالان: على رأس أحدهما حصير، ومخدة، وجرار، وكيزان، وغضائر جدد، وقدر جديدة، وعلى الآخر:
خبز، وفاكهة، ولحم، وثلج. فدخل فترك ذاك عندي وأغلق الباب، فنزلت وعدلته وقلت لَهُ: لم تكلفت هذا؟ فقال: أنا رجل مزين [7] ، وأخاف أن تستقذرني، وقد أفردت هذا لك، فاطبخ وأطعمني في غضارة أجيء بها من عندي، فأقمت عنده ثلاث ليال، وقلت له في الرابعة: الضيافة ثلاث، وقد أحسنت، وأريد الخروج/ فَقَالَ: لا تفعل، فإني وحيد ولست ممن يطرق بيته أحد ولا تحذر أن يفشو [لك] خبر [8] من عندي أبدًا، فأقم [9] إلى أن يفرج الله عنك. فأبيت، وخرجت فمشيت حتى بلغت باب التين أريد
__________
[1] في ت: «في الدار فجعلت» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «قالت أحمد الله.....» ساقطة من ت.
[4] «الدروب» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «حجام» .
[8] في الأصل: «أن نفشو خبرك» وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «فأتم» .(10/187)
عجوزا من موالينا، فدققت عليها الباب، فخرجت فلما رأتني بكت وحمدت الله تعالى على سلامتي، وأدخلتني الدار ثم بكرت وسعت بي، فما شعرت إلا بإسحاق بخيله ورجله قد أحاط بالدار، فأخرجني حتى وقفني بين يدي المأمون حافيا حاسرا، فلما بصرني المأمون سجد طويلا ثم رفع رأسه. فَقَالَ: يا فضل، تدري لم سجدت؟ فقلت:
شكرا للَّه إذ أظفرك الله بعدو [1] دولتك والمغري بينك وبين أخيك. فَقَالَ: ما أردت هذا، ولكني سجدت شكرا للَّه تعالى على أن أظفرني بك وألهمني [من] [2] العفو عنك، حدثني بخبرك. فشرحته من أوله إلى آخره فأمر بإحضار المرأة مولاتنا، وكانت في الدار تنتظر الجائزة فقال لها: ما حملك على ما فعلت مع إنعامه [3] وإنعام أهله عليك؟ قالت:
رغبت في المال قال: فهل لك من ولد أو زوج أو أخ؟ قالت: لا فأمر بضربها مائتي سوط، وأن تخلد الحبس، ثم قال لإسحاق: أحضر الساعة الجندي وامرأته والمزين فأحضروا، فسأل الجندي عن السبب الذي حمله على فعله، فقال: الرغبة في المال.
فَقَالَ: أنت أولى [4] أن تكون حجاما ليس يحسن أن يكون مثلك [5] من أوليائنا وأمر بأن يسلموه [6] إلى المربين في الدار [7] ويوكل به من يسومه تعلم الحجامة، وأمر باستخدام زوجته في قهرمة دور حرمه. وقَالَ: هذه امرأة عاقلة دينة، وأمر بتسليم دار/ الجندي وقماشه [8] إلى المزين، وأن يجعل رزقه لَهُ، ويجعل [9] جنديا مكانه. وأطلقني إلى داري فرجعت آمنا مطمئنا [وفي رواية أخرى: أن المأمون أمر لتلك المرأة التي أمرته أن يخرج مخافة شر زوجها بثلاثين ألف درهم، فقالت: لست آخذ على فعل فعلته له جزاء إلا منه. وردت المال. وتوفي الفضل في ذي القعدة من هذه السنة] [10] .
__________
[1] في ت: «أظفرك بعدو» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: من إنعامه.
[4] «أولى» ساقطة من ت.
[5] في ت: «أن تكون حجاما أولى من أن يكون من ... » .
[6] في ت: «وأمر أن يسلم» .
[7] «في الدار» ساقطة من ت.
[8] في ت: «وفرسه» .
[9] في ت: «وأن يجعله مثله وجعل» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/188)
1163- كلثوم بن عمرو [بن أيوب] [1] ، العتابي
[2] .
كان خطيبا شاعرا بليغا، وكان منقطعا إلى البرامكة، فوصفوه للرشيد ووصلوه به، فبلغ عنده [كل] [3] مبلغ، ومدح الرشيد وغيره من الخلفاء، ثم كان يتجنب غشيان السلاطين، ويلبس الصوف زهدا. ومن أشعاره في الزهد:
ألا قد نكس [4] الدهر ... فأضحى حلوه مرا
وقد جربت من فيه ... فلم أحمدهم طرا
فألزم نفسك اليأس ... من الناس تعش حرا
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [5] بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلي مُحَمَّد بْن الحسين الجازري [قال:] حَدَّثَنَا المعافى بْن زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بن منصور الحارثي، حدثنا أحمد بْن أبي طاهر قَالَ: حدثني أبو دعامة الشاعر قال: كتب طوق بن مالك إلى العتابي يستزيره ويدعوه إلى أن يصل القرابة بينه وبينه، فرد عليه: إن قريبك من قرب منك خيره وإن عمك من عمك نفعه، وإن عشيرتك من أحسن عشرتك، وإن أحب الناس إليك أجداهم بالمنفعة عليك، ولذلك أقول:
ولقد بلوت الناس ثم سبرتهم ... وخبرت من وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعا ... وإذا المودة أكبر [6] الأنساب [7]
/ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، أخبرنا العتيقي، أخبرنا محمد بْن الْعَبَّاس، أخبرنا علان بن أَحْمَد [8] ، حدثنا قاسم الأنباري، قال: قال
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 488.
[2] ومكانه «فبلغ عنده مبلغا» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «فتش» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 491.
[6] في ت: «أقرب» .
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 488- 489.
[8] «بن أحمد» ساقطة من ت.(10/189)
أَحْمَد بن يحيى: قيل للعتابي: [1] إنك تلقى العامة ببشر وتقريب، فَقَالَ: رفع ضغينة بأيسر مئونة، واكتساب إخوان بأهون مبذول [2] .
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الحسن بن الحسين النعالي قال: أخبرنا أبو الفرج الأصبهاني قَالَ: أخبرني علي بن سليمان، عن محمد بن يزيد قَالَ: كتب المأمون في إشخاص كلثوم بن عمرو العتابي فلما دخل عليه قَالَ: يا كلثوم، بلغتني وفاتك فساءتني، ثم بلغتني وفادتك فسرتني فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، لو قسمت هاتان الكلمتان على أهل الأرض لوسعتاهم فضلا وإنعاما، وقد خصصتني منهما بما لا يتسع له أمنية، ولا ينبسط لسواه [3] أمل، لأنه لا دين إلا بك ولا دنيا إلا معك.
قَالَ: سلني [ما شئت] [4] ، قَالَ: يدك بالعطاء أطلق [5] من لساني بالسؤال [6] فوصله صلات [7] سنية، بلغ به من التقديم والإكرام أعلى محل [8] .
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الحافظ، أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الجبار، أَخْبَرَنَا أبو مُحَمَّد الجوهري، أخبرنا محمد بن عبد الرحيم المازني، أخبرنا أبو بكر الأنباري، حدثنا الحسن بْن علي العنزي، حدثنا النضر العجلي قَالَ: كتب إلي عبد الجبار بن كثير يَقُولُ: حدثنا حسن الصوفي قَالَ: قال لي العتابي كلثوم بن عمرو: قدمت مرة [على أبي عمار بوقر كتبا، فقال: ما عليه؟ قلت: كتب. قَالَ: والله ما ظننته إلا مالا فعدلت] [9] إلى يعقوب بن صالح، فدخلت عليه فأنشدته: /
حسن ظني إليك أصلحك الله ... دعاني فلا عدمت الصلاحا
ودعاني إليك قول رسول الله ... ان قال مفصحا إفصاحا
__________
[1] في ت: «قيل للعتابي لكلثوم» .
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 489.
[3] في ت: «ولا ينبسط له» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] من الأصل: «بالمسألة» .
[7] في ت: «بصلاة» .
[8] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 490.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/190)
إن أردتم حوائجا من أناس ... فتنقوا لها الوجوه الصباحا
فلعمري لقد تنقيت وجها ... ما به خاب من أراد النجاحا
فَقَالَ: ما حاجتك يا كُلْثُوم؟ قُلْتُ: بدرتان، فَقَالَ: أعطوه بدرتين، فانصرفت بهما إلى أبي وقلت: هذا بالكتب التي أنكرت.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ علي [بن حسين] [1] المحتسب، أخبرنا المعافى بن زكريا، أخبرنا أبو بكر بن دريد قَالَ: قال مالك بن طوق للعتابي: رأيتك كلمت فلانا فأقللت كلامك؟ قال: نعم، كان معي حيرة الداخل، وفكرة صاحب الحاجة، وذل المسألة، وخوف الرد مع شدة الطمع [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الحُسَين النعالي، أخبرنا أبو الفرج الأصفهاني قَالَ: ذكر أحمد بن أبي طاهر بن عبد الله بن أَبِي سَعِيد: أن عبد الله بن سعيد بن زرارة حدثه عن محمد بن إبراهيم السيادي قَالَ: لما قدم العتابي مدينة السلام على المأمون أذن لَهُ، فدخل عليه وعنده إسحاق الموصلي، وكان العتابي/ شيخا جليلا، فسلم فرد عليه فأدناه فقبل يده، ثم أمره بالجلوس، فجلس وأقبل عَلَيْهِ فسأله عن حاله وهو يجاوبه بلسان طلق [3] فاستظرف المأمون ذلك منه، وأقبل عليه يداعبه ويمزح [4] ، فظن الشيخ أنه استخف به، فقال: يا أمير المؤمنين، الإيناس قبل الإبشاش فاشتبه على المأمون قوله، فنظر إلى إسحاق مستفهما، فأومأ إليه بعينه، وغمزه حتى فهم، ثم قال: يا غلام، ألف دينار. فأتي بذلك فوضعه بين يدي العتابي، وأخذوا في الحديث، ثم غمز المأمون إسحاق عليه، فجعل العتابي لا يأخذ في شيء إلا عارضه فيه إسحاق، فبقي العتابي متعجبا، ثم قَالَ: يا أمير المؤمنين، أتأذن في مسألة هذا الشيخ عن اسمه، قال: نعم سله. فقال [لإسحاق] : [5]
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 491.
[3] في ت: «وهو يجبه بلسان زلق» .
[4] في ت: «بالمداعبة والمزح» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/191)
يا شيخ، من أنت، وما اسمك؟ فَقَالَ: أنا من الناس، واسمي كل بصل فتبسم العتابي، ثم قال: أما النسب فمعروف، وأما الاسم فمنكر فقال له إسحاق: إنما قل إنصافك، أتنكر أن يكون اسمي كل بصل، واسمك كل ثوم، وما كلثوم في الأسماء أو ليس البصل أطيب من الثوم؟ فقال لَهُ العتابي: للَّه درك، ما أرجحك أيأذن لي أمير المؤمنين أن أصله بما وصلني بِهِ. فقال لَهُ المأمون: ذلك موفر عليك، ونأمر له بمثله، فقال له إسحاق أما إذ أقررت بهذه فتوهمني تجدني. فقال لَهُ: ما أظنك إلا إسحاق الموصلي الذي يتناهى/ إلينا خبره [1] ؟ قَالَ: أنا حيث ظننت، وأقبل عليه بالتحية [2] والسلام، فقال له المأمون وقد طال الحديث بينهما- أما [3] إذا اتفقتما على المودة فانصرفا. فانصرف العتابي إلى منزل إسحاق فأقام عنده [4] .
وقد روينا أن العتابي دخل على عبد الله بن طاهر فأنشده:
حسن ظني وحسن ما عودني الله ... سواء منك الغداة أتى بي
أي شيء يكون أحسن من ... حسن يقين حدا إليك ركابي
فأمر له بصلة، ثم دخل عليه من الغد فأنشده:
ودك يكفيني في حاجتي ... ورويتي كافية عن سؤالي
وكيف أخشى الفقر ما عشت لي ... وإنما كفاك رأس مالي [5]
فأمر له بجائزة، ثم [6] دخل عليه في اليوم الثالث [7] فأنشده:
بهجات الشباب يخلقها الدهر ... وثوب الثناء غض جديد
__________
[1] في الأصل: «الّذي نباهي بك الساخرة» .
[2] في الأصل: «بالصحبة» وما أثبتناه من ت وتاريخ بغداد.
[3] «وأما» ساقطة من ت.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 489- 490.
[5] من أول: «فأمر له بصلة....» حتى «..... كفاك رأس مالي» ساقط من ت.
[6] «ثم» ساقطة من ت.
[7] في ت: «دخل عليه من الغد» .(10/192)
فاكسني ما يبيد أيدك [1] الله ... فإني أكسوك ما لا يبيد
فأجازه وخلع عليه، وكان قد سعي بالعتابي إلى الرشيد [وطلبه] [2] فأخفاه جعفر بن يحيى وجعل يصلح [3] قلب [4] الرشيد عليه [5] حتى آمنه فَقَالَ: /
ما زلت في غمرات الموت منطرحا ... قد ضاق عني فسيح الأرض من حيلي
فلم تزل دائبا تسعى بلطفك لي ... حتى اختلست حياتي من يد الأجل
1164- القاسم بن الرشيد
[6] .
سماه الرشيد [7] المؤتمن، وخطب له بالخلافة بعد الأمين والمأمون، وعقد فيما [8] عقد له أن الأمر إذا صار إلى المأمون كان أمر [9] المؤمنين مفوضا إليه، إن شاء أقره وإن شاء [عزله] [10] واستبدل به من أراد [11] من أخوته وولده، فلما صار الأمر [12] إلى المأمون خلعه المأمون [13] في سنة ثمان وتسعين، وكتب بخلعه إلى الآفاق وترك الدعاء له على المنابر.
__________
[1] في ت: «أصلحك الله» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «وجعل يستصلح» .
[4] «قلب» ساقطة من ت.
[5] «عليه» ساقطة من ت.
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 402. والنجوم الزاهرة 2/ 119. والكامل لابن الأثير 5/ 57، 60، 62، 97، 131.
[7] في ت: «هو المؤتمن» .
[8] «وعقد فيما» ساقطة من ت.
[9] في ت: «أمير المؤمنين» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في ت: «رأى من إخوته» .
[12] في ت: «فلما خلص الأمر» .
[13] في ت: «للمأمون خلع المؤتمن» .(10/193)
وتوفي المؤتمن ببغداد في [صفر] [1] هذه السنة، وله خمس وثلاثون سنة، وحضره المأمون وصلى عَلَيْهِ.
1165- محمد بن إسماعيل [بن يوسف، أبو إسماعيل السلمي [2]] التِّرْمِذِيّ
[3] سمع محمد بن عبد الله الأنصاري، وأبا نعيم وقبيصة، وغيرهم، وكان ثقة فهما متقنا مشهورًا بمذاهب السنة، سكن بغداد وحدث بها، فروى عنه: أبو بكر بن أبي الدنيا، وابن صاعد، والمحاملي، وروى عنه: أبو عيسى الترمذي، وأبو عبد الرحمن النسائي في كتابيهما. وقال أبو بكر الخلال: هو رجل [4] ثقة كثير العلم.
قال [ابن] [5] المنادي: توفي بمدينتنا لأيام مضت من رمضان سنة ثمان ومائتين.
1166- مسلم بن الوليد، أبو الوليد الأنصاري، مولى أسعد بن زرارة الخزرجي [6] .
[شاعر] [7] قدم على الرشيد/ ومدحه، فسماه صريع الغواني، لقوله:
هل العيش إلا أن تروح مع الصبا ... وتغدو صريع الكأس والأعين النجل [8]
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ [أَحْمَدُ] [9] بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أبو بكر [10] التنوخي، أَخْبَرَنَا محمد بن عبد الرحيم المازني، حدثنا أبو بكر بن الأنباري، حدثنا أبو الحَسَن البراء عن شيخ لَهُ قَالَ: قال مسلم بن الوليد ثلاثة أبيات تناهى فيها وزاد على كل الشعراء: أمدح بيت، وأرثى بيت، وأهجى بيت. وأما المدح: فقوله:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 42.
[4] «رجل» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 96- 98.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 97.
[9] في ت: «أخبرنا أحمد بن علي» .
[10] «أبو بكر» ساقطة من ت.(10/194)
تجود بالنفس إذ ضن البخيل بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وأما الهجاء: فقوله:
قبحت مناظره فحين خبرته ... حسنت مناظره بقبح المخبر
وأما الرثاء، فقوله:
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه ... فطيب تراب القبر دل على القبر
وبلغنا أن أعرابيا دخل على ثعلب فقال لَهُ: أنت الذي يزعم [الناس] [1] أنك أعلم الناس بالأدب؟ قَالَ: كذا يزعمون قَالَ: أنشدني أرق بيت قالته العرب وأسلمه. فقال:
قول جرير/
إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلتنا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله إنسانا
فقال: هذا شعر رث، قد لاكه السفهاء [2] بألسنتها، هات غيره. فقال ثعلب:
أفدنا من عندك قال: قول مسلم بن الوليد صريع الغواني:
نبارز أبطال الوغى فنصدهم [3] ... وتقتلنا في السلم لحظ الكواعب
وليست سهام الحرب تفني نفوسنا ... ولكن سهام فوقت في الحواجب
فقال ثعلب اكتبوها على المحاجر ولو بالخناجر.
1167- معاذ بن المثنى [بن معاذ] ، [4] أبو المثنى العنبري
[5] .
سكن بغداد، وحدث بها عن مسدد، والقعنبي، روى عنه: صاعد بن مخلد، وكان ثقة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «قد لاكه السفلة» .
[3] في ت: «بيدهم» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13 (36) - 137-.(10/195)
توفي في ربيع الأول من هذه السنة، ودفن في مقابر [1] باب الكوفة إلى جنب الكديمي.
1168- أبو معاوية الأسود، واسمه: اليمان [2] .
أخبرنا أبو بكر العامري قال: أخبرنا ابن أبي صادق قال أخبرنا ابن باكويه قال:
حدثنا عبد العزيز بن الفضل، حدثنا محمد بن أحمد المروروذي، حدثنا عبد الله بن سليمان/، حدثنا نصير بن الفرج قال: كان معاوية قد ذهب بصره، وكان إذا أراد أن يقرأ فتش المصحف [3] وفتحه فيرد [4] الله عليه بصره، فإذا أطبق المصحف ذهب بصره [5] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ محمد العلاف، أخبرنا أبو الحسن الحمامي، أخبرنا إسماعيل بن علي الخطابي [6] ، حدثنا أبو علي الحسين بن الفهم قال: سمعت يحيى بن معين يقول: رأيت أبا معاوية الأسود وهو يلتقط الخرق من المزابل فيلفقها ويغسلها، فقيل له: يا أبا معاوية، إنك تكسى. فقال: ما ضرهم ما أصابهم في الدنيا جبر الله لهم بالجنة كل مصيبة.
1169- يعقوب بن إبراهيم بن سعد بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أبو يوسف الزهري
[7] .
[سكن بغداد، و] [8] حدّث عن أبيه عن شعبة [9] ، روى عنه: أحمد، ويحيى، وعلي، وأبو خيثمة.
__________
[1] في ت: «في مقبرة» .
[2] في الأصل: «اليماني» .
[3] في ت: «يقرأ في الصحف» .
[4] في ت: «وفتحه رد الله» .
[5] «فإذا أطبق المصحف ذهب بصره» ساقطة من ت.
[6] في ت: «الخطبيّ» .
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 14/ 268- 269.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في الأصل: «سميه» .(10/196)
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: [1] أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا الأزهري، حدثنا محمد بن العباس، حدثنا أحمد بن معروف، حدثنا الحسين بن [2] فهم، حدثنا محمد بن سعد. قال:
يعقوب بن إبراهيم بن سعد كان ثقة مأمونا، تقدم على أخيه في الفضل والورع والحديث، ثم لم يزل ببغداد ثم خرج إلى الحسن بن سهل- وهو بفم الصلح- فلم يزل معه حتى توفي هناك في شوال سنة ثمان ومائتين، وكان أصغر من أخيه سعد بأربع سنين [3] .
1170- يونس بن محمد بن مسلم، أبو مسلم المؤدب
[4] .
سمع الحمادين والليث [5] /. روى عنه: أحمد، وعلي، وأبو خيثمة، وكان ثقة صدوقا.
توفي في صفر هذه السنة.
__________
[1] «بن محمد قال» ساقطة من ت.
[2] في الأصل: «حدثنا يحيى بن فهم» .
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 269.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 14/ 350.
[5] في الأصل: «والكتب» .(10/197)
ثم دخلت سنة تسع ومائتين
فمن الحوادث فيها:
أن عبد الله بن طاهر حاصر نصر بن شبث، [1] وضيق عليه حتى طلب الأمان، فكتب عبد الله بن طاهر [2] إلى المأمون يخبره فكتب له كتاب أمان [3] .
وفيها: ولى المأمون صدقة بن علي المعروف بزريق أرمينية، وأذربيجان، ومحاربة بابك. [4] وفيها: بويع لإبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس، وهو يعرف بابن عائشة، وهي عائشة بنت سليمان بن علي جدته أم أبيه، فولد عبد الوهاب ينتسبون إليها [5] ، وأختها لأبيها وأمها زينب بنت سليمان بن [6] علي، وكانت تحت محمد بن إبراهيم الإمام، فولده منها ينتسبون إليها، فبويع لإبراهيم ابن عائشة سرا في هذه السنة، بايع له جماعة من قواد المأمون منهم:
محمد بن إبراهيم الإفريقي، ومالك بن شاهك، فسعي بهم وبه إلى المأمون.
__________
[1] في ت: «بن شبيث» .
[2] «بن طاهر» ساقطة من ت.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 598- 599.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 601.
[5] «فولد عبد الوهاب ينتسبون إليها» ساقطة من ت.
[6] «سليمان بن» ساقطة من ت.(10/198)
فحبسهم ثم أخرجهم في السنة التي تليها، فضرب أعناقهم وأمر بصلبهم، وكان ابن عائشة أول عباسي صلب في الإسلام [1] ، وحج بالناس في هذه السنة صالح بن العباس بن محمد بن علي، وكان إذ ذاك واليا على مكة/ [2]
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1171- أحمد بن الرشيد، وقيل: اسمه صالح، ويكنى: أبا عيسى
كان من أحسن الناس وجها، وكان إذا عزم على الركوب جلس الناس لرؤيته أكثر مما يجلسون لرؤية الخلفاء. وقال له الرشيد يوما [وهو صبي: [3]] ليت حسنك لعبد الله- يعني المأمون- فقال له: على أن حظه منك لي [4] . فعجب الرشيد من جوابه على صباه. وكان المأمون قد أعده للخلافة بعده، وكان شديد الحب له، حتى كان يقول: إنه ليسهل [5] علي الموت وفقد الملك لمحبتي أن يلي أبو عيسى [الأمر بعدي] [6] لشدة محبتي إياه. فمات أبو عيسى في خلافة المأمون هذه السنة، وصلى عليه المأمون ونزل قبره، وامتنع من الطعام أياما.
قال أحمد بن أبي داود: دخلت على المأمون وقد توفي أخوه أبو عيسى- وكان محبا له- وهو يبكي، فقعدت إلى جانب عمر بن مسعدة، وتمثلت قول الشاعر:
نقص من الدنيا ولذاتها ... نقص المنايا من بني هاشم
فلم يزل يبكي ثم مسح عينيه وتمثل:
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 602- 604.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 601.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «لي» ساقطة من ت.
[5] في ت: «لقد سهل» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/199)
سأبكيك ما فاضت دموعي فإن تغص ... فحسبك مني ما تجن الجوانح [1]
كأن لم يمت حي سواك ولم تقم ... على أحد إلا عليك النوائح
/ ثم التفت إلي فقال: هيه. قال أحمد: فتمثلت بقول عبدة بن الطيب:
عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من أوليته منك نعمة ... إذا زار عن سخط بلادك سلما
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما
فبكى ساعة ثم التفت إلى عمرو بن مسعدة.
فقال: هيه يا عمر. فقال:
بكوا حذيفة لن تبكوا مثله ... حتى تعود قبائل لم تخلق
قال: فإذا عريب وجوار معها، فسمعن ما يدور بيننا. فقالت: اجعلوا لي معكم في القول نصيبًا فقال المأمون: قولي: فقالت:
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر ... فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
كأن بني العباس يوم وفاته ... نجوم سماء خر من بينها البدر
فبكى المأمون وبكينا، ثم قال المأمون: نوحي به. فناحت، ورد عليها الجواري، فبكى المأمون حتى كادت [2] نفسه تذهب [3] .
وكان سبب موته: أنه خرج إلى الصيد فوقع عن دابته فلم يسلم دماغه، فكان يصرع في اليوم مرات، فكان سبب موته.
وفي رواية: أنه رأى هلال رمضان فقال:
دعاني شهر الصوم لا كان من شهر ... ولا صمت شهرا بعده آخر الدهر
فلو كان يعديني الإمام بقدره ... على الشهر لاستعديت جهدي على الشهر
__________
[1] في ت: «فحسبك ما مكن الجوانح» .
[2] في ت: «حتى قلت: قد حان» .
[3] «تذهب» ساقطة من ت.(10/200)
فأصابه عقيب هذا القول صرع، فكان يصرع في اليوم مرات إلى أن مات، ولم يبلغ شهرا مثله.
1172- بشر بن منصور السليمي
[1] .
روى عن الثوري.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي الْقَاسِم، أَخْبَرَنَا حمد بْن أحمد الحداد، أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أخبرنا أحمد بن الحسين، حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: حدثني العباس بن الوليد قال: أتينا بشر بن منصور بعد العصر فخرج إلينا وكأنه متغير، فقلت له: يا أبا محمد لعلنا شغلناك عن شيء، فرد ردا ضعيفا، ثم قال: ما أكتمكم- أو كلمة نحوها- كنت أقرأ في المصحف فشغلتموني. ثم قال: ما أكاد ألقى أحدا فأرتج عليه شيئا.
1173- الحسن بن موسى، أبو علي الأشيب
[2] .
سمع شعبة، وحماد بن سلمة، روى عنه: أحمد، وأبو خيثمة. وكان أصله من خراسان فأقام ببغداد وحدث بها، وولي القضاء بالموصل وحمص للرشيد، ثم قدم بغداد في خلافة المأمون فولاه قضاء طبرستان، فتوجه إليها.
فتوفي في الري في هذه السنة.
قال يحيى بن معين: كان ثقة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْعَلاءِ الْوَاسِطِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ [3] بن العباس بن أحمد بن الفرات، حدثنا علي بن محمد بن سعيد الموصلي، حدثنا أبو أيوب [سليمان بن أيوب] [4] الخياط، حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي قال: كان بالموصل بيعة للنصارى
__________
[1] انظر ترجمته في: الأنساب 7/ 124.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 426.
[3] في الأصل تكرر: «أخبرنا محمد، أخبرنا أحمد بن علي الخطيب» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/201)
قد خربت، فاجتمع النصارى إلى الحسن بن موسى الأشيب وجمعوا له مائة ألف درهم على أن يحكم بها/ حتى تبنى، فقال: ادفعوا المال إلى بعض الشهود. فلما حضروا الجامع قال للشهود: أشهدوا علي بأني حكمت بأن لا تبنى هذه البيعة. فانصرف النصارى، ورد عليهم مالهم، ولم يقبل منهم درهما واحدا والبيعة خراب.
قال الخطيب: إنما فعل ذلك لثبوت البينة عنده أن البيعة محدثة بنيت في الإسلام [1] .
1174- سعيد بن وهب، أبو عثمان [2] مولى بني أسامة بن لؤي
[3] .
كان شاعرا من أهل البصرة، فأكثر القول في الغزل والخمر والمجون، وتصرف مع البرامكة، وتقدم عندهم، ودخل على الفضل بن يحيى يوما وقد جلس للشعراء فجعلوا ينشدونه ويأمر لهم بالجوائز حتى لم يبق منهم أحد ثم التفت إلى سعيد بن وهب كالمستنطق له. فقال له: أيها الوزير، إني ما كنت استعددت لهذه الحال، ولكن قد حضرني بيتان أرجو أن ينوبا عن قصيدة فقال: هاتهما، فرب قليل أبلغ من كثير. فقال:
مدح الفضل نفسه بالفعال ... فعلا عن مديحنا بالمقال [4]
أمروني بمدحه قلت كلا ... كبر الفضل عن مديح الرجال [5]
فطرب الفضل وقال [له] [6] : أحسنت والله وأجدت، ولئن قل القول وندر لقد اتسع المعنى وكثر، ثم أمر له بمثل ما أعطى كل من أنشده يومئذ، وقال: لا خير فيما يجيء بعد بيتيك وقام من المجلس، وخرج الناس لا يتناشدون إلا البيتين [7] ، وكان لسعيد بن وهب عشرة بنين، وعشر بنات.
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 7/ 427.
[2] في الأصل: «أبو عبد الرحمن» .
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 73- 74.
[4] في الأصل: «بالمال» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 73.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «لا يتناشدون غيرهما» .(10/202)
وحكي عنه من التحرم واللعب أشياء، ثم أنه تاب وتنسك وترك قول الشعر/، وخرق جميع ما عنده منه وأحرقه [1] ، وصار كثير الصلاة وحج على قدميه.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد الصفار، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا قال: حدثني الحسين بن عبد الرحمن قال: حج سعيد بن وهب ماشيا فبلغ منه وجهد، فقال:
قدمي اعتورا رمل الكثيب ... واطرقا الآجر من ماء القليب
رب يوم رحتما فيه على ... زهرة الدنيا وفي واد خصيب
وسماع حسن من حسن ... صخب المزهر كالظبي الربيب
فاحسبا ذاك بهذا وأجرا ... وخذا من كل فن بنصيب
إنما أمشي لأني مذنب ... فلعل الله يعفو عن ذنوبي [2]
روينا أن أبا العتاهية كان صديقا لسعيد بن وهب، فلما مات سعيد جاء رجل فسار أبا العتاهية بشيء. فقال له: ما قال لك؟ قال لي: مات سعيد بن وهب، رحم الله سعيد بن وهب:
يا أبا عثمان أبكيت عيني ... يا أبا عثمان أوجعت قلبي
قال: فعجب الناس من طبع أبي العتاهية حيث أراد أن يتكلم فجاء بالكلام شعرا.
1175- سعيد بن مسلم بن قتيبة بن مسلم بن عمرو بن الحصين، أبو محمد الباهلي
[3] .
بصري الأصل، سمع عبد الله بن عون وطبقته. وقد كان سكن خراسان، وولاه السلطان بعض الأعمال بمرو. قدم بغداد وحدث بها [4] ، روى عنه: ابن الأعرابي، وكان عالما بالحديث والعربية، / إلا أنه كان لا يبذل نفسه للناس.
__________
[1] «وأحرقه» ساقطة من ت.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 73- 74.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 74- 75.
[4] في ت: «وحدث عنه» .(10/203)
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الأزهري قال: أخبرنا علي بن عمر الحربي قال: أخبرنا حاتم بن الحسن الشاشي، حدثنا علي بن خشرم قال: حدثني سعيد بن مسلم بن قتيبة قال: خرجت حاجا ومعي قباب وكنائس، فدخلنا البادية فتقدمت القباب والكنائس على حمير لي، فمررت بأعرابي محتب على باب خيمة له، وإذا هو يرمق القباب والكنائس، فسلمت عليه فقال: لمن هذه القباب والكنائس؟ قال: قلت: لرجل من باهلة قال: تاللَّه ما أظن الله يعطي الباهلي كل هذا، قال: فلما رأيت إزراءه للباهلية دنوت منه فقلت: يا أعرابي، أتحب أن تكون لك هذه القباب والكنائس وأنت رجل من باهلة؟ فقال: لا ها الله.
فقلت: أتحب أن تكون أمير المؤمنين وأنت رجل من باهلة؟
[قال: لا ها للَّه. قال: قلت: أتحب أن تكون من أهل الجنة وأنت رجل من باهلة؟ قال: بشرط] [1] قلت: وما ذلك الشرط؟ قال: أن لا يعلم أهل الجنة أني باهلي.
قال: ومعي صرة دراهم، فرميت بها إليه فأخذها وقال: لقد وافقت مني حاجة فلما ضمها إليه قلت له: أنا رجل من باهلة، فرمى بها إلي وقال: لا حاجة لي فيها. فقلت:
خذها إليك يا مسكين فقد ذكرت من نفسك الحاجة. فقال: لا أحب أن ألقى الله ولباهلي عندي يد. فقدمت فدخلت على المأمون، فحدثته حديث الأعرابي، فضحك حتى استلقى على قفاه وقال لي: يا أبا محمد، ما أصبرك. وأجازني بمائة ألف درهم [2] /.
1176- عبد الله بن أيوب، [أبو محمد] التيمي
[3] .
من تيم اللات بن ثعلبة أحد شعراء الدولة العباسية، مدح الأمين، فأمر له بمائتي ألف درهم، ومدح المأمون.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرني
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 74- 75.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 411- 413. ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/204)
عليّ بن أيوب التيمي، أخبرنا محمد بن عمران الكاتب قال: أخبرني الصولي قال:
حدثني عَبْد الله بن الحُسَين قَالَ: حدثني البختري، عن إبراهيم بن الحسن بن سهل قَالَ: كان المأمون يتعصب للأوائل من الشعراء ويقول: انقضى الشعر مع ملك بني أمية، وكان عمي الفضل بن سهل يقول لَهُ: الأوائل حجة وأصول، وهؤلاء أحسن تفريعا، إلى أن أنشده يوما عبد الله بْن أيوب التيمي شعرا مدحه فيه فلما بلغ قوله:
ترى ظاهر المأمون أحسن ظاهر ... وأحسن منه ما أجن وأضمرا
يناجي له نفسا تريع بهمة ... إلى كل معروف وقلبا مطهرا
ويخشع إكبارا له كل ناظر ... ويأبى لخوف الله أن يتكبرا
طويل نجاد السيف مضطمر الحشا ... طواه طراد الخيل حتى تحسرا
رفل إذا ما السلم رفل ذيله ... وإن شمرت يوما له الحرب شمرا
/ فقال للفضل: ما بعد هذا مدح [1] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا المعافى بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ منصور الحارثي قَالَ:
حدثنا أَبُو إسحاق الطلحي قَالَ: حدثني عبد الله بن القاسم قال: عشق التيمي جارية عند بعض النخاسين فشكا وجده بها إلى أبي عيسى بن الرشيد فقال أبو عيسى للمأمون:
يا أمير المؤمنين إن التَّيْمي يجد بجارية [2] لبعض النخاسين وقد كتب إلي بيتين يسألني فيهما، فقال لَهُ: ما كتب إليك [3] فأنشده:
يا أبا عيسى إليك المشتكى ... وأخو الصبر [4] إذا عيل بكى
ليس لي صبر على هجرانها ... وأعاف المشرب المشتركا
فأمر له بثلاثين ألف درهم فاشتراها [5] .
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 411- 412.
[2] في ت: «قد عشق» .
[3] في ت: «إليه» .
[4] في ت: «الضر» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 412.(10/205)
1177- عثمان بن عمر بن فارس بن لقيط بن قيس [1] ، أبو محمد، وقيل: أبو عدي الْبَصْرِيّ.
حدث عَن يونس بن يزيد، ومالك بن أنس، وشعبة. روى عَنْه: أحمد بن حنبل، وابن راهويه، وعباس الدوري. وكان ثقة صالحا ثبتا.
توفي فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقِيلَ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ. وقيل: سنة ثمان.
1178- معمر بن المثنى، أبو عبيدة، التيمي البصري النحوي العلامة
[2] .
ولد سنة عشر ومائة في الليلة التي مات فيها الحسن البصري. وأسند الحديث عَن هشام بْن عُرْوَة وغيره. وروى عَنْه: أبو عبيدة، وأبو عثمان المازني، وأبو حاتم، وغيرهم. وكان ثقة أثنى عليه ابن المديني وصحح روايته وقال: ما يحكي عن العرب [إلا الشيء] [3] الصحيح [4] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد/ قال: أخبرنا أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي علي بن أيّوب قَالَ: أخبرنا المرزباني قَالَ: أخبرني الصولي قَالَ: حدثنا محمد بن الفضل بن الأسود، حدّثنا علي بن محمد النوفلي قَالَ: سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى يَقُولُ: أرسل إلي الفضل بن الربيع إلى البصرة في الخروج إليه فقدمت عليه فدخلت وهو في مجلس له طويل عريض فيه بساط واحد قد ملأه، وفي صدره فرش عالية، لا يرتقي إليها إلا [على] [5] كرسي- وهو جالس عليها- فسلمت بالوزارة [6] ، فرد وضحك [إلي] [7] واستدناني، حتى جلست وسألني وبسطني وألطفني، وقَالَ:
أنشدني: فأنشدته من عيون أشعار أحفظها جاهلية فَقَالَ: قد عرفت أكثر هذه، وأريد من صلح الشعر. فأنشدته، فطرب وضحك، وزاد نشاطه، ثم دخل رجل في زي الكتاب له
__________
[1] «بن قيس» ساقطة من ت. انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 282.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 252- 258.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 257 وفي الأصل: «ما يحكيه عن العرب صحيح» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «فسلمت عليه بالوزارة» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/206)
هيئة فأجلسه إلى جانبي، وقال [له] [1] : أتعرف هذا؟ قال: لا. قَالَ: هذا أبو عبيدة علامة أهل البصرة، أقدمناه لنستفيد من علمه، فدعا له الرجل وقرظه لفعله هذا. وقال [لي] [2] : إني كنت إليك لمشتاق، وقد كنت سئلت عن مسألة أفتأذن لي أن [3] أعرفك إياها؟ قلت: هات. قال: قوله تعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ 37: 65 [4] وإنما يقع الوعد والإيعاد بما قد عرف مثله، وهذا لم يعرف. فَقَالَ: إنما كلم الله تعالى العرب على قدر كلامهم، أما سمعت قول امرئ القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال/
وهم [5] لم يروا الغول قط، ولكنه لما كَانَ أمر الغول يهولهم أوعدوا [6] به، فاستحسن الفضل ذَلِكَ. [واستحسنه] [7] السائل أيضا [8] واعتقدت من ذلك اليوم أن أضع كتابا في القرآن لمثل هذا [وأشباهه] [9] ، فلما رجعت عملت كتابي الذي سميته «المجاز» [10] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ [11] قَالَ:
أخبرني علي بن أيّوب قَالَ: أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قَالَ: حدثني عبد الله بن جعفر، أخبرنا المبرد- أحسبه عن الثوري [12]- قَالَ: بلغ أبا عبيدة أن الأصمعي يعيب
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «أريد أن أعرفك» .
[4] سورة: الصافات: الآية: 65.
[5] في ت: «والعرب»
[6] في ت: «يهولهم لروه به» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] «أيضا» ساقطة من ت.
[9] ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ بغداد.
[10] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 254.
[11] «الحافظ» ساقطة من ت.
[12] في ت: «التوزي» .(10/207)
عليه تأليفه كتاب «المجاز» في القرآن وأنه قَالَ: يفسر كتاب الله [1] برأيه. قال: فسأل عن مجلس الأصمعي في أي يوم هُوَ؟ فركب حماره في ذلك [2] اليوم ومر بحلقة [3] الأصمعي فنزل عَن حماره، وسلم عليه، وجلس عنده وحادثه، ثم قال لَهُ: يا أبا سعيد، ما تقول في الخبز، أي شيء هُوَ؟ قال: هو هذا الذي نأكله ونخبزه، فقال له أبو عبيدة: قد فسرت كتاب الله برأيك، فإن الله تعالى يَقُولُ: أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً 12: 36 [4] فقال الأصمعي:
هذا شيء بان لي فقلته [5] ، لم أفسره برأيي. فقال أبو عبيدة: والذي تعيب علينا كله [شيء] [6] بان لنا فقلناه ولم نفسره [7] برأينا. ثم قام فركب حماره وانصرف [8] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا حمزة بْن مُحَمَّد [9] بْن طاهر الدقاق قَالَ: أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسن بن الفضل [10] بن المأمون، أخبرنا أبو بكر بْن الأنباري قَالَ: حَدَّثَني أبي، حدثنا الحسن [11] بن عليل العنزي قَالَ: أخبرنا أبو عثمان المازني قال: سمعت أبا عبيدة يقول: دخلت على الرشيد/ فقال لي: يا معمر، بلغني أن عندك كتابا حسنًا في صفة «الخيل» [12] أحب أن أسمعه منك، فقال الأصمعي: وما تصنع بالكتاب؟ تحضر فرسا ونضع أيدينا على عضو عضو منه ونسميه ونذكر ما فيه، فقال الرشيد: يا غلام، فرس. فأحضر فرس، فقام الأصمعي فوضع يده على عضو عضو ويقول: هذا كذا، قال فيه الشاعر كذا، حتى انقضى قوله.
__________
[1] في ت: «يفسر القرآن» .
[2] «ذلك» ساقطة من ت.
[3] في ت: «ومر بحلفه» .
[4] سورة: يوسف، الآية: 36.
[5] في ت: «فعلته» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «ولم نفسر» .
[8] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 255.
[9] «بن محمد» ساقطة من ت.
[10] «محمد بن طاهر بن الفضل» ساقطة من ت.
[11] في ت: «الحسين»
[12] في ت: «الخليل» .(10/208)
فَقَالَ لي الرشيد: ما تَقُولُ فيما قَالَ؟ قُلْتُ: قد أصاب في بعض، وأخطأ في بعض، فالذي أصاب فيه مني تعلمه، والذي أخطأ فيه لا أدري من أين أتى به [1] .
توفي أبو عبيدة بالبصرة في هذه السنة. وقيل: سنة ثمان. وقيل: سنة إحدى عشرة. وقيل: سنة ثلاث عشرة. وبلغ ثلاثا وتسعين سنة.
1179- ميخائيل صاحب الروم
مات في هذه السنة، كان ملكه تسع سنين، وملّكت الروم ابنه تيوفيل.
__________
[1] في ت: «لا أدري من أتى» . انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 255- 256.(10/209)
ثم دخلت سنة عشر ومائتين
فمن الحوادث فيها:
وصول نصر بن شبث إلى بغداد، وكان [1] المأمون قد أرسله في زمن محاربته بالطف فأذعن، فاشترط أن لا يطأ بساطه، فقال المأمون: لا والله حتى يطأ بساطي وما باله ينفر مني؟! فقيل: لأجل جرمه [2] ، فَقَالَ: أتراه أعظم جرما عندي من الفضل بن الربيع، ومن عيسى بن أَبِي خالد؟! أما الفضل فأخذ قوادي وأموالي وجنودي وسلاحي وجميع ما أوصى لي أبي به، فذهب بِهِ إلى محمد وتركني بمرو وحيد فريدا، وأفسد علي أخي حتى كان من أمره ما كان/، وأما عيسى فطرد خليفتي من مدينتي، وذهب بخراجي، وخرب دياري، وأقعد إبراهيم خليفة. فقيل لَهُ: أما الفضل فصنيعتكم ومولاكم، وأما عيسى فمن أهل دولتكم وله ولسلفه [3] سابقة، وأما نصر فلا يد له يحتمل لأجلها، ولا لسلفه، فَقَالَ: لا أقلع عنه حتى يطأ بساطي، فحضره عبد الله بْن طاهر حتى طلب الأمان وأقدمه على المأمون في يوم الثلاثاء لسبع خلون من صفر فأنزله مدينة المنصور ووكل به من يحفظه [4] .
وفيها: ظهر [5] المأمون على جماعة كانوا يسعون في البيعة لإبراهيم بن المهدي، منهم: إبْرَاهِيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام، الّذي يقال له:
__________
[1] في ت: «وقد كان» .
[2] في ت: «فأذعن فقيل له في جرمه» .
[3] «لسلفه» ساقطة من ت.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 602- 604.
[5] في ت: «قبض المأمون» .(10/210)
ابن عائشة. ومحمد بن إبراهيم الإفريقي، ومالك بن شاهين، وفرج البغراوي، فأمر بإبراهيم بن عائشة، فأقيم في الحبس [1] ثلاثة أيام [في الشمس] [2] ، ثم ضرب بالسياط وحبس، وضرب مالك بْن شاهين وأصحابه وحبسهم [3] ، فرفع عليهم أهل السجن أنهم يريدون أن ينقبوا السجن [4] ، فركب المأمون بنفسه فقتلهم وصلبهم [على الجسر] [5] .
قال أبو بكر الصولي: ركب المأمون ليلا إلى المطبق فقتل إبراهيم بن محمد بن عَبْد الوهاب بن إبراهيم الإمام المعروف بابن عائشة وصلبه، وابن عائشة هذا أول هاشمي صلب من ولد العباس، وزيد بن علي بن الحسين أول هاشمي صلب من ولد] علي بن أبي طالب، وقتل مع ابن عائشة: محمد بن إبراهيم وثلاثة نفر، وكانوا أرادوا الوثوب بالمأمون، ثم أنزل [6] ابن عائشة فكفن [7] وصلى عليه/، ودفن في مقابر قريش، ودفن الإفريقي في مقابر الخيزران، ووجد لابن عائشة صناديق فيها كتب القواد وغيرهم إليه [8] ، فجلس في المسجد وأحضر الصناديق وقال للناس: أنا أعلم أن فيكم البريء الذي لا اسم له في هذه الصناديق، ومنكم الغائب والمستزيد، وإن نظرت فيها، لم أصف لكم ولم تصفوا إليّ، فتوبوا إلى الله. ثم أمر بإحراق الصناديق [9] .
وفي هذه السنة: أخذ إبراهيم بن المهدي ليلة الأحد على الجسر [10] لثلاث عشرة بقيت من ربيع الآخر، وهو متنقب مع امرأتين في زي امرأة، أخذه حارس أسود ليلا،
__________
[1] «في الحبس» ساقطة من ت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «وحبسوا»
[4] «السجن» ساقط من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] «وقتل مع ابن عائشة....» إلى «.... ثم أنزل» ساقطة من ت.
[7] «فكفى» ساقطة من ت.
[8] «إليه» ساقطة من ت.
[9] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 602- 604.
[10] «على الجسر» ساقطة من ت.(10/211)
فَقَالَ: من أنتن؟ وأين تردن في هذا الوقت؟ فأعطاه إبراهيم خاتم ياقوت له قدر عظيم ليخليهن ولا يسألهن [1] فلما نظر إلى الخاتم استراب بهن وقَالَ: هذا خاتم رجل له [2] شأن، فرفعهن إلى صاحب المسلحة، فأمر بهن أن يسفرن، فامتنع إبراهيم فجبذه [3] صاحب المسلحة فبدت لحيته، فرفعه إلى صاحب الجسر فعرفه، فذهب به إلى باب المأمون، فاحتفظ به في الدار، فلما كانت غداة الأحد أقعد في دار المأمون لينظر إليه بنو هاشم والقواد والجند، وصيروا المقنعة التي كان متنقبا [4] بها في عنقه، والملحفة في صدره ليراه الناس، ويعلموا كيف أخذ.
فلما كان يوم الخميس حوله المأمون إلى منزل أحمد بن أبي خالد، فحبسه عنده/، ثم أخرجه المأمون حيث خرج إلى الحسن بن سهل بواسط، فذكر أن الحسن كلمه فيه، فرضي عنه وخلى سبيله، وصيره عند أحمد بن أبي خَالِد، وصير معه يحيى بن معاذ وخالد [5] بن يزيد بن مرثد، يحفظانه إلا أنه موسع عليه، عنده أمه وعياله، ويركب إلى دار المأمون، وهؤلاء معه يحفظونه [6] .
ولما دخل على المأمون قال له: هيه يا إبراهيم. فقال: يا أمير المؤمنين، ولي الثأر محكم في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، ومن تناوله الاغترار بما مد له من أسباب الشقاء أمكن [7] عادية الدهر من نفسه، وقد جعلك الله فوق كل ذي ذنب [8] ، كما جعل كل ذي ذنب دونك، فإن تعاقب فبحقك، وإن تعف فبفضلك فقال: بل أعفو.
فكبر ثم خر ساجدا [9] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا
__________
[1] في ت، الأصل: «ليخليهم ولا ليسألهم» والتصحيح من تاريخ بغداد.
[2] «فلما نظر....» إلى «هذا خاتم رجل له» ساقطة من ت.
[3] في الأصل، ت: «فحدثه» .
[4] في ت: «مقنعا» .
[5] في الأصل: «يحيى بن خالد» .
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 603.
[7] في ت: «أسباب الرجاء أمن»
[8] في ت: «كل ذي عفو» .
[9] انظر: تاريخ الطبري 8/ 604.(10/212)
محمد بن عبد الواحد، حدثنا محمد بن العباس الخزاز، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى المكي، حدثنا محمد بن القاسم بن خلاد قَالَ: لما طال على إبراهيم الاختفاء وضجر، كتب إلى المأمون: ولي الثأر محكم في القصاص والعفو أقرب للتقوى، ومن تناوله الاغترار بما مد له من أسباب الرجاء أمكن عادية الدهر على نفسه، وقد جعل الله أمير المؤمنين فوق كل ذي عفو، كما جعل كل ذي ذنب دونه، فإن عفى فبفضله، وإن عاقب فبحقه، فوقع المأمون في قصته أمانه، وقال: القدرة تذهب الحفيظة، وكفى بالندم/ إنابة [1] ، وعفو الله أوسع من كل شيء. ولما دخل إبراهيم على المأمون قَالَ:
إن أكن مذنبا فحظي ... أخطأت فدع عنك كثرة التأنيب
قل كما قال يوسف لبني يعقوب ... لما أتوه: لا تثريب
فَقَالَ: لا تثريب [2] .
وفي رواية: دخل عليه فأنشده:
ديني إليك عظيم ... وأنت أعظم منه
فخذ بحقك وإلا ... فاصفح بحلمك عنه
إن لم أكن في فعالي ... من الكرام فكنه
ثم قَالَ:
أذنبت ذنبا عظيما ... وأنت للعفو أهل
فإن عفوت فمن ... وإن جزيت فعدل
فرق له المأمون، وأقبل على أخيه أبي إسحاق وابنه العباس والقواد، فقال: ما ترون في أمره؟ فقال بعضهم: نضرب عنقه، وقال بعضهم: نقصص لحمه إلى أن يتلف، وقال آخر: نقطع أطرافه، فَقَالَ المأمون لأحمد بن أبي خالد: ما تقول يا أَحْمَد؟
قال: يا أمير المؤمنين إن قتلته وجدت مثلك قد قتل مثله كثيرا [3] ، وإن عفوت عنه لم
__________
[1] في ت: «فربه» .
[2] «فقال: لا تثريب» ساقطة من ت. انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 144- 145.
[3] «كثيرا» ساقطة من ت.(10/213)
تجد مثلك عفا عن [1] مثله، فأيما أحب إليك أن تفعل فعلا تجد لك [2] فيه شريكا أو تنفرد فيه بالفضل. فأطرق طويلا ثم رفع رأسه فَقَالَ: أعد ما قلت يا أحمد [3] . فأعاده فَقَالَ: بل ننفرد بالفضل ولا رأي لنا في الشركة فكشف إبراهيم القناع عن رأسه وكبر تكبيرة عالية وقال: عفا والله أمير المؤمنين. فَقَالَ: لا بأس عليك يا عم، وأمر بحبسه في دار أحمد بن أَبِي خالد، فلما كان/ بعد شهر أحضره وقال: اعتذر من ذنبك، فَقَالَ:
ذنبي أجل من أن أتفوه [4] فيه بعذر، وعفو أمير المؤمنين أعظم من أن أنطق معه بشكر ولكن أقول:
يا خير من حملت يمانية به ... بعد الرسول لآيس أو طامع
وأبر [5] من عبد الإله على التقى ... عينا وأقوله [6] بحق صادع
تفديك نفسي أن تضيق بصالح ... والعفو منك بفضل حلم واسع
ملئت قلوب الناس منك مخافة ... وتظل تكلأهم [7] بقلب خاشع
وعفوت عمن لم يكن عن مثله ... عفو ولم يشفع إليك بشافع
ورحمت أطفالا كأفراخ القطا ... وحنين والدة بقلب جازع
الله يعلم ما أقول وإنها ... جهد الأمية من حنيف راكع
ما إن عصيتك والغواة تقودني [8] ... أسنانها إلا بنية طائع
لم أدر أن لمثل جرمي غافرا ... فوقفت أنظر أي حتف صارعي
كم من يد لك لم تحدثني بها ... نفسي إذا لاكت [9] إلي مطامعي
__________
[1] في ت: «قد فعل» .
