الأَنْصَارُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَخَذَتْهُ الرَّأْفَةُ بِقَوْمِهِ وَالرَّغْبَةُ فِي قُرْبَتِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْوَحْيَ بِمَا قَالَتِ/ الأَنْصَارُ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، تَقُولُونَ أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَدْرَكَتْهُ الرَّأْفَةُ بِقَوْمِهِ وَالرَّغْبَةُ فِي قُرْبَتِهِ، فَمَنْ أَنَا إِذَنْ، كَلا وَاللَّهِ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ حَقًّا، الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ» قَالُوا: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قُلْنَا ذَلِكَ إِلا مَخَافَةَ أَنْ تُفَارِقَنَا، قَالَ: «أَنْتُمْ صَادِقُونَ عِنْدَ اللَّهِ [وَعِنْدَ] رَسُولِهِ» . قَالَ: وَاللَّهِ مَا فِيهِمْ إِلا مَنْ أَبْحَرَ بِالدُّمُوعِ. وهرب يومئذ عبد الله بن الزبعري، ثم عاد فأسلم، وهرب هبيرة بن أبي وهب وأقام كافرا.
وكان فتح مكة [يوم الجمعة] [1] لعشر بقين من رمضان فأقام بها خمس عشرة ليلة يصلي ركعتين ثم خرج إلى حنين، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد يصلي بهم، ومعاذ بن جبل يعلمهم السنن والفقه.
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حيويه، أخبرنا أحمد بن مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ] [2] عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ، وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ [3]
. ومن الحوادث في رمضان هذه السنة
سرية خالد بن الوليد إلى العزى لخمس ليال بقين من رمضان
[4] وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعثه إلى العزى ليهدمها، فخرج حتى انتهى إليها في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: «قال محمد بن سعد عن عائشة ... » وما أوردناه من أ.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 1/ 101.
[4] المغازي للواقدي 3/ 873، وطبقات ابن سعد 2/ 2/ 151، وسيرة ابن هشام 2/ 436، وتاريخ الطبري 3/ 65 والبداية والنهاية 42/ 314.(3/329)
ثلاثين رجلا فهدمها ثم رجع إلى رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: «هل رأيت شيئا؟» قال: لا، قال: «فإنك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها» فرجع متغيظا فجرد سيفه، فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ثائر الرأس، فجعل السادن يصيح بها، فضربها خالد فجز لها باثنتين ورجع فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «تلك العزى وقد أيست أن تعبد ببلادكم أبدا» . وكانت بنخلة، وكانت لقريش وجميع بني كنانة، وكانت أعظم أصنامهم، وكان سدنتها بنو/ شيبان. قال مؤلف الكتاب: وقد اختلف العلماء في العزى على قولين، أحدهما: أنها شجرة كانت لغطفان يعبدونها. قاله مجاهد. والثاني: صنم. قاله الضحاك
. وفي رمضان أيضا كانت
سرية عمرو بن العاص [إلى سواع] [1]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعثه حين فتح مكة إلى سواع، وهو صنم لهذيل، ليهدمه، قال عمرو: فانتهيت إليه وعنده السادن، فقال: ما تريد؟ قلت: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أهدمه، قال: لا تقدر على هدمه، قلت: ولم؟ قال: تمنع، قلت: ويحك هل يسمع أو يبصر، فكسرته وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته وقلت للسادن: كيف رأيت؟ قال: أسلمت للَّه عز وجل
. ومن الحوادث
سرية سعد بن زيد الأشهلي في رمضان أيضا إلى مناة بالمشلل
[2] بعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين فتح مكة إلى مناة ليهدمها، وكانت المشلل للأوس والخزرج وغسان، فخرج في عشرين، فقال السادن: ما تريد؟ قال: هدمها، قال:
أنت وذاك؟! [فأقبل سعد يمشي إليها] [3] وتخرج إليه امرأة [4] عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل والثبور وتضرب صدرها، فبصر بها سعد فقتلها وهدموا الصنم.
قال مؤلف الكتاب: وسعد هذا قد شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 106.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[4] في الأصل: وخرجت امرأة.(3/330)
ومن الحوادث
سرية خالد بن الوليد المخزومي إلى بني جذيمة بن كنانة وكان أسفل مكة على ليلة ناحية يلملم
[1] وذلك أن خالدا لما رجع من هدم العزى بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني جذيمة داعيا إلى الإِسْلام، ولم يبعثه مقاتلا، وذلك في شوال، فخرج في ثلاثمائة وخمسين، فلما وصل إليهم قَالَ لهم: ما أنتم؟ قالوا: [2] مسلمون/ قد صلينا وصدقنا بمحمد، وبنينا المساجد [في ساحاتنا] وأذنا [فيها] ، [3] قال: فما بال السلاح عليكم؟ قالوا: إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا معهم، قال: فضعوا السلاح، فوضعوه، فقال:
استأسروا، فاستأسروا، فأمر بعضهم يكتف بعضا وفرقهم في أصحابه، فلما كان السحر نادى خالد: من كان معه أسير فليجهز عليه بالسيف، فأما بنو سليم من أصحابه فقتلوا من كان معهم، وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أسراهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
اللَّهمّ إني أبرأ إليك مما صنع خالد» . وبعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فودى قتلاهم. وفيها: أسلم أبو سفيان بن الحارث، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، والحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل، وهشام بن الأسود، وحويطب بن عبد العزى، وشيبة بن عثمان، [والنضر بن الحارث] [4]
. ومن الحوادث
غزوة حنين، وحنين واد بينه وبين مكة ثلاث ليال وهي غزوة هوازن
[5] وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم لما فتح مكة مشت أشراف هوازن وثقيف بعضها إلى
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 106 والبداية والنهاية 4/ 311.
[2] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[5] مغازي الواقدي 3/ 885، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 108، وتاريخ الطبري 3/ 71، الاكتفاء 2/ 322، وسيرة ابن هشام 2/ 437، والكامل 2/ 135، والبداية والنهاية 4/ 322.(3/331)
بعض وحشدوا [وبغوا] [1] . وجمع أمرهم مالك بن عوف النصري، فأمرهم فجاءوا معهم بأموالهم ونسائهم وأمهاتهم وحتى نزلوا بأوطاس، وجعلت الأمداد تأتيهم، وأخرجوا معهم دريد بن الصمة وهو أعمى ابن سبعين ومائة سنة يقاد وهو في شجار، وهو مركب من أعواد يهيأ للنساء، فقال: بأي واد هم؟ [2] قالوا: بأوطاس، قال: نعم، مجال الخيل، لا حزن ضرس، ولا سهل دهس- أي لين [3]- ما لي أسمع رغاء الإبل [4] ويعار الشاء [5] ، قيل له: ساق مالك بن عوف مع الناس الظعن والأموال، فقال: ما هذا يا مالك؟ قال: أردت أن أحفظ/ الناس- يعني أذمرهم من الحفيظة أن يقاتلوا عن أهاليهم وأموالهم فانقض به- أي صفق بيده- وقال: راعي الضأن ما له وللحرب، وقال: أنت محل بقومك وفاضح عورتك- أي قد أبحت شرفهم- لو تركت الظعن في بلادهم والنعم فِي مراتعها، ولقيت القوم بالرجال على متون الخيل، والرجال [بين أضعاف الخيل، ومقدمة ذرية، أما الخيل] [6] كان الرأي، والذرية مقدمة الخيل.
فأجمع القوم السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة يوم السبت لست ليال خلون من شوال في اثني عشر ألفا من المسلمين: عشرة آلاف من المسلمين من [أهل] [7] المدينة، وألفان من المسلمين من أهل مكة. فقال رجل [8] : لا نغلب اليوم من قلة. وخرج مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناس من المشركين كثير، منهم: صفوان ابن أمية، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه مائة درع بأداتها، فانتهى إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من شوال، فبعث مالك بن عوف ثلاثة [نفر] [9] يأتونه بخبر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[2] في الطبري: «بأي واد أنتم» .
[3] في الأصول: «مجال الحرب لا حرب وحرش والسهل وحش أي لين» . وما أوردناه من الطبري.
والحزن: المرتفع من الأرض، والضرس: الّذي فيه حجارة محدده، الدهس: اللين الكثير التراب.
[4] في الطبري: رغاء البعير.
[5] في الأغاني: «ثغاء الشاء» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[8] في ابن سعد الرجل هو أبو بكر.
[9] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.(3/332)
أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجعوا [إليه] [1] وقد تفرقت أوصالهم من الرعب.
ووجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الله بن أبي حدرد، فدخل عسكرهم فطاف به وجاء بخبرهم، فلما كان من الليل عمد مالك إلى أصحابه فعبأهم [في وادي حنين] [2] فأوعز إليهم أن يحملوا على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه حملة واحدة، وعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في السحر وصفهم صفوفا ووضع الألوية والرايات في أصحابه، فمع المهاجرين لواء يحمله علي بن أبي طالب، وراية يحملها سعد بن أبي وقاص، [وراية يحملها عمر بن الخطاب] [3] ، ولواء الخزرج يحمله حباب بن المنذر، ولواء الأوس مع أسيد بن حضير، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلته البيضاء التي تسمى الدلدل، ولبس درعين والمغفر والبيضة، فاستقبلهم من هوازن شيء لم يروا مثله قط من الكثرة، وذلك في غبش الصبح، وحملوا/ حملة واحدة، فانهزم الناس، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يا أنصار 132/ أالله وأنصار رسوله، أنا عبد الله ورسوله» . ورجع رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى العسكر وثاب إليه من النهزم، وثبت معه يومئذ علي، والفضل والعباس، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وربيعة بن الحارث، وأبو بكر، وعمر، وأسامة بن زيد في ناس من أهل بيته وأصحابه. أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
حدثنا معمر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مَعَهُ إِلا أَنَا وأبو سفيان بن الحارث [بن عبد المطلب] ، فَلَزِمْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نُفَارِقْهُ وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ [4] ، -[وَرُبَّمَا قَالَ مَعْمَرٌ: بَيْضَاءَ] [5]- أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نعامة الجذامي [6] ، فلما
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[4] البغلة الشهباء: هي التي خالط بياض شعرها سواد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.
[6] وقيل: فروة بن نفاثة كما في رواية مسلم.(3/333)
الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْكِضُ بَغْلَتَهُ [1] قِبَلَ الْكُفَّارِ.
قَالَ الْعَبَّاسُ: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُفُّهَا، وَهُوَ لا يَأْلُو مَا أَسْرَعَ [2] نَحْوَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِغَرْزِ [3] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال [رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [4] : «يَا عَبَّاسُ، نَادِ يَا أَصْحَابَ السَّمُرَةِ» [5] . قَالَ: وَكُنْتُ رَجُلا صَيِّتًا [6] ، فَقُلْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: أَيْنَ أصحاب السمرة؟ قال: فو الله لَكَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةَ الْبِكْرِ عَلَى أَوْلادِهَا [7] . فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَ يَا لَبَّيْكَ. يَا لَبَّيْكَ، وَوَافَاهُمُ [8] الْمُسْلِمُونَ فَاقْتَتَلُوا هُمْ وَالْكُفَّارُ، فَنَادَتِ الأَنْصَارُ [يَقُولُونَ] [9] : يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ. ثُمَّ قَصَّرَتِ الدَّعْوَةُ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ [10] ، فَنَادُوا: يَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. قَالَ: فنظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ كَالْمُتَطَاوِلِ عَلَيْهَا إِلَى قِتَالِهِمْ فَقَالَ [رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [11] :
«هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ» [12] . قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الْكُفَّارِ، ثُمَّ قَالَ: «انْهَزَمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، [انْهَزَمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ] » [13] . قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ، فَإِذَا الْقِتَالُ عَلَى هَيْئَتِهِ فِيمَا أَرَى/، [قال] [14] : فو الله ما هو إلا أن رماهم رسول
__________
[1] أي: جعل يحثها برجله الشريفة لتسرع في السير.
[2] أي: لا يبطئ في الإسراع نحو المشركين.
[3] الغرز: ركاب الرجل من جلد مخروز يعتمد عليه في الركوب قد وردت في الأصل: «بفرس» .
[4] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[5] أي: أصحاب الشجرة المسماة بالسمرة والتي بايعوا تحتها بيعة الرضوان.
[6] أي: قوي الصوت.
[7] أي: عودتهم إلى مكانهم وإقبالهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عطفة البكر على أولادها فيها انجذاب الأمهات حين حنت على أولادها.
[8] في المسند: «وأقبل المسلمون» .
[9] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[10] في رواية: «قصرت الدعوة» ، أي اقتصر النداء والاستغاثة على بني الحارث بن الخزرج.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.
[12] حمي الوطيس: كناية عن شدة الحرب.
[13] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[14] ما بين المعقوفتين: من المسند.(3/334)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَصَيَاتِهِ، فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلا [1] ، وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ. قَالَ:
وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ خَلْفَهُمْ عَلَى بَغْلَتِهِ [2] .
قَالَ أَحْمَدُ [3] : وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفِهْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، فَسِرْنَا فِي يَوْمٍ قَائِظٍ شَدِيدِ الحر، فنزلنا تحت ضلال شَجَرَةٍ، فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ لَبِسْتُ لأْمَتِي وَرَكِبْتُ فَرَسِي، فَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي فُسْطَاطِهِ، فَقُلْتُ: السَّلامُ عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، حَان الرَّوَاحُ، فَقَالَ: «أَجَلْ يَا بِلالُ» فَثَارَ مَنْ تَحْتِ سَمُرَةٍ كَأَنَّ ظِلَّهُ ظِلُّ طَائِرٍ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَأَنَا فِدَاؤُكَ، فَقَالَ: «أَسْرِجْ لِي فَرَسِي» ، فَأْخَرَجَ سِرْجًا دَفَّتَاهُ مِنْ لِيفٍ لَيْسَ فِيهِمَا أَشَرٌ وَلا بَطَرٌ، قَالَ: فَأَسْرَجَ فَرَكِبَ وَرَكِبْنَا، فَصَادَفْنَاهُم عَشَّيَتَنَا وَلَيْلَتَنَا، فَتَشَامَتِ الَخْيَلانِ فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عِبَادَ اللَّهِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» . ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» [قَالَ] [4] : ثُمَّ اقْتَحَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسِهِ فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ، فَأَخْبَرَنِي الَّذِي كَانَ أَدْنَى إِلَيْهِ مِنِّي أَنَّهُ ضَرَبَ بِهِ وُجَوهَهُمْ، وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: لم يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابا، وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست الحديد.
__________
[1] أي: ما زلت أرى قوتهم ضعيفة.
[2] الخبر أخرجه أحمد في المسند 1/ 207، ومسلم في الجهاد والسير باب في غزوة حنين عن العباس 5/ 166، 167، والحاكم في المستدرك كتاب معرفة الصحابة عنه 3/ 327، 328، ووهم في استدراكه على مسلم.
[3] مسند أحمد بن حنبل 5/ 286.
[4] ما بين المعقوفتين: من المسند.(3/335)
قَالَ أَحْمَدُ: وَأَخْبَرَنَا عَارِمٌ، [حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّمِيمِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنَا السُّمَيْطُ السَّدُوسِيُّ] [1] ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا فَتَحْنَا مَكَّةَ غَزَوْنَا حُنَيْنًا [2] ، فَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ بِأَحْسَنِ صُفُوفٍ رَأَيْتُ، فَصُفَّ الْخَيْلُ، ثُمَّ صُفَّتِ الْمُقَاتِلَةُ، ثُمَّ صُفَّتِ النِّسَاءُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ/، ثُمَّ صُفَّتِ الْغَنَمُ، ثُمَّ صُفَّتِ النَّعَمُ، قَالَ: وَنَحْنُ بَشَرٌ كَثِيرٌ قَدْ بَلَغْنَا سِتَّةَ آَلافٍ وَعَلَى مَجْنَبَةِ خَيْلِنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: فَجَعَلَتْ خُيُولُنَا تَلُوذُ خَلْفَ ظُهُورِنَا، قَالَ: فَلَمْ تَلْبَثْ أَنِ انْكَشَفَتْ خُيُولُنَا وَفَرَّتِ الأَعْرَابُ وَمَنْ تَعَلَّمَ مِنَ النَّاسِ، قَالَ: فَنَاَدىَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا لَلْمُهَاجِرِينَ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ» ، ثُمَّ قَالَ: «يَا لَلأَنْصَارِ يَا لَلأَنْصَارِ» . قَالَ أَنَسٌ: هَذَا حَدِيثُ عَمِّهِ، قَالَ:
قُلْنَا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، [قَالَ] : فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَيْمُ اللَّهِ مَا آَتَيْنَاهُمْ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ، قَالَ: فَقَبَضْنَا ذَلِكَ الْمَالَ ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الطَّائِفِ فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ رَجِعْنَا إِلَى مَكَّةَ [3] . قال علماء السير [4] : لما انهزموا أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ان يقتل من قدر عليه منهم فحنق المسلمون عليهم فجعلوا يقتلونهم حتى قتلوا الذرية، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الذرية، وكان سيماء الملائكة يوم حنين عمائم حمر قد أسدلوها [بين أكتافهم] [5] .
وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي عامر الأشعري لواء ووجهه في طلبهم، فمنهم من ذهب إلى الطائف ومنهم من ذهب إلى نخلة، وقتل أبو عامر ممن لحق تسعة ثم قتل، واستخلف أبو عامر أبا مُوسَى الأشعري، فقاتلهم.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف من سلك طريق نخلة قوما فلقي منهم ربيعة بن رفيع دريد بن الصمة، فقال له: ما تريد؟ قال: قتلك، ثم ضربه ربيعة فلم يغن شيئا، فقال دريد: بئسما سلحتك أمك، خذ سيفي من مؤخر الرحل ثم اضرب به وارفع عن العظام،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: وأخبرنا عارم باسناد له عن أنس وما أوردناه من أ، والمسند 3/ 157.
[2] في المسند: «فتحنا مكة ثم أنا غزونا حنينا» .
[3] الخبر في المسند 3/ 157، وله بقية.
[4] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 109.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناه من ابن سعد.(3/336)
واخفض عن الدماغ، فإني كنت كذلك أقتل الرجال، فإذا أتيت أمك فقل: قتلت دريد بن الصمة، فقتله.
وكان في تلك الغزوة أم سليم معها خنجر.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قال: أخبرنا ابن المذهب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ/ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُلْيَمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَمْ تَرَ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خِنْجَرٌ، فَقَالَ [لَهَا] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَصْنَعِينَ بِهِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟» قَالَتْ: أَرَدْتُ إِنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنْهُمْ طَعَنْتُهُ [بِهِ] [1] .
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحَلَ فَانْتَهَى إِلَى الْجِعْرَانَةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ لِخَمْسِ لَيَالٍ خَلَوْنُ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ، فَأَقَامَ بِهَا ثَلاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَلَمَّا أَرَادَ الانْصِرَافَ إِلَى الْمَدِينَةِ خَرَجَ لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ لَيْلا، وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَدَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْجِعْرَانَةِ مِنْ لَيْلِهِ كَبَايِتٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ يَوْمَ الْخَمِيسِ إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَجَاءَ وَفْدُ هَوَازِنَ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: سَأَلُوا رَسُوَل اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2] : أَمْنُنْ عَلَيْنَا، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بن هوازن- وبنو سَعْدٍ هُمُ الَّذِينَ أَرْضَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَالُ لَهُ: زُهَيْرُ بْنُ صَرْدٍ: لَوْ أنا سَأَلْنَا الْحَارِثَ بْنَ أَبِي شَمْرٍ أَوِ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ وَرَجَوْنَا عَطْفَهُ، ثُمَّ أَنْشَدَ يَقُولُ:
أَمْنُنُ عَلَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَرَمٍ ... فَإِنَّكَ الْمَرْءُ نَرْجُوهُ وَنَدَّخِرُ
فِي أَبْيَاتٍ أُخَرَ [3] ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ أم أموالكم» ، فقالوا: نساؤنا وَأَبْنَاؤُنَا، فَقَالَ: «أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ، فَإِذَا أنا صَلَّيْتُ بالناس، فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله فِي أَبْنَائِنَا وَنِسَائِنَا، فَإِنِّي سَأُعْطِيكُمْ وَأَسْأَلُ لَكُمْ» ، فقاموا وقالوا، فقال: «أما ما
__________
[1] الخبر في مسند أحمد 3/ 112، 198.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وابن سعد.
[3] ذكرها السهيليّ في الروض الأنف 2/ 306 وابن كثير في البداية والنهاية 4/ 352.(3/337)
كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم» ، فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ الله، وَقَالَ الأَنْصَارُ كَذَلِكَ، وَقَالَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: أَمَّا أنا وَبَنُو تَمِيمٍ فَلا، وَقَالَ/ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو فَزَارَةَ فَلا، وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ: أَمَّا أنا وَبَنُو سليم فلا، فقال بنو سليم: ما كان لنا فهو لرسول الله.
فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَمْسَكَ حَقَّهُ فَلَهُ بِكُلِّ إِنْسَانٍ ست فرائض من أول شيء نصيبه، فَرُدُّوا إِلَى النَّاسِ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عبد الباقي [البزار، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيُّوَيْهِ، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سعد] [1] عن عبد الله بن جعفر، وابن أبي ميسرة وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا: قَدِمَ وَفْدُ هَوَازِنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ بَعْدَ مَا قَسَّمَ الْغَنَائِمَ، وَفِي ِالْوَفْدِ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ أبو برقان، فقال يومئذ: يا رسول إِنَّمَا فِي هَذِهِ الْحَظَائِرِ مَنْ كَانَ يَكْلَئُوكَ مِنْ عَمَّاتِكَ وَخَالاتِكَ وَحَواضِنِكَ، قَدْ حَضَنَّاكَ فِي حجورنا وأرضعناك ثدينا، وَلَقَدْ رَأَيْتُكَ مُرْضَعًا فَمَا رَأَيْتُ خَيْرًا مِنْكَ، وَرَأَيْتُكَ فَطِيمًا فَمَا رَأَيْتُ فَطِيمًا خَيْرًا مِنْكَ، وَرَأَيْتُكَ شَابًّا [فَمَا رَأَيْتُ شَابًّا] [2] خَيْرًا مِنْكَ، وَقَدْ تَكَامَلَتْ فِيكَ خِلالُ الْخَيْرِ، وَنَحْنُ مَعَ ذَلِكَ أَهْلُكَ [3] وَعَشِيرَتُكَ، فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَدِ اسْتَأْنَيْتُ بِكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّكُمْ لا تُقْدِمُونَ» وَقَدْ قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّبْيَ، وَجَرَتْ فِيهِ السُّهْمَانُ، وَقَدِمَ عَلَيْهِ أَرَبْعَةُ عَشَرَ رَجُلا مِنْ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، وَجَاءُوا بِإِسْلامٍ مِنْ وَرَاءِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَكَانَ رَأْسُ الْقَوْمِ وَالْمُتَكَلِّمُ أَبُو صْرَدٍ زُهَيْرُ بْنُ صَرْدٍ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا أصل وَعَشِيرَةٌ وَقَدْ أَصَابَنَا مِنَ الْبَلاءِ مَا لا يَخْفَى عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا فِي هَذِهِ الْحَظَائِرِ عَمَّاتُكَ وَخَالاتُكَ وَحَواضِنُكَ، وَلَوْ مَلَحْنَا لِلْحَارِثِ بْنِ شَمْرٍ أَوِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ ثُمَّ نَزَلا مِنَّا مِثْلَ الَّذِي نَزَلْتَ بِهِ رَجَوْنَا عَطْفَهُمَا عَلَيْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمَكْفُولِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ خير الحديث
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بإسناد لَهُ، الى أبي محمد بن جعفر وما أوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: أهلك.(3/338)
أصدقه، وعندي من تَرَوْنَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ أَمْ/ أَمْوَالُكُمْ؟» قَالُوا: مَا كُنَّا نَعْدِلُ بِالأَنْسَابِ شَيْئًا، فَرُدَّ عَلَيْنَا أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَقَالَ: «أَمَّا مَا لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِِ فَهُوَ لَكُمْ، وَأَسْأَلُ لَكُمُ النَّاسَ، فَإِذَا صَلَّيْتُ الظُّهْرَ بِالنَّاسِ فقولوا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله، وَإِنِّي سَأَقُولُ لَكُمُْ مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ وَسَأَطْلُبُ لَكُمْ إِلَى النَّاسِ» .
فَلَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ قَامُوا فَتَكَلَّمُوا بِمَا قَالَ لَهُمْ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ: «مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» وَرَدَّ الْمُهَاجِرُونَ وَرَدَّ الأَنْصَارُ، وَسَأَلَ قَبَائِلَ الْعَرَبِ فَاتَّفَقُوا عَلَى قْوَلٍ وَاحِدٍ بِتَسْلِيمِهِمْ بِرِضَاهُمْ، وَدَفْعِ مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ [مِنَ السَّبْيِ إِلا قَوْمٌ تَمَسَّكُوا بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ] [1] فَأَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبِلا عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ. قال علماء السير: وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد هوازن عن مالك بن عوف، فقالوا:
هو بالطائف، فقال: «إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله، وأعطيته مائة من الإبل» فبلغه فأتى وأسلم، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستعمله على قومه وعلى من أسلم من حول الطائف.
فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد السبي ركب وتبعه الناس يقولون: أقسم علينا الإبل والغنم حتى ألجئوه إلى شجرة فخطفت رداءه، فقال: «ردوا علي ردائي، فو الله لو كان لي عدد شجر تهامة نعما لقسمتها عليكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا» . ثم أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالغنائم فجمعت، فكان السبي ستة آلاف رأس. [قال مؤلف الكتاب] [2] : وقد ذكرنا أنه رد ذلك، وكانت الإبل أربعة وعشرين ألف بعير، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة وأربعة آلاف أوقية فضة، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم، وأعطى أبا سفيان بن حرب أربعين أوقية، ومائة من الإبل، [قال: ابني يزيد، قال: «أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل» ، قال: ابني معاوية، قال: «أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل» ، وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل] [3] ثم سأله مائة أخرى فأعطاه، [وأعطى النضر بن الحارث مائة من الإبل] [4] ، وكذلك أسيد بن حارثة،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.(3/339)
والحارث بن هشام، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، وقيس/ بن عدي، وحويطب، والأقرع بن حابس، وعيينة، ومالك بن عوف. وأعطى العلاء بن حارثة خمسين بعيرا، وكذلك مخرمة بن نوفل، وعثمان بن وهب، وسعيد بن يربوع، وهشام بن عمرو، وذلك كله من الخمس، وأعطى العباس بن مرداس أباعر، فلم يرض وقال:
أتجعل نهبي ونهب العنيد ... بين عيينة والأقرع
والعنيد اسم فرسه فزاده حتى رضي.
وكانت هذه القسمة بالجعرانة، وحينئذ تكلمت الأنصار، وقالوا: أما [عند] القتال فنحن، وحينئذ قام ذو الخويصرة فقال: اعدل فإنك لم تعدل.
رَوَى جَابِرٌ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعِرَّانَةِ وَهُوَ يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ وَالتِّبْرَ وَهُوَ فِي حِجْرِ بِلالٍ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ، فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا فِي أصحاب له، وإن أصحابا لهذا يقرءون الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ» . قال مؤلف الكتاب: وهذا الرجل يعرف بذي الخويصرة
. ومن الحوادث
[بعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي بالبحرين يدعوه إلى الإِسْلام] [1]
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الجعرانة بعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي العبدي وهو بالبحرين يدعوه إلى الإسلام، وكتب له كتابا، فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه: إني قد قرأت كتابك على أهل هجر، فمنهم من أعجبه الإسلام ودخل فيه ومنهم من كرهه، وما رضي يهود ومجوس، فأحدث إلي في ذلك أمرك.
فكتب إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية» .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(3/340)
ومن الحوادث
سرية الطفيل بن/ عمرو السدوسي إِلى ذِي الْكَفَّيْنِ صَنَمِ عَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ الدوسي [1]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم لما أراد المسير إلى الطائف بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين، وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف، فخرج فهدم ذا الكفين، وأخذ من قومه أربعمائة فوافوا النبي صلى الله عليه وسلم بالطائف، وقدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وفد ثعلبة فأجارهم
. ومن الحوادث في شوال
غزوة الطائف [2]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم خرج من حنين يؤم الطائف، وقدم خالد بن الوليد على مقدمته، وقد كانت ثقيف رموا حصنهم وأدخلوا فيه ما يصلحهم لسنة، وتهيأوا للقتال.
وسار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزل قريبا من حصن الطائف [وعسكر هناك] [3] فرموا المسلمين بالنبل حتى أصيب ناس من المسلمين، ورمي عبد الله بن أبي بكر الصديق يومئذ فاندمل الجرح ثم انتقض به بعد ذلك فمات [منه] [4] ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر يوما، وقيل: خمسة عشر يوما، ونصب عليهم المنجنيق، ونادى منادي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر» . فخرج بضعة عشر رجلا فيهم أبو بكرة فنزل في بكرة، فقيل أبو بكرة ولم يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم في فتح الطائف، فأذن بالرحيل، فقال المسلمون: نرحل ولم يؤذن بفتح لنا، قال: «فاغدوا على القتال» ، فقاتلوا وأصابتهم جراحات، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنا قافلون» فسروا بذلك. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عبد الباقي [قال: أخبرنا الْحَسَن بْن عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيْوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا قُبَيْصَةُ، حَدَّثَنَا سفيان، عن ثور] [5] ، عن مكحول:
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 113.
[2] مغازي الواقدي 3/ 922، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 114، وتاريخ الطبري 3/ 82، وسيرة ابن هشام 2/ 478.
[3] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بإسناد لَهُ عن محمد بن سعد عن مكحول، وما أوردناه من أ.(3/341)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا [1]
. ومما جرى في هذا الحصار
مَا أَخْبَرَنَا بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِيُّ، [وَمُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ الْحَافِظُ، قَالا: أَخْبَرَنَا طِرَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ] [2] أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي/ بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَعِنْدَهُ مُخَنَّثٌ جَالِسٌ، فَقَالا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غِيلانَ امْرَأَةٍ مِنْ ثَقِيفٍ تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ- يَعْنِي عُكْنَاهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَدْخُلُ هَذَا عَلَيْكُنَّ» . قال مؤلف الكتاب: اسم هذا المخنث هيت وقيل: ماتع. وكان المخنثون على عهد رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: ماتع، وهدر، وهيت
. إسلام عروة بن مسعود الثقفي.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن أبي طاهر، وأخبرنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عمير الأَسْلَمِيُّ] [3] ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيِّ، عَنْ مَنْ أَخْبَرَهُ، قَالُوا: لَمْ يَحْضُرْ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْلانُ بْنُ سَلَمَةَ حِصَارَ الطَّائِفِ، كَانَا بِجَرْشٍ يَتَعَلَّمَانِ صَنْعَةَ الْعَرَادَاتِ وَالْمَنْجَنِيقِ وَالدَّبَّابَاتِ، فَقَدِمَا وَقَدِ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عَنِ الطَّائِفِ] ، فَنَصَبَا الْمَنْجَنِيقَ وَالْعَرَادَاتِ وَالدَّبَّابَاتِ، وَاعْتَدَّا لِلْقِتَالِ، ثُمَّ أَلْقَى اللَّهُ في قلب عروة بن مسعود
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 1/ 115.
[2] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: عبد الله بن علي المقري باسناد له يرفعه إلى أم سلمة، وأوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: روى ابن سعد عن محمد. وأوردناه من أ.(3/342)
الإِسْلامَ وَغَيَّرَهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ إِلَى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ثم اسْتَأْذَنَ فِي الْخُرُوجِ إِلَى قَوْمِهِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ إِذَا قَاتَلُوكَ؟ قَالَ: لا أنا أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْكَارِ أَوْلادِهِمْ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ الثَّانِيَةَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَاخْرُجْ.
فَخَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ فَقَدِمَ عِشَاءً فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَجَاءَ قَوْمُهُ فَحَيَّوْهُ بِتَحِيَّةِ الشِّرْكِ، فَقَالَ:
عَلَيْكُمْ بِتَحِيَّةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ السَّلامُ، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ يَأْتَمِرُونَ بِهِ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ أَوْفَى عَلَى غُرْفَةٍ لَهُ فَأَذَّنَ بِالصَّلاةِ، فَخَرَجَتْ ثَقِيفٌ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مَالِكٍ، يُقَالُ لَهُ أَوْسُ بْنُ عَوْفٍ فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ فَلَمْ يَرَوْا دمه، وقام غيلان بن سلمة وكانة بن عبد ياليل، وَالْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو، وَوُجُوهُ الأَحْلافِ فَلَبِسُوا السِّلاحَ وَسَارُوا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ/ عُرْوَةُ، قَالَ: قَدْ تَصَدَّقْتُ بِدَمِي عَلَى صَاحِبِه لأُصْلِحَ بِذَلِكَ بَيْنَكُمْ، وَهِيَ كَرَامَةٌ أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِهَا، وَشَهَادَةٌ سَاقَهَا اللَّهُ إِلَيَّ، ادْفِنُونِي مَعَ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَاتَ فَدَفَنُوهُ مَعَهُمْ، وَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرُهُمْ، فَقَالَ: «قَتْلُهُ كَقَتْلِ صَاحِبِ يَاسِينَ، دَعَا قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ فَقَتَلُوهُ» [1]
. ومما جرى في مسير رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى الطائف أنهم مروا بقبر أبي رغال
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ النَّقُّورِ، [أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ السُّكَّرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنْ إسماعيل بن أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ] [2] عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حِينَ خَرَجْنَا مَعَهُ إِلَى الطَّائِفِ، فَمَرَرْنَا بِقَبْرٍ، فَقَالَ:
«هَذَا قَبْرِ أَبِي رِغَالٍ، وَهُوَ أَبُو ثَقِيفٍ، كَانَ مِنْ ثَمُودَ، وَكَانَ هَذَا الْحَرَمُ يَدْفَعُ عَنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْهُ أَصَابَتْهُ النِّقْمَةُ الَّتِي أَصَابَتْ قَوْمَهُ بِهَذَا الْمَكَانِ فَدُفِنَ فِيهِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَإِنْ أَنْتُمْ نَبَشْتُم عَنْهُ أَصَبْتُمُوهُ مَعَهُ» . فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ فاستخرجوا منه الغصن.
__________
[1] انظر الخبر في الطبري (احداث سنة تسع) .
[2] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: بإسناد له عن عبد الله، وأوردناه من أ.(3/343)
[وفي هذه السنة
طلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة]
[1] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق سودة، فجعلت يومها لعائشة فراجعها. كذا قال ابن حبيب الهاشمي.
وقال غيره: أراد طلاقها، فقالت: دعني أحشر في نسائك، واجعل يومي لعائشة.
وفيها: سال بطحان سيلا عظيما لم يسل في الجاهلية ولا الإسلام [مثله] [2] .
وفيها: غلا السعر، فقالوا: سعر لنا.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن مالك، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُرَيْجٌ، وَيُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالا: [3] أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: غَلا السِّعْرُ عَلَى عَهْدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ سَعَّرْتَ لَنَا؟ قَالَ:
«إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ [الْقَابِضُ] [4] الْبَاسِطُ الرَّازِقُ الْمُسَعِّرُ/، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلا يَطْلُبُنِي أَحَدٌ بِمَظْلَمَةٍ ظَلَمْتُهَا إِيَّاهُ فِي دَمٍ وَلا مَالٍ» [5]
. وفي هذه السنة ولد إبراهيم ابْن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ من مارية وذلك في ذي الحجة
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بن أبي طاهر، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قال: أخبرنا يعقوب بن
__________
[1] في الأصل: ومن الحوادث.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] في الأصل: شريح عن يونس بن محمد قال والتصحيح من المسند.
[4] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[5] الخبر في المسند 3/ 156 و 286. بسند مختلف عن أنس.(3/344)
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، قَالُوا [1] :
وَلَدَتْ مَارِيَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ [2] قَابِلَتُهَا سَلْمَى مَوْلاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَتْ إِلَى زَوْجِهَا أَبِي رَافِعٍ فَأَخْبَرَتْهُ بِأَنَّهَا قَدْ وَلَدَتْ غُلامًا، فَجَاءَ أَبُو رَافِعٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَشَّرَهُ، فَوَهَبَ لَهُ عَبْدًا وَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَقَّ عَنْهُ بِشَاةٍ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ فَتَصَدَّقَ بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَأَمَرَ بِشَعْرِهِ فَدُفِنَ فِي الأَرْضِ، وَتَنَافَسَتْ فِيهِ نِسَاءُ الأَنْصَارِ أَيَّتُهُنَّ تُرْضِعُهُ، فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّ بُرْدَةَ [بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَزَوْجُهَا الْبَرَاءُ بْنُ أَوْسٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي أُمَّ بُرْدَةَ] [3] فَيَقِيلُ عِنْدَهَا وَيَرَى إِبْرَاهِيمَ. وَغَارَ نِسَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِنَّ حِينَ رُزِقَ منها الْوَلَدَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ [4] : حَدَّثَنِي ابْنُ أبي سبرة، عن إسحاق بن عَبْد اللَّهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَبَ مَارِيَةَ، وَكَانَتْ قَدْ ثَقُلَتْ عَلَى نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغِرْنَ عَلَيْهَا وَلا مِثْلُ عَائِشَةَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ [5] : وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
لَمَّا وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا إِبْرَاهِيمَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [5] : [وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، حَدَّثَنَا] [6] أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِأَبِي إِبْرَاهِيمَ» . قَالَ: ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى أُمِّ سَيْفٍ- امرأة
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 1/ 86، 87.
[2] في الأصل: «وكان» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 1/ 86.
[5] طبقات ابن سعد 1/ 1/ 87.
[6] ما بين المعقوفتين ورد في الأصل: «وروى محمد بن سعد عن أنس؟ وما أوردناه من أ.(3/345)
لِصَبِيٍّ بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ أَبُو سَيْفٍ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ وَتَبِعْتُهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى أَبِي سَيْفٍ، وَهُوَ يَنْفُخُ بِكِيرِهِ وَقَدِ امْتَلأَ الْبَيْتُ دُخَانًا، فَأَسْرَعْتُ فِي الْمَشْيِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى أَبِي سَيْفٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَيْفٍ أَمْسِكْ فَقَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمْسِكْ ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالصَّبِيِّ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ. [قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ] [1] عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لَمَّا وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ فَقَالَ: «انْظُرِي إِلَى شَبَهِهِ بِي» فَقُلْتُ: مَا أَرَى شَبَهًا، فَقَالَ: «أَلا تَرَيْنَ إِلَى بَيَاضِهِ وَلَحْمِهِ» ، فَقُلْتُ: إِنَّهُ مَنْ قُصِرَ عَلَيْهِ اللِّقَاحُ ابْيَضَّ وَسَمِنَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ:] [2] وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةُ غَنَمٍ تَرُوحُ عَلَيْهِ وَلَبَنُ لِقَاحٍ [لَهُ]
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
116- جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم [3] :
أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ومعه زوجته أسماء بنت عميس، فولدت له هناك عبد الله، ومحمدا، وعونا، ولم يزل بالحبشة حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر، فالتزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل بين عينيه، وقال: «ما أدري بأيهما أفرح، بقدوم جعفر أم بفتح خيبر» . وقال له: «أشبهت خلقي وخلقي» . وكأن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد أمر زيدا يوم مؤتة، وقال: «إن قتل فجعفر» ، فقتل زيد فتقدم جعفر فقاتل حتى قتل، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وأمهل آل جعفر ثلاثا، ثم قال: «لا تبكوا على أخي بعد اليوم» وقال «إن له جناحين يطير بهما حيث شاء من الجنة» .
__________
[1] في الأصل: «وروى عروة ... وما بين المعقوفتين من طبقات ابن سعد 1/ 1/ 88.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 22.(3/346)
117-[الحويرث بن عبد الله بن خلف بن مالك بن عبد الله، وهو الملقب بأبي اللحم:
وكان قد أبى أكل ما ذبح على الأصنام، وقتل مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين] [1]
. 118- زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس، يقال له الحب [2] :
وأمه سعدى بنت ثعلبة بن عامر، زارت قومها وزيد معها، فأغارت خيل لبني القين في الجاهلية، فمروا على أبيات بني معن، فاحتملوا زيدا وهو يومئذ غلام يفعة، فوافوا به سوق عكاظ فعرض للبيع، فاشتراه حكيم بن حرام لعمته/ خديجة بأربع مائة درهم، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له، وكان أبو حارثة حين فقد قال:
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ... أحيّ فيرجى أم أتى دونه الأجل
فو الله ما أدري وإن كنت سائلا ... أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل
فيا ليت شعري هل لك الدهر رجعة ... فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل
تذكرنيه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه إذا قارب الطفل
وإن هبت الأرياح هيجن ذكره ... فيا طول ما حزني عليه ويا وجل
سأعمل نص العيش في الأرض جاهدا ... ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل
حياتي أو تأتي علي منيتي ... وكل امرئ فان وإن غره الأمل
وأوصي به قيسا وعمرا كليهما ... وأوصي يزيدا ثم من بعدهم جبل
يعني جبلة بن حارثة أخا زيد، ويزيد أخو زيد لأمه، فحج ناس من كلب فرأوا زيدا فعرفوا زيدا وعرفوه، فقال: بلغوا أهلي عني هذه الأبيات، فإني أعلم أنهم قد جزعوا علي، فقال:
ألكني إلى قومي وإن كنت نائيا ... بأني قطين البيت عند المشاعر
فكفوا عن الوجد الذي قد شجاكم ... ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر
فإني بحمد الله في خير أسرة ... كرام معد كابرا بعد كابر
فانطلقوا فأعلموا أباه فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل بفدائه، فقدما به مكة فسألا
__________
[1] هذه الترجمة ساقطة من الأصل.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 27.(3/347)
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل هو في المسجد، فدخلا إليه فقالا: يا ابن هاشم، يا ابن سيد قومه، أنتم أهل حرم الله وجيرانه، تفكون العاني وتطعمون الأسير، جئناك في ابننا عندك، فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه فإنا سنرفع لك في الفداء، قال: «من هو؟» ، قالوا: زيد/ بن حارثة، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فهلا غير ذلك؟» قالوا: ما هو، قال: «دعوه فخيروه فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء، وإن اختارني فو الله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدا» ، قالوا: قد زدتنا على النصفة وأحسنت، فدعاه فقال: «هل تعرف هؤلاء؟» قال: نعم، هذا أبي وهذا عمي، قال: «فأنا من قد علمت ورأيت محبتي لك، فاخترني أو اخترهما» ، فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدا أنت مني بمكان الأب والعم، قالا: ويحك يا زيد، أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك، قال: نعم قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عَلَيْهِ أحدا أبدا.
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر، فقال: «يا من حضر اشهدوا أن زيدا ابني أرثه ويرثني» ، فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما وانصرفا، فدعي زيد بن محمد حتى جاء الإسلام، وزوجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب بنت جحش، فلما طلقها تزوجها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فتكلم الناس في ذلك، وقالوا: تزوج امرأة ابنه، فأنزلت: مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ 33: 40 الآية [1] ، وقال: «ادعوهم لآبائهم» ، فدعي يومئذ زيد بن حارثة. قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: أَخْبَرَنَا بِهَذَا كُلِّهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، [قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عمر بْن حيويه، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ مَعْرُوفٍ] [2] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْفَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] .
[وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ] [4] : وَأَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أسامة بن زيد، عن أبيه، قال:
__________
[1] سورة: الأحزاب، الآية: 40.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 27.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 30، وما بين المعقوفتين: ساقطة من الأصل، وأوردناه من أ.(3/348)
كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ زَيْدٍ عَشْرُ سِنِينَ، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَكَانَ زَيْدٌ رَجُلا قَصِيرًا آدَمُ شَدِيدُ الأُدْمَةِ فِي أَنْفَهِ فَطَسٌ، وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا أُسَامَةَ.
وقال الزهري: أول من أسلم زيد.
قال أهل السير: وشهد بدرا وأحدا، والخندق والحديبية وخيبر، واستخلفه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي المدينة حين خرج إلى المريسيع، وخرج أميرا في سبع سرايا، ولم يسم أحد في القرآن من أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم باسمه غيره، وكان/ له من الولد زيد- هلك صغيرا- ورقية، أمهما أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وأسامة أمه أم أيمن حاضنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقتل في غزاة مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين سنة
. 119- زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم [1] :
كانت أكبر بناته وأول من تزوج منهن، تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع، فولدت له عليا، وأمامة. وأسلمت زينب وهاجرت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبى أبو العاص أن يسلم، ثم أسر فِي بعض المشاهد فدخل عليها فاستجار بها فأجارته، ثم بعث بفدائه ثم أسلم، فردها إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنكاح جديد، وفي رواية: بنكاحها الأول.
توفيت زينب في أول هذه السنة، فغسلتها أم أيمن، وسودة، وأم سلمة
. 120-[سراقة بن عمرو بن عطية [2] :
شهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر وعمرة القضية، وقتل يوم مؤتة
. 121- شهربراز [3] :
قتل أردشير بن شيرويه وملك مكانه أربعين يوما ثم قتل] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 20.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 74، وهذه الترجمة ساقطة من الأصل.
[3] هذه الترجمة أيضا ساقطة من الأصل.(3/349)
122- عَبْد الله بن رواحة بن ثعلبة، أبو محمد [1] :
شهد العقبة مَعَ السبعين، وَهُوَ أحد النقباء الاثني عشر، وشهد بدرا وأحدا والخندق والحديبيّة وخيبر وعمرة القضية. واستعمله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي المدينة حين خرج إلى غزاة بدر الموعد.
ولما دخل رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى مكة في عمرة القضية كان آخذا بزمام ناقته عند الكعبة، وهو يَقُولُ:
خَلَّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... الْيَوْمَ نضربكم على تأويله
وسبقت الأبيات:
أَخْبَرَنَا اْبُن نَاصِرٍ، [أَخْبَرَنَا ثَابِتُ بْنُ بَنْدَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيٍد السِّيرَافِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ مُزِيدٍ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ وَضَّاحٍ، عَنْ أَبِي الْحُصَيْبِ] [2] عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كَثِيرًا: مَا سَمِعْتُ بِأَحَدٍ أَجْرَأَ وَلا أَسْرَعَ شِعْرًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، يَوْمَ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ: قُلْ شِعْرًا، أَسْمِعْنِيهِ السَّاعَةَ ثُمَّ أَنْدَهَ بَصَرَهُ، فَانْبَعَثَ ابْنُ رَوَاحَةَ مَكَانَهُ يَقُولُ:
إِنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الْخَيْرَ أَعْرِفُهُ ... وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنْ مَا خَانَنِي الْبَصَرُ
/ أَنْتَ النَّبِيُّ وَمَنْ يُحْرَمْ شَفَاعَتَهُ ... يَوْمَ الْحِسَابِ فَقَدْ أَزْرَى بِهِ الْقَدَرُ [3]
يُثَبِّتُ اللَّهُ مَا أَتَاكَ مِنْ حَسَنٍ ... تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا
فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَنْتَ فَثَبَّتَكَ اللَّهُ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ» . قَالَ هِشَامٌ: فَثَبَّتَهُ اللَّهُ أَحْسَنَ الثَّبَاتِ.
قُتِلَ شَهِيدًا وفتحت له الجنة ودخلها.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 79.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقطة من الأصل، وأوردناه من أ. وفي الأصل: «أخبرنا ابن ناصر بإسناد له عن هشام بن عروة» .
[3] هذا البيت ساقط من أ.(3/350)
استشهد ابن رواحة بمؤتة، وكان ذلك في سنة ثمان.
قال مؤلف الكتاب: وقد ذكرنا بعض أخباره في الحوادث
. 123-[عبادة بن قيس بن عبسة، عم أبي الدرداء [1] :
شهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر، وقتل يوم مؤتة وله أربعون سنة
. 124- عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب:
كان قديم الإسلام بمكة، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وقتل يوم الطائف شهيدا] [2] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 84، وهذه الترجمة ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[2] وهذه الترجمة ساقطة من الأصل.(3/351)
ثم دخلت سنة تسع من الهجرة
فمن الحوادث فيها: سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم في المحرم [1]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعث عيينة في خمسين فارسا ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري. فكان يسير الليل ويكمن النهار، فهجم عليهم في صحراء فدخلوا وسرحوا مواشيهم فهربوا، وأخذ منهم أحد عشر رجلا، وإحدى عشرة امرأة، وثلاثين صبيا فحبسوا بالمدينة، فقدم فيهم عدة من رؤسائهم منهم: عطارد بن حاجب، والزبرقان بن بدر، والأقرع بن حابس.
فلما رأوهم بكى إليهم النساء والذراري، فعجلوا فجاءوا إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم، فنادوا: يا مُحَمَّد أخرج إلينا، فنزل فيهم: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ من وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ 49: 4 [2] فرد عليهم الأسراء والسبي.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ علي الجوهري، قَالَ:
[أخبرنا] أبو عمرو بن حيوية، قال: حدثنا أبو الْحَسَنِ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عن الزهري، قال: أخبرنا محمد بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بِشْرَ بْنَ سُفْيَانَ/ وَيُقَالُ: النَّحَّامَ عَلَى صَدَقَاتِ بني كعب،
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 116 الطبري 2/ 188، ما بعد ط الدار. والبداية والنهاية 5/ 38 وما بعد.