[2] «لك» ساقطة من ت.
[3] «يا أحمد» ساقطة من ت.
[4] في ت: «أن أقوم» والخبر والشعر في تاريخ الطبري أحداث سنة عشر ومائتين» .
[5] في ت: «وأقر» .
[6] في ت: «عينا وأحكمه» .
[7] في ت: «وتفضل وهم» .
[8] في ت: «تمدني» .
[9] في ت: «آلت» .(10/214)
إن أنت جدت بها علي تكن لها [1] ... أهلا وإن تمنع فأعدل مانع
إن الذي قسم المكارم حازها ... في صلب آدم للإمام السابع
فقال المأمون: ما أقول إلا كما [2] قال يوسف لإخوته [3] لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ 12: 92 [4] وقد عفوت عنك، فاستأنف الطاعة متجردا عن الظنة يصف عيشك. وأمر بإطلاقه، ورد ضيعته إليه فقال: / يشكره:
رددت مالي ولم تبخل علي به ... وقبل ردك مالي قد حقنت دمي
وأبت عنك وقد خولتني نعما ... هما الحياتان من موت ومن عدم
فلو بذلت دمي أبغي رضاك به ... والمال حتى أسل النعل من قدمي [5] .
ما كان ذاك سوى عارية رجعت ... إليك لو لم تعرها كنت لم تلم
وقام علمك بي واحتج عندك لي ... مقام شاهد عدل غير متهم.
فقال المأمون: إن من الكلام كلاما كالدر، وهذا منه، وأمر له بخلعة، وقال: إن أبا إسحاق وأبا العباس أشارا علي بقتلك. فقال إبْرَاهِيم: ما قلت لهما يا أمير المؤمنين؟
قَالَ: قُلْتُ إن قرابته قريبة ورحمه ماسة، وقد ابتدأناه بأمر ينبغي أن نستنه، فإن نكث فاللَّه مغير ما به، فقال إبراهيم: أما أن يكونا نصحاك فقد لعمر الله فعلا، ولكن أبيت إلا ما أنت أهله، فدفعت ما خفت بما رجوت فقال المأمون: مات حقدي بحياة عدوك وقد عفوت عنك، وأعظم من عفوي أنني لم أجرعك مرارة الشافعين.
أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي قَالَ: أنبأنا أبو القاسم [6] على/ بن المحسن، عن أَبِيهِ قال: أخبرني أبو الفرج الأصفهاني، حدثنا علي بن سليمان الأخفش حدثني محمد بن يزيد المبرد، حَدَّثَنَا الفضل بن مروان قَالَ. لما دخل إبراهيم بن المهدي على
__________
[1] في ت: «من لها» .
[2] في ت: «أقول ما قال يوسف» .
[3] «لأخوته» ساقط من ت.
[4] سورة يوسف الآية: 92.
[5] هذا البيت ساقط من ت.
[6] «أبو القاسم» ساقطة من ت.(10/215)
المأمون كلمه بكلام [1] كان سعيد بن العاص كلم به معاوية بن أبي سفيان في سخطة سخطها عَلَيْهِ، فاستعطفه به، وكان المأمون يحفظ الكلام، فقال المأمون [2] هيهات يا إبْرَاهِيم، هذا كلام سبقك به فحل بني العاص وقارحهم سعيد بن العاص وخاطب به معاوية، فقال لَهُ إبراهيم: يا أمير المؤمنين، وأنت أيضا إن عفوت فقد سبقك فحل بني حرب وقارحهم إلى العفو، فلا يكن حالي عندك في ذاك أبعد من حال سعيد من معاوية، فأنت أشرف منه وأنا أشرف من سعيد، وأقرب إليك من سعيد إلى معاوية، وإن أعظم الهجنة أن يسبق أمية هاشما إلى مكرمة قال: صدقت يا عم، قد عفوت عنك.
وفي هذه السنة: بنى المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل في رمضان، وكان المأمون قد مضى إلى معسكر الحسن بن سهل بفم الصلح للبناء ببوران وكان العباس بن المأمون قد تقدم أباه، فتلقاه الحسن خارج العسكر فثنى [3] الحسن رجله لينزل، فقال له الْعَبَّاس: بحق أمير المؤمنين لا تنزل. فاعتنقه الحسن وهو راكب.
ووافى المأمون وقت العشاء، فلما كان في الليلة الثالثة دخل على بوران وابتنى بها من ليلته، ونثرت عليه جدتها ألف درة كانت في صينية ذهب، وأقام المأمون عند الحسن سبع عشر يوما يعد له كل يوم ولجميع ما معه جميع ما يحتاج إِلَيْهِ، / وخلع الحسن على القواد عَلَى مراتبهم وحملهم ووصلهم، وكان يبلغ النفقة خمسين ألف ألف درهم، وأمر المأمون غسان بن عباد أن يدفع إلى الحسن عشرة آلاف ألف درهم [4] من مال فارس، فحملت إليه ففرقها في أصحابه وأقطعه فم الصلح، فلما انصرف المأمون شيعه الحسن، ثم رجع إلى فم الصلح [5] ، وكان ذهاب المأمون ومقامه ورجوعه أربعين يوما، ودخل إلى بغداد يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من شوال.
وقيل: خرج المأمون إلى الحسن لثمان خلون من رمضان، ورحل من فم الصلح لثمان بقين من شوال سنة عشر ومائتين.
__________
[1] في ت: «كلمة إبراهيم بكلام» .
[2] «المأمون ساقطة من ت.
[3] في ت: «وثنى» .
[4] «درهم» ساقطة من ت.
[5] «فم الصلح....» حتى «.... رجع إلى فم الصلح» ساقطة من ت.(10/216)
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر [أَحْمَد بْن عَلي بْن ثَابِت] [1] الحافظ قَالَ: أخبرني أحمد بْن محمد بْن يعقوب الوزان قَالَ: حدثني جدي محمد بن عبيد الله بن الفضل قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن يحيى الصولي، حدثنا عون بن مُحَمَّد، حدثنا عبد الله بن أبي سهل قَالَ: لما بنى المأمون ببوران بنت الحسن فرش له يوم البناء حصير من ذهب مشفوف، ونثر عليه جوهر كثير، فجعل بياض الجوهر يشرف على صفرة الذهب، وما مسه أحد، فوجه الحسن إلى المأمون هذا النثار نحب أن نلتقطه، فقال المأمون لمن حوله من بنات الخلفاء: شرفن أبا مُحَمَّد، فمدت كل [2] واحدة منهن يدها فأخذت درة، وبقي باقي الدر يلوح على الحصير.
أخبرنا القزاز قَالَ: أخبرنا الخطيب قَالَ: وقيل إن الحسن نثر على المأمون نثر [3] ألف حبة جوهر، وأشعل بين يديه شمعة عنبر وزنها مائة رطل، ونثر على القواد رقاعا فيها أسماء ضياع، فمن/ وقعت بيده رقعة أشهد له الحسن بالضيعة، وكان يجري مدة إقامة المأمون عنده على ستة وثلاثين ألف ملاح، فلما أراد المأمون أن يصاعد أمر له بألف ألف دينار، وأقطعه فم الصلح.
وفِي هذه السنة: خرج [4] عَبْد اللَّهِ بن طاهر من الرقة إلى مصر، وذلك أنه لما بعث نصر بن شيث العقيلي إلى المأمون كتب المأمون إليه يأمره بالمسير إلى مصر، فخرج وكان هناك عبيد اللَّه بن السري بن الحكم، فخرج يقاتل، فحمل [5] أصحاب عبد الله عليه [6] فهزم، فتساقط عامة أصحابه في النهر [7] ودخل الفسطاط منهزما، فأغلق على نفسه وأصحابه الباب، فحاصره ابن طاهر، فبعث إليه ليلا ألف وصيف و [ألف] [8]
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «كل» ساقطة من ت.
[3] «نثر» ساقطة من ت.
[4] «خرج» ساقطة من ت.
[5] «فحمل» ساقطة من ت.
[6] في ت: «عبد الله فنصر عليه»
[7] في ت: «في الخندق» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/217)
وصيفة، مع كل وصيف ألف دينار في كيس حرير فردها، وكتب إليه: لو قبلت هديتك ليلا لقبلتها نهارا بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها 27: 36- 37 [1] فحينئذ طلب الأمان، وخرج إِلَيْهِ.
وكتب إلى المأمون أن ابن طاهر لما فتح مصر في أسفل كتاب له.
أخي أنت ومولاه ... ومن أشكر نعماه
فما أحببت من شيء ... فإني الدهر أهواه
وما تكره من شيء ... فإني لست أرضاه
لك الله على ذاك ... لك الله لك الله
وفي هذه السنة: فتح ابن طاهر الإسكندرية [2] .
وفيها: خلع أهل قم السلطان [3] ، ومنعوا الخراج، فكان خراجهم ألفي ألف درهم.
وسبب ذلك: أنهم استكثروا ما عليهم من الخراج [4] ، وكان/ المأمون لما اجتاز بالري حين قصد بغداد حط عن أهل الري جملة من الخراج، فطمع هؤلاء في مثل ذلك، فسألوه الحط عنهم [5] ، فلم يجب فامتنعوا من الأداء، فوجه إليهم المأمون علي بن هشام، ثم أمده بعجيف بن عنبسة، فظفر بهم وهدم سور قم، وجباها أربعة آلاف ألف ضعف ما تظلموا منه [6] .
وحج بالناس في هذه السنة صالح بن العباس بن محمد وهو والي مكة [7] .
__________
[1] سورة: النمل، الآية: 36، 37.
[2] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 613.
[3] في الأصل: «أهل قم الصلح» .
[4] «وسبب ذلك ... من الخراج» ساقط من الأصل.
[5] في ت: «فسألوه الحظ» .
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 614.
[7] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 614.(10/218)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1180- إسحاق بن مرار، أبو عمرو الشيباني
[1] .
صاحب العربية [2] ، سمع حديثا كثيرا. كوفي نزل بغداد، وحدث بها، وروى عنه: أحمد بن حنبل، وكان يلازم مجلسه ويسأله ويكتب أماليه، وروى عنه: أبو عبيدة وغيره، وكان عالما باللغة، ثقة فيما يحكيه خيرا فاضلا، وجمع أشعار العرب ودونها.
قال ابنه عَمْرو: لما جمع أبي أشعار العرب كانت نيفا وثمانين قبيلة، وكان كلما عمل منها قبيلة [وأخرجها إلى الناس] [3] كتب مصحفا وجعله في مسجد الكوفة، حتى كتب نيفا وثمانين مصحفا [بخطه] [4] .
وقال أبو العباس ثعلب: كان مع أبي عمرو الشيباني من العلم والسماع عشرة أضعاف ما كَانَ مع أبي عبيدة/، ولم يكن من أهل البصرة مثل أبي عبيدة في السماع والعلم [5] ، دخل إلى البادية ومعه دستجتان [6] حبرا، فما خرج حتى أفناهما [7] يكتب عن العرب، وعمر طويلا حتى أناف على التسعين.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قَالَ: حدثنا علي بْن المحسن التنوخي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عبد الرحيم المازني قَالَ: حدثنا أبو علي الكوكبي قَالَ: حدثنا إبراهيم الحربي قَالَ: حدثنا عمرو [8] بن أبي عمرو الشيبانيّ، عن أبيه: أنه كان يكثر من إنشاد هذا البيت:
لا تهني بعد إكرامك لي ... فشديد عادة مترعه
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 329.
[2] في ت: «صاحب العربية كوفي» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 329- 330.
[5] انظر: تاريخ بغداد 6/ 330.
[6] الدستيج: آنية تحمل باليد معرب دستي.
[7] انظر: تاريخ بغداد 6/ 331.
[8] في الأصل: «عمر بن أبي عمرو» .(10/219)
فقلت له: يا أبه، إنك تكثر إنشاد هذا البيت. قَالَ: يا بني، أنا والله أدعو به في صلاتي بالسحر.
قال حنبل بن إسحاق: توفي أبو عمرو الشيباني سنة عشر ومائتين يوم الشعانين.
1181- حميد بن عبد الحميد الطوسي.
قال أبو بكر الصولي: كان خبازا، قال له رجل مرة: رأيت في منامي قصورا أو بساتين فقلت: ما هذه؟ قالوا: الجنة، أعدت لحميد الطوسي، فقال حميد: إن صدقت رؤياك فالحور. ثم أشد من هاهنا يكثر [1] .
أخبرنا [2] ابن ناصر قَالَ: أنبأنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبُسْرِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله بن مطر قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: أخبرنا أبو الحسن بن البراء قَالَ: حدثنا بعض أصحابنا قَالَ: مات حميد الطوسي سنة عشر ومائتين، فإنا لجلوس ننتظر إخراجه [3] ، إذ أشرفت علينا من القصر جارية، فأنشأت تَقُولُ:
من كان أصبح هذا اليوم مغتبطا ... فما غبطنا به والله محمود
/ أو كان منتظرا للفطر سيده ... فإن سيدنا في اللحد ملحود
قال: فقتلتنا [4] والله وأحزنتنا.
1182- عبد الوهاب بن موسى بن عبد العزيز، أبو العباس الزهري.
يروي عن مالك، وابن عيينة. وولي الشرط في فسطاط مصر.
توفي في رمضان هذه السنة.
1183- عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع، أبو سعيد الأصمعي
[5] .
سمع عبد الله بن عون، وشعبة، والحمادين. وروى عنه: عبد الرحمن بن
__________
[1] في ت: «فالحور منه هاهنا» .
[2] «أخبرنا» ساقطة من ت.
[3] «إخراجه» ساقطة من ت.
[4] «فقتلتنا» ساقطة من ت.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 410.(10/220)
عَبْد الله أخيه، وأبو عبيد، وأبو حاتم، والرياشي، وخلق كثير.
كان يعرف النحو واللغة، والغريب، والملح [1] .
كان المبرد يَقُولُ: الأصمعي بحر في اللغة لا نعرف مثله فيها، وفي كثرة الرواية، وكان دون أبي زيد في النَّحْو [2] .
وقيل لأبي يونس: قد أشخص الأصمعي إلى الرشيد فَقَالَ: هو بلبل يطربهم بنغماته [3] .
وكان أحمد بن حنبل، ويحيى بن مَعِين يثنيان على الأصمعي في السنة. وقال يحيى: هو ثقة [4] .
وقال الشافعي: ما رأيت بذلك العسكر أصدق لهجة من الأصمعي، [وما غير أحد بعبارة أحسن منه [5] .
قال نصر بن عليّ: كان الأصمعي [يتقي أن يفسر حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [6] كما يتقي أن يفسر القرآن [7] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أبو العلاء الواسطي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن جعفر التميمي قَالَ: أخبرنا عبد الرحمن بن حامد البلخي قَالَ: سَمِعْتُ محمد بن سعد يَقُولُ: سمعت عمر بن شبة يَقُولُ [8] :
سمعت/ الأصمعي يَقُولُ: أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة [9] .
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 10/ 410.
[2] انظر: تاريخ بغداد 10/ 414.
[3] انظر: تاريخ بغداد 10/ 414.
[4] انظر: تاريخ بغداد 10/ 419.
[5] انظر: تاريخ بغداد 10/ 419.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] انظر: تاريخ بغداد 10/ 418.
[8] في ت: «سمعت محمد يقول» .
[9] انظر: تاريخ بغداد 10/ 411.(10/221)
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني الأزهري قال: حدّثنا محمد بن الحسن بن المأمون الهاشمي قال: حدثنا محمد بن الأنباري قَالَ: حدثنا محمد بْن أحمد المقدمي قال: حدثنا أبو محمد التميمي قَالَ: حدثنا محمد بن عبد الرحمن مولى الأنصار، قَالَ: حدثنا الأصمعي قَالَ: أمر الرشيد بحملي إليه، فحملت، فأدخلني عليه الفضل بْن الربيع وهو منفرد، فسلمت، فاستدناني وأمرني بالجلوس فجلست، فقال لي: يا عبد الملك وجهت إليك بسبب [1] جاريتين أهديتا إلي، وقد أخذتا طرفا من الأدب، فأحببت أن تبور [2] ما عندهما، وأن تشير علي فيهما بما هو الصواب عندك، ثم قَالَ: ليمض إلى عاتكة، فيقال لها: احضري الجاريتين، فحضرت جاريتان ما رأيت مثلهما قط، فقلت لإحداهما [3] : ما اسمك؟
قالت: فلانة. قُلْتُ: ما عندك من العلم؟ قالت: ما أمر الله به في كتابه، ثم ما ينظر الناس فيه من الأشعار والآداب والأخبار، فسألتها عن حرف من القرآن فأجابتني كأنها تقرأ الجواب من كتاب، وسألتها عن النحو والعروض [والأخبار] [4] ، فما قصرت، فقلت: بارك الله فيك، فما قصرت في جوابي في كل فن أخذت فيه [5] ، فإن كنت تقرضين شيئا [6] من الشعر فأنشدينا شيئا، فاندفعت في هذا الشعر:
يا غياث العباد في كل محل ... ما يريد العباد إلا رضاكا
لا ومن شرف الإمام وأعلى ... ما أطاع الإله عبد عصاكا/
ومرت في الشعر إلى آخره. فقلت: يا أمير المؤمنين ما رأيت امرأة في مسك رجل مثلها. وسألت الأخرى فوجدتها دونها ما تبلغ منزلتها. إلا أنها إن؟ ووظب عليها [7] .
__________
[1] في ت: «لأجل» .
[2] باره: جرّبه. (القاموس) .
[3] في تاريخ بغداد: «لأجلهما» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «أخذت فيه» ساقطة من ت.
[6] «شيئا من» ساقطة من ت.
[7] في ت: «إن ربغت» و «عليها» سقطت من ت.(10/222)
لحقت. قَالَ: يا عباسي، فقال الفضل [1] : لبيك يا أمير المؤمنين، فَقَالَ: ليردا إلى عاتكة، ويقال لها تصنع هذه التي وصفت بالكمال [2] لتحمل إلي الليلة. ثم قال لي: يا عبد الملك، أنا ضجر. وقد جلست أحب أن أسمع حديثا أتفرج به، فحدثني بشيء.
فقلت: لأي الحديث يقصد أمير المؤمنين. قَالَ: لما شاهدت وسمعت من أعاجيب الناس، وطرائف أخبارهم. فقلت: يا أمير المؤمنين صاحب لنا في بدو بني [3] فلان كنت أغشاه وأتحدث إليه، وقد أتت عليه ست وتسعون سنة أصح الناس ذهنا وأجودهم عقلا [4] وأكلا، وأقواهم بدنا فغبرت [5] عنه زمانا، ثم [6] قصدته فوجدته ناحل البدن، كاسف البال، متغير الحال، فقلت لَهُ ما شأنك؟ أأصابتك مصيبة؟ قَالَ: لا. قُلْتُ:
أفمرض عراك؟ قَالَ: لا. قُلْتُ: فما سبب هذا التغيير الذي أراه بك؟ قَالَ: قصدت بعض القرابة في حي بني فلان فألفيت عندهم جارية قد لاثت رأسها، وطلت بالورس ما بعض القرابة في حي بني فلان فألفيت عندهم جارية قد لاثت رأسها، وطلت بالورس ما بين قرنها إلى قدمها، عليها قميص وقناع مصبوغان، وفي عنقها طبل توقع عليه وتنشد:
محاسنها سهام للمنايا ... مريشة بأنواع الخطوب
برى ريب الزمان لهن سهما ... تصيب بفضله مهج القلوب
فأجبتها:
ففي شفتي في موضع الطبل ترتقي ... كما قد أبحت الطبل في جيدك الحسن
هبيني عودا أجوفا تحت شنة ... تمتع فيها بين نحرك والذقن/
فلما سمعت الشعر مني نزعت الطبل فرمت به في وجهي، وبادرت إلى الخباء فدخلت فلم أزل واقفا حتى حميت الشمس على مفرق رأسي لا تخرج إليّ ولا ترجع
__________
[1] في الأصل: «أبو الفضل» .
[2] في ت: «التي وصفها عبد الملك بالكمال» .
[3] في ت: «صاحب الثافي يدوي» .
[4] «عقلا» ساقطة من ت.
[5] في ت: «فغبت» .
[6] «ثم» ساقطة من ت.(10/223)
[إليّ] جوابا. فقلت: أنا [معها] [1] والله كما قال الشاعر:
فو الله يا سلمى لقد طال موقفي [2] ... على غير شيء يا سليمى أراقبه
فضحك الرشيد حتى استلقى. وقَالَ: ويحك يا عبد الملك، ابن ست وتسعين سنة يعشق؟ قُلْتُ: قد كان هذا يا أمير المؤمنين، فَقَالَ: يا عباسي، أعط عبد الملك مائة ألف درهم ورده إلى مدينة السلام، فانصرفت، فإذا خادم يحمل شيئا ومعه جارية تحمل شيئا [3] فقال: أنا رسول بنتك- يعني الجارية التي وصفتها- وهذه جاريتها [4] ، وهي تقرأ عليك السلام وتقول لك [5] : إن أمير المؤمنين أمر لي بمال وثياب [6] وهذا نصيبك منهما. فإذا المال ألف دينار، وهي تقول: لن نخليك من المواصلة بالبر، فلم تزل تتعهدني بالبر الواسع حتى كانت فتنة محمد، فانقطعت أخبارها عني. وأمر لي الفضل ابن الربيع من ماله بعشرة آلاف درهم [7] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين المازني قَالَ: حدثنا المعافى بن زكريا الجريري، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن القاسم الكوكبي قَالَ: حدثنا محمد بن القاسم بن خلاد قَالَ:
قال الأصمعي: دخلت عَلَى جعفر بن يحيى بن خالد يوما فقال لي: يا أصمعي، هل لك من زَوْجَة؟ قلت: لا، قَالَ: فجارية؟ قلت: جارية للمهنة. قَالَ: هل لك أن أهبك جارية نظيفة، قُلْتُ: إني لمحتاج إلى جارية [8] فأمر بإخراج جارية في غاية الحسن والجمال والظرف، فقال لها: قد وهبتك لهذا، وقال: يا أصمعي خذها، فشكرته، فبكت الجارية، وقالت: يا سيدي، / تدفعني إلى هذا الشيخ مع ما أرى من سماجته
__________
[1] ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ بغداد.
[2] في ت، تاريخ بغداد: «اقامتي» .
[3] «ومعه جارية تحمل شيئا» ساقطة من ت.
[4] في ت: «جائزتها» .
[5] «لك» ساقطة من ت.
[6] «وثياب و» ساقطة من ت.
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 410- 413.
[8] في ت: «إلى ذلك» .(10/224)
وقبح منظره، وجزعت [1] جزعا شديدا، فقال لي: يا أصمعي، هل لك أن أعوضك عنها ألف دينار، قُلْتُ ما أكره ذلك فأمر لي بألف دينار، ودخلت [2] الجارية، فقال لي: يا أصمعي إني أنكرت على هذه الجارية أمرا، فأردت عقوبتها بك، ثم رحمتها منك [3] ، قلت: أيها الأمير فهلا [4] أعلمتني قبل ذَلِكَ، فإني لم آتك حتى سرحت لحيتي، وأصلحت عمتي، ولو عرفت الخبر لصبرت على هيئة خلقتي، فو الله لو رأتني كذلك ما عاودت شيئا تنكره منها أبدا ما بقيت [5] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: أخبرنا القاضي أبو العلاء قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو القاسم السكونيّ قال: حدثنا أحمد بن أَبِي مُوسَى قَالَ: حدثنا أبو العيناء قَالَ: قال الأصمعي: دخلت أنا وأبو عبيدة على الفضل بْن الربيع. فَقَالَ: يا أصمعي كم كتابك في الخيل؟ قَالَ: قُلْتُ: جلد، قال: فاسأل أبا عبيدة عن ذلك، قَالَ: خمسون جلدا، فأمر بإحضار الكتابين، ثم أمر بإحضار فرس، فقال لأبي عُبَيْدة: أقرأ كتابك حرفا حرفا وضع يدك على موضع موضع [6] . فقال أبو عُبَيْدة: ليس أنا بيطار، إنما ذا شيء [أخذته] [7] وسمعته من العرب وألفته، فقال لي: يا أصمعي، ثم فضع يدك على موضع موضع من الفرس، فقمت فحسرت عن ذراعي وساقي، ثم وثبت فأخذت بأذن الفرس، ثم وضعت يدي على ناصيته، فجعلت أقبض منها بشيء شيء/ وأقول: هذا كذا، وأنشد فيه حتى بلغت حافره [8] ، فأمر لي بالفرس، فكنت إذا أردت أن أغيظ أبا عبيدة ركبت الفرس وأتيته [9] .
__________
[1] في ت: «وفرغت» .
[2] في ت: «ودخل» .
[3] «ثم رحمتها منك» ساقطة من ت.
[4] في ت: «لو كان» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 413- 414.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 415.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، و «سمعته» ساقطة من ت.
[8] في ت: «حتى أتيت على دينه» وفي الأصل: «حتى بلغ حافره» وما أثبتناه من تاريخ بغداد.
[9] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 414- 415.(10/225)
ونقلت من خط أبي عبيد، عبيد الله محمد بن عمران المرزباني قَالَ: حكى أبو الحسين بْن محمد [1] بن بكير، عن أبيه قال: كنا يوما عند الحسن بن سهل وبحضرته جماعة من أهل العلم منهم الأصمعي، وأبو عبيدة، والهيثم بن عدي وخلق كثير من الناس، وحاجب الحسن يعرض عليه الرقاع إلى أن وقع في خمسين رقعة، فلما فرغ من ذلك أقبل علينا فقال: قد فعلنا في يومنا خيرا كثيرا، ووقعنا في القصص بما فيه فرح لأهلها [وصلاح] [2] ، ونحن نرجو أن نكون في ذَلِكَ مثابين فحدثونا [3] في حق أنفسنا [فجعلنا] نذاكره [4] العلم، فتكلم أبو عبيدة، والأصمعي وجرير بن حازم، والتج المجلس بالمذاكرة إلى أن بلغوا إلى ذكر الحفاظ من أصحاب الحديث، فأخذوا في [ذكر] [5] الزهري، والشعبي، وقتادة، وسفيان. فقال أبو عُبَيْدة: وما حاجتنا إلى ذكر هؤلاء، وما ندري أصدق الخبر عنهم أم كذب، وبالحضرة رجل يزعم أنه ما أنسي شيئا قط [6] ، وأنه ما يحتاج أن يعيد نظره في دفتر، إنما هي نظرة، ثم يحفظ ما فيه فعرض بالأصمعي، فَقَالَ الحسن: نعم والله يا أبا سعيد، إنك لتجيء من هذا بما ينكر جدا، فقال الأصمعي: نعم، ما أحتاج أن أعيد النظر في دفتر، وما أنسيت شيئا قط، فقال الحسن: فنحن نجرب هذا القول بواحدة/، يا غلام هات [7] الدفتر الفلاني، فإنه جامع لكثير مما أنشدتناه وحدّثناه، فمضى الغلام ليحضر الدفتر، فقال الأصمعي: فأنا أريك ما هو أعجب من هذا، أنا أعيد القصص التي مرت وأسماء أهلها وتوقيعاتك فيها كلها، وامتحن ذلك بالنظر إليها. قال: وقد كَانَ الحسن قَالَ: عارضت [8] بتلك التوقيعات لأنها أثبتت في دفتر الإثبات [9] ، فأكبر ذلك من حضر واستضحكوا، فاستدعى الحسن
__________
[1] في الأصل: «أبو الحسين بن عمرو» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «فخذوا بنا» .
[4] ما بين المعقوفتين في الأصل تذاكروا. وفي ت: «فجعلنا يذاكروا» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] «قط» ساقطة من ت.
[7] «هات» ساقطة من ت.
[8] في ت: «وقد كان الحسن عارض» .
[9] في ت: «في هذا الإثبات» .(10/226)
القصص بأعيانها من الحاجب فردت بأسرها، فابتدأ الأصمعي [1] فَقَالَ: القصة الأولى لفلان الفلاني قصته كذا وكذا وقعت أعزك الله بكذا وكذا حتى أتى على هذا السبيل على سبعة وأربعين قصة. فقال له [2] الحسن: يا هذا، حسبك الساعة، والله تقتلك الجماعة بأعينها، يا غلام، خمسين ألف درهم فأحضرت خمس بدر، ثم قَالَ: يا غلمان احملوها معه إلى منزله، فتبادر الغلمان لحملها، فَقَالَ: تنعم بالحامل كما أنعمت بالمحمول، قال: نعم لك ولست تنتفع بهم وقد اشتريتهم منك بعشرة آلاف درهم احمل يا غلام مع أبي سعيد ستين ألف درهم، قَالَ: فحملت والله معه وانصرف الباقون بالخيبة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: [أخبرنا أبو نصر أحمد بْن عَبْد اللَّه قال:] [3] أخبرنا أحمد بن محمد بن موسى القرشي قَالَ: أخبرنا محمد بن يحيى قَالَ: حدثنا أحمد بن يزيد المهلبي، حدثنا حماد بن إسحاق الموصلي، عن أبيه قَالَ: سأل الرشيد عن بيت الراعي:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ... ودعا فلم أر مثله مخذولا
ما معنى محرما؟ قال الكسائي: إحرام بالحج، فقال الأصمعي: والله ما كان أحرم بالحج، ولا أراد الشاعر أنه أيضا في شهر [4] حرام، يقال: أحرم إذا دخل فيه، كما يقال أشهر إذا دخل في الشهر، وأعام إذا دخل في العام. فقال الكسائي: ما هو غير هذا؟ وإلا فما أراد؟ فَقَالَ الأصمعي: ما أراد عدي بن زيد بقوله:
قتلوا كسرى بليل محرما ... فتولى لم يمتع بكفن
أي إحرام لكسرى؟ فقال الرشيد: ما تطاق [5] فما المعنى؟ قال: كل من لم يأت شيئا يوجب [عَلَيْهِ] [6] عقوبة فهو محرم لا يحل شيء منه، فقال الرشيد: ما تطاق في الشعر يا أصمعي [7] .
__________
[1] «فابتدأ» ساقطة من ت.
[2] «له» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «ولا أراد الشاعر إلا أنه في شهر» .
[5] «ما تطاق» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 416- 417.(10/227)
أخبرنا الحافظان: عبد الوهاب بن المبارك ومحمد بن ناصر قالا: أنبأنا المبارك بن عَبْد الجبار قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أنشدنا أبو عمرو بن حيوية قَالَ: أنشدنا [أبو دريد قَالَ: أنشدنا] [1] أبو حاتم قَالَ: أنشدنا الأصمعي:
إذا جاء يوم صالح فاقبلنه ... فأنت على يوم الشقاء قدير
فَقَالَ: أتدرون من أين أخذت هذا؟ أخذته من قول العيارين أكثر من الشحم، فإنك على الجوع قادر [2] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ أخبرنا أبو الحسين محمد بن علي بن صخر قَالَ: حدثنا أبو القاسم عمر بن محمد بن سيف [3] ، حدثنا مُحَمَّد بن القاسم الأنباري قَالَ: حدثنا عبد الله بن بيان، عن الأصمعي/ قال: بينا أنا بالجبانة بالبصرة في يوم [صائف] [4] شديد حره، إذا أنا بجارية واضعة يدها على قبر وهي تقول بصوت حزين من قلب قرح:
هل أخبر القبر سائليه ... أم قر عينا بزائريه
أم هل تراه أحاط علما ... بالجسد المستكن فيه
لو يعلم القبر ما يواري ... تاه على كل من يليه
يا جبلا كان لامتناع ... وركن عز لآمليه
ونخلة طلعها نضيد ... يقرب من كف مجتنيه
ويا مريضا [5] على فراش ... تؤذيه أيدي ممرضيه
ويا صبورا على بلاء ... كان به الله مبتليه
يا موت لو تقبل افتداء ... كنت بنفسي سأفتديه
يا موت ماذا أردت مني ... خفقت ما كنت أتقيه
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] بعد هذا الخبر من ت جاء خبر وفاة الأصمعي الّذي في آخر الترجمة.
[3] في ت: «حدثنا أبو القاسم قال: أخبرنا محمد بن، حدثنا....» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «ويا مرابضا» .(10/228)
موت رماني بفقد ألفي ... أذم دهري وأشتكيه
أمنك الله كل روع ... وكل ما كنت تتقيه
قال الأصمعي: فدنوت منها، فقلت لها: يا جارية أعيدي عليّ لفظك، قالت:
أو سمعت ذلك مني؟ فأنشدتها شعرها عن آخره، فقامت تنفض ثيابها وهي تقول: إن كان في عبادك [1] أصمعي فهو هذا.
قال المازني: سمعت الأصمعي يَقُولُ: بينا أنا أطوف بالكعبة إذا رجل على قفاه [2] / كارة وهو يطوف، فقلت لَهُ: أتطوف وعليك كارة، فقال: هذه والدتي التي حملتني أريد أن أؤدي حقها، فقَلَت له: ألا أدلك على ما تؤدي به حقها، قَالَ: وما هُوَ؟
قلت: تزوجها، قَالَ: يا عدو الله، تستقبلني في أمي بمثل هذا؟ فرفعت يدها وصفعت قفا ابنها، وقالت: إذا قيل لك الحق تغضب؟! أخبرنا القزاز قال أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الأزهري قَالَ: أخبرنا محمد قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن العباس قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد الكندي قَالَ: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قَالَ: مات الأصمعي سنة عشر ومائتين، وقد بلغ ثمانيا وثمانين سنة، وكانت وفاته بالبصرة [3] .
قال محمد بن العباس: وحدثنا محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني أحمد بن أبي طاهر قَالَ: حدثني محمد بن أبي العتاهية قَالَ: لما بلغ أبي موت الأصمعي جزع عليه ورثاه فَقَالَ:
لهفي على فقد الأصمعي لقد مضى ... حميدا له في كل مصلحة سهم
نقصت بشاشات المحاسن بعده ... وودعنا إذ ودع الأنس والعلم
وقد كان نجم العلم فينا حياته ... فلما انقضت أيامه أفل النجم
[قال المصنف: وقد ذكر أبو العتاهية أنه مات سنة خمس عشرة. وقال الكديمي:
__________
[1] في ت: «في عباد الله» .
[2] في ت: «على كتفيه» .
[3] «وقد بلغ ثمان....» إلى آخر الخبر ساقط من ت.(10/229)
مات سنة سبع عشرة. والّذي قاله أبو موسى أصح، ويدل عليه أن أبا العتاهية رثاه، وأَبُو العتاهية مات سنة إحدى عشرة.
وبلغ الأصمعي ثمانيا وثمانين سنة، وكانت وفاته بالبصرة] [1] .
1184- علية بنت المهدي
[2] أمها أم ولد اسمها مكنونة، / اشتريت للمهدي بمائة ألف درهم، فغلبت عليه، وكانت الخيزران تَقُولُ: ما ملك أمة أغلظ علي منها فولدت له علية سنة ستين ومائة [3] .
وكانت علية أجمل النساء وأطرفهن وأكملهن عقلا وأدبا ونزاهة وصيانة وظرفا، وكان في جبهتها سعة [4] تشين، فاتخذت العصابة المكللة بالجوهر لتستر به جبهتها، فهي أول من اتخذها [5] .
وكانت كثيرة الصلاة ملازمة للمحراب وقراءة القرآن، وكانت تتدين ولا تشرب النبيذ، وقالت: ما حرم الله شيئا إلا وقد جعل فيما أحل عوضا منه، فبماذا يحتج العاصي؟ وكانت تَقُولُ: اللَّهمّ لا تغفر لي حراما أتيته ولا عزما على حرام عزمته، ولا استفزعني [لهو] [6] إلا ذكرت نسبي من رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فقصرت عنه، ولا أقول ما أقول في شعري إلا عبثا، وكانت تدخل على الرشيد فيكرمها [7] ويأمرها بالجلوس معه على سريره فتأبى.
وكانت تحب أن تراسل بالأشعار من تختصه، فاختصت خادما يقال له «طلّ» من
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمتها في: الأغاني 10/ 199- 226.
[3] انظر: الأغاني 10/ 199.
[4] في ت: «سفعة» .
[5] انظر: الأغاني 10/ 200.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «فيكرمها» ساقطة من ت.(10/230)
خدم الرشيد، فراسلته بالشعر، فلم تره أياما فمشت على ميزاب [1] حتى رأته وقالت:
قد كان ما كلفته زمنا ... يا طل من وجد بكم يكفي
حتى أتيتك [2] زائرا عجلا ... أمشي على حتف إلى حتفي [3]
فحلف عليها الرشيد أن لا تكلم طلا، ولا تسمي باسمه، فضمنت له ذلك فاستمع عليها يوما وهي تقرأ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ 2: 265 [4] فقالت: فالذي نهى عنه أمير المؤمنين، فدخل عليها [5] فقبل رأسها ووهب لها [6] طلا.
وتزوجها موسى بن عيسى بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ العباس ومن أشعارها الرائقة/:
أوقعت في قلبي الهوى ... ونجوت منه سالمة
وبدأتني بالوصل ثم ... قطعت وصلي ظالمة
ولها:
ليت سلمى تراني ... أو تنبّأ بشاني
كي تفك أسيرا ... متعب [7] القلب عاني
يا ديار الغواني ... الملاح [8] الحسان
جادك الغيث منه ... بالغوادي الرواني [9]
ولها:
اليأس بين جوانحي يتردد ... ودموع عيني تستهل وتفقد
__________
[1] «فمشيت على الميزاب» ساقطة من ت.
[2] في ت: «حتى رأيتك» .
[3] في ت: «من حتف على حتف» .
[4] سورة: البقرة، الآية: 265.
[5] «فدخل عليها» ساقطة من ت.
[6] انظر: الأغاني: 10/ 200- 201.
[7] في ت: «مثبث» .
[8] في ت: «المداج» .
[9] في ت: «الدواني» .(10/231)
إني لأطمع ثم أنهض بالمنى ... واليأس يجذبني إليه فأقعد
ولها:
شغف الفؤاد بجارة الجنب ... فظللت في حرب وفي كرب
يا جارتي أمسيت مالكة ... رقي وغالبتي على لبي
ولها:
فرجوا كربي قليلا ... فلقد صرت نحيلا
وافعلوا في أمر مشغوف ... بكم فعلا جميلا
ولها:
صرمت أسماء حبلي فانصرم ... ظلمتنا كل من شاء ظلم
واستحلت قتلنا عامدة ... وتجنت عللا لم تحترم
ولها:
أصابني بعدك ضر الهوى ... واعتادني شوق وإقلاق [1]
قد يعلم الله وحسبي به ... أني إلى وجهك مشتاق
ولها:
كتمت اسم الحبيب من العباد ... ورددت الصبابة في فؤادي
فيا شوقي [2] إلى بلد خلي ... لعلي باسم من أهوى أنادي
ولها:
ليس يستحسن في وصف الهوى ... عاشق يحسن تأليف الحجج
بني الحب على الجور فلو ... أنصف المعشوق فيه لسمج
لا تعيبا من محب ذلة ... ذلة العاشق مفتاح الفرج
ضم المأمون علية يوما وجعل يقبل رأسها، وكان وجهها مغطى فتأذت بذلك وشرقت وسعلت، ثم حمّت أياما.
__________
[1] في ت: «اخلاقي» .
[2] في ت: «فوا شوقا» .(10/232)
وماتت في هذه السنة عن خمسين سنة رحمها الله [1] .
1185- منصور بن سلمة بن عبد العزيز بن سلمة الخزاعي
[2] .
سمع من مالك، والليث، وروى عنه: أحمد بن حنبل، ويحيى، قال الدارقطنيّ: هو أحد الثقات الحفاظ الرفعاء الذين كانوا يسألون عن الرجال ويؤخذ بقوله فيهم. أخذ عنه أحمد، ويحيى، وغيرهما علم ذلك [3] .
توفي في هذه السنة بالمصيصة. وقيل: سنة تسع.
__________
[1] انظر: الأغاني 10/ 225- 226.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 70.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 70- 71.(10/233)
ثم دخلت سنة إحدى عشرة ومائتين
فمن الحوادث فيها:
أن ابن طاهر سعي به إلى المأمون وقال رجل من إخوة المأمون للمأمون: يا أمير المؤمنين، إن عبد الله بن طاهر يميل إلى ولد أبي طالب، وكذا كان أبوه، فأنكر ذَلِكَ المأمون، ثم عاد لمثل هذا [1] / القول، فدس إليه رجلا وقال لَهُ: امض في هيئة القرّاء والنساك إلى مصر فادع جماعة من كبرائها إلى القاسم بن إبراهيم بن طباطبا، واذكر مناقبه وفضله، ثم صر من بعد ذلك إلى بطانة عبد الله بن طاهر، فادعه ورغبه في استجابته له، وابحث عن دفين نيته بحثا شافيا. ففعل الرجل، حتى إذا دعا جماعة من الرؤساء، قعد يوما ما بباب عبد الله بن طاهر، وقد ركب إلى عبيد الله بن السري بعد صلحه وأمانه، فلما انصرف قام إليه الرجل، فأخرج من كمه رقعة، فدفعها إليه، فأخذها بيده، فما هو إلا أن دخل خرج الحاجب إليه فأدخله، فقال لَهُ: قد فهمت ما في رقعتك، فهات ما عندك فقال: ولي أمانك وذمة الله؟ قال: لك ذلك، فأظهر ما أراد، ودعاه إلى القاسم، وأخبره بفضائله، فقال لَهُ عبد الله أتنصف؟ قال: نعم قَالَ: هل يجب شكر الله على العباد [2] ؟ قال: نعم، قَالَ: فهل يجب شكر بعضهم لبعض عند الإحسان؟ قَالَ:
نعم، قال: فتجيء إلي وأنا على هذه الحال التي ترى لي خاتم في المشرق جائز وفي المغرب كذلك، وفيما [3] بينهما أمري مطاع، ثم ما التفت يمينا ولا شمالا إلا رأيت نعمة
__________
[1] في ت: «لمثل ذلك» .
[2] في ت: «على عباده» .
[3] في ت: «وما في بينهما» .(10/234)
لرجل أنعمها علي، فتدعوني إلى الكفر بهذه النعم [1] ، وهذا الإحسان، وتقول: اغدر بمن كان أولا لهذا وآخرا واسع في دمه، فسكت الرجل، فقال لَهُ: ارحل عن هذا البلد، فإني أخاف عليك، فلما آيس الرجل مما عنده، جاء إلى المأمون، فأخبره، فاستبشر، وقال: ذاك غرس يدي وإلف أدبي/ وترب تلقيحي [2] ولم يظهر لأحد من ذلك شيئا [3] .
وفي هذه السنة: قدم عبد الله بن طاهر مدينة السلام من المغرب، فتلقاه العباس ابن المأمون وأبو إسحاق المعتصم وسائر الناس، وقدم معه بالمتغلبين على الشام كابن [السرج، وابن] أبي الجمل، [وابن] [4] أبي الصقر [5] .
وفيها [6] : أمر المأمون مناديا، فنادى: برئت الذمة ممن ذكر معاوية بخير أو فضّله على أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم [7] .
وحج بالناس في هذه السنة: صالح بن العباس وهو والي مكة [8]
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
[9]
1186- إبراهيم بن رستم، أبو بكر الفقيه المروزي
[10] سمع من مالك، وسفيان، وشعبة، وغيرهم. وروى عنه: أحمد بن حنبل، وقال يحيى: هو ثقة.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا
__________
[1] في ت: «النعمة» .
[2] في ت: «تلفعي» .
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 615- 616.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 618.
[6] في ت: «وفي هذه السنة» .
[7] انظر: تاريخ الطبري 8/ 618.
[8] انظر: تاريخ الطبري 8/ 618.
[9] في الأصل: «الأغياث» .
[10] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 72.(10/235)
أحمد بن علي بن يعقوب [1] قَالَ: حدثنا محمد بن نعيم الضبي قَالَ: حدثنا أبو العباس السياري [2] قَالَ: حدثنا عيسى بن محمد بن عيسى قَالَ: حدثنا العباس بن مصعب قَالَ: كان إبراهيم بن رستم من أهل كرمان، ثم نزل مرو، ثم سكة [3] الدباغين، فاختلف إليه الناس، وعرض عليه القضاء فلم يقبل [4] ، وأتاه ذو الرئاستين فلم يتحرك له، فقال لَهُ [أشكاب] [5]- وكان رجلا متكلما: عجبا لك، يأتيك وزير الخليفة فلا تقوم له، وتقوم من أجل هؤلاء الدباغين [عندك] [6] فقال رجل من أولئك المتفقهة: نحن من دباغي الدين الذي رفع إبراهيم بن رستم حتى جاءه وزير الخليفة، فسكت أشكاب [7] .
توفي إبراهيم بنيسابور في هذه السنة وقيل: في/ سنة عشرة.
1187- إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان، أبو إسحاق العنزي المعروف بأبي العتاهية الشاعر
[8] .
ولد سنة ثلاثين ومائة، أصله من عين التمر، ومنشؤه الكوفة، ثم سكن بغداد، وكان يقول في الغزل والمديح والهجاء، ثم تنسك وصار قوله في الوعظ والزهد. وأبو العتاهية لقب.
قال أبو زكريا يحيى بن علي الزبيري: العتاهية من التعته وهو التحسن والتزين، قال: وقد كان يتحسن في زمن شبابه، ومن أسباب ذَلِكَ:
ما أخبرنا به [أَبُو] منصور القزاز [9] قَالَ أَخْبَرَنَا الخطيب قَالَ: أخبرني علي بن أيوب القمي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران المرزباني قَالَ: أخبرنا محمد بن يحيى
__________
[1] في ت: «أحمد بن علي قال أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب» .
[2] في الأصل: «الزيادي» .
[3] في تاريخ بغداد «ثم نزل بمرو في سكة الدباغين» .
[4] في الأصل: «فلم يفعل» .
[5] في الأصل: «إسكاف» والتصحيح من تاريخ بغداد.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 73.
[8] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 250- 260.
[9] في ت: «أبو منصور القزاز» . وفي الأصل: «البزاز» .(10/236)
قَالَ: حدثني محمد بن موسى البربري قَالَ: أخبرني أبو عبد الله محمد بن علي الهاشمي، عَن أبي شعيب أحمد بن يزيد قَالَ: قلت لأبي العتاهية، حدثني بقصتك مع عتبة، فقال [لي] [1] : أحدثك إنا قدمنا من الكوفة ثلاثة فتيان شبابا أدباء، ليس لنا ببغداد من نقصده، فنزلنا غرفة بالقرب من الجسر، وكنا نبكر فنجلس في المسجد الذي بباب الجسر في كل غداة، فمرت بنا يوما امرأة راكبة معها خدم سود، فقلنا: من هذه؟ قالوا:
خالصة، فقال أحدنا: قد عشقت [خالصة] [2] وعمل فيها شعرا. فأعناه عليه، ثم لم نلبث أن مرت أخرى راكبة معها خدم بيض، فقلنا: من هذه؟ قالوا: عتبة، فقلت: قد عشقت عتبة [3] فلم نزل كذلك في كل يوم إلى أن التأمت لنا أشعار كثيرة فدفع صاحبي بشعره إلى خالصة، ودفعت أنا شعري إلى عتبة، وألححنا إلحاحا شديدا/ فمرة تقبل أشعارنا، ومرة نطرد، إلى أن جدوا في طردنا فجلست عتبة يوما في أصحاب الجوهر، ومضيت فلبست ثياب راهب، ودفعت ثيابي إلى إنسان كان معي، وسألت عن رجل كبير من أهل السوق، فدللت على شيخ صائغ، فجئت إليه فقلت: إني رغبت في الإسلام على يد هذه [4] المرأة، فقام معي وجمع جماعة من أهل السوق وجاءها، فَقَالَ: إن الله ساق لك أجرا، هذا راهب قد رغب في الإسلام على يديك، قالت: هاتوه، فدنوت منها، فَقُلْتُ، أَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وأن محمدا عبده ورسوله وقطعت الزنار، ودنوت فقبلت يدها، فلما فعلت ذلك رفعت البرنس فعرفتني، فقالت: نحوه لعنه الله، فقالوا:
لا تلعنيه فقد أسلم، فقالت: إنما فعلت لقذره، فعرضوا علي كسوة، فقلت: ليس بي [5] حاجة [هذه] [6] وإنما أردت أن أتشرف بولائها والحمد للَّه الذي منّ علي بحضوركم.
وجلست فجعلوا يعلمونني [7] الحمد، وصليت معهم العصر، وأنا في ذَلِكَ بين يديها أنظر إليها لا تقدر لي على حيلة، فلما انصرفت لقيت خالصة فشكت إليها فقالت: ليس
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «فقلت قد عشقت عتبة» ساقطة من ت.
[4] في تاريخ بغداد: «على يدي» .
[5] في ت: «لست» .
[6] ما بين المعقوفتين من تاريخ بغداد.
[7] في ت: «فجدلوا يعلمونني» .(10/237)
يخلو هذان من أن يكونا عاشقين أو مستأكلين، فصح عزمهما على امتحاننا بمال على أن ندع التعرض [1] لهما، فإن قبلنا المال فنحن مستأكلان، وإن لم نقبله فنحن عاشقان، فلما كَانَ الغد مرت خالصة، فعرض لها [2] صاحبها، فقال له الخدم: اتبعنا فتبعهم، ثم مرت عتبة فقال لي الخدم: اتبعنا فتبعتهم، فمضت بي إلى منزل خليط بزاز، فلما جلست، دعت بي، فقالت [لي] [3] : يا هذا، إنك شاب وأرى لك [4] أدبا/ وأنا حرمة خليفة [وقد تأنيتك] [5] فإن أنت كففت وإلا أنهيت أمرك [6] إلى أمير المؤمنين، ثم لم آمن عليك، قُلْتُ: فافعلي بأبي أنت وأمي [فإنك] [7] إن سفكت دمي أرحتني، فأسألك باللَّه إلا فعلت [8] ذلك، إذ لم يكن لي فيك نصيب، فأما الحبس والحياة ولا أراك، فأنت في حرج من ذلك، فقالت: لا تفعل يا هذا وابق على نفسك، وخذ هذه الخمس مائة دينار واخرج من هذا البلد. فلما سمعت ذكر المال وليت هاربا، فقالت: ردوه، فلم تزل تزدني فقلت: جعلت فداك، ما أصنع بعرض [من] الدنيا و [أنا] [9] لا أراك، وإنك لتبطئين يوما واحدا عن الركوب فتضيق بي الأرض بما رحبت. وهي تأبى إلا ذكر المال، حتى جعلت [لي] [10] ألف دينار، فأبيت وجاذبتها مجاذبة شديدة، وقلت: لو أعطيتيني جميع ما يحويه الخليفة ما كانت لي فيه حاجة، وأنا لا أراك [وأقنع بالفقد] [11] بعد أن أجد السبيل إلى رؤيتك. وخرجت فجئت الغرفة التي كنا ننزلها، فإذا صاحبي مورم الأذنين، وقد امتحن بمثل ما امتحنت، فلما مد يده إلى المال صفعوه، وحلفت خالصة لئن رأته
__________
[1] في ت: «على أن تدفع إلينا وقت التعرض» .
[2] في الأصل: «فتعرض صاحب لها» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «وأرى بك» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «وإلّا أنهيت ذلك» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «إلا أن فعلت» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/238)
بعد ذلك اليوم لتودعنه الحبس، فاستشارني في المقام، فقلت: اخرج وإياك أن تقدر عليك [1] ، ثم التقتا فأخبرت كل واحدة صاحبتها الخبر، وأحمدتني عتبة [2] ، وصح عندها أني محب محق [3] ، فلما كان بعد أيام دعتني عتبة وقالت: بحياتي عليك إن كنت تعزها إلا أخذت [4] ما يعطيك الخادم، فأصلح به شأنك فقد غمني سوء حالك، فامتنعت، فقالت: ليس هذا مما تظن، ولكني [5] لا أحب أن أراك في هذا الزي، فقلت: / لو أمكنني أن تريني في زي المهدي لفعلت ذاك، فأقسمت عليّ، فأخذت الصرّة، فإذا فيها ثلاثمائة دينار فاكتسيت كسوة حسنة [6] ، واشتريت حمارا [7] .
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو الطيب طاهر بن عبد الله قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن إبراهيم قال: حدثني علي بن محمد بن أبي عمرو البكري قال: حدثني علي بن عثمان قال: حدثني أشجع [8] السلمي قال: أذن لنا المهدي وللشعراء في الدخول عليه، فدخلنا، فأمرنا بالجلوس، فاتفق أن جلس إلى جنبي بشار، فسمع حسًا، فقال: يا أشجع، من هذا؟ فقلت: أبو العتاهية، فقال لي: أتراه ينشد في هذا المحفل؟ فقلت: أحسبه سيفعل، فأمره المهدي أن ينشد، فأنشده:
ألا ما لسيدتي ما لها
قال: فنخسني بمرفقه، ثم قال لي [9] : ويحك، رأيت أجسر [10] من هذا ينشد مثل هذا الشعر في مثل هذا الموضع حتى بلغ إلى قوله:
أتته [11] الخلافة منقادة ... إليه تجرر أذيالها
__________
[1] في الأصل: «وإياك أن تراك عليك» .
[2] «عتبة» ساقطة من ت.
[3] في ت: «إن محق» .
[4] في ت: «إن كنت تعزني خذ»
[5] في الأصل: «ولكن» .
[6] «حسنة» ساقطة من ت.
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 254- 256.
[8] في ت: «إسحاق السلمي» .
[9] «لي» ساقطة من ت.
[10] في ت: «أرأيت أجن» .
[11] في ت: «أتتك» .(10/239)
فلم تك تصلح إلا له ... ولم يك يصلح إلا لها
ولو رامها أحد غيره ... لزلزلت الأرض زلزالها
ولو لم تطعه بنات النفوس ... [1] لما قبل الله أعمالها
فقال بشار: [انظر] [2] ويحك يا أشجع، انظر هل طار الخليفة عن فراشه [3] ، قال: لا والله [4] ما انصرف أحد من ذلك المجلس بجائزة غير أبي العتاهية [5] .
أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] [6] قال أخبرنا أحمد بن علي/ قال: أنبأنا أبو يعلى أَحْمَد بن عبد الواحد الوكيل قال: أنبأنا إسماعيل بن سعيد المعدل قال: أخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال: قال لي أبو عبد الله محمد بن القاسم الكوكبي [7] قال: أخبرني العتبي قال: رأيت مروان بن أبي حفصة واقفا بباب الجسر، كئيبا حزينا آسفا ينكت بسوطه [8] في معرفة دابته، فقيل له: يا أبا السمط، ما الذي نراه بك؟ قال: أخبركم بالعجب، مدحت أمير المؤمنين فوصفت له ناقتي من خطامها إلى خفيها و [وصفت] [9] الفيافي من اليمامة إلى بابه أرضا أرضا، ورملة رملة، حتى [إذا] [10] أشفيت منه على غنى النفس والدهر جاء ابن بياعة العجاجير [11]- يعني أبا العتاهية- فأنشده بيتين فضعضع بهما شعري، وسواه بي في الجائزة، فقيل له: وما البيتان؟ فأنشد:
إن المطايا تشتكيك لأنها ... قطعت إليك سباسبا ورمالا
__________
[1] في ت: «القلوب» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «فرشة» .
[4] في ت: «لا فلا والله»
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 257.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «الكوكبي» ساقط من ت.
[8] في ت: «بصوته» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في تاريخ بغداد. النخاخير» .(10/240)
فإذا رحلن بنا رحلن بخفة ... وإذا رجعن بنا رجعن ثقالا [1]
أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن أحمد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو محمد أحمد بن علي بن أبي عثمان قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ: حَدَّثَنَا أبو الحسن بن المنادي قال: أنشدني أبو بكر يوسف بن يعقوب لأبي العتاهية:
كم يكون الشتاء ثم المصيف ... وربيع يمضي ويأتي خريف
وانتقال من الحرور إلى الظل ... وسيف الردى عليك منيف
يا قليل البقاء في هذه الدار ... إلى كم يغرك التسويف/
عجبا لامرئ يذل لذي دنيا ... [2] ويكفيه كل يوم رغيف
أخبرنا عبد الوهاب [3] وأخبرنا ابن ناصر قالا: أنبأنا ابن عبد الجبار قال: أخبرنا الحسين بن النصيبي قال: حدثنا إسماعيل بن سويد قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال:
حدثنا أَبُو بكر بْن خلف [4] قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر الأموي قال: قال الرشيد لأبي العتاهية:
الناس يزعمون أنك زنديق، قال: يا سيدي، كيف أكون زنديقا، وأنا الذي أقول:
أيا عجبا كيف يعصى الإله ... أم كيف يجحده الجاحد
وللَّه في كل تحريكة ... وفي كل تسكينة شاهد
وَفِي كُل شَيْء لَهُ آية ... تَدُل عَلَى أنه واحد
أَخْبَرَنَا [عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ] [5] الْقَزَّازِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حنيفة المؤدب قال: حدثنا المعافى بْن زكريا قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن القاسم الكوكبي قال: حدثنا عسل بن ذكوان قال: أخبرنا دماذ، بن [ذكوان عن] [6] حماد بن شقيق قال:
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد.
[2] في ت: «لدى المال» .
[3] في الأصل: «قال وأخبرنا» .
[4] في ت: «حدثنا عبد الله بن خالد» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل وأثبتناه من ت.(10/241)
قال أبو سلمة الغنوي [1] : قلت لأبي العتاهية: ما الذي صرفك عن قول الغزل إلى قول الزهد؟ قال: إذا والله أخبرك، إني لما قلت:
الله بيني وبين مولاتي ... أهدت لي الصد والملامات [2]
منحتها مهجتي وخالصتي ... فكان هجرانها مكافاتي
هيمني حبها وصيرني ... أحدوثة في جميع جاراتي
رأيت في المنام في تلك الليلة كأن آتيا أتاني فقال: ما أصبت [3] أحدا تدخله بينك وبين عتبة يحكم لك عليها بالمعصية إلا الله تعالى. فانتبهت مذعورا وتبت إلى الله تعالى من ساعتي من قول الغزل [4] /.
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قَالَ: أَخْبَرَنَا عثمان [بْن أحمد] [5] قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن أحمد [6] بن البراء قال:
أنشدني أحمد بن علي بن مرزوق لأبي العتاهية وهو يكيد بنفسه:
يا نفس قد مثلت حالي ... هذه لك منذ حين
وشككت أني ناصح ... لك فاستملت على الظنون
فتأملي ضعف الحراك ... وكله بعد السكون
وتيقني أن الذي ... بك من علامات المنون [7]
توفي أبو العتاهية في جمادى الآخرة من هذه السنة ببغداد. وقيل: في سنة ثلاث عشرة، وقبره على نهر عيسى قبالة قنطرة [8] الزياتين.
__________
[1] «الغنوي» ساقط من ت.
[2] في ت: «الملالات» .
[3] في الأصل: «ما وجدت» .
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 258.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] «أحمد بن» ساقطة من ت.
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 260.
[8] في ت: «عند قنطرة» .(10/242)
أخبرنا أبو منصور [1] القزاز قال: أخبرنا أبو بكر [2] بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: حدثني عبد العزيز بْن علي الوراق قال: سمعت عبد الله بن أحمد [بن علي] المقرئ [3] يقول:
سمعت [محمد بن] مخلد العطار يقول: سمعنا [إسحاق بن] [4] إبراهيم البغوي يقول:
قرأت على قبر أبي العتاهية:
أدن حتى تسمعي ... اسمعي ثم عي وعي
أنا رهن بمضجعي ... فاحذري مثل مصرعي
عشت تسعين [5] حجة ... ثم فارقت مجمعي
ليس زاد سوى التقى ... فخذي منه أو دعي.
1188- أحمد بن أبي خالد، أبو العباس.
[وزير المأمون] [6] وكان ذا رأي وفطنة، إلا أنه كانت له أخلاق وفظاظة، فقال له رجل: والله لقد أعطيت ما لم يعطه رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: والله لئن لم تخرج مما قلت لأعاقبنك، فقال/ قال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ 3: 159 [7] وأنت فظ غليظ القلب، ولا ينفضون من حولك.
وروى إبراهيم بن العباس قال: كنت أكتب لأحمد بن أبي خالد، فدخلت عليه يوما فرأيته مطرقًا مفكرا مغموما، فسألته عن خبره، فأخرج إلي رقعة، فإذا فيها أن حظية من أعز جواريه عليه، [كان] [8] يختلف [9] عليها غيره، ويستشهد على ذلك خادمين كانا ثقتين عنده [10] ، قال لي: فدعوت الخادمين وسألتهما عن ذلك، فأنكراه، فتهددتهما
__________
[1] أبو منصور» ساقطة من ت.
[2] في ت: «أخبرنا احمد بن ثابت» .
[3] في الأصل: «المنوي) .
[4] في ت: «سبعين» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 6/ 260.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] سورة: آل عمران، الآية: 159.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] وفي الأصل: «يخالف» .
[10] في ت: «كانا ثفين عندك» .(10/243)
فأقاما على الإنكار فضربتهما، فاعترفا على الجارية بكل ما كان في الرقعة وإني لم أذق أمس ولا اليوم شيئا، وقد هممت بقتل الجارية. قال: فوجدت مصحفا بين يديه ففتحته، وكان أول ما وقعت عيني عليه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ [فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ] 49: 6 [1] الآية.
قال: فشككت أنا في صحة الحديث، وأريته ما خرج به الفأل، وقلت له: دعني أتلطف في كشف هذا. فقال: افعل، فخلوت بأحد الخادمين ورفقت به وباحثته عن الأمر، فقال: النار ولا العار، وذكر أن امرأة أحمد بن أبي خالد وجهت إليه بكيس فيه ألف دينار وسألته الشهادة على الجارية وأمرته أن لا يذكر شيئا إلا بعد أن يوقع به المكروه لئلا يرتاب به [2] ، ويكون أثبت للخبر، وأحضر الكيس مختوما بخاتم المرأة، ودعوت الآخر فاعترف بمثل ذلك، وأمرته أن لا/ يذكر شيئا، فأكتب إلى أحمد بالبيان، فما وصل إليه [3] حتى وردت عليه رقعة الحرة [4] تعلمه أن الرقعة الأولى من فعلها كانت غيرة عليه من الجارية، وأن جميع ما فيها باطل، وأنها حملت الخادمين على ذلك، وأنها تائبة إلى الله من هذا الفعل، فجاءته براءة الجارية من كل جهة، فسر بذلك وزال ما كان به، وأحسن إلى الجارية.
قال أبو بكر الصولي: مات أحمد بن أبي خالد وزير المأمون يوم الاثنين لعشر خلون من ذي الحجة [5] سنة إحدى عشرة ومائتين، فصلى عليه المأمون، فلما دلي في قبره ترحم عليه وقال: كنت والله كما قال الشاعر:
أخو الجد إن جد الرجال وشمروا ... وذو باطل إن كان في القوم باطل
__________
[1] سورة: الحجرات، الآية: 6.
[2] في ت: «مكروها ينهمه» .
[3] في ت: «فبادرت إلى أحمد بالبشارة فما وصلت إليه» .
[4] في الأصل: «رقعة أخرى» .
[5] في ت: «ذي القعدة» .(10/244)
1189- رويم بن يزيد [1] ، أبو الحسن المقرئ، مولى العوام بن حوشب الشيباني
[2] .
[كان يسكن نهر القلايين، وله هناك مسجد معروف به] [3] كان يقرئ فيه، حدث عن الليث بن سعد، روى عن محمد بن سعد كاتب الواقدي، وكان ثقة.
توفي في هذه السنة.
1190- زياد بن يونس [بن سعيد] [4] بن سلامة بن الحضرمي الإسكندراني، يكنى أبا سلامة.
روى عن مالك، والليث، وابن لهيعة، وقرأ على نافع، وكان طالبا للعلم، وكان يسمى سوسة العلم، وهو أحد الأثبات الثقات.
توفي بمصر في هذه/ السنة.
1191- عبد الله [5] بن صالح [بن مسلم] [6] العجلي الكوفي المقرئ
[7] .
ولد سنة إحدى وأربعين ومائة وقرأ على حمزة الزيات، وسمع فضيل بن مرزوق، ونصر بن معاوية. وثقه يحيى، وأخرج عنه البخاري، وكان قاضيا بناحية شيراز.
توفي في هذه السنة وله ست وسبعون سنة.
1192- علي بن الحسين بن واقد المروزي
[8] .
كان واقد مولى عبد الله بن عامر بن كريز، سمع علي أباه وأبا حمزة السكري.
وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] في ت: «بن محمد» بدلا من «يزيد» .
[2] «الشيبانيّ» ساقط من ت. انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 429- 430.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «عبيد الله» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 477.
[8] انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 7/ 308. والتقريب 2/ 35. والتاريخ الكبير 6/ 267.(10/245)
1193- موسى بن سليمان [أبو سليمان] [1] الجوزجاني
[2] .
سمع ابن المبارك، وأبا يوسف، ومحمد. وكان فقيها بصيرا بالرأي، يذهب مذهب أهل السنة [في القرآن] [3] ، وكان نعم الرجل، قال أبو حاتم الرازي: كان صدوقا.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أخبرنا الحسين بن علي الصيمري قال: أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ قال: حدثنا بكر بن أحمد قال: أخبرنا أحمد بن عطية قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد قال: أحضر المأمون موسى بن سليمان ومعلى الرازي، فبدأ بأبي سليمان لسنه وشهرته بالورع، فعرض عليه القضاء، فقال: يا أمير المؤمنين، احفظ حقوق الله في القضاء ولا تول على أمانتك مثلي، فإني والله غير مأمون الغضب، ولا أرضى نفسي للَّه أن أحكم في عباده. قال:
صدقت وقد أعفيناك [4] .
1194- معلى بن منصور، أبو يعلى الرازي
[5] .
حدث عن مالك، والليث بن سعد، وشريك، وغيرهم، روى عنه ابن المديني/ وأبو بكر بن أبي شَيْبة، وأبو خيثمة. وكان ثقة فقيها، أخذ عن أبي يوسف القاضي، طلبوه للقضاء مرارا فأبى.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ [بْنُ عَلِيِّ] [6] بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
أخبرنا الصيمري قال: أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ قال: حدثنا بكر بن أحمد قال:
حدثنا أحمد بن عطية قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد قال: أحضر المأمون موسى بن سليمان ومعلى الرازي فعرض على موسى القضاء فامتنع، فأقبل على معلى فقال له مثل ذلك، قال: لا أصلح، قال: ولم؟ قال: إني رجل أداين، فأبيت مطلوبا وطالبا. قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 36- 37.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 37.
[5] انظر ترجمته في: 13/ 188.
[6] في ت: «أخبرنا أحمد بن علي» .(10/246)
نأمر بقضاء دينك وتتقاضى ديونك، فمن أعطاك قبلنا منه ومن لم يعطك عوضناك [ما لك عليه] قال: ففي شكوك [في] [1] الحكم، وفي ذلك تلف أموال الناس، قال: يحضر مجلسك أهل الدين إخوانك، فما شككت فيه سألتهم عنه، وما صح عندك أمضيته.
قال: يا سبحان [2] الله، أنا أرتاد رجلا أوصي إليه من أربعين سنة ما أجد [من أوصي إليه] [3] فمن أين أجد من يعينني على حقوق الله الواجبة حتى آتمنه على ذلك فأعفاه [4] .
أخبرنا الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ علي قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: حدثنا عمار بن بكار القافلاني قال: حدثنا محمد بن إسحاق والعباس بن محمد قالا: سمعنا يحيى بن معين يقول: كان المعلى بن منصور الرازي يوما يصلي فوقع على رأسه كور الزنابير، فما التفت ولا أنفتل [5] / حتى أتم صلاته، فنظروا فإذا رأسه قد صار هكذا من شدة الانتفاخ [6] .
توفي معلى في هذه السنة وكان ينزل الكرخ في قطيعة الربيع.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «يا سبحان» ساقط من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] لم أجد الخبر في ترجمته في تاريخ بغداد.
[5] «ولا انفتل» ساقطة من ت.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 189.(10/247)
ثم دخلت سنة اثنتي عشرة ومائتين
فمن الحوادث فيها:
توجيه المأمون محمد بن حميد [الطوسي] [1] لمحاربة بابك، فمضى على طريق الموصل، وأخذ جماعة من المتغلبة بأذربيجان فبعث بهم إلى المأمون [2] .
وفيها: خلع أحمد بن محمد العمريّ المعروف بالأحمر العين باليمن [3] .
وفيها: ولّى المأمون محمد بن عبد الحميد اليمن [4] .
وفيها: أظهر المأمون القول بخلق القرآن، وأن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك في شهر ربيع الأول [5] .
وحج بالناس في هذه السنة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بن محمد [6] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1195- إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، يكنى أبا حيان، وقيل: أبا عبد الله
[7] .
حدث عن أبيه، وعن مالك بن مغول وعنهما، وكان فقيها على مذهب جده،
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 619.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 619.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 619.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 619.
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 619.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 243.(10/248)
وتولى/ قضاء الرصافة سنة أربع وتسعين بعد محمد بن عبد الله الأنصاري، فأقام مدة ثم انصرف، وولي قضاء البصرة سنة عشر ومائتين لما عزل عنه يحيى بن أكثم، وأقام به سنة، ثم عزل بعيسى بن أبان.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا [أحمد بن علي] الخطيب [قال:
أخبرنا] أبو الطيب الطبري قال: حدثنا المعافى بن زكريا [قال: حدثنا] [1] محمد بن [2] أحمد بن إبراهيم الحكمي قال: قال أبو عبد الله محمد بن القاسم: لما عزل إسماعيل بن حماد عن البصرة شيعوه فقالوا: عففت عن أموالنا وعن دمائنا. فقال: وعن أبنائكم! يعرض بيحيى بن أكثم [في اللواط] [3] .
أَخْبَرَنَا [عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ] الْقَزَّازِ قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي] [4] الخطيب قال: حدثنا الصيمري قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران المرزباني قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد الكاتب قال: حدثنا أبو العيناء قال: قال إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة: ما ورد علي مثل امرأة تقدمت إلي فقالت: أيها القاضي، ابن عمي زوجني من هذا ولم أعلم، فلما أعلمت رددت، فقلت لها: ومتى رددت؟ قالت: وقت علمت، قلت: ومتى علمت؟ قالت: وقت رددت [5] . فما رأيت مثلها [6] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ مُحَمَّدِ] الْقَزَّازِ قَالَ: أخبرنا أَحْمَد بْن عَلي قَالَ: أَخْبَرَنَا البرقاني قَالَ: حدثني محمد بن أحمد بن محمد الأدمي قال: حدثنا محمد بن علي الأيادي قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: حدثني أبو حاتم الرازي قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ قَالَ: سمعت سعيد بن موسى [7] الباهلي يقول: سمعت
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «حدثنا محمد بن قاسم قال: لما عزل إسماعيل ... » .
[3] ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ بغداد انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 244.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «قلت: ومتى ... » «.... رددت» ساقطة من ت.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 244.
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 244.(10/249)
إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة في دار المأمون يقول: القرآن مخلوق وهو ديني/ ودين أبي وجدي [1] .
توفي [إسماعيل] [2] في هذه السنة [3] .
1196- خلف بن الوليد، أبو جعفر الجوهري
[4] .
سمع ابن أبي ذئب، وشعبة، وهشيما. وروى عنه: أحمد بن حنبل [5] ، وانتقل إلى مكة فنزلها.
قال يحيى بن معين: هو ثقة.
توفي في هذه السنة.
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 245.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] وفي هامش الأصل: «إن صحت هذه الرواية فقد كذب على أبيه وجده» .
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 320.
[5] «بن حنبل» ساقطة من ت.(10/250)
ثم دخلت سنة ثلاث عشرة ومائتين
فمن الحوادث فيها:
موت [طلحة بن] طاهر بخراسان [1] ، فولى المأمون أخاه [أبا إسحاق] [2] الشام ومصر، وولى ابنه العباس بن المأمون الجزيرة والثغور والعواصم، وأمر لهما ولعبد الله بن طاهر، لكل منهم بخمسمائة ألف دينار، وولى غسان بن عباد السنة [3] .
وحج بالناس في هذه السنة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بن محمد [4] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1197- أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح، أبو جعفر الكاتب مولى بني عجل
[5] .
كان من أفاضل كتاب المأمون وأذكاهم، وأفطنهم وأجمعهم للمحاسن، وكان فصيحا مليح الخط يقول الشعر، وزر للمأمون بعد أحمد بن [أبي] [6] خالد.
أخبرنا [أبو] منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
__________
[1] في الأصل: «موت طاهر الخراساني» . وما بين المعقوفتين ذكر في الهامش.
[2] في الأصل: «أخاه المأمون» وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 620.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 620.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 216.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/251)
أخبرنا علي بن محمد بن بشران قال: [أخبرنا الحسين بن صفوان، حدثنا عبد الله بن أبي الدنيا قال] [1] : أخبرنا الحسين بن عبد الرحمن قال: أشرف أحمد بن يوسف وهو يموت على بستان له [على] [2] شاطئ دجلة، فجعل يتأمله/ ويتأمل دجلة، ثم تنفس وقال متمثلا:
ما أطيب العيش لولا موت صاحبه ... ففيه ما شئت من عيب لعائبه
قال: فما أنزلناه حتى مات [3] .
وكانت وفاته في هذه السنة.
1198- أسد بن الفرات بن سنان، أبو عبد الله الفقيه.
قاضي إفريقية مغربي صاحب الكتب على مذهب مالك المعروفة بالأسدية. ولد سنة أربعين ومائة، وكان عنده الموطأ عن مالك، وأقام بالكوفة، فكتب عن أهلها وكتب بالري عن جرير بن عبد الله بن عبد الحميد.
وتوفي بصقلية في ربيع الآخر [4] من هذه السنة. وهو محاصر بسرقوسة، وهو أمير تلك السرية.
1199- أسود بن سالم، أبو محمد العابد
[5] .
سمع حماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل بن علية، وغيرهم، وكان ثقة ورعا فاضلا. وكان بينه وبين معروف الكرخي مؤاخاة ومودة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ على [بْن ثابت] [6] قَالَ:
حَدَّثَنَا عبد الله بن أبي الحسن بن محمد الخلال قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمران
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر تاريخ بغداد 5/ 218.
[4] في ت: «ربيع الأول» .
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 35.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/252)
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن مجاهد قال: حدثنا أبو عيسى الختلي قال: حدثنا أبو يوسف القاضي قال: كنا عند أسود بن سالم وقد كان يستعمل من الماء شيئا كثيرا [ثم ترك ذاك] [1] فجاء رجل فسأله عن ذلك فقال: هيهات ذهب [2] ذاك، كنت ليلة باردة قد قمت في السحر فأنا أستعمل ما كنت أستعمله، فإذا هاتف هتف بي فقال: يا أسود ما/ هذا يحيى بن سعيد الأنصاري حدثنا عن سعيد بن المسيب «إذا جاوز الوضوء ثلاثا لم ترتفع إلى السماء» . قال: قلت: أجني؟ ويحك من تكون؟ قال: ما هو إلا ما تسمع.
فقلت: من أنت عافاك الله؟ قال: يحيى بن سعيد الأنصاري قال: حدثنا عن سعيد بن المسيب إذا جاوز الوضوء ثلاثا لم ترتفع إلى السماء. قال: قلت [3] : لا أعود [لا أعود] فأنا اليوم يكفيني كف من ماء [4] .
أخبرنا منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن على قال: أخبرنا أبو القاسم بن عبد المنذر القاضي قال: حدثنا عبد الصمد بن علي الطوسي قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن زياد قال: حدثني أحمد بن الحاكم الصاغاني قال: جاء رجل إلى ابن حميد فقال: إني اغتبت أسود بن سالم، فأتيت في منامي فقيل لي: تغتاب وليا من أولياء الله لو ركب حائطا ثم قال له سر لسار [5] .
1200- بشر بن أبي الأزهر القاضي [النيسابوري] [6] . واسم أبي الأزهر: يزيد، وكنية بشر: أبو سهل.
كان من أعيان فقهاء الكوفيين وزهادهم. سمع ابن المبارك، وابن عيينة، وأبا معاوية، وغيرهم. وتفقه على أبي يوسف.
أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن الحسين البيهقي قال: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، أخبرني محمد بن الحسن بن الحسين بن منصور قال: حدثنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «ذهب» ساقطة من ت.
[3] من أول: «أجنى، ويحك ... » حتى «إلى السماء قال: قلت» ساقطة من ت.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 7/ 36.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 7/ 37.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/253)
أبي قال: حدثنا [1] محمد بن عبد الوهاب قال: سمعت بشر بن أبي الأزهر وسأله رجل عن مسألة فأخطأ فيها/ فقال: كنت هممت أن آتي الطاهري- يعني عبد الله بن طاهر- فأسأله أن يأمر الحراس فينادوا في البلد في الناس: من سأل بشر بن أبي الأزهر عن مسألة في النكاح فأنه قد أخطأ فيها، فقال له رجل: أنا أعرف الرجل الذي سألك عن المسألة [2] هو في مكان كذا وكذا. فأتى به فرجع عن قوله ذلك وبصره بالصواب.
توفي في رمضان في هذه السنة.
1201- ثمامة بن أشرس أبو معين النميري
[3] .
أحد المعتزلة البصريين، ورد بغداد، واتصل بالرشيد وغيره من الخلفاء، وحكى عنه الجاحظ وغيره.
وروى أبو بكر الصولي قال: حدثني المقدمي قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: حدثني الوليد بن عباس قال: خرج ثمامة بن أشرس من منزله بعد المغرب وهو سكران، فإذا هو بالمأمون [4] قد ركب في نفر، فلما رأى ثمامة عدل عن طريقه وبصر به المأمون فضرب كفل دابته وحاذاه، فوقف ثمامة، فقال له المأمون: ثمامة، قال: إي والله، قال: سكران أنت؟ قال: لا. قال: أفتعرفني؟ قال: إي والله،. قال: من أنا؟
قال: لا أدري، فضحك المأمون حتى انثنى عن دابته، قال: عليك لعائن الله، قال:
تترى يا أمير المؤمنين، فعاد في الضحك.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ [أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ] [5] بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
أخبرنا الصميري قال: حدثنا/ أبو عبيد الله المرزباني قال: أخبرني الصولي قال: قال الجاحظ قال ثمامة: دخلت إلى صديق لي أعوده وتركت حماري على الباب فخرجت،
__________
[1] «حدثنا أبي قال» : ساقطة من ت.
[2] «عن المسألة» ساقطة من ت.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 145.
[4] في الأصل: «بالمغرب» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/254)
وإذا فوقه صبي [1] ، فقال: حفظته لك، قلت: لو ذهب كان أعجب إلي قال: فاحسبه قد ذهب وهبه لي واربح شكري، فلم أدر ما أقول [له] [2] .
قال المرزباني وأخبرني أبو بكر الجرجاني قال: حدثنا محمد بن يزيد المبرد، عن الحسن بن رجاء: أن الرشيد لما غضب على ثمامة دفعه إلى سلام [3] الأبرش، وأمره أن يضيق عليه، ويدخله بيتا ويطبق عليه [4] ويترك فيه ثقبا، ففعل دون ذلك، وكان يدس إليه [5] الطعام، فجلس سلام عشية يقرأ في المصحف فقرأ: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ 77: 15 [6] .
فقال له ثمامة: إنما هو للمكذّبين، وجعل يشرحه ويقول: المكذَّبون هم الرسل، والمكذِّبون هم الكفار، فقال: قد قيل لي إنك زنديق ولم أقبل، ثم ضيق عليه أشد الضيق! ثم رضي الرشيد عن ثمامة [7] وجالسه. فقال: أخبروني من أسوأ الناس حالا؟
فقال كل واحد شيئا. قال ثمامة: فبلغ القول إلي، فقلت: عاقل [8] يجري عليه حكم جاهل فتبينت الغضب في وجهه، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما أحسبني وقعت بحيث أردت؟ قال: لا والله فاشرح لي، فحدثته بحديث سلام، فجعل يضحك حتى استلقى، وقال: صدقت والله، لقد كنت أسوأ الناس حالا/ [9] .
قال أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي [10] : قتل ثمامة بن أشرس النميري
__________
[1] «صبي» ساقطة من ت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل انظر الخبر في تاريخ بغداد 7/ 146.
[3] في الأصل: «سلامة» .
[4] في ت: «ويضيق» .
[5] في ت: «يدس عليه» .
[6] سورة: المرسلات، الآية: 15.
[7] في الأصل: «على ثمامة» .
[8] في ت: «عالم» .
[9] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 7/ 148.
[10] «التميمي» ساقطة من ت.(10/255)
وهو زعيم المعتزلة [1] بين الصفا والمروة من أجل [بدعة ومن أجل] [2] سعيه في دم أبي أحمد الخزاعي، قتله بنو خزاعة.
1202- عبد الله بن داود الهمذاني
[3] .
تحول من الكوفة فنزل الخربية بناحية البصرة، وكان ثقة ناسكا، سمع الأعمش وغيره.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر بن ثابت قال: حدثني أبو القاسم الأزهري قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن يحيى الدقاق قال: حدثنا إسماعيل الحطبي قال: سمعت أبا مسلم إبراهيم بن عبد الله يقول: كتبت الحديث وعبد الله بن داود حي، ولم أقصده لأني كنت في بيت عمتي ولها بنون أكبر مني، فلم أرهم، فسألت عنهم، فقالوا: قد مضوا إلى عبد الله بن داود، فأبطئوا ثم جاءوا يذمونه [4] ، وقالوا:
طلبناه في منزله فلم نجده، وقالوا: هو في بسيتينة له بالقرب فقصدناه، فإذا هو فيها فسلمنا عليه وسألناه أن يحدثنا، فقال: متعت بكم أنا في شغل عن هذا هذه البسيتينة لي فيها معاش وتحتاج أن تسقى، وليس لي من يسقيها. فقلنا نحن ندير الدولاب ونسقيها قال: فافعلوا [5] ، قال: فتسلحنا وأدرنا الدولاب حتى سقينا البستان، ثم قلنا له: حدثنا الآن، قال: متعت بكم، ليس لي نية في أن أحدثكم، وأنتم كان لكم نية تؤجرون عليها.
توفي الجرمي في شوال هذه السنة.
1203- عبد الله بن سنان الهروي
[6] .
نزيل البصرة، حدث عن ابن المبارك/ والفضيل، وسفيان بن عيينة.
__________
[1] «وهو زعيم المعتزلة» ساقطة من ت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 413.
[4] «ثم جاءوا يذمونه» ساقطة من ت.
[5] في ت: «قال: إن حضرتكم منه» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 469.(10/256)
روى عنه: ابن المديني، وابن خيثمة، وأبو زرعة. وقال أبو داود: هو ثقة.
توفي في هذه السنة.
1204- علي بن جبلة بن مسلم، أبو الحسن الشاعر، المعروف بالعكوك الضرير
[1] .
ولد سنة ستين ومائة، وذهب بصره في الجدري، وهو ابن سبع سنين، مدح المأمون وأبا دلف وندرت من شعره نوادر، وسارت عنه أمثال. روى عنه: الجاحظ.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي علي بن أيوب الكاتب قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمران المرزباني قَالَ: حدثني علي بن هارون قال: أخبرني أبي قال: من مختار شعر علي بن جبلة:
لو أن لي صبرها أو عندها جزعي ... لكنت أعلم ما آتي وما أدع
لا أحمل اللوم فيها والغرام بها ... ما حمل الله نفسا فوق ما تسع
إذا دعى باسمها داع فأسمعني ... كادت له شعبة من مهجتي تقع [2]
ولما مدح [3] أبا دلف بقصيدته التي أولها:
زاد زور الغي عن صدره [4] ... وارعوى واللهو من وطره
[وأبت إلا البكاء له ... ضاحكات الشيب في شعره
جبل عزت مناكبه ... آمنت عدنان في ثغره
إنما الدنيا أبو دلف ... بين ناديه ومحتضره
فإذا ولي أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره
يا دواء الأرض إن فسدت ... وبديل اليسر من عسره
كل من في الأرض من عرب ... بين باديه إلى حضره
مستعين منه مكرمة ... يكتسيها يوم مفتخره [5]]
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 359.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 11/ 359.
[3] في ت: «ومن شعره» .
[4] في ت: «من صدره» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/257)
ولما أنشد هذه القصيدة أمر له [1] بمائة ألف درهم وبكى وقال: لم أقض حقه والله لو أعطيته مائة ألف دينار ما كنت قاضيه حقه.
قال علي بن جبلة: وكنت لا أدخل على أبي دلف إلا يلقاني ببر/ فلما أفرط انقطعت عنه حياء منه، فبعث إلي أخاه يقول: لم هجرتنا؟ فكتبت إليه:
هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة ... وهل يرتجى نيل الزيادة بالكفر
ولكنني لما أتيتك زائرا ... فأفرطت في بري عجزت عن الشكر
من الآن لا آتيك إلا مسلما ... أزورك في الشهرين يوما وفي الشهر
فإن زدتني برا تزايدت [2] جفوة ... ولم تلقني طول الحياة إلى الحشر
فلما وصلت إليه كتب إلي:
ألا رب ضيف طارق قد بسطته ... وآنسته قبل الضيافة بالبشر
أتاني يرجيني فما حال دونه ... ودون القرى من نائلي عنده ستري
وجدت [3] له فضلا علي بقصده ... إلي [4] وبرا يستحق به شكري
فلم يعد أن أدنيته وابتدأته ... ببشر وإكرام وبر على بر [5]
وزودته مالا قليلا بقاؤه ... وزودني مدحا يدوم على الدهر
ثم وجه الأبيات مع وصيف يحمل كيسا فيه ألف دينار.
ومدح حميد الطوسي فبالغ في مدحه [6] ، فقيل له: ما بلغت في مدح أحد، ما بلغت في مدح حميد فقال: وكيف لا أفعل؟ وأدنى ما وصل إلي منه أني أهديت إليه قصيدة في يوم نيروز فسر بها وأمر أن يحمل إلي كلما أهدي له، فحمل إلي ما قيمته مائة ألف درهم.
__________
[1] في الأصل: «فلما أنشدها له أمر له» .
[2] في ت: «فإنه زدتي برايدت» .
[3] في ت: «وجدي» .
[4] في ت: «إلا» .
[5] هذا البيت ساقط من ت.
[6] «في مدحه» ساقطة من ت.(10/258)
وقد روينا أن المأمون لما بلغه ما بلغ فيه [علي] [1] بن جبلة من مدح أبي دلف طلبه فجيء به، فقال له: فضلت أبا دلف/ على العرب كلها، وأدخلت في ذلك قريشا وآل رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعترته، وأنا لا [2] أستحل دمك بهذا بل بكفرك في شعرك حيث تقول:
أنت الذي تنزل الأيام منزلها ... وتنقل الدهر من حال إلى حال
وما مددت مدى طرف إلى أحد ... إلا قضيت بأرزاق وآجال
ما يقدر على ذلك إلا الله عز وجل سلوا لسانه من قفاه ففعل به ذلك.
والصحيح أنه هرب من المأمون فمات في تواريه بغداد في هذه السنة، ولم يقدر عليه.
1205- علي بن إسحاق، أبو الحسن [3] السلمي ثم الداركاني
[4] :
وهي قرية بمرو ينزلها [5] الحاج إذا خرجوا من مرو.
وكان من أصحاب ابن المبارك. وروى عنه أحمد بن حنبل. [وكان ثقة صدوقا.
توفي في هذه السنة.
1206- محمد بن سابق، أبو جعفر. وقيل: أبو سعيد البزاز، مولى بني تميم
[6] .
حدث عن مالك بن مغول وغيره. روى عنه: أحمد بن حنبل] [7] وأبو خيثمة، وعباس الدوري في آخرين، وقد اختلفوا فيه.
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر [8] الخطيب قال: أخبرني الصيمري قال: حدثنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «وأفالا» .
[3] في ت: «أبو إسحاق» .
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 348.
[5] في ت: «ينزله» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 338.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] «أبو بكر» ساقطة من ت.(10/259)
علي بن الحسن الداري قال: حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني قال: حدثنا أحمد بن زهير قال: سئل يحيى بن معين، عن محمد بن سابق فقال: ضعيف [1] .
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا الخطيب قال: حدثنا هبة الله [2] بن الحسن بن منصور قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ القاسم قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ قال:
أخبرنا جدي قال: محمد بن سابق كان ثقة صدوقا [3] .
قال المصنف: وعلى هذا الأكثرون في توثيقه.
توفي في هذه السنة. وقيل: في سنة أربع عشرة.
1207- محمد بن يوسف، أبو عبد الله الفريابي.
روى عن سفيان، والأوزاعي، وزائدة. وسكن قيسارية.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة.
روى السري بن معاذ أمير الري قال: كنت مع أبي وكان قائدا من قواد عبد الله بن طاهر وأنا غلام فوجه/ عبد الله بن طاهر إلى ناحية الشام فخرج أبي فكنت معه، وكان قريبا من شهر رمضان، فقال عبد الله بن طاهر: هاهنا أحد من العلماء نسأله عن الصيام والإفطار؟ فأنا على ظهر سفر، فقيل له: ها هنا بالقرب منك محمد بن يوسف الفريابي، صاحب سفيان الثوري، قال: فضرب بعسكره إلى باب داره. قال: وكان له حاجبان أحدهما عزير، والآخر ميكال، وكانا على مقدمته، فتقدما إلى الباب، فأومأ إليهما عبد الله بن طاهر أن يرفقا [4] في قرع الباب، فقرعا ثم وقفا مليا، فخرجت جارية. تخدم الفريابي، فقالا لها: قولي للشيخ الأمير عبد الله بن طاهر بالباب، قال: فمضت، ثم أطالت، ثم جاءت [5] فقالت: يقول لكم الشيخ ما حاجته؟ قال: فتذمرا فأومأ إليهما
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 5/ 340.
[2] في الأصل: «عبد الله» .
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 5/ 340.
[4] في ت: «أن توفقا» .
[5] في ت: «ثم جارت» .(10/260)
عبد الله بن طاهر أن اسكتا، فقال عبد الله بن طاهر: قولي للشيخ: إنا على [ظهر] [1] سفر، وقد أظلنا شهر رمضان، فما ترى في الصيام أو الإفطار؟ قال: فمضت، ثم رجعت بعد هوي فقالت: يقول لكم الشيخ إن كنتم على سفر في طاعة الله فأنتم مخيرون بين الصيام [2] والإفطار، وإن كنتم على سفر في معصية الله فلا تجمعوا بين العصيان والإفطار، فلما انصرفا نظر عبد الله بن طاهر [3] إلى عزير وميكال، فقال: هذا العز لا الذي نحن فيه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «في الصيام» .
[3] «بن طاهر» ساقطة من ت.(10/261)
ثم دخلت سنة أربع عشرة ومائتين
فمن الحوادث فيها: / خروج بلال الضبابي شاريا، فشخص المأمون إلى العلث، ثم رجع إلى بغداد، ووجه ابنه عباسا في جماعة من القواد، فيهم [1] هارون بن أبي خالد، فقتله هارون [2] .
وفيها: خرج عبد الله بن طاهر [إلى] الدينور [3] ، فبعث المأمون إليه إسحاق بن إبراهيم، ويحيى بن أكثم يخيرانه بين خراسان والجبال وأرمينية والجبال وأذربيجان [4] ، ومحاربة بابك، فاختار خراسان، فشخص إليها [5] .
وفيها: ولي علي بن هشام الجبل، وقم، وأصبهان، وأذربيجان، وعزل عكرمة بن طارق عن قضاء الشرقية [6] .
وحج بالناس في هذه السنة إسحاق بن العباس بن محمد [7] .
__________
[1] في ت: «إليه» .
[2] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 622.
[3] في الأصل: «بن طاهر الدينَوَريّ» .
[4] «وأذربيجان» ساقطة من ت.
[5] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 622.
[6] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 622.
[7] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 622.(10/262)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1208- إسحاق بن حسان أبو يعقوب [1] الشاعر المعروف بالخريمي
[2] .
أصله من خراسان من أبناء السغد [3] ، واتصل بخريم بن عامر المري فنسب إليه، وقيل: بل كان اتصاله بعثمان بن خريم وكان عثمان قائدا جليلا وسيدا شريفا فنسب [4] إليه.
وأبو خريم الموصوف بالناعم، وأما يعقوب فشاعر محسن وكان يتدين.
قال أبو حاتم السجستاني: هو أشعر المولدين. روى عنه الحافظ.
حدثنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر [أحمد] [5] بن علي قال أخبرني علي بن أيوب القمي قال: حدثنا محمد بن عمران الكاتب/ قال: أخبرنا الصولي قال:
أنشدني عون بن محمد لأبي يعقوب الخريمي:
باحت ببلواه جفونه ... وجرت بأدمعه عيونه [6]
لما رأى شيئا علاه ... ولم يحن في الغد حينه
فعلا على فقد الشباب ... وفقد من يهوى أنينه
ما كان أنجح سعيه ... وشبابه فيه معينه
واللهو يحسن بالفتى ... ما لم يكن شيب يشيننه [7]
1209- الحسين بن محمد بن بهرام، أبو محمد التميمي، المؤدب، مروروذي؟ الأصل
[8] .
كان ببغداد، وحدث عن جماعة، وروى عنه: أحمد بن حنبل، وعباس الدوري، والحربي وكان ثقة.
__________
[1] في ت: «بن حيان بن يعقوب» .
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 326.
[3] في ت: «الشعراء» .
[4] «فنسب» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في تاريخ بغداد: «شئونه» .
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 326.
[8] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 88.(10/263)
توفي في هذه السنة. وقيل: في سنة ثلاث عشرة.
1210- محمد بن عبد الله بن قيس، أبو محرز الكناني.
[كان] [1] فاضلا، ولي قضاء إفريقية فامتنع، فأمر الأمير أن يحمل بضيعته حتى يقعد في الجامع لينظر بين الناس، فلما قعد، نظر بين الخصوم.
سمع مالك [بن أنس] [2] .
وتوفي في هذه السنة.
1211- محمد بن حميد الطوسي.
قتله بابك يوم السبت لخمس بقين من ربيع الأول، وقتل جماعة كانوا معه في عسكره.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/264)
ثم دخلت سنة خمس عشرة ومائتين
فمن الحوادث:
أن المأمون شخص من بغداد لغزو الروم في يوم السبت لثلاث بقين من المحرم، وكان ارتحاله من الشماسية إلى البردان يوم الخميس [بعد] [1] صلاة الظهر لست بقين/ من المحرم، واستخلف حين رحل عن بغداد عليها إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، وولاه مع ذلك السواد وحلوان وكور دجلة، فلما صار المأمون بتكريت قدم عليه محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب [كرم الله وجهه] [2] من المدينة في صفر، فأجازه، وأمره [3] أن يدخل بابنته أم الفضل، وكان زوجها منه، فأدخلت [4] عليه في دار أحمد بن يوسف التي على شاطئ دجلة، فأقام بها، فلما جاءت أيام الحج خرج بأهله وعياله حتى أتى مكة، ثم أتى منزله بالمدينة، فأقام بها [5] ثم سلك المأمون طريق الموصل، حتى صار إلى منبج، ثم إلى دابق [6] ، ثم إلى أنطاكية، ثم إلى المصيصة، ثم خرج منها إلى طرسوس، ثم دخل إلى
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «واستأذنه» .
[4] في ت: «فما دخلت» .
[5] «فأقام بها» ساقط من ت.
[6] «وثم إلى دابق» ساقط من ت.(10/265)
بلاد الروم، للنصف من جمادى الأولى، فافتتح حصنا فمن على أهله [1] ، ثم أقام على حصن فتحه عنوة، وأمر بهدمه، وذلك يوم الأحد لأربع بقين من جمادى الأولى ووجه أشناس إلى حصن، فأتاه برئيسه، ووجه عجيفا إلى صاحب حصن سنان، فسمع وأطاع [2] .
وشخص المأمون إلى دمشق [3] .
وولى علي بن هشام محاربة الخرمية، وندب عيسى بن يزيد الجلوذي في هذه السنة إلى محاربة الزط، وهم أول من سكن البطائح، والبطائح [4] هي مغيص دجلة والفرات، وهما نهرا العراق، وكان الزط [5] سبعة وعشرين ألفا ومائتين، منهم المقاتلة اثنا عشر ألفا/ فلما استوطنوا البطائح قطعوا الطريق ومنعوا المجتازين ما بين البصرة وواسط، فاستغاث الناس إلى المأمون، فندب إليهم عيسى بن يزيد، فجرت بينهم وبينه [6] وقائع، ولم يظفر منهم بطائل، فاستظهروا عليه، وعادوا إلى ما كانوا عليه من الفساد، وقطع الطريق، فندب المأمون غيره، فلم يظفر منهم بشيء.
أخبرتنا شهدة بنت أحمد [7] قالت: أخبرنا جعفر بن أحمد السراج قال: حدثنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري قال: حدثنا المعافى بن زكريا قال: حدثنا الحسين ابن القاسم الكوكبي [8] قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن مالك النحوي قال: حدثنا يحيى بن أبي حماد، عن أبيه قال: وصفت للمأمون جارية بكل ما توصف به امرأة من الكمال والجمال، فبعث في شرائها، فأتي بها، فلما [9] همّ ليلبس درعه [ذكرها و] [10]
__________
[1] في الطبري: أهلها» .
[2] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 623- 624.
[3] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 624.
[4] «وهم أول من سكن البطائح، والبطائح» ساقطة من ت.
[5] في ت: «وكانوا» .
[6] في ت: «بينه وبينهم» .
[7] في الأصل: «أخبرنا بهذه الكاتبة قال» .
[8] «الكوكبي» ساقطة من ت.
[9] في ت: «فأتى خروجه إلى بلاد الروم فلما» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/266)
خطرت بباله، فأمر فأخرجت إليه، فلما نظر إليها أعجب بها وأعجبت به، فقالت: ما هذا؟ قال: أريد الخروج إلى بلاد الروم. قالت: قتلتني والله يا سيدي، وحدرت دموعها على خدها كنظام اللؤلؤ، وأنشدت [1] تقول:
سأدعو دعوة المضطر ربا ... يثيب على الدعاء ويستجيب
لعل الله أن يكفيك حربا ... ويجمعنا كما تهوى القلوب
فضمها المأمون إلى صدره، وأنشأ متمثلا يقول:
فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها ... وإذ هي تدري الدمع منها الأنامل/
صبيحة قالت في العتاب قتلتني ... وقتلي بما قالت هناك تحاول
ثم قال لخادمه: يا مسرور، احتفظ بها، وأكرم محلها، وأصلح لها كل ما تحتاج إليه من المقاصير والخدم والجواري إلى وقت رجوعي، فلولا قول الأخطل:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهار
وخرج فلم يزل يتعاهدها، ويصلح لها ما أمر به، فاعتلت الجارية علة شديدة أشفق عليها منها، وورد نعي المأمون، فلما بلغها ذلك تنفست الصعداء وماتت [2] .
وحج بالناس في هذه السنة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بن محمد [3] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1212-[إسحاق بن عيسى بن نجيح، أبو يعقوب المعروف بابن الطباع
[4] .
سمع مالك بن أنس، وشريك بن عبد الله وغيرهما. روى عنه: أحمد بن حنبل
__________
[1] في ت: «وأنشأت» .
[2] في ت: «وتوفيت» .
[3] في ت: «بن محمد بن علي» . انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 624.
[4] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 60 والترجمة ساقطة من الأصل.(10/267)
وكان صدوقا. وانتقل في آخر عمره إلى أدنه، فأقام بها حتى توفي في ربيع الأول من هذه السنة] [1] .
1213- سعيد بن أوس بن ثابت، أبو زيد الأنصاري
[2] .
كان عالما بالنحو واللغة، وحدث عن شعبة، وأبي عمرو بن العلاء، روى عنه:
أبو عبيدة وغيره، وكان ثقة ثبتا من أهل البصرة، وقدم بغداد.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد بن علي البزاز [3] قال: أخبرنا محمد [بن عمران بن موسى الكاتب قال: حدثني علي بن يحيى قال: حدثنا محمد بن عباس قال: حدثنا عمي الفضل بن محمد قال: حدثني أبو عثمان] [4] المازني قال: كنا عند أبي زيد، فجاء الأصمعي فأكب على رأسه وجلس وقال: هذا عالمنا ومعلمنا منذ ثلاثين [5] سنة [فبينا] [6] نحن على ذلك [7] إذ دخل خلف الأحمر، فأكب على رأسه وجلس وقال: هذا عالمنا ومعلمنا منذ/ عشر سنين [8] .
أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد [9] بن يعقوب قال: حدثني محمد بن عبيد الله بن الفضل بن قفرجل [10] قال: حدثنا محمد بن يحيى النديم قال: حدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا روح بن عبادة قال: كنا عند شعبة فضجر من الحديث، فرمى بطرفه، فرأى أبا زيد في أخريات الناس، فقال: يا أبا زيد:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 77.
[3] في الأصل: «المزاز»
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «عشرين» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «فنحن كذلك» .
[8] في ت: «ثلاثين سنة» انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 77- 78.
[9] في تاريخ بغداد: «أحمد بن محمد بن أحمد» .
[10] «قفرجل» ساقط من ت.(10/268)
أستعجمت دار مي ما تكلمنا ... والدار لو كلمتنا ذات أخبار
إلي يا أبا زيد، فجعلا يتناشدان الأشعار. فقال بعض أصحاب الحديث لشعبة: يا أبا بسطام، نقطع إليك ظهور الإبل لنسمع منك حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتدعنا وتقبل على الأشعار؟ قال: فرأيت شعبة قد غضب غضبا شديدا، ثم قال: يا هؤلاء أنا أعلم بالأصلح لي أنا والله الّذي لا إله إلا هو أسلم مني في ذلك [1] .
[أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بَكْرِ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الواحد قال: أخبرنا محمد بن عمران الكاتب قال: حدثني محمد بن أحمد الجوهري قال: حَدَّثَنَا] [2] العنزي قال: سمعت المازني يقول: سمعت أبا زيد النحوي يقول:
وقفت على قصاب وقد أخرج بطنين سمينين موفورين فعلقهما، فقلت: بكم البطنان؟
فقال: بمصفعان يا مضرطان فغطيت رأسي وفررت لئلا يسمع الناس فيضحكوا [3] .
توفي أبو زيد في هذه السنة بالبصرة وله ثلاث وتسعون سنة، وقيل: سنة أربع عشرة.
1214- سهل بن محمود بن حليمة، أبو السري
[4] .
حدث عن سفيان بن عيينة، روى عن عباس الدوري، وكان محدثا ثقة ناسكا.
وتوفي في هذه السنة.
1215- علي بن الحسن [5] بن شقيق بن محمد بن دينار، أبو عبد الرحمن العبدي [المروزي]
[6] .
قدم بغداد، وحدث بها عن إبراهيم بن طهمان/ وإبراهيم بن سعد، وحماد بن
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 78- 79.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل وفيه: «عن العتري» .
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 78.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 115.
[5] «بن الحسن» ساقطة من ت.
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 370.(10/269)
زيد، وشريك، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، وكان يحفظ كتب ابن المبارك وشاركه في كثير من رجاله.
روى عنه: أحمد بن حنبل، ويحيى، وأبو خيثمة وكان جامعا.
وتوفي بمرو في هذه السنة.
1216- قبيصة بن عقبة، أبو عامر السوائي
[1] .