[2] سورة: الحجرات، الآية: 4.(3/352)
فَاسْتَكْبَرَ ذَلِكَ بَنُو تَمِيمٍ وَشَهَرُوا السُّيُوفَ، فَقَدِمَ الصَّدْقُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ:
مَنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ، فَانْتَدَبَ لَهُمْ عُيَيْنَةَ فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَمْسِينَ فَارِسًا مِنَ الْعَرَبِ لَيْسَ فِيهِمْ مُهَاجِرِيُّ وَلا أَنْصَارِيُّ، فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ فَأَخَذَ مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلا وَإِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً وَثَلاثِينَ صَبِيًّا، فَجَلَبَهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَدِمَ فِيهِمْ عِدَّةٌ مِنْ رُؤَسَاءِ بَنِي تَمِيمٍ: عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَقَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ، وَنُعَيْمُ بْنُ سَعْدٍ، وَالأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَيُقَالُ: كَانُوا تِسْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ، فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ وَقَدْ أَذَّنَ بِلالٌ الظُّهْرَ وَالنَّاسُ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَجِلُوا وَاسْتَبْطَئُوا فَنَادَوْهُ: يَا مُحَمَّدُ اخْرُجْ إِلَيْنَا، فَخَرَجَ فَأَقَامَ بِلالٌ الصَّلاةَ فصلى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الظُّهْرِ ثُمَّ أَتَوْهُ، فَقَالَ الأَقْرَعُ:
ائْذَنْ لِي فو الله إِنَّ حَمْدِي لَزَيْنٌ وَإِنَّ ذَمِّي لَشَيْنٌ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كذبت ذَاكَ اللَّهُ تَعَالَى» . ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ فَخَطَبَ خَطِيبُهُمْ وَهُوَ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ: أَجِبْهُ، فَأَجَابَهُ، ثُمَّ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ ائْذَنْ لِشَاعِرِنَا، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَامَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ فَأَنْشَدَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحسان بن ثابت: أجبه، فأجابه بِمِثْلِ شِعْرِهِ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَخَطِيبُهُ أَبْلَغُ مِنْ خَطِيبِنَا وَلَشَاعِرُهُ أَبْلَغُ مِنْ شَاعِرِنَا، وَلَهُمْ أَحْلَمُ مِنَّا، فَنَزَلَ فِيهِمْ: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ 49: 4 [1] .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ: «هَذَا سَيِّدُ أَهْلِ الْوَبَرِ» ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَسْرَى وَالسَّبْيَ، وَأَمَرَ لَهُمْ بُالْجَوَائِزِ كَمَا كَانَ يُجِيزُ الْوُفُودَ
. وفي هذه السنة تتابعت الوفود
قدوم وفد فزارة [2]
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْن عبد الباقي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد الجوهري، [قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف] [3] قال: / أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قَالَ: حدثنا محمد بْنُ سَعْدٍ، [قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ] [4] ، قال: أخبرنا
__________
[1] سورة: الحجرات، الآية: 4.
[2] طبقات ابن سعد 1/ 2، 59. البداية والنهاية 5/ 79.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ.(3/353)
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ، عَنْ أَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيُّ، قَالَ: لَمَّا رَجِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تَبُوكَ- وَكَانَتْ سَنَةَ تِسْعٍ- قَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ بَنِي فَزَارَةَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلا- فِيهِمْ خَارِجَةُ بن حصن، والحرب بْنُ قَيْسٍ- أَوْ قِيلَ الْجَدُّ بْنُ قَيْسِ- بْنِ حِصْنٍ- عَلَى رِكَابٍ عِجَافٍ، فَجَاءُوا مُقِرِّينَ بِالإِسْلامِ، وَسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بلادهم، فقال أحده: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْنَتَتْ بِلادُنَا، وَهَلَكَتْ مَوَاشِينَا، وَأَجْدَبَ جَنَابُنَا، وَغَرِثَ عِيَالُنَا، فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ، فَصَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ، وَدَعَا فَقَالَ: «اللَّهمّ اسْقِ بِلادَكَ [وَبَهَائِمَكَ] [1] ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأِحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ، اللَّهمّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا مُطْبِقًا وَاسِعًا عَاجِلا غَيْر آجِلٍ نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، اللَّهمّ اسْقِنَا سُقْيَا رَحْمَةٍ لا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلا هَدْمٍ وَلا غَرَقٍ وَلا مَحْقٍ، اللَّهمّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَانْصُرْنَا عَلَى الأَعْدَاءِ» . [فَمَطِرَتْ فَمَا رَأُوا السَّمَاءَ سِتًّا، فَصَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ، فَدَعَا، فَقَالَ] [2] : «اللَّهمّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، عَلَى الآكَامِ، وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» . قَالَ: فَانْجَابَتِ السَّمَاءُ عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ
. وفد تجيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم [3]
وَبِالإِسْنَادِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ تُجِيبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَهُمْ ثَلاثَةُ عَشَرَ رَجُلا، وَسَاقُوا مَعَهُمْ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ [الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ] ، فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «مَرْحَبًا بِكُمْ» وَأَكْرَمَ مَنْزِلَتَهُمْ [وَحَيَّاهُمْ] وَأَمَرَ بِلالا أَنْ يُحْسِنَ ضِيَافَتَهُمْ وَجَوَائِزَهُمْ، وَأَعْطَاهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يُجِيزُ بِهِ الْوَفْدَ، وَقَالَ: «هَلْ بَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدٌ؟» قَالُوا: غُلامٌ خَلَّفْنَاهُ عَلَى رِحَالِنَا وَهُوَ أَحْدَثُنَا سِنًّا قَالَ: «أَرْسِلُوهُ إِلَيْنَا» ، فَأَقْبَلَ الْغُلامُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي امْرُؤٌ مِنْ بَنِي أَبْنَاءِ الرَّهْطِ الَّذِينَ أَتَوْكَ آَنِفًا فَقَضَيْتَ حَوَائِجَهُمْ فَاقْضِ/ حَاجَتِي، قَالَ: «مَا حاجتك؟» ، قال:
__________
[1] في الأصل: «وأمال» والتصحيح من الطبقات.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ابن سعد وانظر مسند أحمد 4/ 235 و 236.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 60 البداية والنهاية 5/ 84.(3/354)
أَنْ تَسْأَلَ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لِي وَيَرْحَمَنِي وَيْجَعَلَ غِنَايَ فِي قَلْبِي، فَقَالَ: «اللَّهمّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَاجْعَلْ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ» ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَانْطَلَقُوا رَاجِعِينَ إِلَى أَهْلِيهِمْ ثُمَّ وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَوْسِمِ بِمِنًى سَنَةَ عَشْرٍ، فَسَأَلَهُمْ [رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [1] عَنِ الْغُلامِ، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ أَقْنَعَ مِنْهُ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لأَرْجُو أَنْ نَمُوتَ جَمِيعًا» ] [2]
. وفيها قدم وفد بني أسد [3]
وقالوا: أتيناك نتدرع الليل البهيم في سنة شهباء، ولم تبعث لنا بعثا، فنزلت فيهم: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا 49: 17 [4]
. وفيها قدم وفد كلاب [5]
فيهم لبيد [6] بن ربيعة، وجبار بن سلمى، قالوا: إن الضحاك بن سفيان سار فينا بكتاب الله وبسنتك [التي أمرته] ، ودعانا إلى الله عز وجل فاستجبنا للَّه ولرسوله، وإنه أخذ الصدقة من أغنيائنا فردها على فقرائنا
. وفيها قدم وفد بلي [7]
في ربيع الأول، فنزلوا على رويفع بن ثابت البلوي
. وفيها قدم وفد عروة بن مسعود الثقفي
فأسلم، وقد سبق خبره فيما ذكرنا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 39 البداية والنهاية 5/ 79.
[4] سورة: الحجرات، الآية: 17.
[5] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 44 البداية والنهاية 5/ 80.
[6] في الأصل: أسد.
[7] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 65.(3/355)
[وفيها قدم وفد الداريين من لخم]
[1] وهم عشر: هانئ بن حبيب، والفاكه بن النعمان وجبلة بن مالك، وأبو هند بن ذر، وأخوه الطيب سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتميم بن أوس، ونعيم بن أوس، ويزيد بن قيس، وعزيز بن مالك سماه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الرحمن، وأخوه [مرة] [2]
. وفيها قدم وفد الطائف
مع عبد ياليل بن عمرو، فأسلموا، [وذلك] في رمضان.
[وفيها قدم وفد بهراء
[3] ثلاثة عشر رجلا، ونزلوا على المقداد بن عمرو
. وفيها قدم وفد البكاء] [4]
وفيها قدم وفد طيِّئ ووفد سعد هزيم [5]
وهم من أهل اليمن.
[أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رِزْقٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ] [6] فَرْوَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَفِيفِ بْنِ معديكرب، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاءه وَفْدُ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ أَحْيَانَا اللَّهُ بِبَيْتَيْنِ مِنْ شِعْرِ امْرِئِ الْقَيْسِ، فَقَالَ: «وَمَا هُمَا؟» ، قَالُوا: أَقْبَلْنَا نُرِيدُكَ حتى إذا كنا
__________
[1] سقط ذكر هذا الوفد من الأصل، وأوردناه من أ.
وراجع: طبقات ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 66.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 47، وما بين المعقوفتين: من أوانظر البداية والنهاية 5/ 81.
[5] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 59، 65.
[6] ما بين المعقوفتين: من أ. وورد في الأصل: روى فروة.(3/356)
بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا أَخْطَأْنَا الْمَاءَ، فَكُنَّا لا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَوْضِعِ طَلْحٍ وَسَمُرٍ، فَانْطَلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا إِلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ لِيَمُوتَ فِي ظِلِّهَا، فَبَيْنَا نَحْنُ فِي آَخِرِ رَمَقٍ إِذَا رَاكِبٌ قَدْ أَقْبَلَ، فَلَمَّا رَآَهُ بَعْضُنَا تَمَثَّلَ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ:
وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ الشريعة همها ... وَأَنَّ الْبَيَاضَ فِي فَرَائِضِهَا دَامِي
تَيَمَّمَتِ الْعَيْنَ التي عند ضارج ... يفيء عليها الظل عرمضها طَامِي
[1] فَقَالَ الرَّاكِبُ: مَنْ يَقُولُ هَذَا الشِّعْرَ؟ فَقَالَ بَعْضُنَا: امْرُؤُ الْقَيْسِ، فَقَالَ: هَذِهِ وَاللَّهِ ضَارِجٌ أَمَامَكُمْ، وَقَدْ رَأَى مَا بِنَا مِنْ الْجَهْدِ، فَرَجِعْنَا إِلَيْهَا فَإِذَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا نَحْوٌ مِنْ خَمْسِينَ ذِرَاعًا، وَإِذَا هِيَ كَمَا وَصَفَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: عَلَيْهَا الْعَرْمَضُ يَفِيءُ عَلَيْهَا الظِّلُّ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ رَجُلٌ مَشْهُورٌ فِي الدُّنْيَا خَامِلٌ فِي الآخرة، مذكور في الدنيا منسي في الآخرة، يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَهُ لِوَاءُ الشُّعَرَاءِ يَقُودُهُمْ إِلَى النَّارِ»
. وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق من خزاعة يصدقهم
وكانوا قد أسلموا وبنوا المساجد، فلما سمعوا بدنوه خرج منهم عشرون يتلقونه بالجزر والغنم فرحا به، فلما رآهم ولى راجعا إلى المدينة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لقوه بالسلاح، فهم أن يبعث من يغزوهم، فقدموا لما بلغهم الخبر، ونزلت: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا ... 49: 6 [2] . وبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عباد بن بشر يأخذ صدقاتهم.
وروي عن ضرار الخزاعي، قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها، وقلت: يا رسول الله، أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت زكاته، فيرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا لا تأت كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة. فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان الذي أراد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يبعث إليه احتبس عليه الرسول
__________
[1] ديوان امرئ القيس 161- 162 ط. الدار.
[2] سورة: الحجرات، الآية: 6.(3/357)
فلم يأته، فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخط/ من الله ورسوله، فدعى بسروات قومه، فقال لهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقت لي وقتا يرسل رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة كانت فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق فرجع، فأتى رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي، فضرب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البعث إلى الحارث، وأقبل الحارث بأصحابه إذ استقبل البعث وقد فصل من المدينة، فلقيهم الحارث، فقالوا: هذا الحارث، فلما غشيهم قال: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك، قال:
ولم؟ قالوا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله، قال: لا والذي بعث محمدا بالحق ما رأيته بته ولا أتاني.
فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «منعت الزكاة وأردت قتل رسولي» قال: والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني ولا أقبلت إلا حين احتبس علي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خشيت أن تكون قد كانت سخطة من رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ ... 49: 6 [1] الآية
. وفيها سرية قطبة بن عامر بن حديدة إلى خثعم في صفر [2] .
روى كعب بن مالك [3] ، قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث قطبة بن عامر بن حديدة فِي عشرين رجلا إلى حي من خثعم بناحية تبالة، وأمره أن يشن الغارة عليهم، فانتهوا إلى الحاضر وقد ناموا وهدءوا، فكبروا وشنوا الغارة، فوثب القوم فاقتتلوا قتالا/ شديدا حتى كثر الجراح في الفريقين جميعا وكسرهم [أصحاب] [4] قطبة فقتلوا من قتلوا وساقوا
__________
[1] سورة: الحجرات، الآية: 6. تفسير الطبري 26/ 78.
[2] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 117.
[3] هذه الرواية في الطبقات 2/ 1/ 117.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ.(3/358)
النعم والشاء إلى المدينة، فأخرج منه الخمس، ثم كانت سهامهم بعد ذلك أربعة أبعرة لكل رَجُل، والبعير يعدل بعشر من الغنم. وكانت هذه السرية في صفر سنة تسع قال ابن سعد [1] : قال أبو معشر: رمى قطبة بن عامر يوم بدر بحجر بين الصفين، ثم قَالَ: لا أفر حتى يفر هذا الحجر، وبقي قطبة حتى توفي في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وليس له عقب
. [وفيها سرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب في ربيع الأول [2]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعث جيشا إلى القرطاء عليهم الضحاك بن سفيان يدعوهم إلى الإِسْلام فأبوا، فقاتلوهم فهزموهم]
. وفيها سرية علقمة بن مجزز المدلجي إلى الحبشة في ربيع الآخر [3] .
وذلك أنه بلغ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ ناسا من الحبشة قد أتاهم أهل جدة، فبعث إليهم علقمة في ثلاثمائة فهربوا منه، فتعجل بعض القوم: إلى أهلهم، وكان فيمن تعجل عبد الله بن حذافة، فأمره رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي من تعجل، وكانت فيه دعابة، فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا نارا فقال: عزمت عليكم إلا تواثبتم في هذه النار، فهم بعضهم بذلك، فقال: أنا كنت أضحك معكم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «من أمركم بمعصية فلا تطيعوه» . [أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَعْدِ بْنُ عُبَيْدَةَ] [4] ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَةً وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلا مِنَ الأنصار، [قال] : [5] فلما
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 117.
[2] هذه السرية ساقطة من الأصل، وأوردناها من أ،
[3] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 117، 118.
[4] ما بين المعقوفتين: في الأصل: «وروي عن أبي عبد الرحمن» وما أوردناه من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: من المسند.(3/359)
خَرَجُوا وَجَدَ [1] عَلَيْهِمْ فِي شَيْءٍ، فَقَالَ [لَهُمْ] : أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي؟
قَالُوا: بَلَى، قَالَ: اجْمَعُوا حَطَبًا، ثُمَّ دَعَا بِنَارٍ فَأَضْرَمَهَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَتَدْخُلُنَّهَا. قَالَ: فَهَمَّ الْقَوْمُ بِدُخُولِهَا. قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ شَابٌّ [مِنْهُمْ] [1] : إِنَّمَا فَرَرْتُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّارِ فَلا/ تَعْجَلُوا حَتَّى تَلْقَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوهَا فَادْخُلُوهَا. قَالَ: فَرَجِعُوا إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فَقَالَ لَهُمْ: «لَوْ دَخَلْتُمُوهَا مَا خَرَجْتُمْ مِنْهَا أَبَدًا، إِنَّما الطَّاعَةُ بِالْمَعْرُوفِ» . قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [2] ، وَهَذَا الأَمِيرُ الَّذِي قَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ، وَقَوْلُ الرَّاوِي رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ غَلَطٌ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ
. وفيها سرية علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الفلس وهو صنم طيِّئ ليهدمه [3]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعث عليا في خمسين ومائة من الأنصار في مائة بعير وخمسين فرسا إلى صنم طيِّئ [ليهدمه] في ربيع الآخر، وبعث معه راية سوداء ولواء أبيض، فشنوا الغارة وخرجوا الفلس، وأخذوا سيفين كانوا في بيت الصنم، وملئوا أيديهم من السبي والنعم، وكان في السبي أخت عدي بن حاتم، وهرب عدي إلى الشام وروى محمد بن إسحاق، عن شيبان بن سعد الطَّائِيِّ [4] ، قَالَ: كَانَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ يَقُولُ: ما رجل من العرب [كان] [5] أَشَدَّ كَرَاهِيَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وسلم حين سمع به مني [أما أنا] [6] فكنت نصرانيا، وكنت شريفا في قومي، فلما سمعت بجيوش محمد احتملت أهلي وولدي لألحق بأهل ديني من النصارى وخلفت ابنة حاتم في الحاضر فأصيبت فيمن
__________
[1] في الأصل: وجدوا والتصحيح من المسند وما بين المعقوفتين منه.
[2] الحديث أخرجه أحمد في المسند 1/ 82، والبخاري في الأحكام 9/ 79، ومسلم في الإمارة 6/ 15، وأبو داود في الجهاد 1/ 259، وابن ماجة بمعناه عن أبي سعيد 2/ 955، 956، والنسائي عن علي في البيعة 7/ 159، 160.
[3] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 118.
[4] في الأصل: «عن سنان بن مسعود الطائي» . والخبر في تاريخ الطبري 3/ 112.
[5] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[6] ما بين المعقوفتين: من الطبري.(3/360)
أصيب، فَقُدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم في سبي طيِّئ، فجعلت في حظيرة بباب المسجد كانت تحبس بها السبايا، فلما مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت إليه، فقالت: هَلَكَ الْوَالِدُ، وَغَابَ الْوَافِدُ، فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ الله عليك، قال: «فمن وَافِدُكِ؟» قَالَتْ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: «الْفَارُّ من الله ورسوله» ، ثم مضى، ثم عاد من الغد، فقالت مثل ذلك، فقال: «قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى يكون لك ثقة يبلغك إلى بلادك» ، فلما رأت ثقة أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكساها/ وحملها وأعطاها نفقة، فقدمت على عدي فجعلت تقول: القاطع الظالم احتملت بأهلك وولدك وتركت بقية والدك، قال: والله ما لي عذر، ما ترين في هذا الرجل، قالت: أرى والله أن تلحق به، فأتيته فَقَالَ: «مَنِ الرَّجُلُ؟» فَقُلْتُ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، فانطلق بي إلى بيته، فلقيته امرأة ضعيفة فوقف لها طويلا، فقلت: ما هذا بملك. ثم مضى حتى دخل بيته، فتناول وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوَّةٍ لِيفًا فَقَدَّمَهَا إِلَيَّ وجلس على الأرض، فقلت: ما هذا بأمر ملك، فأسلمت [1]
. ومن الحوادث سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الجناب [2] .
أرض عذرة [وبلي] [3] وذلك في ربيع الآخر
. وفيها هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه.
وقال: ما أنا بداخل عليكن شهرا. قال مؤلف الكتاب: وفي سبب ذلك قولان:
أحدهما: أنه حين حرم أم إبراهيم أخبر بذلك حفصة واستكتمها، فأخبرت بذلك.
والثاني: أنه ذبح ذبحا فقسمته عائشة بين أزواجه، فأرسلت إلى زينب بنت جحش بنصيبها، فردته، فقال: زيدوها، فزادوها ثلاثا كل ذلك ترده، فقال: «لا أرضى عليكن شهرا» . فاعتزل في مشربة له، ثم نزل لتسع وعشرين، فبدأ بعائشة رضي الله
__________
[1] الخبر في البداية والنهاية 5/ 57 وما بعد.
[2] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 118.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ.(3/361)
عَنْهَا فقالت: يا رسول الله، كنت أقسمت ألا تدخل علينا شهرا، وإنما أصبحت من تسع وعشرين أعدها عدا، فقال: «الشهر تسع وعشرون» وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين
. وفي هذه السنة كانت غزوة تبوك وذلك في رجب [1]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بلغه أن الروم قد جمعت جموعا كبيرة، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معه لخم وجذام وعاملة وغسان، وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء، فندب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الناس، وأعلمهم المكان/ الذي يريد ليتأهبوا لذلك، وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب ليستنفرهم، وذلك في حر شديد، وخلف علي بن أبي طالب على أهله، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة، وجاء البكاءون يستحملونه.
واختلف في عددهم وأسماءهم، فروى أبو صالح عن ابن عباس، قال: هم ستة:
عبد الله بن معقل، وصخر بن سلمان. وعبيد الله بن كعب، وعلية بن زيد، وسالم بن عمير، وثعلبة بن غنمة.
وذكر محمد بن مسلمة مكان صخر بن سلمان، سلمة بن صخر، ومكان ثعلبة بن غنمة، عمرو بْن غنمة، قال: وقيل منهم معقل بن يسار.
وروى ابن إسحاق عن أشياخ له [2] : أن البكاءين سبعة من الأنصار: سالم بن عمير، وعلية بن زيد، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، وعمرو بن الحمام، وعبد الله بن معقل، وبعض الناس تقول عَبْد اللَّه بن عمرو المزني، وعرباض بن سارية، وهرمي بن عبد الله.
وقال مجاهد: نزلت في بني مقرن، وهم سبعة وقد ذكرهم محمد بن سعد، فقال:
النعمان بن عمرو بن مقرن، وسنان بن مقرن، وعقيل بن مقرن، وعبد الرحمن بن مقرن، وعبد الرحمن بن عقيل بن مقرن، وقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا أجد ما أحملكم عليه» فولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا.
__________
[1] المغازي للواقدي 3/ 989، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 118، 119، وابن هشام 2/ 515، تاريخ الطبري 3/ 100، والبداية والنهاية 5/ 2، والكامل 2/ 149.
[2] تاريخ الطبري 3/ 102.(3/362)
وجاء ناس من المنافقين يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم [في التخلف] [1] من غير علة فأذن لهم وهم بضعة وثمانون رجلا، وجاء المعذرون من الأعراب، فاعتذروا فلم يعذرهم، وهم اثنان وثمانون رجلا، وكان عبد الله بن أبي قد عسكر في حلفائه من اليهود والمنافقين على ثنية الوداع، واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة محمد بن مسلمة، وجاء واثلة بن الأسقع فبايعه ثم لحق به، فلما سار تخلف [عبد الله] بن أبي ومن معه، وبقي نفر من المسلمين، منهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وأبو خيثمة السالمي، وأبو/ ذر الغفاري فقدم تبوكا في ثلاثين ألفا من الناس، وكانت الخيل عشرة آلاف فرس، وكان على حرسه عباد بْن بشير، ولقوا في الطريق شدة.
قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: حدثنا عن ساعة العسرة، قال: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش شديد ظننا أن رقابنا ستقطع حتى أن الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته تتقطع، وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه [2] فيشربه ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، إن اللَّه قد عودك في الدعاء خيرا فادع الله لنا، قال: «تحب ذلك» ، قال:
نعم، فرفع يديه فلم يرجعها حتى [قالت السماء] [3] فملئوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر. وفي هذه السفرة: اشتد بهم العطش ومعهم إداوة فيها ماء فصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء ففاضت حتى روي العسكر وهم ثلاثون ألفا، والإبل اثنا عشر ألفا، والخيل عشرة آلاف.
وفيها: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر [من] أرض ثمود، واستقى الناس من أبيارهم فنهاهم.
قال ابن عمر: أن الناس نزلوا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرض ثمود الحجر فاستسقوا من أبيارها وعجنوا به، فأمرهم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يهريقوا ما استقوا من أبيارها وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من النهر التي كانت ترده الناقة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[2] في ابن سعد: فيعصر كرشه.
[3] في الأصل: حتى قال فملئوا.(3/363)
أخرجاه في الصحيحين.
فصل
قال علماء السير: أقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبوك عشرين ليلة، ولحقه أبو خيثمة وأبو ذر، وكان أبو خيثمة قد رجع من بعض الطريق، فوجد امرأتين له، [قد] هيأت كل واحدة منهما عريشا وبردت فيه ماء وهيأت طعاما، فوقف/ فَقَالَ: رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الضح [1] والريح وأبو خيثمة في ظلال وماء بارد، والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. فلحقه ثم انصرف رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ ولم يلق كيدا، وكان هرقل يومئذ بحمص
. فصل
فبعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بن الوليد في أربع مائة وعشرين فارسا إِلَى أُكَيْدَرِ بْنِ عَبْد الْمَلِكِ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة، وكان أكيدر قد ملكهم وكان نصرانيا، فانتهى إليه خالد بن الوليد وقد خرج من حصنه في ليلة مقمرة إلى بقر يطاردها هو وأخوه حسان، فشدت عليه خيل خالد فاستأسر أكيدر، وامتنع أخوه حسان فقاتل حتى قتل وهرب من كان معه، فدخل الحصن وأجار خالد أكيدر من القتل حتى يأتي به رسول اللَّه صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي أن يفتح له دومة الجندل، ففعل وصالحه على ألفي بعير وثمانمائة رأس وأربعمائة درع وأربعمائة رمح، فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفيا خالصا، ثم قسم الغنائم، فأخرج الخمس ثم قسم ما بقي فقدم به وبأخيه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقدم أكيدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدى له هدية وصالحه على الجزية وحقن دمه ودم أخيه وخلى سبيلهما وكتب لهما كتابا فيه أمانهم.
وفي طريق رجوع رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى المدينة من تبوك قال من قال من المنافقين:
إنما كنا نخوض ونلعب.
وَرَوَى صَالِحٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ جَدَّ بْنَ قَيْسٍ، وَوَدِيعَةَ بْنَ خِدَامٍ وَالْجَهِيرُ بْنُ جُمَيْرٍ كَانُوا يَسِيرُونَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْجِعَهُ مِنْ تبوك، فجعل رجلان منهم
__________
[1] الضح: الشمس.(3/364)
يَسْتَهْزِئَانِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالثَّالِثُ يَضْحَكُ مِمَّا يَقُولانِ وَلا يَتَكَلَّمُ/ بِشَيْءٍ، فنزل جبريل فأخبره بما يستهزءون بِهِ وَيَضْحَكُونَ مِنْهُ، فَقَالَ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: «اذْهَبْ فَسَلْهُمْ عَمَّا كَانُوا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَقُلْ لهم أحرقكم اللَّهُ» وَلَمَّا سَأَلَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: أَحْرَقَكُمُ اللَّهُ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ قَدْ نَزَلَ فِيهِمْ قُرَآنٌ، فَأَقْبَلُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَى رَسُولِ اللِّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْجَهِيرُ: وَاللَّهِ مَا تَكَلَّمْتُ بِشَيْءٍ وإنما ضحكت تعجبا من قولهم، فنزل قوله: لا تعتذروا- يَعْنِي جَدَّ بْنَ قَيْسٍ وَوَدِيعَةَ- إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ 9: 66- يعني الجهير- نعذب طائفة [1]- يَعْنِي الْجَدَّ وَوَدِيعَةَ.
وَفِي طَرِيقِ رُجُوعِهِ مَنْ تَبُوكَ، قَالَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عبد الباقي، قال: أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عمرو بن حيوية، قال: حدّثنا الْحَسَنُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ [الطَّوِيلُ] [2] ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَجَعْنَا من غزاة تَبُوكَ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إًلا كَانُوا مَعَكُمْ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟
قَالَ: «نَعَمْ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ» [3]
. فصل
فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة في رمضان، وجاءه من تخلف فعذرهم واستغفر لهم، وأرجأ أمر كعب بن مالك وصاحبيه حتى نزلت توبتهم وجعل الناس يبيعون أسلحتهم ويقولون: قد انقطع الجهاد، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فنهاهم، وقال: «لا تزال طائفة [4] من أمتي يجاهدون على الحق حتى يخرج الرجال» .
__________
[1] سورة: التوبة، الآية: 66.
[2] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 1/ 121.
[4] في أ: «لا تزال عصابة» .(3/365)
فأما قصة كعب وصاحبيه
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ المذهب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بْن جعفر القَطِيعيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بن مسلم الزهري، قال: أَخْبَرَنِي/ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ] [1] بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ، قَالَ:
سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ بِحَدِيثِهِ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تَبُوكَ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتَبْ أَحَدٌ تَخَلَّفَ عَنْهَا لأَنَّهُ إِنَّمَا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ حَتَّى جَمَعَ اللَّهِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَافَقْنَا عَلَى الإِسْلامِ وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ وَإِنْ كَانَتْ بَدْرُ أَشْهَرُ فِي النَّاسِ مِنْهَا وَأَذكر، وَكَانَ مِنْ خَبَرِي [حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تَبُوكَ لأَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلا أَيْسَرَ مِنِّي] [2] حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزَاةَ، وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُ قَبْلَهَا رَاحِلَتَيْنِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّمَا يُرِيدُ غَزَاةً يَغْزُوهَا إِلا وَرَى بِغَيْرِهَا حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزَاةُ، فَغَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا، وَاسْتَقْبَلَ عَدُوًّا كَثِيرًا فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرٌ لا يَجْمَعُهُمْ كِتَابُ حَافِظٍ، يُرِيدُ الدِّيوَانَ، فَقَالَ كَعْبٌ: فَقَلَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلا ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ سَيُخْفَى لَهُ مَا لَمْ يُنَزَّلْ فِيهِ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْغَزَاةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلُّ، وَأَمَّا النَّهَارُ أَصْغَرَ، فَتَجَهَّزَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَهُ، وَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: أنا قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ إِذَا أَرَدْتُ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى شَمَّرَ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غاديا والمسلمون
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.(3/366)
مَعَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جِهَازِي شَيْئًا، فَقُلْتُ: الْجِهَازُ بَعْدَ يَوْمٍ/ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فغدوت بعد ما فصلوا لأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا مِنْ جِهَازِي، ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا [مِنْ جِهَازِي] [1] ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَضَ الْغَزْوُ [2] فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، وَلَيْتَ أَنِّي فَعَلْتُ، ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ لِي، فَطَفِقْتُ إِذَا خَرَجْتُِ فِي النَّاسِ بَعْدَ خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فطفت فيهم] يحزنني أَنْ لا أُرَى إِلا رَجُلا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ أَوْ رَجُلا مِمَّنْ عَذَّرَهُ اللَّهُ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ: «مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ» ، قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ:
حَبَسَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِرَداُهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَمَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلا خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَهُّ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلا مِنْ تَبُوكَ حَضَرَنِي بَثِّي فَطَفِقْتُ أَتَفَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ، غَدًا أَسْتَعِينُ [3] عَلَى ذَلِكَ كُلَّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَنْجُوَ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَبَدًا فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَصَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُتَخَلِّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلا، فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلانِيَتَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَّلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تعالى حتى جئت، فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلانِيَتَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَّلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى جِئْتُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضِبِ ثُمَّ قَالَ لِي: «تَعَالَ» ، فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدْيَهِ، فَقَالَ لِي: «مَا خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ اسْتَمَرَّ ظَهْرُكَ؟» . قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنِّي أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيْتُ جَدَلا وَلَكِنَّهُ وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْْتُكَ [الْيَوْمَ] بِكَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى/ يُسْخِطُكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ بِصِدْقٍ تَجِدْ عَلَيَّ فِيهِ، إِنِّي لأَرْجُو قُرَّةَ عَيْنِي عَفْوًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي عُذْرٌ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَفْرَغَ وَلا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يقضي الله تبارك وتعالى فيك» .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[2] في الأصل: «العدو» والتصحيح من المسند والبداية والنهاية.
[3] في الأصل: واسعنيت.(3/367)
فَقُمْتُ وَبَادَرْتُ رِجَالا مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَاتَّبَعُونِي فَقَالُوا لِي: وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجِزْتَ أَنْ لا تُكونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما اعتذر به المتخلفون، لقد كَانَ كَافِيكَ مِنْ ذَنْبِكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأَكْذِبُ نَفْسِي. [قَالَ] : ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ لَقِيَهُ مَعَكَ رَجُلانِ قَالا مَا قُلْتَ فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُمَا: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَامِرِيُّ، وَهِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ، قَالَ: فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فَقُلْتُ: لِي فِيهِمَا أُسْوَةٌ، قَالَ: فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي، قَالَ: وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلامِنَا أَيُّهَا الثَّلاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ، قَالَ: وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرْتُ فِي نَفْسِي الأَرْضَ، فَمَا هِيَ بِالأَرْضِ الَّتِي كُنْتُ أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَنَّا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أنا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَشْهَدُ الصَّلاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ بِالأَسْوَاقِ وَلا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَأُسَلِّمُ فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدّ السَّلامِ أَمْ لا، ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاتِي نَظَرَ إِلَيَّ، فَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعَرْضَ عَنِّي حَتَّى إِذَا أَطَالَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ هَجْرِ الْمُسْلِمِينَ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ حَائِطَ أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وأحب الناس إلي فسلمت عليه، فو الله مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: فَسَكَتَ، قَالَ: / فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَنَزَلْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْحَائِطَ.
فَبَيْنَمَا أنا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا بِنِبْطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بِطَعَامٍ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى كَعْب بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ حَتَّى جَاءَ، فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ وَكُنْتُ كَاتِبًا، فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ،. فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلا مَضْيَعَةٍ، فَالْحِقْ بِنَا نُوَاسِكَ.
قَالَ فَقُلْتُ حِينَ قَرَأْتُهَا: وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلاءِ. قَالَ: فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التنور فسجرته بها، حتى إذا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ إِذَا بِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي، فَقَالَ: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ. قَالَ: فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: بَلِ(3/368)
اعْتَزِلْهَا فَلا تَقْرَبْهَا. قَالَ: وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبِي بِمِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: فَقُلْتُ لامْرَأَتِي: الْحِقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الأمر.
قال: فجاءت امْرَأَةُ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هِلالا شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدِمَهُ؟ قَالَ: «لا وَلَكِنْ لا يَقْرَبَنَّكِ» قَالَتْ: فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَاللَّهِ مَا يَزَالُ يَبْكِي مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ مِنْ أَمْرِكَ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا.
قَالَ: فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَتِكَ فَقَدْ أَذِنَ لامْرَأَةِ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدِمَهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أَدْرِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ.
قَالَ فَلَبِثْنَا بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى عَنْ كَلامِنَا. قَالَ: ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلاةَ الْفَجْرِ صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَمَا أنا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذكر اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنَّا قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتِ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَارِخًا أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سِلْعٍ [1] يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَبْشِرْ، قَالَ:
فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وعرفت أن قد جَاءَ فَرَجٌ/ وَآَذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلاةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ يُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ وَأَوْفَى الْجَبَلِ، فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ [يُبَشِّرُنِي] نَزَعْتُ لَهُ ثوبي فكسوته إياهما ببشارته، وو الله مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، فَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ، فَلَبِسْتُهُمَا فَانْطَلَقْتُ أَؤُمُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّئُونِي بِالتَّوْبَةِ يقولون يهنك توبة اللَّهُ عَلَيْكَ، حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم جالس في المسجد حوله الناس، فقام إلي طَلْحَةُ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ.
قَالَ فَكَانَ كَعْبٌ لا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ. قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: «أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» قَالَ: قُلْتُ:
أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، قَالَ: «لا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» . قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ قطعة قمر حتى يعرف ذلك منه.
__________
[1] في الأصل: «صارخا على جبل شامخ» .(3/369)
قَالَ: فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رسول الله، إن مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَتَخَلَّعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَى رَسُولِهِ، قَالَ [رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] : «أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» . قَالَََ: فَقُلْتُ: إِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا نَجَّانِي اللَّهُ تَعَالَى بِالصِّدْقِ وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لا أُحَدِّثَ إِلا صِدْقًا ما بقيت. قال: فو الله مَا أْعَلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلاهُ اللَّهُ مِنَ الصِّدْقِ فِي الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلانِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَاللَّهِ مَا تَعَمَّدْتُ كَذِبًا مُنْذُ قُلْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ/ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيَ.
قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ الله هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ 9: 117- 119 [1] . قال كعب: فو الله مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ إِذْ هَدَانِي لِلإِسْلامِ أَعْظَمُ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ أَنْ لا أَكُونَ كَذَبْتُهُ [2] فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوهُ [حِينَ كَذَبُوهُ] ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوهُ حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا يُقَالُ لأَحَدٍ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ 9: 95- 96 [3] .
قَالَ: وَكُنَّا خُلِّفْنَا أَيُّهَا الثَّلاثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَلَفُوا فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لهم فأرجئ رسول الله أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ [تَعَالَى فِيهِ] ، فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا 9: 118 [4] وَلَيْسَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا، وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا الَّذِي ذكر مِمَّا خَلَّفَنَا بِتَخَلُّفِنَا عَنِ الْغَزْوِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَّنَ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ [5] .
__________
[1] سورة: التوبة، الآية: 117، 119.
[2] في الأصل: أن لا أكذبه» .
[3] سورة: التوبة، الآية: 95، 96.
[4] سورة: التوبة، الآية: 118.
[5] الخبر في المسند 3/ 456- 459 والبداية والنهاية 5/ 23- 24.(3/370)
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: أَخْرَجاُه فِي الصَّحِيحَيْنِ [1] .
وقوله: «تفارض الغزو» ، أي: تقدم وتباعد، وربما قرأه من لا يعرف، فقال:
«العدو» وأطل بالطاء ومعناه دنا، وقوله: «رجلين شهدا بدرا» ، وهم من الزهري، فإنهما لم يشهدا بدرا
. [ومن الحوادث إسلام خريم بن أوس] [2]
ومن الحوادث بَعْدَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ من تبوك إسلام خريم بن أوس، وامتداح العباس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأبياته المعروفة.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَيْلانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الشَّيْخِ الأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمُّ أَبِي زُحَرَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ جده حميد بن شهاب] [2] ، قَالَ: قَالَ خُرَيْمُ بْنُ أَوْسٍ: هَاجَرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ تَبُوكَ، فَأَسْلَمْتُ، وَسَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَمْتَدِحَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ لا يَفْضُضُ اللَّهُ فَاكَ» ، فَأَنْشَأَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
مِنْ قَبْلِهَا طِبْتَ فِي الظِّلالِ وَفِي ... مُسْتَوْدَعِ حَيْثُ يُخْصَفُ الْوَرَقُ
ثُمَّ هَبَطْتَ الْبِلادَ لا بَشَرٌ ... أَنْتَ وَلا مُضْغَةٌ وَلا عَلَقُ
بَلْ نُطْفَةٌ تَرْكَبُ السَّفِينَ وَقَدْ ... أَلْجَمَ نَسْرًا وَأْهَلَهُ الْغَرَقُ
تَنَقَّلُ مِنْ صَالِبٍ إِلَى رَحِمٍ ... إِذَا مَضَى عَالَمٌ بَدَا طَبَقُ
حَتَّى انْتَهَى [3] بَيْتُكَ الْمُهَيْمِنُ مِنْ ... خِنْدِفَ عَلْيَاءَ تَحْتَهَا النُّطُقُ
وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الأَرْضُ ... وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الأُفُقُ
فَنَحْنُ فِي ذَلِكَ الضِّيَا وَفِي ... النُّورِ لَسُبْلِ الرَّشَادِ نَخْتَرِقُ
__________
[1] صحيح البخاري 5/ 208، وصحيح مسلم 2/ 500 كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والخبر أورده ابن كثير في البداية 5/ 27. وعزاه للبيهقي الدلائل:
5/ 268- 268 وقد ورد في الأصل: قال حميد بن صهيب.
[3] في البداية والدلائل: «حتى احتوى» .(3/371)
ومن الحوادث فيها بعد مقدمه من تبوك قدم عليه كتاب ملوك حمير بإسلامهم
فَرَوَى بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: قدم على رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ مُلُوكِ حِمْيَرَ مَقْدِمَهُ مِنْ تَبُوكَ وَرَسُولُهُمْ إِلَيْهِ بِإِسْلامِهِمْ: الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ كلال، ونعيم بن عبد كلال، والنعمان قيل ذِي رُعَيْنٍ وَهَمْدَانُ وَمُعَافِرٌ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ زُرْعَةَ بْنَ ذِي يَزَنٍ مَالِكَ بْنَ مُرَّةَ الرُّهَاوِيَّ بِإِسْلامِهِمْ وَمُفَارَقَتِهِمُ الشِّرْكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كَلالٍ وَنُعَيْمِ بْنِ عبد كلال، والنعمان قيل ذي رعين وهمدان وَمُعَافِرٍ/ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكُمُ [اللَّهُ] الَّذَيِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ، فَإِنَّهُ وَقَعَ إِلَيْنَا رَسُولُكُمْ مَقْفَلَنَا مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، فَلَقِيَنَا بِالْمَدِينَةِ، فَبَلَّغَ مَا أَرْسَلْتُمْ وَخَبَّرَ مَا قُلْتُمْ، وَأَنْبَأَنَا بِإِسْلامِكُمْ وَإِسْلامِ مَنْ قِبَلِكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [1] ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ هَدَاكُمْ بِهِدَايَتِهِ، إِنْ أصلحتم وأطعمتم اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَقَمْتُمُ الصَّلاةَ، وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ، وَأَعْطَيْتُمُ من الْمَغَانِمَ خُمْسَ اللَّهِ، وَخُمْسَ نَبِيِّهِ وَصَفِيِّهِ، وَمَا كَتَبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيَّتِهِ وَنَصْرَانِيَّتِهِ فَإِنَّهُ لا يُغَيَّرُ عَنْهَا وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ.
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ الله مُحَمَّدًا أَرْسَلَ إِلَى زُرْعَةَ بْنِ ذِي يَزَنٍ [2] أَنَّ إِذَا أَتَتْكُمْ رُسُلِي فَأُوصِيكُمْ بِهِمْ خَيْرًا: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، وَمَالِكُ بْنُ عُبَادَةَ، وَعُقْبَةُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَمِيرُهُمْ مُعَاذُ [بْنُ جَبَلٍ] فَلا يَتَقَلَّبَنَّ إِلا رَاضِيًا، ثُمَّ إِنَّ مَالِكَ بْنَ مُرَّةَ حَدَّثَنِي أَنَّكَ [قَدْ] أَسْلَمْتَ مِنْ أَوَّلِ حِمْيَرَ، وَقَتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ فَابْشِرْ بِخَيْرٍ وَآمُرُكَ بِحِمْيَرَ خَيْرًا
. وفي هذه السنة حج أبو بكر رضي الله عنه بالناس في ذي الحجة [3]
قاله محمد، وقال مجاهد: وافقت حجة أبي بكر ذي القعدة، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام القابل في ذي الحجة، وذلك حين قال: «إن الزمان قد استدار كهيئته
__________
[1] في أ، والطبري 3/ 120: «إسلامكم وقتلكم المشركين» .
[2] في الطبري: «زوعة ذي يذن» .
[3] المغازي للواقدي 3/ 1076، وتاريخ الطبري 3/ 122، وسيرة ابن هشام 2/ 543، والبداية والنهاية 5/ 36.(3/372)
يوم خلق الله السموات والأرض» وذلك أن العرب كانوا يستعملون النسيء فيؤخرون تحريم المحرم إلى صفر، ثم كذلك حتى تتدافع الشهور فيستدير التحريم على السنة كلها، فوافقت حجة أبي بكر ذي القعدة.
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم استعمله على الحج، فحج في ثلاثمائة رجل، وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين بدنة، فلما كان بالعرج لحقه علي بن أبي طالب رضي الله عنه على ناقته القصواء، فقال أبو بكر: استعملك رسول الله على الحج؟ قال: لا، ولكن بعثني أقرأ براءة على الناس وأنبذ إلى كل ذي عهد/ عهده، فمضى أبو بكر فحج بالناس، وقرأ علي رضي الله عنه براءة، وقال: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ثم رجعا قافلين إلى المدينة. روى أبو سعيد الخدري، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الموسم، وبعث بسورة براءة وأربع كلمات إلى الناس، فلحقه عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا في الطريق، فأخذ علي رضي الله عنه السورة والكلمات وكان يبلغ وأبو بكر على الموسم، فإذا قرأ السورة نادى: لا تدخل الجنة إلا نفس مسلمة ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فأجله إلى مدته.
فلما رجعا قال أبو بكر رضي الله عنه: ما لي هل نزل في شيء؟ قال: لا إلا خيرا، قال: وما ذاك؟ قال: إن عليا رضي الله عنه لحق بي فأخذ مني السورة والكلمات.
قال: أجل لم يكن يبلغها إلا أنا أو رجل مني
. وفيها أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهدم مسجد الضرار [1] .
وذاك أنه لما اتخذ بنو عمرو بن عوف مسجد قباء وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فيه حسدهم أخوتهم بنو غنم بن عوف، وكانوا من منافقي الأنصار، فقالوا نبني مسجدا ونرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه وليصلي أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام، فأخبر الله عز وجل رسوله فأمر بهدمه وإحراقه.
__________
[1] البداية والنهاية 5/ 19.(3/373)
وفيها رجم الغامدية
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حدثني أبي، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ] [1] : إِنِّي كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ زنيت وأنا أريد أن تطهرني، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْجِعِي» . فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ أَيْضًا فَاعْتَرَفَتْ عِنْدَهُ بِالزِّنَا، فَقَالَتْ: [يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي زنيت وأنا أريد أن تطهرني، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْجِعِي» ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ أَيْضًا فَاعْتَرَفَتْ عِنْدَهُ بِالزِّنَا، فَقَالَتْ:] [2] يَا نَبِيَّ اللَّهِ، طَهِّرْنِي فَلَعَلَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزَ بن مالك، فو الله إِنِّي لَحُبْلَى، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْجِعِي/ حَتَّى تَلِدِي» .
فَلَمَّا وَلَدَتْ جَاءَتْ بِالصَّبِيِّ تَحْمِلُهُ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَا قَدْ وَلَدْتُ، قَالَ:
«فَاذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطُمِيهِ» ، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ جَاءَتْ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَتْ:
يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَا قَدْ فَطَمْتُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّبِيِّ فَدَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا فُحِفُرَ لَهَا حُفَيْرَةٌ فَجُعِلَتْ فِيهَا إِلَى صَدْرِهَا، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَرْجُمُوهَا، فَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَنَضَحَ الدَّمُ عَلَى وَجْنَةِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: «مَهْلا يَا خَالِدُ [بْنَ الْوَلِيدِ، لا تسبها] فو الّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صاحب مكس لغفر له» فأمر بها فصلي عليها ودفنت [3]
وفيها لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عويمر بن الحارث العجلاني وبين امرأته
بعد العصر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد قذفها بشريك بن سحماء.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: «قال عبد الله بن بريدة، قال:» وما أوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] الخبر في المسند 5/ 348.(3/374)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
125- النجاشي، واسمه أصحمة [1] :
وهو الذي هاجر إليه المسلمون وأسلم وله الأفعال الحميدة، والإعانة للمسلمين، وهو الَّذِي أمهر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجته أم حبيبة، وتوفي في رجب هذه السنة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حدثني أبي، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ الْيَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَخَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ أَصْحَابَهُ خَلْفَهُ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا.
وروى أبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت:
لما مات النجاشي كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور
. 126- أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم [2] :
كان تزوجها عتبة بن أبي لهب قبل النوبة فلما/ نزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ 111: 1 [3] ، قال أبوه: رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته، ففارقها ولم يكن دخل بها. فلم تزل بمكة مع رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهاجرت، فلما توفيت رقية خلف عليها عثمان بن عفان في ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة، وأدخلت عليه في جمادى الآخرة، فماتت عنده في شعبان هذه السنة، فغسلتها أسماء بِنْت عميس، وصفية بنت عبد المطلب، وأم عطية، ونزل في حفرتها أبو طلحة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
أخبرنا أبو عمرو بن حيوية. قال: أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حَدَّثَنِي فُلَيْحٌ، عَنْ هِلالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أنس بن مالك، قال:
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 122، والبداية والنهاية 5/ 39.
[2] طبقات ابن سعد 8/ 25.
[3] سورة: المسد، الآية: 1.(3/375)
رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا عَلَى قَبْرِهَا، وَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: «فِيكُمْ أَحَدٌ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ» ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «انْزِلْ» [1]
. 127- سهيل بن بيضاء:
قال المصنف: هي أمه، واسمها دعد بنت جحدم، وأبوه وهب بن ربيعة بن هلال، ويكنى أبا مُوسَى.
شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوفي بعد رجوع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك وهو ابن أربعين سنة، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد.
وكان أسن أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر وسهيل بن بيضاء
. 128- عبد الله بن عبد نهم بن عفيف، ذو النجادين:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَهِمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَشْيَاخِهِ، قَالَ: كَانَ ذُو النِّجَادَيْنِ يَتِيمًا لا مَالَ لَهُ، مَاتَ أَبُوهُ وَلَمْ يُوَرِّثْهُ شَيْئًا، فَكَفَلَهُ عَمُّهُ حَتَّى أَيْسَرَ، وَكَانَ لَهُ إِبِلٌ وَغَنَمٌ وَرَقِيقٌ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ جَعَلَتْ نَفْسُهُ تَتُوقُ إِلَى الإِسْلامِ وَلا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لأَجْلِ عَمِّهِ حَتَّى مَضَتِ السُّنُونَ وَالْمَشَاهِدُ، فَقَالَ لِعَمِّهِ: يَا عَمُّ، إِنِّي انْتَظَرْتُ إِسْلامَكَ فَلَمْ أَرَكَ تُرِيدُ مُحَمَّدًا، فَأْذَنْ لِي فِي الإِسْلامِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لِئِنِ اتَّبَعْتَ مُحَمَّدًا لا أَتْرُكُ بِيَدِكَ شَيْئًا/ كُنْتَ أَعْطَيْتُكَهُ [إِلا نَزَعْتُهُ مِنْكَ] [2] حَتَّى ثَوْبَيْكَ، فَقَالَ: فَأَنَا وَاللَّهِ مُتَّبِعٌ مُحَمَّدًا وَتَارِكٌ عِبَادَةَ الْحَجَرِ وَالْوَثَنِ، وَهَذَا مَا بِيَدِي فَخُذْهُ. فَأَخَذَ كُلَّ مَا أَعْطَاهُ حَتَّى جَرَّدَهُ مِنْ إِزَارِهِ، فَأَتَى أُمَّهُ فَقَطَعَتْ لَهُ نِجَادًا لَهَا بِاثْنَيْنِ، فَأْتَزَرَ بِوَاحِدَةٍ، وَارْتَدَى الآخَرَ، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ بِرُوقَانَ- وَهُوَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ مُزَيْنَةَ- فَاضْطَجَعَ فِي الْمَسْجِدِ فِي السَّحَرِ، فصلى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، وَكَانَ يَتَصَفَّحُ وُجُوهَ النَّاسِ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الصُّبْحِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَأَنْكَرَهُ، فَقَالَ: «مَن أنت؟» فانتسب له، وكان اسمه عبد
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 26.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.(3/376)
الْعُزَّى، فَقَالَ: «أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ ذُو النِّجَادَيْنِ» ، ثُمَّ قَالَ: «انْزِلْ مِنِّي قَرِيبًا» . فَكَانَ فِي أَضْيَافِهِ، وَيُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ حَتَّى قَرَأَ قُرْآنًا كَثِيرًا، وَكَانَ رَجُلا صَيِّتًا، فَكَانَ يَقُومُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا تَسْمَعُ هَذَا الأَعْرَابِيَّ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، قَدْ مَنَعَ النَّاسَ الْقِرَاءَةَ، فَقَالَ: «دَعْهُ يَا عُمَرُ فَإِنَّهُ خَرَجَ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ» .