من بني عامر بن صعصعة، سمع الثوري، وحماد بن سلمة، روى عنه: أحمد [ابن حنبل] [2] وغيره وكان رجلا صالحا ثقة كثير الحديث [حافظا] [3] .
تكلموا في سماعه عن سفيان [الثوري] [4] فقالوا: كان حينئذ صغيرا.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا [أبو] منصور محمد بن [5] عيسى البزاز قال: أخبرنا صالح بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد الحافظ قَالَ:
سمعت القاسم بن أبي صالح يقول سمعت جعفر بن حمرويه [6] يقول: كنا على باب قبيصة ومعنا دلف أبو عبد العزيز ومعه الخدم، فصار إلى قبيصة، فدق عليه الباب، فأبطأ قبيصة بالخروج فعاوده الخدم، وقيل: ابن ملك [الجبل] [7] على الباب وأنت لا تخرج إليه؟ قال: فخرج وفي طرف إزاره كسر من الخبز وقال: رجل قد رضي من الدنيا بهذا، فما يصنع بابن ملك الجبل، والله لا حدثته. فلم يحدثه [8] .
توفي قبيصة في هذه السنة. وقيل: في سنة عشرين والأول أصح.
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 473.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «أخبرنا منصور بن محمد» .
[6] في الأصل: «بن حمويه» .
[7] ما بين المعقوفتين زيادة من الهامش ومن تاريخ بغداد.
[8] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 476.(10/270)
1217- محمد بن عبد الله بن المثنى بن أنس بن مالك، أبو عبد الله الأنصاري
[1] .
ولد سنة ثماني عشرة ومائة. سمع أباه [2] ، وسليمان التيمي، وحميدا الطويل، ومالك بن دينار، وغيرهم.
روى عنه: أبو الوليد الطيالسي، وقتيبة، وأحمد بن حنبل، وغيرهم [3] /، وكان ثقة، وقد جالس في الفقه سوار بن عبد الله، وعبد الله بن حسن العنبري، وعثمان البتي، وأبا يوسف، وزفر.
وولي قضاء البصرة [4] أيام الرشيد، وقدم بغداد فولي بها القضاء والمظالم، وحدث بها [5] ، ثم رجع إلى البصرة فمات بها في رجب هذه السنة وهو ابن سبع وتسعين سنة، وقيل [توفي] [6] سنة أربع عشرة.
[أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا الأزهري قال: أخبرنا محمد بن العباس قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد الكندي قال: أخبرنا أبو موسى محمد بن المثنى قال: سمعت] [7] محمد بن عبد الله الأنصاري يقول: كان يأتي علي قبل اليوم عشرة أيام لا أشرب فيها الماء واليوم أشرب كل يومين، فقيل له:
كنت تشرب اللبن؟ قال: اللبن مثل الماء، قيل له: فعسل؟ قال: لا [8] .
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أبو طاهر محمد بن أحمد بن علي الدقاق وأبو الحسن علي بن أحمد بن المؤدب قالا: حدثنا أحمد بْن إسحاق النهاوندي، حَدَّثَنَا الحسن بْن عبد الرحمن بن خلاد قال:
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 408.
[2] «أباه» ساقطة من ت.
[3] «روى عنه أبو الوليد الطيالسي وقتيبة وأحمد بن حنبل وغيرهم» ساقط من ت.
[4] في ت: «وولي القضاء بالبصرة» .
[5] «بها» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «عن محمد بن عبد الله الأنصاري» وحذف باقي السند.
[8] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 5/ 411.(10/271)
حدثني عبد الله بن محمد بن أبان حدثنا القاسم بن نصر المخرمي] [1] . حدثنا سليمان بن داود] [1] قال: وجه المأمون إلى محمد بن عبد الله الأنصاري خمسين ألف درهم وأمره أن يقسمها بين الفقراء بالبصرة، وكان هلال بن مسلم يتكلم على أصحابه، قال الأنصاري: وكنت أنا أتكلم على أصحابي، فقال هلال: هي لي ولأصحابي، وقلت أنا: هي لي ولأصحابي. فاختلفنا. فقلت لهلال: كيف تتشهد؟ فقال هلال: أو مثلي يسال عن التشهد؟ فتشهد على حديث ابن مسعود، فقال الأنصاري من حدثك [بهذا] [2] ومن أين ثبت عندك؟ فبقي هلال لم يجبه، فقال الأنصاري: تصلي كل يوم وليلة خمس صلوات وتردد فيها هذا الكلام وأنت لا تدري من رواه عن نبيك صلى الله عليه وسلم؟ قد باعد الله بينك وبين الفقه، فقسمها الأنصاري في أصحابه [3] .
1218- مكي بن إبراهيم بن بشر بن فرقد، أبو السكن البرجمي الحنظلي التميمي
[4] .
من أهل بلخ، سمع بهز بن حكيم، وابن جريج، ومالك بن أنس، روى عنه:
أحمد/ بن حنبل، والقواريري، [والبخاري] [5] والحسن بن عرفة، وغيرهم. وكان ثقة ثبتا.
[أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال] : أخبرنا أحمد بن علي [بن ثابت] [6] قال:
أخبرنا عبيد الله بن عمر الواعظ قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عبد الله بن عمرو العرمكي قال: سمعت عبد الصمد بن الفضل يقول: سمعت مكي يقول حججت ستين حجة، وتزوجت ستين امرأة، وجاورت بالبيت عشر سنين، وكتبت عن سبعة عشر نفسا من التابعين، ولو علمت أن الناس يحتاجون إلى ما كتبت ما كتبت دون التابعين عن أحد [7] .
__________
[1] في الأصل: «حدثنا البزاز بإسناد له عن سليمان بن داود» وحذف باقي السند.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 5/ 409.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 115.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 116.(10/272)
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بن محمد بن علي أبو الوليد، حدثنا محمد بن أحمد بن سليمان الحافظ، حدثنا أبو نصر أحمد بن نصر بن أشكاب قال: سمعت الحسن بن أحمد بن مالك الزعفراني يقول: سمعت عمر بن مدرك يقول] [1] : سمعت مكي بن إبراهيم يقول: قطعت البادية من بلخ إلى مكة حاجا خمسين مرة، ودفعت في كراء بيوت مكة ألف دينار ومائتي دينار ونيفا [2] .
توفي مكي ببلخ في نصف شعبان من هذه السنة، وقد قارب المائة سنة.
1219- الوليد بن أبان الكرابيسي
[3] .
أحد المتكلمين، وهو أستاذ حسين الكرابيسي.
أخبرنا عبد الرحمن [مُحَمَّد] الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا [أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ علي بن ثابت] [4] الخطيب قال: أخبرنا أَبُو منصور مُحَمَّد بْن عيسى بْن عبد العزيز البزاز قَالَ:
حَدَّثَنَا صالح بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد الحافظ قال: أخبرنا أحمد بن عبيد بن إبراهيم قال:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الأَشْعَثِ قال: سمعت أحمد بن سنان يقول: كان الوليد الكرابيسي خالي، فلما حضرته الوفاة قال لبنيه: تعلمون أن أحدا أعلم [5] بالكلام مني؟
قالوا: لا، قال: فتتهموني؟ قالوا: لا، قال: أني أوصيكم، تقبلون؟ قالوا: نعم. قال:
عليكم بما عليه أصحاب الحديث، فإني رأيت الحق معهم، لست أعني الرؤساء ولكن هؤلاء الممزقين/ ألم تر أحدهم يأتي إلى الرئيس منهم فيخطئه ويهجيه [6] .
قال أبو بكر بن الأشعث: كان أعرف الناس بالكلام بعد حفص القرد الكرابيسي وكان حسين الكرابيسي [قد] [7] تعلم منه الكلام [8] .
__________
[1] في الأصل ت: «عن مدرك قال.....» وحذف باقي السند»
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 117.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 441.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «أن أحدا أعرف بالعلم» .
[6] في ت: «يسمع متكلما فيحطه» .
انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 441.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 441.(10/273)
ثم دخلت سنة ست عشرة ومائتين
فمن الحوادث فيها:
رجوع المأمون إلى أرض الروم، وفي سبب ذلك قولان:
أحدهما: أنه ورد عليه الخبر بقتل ملك الروم قوما من أهل طرسوس، والمصيصة زهاء ألف وستمائة، فرجع فدخل أرض الروم يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة [1] بقيت من جمادى الأولى، فأقام بها إلى نصف شعبان.
والثاني: أن توفيل بن ميخائيل كتب إليه، فبدأ بنفسه، فلم يقرأ الكتاب وخرج، فوافته رسل توفيل بأدنة، ووجّه خمسمائة رجل من أسرى المسلمين، فنزل المأمون في أرض الروم على حصن، فخرج على صلح، وصار إلى هرقلة، فخرج على صلح [2] ، ووجه أخاه أبا إسحاق، ففتح ثلاثين حصنا ومطمورة، ووجه يحيى بن أكثم، فأغار وقتل وحرق، وأصاب سبيا، ثم ارتحل المأمون [إلى دمشق] [3] .
وفي هذه السنة: خرج عبدوس الفهري/ فوثب بمن تبعه على عمال أبي إسحاق بن الرشيد، فقتل بعضهم، وذلك في شعبان، فشخص المأمون من دمشق يوم الأربعاء لأربع عشرة بقيت من ذي الحجة إلى مصر [4] .
وفيها: كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم يأمره بأخذ الجند بالتكبير إذا صلّوا،
__________
[1] «ليلة» ساقطة من ت.
[2] «وصار إلى هرقلة فخرج على صلح» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل. انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 625.
[4] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 625.(10/274)
فكانوا إذا صلوا وكانوا إذا قضوا [1] المكتوبة قاموا قياما، فكبروا ثلاث تكبيرات، وبدءوا بذلك في مسجد [رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم] بالمدينة، والرصافة يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من رمضان [2] .
وفيها: غضب المأمون على علي بن هشام، فوجه إليه عنبسة بن عجيف، وأحمد بن هشام وأمر بقبض أمواله، وسلاحه [3] .
وفيها: هرب جعفر بن داود القمي إلى قم وخلع بها [4] .
واختلفوا بمن حج بالناس في هذه السنة، فقيل سليمان بن عبد الله بن سليمان [ابن علي] [5] بن عَبْد اللَّهِ بن عباس. وقيل: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس، وكان المأمون ولاه اليمن، وجعل إليه ولاية كل بلدة دخلها حتى يصل إلى اليمن [6] ، فخرج من دمشق حتى قدم بغداد، فصلى بالناس ببغداد يوم الفطر وشخص منها يوم الاثنين لليلة خلت من ذي القعدة، فأقام الحج للناس [7] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1220-/ إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أبو الحسن
[8] .
كان من وجوه بني هاشم وأفاضلهم، وكان طوالا من الرجال يخضب بالحناء.
وتوفي ببغداد في هذه السنة.
__________
[1] «فكانوا إذا صلوا وكانوا إذا قضوا» ساقطة من ت.
[2] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 626.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 626.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 626.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «إلى المأمون» .
[7] انظر: تاريخ الطبري 8/ 626.
[8] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 260.(10/275)
1221- الحسن بن سوار، أبو العلاء البغوي
[1] .
حدث عن الليث والمبارك بن فضالة، روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي، وكان ثقة. توفي بخراسان.
1222- الحسين بن إبراهيم بن الحر، أبو علي، يلقب: أشكاب
[2] .
سمع حماد بن زيد وشريك بن عبد الله، روى عنه: عباس الدوري، وكان ثقة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ [بْنِ ثَابِتٍ] [3] قَالَ:
أَخْبَرَنِي الأزهري قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ معروف قال:
أخبرنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: الحسين بن إبراهيم بن الحر من أبناء أهل خراسان من أهل نسا، وكان أبوه فيمن خرج في دعوة آل العباس مع أسد [4] بن عبد الرحمن الذي ظهر بنسا، وسود، وولي أسد أصبهان سنة خمس وأربعين ومائة، ونشأ الحسين ببغداد، وطلب الحديث، ولزم أبا يوسف القاضي، فاتصل بالوالي [5] ، ثم قعد عنهم، فلم يدخل في شيء من القضاء ولا غيره، فلم يزل ببغداد، يؤتى في الحديث والفقه، إلى أن مات سنة ست عشرة ومائتين في خلافة المأمون، وهو ابن إحدى/ وسبعين سنة [6] .
1223- زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور وتكنى أم جعفر وأمة العزيز
[7] .
ولدت في زمان المنصور، وكان يرقصها ويقول: أنت زبدة وأنت زبيدة، فغلب ذلك الاسم عليها، وهي زوجة هارون الرشيد، وأم الأمين وليس في بنات هاشم عباسية ولدت خليفة إلا هي، وكان الرشيد [قد] [8] شكى إلى عبد الله بن مصعب الزبيري أن زبيدة لا تحمل منه، فقال: أغرها فإن إبراهيم الخليل [عليه السلام] كانت عنده سارة
__________
[1] في ت: «الحسن بن حسن بن جعفر بن سوات» . انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 318- 319.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 17 واللقب في الأصل «إسكاف» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «أسيد» .
[5] في الأصل: «فأبصر الرأي» .
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 8/ 18.
[7] في هامش الأصل «الست زبيدة» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/276)
فلم تحمل منه، فحملت هاجر، فغارت فحملت بإسحاق [عليه السلام] فغارت زبيدة من مراجل، فحملت بالأمين [1] ، وكانت معروفة بالخير والأنفال على العلماء والفقراء، ولها آثار كثيرة في طريق مكة، والمدينة، والحرمين، وساقت الماء من أميال حتى غلغلته بين الحل والحرم، ووقفت أموالها على عمارة الحرمين.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي الوراق قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمران قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن سليمان قال: حدثنا هارون بن سليمان قال: أخبرنا رجل من ثقيف يقال له:
محمد بن عبد الله قال: سمعت إسماعيل بن جعفر بن سليمان يقول: حجت أم جعفر فبلغ إنفاقها [2] في ستين يوما: أربعة وخمسين ألف ألف [دينار] [3] ورفع إليها وكيلها حساب النفقة/ فنهته [عن ذلك] [4] ، وقالت له [5] : ثواب الله بغير حساب.
وبلغنا أن وكيل أم جعفر حبس رجلا كان ينظر في ضياعها، فأخذ من ارتفاعها مالا يبلغ مائتي ألف درهم، فبعث المحبوس إلى صديقين له يسألهما سؤال الوكيل في أمره، فلقيهما الفيض بن أبي صالح، فقال: إلى أين؟ قالا: نمضي [6] إلى كذا وكذا، فقال:
أتحتاجان أن أساعدكما، قالا: نعم، فمضى معهما وكتب الوكيل إلى أم جعفر يخبرها بالحال، فقالت [7] : لا سبيل إلى إطلاقه حتى يؤدي ما عليه، فعزما على النهوض، فقال الفيض: كأننا إنما جئنا لنؤكد حبس [8] الرجل [وأخذ الدواة] [9] وكتب إلى وكيله بأداء المال، فكتب وكيل أم جعفر إليها بالحال، فوقعت على ظهر رقعته: نحن أولى بهذه المكرمة من الفيض، فاردد إليه حظه وسلم إليه الرجل.
__________
[1] في ت: «من مراجل فولدت» .
[2] في ت: «نفعتها» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «له» ساقطة من ت.
[6] في الأصل: «غضيا» .
[7] في ت: «فأجابت» .
[8] في الأصل: «لنؤكد في حبس» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/277)
أخبرنا عبد الوهاب [1] بن المبارك قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال:
أخبرنا أبو الطيب الطبري قال: حدثنا المعافى بن زكريا قال: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن جعفر بْن موسى البرمكي وحدثني ميمون بن هارون قال: حدثني عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع، عن جده الفضل بن الربيع [2] قال: خرج أمير المؤمنين الرشيد [3] من عند زبيدة وقد تغدى عندها ونام وهو يضحك، فقلت: قد سرني سرور أمير المؤمنين، فقال: ما أضحك، إلا تعجبا من هذه المرأة، أكلت/ عندها ونمت، فسمعت رنة، فقلت: ما هذه، قالوا: ثلاثمائة ألف دينار وردت من مصر، فقالت: هبها لي يا ابن عم، فرفعتها إليها، فما برحت حتى عربدت، وقالت: أي خير رأيت منك.
توفيت أم جعفر ببغداد في جمادى الأولى من هذه السنة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ [4] الْقَزَّازِ قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني الحسين بن محمد الخلال قال: وجدت بخط أبي الفتح القواس حدثنا صدقة [5] ابن هبيرة الموصلي قال: حدثنا محمد بن عبد الله الواسطي قال: قال عبد الله بن المبارك الزمن:
رأيت زبيدة في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقالت: غفر لي بأول معول ضرب في طريق مكة، قلت: فما هذه الصفرة في وجهك؟ قالت: دفن بين ظهرانينا رجل يقال له بشر المريسي زفرت جهنم [6] عليه زفرة اقشعر لها جسدي فهذه الصفرة من تلك الزفرة.
1224- عبد الصمد بن النعمان، أبو محمد البزاز النسائي
[7] سكن بغداد، وحدث بها عن ابن أبي ذئب، وشعبة، وحمزة الزيات [8] ، وروى عنه: عباس الدوري، وكان ثقة.
__________
[1] في الأصل: «عبد الرحمن» .
[2] في ت: «قال: أخبرنا الربيع ... » .
[3] «الرشيد» ساقطة من ت.
[4] «أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال» ساقطة من ت.
[5] في الأصل: «في صدقة» .
[6] في ت: «فربرت عليه» .
[7] انظر ترجمته في تاريخ بغداد 11/ 39- 40.
[8] في ت: «حمزة بن محمد الهاشمي» .(10/278)
توفي في هذه السنة.
1225- محمد بن الحجاج، مولى العباس بن محمد الهاشمي، يكنى أبا عبد الله. وقيل: أبا جعفر، ويعرف بالمصفر
[1] .
روى عن شعبة/ والدراوَرْديّ، ترك أحمد حديثه، وقال يحيى: وقال يحيى: ليس بثقة، وقال أبو زرعة: يروي أباطيل عن شعبة والدراوَرْديّ.
قال المصنف: كان يتشيع.
ومات في هذه السنة.
1226- مُحَمَّد بن عَبَّادُ بْنُ عَبَّادِ [2] بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْمُهَلَّبِ بْن أبي صفرة الأزدي الْبَصْرِيّ، واسم أبي صفرة: ظالم بن سراق
[3] .
كان محمد يتولى الصلاة والإمارة بالبصرة، وقدم بغداد، فحدث عن أبيه، عن صالح المري، وهشيم.
روى عنه: إبراهيم الحربي، والكديمي وأبو العيناء، وغيرهم.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ [الْقَزَّازِ] قَالَ: أخبرنا أبو بكر بن ثابت [الخطيب] [4] قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن أبي جعفر القطيعي قَالَ: حدثنا محمد بن العباس الخزاز قال:
حدثنا أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ فَذَهَبْنَا إِلَيْهِ فَسَمِعْنَا مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ بَصِيرًا بِالْحَدِيثِ، حَدَّثَنَا بِحَدِيثٍ. فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِهِرَّةٍ. وَغَلِطَ. إِنَّمَا الْتَزَقَتِ الْبَاءُ بِالْقَافِ [5] .
أَخْبَرَنَا [عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ] الْقَزَّازِ قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت] [6]
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 282.
[2] «بن عباد» ساقطة من ت.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 371- 373.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 371.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(10/279)
الخطيب قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمران المرزباني قَالَ: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى المكي قال: حدثنا محمد بن القاسم بن خلاد قال: قال المأمون لمحمد بن عباد أردت أن/ أوليك فمنعني إسرافك في المال. فقال محمد: منع الموجود سوء ظن بالمعبود، فقال له المأمون: لو شئت أبقيت على نفسك فإن الذي تنفقه بعيد الرجوع، فقال له: يا أمير المؤمنين، من له مولى غني لا يفتقر، فاستحسن المأمون ذلك منه، وقال للناس: من أراد أن يكرمني فليكرم ضيفي محمد بن عباد. فجاءت الأموال إليه من كل ناحية، فما برح وعنده منها درهم، وقال: إن الكريم لا تحنكه التجارب [1] .
أخبرنا عَبْد الرَّحْمَن قَالَ: أخبرنا أَحْمَد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي المحتسب قال: حدثنا إسماعيل بن سعيد قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: حَدَّثَني أبي عن المغيرة بن محمد وغيره قال: قال المأمون لمحمد بن عباد: يا محمد بلغني أنه لا يقدم أحد البصرة إلا دخل دار ضيافتك قبل أن ينصرف من حاجاته، فكيف تسع هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، منع الموجود سوء ظن بالمعبود [فاستحسنه منه] [2] وأوصل إليه المأمون ما مبلغه ستة آلاف ألف درهم [3] .
ومات وعليه خمسون ألف دينار، وقال المأمون: يا محمد ما أكثر الطاعنين على آل المهلب، فقال: يا أمير المؤمنين، هم كما [4] قال الشاعر:
إن الغرانيق تلقاها محسدة ... ولا ترى للئام الناس حسادا/
قال المغيرة: هذا الشعر من قصيدة مدح بها عمر بن لجأ يزيد بن المهلب، وأول القصيدة:
آل المهلب قوم إن نسبتهم ... كانوا الأكارم آباء وأجدادا
كم حاسد لهم بغيا لفضلهم ... وما دنا من مساعيهم ولا كادا [5]
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 372.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 372.
[4] في الأصل: «هو كما قال ... » .
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 372.(10/280)
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الحافظ قال:
أخبرنا علي بن محمد المعدل قَالَ: [1] أَخْبَرَنَا ابْن صفوان قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الله بن محمد بن أبي الدنيا قال: حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن قال: لما احتضر محمد بن عباد [بن المهلب] [2] دخل عليه نفر من قومه كانوا يحسدونه، فلما خرجوا قال متمثلا:
تمنى رجال أن أموت فإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فما عيش من يبغي خلافي بضائري ... وما موت من يمضي أمامي بمخلدي
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد [3]
[أخبرنا القزاز [3] ، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرني أحمد بن علي بن عبد الله الطبري قال: أخبرنا عبد الله بن محمد البزاز، حدثنا محمد بن يحيى النديم، حدثنا الغلابي قال] : [4] قيل للعتبي: مات محمد بن عباد فقال:
نحن متنا بفقده/ وهو حي بمجده [5] .
1227- موسى بن داود، أبو عبد الله الضبي الحلفاني
[6] .
كوفي الأصل، سكن بغداد، وحدث بها عن مالك، وشعبة، والثوري، والليث، روى عنه: أحمد بن حنبل وكان ثقة مأمونًا مصنفًا، وولي قضاء الثغور، فحُمد فيها.
وتوفي في هذه السنة بالمصيصة.
__________
[1] في ت: «أخبرنا علي بن محمد المعدل قال: لما احتضر.....» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 373.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 373.
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 33.(10/281)
خاتمة الناسخ آخر الجزء العاشر يتلوه في الجزء الّذي بعده:
ثم دخلت سنة سبع عشرة ومائتين.
والحمد للَّه رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين.
وذلك في العشر الأخير من شهر رمضان المعظم قدره، سنة أربع وثمانمائة، أحسن الله تقضيتها بخير في عافية بمنه وكرمه، وغفر لمن استكتبه وكتبه ونظر فيه ودعا لهما وللمسلمين بالمغفرة والرحمة، وللمسلمين أجمعين آمين آمين آمين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.(10/282)
[المجلد الحادي عشر]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله عَلَى سيدنا محمد وآله
ثم دخلت سنة سبع عشرة ومائتين
[قتل المأمون علي بن هشام]
فمن الحوادث فيها:
ورود المَأمون إِلَى مصر [فِي المحرم] [1] ، فأتي بعبدوس الفهري فضرب عنقه وانصرف إِلَى الشام [2] .
وفيها: قتل المَأمون علي بْن هشام، وأخاه حسينا بأدنة فِي جمَادى الأولى [3] .
وَكَانَ السبب: أن المَأمون ولى علي بْن هشام كور الجبال، فرفع إليه قتله الرجال [4] ، وأخذه الأموال، فوجه إليه عجيفا، فأراد أن يقتل عجيفا، ويلحق ببايك، فظفر به عجيف، فقدم به على المَأمون فقتله وأخاه، وبعث برأس علي بْن هشام إِلَى بغداد وخراسان، فطيف به، ثم ردّ إلى الشام والجزيرة فطيف به كورة كورة [5] ، وقدم به دمشق فِي ذي الحجة، ثم ذهب به إِلَى مصر، ثم ألقي فِي البحر [6] .
[دخول المأمون أرض الرّوم]
وفي هذه السنة: دخل المَأمون أرض [7] الروم، فأناخ [8] على لؤلؤة مائة
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 8/ 627. والكامل 5/ 498. والبداية والنهاية 10/ 271.
[3] تاريخ الطبري 8/ 627. والكامل 5/ 498. وتاريخ الموصل ص 408. وتاريخ بغداد لابن أبي طاهر 6/ 267.
[4] في ت: «للرجال» .
[5] «كورة كورة» ساقطة من ت.
[6] تاريخ الطبري 8/ 627.
[7] في الأصل: «بلاد الروم» .
[8] في ت: «فأقام» .(11/3)
يوم [1] ، ثم رحل عنها وخلف عَلَيْهَا عجيفا، فاختدعه أهلها، فأسروه، فمكث [2] أسيرا فِي أيديهم ثمَانية أيام، ثم أخرجوه، وصار توفيل إِلَى لؤلؤة فأحاط بعجيف، فصرف المأمون الجنود إليه، فارتحل توفيل قبل موافاتهم [3] ، وخرج أهل لؤلؤة إِلَى عجيف بأمَان [4] .
وفيها: كتب توفيل إِلَى المأمون يسأله الصّلح [5] .
2/ ب
[حريق عظيم بالبصرة]
وفيها: وقع حريق عظيم/ بالبصرة.
فروى محمد بْن عمَار قَالَ: كنت فِي هَذَا الحريق، فإذا رجل قد جاء [6] فَقَالَ:
أنا فلان بْن فلان تعرفوني، ولي فِي نهر كذا وكذا كذا وكذا [7] جريبا وفي نهر كذا وكذا كذا وكذا جريبا [8] ، وقد جعلت لمن يجيئني بابنتي عشرة أجربة من أي نهر شاء.
قال: فإذا رجل قد وثب فبل كساء، ثم ألقاه عَلَيْهِ، وغدا فِي النار، فَقَالَ الرجل: إنا للَّه، أمَا ابنتي [فقد] [9] ذهبت وأحرقت هَذَا الرجل، إذ قيل: هُوَ ذاك، هُوَ ذاك، [وَهُوَ] [10] عَلَى الدرجة. فإذا [هُوَ] [11] قد بل كساء فِي البيت، وأدخل بنت الرجل جوفه، ثم احتملها حَتَّى دخل النار، فقطعها وألقاها [12] ، فعمد الرجل فألقى عَلَيْهَا ثوبه وأحتملها، وغشي عَلَى [الرجل] الذي [كَانَ] [13] قد جاء بها. قال [14] : فجاء الأب وقد
__________
[1] في ت: «يوما» .
[2] في الأصل: «فأقام» وفي ت والطبري كما أوردناه.
[3] في ت: «موافاته» .
[4] تاريخ الطبري 8/ 628. وتاريخ ابن الأثير (الكامل) 5/ 498.
[5] تاريخ الطبري 8/ 629. والكامل 5/ 498. وتاريخ الموصل ص 408.
[6] في الأصل: «فجاء رجل» .
[7] في ت: «في نهر كذا وكذا وكذا» .
[8] «وفي نهر كذا وكذا كذا وكذا جريبا» ساقطة من ت.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[12] في ت: «حتى دخل وخرج بها فألقاها» .
[13] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[14] في ت: «فقال» .(11/4)
أفاق الرجل، فَقَالَ: اختر من أي نهر شئت. فقال: لا حاجة لي فيها، قَالَ: فلم يزل به وَهُوَ يأبى، إِلَى أن قَالَ: لو ذهبت للطمع [1] لاحترقت واحترقت ابنتك. ولم يقبل ذلك منه.
وحج بالناس في هذه السنة سليمان بن عبد الله بن سليمان بن علي [2] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1228- إبراهيم بْن تيم، أبو إسحاق مولى شرحبيل بْن حسنة.
كَانَ كاتبا فِي ديوان الخراج، ثم ولي خراج مصر، توفي في هذه السنة.
1229- إبراهيم بْن الجراح بْن صبيح، مولى بني تميم.
وَهُوَ [3] من أهل مروروذ، سكن الكوفة، وولي قضاء مصر، وعزل سنة [إحدى] [4] عشرة ومَائتين. وروي عن يَحْيَى بن عقبة بْن العيزار أنه كَانَ يقول [5] بخلق القرآن. / وتوفي بمصر في هذه السنة.
1230- الخليل بْن أبي نافع المزني الموصلي
[6] . نزل بغداد.
[أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: أخبرنا أبو الفرج محمد بن إدريس الموصلي- فِي كتابه إلي- قَالَ: حَدَّثَنَا أبو منصور المظفر بْن محمد الطوسي حَدَّثَنَا] أَبُو زكريا بْن يزيد بْن محمد [7] بْن إياس الأزدي [8] في الطبقة
__________
[1] في ت: «إلى الطمع» .
[2] تاريخ الطبري 8/ 630. وتاريخ الموصل ص 411. وتاريخ ابن كثير 10/ 272. والكامل 5/ 498.
[3] «وهو» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «وكان يقول» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 335. وتاريخ الموصل ص 411، 412.
[7] في الأصل: «قال أَبُو زكريا بْن يزيد بْن محمد بْن إياس ... » وباقي السند سقط من الأصل وأكملناه من ت، وتاريخ بغداد.
[8] في ت: «بن أبان الأوردي» .(11/5)
[الرابعة] [1] من علمَاء أهل الموصل، قَالَ: ومنهم الخليل بْن [أبي] نافع المزني [2] ، كَانَ من العباد، وكتب الحديث، واختار الصمت والعزلة، وَكَانَ قد اتخذ لوحا يكتب فيه كل مَا يتكلم به، ويحصيه فِي [3] آخر النهار فيجده بضع عشرة كلمة [4] .
وتوفي ببغداد في هذه السنة.
1231- داود بْن مهران، أبو سليمَان الدباغ [5] .
سمع عبد العزيز بْن أبي رواد، وسفيان بن عبد الله. روى عنه عباس الدوري.
وقال يعقوب بْن شيبة: كَانَ شيخا صدوقا ثقة. توفي فِي شوال هَذِهِ السنة.
1232- سريج [6] بْن النعمَان بْن مروان، أبو الحسن اللؤلؤي [7] .
خراساني الأصل، بغدادي الدار. سمع حمَاد بْن سلمة [8] ، وفليح [9] بْن سليمَان. وصالحا المري، وسفيان بْن عيينة. وروى عنه أحمد بْن حنبل، وأبو خيثمة، والدوري، وأبو زرعة، وأبو حاتم. وَكَانَ ثقة، وَكَانَ منزله بعسكر المهدي.
وتوفي فِي يوم الأضحى من هَذِهِ السنة.
1233- عمرو بْن مسعدة بْن سعيد بْن صول، أبو الفضل [10] .
كَانَ أحد كتاب المأمون، وَكَانَ لَهُ منزلان ببغداد، أحدهما بحضرة طاق
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «الخليل بن نافع المري» .
[3] «في» ساقطة من ت.
[4] تاريخ بغداد 8/ 325.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 362. والجرح والتعديل 3/ 426. وتعجيل المنفعة 119.
[6] في الأصل: «شريح» . وفي ت: «سريح» .
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 217. والكامل 5/ 498. والبداية والنهاية 10/ 272 وفيه: «شريح» .
والتاريخ الكبير 4/ 405. والجرح والتعديل 4/ 304. وطبقات ابن سعد 7/ 341. وتهذيب التهذيب 3/ 457. والتقريب 1/ 285.
[8] في ت: «حماد بن سليمان» .
[9] في الأصل: «قليج» .
[10] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 203، 204. ووفيات الأعيان 1/ 390. وإرشاد الأريب 6/ 88- 91. وأمراء البيان 191. والأعلام 5/ 86.(11/6)
الحراني- والحراني [1] هُوَ: إبراهيم بْن ذكوان- ومنزل آخر [2] فوق الجسر، وَهُوَ المعروف بساباط/ عمرو بن مسعدة [3] . 3/ ب توفي بأذنة في هذه السنة، ورفع إِلَى المأمون أنه خلف ثمَانين ألف ألف درهم، فوقع: «هَذَا قليل لمن اتصل بنا وطالت خدمته لنا [4] ، فبارك الله لولده فيه» .
ولعمرو بْن مسعدة حكايات ظريفة:
أنبأنا مُحَمَّد بْن عبد الباقي البزاز [5] قَالَ: أَنْبَأَنَا عَلِي بْن المحسن التنوخي، عَنْ أَبِيهِ: أن عَمْرو بْن مسعدة قَالَ: كنت مَعَ المأمون عند قدومه من بلاد الروم، حَتَّى إذا نزل الرقة قال: يا عمرو، أوما ترى الرخجي قد احتوى عَلَى الأهوار، وجمع الأموال وطمع فيها، وكتبي تصل [6] إِلَيْهِ فِي حملها، وَهُوَ يتعلل ويتربص بي الدوائر؟! فقلت: أنا أكفي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ هَذَا، وأنقذ من يضطره إِلَى حمل مَا عَلَيْهِ.
فَقَالَ: مَا يقنعني هَذَا. قلت: فيأمر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بأمره. قَالَ: تخرج إليه بنفسك حَتَّى تصفده بالحديد وتحمله إِلَى بغداد، وتقبض عَلَى جميع مَا فِي يديه من أموالنا، وتنظر فِي العمل، وترتب فيه عمَالا.
فقلت: السمع والطاعة. فلمَا كَانَ من الغد، دخلت إليه فاستعجلني، فانحدرت فِي زلال أريد البصرة، واستكثرت من الثلج لشدة الحر، فلمَا صرت بين جرجرايا وجيل سمعت صائحا من الشاطئ يصيح: يَا ملاح، فرفعت سجف الزلال، فإذا شيخ كبير السن، حاسر، حافي القدمين، خلق القميص.
فقلت للغلام: / أجبه فأجابه، فَقَالَ: يَا غلام، أنا شيخ كبير السن، على هذه 4/ أالصورة التي ترى، وقد أحرقتني الشمس وكادت تتلفني، وأريد جيل، فاحملوني معكم، فإن الله يأجركم. فشتمه الملاح وانتهره، فأدركتني عَلَيْهِ رقة [7] ، فقلت للغلام: خذوه معنا. فحملناه، فتقدمت بدفع قميص ومنديل إليه [فغسل وجهه
__________
[1] «والحراني» ساقطة من ت.
[2] في ت: «والمنزل الآخر» .
[3] تاريخ بغداد 12/ 203، 204.
[4] «لنا» ساقطة من ت.
[5] في الأصل: «الرزاز» . وفي ت: «البراز» .
[6] في ت: «متصلة» .
[7] في ت: «فأدركتني رقة عليه» .(11/7)
واستراح] [1] ، وحضر وقت الغداء. فقلت للغلام: هاته يأكل معنا. فجاء فأكل معنا أكل أديب، إلا أن [2] الجوع قد بين عَلَيْهِ، فلمَا أكل قلت: يَا شيخ، أي شيء صناعتك؟ قَالَ: حائك، فتناومت عَلَيْهِ، ومددت رجلي. فَقَالَ: وأنت أعزك الله، أي شيء صناعتك؟ فأكبرت ذلك وقلت: أنا جنيت عَلَى نفسي، أتراه لا يرى زلالي وغلمَاني ونعمتي، وأن مثلي لا يقال لَهُ هَذَا، ثم قلت: ليس إلا الزهد بِهَذَا، فقلت:
كاتب. فَقَالَ [لي] [3] أصلحك الله، إن الكتاب خمسة، فأيهم أنت؟ فسمعت كلمة أكبرتها، وكنت متكئا فجلست، ثم قلت: فصل [4] الخمسة.
قَالَ [5] : نعم، كاتب خراج: يحتاج أن يكون عالمَا بالشروط، والطسوق، والحساب، والمساحة [6] ، [والبثوق] [7] ، والفتوق، والرتوق.
وكاتب أحكام: يحتاج أن يكون عالمَا بالحلال والحرام، والاختلاف، والأصول، والفروع.
وكاتب معونة: يحتاج أن يكون عالمَا بالقصاص، والحدود، والجراحات.
4/ ب وكاتب/ جيش: يحتاج أن يكون عالمَا بحلي الرجال، وسمات الدواب [8] ، ومداراة [9] الأولياء، وشيء من العلم بالنسب، والحساب.
وكاتب رسائل: يحتاج أن يكون عالمَا بالصدور والفصول، والإطالة، والإيجاز، وحسن الخط، والبلاغة.
قلت لَهُ: فإني كاتب رسائل. فَقَالَ: أصلحك الله، لو أن رجلا من إخوانك تزوجت أمه، وأردت [أن] [10] تكاتبه مهنئا لَهُ، كيف تكاتبه؟ ففكرت فِي الحال فلم يخطر ببالي شيء، فقلت: اعفني. فَقَالَ: قد فعلت [11] . فقلت: ما أرى للتهنئة
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «غير أن» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «نصل» .
[5] في ت: «فقال» .
[6] في ت: «والمسوحة» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «شيات الدواب» .
[9] في ت: «مدارات» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] «شيء فقلت: اعفني. فقال قد فعلت» ساقط من ت.(11/8)
وجها، قَالَ: فتكتب [1] إليه تعزية. ففكرت، فلم يخطر ببالي [أيضا] [2] شيء، فقلت: اعفني [3] . قَالَ: قد فعلت، ولكن [لست] [4] بكاتب رسائل. قلت: فأنا كاتب خراج. قَالَ: لو أن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ولاك ناحية، وأمرك فيها [5] بالعدل واستيفاء حق السلطان، فتظلم بعضهم من مساحتك، وأحضرتهم للنظر بينهم وبين رعيتك، فحلف المساح باللَّه لقد أنصفوا، وحلفت الرعية باللَّه لقد ظلموا، فقالت الرعية: قف معنا عَلَى مسحه، فخرجت لتقف، فوقفوك عَلَى قراح [كذا وكذا- لشيء وصفه- كيف تكتب؟ قلت: لا أدري، قَالَ: فلست بكاتب خراج] [6] فمَا زال يذكر فِي حق كل كاتب حاله، فلا أعلمها [7] إِلَى أن قلت: فاشرح أنت [8] . فشرح الكل، فقلت: يَا شيخ، أليس زعمت أنك حائك. فَقَالَ: أنا حائك كلام ولست بحائك [9] نساجة، ثم أنشأ يقول: / 5/ أ
مَا مر بي شر [10] ولا نعيم ... إلا ولي فيهمَا نصيب
قد ذقت حلوا وذقت مرا ... كذاك عيسى الفتى ضروب
نوائب الدهر أدبتني ... وإنمَا يوعظ الأديب
فقلت: فمَا الذي أرى بك [11] من سوء الحال؟ فَقَالَ: أنا رجل دامت عطلتي، فخرجت أطلب البصرة [12] فقطع علي الطريق، فتركت كمَا ترى، [فمشيت عَلَى وجهي] [13] فلمَا رأيت الزلال [14] ، استغثت بك. قلت: فَإِنِّي قد خرجت إِلَى تصرف جليل أحتاج فيه إِلَى جمَاعة مثلك، وقد أمرت لك عاجلا بخلعة حسنة وخمسة آلاف درهم تصلح بِهَا من أمرك، وتنفذ منها إِلَى عيالك، وتصير معي إِلَى عملي فأوليك أجله. قَالَ: أحسن الله جزاك، إذا تجدني بحيث مَا يسرّك [15] ، فانحدر معي فجعلته
__________
[1] في ت: «فكتب» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «فاعفني» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «فيها» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «فلا أعملها» .
[8] في ت: «فاشرح لي» .
[9] في ت: «ولست حائك» .
[10] في ت: «ما مر بؤس» .
[11] في الأصل: «ما أرى بك» .
[12] في ت: «أطلب التصرف» .
[13] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[14] في ت: «فلما لاح لي الزلال» .
[15] في ت: «بحيث يسرك» .(11/9)
المناظر للرخجي والمحاسب لَهُ، فقام بذلك أحسن قيام، فحسنت حاله معي، وعادت نعمته.
أنبأنا أبو بكر بْن عبد الباقي، عن أبي القاسم التنوخي، عن أبيه، عن أشياخ لَهُ: أن عمرو بن مسعدة كَانَ مصعدا من واسط إِلَى بغداد فِي حر شديد، وَهُوَ [1] فِي زلال، فناداه رجل: يَا صاحب الزلال بنعمة الله عليك ألا نظرت إلي فكشفت [2] سجف الزلال فإذا شيخ ضعيف حاسر، فَقَالَ [3] : قد ترى مَا أنا فيه، ولست أجد من 5/ ب يحملني، / فابتغ [4] الأجر فِي، وتقدم إِلَى ملاحيك يطرحوني بين مجاذيفهم إِلَى أن أبلغ بلدا يطرحوني فيه.
فَقَالَ عمرو بْن مسعدة: خذوه، فأخذوه، وقد كاد يموت من الشمس والمشي [5] ، فَقَالَ لَهُ: يَا شيخ، مَا قضيتك، [6] ومَا قصتك؟
قَالَ: قصة [7] طويلة. وبكى، قَالَ: فسكنته ثم قلت: حدثني.
فَقَالَ [8] : أنا رجل كانت للَّه [عز وجل] [9] علي نعمة، وكنت صيرفيا، فابتعت جارية بخمسمَائة دينار، فشغفت بِهَا، وكنت [10] لا أقدر أفارقها ساعة [11] ، فإذا خرجت إِلَى الدكان أخذني الهيمَان حَتَّى أعود إليها [12] ، فدام ذلك علي حَتَّى تعطل كسبي، وأنفقت من رأس المَال، حَتَّى لم يبق منه قليل ولا كثير، وحملت الجارية، فأقبلت أنقض داري وأبيع [13] الأنقاض، حَتَّى فرغت من ذلك، ولم يبق لي حيلة، فأخذها الطلق، فقالت: يَا هَذَا، أموت فاحتل لي [14] بمَا تبتاع به عسلا ودقيقا وسرجا [15] وإلا مت. فبكيت وجزعت [16] ، وخرجت عَلَى وجهي، وجئت لأغرق نفسي فِي دجله، فخفت العقاب، فخرجت عَلَى وجهي إِلَى النهروان، ومَا زلت أمشي من قرية إِلَى
__________
[1] «وهو» ساقطة من ت.
[2] في ت: «فكشف» .
[3] في ت: «قال» .
[4] في ت: «فابتغي» .
[5] في ت: «من المشي والشمس» .
[6] «ما قضيتك و» ساقطة من ت.
[7] في الأصل: «قضية» .
[8] في الأصل: «قال» .
[9] «عز وجل» ساقطة من الأصل.
[10] في ت: «فكنت» .
[11] «ساعة» ساقطة من ت.
[12] في ت: «حتى أعود فأجلس معها» .
[13] في ت: «وأنقض وأبيع الأنقاض» .
[14] في الأصل: «فاحتل بما تبتاع لي» .
[15] في ت: «شيرجا» .
[16] «وجزعت» ساقطة من ت.(11/10)
قرية، حَتَّى بلغت خراسان، فصادفت من عرفني وتصرفت [1] فِي صناعتي، ورزقني الله مَالا عظيمَا، وكتبت [2] ستة وستين كتابا [3] لأعرف خبر منزلي فلم يعد لي [4] جواب، فلم أشك أن/ الجارية مَاتت، وتراخت السنون، حَتَّى حصل معي ما قيمته 6/ أعشرون ألف دينار، فقلت: قد صارت لي نعمة، فلو رجعت إِلَى وطني، فابتعت بالمَال كله متاعا من خراسان، وأقبلت أريد العراق، فخرج عَلَى القافلة اللصوص فأخذوا [5] مَا فيها ونجوت [6] بثيابي، وعدت فقيرا كمَا خرجت من بغداد، فدخلت الأهواز متحيرا، فكشفت خبري لبعض أهلها، فأعطاني مَا كملت [7] به إِلَى واسط، وفقدت نفقتي، فمشيت إِلَى هَذَا الموضع، وقد كدت أتلف، فاستغثت بك، ولي مذ فارقت بغداد ثمَان وعشرون سنة.
قَالَ: فعجبت من محبته، ورققت لَهُ، وقلت: إذا صرنا إِلَى بغداد فصر إلي، فإني [8] أتقدم بتصريفك فيمَا يصلح لمثلك، فدعى لي ودخلنا [إِلَى] [9] بغداد، ومضت مدة فنسيته فيها، فبينا أنا يومَا قد ركبت أريد دار المأمون، إذا أنا بالشيخ عَلَى بابي [10] راكبا بغلا فارها بمركب ثقيل، وغلام أسود بين يديه، وثياب رفيعة فرحبت به [11] ، فقلت: مَا الخبر؟ قَالَ: طويل. قلت: عد إلي. فلمَا كَانَ من الغد جاءني.
فقلت: عرفني خبرك، فقد سررت بحسن حالك.
فَقَالَ: إني لمَا صعدت [12] من زلالك قصدت داري، فوجدت/ حائطها الّذي 6/ ب عَلَى الطريق كمَا خلفته، غَيْر أن باب الدار مجلو نظيف، وعليه بواب وبغال مَعَ شاكرية، فقلت: إنا للَّه مَاتت جاريتي، وتملك الدار بعض الجيران، فباعها عَلَى رجل من أصحاب السلطان، ثم تقدمت إِلَى بقال كنت أعرفه فِي المحلة [13] ، فإذا فِي دكانه غلام حدث، فقلت: من تكون من فلان البقال؟ قَالَ: ابنه. قلت: ومتى مَات أبوك؟ قَالَ: مذ
__________
[1] في ت: «وصرفي» .
[2] في ت: «وكبت» .
[3] في ت: «كتبا» .
[4] في ت: «فلم يصلني» .
[5] في ت: «فأخذت» .
[6] في ت: «فنجوت» .
[7] في ت: «ما تحملت» .
[8] في ت: «بأني» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] «على بابي» ساقطة من ت.
[11] في ت: «فرفعت به» .
[12] في ت: «إني اصعدت» .
[13] «في المحلة» ساقطة من ت.(11/11)
عشرين سنة. قلت: لمن هَذِهِ الدار؟ قَالَ: لابن داية أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ الآن جهبذه وصاحب بيت مَاله. قلت: بمن يعرف؟ قَالَ: بابن فلان الصيرفي. فأسمَاني قلت: هَذِهِ الدار من باعها عَلَيْهِ؟ قَالَ: هَذِهِ دار أبيه. قلت: فهل يعيش أبوه؟ قَالَ: لا. قلت:
أفتعرف من حديثهم شيئا؟ قَالَ: نعم، حَدَّثَنِي أبي أن هَذَا الرجل كَانَ صيرفيا جليلا فافتقر، وأن أم هَذَا الصبي ضربها الطلق [1] ، فخرج أبوه يطلب لها شيئا، ففقد وهلك قَالَ لي أبي: فجاءني رسول أم هَذَا تستغيث بي، فقمت لها [2] بحوائج الولادة، ودفعت إليها عشرة دراهم فأنفقتها، حَتَّى قيل: [قد] [3] ولد لأمير الْمُؤْمِنِين [الرشيد] [4] مولود ذكر، وقد عرض عَلَيْهِ [جميع] [5] الدايات فلم يقبل لثدي أحد منهن [6] ، وقد طلب له 7/ أالحرائر فجاءوا بغير واحدة، فمَا أخذ ثدي واحدة [7] منهن/، وهم فِي طلب مرضع، فأرشدت الَّذِي طلب الداية إِلَى أم هَذَا، فحملت إِلَى دار أم أَمِير الْمُؤْمِنِينَ [8] الرشيد، فحين وضع فم الصبي عَلَى ثديها قبله فأرضعته، وَكَانَ الصبي المأمون، وصارت عندهم فِي حالة جليلة، ووصل إليها منهم خير عظيم، ثم خرج المأمون إِلَى خراسان، فخرجت هَذِهِ المرأة وابنها هَذَا معه، ولم نعرف من أخبارهم شيئا إلا من قريب، لمَا عاد المأمون وعادت حاشيته، رأينا هَذَا قد جاء رجلا وأنا لم أكن رأيت هَذَا قط قبل هَذَا، فقيل [9] : هَذَا ابْن فلان الصيرفي وابن داية أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فبنى هَذِهِ الدار وسواها، قلت: أفعندك علم من أمه؟ أحية هي أم ميتة؟ قَالَ: حية تمضي إِلَى دار الخليفة أيامَا وتكون عند ابنها أيامَا [وهي الآن ها هنا] [10] . فحمدت الله عز وجل عَلَى هَذِهِ الحالة، وجئت فدخلت الدار مَعَ الناس، فرأيت الصحن فِي نهاية العمَارة والحسن، وفيه مجلس كبير مفروش [بفرش فاخر] [11] ، وفي صدره شاب وبين يديه كتاب وجهابذة وحساب، وَفِي صفاف الدار جهابذة بين أيديهم الأموال والتخوت والشواهين يقضون ويقبضون وبصرت بالفتى فرأيت شبهي فيه، فعلمت أنه ابني، فجلست في غمار الناس إلى أن لم
__________
[1] في ت: «الطلق به» .
[2] «فقمت لها» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «فلم يقبل أثداهن» .
[7] في ت: «أحدا» .
[8] في ت: «دار أمير المؤمنين» .
[9] في ت: «هذا قط فقالوا» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(11/12)
يبق فِي المجلس غيري، فأقبل علي فَقَالَ: يَا شيخ، هل من حاجة تقولها؟ قلت: نعم ولكنها [1] أمر لا يجوز [أن] [2] يسمعه غيرك. فأومَا إِلَى غلمَان كانوا قيامَا حوله فانصرفوا، / وقال: قل قلت: أنا أبوك. فلمَا سمع ذلك تغير وجهه ولم يكلمني بحرف، 7/ ب ووثب مسرعا وتركني فِي مكاني، فلم أشعر إِلَّا بخادم قد جاءني فَقَالَ لي: قم يَا سيدي، فقمت أمشي معه إِلَى أن [3] بلغنا إِلَى ستارة منصوبة فِي دار لطيفة وكرسي بين يديها والفتى جالس خلف [4] الستارة عَلَى كرسي آخر، فَقَالَ: أجلس [5] أيها الشيخ.
فجلست [6] عَلَى الكرسي، ودخل الخادم، فإذا بحركة خلف الستارة، فقلت: أظنك تريد تختبر [7] صدق قولي من جهة فلانة. وذكرت اسم جاريتي أمه، فإذا بالستارة قد هتكت والجارية قد خرجت إلي فجعلت تقبلني وتبكي وتقول: مولاي والله. قَالَ:
فرأيت الصبي قد تسور وبهت وتحير، فقلت للجارية: ويحك مَا خبرك؟ قالت: دع خبري، ففي مشاهدتك [8] لمَا تفضل الله به كفاية إِلَى أن أخبرك، وقل لي [9] مَا كَانَ من خبرك أنت؟ قَالَ: فقصصت عليها خبري من يوم خروجي إِلَى يوم [10] ذلك، وقصة مَا كَانَ قصه علي ابْن البقال وأشرح [كل] [11] ذلك بحضرة من الفتى ومسمع [12] منه، فلمَا استوفى الكلام [13] خرج وتركني فِي مكاني، فإذا بالخادم، فَقَالَ: تعال يَا مولاي [14] يسألك ولدك أن تخرج إليه. قَالَ: فخرجت، فلمَا رآني من بعد [15] قام قائمَا عَلَى رجليه [16] ، وقَالَ: المعذرة إِلَى الله وإليك يَا أبت من تقصيري فِي حقك، فإنه فاجأني [17] مَا لم أكن [18] أظن مثله يكون، والآن [19] فهذه النعمة لك، وأنا [ولدك] [20] / وأَمِير الْمُؤْمِنِينَ يجهد بي [21] منذ دهر طويل أن أدع الجهبذة، وأتوفر عَلَى 8/ أ
__________
[1] في ت: «ولكنه» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «أمشي معه حتى» .