ثم خرجوا إلى تبوك، قال ذو النجادين: يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة ابغني لحا سمرة، فربطها رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي عضده، وقال: «اللَّهمّ إني أحرم دمه على الكفار» ، قال: يا رسول اللَّه، ليس هذا أردت، قال: «إنك إذا خرجت غازيا في سبيل الله فأخذتك الحمى فقتلتك فأنت شهيد، أو وقصتك دابتك فأنت شهيد [1] ولا تبالي بأية كان» .
فلما نزلوا بتبوك أقاموا بها أياما، فتوفي عبد الله، وكان بلال بن الحارث يقول:
حضرت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومع بلال المؤذن شعلة من نار عند القبر واقفا بها، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي القبر، وإذا أبو بكر وعمر يدليانه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: «أدنيا إلي أخاكما» ، فلما هيأه لشقه في اللحد، قال: «اللَّهمّ قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه» ، فقال ابن مسعود: يا ليتني صاحب هذا القبر.
129- عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد، وهو ابن سلول:
وسلول امرأة من خزاعة، وهي أم أبي بن مالك. كان عبد الله سيد الخزرج في جاهليتهم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقد/ جمعوا له خرزا ليتوجوه فحسد ابن أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونافق، فاتضع شرفه وهو ابن خالة أبي عامر الراهب.
وكان لعبد الله من الولد، عبد الله، فأسلم وشهد بدرا، وكان معه خال أبيه وتثقل عليه صحبة المنافقين مرض عبد الله بن أبي عشرين يوما بعد أن رجع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك، ومات في ذي القعدة، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهده وصلى عليه ووقف على قبره وعزى ابنه عبد الله عليه.
__________
[1] «أو وقصتك دابتك فأنت شهيد» ساقط من أ.(3/377)
130- معاوية بن معاوية الليثي، ويقال: المزني:
أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي طَاهِرٍ، عَنِ الْجَوْهَرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَيَّوَيْهِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الفهم، قَالَ: حدثنا محمد بن سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَلاءُ أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ، فَطَلَعَتِ الشَّمْسُ بِضِيَاءٍ وَشُعَاعٍ وَنُورٍ لَمْ [نَرَهَا طَلَعَتْ بِهِ فِيمَا مَضَى، فَأَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا جِبْرِيلُ مَا لِي أَرَى الشمس اليوم طلعت بضياء ونور وشعاع لم] [1] أَرَهَا طَلَعَتْ بِهِ فِيمَا مَضَى؟» ، قَالَ: ذَاكَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ مُعَاوِيَةَ اللَّيْثِيُّ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ الْيَوْمَ فَبَعَثَ اللَّهُ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، قَالَ: «وَفِيمَ ذَاكَ؟» قَالَ: كَانَ يُكْثِرُ قِرَاءَةَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 112: 1 بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَفِي مَمْشَاهُ أَوْ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا، فَهَلْ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أَقْبِضَ لَكَ الأَرْضَ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ: فصلّى عليه ثم رجع.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.(3/378)
ثم دخلت سنة عشر من الهجرة
فمن الحوادث فيها:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى بني الحارث بن كعب [1]
فروى ابن إسحاق [عن عبد الله بن أبي بكر] [2] ، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في ربيع الآخر- أو في جمادى الأولى- في سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا، فإن استجابوا لك فاقبل منهم، وعلمهم كتاب اللَّه وسنة رسوله، ومعالم الإسلام، فإن لم يقبلوا فقاتلهم.
فخرج خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كل وجه، ويدعون الناس إلى الإسلام، ويقولون: يا أيها الناس أسلموا تسلموا. فأسلم الناس/ ودخلوا فيما دعاهم إليه، وأقام خَالِد فيهم وعلمهم الإسلام وكتاب الله وسنة رسوله، ثم كتب خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، لمحمد النبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خالد بن الوليد، السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فإني أحمد إليك الله الذي لا اله إلا هو، أما بعد يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب، وأمرتني إذا أتيتهم أن لا أقاتلهم ثلاثة أيام وأن أدعوهم إلى الإسلام ثلاثة أيام فإن أسلموا قبلت منهم، وإني قدمت عليهم ودعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام، وبثثت فيهم ركبانا: يا بني الحارث، أسلموا فتسلموا، فأسلموا وأنا مقيم أعلمهم معالم الإسلام.
فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد البسملة: «إلى خالد بن الوليد السلام عليك، فإني أحمد إليك
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 72، وتاريخ الطبري 3/ 126 والبداية والنهاية 5/ 88.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.(3/379)
الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبر أن بني الحارث قد أسلموا قبل أن تقاتلهم، فبشرهم وأنذرهم، واقبل منهم وليقبل معك وفدهم، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته» .
فأقبل خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل معه وفد بني الحارث بن كعب وفيهم:
قيس بْن الحصين، فسلموا عليه وقالوا: نشهد أنك رسول الله، وأن لا إله إلا الله، فَقَالَ رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله» ، وأمر عليهم قيسا، فلم يمكثوا إلى قومهم إلا أربعة أشهر حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ. وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بعث إلى بني الحارث بن كعب بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حرام الأَنْصَارِيّ يفقههم ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام، ويأخذ منهم صدقاتهم.
قال الواقدي [1] : فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو بن حرام عامله على نجران
. وفيها قدم وفد سلامان في شوال على رسول الله صلى الله عليه وسلم [2] .
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْبَاقِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قال:
أخبرنا أبو عمرو بن حَيَّوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا/ [الْحُسَيْنُ [3] بْنُ الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: وَجَدْتُ فِي كُتُبِ أَبِي أَنَّ حَبِيبَ بْنَ عَمْرٍو السَّلامَانِيُّ كَانَ يُحَدِّثُ، قَالَ: قدمنا وَفْدُ سَلامَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ سَبْعَةٌ، فَصَادَفْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَى جِنَازَةٍ دُعِيَ إِلَيْهَا، فَقُلْنَا: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «وَعَلَيْكُمْ، مَنْ أَنْتُمْ؟» ، قُلْنَا: نَحْنُ مِنْ سَلامَانَ، قَدِمْنَا لِنُبَايِعَكَ عَلَى الإسلام، ونحن على من وراءنا
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 130.
[2] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 67.
[3] من هنا سقط من الأصول، وحدث تداخل بين هذا السند، وسنشير إلى نهاية السقط عند وفد محارب، وما أوردناه من ابن سعد.(3/380)
مِنْ قَوْمِنَا، فَالْتَفَتَ إِلَى ثَوْبَانَ غُلامِهِ، فَقَالَ: «أَنْزِلْ هَؤُلاءِ الْوَفْدَ حَيْثُ يَنْزِلُ الْوَلَدَ» ، فَلَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ جَلَسَ بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَبَيْتِهِ، فَتَقَدَّمْنَا إِلَيْهِ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ أَمْرِ الصَّلاةِ وَشَرَائِعِ الإِسْلامِ، وَعَنِ الرُّقَى وَأَسْلَمْنَا، وَأَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا خَمْسَ أَوَاقٍ، وَرَجِعْنَا إِلَى بِلادِنَا، وَذَلِكَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ عَشْرٍ
. وفيها قدم وفد محارب في حجة الوداع على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْبَاقِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قال: أخبرنا أبو عمر بْن حيويه، قَالَ: أخبرنا الْحَسَنِ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا] [1] الْحُسَيْنُ بْنُ الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيِّ، قَالَ:
قَدِمَ وَفْدُ مُحَارِبٍ سَنَةَ عَشْرَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُمْ عَشْرَةُ نَفَرٍ: سَوَاءُ بْنُ الْحَارِثِ، وَابْنُهُ خُزَيْمَةُ [بْنُ سَوَاءَ] ، فَأَسْلَمُوا وَلَمْ يَكُنْ [أَحَدٌ] [2] قَطُّ أَفَظَّ وَلا أَغْلَظَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ فِي الْوَفْدِ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَعْرِفُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَبْقَانِي حَتَّى صَدَّقْتُ بِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ بِيَدِ اللَّهِ» وَمَسَحَ وَجْهَ خُزَيْمَةَ [بْنَ سَوَاءَ] فَصَارَتْ لَهُ غُرَّةٌ بَيْضَاءُ، وَأَجَازَهُمْ كَمَا يُجِيزُ الوفد وَانْصَرَفُوا
. وفيها قدم وفد الأزد [3] .
رأسهم صرد بن عبد الله الأزدي في بضعة عشر.
روى ابن إسحاق، عن عبد الله بن أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَسْلَمَ فَأَمَّرَهُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُجَاهِدَ بِمَنْ أَسْلَمَ [مِنْ أهل بيته] [4] من يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن.
__________
[1] إلى هنا انتهى النقل من ابن سعد، وانتهى السقط بالأصول.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 71، وتاريخ الطبري 3/ 130، والبداية والنهاية 5/ 84 وقد حدث في الأصول هنا خطأ في الترتيب، فقد جاء ما تحت هذا العنوان تحت العنوان الآتي.
[4] ما بين المعقوفتين: من الطبري.(3/381)
وفيها قدم وفد غسان ووفد عاملة [1] .
كلاهما في رمضان
. وفيها قدوم وفد زبيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم [2] .
فروى ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: قدم عمرو بن معديكرب فِي أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ فَأَسْلَمُوا، فَلَمَّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارْتَدَّ عَمْرُو ثُمَّ عَادَ إِلَى الإِسْلامِ
. وفيها قدوم وفد عبد القيس [3] .
قال ابن إسحاق: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود بن عمرو في وفد عبد القيس، وكان نصرانيا فأسلموا
. وفيها قدم الأشعث بن قيس في وفد كندة [4] .
فأسلموا
. وفيها قدم وفد بني حُنِيفَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وفيهم مسيلمة بن حبيب الحنفي الكذاب [5] .
قال ابن إسحاق: وحدثني بعض علمائنا: أن بني حنيفة أتت بمسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه ومعه عسيب من سعف النخل، في رأسه خوصات، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه/ بالثياب، كلم
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 71، وتاريخ الطبري 3/ 130.
[2] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 64، وتاريخ الطبري 3/ 130.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 64، وتاريخ الطبري 3/ 136.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 64، وتاريخ الطبري 1/ 2/ 64.
[5] تاريخ الطبري 3/ 137 والبداية والنهاية 5/ 45.(3/382)
رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لو سألتني هذا العسيب الذي في يدي ما أعطيتك» . وروى ابن إسحاق، عن شيخ من بني حنيفة، قال: كان حديث مسيلمة على غير هذا: أتى وفد بني حنيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفوا مسيلمة في رحالهم، فلما أسلموا ذكروا له مكانه، وقالوا: إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا يحفظها لنا، فأمر لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل ما أمر به القوم، فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وادعى النبوة.
قال مؤلف الكتاب: وسيأتي خبره إن شاء الله تعالى
. وفيها قدم وفد بجيلة [1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عمرو بن حَيَّوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَهِمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ سَنَةَ عَشْرٍ وَمَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ رَجُلا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ مِنْ خَيْرِ ذِي يَمَنٍ عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةُ مُلْكٍ» .
فَطَلَعَ جَرِيرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَمَعَهُ قَوْمُهُ فَأَسْلَمُوا وَبَايَعُوا.
قَالَ جَرِيرٌ: فَبَسَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعَنِي وَقَالَ: «عَلَى أَنْ تَشْهَدَ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقَيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَتَنْصَحَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَتُطِيعَ الْوَالِي وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا» فَقَالَ: نَعَمْ. وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ عَمَّا وَرَاءَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ الإِسْلامَ، [وَأَظْهَرَ اللَّهُ الإِسْلامَ] والأذان في [مساجدهم وساحاتهم] [2] وهدمت القبائل أَصْنَامُهَا الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ، قَالَ: «فَمَا فَعَلَ ذُو الْخُلَصَةِ؟» قَالَ: هُوَ عَلَى حَالِهِ، فَبَعَثَهُ [3] رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى هَدْمِ ذِي الْخُلَصَةِ وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً، فَقَالَ: إني
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 77.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[3] في الأصل: فبعث.(3/383)
لا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَهُ، وَقَالَ: «اللَّهمّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا» فَخَرَجَ فِي قَوْمِهِ وَهُمْ زُهَاءَ مَائَتَيْنِ، فَمَا أَطَالَ الْغَيْبَةَ حَتَّى/ رَجِعَ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَهَدَمْتَهُ؟» قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، وَأَحْرَقْتُهُ بِالنَّارِ، فَتَرَكْتُهُ كَمَا يَسُوءُ أَهْلَهُ، فَبَرَّكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يومئذ على خيل أحمس ورجالها
. تم الجزء الثالث من كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تأليف الشيخ الإمام العالم الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن ابن علي بن محمد بن الجوزي غفر الله له يتلوه في الجزء الرابع: وفي سنة عشر من الهجرة أيضا: قدم العاقب والسيد من نجران وكتب لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاب صلح [1]
__________
[1] في الأصل كتب في آخر الجزء: «كتبه العبد الفقير، المعترف بالذنب والتقصير، علي بن إبراهيم بن الياس، عرف بالواسطي الواعظ، عفا الله عنه وعن والديه وعن جميع المسلمين، أجمعين، والحمد للَّه رب العالمين، صلواته على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلّم تسليما.(3/384)
[المجلد الرابع]
[تتمة سنة عشر من الهجرة]
بسم الله الرّحمن الرّحيم وبه نستعين
وفي سنة عشر من الهجرة أيضا قدم العاقب والسيد من نجران [1]
وكتب لهم رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ كتاب صلح
. وفيها قدم وفد خولان
[2] وهم عشرة
وفيها قدم وفد الرهاويين ووفد تغلب [3]
قال ابن حبيب الهاشمي: وكان رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إذا قدم الوفد لبس أحسن ثيابه، وأمر أصحابه بذلك
. وفيها قدم وفد [بني] عامر بن صعصعة [4]
روي عن محمد بن إسحاق [5] ، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وفد بني عامر، فيهم: عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس، وحيان بن سليم، وهؤلاء الثلاثة رؤساء القوم، وقد كَانَ قال لعامر قومه: أسلم فإن الناس قد أسلموا، قال:
والله لقد كنت آليت أن لا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي، أفأنا أتبع عقب هذا الفتى، ثم
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 139.
[2] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 61، وتاريخ الطبري 3/ 140.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 76.
[4] تاريخ الطبري 3/ 144.
[5] في الأصل: روى ابن إسحاق.(4/3)
قَالَ لأربد: إذا قدمنا على الرجل فأنا أشغل وجهه عنك، فاعْلُهُ بالسيف. فلما قدموا [على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ] ، جعل عامر يكلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وينتظر من أربد ما أمره به، فلم يحر شيئا، فَقَالَ له: والله لأملأنها عليك خيلا جردا ورجالا مردا، فلما ولى، قال رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: «اللَّهمّ اكفني عامر بن الطفيل» ، فقال عامر لأربد: ويلك، أين ما أوصيتك به؟
قال: والله ما هممت بالذي أمرتني إلا دخلت بيني وبين الرجل [حتى ما أرى غيرك] [1] أفأضربك بالسيف.
وخرجوا راجعين إلى بلادهم، فبعث الله الطاعون على عامر في بعض طريقهم فقتله الله في بيت امرأة من [بني] سلول، فجعل يقول: أغدة كغدة البعير، وأرسل على أربد صاعقة فأحرقته، وكان أربد أخا لبيد بن ربيعة من أمه.
وروى الزبير بن بكار بإسناده [2] ، أن عامر بن الطفيل أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فوسده وسادة، وقال لَهُ: «أسلم يا عامر» قال: على أن لي الوبر ولك المدر، فأبى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فقام عامر مغضبا وقال: والله لأملأنها عليك خيلا جردا ورجالا مردا، ولأربطن بكل نخلة فرسا، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «لو أسلم وأسلمت بنو عامر لراحمت قريشا في منابرها» . ثم عاد رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وقال: «يا قوم آمنوا» ، ثم قال: «اللَّهمّ اهد بني عامر.
واشغل عني عامر بْن الطفيل كيف وأنى شئت» ، فخرج فأخذته غدة مثل غدة البعير في بيت سلولية، فقال: يا موت ابرز لي، وأقبل يشتد وينزو إلى السماء، ويقول: غده كغدة البعير وموت في بيت سلولية.
قال الحسن بن علي الحوماري: كان الطفيل بن مالك بن جعفر يكنى أبا علي، وكان من أشهر فرسان العرب بأسا ونجدة وأبعدها اسما حتى بلغ به ذلك أن قيصر كان قدم عليه قادم من العرب، قال له: ما بينك وبين عامر بن الطفيل، فإن ذكر نسبا عظم به عنده.
ولما مات عامر منصرفه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ نصب عليه بنو عامر نصابا ميلا في ميل حمي على قبره ولا تسير فيه راعية ولا ترعى ولا يسلكه راكب ولا ماش.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] البداية والنهاية 5/ 57.(4/4)
وفيها: كان قد خرج ابن أبي مارية مولى العاص بن وائل في تجارة إلى الشام، وصحبه تميم الداري، وعدي بن بدا، وهما على النصرانية، فمرض ابن أبي مارية وقد كتب وصيته وجعلها في ماله، فقدموا بالمال والوصية، ففقدوا جاما أخذه تميم وعدي، فأحلفهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بعد العصر ثم ظهر عليه فحلف عبد الله بن عمرو بن العاص، والمطلب بن وداعة واستحقا
. وفيها سرية علي ابن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن في رمضان
[1] بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وعقد له لواء وعممه بيده، وقال: «امض ولا تلتفت، فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك» . فخرج في ثلاثمائة فارس، ففرق أصحابه فأتوا بنهب [وغنائم] [2] ونساء وأطفال، ودعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا بالنبل والحجارة، فصف أصحابه ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السلمي، ثم حمل عليهم بأصحابه فقتلوا عشرين ثم أسلموا
. وفيها كانت حجة الوداع
[3] قال المؤلف [4] : لما عزم رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ على الحج أذن بالناس بذلك، فقدم المدينة خلق كثير ليأتموا برسول الله صَلَّى الله عليه وآله وسلم في حجته، فخرج رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ من المدينة مغتسلا مدهنا مترجلا متجردا في ثوبين إزار ورداء، وذلك في يوم السبت لخمس [ليال] [5] بقين من ذي القعدة، فصلى الظهر بذي الحليفة ركعتين، وأخرج معه نساءه كلهن في هوادج، وأشعر هديه وقلده، ثم ركب ناقته، فلما استوى بالبيداء أحرم من يومه ذلك.
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 132، والبداية والنهاية 5/ 104.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[3] وتسمى حجة البلاغ وحجة الإسلام.
[4] «المؤلف» : ساقط من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.(4/5)
وكان يوم الاثنين بمر الظهران فغربت له الشمس بسرف، ثم أصبح واغتسل ودخل مكة نهارا وهو على راحلته، فدخل من أعلى مكة من كداء حتى انتهى إلى باب بني شيبة، فلما رأى البيت رفع يديه، وقال: «اللَّهمّ يزد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة، وزد من عظمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتكريما ومهابة وتعظيما وبرا» . ثم بدأ فطاف بالبيت، ورمل ثلاثة أشواط من الحجر إلى الحجر وهو مضطبع بردائه، ثم صلى خلف المقام ركعتين، ثم سعى بين الصفا والمروة على راحلته من فوره ذلك.
وخطب بمكة خطبا في أيام حجه.
قال المؤلف:
ومما جرى بعد حجه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.
أن باذام والي اليمن مات، ففرق رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عمالها بين شهر بن باذام/ وعامر بن شهر الهمداني، وأبي موسى الأشعري، وخالد بن سعيد بن العاص، ويعلى بن أمية، وعمرو بن حزم، وزياد بن لبيد البياضي على حضرموت، وعكاشة بن ثور على السكاسك والسكون.
وبعث معاذ بن جبل معلما لأهل البلدين: اليمن وحضرموت، وقال له: «يا معاذ إنك تقدم على قوم أهل كتاب وإنهم سائلوك عن مفاتح الجنة، فأخبرهم أن مفاتح الجنة لا إله إلا الله، وأنها تخرق كل شيء حتى تنتهي إلى الله عز وجل، لا تحجب دونه، من جاء بها يوم القيامة مخلصًا رجحت بكل ذنب» فقال: أرأيت ما سئلت عنه واختصم إلي فيه مما ليس في كتاب الله ولم أسمع منك سنة [1] ؟ فقال: «تواضع للَّه يرفعك، ولا تقضين إلا بعلم، فإن أشكل عليك أمر فسل ولا تستحي، واستشر ثم اجتهد، فإن الله إن يعلم منك الصدق يوفقك، فإن التبس عليك فقف حتى تتبينه أو تكتب إلي فيه، واحذر
__________
[1] في الأصل: العبارة مضطربة هكذا: «مما ليس في كتاب ولا أسمع منه» .(4/6)
الهوى فإنه قائد الأشقياء إلى النار وعليك بالرفق» . وروى الإمام أحمد [في المسند] [1] ، قال: إن معاذ بن جبل لما بعثه رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إلى اليمن خرج معه رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يمشي تحت راحلته، فلما فرغ،: قال: «يا معاذ إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك تمر بمسجدي هذا وقبري، فبكى معاذ خشعا لفراق رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ ثم التفت وأقبل بوجهه نحو المدينة، فقال: «إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا» . وروي عن عبيد بن صخر، قال: أمر رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عمال اليمن جميعا، فقال:
تعاهدوا الناس بالتذكرة واتبعوا الموعظة فإنها أقوى للعاملين على العمل بما يحب الله
. وفيها كتب رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ/ إلى جبلة بن الأيهم ملك غسان يدعوه إلى الإسلام
فأسلم وكتب بإسلامه إلى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وأهدى له هدية ثم لم يزل مسلما حتى كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فارتد. قال المؤلف: سنذكر قصته عند ذكر موته في سنة ثلاث وخمسين من الهجرة
. وفيها بعث رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي كلاع بن باكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبع فأسلم
وأسلمت امرأته ضريبة بنت أبرهة [2] بن الصباح، واسم ذي الكلاع سميفع بن حوشب.
[أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا علي بن أحمد بْن السَّرِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ، حَدَّثَنَا أبو بكر الأنباري، أخبرنا أبو الحسن بن البراء، قال: حدّثني أبو
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «فأسر، وأسلمت أمه ضريبة بنت إبراهيم» ، وما أوردناه من أ، والطبري.(4/7)
عَبْد الله الوصافي، حدثنا سليمان بن معبد أبو داود المروزي، حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا] [1] علوان بن داود، عن رجل من قومه، قال:
بعثني قومي بهدية إلى ذي الكلاع في الجاهلية، قال: فمكثت سنة لا أصل إليه، ثم إنه أشرف بعد ذلك من القصر فلم يره أحد إلا خر له ساجدا، ثم رأيته بعد ذلك في الإسلام قد اشترى لحما بدرهم، فسمطه على فرسه، وأنشأ يقول:
أف للدنيا إذا كانت كذا ... أنا منها كل يوم في أذى
ولقد كنت إذا ما قيل من ... أنعم الناس معاشا قيل ذا
ثم أبدلت بعيشي شقوة ... حبذا هذا شقاء حبذا
وروى الرياشي عن الأصمعي، قال: كاتب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ذا الكلاع من ملوك الطوائف على يد جرير بن عبد الله يدعوه إلى الإسلام، وكان قد استعلى أمره حتى دعي إلى الربوبية فأطيع، ومات النبي صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قبل عود جرير، وأقام ذو الكلاع على ما هو عليه إلى أيام عمر بن الخطاب، ثم رغب في الإسلام، فوفد على عمر [رضي الله عنه ومعه ثمانية آلاف عبد، فأسلم عَلَى يديه وأعتق من عبيده أربعة آلاف، فقال عمر/ [رضي الله عنه] : يا ذا الكلاع بعني ما بقي من عبيدك حتى أعطيك ثلث أثمانهم ها هنا، وثلثا باليمن، وثلثا بالشام، قال: أجلني يومي هذا حتى أفكر فيما قلت. ومضى إلى منزله فأعتقهم جميعا، فلما غدا على عمر قال [له] : ما رأيك فيما قلت لك في عبيدك؟ قال: قد اختار الله لي ولهم خيرا مما رأيت، قال: وما هو؟ قَالَ: هم أحرار لوجه الله، قال: أصبت يا ذا الكلاع، قال: يا أمير المؤمنين لي ذنب ما أظن الله يغفره لي، قال: ما هو؟ قال: تواريت مرة عن من يتعبد لي ثم أشرفت عليهم من مكان عال، فسجد لي زهاء عن مائة ألف إنسان، فقال عمر: التوبة بإخلاص، والإنابة بإقلاع يرجى معها رأفة الله عز وجل والغفران.
وقال يزيد بن هارون: أعتق ذو الكلاع اثني عشر ألف بيت.
__________
[1] ما بين المعقوفتين وأوردناه من أ، وفي الأصل: «وفيها روى علوان بن داود» .(4/8)
وفيها أسلم فروة الجذامي
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أبي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قَالَ:
حدثنا مُحَمَّد بْن سعد، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن محمد بن عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ عَمْرٍو الْجُذَامِيِّ] [1] ، قَالَ [2] :
كَانَ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو الْجُذَامِيُّ عَامِلا لِلرُّومِ فَأَسْلَمَ، فَكَتَبَ إِلَى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بِإِسْلامِهِ، وَبَعَثَ بِهِ رَجُلا مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ مَسْعُودُ بْنُ سَعِيدٍ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِبَغْلَةٍ [3] بَيْضَاءَ وَفَرٍس وَحِمَارٍ وَأَثْوَابٍ وَقِبَاءٍ سُنْدُسٍ مُخَوَّصٍ بِالذَّهَبِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو، أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُولُكَ وَبَلَّغَ مَا أَرْسَلْتَ بِهِ وَخَبَّرَ عَمَّا قِبَلُكُمْ وَأَتَانَا بِإِسْلامِكَ وَإِنَّ اللَّهَ هَدَاكَ بِهُدَاهُ» ، وَأَمَر بِلالا فَأَعْطَى رَسُولَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَوْقِيَّةً وَنِشًا. وَبَلَغَ مَلِكَ الرُّومِ إِسْلامُ فَرْوَةَ فَدَعَاهُ فَقَالَ [لَهُ] : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ نُمَلِّكُكَ، فَقَالَ: لا أُفَارِقُ دِينَ مُحَمَّدٍ وَإِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ عِيسَى [قَدْ] [4] بَشَّرَ بِهِ، وَلَكِنَّكَ تَضِنُّ بِمُلْكِكَ، فَحَبَسَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ فَقَتَلَهُ وَصَلَبَهُ
. وفي هذه السنة أن رسول الله/ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بعث عمرو بن العاص بعد رجوعه من الحج لأيام بقين من ذي الحجة إلى جيفر وعبد ابني الجلندي بعمان يدعوهما إلى الإسلام [5] .
وكتب معه كتابا إليهما وختم الكتاب، قال عمرو: فلما قدمت عمان عمدت إلى عبد، وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقا، فقلت: إني رسول رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إليك وإلى أخيك، فقال [أخي] المقدم بالسر والملك: وأنا أوصلك إليه حتى تقرأ كتابك، فمكثت أياما ببابه، ثم إنه دعاني فدخلت عليه فدفعت إليه الكتاب مختوما ففض خاتمه وقرأه حتى انتهى إلى آخره ثم دفعه إِلى أخيه فقرأه، إلا أني رأيت أخاه أرق منه فقال: دعني يومي هذا وارجع
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن واصل الجذامي» .
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 2/ 82 برواية أخرى.
[3] في الأصل: وبعث به مع رجل من ... ببغلة وما أوردناه من ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 2/ 68.(4/9)
إليَّ غدا، فلما كان الغد رجعت إليه، فقال: إني فكرت فيما دعوتني إليه، فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجلا ما في يدي، قلت: فإني خارج غدا، فلما أيقن بمخرجي أصبح فأرسل إلي فدخلت عليه، فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعا، وصدقا بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وخليا بيني وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم وكانا لي عونا على من خالفني، فأخذت الصدقة من أغنيائهم، فرددتها في فقرائهم [1] ، ولم أزل مقيما بينهم حتى بلغنا وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. وذكر الواقدي أن هذا كان في سنة ثمان.
قال المؤلف [2] : وما ذكرناه أصح. وقال ابن مسعود: هذا آخر بعث النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إلى الملوك
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
131- إبراهيم ابن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ:
ولد في ذي الحجة من سنة ثمان، وتوفي في ربيع الأول غرة سنة عشر، ودفن بالبقيع.
رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَال: أخذ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بَيَدِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى النَّخْلِ الَّذِي فِيهِ إِبْرَاهِيمُ، فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ/ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَتَبْكِي يَا رَسُولَ الله، أولم تَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ؟ فَقَالَ: «إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنِ النَّوْحِ، وَعَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتٍ عِنْدَ نَغَمَةِ لَهْوٍ وَلَعِبٍ، وَمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ، وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصَيبَةٍ وَخَمْشِ وُجُوهٍ وَشَقِّ جُيُوبٍ وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ» [3] .
وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِي حَدِيثِهِ: [4] «إِنَّمَا هَذِهِ رَحْمَةٌ وَمَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ، يَا إِبْرَاهِيمُ لَوْلا أَنَّهُ أَمْرٌ حَقٌّ وَوَعْدٌ صِدْقٌ وَأَنَّهَا سَبِيلٌ مَأْتِيَّةٌ، وَأَنَّ آخِرَنَا سَيَلْحَقُ أَوَّلَنَا لحزنا عليك
__________
[1] في الأصل: «فرددتها على فقرائهم» . وكتب على الهامش «الأصل: في» .
[2] في أ: «قال المصنف» .
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 1/ 88.
[4] الخبر في طبقات ابن سعد الموضع السابق.(4/10)
حُزْنًا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا، وَإِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ، تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ» . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: [1] [حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَسَدِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ] [2] ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِي، وَإِنَّهُ مَاتَ فِي الثَّدْيِ، وَإِنَّ لَهُ لَظِئْرَيْنِ تُكْمِلانِ رَضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ» . وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، [عَنْ وَكِيعِ بن الجراح، وهشام بن عبد الملك أبو أَيُّوبَ الطَّيَالِسِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ ثَابِتٍ،] [3] عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ» . [وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْبَرَاءِ أَيْضًا، قَالَ: صلى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ سَتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقَالَ: «إِنَّ لَهُ لَظِئْرًا تُتِمُّ رِضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ صِدِّيقٌ» ] [4] .
وروى ابن سعد، عن جابر، عن عامر، قال: توفي إبراهيم وهو ابن ثمانية عشر شهرا.
قال مؤلف الكتاب [5] : وفي يوم [موت] [6] إبراهيم كسفت الشمس.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 1/ 89.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والطبقات، وفي الأصل: «روى محمد بن سعد باسناده عن عمرو» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والطبقات، وفي الأصل: «روى ابن سعد باسناده عن البراء» ، والخبر في الطبقات 1/ 1/ 89.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والخبر في طبقات ابن سعد 1/ 1/ 90.
[5] في الأصل: «قال المؤلف» .
[6] ما بين المعقوفتين: من أ.(4/11)
أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنِ] [1] الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ [2] : انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَلا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ حَتَّى يُكْشَفَا» . وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، [عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عُبَيْدٍ] [3] ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانِ [بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أُمِّهِ] [4] سِيرِينَ، قَالَتْ:
حَضَرْتُ مَوْتَ إِبْرَاهِيمَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كُلَّمَا صِحْتُ أَنَا وَأُخْتِي مَا يَنْهَانَا، فَلَمَّا مَاتَ نَهَانَا عَنِ الصِّيَاحِ، وَغَسَّلَهُ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَالْعَبَّاسُ جَالِسَانِ، ثُمَّ حُمِلَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ وَالْعَبَّاسُ جَالِسٌ إِلَى جَنْبِهِ، وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ/ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَنَا أَبْكِي عِنْدَ قَبْرِهِ مَا يَنْهَانِي أَحَدٌ، وَخَسَفَتِ الشَّمْسُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَقَالَ النَّاسُ [ذَلِكَ] [5] لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا لا تَخْسِفُ لِمَوْتِ [6] أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ» . ورأى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فُرْجَةً فِي اللِّبْنِ، فَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُسَدَّ، فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهَا لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، وَلَكِنْ تُقِرُّ عَيْنَ الْحَيِّ، وَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ عَمَلا أَحَبَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُتْقِنَهُ» . ومات يوم الثلاثاء لعشر [ليال] خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن المغيرة» .
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 1/ 91.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن عبد الرحمن بن حسان» .
[4] ما بين المعقوفتين: مكانه بياض في الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] في الأصل: «لا تكسف لموت أحد» وأوردناه من أ، وابن سعد.(4/12)
132- باذام ملك اليمن:
كان أسلم وأسلم أهل اليمن، فجمع له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ اليمن كلها فتوفي في هذه السنة
. 133-[عبد الله بْن] [1] عمرو بن صيفي، أبو عامر الراهب:
كان قد ترهب وانتظر خروج رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فلما خرج حسده وجحد نبوته، وقاتل يوم أحد، فلما فتحت مكة هرب إلى قيصر، فمات هناك في هذه السنة.
قَالَ مؤلف الكتاب [2] : وقد ذكرنا طرفا من أخباره في قصة ولده حنظلة في سنة ثلاث من الهجرة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] في الأصل: «قال المؤلف» .(4/13)
ثُمَّ دخلت سنة إحدى عشرة
فمن الحوادث فيها أنه قدم على رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وفد النخع من اليمن للنصف من المحرم
[1] وهم مائتا رجل مقرين بالإسلام، وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل باليمن.
قال الواقدي [2] : وهم آخر من قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ من الوفود
. ومن الحوادث استغفار رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ لأهل البقيع
[أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُصَرِّفُ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّاغُونِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَزَّازُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخْلِصُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ السِّخْتِيَانِيُّ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ،] [3] عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ:
أَهَبَّنِي [4] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ في المحرم مرجعه من حَجَّتَهِ وَمَا أَدْرِي مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 1/ 77.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 1/ 77.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي مويهبة» . والخبر في البداية والنهاية 5/ 223، وتاريخ الطبري 3/ 188.
[4] في الطبري والبداية: «بعثني» .(4/14)
أَكْثَرُ أَوْ مَا بَقِيَ/ فَقَالَ: «انْطَلِقْ، فَإِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأَهْلِ الْبَقِيعِ» ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ طَوِيلا، ثُمَّ. قَالَ: «لِيَهْنُكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ، أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ مِثْلَ قِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ آخِرُهَا أَوَّلَهَا، الآخِرَةُ شَرٌّ مِنَ الأُولَى، يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ خَزَائِنَ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ فَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَالْجَنَّةِ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي والجنة» ، فقلت:
بأبي أنت وأمي خذ خزائن الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ، قَالَ: «لا وَاللَّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ لَقَدِ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي وَالْجَنَّةَ» . وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وَاشْتَكَى بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أحمد بن عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ محمد بْنِ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا الأَهْيَمُ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا هِاشَمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا أَكْثَمُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ] [1] ، عَنْ أَبِي مويهبة مولى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ:
أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَهْلِ الْبَقِيعِ فصلى عَلَيْهِمْ فِي لَيْلَةٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ، قَالَ: «يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ أَسْرِجْ لِي دَابَّتِي» ، حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَأَمْسَكْتُ الدَّابَّةَ وَوَقَفْتُ وَوَقَفَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ: لِيَهْنُكُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِمَّا فِيهِ النَّاسُ، أَتَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ [الْمُظْلِمِ] [2] يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، الآخِرَةُ شَرٌّ مِنَ الأُولَى، فَلْيَهْنُكُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ» ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: «يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي أُعْطِيتُ- أَوْ خُيِّرْتُ [بَيْنَ مَفَاتِيحِ] [2] مَا يُفْتَحُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي وَالْجَنَّةِ أَوْ لِقَاءِ رَبِّي» قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاخْتَرْنَا، قَالَ: « [لأَنْ تُرَدَّ عَلَى عَقِبِهَا مَا شاء الله] فاخترت لقاء ربي» . فلما لَبِثَ بَعْدَ ذَلِكَ الاسْتِغْفَارِ إِلا سَبْعًا أَوْ ثمانيا حتى قبض صلّى الله عليه وآله وسلم.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ. وفي الأصل: «روى المؤلف باسناده عن أبي مويهبة» .
[2] ما بين المعقوفتين من البداية.(4/15)
ومن الحوادث سرية أسامة بن زيد بن حارثة إلى أهل أبنى، وهي أرض السراة ناحية البلقاء
[1] .
وذلك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم في يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة، فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد، فقال: «سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش، فأغر صباحا على أهل أبنى وحرق عليهم، فإن أظفرك الله/ فأقلل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدم العيون والطلائع أمامك. فلما كان يوم الأربعاء بدئ برسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فحم وصدع، فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده، ثم قال: «اغز بسم الله في سبيل الله، فقاتل من كفر باللَّه» . فخرج وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزاة، فيهم أبو بَكْر الصديق، وعمر، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وأبو عبيدة، وقتادة بن النعمان، فتكلم قوم وقالوا [2] : يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين، فغضب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ غضبا شديدًا، فخرج وقد عصب رأسه عصابة وعليه قطيفة، فصعد الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: «أما بعد، أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، فلئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في تأميري من قبله، وايم الله إن كان للإمارة لخليقا، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم» . ثم نزل فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر ليال خلون من ربيع الأول، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ ويمضون إلى العسكر بالجرف، وثقل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فلما كان يوم الأحد اشتد برسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وجعه فدخل أسامة من معسكره والنبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مغمور- وهو اليوم الذي لدوه فيه- فطأطأ أسامة فقبله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فجعل يرفع يديه إلى السماء، ثم يضعها على أسامة. قال: فعرفت أنه يدعو لي، ورجع إلى معسكره، ثم دخل إلى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ؟ يوم الاثنين، فقال له: أغد
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 36.
[2] في الأصل: «وقال» .(4/16)
عَلَى بركة الله، فودعه أسامة وخرج إلى معسكره فأمر الناس بالرحيل.
فبينما هو يريد الركوب إذا رسول أمه أم أيمن قد جاءه يقول: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يموت، فأقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة، فانتهوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وهو يموت، فتوفي عليه السلام حين زالت الشمس يوم الاثنين، فدخل المسلمون الذين عسكروا إلى المدينة، وكان لواء أسامة مَعَ بريدة بن الخصيب، فدخل بريدة بلواء أسامة حتى غرزه عند باب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فلما بويع لأبي بكر أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى أسامة ليمضي لوجهه، فمضى بريدة، إلى معسكرهم الأوّل، فلما ارتدت العرب كلم أبو بكر في حبس أسامة فأبى، وكلم أبو بكر أسامة في عمر أن يأذن له في التخلف ففعل، فلما كان هلال ربيع الآخر سنة احدى عشر خرج أسامة فسار إِلى أهل أبنى عشرين ليلة، فشن عليهم الغارة فقتل من أشرف له وسبى من قدر عليه وقتل قاتل أبيه ورجع إلى المدينة، فخرج أبو بكر في المهاجرين وأهل المدينة، يتلقونهم سرورًا بسلامتهم
[1] .
ومن الحوادث في مرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ مجيء الخبر بظهور مسيلمة والعنسي
[2] قد ذكرنا أن مسيلمة قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فيمن أسلم ثم ارتد لما رجع إلى بلده، وكتب إِلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله. وكان يستغوي أهل بلدته، وكذلك العنسي إلا أنه لم يظهر أمرهما [3] إلا في حالة مرض رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وكان رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ قد لحقه مرض بعد عوده من الحج ثم عوفي ثم عاد فمرض مرض الموت.
قال أبو مويهبة مولى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: لما رجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ من حجه طارت الأخبار بأنه قد اشتكى/، فوثب الأسود باليمن، ومسيلمة باليمامة، فجاء الخبر عنهما إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، ثُمَّ وثب طليحة في بلاد بني أسد بعد ما أفاق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ.
__________
[1] في الأصل: «أهل المدينة تلقوهم بالسرور وبالسلام» . وما أوردناه من أ.
[2] تاريخ الطبري 3/ 227.
[3] في الأصل: «أمرهم» .(4/17)
روى سيف بن عمر بإسناده عن علي وابن عباس رضي الله عنهما [1] : أول ردة كانت على عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وأول من ارتد الأسود [العنسي] في مذحج، ومسيلمة في بني حنيفة وطليحة في بني أسد.
وقال الشعبي [2] : قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبر مسيلمة والعنسيّ الكذابين بعد ما ضرب على النّاس بعث أسامة بن زيد
. ومن الحوادث في مرضه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ [3]
أنه رأى في منامه سوارين من ذهب، فخرج فحدث. فَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عَاصِبًا رَأْسَهُ مِنَ الصُّدَاعِ، فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّ فِي عَضُدِي سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَرِهْتُهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا هَذَيْنِ الْكَذَّابَيْنِ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ وَصَاحِبَ الْيَمَنِ»
. ذكر أخبار الأسود العنسي ومسيلمة وسجاح وطليحة
أما الأسود فاسمه عبهلة بن كعب، يقال له: «ذو الخمار» ، لقب بذلك لأنه كان يقول:
يأتيني ذو خمار. وكان الأسود [كاهنا] [4] مشعبذا [5] ويريهم الأعاجيب، ويسبي بمنطقه قلب من يسمعه، وكان أول خروجه بعد حجة رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فكاتبته مذحج وواعدته [6] بحران، فوثبوا بها وأخرجوا عمرو بن حزم، وخالد بن سعيد بن العاص، وأنزلوه منزلهما، ووثب قيس بن عبد يغوث على فروة بن مسيك وهو على مراد، فأجلاه ونزل
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 3/ 185.
[2] الخبر في تاريخ الطبري الموضع السابق.
[3] تاريخ الطبري 3/ 186.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ.
[5] شعباذا: شعبذا، والشعبذة والشعوذة: أخذ كالسحر يرى الشيء بغير ما عليه أصله في رأي العين.
في الأصل: «يتعبد» ، وفي أ: «مشعبذ» .
[6] في الأصل: «وواعدوه» .(4/18)
منزله، فلم يلبث عبهلة بحران أن سار إلى صنعاء فأخذها، وكتب فروة بن مسيك إلى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يخبره، ولحق بفروة من بقي على إسلامه من مذحج/ ولم يكاتب الأسود رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ ولم يرسل إليه لأنه لم يكن معه أحد يشاغبه، وصفا له ملك اليمن وقوي أمره [1] .
واعترض على الأسود وكاثره عامر بن شهر [2] الهمداني في ناحيته وفيروز وداذويه في ناحيتهما، ثم تتابع الذين كتب إليهم على ما أمروا به.
ثم خرج الأسود في سبعمائة فارس إلى شعوب [3] فخرج إليه شهر بن باذام وذلك لعشرين ليلة من خروجه، فقتل شهرا، وهزم الأبناء، وغلب على صنعاء لخمس وعشرين ليلة من خروجه. وخرج معاذ بن جبل هاربا حتى مر بأبي موسى وهو بمأرب [4] ، فاقتحما حضرموت، فنزل معاذ السكون، ونزل أبو موسى السكاسك، ورجع عمرو وخالد إلى المدينة، وغلب الأسود وطابقت [5] عليه اليمن وجعل أمره يستطير استطارة الحريق. ودانت له سواحل البحر، وعامله المسلمون بالتقية.
وكان خليفته في مذحج عمرو بن معديكرب، وكان قد أسند أمر جنده إلى قيس بن عبد يغوث، وأمر الأنباء إلى فيروز وداذويه.
ثم استخف بهم وتزوج امرأة شهر، وهي ابنة عم فيروز، فأرسل رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إلى نفر من الأبناء رسولا وكتب إليهم أن يجاولوا الأسود إما غيلة وإما مصادمة، وأمرهم أن يستنجدوا رجالا سماهم لهم ممن خرجوا حولهم من حمير وهمدان، وأرسل إلى أولئك النفر أن ينجدوهم، فدعوا قيس بن عبد يغوث حين رأوا الأسود قد تغير عليه، فحدثوه الحديث وأبلغوه عن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فأجاب ودخلوا على زوجته، فقالوا: هذا قتل أباك، فما عندك؟ قالت: هو أبغض خلق الله إلي وهو متحرز والحرس يحيطون بقصره
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 229.
[2] في الأصل: «عمرو بن شهر، وما أوردناه من أوالطبري» .
[3] شعوب: قصر باليمن معروف بالارتفاع، أو بساتين بظاهر صنعاء.
[4] في الأصل: «وهو هارب» ، وما أوردناه من أوالطبري.
[5] في الأصل: «وطائفته» ، وما أوردناه من أ.(4/19)
إلا هذا البيت، فانقبوا عليه فنقبوا ودخل فيروز فخالطه فأخذ برأسه فقتله، فخار كأشد خوار ثور، فابتدر الحرس الباب، فقالوا: ما هذا؟ قالت المرأة: النبي يوحى إليه فإليكم ثم خمد.
وقد كان يجيء إليه/ شيطان فيوسوس له فيغط ويعمل بما قال له، فلما طلع الفجر نادوا بشعارهم الذي بينهم، ثم بالأذان، وقالوا فيه: نشهد أن محمدا رسول الله وأن عبهلة كذاب، وشنوها غارة. وتراجع أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إلى أعمالهم، وكتبوا إلى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بالخبر فسبق خبر السماء إليه، فخرج قبل موته بيوم أو بليلة، فأخبر الناس بذلك، ثم ورد الكتاب، ورسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قد مات، إلى أبي بكر، وكان من أول خروج الأسود إلى أن قتل أربعة أشهر.
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَاجِّيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرَقِنْدِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنُ بْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا الْمُخْلِصُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بكر أحمد بن عبد الله بن سيف بن سعد، أَخْبَرَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أبي القاسم الشَّنَوِيِّ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ زِيَادٍ] [1] ، عَنِ ابْنِ عمر، قال: أتي النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ اللَّيْلَةَ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا الْعَنْسِيُّ فَخَرَجَ لِيُبَشِّرَنَا، فَقَالَ: «قُتِلَ الْعَنْسِيُّ الأَسْوَدُ الْبَارِحَةَ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ مُبَارَكِينَ» ، قِيلَ: وَمَنْ [هُوَ] [2] ؟
قَالَ: «فَيْرُوزُ، فَازَ فَيْرُوزُ» . ذكر أخبار مسيلمة [3] قد ذكرنا أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ في وفد بني حنيفة، فلما عاد الوفد ارتد،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عمر قال:» والخبر في تاريخ الطبري 3/ 236.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] تاريخ الطبري 3/ 381، والكامل 2/ 218.(4/20)
وكان فيه دهاء فكذب لهم وادعى النبوة، وتسمى برحمان اليمامة، لأنه كان يقول: الذي يأتيني اسمه رحمان، وخاف أن لا يتم له مراده لأن قومه شاغبوه، فقال: هو كما يقولون إلا أنني قد أشركت معه، فشهد لرسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بأنه نبي، وادعى أنه قد أشرك معه في النبوة، وجعل يسجع لهم ويضاهي القرآن، فمن قوله: سبح اسم ربك الأعلى الذي يستر على الحبلى فأخرج منها نسمة تسعى من بين أضلاع وحشي. ويا ضفدعة بنت الضفدعين نقي ما تنقين وسبحي فحسن ما تسبحين للطين تغني سنين والماء تلبسين، ثم لا تكدرين ولا تفسدين فسبحي لنا فيما تسبحين. وكانوا قد سمعوا منه.
ومن قوله لعنه الله: والليل الأطحم [1] ، والذئب الأدلم [2] والجذع الأزلم [3] ما انتهكت أسيد من محرم. وكان يقصد بذلك نصرة أسيد على خصوم لهم.
وقال: / والليل الدامس والذئب الهامس ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس.
وقال: والشاة وألوانها، وأعجبها السود وألبانها، والشاة السوداء واللبن الأبيض، إنه لعجب محض، وقد حرم المذق، ما لكم لا تمجعون.
وكان يقول: والمبذرات زرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا [4] ، واللاقمات لقما، إهالة وسمنا، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريفكم فامنعوه.
وأتته امرأة، فقالت: ادع الله لنخلنا ولمائنا فإن محمدا دعا لقوم فجاشت آبارهم، فقال: وكيف فعل محمد؟ قالت: دعي بسجل، فدعا لهم فيه ثم تمضمض ومجه فيه، فأفرغوه في تلك الآبار، ففعل هو كذلك فغارت تلك المياه.
وقال له رجل: برك على ولدي، فإن محمدا يبرك على أولاد أصحابه، فلم يؤت
__________
[1] الأطحم، الطحمة: سواد الليل.
[2] الأدلم: الأسود الطويل.
[3] الجذع الأزلم: الدهر.
[4] ثرد الخبز ثردا: فتّه ثم بله بمرق.(4/21)
بصبي مسح على رأسه أو حنكه إلا لثغ [1] وقرع [2] .
وتوضأ في حائط فصب وضوءه فيه فلم ينبت.
وكانوا إذا سمعوا سجعه، قالوا: نشهد أنك نبي، ثم وضع عنهم الصلاة وأحل لهم الخمر والزنا ونحو ذلك، فأصفقت معه بنو حنيفة إلا القليل وغلب على حجر اليمامة وأخرج ثمامة بن أثال، فكتب ثمامة إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يخبره- وَكَانَ عامل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ على اليمامة وانحاز ثمامة بمن معه من المسلمين، وكتب مسيلمة إلى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ:
من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، أما بعد، فإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ولكن قريشا قوم لا يعدلون ويعتدون.
وبعث الكتاب مع رجلين: عبد الله بن النواحة، وحجير بن عمير، فقال لهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: «أتشهدان أني رسول الله؟» قالا: نعم، قال: «أتشهد أن مسيلمة/ رسول الله؟» قالا: نعم قد أشرك معك، فقال: «لولا أن الرسول لا يقتل لضربت أعناقكما» . ثم كتب رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ:
«من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، أما بعد: فإن الأرض للَّه يورثها من يشاء، والعاقبة للمتقين، وقد أهلكت أهل حجر، أقادك الله ومن صوب معك» . ذكر أخبار سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التميمية كانت [3] قد تنبّأت في الردة بعد موت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بالجزيرة في بني تغلب فاستجاب لها الهذيّل وترك التنصر وأقبل معها جماعة فقصدت قتال أبي بكر فراسلت مالك بن نويرة فأجابها ومنعها من قصد أبي بكر وحملها على أحياء من بني تميم، فأجابت فقالت: أعدوا الركاب واستعدوا للنهاب، ثم أغيروا على الرباب، فليس دونهم حجاب، فذهبوا فكانت بينهم
__________
[1] اللثغ: تحول اللسان من السين إلى الثاء، أو من الراء إلى الغين.
[2] القرع: ذهاب الشعر عن الرأس، وهو أشد من الصلع.
[3] تاريخ الطبري 3/ 269، والكامل 2/ 213.(4/22)
مقتلة، ثم قصدت اليمامة فهابها مسيلمة، وخاف أن يتشاغل بحربها فيغلبه ثمامة بن [أثال وشرحبيل بْن حسنة] [1] ، فأهدى لها واستأمنها فجاء إليها.
وفي رواية أخرى أنه قال لأصحابه [2] : اضربوا لها قبة وجمروها لعلها تذكر الباه، ففعلوا فلما أتته قالت له: اعرض ما عندك، فقال لها: إني أريد أن أخلو معك حتى نتدارس، فلما خلت معه قالت: اقرأ علي ما يأتيك به جبريل، فقال لها: إنكن معشر النساء خلقتن أفواجا، وجعلتن لنا أزواجا نولجه فيكن إيلاجا، ثم نخرجه منكن إخراجا، فتلدن لنا أولادا ثجاجا فقالت: صدقت، أشهد أنك نبي، فقال لها: هل لك أن أتزوجك فيقال نبي تزوج نبية؟ فقالت: نعم، فَقَالَ:
ألا قومي إلى المخدع ... فقد هيّي لك المضجع
فإن شئت على اثنين ... وإن شئت على أربع
/ وإن شئت ففي البيت ... وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت بثلثيه ... وإن شئت به أجمع [3]
فقالت: بل به أجمع فهو أجمع للشمل، فضربت العرب بها المثل، فقالت:
«أغلم من سجاح» . فأقامت معه ثلاثا وخرجت إلى قومها، فقالت: إني قد سألته فوجدت نبوته حقا، وإني قد تزوجته [فقالوا: مثلك لا يتزوج بغير مهر، فقال مسيلمة:
مهرها أني قد رفعت عنكم صلاة الفجر والعتمة] [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 3/ 273.
[3] الأبيات في أهكذا:
ألا قومي إلى المخدع ... فقد بني لك المضجع
وإن شئت سلقناك ... وإن شئت على أربع
وإن شئت ففي البيت ... وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت بثلثيه ... وإن شئت به أجمع
وهذه الأبيات في تاريخ الطبري باختلاف أيضا، راجعه في تاريخ الطبري 3/ 273.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(4/23)
ثم صالحته على أن يحمل إليها النصف من غلات اليمامة وخلفت من يقبض ذلك، فلم يفجأهم إلا دنو خالد منهم، فأرفضوا.
وبعث رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إلى ثمامة بن أثال ومن يجتمع معه أن يجادلوا مسيلمة وأمره أن يستنجد رجالا قد سماهم ممن حولهم من تميم وقيس، وأرسل إلى أولئك النفر أن ينجدوه، وكانت بنو حنيفة فريقين: فرقة مع مسيلمة وهم أهل حجر، وفرقة مع ثمامة.
وأنهم التقوا فهزمهم مسيلمة، ولم تزل سجاح في بني تغلب حتى نقلهم معاوية عام الجماعة في زمانه، فأسلمت وحسن إسلامها
. ذكر أخبار طليحة بن خويلد
خرج طليحة بعد الأسود فادعى النبوة وتبعه عوام ونزل بسميراء، وقوي أمره، فكتب بخبره إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ سنان بن أبي سنان، وبعث طلحة خبالا ابن أخيه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يخبره خبره، ويدعوه إلى الموادعة وتسمى بذي النون، يقول إن الذي يأتيه يقال له ذو النون، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لرسوله: «قتلك الله» ورده كما جاء، فقتل خبال في الردة، وأرسل رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إلى عوف أحد بني نوفل بن ورقاء، وإلى سنان بن أبي سنان وقضاعا أن يجادلوا طليحة، وأمرهم أن يستنجدوا رجالا قد سماهم لهم من تميم وقيس، وأرسل إلى أولئك النفر أن ينجدوهم، ففعلوا ذلك ولم يشغل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عن مسيلمة وطليحة غير مرضه، وأن جماعة من المسلمين حاربوا طليحة وضربه مخنف ابن السليل يوما بسيف فلم يهلك، لكنه غشي عليه، فَقَالَ قوم: إن السلاح لا يحيك في طليحة، فصار ذلك فتنة، وما زال في نقصان والمسلمون في زيادة إلى أن جاءت وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فتناقص أمر المسلمين وانفض جماعة إلى طليحة مع عيينة بن حصن، وتراجع المسلمون إلى أبي بكر فأخبروه الخبر وهو يسمع ولا يكترث.
وكان من كلام طليحة: إن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم ولا بتقبيح أدباركم شيئا، فاذكروا الله قياما.
ومن كلامه: والحمام واليمام. والصرد الصوام، قد ضمن من قبلكم أعوام ليبلغن(4/24)
ملكنا العراق والشام، والله لا نسحب ولا نزال نضرب حتى نفتح أهل يثرب.
وخرج إلى بزاخة وجاء خالد بن الوليد فنازله، فجاء عيينة إلى طليحة فقال:
ويلك، جاءك الملك؟ قال: لا فارجع فقاتل فرجع، فقاتل، ثم عاد فقال: جاءك الملك؟
قال: لا فعاد فقال: جاءك الملك؟ قال: نعم قال ما قال، قال: إن لك حديثا لا تنساه، فصاح عيينة: الرجل والله كذاب، فانصرف الناس منهزمين، وهرب طليحة إلى الشام فنزل على كلب فبلغه أن أسدا وغطفان وعامر قد أسلموا فأسلم.
وخرج نحو مكة معتمرا في إمارة أبي بكر، فمر بجنبات المدينة، فقيل لأبي بكر:
هذا طليحة، قال: ما أصنع به خلوا عنه فقد أسلم وقد صح إسلامه وقاتل حتى قتل في نهاوند
. وكان مما جرى في مرض رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ أواخر صفر
قال الواقدي: لليلتين بقينا منه، وقال غيره: لليلة، وقيل: بل في مفتتح ربيع.
قالت عائشة بدأ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يتأوه وهو في [1] بيت ميمونة فاشتد وجعه، فاستأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة فأذن له فخرج إلى بيتها تخط رجلاه.
[أَخْبَرَنَا أَبُو الْقُوتِ، أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا الْفَرْبَرِيُّ، حدثنا البخاري (، حدثنا إِسْمَاعِيلُ) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، قَالَ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبِي] [2] ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانَ يَسْأَلُ/ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «أَيْنَ أَنَا غَدًا؟» يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ فأذن له أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عائشة حتى مات عندها.
أخرجه البخاري [3] .
__________
[1] في أ: «مرضه وهو في» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة» . و «حدثنا إسماعيل» ساقطة من أ.
[3] صحيح البخاري 3/ 255، حديث 1389، 8/ 144، حديث 455، 9/ 317، حديث 5217، وله بقية.(4/25)
ومن الحوادث أن أبا بكر طلب أن يمرضه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.
[أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا الْمُخْلِصُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ يوسف، حدّثنا السري، عن يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ الْفَضْلِ] [1] عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فَأُمَرِّضُكَ وَأَكُونُ الَّذِي أَقُومُ عَلَيْكَ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ إِنِّي إِنْ لَمْ أَحْتَمِلْ أَزْوَاجِي وَبَنَاتِي وَأَهْلَ بَيْتِي عِلاجِي ازْدَادَتْ مُصِيبَتِي عَلَيْهِمْ عِظَمًا، وَقَدْ وَقَعَ أَجْرُكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى» . وقد اختلف في مدة مرضه، فذكرنا ثلاث عشرة ليلة، وقيل اثنتي عشرة ليلة
. ومن الحوادث في مرضه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أن الوجع اشتد عليه
قَالَتْ عَائِشَةُ: جَعَلَ يَشْتَكِي وَيَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: لَوْ صَنَعَ هَذَا بَعْضُنَا لَوَجَدْتَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُشَدَّدُ عَلَيْهِمْ، إِنَّهُ لا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ نَكْبَةٌ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلا رَفَعَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً» . [أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيُّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أسامة، حدثنا محمد بن سعد، أخبرنا قبيصة، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
مَا رَأَيْتُ أَحَدًا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ] [2] .
[قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بن مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذيّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أسلم] [3] ، عن أبي سعيد الخدريّ، قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن سالم، عن أبيه» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 12.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن أبي سعيد الخدريّ» ، والخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 12.(4/26)
جئنا إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فَإِذَا عَلَيْهِ صَالِبٌ مِنَ الْحُمَّى مَا تَكَادُ تَقَرُّ يَدُ أَحَدِنَا عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الْحُمَّى، فَجَعَلْنَا نُسَبِّحُ، فَقَالَ لَنَا: «لَيْسَ أَحَدٌ أَشَدُّ بَلاءً مِنَ الأَنْبِيَاءِ، كَمَا يُشَدَّدُ عَلَيْنَا الْبَلاءُ كَذِلَكَ يُضَاعَفُ لَنَا الأَجْرُ»
. ومن الحوادث أنهم لدوه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [1]
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الجوهري، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي زِنَادٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ،] [2] عَنْ عَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) قَالَتْ:
كَانَتْ تَأْخُذُ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ الْخَاصِرَةُ [فَاشْتَدَّ بِهِ جِدًّا] [3] فَأَخَذَتْهُ يَوْمًا فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، فَلَدَدْنَاهُ فَلَمَّا أَفَاقَ عَرَفَ أَنَّا قَدْ لَدَدْنَاهُ، فَقَالَ: كُنْتُمْ تَرَوْنُ أَنَّ اللَّهَ كَانَ مُسَلِّطًا عَلَيَّ ذَاتَ الْجَنْبِ؟ / مَا كَانَ اللَّهُ لِيَجْعَلَ لَهَا عَلَيَّ سُلْطَانًا، وَاللَّهِ لا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلا لَدَدْتُمُوهُ إِلا عَمِّي الْعَبَّاسَ» ، قَالَتْ: فَمَا بَقِيَ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلا لُدَّ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ بَعْضِ نِسَائِهِ تَقُولُ: أَنَا صَائِمَةٌ، قَالُوا: تَرَيْنَ أَنَّا نَدَعُكِ [4] ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لا يَبْقَى أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ إِلا لُدَّ؟ فَلَدَدْنَاهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ
. وَمِنَ الْحَوَادِثِ أَنَّهُ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ: أَهْرِيقُوا [5] عَلَيَّ الْمَاءَ
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا
__________
[1] اللد: أن يجعل الدواء في شق الفم.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة» . والخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 31.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[4] في الأصل: «ترين أن تدخل» .
[5] في الأصل: أهو يقوى.(4/27)
أحمد بن الحجاج، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ] [1] ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ:
لَمَّا ثَقُلَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ اشْتَدَّ [عَلَيْهِ] وَجَعُهُ فَقَالَ: أَهْرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحَلَّلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مَخْضَبٍ لِحَفْصَةَ ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ حَتَّى جَعَلَ يُشِيرُ عَلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فصلى بِهِمْ وَخَطَبَهُمْ
. ومن الحوادث أنه خرج عاصبا رأسه فقام على المنبر وقال: إن عبدا خيره الله فبكى أبو بَكْر رضي الله عنه [2]
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابن المذهب، أخبرنا أَبُو بَكْر بْن مَالِك، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بن أحمد، قال: حدثني أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ بِسْرِ بْنِ سَعِيدٍ] [3] ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ [الْخُدْرِيِّ] [4] قَالَ:
خَطَبَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ النَّاسَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» [قَالَ] : فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ فَعَجِبْنَا مِنْ بُكَائِهِ أَنْ خَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدٍ خُيِّرَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ الْمُخَيَّرُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ [5]
. ومن الحوادث أنه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ خرج فاقتص من نفسه [6] .
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَيْلانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا علي بن المديني، حدّثنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة» .
[2] طبقات ابن سعد 2/ 2/ 28.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي سعيد» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول.
[5] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 3/ 18، وبقيته في المسند: «فقال رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا غَيْرَ رَبِّي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام أو مودته، لا يَبْقَى بَابٌ فِي الْمَسْجِدِ إِلا سُدَّ إلا باب أبي بكر» .
[6] تاريخ الطبري 3/ 189.(4/28)
مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الملك الليثي، عن القاسم بن يزيد، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَخِيهِ] [1] الْفَضْلِ بن العباس قَالَ: جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ مَوْعُوكًا قَدْ عَصَّبَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «خُذْ بِيَدِي [فَضْلُ] [2] ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَانْطَلَقَ [3] حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ قَالَ: «نَادِ فِي النَّاسِ» فَلَمَّا اجْتَمَعُوا [4] إِلَيْهِ حَمِدَ الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: «أما بعد، أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي حُقُوقٌ [5] مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، مَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظهرا فهذا/ ظهري فليستفد مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالا فَهَذَا مَالِي فَلْيَأْخُذْهُ [6] ، وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا [فَهَذَا عِرْضِي] [7] فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَلا يَقُولَنَّ أَحَدٌ إِنِّي أَخْشَى الشَّحْنَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ [8] ، أَلا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ طَبِيعَتِي [9] وَلا مِنْ شَأْنِي، أَلا وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا كَانَ لَهُ [10] أَوْ حَلَّلَنِي فَلَقِيتُ اللَّهَ وَأَنَا طَيُّبُ النَّفْسِ، وَإِنِّي أَرَى [11] أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُغْنٍ [عَنِّي] [12] حَتَّى أَقُومَ فِيكُمْ مِرَارًا» .
ثُمَّ نَزَلَ فصلى الظُّهْرَ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَعَادَ لِمَقَالَتِهِ الأُولَى فِي الشَّحْنَاءِ وَغَيْرِهَا، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِذَنْ وَاللَّهِ لِي عِنْدَكَ ثَلاثَةُ [13] دَرَاهِمَ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّا لا نكذب
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المصنف بإسناده عن الفضل» . والخبر في تاريخ الطبري 3/ 189.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول.
[3] «فانطلق» : ساقط من الطبري.
[4] في الطبري: «فاجتمعوا» .
[5] في الأصل: خفوف، والتصحيح من الطبري.
[6] «وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالا فَهَذَا مَالِي فليأخذه» : العبارة ساقطة من الطبري.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[8] «ولا يقولن أحد ... من رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ» : العبارة ساقطة من الطبري.
[9] في الطبري: «ليست من طبعي» .
[10] في الطبري: «من أخذ مني حقا كان له» .
[11] في الطبري: «وقد أرى» .
[12] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[13] في الطبري: «يا رسول الله إن لي عندك ثلاثة» .(4/29)
قَائِلا وَلا نَسْتَحْلِفُ، فَبِمَ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَذكر يَوْمَ مَرَّ بِكَ الْمِسْكِينُ فَأَمَرْتَنِي فَأَعْطَيْتُهُ ثَلاثَةَ دَرَاهِمَ [1] ، قَالَ: أَعْطِهِ يَا فَضْلُ، فَأَمَرَ بِهِ فَجَلَسَ ثُمَّ قَالَ:
«أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلْيُؤَدِّهِ فَلا يَقُولَنَّ رَجُلٌ فُضُوحُ الدُّنْيَا، فَإِنَّ فُضُوحَ الدُّنْيَا أَيْسَرُ مِنْ فُضُوحِ الآخِرَةِ» فَقَام رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ غَلَلْتُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: «وَلِمَ غَلَلْتَهَا؟» قَالَ: كُنْتُ مُحْتَاجًا، قَالَ: «خُذْهَا مِنْهُ يَا فَضْلُ» ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ خَشِيَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا فَلْيَقُمْ فَلْنَدْعُ لَهُ» [2] فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَكَذَّابٌ [إِنِّي لَفَاحِشٌ] [3] وَإِنِّي لَنَوَّامٌ [4] ، فَقَالَ: «اللَّهمّ ارْزُقْهُ صِدْقًا وَأَذْهِبْ عَنْهُ النَّوْمَ إِذَا أَرَادَ» .
ثُمَّ قَامَ آخَرُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَكَذَّابٌ وَإِنِّي لَمُنَافِقٌ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ [مِنَ الأَشْيَاءِ] [5] إِلا وَقَدْ جَنَيْتُهُ، قَالَ عُمَرُ: فَضَحْتَ نَفْسَكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ:
«يا بن الْخَطَّابِ فُضُوحُ الدُّنْيَا أَيْسَرُ مِنْ فُضُوحِ الآخِرَةِ» ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهمّ ارْزُقْهُ صِدْقًا وَإِيمَانًا، وَصَيِّرْ أَمْرَهُ إِلَى خَيْرٍ» قَالَ: فَتَكَلَّمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكَلامٍ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وَقَالَ: «عُمَرُ مَعِي وَأَنَا مَعَ عُمَرَ، وَالْحَقُّ مَعَ عُمَرَ حَيْثُ كَانَ» . قال مؤلف الكتاب: في هذا الحديث/ إشكال، والمحدثون يروونه ولا يعرف أكثرهم معناه، وهو قوله عليه السلام: «من كنت جلدت له ظهرا فليستقد» . وقد أجمع الفقهاء أن الضرب لا يجري فيه قصاص، وإنما أراد أن يعرف الناس أن من فعل ذلك ظلما فينبغي تأديته، وإلا فهو منزه عن الظلم.
ومن الحوادث أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كان يصلي بالناس في مدة مرضه وإنما انقطع ثلاثة أيام، وقيل: سبع عشرة
__________
[1] «فقال: أما أنا لا نكذب ... ثلاثة دراهم» : ساقط من الطبري.
[2] في الأصل: «ادع له» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[4] في الطبري: «إني لنؤوم» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.(4/30)
صلاة، فلما أذن بالصلاة في أول ما امتنع قال: «مروا أبا بكر أن يصلي بالناس» . [أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ المذهب، قال: أخبرنا أحمد بْن جَعْفَر، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أحمد، قال: حدثني أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ] [1] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ [2] : لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ جَاءَهُ بِلالٌ لِيُؤْذِنَهُ بِالصَّلاةِ، فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى يَقُومُ مَقَامَكَ لا يَسْمَعُ النَّاسُ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ، قَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» ، قَالَتْ:
فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ [3] ، فَقَالَتْ لَهُ حَفْصَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ [مَتَى] [4] يَقُومُ مَقَامَكَ لا يَسْمَعُ النَّاسُ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ، فَقَالَ: «إِنَّكُنَّ صُوَيْحِبَاتُ يُوسُفَ [5] ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» .
قَالَتْ: فَأَمَرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلاةِ وَجَدَ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَقَامَ يَتَهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ [6] وَرِجْلاهُ [7] تَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ حَتَّى دَخَلَ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ أَنْ قُمْ كَمَا أَنْتَ، فَجَاءَ رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، وكان رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَاعِدًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ. أَخْرَجَاهُ فِي الصحيحين [8] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة» .
[2] الخبر في المسند 6/ 34، 96، 159، 202، 210، 224، 229، 270.
[3] في الأصل: «قولوا له» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول.
[5] في المسند: «إنكن لأنتن صواحب» .
[6] في الأصل: اثنين.
[7] في الأصل: «بين اثنين رجلاه» . وما أوردناه من أ، والمسند.
[8] البخاري في الصلاة، الباب 190، حديث 1 عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه، والباب 219. عن(4/31)
[ومنها أن وجعه اشتد به يوم الخميس فأراد أن يكتب كتابا]
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حدثني أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ] [1] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: «ائْتِنِي بِكَتِفٍ أَوْ لَوْحٍ/ حَتَّى أَكْتُبَ لأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا لا يُخْتَلَفُ عَلَيْهِ» ، فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَقُومَ، قَالَ: أَبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ أَنْ يُخْتَلَفَ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ. رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ، وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [2]
. ومنها أنه أخرج شيئا من المال كان عنده
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا ابن معروف، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ] [3] ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَتْ عند رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ سَبْعَةُ دَنَانِيرَ وَضَعَهَا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَلَمَّا كان في مرضه
__________
[ () ] قتيبة عن أبي معاوية، والباب 218 عن مسدد، عن عبد الله بن داود.
ومسلم في الصلاة، الباب 21، حديث 9 عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي معاوية ووكيع، وعن يحيى بن يحيى عن أبي معاوية والحديث رقم 7 عن منجاب بن الحارث، عن علي بن سهر، وعن إسحاق بن إبراهيم، عن عيسى بن يونس، كلهم عن الأعمش به.
وأخرجه النسائي أيضا في الصلاة، الباب 232، حديث 2، عن أبي كريب، عن أبي معاوية.
وابن ماجة في الصلاة، الباب 181، حديث 1، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعن علي بن محمد، عن وكيع.
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة.» .
[2] مسند أحمد بن حنبل 6/ 47.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن سهل بن سعد» .(4/32)
قَالَ: «يَا عَائِشَةُ ابْعَثِي بِالذَّهَبِ إِلَى عَلِيٍّ، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَشَغَلَ عَائِشَةَ مَا بِهِ، فَبَعَثَتْ بِهِ إِلَى عَلِيٍّ فَتَصَدَّقَ بِهِ، ثُمَّ أمسى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الاثْنَيْنِ فِي جَدِيدِ الْمَوْتِ، فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى امْرَأَةٍ مِنَ النِّسَاءِ بِمِصْبَاحِهَا، فَقَالَتْ: اقْطُرِي لَنَا فِي مِصْبَاحِنَا مِنْ عَكْتَكِ السَّمْنِ، فإن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ أَمْسَى فِي جَدِيدِ الْمَوْتِ [1] .
[قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو] [2] ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ وَهِيَ مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِهَا: «يَا عَائِشَةُ، مَا فَعَلَتْ تِلْكَ الذَّهَبُ؟» قَالَتْ: هِيَ عِنْدِي، قَالَ: «فَأَنْفِقِيهَا» ثُمَّ غُشِيَ عَلَى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى صَدْرِهَا، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: «أنفقتيه يا عائشة؟» قالت: لا. قالت: فدعى بِهَا فَوَضَعَهَا فِي كَفِّهِ فَعَدَّهَا فَإِذَا هِيَ سِتَّةٌ، فَقَالَ: «مَا ظَنُّ مُحَمَّدٍ بِرَبِّهِ أَنْ لَوْ لَقِيَ اللَّهَ وَهَذِهِ عِنْدَهُ» ، فَأَنْفَقَهَا كُلَّهَا وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم
. ومن الحوادث أنه صلّى الله عليه وآله وسلم أعتق في مرضه جماعة من العبيد
[أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُخْلِصِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عبد السِّجِسْتَانِيُّ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ] [3] ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
أَعْتَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ أَرْبَعِينَ نَفْسًا
. ومن الحوادث في مرضه أنه صلّى الله عليه وآله وسلم جمع أصحابه فأوصاهم
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أبو
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 34.
[2] طبقات ابن سعد 2/ 2/ 32. وقد ورد في الأصل: «روى ابن سعد باسناده» .
[3] في الأصل «روى المؤلف باسناده عن سهل بن يوسف» .(4/33)
عُمَرَ بْنُ حَيْوَيَةَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ] [1] ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: نَعَى لَنَا نَبِيُّنَا وَحَبِيبُنَا نَفْسَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ، بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي/ وَنَفْسِي لَهُ الْفِدَاءُ، فَلَمَّا دَنَا الْفِرَاقُ جَمَعَنَا فِي بَيْتِ أُمِّنَا عَائِشَةَ وَتَشَدَّدَ لَنَا، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِكُمْ حَيَّاكُمُ اللَّهُ بِالسَّلامِ [2] ، رَحِمَكُمُ اللَّهُ، حَفِظَكُمُ اللَّهُ، جَبَرَكُمُ اللَّهُ، رَزَقَكُمُ اللَّهُ، رَفَعَكُمُ اللَّهُ، نَفَعَكُمُ اللَّهُ، أَحَلَّكُمُ اللَّهُ، وَقَاكُمُ اللَّهُ، أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَأُوصِي اللَّهَ بِكُمْ وَأَسْتَخْلِفُهُ عَلَيْكُمْ وَأُحَذِّرُكُمُ اللَّهَ، إني لكم منه نَذِيرٌ مُبِينٌ أَلا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ فِي عِبَادِهِ وَبِلادِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ لِي: وَلَكُمْ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ 28: 83 [3] وقال: أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ 39: 60 [4] قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى أَجَلُكَ؟ قَالَ: «دَنَا الْفِرَاقُ وَالْمُنْقَلَبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى جَنَّةِ الْمَأْوَى وَإِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِلَى الرَّفِيقِ الأَعْلَى وَالْكَأْسِ الأَوْفَى وَالْحَظِّ وَالْعَيْشِ الْهَنِيِّ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ يُغَسِّلُكَ؟ فَقَالَ: «رِجَالٌ مِنْ أَهْلِي الأَدْنَى فَالأَدْنَى» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَفِيمَ نُكَفِّنُكَ؟ قَالَ: «فِي ثِيَابِي هَذِهِ إِنْ شِئْتُمْ أَوْ ثِيَابِ مِصْرَ أَوْ فِي حُلَّةٍ يَمَانِيَّةٍ» ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْكَ؟ وَبَكَيْنَا وَبَكَى، فَقَالَ: «مَهْلا رَحِمَكُمُ اللَّهُ وَجَزَاكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ خَيْرًا، إِذَا أَنْتُمْ غَسَّلْتُمُونِي وَكَفَّنْتُمُونِي فَضَعُونِي عَلَى سَرِيرِي هَذَا عَلَى شَفِيرِ قَبْرِي فِي بَيْتِي [هَذَا] ، ثُمَّ اخْرُجُوا عِنِّي سَاعَةً، فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ حَبِيبِي وَخَلِيلِي جِبْرِيلُ ثُمَّ مِيكَائِيلُ ثُمَّ إِسْرَافِيلُ ثُمَّ مَلَكُ الْمَوْتِ مَعَهُ جُنُودٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ بِأَجْمَعِهِمْ، ثم ادخلوا فوجا فوجا. فصلوا عَلَيَّ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وَلا تُؤْذُونِي بِتَزْكِيَّةٍ وَلا بِرَنَّةٍ، وَلْيَبْتَدِئْ بِالصَّلاةِ عَلَيَّ رِجَالُ أَهْلِي ثُمَّ نِسَاؤُهُمْ ثُمَّ أَنْتُمْ بَعْدُ، وَاقْرَءُوا السَّلامَ عَلَى مَنْ غَابَ مِنْ أَصْحَابِي، وَاقْرَءُوا السَّلامَ عَلَى من تبعني على [5]
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن مسعود» . والخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 46، 47.
[2] في الأصل: «وحماكم الله بالإسلام» . وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[3] سورة: القصص الآية: 83.
[4] سورة: الزمر الآية: 60.
[5] في الأصل: «من» .(4/34)
دِينِي مِنْ يَوْمِي هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ يُدْخِلُكَ قَبْرَكَ؟ / قَالَ:
أَهْلِي مَعَ مَلائَكَةٍ كَثِيرٍ يَرَوْنَكُمْ وَلا تَرَوْنَهُمْ
. ومن الحوادث أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ خير عند موته
[أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بن محمد، أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة [1] ، حدثنا محمد بن سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُرْوَةَ] [2] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
كُنْتُ أَسْمَعُ [3] أَنَّهُ لا يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، قَالَتْ: فَأَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ فِي مَرَضِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً 4: 69 [4] . فَظَنَنْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ [5]
. ومن الحوادث في مرضه صلّى الله عليه وآله وسلم ما جرى له مع ابنته فاطمة رضي الله عنها.
[أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ] [6] ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِابْنَتِي» ، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يمينه- أو عن شماله- ثم أنه أسر إليها حديثا
__________
[1] في أ: «الحسن بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أحمد، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة» . وساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن عائشة» .
[3] في المسند، وابن سعد والأصل: «كنت سمعت» .
[4] سورة: النساء، الآية: 69.
[5] الخبر في المسند 6/ 176، وطبقات ابن سعد 2/ 2/ 26، 27.
[6] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الإمام أحمد بإسناده عن عائشة» .(4/35)
[فَبَكَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: اسْتَخَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ ثُمَّ تَبْكِينَ. ثُمَّ إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا] [1] فَضَحِكَتْ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ، فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا قُبِضَ [النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ] [2] سَأَلْتَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيَّ فَقَالَ: «إن جبريل عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلا أَرَاهُ إِلا قَدْ حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لُحُوقًا بِي، وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ» فَبَكَيْتُ لِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: «أَلا ترضين أن تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ- أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ» ، قَالَتْ: فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [3]
. ومن الحوادث في مرضه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ تردد جبريل عليه السلام إليه ثلاثة أيام قبل أن يموت برسالة من الله عز وجل
يقول له: كيف تجدك، وكان ذلك في يوم السبت والأحد [والاثنين] ، واستئذان ملك الموت عليه في يوم الاثنين.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأَرْمَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُهْتَدِي، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْفَرَضِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الرِّيَاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ الْجَوْنِ، حَدَّثَنَا رِشْدِينُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ] [4] ، عن أبي هريرة:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والمسند.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[3] مسند أحمد بن حنبل 6/ 282، والبخاري في المناقب الباب 25، حديث 51، عن أبي نعيم، عن زكريا بن أبي زائدة، وفي الاستئذان، الباب 43، عن موسى بن إسماعيل، عن أبي عوانة، كلاهما عن فراس، عن الشعبي.
ومسلم في الفضائل، الباب 61، حديث 7، عن أبي كامل الجحدري، عن أبي عوانة، والحديث 8، عن أبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عَبْد الله بن نمير، كلاهما عن عبد الله بن نمير، عن زكريا.
وأخرجه أيضا النسائي في الكبرى على ما في تحفة الأشراف (12/ 312) .
وأخرجه ابن ماجة في الجنائز، الباب 64، حديث 4، عن أبي بكر بن أبي شيبة.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ» .(4/36)
أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُقْرِئُكَ السَّلامَ/ وَيَقُولُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: «أَجِدُنِي وَجِعًا يَا أَمِينَ اللَّهِ» . ثُمَّ جَاءَ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ، وَيَقُولُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: «أَجِدُنِي يَا أَمِينَ اللَّهِ وَجِعًا» ثم جاءه الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَمَعَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَيَقُولُ لَكَ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: «أَجِدُنِي يَا أَمِينَ اللَّهِ وَجِعًا، مَنْ هَذَا مَعَكَ؟» قَالَ: هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ، وَهَذَا آخِرُ عَهْدِي بِالدُّنْيَا بَعْدَكَ، وَآخِرُ عَهْدِكَ بِهَا، وَلَنْ آسَى عَلَى هَالِكٍ مِنْ وَلَدِ آدَمَ بَعْدَكَ، وَلَنْ أَهْبِطَ إِلَى الأَرْضِ إِلَى أَحَدٍ بَعْدَكَ أَبَدًا، فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ سَكْرَةَ الْمَوْتِ وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ، فَكُلَّمَا وَجَدَ سَكْرَةَ الْمَوْتِ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَمَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ وَيَقُولُ: «اللَّهمّ أَعِنِّي عَلَى سَكْرَةِ الْمَوْتِ» . [أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، بِإِسْنَادِهِ [1] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ أَبُو ضَمْرَةَ اللَّيْثِيُّ، قَالَ: حَدَّثُونَا] [2] عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا بَقِيَ مِنْ أَجَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ ثَلاثٌ نَزَلَ جِبْرِيلُ مَغْمُومًا [3] ، فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ إِكْرَامًا [لَكَ] [4] وَتَفْضِيلا لَكَ، وَخَاصَّةً بِكَ يَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ، يَقُولُ [لَكَ] [5] : كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: «أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا، وَأَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا» . فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي هبط إليه جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ إِكْرَامًا لَكَ وَتَفْضِيلا لَكَ وَخَاصَّةً بِكَ يَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ، يَقُولُ:
كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: «أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا وَأَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا» . فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثِ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ، وَهَبَطَ [مَعَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، وَنَزَلَ] [6] مَعَهُ مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ يَسْكُنُ الْهَوَاءَ لَمْ يَصْعَدْ إِلَى السَّمَاءِ قَطُّ وَلَمْ يَهْبِطْ إِلَى الأَرْضِ مُنْذُ يَوْمِ كَانَتِ الأرض على
__________
[1] إسناده كما سبق: «مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، عن محمد بن سعد» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن جعفر بن محمد» . والخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 48.
[3] «مغموما» : ساقط من ابن سعد، وفي أ: «نزل عليه جبريل فقال» .
[4] ، (5) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.(4/37)
سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ لَيْسَ مِنْهُمْ مَلَكٌ إِلا عَلَى سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ، فَسَبَقَهُمْ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ إِكْرَامًا لَكَ وَتَفْضِيلا لَكَ، وَخَاصَّةً بِكَ، يَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ، وَيَقُولُ لَكَ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا وَأَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: / يَا أَحْمَدُ، هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ وَلَمْ [يَسْتَأْذِنْ عَلَى آدَمِيٍّ كَانَ قَبْلَكَ وَلا] [1] يَسْتَأْذِنُ عَلَى آدَمِيٍّ بَعْدَكَ، قَالَ: «ائْذَنْ لَهُ» ، فَدَخَلَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَا أَحْمَدُ، إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي أَنْ أُطِيعَكَ فِي كُلِّ مَا تَأْمُرُنِي، إِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَقْبِضَ نَفْسَكَ قَبَضْتُهَا، وَإِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَتْرُكَهَا تَرَكْتُهَا، قَالَ: «وَتَفْعَلُ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ؟» قَالَ: أُمِرْتُ بِذَلِكَ أَنْ أُطِيعَكَ فِي كُلِّ مَا تَأْمُرُنِي بِهِ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: [يَا أَحْمَدُ، إِنَّ اللَّهَ قَدِ اشْتَاقَ إِلَيْكَ، قَالَ:
«فَامْضِ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ» ، قَالَ جِبْرِيلُ] [2] : السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا آخِرُ مَوَاطِئِي الأَرْضَ [3] ، إِنَّمَا كُنْتَ حَاجَتِي مِنَ الدُّنْيَا.
فتوفي رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وَجَاءَتِ التَّعْزِيَةُ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَالْحِسَّ وَلا يرون الشخص: السلام عليكم يا أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ، وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ 3: 185 [4] ، فِي اللَّهِ عَزَاءً عَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرْكًا مِنْ كُلِّ مَا فَاتَ، فباللَّه فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، إِنَّمَا الْمُصَابُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ
. ومن الحوادث استعماله للسواك قبل موته صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُظَفَّرِ، أَخْبَرَنَا ابن أعين، حدثنا الفربري، حدثنا البخاري، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، قال: أخبرني ابن أبي مليكة، أن أَبَا عَمْرٍو ذكر، أَنَّ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ، أن] [5] عائشة كانت تقول:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[3] في الأصل: موطني من الأرض.
[4] سورة: آل عمران، الآية 185.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل وأوردناه من ابن سعد.(4/38)
إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنّ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ [فِي بَيْتِي] وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَدَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ سِوَاكٌ وَأَنَا مِسْنَدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ وَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نعم، فناولته فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ، فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ وَأَخَذَهُ فَأَمَرَّهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ- أَوْ عُلْبَةٌ يَشُكُّ عَمْرٌو- فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٌ» [1] ، ثُمَّ يَصُبُّ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: «في الرفيق الأعلى» ، حتى قبض/ وَمَالَتْ يَدَهُ.
ومن ذلك أنه عاتب نفسه على كراهة الموت.
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابن حيويه، أخبرنا ابن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَن أَبِي الْحُوَيْرِثِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ لَمْ يَشْتَكِ شَكْوَى إِلا سَأَلَ اللَّهَ الْعَافِيَةَ حَتَّى كَانَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فيه، فإنه لَمْ يَكُنْ يَدْعُو بِالشِّفَاءِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: «يَا نَفْسُ مَالَكِ تَلُوذِينَ كُلَّ مَلاذٍ»
. ومن الحوادث عند موته صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وصيته بالصلاة
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الَقاضِي أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ أَخِي سُمَيٍّ، حَدَّثَنَا الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْبَلَدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ الْخَيَّاطُ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَتْ وصية رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: «الصَّلاةُ وَمَا مَلَكَتْ أيمانكم» حتى جعل رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يُغَرْغِرُ بِهَا فِي صَدْرِهِ، وَمَا يَفِيضُ بِهَا لسانه.
__________
[1] في الأصل: «للموت حسرات» .(4/39)
ومن الحوادث في مرضه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أنه كشف الستر يوم الاثنين وقت صلاة الفجر فنظر إلى الناس وهم يصلون
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْبُخَارِيِّ [1] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ [2] :
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فِي وَجَعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الاثْنَيْنِ وَهُمْ [صُفُوفٌ] [3] فِي الصَّلاةِ، فَكَشَفَ النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ فَنَظَرَ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ، كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ فَضَحِكَ [4] فَهَمَمْنَا أَنْ نُفْتَتَنَ مِنَ الْفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ خَارِجٌ إِلَى الصَّلاةِ، فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنْ أَتِّمُوا صَلاتَكُمْ، فَأَرْخَى السِّتْرَ [5] فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ
. ذكر وقت موته صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ
توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يوم الاثنين نصف النهار، وربما قيل عند اشتداد الضحى لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
__________
[1] كذا في الأصول المخطوطة، وإسناده عن عبد الأول إلى البخاري كما في الروايات السابقة: «عن عبد الأول، عن ابن المظفر، عن العزيزي، عن البخاري» .
[2] أخرجه البخاري في صحيحه في الصلاة، الباب 197، حديث 3، عن أبي اليمان 2/ 164، حديث رقم 680.
[3] ما بين المعقوفتين من البخاري.
[4] من البخاري: «يضحك» .
[5] في البخاري: «وأرخى» .(4/40)
ولد النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، [وَاسْتُنْبِئَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ] [1] ، وَتُوُفِّيَ يوم الاثنين، وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، وَرَفَعَ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ» [2] .
وَقَالَ غَيْرُهُ: بُعِثَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ
. ذكر الثياب التي توفي فيها رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحسن بن علي، أخبرنا أَبُو بَكْر بْن مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ:
أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ كِسَاءً مُلَبَّدًا، وَإِزَارًا غَلِيظًا، فَقَالَتْ: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ في هذين.
أخرجاه في الصحيحين [3] .
__________
[1] في الأصول: وقدم يوم الإثنين وتوفي يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَرَفَعَ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ.
[2] الخبر في المسند 1/ 277، وأورده الهيثمي في المجمع 1/ 196، وعزاه للطبراني في الكبير، وزاد فيه «وفتح بدرا يوم الإثنين ونزلت سورة المائدة يوم الإثنين، قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف، وبقية رجاله من أهل الصحاح.
[3] أخرجه البخاري في اللباس، الباب 19، حديث 3، عن محمد عن إسماعيل بن علية، وفي الخمس، الباب 5، حديث 3، عن ابن بشار، عن عبد الوهاب الثقفي، عَنْ أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ عَنْ أَبِي بردة، وقال عقب حديث الثقفي: وزاد سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عن أبي بردة: أخرجت إلينا عائشة إزارا غليظا مما يصنع باليمن وكساء من هذه التي تدعونها الملبدة.
وأخرجه مسلم في اللباس، الباب 5، حديث 1، عن شيبان بن فروخ، عن سليمان بن المغيرة، وحديث 2 عن علي بن حجر ومحمد بن حاتم ويعقوب بن إبراهيم، ثلاثتهم عن إسماعيل بن علية، وحديث رقم 3 عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب.
وأخرجه أبو داود في اللباس، الباب 7، حديث 1 عن موسى عن حماد وسليمان بن المغيرة، كلاهما عن حميد بن هلال.(4/41)
ومن الحوادث اختلاف أصحابه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ هل مات أو لا فأعلمهم بموته أبو بكر والعباس رضي الله عنهما
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجوهري، أخبرنا أبو عمر بْن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ [بْنُ إِبْرَاهِيمَ] [1] بْنِ سَعْدٍ، [عَنْ أَبِيهِ] [2] ، عَنْ صَالِحِ [بْنِ كَيْسَانَ] [3] ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسٌ، قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بَكَى النَّاسُ بُكَاءً شَدِيدًا [4] ، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْمَسْجِدِ [خَطِيبًا] [5] فَقَالَ: لا أَسْمَعَنَّ أَحَدًا يَقُولُ إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَلَكِنَّهُ أُرْسِلَ إِلَيْهِ كَمَا أُرْسِلَ إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ. فَلَبِثَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَاتَ [6] .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَا زَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَتَكَلَّمُ وَيُوعِدُ الْمُنَافِقِينَ حَتَّى أَزْبَدَ شِدْقَاهُ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: إن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يَأْسَنُ كَمَا يَأْسَنُ الْبَشَرُ، وَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَادْفِنُوا صَاحِبَكُمْ، أَيُمِيتُ أَحَدُكُمْ إِمَاتَةً وَيُمِيتُهُ إِمَاتَتَيْنِ؟ هُوَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ كَمَا يَقُولُونَ فَلَيْسَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ أَنْ يَبْحَثَ عَنْهُ التُّرَابَ فَيُخْرِجُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ [7] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَقْتِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُظَفَّرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَرْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بكير، قال: حدّثنا الليث، عن
__________
[ () ] الترمذي في اللباس الباب 10، حديث 1، عن أحمد بن منيع، عن إسماعيل، وقال: حسن صحيح.
وابن ماجة في اللباس، الباب 1، حديث 2 عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي أسامة حماد بن أسامة، عن سليمان.
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[4] «بكاء شديدا» : ساقط من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 53.
[7] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 53.(4/42)
عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سلمة، أن وعائشة أَخْبَرَتْهُ [1] :
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنُحِ حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ أَحَدًا [2] حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَتَيَمَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ مَغْشِيٌّ بِثَوْبٍ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ وَبَكَى. ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَاللَّهِ لا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مِتَّهَا.
وَحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ [3] : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ، فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: «أَمَّا بَعْدُ، مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَالَ اللَّهُ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ، وَمن يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً] وَسَيَجْزِي الله الشَّاكِرِينَ 3: 144 [4] قَالَ: وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ حَتَّى تَلاهَا أَبُو بكر: فتلقاها منه النَّاسُ كُلُّهُمْ [5] ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا إِلا يَتْلُوهَا.
وَأَخْبَرَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ [6] : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ
__________
[1] أخرجه البخاري 8/ 145، حديث 4452، 4453 في كتاب المغازي الباب 84، وأخرجه أيضا في الجنائز، الباب 3، حديث 1، عن بشر بن محمد، عن ابن المبارك، عن معمر ويونس، وفي المناقب الباب 34، حديث 9 عن إسماعيل بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عن هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
عَنْ عَائِشَةَ نحوه.
وأخرجه النسائي في الجنائز، الباب 11، حديث 3، عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك.
وأخرجه ابن ماجة في الجنائز، الباب 65، حديث 1 عن علي بن محمد، عن أبي معاوية، عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن ابن أبي مليكة، عن عائشة.
وأخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 2/ 253، 256.
[2] «أحدا» ساقطة من البخاري.
[3] طبقات ابن سعد 2/ 2/ 56.
[4] سورة: آل عمران، الآية: 144.
[5] في الأصل: «فتلقاها الناس منه كلهم» والتصحيح من ابن سعد.
[6] طبقات ابن سعد 2/ 2/ 56.(4/43)
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلاهَا فَعَقَرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلاي، وَحَتَّى أَهْوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ، [وَعَرَفْتُ] [1] حِينَ سَمِعْتُهُ تَلاهَا [أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ] [2]
. ذكر سنة يوم مات صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.
[أَخْبَرَنَا الْكَرُوخِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الأَزْدِيُّ، وَأَبُو بكر التبوذجي، قال: أخبرنا الجراحي، حدّثنا الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حدّثنا محمد بن بشار، حدّثنا ابن أبي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ] [3] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [4] .
وَقَدْ رَوَى خَمْسٍ وَسِتِّينَ، وَرَوَى سِتِّينَ، [وَالأَوَّلُ أَصَحُّ] [5]
. ذكر غسله وتكفينه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حسين بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من طبقات ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عباس» .
[4] أخرجه البخاري بهذا الإسناد في المبعث، المناقب، الباب 88، عن أحمد بن أبي رجاء، عن النضر، والباب 105، حديث 6 عن مطر بن الفضل، عن روح، كلاهما عن هشام، وبه زيادة.
وأخرجه الترمذي في المناقب، الباب 6، حديث 1، عن محمد بن إسماعيل به وقال: حسن صحيح.
وأخرجه أيضا في نفس الموضع حديث 2، عن محمد بن إسماعيل بهذا الإسناد، بلفظ: «قبض النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهو ابن خمس وستين سنة، وقال: هكذا هو، وروي عنه محمد بن إسماعيل ذلك، وفيه: «توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.(4/44)
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ] [1] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
لَمَّا اجْتَمَعَ الْقَوْمُ لِغُسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ إِلا أَهْلُهُ: عَمُّهُ الْعَبَّاسُ [بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ] [2] ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَقُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ [بْنِ حَارِثَةَ] ، وَصَالِحٌ مَوْلاهُ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لِغُسْلِهِ نَادَى مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ الأَنْصَارِيُّ-[ثَمَّ أَحَدُ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ] [3] ، وَكَانَ بَدْرِيًّا- عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَلِيُّ، نَشَدْتُكَ اللَّهَ، وَحَظُّنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ.
قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: ادْخُلْ، فَدَخَلَ فَحَضَرَ غُسْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلِ مِنْ غُسْلِهِ شَيْئًا. قَالَ: فَأَسْنَدَهُ عَلِيٌّ إِلَى صَدْرِهِ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ يُقَلِّبُونَهُ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ أُسَامَةُ وَصَالِحٌ يَصُبَّانِ الْمَاءَ، وَجَعَلَ عَلِيٌّ يُغَسِّلُهُ، وَلَمْ يَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ شَيْئًا/ مِمَّا يُرَى مِنَ الْمَيِّتِ [4] ، وَهُوَ يَقُولُ: بِأَبِي وَأُمِّي مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا وَمِيِّتًا. حَتَّى إِذَا فَرَغُوا مِنْ غُسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وَكَانَ يُغَسَّلُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ، جَفَّفُوهُ، ثُمَّ صُنِعَ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمَيِّتِ، ثُمَّ أُدْرِجَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ، ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ، وَبُرْدٍ حِبَرَةٍ، ثُمَّ دَعَا الْعَبَّاسُ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ: لِيَذْهَبْ أَحَدُكُمَا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ- وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَصْرُخُ لأَهْلِ مَكَّةَ- وَلِيَذْهَبِ الآخَرُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ بْنِ سَهْلٍ الأَنْصَارِيِّ- وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يُلَحِدُّ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ.
قَالَ: ثُمَّ قَالَ الْعَبَّاسُ لَهُمَا حِينَ سَرَّحَهُمَا: اللَّهمّ خِرْ لِرَسُولِكَ [5] قَالَ: فَذَهَبَا، فَلَمْ يَجِدْ صَاحِبُ أَبِي عُبَيْدَةَ أبا عبيدة، ووجد صاحب أبي طلحة أبا طَلْحَةَ، فَجَاءَ بِهِ، فَلَحَدَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [6] .
[أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو منصور محمد بن محمد العكبريّ، أخبرنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عباس» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من المسند.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من المسند.
[4] في الأصل: «مما يراه من الميت» .
[5] في الأصل: «اللَّهمّ خر لرسول الله» ، وما أوردناه من أ، والمسند.
[6] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 1/ 260.(4/45)
أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ] [1] ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ، وَالْعَبَّاسُ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَغُسِّلَ ثَلاثَ غَسْلاتٍ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ مِنْ بِئْرٍ لِسَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ كَانَ يَشْرَبُ مِنْهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: [وَحَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بن عروة، عن أبيه] [2] ، عن عائشة، قالت:
كفن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أخبرنا ابن المذهب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن مالك، قَالَ: حدثنا عبد الله بن أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ] [3] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
لَمَّا أَرَادُوا غُسْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَدْرِي مَا نَصْنَعُ؟
أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ كما نجرد موتانا، أن نُغَسِّلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ؟
[قَالَتْ] : فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السِّنَةَ، حَتَّى وَاللَّهِ مَا مِنَ الْقَوْمِ مِنْ رَجُلٍ إِلا ذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ نَائِمًا.
قَالَتْ: ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ، فَقَالَ: اغْسِلُوا النَّبِيَّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ. قَالَتْ: فَثَارُوا إِلَيْهِ فَغَسَّلُوا رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ [4] وَهُوَ فِي قَمِيصِهِ يُفَاضُ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَالسِّدْرُ، وَتُدَلِّكُهُ الرِّجَالُ بِالْقَمِيصِ. وَكَانَتْ تَقُولُ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ/ مِنَ الأَمْرِ [5] مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إلا نساؤه [6] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين من أ، والأصل: «روى المؤلف باسناده عن جعفر بن محمد» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى أبو بكر بإسناده عن عائشة» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الإمام أحمد بإسناده عن عائشة» .
[4] في الأصل: «فغسلوه» .
[5] في الأصل: «من أمري» .