[4] في ت: «جالس خارج الستارة» .
[5] «اجلس» ساقطة من ت.
[6] «فجلست» ساقطة من ت.
[7] في ت: «تعتبر» .
[8] في ت: «مع مشاهدتك» .
[9] «لي» ساقطة من ت.
[10] في ت: «من يوم خرجت من عندها إلى يوم» .
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[12] في ت: «وسمع» .
[13] في ت: «فلما استوفى الحديث» .
[14] في ت: «قال: يا مولاي» .
[15] في ت: «من بعيد» .
[16] في ت: «من رجله» .
[17] في ت: «فحبسني» .
[18] «أكن» ساقطة من ت.
[19] في ت: «فالآن» .
[20] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[21] في ت: «يجهدني» .(11/13)
خدمته، فلم [1] أفعل طلبا للتمسك بصناعتي، والآن فأنا أسأله أن يرد إليك [2] عملي وأخدمه أنا فِي غيره [3] ، قم عاجلا فأصلح أمرك فأدخلت [إِلَى] [4] الحمَام وتنظفت وجاءني بخلعة فلبستها، وخرجت إِلَى حجرة والديه فجلست فيها، ثم أنه أدخلني عَلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وحدثه حديثي، فأمر لَهُ بخلعة [5] فهي هَذِهِ، ورد إلي العمل الذي كَانَ إِلَى ابني، وأجرى لي من الرزق [6] كذا وكذا، وقلدني أعمَالا هي أجل من عمله، فجئتك [7] أشكرك عَلَى مَا عاملتني به من الجميل، وأعرفك تجدد النعمة.
قَالَ عمرو: فلمَا أسمي لي الفتى عرفته، وعلمت أنه ابن داية أمير المؤمنين.
__________
[1] في ت: «فلا» .
[2] في ت: «يرد إليه» .
[3] في ت: «في غيرها» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «فأمر له بخلع» .
[6] في الأصل: «وأمر لي من الورق» .
[7] في الأصل: «فجئت» .(11/14)
ثُمّ دخلت سنة ثمَان عشرة ومَائتين
فمن الحوادث فيها:
[أمر المأمون بتفريغ الرّافقة]
أن المأمون أمر بتفريغ الرافقة لينزلها حشمه، فضج من ذلك أهلها، فأعفاهم.
والرافقة: رقة الشام [1] .
وفيها:
[توجيه المأمون ابنه العباس إلى أرض الرّوم]
وجه المأمون ابنه العباس إِلَى أرض الروم فِي أول يوم من جمَادى، وأمره بنزول الطوانة [2] ، وبنائها، وَكَانَ قد وجه الفعلة فابتدأ فِي بنائها [3] وفرضها [4] ميلا فِي ميل، وجعل لها أربعة أبواب، وبنى عَلَى كل/ باب حصنا [5] . 8/ ب
وفي هذه السنة:
[كتابة إلى إسحاق بن إبراهيم بامتحان القضاة]
كتب المأمون إِلَى إِسْحَاق بْن إبراهيم فِي امتحان القضاة، وأمر بإشخاص جماعة منهم إليه بالرقة، وَكَانَ هَذَا أول كتاب كتب فِي ذلك، ونسخة كتابه إليه [6] :
أمَا بعد فإن حق الله عَلَى أئمة المسلمين وخلفائهم الاجتهاد فِي إقامة دين الله الذي استحفظهم عَلَيْهِ [7] ، ومواريث النبوة التي ورثهم [8] ، وأثر العلم الّذي استودعهم،
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 631.
[2] في ت: «ظن أنه» .
[3] في ت، والطبري «في البناء» .
[4] في الطبري: «وبناها» .
[5] تاريخ الطبري 8/ 631. والكامل 6/ 14. والبداية والنهاية 10/ 272.
[6] تاريخ الطبري 8/ 631- 645. والبداية والنهاية 10/ 272- 274. والكامل 6/ 3- 6.
[7] «عليه» ساقطة من ت، والطبري.
[8] في الطبري: «التي أورثهم» .(11/15)
والعمل بالحق فِي رعيتهم والتشمير لطاعة الله فيهم، والله يسأل أمير المؤمنين أن يوفقه لعزيمة الرشد وصريمته، والإقساط فيمَا ولاه الله من رعيته برحمته ومنته، وقد عرف أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أن السواد [1] الأعظم من حشو الرعية وسفلة العامة ممن لا نظر لَهُ ولا روية ولا استدلال لَهُ بدلالة الله وهدايته ولا استضاء [2] بنور العلم وبرهانه فِي جميع الأقطار والآفاق، أهل جهالة باللَّه، وعمى عنه، وضلالة عن حقيقة دينه وتوحيده والإيمَان بِهِ، ونكوب عن واضحات أعلامه، وواجب سبيله، وقصور أن يقدروا الله حق قدره، ويعرفونه كنه معرفته [3] ، ويفرقوا بينه وبين خلقه، لضعف آرائهم، ونقص عقولهم 9/ أوجفائهم عن التفكير والتذكير [4] ، وذلك [5] أنهم ساووا [6] بين الله/ عز وجل وبين مَا أنزل من القرآن، فاطبقوا مجتمعين، واتفقوا غير متعاجمين، عَلَى أنه قديم أول لم يخلقه الله ويحدثه ويخترعه، وقد قَالَ تعالى [7] فِي محكم كتابه: الذي جعله لمَا فِي الصدور شفاء، وللمؤمنين رحمة وهدى: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا 43: 3 [8] فكل مَا [9] جعله الله فقد خلقه.
وقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ 6: 1 [10] .
وقال عز وجل: كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ 20: 99 [11] فأخبر أنه قصص لأمور تلا به متقدّمها.
وقال: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ من لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ 11: 1 [12] وكل محكم [13] مفصّل فله محكم ومفصّل [14] ، والله محكم كتابه ومفصّله فهو خالقه ومبتدعه.
__________
[1] في ت: «أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر» .
[2] في ت: «الاستضاء» .
[3] في الطبري: «ويعرفوه كنه معرفته» .
[4] في الطبري: «التفكر والتذكر» .
[5] «وذلك» ساقطة من ت.
[6] في ت: «ساوا» .
[7] في ت: «وقد قال الله عز وجل» .
[8] سورة: الزخرف، الآية: 3.
[9] في الأصل: «فكلما» .
[10] سورة: الأنعام، الآية: 1.
[11] سورة: طه، الآية: 99.
[12] سورة: هود، الآية: 1.
[13] «محكم» ساقطة من ت.
[14] «مفصل» ساقطة من ت.(11/16)
ثم هم [1] الذين جادلوا بالباطل [ليدحضوا به الحق] [2] فدعوا إِلَى قولهم ونسبوا أنفسهم إِلَى السنة فِي كل فصل من كتاب الله قصص من تلاوته، ومبطل قولهم، ومكذب دعواهم، ثم أظهروا مَعَ ذلك أنهم أهل الحق والدين والجمَاعة، وأن من سواهم أهل الباطل والكفر والفرقة، فاستطالوا بذلك وغروا [3] الجهال حَتَّى مَال [4] قوم من أهل السمت الكاذب [5] ، والتخشع لغير الله، والتعسف [6] لغير الدين إِلَى موافقتهم عَلَيْهِ، ومواطأتهم عَلَى آرائهم تزيّنا بذلك عندهم وتصنعا للرئاسة والعدالة فيهم، فتركوا الحق إِلَى الباطل [7] ، واتخذوا دين الله وليجة [8] إِلَى ضلالتهم. وقد أخذ [الله] [9] عليهم فِي الكتاب [10] ألا يقولوا عَلَى الله إلا الحق أولئك الذين أصمهم الله وأعمى أبصارهم أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها 47: 24 [11] . 9/ ب فرأى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أن أولئك شر الأمة، ورءوس الضلالة، المنقوصون من التوحيد حظا، والمبخوسون [12] من الإيمَان نصيبا، وأوعية الجهالة [13] ، وأعلام الكذب، ولسان إبليس الناطق فِي أوليائه.
فاجمع من بحضرتك من القضاة، واقرأ عليهم كتاب أَمِير الْمُؤْمِنِينَ هَذَا إليك، وابدأ بامتحانهم فيمَا يقولون، واكشفهم [14] عمَا يعتقدون فِي خلق الله وإحداثه، وأعلمهم أن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ غير مستعين فِي عمله، ولا واثق فيمَا قلده الله، واستحفظه من أمور رعيته بمن لا يوثق بدينه، وخلوص توحيده [15] ويقينه، فإذا أقروا بذلك ووافقوا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ [فيه] [16] ، وكانوا عَلَى سبيل الهدى، فمرهم بمساءلة من يحضرهم من الشهود عن علمهم في القرآن، وترك إثبات شهادة من لم يقر أنه مخلوق محدث والامتناع من توقيعها عنده، واكتب لأمير [17] الْمُؤْمِنِين بمَا يأتيك من قضاة عملك فِي مسألتهم، والأمر
__________
[1] في ت: «ثم هاهم» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «وغروبه» .
[4] «مال» ساقطة من ت.
[5] الكاذب» ساقطة من ت.
[6] في ت: «التعشف» .
[7] في الطبري: «إلى باطلهم» .
[8] في ت: «واتخذوا دون الله ولجة» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] «في الكتاب» ساقطة من ت.
[11] سورة: محمد، الآية: 24.
[12] في الطبري: «المخسوسون» .
[13] في ت: «الجهل» .
[14] في ت: «وبكشفهم» .
[15] في الأصل: «وخلو من توحيده» .
[16] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[17] في ت: «وكتب إلى أمير» .(11/17)
لهم بمثل ذلك، ثم تفقد أحوالهم حَتَّى لا تنفذ أحكام الله إلا بشهادة أهل البصائر فِي الدّين والإخلاص فِي التوحيد [1] ، واكتب إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بمَا يكون منك فِي ذلك إن شاء الله.
وكتب فِي شهر [2] ربيع الأول سنة ثمَان عشرة ومَائتين [3] .
وكتب المأمون إِلَى إسحاق بْن إبراهيم فِي إشخاص سبعة نفر، منهم: محمد بْن سعد كاتب الواقدي، وأبو مسلم [4] مستملي يزيد بْن هارون، ويحيى بن معين، 1/ أوزهير [5] بْن حرب أبو خيثمة، وإسمَاعيل بْن داود [6] ، وإسمَاعيل/ بْن مسعود [7] ، وأحمد الدورقي، فاشخصوا إليه، فامتحنهم وسألهم [جميعًا] [8] عن خلق القرآن، فأجابوا جميعا أن القرآن مخلوق، فأشخصهم إِلَى مدينة السلام، وأحضرهم إسحاق بْن إبراهيم داره فشهر أمرهم وقولهم [9] بحضرة الفقهاء والمشايخ من أهل [10] الْحَدِيث، وأقروا بمثل مَا أجابوا به المأمون، فخلى سبيلهم، وذلك بأمر المأمون.
ثم كتب المأمون بعد ذلك لإسحاق بْن إبراهيم [11] :
أمَا بعد، فإن حق الله عَلَى خلفائه فِي أرضه، وأمنائه عَلَى عباده، الذين ارتضاهم لإقامة دينه، وحملهم رعاية خلقه وإمضاء حكمه وسننه، الائتمَام بعدله [12] فِي بريته أن يجهدوا للَّه أنفسهم، وينصحوا لَهُ فيمَا استحفظهم وقلدهم، ويدلوا عَلَيْهِ- تبارك وتعالى- بفضل العلم الذي أودعهم، والمعرفة التي جعلها فيهم [13] ، ويهدوا إليه من زاغ عنه، ويردوا من أدبر عن أمره، ومَا توفيق أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إلا باللَّه وحده وحسبه [14] الله، وكفى، وممَا تبينه [15] أَمِير الْمُؤْمِنِينَ برويّته، وطالعه بفكره، فتبين عظيم خطره، وجليل مَا
__________
[1] في ت: «للتوحيد» .
[2] «شهر» ساقطة من ت.
[3] تاريخ الطبري 8/ 631- 634.
[4] في الأصل: «أبو سهل» .
[5] في الأصل: «وزهر بن حرب» .
[6] في ت: «وإسماعيل بن داود» .
[7] «وإسماعيل بن مسعود» ساقطة من ت.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في الأصل: «فشهد إبراهيم وقولهم» .
[10] في ت: «أصحاب الحديث» .
[11] تاريخ الطبري 8/ 634- 636.
[12] في الأصل: «الاهتمام بعدالة» .
[13] في ت: «جعلها إليهم» .
[14] في الأصل: «وحسيبه» .
[15] في ت: «وبما تبينه» .(11/18)
يرجع فِي الدين من ضرره مَا ينال [1] المسلمين من القول فِي القرآن، فقد تزين فِي عقول أقوام أنه ليس بمخلوق، فضاهوا قول النصارى فِي عيسى إنه ليس/ بمخلوق 10/ ب والله تعالى يقول: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا 43: 3 [2] وتأويل ذلك: إنا خلقناه، كمَا قَالَ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها 7: 189 [3] .
وقال: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً 78: 10- 11 [4] وَجَعَلْنا من الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ 21: 30 [5] .
وقال: في لَوْحٍ مَحْفُوظٍ 85: 22 [6] فدل عَلَى إحاطة اللوح بالقرآن، ولا يحاط إلا بمخلوق.
وقال: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ 21: 2 [7] .
وقال: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا من خَلْفِهِ 41: 42 [8] فجعل لَهُ أولا وآخرا، فدل عَلَى أَنَّهُ محدود مخلوق.
وقد عظم هؤلاء الجهلة بقولهم فِي القرآن الثلم فِي دينهم، وسهلوا السبيل لعدو الْإِسْلَام، واعترفوا بالتبديل والإلحاد عَلَى أنفسهم [9] ، حتى وصفوا خلق الله وأفعاله [10] بالصّفة التي هي للَّه عز وجل وحده، وشبهوه [11] به والاشتباه أولى بخلقه [12] ، وليس يرى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لمن قَالَ بهذه المقالة حظا فِي الدين، ولا نصيبا من الإيمَان [واليقين] [13] ولا يرى أن يحلّ أحدا منهم [14] محل الثقة فِي أمَانة، ولا عدالة ولا شهادة، ولا تولية لشيء من أمر [15] الرعية، وإن ظهر قصد بعضهم، وعرف بالسداد مسدد فيهم، فإن الفروع مردودة إِلَى أصولها، ومحمولة فِي الحمد والذم عَلَيْهَا، ومن كَانَ جاهلا بأمر دينه
__________
[1] في الأصل: «من صدره ما ينال» .
[2] سورة: الزخرف، الآية: 3.
[3] سورة: الأعراف، الآية: 189.
[4] سورة: النبأ، الآية: 11.
[5] سورة: الأنبياء، الآية: 30.
[6] سورة: البروج، الآية: 22.
[7] سورة: الأنبياء، الآية: 2.
[8] سورة: فصلت، الآية: 42.
[9] في الطبري: «على قلوبهم» وفي إحدى نسخه: «أنفسهم» .
[10] في الطبري: «وفعله» .
[11] في الأصل: «وشبهوا» .
[12] في الأصل: «لا تلحقه» . وفي ت: «بلحقه» .
[13] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[14] في الأصل ت: «كل أحد منهم» .
[15] «أمر» ساقطة من ت.(11/19)
الَّذِي أمره الله به من وحدانيته فهو بمَا سواه أعظم [1] جهلا، وعن الرشد فِي غيره [2] أعمى وأضل سبيلا [3] .
فاقرأ عَلَى جعفر بْن عيسى وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن إسحاق القاضي كتاب [4] أمير المؤمنين [5] 11/ أإليك، وأنصصهمَا [6] / عن علمهمَا فِي القرآن، وأعلمهمَا أن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لا يستعين عَلَى شيء من أمور المسلمين إلا بمن وثق بإخلاصه وتوحيده، وأنه لا توحيد لمن لا يقر بأن القرآن مخلوق فإن قالا بقول أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِي ذلك، فتقدم إليهمَا فِي امتحان من يحضر [7] مجالسهما بالشهادات عَلَى الحقوق، ونصهم عن قولهم فِي القرآن فمن لم يقل منهم إنه مخلوق أبطلا [8] شهادته، ولم يقطعا حكمَا بقوله، وإن ثبت عفافه فِي أمره. وافعل [ذلك] [9] بمن فِي سائر عملك من القضاة، وأشرف عليهم إشرافا يمنع المرتاب من إغفال دينه واكتب إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بمَا يكون منك فِي ذلك إن شاء الله [10] .
فأحضر إسحاق بْن إبراهيم جمَاعة من الفقهاء والحكمَاء والمحدثين، وأحضر أبا حسان الزيادي وبشر بْن الوليد الكندي، وعلي بْن [أبي] [11] مقاتل، والفضل بْن غانم، والذيال [12] بْن الهيثم، وسجادة، والقواريري، والإمَام [13] أحمد بْن حنبل، وقتيبة، وسعدويه الواسطي، وعلي بْن الجعد، وإسحاق بْن أبي إسرائيل، وابن علية، ويحيى بْن عَبْد الرَّحْمَنِ العمري، وأبا نصر التمار، وأبا معمر القطيعي، ومحمد بن
__________
[1] «أعظم» ساقطة من ت.
[2] في الأصل: «وعن غير الرشد غيرها» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 634- 636.
[4] «كتاب» ساقطة من ت.
[5] في الأصل: «إسحاق كتاب القاضي كتاب أمير المؤمنين» .
[6] في الأصل: «وأنضهما» . وفي ت: «وافحصهما» .
[7] في ت: «بحضرة» .
[8] في ت: «بطلا» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] تاريخ الطبري 8/ 636- 637.
[11] ما بين المعقوفتين من تاريخ الطبري.
[12] في ت: «الدنال» .
[13] «الإمام» ساقطة من ت.(11/20)
حاتم بْن ميمون، ومحمد بْن نوح فِي آخرين، فأدخلوا جميعا عَلَى إسحاق، فقرأ عليهم كتاب أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مرتين حَتَّى فهموه، ثم قَالَ لبشر بْن الوليد: مَا تقول فِي القرآن؟ فقال أقول القرآن كلام الله. فَقَالَ: لم أسألك عن هَذَا، أمخلوق هُوَ؟ قَالَ: الله خالق كل شيء. قَالَ: القرآن شيء؟ قَالَ: هُوَ شيء. قَالَ: فمخلوق؟ قَالَ: ليس بخالق [1] . قَالَ: مَا أسألك [2] عن هَذَا، أمخلوق هُوَ؟ قَالَ: مَا أحسن غير مَا قلت لك.
فأخذ إسحاق رقعة كانت بين يديه فقرأها عَلَيْهِ [3] : / أشهد أن لا إله إلا الله، لم يكن قبله 11/ ب شيء ولا بعده [4] شيء، ولا يشبهه [شيء] [5] من خلقه فِي معنى من المعاني، ولا وجه من الوجوه، فَقَالَ: نعم. فَقَالَ للكاتب اكتب مَا قَالَ.
ثم قَالَ لعلي بْن [أبي] [6] مقاتل: مَا تقول يَا علي؟ فَقَالَ: قد أسمعت كلامي لأمير المؤمنين [7] في هذا غير مرة، فامتحنه بالرقعة فأقر بمَا فيها، فَقَالَ لَهُ: القرآن مخلوق؟
فَقَالَ: القرآن كلام الله. قَالَ: لم أسألك عن هَذَا. قَالَ: هُوَ كلام الله [8] وإن أمرنا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بشيء سمعناه وأطعنا. فَقَالَ للكاتب: اكتب مقالته.
ثم قَالَ للذيال نحوا من مقالته لعلي [9] بْن [أبي] مقاتل [10] ، فَقَالَ لَهُ مثل ذلك.
ثم قَالَ لأبي حسان الزيادي: مَا عندك؟ وقرأ عَلَيْهِ الرقعة، فأقر بمَا فيها، فَقَالَ لَهُ:
القرآن مخلوق؟ فَقَالَ لَهُ [11] : القرآن كلام الله، والله خالق كل شيء، ومَا دون [12] الله
__________
[1] في ت: «قال: بعده ولا شيء ليس بخالق» .
[2] في ت: «لم أسألك» .
[3] «فقرأها عليه» ساقطة من ت.
[4] «ولا بعده» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «أمير المؤمنين» .
[8] في ت بعد هذا: «قَالَ: لم أسألك عن هَذَا. قَالَ: هُوَ كلام الله» ، ليس لها داعي، وهي غير موجودة أيضا في الطبري.
[9] في ت: «نحو المقالة لعلي» .
[10] في الأصل: «نحوا من مقالته علي بن مقاتل» . وما بين المعقوفتين زيادة من الطبري.
[11] «له» ساقطة من ت.
[12] في ت: «ودون» .(11/21)
مخلوق، وإن [1] أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إمَامنا، وقد سمع مَا لم نسمع، وإن أمرنا ائتمرنا، وإن دعانا أجبنا. فَقَالَ لَهُ: القرآن مخلوق [هُوَ] [2] ؟ فأعاد أبو حسان [3] مقالته، وقال: مرني آتمر [4] . فَقَالَ: مَا أمرني أن آمركم، وإنمَا أمرني أن أمتحنكم.
ثم دعا أحمد بْن حنبل، فَقَالَ [لَهُ:] [5] مَا تقول [فِي القرآن] [6] ؟ قَالَ: القرآن كلام الله. قَالَ: مخلوق هُوَ؟ قَالَ: هُوَ كلام الله [لا أزيد] [7] . فامتحنه بمَا فِي الرقعة، فلمَا أتى عَلَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 42: 11 قَالَ أحمد [8] : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 42: 11 [9] .
ثم امتحن الباقين، وكتب مقالتهم، وبعث [بِهَا] [10] إِلَى المأمون، فمكث القوم تسعة أيام [11] ، ثم ورد كتاب المأمون فِي جواب الباقين، وكتبت مقالاتهم فِي جواب [12] مَا كتبه إسحاق، وَكَانَ في الكتاب [13] :
12/ أأما بعد، فقد بلغ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ/ جواب كتابه الذي كَانَ كتب إليك، فيمَا ذهب إليه متصنّعة أهل القبلة، وملتمسو الرئاسة فيمَا ليسوا لَهُ بأهل من القول فِي القرآن، ومسألتك إياهم [14] عن اعتقادهم، وأمرك [15] من لم يقل منهم إنه مخلوق بالإمساك عن
__________
[1] «وإن» ساقطة من ت، والطبري.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «أبو حينان» .
[4] في ت: «ائتمرنا» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «ما تقول في خلق القرآن» . وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] «على لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 42: 11 قال أحمد» ساقط من ت.
[9] سورة: الشورى، الآية: 11. وانظر: تاريخ الطبري 8/ 637- 639.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في ت: «سبعة أيام» .
[12] «الباقين وكتبت مقالاتهم في جواب» ساقط من ت.
[13] تاريخ الطبري 8/ 640.
[14] في ت: «وسألتك عن اعتقادهم» .
[15] في ت: «وأمرتك» .(11/22)
التحديث [1] والفتوى، وبث الكتب إِلَى القضاة فِي نواحي عملك بالقدوم عليك لتمتحنهم:
فأمَا بشر بْن الوليد، فأنصصه عن قوله فِي القرآن، فإن تاب منها فأمسك عنه، وإن دفع عن أن يكون القرآن مخلوقا فاضرب عنقه، وابعث برأسه إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ.
وأمَا علي بْن أبي مقاتل، فقل لَهُ: ألست المكلم لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ بمَا كلمته به من قولك له: أنت تحلل وتحرم.
وأما الذيّال، فأعلمه أنه كَانَ فِي الطعام الذي كَانَ يسرقه بالأنبار مَا يشغله عن [2] [غيره] [3] .
وأمَا أحمد بن زيد و [قوله] [4] إنه لا يحسن الجواب فِي القرآن فسيحسنه إذا أخذه التأديب، فَإِن لم يفعل كَانَ السيف من وراء ذلك [5] .
وأمَا أحمد بْن حنبل: فأعلمه أن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ قد عرف مقالته، واستدل عَلَى آفته.
وأمَا الفضل بْن غانم، فأعلمه أنه لم يخف عَلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ فيه بمصر، ومَا اكتسب من الأموال.
وأمَا الزيادي، فأعلمه أنه كَانَ منتحلا، ولا أول دعي فِي الإسلام خولف فيه حكم رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وَكَانَ جديرا أن يسلك مسلكه.
وأمَا أبو نصر التمَار، فإن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ شبه خساسة [6] عقله بخساسة متجره [7] .
وجعل يذكر لكل واحد منهم عيبا، وقال: من لم يرجع [8] عن شركه ممن سميت لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ وَلَم يقل القرآن مخلوق/ فاحملهم جميعا موثقين إِلَى عسكر أمير 12/ ب المؤمنين لينصّهم أمير المؤمنين [9] ، فإن لم يرجعوا احملهم على السيف [10] .
__________
[1] في الأصل: «عن التحدث» .
[2] «عن» ساقطة من ت، والطبري.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «من وراء من ذلك» .
[6] في الأصل: «خشاشة» .
[7] تاريخ الطبري 8/ 640- 643.
[8] في الأصل: «يترجع» .
[9] «لينصهم أمير المؤمنين» ساقطة من ت.
[10] تاريخ الطبري 8/ 643- 644.(11/23)
فأجاب القوم كلهم إلا أربعة: أحمد بْن حنبل، وسجادة، والقواريري، ومحمد بْن نوح، فأمر بهم إسحاق فشدوا فِي الحديد، فلمَا كَانَ من الغد دعاهم، فأعاد عليهم المحنة، فأجابه سجادة، فأمر بإطلاقه، وأصر الآخرون، فلمَا كَانَ بعد غد دعاهم فأجاب القواريري فأطلقه، وأمر أحمد بْن حنبل، ومحمد بْن نوح فشدا جميعا فِي الحديد، ووجها إِلَى طرسوس، وكتب معهمَا كتابا بإشخاصهمَا، فلمَا صارا إِلَى الرقة تلقتهم وفاة المأمون، فردوا إِلَى إسحاق بْن إِبْرَاهِيم بمدينة السلام، فأمرهم إسحاق بلزوم منازلهم، ثم رخص لهم بعد ذلك فِي الخروج [1] .
وَكَانَ المأمون قد أمر ابنه العباس وإسحاق بْن طاهر أنه إن حدث به حدث الموت فِي مرضه فالخليفة من بعده أبو إسحاق بْن الرشيد، فكتب بذلك، فكتب [2] أبو إسحاق فِي عشية إصابة المأمون إِلَى العمَال: من أبي إسحاق أخي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ والخليفة بعد أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مُحَمَّد.
وصلى يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب إسحاق بْن يحيى بْن معاذ فِي مسجد دمشق فَقَالَ فِي خطبته بعد دعائه لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ: وأصلح الأمير أخا أمير المؤمنين والخليفة من بعده أبا إسحاق الرشيد.
[وفاة المأمون]
وفي هذه السنة:
توفي المأمون وبويع للمعتصم [3] .
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 645.
[2] «فكتب» ساقطة من ت.
[3] في ت: «وولي المعتصم» . وهنا في ت: «تم المجلد الرابع عشر، بسم الله الرّحمن الرّحيم باب:
خلافة المعتصم» .(11/24)
باب خلافة المعتصم [1]
واسمه محمد بْن هارون الرشيد ويكنى أبا إسحاق، وأمه أم ولد/ من مولدات 13/ أالكوفة، تسمى مَاردة، لم تدرك خلافته، وكانت أحظى النساء عند الرشيد. وَكَانَ أبيض أصهب اللحية طويلها، مربوعا مشرب اللون، حسن العينين، وَهُوَ يسمى الثمَاني [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ [3] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا ابْن رزق، أَخْبَرَنَا عثمَان بْن أحمد الدقاق، أَخْبَرَنَا أحمد بْن البراء قَالَ:
المعتصم باللَّه، أبو إسحاق محمد بْن الرشيد، ولد بالخلد فِي [4] سنة ثمَانين ومَائة، فِي الشهر الثامن، وَهُوَ ثامن الخلفاء، والثامن من ولد العباس، وفتح ثمَانية فتوح، وولد [لَهُ] [5] ثمَانية بنين، وثمَاني بنات، ومَات بالخاقاني من سر من رأى، وَكَانَ عمره ثمَانيا وأربعين سنة، وخلافته ثمَاني سنين، وثمَانية أشهر [ويومين. وقال أبو بكر الصولي] [6] : وثمانية أيام. وخلف من العين ثمَانية آلاف ألف دينار ومثلها ورقا، وتوفي لثمَان بقين من ربيع الأول [7] ، وفتوحه المشهورة ثمانية [8] .
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 667.
[2] تاريخ بغداد 3/ 342.
[3] «القزاز» ساقطة من ت.
[4] «في» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل ت وزدناها من تاريخ بغداد 3/ 342.
[7] «وتوفي لثمان بقين من ربيع الأول» جاءت في ت في نهاية الخبر.
[8] تاريخ بغداد 3/ 342.(11/25)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ [الْقَزَّازِ قَالَ:] [1] ، أخبرنا أحمد بن علي قال:
أخبرني عبد الله بن أبي الفتح، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ قَالَ: وَكَانَ المعتصم ثامن الخلفاء من بني العباس، وثامن أمراء المؤمنين من بني عبد المطلب [2] ، وملك ثمَاني سنين وثمَانية أشهر، وفتح ثمَانية فتوح: بلاد بابك عَلَى يد الأفشين [3] ، وفتح عموريه بنفسه، والزط بعجيف، وبحر البصرة، وقلعة الأحراف، وأعراب ديار ربيعة، والشاري، وفتح مصر، وقُتِل ثمَانية أعداء: بابك، ومَازيار، [وباطس، ورئيس الزنادقة، والأفشين، وعجيفا، وقارن وقائد الرافضة.
وينبغي أن يكون ثامن بني عبد المطلب لأنه هُوَ: المعتصم بْن الرشيد بْن المهدي بْن المَنْصُور بْن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ العباس بن عبد المطلب] . [4] وحكى [أبو بكر] [5] الصولي: أنه لم تجتمع الملوك بباب أحد قط اجتماعها بباب 13/ ب المعتصم، ولا ظفر ملك كظفره، أسر بابك ملك أذربيجان، والمَازيار/ ملك طبرستان، وباطس [6] ملك عمورية والأفشين ملك أشروسنة، وعجيفا- وَهُوَ ملك- وصار إِلَى بابه ملك فرغانة، وملك اسيشاب، وملك طخارستان، وملك أصبهان [7] ، وملك الصغد، وملك كابل وباطيس ورئيس الزنادقة، والأفشين وعجيفا، وقارن، وقائد الرافضة.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: [أَخْبَرَنَا أبو] [8] منصور بْن باي بْن [9] جعفر الجيلي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بْن محمد بْن عمران، قَالَ: حدثني محمد بْن يحيى، حَدَّثَنَا محمد بْن سَعِيد الأصم، حَدَّثَنَا إبراهيم بن محمد بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «أمراء المؤمنين من بني عبد المطلب» ساقطة من ت.
[3] في ت: «على يد بابك» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، ت، وزدناه من تاريخ بغداد.
وانظر الخبر في تاريخ بغداد 3/ 343.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «باطيس» .
[7] في الأصل: «أصبان» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في الأصل: «باقي بن» وسقطت من ت.(11/26)
إِسْمَاعِيل الهاشمي قَالَ: كَانَ مَعَ المعتصم غلام يتعلم معه فِي الكتاب [1] ، فمَات الغلام، فَقَالَ لَهُ [2] الرشيد: يَا محمد، مَات غلامك. قَالَ: نعم يَا سيدي، واستراح من الكتاب! قَالَ الرشيد: وإن الكتاب ليبلغ منك هذا المبلغ؟ دعوه إلى حيث انتهى، لا تعلموه شيئا، وَكَانَ يكتب [كتابا] [3] ضعيفا، ويقرأ [قراءة] ضعيفة [4] .
ذكر بيعته
لمَا احتضر المأمون ببلاد الروم، كَانَ معه ولده العباس وأخوه المعتصم، فأراد الناس أن يبايعوا العباس، فأتى وسلم الأمر إِلَى المعتصم، وَكَانَ الجند قد شنعوا لأجله، وطلبوا الخلافة لَهُ، فبايع المعتصم، وخرج إِلَى الجند، فَقَالَ: مَا هَذَا الحب البارد! قد بايعت لعمي [5] ، وسلمت الخلافة إليه فسكن الجند [وبايع الناس] [6] وقبل إبراهيم بْن المهدي يد المعتصم، وَكَانَ [7] المعتصم قبل يده قبل ذلك، ولا يعلم [8] خليفة قبل يد خليفة ثم قبل الآخر/ يده [9] غيرهمَا، وكانت المبايعة [10] يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة 14/ أبقيت من رجب سنة ثمَان عشرة، ثم خاف المعتصم من اختلاف الجند عَلَيْهِ، فأسرع إِلَى بغداد فدخلها [11] فِي مستهل رمضان.
ذكر طرف من أخباره وسيرته
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد قال: أخبرنا أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي
__________
[1] في ت، وتاريخ بغداد: «غلام في الكتاب يتعلم معه» .
[2] «له» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «يكتب ضعيفا ويقرأ ضعيفا» انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 343.
[5] في ت: «بايعت عمي» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «وقد كان» .
[8] في ت: «ولا نعلم» .
[9] في ت: «ثم قبل ذلك الخليفة» .
[10] في الأصل: «البيعة» .
[11] في ت: «فوصلها» .(11/27)
الْحَسَن بْن علي الصيمري، أَخْبَرَنَا محمد بْن عمران بْن موسى قَالَ: أخبرني علي بْن هارون قَالَ: أَخْبَرَنِي عبيد الله [1] بْن أبي طاهر، عن أبيه [2] قَالَ: ذكر ابْن أبي دؤاد المعتصم يومَا فأسهب فِي ذكره، وأكثر من وصفه، وأطنب فِي فضله، وذكر من سعة أخلاقه وكرم أعراقه، ولين جانبه، وكرم [3] جميل عشرته، قَالَ: وقال [4] لي يومَا وقد كنا [5] بعمورية: مَا تقول يَا أبا عبد الله فِي البسر؟ فقلت: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، نحن ببلاد الروم والبسر بالعراق، قال: [وقد] [6] وجّهت إلى مدينة السلام فجاءوني بكباستين، وقد علمت أنك تشتهيه [7] ، ثم قَالَ: يَا إيتاخ، هات إحدى الكباستين. فجاء بكباسة بسر، فمد ذراعه وقبض عَلَيْهَا بيده، وقال: كل بحياتي عليك من يدي. فقلت: جعلني الله فداك يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، بل بعضها، فآكل كمَا أريد. قَالَ: لا والله إلا من يدي. فو الله مَا زال حاسرا ذراعه، ومَادا يده وأنا أجتني من العذق حَتَّى رمى به خاليا مَا فيه بسرة. قَالَ:
وكنت كثيرا مَا أزامله فِي سفره ذلك إِلَى أن قلت لَهُ يومَا: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، لو زاملك 14/ ب بعض مواليك/ وبطانتك واسترحت مني إليهم مرة، ومنهم إليّ أخرى، فإن ذلك أنشط لقلبك، وأطيب لنفسك وأرشد [8] لراحتك؟ قَالَ: فإن سيمَا [9] الدمشقي يزاملني اليوم، فمن يزاملك أَنْت؟ قلت: الحسن بْن يونس. قَالَ: فأنت وذاك. قَالَ: فدعوت بالحسن فزاملني [10] ، وتهيأ أن ركب [11] بغلا، فاختار أن يكون منفردا، قَالَ: وجعل يسير بسير [12] بعيري، فإذا أراد أن يكلمني رفع رأسه، وَإِذَا أردت أن أكلمه خفضت رأسي، فانتهينا إِلَى واد [لم] [13] نعرف غور مَائه، وقد خلفنا العسكر وراءنا فَقَالَ لرحالي: مكانك [14] حَتَّى [أتقدم] [15] فأعرف غور المَاء، وأطلب قلته، واتبع أنت مسيري. قَالَ: وتقدم رجل فدخل الوادي، وجعل يطلب [قلة] [16] المَاء وتبعه المعتصم، فمرة ينحرف عن يمينه
__________
[1] في الأصل: «عبد الله» .
[2] «عن أبيه» ساقطة من ت.
[3] «وكرم» ساقطة من ت.
[4] في ت: «وقال: قال لي» .
[5] في ت: «ونحن بعمورية» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «تشهتبه» .
[8] في ت: «وأشد» .
[9] في ت: «نسيما» وفي تاريخ بغداد: «سيتما» .
[10] في ت: «تزاملني» .
[11] في ت: «أن يركب» .
[12] «بسير» ساقطة من ت.
[13] في ت: «إلى ماء واد لم» .
وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[14] في ت: «فقلت الجمال قف مكانك» .
[15] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[16] ما بين المعقوفتين ساقط من ت، والأصل وزدناه من تاريخ بغداد.(11/28)
وأخرى عن شمَاله، وتارة يمضي لسننه ونتبع أثره حَتَّى قطعنا الوادي [1] .
أَخْبَرَنَا أبو منصور القزاز [قال: أخبرنا أبو بكر] [2] الخطيب قال: أخبرني الصيمري قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بْن عمران قال: حدثنا علي بن عبد الله قال: أخبرني الحسن بْن علي العباسي، عَنْ علي بْن الحسين الإسكافي قَالَ: قَالَ لنا ابْن أبي دؤاد:
كَانَ المعتصم يخرج ساعده إلي، وَيقول: يَا أبا عبد الله، عض ساعدي بأكثر قوتك. فأقول: [والله] [3] يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا تطيب نفسي بذلك. فيقول افعل فإنه [4] لا يضرني. فأروم ذلك، فإذا هُوَ لا تعمل فيه الأسنة [5] [فضلا عن الأسنان] [6] وانصرف يومَا من دار المأمون إِلَى داره، وَكَانَ شارع الميدان منتظمَا بالخيم فيها الجند، فمر المعتصم بامرأة تبكي وتقول: ابني ابني. وإذا بعض الجند قد أخذ ابنها. فدعاه المعتصم وأمره أن يرد ابنها عليها، فأبى، فاستدناه فدنا منه، فقبض عَلَيْهِ بيده، فسمع صوت عظامه، ثم أطلقه من يده فسقط وأمر بإخراج الصبي إلى أمه/. [7] . 15/ أوقد [8] بلغنا أن امرأة مسلمة ببلاد الروم أسرت [9] فِي حرب جرت بينهم [وبين المسلمين] [10] ، فجعلت تنادي: وا معتصماه. فلمَا بلغه ذلك قَالَ عَلَى فوره: لبيك لبيك. وتقدم [11] فركب من ساعته وَهُوَ [12] يقول: لبيك لبيك. فلحقه الناس حَتَّى دخل أرض الروم، وأنقذ المرأة ونكأ فِي الروم.
قَالَ الفضل بْن مروان: لم يكن فِي المعتصم أن يلتذ بتزيين البناء وَكَانَ غايته فيه إحكام [13] ، ولم يكن بالنفقة فِي شيء أسمح منه بالنفقة في الحرب.
[أمر المعتصم بهدم مَا كَانَ المأمون بناه بطوانة]
وفي هذه السنة: أمر المعتصم بهدم مَا كَانَ المأمون بناه بطوانة [14] ، وحمل مَا كَانَ بِهَا من السلاح والآلة وغير ذلك ممَا قدر عَلَى حمله [15] ، وإحراق مَا لم يقدر على حمله،
__________
[1] تاريخ بغداد 3/ 345، 346.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] لفظ الجلالة غير موجود في الأصل.
[4] في ت: «فيقول إني لا يضرّني» .
[5] في الأصل: «الأسنان» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] تاريخ بغداد 3/ 346.
[8] «وقد» ساقطة من ت.
[9] في ت: «أن امرأة مسلمة أسرت ببلاد الروم» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في الأصل: «وقدم» .
[12] «وهو» ساقطة من ت.
[13] في ت: «عافيه اختلاف» .
[14] في ت: «ما كان المأمون أمر ببنائه بطوايه» .
[15] في الأصل: «مما قدر عليه» .(11/29)
وأمر بصرف من كَانَ المأمون أسكن ذلك من الناس إِلَى بلادهم [1] .
وفيها: دخل جمَاعة من أهل همذان، وأصبهان، وماسبذان، ومهرجان قذق فِي دين الخرمية، وتجمعوا فعسكروا فِي عمل همذان، فوجه المعتصم إليهم عسكرا، وَكَانَ آخر عسكر وجّهه إليهم مع إسحاق بْن إبراهيم بْن مصعب، وعقد لَهُ عَلَى الجبال [2] فِي شوال فشخص إليهم فِي ذي القعدة، وقرئ [3] كتابه بالفتح يوم التروية، وقتل [4] فِي عمل همذان ستين ألفا وهرب باقيهم إِلَى بلاد الروم [5] .
وحج بالناس في هذه السنة: صالح بن العباس بن محمد، وضحى أهل مكة يوم الجمعة، وأهل بغداد يوم السبت [6] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1234- إبراهيم بْن إسمَاعيل بْن إبراهيم بْن مقسم، أبو إسحاق المعروف بابن علية [7] .
15/ ب كَانَ أحد المتكلمين القائلين [8] بخلق القرآن.
أَخْبَرَنَا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ [أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ] بْنِ ثَابِتٍ [قَالَ: أخبرنا عمر بْن إبراهيم، ومحمد بْن عبد الملك قالا: أَخْبَرَنَا عياش بْن الحسن، حَدَّثَنَا الزعفراني قَالَ: أَخْبَرَنِي زكريا بْن يحيى قَالَ: أخبرني شباب بْن درست قَالَ:
سمعت] [9] يعقوب بْن سفيان الفارسي يقول: خرج إبراهيم بْن إسمَاعيل بْن علية ليلة من مسجد مصر وقد صلى العتمة وَهُوَ فِي زقاق القناديل ومعه رجل، فقال له الرجل: إني
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 667.
[2] في ت: «وعقد له لواء في شوال» .
[3] في ت: «وترى» .
[4] في ت: «وقتله» .
[5] تاريخ الطبري 8/ 667، 668.
[6] تاريخ الطبري 8/ 668.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 20- 23.
[8] «القائلين» ساقطة من ت.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل ومكانه: «أخبرنا أبو بكر بن ثابت باسناده عن يعقوب ... » .(11/30)
قرأت البارحة سورة الأنعام، فرأيت بعضها ينقض بعضا. فَقَالَ لَهُ إبراهيم بْن إسمَاعيل مَا لَمْ تر أكثر [1] .
توفي إبراهيم ببغداد [2] ليلة عرفة من هَذِهِ السنة بمصر، وَهُوَ ابْن سبع وستين سنة [3] .
1235- إبراهيم بْن أبي زرعة [4] وهب الله، ابْن راشد المؤذن، يكنى أبا إسحاق.
كَانَ إمَام مسجد الجامع بالفسطاط، توفي في هذه السنة.
1236- بشر بْن آدم، أبو عبد الله الضرير [5] .
ولد سنة خمسين ومَائة، سمع أبا عبد الله [6] حمَاد بْن سلمة، وغيره روى عنه:
ابْن راهويه، والدوري [7] ، والحربي. وقال أبو حاتم الرازي: هُوَ صدوق.
وتوفي فِي ربيع الأول من هَذِهِ السنة.
1237- بشر بْن غياث بْن أبي كريمة، أبو عَبْد الرَّحْمَنِ [المعروف] [8] بالمريسي [9] .
[كَانَ شيخا فقيرا فقيها، دميم المنظر، وسخ الثياب، يشبه اليهود] [10] كَانَ يسكن فِي الدرب المعروف به، ويسمى درب المريسي، وَهُوَ بين نهر الدجاج ونهر البزازين، سمع الفقه من أبي يوسف القاضي، إلا أنه اشتغل بالكلام، وجرد [11] القول بخلق القرآن. وقد روى من الحديث شيئا يسيرا عن حمَاد بْن سلمة وسفيان بْن عيينة.
__________
[1] تاريخ بغداد 6/ 22.
[2] «ببغداد» ساقطة من ت.
[3] «سنة» ساقطة من ت.
[4] في ت: «درعه» .
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 55، 56.
[6] في الأصل: «أبي عبد الله» وهي ساقطة من ت.
[7] في الأصل: «الدورقي» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 56- 67.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في ت: «وجود» وما أثبتناه موافق لما في تاريخ بغداد.(11/31)
16/ أوكان أبو زرعة [الرازي] [1] يقول: بشر بْن غياث/ زنديق. وقال يزيد بْن هارون: هُوَ كافر حلال الدم يقتل [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ] [3] قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا حمد بن أحمد بن أبي طاهر، أَخْبَرَنَا أبو بكر النجاد، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدورقي قَالَ [4] : حدثني محمد بْن نوح قَالَ:
سمعت هارون أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يقول: بلغني أن بشر المريسي يزعم أن القرآن [5] مخلوق، للَّه علي إن أظفرني به [6] لأقتلنه قتلة مَا قتلها [7] أحد قط [8] .
أَخْبَرَنَا [أبو] [9] منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر [أحمد] [10] بن علي قَالَ:
أخبرني محمد بْن أحمد بْن يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْن نُعَيْمٍ الضَّبِّيُّ قَالَ: سمعت أبا جعفر محمد بْن صالح يقول: سمعت [أبا سُلَيْمَان داود بْن الحسين يقول: سمعت] [11] إسحاق بْن إبراهيم الحنظلي يقول: دخل حميد الطوسي عَلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وعنده بشر المريسي، فَقَالَ حميد: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، هَذَا سيد الفقهاء، هَذَا [قد] [12] رفع عذاب القبر ومسألة منكر ونكير، والميزان، والصراط، [انظر هل يقدر أن يرفع الموت؟] [13] ثم نظر إِلَى بشر وقال لو رفعت الموت كنت سيد الفقهاء حقا [14] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «وقال يزيد بن هارون ... » إلى آخر القول ساقط من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «يقول» .
[5] في ت: «أن بشر المريسي يقول: القرآن ... » .
[6] في الأصل، ت: «القرآن مخلوق، علي لأن أظفرني الله به» .
[7] في ت: «ما قلتها» .
[8] تاريخ بغداد 7/ 64.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[12] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[13] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وت وزدناه من تاريخ بغداد.
[14] تاريخ بغداد 7/ 60، 61.(11/32)
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي [بن ثابت [1] قال:] أخبرني الحسن بن محمد الخلال قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن العباس الخزاز قَالَ:
أَخْبَرَنَا الحسين بن علي بن الحسين الأسدي، حَدَّثَنَا الفضل بْن يوسف بْن يعقوب بن القصباني، حدثنا محمد بن يوسف العباسي قال: وحدثني محمد بْن علي بْن ظبيان القاضي قَالَ: قال لي بشر المريسي: القول في القرآن قول من خالفني أنه غير مخلوق.
قلت فارجع عنه، قَالَ: أرجع عنه وقد قلته منذ أربعين سنة، ووضعت فيه الكتب، واحتججت فيه بالحجج [2] .
أَخْبَرَنَا أبو منصور [عَبْد الرَّحْمَنِ] [3] القزاز/ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن 16/ ب ثابت [4] ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عبد الملك [5] القرشي قَالَ: أَخْبَرَنَا عباس بْن الحسن البندار حَدَّثَنَا محمد بْن الحسين [6] الزَّعْفَرانيّ قَالَ: أخبرني زكريا بْن يحيى، حَدَّثَنَا محمد بْن إسمَاعيل قَالَ: سمعت الحسين بْن علي الكرابيسي قَالَ: جاءت أم بشر المريسي إِلَى الشافعي رضي الله عنه فقالت: يَا أبا عبد اللَّه، أرى ابني يهابك ويحبك، وإذا ذكرت عنده أجلك، فلو نهيته عن هَذَا الرأي الذي هُوَ فِيهِ فقد عاداه الناس عَلَيْهِ [7] ، ويتكلم فِي شيء يواليه [8] الناس ويحبونه؟ فَقَالَ لها الشافعي: أفعل. فشهدت الشافعي وقد دخل عَلَيْهِ بشر، فَقَالَ لَهُ الشافعي: أخبرني عمَا تدعو إليه أكتاب ناطق أم فرض [9] مفترض، أم سنة قائمة، أم وجوب عن السلف البحث فيه والسؤال عنه؟ فَقَالَ بشر: لَيْسَ فيه كتاب ناطق، ولا فرض مفترض، ولا سنة قائمة، ولا وجوب عن السلف البحث فيه والسؤال عنه [10] ، إلا أنه لا يسعنا خلافه. فَقَالَ الشافعي: أقررت عَلَى نفسك بالخطأ، فأين أنت عَنِ الكلام فِي الفقه والأخبار، يواليك [11] الناس عَلَيْهِ وتترك هَذَا؟ قَالَ: لنا نهمة فيه فلمَا خرج بشر قَالَ الشافعي: لا يفلح [12] .
[أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ علي قال: أخبرنا الحسن بن محمد
__________
[1] في ت: «أخبرنا أحمد بن علي» .
[2] تاريخ بغداد 7/ 65.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «أخبرنا أحمد بن علي» .
[5] في ت: «محمد بن عبد الرحمن» .
[6] في ت: «محمد بن الحسن» .
[7] «عليه» ساقطة من ت.
[8] في الأصل: «يوالوه» .
[9] في الأصل: «أو فرض» .
[10] «والسؤال عنه» ساقطة من ت.
[11] في الأصل: «تواليك» .
[12] تاريخ بغداد 7/ 59.(11/33)
الخلَّال، حَدَّثَنَا يوسف بْن عمر القواس، حَدَّثَنَا أحمد بْن عيسى بْن السكين قَالَ:
سمعت أبا يعقوب إسحاق بْن إبراهيم يقول: مررت فِي الطريق، فإذا بشر المريسي والناس عَلَيْهِ مجتمعون، فمر يهودي، فأنا سمعته يقول: لا يفسد عليكم كتابكم كمَا أفسد أبوه علينا التوراة. يعني: أن أباه يهوديا] [1] .
توفي بشر فِي ذي الحجة من هَذِهِ السنة. وقيل: فِي سنة تسع عشرة، وَكَانَ الصبيان يتعادون بين يدي الجنازة ويقولون: من يكتب إِلَى مَالك، من يكتب إِلَى مَالك [2] ؟
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بْن علي بْن ثابت قَالَ: حَدَّثَنَا القاضي أبو محمد بْن الْحَسَن [3] بْن الحسين بْن رامين، حَدَّثَنَا أبو محمد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد 17/ أالجرجاني/، أَخْبَرَنَا عِمْرَانَ بْن موسى، أَخْبَرَنَا الحسن بْن محمد بْن الأزهر قَالَ:
سمعت عثمَان بْن سعيد الرازي قَالَ: حَدَّثَنَا الثقة من أصحابنا قَالَ: لمَا مَات بشر المريسي لم يشهد جنازته من أهل العلم السنة أحد إلا [4] عبيد الشونيزي، فلمَا رجع من جنازة المريسي لاموه، فَقَالَ: أنظروني حَتَّى أخبركم: مَا شهدت جنازة رجوت فيها من الأجر مَا رجوت فِي هَذِهِ، قمت فِي الصف، فقلت: اللَّهمّ إن [5] عبدك هَذَا كَانَ لا يؤمن [برؤيتك فِي الآخرة، اللَّهمّ فاحجبه عن النظر إِلَى وجهك يوم ينظر إليك المؤمنون، اللَّهمّ عبدك هَذَا كَانَ لا يؤمن] [6] بعذاب القبر، اللَّهمّ فعذبه اليوم فِي قبره عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين. اللَّهمّ عبدك هَذَا كَانَ ينكر [الميزان، اللَّهمّ فخفف ميزانه يوم القيامة، اللَّهمّ عبدك هَذَا كَانَ ينكر] [7] الشفاعة اللَّهمّ ولا تشفع فيه أحدا من خلقك يوم القيامة، قال: فسكتوا عنه وضحكوا [8] .
__________
[1] تاريخ بغداد 7/ 61. وهذا الخبر ساقط من الأصل، وزدناه من ت.
[2] «من يكتب إلى مالك» ساقطة من ت. انظر الخبر في: تاريخ بغداد 7/ 64.
[3] في الأصل: «الحسين» .
[4] في الأصل: «لم يشهد جنازته أحد من أهل ... » .
[5] «إن» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] تاريخ بغداد 7/ 66.(11/34)
أخبرنا القزاز قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا علي بن محمد الْمُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا الحسن بْن عمرو المروزي قَالَ: سمعت بشر بْن الحارث يقول: جاء موت هَذَا الذي يقال لَهُ المريسي وأنا فِي السوق، فلولا أنه كَانَ موضع شهرة لكان موضع شكر وسجود، والحمد للَّه الذي أمَاته هكذا [1] .
أَخْبَرَنَا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي [قال: أخبرنا] [2] الحسين بْن علي الطناجيري [3] حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن علي بْن سويد، حَدَّثَنَا عثمَان بْن إسمَاعيل السكري قَالَ: سمعت أبي يقول سمعت أحمد [بْن الدورقي] [4] يقول: مَات رجل من جيراننا شاب فرأيته فِي النوم وقد شاب، فقلت لَهُ: مَا قصتك؟ قَالَ: دفن/ بشر فِي مقبرتنا 17/ ب فزفرت جهنم زفرة شاب منها [5] كل من فِي المقبرة [6] .
وقد ذكرنا فِي أخبار زبيدة مثله.
1238- عبد الله أَمِير الْمُؤْمِنِينَ المأمون بْن الرشيد [7] .
كَانَ سبب مرضه أنه أكل رطبا فحم، وَكَانَ سبب وفاته [8] ، وصار به مَادة فِي حلقه، وكانت كلمَا بلغت فتحت فبطت قبل أن تبلغ وقت تمَامها فمَات [9] .
كَانَ فِي وصيته: أنه لا إله إلا الله، وإني مقر مذنب، أرجو وأخاف، ثم انظروا مَا كنت فيه من عز الخلافة هل أغنى ذلك شيئا إذ جاء أمر الله [، لا والله، ولكن أضعف علي به الحساب، فيا ليت عبد الله بْن هارون لم يكن بشرا، بل ليته لم يكن خلقا!] [10] يا
__________
[1] تاريخ بغداد 7/ 66، 67.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «الطناجيري» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «منها» ساقطة من ت.
[6] تاريخ بغداد 7/ 67.
[7] انظر ترجمته في تاريخ الطبري 8/ 646- 666. والكامل 6/ 6- 13. والبداية والنهاية 10/ 274- 280. وقد ذكر في هامش الأصل: «المأمون» .
[8] في ت: «سبب موته» .
[9] الكامل 6/ 6.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(11/35)
أبا إسحاق، أدن مني، واتعظ بمَا ترى، وخذ [1] بسيرة أخيك فِي القرآن، واعمل فِي الخلافة إذا طوقكها [2] الله عمل المريد للَّه الخائف من عقابه ولا تغتر باللَّه وبمهلته فكان قد نزل بك الموت ولا تغفل عن أمر الرعية.
فلمَا اشتد الأمر به دعا أبا إسحاق فَقَالَ: يَا أبا إسحاق، عليك عهد الله وميثاقه، وذمة رسوله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، لتعملن بحق [3] الله فِي عباده، ولتؤثرن طاعة الله عَلَى معصيته. قَالَ:
نعم، قَالَ: فأقر عَبْد الله بْن طاهر عَلَى عمله، وإسحاق بْن إبراهيم، فأشركه فِي ذلك، فإنه أهل [لَهُ] [4] . وأهل بيتك، فالطف بهم، وبنو عمك من ولد علي بْن أبي طالب، فأحسن صحبتهم، ولا تغفل عن صلتهم [5] .
وتوفي فِي يوم الخميس وقت الظهر، عَلَى نهر البدندون لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب [بعد العصر] [6] من هَذِهِ السنة.
فلمَا توفي صلى عَلَيْهِ أبو إسحاق المعتصم، وحمله ابنه العباس وأخوه محمد بن 18/ أالرشيد إِلَى طرسوس، فدفناه/ فِي دار كانت لخاقان خادم الرشيد، وَكَانَ عمره سبعا وأربعين سنة، وقيل: ثمان وأربعين سنة، وكانت خلافته عشرين سنة، وخمسة أشهر وثلاثة وعشرين يوما، وكان له عثمان عشر ذكرا، وتسع بنات [7] .
واستأذنت المعتصم حظية كانت للمَامون اسمها تزيف أن تزور قبره، فأذن لها فضربت فسطاطا وجعلت تبكي وتنوح بشعر لها وَهُوَ:
يَا ملكا لست بناسيه ... نعى إلي العيش ناعيه
والله مَا كنت أرى أنني ... أقوم فِي الباكين أبكيه
والله لو يقبل فيه الفداء ... لكنت بالمهجة أفديه
__________
[1] في ت: «وسر» .
[2] في ت: «إذا طوقها» .
[3] في ت، والطبري: «لتقومن» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، ت. وزدناه من الطبري.
[5] تاريخ الطبري 8/ 648- 650. والكامل 6/ 6- 8.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] تاريخ الطبري 8/ 650.(11/36)
عاذلتي فِي جزعي أقصري ... قد علق الدهر بمَا فيه
فمَا بقي أحد فِي العسكر إلا بكى [1] .
1239- عبد الملك بْن هشام بْن أيوب، أبو محمد الذهلي البصري النحوي [2] .
يروي مغازي ابْن إسحاق، عن زياد بْن عبد الله البكائي عنه، وَكَانَ ثقة.
توفي بمصر في ربيع الآخر من هذه السنة.
1240- عبد الأعلى بْن مسهر، أبو مسهر [3] الدمشقي الغساني [4] .
ولد سنة أربعين ومَائة، وسمع مَالك بْن أنس وغيره، وَكَانَ ثقة، عالمَا بالمغازي وأيام النّاس، حمله المأمون إِلَى بغداد أيام المحنة.
قَالَ أبو داود السجستاني: رحم الله أبا مسهر، لقد كَانَ من الإسلام بمكان [5] ، حمل عَلَى المحنة، وحمل عَلَى السيف، فمد رأسه وجرد السيف، فأبى أن يجيب، فلمَا رأوا ذلك حمله [6] إِلَى السجن، وسمعت أحمد بْن حنبل يقول: رحم الله أبا مسهر لقد كَانَ [7] من الإسلام بمكان، مَا كَانَ [8] أثبته.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بْن علي قَالَ: حدثني الأزهري، حَدَّثَنَا محمد بن العباس، أَخْبَرَنَا أحمد [9] بْن معروف الخشاب [10] أَخْبَرَنَا الحسين بن 18/ ب الفهم [11] ، حَدَّثَنَا محمد بْن سعد قَالَ: شخص أبو مسهر من دمشق إِلَى عبد الله بن
__________
[1] «فمَا بقي أحد فِي العسكر إلا بكى» ساقطة من ت.
[2] في ت: «البحوي» .
[3] «أبو مسهر» ساقطة من ت.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 72- 75. وتاريخ الموصل صفحة 415، 409.
[5] «قَالَ أبو داود السجستاني: رحم الله أبا مسهر لقد كان من الإسلام بمكان» ساقط من ت.
[6] في ت: «حمل» .
[7] في ت: «ما كان» .
[8] «من الإسلام بمكان، ما كان» ساقط من ت.
[9] «أحمد» ساقطة من ت.
[10] في الأصل: «الحساب» .
[11] في الأصل: «حسين بن فهم» .(11/37)
هَارُون وَهُوَ بالرقة، فسأله عن القرآن فَقَالَ: كلام الله وأبى أن يقول مخلوق، فدعى لَهُ بالسيف والنطع ليضرب عنقه، فلمَا رأى ذلك قَالَ: مخلوق، فتركه من القتل وقال: أمَا إنك لو قُلْتُ ذلك قبل أن أدعو لك بالسيف لقبلت منك ورددتك [1] إِلَى بلادك وأهلك [2] ، ولكنك تخرج [الآن] [3] فتقول: قلت ذلك فرقا من القتل، أشخصوه إِلَى بغداد، فاحبسوه بِهَا [4] حَتَّى يموت. فأشخص من الرقة إِلَى بغداد فِي شهر ربيع الآخر من سنة ثمَان عشرة ومَائتين [5] ، فحبس فلم يلبث إلا يسيرا حَتَّى مَات فِي غرة رجب سنة ثمَاني عشرة [6] .
قَالَ المصنف: ودفن بباب التين، وَهُوَ ابْن تسع وسبعين سنة.
1241- علي الجرجرائي [7] .
كَانَ ينزل جبل لبنان.
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي القاسم قَالَ: أَخْبَرَنَا رزق الله بْن عبد الوهاب، عن أبي عَبْد الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ قَالَ: سمعت عبد الواحد بْن علي يقول سمعت القاسم بْن القاسم يقول: بلغني أن بشرا الحافي يقول: لقيت [عليا] الجرجرائي [8] بجبل لبنان عَلَى عين مَاء، قَالَ فلمَا أبصرني قَالَ: بذنب مني لقيت اليوم إنسيا، فعدوت خلفه، وقلت:
أوصني فالتفت إلي وقال: أمستوص أنت؟ عانق الفقر، وعاشر الصبر، وعاد الهوى، وعاف الشهوات، واجعل بيتك أخلى من لحدك يوم تنقل إليه على هذا طاب المسير/ 19/ أإلى الله عز وجل.
__________
[1] في الأصل: «زودتك» .
[2] «وأهلك» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «بها» ساقط من ت.
[5] «ومائتين» ساقطة من ت.
[6] تاريخ بغداد 11/ 72، 73.
[7] الجرجرائي: نسبة إلى جرجرايا، وهي بلدة قريبة من الدجلة بين بغداد وواسط (الأنساب 3/ 223) .
[8] في الأصل: «لقي الجرجرائي» .(11/38)
1242- محمد بْن أبي الخصيب الأنطاكي [1] .
سمع مَالك بْن أنس، وابن لهيعة، وغيرهما. روى عنه: عباس [2] الدوري، وإبراهيم الحربي، وغيرهما. وكان ثقة.
وتوفي في بغداد في هذه السنة.
1243- محمد بن نوح بن ميمون بن عبد الحميد [العجلي] [3] .
كان أحد المشتهرين بالسنة والدين والثقة. وكان المأمون قد كتب وهو بالرقة إلى إسحاق بن إبراهيم صاحب الشرطة [4] أن يحمل [أحمد] [5] بن حنبل و [محمد] [6] بْن نوح إليه بسبب المحنة، فأخرجا من بغداد عَلَى بعير متزاملين، فمرض محمد بْن نوح فِي طريقه، ومَات في هذه السنة [7] .
فأَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رزق أَخْبَرَنَا عثمَان بْن أحمد الدقاق، حَدَّثَنَا حنبل بْن إسحاق قَالَ: سمعت أبا عبد الله- يعني أحمد بْن حنبل- يقول: مَا رأيت أحدا عَلَى حداثة سنه وقلة علمه أقوم بأمر الله من محمد بْن نوح، وإني لأرجو أن يكون الله قد ختم لَهُ بخير، قَالَ لي ذات يوم وأنا معه جلوس: يَا أبا عبد اللَّه إنك لست مثلي أنت رجل يقتدى بك، وقد مد هَذَا الخلق أعناقهم إليك لمَا يكون منك، فاتق الله، واثبت لأمر الله. ونحو هَذَا، فانظر هَذَا [8] الكلام، فعجبت منه من موعظته لي وتقويته [9] إياي، فصار فِي بعض الطريق فمات،
__________
[1] في ت: «الأنطاعي» .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 249.
[2] في الأصل: «عياش» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر ترجمته في تاريخ بغداد: 3/ 322- 323.
[4] في ت: «صاحب الشرط» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] تاريخ بغداد 3/ 323.
[8] «فانظر هذا» ساقطة من ت، وبغداد.
[9] في ت، وبغداد: «فعجبت من تقويته لي وموعظته إياي» .(11/39)
فصليت عَلَيْهِ ودفنته. أظنه قَالَ: بعانة [1] . فانظر بمَاذا ختم لَهُ [2] .
1244- معاوية بْن عبد الله بْن أبي يحيى الأسواني [3] أبو سفيان مولى بني أمية.
روى عن مَالك، والليث، وابن لهيعة، وَكَانَ ثقة، وكانت القضاة تقبله.
توفي في هذه السنة.
__________
[1] «بعانة» ساقطة من ت ... وهي بلد مشهور بين الرقة وهيت.
[2] تاريخ بغداد 3/ 323.
[3] الأسواني: نسبة إلى أسوان وهي بلدة بصعيد مصر (الأنساب 1/ 260) .(11/40)
ثم دخلت سنة تسع عشرة ومائتين
[خروج محمد بْن القاسم بْن علي بْن عمر بْن الحسين بْن علي بْن أبي طالب بالطالقان]
فمن الحوادث فيها: / خروج محمد بْن القاسم بْن علي بْن عمر بْن الحسين بْن علي بْن أبي طالب بالطالقان من خراسان [1] يدعو إِلَى الرضا من آل محمد واجتمع إليه بها [2] ناس كثير 19/ ب وكانت بينه وبين قواد عَبْد الله بْن [3] طاهر وقعات بناحية الطالقان وجبالها [4] ، فهزم هُوَ وأصحابه، فخرج هاربا يريد بعض كور خراسان وكانوا قد كاتبوه، فدل العامل عَلَيْهِ، فأخذه واستوثق منه، وبعث به إِلَى عبد الله بن طاهر، فبعث به إلى المعتصم، فقدم به عَلَيْهِ يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة [5] خلت من ربيع الآخر، فحبس عند مسرور الكبير الخادم [6] فِي محبس ضيق يكون طوله [7] ثلاث أذرع فِي ذراعين، فمكث فيه ثلاثة أيام ثم حول [8] إِلَى موضع أوسع من ذلك، وأجري عَلَيْهِ طعام، ووكل به قوم يحفظونه، فلمَا كانت ليلة الفطر واشتغل الناس بالعيد هرب من الحبس، وذلك أنه دلي إليه حبل من أعلى البيت من كوة يدخل منها الضوء، فعلق به، فذهب، فلم يعرف له خبر [9] .
__________
[1] «خراسان» ساقطة من ت.
[2] «بها» ساقطة من ت.
[3] في ت: «وبين قواد لعبد الله بن طاهر» .
[4] في ت: «حيالها» .
[5] «ليلة» ساقطة من ت.
[6] في ت، والطبري: «مسرور الخادم الكبير» .
[7] «طوله» ساقطة من ت.
[8] في ت: «حوله» .
[9] في ت: «فلم يعرف خبره» . انظر الخبر في: تاريخ الطبري 9/ 7، 8.(11/41)
[قدوم إسحاق بن إبراهيم من الجبل]
وفي هذه السنة: قدم إسحاق بْن إبراهيم من الجبل، فدخل بغداد [1] يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من جمَادى الأولى، ومعه الأسرى من الخرمية والمستأمنة، وَكَانَ قد قتل منهم في المحاربة مائة ألف [2] .
[توجيه المعتصم عجيف بن عنبسة لحرب الزّطّ]
وفيها: وجه المعتصم عجيف بْن عنبسة [فِي جمَادى الآخرة] [3] لحرب الزط الذين كانوا قد عاثوا فِي طريق البصرة، وقطعوا الطريق، واحتملوا [4] الغلات من البيادر بكسكر ومَا يليها من البصرة، وأخافوا السبيل، فرتب الخيل فِي كل سكة من سكك البرد 20/ أتركض بالأخبار [5] ، فكان الخبر يخرج من عند عجيف فيصير إِلَى المعتصم فِي يومه، وحصرهم عجيف من كل وجه/ وحاربهم وأسر منهم خمسمائة [6] ، وقتل في المعركة ثلاثمائة، وبعث بالرءوس إلى المعتصم، وأقام بإزاء الزّطّ خمسة عشر شهرا [7] يقاتلهم [8] منها تسعة أشهر، وَكَانَ فِي خمسة عشر ألفا، فظفر منهم بخلق كثير، وخرجوا إليه بالأمَان عَلَى دمَائهم وأموالهم فحملهم إلى بغداد [9] .
[كانت ظلمة شديدة بين الظهر والعصر وامتحان المعتصم أحمد بن حنبل]
وفي هذه السنة: كانت ظلمة شديدة [بين الظهر والعصر] [10] . وفي رمضان [من] [11] هَذِهِ السنة امتحن [12] المعتصم أحمد [بْن حنبل] [13] فضربه بين يديه بعد أن حبسه مدة، ووطن أحمد نفسه عَلَى القتل، فَقِيل لَهُ: إن عرضت عَلَى القتل تجيب قَالَ:
لا. ولقيه خالد الحداد فشجعه، وقال لَهُ: [14] إني ضربت فِي غير الله فصبرت [15] ، فاصبر أنت إن ضربت فِي الله عز وجل، وَكَانَ خالد يضرب المثل بصبره، فَقَالَ لَهُ المتوكل: مَا بلغ من جلدك؟ فَقَالَ: أملئ لي جراب [16] عقارب، ثم أدخل [17] يدي فيه، وإنه ليؤلمني [18] مَا يؤلمك، وأجد لآخر سوط من الألم مَا أجد لأول سوط، ولو وضعت في
__________
[1] «فدخل بغداد» ساقطة من ت.
[2] تاريخ الطبري 9/ 8.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «الطريق واحتملوا» ساقط من ت.
[5] في ت: «من سكك البريد بالأخبار» .
[6] في ت: «جماعة» .
[7] في الطبري: «يوما» .
[8] في ت: «فقاتلهم» .
[9] تاريخ الطبري 9/ 8، 9.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[12] في ت: «أخذ أبو إسحاق المعتصم» .
[13] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[14] في ت: «يقول: إني» .
[15] في ت: «فبصرت» .
[16] في ت: «حراب» .
[17] في ت: «ثم أدخلت» .
[18] في ت: «وإني والله ليؤلمني» .(11/42)
فمي [1] خرقة وأنا أضرب لاحترقت من حرارة مَا يخرج من جوفي، ولكني وطنت نفسي عَلَى الصبر، فَقَالَ لَهُ الفتح: ويحك مَعَ هَذَا اللسان والعقل، مَا يدعوك إِلَى مَا أنت فيه من [2] الباطل؟ قَالَ: أحبّ الرئاسة، فَقَالَ المتوكل: ونحن خليفة [3] ، فَقَالَ لَهُ رجل: يَا خالد، مَا أنتم لحوم ودمَاء فيؤلمكم الضرب؟ قَالَ: بلى، يؤلمنا ولكن معنا عزيمة صبر ليست معكم. وقال داود بْن علي: لمَا قدِم بخالد اشتهيت أن أراه، فمضيت إليه فوجدته جالسا غير ممكن لذهاب [لحم] [4] إليتيه من الضرب، وإذا حوله فتيان، فجعلوا يقولون ضرب فلان وفعل بفلان، فَقَالَ: لم تتحدثون [5] عن غيركم، افعلوا أنتم/ حَتَّى يتحدث 20/ ب عنكم.
قصة ضرب الإمَام أحمد رضي الله عنه
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي منصور قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسن بْن أحمد الفقيه، أنبأنا [6] عُبَيْدُ اللَّهِ بْن أحمد، أَخْبَرَنَا أبو بكر أحمد [7] بْن عُبَيْدِ اللَّهِ الكاتب، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَان القسري [8] قَالَ: حدثني داود بْن عرفة قَالَ: حَدَّثَنَا ميمون بْن الأصبع قَالَ: كنت ببغداد فسمعت ضجة، فقلت: مَا هَذَا؟ قالوا: أحمد بْن حنبل يمتحن، فدخلت [9] فلمَا ضرب سوطا، قَالَ: بسم الله، فَلَمَّا ضرب الثاني قَالَ:
لا حول ولا قوة إلا باللَّه، فلمَا ضرب الثالث قَالَ: القرآن كلام اللَّه غير مخلوق، فلمَا ضرب الرابع قَالَ: لن يصيبنا إلا مَا كتب الله لنا، فضرب تسعا وعشرين سوطا [وكانت تكة أحمد حاشية ثوب فانقطعت فنزل السراويل إِلَى عانته] [10] فرمى أحمد بطرفه إِلَى السمَاء، وحرك شفتيه، فمَا كَانَ بأسرع من أن بقي السراويل [كأن] [11] لم ينزل، فدخلت إِلَيْهِ بعد سبعة أيام، فقلت: يَا أبا عبد الله، رأيتك تحرك شفتيك، فأي شيء قلت؟ قال:
__________
[1] في ت: «في يدي» .
[2] «من» ساقطة من ت.
[3] في الأصل: «فقال المتوكل بحرحا بيده» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «فقال: لم أنتم تتحدثون» .
[6] في ت: «أخبرنا» .
[7] في ت: «محمد بن عبيد الله» .
[8] في ت: «الغسوي» .
[9] «فدخلت» ساقطة من ت.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(11/43)
قُلْتُ: اللَّهمّ إني أسألك باسمك الذي ملأت به العرش، إن كنت تعلم أني عَلَى الصواب فلا تهتك لي سترا.
وفي رواية أخرى: أنه ضرب ثمَانية عشر سوطا. وفي رواية: ثمَانين سوطا. ولمَا بالغوا فِي ضربه ولم يجب أظهروا أنه قد عفي عنه وترك.
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ [1] قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عبد الجبار قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ [2] اللَّه بْن عُمَر بْن شَاهِينَ قَالَ: حَدَّثَنَا أبي قَالَ: سمعت عثمَان [3] بْن عبد ربه يقول:
سمعت إبراهيم الحربي يقول: أحل [4] أَحْمَد بْن حنبل من حضر ضربه وكل من شايع فيه والمعتصم، وقال: لولا أن ابْن أبي دواد داعية لأحللته.
21/ أوحج بالناس في هذه السنة: صالح بْن العباس بْن مُحَمَّد/ [5] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1245- جعفر بْن [عيسى] [6] بْن عبد الله بْن الحسن بْن أبي الحسن البصري، ويعرف بالحسنى [7] .
ولي القضاء بالجانب الشرقي من بغداد فِي أيام المأمون والمعتصم، وحدث عن حماد بن زيد، وجعفر بن سليمان، وغيرهمَا [8] ، وقال أبو زرعة الرازي: ولي قضاء الري، وَهُوَ صدوق. وقال أَبُو حاتم الرازي: جهمي ضعيف.
أَخْبَرَنَا أبو منصور القزاز قَالَ: أخبرنا أبو بَكْر [أَحْمَد] [9] بْن عَلِي بْن ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا عَلي بْن الْحَسَن أَخْبَرَنَا طلحة بْن مُحَمَّد بْن جعفر [10] قَالَ: شخص المأمون عن مدينة السلام [11] فيمَا أخبرني بِهِ [12] محمد بْن جرير إجازة يعني إِلَى بلد الروم ومعه يحيى بن
__________
[1] في الأصل: «ابن باسم» .
[2] في ت: «عبد الله» .
[3] في ت: «عمر» .
[4] في ت: «حلل» .
[5] تاريخ الطبري 6/ 9.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 160- 162.
[8] في الأصل: «وغيرهم» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] في الأصل: «حنيف» .
[11] «عن مدينة السلام» ساقطة من ت.
[12] «به» ساقط من ت.(11/44)
أكثم يوم السبت لثلاث بقين من المحرم سنة خمس عشرة ومَائتين، فاستخلف يحيى بْن أكثم عَلَى الجانب الشرقي [1] جعفر بْن عيسى [2] البصري الحسني [3] ، ثم أشخص المأمون الحسني إليه، فاستخلف مكانه هارون بْن عبد الله الزهري، ثم عزل الزهري وأعاد الحسني [4] .
توفي الحسني وَهُوَ قاضي المعتصم [5] فِي رمضان هَذِهِ السنة، وأوصى أن يدفن فِي مقابر الأنصار، فدفن هنالك، وصلى عَلَيْهِ أبو علي ابْن هارون الرشيد.
1246- صالح بْن نصر بْن مَالك بْن الهيثم، أبو الفضل الخزاعي [6] .
وَهُوَ أخو أحمد بْن نصر الشهيد. سمع ابْن أبي ذئب، وشعبة، وشريك بْن عبد الله، وإسمَاعيل بْن عَيَّاش [7] ، روى عنه: خالد بْن خداش، والدوري، وأحمد بْن أبي خيثمة، وَكَانَ ثقة.
توفي ببغداد في هذه السنة.
1247- عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد بن المغيرة/ أبو محمد [8] .
21/ ب كَانَ ثقة فاضلا خيرا كثير [9] المَال، حدث بمصر. وتوفي بِهَا فِي ربيع الآخر من هَذِهِ السنة.
1248- علي بْن عبيدة، أبو الحسن الكاتب، المعروف بالريحاني [10] .
لَهُ أدب وفصاحة وبلاغة، وحسن عبارة [11] ، وله كتب فِي الحكم والأمثال، رأيت منها جملة، وكان له اختصاص بالمَأمون. وحكى أبو بكر الخطيب أنه كَانَ يرمى بالزندقة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا
__________
[1] في ت: «وجعل على الجانب الشرقي» .
[2] في ت: «جعفر بن يحيى» .
[3] في الأصل: «الحسين» .
[4] تاريخ بغداد 7/ 161.
[5] في ت: «قاضي للمعتصم» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 313.
[7] في الأصل: «بن عباس» .
[8] في ت: «أبو حمد» .
[9] في ت: «فاضلا كثير خير المال» .
[10] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 18.
[11] في ت وأديب فيه فصاحة وبلاغة وله حسن عبارة.(11/45)
الجوهري، أَخْبَرَنَا محمد بْن عمران بْن موسى [1] حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْن محمد بْن أبي سعيد، حدثنا أحمد بْن أبي طاهر، حَدَّثَنَا علي بْن عبيدة الريحاني قَالَ: التقى أخوان متوادان، فَقَالَ أَحَدهمَا لصاحبه: كيف ودك لي؟ قَالَ: حبك متوشح بفؤادي، وذكرك سمير سهادي، فَقَالَ الآخر: أمَا أنا فأحب أن [2] أوجز فِي وصفي، ما أحب أن يقع عَلَى سواك طرفي [3] .
1249- غسان بْن المفضل، أبو معاوية الغلابي البصري [4] .
سكن بغداد، وحدث بِهَا عن: سفيان بْن عيينة، روى عنه: ابنه المفضل، وَكَانَ ثقة من عقلاء النّاس، دخل عَلَى المأمون فاستعقله.
وتوفي في هذه السنة.
1250- الفضل بْن دكين، أبو نعيم. ودكين: لقب، واسمه عمرو بْن حمَاد بْن زهير [5] بْن درهم، مَوْلَى طلحة بْن عُبَيْد اللَّهِ التيمي [6] .
ولد سنة ثلاثين ومَائة، وأبو نعيم كوفي، كَانَ شريكا لعبد السلام [بْن حرب في دكان واحد يبيعان الملاء. وسمع أبو نعيم من الأعمش، ومسعر، وزكريا] [7] بْن أبي زائدة، وابن أبي ليلى، والثوري، ومَالك، وشعبة فِي آخرين.
وقال: كتبت عن نيف ومَائة شيخ ممن [8] كتب عنه سفيان، وسمع منه ابْن المبارك، وروى عنه أَحْمَد بْن حنبل [9] ، والبخاري، وأبو زرعة، وغيرهم، وكان ثقة.
22/ أوامتحن بالكوفة أيام/ المحنة، فأحضره واليها وسأله عن القرآن، فقال: أدركت الكوفة
__________
[1] «بن موسى» ساقط من ت.
[2] «فأحب أن» ساقطة من ت.
[3] تاريخ بغداد 12/ 18.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 328، 329.
[5] في الأصل: «بن نصير» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 346- 357.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «فمن» .
[9] «بن حنبل» ساقط من الأصل.(11/46)
وبها أكثر من سبعمَائة شيخ [الأعمش] [1] فمن دونه يقولون القرآن كلام الله، وعنقي أهون عندي من زري هَذَا [2] .
وقال أبو بكر بْن أبي شيبة: لقيت أبا نعيم أيام المحنة بالكوفة فَقَالَ: لقيت ثلاثمَائة شيخ كلهم يقولون القرآن كلام الله ليس بمخلوق [3] .
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بْن علي أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ قَالَ: سمعت أحمد بْن يعقوب يقول: سمعت عبد الله بْن الصلت يقول: كنت عند أبي نُعَيم، فجاءه ابنه يبكي [4] ، فَقَالَ لَهُ: مَالك، فَقَالَ: الناس يقولون إنك [5] متشيع، فأنشأ يقول:
ومَا زال كتمَانيك حَتَّى كأنني ... يرجع [جواب] السائلي عنك أعجم
لأسلم من قول الوشاة وتسلمي ... سلمت وهل حي عَلَى الناس يسلم [6]
قَالَ المصنف: وفي رواية أخرى أنه سئل: أتتشيع؟ فَقَالَ: سمعت الحسن بْن صالح يقول: سمعت جَعْفَر بْن محمد يقول: حب علي عبادة، وأفضل العبادة مَا كتم.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بْن ثابت قَالَ: قرأت عَلَى علي بْن أبي علي الْبَصْرِيّ، عن علي بْن الحسن الجراحي قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بْن محمد بْن الجراح قَالَ: سمعت أحمد بْن منصور يقول: خرجت مَعَ أحمد بْن حنبل ويحيى بْن معين إِلَى عبد الرزاق خادمَا لهمَا، فلمَا عدنا إِلَى الكوفة قَالَ يحيى بْن معين لأحمد بْن حنبل: أريد أختبر أبا نعيم، فَقَالَ لَهُ أحمد [7] : لا تزد، الرجل ثقة. فَقَالَ يحيى بْن معين:
لا بد لي. فأخذ ورقة وكتب فيها ثلاثين حديثا من حديث أبي نعيم وجعل على رأس كل
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] يقارن هذا بما في تاريخ بغداد 12/ 349.
[3] تاريخ بغداد 12/ 349.
[4] «يبكي» ساقطة من ت.
[5] «إنك» ساقطة من ت.
[6] تاريخ بغداد 12/ 351.
[7] «أريد أختبر أبا نعيم، فَقَالَ لَهُ أحمد» ساقط من ت.(11/47)
22/ ب عشرة منها [1] حديثا ليس من حديثه، ثم جاءا إِلَى/ أبي نعيم فدقا [2] عَلَيْهِ الباب، فخرج فجلس على دكان طين حذاء بابه، فأخذ أحمد بْن حنبل فأجلسه عن يمينه، وأخذ يحيى بْن معين فأجلسه عن يساره، ثم جلست أسفل الدكان، فأخرج يحيى بْن معين الطبق، فقرأ عَلَيْهِ عشرة أحاديث، وأَبُو نعيم ساكت، ثم قرأ الحديث [3] الحادي عشر، فَقَالَ لَهُ [4] أبو نعيم: ليس من حديثي فاضرب عَلَيْهِ، ثم قرأ العشر الثاني وأبو نعيم ساكت فقرأ الحديث الثاني، فَقَالَ أبو نعيم: ليس من حديثي فاضرب عَلَيْهِ ثم قرأ العشر الثالث، وقرأ الحديث الثالث [5] فتغير أبو نعيم وانقلبت عيناه وأقبل عَلَى يحيى بْن معين فَقَالَ لَهُ [6] : أمَا هَذَا- وذراع أحمد فِي يده- فأورع من أن يعمل هَذَا، وأمَا هَذَا- يريدني- فأقل من أن يفعل مثل [7] هَذَا، ولكن هَذَا من فعلك يَا فاعل، ثم أخرج رجله فرفس يحيى بْن معين، فرمى به من الدكان وقام فدخل داره، فَقَالَ أحمد ليحيى: ألم أمنعك من الرجل وأقل [8] لك إنه ثبت؟! فَقَالَ: والله لرفسته لي [9] أحب إلي من سفري [10] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر [أحمد] [11] بْن ثابت، أَخْبَرَنَا عبد الباقي بن عبد الكريم المؤدب، أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عمر الخلال، حَدَّثَنَا محمد بْن أحمد بْن يعقوب [12] ، حَدَّثَنَا جدي، قَالَ: حَدَّثَنَا بعض أصحابنا: أن أبا نعيم
__________
[1] في ت: «عنها» .
[2] في ت: «فدقوا» وفي الأصل: «فطرقوا» .
[3] «الحديث» ساقط من ت.
[4] «له» ساقط من ت.
[5] «وقرأ الحديث الثالث» ساقط من ت.
[6] «له» ساقط من ت.
[7] «مثل» ساقط من ت.
[8] في الأصل: «أقول» .
[9] «لي» ساقطة من ت.
[10] تاريخ بغداد 12/ 353، 354.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[12] في ت: «أحمد بن محمد بن يعقوب» .(11/48)
خرج عليهم فِي شهر [1] ربيع الأول من سنة سبع عشرة ومَائتين، يومَا بالكوفة، فجاء ابن لمحاضر بْن المورع [2] ، فَقَالَ لَهُ أبو نعيم [3] : إني رأيت أباك البارحة [فِي النوم] [4] فكأنه أعطاني درهمين ونصفا، فما تؤولون هَذَا؟ فقلنا: خيرا [رأيت] [5] فَقَالَ: أمَا أنا فقد أولتهمَا أني أعيش يومين [6] ونصفا، أو شهرين ونصفا، أو سنتين ونصفا، ثم ألحق [بأبيك] [7] .
فتوفي بالكوفة ليلة الثلاثاء لانسلاخ [8] شعبان سنة تسع عشرة/ ومائتين [9] . 23/ أقالوا [10] : وذلك بعد هَذِهِ الرؤيا بثلاثين شهرا تامة، وقيل: توفي سنة ثمَان عشرة.
1251- محمد بْن عبد الله بْن محمد بْن عبد الملك، أبو عبد الله الرقاشي [11] .
سمع مَالك بْن أنس، وحمَاد بْن زيد في آخرين، وروى عنه: البرجلاني، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وأبو حاتم الرازي، وكان متقنا ثقة، وكان يصلي في اليوم والليلة أربعمائة ركعة.
__________
[1] «شهر» ساقطة من ت.
[2] في ت: «المحاضر بن الموزع» . وفي الأصل: «محاضر بن المورع» .
[3] «أبو نعيم» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «يوما» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وتاريخ بغداد انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 356.
[8] في الأصل: «لافتتاح» .
[9] تاريخ بغداد 12/ 356.
[10] في الأصل: «قال» .
[11] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 413- 414.(11/49)
ثم دخلت سنة عشرين ومائتين
[مضى المعتصم إلى سرمن رأى فابتنى بها]
فمن الحوادث فيها:
أن المعتصم مضى إِلَى سرمن رأى، فابتنى بِهَا، وَكَانَ سبب ذلك كثرة عسكره، وضيق بغداد عنه، وتأذي الناس به.
[دخول عجيف بالزّط بغداد]
ومن الحوادث: دخول عجيف بالزط بغداد، وقهره إياهم، حَتَّى طلبوا منه الأمَان، فآمنهم، فخرجوا إليه [1] فِي ذي الحجة سنة تسع عشرة عَلَى أنهم آمنون عَلَى دمَائهم وأموالهم، وكانت [2] عدّتهم سبعة وعشرين ألفا، المقاتلة منهم اثنا عشر ألف رجل، فجعلهم عجيف في السفن، وأقبل بهم حَتَّى نزل الزعفرانية [3] ، فأعطى أصحابه دينارين دينارين، وأقام بها يوما، ثم عبّأهم فِي زواريقهم عَلَى هيئتهم فِي الحرب، معهم البوقات، حَتَّى دخل بهم بغداد يوم عاشوراء سنة عشرين، والمعتصم بالشمَاسية فِي سفينة، فمر به الزط عَلَى تعبئتهم ينفخون بالبوقات، فكان أولهم بالقفص [4] ، وآخرهم بحذاء [5] الشمَاسية، فأقاموا فِي سفنهم [6] ثلاثة أيام، ثم عبر بهم إِلَى الجانب الشرقي، فدفعوا إِلَى بشر بْن السميدع، فذهب بهم إِلَى [7] خانقين، ثم نقلوا من [8] الثغر إلى
__________
[1] في ت: «فخرجوا عليه» .
[2] في الأصل: «وكان» .
[3] في الأصل: «الزغوانية» .
[4] في ت: «بالقصر» .
[5] «بحذاء» ساقطة من ت.
[6] في ت: «في موضعهم» .
[7] في ت: «فحملهم إلى» .
[8] في ت: «ثم إلى الثغر» .(11/50)
عين زربة، فأغارت عليهم الروم بعد مدة/ فاجتاحوهم [1] ، فلم يفلت منهم أحد [2] . 23/ ب
[عقد المعتصم للأفشين على الجبال]
وفي هذه السنة: عقد المعتصم للأفشين عَلَى الجبال، وحرب بابك، وذلك يوم الخميس لليلتين خلتا من جمَادى الآخرة، فعسكر ببغداد، ثم صار إِلَى برزند.
ذكر خبر بابك
روى عن رجل من الصعاليك يقال لَهُ مطران [3] ، قَالَ: بابك ابني فقيل لَهُ: كيف؟ قَالَ: كانت أمه تخدمني وتغسل ثيابي، فوقعت يومَا عَلَيْهَا، ثم غبنا عنها [4] ، ثم قدمنا، فإذا هي تطلبني، فقالت: حين ملأت بطني تركتني فقلت لها: والله لئن ذكرتيني [5] لأقتلنك. فسكتت، فهو والله ابني [6] .
وذكر بعض المؤرخين أن أم بابك كانت عجوزا [7] فقيرة [فِي قرية] [8] من قرى الأدعان [9] فشغف بها رجل من النبط [10] فِي السواد [11] يقال لَهُ عبد الله [بْن محمد بْن منبه] [12] فحملت منه، وقتل الرجل، وبابك [13] حمل، فوضعته وجعلت تكتسب له، إلى
__________
[1] في ت: «فاحتاجهم» .
[2] في ت: «أحد منهم» . انظر الخبر في تاريخ الطبري 9/ 10.
[3] في ت: «مطرانة» .
[4] في ت: «غبنا غيبة» .
[5] «لها: والله لئن ذكرتيني» ساقطة من ت.
[6] جاء هنا في الأصل فقرة ليس هذا مكانها، وقد ذكرناها في مكانها الصحيح وكما وردت في النسخة ت.
وسنشير إليها في موضعها.
[7] في الأصل: «عوزا» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «أذربيجان» .
[10] في ت: «نبط» .
[11] في ت: «في سود» .
[12] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[13] في ت: «وأمه حمل» .(11/51)
أن بلغ، وصار أجيرا لأهل قريته [1] عَلَى سرحهم بطعامه وكسوته، وَكَانَ فِي تلك الجبال من الخرّمية قوم [2] وعليهم رئيسان يتكافحان، يقال لأحدهمَا جاوندان والآخر عمران، فمر جاوندان بقرية بابك، فتفرس فيه الجلادة، فاستأجره من أمه، وحمله إلى ناحيته 24/ أفمالت إليه امرأته وعشقته، فأفشت إليه أسرار زوجها/، وأطلعته على دفائنه، فلم يلبث إلا قليلا حتى وقعت بين جاوندان وعمران حرب [3] ، فأصابت جاوندان جراحة فمَات منها [4] ، فزعمت امرأة جاوندان أنه قد استخلف بابك عَلَى أمره، فصدقوها، فجمع بابك أصحابه وأمرهم أن يقوموا بالليل، وأن يقتلوا من لقوا من [5] رجل أو صبي، فأصبح الناس قتلى، لا يدرون من قتلهم [6] ، ثم انضوى إليه الذّعار وقطاع الطريق وأرباب الزيغ، حَتَّى اجتمع إليه جمع كثير [7] ، واحتوى على مدن وقرى، وقتل، ومثل، وحرق، وانهمك فِي الفساد، وَكَانَ يستبيح المحظورات، وَكَانَ من رؤساء الباطنية.
(وَكَانَ ظهور بابك فِي سنة إحدى ومَائتين، بناحية أذربيجان [8] ، وهزم من جيوش السلطان وقواده خلقا كثيرا، وبقي عشرين سنة عَلَى ذلك [9] ، فقتل مَائتي ألف وخمسة وخمسين ألف وخمسمَائة إنسان. وَكَانَ إذا علم عند أحد بنتا جميلة، أو أختا طلبها منه، فإن بعثها إليه وإلا بيته وأخذها، فاستنقذ من يده لمَا أخذه [10] المسلمون سبعة آلاف وستمائة إنسان) [11] .
__________
[1] في ت: «لأهل قرية» .
[2] «قوم» ساقطة من ت.
[3] في ت: «وقعة» .
[4] «فمات منها» ساقطة من ت.
[5] «من» ساقطة من ت.
[6] «لا يدرون من قتلهم» ساقطة من ت.
[7] في ت: «حتى جمع عشرين ألف فارس» .
[8] «أذربيجان» ساقطة من ت.
[9] «على ذلك» ساقطة من ت.
[10] في ت: «وكان جملة ما أخذه لما أخذه ... » .
[11] هذه الفقرة جاءت في الأصل متقدمة عن هذا المكان، وقد ذكرنا هذا في موضعه.
انظر الخبر في تاريخ الطبري 9/ 11، 12.(11/52)
ولمَا ولي المعتصم، بعث إليه أبا سعيد محمد بْن يوسف إِلَى أردبيل، وأمره أن يبني الحصون التي خرّبها بابك فيها بين زنجان وأردبيل، ويجعل فيها الرجال مسالح لحفظ الطريق لمن يجلب الميرة إِلَى أردبيل، فتوجه [1] أبو سعيد لذلك، وبنى الحصون، فوجه بابك سريّة [2] لَهُ فِي بعض غاراته، وجعل أميرهم رجلا يقال لَهُ:
معاوية، فخرج فأغار عَلَى بعض النواحي ورجع منصرفا، فبلغ ذلك أبا سعيد محمد بْن يوسف، فجمع الناس، وخرج إليه، فعرض له في بعض الطريق، فواقعه [3] ، فقتل من أصحابه جمَاعة، وأسر منهم جمَاعة، واستنقذ مَا كَانَ حواه، فهذه أول هزيمة كانت عَلَى أصحاب بابك، وبعث أبو سعيد الأسرى والرءوس [4] إِلَى المعتصم [5] .
ثم كانت أخرى لمحمد بْن البعيث، وَكَانَ فِي قلعة حصينة، وَكَانَ مصالحا لبابك إذا توجهت سراياه نزلت به، فأضافهم، فوجه بابك رجلا يقال لَهُ: عصمة فِي سرية، فنزل بابن البعيث، فأقام لَهُ الضيافة عَلَى العادة، وبعث إلى عصمة/ أن يصعد إليه في 24/ ب خاصته ووجوه أصحابه، فصعد فغداهم وسقاهم حَتَّى أسكرهم، ثم وثب عَلَى عصمة فاستوثق منه، وقتل من كَانَ معه من أصحابه، وأمره أن يسمي رجلا رجلا [6] من أصحابه باسمه، فكان يدعى [7] الرجل باسمه [8] فيصعد، فيضرب عنقه، حَتَّى علم الباقون فهربوا، ووجه بعصمة إِلَى المعتصم، فلم يزل محبوسا إلى أيام الواثق [9] .
فندب المعتصم الأفشين للقاء بابك، وعقد لَهُ عَلَى الجبال كلها، ووصف [10] لَهُ كل يوم يركب فيه عشرة آلاف درهم صلة [11] ، ويومَا لا يركب خمسة آلاف درهم، سوى الأرزاق والأنزال والمعاون ومَا يتصل إليه من أعمَال الجبال، وأجازه عند خروجه بألف ألف درهم فقاومه الأفشين سنة، وانهزم من بين يديه غير مرة، ولمَا وصل [12] الأفشين إِلَى برزند عسكر بِهَا، ورمّ الحصون مَا بين برزند، وأردبيل، وأنزل محمد بْن يوسف بموضع
__________
[1] في ت: «فوجه» .
[2] في ت: «وبعث سرية له» .
[3] في ت: «فعامله» .
[4] «الرءوس» ساقطة من ت.
[5] تاريخ الطبري 9/ 11، 12.
[6] «رجلا» ساقطة من ت.
[7] في ت: «يدعو» .
[8] «باسمه» ساقطة من ت.
[9] تاريخ الطبري 9/ 12.
[10] في ت: «وأطلق» .
[11] «صلة» ساقطة من ت.
[12] في ت: «ولما صار» .(11/53)
يُقَالُ لَهُ خش، واحتفر حوله خندقا، وَكَانَ إذا وقع بجاسوس لبابك [1] أضعف لَهُ مَا يعطيه بابك، وَيَقُولُ لَهُ: كن جاسوسا لنا [2] .
فوجه المعتصم مَعَ بغا الكبير بمَال إِلَى الأفشين لجنده وللنفقات، فبلغ الخبر إِلَى بابك، فتهيأ ليقطع الطريق عَلَيْهِ ويأخذ المَال، فعرف الأفشين، فكتب إِلَى بغا [3] بأن يقيم بأردبيل حتى يأتيه رأيه، وركب الأفشين فِي سر، فجاء وبابك قاعد عَلَى غفلة، وأصحابه قد تفرقوا، فاشتبكت الحرب، فلم يفلت من رجال بابك أحد، وأفلت هُوَ فِي نفر يسير إِلَى موقان، ورجع الأفشين إِلَى معسكره ببرزند، ثم بعث إِلَى البذ فجاءه في 25/ أالليل عسكر فيه/ رجّالة، فرحل بهم من موقان حَتَّى دخل البذ، وهي مدينة بابك [4] .
[خروج المعتصم إلى القاطول]
وفي هذه السنة: خرج المعتصم إِلَى القاطول، وذلك فِي ذي القعدة، واستخلف الواثق [ابنه ببغداد] [5] وَكَانَ السبب فِي ذلك [6] : خوفه من جنوده [7] ، وَكَانَ قد قَالَ لأحمد بْن أبي خالد: يا أحمد [8] ، اشتر لي بناحية سامراء موضعا أبني فيه مدينة، فإني أتخوف أن يصيح هؤلاء الحربية صيحة فيقتلوا غلمَاني، حَتَّى أكون فوقهم، فإن رابني منهم ريب أتيتهم فِي البر والبحر، حَتَّى آتي عليهم، وقال لي: خذ مَائة ألف دينار. فَقَالَ آخذ خمسة آلاف دينار، فكلمَا احتجت إِلَى زيادة بعثت فاستزدت. قَالَ: نعم. قَالَ:
[فأتيت الموضع] [9] فاشتريت سامراء بخمسمَائة درهم من النصارى أصحاب الدير، واشتريت موضع البستان الخاقاني بخمسة آلاف درهم، واشتريت عدة مواضع، حَتَّى أحكمت مَا أردت، ثم انحدرت فأتيته بالصكاك، فعزم عَلَى الخروج إليها فِي سنة عشرين، فخرج حَتَّى إذا قاربها وقارب القاطول، ضربت [لَهُ] [10] فيه القباب والمضارب، وضرب الناس الأخبية، ثم لم يزل يتقدم [وتضرب] لَهُ القباب حَتَّى [11] وضع البناء بسامراء فِي سنة إحدى وعشرين.
__________
[1] في الأصل: «بجاسوس بابك» .
[2] تاريخ الطبري 9/ 12، 13.
[3] في الأصل: «إلى بابك» .
[4] تاريخ الطبري 9/ 14- 17.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] «في ذلك» ساقطة من ت.
[7] في ت: «من جنده» .
[8] «أحمد» ساقطة من ت.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في ت: «ولم يزل كذلك حتى وضع ... » وما بين المعقوفتين زيادة من الطبري.(11/54)
وسأل المعتصم مسرورا الخادم: أين كَانَ الرشيد يتنزه إذا ضجر [1] من المقام؟
فَقَالَ: بالقاطول، قَدْ كَانَ بنى هناك مدينة آثارها وسورها قائم، وقد كَانَ خاف من الجند أيضا، فلمَا وثب أهل الشام بالشام [2] وعصوا خرج الرشيد إِلَى الرقة، فأقام بِهَا، وبقيت مدينة القاطول لم تستتم [3] .
وَكَانَ بالبصرة في هذه السنة طاعون، مَات فيه خلق كثير، وَكَانَ لرجل سبع بنين فمَاتوا فِي يَوْمٍ واحد فعزي، فقال: سلم سلم/. 25/ ب
[غضب المعتصم عَلَى وزيره الفضل بْن مروان]
وفي هذه السنة: غضب المعتصم عَلَى وزيره الفضل بْن مروان، وأخذ منه مَا قيمته عشرة آلاف ألف دينار، وَكَانَ الفضل فِي أول أمره متصلا برجل من العمَال يكتب لَهُ، وَكَانَ حسن الخط، ثم صار مَعَ كاتب للمعتصم يقال لَهُ يحيى الجرمقاني [4] ، فلمَا مَات الجرمقاني صار الفضل فِي موضعه، ثم ترقى إِلَى الوزارة، وصارت الدواوين كلها تحت يده، وحل من المعتصم محلا زائدا في الحد، فحملته الدالة عَلَى أن كَانَ المعتصم يأمره بإعطاء المغني والملهي فلا ينفذ ذلك، فثقل [5] عَلَى المعتصم، إِلَى أن أمر لرجل بشيء فلم يعطه الفضل، فلمَا كَانَ بعد مدة قال الرجل بالمداعبة للمعتصم:
ما لك من الخلافة إلا الاسم، وإنمَا الخليفة الفضل. قال: ولم [6] ؟ قال: لأن أمرك لا ينفذ [تأمره بإعطاء المغني والملهي فلا ينفذ ذلك، و] [7] أمرت لي بكذا منذ مدة فمَا أعطيت. فتغير المعتصم للفضل، فصير أحمد بْن عمَار الخراساني زمَامَا عَلَيْهِ فِي نفقات الخاصة، ونصر بْن منصور بْن بسام زمَامَا عَلَيْهِ فِي الخراج وجميع الأعمال، وكان محمد بن عبد الملك الزيات يتولى عمل الفساطيط وآلة الجمَازات وَكَانَ يلبس الدراعة السوداء، فَقَالَ لَهُ الفضل: إنما أنت تاجر فما لك والسواد [8] .
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي طاهر قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بْن المحسن، عن أبيه قَالَ: حدثني أبو الحسن أحمد [9] بْن يوسف، عن [10] الأزرق قَالَ: حدثني غير واحد من مشايخ الكتّاب:
__________
[1] في الأصل: «إذا أضحى» .
[2] «بالشام» ساقطة من ت.
[3] تاريخ الطبري 9/ 17.
[4] في الأصل: «الجرمغاني» .
[5] «فثقل» ساقطة من ت.
[6] «ولم» ساقطة من ت.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] تاريخ الطبري 9/ 19، 20.
[9] في ت: «أبو الحسن علي» .
[10] «عن» ساقطة من ت.(11/55)
أن المعتصم قَالَ: أريد صرف عُبَيْد اللَّهِ بْن سليمَان عن الوزارة منذ دهر، فإذا فكرت فِي أني أصرفه ضاع من ارتفاعي فيمَا بين صرفه وولاية وزير آخر خمسمَائة ألف دينار/ 26/ أفلم [1] أصرفه، قَالَ المحسن: هَذَا وإنمَا كَانَ فِي يد المعتصم قطعة من الدنيا بل قطعة يسيرة، عمَا كَانَ فِي يد [2] غيره من الخلفاء.