[6] الخبر في المسند 6/ 267.(4/46)
[قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ] [1] ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قال:
كان الماء يستبقع فِي جُفُونِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَكَانَ عَلِيٌّ يَحْسُوهُ
. ذكر الصلاة عَلَيْهِ عَلَيْهِ السلام
[أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْعُكْبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ] [2] ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
صُلِّيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بِغَيْرِ إِمَامٍ، يَدْخُلُ عَلَيْهِ [3] الْمُسْلِمُونَ زُمُرًا فَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَيَخْرُجُونَ، فَلَمَّا صُلِّيَ عَلَيْهِ نَادَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خَلُّوا الْجِنَازَةَ وَأَهْلَهَا [4] .
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عمر، قال: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ] [5] ، قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وُضِعَ فِي أَكْفَانِهِ، ثُمَّ وُضِعَ عَلَى سريره، فكان الناس يصلون عليه رفقا رُفَقًا وَلا يَؤُمُّهُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، دَخَلَ الرِّجَالُ فصلوا عليه ثم النساء
[6] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ، والأصل: «روى الإمام أحمد بإسناده عن جعفر بن محمد» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن محمد بن جعفر» .
[3] في الأصل: «يدخلون المسلمون» والتصحيح من الطبقات.
[4] في الأصل: «خلوا الجنازة لأهلها» .
والخبر في طبقات ابن سعد، عن محمد بن عمر، عن سفيان به 2/ 2/ 70.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل، «روى المؤلف بإسناده عن سهل بن سعد الساعدي قال:» .
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 69.(4/47)
ذكر قبره صلّى الله عليه وآله وسلم
[أخبرنا هبة الله بن محمد، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ] [1] ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي.
أن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم لم يدروا أين يقبرون النبي صلّى الله عليه وآله وسلم حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سمعت رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَمْ يُقْبَرْ نَبِيٌّ إِلا حَيْثُ يَمُوتُ» فَأَخَّرُوا فِرَاشَهُ وَحَفَرُوا لَهُ تَحْتَ فِرَاشِهِ.
[أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ محمد بن محمد العكبري، أخبرنا أبو الحسين بن شران، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ] [2] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
لَمَّا مات النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالُوا: أَيْنَ نَدْفِنُهُ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ [3] .
[قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَحَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورٍ] [4] ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
جُعِلَ فِي قبر رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ كَانَ أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، قَالَ: جَعَلُوهَا لأَنَّ الْمَدِينَةَ أَرْضٌ سَبَخَةٌ.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ علي بن أبي طالب، عن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي جريح، قال» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة» .
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 71.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى أبو بكر بإسناده عن الحسن، وأبو بكر هو ابن أبي الدنيا» .(4/48)
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّهُ نَزَلَ فِي حفرة النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ هُوَ وَعَبَّاسٌ وَعُقَيْلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ] [1] ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ، وَهُمُ الَّذِينَ وَلُوا كَفَنَهُ [2] . [قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ صَالِحٍ مُوْلَى التَّوْأَمَةِ] [3] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
نَزَلَ فِي حفرة رسول الله/ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ، وَشُقْرَانُ [4] .
[وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرَةَ] [5] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
مَا عَلِمْنَا بِدَفْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْنَا صَوْتَ الْمَسَاحِي لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ فِي السَّحَرِ [6] .
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِي عَتِيقٍ] [7] ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
رُشَّ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَاءُ [8]
. ندب فاطمة رضي الله عنها
[9] [أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُظَفَّرِ، أَخْبَرَنَا ابن أعين، حدّثنا الفربري، حدّثنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عبد الله بن عمرو أن عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ وَهُمُ الَّذِينَ وَلُوا كَفَنَهُ» .
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 76.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى محمد بن عمر بإسناده عن ابن عباس» .
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 77.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى محمد بن عمر بإسناده عن عائشة» .
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 79.
[7] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى محمد بن عمر بإسناده عن جابر بن عبد الله» .
[8] الخبر في طبقات ابن سعد.
[9] في الأصل: «ندب فاطمة عليها السلام» .(4/49)
الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ] [1] ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
لَمَّا ثَقُلَ النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ [2] ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السلام: وا كرب أَبَتَاهُ [3] ، فَقَالَ [لَهَا] : «لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ» ، فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ، يَا أَبَتَاهُ إِلَى جِبْرِيلَ أَنْعَاهُ، فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلامُ: يَا أَنَسُ، أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وَسَلَّمَ التُّرَابَ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [4]
. ندب أبي بكر رضي الله عنه
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الباقي، أخبرنا الجوهري، أخبرنا ابن حيوية، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ بَابِنُوسَ] [5] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
لَمَّا توفي رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، وَرَفَعَ الْحِجَابَ فَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ فَاسْتَرْجَعَ، فَقَالَ: مات والله رسول الله، ثم تحول من قبل رأسه، فقال:
وا نبياه، [ثُمَّ حَدَرَ فَمُهُ فَقَبَّلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ رَفَعَ رأسه فقال: وا خليلاه] [6] ، ثُمَّ حَدَر فَمُهُ فَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ ثُمَّ رَفَعَ رأسه، فقال: وا صفياه، ثُمَّ حَدَرَ فَمُهُ فَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ ثُمَّ سَجَّاهُ بالثوب ثم خرج [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عباس» .
[2] «الكرب» ساقطة من البخاري طبعة الحلبي.
[3] في البخاري: «وا كرب أباه» .
[4] صحيح البخاري 3/ 68، 69 (الحلبي) ، حديث رقم 4462، فتح الباري 8/ 149، وابن ماجة في الجنائز، الباب 65، حديث 4، وطبقات ابن سعد 2/ 2/ 83.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة، قالت» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل. أوردناه من ابن سعد.
[7] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 52.(4/50)
ندب حسان بن ثابت
روى السكري، عن ابن حبيب، أن حسان قال يرثي رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بهذه الأبيات [1] :
ما بال عيني [2] لا تنام كأنها ... كحلت مآقيها بكحل الأرمد؟
جزعا على المهدي أصبح ثاويا ... يا خير من وطئ الحصى لا تبعد
جنبي يقيك الترب لهفي ليتني ... غيبت قبلك في بقيع الغرقد [3]
أأقيم بعدك بالمدينة بينهم؟ ... يا لهف نفسي ليتني لم أولد
بأبي وأمي من شهدت وفاته ... في يوم الاثنين النبي المهتدي
/ فظللت بعد وفاته متلددا ... يا ليتني أسقيت سم الأسود [4]
يا بكر آمنة المبارك ذكره ... ولدتك محصنة بسعد الأسعد [5]
نورا أضاء على البرية كلها ... من يهد للنور المبارك يهتد
والله أسمع ما حييت بهالك ... إلا بكيت على النبي محمد [6]
صلى الإله ومن يحف بعرشه ... والطيبون على النبي محمد [7]
وقال أيضا:
أمسى نساؤك عطلن البيوت فما ... يضربن فوق قفا ستر [8] بأوتاد
مثل الرواهب يلبسن المسوح وقد ... أيقنّ بالبؤس بعد النّعمة البادي
__________
[1] الأبيات في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 91، 92.
[2] في أ، والأصل: «ما بال عينك» . وما أوردناه من ابن سعد.
[3] في ابن سعد: «ليتني كنت المغيب في الضريح الملحد» .
[4] في ابن سعد: «يا ليتني صبحت سم» .
[5] هذا البيت والّذي يليه جاءا في ابن سعد بعد البيت الثاني هنا.
[6] في الأصل: «والله ما أسمع» وكلما «ما» زائدة تخل بالوزن.
[7] في طبقات ابن سعد: «على المبارك أحمد» .
[8] في ابن سعد: «خلف قفا ستر» .(4/51)
ذكر ما جرى من الخلاف في المبايعة يوم موته صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَاجِّيُّ، وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرَقِنْدِيُّ، قَالا: أخبرنا أبو الْحَسَنُ بْنُ النَّقُّورِ، حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخْلِصُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ السِّجِسْتَانِيُّ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ سَهْلِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ عمَرْوِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلِيفَةَ الْمَازِنِيِّ] [1] ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ خَلِيفَةَ، قَالَ:
لَمَّا تَوَفَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ بَلَغَ الْمُهَاجِرِينَ أن لأنصار قَدْ أَقْعَدُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَبَايَعُوهُ بِالْخِلافَةِ، فَدَخَلَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ ذَلِكَ وَحْشَةٌ، وَأَطَافَ كُلُّ بَنِي أَبٍ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَالِسٌ لا يَشْعُرُ حَتَّى خَرَجَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بُنِيَتْ له وسادة، ودعي إِلَى نَفْسِهِ وَأَجَابَهُ مَنْ أَجَابَهُ نَقْضًا لِعَهْدِ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، انْهَضْ يَا أَبَا بَكْرٍ إِلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حين دَعَا الْقَبَائِلَ وَوَعَدَهُمُ الظُّهُورَ، قَالُوا: لِمَنِ الْخِلافَةُ بعدك، فإذا قال لقريش تركوه، وكان أول مَنْ أَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ الأَنْصَارُ.
[حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ] [2] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
[صَلَّى] [3] أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الظَّهْرَ لِلنَّاسِ يَوْمَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَقَدْ جَاءَ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ إِلَى الْعَبَّاسِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الأَنْصَارَ قَدْ أَمَّرَتْ سَعْدَ بن عبادة، ولما انصرف الناس من الظهر تَخَلَّفُوا وَأَقْبَلَ الْعَبَّاسُ حَتَّى قَامَ عَلَيْهِمْ [4] ، فَقَالَ: [يَا] [5] أَيُّهَا النَّاسُ/ مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِينَ، إِنَّ مُخْبِرًا أَخْبَرَنِي وَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، فَانْهَضْ إِلَيْهِمْ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لَيَدُلُّنَا عَلَى صِدْقِ الَّذِي أَتَاكَ يَا أَبَا الْفَضْلِ أَنَّهُ لم يصلّ معنا منهم أحد.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الضحاك بن خليفة» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عباس» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في أ: «حتى أوقف عليهم» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(4/52)
قال مؤلف الكتاب [1] : وسيأتي حديث السقيفة في بيعة أبي بكر رضي الله عنه إن شاء الله
. ذكر خلافة أبي بكر الصديق وأحواله ذكر اسمه ونسبه
[2] اسمه عبد الله بن أبي قحافة، واسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مُرَّة بن كعب بن لؤي، ويكنى أبا بكر. وأمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر.
قال أبو الحسن بن البراء ولد أبو بكر بمنى.
وفي تسميته بعتيق ثلاثة أقوال:
[أحدهما: مَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا ابن معروف، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي] [3] عَنْ عَائِشَةَ [4] :
أَنَّهَا سُئِلَتْ: لِمَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَتِيقًا؟ فَقَالَتْ: نَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: «هَذَا عَتِيقُ اللَّهِ مِنَ النَّارِ» . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: [وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مُوسَى الطَّلْحِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتُ طَلْحَةَ] [5] ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ:
إِنَّنِي لَفِي بيتي ورسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فِي الْفِنَاءِ وَبَيْنِي وَبَيْنَهُمُ السِّتْرُ، إذ أقبل أبو
__________
[1] في الأصل: «قال المؤلف» .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 119.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة» .
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 120.
[5] من أ، وفي الأصل: «قال محمد بن سعد عن عائشة» .(4/53)
بَكْرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا» . [قَالَتْ:] وَإِنَّ اسمه الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ [بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرٍو] [1] ، لَكِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ عَتِيقٌ [2] .
والثاني: أنه اسمه، سمته به أمه. قاله موسى بن طلحة.
والثالث: أنه سمي به لجمال وجهه. قاله الليث بن سعد. وقال ابن قتيبة: لقبه رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بذلك لجمال وجهه. وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ صِدِّيقًا، قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خليفة، أبو بكر الصديق لا يَلْبَثُ إِلا قَلِيلا» . وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَحْلِفُ باللَّه أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ اسْمَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ السَّمَاءِ الصِّدِّيقَ. [أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، حَدَّثَنَا] [3] أَبُو وَهْبٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هريرة: أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ قَالَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ لِجِبْرِيلَ: «إِنَّ قَوْمِي لا يُصَدِّقُونِي» ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: يُصَدِّقُكَ أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ الصِّدِّيقُ
. ذكر صفته رضي الله عنه
كان أبو بكر رضي الله عنه نحيفا أبيض، حسن القامة، خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتىء الجبهة، أجنأ لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه، عاري الأشاجع [4] ، يخضب بالحناء والكتم، وكان كريما عالما بأنساب العرب.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ابن سعد.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 120.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي وهب مولى أبي هريرة» والخبر في الطبقات 3/ 1/ 120.
[4] هذا القول من طبقات ابن سعد في رواية عن محمد بن عمر بإسناده عن عائشة.(4/54)
[أَخْبَرَنَا مَوْهُوبُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْعَنْبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخْلِصُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ بُجَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ نُفَيْلٍ، حَدَّثَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ، عَنْ حُمَيْدٍ] [1] ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُخَضِّبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحسين بن الفهم، أخبرنا محمد بن سعد، أخبرنا عمرو بن الهيثم، حدثنا الربيع] [2] ، عن حيان الصائغ، قال:
[كان] نقش خاتم أبي بكر رضي الله عنه «نعم القادر الله» .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: [وَأَخْبَرَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ] [3] ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَخَتَّمَ فِي الْيَسَارِ
. ذكر تقدم إسلامه رضي الله عنه
[قَدْ رُوِينَا] [4] عَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَإِبْرَاهِيمِ النَّخْعِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، وَيَعْقُوبَ بْنِ الْمَاجُشُونَ، وَعُثْمَانَ بْنِ محمد الأَخْنَسِيِّ، كُلُّهُمْ قَالُوا:
أَوَّلُ الْقَوْمِ إِسْلامًا أَبُو بَكْرٍ [5] .
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «وعن أنس» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن حيان الصائغ» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن جعفر» .
[4] في الأصل: «روى المؤلف» .
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 121.(4/55)
الْمُذْهِبِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] [1] :
أَوَّلُ مَنْ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ تَمَثَّلَ بِأَبْيَاتِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
إِذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوًا مِنْ أَخِي ثِقَةٍ ... فَاذكر أَخَاكَ أَبَا بَكْرٍ بِمَا فَعَلا
خَيْرُ الْبَرِيَّةِ أَتْقَاهَا وَأَعْدَلُهَا ... إِلا النَّبِيَّ وَأَوْفَاهَا بِمَا حَمَلا
الثَّانِي التَّالِي الْمَحْمُودُ مَشْهَدُهُ ... وَأَوَّلُ النَّاسِ مِنْهُمْ صَدَّقَ الرُّسُلا
ذكر أزواجه وأولاده رضي الله عنه
تزوج في الجاهلية امرأتين، إحداهما: قتيلة بنت عبد العزى، فولدت له عبد الله وأسماء ذات النطاقين. والثانية: أم رومان بنت عامر، وولدت له عبد الرحمن وعائشة.
وتزوج في الإسلام امرأتين، إحداهما: أسماء بنت عميس، فولدت له محمدا، وكانت عند جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قبله، فولدت له محمدا، وتزوجها بعد أبي بكر علي رضي الله عنهما، فذكر أنها ولدت منه ولدا اسمه محمد، فكان يقال لها أم المحمدين.
والزوجة الثانية: حبيبة بنت خارجة بن زيد، فولدت له أم كلثوم بعد وفاته، وكان أبو بَكْر لما هاجر إلى المدينة نزل على أبيها خارجة بن زيد فتزوجها
. ذكر أفعاله الجميلة في الإسلام وفضائله ونفقته رضي الله عنه
قد بينا أنه أول من أسلم وشهد بدرا والمشاهد كلها.
[أَخْبَرَنَا الْمُحَمَّدَانِ ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن الحسن، حدّثنا بشر بن
__________
[1] في الأصل: «روى المؤلف عن ابن عباس قال:» .(4/56)
مُوسَى، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ تَدْرُسَ] [1] ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ:
أَتَى الصَّرِيخُ إِلَى أَبِي [بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] ، فَقِيلَ لَهُ: أَدْرِكْ صَاحِبَكَ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِنَا وَإِنَّ لَهُ غَدِائِرَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ يَقُولُ: [وَيْلَكُمْ] [2] أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ، قَالَ: فَلَهُوا عن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ [فَرَجَعَ إِلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ] فَجَعَلَ لا يُمِيرُ شَيْئًا مِنْ غَدَائِرِهِ إِلا جَاءَ مَعَهُ وَهُوَ يَقُولُ: تَبَارَكْتَ يَا ذَا سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ] [3] .
[أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم الْحَرِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْعَطُوفِ، قَالَ: سَمِعْتُ] [3] الزُّهْرِيَّ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: «هَلْ قُلْتَ فِي أَبِي بَكْرٍ شَيْئًا» ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ:
«قُلْ وَأَنَا أَسْمَعُ» ، فَقَالَ:
وَثَانِيَ اثْنَيْنِ فِي الْغَارِ الْمَنِيفِ وَقَدْ ... طَافَ الْعَدُوُّ بِهِ إِذْ صَعَدَ الْجَبَلا
وَكَانَ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ عَلِمُوا ... مِنَ الْبَرِيَّةِ لَمْ يَعْدِلْ بِهِ رَجُلا
فَضَحِكَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: «صَدَقْتَ يَا حَسَّانُ، هُوَ كَمَا قُلْتَ» [4] .
[أَخْبَرَنَا الْمُحَمَّدَانُ ابْنُ ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ هشام بن سعد] [5] ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ وَقَدْ وَافَقَ ذَلِكَ مَالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أسماء» . والخبر في مسند الحميدي ص 155، برقم 323.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الزهري قال» .
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 123.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن زيد بن أسلم» .(4/57)
بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، قَالَ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟» قُلْتُ: مِثْلَهُ. وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ:
«مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟» قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقُلْتُ: لا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ [1] ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ] [2] ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «مَا نَفَعَنِي مَالٌ/ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ» فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ:
وهل أنا ومالي إِلا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ [3] . [أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمْدَانَ بْن مالك، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ يُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ] [4] ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: «إِنَّ مِنْ أَمَنِّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا غَيْرَ رَبِّي لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَةُ الإِسْلامِ وَمَوَدَّتُهُ، لا يَبْقَى بَابٌ فِي الْمَسْجِدِ إِلا سُدَّ إِلا بَابَ أَبِي بَكْرٍ» [5] .
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [6] .
وَفِي إِفْرَادِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أن النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ فِي أَمْرٍ جَرَى بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي مرتين» .
__________
[1] «حدثنا أبو معاوية» ساقطة من أ، وأوردناها من المسند.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي هريرة» .
[3] الخبر في المسند 2/ 253، وأيضا 2/ 366 مع اختلاف في اللفظ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي سعيد» .
[5] على هامش أ: «لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر، كذا في صحيح البخاري» .
[6] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل بلفظه 3/ 18.(4/58)
ومن أعظم فضائل أبي بكر رضي الله عنه فتواه في حضرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا الْفَرْبَرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ] [1] ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْتُ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [عَلا رَجُلا] [2] مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَدَرْتُ لَهُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بينة فله سلبه، فقمت فقلت: من يشهد لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ [ثُمَّ قَالَ: مَنْ قَتَلَ قتيلا له عليه بينة فله سلبه. فقمت، فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ] [3] ، ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ مِثْلَهُ، فَقُمْتُ [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ فَاقْتَصَصْتُ عليه الْقِصَّةَ] فَقَالَ رَجُلٌ: صِدِّيقٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلْبُهُ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ عَنِّي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصديق رضي الله عنه: لاها اللَّهُ إِذًا لا تَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ نعطيك سلبه، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم: «صدق فأعطه» [4]
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي قتادة» .
[2] في الأصل: «على رجل» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، استدركناه من البخاري.
[4] الحديث في صحيح البخاري 6/ 347، حديث رقم 3142، كتاب فرض الخمس، باب: «من لم يخمس الاسلاب» ، وفي البيوع الباب 37 عن القعنبي، وفي المغازي، الباب 55، حديث 7 عن عبد الله بن يوسف، كلاهما عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ عمر بن كثير بن أفلح، وفي الأحكام الباب 21، حديث 1، عن قتيبة.
وأخرجه مسلم في المغازي، الباب 15، حديث 2، عن قتيبة، وحديث 1 عن يحيى بن يحيى، عن هشيم، عن يحيى بن سعيد، وحديث 3 عن أبي الطاهر بن السرح، عن ابن وهب، عن مالك.
وأخرجه أبو داود في الجهاد، الباب 147، حديث 1 عن القعنبي.
وأخرجه الترمذي في السير، الباب 13، حديث 1 عن إسحاق بن موسى الأنصاري، عن معن، عن(4/59)
[أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا المذهب، قال: أخبرنا أحمد بْن جَعْفَر، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أحمد، قال: حدثني أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ] [1] ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدً، قَالَ:
كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِي [2] عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُمْ بَعْدَ الظُّهْرِ/ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: «يَا بِلالُ إِنْ حَضَرَتِ الصَّلاةُ وَلَمْ آتِ فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» . [قَالَ] [3] : فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ أَقَامَ بِلالٌ الصَّلاةَ، ثُمَّ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ بِهِمْ، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بعد ما دَخَلَ [4] أَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلاةِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ صَفَّحُوا وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَشُقُّ [5] النَّاسَ حَتَّى قَامَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، [قَالَ] : [6] وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاةِ لَمْ يَلْتَفِتْ، فَلَمَّا رَأَى التَّصْفِيحَ لا يُمْسَكُ عَنْهُ، الْتَفَتَ فَرَأَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ خَلْفَهُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بِيَدِهِ أَنِ امْضِهِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ كَهَيْئَتِهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ مَشَى الْقَهْقَرَى، [قَالَ] [7] : فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فصلى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ صَلاتَهُ قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ [8] ، مَا مَنَعَكَ إِذْ أَوْمَأْتُ إِلَيْكَ [أَنْ] لا تَكُونَ مَضَيْتَ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يَكُنْ لابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَؤُمَّ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لِلنَّاسِ: «إِذَا نَابَكُمْ فِي صَلاتِكُمْ [شَيْءٌ] فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ وَلْيَصَفِّحِ النِّسَاءُ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [9] .
__________
[ () ] مالك، وحديث 2 عن ابن أبي عمر، عن سفيان، عن يحيى بن سعيد، وقال: حسن صحيح.
وأخرجه ابن ماجة في الجهاد، الباب 29، حديث 3 عن محمد بن الصباح، عن سفيان.
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الإمام أحمد بإسناده عن سهل» .
[2] في الأصول: «كان فتاك في بني عمرو» وما أوردناه من المسند.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من المسند.
[4] في الأصل: «وما دخل» .
[5] في الأصل: «فلما رآه الناس صفحوا فجاء يشق» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من المسند.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من المسند.
[8] في الأصل: «يا أبا حكم» .
[9] مسند أحمد بن حنبل 5/ 332، والبخاري في الأحكام الباب 36، عن أبي النعمان، وسليمان بن حرب. وأبو داود في الصلاة. الباب 174، الباب 3 عن عمرو بن عون.
والنسائي في الصلاة، الباب 207 عن أحمد بن عبده.(4/60)
[أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْجَرِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ الْعَشْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ شَمْعُونَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا الْعَلاءُ بْنُ عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ] [1] ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ قَدْ خَلَّهَا فِي صَدِّرِه بِخِلالٍ، [فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَا لِي أَرَى أَبَا بَكْرٍ عَلَيْهِ عَبَاءَةٌ قَدْ خَلَّهَا فِي صَدْرِهِ بِخِلالٍ؟] [2] فَقَالَ: «يَا جِبْرِيلُ، أَنْفَقَ مَالَهُ عَلَيَّ قَبْلَ الْفَتْحِ» [3] ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ وَيَقُولُ لَكَ: قُلْ لَهُ: أَرَاضٍ أَنْتَ عَنِّي فِي فَقْرِكَ هَذَا أَمْ سَاخِطٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ اللَّهَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ وَيَقُولُ لَكَ: أَرَاضٍ أَنْتَ عَنِّي فِي فَقْرِكَ هَذَا أَمْ سَاخِطٌ؟» ، فَقَالَ أَبُو بكر رضي الله عنه: أأسخط عَنْ رَبِّي، أَنَا عَنْ رَبِّي رَاضٍ، أَنَا عَنْ رَبِّي رَاضٍ، أَنَا عَنْ رَبِّي رَاضٍ.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف [4] ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ] [5] ، قَالَ:
كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْرُوفًا بِالتِّجَارَةِ، وَلَقَدْ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَكَانَ يَعْتِقُ مِنْهَا وَيُقَوِّي الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِخَمْسَةِ آلاف درهم، ثم كان يفعل فيها مَا كَانَ يَفْعَلُ بِمَكَّةَ.
قال علماء السير: لم يفته مشهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، حضر يوم بدر، ويوم أحد ودفع/ إليه رايته العظيم يوم تبوك، واشترى بلالا فأعتقه، وأول من جمع القرآن، وأسلم على يده من العشرة خمسة: عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن، ولم يشرب مسكرا لا في جاهلية ولا إسلام.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عمر» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من: أ.
[3] في الأصل: «الصبح» والتصحيح في أ.
[4] في أ: «حيويه بن معروف» .
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن زيد بن أسلم» .(4/61)
ذكر ورعه رضي الله عنه
[أَخْبَرَنَا الْمُحَمَّدَانِ، ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حمد بن أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَصْفَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زيد بن أَسْلَمَ الْكُوفِيُّ، عَنْ مُرَّةَ الطَّيِّبِ] [1] ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ:
كَانَ لأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مملوك يغل عليه، فأتاه ليلة بطعام فتناول مِنْهُ لُقْمَةً، فَقَالَ لَهُ الْمَمْلُوكُ: مَا لَكَ كُنْتَ تَسْأَلُنِي كُلَّ لَيْلَةٍ وَلَمْ تَسْأَلْنِي اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ الْجُوعُ، مِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهَذَا؟ قَالَ: مَرَرْتُ بِقَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَرَقَيْتُ لَهُمْ فَوَعَدُونِي، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ مَرَرْتُ بهم فَإِذَا عُرْسٌ لَهُمْ، فَأَعْطُونِي، فَقَالَ: أُفٌّ لَكَ، كِدْتَ أَنْ تُهْلِكَنِي، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي حَلْقِهِ فَجَعَلَ يَتَقَيَّأُ وَجَعَلَتْ لا تَخْرُجُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ لا تَخْرُجُ إِلا بِالْمَاءِ، فَدَعَا مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ يَشْرَبُ وَيَتَقَيَّأُ حَتَّى رَمَى بِهَا، فَقِيلَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، كُلُّ هَذَا مِنْ أَجْلِ هَذِهِ اللُّقْمَةِ، قَالَ: لَوْلا تَخْرُجُ إِلا مَعَ نَفْسِي لأَخْرَجْتُهَا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» . فَخَشِيتُ أَنْ يَنْبُتَ شَيْءٌ مِنْ جَسَدِي مِنْ هَذِهِ اللُّقْمَةِ.
روى المؤلف بإسناده عن إبراهيم النخلي قال:
كان أبو بكر يسمى الأواه، لرأفته ورحمته
. ذكر خوفه وزهده رضي الله عنه
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، عَنْ كَثِيرِ النَّوَاءِ] [2] ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: أَلا إِنَّ أَبَا بَكْرٍ أواه منيب القلب. [قال محمد بن سعد: وأخبرنا عفان [3] ، حدثنا عبد الواحد بن زياد، [قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن زيد بن أرقم» .
[2] من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي سريحة» .
[3] في أ: «أخبرنا عبدان» والتصحيح من ابن سعد 3/ 1/ 120.(4/62)
حَدَّثَنَا] [1] الحسن بن عبد الله، [قال: حدثنا] [2] إبراهيم النخعي، قال: كان أبو بكر يسمى الأواه لرأفته ورحمته] [3] .
وقال قيس: رأيت أبا بكر رضي الله عنه آخذا بطرف لسانه وهو يقول: هذا أوردني الموارد. [4] قال الحسن: قال أبو بكر الصديق: ليتني كنت شجرة تعضد ثم تؤكل.
وقال أبو عمران الجوني: قال أبو بكر: لوددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن
. ذكر فضله على [جميع] [5] الصحابة رضي الله عنهم
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرْبَرِيُّ، قَالَ: حدثنا البخاري، قال: حدثنا ابن أبي كثير [6] ، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا جامع بن أبي راشد، قَالَ: حدثنا أبو يعلى] [7] عن/ محمد بن الحنفية، قال:
قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟
قال: ثم عمر، وخشيت أن أقول: ثم من؟ فيقول عثمان، فقلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين [8] .
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَيْلانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عتيق، عن الحسن بن أبي الحسن،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن إبراهيم النخعي» .
[3] الخبر ساقط من الأصل وأوردناه من «أ» .
[4] أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت، وأحمد في المسند.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في البخاري طبعة الحلبي: «ابن كثير» .
[7] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن محمد بن الحنفية» .
[8] الخبر في صحيح البخاري 2/ 198، 199 (ط الحلبي) .(4/63)
أَنَّ] [1] عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
وَدِدْتُ أَنِّي فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ أَرَى أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
. ذكر بيعة أبي بكر رضي الله عنه
ذكر الواقدي عن أشياخه: أن أبا بكر رضي الله عنه بويع يوم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ [2] .
وقال ابن إسحاق: بويع أبو بكر رضي الله عنه يوم الثلاثاء من الغد الذي قبض فيه رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ في سقيفة بني ساعدة.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله بن عبد الله [بن عتبة بن مَسْعُودٍ] [3] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ] [4] :
كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تُوُفِّيَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ أَنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا تَخَلَّفُوا فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا] بنت رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وَتَخَلَّفَتْ [5] عَنَّا الأَنْصَارُ بِأَجْمَعِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نَؤُمُّهُمْ حَتَّى لَقِيَنَا رَجُلانِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا لَنَا الَّذِي صَنَعَ الْقَوْمُ، وَقَالا: أَيْنَ تُرِيدُونَ يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عمر» .
[2] «ذكر الواقدي ... يوم قبض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ» العبارة ساقطة من أ.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من أ، وأوردناه من المسند.
[4] ما بين المعقوفتين من أ، أو في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عمر بن الخطاب أو الخبر في المسند 1/ 54، وهو جزء من حديث السقيفة.
[5] في الأصل: «وتخلف عنا» .(4/64)
إِخْوَانَنَا هَؤُلاءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالا: لا عَلَيْكُمْ، لا تَقْرَبُوهُمْ، وَاقْضُوا أَمْرَكُمْ [يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ] . فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ.
فَانْطَلَقْنَا حَتَّى جِئْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةْ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ رَجُلٌ مُزَمَّلٌ [1] ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. فَقُلْتُ: مَا لَهُ؟
قَالُوا: وَجِعٌ. فَلَمَّا جَلَسْنَا قَامَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَتِيبَةُ الإِسْلامِ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ مِنَّا، وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ [2] مِنْكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَخْزِلُونَا [3] مِنْ أَصْلِنَا، وَتَحْصُنُونَا مِنَ الأَمْرِ [4] . فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ [5] مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أَرَدْتُ [6] أَنْ أَقُولَهَا بَيْنَ يَدَيْ/ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ كُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ [7] ، وَهُوَ كَانَ أَحْلَمُ مِنِّي وَأَوْقَرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَلَى رِسْلِكَ. فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، [وَكَانَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ] [8] ، وَاللَّهِ مَا تَرَكَ كَلِمَةً أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلا قَالَهَا فِي بَدِيهَتِهِ وَأَفْضَلَ، حَتَّى سَكَتَ.
قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَمْ تَعْرِفِ الْعَرَبُ هَذَا الأَمْرَ إِلا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَيُّهُمَا شِئْتُمْ، وَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، وَكَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمُ فَتُضْرَبُ عُنُقِي، لا يَقْرَبُنِي ذَلِكَ إِلَى إِثْمٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، إلا أن تغفر نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الأَنْصَارِ:
__________
[1] مزمل: أي ملفوف في ثوبه.
[2] الدافة: القوم يسيرون جماعة سيرا ليس بالشديد.
[3] وروي: «يختزلونا» ، أي يقتطعونا.
[4] يحصنونا من الأمر: أي يخرجون.
[5] زورت: أعددت وأحسنت.
[6] في الأصل: «أريد» .
[7] الحد: الغضب.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.(4/65)
أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكِّكُ [1] وَعُذَيْقُهَا [2] الْمُرَجِّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ [يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَالَ:] [3] فَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ، حَتَّى خَشِيتُ الاخْتِلافَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فبسط يده فبايعته، وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعَهُ الأَنْصَارُ [4] .
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْن أبي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا ابْن معروف، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن الفهم، قَالَ: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هارون، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ] [5] ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ:
لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَتَى عُمَرُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، فَقَالَ: ابْسُطْ يَدَكَ فَلأُبَايِعُكَ فَإِنَّكَ أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِعُمَرَ:
مَا رَأَيْتُ لَكَ فَهَةً قَبْلَهَا مُنْذُ أَسْلَمْتَ، أَتُبَايِعُنِي وَفِيكُمُ الصِّدِّيقُ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ؟ [6] .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: [أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [7] .
لَمَّا قبض النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. نَظَرْنَا فِي أَمْرِنَا فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ فِي الصَّلاةِ، فَرَضِينَا لِدُنْيَانَا مَنْ رَضِيَ، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ لِدِينِنَا، فَقَدَّمْنَا أَبَا بَكْرٍ [8] .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: [أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حدّثنا] [9] ابن عون، [عن محمد] [10] .
__________
[1] أي: يستشفى برأيه.
[2] كناية عن جودة الرأي.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند، وبعدها في المسند: «فقلت لمالك: ما معنى جذيلها المحك وعذيقها المرجب؟ قال: كأنه يقول: أنا داهيتها» .
[4] الحديث أخرجه البخاري في الحدود 8/ 2099، 210، 211، وفي الاعتصام مختصرا 8/ 168، وروى مسلم بعضه في صحيحه 2/ 33، وللحديث بقية في المسند.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن إبراهيم» .
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 128.
[7] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن علي قال:» .
[8] الخبر في طبقات ابن سعد.
[9] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن ابن عون» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.(4/66)
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعُمَرَ: ابْسُطْ يَدَكَ نُبَايِعْ لَكَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَفْضَلُ مِنِّي/، قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَنْتَ أَقْوَى مِنِّي، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّ قُوَّتِي بِكَ مَعَ فَضْلِكَ.
وقال ابن إسحاق: بايع أبا بكر المهاجرون والأنصار كلهم غير سعد بن عبادة.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُخْلِصِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ، حَدَّثَنَا السَّرِيرُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُيَسَّرٍ] [1] ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَوْمَئِذٍ لأَبِي بَكْرٍ: إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ حَسَدْتُمُونِي عَلَى الإِمَارَةِ، وَإِنَّكَ وَقَوْمِي أَجْبَرْتُمُونِي عَلَى الْبَيْعَةِ، فَقَالَ: أَمَا لَوْ أَجْبَرْنَاكَ عَلَى الْفُرْقَةِ فَصِرْتَ إِلَى الْجَمَاعَةِ كُنْتَ فِي سِعَةٍ وَلَكُنَّا أَجْبَرْنَاكَ عَلَى الْجَمَاعَةِ فَلا إِقَالَةَ لَهَا، لأَنْ نَزَعْتَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، أَوْ فَرَّقْتَ جَمَاعَةً لأَضْرِبَنَّ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ.
[روى سيف، عن ثابت بن معاذ الزيات، عن الزهري، عن يزيد بن معن] [2] السلمي، قال:
قام سعد بن عبادة يوم السقيفة فبايع، فقال له أبو بكر: لئن اجتمع إليك مثلها رجلان لأقتلنك.
[وحدثنا سَيْفٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ] [3] ، عَنْ سَعِيدِ بن المسيب، قال:
أول من بايع أبا بكر المهاجرون إلى الظهر، ثم الأنصار في دورهم إلى العصر، ثم رجع إلى المسجد فبايعه البقايا، وجاء أهل الجرف فيما بين ذلك إلى الصباح.
قال ابن إسحاق: بايع أبا بكر المهاجرون والأنصار كلهم غير سعد بن عبادة، لأن الأنصار كانت قد أرادت أن تجعل البيعة له، فقال له عمر: لا تدعه حتى يبايع، فقال له بشير بن سعد أبو النعمان وكان أول من صفق على يدي أبي بكر: إنه قد لج وليس بمبايعكم أو يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته، فإن تركتموه فليس تركه بضاركم، إنما هو واحد، فقبل أبو بكر نصيحة بشير ومشورته، وكف
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن جابر» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن السلمي، قال» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن سعيد بن المسيب» .(4/67)
عَن سعد، فكان سعد لا يصلي بصلاتهم، ولا يصوم بصيامهم، وإذا حج لم يفض بإفاضتهم، فلم يزل كذلك حتى توفي أبو بكر وولي عمر، فلم يلبث إلا يسيرا حتى خرج [مجاهدا] [1] إلى الشام فمات بحوران في أول خلافة عمر، ولم يبايع أحدا
. ذكر طرف من/ خطب أبي بكر [الصديق رضي الله عنه] [2] فِي خلافته
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بن علي الجوهري، قال:
أخبرنا ابن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الفهم، قَالَ: حدثنا محمد بن سعد، قال: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ] [3] بْنُ عُرْوَةَ- قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَظُنُّهُ عَنْ أَبِيهِ- قَالَ: [4] لَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ وُلِّيتُ أَمْرَكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، وَلَكِنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَسَنَّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فَعَلَّمَنَا فَعَلِمْنَا، اعْلَمُوا أَنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التَّقْوَى، وَأَنَّ أَحْمَقَ الْحُمْقِ الْفُجُورُ، وَأَنَّ أَقْوَاكُمْ عِنْدِي الضعيف حتى آخذ له بِحَقِّهِ، وَأَنَّ أَضْعَفَكُمْ عِنْدِي الْقَوِيَّ حَتَّى آخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا مُتَّبِعٌ وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ، فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي [5] .
قَالَ [ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ] [6] الْحَسَنَ قَالَ:
لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ قَامَ خَطِيبًا، وَلا وَاللَّهِ مَا خَطَبَ خُطْبَتَهُ أَحَدٌ بَعْدُ، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: أما بَعْدُ، فَإِنِّي وُلِّيتُ هَذَا الأَمْرَ، وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ كَفَانِيهِ، أَلا وَإِنَّكُمْ إِنْ كَلَّفْتُمُونِي أَنْ أَعْمَلَ فِيكُمْ مِثْلَ عمل رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ لم أقم به، كان
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عروة» .
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 129.
[5] في الأصل: «فقيموني» .
[6] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن الحسن» .(4/68)
رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عَبْدًا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالْوَحْيِ، وَعَصَمَهُ، أَلا وَإِنَّمَا أنا بَشَرٌ وَلَسْتُ بِخَيْرٍ مِنْ أَحَدِكُمْ، فَرَاعُونِي فَإِنْ رَأَيْتُمُونِي [اسْتَقَمْتُ فَاتَّبِعُونِي، وَإِذَا رَأَيْتُمُونِي] [1] زِغْتُ فَقَوِّمُونِي [2] . وَاعْلَمُوا أَنَّ لِي شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي [3] ، فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي غَضِبْتُ فَاجْتَنِبُونِي، لا أُوثِرُ فِي أَشْعَارِكُمْ وَأَبْشَارِكُمْ.
[أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا رِزْقُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ بَرِيَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى] [4] بْنُ أَبِي كَثِيرٍ.
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: أَيْنَ الْوَضَاءَةُ الْحَسَنَةُ وُجُوهُهُمْ الْمُعْجَبُونَ بِشَبَابِهِمْ؟ أَيْنَ الْمُلُوكُ الَّذِينَ بَنَوُا الْمَدَائِنَ وَحَصَّنُوهَا بالحيطان؟ أين الذين كانوا يعطون الْغَلَبَةَ فِي مَوَاطِنِِ الْحَرْبِ، قَدْ تَضَعْضَعَ بِهِمُ الدَّهْرُ فَأَصْبَحُوا فِي ظُلُمَاتِ الْقُبُورِ، الْوَحَا الْوَحَا، النَّجَا النَّجَا.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَجِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ ذُرَيْحٍ، حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيِّ] [5] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ:
خَطَبَنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأَنْ تُثْنُوا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَأَنْ تَخْلِطُوا الرَّغْبَةَ بِالرَّهْبَةِ وَتَجْمَعُوا الإِلْحَافَ بِالْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَى زَكَرِيَّا وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ فَقَالَ: إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ 21: 90 [6] ثُمَّ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ قَدِ ارْتَهَنَ بِحَقِّهِ أَنْفُسَكُمْ، وَأَخَذَ عَلَى ذَلِكَ مَوَاثِيقَكُمْ، وَاشْتَرَى مِنْكُمُ الْقَلِيلَ الْفَانِي بِالْكَثِيرِ الْبَاقِي، وَهَذَا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «فقيموني» .
[3] في الأصل: «سلطان يعتريني» .
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن يحيى» .
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عبد الله بن حكيم» .
[6] سورة: الأنبياء، الآية: 90.(4/69)
كِتَابُ اللَّهِ فِيكُمْ لا تَفْنَى عَجَائِبُهُ، وَلا يُطْفَأُ نُورُهُ، فَصَدِّقُوا قَوْلَهُ وَانْتَصِحُوا قَوْلَهُ وَاسْتَضِيئُوا مِنْهُ لِيَوْمِ الظُّلْمَةِ، وَإِنَّمَا خَلَقَكُمْ لِعِبَادَتِهِ وَوَكَّلَ بِكُمُ الْكِرَامَ الْكَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ، ثُمَّ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّكُمْ تَغْدُونَ وَتَرُوحُونَ فِي أَجَلٍ قَدْ غُيِّبَ عَنْكُمْ عِلْمُهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْقَضِيَ الآَجَالُ وَأَنْتُمْ فِي عَمَلِ اللَّهِ فَافْعَلُوا وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ إِلا باللَّه، فَسَابِقُوا فِي مَهْلِ آَجَالِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ آَجَالُكُمْ فَيَرُدُّكُمْ إِلَى أَسْوَأِ أَعْمَالِكُمْ، فَإِنَّ أَقْوَامًا جَعَلُوا آَجَالَهُمْ لِغَيْرِهِمْ وَنَسَوْا أَنْفُسَهُمْ، فَأَنْهَاكُمْ أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ، الْوَحَا الْوَحَا، النَّجَا النَّجَا، إِنَّ وَرَاءَكُمْ طالبا حَثِيثًا أَمْرُهُ سَرِيعٌ.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُهْتَدِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْمَأْمُونِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الأَنْبَارِيِّ [حَدَّثَنَا التَّيْهَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ] [1] حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا] [2] هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى مِنْبَرِ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فجاء الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ [3] ، فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ، وَقَالَ: انْزِلْ عَنْ مِنْبَرِ أَبِي، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: مِنْبَرُ أَبِيكَ لا مِنْبَرُ أَبِي، مِنْبَرُ أَبِيكَ لا مِنْبَرُ أَبِي، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ: إِنْ كَانَتْ لَعَنْ غَيْرِ أَمْرِي
. ذكر أسماء قضاته وعماله على الصدقات
لما ولي قال له عمر: أنا أكفيك القضاء، فجعله قاضيا فمكث سنة لا يخاصم إليه أحد، وكان يكتب له زيد بن ثابت، وفي بعض الأوقات عثمان بن عفان رضي الله عنه ومن حضر.
وكان عامله على مكة عتاب بن أسيد، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من هامش أ.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن هشام بن عروة» .
[3] هنا في الأصل جاء في المتن: «فجاء الحسين بن علي، ووجدت في نسخة غير هذه الحسن بن علي، ولا أعلم أيهما أصح» . هذا كلام الناسخ فعادته أن يكتب تعليقاته في المتن.(4/70)
وعلى صنعاء المهاجر بن أبي أمية، وعلى حضرموت زياد بن لبيد، وعلى خولان يعلى بن أمية، وعلى الجند معاذ بن جبل، وعلى البحرين العلاء بن الحضرمي، وبعث جماعة من الصحابة في أعمال، وأمر أبا عبيدة، وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد، وشرحبيل بن حسنة
. ومن الحوادث التي كانت حين استخلف أبو بكر رضي الله عنه من ذلك أنه خرج عقيب ولايته ليتجر في السوق على عادته
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا ابْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا محمد بْن سعد، قال: أخبرنا مسلم بن إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا] [1] عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، قَالَ [2] :
لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَصْبَحَ غَادِيًا إِلىَ السُّوقِ وَعَلَى رَقَبَتِهِ أَثْوَابٌ يَتْجَرُ بِهَا، فَلَقِيَهُ عُمَرُ [بْنُ الْخَطَّابِ] [3] وَأَبُو عُبَيْدَةَ [بْنُ الْجَرَّاحِ] [4] فَقَالا لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: السُّوقَ، قَالا: تَصْنَعُ مَاذَا وَقَدْ وُلِّيتَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أُطْعِمُ عِيَالِي؟ قَالا لَهُ: انْطَلِقْ حَتَّى نَفْرِضَ لَكَ شَيْئًا، فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا، فَفَرَضُوا لَهُ كُلَّ يَوْمٍ شَطْرَ شَاةٍ.
[قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ] [5] ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، قَالَ:
لَمَّا وُلِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: افرضوا لخليفة رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ مَا يُغْنِيهِ، قَالُوا: نَعَمْ، بُرْدَاهُ إِذَا أَخْلَقَهُمَا وَضَعَهُمَا وَأَخَذَ مِثْلَهُمَا، وَظَهْرَهُ إِذَا سَافَرَ، وَنَفَقَتُهُ عَلَى أَهْلِهِ كَمَا كَانَ يُنْفِقُ قَبْلَ أَنْ يستخلف، قال أبو بكر: رضيت.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عطاء بن السائب» .
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 130.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن حميد بن هلال» .(4/71)
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: [وَحَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ] [1] عَنْ عُمَرَ بْنِ إِسْحَاقَ:
أَنَّ رَجُلا رَأَى عَلَى عُنُقِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَبَاءَةً، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ هَاتِهَا أَكْفِيكَهَا، فَقَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي لا تُغَيِّرْنِي [2] أَنْتَ وَابْنُ الْخَطَّابِ عَنْ عِيَالِي [3] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: [وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ] [4] ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلُوا لَهُ أَلْفَيْنِ، فَقَالَ: زِيدُونِي فَإِنَّ لِي عِيَالا وَقَدْ شَغَلْتُمُونِي عن التجارة، قال: فزادوه خمسمائة [5] .
قَالَ [6] : وَكَانَ يَحْلِبُ لِلْحَيِّ أَغْنَامَهُمْ، فَلَمَّا بُويِعَ قَالَتْ جَارِيَةٌ مِنَ الْحَيِّ: الآَنَ لا تَحْلِبُ لَنَا مَنَاتِحَ دَارِنَا، فَسَمِعَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: بَلَى [لِعَمْرِي] [7] لأَحْلِبَنَّهَا/ لَكُمْ [8] ، وَأَنِّي لأَرْجُو أَنْ لا يُغَيِّرُنِي مَا دَخَلْتُ فِيهِ عَنْ خُلُقٍ كُنْتُ عَلَيْهِ، فَكَانَ يَحْلِبُ لَهُمْ.
وروى الواقدي عن أشياخه، قال [9] : كان منزل أبي بكر بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة، وكان قد حجر عليه حجرة من شعر، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى منزله بالمدينة، فأقام بالسنح بعد ما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى منزله [10] بالمدينة، وربما ركب على فرس له وعليه إزار ورداء ممشق فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس، فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح، وكان إذا لم يحضر صلى
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن عمر» .
[2] في أ، وابن سعد «لا تغرني» .
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 130.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن عمرو» .
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 131.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 132.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[8] في الأصل: «لا يحلبها لكم غيري» .
[9] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 131، 132.
[10] في أ: «يغدو على راحلته إلى منزله» .(4/72)
بهم عمر، وكان يقيم يوم الجمعة صدر النهار بالنسغ، يصبغ رأسه ولحيته، ثم يروح إلى الجمعة.
وكان رجلا تاجرا، وكان كل يوم يغدو إلى السوق فيبيع ويبتاع، وكانت له قطعة غنم تروح عَلَيْهِ، وربما خرج هو بنفسه فيها، [وكان يحلب للحي أغنامهم] [1] ، وأنه نزل المدينة، وقال: ما يصلح أمر الناس والتجارة، واستنفق من مال المسلمين ما يصلحه [ويصلح عياله] يوما بيوم، وكان الذي فرضوا له في السنة ستة آلاف درهم، فلما حضرته الوفاة، قال: أرضي التي بمكان كذا للمسلمين بما أصبت من أموالهم، فدفع ذلك إلى عمر، ولقوح، وعبد صيقل، وقطيفة ما تساوي خمسة دراهم، فقال عمر: لقد أتعب من بعده.
وفي رواية أخرى أنه قال: انظروا كم أنفقت منذ وليت من بيت المال فاقضوه، فنظر عمر فوجدوا مبلغه ثمانية آلاف في ولايته
. ومن ذلك أنه أنفذ جيش أسامة بن زيد [وارتد من ارتد] [2]
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ النَّقُّورِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْمُخْلِصُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِي ضَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ] [3] ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ [4] :
نَادَى مُنَادِي أَبِي بَكْرٍ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ مِنْ يَوْمِ توفي رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ [5] : لِيُتِمَّ بَعْثَ أُسَامَةَ، أَلا لا يَبْقَيَنَّ بِالْمَدِينَةِ أَحَدٌ مِنْ جُنْدِ أُسَامَةَ إِلا خَرَجَ إِلَى عَسْكَرِهِ بِالْجُرْفِ. وَقَامَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَا أُيَّهَا النَّاسُ، إنما أنا مثلكم، وإني لا أدري
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عاصم بن عدي» .
[4] الخبر في تاريخ الطبري 3/ 22.
[5] في الأصل: «من متوفى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ» .(4/73)
لَعَلَّكُمْ سَتُكَلِّفُونَنِي مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُطِيقُ، إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ وَعَصَمَهُ مِنَ الآفَاتِ.