ويحقق هَذَا الرأي مَا بلغنا فِي أيام المعتصم أنه أنكر عَلَى الفضل بْن مروان شيئا وهو يتقلد ديوان الخراج، فأنفذ إليه محمد بْن عبد الملك الزيات برسالة قبيحة، وكانت بَيْنَهُمَا عداوة، فجاء محمد حَتَّى وقف عَلَى باب الديوان [راكبا لم ينزل] [3] وقال: قولوا لَهُ معي رسالة من أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فليخرج [إلي] [4] حَتَّى أؤديها إليه فجاء الغلمَان فعرفوه وَهُوَ جالس يعمل، وفي حجره منديل ودواته مفتوحة، والعمَال بين يديه والكتاب، فترك ذلك وخرج وقال لمحمد: قل. قَالَ: وتبعه [5] الناس [فِي خروجه] [6] ، فَقَالَ لَهُ محمد بين أيديهم وَهُوَ راكب ولم ينزل: إن [7] أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يقول لك كيت وكيت، وانصرف ودخل الفضل ولم يبن [8] عَلَيْهِ تغير ولا اضطراب، وعاد فعمل، وركب فِي الليل إِلَى الخليفة فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، ديوان الخراج سلة خبزك، ومعاملي فيه مَعَ من يطمع فيك، وفي مَالك، وباليسير تنخرق الهيبة، وقد جرى اليوم مَا أذهب منك [فيه] [9] خمس مَائة ألف دينار، قَالَ: ومَا هُوَ؟ قَالَ: جاء محمد بْن عبد الملك إِلَى باب الديوان وبحضرتي العمَال الذين عليهم الأموال، وخلفاء العمَال الذين فِي النواحي، وأنا أطالبهم، فلم ينزل إلي، وأخرجني إليه، وأدى إليّ الرسالة ظاهرا وهم يسمعون/ 26/ ب فعدت وقد تقاعدني من كَانَ يريد الأداء، وكتب إِلَى العمَال بذلك، فتوقفوا [10] عن حمل مَا يريدون حمله، ووقع الإرجاف بصرفي، فوقف علي [11] من الارتفاع خمس مَائة ألف دينار، وهي الآن كالتالف. فقال: ولم أدّى الرسالة ظاهرا [12] وما أمرته بذلك؟
__________
[1] في ت: «فما أصرفه» .
[2] في ت: «في أيدي» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «ومعه» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «وهو راكب ولم ينزل ان» ساقط من ت.
[8] في ت: «فلم يبق» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] في ت: «فوقفوا» .
[11] «علي» ساقطة من ت.
[12] في ت: «طاهرا» .(11/56)
فَقَالَ: لمَا بيننا من العداوة. فَقَالَ لَهُ المعتصم: امض لشأنك، فقد زال مَا [كَانَ] [1] في نفسي عليك وسأبلغك فيه مَا تحب.
قَالَ المصنف: ثم إن المعتصم خرج إِلَى القاطول، فغضب عَلَى الفضل وأهل بيته وأمرهم برفع ما جرى عَلَى أيديهم، وأخذ الفضل يعمل حسابه ثم حبسه وحبس أصحابه، ثم نفاه إِلَى قرية في طريق الموصل يقال لها السن، وصير مكانه محمد بْن عبد الملك الزيات، فصار محمد وزيرا [2] ، وجرى عَلَى يديه عامة مَا بنى المعتصم بسامراء، ولم يزل فِي مرتبته، إِلَى أن استخلف المتوكل [3] .
وحج بالناس في هذه السنة: صالح بْن العباس بْن مُحَمَّد [4] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1252- آدم بْن أبي إياس، [واسم] [5] أبي إياس: ناهية [6] .
وقال البخاري: هُوَ: آدم بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد يكنى أبا الحسن.
مولى، أصله من خراسان، ونشأ ببغداد، ودخل إِلَى البلاد، وسمع من شعبة والليث، وخلق كثير، وكان من العلمَاء الثقات الصالحين، واستوطن عسقلان.
وتوفي بِهَا في هذه السنة.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي/ بن ثابت، أخبرنا 27/ أأحمد بْن عبد الواحد [7] حَدَّثَنَا إسمَاعيل بْن سعيد بْن المعدل، حَدَّثَنَا الحسين بْن القاسم الكوكبي قَالَ [8] : حدثني أَبُو علي المقدمي قَالَ: لمَا حضرت آدم بْن [أبي] [9] إياس الوفاة ختم القرآن وَهُوَ مسجى، ثم قَالَ: بحبي لك إلا رفقت بي في هذا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «وزيره» .
[3] تاريخ الطبري 9/ 20.
[4] تاريخ الطبري 9/ 22.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 27.
[7] في الأصل: «أحمد بن عبد الوهاب» .
[8] «قال» ساقطة من ت.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(11/57)
المصرع، كنت أؤملك لهذا اليوم، كنت أرجوك لهذا، ثم قَالَ [1] : لا إله إلا الله، ثم قضى [2] .
1253- خلف بْن أيوب، أبو سعيد العامري البلخي [3] .
فقيه أهل بلخ وزاهدهم، أخذ الفقه عن أبي يوسف، وابن أبي ليلى. والزهد عن إبراهيم بْن أدهم [4] .
وسمع الحديث من عوف بْن أبي جميلة، وإسرائيل، ومعمر، وغيرهم، روى عنه: أحمد، ويحيى، وأبو كُرَيْب.
أنبأنا زاهر بْن طاهر، أنبأنا أحمد بْن الحسين البيهقي، أنبأنا [5] أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم قَالَ: سمعت أبا بكر مُحَمَّد بْن عبد العزيز المذكر يقول:
سمعت أبا عمرو محمد بْن علي الكندي [6] يقول: سمعت مشايخنا يذكرون أن السبب [فِي] [7] إثبات ملك آل ساسان أن أسد بْن نوح خرج إِلَى المعتصم، وَكَانَ أسد حسن المنظر شجاعا عالمَا فصيحا عاقلا فتعجبوا من حسنه وجمَاله وفصاحته [8] . فَقَالَ لَهُ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ: هل فِي بيتك أشجع منك؟ قَالَ: لا. قَالَ: فهل فِي بيتك أعقل منك؟ قال:
27/ ب لا. فلم يعجب الخليفة ذلك منه، فدخل عَلَيْهِ بعد ذلك فسأله مثل تِلْكَ المسألة، فأجابه/ بمثل ذلك الجواب، فلم يعجبه، ثم إنه كرر عليه السؤال فأجابه بمثله، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، هلا قلت ولم ذاك؟ قَالَ: ويحك، ولم ذلك [9] ؟ قَالَ: لأنه ليس فِي أَهْل بيتي أحد وطئ بساط الخليفة وشاهد طلعته، وقابله بالمسألة التي قابلني بِهَا ورضي خلقه وخلقه غيري، فأنا أفضلهم إذا [10] فاستحسن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ذلك منه فتمكن موقعه لديه، ثُمّ إنه خيره بين أعمَال كور خراسان فاختار منها ولاية بلخ ونواحيها، فلمَا ورد بلخ بعهد أَمِير الْمُؤْمِنِينَ كَانَ يتولى الخطبة بنفسه، ثم إنه سأل عن علمَاء بلخ هل فيهم من لم يقصده. قالوا: نعم، خلف بْن أيوب أعلم أهل الناحية وأزهدهم وأورعهم وهو يتجنب
__________
[1] «لهذا ثم قال» ساقطة من ت.
[2] تاريخ بغداد 7/ 29.
[3] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 225.
[4] في الأصل: «والزهري إبراهيم بن الغنم» .
[5] في ت: «أخبرنا» .
[6] في ت: «السكندي» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «وشجاعته» .
[9] في ت: «ذاك» .
[10] في ت: «إذن» .(11/58)
السّلطان، ولا سبيل إليه فِي اختلافه إِلَى السلاطين [1] ، فاشتهى أسد بْن نوح لقاءه، فوكل بعض أصحاب الأخبار بخلف بْن أيوب وقال: إذا كَانَ يوم الجمعة فراقب [2] خلفا، فإذا [3] خرج من بيته، فبادر إلي وعرفني، فذهب صاحب الخبر فراقب خلف بْن أيوب حَتَّى خرج من بيته يقصد الجمعة، فبادر وأخبره، [فركب] [4] فلمَا استقبله نزل عن دابته وقصد خلفا فلمَا رآه خلف قد قصده قعد مكانه، وغطى وجهه بردائه، فَقَالَ:
السلام عليكم. فأجابه جوابا مشفيا، فسلم المرة الثانية، فأجاب ولم يرفع رأسه، فرفع أسد بْن نوح رأسه إِلَى السمَاء، ثم قَالَ: اللَّهمّ إن هذا العبد الصالح يبغضنا/ فيك، 28/ أونحن نحبه فيك، ثم ركب ومر، فأخبر بعد ذلك أن خلف بْن أيوب مرض فذهب إليه يعوده، فَقَالَ [لَهُ:] [5] هل لك من حاجة؟ قال: نعم. قال: وما هي؟ قال [6] : حاجتي أن لا تعود إليّ وإذا مرضت. قَالَ [7] : وهل غير ذلك؟ قَالَ: إن مت فلا تصلي علي وعليك السواد، قَالَ: فلمَا توفي خلف شهد [أسد] [8] بْن نوح جنازته راجلا، فلمَا بلغ المصلى نزع السواد وتقدم فصلى عَلَيْهِ، فسمع صوتا بالليل: بتواضعك وإجلالك لخلف بْن أيوب ثبتت الدولة فِي عقبك، ولا تنقطع أبدا.
وفي رواية أخرى: أن أسدا رأى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي المنام كأنه يقول لَهُ: يَا أسد بْن نوح، ثبت ملكك وملك بيتك بإجلالك لخلف بْن أيوب.
1254- سليمَان بْن داود بْن داود بْن علي بْن عبد الله بْن العباس، أبو [9] أيوب الهاشمي [10] .
كَانَ داود بْن علي قد مَات وابنه حمل، فلمَا ولد سمّوه باسمه داود، وسمع سليمان
__________
[1] في ت بعد هذا: «بردائه فَقَالَ السلام عليكم فأجابه جوابا مشفيا فسلم المرة الثانية فأجاب ولم يرفع رأسه فرفع..» وهذه العبارة مقدمة في نسخة الأصل كما سيأتي.
[2] في ت: «فرأيت» .
[3] «فإذا» ساقط من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] «قال: وما هي؟ قال:» ساقطة من ت.
[7] «وإذا مرضت. قال» ساقطة من ت.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] «أبو» ساقطة من ت.
[10] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 31، 32.(11/59)
عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أبي الزياد، وإبراهيم بْن سعد، وسفيان بْن عيينة، وغيرهم. وروى عنه: أحمد بْن حنبل، وإبراهيم الحربي، وَكَانَ ثقة.
قَالَ الشافعي: مَا رأيت [1] أعقل من رجلين: أحمد بْن حنبل، وسليمَان بْن داود الهاشمي.
وقال أحمد بْن حنبل: لو قيل لي اختر للأمة رجلا استخلفه عليهم استخلفت سليمَان بْن دَاوُد الهاشمي [2] .
توفي سليمَان في هذه السنة. وقيل: فِي سنة تسع عشرة.
1255- عفان بْن مسلم أبو عثمَان الصفار، [البصري] [3] ، مولى عزرة [4] بْن ثابت الأنصاري [5] .
ولد سنة أربع وثلاثين ومَائة، وحدث عن شعبة، والحمَادين، وخلق كثير. روى 28/ ب عنه: أحمد، ويحيى، / وابن المديني، وغيرهم، وَكَانَ إمَامَا ثقة، صاحب سنة وورع، ضمن له عشرة آلاف دينار على أن يقف عن تعديل رجل [6] ، ولا يقول عدل ولا غير عدل، فأبى وقال: لا أبطل حقا من الحقوق. وابتلي فِي المحنة فلم يجب.
أَخْبَرَنَا [عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ] [7] الْقَزَّازِ قَالَ: أَخْبَرَنَا [أَحْمَدُ بْن عَلِيِّ بْن ثَابِتٍ] [8] الْخَطِيبُ قَالَ: أخبرنا أَبُو منصور مُحَمَّد بْن عيسى بْن عبد العزيز، حَدَّثَنَا أبو الفضل صالح بْن أحمد التَّمِيمِيّ قال: سمعت القاسم بن أبي صالح يقول سمعت إبراهيم بْن الحسين ديزيل [9] يقول: لمَا دعي عفان للمحنة كنت آخذا بلجام حمَاره فلما
__________
[1] في ت: «ما رأينا» .
[2] «وقال أحمد بن حنبل ... » حتى نهاية الفقرة، ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «عرزة» .
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 269- 277.
[6] «رجل» ساقطة من ت.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] «ديزيل» ساقطة من ت.(11/60)
حضر عرض عَلَيْهِ القول فامتنع أن يجيب، فقيل لَهُ: يحبس عطاؤك قَالَ: وَكَانَ يعطى فِي كل شهر ألف دِرْهَم فَقَالَ: وَفي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ 51: 22 [1] قَالَ: فلمَا رجع [إِلَى داره] [2] عذله نساؤه ومن فِي داره، وَكَانَ فِي داره نحو أربعين إنسانا، قَالَ: فدق عَلَيْهِ داق الباب، فدخل رجل شبهته بسمَان أو زيات، ومعه كيس فيه ألف درهم، فَقَالَ: يَا أبا عثمَان ثبتك الله كمَا ثبت هَذَا الدّين وهذا [لك] [3] فِي كل شهر [4] .
توفي أبو عثمَان في هذه السنة. وقيل: فِي سنة تسع عشرة، ولا يصح.
1256- فتح الموصلي، أبو نصر [5] .
ورد بغداد زائرا لبشر الحافي.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن ثَابِت قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلي بن ثابت قال: أخبرنا أبو عمر الْحَسَن بْن عثمَان بْن أحمد، أَخْبَرَنَا أحمد بْن جعفر بْن حمدان، حَدَّثَنَا العباس بْن يوسف، حَدَّثَنَا أَبُو جعفر البزار، حَدَّثَنَا أبو نصر ابْن أخت بشر الحافي [6] قَالَ: كنت يومَا واقفا ببابنا، إذ أقبل رجل [7] ثائر الرأس [8] ، ملتف بالعباء، فَقَالَ لي: بشر فِي البيت؟ قلت: نعم، قَالَ: ادخل فقل لَهُ فتح بالباب. فدخلت فقلت: يَا خال، شيخ فِي عباء قَالَ لي: قل لبشر فتح بالباب، فخرج مسرعا فصافحه واعتنقه، فَقَالَ لَهُ الشيخ: يَا أبا نصر، ذكرتك البارحة/ واشتقت [9] [إِلَى لقائك] [10] قَالَ: فدفع إليّ درهمَا، فقال: 29/ أخذ بأربعة دوانيق خبزا ويكون جيدا وبدانقين تمرا، فقال الشيخ [11] : قل له: يكون
__________
[1] سورة: الذاريات، الآية: 22.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ بغداد 12/ 271- 272.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 381- 283.
[6] في ت: «أخت بشر بن الحارث» .
[7] في ت: «شيخ» .
[8] في ت: «ثائر الشعر» .
[9] في الأصل: «فاشتقتك» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في ت: «فقال له الشيخ» .(11/61)
سهريزا [1] فجئته به. فَقَالَ الشيخ: قل لَهُ يأكل معنا [فَقَالَ: كل معنا] [2] فأكلت معهم، فلما أكلت أخذ مَا فضل فِي طرف العباء ومضى، فخرج خالي معه فشيعه إِلَى باب حرب، فلمَا رجع قَالَ لي: [يَا بني] [3] ، تدري من هَذَا؟ قلت: لا. قَالَ: هَذَا فتح الموصلي [4] .
وفي رواية أخرى [5] : أن بشرا قَالَ: تدرون لم حمل باقي الطعام؟ قالوا: لا. قَالَ:
إذا صح التوكل لم يضر الحمل.
[وقد ذكرنا فتحا الموصلي فِي سنة سبعين ومَائة، وذاك آخر] [6] .
1257- محمد بْن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أَبُو جعفر [7] [رضوان الله عليهم] [8] .
ولد سنة مَائة وخمس وتسعين، وقدم من المدينة إِلَى بغداد وافدا عَلَى المعتصم ومعه امرأته أم الفضل بنت المأمون، وَكَانَ المأمون قد زوجه إياها وأعطاه مالا عظيما، وذلك أن الرشيد كَانَ يجري عَلَى علي بْن موسى بن جعفر في كل سنة ثلاثمائة ألف درهم ولنزله عشرين ألف درهم فِي كل شهر، فَقَالَ المأمون لمحمد بْن علي بْن موسى لأزيدك عَلَى مرتبة أبيك وجدك. فأجرى لَهُ ذلك، ووصله بألف ألف درهم. وقدم بغداد فتوفي بِهَا يوم الثلاثاء لخمس ليال خلون من ذي الحجة في هذه السنة، وركب هارون بْن المعتصم وصلى عَلَيْهِ، ثم حمل ودُفِن فِي مقابر قريش عند جده موسى بْن جعفر [9] ، وَهُوَ ابْن خمس وعشرين سنة، وثلاثة [10] أشهر، واثنى عشر [11] يومَا، وحملت امرأته إِلَى قصر المعتصم فجعلت فِي جملة [12] الحرم.
وبلغنا عن بعض العلويين أنه قَالَ: كنت أهوى جارية بالمدينة، وتقصر يدي عن ثمنها، فشكوت ذلك إِلَى محمد بْن علي بْن موسى الرضا، فبعث فاشتراها سرا فلما
__________
[1] تمر سهريز: نوع معروف
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ بغداد 12/ 382.
[5] «أخرى» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «أبو جعفر» ساقطة من ت.
[8] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 3/ 54- 55.
[9] «بن جعفر» ساقطة من ت.
[10] في ت: «وثمانية أشهر» .
[11] في الأصل: «اثنين وعشرين» .
[12] في ت: «فجعلت مع الحرم» .(11/62)
بلغني أنها بيعت/ ولم أعلم أنه اشتراها زاد قلقي فأتيته فأخبرته ببيعها فَقَالَ: من 29/ ب اشتراها؟ قلت: لا أعلم، قَالَ: فهل لك فِي الفرجة؟ قلت: نعم. فخرجنا إِلَى قصر لَهُ عنده ضيعه فيها نخل وشجر، وقد قدم إليه فرشا وطعامَا، فلمَا صرنا إِلَى الضيعة أخذ بيدي ودخلنا، ومنع أصحابه من الدخول، وأقبل يقول لي [1] : بيعت فلانة ولا تدري من اشتراها؟ فأقول: نعم وأبكي، حَتَّى انتهى إِلَى بيت عَلَى بابه ستر، وفيه جارية [2] جالسة عَلَى فرض لَهُ قيمة، فتراجعت، فَقَالَ: والله لتدخلن، فدخلت، فإذا الجارية التي كنت أحبها بعينها، فبهت وتحيرت، فَقَالَ: أفتعرفها [3] ؟ قلت: نعم، قَالَ: هي لك مَعَ الفرش والقصر والضيعة [والغلة] [4] والطعام، وأقم بحياتي معها [5] ، وابلغ وطرك [6] فِي التمتع بِهَا، وخرج إِلَى أصحابه فَقَالَ: أمَا طعامنا فقد صار لغيرنا فجددوا لنا طعامَا، ثم دعا الأكار فعوضه [7] عن حقه من الغلة حَتَّى صارت لي تامة ثم مضى.
__________
[1] «لي» ساقطة من ت.
[2] في ت: «وعلى باب جارية» .
[3] في ت: «أتعرفها» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «وأقم بحياتي معها» ساقطة من ت.
[6] «وطرك» ساقطة من ت.
[7] في ت: «فعرضه» .(11/63)
ثم دخلت سنة إحدى [وعشرين] [1] ومائتين
[الوقعة بين بابك وبغا الكبير]
فمن الحوادث فيها:
الوقعة بين بابك وبغا الكبير، فهزم بغا [2] واستبيح عسكره، ثم واقع الأفشين بابك فهزمه الأفشين [3] .
وشرح الحال: أن بغا لمَا تقدم [4] بالمَال الذي تقدم ذكره من عند المعتصم تجهز [5] بغا وحمل معه الزاد [6] من غير أن يكون الأفشين أمره بذلك، فدخل قرية بابك، فخرج عسكر بابك فقتل من عسكره وأسر، واستباح، وجاء الخبر إِلَى الأفشين، فكتب إِلَى بغا [7] إني فِي اليوم الفلاني أغزو بابك فاغزه [8] أنت يومئذ لنجتمع عَلَيْهِ، فهاجت ريح، فرجع بغا إِلَى عسكره ولقيه الأفشين فهزمه، وأخذ عسكره وخيمه، ونزل في 30/ أمعسكره/ ثم بيت بابك الأفشين ونقص عسكره، ثم عاد إلى بغا [فبيته] [9] ، فخرج بغا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «الكبير، فهزم بغا» ساقطة من ت.
[3] في ت: «فهزم أفشين» .
[4] في ت: «قدم» .
[5] في ت: «جهر» .
[6] في ت: «القواد» .
[7] في ت: «البغا» .
[8] في ت: «فأعد» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(11/64)
راجلا حَتَّى نجا، وفرق الأفشين الناس فِي مشاتيهم تلك السنة، حَتَّى جاء الربيع من السنة المقبلة [1] .
[قتل قائد لبابك]
وفي هذه السنة: قتل قائد لبابك يقال لَهُ طرخان استأذنه أن يشتو فِي [2] قرية لَهُ، فبعث إِلَيْهِ الأفشين من قتله وجاء برأسه [3] .
[أتى أهل البصرة سيل من قبل البر]
وفيها [4] : أتى أهل البصرة سيل من قبل البر، فغرق دورا كثيرة، وزاد المَاء حَتَّى خيف الغرق.
[انتقال المعتصم إلى سامراء]
وفيها: انتقل المعتصم إِلَى سامراء بعسكره لأن بغداد ضاقت بهم [5] ، ونادى الناس بالعسكر فسميت سامراء العسكر.
فمن نسب [6] من المحدثين فقيل العسكري فإنهم يختلفون، فمنهم من ينسب إِلَى [عسكر] [7] سامراء، [وفيهم كثرة] [8] .
ومنهم من ينسب إِلَى عسكر المهدي، منهم: محمد بْن عبد الله أبو بكر أحد فقهاء أصحاب الرأي كَانَ يتولى القضاء بعسكر المهدي، وَكَانَ عاقلا، إلا أنه اشتهر بالاعتزال.
ومنهم من ينسب إِلَى عسكر مصر، منهم: محمد بْن علي العسكري، مفتي مصر [9] ، كَانَ ثقة عَلَى مذهب الشّافعيّ، وحدث بكتبه عن الربيع بْن سليمَان. وكذلك سليمَان بْن داود بْن سليمَان [10] أبو القاسم البزاز، حدث عن الربيع أيضا. وقيل لَهُ:
العسكري.
ومنهم من ينسب إِلَى عسكر مكرم من بلاد خوزستان، وفيهم كثرة، ومكرم باهلي، وَهُوَ أول من اختطها من العرب فتنسب البلدة إليه.
__________
[1] تاريخ الطبري 9/ 23- 27.
[2] في ت: «يشتوا في» .
[3] تاريخ الطبري 9/ 28.
[4] في ت: «وفي هذه السنة» .
[5] في ت: «ضاقت عليه» .
[6] في ت: «نسبت من» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «مضى إلى مصر» .
[10] «بن سليمان» ساقطة من ت.(11/65)
[وحج بالناس في هذه السنة مُحَمَّد بن داود بْن عيسى، وَهُوَ والي مكة] [1] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1258- إبراهيم بن شماس، أبو إسحاق السمرقندي [2] .
30/ ب حدث عن إسمَاعيل بْن عياش، ومسلم بْن خالد الزنجي [3] ، وفضيل/ بْن عياض، وابن المبارك، وغيرهم، روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو خيثمة، وعباس الدوري.
وَكَانَ ثقة ثبتا صاحب سنة، وَكَانَ ضخمَا عظيم الهامة، فارسا شجاعا بطلا مبارزا، عالمَا فاضلا، قتلته الترك وَهُوَ جاء من ضيعته لم يشعر بهم، ولم يعرفوه، وذلك خارج سمرقند، فِي محرم هَذِهِ السنة، وقيل: سنة عشرين [4] .
1259- إبراهيم بْن سيار، أبو إسحاق البصري النظام [5] .
كَانَ من كبار المتكلمين عَلَى مذهب المعتزلة، وله فِي ذلك تصانيف، والجاحظ يحكي عنه كثيرا [6] .
أَخْبَرَنَا [أبو منصور] [7] القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا [أحمد بن علي بن ثابت] الخطيب قال: أخبرني الحسن بْن علي الصيمري قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران المرزباني قَالَ:
أخبرني محمد بْن يحيى قَالَ: حَدَّثَنَا [محمد بْن يزيد] [8] المبرد قَالَ: حدثني الجاحظ قَالَ: سمعت النظام يقول: العلم شيء [9] لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، فإذا أعطيته كلك فأنت من إعطائه لك البعض عَلَى خطر.
قَالَ المرزباني: وَكَانَ لإبراهيم مذهب فِي ترقيق الشعر وتدقيق المعاني لم يسبق إليه، ذهب فِيهِ مذهب أهل الكلام المدققين [10] ، ومنه مَا أنشدنيه عبد الله بْن يحيى العسكري:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 99- 102.
[3] في الأصل: «الزنجري» .
[4] تاريخ بغداد 6/ 102.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 97- 98.
[6] في ت: «وروى الجاحظ عنه كثيرا» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] «شيء» ساقط من ت.
[10] في ت: «المتفقهين» .(11/66)
وشادن ينطق بالطرف ... يقصر عنه منتهى الوصف
رق فلو بزت سرابيله [1] ... علقه الجو من اللطف
يجرحه اللحظ بتكراره ... ويشتكي الإيمَاء بالطرف
أفديه من مغرى بمَا ساءني ... كأنه يعلم مَا أخفي [2]
1260- عبد العزيز بْن يحيى بْن عبد العزيز بْن مسلم بْن ميمون [3] الكناني/ المكي [4] .
سمع سفيان بْن عيينة والشافعي، وصحبه طويلا وتفقه له، وخرج معه إلى 31/ أاليمن، وقدم بغداد في أيام المأمون، وجرى بينه وبين بشر المريسي مناظرات [5] فِي القرآن، وَهُوَ صاحب كتاب «الحيدة» وَكَانَ من أهل الفضل والعلم، وله مصنفات عدة [6] .
1261- عيسى بْن أبان بْن صدقة بْن موسى [7] .
سمع إبراهيم من هشيم وغيره، وصحب محمد بْن الحسن، وتفقه لَهُ، واستخلفه يحيى بْن أكثم عَلَى القضاء بعسكر المهدي حين خرج يحيى مَعَ المأمون إِلَى فم الصلح، ثم تولى عيسى القضاء بالبصرة، فلم يزل عَلَيْهِ حَتَّى مَات وَكَانَ سخيا جدا، وَكَانَ يقول: والله لو أتيت برجل يفعل فِي مَاله كفعلي، لحجرت عَلَيْهِ، ويذكر عنه أنه كَانَ يذهب إِلَى القول بخلق القرآن.
أَخْبَرَنَا [أبو] [8] منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بْن ثابت قَالَ: أَخْبَرَنَا القاضي أبو محمد الْحَسَن بْن الحسين بْن رامين، حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد بْن جعفر حَدَّثَنَا محمد بْن يحيى بْن جَعْفَر البزاز، حَدَّثَنَا محمد بْن الرومي، حَدَّثَنَا محمد بْن داود بْن دينار الفارسي، حَدَّثَنَا محمد بْن الخليل، حَدَّثَنَا أبي- وكان صاحب سفيان الثوري-
__________
[1] في ت: «سراويله» .
[2] تاريخ بغداد 6/ 97، 98 وفي الأصل: «أفديه من مشعري» .
[3] «بن مسلم بن ميمون» ساقط من ت.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 449- 450.
[5] في ت: «مناظرة» .
[6] «عدة» ساقطة من ت.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 159.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(11/67)
قَالَ: كنت بالبصرة فاختصم رجل مسلم ورجل يهودي عند القاضي، وَكَانَ قاضيهم [يومئذ] [1] عيسى بْن أبان، وَكَانَ يرى رأي القوم، فوقعت اليمين عَلَى المسلم، فَقَالَ لَهُ القاضي: قل والذي لا إله إِلَّا هُوَ، فَقَالَ لَهُ اليهودي: حلفه بالخالق لا بالمخلوق [2] ، لأن لا إله إلا هُوَ فِي القرآن، وأنتم تزعمون أنه مخلوق، قَالَ: فتحير عيسى عند ذلك.
وقال: قوما حتى انظر في أمركما [3] .
31/ ب توفي عيسى فِي محرم/ هَذِهِ السنة بالبصرة.
1262- عاصم بْن علي بْن عاصم بْن صهيب، مولى قريبة بنت محمد بن أبي بكر الصديق، يكنى أبا الحسين، الواسطي [4] .
حدث عن ابْن أبي ذئب [5] ، وشعبة، والمسعودي، روى عنه: أحمد بْن حنبل، والبخاري فِي صحيحه، والحسن بْن محمد الزعفراني، وقال يحيى بْن معين: هُوَ سيد المسلمين، وعنه تضعيفه.
أَخْبَرَنَا [عَبْد الرَّحْمَنِ] الْقَزَّازُ أَخْبَرَنَا [أَحْمَد بْن عَلي] [6] الخطيب، أَخْبَرَنَا أبو محمد الخلال قَالَ: ذكر أبو القاسم منصور بْن جعفر بْن ملاعب: أن إسمَاعيل بْن علي العاصمي حدثهم قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَر بْن حفص قَالَ: وجه المعتصم بمن يحرز [7] مجلس عاصم بْن علي فِي رحبة النخل التي فِي جامع الرصافة، وَكَانَ عاصم يجلس عَلَى سطح المسقطات، وينتشر الناس فِي الرحبة ومَا يليها فيعظم الجمع جدا حَتَّى سمعته يومَا يقول: حَدَّثَنَا الليث بْن سعد، ويستعاد، فأعاد أربع عشرة مرة، والناس لا يسمعون، قَالَ: وَكَانَ هارون المستملي يركب نخلة معوجة ويستملي عَلَيْهَا، فبلغ المعتصم كثرة
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «لا بالمخلوق» ساقطة من ت.
[3] تاريخ بغداد 11/ 159.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 247- 250.
[5] في الأصل: «حدث عن أبي ذئب» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «يحذر» .(11/68)
الجمع، فأمره بحرزهم [فوجه بقطاعي الغنم، فحرزوا] [1] المجلس مَائة ألف وعشرون ألفا [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، أَخْبَرَنَا الأزهري، أَخْبَرَنَا علي بْن محمد بْن لؤلؤ، أَخْبَرَنَا الهيثم [3] الدوري، حَدَّثَنَا محمد بْن سويد الطحان قَالَ:
كنا عند عاصم بْن علي ومعنا أبو عبيد القاسم بْن سلام، وإبراهيم بْن أبي الليث، وذكر جمَاعة، وأحمد بْن حنبل يضرب ذلك اليوم، فجعل عاصم يقول: ألا رجل يقوم معي، فنأتي هَذَا الرجل فنكلمه؟ فمَا يجيبه أحد، قَالَ: فَقَالَ إبراهيم بْن أبي الليث: يَا أبا الحسين، أنا أقوم معك. فصاح: يَا غلام، خفي. فقال له إبراهيم: / يا أبا 32/ أالحسين، أبلغ بناتي فأوصيهن وأجدد بهن عهدا. قَالَ: فظننا أنه ذهب يتكفن ويتحنط، ثم جاء فَقَالَ عاصم: يَا غلام، خفي فَقَالَ: يَا أبا الحسين، إني ذهبت إِلَى بناتي فبكين، قَالَ: وجاء كتاب ابنتي عاصم من واسط، يَا أبانا، إنه بلغنا أن هَذَا الرجل أَخَذَ أحمد بْن حنبل وضربه بالسوط عَلَى أن يقول القرآن مخلوق، فاتق الله ولا تجبه إن سألك، فو الله لئن يأتينا [4] نعيك أحب إلينا من أن يأتينا أنك قلت [القرآن مخلوق] [5] .
توفي عاصم فِي رجب هَذِهِ السنة.
1263- محمود الوراق الشاعر، ابْن الحسن الوراق [6] .
أكثر القول فِي الزهد والأدب، روى عنه ابْن أبي الدنيا، وابن مسروق، وكان نخاسا يبيع الرقيق.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل وفيه: «فحزر المجلس» .
[2] «عشرون ألفا» ساقطة من ت.
وانظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 247- 248.
[3] في ت: «هيثم» .
[4] في الأصل: «ليأتينا» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 248، 249.
[6] في ت: «محمود بن الحسين الوراق الشاعر» .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 87، 89.(11/69)
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد بْن جعفر الجوزي [1] قَالَ:
قَالَ أبو بكر بْن أَبِي الدنيا: أنشدني محمود الوراق قوله:
رجعت إِلَى السفيه بفضل حلمي ... فكان الحلم عنه لي [2] لجامَا
وظن بي السفاه فلم يجدني ... أسافهه وقلت لَهُ سلامَا
فقام يجر رجليه ذليلا ... وقد كسب المذلة والملامَا
وفضل الحلم أبلغ فِي سفيه ... وأحرى أن تنال به انتقامَا [3]
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن [بن محمد] [4] قال: أخبرنا أحمد بْن علي، أَخْبَرَنَا الجوهري، أَخْبَرَنَا محمد بْن الْعَبَّاس حَدَّثَنَا أبو الحسن علي بْن موسى الرزاز [5] ، حَدَّثَنَا قاسم الأنباري قَالَ: حدثني أبو بكر الطالقاني، عن أبيه. قَالَ: كنت جالسا عند محمود الوراق والناس يعزونه عن جاريته نشو، وقد كَانَ أعطى، [بِهَا ألفا من الدنانير] [6] وإذا 32/ ب بعض/ المعزين يكرر ذكر [7] فضلها عنده ليحزنه، ففطن لَهُ، فأنشأ يقول:
ومنتصح يكرر ذكر نشو ... ليحدث لي بذكراها اكتئابا
أقول وعد مَا كانت تساوي ... سيخلفها الذي خلق الحسابا
عطيته إذا أعطى سرورا ... وإن أخذ الذي أعطى أثابا
فأي النعمتين أعم فضلا ... وأكرم فِي عواقبها إيابا
أنعمته التي أهدت سرورا ... أم الأخرى التي أهدت ثوابا
بل الأخرى التي نزلت بكره ... أحق بصبر من صبر احتسابا [8]
__________
[1] في الأصل: «الجعفري» .
[2] في ت: «الحلم لي عنه» وفي تاريخ بغداد: «الحلم عنه له» .
[3] تاريخ بغداد 13/ 87، 88.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «الرزاز» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
[7] في ت: «يذكر فضلها» .
[8] تاريخ بغداد 13/ 88.(11/70)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن علي بْن ميمون، أَخْبَرَنَا محمد بْن علي بْن عَبْد الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا جعفر بْن محمد بْن حاجب، حَدَّثَنَا الحسين بْن محمد الفزاري قَالَ: أنشدني الحسن بْن علي بْن بزيع قَالَ: أنشدني محمود الوراق [قَالَ:] [1] .
العمر ينقص والذنوب تزيد ... ويقال عثرته الفتى ويعود
أنى يطيق جحود ذنب موبق ... رجل جوارحه عَلَيْهِ شهود
/ والمرء يسأل عن سنيه فيشتهي ... تقليلها وعن الممات يحيد [2] 33/ أ
هيهات لا غلط وليس بدافع ... للموت تقريب ولا تبعيد
أَخْبَرَنَا محمد بْن ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا طراد بْن محمد قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسين بْن بشوان [قَالَ] [3] : حَدَّثَنَا أبو علي الْبَرْذَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحَمَّدِ القرشي قَالَ [4] : سمعت محمود الوراق ينشد:
يمثل [5] ذو اللب فِي نفسه ... مصيبته قبل أن تنزلا
فإن نزلت بغتة لم ترعه ... لمَا كَانَ فِي نفسه مثلا
رأى الأمر يفضي [6] إِلَى آخر ... فصير آخره أولا
وذو الجهل يأمن أيامه ... وينسى مصارع من قد خلا
فإن بدهته [7] صروف الزمَان ... ببعض مصائبه أعولا
ولو قدم الجرم فِي نفسه [8] ... لعلمه الصبر حسن البلا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «من الممات يحيد» .
هذا وقد جاء هذا البيت في آخر الأبيات في النسخة ت.
[3] في ت: «ألهاك» .
ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل ت: «قال: قال» .
[5] في ت: «ينشد» .
[6] في ت: «رأى الهم يفضي» .
[7] في ت: «بدهية» .
[8] في ت: «الجرم في أمره» .(11/71)
أَخْبَرَنَا ابْن ناصر، عن أبي القاسم بْن البسري [1] ، عن أبي عبد الله بن بَطَّةَ [2] قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الأَنْبَارِيِّ قال: حَدَّثَني أبي. قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن الأعرابي عن محمود الوراق:
بقيت مَالك ميراثا لوارثه ... فليت شعري مَا بقى لك المَال
القوم بعدك فِي حال تسرهم ... فكيف بعدهم دارت بك الحال
مَالت بهم عنك [3] دنيا أقبلت بهم ... وأدبرت عنك والأيام أحوال
33/ ب/ ملّوا البكاء فمَا يبكيك من أحد ... واستحكم القيل فِي الميراث والقال
1264- أبو جعفر المخولي [4] .
سكن باب مخول [5] من بغداد فنسب إليه [6] .
أَخْبَرَنَا [عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ] [7] الْقَزَّازِ قَالَ: أَخْبَرَنَا [أَحْمَدُ بْن عَلِيِّ بْن ثَابِتٍ] [7] الْخَطِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسن محمد بْن محمد بْن مخلد قَالَ الخلدي:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُوقٍ قَالَ: حدثنا محمد بن الحسين، وحدثني إسمَاعيل بْن إبراهيم الترجمَاني قَالَ: سمعت أبا جعفر المخولي وَكَانَ عابدا عالمَا [8] يقول: حرام عَلَى قلب صحب الدنيا أن يسكنه [9] الورع الخفي، وحرام عَلَى نفس عَلَيْهَا زبانية الناس أن تذوق حلاوة الآخرة، وحرام عَلَى كل عالم لم يعمل بعلمه أن يتخذه المتقون إماما [10] .
__________
[1] «البسري» ساقطة من ت.
[2] «بن بطة» ساقطة من ت.
[3] في الأصل: «مالت بعلم عنك» .
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 14/ 410- 411.
[5] في ت: «المحول» .
[6] في ت: «فنسبت بغداد إليه» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] «عالما» ساقطة من ت.
[9] في ت: «صحب الدنيا ان كان يسكنه» .
[10] تاريخ بغداد 14/ 410، 411.(11/72)
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائتين
[توجيه المعتصم إِلَى الأفشين جعفر بْن دينار مددا لَهُ]
فمن الحوادث فيها:
أن المعتصم وجه إِلَى الأفشين جعفر بْن دينار مددا لَهُ، ثم أتبعه بإيتاخ، ووجه معه ثلاثين ألف ألف درهم عطاء للجند والنفقات، وذلك بعد انقضاء الشتاء، فوقعت وقعة بين أصحاب الأفشين، وقائد بابك [1] يقال لَهُ: آذين [2] .
وانقض [3] ليلة السبت لست خلون من ربيع الآخر نجم لم ير أعظم منه حَتَّى نودي بالنفير فِي الرقة وكور الجزيرة والسابات.
وظهر في هذه السنة من الفأر مَا لم يحط/ به الإحصاء، وأتى عَلَى غلات الناس، 34/ أثم تفانى بوقوع الموت فيه.
فتح البذ وهي مدينة بابك
وفي هذه السنة: فتحت البذ وهي مدينة بابك، ودخلها المسلمون، فاستباحوها، وذلك فِي يوم الجمعة لعشر مضين من رمضان.
وشرح الحال: أن الأفشين لمَا عزم عَلَى الدنو من البذ جعل يزحف قليلا حَتَّى ضج الناس فقالوا: كم نقعد ها هنا [4] فِي المضيق، أقدم بنا، فإمَا لنا وإمَا علينا، وَهُوَ مصابر، فأتاه رسول بابك ومعه قثاء وبطيخ وخيار، اعلم [5] أنني قد علمت انك في جفاء
__________
[1] في ت: «وقائد لبابك» .
[2] تاريخ الطبري 9/ 29- 30.
[3] في ت: «فانقض» .
[4] في ت: «تقعد بنا هنا» .
[5] في الأصل: «يعلم» .(11/73)
بأكلك [1] الكعك والسويق ثم جاءت الخرمية فِي ثلاثة كراديس، وقد كمن لهم الأفشين فِي الأودية، فشد عليهم الخيل والرجالة، فتسلقوا فِي الجبال، وبقي الأفشين [2] مدة يتقدم كل يوم [3] ، فيقف بإزاء بابك، ثم يرجع من غير قتال إِلَى أن عبأ لهم كمينا فجاءهم من فوقهم، وجاء بمن معه فأخذ قوتهم، فأقبل بابك فَقَالَ: أريد الأمَان من أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أن أحمل عيالي وأذهب [4] فاشتغل عنه بالحرب.
ودخل المسلمون البلدة وأحرقوا وقتلوا وهزموا، فأفلت بابك فِي جمَاعة، فاستتر فِي غيضة، وجاء كتاب المعتصم بالأمَان لبابك، فَقَالَ الأفشين لولد بابك وأصحابه:
هَذَا مَا لم أكن أرجوه من أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لبابك، فمن يذهب به إليه؟ فأخذه رجلان، وكتب معهمَا ولد بابك يَقُولُ لَهُ: صر إِلَى الأمَان فهو خير لك، فلمَا حملاه إليه قتل أحدهمَا 34/ ب وقال للآخر: اذهب إِلَى/ ابْن الفاعلة يعني ابنه، وقل لَهُ لو كنت ابني لكنت [5] قد لحقت بي، ثم خرج من ذلك المكان، وقد كمن لَهُ العسكر، فطلبوه فأفلت إِلَى جبال أرمينية، فلقيه رجل نصراني يقال لَهُ سهل الأرمني أحد بطارقة أرمينية، فَقَالَ لَهُ [6] : انزل عندي. فنزل وكتب ذلك الرجل إِلَى الأفشين، ثم قَالَ الرجل لبابك: أنت ها هنا مكانك [7] مغموم فِي جوف حصن، وها هنا واد طيب، فلو أخذنا [8] معنا بازيا، وخرجنا [9] نتفرج عَلَى الصيد [10] . فَقَالَ لَهُ بابك: إذا شئت فانفذ الغداة، وكتب الرجل يعلم أصحاب الأفشين بذلك ويأمرهم بالبكور، فبكروا فوجدوه فأخذوه فحملوه [إِلَى الأفشين] [11] لعشر خلون من شوال.
وَكَانَ المعتصم قد جعل لمن جاء به حيا ألفي ألف ولمن جاء برأسه ألف ألف، فكتب الأفشين إِلَى المعتصم يخبره أنه قد أسر بابك وأخاه، فكتب المعتصم يأمره بالقدوم بهمَا عَلَيْهِ، فَقَالَ الأفشين لبابك [12] : إني أريد أن أسافر بك، فمَا الذي تشتهي
__________
[1] في ت: «في جفاء إنما ما كل الكعك» .
[2] في الأصل وت: «أفشين» .
[3] «يوم» ساقطة من ت.
[4] في ت: «واتجهر» .
[5] في ت: «ابني كنت» .
[6] «له» ساقطة من ت.
[7] «مكانك» ساقطة من ت.
[8] في ت: «فلو خرجت» .
[9] «وخرجنا» ساقطة من ت.
[10] في ت: «بالصيد» .
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[12] «لبابك» ساقطة من ت.(11/74)
من بلاد أذربيجان؟ فَقَالَ: أشتهي أن أنظر إِلَى مدينتي [البذ] [1] فوجه معه قومَا إِلَى البذ، فدار فيه ونظر إِلَى القتلى والبيوت، ثم رد.
قَالَ الصولي: ووصل المعتصم سهلا النصراني بألفي ألف درهم، ووهب لَهُ جوهرا كثيرا، وترك لَهُ خراج عشرين سنة [2] .
وحج بالناس في هذه السنة مُحَمَّد بْن داود [3] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1265- حسان بْن عبد الله بْن سهل، أبو علي الكندي [4] .
يروي عن الليث بْن سعد وغيره، وَكَانَ صدوقا، حسن الحديث.
توفي بمصر في هذه السنة.
1266- عبد الله بن صالح بْن محمد بْن مسلم، أبو صالح [5] / مولى جهينة [6] . 35/ أ [من أهل مصر] [7] .
وَهُوَ كاتب الليث بْن سعد، ولد سنة تسع وثلاثين ومَائة، وسمع من جمَاعة، وروى عنه أئمة مثل أبي عبيدة، والبخاري، ومحمد بْن يحيى الذهلي، وغيرهم، وقد حدث عنه الليث بْن سعد.
قَالَ أحمد بْن حنبل: كَانَ عبد الله بْن صالح متمَاسكا فِي أول أمره، ثم فسد بآخره، وليس هو بشيء، وروي عن يحيى أنه كَانَ يوثقه.
وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 9/ 31- 55.
[3] تاريخ الطبري 9/ 51.
[4] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 162.
[5] «بن محمد بن مسلم أبو صالح» ساقطة من ت.
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 478- 481.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(11/75)
ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين ومائتين
[قدوم الأفشين على المعتصم ببابك وأخيه]
فمن الحوادث فيها:
قدوم الأفشين عَلَى المعتصم ببابك وأخيه، وذلك فِي ليلة الخميس لثلاث خلون من صفر في سامراء [1] .
وَكَانَ المعتصم يوجه كل يوم إِلَى الأفشين من حين فصل من برزند إِلَى أن وافى سامراء فرسا وخلعة، وأن المعتصم لعنايته بأمر بابك وأخباره، ولفساد [2] الطريق بالثلج وغيره، جعل من سامراء إِلَى عقبة حلوان [خيلا] [3] مضمرة عَلَى رأس كل فرسخ فرسا معه مجر مرتّب، فكان يركض بالخبر [ركضا] [4] حَتَّى يؤديه واحد إِلَى واحد، وكانت خريطة الكتب تصل من عسكر الأفشين إِلَى سامراء فِي أربعة أيام وأقل، فلمَا صار الأفشين بقناطر حذيفة تلقاه هارون بْن المعتصم وأهل بيته، فلمَا دخل أنزل بابك فِي قصر، فجاء أحمد بْن أبي دواد متنكرا فِي الليل فأبصره وكلمه ورجع إِلَى المعتصم فوصفه لَهُ، فركب ودخل إليه متنكرا، فتأمله وبابك لا يعرفه، فلمَا كَانَ من الغد قعد لَهُ واصطف الناس، وأراد المعتصم أن يشهره ويريه الناس، فقال: على أيّ شيء يحمل 35/ ب هَذَا وكيف يشهر؟ فَقَالَ حزام: / يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، لا شيء أشهر من الفيل. فَقَالَ:
__________
[1] تاريخ الطبري 9/ 52- 55.
[2] في ت: «وإفساد الطريق» .
[3] ما بين المعقوفتين زيادة من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(11/76)
صدقت، فأمر بتهيئة [1] الفيل فأدخل عَلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وأحضر جزار ليقطع يديه ورجليه، ثم أمر أن يحضر سياف بابك، فأمره أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أن يقطع يديه ورجليه فقطعهمَا فسقط، فأمر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بذبحه، ووجه برأسه إِلَى خراسان، وصلب بدنه بسامراء عند العقبة، فموضع خشبته مشهور، وأمر بحمل أخيه عبد الله إِلَى إسحاق بْن إبراهيم خليفته بمدينة السلام [2] ، وأمره بضرب عنقه، وأن يفعل به [3] مثل مَا فعل بأخيه، وصلبه، فَقَالَ للذي معه: اضرب لي فالوذجة فعملت لَهُ، فأكل وامتلأ [4] ثم قَالَ: اسقيني نبيذا، فأعطاه فشرب أربعة أرطال، ثم قدم به عَلَى إسحاق فأمر بقطع [5] يديه ورجليه، فلم ينطق ولم [6] يتكلم، وصلب فِي الجانب الشرقي بين الجسرين بمدينة السلام، وتوج المعتصم الأفشين بتاج من الذهب، وألبسه وشاحين من الجوهر، ووصله بعشرين ألف ألف درهم منها عشرة آلاف [ألف] صلة [7] . وعشرة آلاف [ألف] [8] يفرقها في عسكره، وعقد لَهُ عَلَى السند، وأدخل [9] عَلَيْهِ الشعراء يمدحونه، فأمر لهم بصلات، وذلك فِي يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من ربيع الآخر.
أَخْبَرَنَا [محمد] [10] بْن طاهر قَالَ: أنبأنا علي بْن المحسن، عن أبيه: أن أخا بابك الخرمي قال له لما أدخلا عَلَى المعتصم: يَا بابك، إنك قد عملت عملا لم [11] يعمله أحد، فاصبر الآن صبرا لم يصبره أحد، فَقَالَ لَهُ: سترى صبري. فلمَا صار بحضرة المعتصم أمر بقطع [12] أيديهمَا بحضرته، فبدئ ببابك فقطعت يمناه، فلمَا جرى دمها مسح به وجهه كله، فَقَالَ المعتصم: سلوه لم فعل هَذَا؟ فسئل، فَقَالَ: قولوا للخليفة: إنك أمرت بقطع أربعتي وفي نفسك- ولا شك- إنك [13] لا تكويها وتمنع [14] دمي [حَتَّى] [15] ينزف إِلَى أن تضرب رقبتي، فخفت أن يخرج الدم مني فيبقى فِي/ 36/ أوجهي صفرة يقدر لأجلها من حضر، أني قد فزعت من الموت، وأنها لذلك لا من
__________
[1] في الأصل: «أن يتهيأ» .
[2] في الأصل: «بدار السلام» .
[3] في الأصل: «يفعل فيه» .
[4] في ت: «امتلاء» .
[5] في ت: «على إسحاق فقطع يديه» .
[6] في ت: «فلم ينطق بكلمة ولم يتكلم» .
[7] في ت: «عشرة آلاف مسلمة» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في الأصل: «ودخل» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في ت: «عملت ما لم» .
[12] في ت: «أمر أن يقطع» .
[13] في ت: «في إنك» .
[14] في ت: «وتدع» .
[15] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(11/77)
خروج الدم، فغطيت وجهي لذلك [1] حَتَّى لا تبين الصفرة، فَقَالَ المعتصم: لولا أن فعاله لا توجب العفو عنه [2] لكان حقيقا بالاستبقاء لهذا الفضل، وأمر بإمضاء أمره فيه [3] ، فقطعت أربعته، ثم ضربت عنقه، وجعل عَلَى [4] بطنه [حطب] [5] ، وصب عَلَيْهِ النفط، وضرب بالنار، وفعل [مثل] [6] ذلك بأخيه، فمَا فيهمَا من صاح ولا تكلم [7] .
[إيقاع توفيل بْن ميخائيل صاحب الروم بأهل زبطرة]
وفي هذه السنة: أوقع توفيل بْن ميخائيل صاحب الروم بأهل زبطرة، فأسرهم وخرب بلدهم، ومضى من فوره إِلَى ملطية، فأغار عَلَى أهلها وعلى حصون من حصون المسلمين، وسبي من المسلمَات أكثر من ألف امرأة ومثل بمن صار فِي يده من المسلمين، وسمل أعينهم، وقطع آذانهم وآنافهم.
وَكَانَ السبب فِي ذلك تضييق الأفشين عَلَى بابك، فلمَا أشرف عَلَى الهلاك، وأيقن بالعجز عن الحرب، كتب إِلَى توفيل ملك الروم يعلمه أن ملك العرب قد وجه عساكره إليه حَتَّى وجه خياطه- يعني جعفر بْن دينار- وطباخه- يعني إيتاخ- ولم يبق عَلَى بابه أحد، فإن أردت الخروج إليه فاعلم أنه ليس فِي وجهك أحد يمنعك، وإنمَا كتب هَذَا ليتجرد ملك الروم لذلك فينكشف عَنْهُ بعض مَا هُوَ فيه برجوع العسكر أو بعضهم، فخرج توفيل فِي مَائة ألف، ومعه من المحمرة الَّذِين كانوا بالجبال، فلحقوا بالروم، ففرض لهم ملك الروم وزوّدهم [8] وصيرهم مقاتلة يستعين بهم، فدخل ملك الروم زبطرة وقتل الرجال وسبي الذراري والنساء، فبلغ النفير إِلَى سامراء، وخرج أهل ثغور الشام والجزيرة واستعظم المعتصم ذلك، فصاح فِي قصره النفير، ثُمّ ركب دابته/ 36/ ب وعسكر بغربي دجلة يوم الاثنين لليلتين خلتا من جمَادى الأولى، ووجه عُجَيْف بْن عنبسة فِي جمَاعة من القواد إِلَى زبطرة، إعانة لأهلها، فوجدوا ملك الروم قد انصرف إِلَى بلاده بعد ما فعل مَا فعل، فوقفوا قليلا، حَتَّى تراجع الناس إِلَى قراهم، واطمَأنوا [9] .