/ [وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ] [1] عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ وَجَمَعَ الأَنْصَارَ عَلَى الأَمْرِ [2] الَّذِي افْتَرَقُوا عَنْهُ، قَامَ لِيُتِمَّ بَعْثَ أُسَامَةَ، وَقَدِ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، وَنُجِّمَ النِّفَاقُ، وَاشْرَأَبَّتِ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ، وَالْمُسْلِمُونَ كَالْغَنَمِ الْمَطِيرَةِ فِي اللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ، لفقد نبيهم صلّى الله عليه وآله وسلم وَقِلَّتِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ، فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: إِنَّ هَؤُلاءِ جُلُّ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعَرَبُ عَلَى مَا تَرَى [قَدِ انْتَقَضَتْ بِكَ] [3] ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُفَرِّقَ عَنْكَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي بَكْرٍ بِيَدِهِ، لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّ السِّبَاعَ تَخَطَّفُنِي لأَنْفَذْتُ بَعْثَ أُسَامَةَ كَمَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْقُرَى غَيْرِي لأَنْفَذْتُه.
فَلَمَّا [4] فصل أُسَامَةُ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ وَتُرُوخِيَ عَنْ مُسَيْلَمَةَ [5] وَطُلَيْحَةَ، فَاسْتَغْلَظَ أَمْرُهُمَا وَارْتَدَّتْ غَطْفَانُ إِلا مَا كَانَ مِنْ أَشْجَعَ وَخَواصٍّ مِنَ الأَفْنَاءِ، وَقَدَّمَتْ هَوَازِنُ رِجْلا وَأَخَّرَتْ أُخْرَى، أَمْسَكُوا الصَّدَقَةَ إِلا مَا كَانَ مِنْ ثَقِيفٍ، وَارْتَدَّتْ خَوَاصٌّ مِنْ سُلَيْمٍ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ النَّاسِ بِكُلِّ مكان، وقدمت رسل رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ مِنَ الْيَمَنِ وَالْيَمَامَةِ وَبِلادِ بَنِي أَسَدٍ، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ صَادَمَ أَبُو بَكْرٍ عَبْسًا وَذُبْيَانَ، عَاجَلُوهُ فَقَاتَلَهُمْ قَبْلَ رُجُوعِ أُسَامَةَ.
قال ربيعة الأسدي: قدمت وفود أسد وغطفان وهوازن وطئ فعرضوا الصلاة على أن يعفوا من الزكاة، واجتمع جماعة من المسلمين على قبول ذلك منهم، فأتوا أبا بكر فأبى إلا مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم يأخذ، وأجلهم يوما وليلة، فتطايروا إلى عشائرهم.
قال الشعبي: قال أبو بكر لعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد وأمثالهم: أترون ذلك- يعني قبول الصلاة منهم دون الزكاة- قالوا: نعم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف عن هشام» .
[2] في الطبري: «الأنصار في الأمر» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[4] الخبر في الطبري 3/ 242.
[5] في الطبري: «وتوخّى مسيلمة» .(4/74)
حتى تسكن الناس وترجع الجنود، فقام فحمد الله وأثنى عليه، وقال: لو منعوني عقالا مما أعطوه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ما قبلت منهم ألا برئت الذمة من رجل من هؤلاء الوفود وجد بعد يومه وليلته، فتواثبوا يتخطون رقاب الناس، ثم أمر عليا رضي الله عنه بالقيام على نقب من أنقاب المدينة، وأمر الزبير بالقيام على نقب، وأمر طلحة بالقيام على نقب آخر، وأمر عَبْد الله بن مسعود بالعسيس بالليل وجد في أمره وقام على رجل.
وقال إبراهيم النخعي: أول ما ولي أبو بكر ولى عمر القضاء وأمر ابن مسعود بعسس المدينة.
قال علماء السير [1] : وجاء المشركون فطرقوا المدينة بعد ثلاث، فوافقوا أنقاب المدينة محروسة [فبهتوهم] [2] ، وخرج أبو بكر في أهل المسجد على النواضح إليهم، فانقش العدو [3] فاتبعهم المسلمون فإذا للمشركين ردء بأنحاء قد نفخوها، ثم دهدهوها [4] بأرجلهم في وجوه الإبل، فنفرت بالمسلمين [وهم عليها] [5] حتى دخلت بهم المدينة، [فلم يصرع مسلم ولم يصب] [6] .
وبات أبو بكر ليلتئذ يتهيأ، فعبى الناس، وخرج على تعبيته في آخر الناس يمشي، وعلى ميمنته النعمان بن مقرن، وعلى ميسرته عبد الله بن مقرن، وعلى الساقة سويد بن مقرن [معه الركاب] ، فما طلع الفجر إلا وهم والعدو في صعيد واحد، فما سمعوا للمسلمين حسا حتى وضعوا فيهم السيوف، فما ذر قرن الشمس حتى ولى المشركون الأدبار. واتبعهم أبو بكر حتى نزل بذي القصة، ونزل بها النعمان بن مقرن في عدد، ورجع إلى المدينة فدك بها المشركون، فوثب بنو ذبيان وعبس على من كان فيهم من المسلمين، فقتلوهم.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 245.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انقش العدو انقشاشا: انهزم وفشل، وفي أ: «فانقض العدو» .
[4] دهدهوها: دفعوها.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.(4/75)
وقدم [1] أسامة بعد أن غاب شهرين وأياما، فاستخلفه أبو بكر على المدينة، وقال له ولجنده: أريحوا وارعوا ظهوركم.
ثم خرج في الذين خرجوا إلى ذي القصة، والذين كانوا على الأنقاب، فقال له المسلمون: ننشدك الله يا خليفة رسول الله أن تعرض نفسك، فإنك إن تصب لم يكن للناس نظام، ومقامك أشد على العدو، / فابعث رجلا، فإن أصيب أمرت آخر، فقال:
والله لا أفعل ولأواسينكم بنفسي، فخرج في تعبيته إلى ذي القصة، فنزلها وهي على بريد من المدينة فقطع فيها الجنود.
فلما أراح [2] أسامة وجنده ظهرهم وحموا قطع أبو بكر البعوث، وبلغ عقد الألوية، أحد عشر لواء على أحد عشر جندا، وأمر أمير كل جند باستنفار [3] من مر به من المسلمين من أهل القوة، فعقد لخالد بن الوليد وأمره بطليحة بن خويلد، فإذا فرغ منه سار إلى مالك بن نويرة، وعقد لعكرمة بن أبي جهل وأمره بمسيلمة، وللمهاجر بن أبي أمية وأمره بجنود العنسي، ومعونة الأبناء على قيس بن المكشوح، ثم يمضي إلى كندة بحضرموت. ولخالد بن سَعيد بن العاص إلى الشام، ولعمرو بن العاص إلى قضاعة ووديعة والحارث، وما زال يعين لكل أمير قوما يقصدهم [4] .
وقال ابن إسحاق: ارتدت بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عامة العرب، فأشار الناس على أبي بكر رضي الله عنه بالكف عنهم، وأن يقبل منهم أن يصلوا ولا يؤتوا الزكاة، وقالوا:
نخاف أن تلج العرب كلها في الرجوع عن الإسلام، فقال: والله لو منعوني عقالا مما كانوا يؤدون إلى رَسُول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ لقاتلتهم عليه، وو الله لو كان الناس كلهم كذلك لقاتلتهم بنفسي حتى تذهب أو يكون الدين للَّه.
قال عمر بن الخطاب: ما بقي أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لا أنا ولا غيري إلا وقد داخله فشل وطابت نفسه على ترك الزكاة لمن منعها غير أبي بكر، فو الله ما هو إلا أن رأيت ما شرح الله صدر أبي بكر من القيام بأمر الله، فعرفت أنه الحق.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 247.
[2] تاريخ الطبري 3/ 249.
[3] في الأصل: «باستفسار» ، والتصحيح من الطبري.
[4] في الأصل: «يعضدهم» ، والتصحيح من: أ.(4/76)
وقال ابن إسحاق: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بعث الزبرقان بن بدر/ السعدي على صدقات قومه بني سعد بن زيد مناة، وبعث مالك بن نويرة الحنظلي على صدقات بني حنظلة، وبعث عدي بن حاتم عَلَى صدقات طيِّئ، فبلغهم وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وقد كانوا قبضوا الصدقات.
فأما مالك بن نويرة فإنه ردها إلى قومه، وأما عدي والزبرقان فإن قومهما سألوهما أن يرداها عليهم فأبيا وقالا: لا نرى إلا أنه سيقوم بهذا الأمر قائم بعد رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فإن كَانَ ذلك دفعناها إليه، وإن كان غير ذلك فأموالكم في أيديكم. فأمسكا الصدقة حتى قدما بها على أبي بكر، فلم يزل لهما بذلك شرف على من سواهما من أهل نجد، وكانت [تلك] الصدقة مما قوي بها أبو بكر على قتال أهل الردة.
فلما أراد [1] أن يتجهز لحرب أهل الردة خرج بالناس حتى نزل بذي القصة، فعبأ هنالك جنوده، فبعث خالد بن الوليد في المهاجرين والأنصار، وجعل ثابت بن قيس على الأنصار وأمره إلى خالد، وأمره أن يصمد لطليحة وعيينة، وكانا على بزاخة وهي ماء من مياه بني أسد، فسار خالد حتى إذا دنا من القوم بعث عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم طليعة، فقدما وكان طليحة وأخوه مسلمة قد خرجا ليستخبرا، فإذا هما بعكاشة وثابت، فقتلاهما، فلما مر بهما خالد مقتولين اشتد ذلك على المسلمين، وقالوا: سيدان من سادات المسلمين وفرسانهم.
فمال خالد إلى طيِّئ فاستعان بهم على الحرب، فسار حتى أتى بزاخة، وبها عيينة في بني فزارة وطليحة في بني أسد، وكانت بنو عامر في ناحية ينتظرون الدبرة على من تكون، وكان طليحة متلففا في كساء له قد غطى وجهه ليجيئه الوحي/ زعم، وعيينة في الحرب، فكان إذا أضجرته الحرب جاء إلى طليحة فيقول: هل جاءك جبريل؟
فيقول: لا، إلى أن قال عيينة: يا بني فزارة، إن هذا كذاب فاجتنبوه، فتفرقوا عنه، فقال:
له قومه: ما تأمرنا، فقال طليحة: اصنعوا مثل ما أصنع، ثم جال في متن فرسه، وحمل امرأته ثم مضى هاربا إلى الشام، فشد خالد بمن معه على بني فزارة فقتل من قتل منهم، وأخذ عيينة أسيرا، ثم كر على بني عامر ففضهم، وأخذ قرة بن هبيرة أسيرا، فأوثقه مع
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 254.(4/77)
عيينة، ثم بعث بهما إلى أبي بكر، ومضى طليحة وأصحابه إلى الشام فأصابهم في طريقهم عطش شديد، فقالوا: يا عامر، هلكنا عطشا فما بقي من كهانتك، فقال لرجل منهم: يا محراق اركب فرسا ويبالا، ثم شن عليه إقبالا، فإنك سترى فارات طوالا، ثم تجد عندها حلالا.
فركب مخراق فرأى الفارات وعندها عين، فشربوا وسقوا دوابهم، ثم مضى إلى الشام، فلما علم من هناك من المسلمين بطليحة أخذوه فأوثقوه ثم وجهوا به إلى أبي بكر، فتوفي أَبُو بَكْر وطليحة في الطريق، فقدم به على عمر فأسلم وحسن إسلامه.
فصل
[ذكر قصة البطاح]
[1] فلما فرغ خالد من أسد وغطفان وهوازن سار إلى البطاح وعليها مالك بن نويرة فلم يجد هناك أحدا، ووجد مالكا قد فرقهم في أموالهم ونهاهم عن الاجتماع، وذلك حين تردد على مالك أمره، فبث خالد السرايا وأمرهم أن يأتوه بكل من لم يجب، فإن امتنع قتلوه.
وكان مما أوصى به أبو بكر: إذا نزلتم فأذنوا وأقيموا، فإن أذن القوم وأقاموا فكفوا عنهم، وإلا فالغارة، وإن أجابوا إلى الإسلام فسائلوهم، فإن أقروا بالزكاة فاقبلوا منهم، وإن أبوا فالغارة، فجاءت الخيل إلى خالد بمالك/ بن نويرة في نفر من بني ثعلبة بن يربوع، فاختلف أصحاب خالد فيهم، فشهد أبو قتادة بن ربعي الأنصاري عند خالد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا.
وقال بعض الناس: لم نسمع منهم آذانا ولا رأيناهم صلوا. فراجع مالك خالدا في كلام، فَقَالَ فيه مالك: قد كان صاحبكم يقول ذلك- يعني رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ- فقال خالد: يا عدو الله وما تعده لك صاحبا، فضرب عنقه وقتل أصحابه، وكانت له امرأة
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
وراجع تاريخ الطبري 3/ 276، والأغاني 15/ 229- 302.(4/78)
يقال لها: أم تميم بنت المنهال من أجمل الناس والنساء فتزوجها خالد. وكان يقول الذي قتل مالكا بيده عبد بن الأزور الأسدي، أخو ضرار، فقال متمم يرثي أخاه:
نعم القتيل إذا الرياح تناوحت ... نحو الكنيف فقتلك ابن الأزور
ومعنى تناوحت جاءت من كل موضع.
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ النَّقُورِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخَلِّصُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ، أَخْبَرَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ] [1] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ:
أَنَّ خَالِدًا لَمَّا نَزَلَ الْبِطَاحَ بَثَّ السَّرَايَا فَأَتَي بِمَالِكٍ وَكَانَ فِي السَّرِيَّةِ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ فَاخْتَلَفَ فِيهِمُ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ شَهِدَ أَنْ لا سَبِيلَ عَلَيْهِ وَلا عَلَى أَصْحَابِهِ، وَشَهِدَ الأَعْرَابُ أَنَّهُمْ لَمْ يُؤَذِّنُوا وَلَمْ يُقِيمُوا وَلَمْ يُصَلُّوا، وَجَاءَتْ أُمُّ تَمِيمٍ كَاشِفَةً وَجْهَهَا حَتَّى أَكَبَّتْ عَلَى مَالِكٍ، وَكَانَتْ أَجْمَلَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهَا: إِلَيْكِ عَنِّي فَقَدْ وَاللَّهِ قَتَلْتِينِي، فَأَمَرَ بِضَرْبِ أَعْنَاقِهِمْ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو قَتَادَةَ فَنَاشَدَهُ وَنَهَاهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَرَكِبَ أَبُو قَتَادَةَ وَلَحِقَ بِأَبِي بَكْرٍ وَحَلَفَ لا يَسِيرُ فِي جَيْشٍ تَحْتَ لِوَاءِ خَالِدٍ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَقَالَ:
تَرَكَ قَوْلِي وَأَخَذَ بِشَهَادَةِ الأَعْرَابِ الَّذِينَ فَتَنَتْهُمُ الْغَنَائِمُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ فِي سَيْفِ خَالِدٍ رَهَقًا، وَإِنْ يَكُنْ هَذَا حَقًّا فَعَلَيْكَ أَنْ تُقَيِّدَهُ، فَسَكَتَ عَنْهُ/ أَبُو بَكْرٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَقْدِمَ لِيَنْظُرَ فِيمَا فَعَلَ بِمَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ
. قصة أهل اليمامة
[2] [قال المصنف] [3] : ولما فرغ خالد من البطاح أقبل إلى المدينة فدخل المسجد وعليه ثياب [عليها] [4] صدأ الحديد، وعليه عمامة قد غرز فيها ثلاثة أسهم، فلما رآه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده إلى محمد بن جعفر بن الزبير وغيره» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 280، 281.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(4/79)
عُمَر رضي الله عنه قال: أرئاء يا عدو الله، عدوت على رجل من المسلمين فقتلته ثم تزوجت امرأته، لئن أمكنني الله منك لأرجمنك، ثم تناول الأسهم فكسرها وخالد ساكت لا يرد عليه شيئا يظن أن ذلك عن رأي أبي بكر، فلما دخل على أبي بكر أخبره الخبر واعتذر إِلَيْهِ فصدقه وقبل عذره، وكان عمر يحرض أبا بكر على عزله، وأن يقيد منه، فقال أبو بكر: مه يا عمر، ما هو بأول من أخطأ، فارفع لسانك عن خالد، ثم ودى مالكا وأمر خالدا أن يتجهز للخروج إلى مسيلمة الكذاب، ووجه معه المهاجرين والأنصار، وكان ثمامة بن أثال الحنفي قد كتب إلى أبي بكر رضي الله عنه يخبره أن أمر مسيلمة قد استغلظ.
فبعث أبو بكر عكرمة بن أبي جهل واتبعه شرحبيل بن حسنة، وقال: الحق بعكرمة فاجتمعا عَلَى قتال مسيلمة وهو عليك، فإن فرغتم فانصرفا إلى قضاعة، وأنت عليه، فلما أحس عكرمة بذلك أغذ السير فقدم على ثمامة فأنهضه [1] ، فقال ثمامة: لا تفعل فإن أمر الرجل مستكثف وقد بلغني أن خلفك جندا فيتلاحقون، فأبى عكرمة وعاجلهم مسيلمة فالتقوا فاقتتلوا فأصيب من المسلمين، فبعث أبو بكر إلى عكرمة فصرفه إلى وجه آخر.
فلما قدم خالد من البطاح أمره أبو بكر بالسير إلى مسيلمة، فخرج حتى إذا كان قريبا من اليمامة تقدمت خيل المسلمين، فإذا هم بمجاعة بن مرارة/ الحنفي في ستة نفر من بني حنيفة، فجاءوا بهم إلى خالد، فقال لهم: يا بني حنيفة ما تقولون؟ فقالوا:
منا نبي ومنكم نبي، فعرضهم على السيف، فبقي منهم مجاعة ورجل يقال له: سارية بن عامر.
فلما قدم سارية ليقتل قال لخالد: إن كنت تريد بأهل هذه القرية خيرا أو شرا فاستبق هذا الرجل يعني مجاعة، ففعل ذلك، وأوثقه في الحديد ثم دفعه إلى امرأته، وقال: استوصي بِهِ خيرا، ثم مضى حتى نزل منزلا من اليمامة، فعسكر به، فخرج إليه مسيلمة، وكان عدد بني حنيفة أربعين ألف مقاتل، وقدم مسيلمة أمامه الرحال [2] بن عنفوة، وقد كان الرحال قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم وقرأ سورة البقرة.
__________
[1] «فأنهضه» : سقطت من أ.
[2] في أ: «الرجال» . قال الطبري 3/ 280 «هكذا قال ابن حميد بالحاء» .(4/80)
فلما رجع إلى مسيلمة شهد له في جماعة من بني حنيفة أنه سمع رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يشركه في الأمر، وأنه قد أعطي النبوة كما أعطيها، وكان قوله أشد على أهل اليمامة من فتنة مسيلمة.
قال أبو هريرة [1] : جلست في رهط عند رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: «إن فيكم لرجلا ضرسه في النار مثل أحد» . فهلك القوم وبقيت أنا والرحال فكنت متخوفا لها حتى خرج الرحال مع مسيلمة، فشهد له بالنبوة قالوا: الرجال.
فخرج يومئذ في مقدمة مسيلمة ومعه محكم اليمامة، وهو محكم بن طفيل، والتقى الناس، فكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، فقالوا له: انظر كيف تكون؟ إياك أن تفر، قال: بئس حامل القرآن أنا إذن، فقاتل حتى قتل. وقال أبو حذيفة: يا أهل القرآن، زينوا القرآن بالأفعال، وحمل فأنفذهم حينئذ [وقتل] .
وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس، واقتتل الناس قتالا شديدا، فقتل الرحال ومحكم اليمامة، أما الرحال فقتله زيد بن الخطاب، وأما محكم فقتله عبد الرحمن بن أبي بَكْر، وثبت مسيلمة، ثم جال/ المسلمون حوله فتراجعوا، فدخلت بنو حنيفة في فسطاط خالد فرعلوه بسيوفهم، وحمل رجل منهم على أم تميم بالسيف، فألقى مجاعة عليها رداءه، وقال: إنها في جواري فنعم الحرة ما علمت، فأصيب من المسلمين ألف ومائتا رجل، وانكشف باقيهم. فلما رأى ذلك ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، قال: يا معشر المسلمين، بئس ما عودتم أنفسكم، ثم قال: اللَّهمّ إني أبرأ إليك من هؤلاء- يعني المشركين- وأعتذر إليك مما فعل هؤلاء- يعني المسلمين- ثم قاتل [2] وجالد بسيفه حتى قتل. وكان قد ضرب فقطعت رجله فرمى بها قاتله. فقتله. وقاتل زيد بن الخطاب أخو عمر حتى قتل. فلما رجع عبد الله بن عمر، فقال له: هلا هلكت قبل زيد، فقال: قد عرضت على ذلك ولكن الله أكرمه بالشهادة.
وفي رواية أخرى أنه قال له: ما جاء بك وقد هلك زيد، ألا واريت وجهك عني.
__________
[1] الخبر في الطبري 3/ 289.
[2] «ثم قاتل» : سقطت من أ.(4/81)
وكان البراء بن مالك أخو أنس إذا حضر الحرب أخذته العدواء- يعني الرعدة- حتى يقعد عَلَيْهِ الرجال، ثم ينهم كالأسد، فلما رأى ما أصاب الناس أخذه ما كان يأخذه، فثاب إليه ناس من المسلمين، فقاتلوا قتالا شديدا حتى انحازت بنو حنيفة واتبعهم المسلمون حتى أصاروهم إلى حديقة فدخلوها ثم أغلقوا [1] عليهم، فقال البراء: احملوني والقوني إليهم، فألقوه إليهم ففتح الباب للمسلمين وقد قتل عشرة، فقتل في هذه الحديقة وفي هذه المعركة بضعة عشر ألف مقاتل. وكانت بنو حنيفة تقول لمسيلمة حين رأت خذلانها: أين ما كنت تعدنا؟ فيقول: قاتلوا عن أحسابكم. وقتل الله عز وجل مسيلمة، اشترك في قتله رجلان: رَجُل/ من الأنصار، ووحشي مولى جبير بن مطعم. وكان وحشي يقول: وقعت فيه حربتي وضربه الأنصاري والله يعلم أينا قتله.
وكان يقول: قتلت خير الناس وشر الناس، حمزة ومسيلمة. وكانوا يقولون: قتله العبد الأسود، فأما الأنصاري فلا شك أن أبا دجانة سماك بن خرشة قتله.
فلما أخبر خالد بقتل مسيلمة خرج بمجاعة يرسف [2] في حديده ليدله على مسيلمة، فمر بمحكم بن الطفيل، فقال خالد: هذا صاحبكم؟ قال: لا هذا والله خير منه وأكرم، ثم دخل الحديقة، فإذا رويجل أصيفر أخينس [3] ، فقال له مجاعة: هذا صاحبكم قد فرغتم [منه] [4] ، فقال خالد: هذا فعل بكم ما فعل، قال: قد كان ذلك يا خالد، وإنه والله ما جاءك إلا سرعان الناس [5] ، وإن جماهير النّاس لفي الحصون.
قال: ويلك ما تقول؟
قال: هو والله الحق، فهلم لأصالحك على قومي. فدعني حتى آتيهم وأصالحهم عنك، فإنهم يسمعون مني، ودخل الحصن، فأمر الصبيان والنساء فلبسوا السلاح ثم أشرفوا عليه وخالد يظنهم رجالا، فلما نظر إليهم وقد قتل أكثر أصحابه صالح مجاعة
__________
[1] «أغلقوا» : سقطت من أوفي الأصل: «أغلوا» .
[2] في الأصل: «خرج بمجاعة بن سيف» .
[3] أخينس تصغير أخنس، والخنس تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[5] سرعان الناس: بالتحريك. ويخفف أوائلهم المستبقون.(4/82)
عنهم الربع من السبي والحمراء والبيضاء والحلقة، ثم علم بعد ذلك أنهم كانوا صبيانا ونساء، فقال لمجاعة: خدعتني، فقال: قومي أفنتهم الحرب، فلا تلمني فيهم.
فلما فرغ من صلحهم إذا كتاب من أبي بكر رضي الله عنه قد جاءه أن يقتل منهم كل من أنبت، فجاءه الكتاب بعد الصلح، فمضى عليهم الصلح، فلم يقتلوا، ثم خطب خالد إلى مجاعة ابنته، فقال له: مهلا أيها الرجل إنه قاطع ظهري وظهرك عن صاحبك تزوج النساء وحول أطنابك دماء ألف ومائتي رجل من المسلمين، فقال: زوجني لا أبا لك، فزوجه فبلغ ذلك أبا بَكْر رضي الله عنه، فكتب إليه: لعمري يا ابن أم خالد، إنك لفارغ حين تتزوج النساء وحول حجرتك دماء المسلمين لم تجف بعد، فإذا جاءك كتابي فالحق بمن معك من جموعنا/ بأهل الشَّام، واجعل طريقك على العراق، فقال وهو يقرأ الكتاب: هذا عمل الأعيسر- يعني عمر بن الخطاب.
قال علماء السير: قتل من المسلمين يوم اليمامة أكثر من ألف، وقتل من المشركين نحو عشرين ألفا، وكانت حرب اليمامة سنة إحدى عشرة في قول جماعة منهم أبو معشر. فأما ابن إِسْحَاق فإنه قال: فتح اليمامة واليمن والبحرين، وبعث الجنود إلى الشام في سنة اثنتي عشرة
. قصة أهل البحرين
كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ قد بعث على أهل البحرين المنذر بن ساوي، واشتكى هو ورسول الله صَلَّى الله عليه وآله وسلم في شهر واحد، ومات المنذر بعد رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بقليل [1] .
وارتد أهل البحرين، فأما عبد القيس ففاءت، وأما بكر فتمت على ردتها، وكان الذي ثنى عَبْد القيس الجارود بن عمرو [2] حتى فاءوا.
وذلك أنهم قالوا: لو كان محمد نبيا ما مات، فقال الجارود [3] : تعلمون أنه كان
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 301، والأغاني 15/ 255.
[2] في الأغاني: وكان الذي ثنى عَبْد القيس الجارود بن علي.
[3] تاريخ الطبري 3/ 302.(4/83)
قبله أنبياء؟ قالوا: نعم، قال: فما فعلوا؟ قالوا: ماتوا، قال: فإن محمدا قد مات كما ماتوا، فعادوا إلى الإسلام.
فلما فرغ خالد من اليمامة بعث أبو بكر العلاء بن الحضرميّ إلى البحرين في ستة عشر فارسا، فقال ابن عبد القيس: إن لم يرتدوا فهم جندك فسار مع العلاء حتى بلغه عبد القيس، فكتب الجارود إلى العلاء: إن بيني وبينك أسود النهار وضباع الليل، ففهم فبعث العلاء جنوده تحت الليل فقتلوهم وسار وأمده ثمامة بقومه، فنزل العلاء بأصحابه ليلة فنفرت الإبل فما بقي عندهم لا زاد ولا مزاد، وأوصى بعضهم إلى بعض فصلى بهم العلاء الفجر وجثى فدعا فلاح لهم ماء، فذهبوا إليه فشربوا، فإذا الإبل [تكرد من كل وجه] [1] ، فقام كل رجل منهم إلى ظهره، فما فقدوا سلكا [2] ، وخندق المسلمون وتراجعوا وتراوحوا القتال شهرا، ثم كر المرتدون، فتحصن المسلمون، منهم بحصن بالبحرين يقال له: جواثا حتى كادوا يهلكون جوعا، فنزل بعض المسلمين/ ليلا، فجال في عسكر القوم ثم عاد فقال: إن القوم سكارى، فخرج إليهم العلاء وأصحابه، فوضعوا فيهم السيوف، وأخذوا غنائمهم.
ولما فرغ العلاء من البحرين سار إلى هجر فافتتحها صلحا وكان فيها راهب، فقيل له: ما دعاك إلى الإسلام فقال: ثلاثة أشياء خشيت أن يمسخني [الله] [3] بعدها إن لم أسلم: فيض في الرمال، وتمهيد أثباج البحار، ودعاء سمعته في عسكرهم في الهواء من السحر، قالوا: اللَّهمّ أنت الرحمن الرحيم، لا إله غيرك، والبديع ليس قبلك شيء، والدائم غير الغافل، [والحي] [4] الّذي لا يموت، وخالق ما يرى وما لا يرى، وكل يوم أنت في شأن، علمت اللَّهمّ كل شيء بغير تعلم، فعلمت أن القوم لم يعانوا بالملائكة إلا وهم على أمر الله [5] .
فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسمعون من ذلك الهجريّ بعد.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري، والكرد: الطرد.
[2] السلك، جمع سلكة، وهو الخيط الّذي يخاط به الثوب.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من أ.
[5] الخبر مختصر من الطبري 3/ 312، والأغاني 15/ 257.(4/84)
ثم سار العلاء إلى الحطم، ووجه بعض أصحابه فافتتحوها عنوة، وندب الناس إلى دارين، فأتى ساحل البحر، فدعا الله واقتحموا، فأجازوه كأنهم يمشون على مثل رملة [ميثاء] [1] فوقها ماء يغمر أخفاف الإبل، وكان بين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن البحر، فالتقوا واقتتلوا وسبوا الذراري واستاقوا الأموال، فبلغ نفل الفارس ستة آلاف، والراجل ألفين، ثُمَّ رجعوا عودهم على بدئهم كما عبروا. وفي ذلك يقول عفيف بن المنذر [2] :
ألم تر أن الله ذلل بحره ... وأنزل بالكفار إحدى الجلائل
دعونا الذي شق البحار فجاءنا ... بأعجب من فلق البحار [3] الأوائل
ولما قفل العلاء بالناس مروا على ماء لبني قيس بن ثعلبة فرأوا على ثمامة بن أثال خميصة الحطم، فقالوا: هذه خميصة الحطم وأنت قتلته، قال: لست قاتله لكن اشتريتها من الفيء فقتلوه
. ذكر قصة أهل عمان ومهرة واليمن
[4] قال علماء السير [5] : نبغ بعمان لقيط بن مالك الأزدي، وكان يسمى [6] في الجاهلية الجلندي، فادعى ما ادعاه من تنبأ، وغلب على عمان مرتدا، وارتد أهل عمان، فبعث أبو بكر حذيفة بن محصن إلى عمان وعرفجة البارقي إلى مهرة وأمرهما أن يبدءا بعمان، وكان أبو بكر قد بعث عكرمة بن أبي جهل إلى مسيلمة، واستعجل قبل أن يلحقه المدد، فقاتل وأصيب جماعة من المسلمين، فكتب إليه أبو بكر يعنفه على سرعته، ويقول: لا أرينك، ولا أسمعن بك إلا بعد بلاء، والحق بعمان حتى تقاتل أهل
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول أوردناه من الطبري 3/ 311.
[2] في الأصول: سيف بن المنذر، خطأ والتصويب من الطبري.
[3] في الأغاني: «من شق البحار» .
[4] في الأصل: «ومهرة والبحرين» . وما أوردناه عن أ، والطبري.
[5] تاريخ الطبري 3/ 314.
[6] كذا في الأصول، ونسختين من الطبري، وفي المطبوع من الطبري: «وكان يسامى» .(4/85)
عمان وتعين حذيفة وعرفجة، فإذا فرغتم فامض إلى مهرة، ثم ليكن وجهك منها إلى [1] اليمن، فأوطئ ما بين عمان واليمن ممن ارتد، وليبلغني بلاؤك.
فلما اجتمعوا جمع لقيط فاقتتلوا، فرأى المسلمون في أنفسهم خللا فإذا مواد قد أقبلت إليهم من عبد القيس وغيرهم، فوهن الله الشرك، وقتل من المشركين في المعركة عشرة آلاف فأثخنوا فيهم وسبوا الذراري وقسموا ذلك على المسلمين وبعثوا بالخمس إلى أبي بكر رضي الله عنه مع عرفجة
. ذكر ردة مهرة [2]
ولما فرغ عكرمة وعرفجة وحذيفة من ردة عمان خرج عكرمة في جنده نحو مهرة، واستنصر من حول عمان وأهل عمان، وسار حتى أتى مهرة والتقوا، فكشف الله جنود المرتدين، وقتل رئيسهم، وركبهم المسلمون، فقتلوا ما شاءوا، فخمس عكرمة الفيء، فبعث بالأخماس إلى أبي بَكْر، وقسم الأربعة أخماس على المسلمين
. ذكر خبر ردة اليمن [3]
كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ولى المهاجر بن أمية صنعاء، وزياد بن لبيد حضرموت، فتوفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهما على عملهما، / فانتقضت كندة على زياد بن لبيد إلا طائفة منهم ثبتوا معه، فقيل له: إن بني عمرو بن معاوية قد جمعوا لك فعاجلهم فثبتهم وحاز غنائمهم ثم أقبل بها راجعا، فمر بالأشعث بن قيس، فخرج الأشعث في قومه يعترض لزياد، فأصيب ناس من المسلمين وانحاز زياد ثم كتب إلى أبي بكر رضي الله عنه يخبره بذلك، وكتب أبو بكر رضي الله عنه إلى المهاجر بصنعاء أن يمد زيادا بنفسه، فسار إليه المهاجر، ثم أنهما جمعا ولقوا المشركين، فأثخنوهم.
__________
[1] في الأصل: «ثم ليكن وجهك فيها» . وما أوردناه من أ، والطبري.
[2] تاريخ الطبري 3/ 316.
[3] تاريخ الطبري 3/ 318.(4/86)
ووجه أبو بكر رضي الله عنه عكرمة بن أبي جهل في خمسمائة مددا لزياد، فقدموا عليه وقد قتل أولئك وغنم أموالهم فأشركهم في الغنيمة.
وتحصنت ملوك كندة ومن بقي معهم في النجير وأغلقوا عليهم فجثم عليهم زياد والمهاجر وعكرمة، وكان في الحصن الأشعث بن قيس، فلما طال الحصار، قال الأشعث: أنا أفتح لكم باب الحصن وأمكنكم ممن فيه على أن تؤمنوا لي عشرة، فأعطوه ذلك، ففتح باب الحصن، ثم عزل عشرة [1] أنفس ولم يعد فيهم نفسه وهو يرى أنهم لا يحسبون به في العشرة، فقالوا: إنما صالحناك على عشرة، فنحن نعفو عن هؤلاء ونقتلك لأنك لم تعد نفسك فيهم، فقال لهم: وإن ظنكم ليدلكم على أني أصالح عن غيري وأخرج بغير أمان، فجادلهم وجادلوه، فقالوا: نرد أمرك إلى أبي بكر رضي الله عنه فيرى فيك رأيه، وأمر زياد بكل من في الحصن أن يقتلوا فقتلوا، وكانوا سبعمائة، وسبى نساءهم وذراريهم، وحمل الأشعث إلى أبي بكر رضي الله عنه، فزعم أنه قد تاب ودخل في الإسلام، وقال: من علي وزوجني أختك، فإني قد أسلمت، فزوجه أبو بَكْر رضي الله عنه أم فروة بنت أبي قحافة، فولدت له محمدا، وإسحاق، وإسماعيل، فأقام بالمدينة، ثم خرج إلى الشام في خلافة عمر رضي الله عنه، وكانت ردة اليمن سنة إحدى عشرة.
روى المؤلف بإسناده عن أبي رجاء العطاردي [2] ، قال: دخلت المدينة فرأيت/ الناس مجتمعين، ورأيت رجلا يقبل رأس رجل وهو يقول: أنا فداؤك، لولا أنت لهلكنا، فقلت: من المقبل ومن المقبل، قالوا: ذاك عمر يقبل رأس أبي بكر رضي الله عنهما في قتاله أهل الردة إذ منعوا الزكاة حتى أتوا بها صاغرين
. وفي هذه السنة كتب معاذ بن جبل وعمال اليمن إلى أبي بكر يستأذنونه في القدوم، فكتب إليهم:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثكم لما بعثكم له من أمره، فمن كان أنفذ أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشاء أن
__________
[1] في أ: «ثم عد عشرة» .
[2] في أ: «قال أبو رجاء العطاردي» .(4/87)
يرجع فليرجع وليستخلف على عمله، ومن شاء أن يقيم فليقم، فرجعوا.
فلما قدم معاذ لقي عمر بن الخطاب فاعتنقا وعزا كل واحد منهما صاحبه برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان مع معاذ الخراج، وكان معه وصفاء قد عزلهم، فقال عمر: ما هؤلاء؟
قال: أهدوا لي، فقال عمر: أطعني وائت بهم أبا بكر فليطيبهم لك، قال معاذ: لا لعمري آتي أبا بكر بمالي يطيبه لي، فقال عمر: إنه ليس لك. فلما كان الليل وأصبح أتاه فقال له: لقد رأيتني البارحة كأني أدنو إلى النار، وأنت آخذ بحجزتي، إني وجدت الأمر كما قلت. فأتى أبا بَكْر فاستحلها فأحلهم.
فبينما معاذ قائم يصلي رأى رقيقه يصلون كلهم، فقال لهم: ما تصنعون؟ قالوا:
نصلي، قال: لمن؟ قالوا: للَّه عز وجل، [قال] : [1] فاذهبوا فأنتم للَّه، فأعتقهم.
وفي هذه السنة حج بالناس عمر بن الخطاب، وقيل: بل عبد الرحمن بن عوف، وقيل:
عتاب بن أسيد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
134- ثابت بن أقرن بن ثعلبة بن عدي [2] :
شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخرج مع خالد [3] بن الوليد إلى أهل الردة، فبعثه مع عكاشة فقتلا
. 135- ثابت بن قيس بن شماس بن مالك بن امرئ القيس: [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 36.
[3] في الأصل: «وخرج معه خالد» . وما أوردناه عن ابن سعد، أ.
[4] البداية والنهاية 6/ 377.(4/88)
شهد أحدا، والخندق، والمشاهد بعدها [1] / مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان خطيبا جهير الصوت.
[أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَنْبَأَنَا الْبَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ] [2] ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ جَاءَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ وَقَدْ تَحَنَّطَ وَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ تَكَفَّنَ فِيهِمَا، وَقَدِ انْهَزَمَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: اللَّهمّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَهُ هَؤُلاءُ [3]-[يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلاءِ- يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ-] [4] ، ثُمّ قَالَ: بِئْسَ مَا عَوَّدْتُمْ أَقْرَانَكُمْ مُنْذُ الْيَوْمِ، خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَاعَةً، فَحَمَلَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ
. 136-[ثابت بن هزال بن عمرو [5] :
شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقتل يوم اليمامة]
. 137- ثمامة بن أثال:
قتل في هذه السنة
. 138- حبيب بن يزيد مولى عمارة:
كان يقول له مسيلمة: أتشهد أني رسول الله، فيسكت، فيقول: [أتشهد أن محمدا رسول الله، فيقول:] نعم، فقطعه أعضاء
. 139- حزن بن أبي وهب:
قتل يوم اليمامة
. 140- زيد بن الخطاب، [أخو عمر] [6] :
كان أسن من عمر، وأسلم قبل عمر، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ
__________
[1] في أ: «والمشاهد كلها» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أنس» .
[3] في الأصل: «مما صنع هؤلاء» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 98. والترجمة كلها ساقطة من الأصل، أوردناه من أ.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 274، ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من أ.(4/89)
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [وقَالَ عمر رضي الله عنه: سبقني زيد الإسلام والشهادة، وما هبت الصبا قط إلا أتتني بريح زيد.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، عَنْ نَافِعٍ] [1] ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لأَخِيهِ زَيْدٍ يَوْمَ أُحُدٍ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلا لَبِسْتَ دِرْعِي، فَلَبِسَهَا ثُمَّ نَزَعَهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا لَكَ؟ قَالَ: إِنِّي أُرِيدُ لِنَفْسِي مَا تُرِيدُ لِنَفْسِكَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: [وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي] [2] الْحَجَّافُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
كَانَ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ يَحْمِلُ رَايَةَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، وَقَدِ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى غَلَبَتْ حَنِيفَةُ عَلَى الرِّجَالِ، فَجَعَلَ زَيْدٌ يَقُولُ: أَمَّا الرِّجَالُ فَلا رِجَالَ، ثُمَّ جَعَلَ يَصِيحُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: اللَّهمّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ فِرَارِ أَصْحَابِي، وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ مُسَيْلِمَةُ، وَجَعَلَ يَشْتَدُّ بِالرَّايَةِ يَتَقَدَّمُ بِهَا فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ ضَارَبَ بِسَيْفِهِ حَتَّى قُتِلَ وَوَقَعَتِ الرَّايَةُ، فَأَخَذَهَا سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ
. 141- سالم مولى أبي حذيفة [3] :
قال ابن سعد: كان لثبيتة بنت يعار الأنصارية، وكانت تحت أبي حذيفة بن عتبة فأعتقته، فتولى أبا حذيفة، وتبناه أبو حذيفة.
وقال الخطيب: اسم الذي أعتقته سلمى بنت يعار.
وقَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ سالما شديد الحب للَّه» . وكان سالم يؤم المهاجرين/ من مكة حين قدموا، وكان أقرأهم وفيهم أبو بكر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عمر» .
وقد جاءت هذه الرواية في الأصل بعد رواية الجحاف بن عبد الرحمن الآتية بعدها.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «عن الجحاف» .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 60.(4/90)
وعمر، وكان اللواء يوم اليمامة بيد زيد بن الخطاب، فلما قتل أخذه سالم، فقالوا له: إنا نخاف أن نؤتى من قبلك، فقال: بئس حامل القرآن أنا إن أتيتم من قبلي، فقطعت يمينه، فتناولها بشماله فقطعت، فاعتنق اللواء وجعل يقول: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ 3: 144 [1] ووقف بالراية حتى قتل، فعرض ميراثه على مولاته، فأبت وقالت: أنا سيبته للَّه تعالى. فجعل عمر ميراثه في بيت المال
. 142- سماك بن خرشة، أبو دجانة [2] :
شهد بدرا وأحدا، وثبت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ، وبايعه على الموت، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ: «من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فقال: أنا، فأخذه ففلق به هام المشركين.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجوهري، أخبرنا أبو عمرو بْنُ حَيُّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حدثنا محمد بن سعد، عن عبد الله بْنِ جَعْفَرٍ الرَّقَبِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُلَيْحِ] [3] ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفُوا يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ عَلِيٌّ لِفَاطِمَةَ: خُذِي السَّيْفَ غَيْرَ ذَمِيمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ كُنْتِ أَحْسَنْتِ الْقِتَالَ فَقَدْ أَحْسَنَهُ الْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ وَأَبُو دُجَانَةَ» [4] .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: [وَأَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، قال: حدثنا هشام بن سعد] [5] ، عن زيد بن أسلم، قال:
إنه دخل على أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقيل: ما لوجهك يتهلل؟
__________
[1] سورة: آل عمران، الآية: 144.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 101.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ميمون» .
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 102.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن زيد بن أسلم» .(4/91)
فَقَالَ: ما من عملي شيء أوثق من اثنتين، أما إحداهما، فكنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وأما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليما.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: شهد أبو دجانة اليمامة، وهو فيمن شرك في قتل مسلمة الكذاب، وقتل أبو دجانة يومئذ شهيدا [1]
. 143-[السائب بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى: [2]
شهد أحدا والخندق والمشاهد بعدها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقتل يوم اليمامة
. 144- سليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ [3] :
قديم الإسلام بمكة، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ثم إلى المدينة، وشهد أحدا وما بعدها، وكأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجهه بكتاب إلى هوذة بن علي الحنفي، وقتل سليط يوم اليمامة
. 145- شجاع بن وهب [4] :
شهد بدرا والمشاهد [كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [5] وقتل يوم اليمامة] [6]
. 146- عبد الله بن أبي بكر الصديق:
أمه قتيلة، أسلم قديما ولم يسمع له بمشهد إلا يوم الطائف، فإنه شهد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرماه أبو محجن بسهم فبقي منه جريحا مدة، ثم اندمل ثم انتقض به في شوال سنة/ إحدى عشرة في خلافة أبيه فمات، ونزل في حفرته عبد الرحمن بن أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
__________
[1] بعدها في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 102: «سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر الصديق، ولأبي دجانة عقب اليوم بالمدينة وبغداد» .
[2] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 88، ومن هنا حتى آخر ترجمة شجاع بن وهب ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 149، وهذه الترجمة أيضا ساقطة من الأصل.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 61، وهذه الترجمة ساقطة من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين من ابن سعد.
[6] إلى هنا انتهى السقط من الأصل.(4/92)
147- عبد الله بن سهيل بن عمرو [1] :
[هاجر [2] إلى الحبشة الهجرة الثانية، فلما قدم مكة أخذه أبوه فأوثقه وفتنه.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الجوهري، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا ابن معروف، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهِمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قال: قال محمد بن عمر: حدثني عطاء [3] بن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبيه، قال:
خرج عبد الله بن سهيل إلى نفير بدر مع المشركين وهو [4] مع أبيه سهيل في نفقته وحملانه، [5] ولا يشك أبوه أنه رجع إلى دينه، فلما التقوا انحاز عبد الله بن سهيل إلى المسلمين حتى جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل القتال، فشهد بدرا مسلما وهو ابن سبع وعشرين سنة، فغاظ ذلك أَبَاهُ غيظا شديدا. قال عبد الله: فجعل الله عز وجل لي وله في ذلك خيرا كثيرا.
وشهد عبد الله أحدا والخندق والمشاهد كلها] [6] وقتل يوم اليمامة شهيدا [وهو ابن ثمان وثلاثين سنة] [7] فلما حج أبو بكر الصديق في خلافته أتاه سهيل بن عمرو فعزاه أبو بكر بعبد الله [8] ، [فقال [9] سهيل: لقد بلغني أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: يشفع الشهيد لسبعين من أهله، فأنا أرجو ألا يبدأ ابني بأحد قبلي
. 148- عبد الله بن مخرمة بن عبد العزى، أبو محمد [10] :
هاجر إلى الحبشة الهجرتين، وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 295، وفي الأصل: «بن عمر» . وقد جاءت هذه الترجمة في أبعد ترجمة عبد الله بن مخرمة الآتية.
[2] من هنا إلى العلامة المماثلة ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] في أ: «قال محمد بن عمرو وابن عطاء قال: «والتصحيح من ابن سعد» .
[4] «وهو» ساقط من أ.
[5] «في نفقته وحملانه» ساقطة من أ، أوردناها من ابن سعد.
[6] إلى هنا انتهى السقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[8] في الأصل: «ولما دخل أبو بكر مكة عزى لأبيه فيها» وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[9] من هنا إلى آخر ترجمة عبد الله بن مخرمة ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[10] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 96، والترجمة ساقطة من الأصل.(4/93)
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقتل يوم اليمامة شهيدا] [1]
. 149- عباد بن بشر بن وقش بن زغبة، أبو بشر [2] :
أسلم بالمدينة على يدي مصعب بن عمير، وشهد بدرا، وكان ممن قتل كعب بن الأشرف، وجعله رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي مقاسم حنين، واستعمله على حرسه بتبوك مدة إقامته هناك، وكانت إقامته عشرين يوما، وشهد يوم اليمامة فقتل شهيدا وهو ابن خمس وأربعين سنة
. 150- عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة، أبو عقيل [3] :
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقتل يوم اليمامة.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّارُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا] [4] جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ [5] :
لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ وَاصْطَفَّ النَّاسُ [لِلْقِتَالِ] [6] . كَانَ أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ أَبُو عُقَيْلٍ، رُمِيَ بِسَهْمٍ فَوَقَعَ بَيْنَ مِنْكَبَيْهِ وَفُؤَادِهِ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ، فَأَخْرَجَ السَّهْمَ، وَوَهِنَ لَهُ شِقُّهُ الأَيْسَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَجُرَّ إِلَى الرَّحْلِ، فَلَمَّا حَمِيَ الْقِتَالُ وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَجَاوَزُوا رِحَالَهُمْ وَأَبُو عُقَيْلٍ وَاهِنٌ مِنْ جُرْحِهِ سَمِعَ مَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ يَصِيحُ: يَا للأنصار، الله اللَّهُ وَالْكَرَّةُ عَلَى عَدُوِّكُمْ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَنَهَضَ أَبُو عُقَيْلٍ يُرِيدُ قَوْمَهُ، فَقُلْتُ: مَا فِيكَ قِتَالٌ، قَالَ:
قَدْ نَوَّهَ الْمُنَادِي بِاسْمِي. قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَقُلْتُ: إِنَّمَا يقول يا للأنصار، ولا يعني الجرحى،
__________
[1] إلى هنا انتهى السقط من الأصل.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 16.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 41. وهذه الترجمة جاءت في أبعد ترجمة عقبة، ومكانها جاءت ترجمة عمارة بن حزم وستأتي.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن جعفر» .
[5] طبقات ابن سعد/ 3/ 2/ 41، 42.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من ابن سعد.(4/94)
قال أَبُو عُقَيْلٍ: أنا [رَجُلٌ] [1] مِنَ الأَنْصَارِ وَأَنَا أُجِيبُهُ وَلَوْ حَبْوًا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَتَحَزَّمَ أبو عقيل وأخذ السَّيْفَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى [مُجَرَّدًا] [2] ، ثُمَّ جَعَلَ يُنَادِي: يَا لَلأَنْصَارِ كَرَّةً كَيَوْمِ حُنَيْنٍ.
فَاجْتَمَعُوا رَحِمَهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا، يَقْدُمُونَ الْمُسْلِمِينَ [3] [دُرْبَةً دُونَ عَدُوِّهِمْ] [4] حتى أقحموا [[5] عدوهم الحديقة فَاخْتَلَطُوا وَاخْتَلَفَتِ السُّيُوفُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ.
قَالَ ابْنُ عمر: فنظرت إلى أبي عقيل وقد قطعت يَدُهُ الْمَجْرُوحَةُ مِنَ الْمِنْكَبِ فَوَقَعَتْ بِالأَرْضِ، وَقُتِلَ عَدُوُّ اللَّهِ مُسَيْلَمَةُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَوَقَعْتُ عَلَى أَبِي عُقَيْلٍ وَهُوَ صَرِيعٌ بِآَخِرِ رَمَقٍ، فقلت: أَبَا عُقَيْلٍ، فَقَالَ: [6] لَبَّيْكَ [بِلِسَانٍ مُلْتَاثٍ] ، لِمَنْ الدَّبَرَةُ؟ قَالَ:
قُلْتُ: أَبْشِرْ قَدْ قُتِلَ عَدُوُّ اللَّهِ، فَرَفَعَ إِصْبُعَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ بَعْدَ أَنْ قَدَّمْتُ خَبَرَهُ كُلَّهَ، فَقَالَ: رحمه الله، ما زال يطلب الشهادة ويطلبها، وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِ نبينا صلّى الله عليه وسلّم وقديم إسلامهم
. 151- فاطمة بْنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم [7] :
ولدت قبل النبوة بخمس سنين، ومرضت بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرضا شديدا، فقالت لأسماء بنت عميس: ألا ترين ما قد بلغت فأحمل على سرير ظاهر، فقالت: لا لعمري ولكن نعشا كما يصنع الحبشة، فقالت: فأرينيه، فأرسلت إلي جرائد رطبة، فقطعت ثم جعلتها على السرير نعشا، فتبسمت فاطمة عليها السلام وما رئيت متبسمة إلا يومئذ، وتوفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان هذه السنة وهي بنت تسع وعشرين سنة، وصلى عليها العباس، ونزل في حفرتها هو، وعلي، والفضل.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[3] في الأصل: «فاجتمعوا رحمكم الله جميعا فتقدموا المسلمون» . والتصحيح من أ.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] من هنا إلى بداية أحداث سنة عشر ساقط من الأصل وأوردناه من أ.
[6] «وهو صريع ... فقال» العبارة ساقطة من أ، وأوردناها من ابن سعد.
[7] هذه الترجمة ساقطة من الأصل.(4/95)
وقال ابن عباس، وعروة: صلى عليها علي رضي الله عنه. وقال الشعبي وإبراهيم: صلى عليها أبو بكر رضي الله عنه ودفنت ليلا
. 152- معن بن عدي بن العجلان [1] :
شهد العقبة مع السبعين، وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين زيد بن الخطاب، فقتلا جميعا يوم اليمامة.
شهد معن بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولما توفي رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى النَّاسُ وقالوا: وددنا أنا متنا قبله، نخشى أن نفتن بعد، فقال معن: لكني والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتا كما صدقته حيا
. 153- نعمان بن عصر بن عبيد بن وائلة [2] :
كذا قال الأكثرون: عصر بكسر العين. وقال هشام بن الكلبي: عصر بفتح العين والصاد. قال ابن عمارة: اسمه لقيط بن عصر.
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقتل يوم اليمامة
. 154- هشام بن عتبة بن ربيعة، أبو حذيفة، وقيل هشيم:
[3] شهد بدرا والمشاهد كلها، وقتل يوم الميامة.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 35، والترجمة ساقطة من الأصل.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 79.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 59.(4/96)
ثُمَّ دخلت سنة اثنتي عشرة
فمن الحوادث فيها [مسير خالد إلى العراق وصلح الحيرة] [1]
لما فرغ خالد من أمر اليمامة كتب إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو مقيم باليمامة: إني قد وليتك حرب العراق، فاجسر على من ثبت على إسلامه] [2] وقاتل أهل الردة، ممن بينك وبين العراق من تميم وأسد/ وقيس وعبد القيس، وبكر بن وائل، ثم سر نحو فارس فادخل بهم العراق من أسفلها، فابدأ بفرج الهند، وهي يومئذ الأبلة، وكان صاحبها بساحل أهل السند والهند في البحر، وبساحل العرب في البر، فسار في المحرم إلى أرض الكوفة وفيها المثنى بن حارثة الشيباني، وجعل طريقه البصرة، وفيها قطبة بن قتادة السدوسي.
قال الواقدي: من الناس من يقول: مضى خالد من اليمامة إلى العراق، ومنهم من يقول: رجع من اليمامة فقدم المدينة ثم سار إلى العراق، فمر على طريق الكوفة حتى انتهى إلى الحيرة.
وروى ابن إسحاق، عن صالح بن كيسان [3] : أن أبا بكر رضي الله عنه كتب إلى خالد يأمره أن يسير إلى العراق، فمضى خالد يريد العراق حتى نزل بقريّات من [4]
__________
[1] العنوان ما بين المعقوفتين غير موجود بالأصول.
[2] إلى هنا انتهى السقط من الأصل الّذي بدأ أثناء ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 3/ 343.
[4] كذا في الأصول، وأصول الطبري أيضا.(4/97)
السواد، يقال [لها] : بانقيا وباروسما وأليس، فصالحه أهلها، وكان الذي صالحه عليها ابن صلوبا، وذلك في سنة اثنتي عشرة، فقبل منهم خالد الجزية، وكتب لهم كتابا فيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد لابن صلوبا السوادي- ومنزله بشاطئ الفرات- إنك آمن بأمان الله- إذ حقن دمه بإعطاء الجزية- وقد أعطيت عن نفسك وعن أهلك خرجك وجزيرتك ومن كان في قريتك ألف درهم فقبلتها منك ورضي من معي من المسلمين بها منك، ولك ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذمة المسلمين على ذلك. وشهد هشام بن الوليد.
ثم أقبل خالد بن الوليد بمن معه حتى نزل الحيرة، فخرج إليه أشرافهم مع قبيصة بن إياس الطائي، وكان أمره عليها كسرى بعد النعمان بن المنذر، فقال له خالد ولأصحابه: أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، فإن أجبتم إليه فأنتم من المسلمين، لكم ما لهم وعليكم ما عليهم، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد أتيتكم بأقوام هم أحرص على/ الموت منكم عَلَى الحياة، فنجاهدكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم.
فقال له قبيصة بن إياس: ما لنا بحربك من حاجة بل نقيم على ديننا ونعطيك [الجزية] [1] ، فصالحهم على تسعين ألف درهم، فكانت أول جزية وقعت بالعراق هي والقريات التي صالح عليها ابن صلوبا.
وقال هشام بن الكلبي [2] : إنما كتب أبو بكر إلى خالد وهو باليمامة أن يسير إلى الشام، وأمره أن يبدأ بالعراق فيمر بها، فأقبل خالد يسير حتى نزل النّباج.
[قال: وقال أبو مخنف: حدثني حمزة بن علي، عن رجل من بكر بن وائل] [3] :
أن المثنى بن حارثة سار حتى قدم على أبي بكر رضي الله عنه، فقال: أمرني على من قبلي من قومي، أقاتل من يليني من أهل فارس وأكفيك ناحيتي، ففعل ذلك، فأقبل
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] في أ: «وقال هشام بن محمد» والخبر في الطبري 3/ 344.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري، وفي الأصل: «وروي أن المثنى بن حارثة» . والخبر في تاريخ الطبري 3/ 344، 345.(4/98)
يجمع قومه وأخذ يغير ناحية كسكر مرة، وفي أسفل الفرات مرة، ونزل خالد بن الوليد النّباج والمثنى بن حارثة [بخفان] [1] معسكر، فكتب إليه خالد بن الوليد ليأتيه، وبعث إليه بكتاب من أبي بكر رضي الله عنه يأمره فيه بطاعته، فانقض إليه [جوادا] [2] حتى لحق به [3] .
فأقبل خالد يسير، فعرض له جابان صاحب أليس [4] ، فبعث إليه المثنى بن حارثة، فقاتله فهزمه، وقتل جل أصحابه، إلى جانب نهر، فدعي نهر دم لتلك الوقعة، وصالح أهل أليس [5] ، وأقبل حتى دنا من الحيرة، فخرجت إليه خيول آزاذبه [6] صاحب خيل كسرى التي كانت في مسالح ما بينه وبين العرب، فلقوهم بمجتمع الأنهار، فتوجه إليهم المثنى بن حارثة، فهزمهم [الله] [7] .
ولما رأى ذلك أهل الحيرة خرجوا يستقبلونه، فيهم عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة، وهاني بْن قبيصة، فقال خالد لعبد المسيح: من أثرك؟ قال: من ظهر أبي، قال: من أين خرجت؟ قال: من بطن أمي، قال: ويحك على أي شيء أنت؟ قال: على الأرض، قال: ويلك في أي شيء أنت؟ قال: في ثيابي، قَالَ: ويحك، تعقل؟ قال:
نعم وأقيد، قال: إنما أسألك، قال: وأنا أجيبك، قال: أسلم أنت أم حرب؟ قَالَ: بل سلم، قال: فما هذه الحصون التي أرى؟ قال: بنيناها للسفيه نحبسه حتى يجيء الحليم فينهاه [8] ، قال خالد: إني/ أدعوكم إلى الإسلام، فإن أبيتم فالجزية، وإن أبيتم
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[3] بعدها في تاريخ الطبري: «وقد زعمت بنو عجل أنه كان خرج مع المثنى بن حارثة رجل منهم يقال له:
مذعور بن عدي، نازع المثنى بن حارثة، فتكاتبا إلى أبي بكر، فكتب أبو بكر إلى العجليّ يأمره بالمسير مع خالد إلى الشام، وأقر المثنى على حاله، فبلغ العجليّ مصر، فشرف بها وعظم شأنه، فداره اليوم بها معروفة» .
[4] في الأصل: «الليس» .
[5] في الأصل: «أهل الليس» . وما أوردناه من الطبري.
[6] في أ: «خيول دادبه» ، وفي الأصل: «خيول بادبه» ، وما أوردناه من الطبري.
[7] لفظ الجلالة ساقط من الأصول.
[8] في الأصل: «حتى يجيء الحكيم» وما أوردناه من أ، والطبري.(4/99)
قاتلتكم، قالوا: لا حاجة لنا في حربك، فصالحهم على تسعين ومائة ألف درهم، فكانت أول جزية حملت إلى المدينة من العراق.
وفي رواية أخرى: أن عبد المسيح لما حضر عند خالد وجد معه شيئا يقلبه في كفه، فقال: ما هذا؟ قال: سم، قال: وما تصنع به؟ قال: إن كان عندك ما يوافق قومي حمدت الله وقبلته، وإن كانت الأخرى لم أكن أول من ساق إليهم ذلا أشربه وأستريح من الحياة، قال: هاته. فأخذه خالد، وقال: بسم الله، وباللَّه رب الأرض والسماء الذي لا يضر مع اسمه شيء، ثم أكله فجللته غشية، ثم ضرب بذقنه صدره طويلا ثم عرق وأفاق كأنما نشط من عقال، فرجع ابن بقيلة إلى قومه، فقال: جئتكم من عند شيطان أكل سم ساعة فلم يضره فصانعوا القوم وادرءوهم عنكم فإنهم مصنوع لهم، فصالحوهم على مائة ألف درهم.
[قال مؤلف الكتاب] [1] : وهذا عبد المسيح هو ابن [2] عمرو بن قيس بن حبان بن بقيلة، واسم بقيلة ثعلبة، وقيل: الحارث، وإنما سمي بقيلة، لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين، فقالوا: ما أنت إلا بقيلة. وعاش عبد المسيح ثلاثمائة وخمسين سنة، وكان نصرانيا، وخرج بعض أهل الحيرة يخط ديرا في ظهرها، فلما حفر وأمعن وجد كهيئة البيت، ووجد رجلا على سرير من زجاج وعند رأسه كتابة: أنا عَبْد المسيح بن بقيلة ومكتوب بعده:
حلبت الدهر أشطر، حياتي ... ونلت من المنى فوق المزيد
وكافحت الأمور وكافحتني ... ولم أجعل بمعضلة كؤود
وكدت أنال في الشرف الثريا ... ولكن لا سبيل إلى الخلود
روى مجالد، عن الشعبي [3] : أقرأني بنو بقيلة كتاب خالد إلى أهل المدائن:
«من خالد بن الوليد إلى مرازبة أهل فارس سلام على من اتبع الهدى، أما بعد/
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] في الأصل: «هو عمرو بن قيس» .
[3] الخبر في تاريخ الطبري 3/ 346، والبداية 6/ 386.(4/100)
فالحمد للَّه الذي سلب ملككم، ووهن كيدكم، وإنه من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم الّذي له ما لنا وعليه ما علينا أما بعد، فإذا جاءكم كتابي هذا فابعثوا إلي [بالرهن] [1] بالتي هي أحسن، [2] واعتقدوا مني الذمة، وإلا فو الّذي لا إله غيره لأبعثن إليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة.
فلما قرءوا الكتاب أخذوا يتعجبون، وذلك في سنة اثنتي عشرة.
قال الشعبي [3] : ولما فرغ خالد من اليمامة، كتب إليه أبو بكر رضي الله عنه: إن الله فتح عليك فعارق حتى تلقى عياضا. وكتب إلى عياض بن غنم وهو بين النباج والحجاز: أن سر حتى تأتي المصيخ فابدأ بها، ثم ادخل العراق من أعلاها، وعارق حتى تلقى خالدا. وإذنا لمن شَاءَ بالرجوع، [ولا تستفتحا بمتكاره] [4] .
فلما أذنا للناس ارفضوا، فاستمد خالد أبا بكر رضي الله عنه، فأمده بالقعقاع بن عمرو التميمي وحده، فقيل أتمده برجل واحد، فقال: لا يهزم جيش فيهم مثل هذا، فأمد عياضا بعبد بْن عمرو الحميري، وكتب إليهما أن استنفرا من قاتل أهل الردة، ومن ثبت على الإِسْلامَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يغزون معكم أحد ارتد حتى أرى رأيي، فلم يشهد الأيام مرتد.
فقدم خالد الأبلة وحشر من بينه وبين العراق، فلقي هرمز في ثمانية عشر ألفا، وكتب خَالِد إلى هرمز: أما بعد، وأسلم تسلم، واعقد لنفسك ولقومك الذمة، وأقرر بالجزية، وإلا فلا تلومن إلا نفسك، فقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة.
وقال المغيرة بن عيينة وهو قاضي الكوفة: فرق خالد مخرجه من اليمامة إلى العراق جنده ثلاث فرق، ولم يحملهم على طريق واحدة، فسرح المثنى قبله بيومين ودليله ظفر، وسرح عدي بن حاتم، وعاصم بن عمرو ودليلهما [مالك] [5] بن عباد،
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] «بالتي هي أحسن» : ساقط من أ، والطبري.
[3] تاريخ الطبري 3/ 346.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناها من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.(4/101)
وسالم بن نصر، أحدهما قبل صاحبه بيوم، وخرج ودليله رافع، فوعدهم جميعا الحفير ليجتمعوا به وليصادفوا عدوهم، وكان فرج الهند [1] / أعظم فروج فارس شأنا واشده شوكة، وكان صاحبه يحارب العرب في البر والهند في البحر. ولما قدم كتاب خالد على هرمز، كتب بالخبر إلى شيري بن كسرى، وإلى أردشير بن شيري، وجمع جموعه وتعجل وجعل على مجنبتيه قباز والنوشجان، ونزلوا على الماء، فجاء خالد، فقال لأصحابه: جالدوهم على الماء، فليصيرن الماء لأصبر الفريقين، وتنازل هرمز وخالد وانهزم أهل فارس وأفلت قباز والنوشجان.
وأول ملوك فارس قاتله المسلمون شيري بن كسرى، وبعث خالد بالنفل إلى أبي بكر رضي الله عنه ومعه فيل، فكان يطاف به في المدينة، وكان أهل فارس يجعلون قلانسهم على قدر أحسابهم في عشائرهم، فمن تم شرفه فقيمة قلنسوته مائة ألف، وكان هرمز قد تم شرفه فنفل أَبُو بكر رضي الله عنه خالدا قلنسوته، وكانت مفصصة بالجوهر
. [وقعة المذار] [2]
وبعث شيري إلى هرمز قارن بن قريانس مددا له، فلما انتهى إلى المذار بلغته هزيمة القوم، فعسكر هنالك واستعمل على مجنبته قباذ والنوشجان، وقتل من فارس ثلاثون ألفا سوى من غرق وأعطى خالد الأسلاب من سلبها، وقسم الفيء وبعث ببقية الأخماس مع سعيد بن النُّعمان، وكانت وقعة المذار في صفر سنة اثنتي عشرة
. [ذكر وقعة الولجة] [3]
وأتى الخبر أردشير، فبعث الأندر في خلق كثير، فلقوا خالدا فاقتتلوا قتالا شديدا، وكان لخالد كمين، فخرج على القوم من وجهين، فانهزمت صفوف الأعاجم، وأخذوا من بين أيديهم ومن خلفهم، ومضى الأندر منهزما فمات عطشا.
__________
[1] في الأصل: «فروج الهند» ، وما أوردناه من أ، والبداية 6/ 386، 387.
[2] تاريخ الطبري 3/ 351، والبداية والنهاية 6/ 385.
[3] تاريخ الطبري 3/ 353. والبداية والنهاية 6/ 353.(4/102)
[ذكر خبر أليس وهي على صلب الفرات]
[1] ثم إن النصارى وفارس اجتمعوا بأليس وقد وضعوا الأطعمة يأكلون، فقال: كلوا ولا تحفلوا بهم، فعالجهم خالد فقاتلهم، وقال: اللَّهمّ إن لك علي إن منحتني أكتافهم أن لا أستبقي منهم أحدا قدرنا عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم. فمنحه الله أكتافهم، فأمر مناديه: الأسر الأسر، ولا/ تقتلوا إلا من امتنع، فضرب أعناقهم في النهر، فقيل:
لو قتل أهل الأرض لم تجر دماؤهم، إن الدم لا تزيد على أن تترقرق أرسل عليه الماء تبر يمينك. وكان قد صد الماء عن النهر، فأعاده، فجرى دما عبيطا [2] ، فسمي نهر الدم لذلك إلى اليوم.
وكانت على الماء أرحاء، فطحنت قوت العسكر ثلاثة أيام بالماء الأحمر، وبلغ القتلى سبعين ألفا. ووقف [3] خالد على طعامهم، فقال لأصحابه: قد نفلتكم الطعام، فكان من لا يعرف خبز الرقاق يقول: ما هذه الرقاع البيض، وجعل من يعرفها [يقول] [4] : هل سمعتم برقيق العيش؟ هو هذا
. [حديث أمغيشيا] [5]
ونفذ خالد إلى أبي بكر رضي الله عنه بفتح أليس، فلما فرغ خالد من وقعة أليس جاء إلى أمغيشيا، وقد جلا أهلها فأمر بهدمها، وكانت مصرا كالحيرة، فأصابوا منها ما لم يصيبوا مثله قط، بلغ سهم الفارس ألف وخمسمائة سوى النفل الذي نفله أهل البلاء
. [حديث يوم المقر وفم فرات بادقلي]
[6] ثم خرج آزاذبه وابنه نحو خالد في عسكر كبير، فقتلهم خالد حتى أتى منهم، وهرب آزاذبه، ثُمَّ قصد خالد الحيرة وسار حتى نزل الخورنق والنّجف، وأدخل خالد
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 355، والبداية والنهاية 6/ 386.
[2] أي: دما طريا.
[3] في الأصل: «ووقعت» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ الطبري 3/ 358.
[6] تاريخ الطبري 3/ 3/ 359.(4/103)
الحيرة الخيل، وأمر كل قائد من قواده بمحاصرة قصر من قصورها، فكان ضرار بن الأزور محاصرا للقصر الأبيض، وفيه إياس بن قبيصة الطائي، وكان ضرار بن الخطاب محاصرا قصر العدسيين [1] وفيه عدي بن عدي، وكان ضرار بن مقرن المازني محاصرا قصر بني مازن وفيه ابن أكال، وكان المثنى محاصرا قصر ابن بقيلة، وفيه عمرو بن عبد المسيح، فدعوهم جميعا، وأجلوهم يوما، فأبى أهل الحيرة [ولجوا] [2] ، فناوشهم المسلمون.
فكان أول القواد أنشب القتال ضرار بن الأزور، وصبح كل أمير ثغره، فأكثروا فيهم القتل، وصاحوا: كفوا عنا حتى تبلغونا إلى خالد، وكان أول من طلب الصلح عمرو بن عَبْد المسيح، وهو بقيلة.
فلما وصل الرؤساء إلى خالد، قال: اختاروا واحدة من ثلاث: إما أن تدخلوا في ديننا، وإما الجزية، وإما المناجزة/، فقد والله أتيتكم بأقوام أحرص على الموت منكم على الحياة، قالوا: بل الجزية، فصالحوه على مائة ألف وتسعين ألفا في كل سنة.
فبعث بالهدايا والفتح إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقبلها أبو بكر رضي الله عنه، وكتب إلى خالد: احسب لهم هداياهم من الجزية، وصالحهم خالد في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة. ثم أنهم كفروا بعد موت أبي بكر رضي الله عنه فحاربهم المثنى ثم عادوا فكفروا فقتلهم سعد
. فصل [خبر ما بعد الحيرة] [3]
ولما فتح خالد الحيرة قام شويل، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يذكر فتح الحيرة، فسألته كرامة بنت عبد المسيح، فقال: «هي لك إذا فتحت عنوة» . وشهد له بذلك،
__________
[1] في الأصل: «محاصرا قصر الفرس» ، وما أوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[3] تاريخ الطبري 3/ 365.(4/104)
[وعلى ذلك صالحهم] [1] ، فدفعها إليه، وكان يهزأ بها دهره، فاشتد ذلك على أهلها، فقالت: ما تخافون على امرأة قد بلغت ثمانين سنة، وإنما هذا رجل أحمق رآني في شبيبتي، فظن أن الشباب يدوم، فلما أخذها قالت: ما أربك إلى عجوز كما ترى، فادني، فقال: لست لأم شويل إن [نقصتك] [2] من ألف درهم، فاستكثرت ذلك لتخدعه ثم أتته بها.
فلما سمع الناس ذلك عنفوه، فقال: ما كنت أرى عددا يزيد على ألف.
ولما صالح خالد [3] أهل الحيرة خرج إليه صلوبا صاحب قس الناطف، فصالحه على بانقيا وبسما على ألوف في كل سنة.
وبعث خالد بن الوليد عماله وبعث آخرين على ثغور، ثم إن خالدا كتب إلى أهل فارس وهم في المدائن مختلفون لموت أردشير، وكتب كتابين: كتابا إلى الخاصة، وكتابا إلى العامة، وقال لرجل: ما اسمك؟ قال: مرة قال: خذ هذا الكتاب فأت به أهل فارس، لعل الله أن يمر عليهم عيشهم، وقال لآخر: ما اسمك؟ قال: هزقيل، قال: خذ هذا الكتاب، [وقال] : [4] اللَّهمّ أرهق نفوسهم، وكان في أحد الكتابين [5] :
«بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد إلى ملوك فارس، / أما بعد، فالحمد للَّه الذي حل نظامكم، ووهن كيدكم، وفرق كلمتكم، [ولو لم يفعل ذلك بكم كان شرا لكم] [6] ، فادخلوا في أمرنا ندعكم وأرضكم، ونجوزكم إلى غيركم، وإلا كان ذلك وأنتم كارهون على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة» .
وكان في الكتاب الآخر [7] : «بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد إلى
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري.
[3] تاريخ الطبري 3/ 367.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[5] نص الكتاب في الطبري 3/ 370.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[7] نص الكتاب في الطبري 3/ 370.(4/105)
مرازبة فارس، أما بعد، فالحمد للَّه الذي فرق كلمتكم، وفل حدكم، وكسر شوكتكم، فاسلموا تسلموا، وإلا فأدوا الجزية، وإلا فقد جئتكم بقوم يحبون الموت، كما تحبون الخمر» .
وكان [1] أهل فارس لموت أردشير مختلفين في الملك، وكانوا بذلك سنة، والمسلمون يمخرون ما دون دجلة وليس لأهل فارس فيما بين الحيرة ودجلة أمر، وأمر خالد رسوليه أن يأتياه بالخبر، وأقام في عمله سنة، ومنزله الحيرة، ويصعد ويصوب، وأهل فارس يخلعون ويملكون، وذلك أن شيري بن كسرى قتل كل من كان يناسبه إلى كسرى بن قباذ، ووثب أهل فارس بعده وبعد أردشير، وبعد أردشير ابنه [2] ، فقتلوا كل من بين كسرى بن قباذ وبين بهرام جور، فبقوا لا يقدرون على من يملكونه ممن يجتمعون عليه.
واستقام لخالد من أسفل الفلاليج إلى أسفل السواد، وفرق سواد الحيرة على جماعة من أصحابه، وفرق سواد الأبلة على جماعة من أصحابه
. فصل [حديث الأنبار] [3]
قدم خالد إلى الأنبار، فطاف يخندقهم، وأنشب القتال، وكان قليل الصبر عَن القتال، وتقدم إلى رماته، فقال: إني أرى أقواما لا علم لهم بالقتال، فارموا عيونهم فرموا رشقا واحدًا [4] ، ففقئت ألف عين، فسميت تلك الوقعة ذات العيون، فأتى خالد أضيق مكان في الخندق [برذايا] [5] الجيش، فرماهم فيها، فأفعمه، ثم اقتحم الخندق، فقهرهم. وسميت الأنبار لأنه كان فيها أنابير الحنطة والشعير، والقت والتبن، وكان
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 370، 371.
[2] في الأصل: «وبعده ابنه» وما أوردناه من أ.
[3] تاريخ الطبري 3/ 373.
[4] أي: فرموا وجها واحدا بجميع سهامهم.
[5] ما بين المعقوفتين: بياض في الأصل، والرذايا، جمع رذية، وهي الناقة المهزولة من السير.(4/106)
كسرى بن هرمز يرزق أصحابه/ منها، وكان يسميها الأهراء في زمان يزدجرد بن سابور، ثم صالح خالد من حولهم، وبعث إليهم أهل كلواذى، وكاتبهم على عيبته من وراء دجلة
. فصل [خبر عين التمر]
[1] ولما فرغ خالد من الأنبار استخلف عليها الزبرقان بن بدر، وقصد عين التمر، وكان بها مهران بن بهرام في جمع عظيم، [وعقة بن أبي عقة في جمع عظيم من العرب] [2] ، فقال عقة لمهران: إن العرب أعلم بقتال العرب، فدعنا وخالدا [3] ، فقال:
صدقتم أنتم أعلم، فخدعه واتقى به، فقالت الأعاجم: ما حملك على هذا، فقال: إن كانت له فهي لكم، وإن كانت الأخرى لم تبلغوا منهم حتى تهنوا، فنقاتلهم وقد ضعفوا.
فالتقيا فحمل خالد، فأخذ عقة أسيرا وأسر أصحابه وهرب بعضهم، فلما سمع مهران هرب بجنده وترك الحصن، فاعتصم به قلال العرب، فحاصرهم خالد حتى استنزلهم وضرب أعناقهم وعنق عقة، وسبى منهم سبيا كثيرا، ووجد في بيعتهم أربعين غلاما يتعلمون الإنجيل عليهم باب مغلق، فكسره عنهم، وقسمهم، في أهل البلاء، منهم أبو زياد مولى ثقيف، ونصير أبو موسى بْن نصير، وأبو عمرو جد عبد الله بن عبد الأعلى [الشاعر] [4] ، وسيرين أبو محمد بن سيرين، وحمران مولى عثمان، ومنهم ابن أخت النمر، ويسار مولى قيس بن مخرمة.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 376.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري.
[3] في الأصل: «مدعا وحلدا» كذا بدون نقط، وفي أ: «قد علوا خالدا» ، وفي إحدى نسخ الطبري المخطوط:
«فدعها» ، وما أوردناه عن المطبوع في الطبري.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.(4/107)
فصل [خبر دومة الجندل]
[1] ولما فرغ خالد من عين التمر خلف فيها عويمر بن الكاهن [2] الأسلمي، وخرج فلما بلغ دومة الجندل، وكان عليها رئيسان أكيدر بن عبد الملك [3] ، والجودي بن ربيعة، فاختلفا، فقال أكيدر: أَنَا أعلم الناس بخالد، لا يرى وجهه أحد إلا انهزم، فصالحوا، فأبوا، فقال: لن أمالئكم عَلَى حربه وخرج فعارضه جند خالد، فأخذوه فقتل ونجا خالد، فنزل على دومة/ الجندل، فخرج الجودي، فقتل وتحصن أقوام بالحصن فلم يحملهم، فقتل من تخلف، وقلع باب الحصن، فقتل، وسبى خَالِد بنت الجودي، وكانت موصوفة [بالجمال] [4] وأقام خالد على دومة الجندل، ورد الأقرع بن حابس إلى الأنبار، فتحركت الأعاجم، فكاتبهم عرب الجزيرة غضبا لعقة، فخرج زرمهر ومعه روزبة يريدان الأنبار، واتعدا حصيدا والخنافس، فكتب الزبرقان وهو على الأنبار إلى القعقاع بن عمرو وهو يومئذ خليفة خالد على الحيرة، فبعث القعقاع أعبد بن فدكي السعدي، وأمره بالحصيد، وبعث عروة بن الجعد البارقي [5] ، وأمره بالخنافس، فقتل زرمهر، وروزبة، وقتل من العجم مقتلة عظيمة، وغنم المسلمون يوم حصيد غنائم كثيرة، وأرز فلال [6] حصيد إلى الخنافس فقصدهم ابن فدكي، فهربوا إلى المصيخ.
قال عدي بن حاتم [7] : فبلغ الخبر خالدا فقصدهم فقتلهم على المصيخ، وإذا رجل يقال له: حرقوص بن النعمان من عين النمر، وإذا حوله بنوه وامرأته، وإذا بينهم
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 378.
[2] كذا في الأصول، وإحدى نسخ الطبري المحفوظة، وابن كثير، والنويري: «عويم بن الطاهر» . وفي المطبوع: «عويم بن الكاهل» .
[3] في الأصل: «ابن المنذر بن عبد الملك» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[5] في الأصل: «الباقي» .
[6] فلال، جمع «فل» ، وهم القوم المنهزمون.
[7] تاريخ الطبري 3/ 382.(4/108)
جفنة من خمر وهم عكوف يقولون له: ومن يشرب هذه الساعة، فقال: اشربوا شرب وداع، فما أرى أن تشربوا خمرا بعدها، هذا خالد [بالعين] [1] وجنوده [بحصيد] [2] ، فسبق إليه بعض الخيل، فضربوا رأسه، فإذا هو في جفنته، وأخذنا بناته وقتلنا بنيه
. [الثني والزميل]
[3] ثم خرج خالد من المصيخ، فبدأ بالثني، فبيت أهله وسبى، وبعث بخمس الله إلى أبي بكر، فاشترى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الصهباء ابنة ربيعة بن بجير، فاتخذها فولدت له عَمْرو ورقية.
وكان خالد قد بعث بالمثنى إلى العراق، فأغار على سوق فيها جمع لقضاعة، وهي مكان بغداد اليوم وطعن خالد في البر، وأراد أن يمضي من قراقر إلى سواء، وهما ماءان لكلب، فخاف الضلال، فدلوه على رافع بن عمرو الطائي، وكان هاديا، فقال لخالد: إن الراكب المنفرد ليخاف على نفسه في هذه المفازة، وما يسلكها إلا مغرور، وأنت معك أثقال، فقال: لا بد أن أسلكها، فقال رافع: من استطاع منكم أن يصير أذن راحلته على ماء فليفعل، ثم قَالَ: ابغني عشرين جزورا عظاما سمانا، فأتى بها فأظمأهن حتى أجهدهن عطشا، ثم سقاهن من الماء حتى أرواهن، ثم قطع مشافرهن، ثم جمعهن حتى لا يحترزن فيفسد الماء في أجوافهن، ثُمَّ قال لخالد: سر، فسار فكلما نزلوا نحر من تلك الجزور أربعا فأخذ ما في بطونهن من الماء فسقاه الخيل وشرب الناس مما تزودوا، حتى إذا كان صبيحة اليوم السادس نحر الجزر كلها قال خالد لرافع: ويحك ما عندك؟ قال: أدركت الري إن شاء الله.
وكان رافع يومئذ أرمد، فقال: انظروا، هل ترون شجر عوسج على ظهر الطريق؟
قالوا: لا، قال: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، قد والله إذن هلكت وأهلكت، لا أبا لكم انظروا، فما زوال يطلبونها حتى رأوها، فقال: التمسوا قربها ماء، فنظروا فوجدوا عينا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[3] تاريخ الطبري 3/ 382.(4/109)
فشربوا وارتوا، فقال رافع: ما سلكتها قط إلا مع أبي وأنا غلام، فقال بعض المسلمين في ذلك ارتجازا:
للَّه در خالد أنى اهتدى ... في زمن قراقر إلى سوى
خمسا إذا ما ساره الجيش بكى ... ما سارها قبلك إنسان أرى
عند الصباح يحمد القوم السرى
قال: فأغار خالد على ناس من ثعلب وبهرا وعلى غسان
. فصل [حديث الفراض]
ثم قصد الفراض، فحميت الروم واغتاظت واستعانوا بمن يليهم من مشايخ أهل فارس، واستمدوا تغلبا وإيادا والنمر فأمدوهم، ثم ناهدوا خالدا حتى إذا صار الفراض [1] بينهم، قَالُوا: إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر/ إليكم، قال خالد: بل اعبروا إلينا، قالوا:
فتنحوا حتى نعبر، فقال خالد: لا نفعل ولكن اعبروا أسفل منا، وذلك للنصف من ذي القعدة سنة اثنتي عشرة، فقالت الروم وفارس بعضهم لبعض: احتسبوا ملككم، هذا رجل يقاتل عن دين، والله لينصرن ولنخذلن، فعبروا، فقالت الروم: امتازوا حتى نعرف الحسن والقبيح من أينا يجيء، ففعلوا فقاتلوا قتالا طويلا، ثم هزمهم الله، وقال خالد للمسلمين: ألحوا عليهم [ولا ترفهوا عنهم] [2] . فقتل يوم الفرار مائة ألف، وأقام هناك بعد الوقعة عشرا، ثم أذن في القفول إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة، وأمر عاصم بن عمرو أن يسير بهم، وأمر شجرة بن الأغر أن يسوقهم، وأظهر خالد أنه في الساقة.
__________
[1] في الأصل: «الفراة» ، والتصحيح من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.(4/110)
[حجة خالد] [1] وخرج خالد حاجا من الفراض [2] متكتما بحجه، يعتسف البلاد [3] حتى أتى مكة بالسمت [4] ، فتأتى له من ذلك ما لم يتأت له بدليل، وصار طريقا من طرق أهل الحيرة، فلما علم أبو بكر بذلك عتب عليه، وكانت عقوبته له أن صرفه إلى الشام، وكتب إليه:
سر حتى تأتي بجموع المسلمين باليرموك، وإياك أن تعود لما فعلت، وأتم يتم الله لك ولا يدخلك عجب فتخسر، وإياك أن تدل بعملك فإن الله له المن، وهو ولي الجزاء.
وهذا كله كان في سنة اثنتي عشرة
. ومن الحوادث في هذه السنة [عمرة أبي بكر رضي الله عنه في رجب]
إن أبا بكر اعتمر في رجب، فدخل مكة ضحوة، فأتى منزله وأبو قحافة جالس على باب داره ومعه فتيان يحدثهم، فقيل له: هذا ابنك، فنهض قائما وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته فنزل عنها وهي قائمة، فجعل يقول: يا أبه لا تقم، ثم التزمه وقبل بين عينيه وهو يبكي فرحا بقدومه، وجاء إلى مكة عتاب بن أسيد، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هِشَام، فسلموا عليه: سلام عليك يا خليفة رسول الله، وصافحوه جميعا، فجعل أبو بكر يبكي حين يذكرون رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وسلموا/ على أبي قحافة، فقال أبو قحافة: يا عتيق هؤلاء الملأ فأحسن صحبتهم، فقال أبو بكر: يا أبه لا حول ولا قوة إلا باللَّه، طوقت عظيما من الأمر لا قوة لي به ولا يدان إلا باللَّه، وقال: هل أحد يشتكي ظلامة، فما أتاه أحد. وأثنى النّاس على واليهم
. وفي هذه السنة تزوج عمر بن الخطاب عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 384.
[2] في الأصل: «من الفراة» .
[3] اعتسف الطريق إذا قطعه دون صوب توخاه فأصابه.
[4] السمت: السير على الطريق بالظن.(4/111)
وفيها: تزوج علي عليه السلام أمامة بنت أبي العاص بن الربيع.
وفيها: اشترى عمر أسلم مولاه.
وفي هذه السنة: حج أبو بكر رضي الله عنه بالناس [1] ، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
155-[بشير بن سعد بن ثعلبة [2] :
شهد العقبة مع السبعين، وبدرا، وأحدا، والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وبعثه سرية إلى بني مرة بفدك، وقتل يوم عين التمر مع خالد بن الوليد
. 156- ثمامة بن حبيب، أبو مروان، وهو مسيلمة الكذاب:
وقد سبقت أخباره
. 157- السائب بن عثمان بن مظعون [3] :
هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وكان من الرماة المذكورين، وشهد بدرا والمشاهد كلها، وأصابه سهم يوم اليمامة، فمات منه وهو ابن بضع وثلاثين سنة
. 158- عبد الله بن عبد الله بن أبي مالك: [4] :
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وكان يغمه أمر أبيه، وهو الذي قال له: والله لا تدخل المدينة حتى تقر أنك أذن ورسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الأعز. واستأذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ في قتله فلم يأذن له، فمات أبوه، فشهده رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ووقف على قبره، وعزا ابنه عنه.
وقتل عبد الله بن عبد الله يوم جواثا في هذه السنة.
__________
[1] في الطبري 3/ 386: «وقال بعضهم: حج بالناس عمر بن الخطاب» .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 83، ومن هنا حتى آخر ترجمة كناز ساقط من الأصل.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 292.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 89.(4/112)
159- عكاشة بن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة، يكنى أبا محصن [1] :
شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، [وبعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] [2] بسرية إلى الغمر في أربعين رجلا، وقتل ببزاخة في هذه السنة، وهو ابن خمس وأربعين سنة
. 160- كناز بن الحصين بن يربوع بن طريف، أبو مرثد الغنوي [3] :
حليف حمزة بن عبد المطلب، شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، وتوفي في هذه السنة وهو ابن ست وستين سنة] [4]
. 161- مهشم [5] بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو العاص [6] :
وأمه هالة بنت خويلد، وخالته خديجة زوج رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ. تزوج زينب ابنة.
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ قبل الإسلام، فولدت له عليا وأمامة. فتوفي علي صغيرا، وبقيت أمامة، فتزوجها علي رضي الله عنه بعد موت فاطمة عليها السلام.
وكانت زينب قد أسلمت وهاجرت وأبى أبو العاص أن يسلم، فشهد بدرا مع المشركين، فأسره عَبْد الله بن جبير بن النعمان، فقدم في فدائه أخوه عمر بن الربيع، وبعثت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وهي يومئذ بمكة بقلادة لها كانت لخديجة من جزع ظفار، وظفار جبل باليمن، وكانت خديجة أدخلتها على أبي العاص بتلك القلادة، فلما بعثت بها في فداء زوجها عرفها رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، ورق لها وذكر خديجة وترحم عليها، وقال: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها متاعها فعلتم» ، فأطلقوه وردوا القلادة، وأخذ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ على أبي العاص أن يخلي سبيلها ففعل.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 64.
[2] ما بين المعقوفتين: من هامش أ.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 32.
[4] إلى هنا انتهى السقط من الأصل من ترجمة بشير بن سعد» .
[5] في أ: «مقسم» .
[6] البداية والنهاية 6/ 398.(4/113)
/ وفي رواية أن أبا العاص كان في عير لقريش، فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ زيد بن حارثة في جماعة فأخذوها وأسروا أبا العاص، فدخل أبو العاص على زينب امرأته واستجار بها فأجارته، وسألت رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ أن يرد عليه ما أخذ منه، ورجع إلى مكة فأدى ما عليه من الحقوق، ثم أسلم ورجع إلى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ مسلما مهاجرا، فرد إليه زينب.
وتوفي أبو العاص في ذي الحجة من هذه السنة، وأوصى إلى الزبير
.(4/114)
ثُمَّ دخلت سنة ثلاث عشرة
فمن الحوادث فيها تجهيز أبي بكر رضي الله عنه الجيوش إلى الشام بعد منصرفه من حجه
[1] [أن أبا بكر رضي الله عنه جهز الجيوش إلى الشام بعد منصرفه من حجه] [2] فبعث عمرو بن العاص قبل فلسطين، وبعث أبا عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة وأمرهم أن يسلكوا التبوكية على البلقاء من علياء الشام [3] .
وأول لواء عقده لواء خالد بن سعيد بن العاص، ثم عزله قبل أن يسير، وولى يزيد بن أبي سُفيان، فكان أول الأمراء الذين خرجوا إلى الشام، وخرجوا في سبعة آلاف [4] .
[أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْمَأْمُونِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، حَدَّثَنَا البغوي، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ الثِّمَارِ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْحَكَمِ، عَنْ نَافِعٍ] [5] ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَزِيدَ [6] بْنَ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى الشَّامِ وَمَشَى مَعَهُمْ نحوا من
__________
[1] العنوان ساقط من أ.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] نقله المؤلف من الطبري 3/ 387 عن ابن إسحاق.
[4] تاريخ الطبري الجزء والصفحة.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عمر» .
[6] في الأصل: «أن أبا بكر لما بعث يزيد» .(4/115)
مِيلَيْنِ، فَقِيلَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، لَوِ انْصَرَفْتَ، فَقَالَ: لا، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أُغْبِرَتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهَا اللَّهُ عَلَى النَّارِ» . ثُمَّ بَدَا لَهُ الانْصِرَافُ، فَقَامَ فِي الْجَيْشِ، فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، لا تَعْصُوا، وَلا تَغُلُّوا، وَلا تَجْبُنُوا، وَلا تَهْدِمُوا بَيْعَةً، وَلا تُعْرِقُوا نَخْلا، وَلا تَحْرُقُوا زَرْعًا، وَلا تَقْطَعُوا شَجَرَةً مُثْمِرَةً، وَلا تَقْتُلُوا شَيْخًا كَبِيرًا وَلا صَبِيًّا صَغِيرًا، وَسَتَجِدُونَ أَقْوَامًا حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لِلَّذِي حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ فَذَرُوهُمْ وَمَا حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ، وَسَتَرِدُونَ بَلَدًا يَغْدُو عَلَيْكُمْ وَيَرُوحُ فِيهِ أَلْوَانُ/ الطَّعَامِ فَلا يَأْتِيكُمْ لَوْنٌ إِلا ذَكَرْتُمُ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ
. فصل [في سبب عزل خالد بن سعيد]
[1] وكان سبب عزل أبي بكر رضي الله عنه خالد بن سعيد ما روى ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بَكْر، قال: قدم خالد بن سعيد من اليمن بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فتربص ببيعة أبي بكر شهرين، ولقي علي بن أبي طالب، وعثمان رضي الله عنهما، فقال: يا بني عبد مناف، لقد طبتم نفسا عن أمركم يليه غيركم، فأما أبو بكر فلم يجعلها عليه، وأما عمر فاضطغنها عليه. فلما أمره قال عمر: أتؤمره وقد صنع ما صنع، وقال ما قال، فلم يزل به حتى عزله، وأمر يزيد بن أبي سفيان [2] . ثم جعله ردا بتيماء، فأطاع عمر في بعض أمره، وعصاه في بعض، وقال له: انزل بتيماء ولا تبرح، وادع من حولك بالانضمام إليك، ولا تقاتل إلا من قاتلك حتى يأتيك أمري. فاجتمع إليه جموع كثيرة وبلغ الروم عظم ذلك العسكر، فضربوا على العرب البعوث، فكتب بالخبر إلى أبي بكر رضي الله عنه، فكتب إليه، أقدم تحجم، واستنصر الله، فسار إليهم خالد فتفرقوا وأعروا منزلهم فنزله، ودخل عامة من كان يجمع له في الإسلام، فسار بمن معه فأقبل إليه بطريق من بطارقة الروم يدعى باهان فهزمه وقتل جنده، وكتب بذلك إلى أبي بكر الصديق واستمده.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 387، 388.
[2] إلى هنا نقل المؤلف من الطبري.(4/116)
ولما بلغ [1] [الخبر] [2] الروم وأحوال الأمراء المبعوثين كتبوا إلى هرقل، فقال لأصحابه: أرى من الرأي ألا تقاتلوا هؤلاء القوم، وأن تصالحوهم، فلم يقبلوا منه، فخرج هرقل حتى نزل بحمص، فعبى لهم العساكر، وبعث إلى تذارق، فخرج في تسعين ألفا، فنزلوا على فلسطين، وبعث جرجة بن وذار نحو يزيد ابن أبي سفيان. فعسكر بإزائه، وبعث إليه الدّارقص فاستقبل شُرَحْبيل بن حسنة، وبعث الفيقار بن نسطوس في ستين ألفا نحو أبي عبيدة، فهابهم المسلمون، وكتب المسلمون إلى أبي بكر/ وإلى عمر: ما الرأي؟ فكتب عمر: الرأي الاجتماع، فاتعدوا باليرموك، وجاء كتاب إلى أبي بكر رضي الله عنه بمثل رأي عمر، اجتمعوا باليرموك، فتكونوا عسكرا واحدا، ولن يؤتى مثلكم من قلة، الله ناصر من نصره، وليصل كل رجل منكم بأصحابه.
فبلغ ذلك هرقل، فكتب إلى بطارقته: اجتمعوا لهم، وانزلوا بالروم منزلا واسع العطن [3] ، واسع المطرد، ضيق المهرب، وعلى الناس التذارق، وعلى المقدمة جرجه، وعلى مجنّبتيه باهان والداراقص، وعلى العرب الفيقار.
ففعلوا [4] ونزلوا الواقوصة، وهي على ضفة اليرموك، وصار الوادي خندقا لهم، ونزل المسلمون بحذائهم على طريقهم، وليس للروم طريق إلا عليهم، فقال عمرو:
أبشروا حصرت [5] الروم، وقلما حاصر قوم قوما إلا ظفروا بهم، وأقاموا بذلك صفر من سنة ثلاث عشرة، وشهري ربيع لا يقدرون من الروم على شيء، ولا يخلصون إليهم ولا يخرج الروم خرجة إلا أديل [6] [المسلمون] [7] عليهم.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 392.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «أهل العطن» .
[4] تاريخ الطبري 3/ 393.
[5] في الأصل: «حضرت الروم» .
[6] في اللسان: أديل لنا على أعدائنا، أي نصرنا عليهم وكانت الدولة لنا.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.(4/117)
وكتب أبو بكر إلى خالد أن يلحق بهم، وأمره أن يخلف على العراق المثنى، فوافاهم في ربيع، وأمد هرقل الروم بباهان، فطلع عليهم وقد قدم قدامه الشمامسة والرهبان والقسيسين [1] يحضونهم [2] على القتال، فوافى قدومهم قدوم خالد، فقاتل خالد باهان، وقاتل الأمراء من يليهم، فهزم باهان، وتتابعت الروم على الهزيمة، فاقتحموا خندقهم. وكان المشركون مائتي ألف وأربعين ألفا، منهم ثمانون ألف مقيد، وأربعون ألفا مسلسل للموت، وأربعون ألفا مربطون بالعمائم للموت، وثمانون ألف فارس، وثمانون ألف راجل. وكان المسلمون سبعة وعشرين ألفا إلى أن قدم خالد في تسعة آلاف، فصاروا ستة وثلاثين ألفا. وقيل: ستة وأربعين ألفا، فمرض أبو بكر رضي الله عنه، وتوفي قبل الفتح بعشر ليال
. ذكر خبر اليرموك
[3] لما اجتمع القوم باليرموك أخذ الرهبان يحرضونهم/ وينعون إليهم النصرانية، فخرجوا للقتال في جمادى الآخرة، فقام خالد في الناس، فقال: اجتمعوا وهلموا فلنتعاور الإمارة، فليكن عليها بعضنا اليوم، والآخر غدا، والآخر بعد غد، [حتى يتأمر كلكم] [4] ، ودعوني اليوم إِلى أمركم، فإنا إن رددنا القوم إلى خندقهم لم نزل نردهم، وإن هزمونا لم نفلح بعدها.
فأمروه، فخرجت الروم في تعبية لم ير الراءون مثلها، وخرج خالد في ستة وثلاثين كردوسا [5] إِلى أربعين، فجعل القلب كراديس، وأقام فيه أبا عبيدة، وجعل الميمنة كراديس وعليها عَمْرو بن العاص وفيها شرحبيل بن حسنة، وجعل الميسرة كراديس وعليها يزيد بن أبي سفيان، وكان على كردوس من كراديس العراق القعقاع بن عمرو، وعلى كردوس مذعور بن عدي، وعياض بن غنم على كردوس،
__________
[1] في الأصل: «القساقسة» .
[2] في الأصل: «يحرضونهم، وفي الطبري يمغرونهم ويحضضونهم» .
[3] تاريخ الطبري 3/ 394.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري 3/ 396.
[5] الكردوس: القطعة العظيمة من الخيل، يقال: كردوس القائد خيلة، أي جعلها كتيبة منه.(4/118)
وهاشم بن عتبة على كردوس، وزياد بن حنظلة على كردوس، وخالد في كردوس.
وعلى فالة خالد بْن سعيد دحية بن خليفة على كردوس، وأبو عبيدة في كردوس، وسعيد بن خالد على كردوس، وأَبُو الأعور بن سفيان على كردوس، وابن ذي الخمار على كردوس، وفي الميمنة عمارة بن مخشي بن خويلد على كردوس، وشرحبيل على كردوس ومعه خالد بن سعيد، وعبد الله بن قيس على كردوس، وعمرو بن عبسة على كردوس، والسمط بن الأسود على كردوس، وذو الكلاع على كردوس، ومعاوية بن حديج على كردوس، وجندب بن عمرو بن حممة [1] على كردوس، وعلى هذا بقية الكراديس.
وكان قاضي [2] القوم أبا الدرداء، وكان القاص فيهم أبو سفيان بن حرب، يسير فيهم فيقف عَلَى الكراديس فيقول الله الله، إنكم أنصار الإسلام، اللَّهمّ هذا يوم من أيامك، اللَّهمّ أنزل نصرك على عبادك.
وكان على الطلائع قباث بن أشيم، وعلى الأقباض [3] عبد الله/ بن مسعود.
فشهد اليرموك ألف من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فيهم نحو مائة من أهل بدر.
ونشب القتال [4] ، والتحم الناس، وتطارد الفرسان، فإنهم على ذلك إذ قدم البريد من المدينة، وهو محمية بن زنيم، فأخذته الخيول، وسألوه الخبر، فلم يخبرهم إلا بسلامة، وأخبرهم عن أمداد، وإنما جاء بموت أبي بكر وتأمير أبي عبيدة، فأبلغوه خالدا، فأسر إليه خبر أبي بَكْر رضي الله عنه، فأخبره بما قال للجند، فقال: أحسنت، وأخذ الكتاب وجعله في كنانته، وخاف إن هو أظهر ذلك أن ينتشر عليه أمر الخيل، فوقف محمية [بن زنيم] مع خالد.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جعفر، قال:
__________
[1] في الأصل، أ: «خباب بن عمرو بن حمصة» ، وما أوردناه من الطبري 3/ 397.