وقال المعتصم:
شفيت ببابك غل النفوس ... وأثلجت بالزط حر الصدور
__________
[1] في ت: «فخشيت» .
«فغطيت وجهي لذلك» ساقطة من ت.
[2] «عنه» ساقطة من ت.
[3] «فيه» ساقطة من ت.
[4] في ت: «وجعل الجميع على» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «ولا تكلم» ساقطة من ت.
[8] في الطبري: «وزوجهم» .
[9] «حتى تراجع الناس إلى قراهم، واطمأنوا» ساقط من ت.(11/78)
وأحضر القضاة والشهود، وأشهدهم عَلَى نفسه أنه [قد] [1] وقف جميع أمواله فجعل ثلثها لمواليه [2] وثلثها لولده [3] ، وثلثها للمساكين، ثم قَالَ: أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقيل: عمورية لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كَانَ الإسلام، وهي عين [4] النصرانية، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية.
فخرج إِلَى بلاد الروم، وقيل: كَانَ ذلك فِي سنة اثنتين وعشرين. وقيل: سنة أربع وعشرين، وتجهز جهازا لم يتجهز مثله خليفة قبله من السلاح والعدد والآلة وحياض الأدم [والحمير] [5] والبغال والروايا والقرب وآلة الحديد والنفط، وجعل عَلَى مقدمته أشناس، ويتلوه مُحَمَّد بْن إبراهيم، وعلى ميمنته إيتاخ، وعلى ميسرته جعفر بْن دينار، وعلى القلب عجيف، فدخل بلاد الروم، فأقام على سلوقية قريبا من البحر، وبعث الأفشين إِلَى سروج، فأمره بالدخول من درب الحدث [6] ، سمى لَهُ يومَا [أمره أن] [7] يكون دخوله فيه، وقدر [8] لعسكره وعسكر أشناس اليوم الذي يدخل فيه الأفشين، ودبر النزول عَلَى أنقرة، فإذا فتحها الله تعالى صار إِلَى عمورية إذ لم يكن شيء ممَا يقصد له من بلاد/ الروم 37/ أأعظم من هاتين [المدينتين] [9] ولا أحرى أن تجعل غايته التي يؤمها [10] .
وأمر المعتصم أشناس أن يدخل من درب طرسوس، وأمره بانتظاره بالصفصاف، فكان شخوص أشناس يوم الأربعاء لثمَان بقيت من رجب، وقدم المعتصم وصيفا في أثر
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «لولده» .
[3] في ت: «لوليه» .
[4] في الأصل: «وهي تحت» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «درب الحديث» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «وقرر» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] في الأصل: «تجعل غايته التي يأتها» . وفي ت: «يجعلها رايته التي يؤمها» وما أثبتناه من تاريخ الطبري 9/ 58.(11/79)
أشناس عَلَى مقدمَات [المعتصم] [1] ورحل المعتصم يوم الجمعة لست بقين من [2] رجب.
فتقدم أشناس والمعتصم من ورائه، بينهم [3] مرحلة، ينزل هَذَا ويرحل هَذَا، ولم يرد عليهم من الأفشين خبر، حَتَّى صاروا من أنقره عَلَى مسيرة ثلاث مراحل، وضاق عسكر المعتصم ضيقا شديدا من المَاء والعلف، وَكَانَ أشناس قد أسر عدة أسرى فِي طريقه، فأمر بهم، فضربت أعناقهم، وهرب أهل أنقرة [4] وعظمَاؤها [5] ، ونزل بِهَا المعتصم وأشناس والأفشين، فأقاموا بِهَا أيامَا [6] .
ثم صير العسكر ثلاثة عساكر: عسكر فيه أشناس فِي الميسرة، والأفشين فِي الميمنة، والمعتصم فِي القلب، وبين كل عسكر وعسكر فرسخان، وأمر كل عسكر منهم أن يكون لَهُ ميمنة وميسرة، وأن يحرقوا القرى ويخربوها، ويأخذوا من لحقوا فيها من السبي، وإذا كَانَ وقت النزول توافى [كل] [7] أهل [8] عسكر إِلَى صاحبهم [9] ورئيسهم، يفعلون ذلك فيمَا بين أنقرة إِلَى عمورية، وبينهم سبع مراحل، حَتَّى توافت العساكر بعمورية.
وَكَانَ أول من وردها أشناس، وردها يوم الخميس ضحوة، فدار حولها دورة، ثم 37/ ب نزل بموضع فيه ماء وحشيش، فلمَا طلعت الشمس ركب المعتصم/ فدار حولها دورة، ثم جاء الأفشين فِي اليوم الثالث، فقسمها أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بين القواد، فصير لكل واحد منهم أبراجا منها عَلَى قدر كثرة أصحابه وقلتهم، فصار لكل قائد مَا بين البرجين إِلَى عشرين برجا وتحصن أهل عمورية، وَكَانَ أهل عمورية [10] قد أسروا رجلا فتنصر [11] وتزوج فيهم، وحبس نفسه، فلمَا رأى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ظهر، وجاء إِلَى المعتصم وأعلمه أن موضعا من المدينة حمل الوادي عَلَيْهِ من مطر شديد جاءهم، فوقع السور من ذلك
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 9/ 55- 77.
[3] في ت: «بينه وبينه» .
[4] في ت: «النقرة» .
[5] في ت: «وعطلوها» .
[6] تاريخ الطبري 9/ 63- 64.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] «أهل» ساقطة من ت.
[9] في الأصل: «مضاجعهم» .
[10] «وكان أهل عمّورية» ساقطة من ت.
[11] في ت: «فنصر» .(11/80)
الموضع، وكتب ملك الروم إِلَى [عامل] [1] عمورية أن يبني ذلك الموضع، فوقع التواني حَتَّى خرج الملك من القسطنطينية إِلَى بعض المواضع، فتخوف الوالي أن يمر الملك على تلك الناحية فلا يراها بنيت، فبنى وجه السور بالحجارة حجرا حجرا، وصيروا لَهُ [2] من جانب المدينة حشوا، ثم عقد فوقه [3] الشرف كمَا كَانَ، فوقف ذلك الرجل المعتصم عَلَى هَذِهِ الناحية التي وصف، فأمر المعتصم فضرب [4] مضربه فِي ذلك الموضع، ونصب المجانيق عَلَى ذلك البناء، فانفرج السور من ذلك الموضع وسقط [5] .
وَكَانَ المعتصم قد ساق غنمَا كثيرة، فدبر أن يدفع إِلَى كل رجل من العسكر شاة، فإذا أكلها حشى جلدها ترابا، ثم جاء به فطرحه فِي الخندق، وعمل دبابات تسع كل واحدة عشرة من الرجال، فطرحت الجلود وطرح فوقها التراب، وَكَانَ أول من بدأ بالحرب أشناس، وكانت [6] الحرب فِي اليوم الثاني عَلَى الأفشين وأصحابه، فأجادوا الحرب، وَكَانَ المعتصم واقفا عَلَى دابته بإزاء الثلمة [7] ، وأشناس وأفشين وخواص القواد معه، وَكَانَ باقي القواد الذين دون [8] الخاصة/ وقوفا رجالة، فلما انتصف النهار 38/ أانصرف المعتصم إِلَى مضربه فتغدى، وانصرف القواد إِلَى مضاربهم يتغدون [9] ، فلمَا كَانَ فِي اليوم الثالث كانت الحرب عَلَى أصحاب أمير الْمُؤْمِنِين خاصة، والقيم بذلك إيتاخ، فقاتلوا فأحسنوا، وكثرت [10] فِي الروم الجراحات، فلما كان الليل مشى القائد الموكل بالثلمة إِلَى الروم [11] ، فَقَالَ لهم: إن الحرب علي وعلى أصحابي، ولم يبق معي
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وفي ت: «ملك عمّورية» وما أثبتناه من الطبري.
[2] «له» ساقطة من ت.
[3] في الأصل: «عقدوا الشرف» .
[4] في ت: «أن يضرب» .
[5] تاريخ الطبري 9/ 63، 64.
[6] في ت: «وكان» .
[7] «بإزاء الثلمة» ساقطة من ت.
[8] في ت: «وكان من دون الخاصة» .
[9] في ت: «فتغدوا» .
[10] في الأصل: «كثر» .
[11] في ت: «القوم» .(11/81)
أحد إلا قد خرج، فصيروا أصحابكم عَلَى الثلمة يرمون قليلا، وإلا افتضحتم وذهبت المدينة. فأبوا أن يمدوه بأحد، فقالوا: سلم السور من ناحيتنا [1] ، ونحن مَا نسألك أن تمدنا فشأنك بناحيتك. فعزم هُوَ وأصحابه أن يخرجوا إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فيسألونه الأمَان، ويسلموا إِلَيْهِ الحصن [2] .
فلمَا أصبح وكل أصحابه بجنبي الثلمة، وخرج فَقَالَ: [إني] [3] أريد أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وأمر أصحابه أن لا يحاربوا حَتَّى يعود إليهم، فخرج حَتَّى وقف بين يدي المعتصم، والناس يتقدّمون إلى الثلمة، وقد أمسك الروم عن الحرب حَتَّى وصلوا إِلَى السور، والروم يقولون بأيديهم: لا تحيوا وهم يتقدمون، فدخل الناس المدينة، وأخذت الروم السيوف، وأقبل الناس بالأسرى والسبي من كل وجه حَتَّى امتلأ العسكر، فقتل ثلاثين ألفا وسبى مثلهم، وَكَانَ فِي سبيه ستون بطريقا، وطرح النار فِي عمورية من جميع نواحيها [4] فأحرقها [5] ، وجاء ببابها إلى العراق، وهو الباب المنصوب اليوم عَلَى دار الخليفة المجاور لباب الجامع، ويسمى «باب العامة» .
وروى أبو بكر الصولي قَالَ: حَدَّثَنَا الغلابي قَالَ: حدثني يعقوب بن 38/ ب جعفر بْن سليمَان قَالَ: / غزوت مَعَ المعتصم عموريه فاحتاج الناس إِلَى مَاء، فمد لهم المعتصم حياضا من أدم عشرة أميال، وساق المَاء فيها إِلَى سور عمورية، فقام يومَا عَلَى السور رجل منهم فصيح بالعربية، فشتم النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ باسمه ونسبه، فاشتد ذلك عَلَى المسلمين، ولم تبلغه النشابة، قَالَ يعقوب: وكنت أرمي، فاعتمدته فأصبت [6] نحره فهوى وكبر المسلمون، وسر المعتصم، وقال: جيئوني بمن رمى هَذَا العلج. فأدخلوني عَلَيْهِ، فَقَالَ: من أنت؟ فانتسبت لَهُ، فقال: الحمد للَّه الذي جعل ثواب [7] هَذَا السهم لرجل من أهل بيتي [8] ، ثم قَالَ: بعني [9] هَذَا الثواب، فقلت: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ الثواب ممَا يباع، فَقَالَ: إني أرغبك، فأعطاني مَائة ألف درهم [10] إلى أن بلغ خمسمائة
__________
[1] في الأصل: «السيوف ناحيتنا» .
[2] تاريخ الطبري 9/ 65.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «جوانبها» .
[5] «فأحرقها» ساقطة من ت.
[6] في الأصل: «فأصيب» والتصحيح من: ت.
[7] «ثواب» ساقطة من ت.
[8] «بيتي» ساقطة من ت.
[9] في ت: «يعني» .
[10] «درهم» ساقطة من ت.(11/82)
ألف درهم، قلت: مَا أبيعه بالدينار، لكن أشهد الله أني [قد] [1] جعلت نصف ثوابه لك، فَقَالَ: قد رضيت بهذا، أحسن الله جزاك، فِي أي موضع تعلمت الرمي؟ فقلت:
[بالبصرة] [2] فِي دار لي، فَقَالَ: بعنيها، فقلت: هي وقف عَلَى من يتعلم الرمي، وإن أحب أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فهي لَهُ وكل مَا أملك. فجزاني خيرا ووصلني بمَائة ألف درهم، وارتحل المعتصم [منصرفا] [3] إِلَى [أرض] [4] طرسوس، وكانت إناخة المعتصم عَلَى عمورية لست خلون من رمضان وقيل [5] : بعد خمسة وخمسين يوما.
[حبس المعتصم العباس بن المأمون]
وفي هذه السنة: حبس المعتصم العباس بْن المأمون، وأمر بلعنه [6] .
وَكَانَ السبب فِي ذلك: أن العباس دس رجلا يقال لَهُ: الحارث السمرقندي، وَكَانَ يأنس إِلَى القواد، فدار فِي العسكر حَتَّى تألف لَهُ جمَاعة منهم، وبايعه [7] منهم خواصّ العسكر [8] ، وسمّى لكل رجل من القواد رجلا من أصحابه ووكله به، وقال: إذا/ أمرنا فليثب كل رجل منكم عَلَى من ضمناه أن يقتله، فضمنوا لَهُ ذلك [9] ، فوكل رجلا 39/ أممن بايعه من خاصة الأفشين بالأفشين [10] ، ومن خاصة أشناس بأشناس [11] ، ومن خاصة المعتصم بالمعتصم، فضمنوا ذلك جميعا، فلمَا أرادوا أن يدخلوا الدرب وهم يريدون أنقرة وعمورية، أشار عجيف عَلَى العباس أن يثب عَلَى المعتصم فِي الدرب وَهُوَ فِي قلة من الناس، فيقتله ويرجع إِلَى بغداد، فيفرح الناس بانصرافهم من الغزو [12] ، فأبى العباس وقال: لا أفسد هَذِهِ الغزاة. حَتَّى دخلوا بلاد الروم وافتتحوا عمورية، فَقَالَ عجيف للعباس: يَا نائم، كم تنام والرجل ممكن، دس قومَا ينتهبون هَذَا الحرثي، فإنه إذا بلغه ذلك ركب فِي سرعة، فتأمر بقتله هناك، فأبى العباس، وقال: انتظر حَتَّى نصير فِي الدرب. ونمى [13] حديث الحارث السمرقندي، فحمل إِلَى المعتصم، فأقر وأخبر بخبر العباس ومن بايعه، فأطلقه المعتصم وخلع عَلَيْهِ، ودعا بالعباس فأطلقه
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «وقفل» .
[6] تاريخ الطبري 9/ 71- 79.
[7] في ت: «وتابعه» .
[8] «العسكر» ساقطة من ت.
[9] «فضمنوا له ذلك» ساقطة من ت.
[10] «بالأفشين» ساقطة من ت.
[11] «بأشناس» ساقطة من ت.
[12] في ت: «من العباد» .
[13] في ت: «وثم» .(11/83)
ومناه، وأوهمه أنه قد صفح عنه، فتغدى معه، ثم دعاه بالليل فاستحلفه أن لا يكتمه شيئا من أمره [1] [فشرح لَهُ قصته، وسمى لَهُ جميع من دب فِي أمره، ثم دعا الحارث] [2] ، فقص عَلَيْهِ مثل مَا قص العباس فصفح عن الحارث، ودفع العباس إِلَى الأفشين، وتتبع المعتصم أولئك القواد، فأخذوا جميعا، وَكَانَ منهم أحمد بْن الخليل، فأمر به أن يحمل عَلَى بغل بإكاف بلا وطاء [3] ، ويطرح فِي الشمس إذا نزل [4] ، ويطعم كل يوم رغيفا واحدا، وَكَانَ منهم عجيف، فدفع إِلَى إيتاخ، فعلق عَلَيْهِ حديدا كثيرا، فلمَا نزل العباس 39/ ب منبج- وَكَانَ العباس [5] جائعا-/ سأل الطعام فقدم إِلَيْهِ، فأكل فلمَا طلب المَاء منع وأدرج فِي مسح، فمَات فيه بمنبج، وكذلك عجيف قدم إليه الطعام ومنع المَاء فمَات، وأهلك كل واحد من القوم بسبب ورود المعتصم سامراء [سالمَا] [6] ، فسمى العباس يومئذ اللعين [7] .
ولمَا فتح المعتصم عمورية، قَالَ محمد بْن عبد الملك الزيات:
أقام الإمَام منار الهدى ... وأخرس [8] ناقوس عموريه
فقد أصبح الدين مستوسقا ... وأضحت زياد الهدى واريه [9]
[حصول جارية محمود الوراق فِي يد المعتصم بعد موت سيدها]
ومن الحوادث: حصول جارية محمود الوراق فِي يد المعتصم [10] بعد موت سيدها محمود الوراق [11] .
أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أحمد [بن عَلِيِّ] [12] بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الأَزْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جعفر النجار، أَخْبَرَنَا أبو محمد العتكي، حَدَّثَنَا يموت بْن المزرع، عن الجاحظ قَالَ: طلب المعتصم جارية كانت لمحمود الوراق، وَكَانَ نخاسا، بسبعة آلاف دينار [فامتنع محمود من بيعها، فلمَا مَات محمود اشتريت للمعتصم من ميراثه بسبعمَائة دينار] [13] ، فلمَا دخلت عَلَيْهِ، قَالَ [لها] [14] : كيف رأيت تركتك [حتى
__________
[1] في ت: «لا يكتمه من أمره شيئا» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «على مركوب بلا وطاء» .
[4] «إذا نزل» ساقطة من ت.
[5] في ت: «وكان جائعا فسأل الطعام» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] تاريخ الطبري 9/ 71- 79.
[8] في ت: «وأخرق» .
[9] في ت: «مورية» .
[10] «في يد المعتصم» ساقطة من ت.
[11] في ت: «بعد موته للمعتصم» .
[12] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[13] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[14] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(11/84)
اشتريتك] [1] من سبعة آلاف دينار بسبعمَائة؟ قالت: أجل، إذا كَانَ الخليفة ينتظر بشهواته المواريث، فإن سبعين دينارا كثيرة فِي ثمني فضلا عن سبعمَائة. فأخجلته.
[وحج بالناس في هذه السنة مُحَمَّد بْن داود] [2] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1267- عجيف بْن عنبسة [3] .
قائد كبير من القواد، قد ذكرنا في الحوادث [4] أنه خامر عَلَى الخليفة، فأخذ ومنع المَاء حَتَّى مَات. وروي أنه قتل وطرح [5] تحت حائط.
[أنبأنا محمد بْن عبد الباقي، أنبأنا التنوخي، عن أبيه روى عن محمد بْن الفضل الجرجاني أَنَّهُ تحدث فِي وزارته للمعتصم قَالَ: كنت أتولى ضياع عجيف- وَهُوَ أحد القواد- فرفع عليّ أنني جئت وأخرجت الضياع، فأنفذ إلي، فأدخلت عَلَيْهِ وَهُوَ يطوف فِي داره عَلَى ضياع فيها، فلمَا رآني شتمني وقال: أخربت الضياع، ونهبت الارتفاع والله لأقتلنك، هاتوا السياف [6] . فأحضرت ونحيت للضرب، فلمَا رأيت ذلك ذهب عقلي وبلت عَلَى ساقي، فنظر كاتبه إلي فَقَالَ: أعز الله الأمير، أنت مشتغل القلب بهذا البناء وضرب هَذَا أو قتله فِي أيدينا ليس يفوت فتأمر بحبسه، وانظر فِي أمره، فإن كانت الرقعة صحيحة فليس يفوتك عقابه، وإن كانت باطلة لم تستعجل الإثم وتنقطع عمَا أنت بسبيله من المهم. فأمر بي إِلَى الحبس فمكثت أياما، وقتل المعتصم عجيفا، فاتصل الخبر بكاتبه فأطلقني، فخرجت ومَا أهتدي إِلَى حبة فضة فمَا فوقها، فقصدت صاحب الديوان بسر من رأى فسر بإطلاقي، وقلدني عملا فنزلت دارا، فرأيت مستحمها غَيْر نظيف، فإذا تل فجلست أبول عَلَيْهِ، وخرج صاحب الدار فَقَالَ لي: أتدري عَلَى أي شيء بلت؟
قُلْتُ: عَلَى تل تراب. فضحك وقال: هَذَا رجل من قواد السلطان يعرف بعجيف سخط عَلَيْهِ، وحمله مقيدا، فلمَا صار ها هنا قتل، وطرح فِي هَذَا المكان تحت حائط، فلما
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] هذه الترجمة جاءت في النسخة ت في نهاية تراجم السنة.
[4] «في الحوادث» ساقطة من ت.
[5] في ت: «ورمي» .
[6] في ت: «السيات» .(11/85)
انصرف العسكر طرحنا الحائط ليواريه من الكلاب، فهو والله تحت هَذَا التل التراب.
قَالَ: فعجبت من بولي خوفا منه ومن بولي عَلَى قبره] [1] .
1268- أحمد بْن الحكم أبو علي العبدي [البغدادي] [2] .
روى عن مَالك بْن أنس، وإبراهيم بْن سعد، وشريك بْن عبد الله. قال 40/ أالدار الدارقطني: هُوَ متروك الْحَدِيث. قَالَ أبو سعيد بْن يونس/: قدم مصر وتوفي بِهَا فِي ذي القعدة من هَذِهِ السنة.
1269- حسان بْن غالب بْن نجيح، أبو القاسم الرعيني [3] .
يروي عن مالك، والليث، وابن لهيعة، وكان ثقة. توفي في رجب هذه السنة.
1270- خالد بن خداش بن عجلان، أبو الهيثم المهلبي، مولى آل المهلب بن أبي صفرة [4] .
حدث عن مَالك، وحمَاد بْن زيد، وخلق كثير. روى عن أحمد بْن حنبل، وغيره. وَكَانَ ثقة صدوقا.
توفي فِي جمَادى الآخرة من هَذِهِ السنة، وَكَانَ يخضب بالحناء.
1271- عبد الله بْن محمد [5] بْن حميد بْن الأسود، أبو بكر البصري، ابْن أخت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مهدي [6] .
كَانَ ضامن همذان، ويعرف بابن أبي الأسود، وأبو الأسود هو حميد جده. سمع
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 4/ 122.
[3] الرعينيّ: هذه النسبة إلى ذي رعين من اليمن، وكان من الأقيال وهو من قبيل اليمن نزلت جماعة منهم مصر.
(الأنساب 6/ 139) .
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 304.
[5] في ت: «عبد الله بن أحمد» .
[6] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 446.(11/86)
مالك بن أنس، وحماد بن زيد وأبا عوانة. روى عنه: إبراهيم الحربي، وابن أبي الدنيا- وكان حافظا متقنا.
توفي فِي جمَادى الآخرة من هَذِهِ السنة.
1272- العباس بْن المأمون.
قد ذكرنا [فِي الحوادث] [1] أنه بويع فِي السر، وأراد قتل المعتصم، وذكرنا كيفية هلاكه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(11/87)
ثم دخلت سنة أربع وعشرين ومائتين
[دفع المعتصم خاتم الخلافة إلى ابنه هارون]
فمن الحوادث فيها:
أن [1] المعتصم دفع [2] خاتم الخلافة إِلَى ابنه هارون، وأقام مقام الخلافة [3] عنه واستكتب لَهُ سُلَيْمَان [بْن محمد] [4] بْن عبد الملك، [وفيها أجرى المعتصم الخيل، وَكَانَ يومَا مشهودا] [5] .
وفيها تزوج الحسن بْن أفشين أترجة بنت أشناس، ودخل بِهَا فِي [6] قصر المعتصم فِي جمَادى الآخرة ودخل قصرها [7] وحضر عرسها المعتصم وعامة أهل سامراء، وكانوا يغلفون العامة بالغالية [من تغار] [8] .
__________
[1] «ان» ساقطة من ت.
[2] في ت: «دفع المعتصم» .
[3] في ت: «الخليفة» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «ودخل فيها» .
[7] «في جمادى الآخرة ودخل قصرها» ساقطة من ت.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
يغلفون: يطيبون.
الغالية: نوع من الطيب.
وفي القاموس: «التيغار: الإجانة» ، ولعل التغار لغة فيه.
انظر: تاريخ الطبري 9/ 101.(11/88)
وفي شوال: زلزلت مدينة فرغانة، فمَات منها أكثر من خمسة عشر ألفا/.
وحج بالناس في هذه السنة مُحَمَّد بن داود [1] . 40/ ب
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1273- إبراهيم بْن المهدي:
ويكنى أبا إسحاق، وأمه أم ولد يقال لها: شكلة. ولد سنة ست وستين ومَائة، وَكَانَ أسود اللون، شديد السواد [2] ، عظيم الجثة، ولم ير فِي أولاد الخلفاء أفصح منه، ولا أجود شعرا، وَكَانَ كريمَا، بويع لَهُ بالخلافة من أيام المأمون فِي سنة اثنتين ومَائتين، وَهُوَ يومئذ ابْن تسع وثلاثين سنة وشهرين وخمسة أيام، وقد ذكرنا السبب، وأن المأمون بايع لعلي بن موسى الرضى بولاية العهد، فغضب بنو العباس، وقالوا: لا نخرج الأمر من أيدينا، فبايعوا إِبْرَاهِيم، فلمَا قدم المأمون من خراسان استتر إبراهيم، فأقام فِي استتاره ست سنين وأربعة أشهر وعشرة أيام، وَكَانَ ينتقل فِي المواضع، حَتَّى نزل بقرب جبلة [3] ، ثم ظفر به المأمون لثلاث عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة عشر ومَائتين.
وقد ذكرنا قصته معه، وعفوه عنه فِي حوادث تلك السنة، ولم يزل بعد أن عفا عنه إِلَى أن توفي.
أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة قَالَتْ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد بْن السراج، أَخْبَرَنَا أبو القاسم عَبْد العزيز بْن بندار الشيرازي، أَخْبَرَنَا أحمد بْن علي بْن لال قَالَ: أخبرني أحمد بْن عَلِيّ بْن حرب، عن بعض مشايخه قَالَ اختفى إبراهيم بْن المهدي زمن المأمون عند أخته علية [4] ، وكانت تكرمه غاية [5] الكرامة، وقد [6] وكّلت به جارية قد
__________
[1] تاريخ الطبري 9/ 102.
[2] «شديد السواد» ساقطة من ت.
[3] في ت: «حتى نزل جبانة» .
[4] في ت: «عند عمته» ، و «علية» سقطت من ت.
[5] «غاية» سقطت من ت.
[6] «وقد» سقطت من ت.(11/89)
41/ أأدبتها وأنفقت/ عَلَيْهَا الأموال، وكانت حاذقة راوية للشعر، وكانت قد طلبت منها مَائة وخمسين ألف [درهم] [1] ، وكانت تتولى خدمة [2] إبراهيم، وتقوم عَلَى رأسه، فهويها، وكره طلبها من عمته، فلمَا اشتد وجده بِهَا، أخذ عودا، وغنى بشعر لَهُ فيها، وهي واقفة عَلَى رأسه:
يَا غزالا لي إليه ... شافع من مقلتيه
والذي أجللت خديه ... فقبلت يديه
بأبي وجهك مَا أكثر ... حسادي عَلَيْهِ
أنا ضيف وجزاء الضيف ... إحسان إليه
فسمعت الجارية الشعر، وفطنت لمعناه لرقتها وظرفها [3] ، وكانت مولاتها تسألها [4] عن حالها معه [5] وحاله كل يوم، فأخبرتها فِي ذلك اليوم بمَا فِي قلبه منها وبمَا سمعت منه من الشعر والغناء، فقالت [لها] [6] مولاتها: اذهبي فقد وهبتك لَهُ. فعادت إليه فلمَا رآها أعاد الصوت فأكبت [7] عَلَيْهِ الجارية فقبلت رأسه، فَقَالَ لها: كفي.
فقالت: قد وهبتني مولاتي لك، وأنا الرَّسُول، فَقَالَ: [أمَا] [8] الآن فنعم.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الجوهري قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن العباس قَالَ: أنشدني عبيد الله بْن أحمد المروروذي قَالَ:
أنشدني إبراهيم بْن المهدي:
قد شاب رأسي وراس الحرص لم يشب ... إن الحريص عَلَى الدنيا لفي تعب
قد ينبغي لي مَعَ مَا حزت من أدب ... أن لا أخوض فِي أمر ينقص بي/
__________
[1] في ت: «خمسين ألف» وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ت: «تلي خدمته» .
[3] في الأصل: «لوقتها لظرفها» .
[4] في ت: «نسائلها» .
[5] «معه» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «فمالت» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(11/90)
لو كَانَ يصدقني دهري [1] بفكرته ... مَا اشتد غمي على الدنيا ولا نصبي 41/ ب
أسعى وأجهد فيمَا لست أدركه ... والموت يكدح فِي زندي وفي عصبي [2]
باللَّه ربك كم بيت مررت به ... قد كَانَ يغمر باللذات والطرب
طارت عباب [3] المنايا فِي جوانبه ... فصارت بعدها [4] للويل والحرب
فامسك عنانك لا تجمح به طلع ... فلا وعينك مَا الأرزاق بالطلب
قد يرزق العبد لم يتعب رواحله ... ويحرم الرزق من لم يوف من طلب
مَعَ أنني واجد فِي الناس واحدة ... الرزق والنول مقرونان فِي سبب
وخطة ليس فيها من بيان غنى ... الرزق أروع شيء عن ذوي الأدب
يَا ثاقب الفهم كم أبصرت ذا حمق ... الرزق أعرى به من لازم الجرب [5]
/ توفي إبراهيم بْن المهدي فِي رمضان هَذِهِ السنة [وصلى عَلَيْهِ المعتصم] [6] .
1274- سليمَان [7] بْن حرب، أبو أيوب الأسدي [8] الواشجي البصري [9] .
ولد سنة أربعين ومَائة، سمع شعبة وجرير بْن حازم، والحمَادين، وغيرهم. 42/ أروى عنه يحيى بن سعيد القطان، وأحمد بْن حنبل، وابن راهويه، والبخاري، وغيرهم، وقرأ الفقه، وكان لا يدلس.
قَالَ أبو حاتم الرازي: حضرت مجلسه ببغداد عند قصر المأمون، فبني لَهُ شبه [10] منبر، فصعد، وحضر حوله جمَاعة من القواد عليهم السواد، والمأمون فوق قصره قد فتح
__________
[1] في ت: «ذهني» .
[2] هذا البيت جاء في النسخة ت متقدما عما هنا ببيتين.
[3] في ت: «عقاب» .
[4] في ت: «بعده» .
[5] لم أجد هذا النص في تاريخ بغداد المطبوع.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل «سلمان» .
[8] في ت: «الأزدي» .
[9] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 322.
[10] في ت: «له شبيه» .(11/91)
باب القصر، وقد أرسل ستر يشف [1] وَهُوَ خلفه، يكتب مَا يملي، وحرز من حضر أربعين ألف رجل [2] ، وكان لا يسأل عن حديث إلا حدث من حفظه، ولي قضاء مكة [فِي] [3] سنة أربع عشرة ومَائتين، ثم عزل [عنها] [4] فِي سنة تسع عشرة، فرجع إِلَى البصرة، فلم يزل بِهَا حَتَّى توفي فِي ربيع الآخر من هَذِهِ السنة.
1275- شيبان المصاب
[5] .
أَخْبَرَنَا عمر بْن ظفر، أخبرنا جعفر بن أحمد السراج، أخبرنا عبد العزيز بْن علي الأرخي، أَخْبَرَنَا علي بْن عبد الله بْن جهضم، حَدَّثَنَا أحمد بْن محمد بْن عيسى [الرازي] [6] حَدَّثَنَا أحمد بْن سَلَمَة قَالَ: حَدَّثَنَا سالم قَالَ: بينمَا أنا سائر مَعَ ذي النون فِي جبل لبنان، إذ قَالَ: مكانك يَا سالم حَتَّى أعود إليك، فغاب فِي الجبل ثلاثة أيام، وأنا أنتظره، فإذا هاجت علي النفس أطعمتها من نبات الأرض وسقيتها من مَاء الغدران، فلمَا كَانَ بعد الثالث رجع إلي متغير اللون، ذاهب العقل، فقلت له [بعد ما رجعت إليه نفسه] [7] : يَا أبا الفيض، أسبع [8] عارضك؟ قَالَ: لا، دعني من تخويف البشرية، إني 42/ ب دخلت كهفا من كهوف هَذَا الجبل، فرأيت رجلا أبيض الرأس واللحية شعثا/ أغبر، نحيفا نحيلا، كأنمَا أخرج من قبره، ذا منظر مهول وهو يصلي، فسلّمت عليه [9] بعد ما سلم، فرد علي السلام وقال: الصلاة، فمَا زال راكعا وساجدا حَتَّى صلى العصر واستند إِلَى حجر بحذاء المحراب يسبح ولا يكلمني، فبدأته بالكلام وقلت لَهُ: رحمك الله توصني [10] بشيء ادع الله عز وجل لي بدعوة. فَقَالَ: يَا بني، انسك الله بقربة، ثم سكت، فقلت: زدني. قَالَ: يَا بني من آنسه بقربه أعطاه أربع خصال: عزا من غير عشيرة، وعلمَا من غير طلب، وغنى من غير مَال وأنسا من غير جمَاعة. ثم شهق شهقة فلم يفق إلا بعد ثلاثة أيام حَتَّى توهمت أنه ميت، فلمَا كَانَ بعد ثلاثة أيام قام وتوضأ من عين مَاء إِلَى جنب الكهف، وقال لي: يَا بني [، كم فاتني] [11] من الفرائض؟ صلاة أو
__________
[1] «يشف» ساقطة من ت.
[2] في ت: «إنسان» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «المضار» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «لسبع عارضك» .
[9] «عليه» ساقط من ت.
[10] في ت: «أوصيني» .
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(11/92)
صلاتان أو ثلاث [1] ؟ قلت: قد فاتتك صلاة [2] ثلاثة أيام بلياليهن [3] ، فَقَالَ:
إن حب [4] الحبيب هيج شوقي ... ثم حب الحبيب أذهل عقلي [5]
وقد استوحشت من ملامة [6] المخلوقين، وقد أنست بذكر رب العالمين، انصرف عني بسلام، فقلت لَهُ: يرحمك الله وقفت عليك ثلاثة أيام رجاء الزيادة [وبكيت] [7] .
فَقَالَ: أحبب مولاك ولا ترد بحبه بدلا، فالمحبون للَّه تعالى هم تيجان العباد، وعلم الزهاد، وهم أصفياء الله وأحباؤه. ثم صرخ صرخة عظيمة فحركته، فإذا هُوَ قد فارق الدنيا، فمَا كَانَ إلا هنيئة، وإذا بجمَاعة من العباد ينحدرون من الجبال [8] حَتَّى واروه تحت التراب، فسألت: مَا اسم هَذَا الشيخ؟ قَالُوا: شيبان المصاب. قَالَ سالم: سألت أهل الشام عنه قالوا: كَانَ مجنونا. / قلت: تعرفون من كلامه شيئا؟ قالوا: نعم كلمة 43/ أوجيزة [9] كَانَ يغني بِهَا إذا ضجر [10] :
إذا بك يَا حبيبي ... لم أجن فبمن؟ [11]
قَالَ سالم: فقلت: عمي والله عليكم.
1276- عبد الله بْن عمرو بْن أبي الحجاج، أبو معمر المقري المقعد البصري [12] .
سَمِعَ عَبْدَ الْوَارِثِ [13] بْنَ سَعِيدٍ، والدراوَرْديّ. رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَالدُّورِيُّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ [قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر بْن ثابت] [14] الخطيب [15] قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَليّ بْن أَبِي عَلِيٍّ [16] الْبَصْرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الْمُعَدَّلُ قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ الأَنْبَارِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ
__________
[1] «أو ثلاث» ساقطة من ت.
[2] «صلاة» ساقطة من ت.
[3] في ت: «ولياليهن» .
[4] في ت: «إن ذكر» .
[5] في ت: «ثم حب الحبيب أذهب عقلي» .
[6] في ت: «من ملاقاة المخلوقين» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «منحدرين من الجبل» .
[9] في ت: «واجيزة» .
[10] في الأصل: «إذا ضحى» .
[11] في ت: «إذا لم أجر ويا حبيبي فبمن؟» .
[12] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 24، 25.
[13] في الأصل: «عبد الرزاق بن سعيد» .
[14] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[15] في الأصل: «أخبرنا الخطيب القزاز» .
[16] في الأصل: «أبو علي بن أبي علي» .(11/93)
عَبْد الرَّحْمَنِ الرَّبَعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ التُّوزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْمَرٍ صَاحِبُ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ: كَانَ شُعْبَةُ يُحَقِّرُنِي [1] إِذَا ذَكَرْتُ شَيْئًا، فَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ كعب بن مالك بن قَالَ:
قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلَّ رَيْبٍ ... بِخَيْبَرَ ثم أحمينا السيوفا
فسائلها وَلَوْ نَطَقَتْ لَقَالَتْ ... قَوَاطِعُهُنَّ دَوْسًا أَوْ ثَقِيفًا
فَلَسْتُ لِمَالِكٍ إِنْ لَمْ يَزَرْكُمْ ... بِسَاحَةِ دَارِكُمْ مِنَّا أُلُوفًا
وَتُنْتَزَعُ الْعُرُوشُ عُرُوشُ وَجٍّ ... وَتُصْبِحُ دَارُكُمْ مِنْكُمْ خُلُوفًا
فَقُلْتُ لَهُ: وَأَيُّ عُرُوشٍ كَانَتْ؟ ثُمَّ قَالَ: مِمَّا هِيَ، قُلْتُ: وَيُنْتَزَعُ الْعُرُوشُ عُرُوشُ وَجٍّ، وَذَلِكَ [2] مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها 2: 259 [3] قَالَ: وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْرِمُنِي وَيَرْفَعُ مَجْلِسِي.
كَانَ أَبُو مَعْمَرٍ ثِقَةً ثَبْتًا، لَكِنَّهُ كَانَ يقول بالقدر. توفي في هذه السنة.
43/ ب
1277- عَبْد الرَّحْمَنِ بْن يونس بْن هاشم، / أبو مسلم الرومي، مولى أبي جعفر المنصور [4] .
ولد سنة أربع وستين [5] ومَائة، وَكَانَ يستملي عَلَى سفيان بْن عيينة، ويزيد بْن هارون، روى عنه: الْبُخَارِيّ فِي صحيحه، والحربي [6] ، وابن أبي الدنيا، وقال: أبو حاتم الرازي: صدوق [7] .
وتوفي ببغداد فِي رجب هَذِهِ السنة.
1278- علي بْن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَيْفٍ، أبو الحسن المدائني، مولى عبد الرحمن بن سمرة [8] القرشي [9] .
__________
[1] في الأصل: «يحدثني» .
[2] «وذلك» ساقطة من ت.
[3] سورة: الحج، الآية: 45.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 258، 259.
[5] «وستين» ساقطة من ت.
[6] في الأصل: «البحري» .
[7] في ت: «هو ثقة صدوق» . وما أثبتناه من الأصل، وتاريخ بغداد.
[8] في الأصل: «عبد الله بن ثمرة» .
[9] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 54- 55.(11/94)
وَهُوَ بصري هي مولده ونشأ بِهَا [1] ، وسكن المدائن، ثم انتقل عنها إِلَى بغداد، فسكن بها إلى أن توفي في هذه السنة، وقيل فِي سنة خمس وعشرين [2] وله ثلاث وتسعون سنة، وَكَانَ عالمَا بأيام الناس وأخبار العرب والفتوح والمغازي، وله مصنفات [3] .
[وقد] [4] روى عنه الزبير بْن بكار وغيره، وَكَانَ من الثقات، أهل الخير، يسرد الصوم قبل موته ثلاثين سنة.
قَالَ أبو قلابة: حدثت أبا عاصم النبيل بحديث فَقَالَ: عمن هَذَا؟ فقلت ليس [لَهُ] [5] إسناد ولكن حدثنيه أبو الحسن المدائني، فَقَالَ: سبحان الله، أبو الحسن إسناد [6] .
أخبرنا [أبو منصور] [7] القزاز، قال: أخبرنا أحمد بْن علي [8] ، أَخْبَرَنَا الصيمري، حَدَّثَنَا علي بْن أَيُّوب، أَخْبَرَنَا محمد بْن عمران المرزباني قَالَ: قَالَ أبو عمر المطرز:
سمعت أحمد بْن يحيى النَّحْويّ يقول: من أراد أخبار الجاهلية فعليه بكتب أبي عبيدة، ومن أراد أخبار الإسلام فعليه بكتب المدائني [9] .
1279/- القاسم بْن سلام، أبو عبيد [10] .
44/ أكان أبوه عبدا روميا لرجل من أهل هراة، وبها ولد أبو عبيد، ويحكي أن سلامَا خرج يوما وأبو عبيد مَعَ ابْن مولاه فِي الكتاب، فَقَالَ للمعلم: علمني القاسم فإنّها كسبه [11] .
__________
[1] في ت: «ومنشأه» .
[2] في ت: «ثلاث وتسعون» .
[3] في ت: «وهو صاحب الكتب المصنفة» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل، ت «إسناده» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «أبو بكر بن ثابت» .
[9] تاريخ بغداد 12/ 55.
[10] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 403- 416.
[11] في ت: «فقال للمعلم: علم القاسم فإنه كيس» انظر الخبر في تاريخ بغداد 12/ 403.(11/95)
طلب أبو عبيد [1] العلم، وسمع الحديث من إسمَاعيل بْن جعفر، وشريك، وهشيم، وابن عيينة، ويزيد بْن هارون، وخلق كثير، وروى اللغة عن البصريين والكوفيين، عن أبي زيد، وأبي عبيدة، والأصمعي، واليزيدي، وعن أبي عثمَان [2] ، وأبي عمرو الشيباني، والكسائي، [والأحوص] [3] ، والأحمر، والفراء. وصنف الكتب فِي فنون الفقه والقراءات، والغريب، [4] وغير ذلك. وَكَانَ مؤدبا [5] لآل هرثمة، وصار فِي ناحية عبد الله بْن طاهر وَكَانَ [6] ذا فضل ودين وجود، ومذهب حسن [7] .
أَخْبَرَنَا أبو منصور عبد الرحمن [8] بن محمد، أخبرنا أبو بكر بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ [9] ، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو العلاء قَالَ: قَالَ أبو الحسن محمد بْن جعفر التَّمِيمِيّ: كَانَ طاهر بْن الحسين حين مضى إِلَى خراسان نزل بمرو، فطلب رجلا يحدثه ليله، فقيل:
ما هاهنا إلا رجل مؤدب، فأدخل عَلَيْهِ أبو عبيد، فوجده أعلم الناس بأيام الناس، والنحو، واللغة، والفقه، فَقَالَ لَهُ: من المظالم تركك أنت [10] بهذا البلد، فدفع إليه ألف دينار، وقال له: أنا متوجه إلى خراسان إلى حرب [11] ، وليس أحب استصحابك شفقة عليك، 44/ ب فأنفق هَذِهِ إِلَى أن أعود إليك قَالَ [12] أبو عبيد: [صنفت] [13] / «غريب المصنف» إِلَى أن عاد طاهر بْن الحسين من خراسان فحمله معه إلى سامراء [14] .
__________
[1] في الأصل: «أبو عبيدة» .
[2] في ت: «وعن الأعرابي» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] من أول: «الشيبانيّ والكسائي ... » حتى: « ... والغريب» جاء في الأصل قبل عبارة: «وكان ذا فضل ودين» .
[5] في ت: «مؤذنا» .
[6] في الأصل: «وكان» .
[7] تاريخ بغداد 12/ 404.
[8] «وعبد الرحمن بن محمد» ساقطة من ت.
[9] «علي بن ثابت» ساقطة من ت.
[10] «أنت» ساقطة من ت.
[11] في الأصل: «لحرب» .
[12] في الأصل: «فألف» .
[13] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[14] تاريخ بغداد 12/ 405، 406.(11/96)
قَالَ التميمي: وحَدَّثَنَا أبو علي النحوي، حَدَّثَنَا الفسطاطي قَالَ: كَانَ أبو عبيد مَعَ ابْن طاهر، فوجه إليه أبو دلف يستهديه أبا عبيد مدة [1] شهرين، فأنفذ أبا عبيد إليه فأقام شهرين، فَلَمَّا أراد الانصراف وصله أبو دلف بثلاثين ألف درهم، فلم يقبلها وقال:
أنا فِي جنبة [2] رَجُل مَا يحوجني إِلَى صلة أحد ولا آخذ مَا فيه علي نقص، فلمَا عاد إِلَى طاهر وصله بثلاثين [3] ألف دينار بدل مَا وصله أبو دلف، فَقَالَ لَهُ: أيها الأمير [قد قبلتها، ولكن] أنت [قد] [4] أغنيتني بمعروفك وبرك وكفايتك عنها، وقد رأيت أن أشتري بِهَا سلاحا وخيلا، وأوجّه بها إلى الثغور ليكون الثواب متوفرا عَلَى الأمير ففعل [5] .
أَخْبَرَنَا [أبو منصور] عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا [أبو بكر] [6] أحمد بن علي بن ثابت [7] ، حدثنا [8] أبو القاسم الأزهري، حَدَّثَنَا أحمد بْن إبراهيم، حَدَّثَنَا عُبَيْد الله بْن عَبْد الرَّحْمَنِ السكري قَالَ: قَالَ أحمد بْن يوسف- إمَا سمعته منه أو [9] حدثت به عنه- قَالَ: لمَا عمل أبو عبيد كتاب «غريب الحديث» عرضه عَلَى عبد الله بْن طاهر فاستحسنه وقال: إن عقلا بعث [10] صاحبه عَلَى عمل مثل هَذَا الكتاب لحقيق أن لا يحوج [11] إِلَى طلب المعاش، فأجرى لَهُ عشرة آلاف درهم فِي كل شهر [12] .
وأول من سمع هَذَا الكتاب من أبي عبيد: يحيى بْن معين، وابن المديني [13] .
وَكَانَ الأصمعي يقول: لن يضيع الناس ما حيي أبو عبيد/. 45/ أوقال إبراهيم [الحربي] [14] : مَا شبهت أبا عبيد إلا بجبل نفخ فيه روح.
وَكَانَ أبو عبيد يقسم الليل أثلاثا فينام ثلثه، ويصلي ثلثه، ويضع الكتب ثلثه [15] .
وتولي قضاء طرسوس، ثم حج سنة تسع عشر، ومَات بمكة سنة أربع وعشرين، وقيل فِي التي قبلها [16] ، وقد بلغ سبعا وستين سنة.
__________
[1] في الأصل: «مند» .
[2] في ت: «ناحية» .
[3] في الأصل: «باثنتين» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ بغداد 12/ 406.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «أخبرنا أبو بكر» .
[8] في ت: «أخبرنا» .
[9] في ت: «وأما» .
[10] في ت: «يمين» .
[11] في الأصل: «يخرج» .
[12] تاريخ بغداد 12/ 406.
[13] تاريخ بغداد 12/ 407.
[14] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[15] تاريخ بغداد 12/ 408.
[16] في ت: «وقيل سنة ثلاث وعشرين ومائتين» .(11/97)
ثُمّ دخلت سنة خمس وعشرين ومَائتين
فمن الحوادث فيها:
أن المعتصم أجلس [1] أشناس عَلَى كرسي وخلع عَلَيْهِ وتوجه ووشحه فِي شهر ربيع الأول [2] .
[خلع المعتصم عَلَى محمد بْن عبد الملك الزيات واستوزره]
وفيها: خلع المعتصم عَلَى محمد بْن عبد الملك الزيات ووسمه [3] بالوزارة، ورفع من قدره.
[غضب المعتصم على جعفر بن دينار]
وفيها: غضب المعتصم عَلَى جعفر بْن دينار من أجل وثوبه عَلَى من كَانَ معه من الشاكرية، وحبسه عند أشناس خمسين يومَا، وعزله عن اليمن وولاها إيتاخ، ثم رضي عن جعفر [ثم عزل الأفشين عن الحرس، ووليه إسحاق بن يحيى] [4] .
[غضب المعتصم على الأفشين]
وفيها: غضب المعتصم عَلَى الأفشين، فحبسه لأنه رفع عنه أنه يريد قتل المعتصم.
وذكر الصولي أن أحمد بْن أبي دؤاد قَالَ للمعتصم: إن الأفشين قد كاتب المَازيار، وَكَانَ خارجيا، فَقَالَ المعتصم: فكيف [5] أعلم حقيقة ذلك؟ قال: تبعث إلى
__________
[1] في ت: «أدخل» .
[2] «وخلع عَلَيْهِ وتوجه ووشحه فِي شهر ربيع الأول» هذه العبارة تكررت في النسخة ت. انظر: تاريخ الطبري 9/ 103.
[3] في ت: «ورسمه» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «قال: كيف أعلم..» .(11/98)
كاتبه فِي الليل فتهدده [1] ، فإنه ضعيف القلب، وسيقر لك، ففعل وأعطاه أمَانا، فأقر لَهُ.
قَالَ لَهُ: فَمنْ كتب الكتاب؟ قَالَ: أنا. قَالَ: فمَا فيه؟ قَالَ: كتب إليه: لم يكن في العصر غير بابك وغيرك وغيري، فمشى [2] بابك وقد جاءك جيش [3] ، فإن هزمته كفيتك أنا الحضرة، وخلص لنا الدين الأبيض، قَالَ: فانصرف ولا تعلم [4] أحدا بمَا جرى/، فإن 45/ ب علم الأفشين بمجيئك إلي فقل: سألني عن خدمك [5] ومئونتك وعيالك.
قَالَ أحمد بْن أبي دؤاد: فدخلت عَلَى المعتصم وَهُوَ يبكي، فأنكرت ذلك، فَقَالَ: يَا أبا عبد اللَّه، رجل أنفقت عليه ألف دينار، ووهبت لَهُ مثلها، يريد قتلي، وقد تصدقت بعشرة آلاف ألف درهم، فخذها فأنفدها، وَكَانَ الكرخ قد احترقت، حَتَّى كَانَ الرجل إذا قام من ضيعة الكرخ رَأَى أرقال السفن.
فَقَالَ أحمد بْن أبي دؤاد: إن رأى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أن يجعل النصف من هَذَا المَال لأهل الحرمين والنصف [الآخر] [6] لأهل الكرخ. قَالَ: أفعل. وكتب المعتصم إِلَى عبد الله بن طاهر أن يقبض عَلَى الحسن بْن الأفشين وامرأته أترجة بنت أشناس فِي يوم حده لَهُ، وقبض هُوَ عَلَى الأفشين فيه [7] وحبسه.
وفي مستهل [8] جمَادى الأولى: كانت رجفة بالأهواز عظيمة، تصدعت منها الجبال وخصوصا الجبل المطل عَلَى الأهواز، ودامت أربعة أيام بلياليها، وهرب أهل البلدة إِلَى البر وإلى السفن، وسقطت فيها دور كثيرة، وسقط نصف الجامع، ومكثت ستة عشر يومَا.
[إحراق الكرخ]
وفيها: أحرقت الكرخ فأسرعت [9] النار فِي الأسواق، فوهب المعتصم للتجار وأصحاب العقار خمسة آلاف ألف درهم جرت عَلَى يد ابْن أبي دؤاد، وقدم بها إلى بغداد، ففرقها.
[إحراق المعتصم غناما المرتد]
وفيها [10] : أحرق المعتصم غناما المرتد.
__________
[1] في ت: «فتتهدده» .
[2] في ت: «غير بابك وغيري وغيرك، فمضى» .
[3] في ت: «بجيش» .
[4] في الأصل: «لا تعلم» .
[5] في الأصل: «عن حرمك» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «فيه» ساقطة من ت.
[8] «مستهل» ساقطة من ت.
[9] في الأصل: «فأسرع» .
[10] في ت: «وفي هذه السنة» .(11/99)