[2] تاريخ الطبري 3/ 397.
[3] الأقباض: جمع قبض، بفتحتين، وهو ما جمع من الغنائم.
[4] تاريخ الطبري 3/ 398.(4/119)
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ] [1] عَيَّاضَ الأشعري، قال:
شهدت اليرموك وَعَلَيْنَا خَمْسَةً أُمَرَاءٍ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَابْنُ حَسَنَةَ، وَخَالِدُ بن الوليد، وعياض- وليس عياض هذا بالذي حَدَّثَ سِمَاكًا عَنْهُ- قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا كَانَ قِتَالٌ فَعَلَيْكُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ، قَالَ: فَكَتَبْنَا إِلَيْهِ: إِنَّهُ قَدْ جَاشَ إِلَيْنَا الْمَوْتُ وَاسْتَمْدَدْنَاهُ. فَكَتَبَ إِلَيْنَا: إِنَّهُ قَدْ جَاءَنِي كِتَابُكُمْ تَسْتَمِدُّونِي، وَإِنِّي أَدَلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَعَزُّ نَصْرًا وَأَحْضَرُ جُنْدًا، اللَّهُ عَزَّ وجل، فاستنصروه، فإن محمدا صلّى الله عليه وآله وسلم قَدْ نُصِرَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي أَقَلِّ مِنْ عِدَّتِكُمْ، فَإِذَا أَتَاكُمْ كِتَابِي هَذَا فَقَاتِلُوهُمْ وَلا تُرَاجِعُونِي.
قال: فقتلناهم فهزمناهم، وقتلناهم أربع فراسخ. قال: وأصبنا أموالا، فتشاوروا، فأشار علينا عياض: أن نعطى عن كل رأس عشرة، قال: وقال أبو عبيدة:
من يراهني؟ فقال شاب: أنا إن لم تغضب. قال: فسبقه، فرأيت عقيصتي [2] أبي عبيدة تنفران [3] وهو خلفه على فرس عربي [4] .
قال علماء السير: وخرج جرجة [5] ، حتى كان بين الصفين، ونادى: ليخرج إلي خالد، فخرج إليه خالد وأقام [6] أبا عبيدة مكانه/، [فوافقه بين الصفين، حتى اختلفت أعناق دابتيهما، وقد أمن أحدهما صاحبه] [7] فقال جرجة: يا خالد، أصدقني ولا تكذبني فإن الحر لا يكذب، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل باللَّه، هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاكه. فلا تسله على أحد [8] إلا هزمتهم؟ قال:
لا، قال: فبم سميت سيف الله؟ قال: إن الله عز وجل بعث فينا نبيه، فدعانا فنفرنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عياض» .
[2] العقيصة: «الذؤابة من الشعر.
[3] تنفران: تهتزان من شدة الجري.
[4] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 1/ 49.
[5] «جرجة» بفتحات كما ضبطه صاحب القاموس وقال: «اسم مقدم عسكر الروم يوم اليرموك» .
[6] في الأصل: «فخرج إليه خالد وقد أمن كل واحد صاحبه، وأقامه خالد» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري 3/ 398.
[8] في الطبري: «فلا تسله على قوم» .(4/120)
منه [1] ، ونأينا عنه، ثم بعضنا صدقه وتابعه، وبعضنا باعده وكذبه، فكنت فيمن كذبه وقاتله، ثم إن الله تعالى أخذ بقلوبنا فهدانا به، فتابعناه [2] . فقال: «أنت سيف من سيوف الله سله على المشركين» ، ودعا لي بالنصر، فسميت سيف الله بذلك، فأنا من أشد المسلمين على المشركين. فَقَالَ: صدقتني يا خالد، أخبرني إلام تدعون؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند الله، قال: فمن لم يجبكم؟ قال: فالجزية، قَالَ: فإن لم يجبكم ويعطها، قال: نؤذنه بحرب، ثم نقاتله، قال: فما منزلة الذي [يدخل فيكم و] يجيبكم إلى هذا الأمر اليوم؟
قال: منزلتنا [واحدة] [3] قال: هل لمن دخل فيه اليوم مثل ما لَكُمْ من الأجر؟ قال: نعم، قال: وكيف يساويكم وقد سبقتموه، قال: إنا دخلنا في هذا الأمر ونبينا حي بين أظهرنا يأتيه خبر السماء، وحق لمن رأى ما رأينا أن يسلم ويتابع [4] ، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج، فمن دخل في هذا الأمر بنية حقيقية كان أفضل، فقال له: صدقتني، وقلب الترس ومال مع خالد، وقال: علمني الإسلام، فمال به خالد إلى فسطاطه، فشن عليه ماء، ثم صلى به ركعتين، وحملت الروم مع انقلابه إلى خالد، وهم يرون أنها منه حيلة، فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية، عليهم عكرمة والحارث بن هشام.
وركب خالد ومعه جرجة/ وتراجعت الروم إلى مواقفهم فزحف خالد حتى تصافحوا بالسيوف، فضرب فيهم خالد وجرجة من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب، ثم أصيب جرجة، ولم يصل صلاة سجد فيها إلا الركعتين [5] اللتين أسلم عليهما، وصلى الناس الظهر والعصر إيماء، وتضعضع الروم، ونهد خالد بالقلب حتى كان بين خيلهم [6] ورجلهم وهربوا، فانفرج المسلمون لهم، فذهبوا في البلاد، وأقبل المسلمون على الرجل ففضوهم، فاقتحموا في خندقهم، فتهافت عشرون ومائة ألف،
__________
[1] في الطبري: «فنفرنا عنه» .
[2] في الأصل: «فبايعناه» ، وما أوردناه من أ، والطبري.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول. وأوردناه من الطبري.
[4] في الطبري: «ويبايع» .
[5] في الأصل: «ولم يصل سوى تلك الركعتين» وما نقلناه من الطبري.
[6] في الأصل: «كان من خيلهم» .(4/121)
وكان الفيقار قد بعث رجلا عربيا، فقال: ادخل في هؤلاء القوم يوما وليلة، ثم ائتني بخبرهم، فجاء فقال: بالليل رهبان وبالنهار فرسان، ولو سرق ابن ملكهم قطعوا يده، ولو زنا رجم لإقامة الحق فيهم، فَقَالَ: لبطن الأرض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها، فلما أقبلوا تجلجل الفيقار وأشراف من الروم برانسهم، ثم جلسوا وقالوا: لا نحب أن نرى يوم السوء إذا [1] لم نستطع أن نرى يوم السرور، وإذ لم نستطع أن نمنع النصرانية فأصيبوا في تزملهم.
وقال عكرمة بن أبي جهل يومئذ [2] : قاتلت رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ في كل موطن، وأفر منكم اليوم، ثم نادى: من يبايع على الموت؟ فبايعه الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعا جراحا. وأتى خالد [بعد ما أصبحوا] [3] بعكرمة جريحا، فوضع رأسه على فخذه، وبعمرو بن عكرمة فوضع رأسه على ساقه، وجعل يمسح عن وجوههما [4] ، ويقطر في حلوقهما الماء، [ويقول: كلا، زعم ابن الحنتمة أنا لا نستشهد] [5] .
وأصيبت يومئذ عين أبي سفيان، فأخرج السهم من عينه [أبو] [6] حثمة. وقاتل النساء يومئذ، منهن جويرية [7] بنت أبي سفيان [8] .
وقتل الله أخا هرقل، وأخذ التذارق [9] ، وانتهت الهزيمة إلى هرقل وهو دون مدينة حمص، فارتحل فجعل مدينة حمص بينه وبينهم [10] .
__________
[1] في الأصل: «يوم السواد إن» ، والتصحيح من الطبري.
[2] تاريخ الطبري 3/ 401.
[3] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[4] في الأصل: «في وجوههما» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[7] في الأصل: «جويرثة» .
[8] من خبر في تاريخ الطبري، عن أبي أمامة بتصرف (تاريخ الطبري 3/ 101.
[9] من خبر في تاريخ الطبري 3/ 403 عن يزيد بن سنان، عن رجال من أهل الشام ومن أشياخهم بتصرف.
[10] في الأصل: البدارق، وفي أ: التدارق، وما أوردناه من الطبري.(4/122)
كانت وقعة اليرموك في سنة/ ثلاث عشرة، وكانت أول فتح فتح على عمر بعد عشرين ليلة من متوفى أبي بكر رضي الله عنه.
وأما الواقدي فإنه يقول في سنة خمس عشرة.
[أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، ومحمد بن ناصر، قالا: أَخْبَرَنَا ابْن المبارك بْن عَبْد الجبار، أَخْبَرَنَا أبو مُحَمَّد الجوهري، أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، أخبرنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حَدَّثَني أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن عبيد] [1] ، عن ابن الأعرابي، قال:
استشهد باليرموك عكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، وجماعة من بني المُغِيرة، فأتوا بماء وهم صرعى، فتدافعوه حتى ماتوا ولم يذوقوه. أتي عكرمة بالماء، فنظر إِلى سهيل بن عمرو ينظر إليه، فقال: ابدءوا بذا، فنظر سهيل إلى الحارث بن هشام ينظر إليه، فقال: ابدءوا بذا، فماتوا كلهم قبل أن يشربوا، فمر بهم خالد، فقال: بنفسي أنتم. كذا في هذه الرواية عن ابن الأعرابي.
فأما عكرمة فاستشهد، وأما الحارث وسهيل فاستشهدا بعد ذلك بزمان.
قال علماء السير: وأتى خالد دمشق فجمع له صاحب بصرى، فسار إليه هو وأبو عبيدة، فظفروا بالعدو، وطلب العدو الصلح فصولحوا على كل رأس دينار في كل عام، وجريب حنطة، ثم رجع العدو على المسلمين، فتوافت جنود المسلمين والروم بأجنادين، فالتقوا يوم السبت لليلتين بقيتا من جمادى الأولى، فظهر المسلمون على المشركين، وقتل خليفة هرقل في رجب
. وكان من الحوادث في هذه السنة [وقعة جرت بالعراق بعد مجيء خالد إلى الشام]
[2] أنه استقام أمر فارس على شهربراز بن أردشير بن شهريار، فوجه إلى المثنى الذي استخلفه خالد على العراق جندا عظيما عليهم هرمز بن جاذويه في عشرة آلاف، ومعه فيل،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن الأعرابي» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 411، 412، والبداية والنهاية 7/ 18.(4/123)
وكتب مسالح [1] المثنى إليه بإقبال العدو، فخرج المثنى من الحيرة نحوه، وضم إليه المسالح [2] وأقام ببابل، وأقبل هرمز بن جاذويه، وكتب إلى المثنى: إني قد بعثت إليك جندا من وخش أهل [3] فارس، إنما هم رعاة الدجاج/ والخنازير، فلست أقاتلكم إلا بهم. فأجابه المثنى: إن الّذي يدل عليه الرأي أنكم اضطررتم إلى ذلك، فالحمد للَّه الذي رد كيدكم إلى رعاة الدجاج والخنازير. فجزع أهل فارس من كتابه [4] وقالوا:
جرأت علينا عدونا.
فالتقوا ببابل، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم أن ناسا من المسلمين قصدوا الفيل وقتلوه، فانهزم أهل فارس، واتبعتهم المسلمون يقتلونهم، ومات شهربراز حين انهزم هرمز بن جاذويه.
ثم اجتمع أهل فارس على دخت زنان ابنة كسرى، فلم ينفذ لها أمر فخلعت [5] .
وملك سابور بن شهربراز [6] ، وقام بأمره الفرخزاذ بن البندوان، فسأله أن يزوجه آزرميدخت بنت كسرى، ففعل فغضبت من ذلك، وقالت: يا ابن عم أتزوجني عبدي؟
فقال: استحيي من هذا الكلام [ولا تعيديه] [7] ، فإنه زوجك. فشكت إليه الذي تخاف، فقال لها: قولي له، ليقل له فليأتك فأنا أكفيكه.
فلما كانت ليلة العرس [أقبل الفرخزاد حتى دخل] [8] ، فثار به سياوخش، فقتله ومن معه، ثم نهد بها إلى سابور فحضرته ثم دخلوا عليه فقتلوه.
وملكت آزرميدخت بنت كسرى، وأبطأ خبر المسلمين على أبي بكر رضي الله عنه، فخلف المثنى على المسلمين بشير بن الخصاصية، فخرج إلى أبي بكر رضي الله
__________
[1، 2] في الأصل: «مشايخ» .
[3] الوخش: رذال الناس.
[4] في الأصول: «وخرج لها أهل فارس وقالوا» . وما أوردناه من أ.
[5] تاريخ الطبري 3/ 413.
[6] تاريخ الطبري 3/ 413.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.(4/124)
عَنْهُ ليخبره خبر المسلمين والمشركين ويستأذنه في الاستعانة بمن ظهرت توبته وندمه من أهل الردة، فقدم المدينة وأبو بكر رضي الله عنه مريض، فقال لعمر: إني أرجو أن أموت من يومي هذا، فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى، وإن تأخرت إلى الليل فلا تصبحن حتى تندب الناس معه، ولا تشغلنكم مصيبة عن دينكم، وقد رأيتني متوفى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وما صنعت.
فمات أبو بكر رضي الله عنه وندب عمر الناس مع المثنى
. ومن الحوادث في هذه السنة مرض أبي بكر رضي الله عنه [1]
/ وحدث في مرضه أنه عقد الخلافة من بعده لعمر رضي الله عنهما.
ولما أراد [2] ذلك دعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: أخبرني عن عمر [بن الخطاب] [3] ، فقال: هو والله أفضل من رأيك فيه من رجل، [ولكن] [4] فيه غلظة، فقال أبو بكر: ذاك لأنه يراني رقيقا، ولو أفضى الأمر إليه لترك كثيرا مما هو عليه، ثم دعا عثمان [ابن عفان] [5] فقال: أخبرني عن عمر، فَقَالَ: أنت أخبرنا به، فقال: على ذلك [يا أبا عبد الله، فقال عثمان] [6] : اللَّهمّ [علمي به] [7] أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله، فقال أبو بكر رضي الله عنه: [يرحمك الله، والله] [8] لو تركته ما عدوتك.
ثم قال له [9] : اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما عهد أبو بكر بن أبي
__________
[1] تكررت في الأصل: «مرض أبي بكر» .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 141، وتاريخ الطبري 3/ 428.
[3] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد والطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: من أ، وابن سعد.
[8] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[9] تاريخ الطبري 3/ 429، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 142.(4/125)
قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا [منها] [1] ، وأول عهده بالآخرة داخلا فيها حين يؤمن الكافر ويوقن الفاجر، [ويصدق الكاذب] [2] ، إني استخلفت عليكم.
ثم أغشي عليه، فكتب عثمان: [إني أستخلف عليكم] [3] عمر بن الخطاب.
فلما أفاق أبو بكر قال: اقرأ علي، فقرأ عليه، فكبر وقال: أراك خفت أن يختلف الناس إن أفلتت نفسي في غشيتي، قال: نعم، قال: جزاك الله خيرا عن الإسلام وأهله، وأقرها أبو بكر رضي الله عنه، وأمره فخرج عَلَى الناس بالكتاب، فبايعوه لمن فيه، قد علموا أنه عمر، ودخل عليه قوم، فقالوا: ما تقول لربك إذا سألك عن استخلافك عمرو أنت ترى غلظته، فقال: أجلسوني، أباللَّه تخوفوني، خاب من تزود من أمركم بظلم، أقول اللَّهمّ استخلفت عليهم خير أهلك. ثم دعا عمر وأوصاه.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري، قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مُسْرُوقٍ] [4] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
لَمَّا مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، قَالَ: انْظُرُوا مَا زَادَ فِي مَالِي مُنْذُ دَخَلْتُ الإِمَارَةَ فَابْعَثُوا بِهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِي، فَإِنِّي قَدْ كُنْتُ اسْتَصْلَحْتُهُ جَهْدِي، وَكُنْتُ أُصِيبُ مِنَ [الْوَدَكِ نَحْوًا مِمَّا كُنْتُ أُصِيبُ فِي] [5] التِّجَارَةِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا مَاتَ نَظَرْنَا فَإِذَا عبد/ نوبي كان يحمل صبيانه، وإذا نَاضِحٌ كَانَ يَسْقِي بُسْتَانًا لَهُ، فَبَعَثْنَا بِهِمَا إِلَى عُمَرَ، قَالَتْ: فَأَخْبَرَنِي حَرْبِيٌّ- يَعْنِي رَسُولِي- أَنَّ عُمَرَ بَكَى وَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ تَعَبًا شديدا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة. والخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 136.
[5] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.(4/126)
[قَالَ مُحَمَّدُ] بْنُ سَعْدٍ: [وَأَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ الْكِلابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلْيَمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ] [1] ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
أَطَفْنَا بِغُرْفَةِ [2] أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ [3] ، فَقُلْنَا لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحَ أَوْ كَيْفَ أَمْسَى خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ؟ فَاطَّلَعَ عَلَيْنَا اطِّلاعَةً، فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تَرْضَوْنَ بما أصنع؟ قلنا: بَلَى قَدْ رَضِينَا، قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ هِيَ تُمَرِّضُهُ، [قَالَ] [4] : فَقَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أُوَفِّرَ لِلْمُسْلِمِينَ فَيْئَهُمْ مَعَ أَنِّي قَدْ كُنْتُ أَصَبْتُ مِنَ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ، فَانْظُرُوا إِذَا رَجَعْتُمْ مَا كَانَ عِنْدَنَا فَأَبْلِغُوهُ عُمَرَ. قَالَ: فَذَاكَ حِينَ عَرَفُوا أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ.
قَالَ: وَمَا كَانَ عِنْدَهُ دِينَاٌر وَلا دِرْهَمٌ، مَا كَانَ إِلا خَادِمٌ وَلِقْحَةٌ وَمَحْلَبٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَرُ يُحْمَلُ إِلَيْهِ، قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ.
[قَالَ] ابْنُ سَعْدٍ: [أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ] [5] ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ:
تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ سِتَّةُ آَلافِ دِرْهَمٍ [كَانَ] [6] أَخَذَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، قَالَ: إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَدَعْنِي حَتَّى أَصَبْتُ مِنْ بَيْتِ المال ستة آلاف درهم، وإن حائطي الّذي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا فِيهَا، فَلَمَّا تُوُفِّيَ ذكر ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ:
يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَحَبَّ أَنْ لا يَدَعَ لأَحَدٍ بَعْدَهُ مَقَالا، وَأَنَا وَالِي الأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ وَقَدْ رَدَدْتُهَا عَلَيْكُمْ.
[قَالَ] ابْنُ سَعْدٍ: [وَأَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ يَحْيَى] [7] ، عن قتادة، قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن أنس» .
[2] في الأصل: «أخلفنا بغرفة» .
[3] في ابن سعد: «مرضته التي قبض فيها» .
[4] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن محمد» والخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 137.
[6] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن قتادة» .(4/127)
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِي مِنْ مَالِي مَا رَضِيَ رَبِّي مِنَ الْغَنِيمَةِ [1] ، فَأَوْصَى بِالْخُمُسِ [2] .
[قَالَ] ابْنُ سَعْدٍ: [وَأَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ] [3] عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ الْوَفَاةُ جَلَسَ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا بُنَيَّةَ، فَإِنِّ أَحَبَّ النَّاسِ غِنًى إِلَيَّ بَعْدِي أَنْتِ، وَإِنَّ أَعَزَّ النَّاسِ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي أَنْتِ، وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جُدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِي فَوَدَدْتُ وَاللَّهِ أَنَّكِ حُزْتِيهِ وَأَخَذْتِيهِ [4] ، فَإِنَّمَا [هُوَ مَالُ الْوَارِثِ] [5] وَهُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ. قَالَتْ: / قُلْتُ: هَذَانِ أَخَوَايَ فَمَنْ أُخْتَايَ؟ قَالَ: ذُو بَطْنِ ابْنَةِ خَارِجَةَ فَإِنِّي أَظُنُّهَا جَارِيَةً [6] .
[قَالَ] ابْنُ سَعْدٍ: [وَأَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ] [7] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
مَا تَرَكَ أَبُو بَكْرٍ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا ضَرَبَ اللَّهُ سِكَّتَهُ [8] .
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ الْمِغْوَلِ] [9] ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، قَالَ:
مرض أبو بكر، فقالوا: ألا تدعو الطَّبِيبَ؟ فَقَالَ: قَدْ رَآنِي فَقَالَ إِنِّي فَعَّالٌ لما أريد [10] .
__________
[1] في الأصل: «لي من مالي ما أوصى به ربي» وما أوردناه من ابن سعد.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 138.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد عن عائشة» .
[4] في الأصل: «أنك كنت خزنته وجدثيه» ، والتصحيح من أ، وابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 138.
[7] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى محمد بإسناده عن عائشة» .
[8] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 139.
[9] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «وروى باسناده عن أبي السفر» .
[10] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 141.(4/128)
ذكر موت أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
[قَالَ مؤلف الكتاب] [1] : في سبب موته قولان:
أحدهما: أن اليهود سمته في حريرة [2] ، أكل منها هو والحارث بن كلدة، فأخذ منها الحارث لقمة ثم قال: كف فقد أكلت طعاما مسموما سم سنة فماتا جميعا للسنة يوم مات أبو بكر.
وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنْ [عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيِّ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَقِيلٍ،] [3] عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَالْحَارِثَ بْنَ كَلْدَةَ كَانَا يَأْكُلانِ حَرِيرَةً أُهْدِيَتْ لأَبِي بكر، فقال الحارث: ارفع يدك يا خليفة رسول الله، وَاللَّهِ إِنَّ فِيهَا لَسُمَّ سَنَةً وَأَنَا وَأَنْتَ نَمُوتُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. فَلَمْ يَزَالا عَلِيلَيْنِ حَتَّى مَاتَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ انْتِهَاءِ السَّنَةِ.
والقول الثاني: ذكره الواقدي عن أشياخه [4] : أن أبا بكر رضي الله عنه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوما، فكان لا يخرج إلى الصلاة، وأمر عمر أن يصلي بالناس، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه.
رَوَى [هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،] [5] عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي فَأَثَبْتُ الْمَوْتَ فِيهِ فَبَكَيْتُ ثُمَّ قُلْتُ:
مَنْ [لا] [6] يَزَالُ دَمْعُهُ مُقَنَّعًا ... فَإِنَّهُ [لا بُدَّ] [7] مَرَّةً مَدْفُونُ.
فَقَالَ [أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [8] : لَيْسَ كَمَا قُلْتِ، بَلْ: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ 50: 19
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] كذا في الأصول، وفي ابن سعد والطبري: «جذيذة» .
[3] في الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن ابن شهاب» ، وفي أ: «روى ابن سعد عن ابن شهاب» وما أوردناه من ابن سعد.
[4] تاريخ الطبري 3/ 419.
[5] في الأصل: «روى المؤلف باسناده عن عائشة» ، والخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 140.
[6] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[8] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.(4/129)
بِالْحَقِّ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ 50: 19 [1] . قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْتُ: يَوْمَ الاثْنَيْنِ، قَالَ: فَإِنِّي أَرْجُو مِنَ اللَّهِ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ، فَلَمْ يَتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ.
/ قَالَتْ [2] : ثُمَّ دُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ. قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلم؟
قالت: في ثلاثة أثواب بيض يَمَانِيَّةٍ. قَالَتْ فَنَظَرَ إِلَى ثَوْبٍ كَانَ عَلَيْهِ يُمَرَّضُ فِيهِ، فِيهِ دِرْعُ زَعْفَرَانَ أَوْ مَشْقٌ، فقال: اغسلوا هَذَا وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ وَكَفِّنُونِي، قُلْتُ: إِنَّ هَذَا خَلِقٌ، قَالَ: إِنَّ [الْحَيَّ] [3] أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ- يَعْنِي الصَّدِيدَ. قَالَتْ: فَغَسَلْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ فِيهِ.
توفي أبو بكر في مساء ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء، ودفن ليلة الثلاثاء لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة، فكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال.
وقال أبو معشر: أربعة أشهر إلا أربع ليال، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، وغسلته امرأته أسماء بنت عميس، أوصاها بذلك، فقالت: لا أطيق، فقال: يعينك عبد الرحمن. ولما توفي حمل على السرير الذي حمل عليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وصلى عليه عمر في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بين القبر والمنبر، وكبر عليه أربعا، ودخل قبره عمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وكان قد أوصى أن يدفن إلى [جنب] [4] رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، [فحفر له] [5] فجعل رأسه عند كتفي رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وألصقوا اللحد باللحد.
[قَالَ] مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [6] : [أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ] ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن الزبير، قال:
__________
[1] سورة: ق الآية: 19.
[2] تاريخ الطبري 3/ 421.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «أن يدفن عند رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 49، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن عامر» .(4/130)
رَأْسُ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ كَتِفَيْ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [1] ، وَرَأْسُ عُمَرَ عِنْدَ حِقْوَيْ أَبِي بَكْرٍ.
ولما توفي أبو بكر رضي الله عنه نعي إلى أبيه أبي قحافة فقال: رزء جليل، وورث أبو قحافة السدس من ماله، وقال: قد رددت ذلك على ولد أبي بكر رضي الله عنه.
ومن الحوادث في هذه السنة خلافة عمر رضي الله عنه
باب خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ذكر نسبه
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح/ بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بْن كعب، ويكنى أبا حفص. وأمه حنتمة بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وكانت إليه السفارة في الجاهلية والمنافرة، إن وقعت حرب من قريش أو من غيرهم بعثوه سفيرا، وإن فاخرهم مفاخر بعثوه منافرا [2] ورضوا به
. ذكر صفته
كان أبيض طوالا، تعلوه حمرة، أصلع أشب يخضب بالحناء والكتم، وكان نقش خاتمه: «كفى بالموت واعظا يا عمر»
. ذكر أزواجه وأولاده
كان له من الولد عبد الله وعبد الرحمن، وحفصة، وأمهم زينب بنت مظعون بن حبيب. وزيد الأكبر، ورقية، وأمهم أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وأمها فاطمة بْنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ. وزيد الأصغر، وعبيد الله، وأمهما أم كلثوم بنت جرول.
وفرق الإسلام بين عمر وبين أم كلثوم [بنت جرول] ، وعاصم وأمه جميلة بنت
__________
[1] وألصقوا اللحد ... عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» : ساقطة من أ.
[2] في الأصل: «بعثوه مفاخرا» .(4/131)
ثابت بن أبي الأقلح، [وعبد الرحمن الأوسط- وهو أبو المجبر [1]- وأمه لهية أم ولد] [2] ، وعبد الرحمن الأصغر، وأمه أم ولد، وفاطمة وأمها أم حكيم بنت الحارث بن هشام، وزينب وأمها فكيهة أم ولد، وعياض [بن عمر] ، وأمه عاتكة بنت زيد بن عمرو [بن نفيل] [3] .
[أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا أبو محمد الجوهري، أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف إِجَازَةً، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي] [4] بَشِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:
كَانَتْ [تَحْتَ] [5] عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ امْرَأَةٌ تُسَمَّى عَاصِيَةَ، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ جَمِيلَةَ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةً، وَكَانَ عُمَرُ يُحِبُّهَا، وَكَانَ عُمَرُ إِذَا خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ مَشِيَتْ مَعَهُ مِنْ فِرَاشِهَا إِلَى الْبَابِ، فَإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ قَبَّلَتْهُ ثُمَّ مَضَى فَرَجَعَتْ إِلَى فِرَاشِهَا
. ذكر إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قال: أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ] [6] ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
خَرَجَ عُمَرُ مُتَقَلِّدًا بِسَيْفِهِ- أو قال: بالسيف- فلقيه [7] رجل من بني زهرة، فقال: /
__________
[1] في أ: «وهو أبو شجمة» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن بشير» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[6] في أ: «القاسم عن عثمان البصري» ، خطأ والتصحيح من ابن سعد 3/ 1/ 191، وما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أنس» .
[7] في أوابن سعد: «خرج عمر متقلدا السيف فلقيه» .(4/132)
إِلَى أَيْنَ تَعْمَد يَا عُمَرُ؟ قَالَ: أُرِيدُ [أَنْ] [1] أَقْتُلَ مُحَمَّدًا، قَالَ: وَكَيْف تَأْمَنُ فِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي زُهْرَةَ وَقَدْ قَتَلْتَ مُحَمَّدًا؟ [قَالَ] : [2] فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَاكَ إِلا قَدْ صَبَوْتَ وَتَرَكْتَ دِينَكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، قَالَ: أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَى الْعَجَبِ [يَا عُمَرُ] ؟ [2] إِنَّ خَتَنَكَ وَأُخْتَكَ قَدْ صَبَوا وَتَرَكَا دِينَكَ [الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ] .
[قَالَ] [2] : فَمَشَى عُمَرُ ذَامِرًا حَتَّى أَتَاهُمَا وَعِنْدَهُمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يُقَالُ لَهُ خَبَّابٌ. [قَالَ] [3] : فَلَمَّا سَمِعَ [خَبَّابٌ] حِسَّ عُمَرَ تَوَارَى فِي الْبَيْتِ فَدَخَلَ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الهينمة التي سمعتها عندكم. وكانوا يقرءون طَهَ، فَقَالا: مَا عَدَا حَدِيثًا تَحَدَّثْنَاهُ بَيْنَنَا، قال: فلعلكما قد صبوتما؟ قال: فقال له خِتْنُهُ: أَرَأَيْتَ يَا عُمَرُ إِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ دِينِكَ؟ قَالَ: فَوَثَبَ عُمَرُ عَلَى خِتْنِهِ فَوَطِئَهُ وَطْئًا شَدِيدًا، فَجَاءَتْ أُخْتُهُ فَدَفَعَتْهُ عَنْ زَوْجِهَا، فَنَفَحَهَا بِيَدِهِ نَفْحَةً فَدَمِيَ وَجْهُهَا، فَقَالَتْ وَهِيَ غَضْبَى: يَا عُمَرُ، إِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ دِينِكَ أَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
فَلَمَّا يَئِسَ عُمَرُ، قَالَ: أَعْطُونِي هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي عِنْدَكُمْ فَأَقْرَأَهُ- قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ يَقْرَأُ الْكُتُبَ- فَقَالَتْ أُخْتُهُ: إِنَّكَ رِجْسٌ وَلا يَمَسَّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ، فَقُمْ فَاغْتَسِلْ وَتَوَضَّأَ.
[قَالَ:] [4] فَقَامَ عُمَرُ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَخَذَ الْكِتَابَ فَقَرَأَ: طه ... 20: 1 حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ:
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي 20: 14 [5] . قَالَ: فَقَالَ [عُمَرُ] [6] :
دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ. فَلَمَّا سَمِعَ خَبَّابٌ قَوْلَ عُمَرَ خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ، فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا عُمَرُ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَكَ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ: «اللَّهمّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ» . قال: ورسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي الدَّارِ الَّتِي فِي أَصْلِ الصَّفَا.
فَانْطَلَقَ عُمَرُ حَتَّى أَتَى الدَّارَ، قَالَ: وَعَلَى بَابِ الدَّارِ حَمْزَةُ وَطَلْحَةُ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، / فَلَمَّا رَأَى حَمْزَةُ وَجَلَ الْقَوْمِ مِنْ عُمَرَ، قال حمزة: نعم فهذا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[5] سورة: طه، الآية: 1: 14.
[6] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.(4/133)
عُمَرُ، فَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِعُمَرَ خَيْرًا يُسْلِمْ ويتبع النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَإِنْ يُرِدْ غَيْرَ ذَلِكَ يَكُنْ قَتْلُهُ علينا هينا. قال: والنبي صلّى الله عليه وآله وسلم دَاخِلٌ يُوحَى إِلَيْهِ. قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عُمَرَ، فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثَوْبِهِ وَحَمَائِلِ السَّيْفِ، فَقَالَ: «مَا أَنْتَ مُنْتَهِيًا يَا عُمَرُ حَتَّى يُنْزِلَ اللَّهُ بِكَ مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ مَا أَنْزَلَ بِالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ؟ اللَّهمّ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، اللَّهمّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ» . [قَالَ:] فَقَالَ عُمَرُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَأَسْلَمَ وَقَالَ:
اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللَّهِ [1] .
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عمر، قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عَنْ داود بْن الحصين، قَالَ: وحدثني معمر، عن الزهري، قالا:] [2] .
أسلم عمر بعد أن دخل [3] رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ دار الأرقم وبعد أربعين أو نيف وأربعين من رجال ونساء قد أسلموا قبله. وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قال بالأمس: اللَّهمّ أيد الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب، أو عمرو بن هشام، فلما أسلم عمر نزل جبريل فقال: يا محمد، [لقد] [4] استبشر أهل السماء بإسلام عمر.
[قال محمد بن سعد، أخبرنا محمد بن عمر، قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ الزهري] [5] ، عن سَعِيد بن المسيب، قال:
أسلم عمر بعد أربعين رجلا وعشر نسوة، فما هو إلا أن أسلم عمر فظهر الإسلام بمكة [6] .
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 191، 192.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن الزهري، قال:» الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 192.
[3] في الأصل: «قبل أن يدخل» وما أوردناه من ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن سعيد بن المسيب» . وفي أ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله» .
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 192، 193.(4/134)
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَلْمَانَ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِيهِ] [1] ، عَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ [2] :
لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ ظَهَرَ الإِسْلامُ وَدُعِيَ إِلَيْهِ عَلانِيَةً، وَجَلَسْنَا حَوْلَ الْبَيْتِ حِلَقًا [3] ، وَطُفْنَا بِالْبَيْتِ، وَانْتَصَفْنَا مِمَّنْ غَلَّظَ عَلَيْنَا، وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ بَعْضَ مَا يَأْتِي بِهِ.
قَالَ عُلَمَاءُ السِّيَرِ: أَسْلَمَ عُمَرُ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَشَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كلها مع/ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَقِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ
. ذكر ولايته الخلافة
لما ولي الخلافة، قال: ورب الكعبة لأحملنهم على الطريق.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا الْمُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ] [4] بْنِ مِكْنَفٍ، قَالَ:
سُلِّمَ عَلَى عُمَرَ في صدر إمارته: يا خليفة خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ فَجَمَعَ النَّاسَ بَعْدُ، وَقَالَ: إني أراكم لمن بعدكم خير مَنْ رَأْيُهُمْ لأَنْفُسِهِمْ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَلْحَدُوا فِي هَذَا الاسْمِ، أَنْتُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَنَا أَمِيرُكُمْ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقُبِلَتْ
. ذكر وصيته لعماله وتعاهده إياهم
قال صالح بن كيسان [5] : أول كتاب كتبه عمر حين ولي إلى أبي عبيدة يوليه على
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «وروى محمد بن عمر عن صهيب» .
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 193.
[3] في الأصل: «حول الكعبة حلقا» .
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن مكنف» .
[5] تاريخ الطبري 3/ 434.(4/135)
جند خالد: أوصيك بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه، الذي هدانا من الضلالة، وأخرجنا من الظلمات إلى النور. وقد استعملتك على جند خالد بن الوليد، فقم بأمرهم الذي يحق [عليك] [1] ، لا تقدم المسلمين إلى هلكة رجاء غنيمة، ولا تنزلهم منزلا قبل أن تستزيده لهم، وتعلم كيف مأتاه، ولا تبعث سرية إلا في كثف من الناس [2] ، وإياك وإلقاء المسلمين في الهلكة، [وقد أبلاك الله بي وأبلاني بك] [3] ، فغمض بصرك عن الدنيا، وإياك أن تهلكك كما أهلكت من كان قبلك، فقد رأيت مصارعهم.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أخبرنا أحمد بن عبد الله، أَخْبَرَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ] [4] ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ:
لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اقْضِ بَيْنَ النَّاسِ، وَتَجَرَّدْ لِلْحَرْبِ.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ] [5] ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ:
كَتَبَ عُمَرُ إِلَى الْقُضَاةِ مَعَ أَوَّلِ قِيَامِهِ: أَنْ لا تَبُتُّوا الْقَضَاءَ إِلا عَنْ مَلأ، فَإِنَّ رَأْيَ الْوَاحِدِ يَقْصُرُ إِذَا اسْتَبَدَّ، وَيَبْلُغُ إِذَا اسْتَشَارَ، وَالصَّوَابُ مَعَ الْمَشُورَةِ. وَقَالَ: يَا مَعَشْرَ الْعَرَبِ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ أَذَلَّ أُمَّةٍ وَأَشْقَاهَا حَتَّى أَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِالإِسْلامِ، فَكُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، فَلا تَطْلُبُوا الْعِزَّةَ بِغَيْرِهِ فَتَذِلُّوا.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بن يحيى، حدّثنا شعيب،
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري.
[2] الكثف من الناس: الجماعة منهم.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن إبراهيم النخعي» .
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي عثمان» .(4/136)
عَنِ الرَّبِيعِ] [1] / وَأَبِي عُثْمَانَ وَأَبِي الْحَارِثَةِ وَأُبَيٍّ المجالد بإسنادهم، قَالُوا:
كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا بَعَثَ عُمَّالَهُ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِمِ: أَنْ لا تَتَّخِذُوا عَلَى الْمَجَالِسِ الَّتِي تَجْلِسُونَ فِيهَا لِلنَّاسِ بَابًا، وَلا تَرْكَبُوا الْبَرَاذِينَ، وَلا تَلْبَسُوا الثِّيَابَ الرِّقَاقَ، وَلا تَأْكُلُوا النَّقِيَّ، وَلا تَغِيبُوا عَنْ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ، وَلا تُطْمِعُوا فِيكُمُ السُّعَاةَ.
فمر يوما في طريق من طرق المدينة وفي ناحية [منها] [2] رجل يسأل، فقال: يا عمر تستعمل العمال وتعهد إليهم عهدك، ثم ترى أن ذلك قد أجزاك، كلا والله إنك لمأخوذ إذا لم تعاهدهم، قال: وما ذلك؟ قال: عياض بن غنم يلبس اللين، ويفعل ويفعل، فقال: أساع؟ قال: بل مؤدي الذي عليه فبعث إلى محمد بن مسلمة أن الحق بعياض بن غنم فآتني به كما تجده، فانتهى إلى بابه وإذا عليه بواب، فقال له: قل لعياض على الباب رجل يريد أن يلقاك، قال: ما تقول؟ قال: قل له ما أقول لك. فذهب كالمتعجب، فأخبره، فعرف عياض أنه أمر حدث، فخرج فإذا محمد بن مسلمة، فرحب به وقال: ادخل، وإذا عليه قميص رقيق لين، فقال: إن أمير المؤمنين أمرني أن لا يفارق سوادي سوادك حتى أذهب بك كما أجدك، ونظر في أمره فوجد الأمر كما حدثه السائل.
فلما قدم به على عمر وأخبره، دعا بدراعة وكساء وحذاء وعصا، وقال: أخرجوه من ثيابه، فأخرج منها وألبسه ذلك، ثم قال: انطلق بهذه الغنم فأحسن رعيتها وسقيها والقيام عليها، واشرب من ألبانها، واجتز من أصوافها، وارفق بها، فإن فضل شيء فأردده علينا. فلما مضى رده، وقال: أفهمت؟ / قال: نعم، والموت أهون من هذا، قال: كذبت، ولكن ترك الفجور أهون من هذا. ثُمَّ قال له: أرأيت لو رددتك أتراه يكون فيك خير؟ قال: نعم والله يا أمير المؤمنين، ولا يبلغنك عني شيء بعد هذا، فرده ولم يبلغه عنه شيء إلا ما أحب حتى مات.
[وحدثنا سيف، عن عبد الملك] [3] ، عن عاصم، قال: مات عياض بن غنم بعد أبي عبيدة، فأمر عمر على عمله سعيد بن عامر بن جذيم، فمات سعيد فأمر عمر مكانه عمير بن سعيد الأنصاري.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي عثمان» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عاصم» .(4/137)
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ، حَدَّثَنَا] [1] مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسْعَدَ الْجُهَنِيُّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ] [2] ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ:
أَيُّمَا عَامِلٍ لِي ظَلَمَ [أَحَدًا] فَبَلَغَتْنِي مَظْلَمَتُهُ فَلَمْ أُغَيِّرْهَا فَأَنَا ظَلَمْتُهُ.
قال محمد بن سعد: كان عدي بن فضلة قديم الإسلام بمكة، وهاجر إلى الحبشة ومات هناك أول من مات ممن هاجر، وأول من ورث في الإسلام، ورثه ابنه النعمان، وكان عمر قد استعمل النُّعمان على ميسان، وكان يقول الشعر، فقال:
ألا هل أتى الحسناء أن حليلها ... بميسان يسقى في زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قربة ... ورقاصة يحثو على كل ميسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه ... تنادمنا في الجوسق المتهدم
فلما بلغ عمر قوله قال: نعم والله إنه ليسوؤني، من لقيه فليخبره أني قد عزلته.
فقدم عليه رجل من قومه فأخبره بعزله، فقدم على عمر، فقال: والله ما صنعت شيئا مما قلت، ولكن كنت امرأ شاعرا [وجدت فضلا من قول فقلت فيه الشعر] [3] ، فَقَالَ عمر:
والله لا تعمل على عمل ما بقيت وقد قلت ما قلت [4] .
[أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بن محمد بن عبد الوهاب، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر بْن الْمُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخَلِّصُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن سُلَيْمَان بْن دَاوُد، حَدَّثَنَا الزُّبَير بْن بكار، قَالَ:
حدثني محمد بن الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ الْحِزَامِيُّ، عَنْ أَبِيهِ] [5] ، قَالَ:
لَمَّا بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ هَذَا الشِّعْرُ كتب إلى النعمان بن فضلة: بسم الله
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن سعد» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «بإسناده عن عمر» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[4] الخبر والشعر في الإصابة 6/ 243 مع بعض اختلاف في العبارة.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده قال:» .(4/138)
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ/ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ. أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي قَوْلُكَ:
لَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَسُوؤُهُ ... تَنَادُمُنَا فِي الْجَوْسَقِ الْمُتَهَدِّمِ
وَايْمُ اللَّهِ إِنَّهُ لَيَسُوؤُنِي، وَعَزَلَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بَكَّتَهُ بِهَذَا الشِّعْرِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أمير المؤمنين، مَا شَرِبْتُهَا قَطُّ، وَمَا ذَاكَ الشِّعْرُ إِلا شَيْءٌ طَفَحَ عَلَى لِسَانِي، فَقَالَ عُمَرُ:
أَظُنُّ ذَلِكَ وَلَكِنْ لا تَعْمَلْ لِي عَلَى عَمَلٍ أَبَدًا
. ذكر ورعه وزهده وخوفه
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بن يحيى، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا سَيْفٌ عَنْ أَشْيَاخِهِ] [1] ، قَالُوا:
نَزَلَ مَلِكُ الرُّومِ الْقَرْوَ، وَكَاتبُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَارَبَهُ وَسَأَلَهُ عَنْ كَلِمَةٍ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْعِلْمُ كُلُّهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، [وَاكْرَهْ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لَهَا تُجْمَعُ لَكَ الْحِكْمَةُ كُلُّهَا] وَبَعَثَ إِلَيْهِ بقارورة، قوال: امْلأْ لِي هَذِهِ الْقَارُورَةَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَمَلأَهَا مَاءً.
وَبَعَثَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ إِلَى مَلِكَةِ الرُّومِ بِطِيبٍ وَأَحْفَاشٍ مِنْ أَحْفَاشِ النِّسَاءِ، وَدَسَّتْهُ إِلَى الْبَرِيدِ فَأَبْلَغَهُ لَهَا، فَجَمَعَتِ امْرَأَةُ هِرَقْلَ نِسَاءَهَا وَقَالَتْ: هَذِهِ هَدِيَّةُ امْرَأَةِ مَلِكِ الْعَرَبِ، وَبِنْتِ نَبِيِّهِمْ، فَكَاتِبِيهَا وَكَافِئِيهَا، وَأَهْدَتْ لَهَا فِيمَا أَهْدَتْ عِقْدًا فَاخِرًا، فَلَمَّا جَاءَ بِهِ الْبَرِيدُ أَمَرَهُ عُمَرُ بِإِمْسَاكِهِ، وَدَعَا بِالصَّلاةِ جَامِعَةً، فصلى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لا خَيْرَ فِي أَمْرٍ أُبْرِمَ مِنْ غَيْرِ شُورَى، فَقُولُوا لِي فِي هَدِيَّةٍ أَهْدَتْهَا أُمُّ كُلْثُومٍ لامْرَأَةِ مَلِكِ الرُّومِ، فَقَالَ قَائِلُونَ: هُوَ لَهَا، وَقَالَ آخَرُونَ: قَدْ كُنَّا نُهْدِي لِنَسْتَثِيبَ، فَقَالَ: وَلَكِنَّ الرَّسُولَ رَسُولُ الْمُسْلِمِينَ وَالْبَرِيدَ بَرِيدُهُمْ، وَالْمُسْلِمُونَ عَظَّمُوهَا فِي صَدْرِهَا، فَأَمَرَ بِرَدِّهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَرَدَّ عَلَيْهَا بِقَدْرِ نَفَقَتِهَا.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حيويه، أخبرنا ابن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أشياخ سيف» .(4/139)
مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عبد الله بن عامر بن ربيعة،] [1] قال:
صَحِبْتُ عُمَرَ بْنَ/ الْخَطَّابِ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فِي الْحَجِّ ثُمَّ رَجَعْنَا فَمَا ضَرَبَ فسطاطا، ولا كان له بِنَاءٌ يَسْتَظِلُّ بِهِ [2] ، إِنَّمَا كَانَ يُلْقِي نَطْعًا أَوْ كِسَاءً عَلَى سُحْرَةٍ فَيَسْتَظِلُّ تَحْتَهُ.
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ، عَنْ أَبِيهِ] [3] ، قَالَ:
مَكَثَ عُمَرُ زَمَانًا لا يَأْكُلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا حَتَّى دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ خَصَاصَةٌ، وأرسل إلى أصحاب رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَقَالَ: قَدْ شَغَلْتُ نَفْسِي فِي هَذَا الأَمْرِ، فَمَا يَصْلُحُ لِي مِنْهُ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: كُلْ وَأَطْعِمْ، قَالَ: وَقَالَ ذَلِكَ سعيد بن زيد [بن عمرو بن نفيل] ، وَقَالَ لِعَلِيٍّ: مَا تَقُولُ أَنْتَ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ: غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ، قَالَ: فَأَخَذَ عُمَرُ بِذَلِكَ [4] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: [وَحَدَّثَنِي الْجَحَّافُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِيسَى] [5] بْنِ مَعْمَرٍ قَالَ: [6] نَظَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَامَ الرَّمَادَةِ إِلَى بِطِّيخَةٍ فِي يَدِ بَعْضِ وَلَدِهِ، فَقَالَ: بَخٍ بخ يا ابن أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، تَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ هَزْلَى؟ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ هَارِبًا وَبَكَى فَأُسْكِتَ عُمَرُ بَعْدَ مَا سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: اشْتَرَاهَا بِكَفٍّ من نوى.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد باسناده عن ربيعة» .
[2] في الأصل: «له ما يستظل به» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «وروى ابن سعد بإسناده عن أبي أمامة» .
[4] في الأصل: «فأخذ بذلك عمر» ، والخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 221.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى محمد بن عمر بإسناده عن ابن معمر» .
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 228.(4/140)
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ] [1] ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ [النَّهْدِيِّ] [2] ، قَالَ:
رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَيْهِ إِزَارٌ فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ رُقْعَةً بَعْضُهَا بِأَدِيمٍ أَحْمَرَ [3] .
[قَالَ مُحَمَّد بْن سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ] [4] ، قَالَ:
رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَ تِبْنَةً مِنَ الأَرْضِ فَقَالَ: لَيْتَنِي كُنْتُ هَذِهِ التِّبْنَةُ، لَيْتَنِي لَمْ أُخْلَقْ، لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي، لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ شَيْئًا، لَيْتَنِي كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًا.
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، وَعَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ أَبِيهِ] [5] ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ:
لَوْ مَاتَ جَمَلٌ ضَائِعًا عَلَى [6] شَطِّ الْفُرَاتِ لَخَشِيتُ أَنْ يَسْأَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ.
[قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ] [7] ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي دَبَرَةِ الْبَعِيرِ وَيَقُولُ: إِنِّي لَخَائِفٌ أَنْ أُسْأَلَ عَمَّا بِكِ.
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الطُّلابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حيان، قال: قال] [8] ابن عباس:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن أبي عثمان» .
[2] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 237.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن عبد الله بن عامر، قال:» .
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى محمد بن سعد عن عبد الرحمن بن حاطب عن عمر» .
[6] في الأصل: «جمل ضياعا على» .
[7] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن سالم بن عبد الله» .
[8] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن ابن عباس قال:» .(4/141)
دَعَانِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] فَأَتَيْتُهُ، فَإِذَا بَيْنَ يَدَيْهِ نَطْعٌ عَلَيْهِ الذَّهَبُ مَنْثُورٌ، فَقَالَ: / هَلُمَّ فَاقْسِمْ هَذَا بَيْنَ قَوْمِكَ، فاللَّه أَعْلَمُ حَيْثُ زَوَى هَذَا عَنْ نَبِيهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَأَعْطَانِيهُ لِخَيْرٍ أَعْطَانِيهُ أَمْ لِشَرٍّ. قَالَ: فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَسِّمُهُ، فَسَمِعْتُ الْبُكَاءَ فَإِذَا صَوْتُ عُمَرَ يَبْكِي وَيَقُولُ فِي بُكَائِهِ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا حَبَسَهُ عَنْ نبيه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] إِرَادَةَ الشَّرِّ بِهِمَا، وَأَعْطَاهُ عُمَرَ إِرَادَةَ الْخَيْرِ
. فصل ومن أول الحوادث في ولاية عمر رضي الله عنه اليرموك
وكانت بداية [أمر] اليرموك في حياة أبي بكر رضي الله عنه، ثم إن المسلمين ذهبوا بعد اليرموك إلى أجنادين
ذكر وقعة قحل [1]
ويقال: فحل. ولما فرغ المسلمون من أجنادين ساروا إلى فحل من أرض الأردن وقد اجتمع فيها جماعة من الروم قد نزلوا بيسان بين فلسطين والأردن، وتبعوا أنهارها وهي أرض سبخة، وكانت وحلا، فوحلت خيول المسلمين إلا أن الله تعالى سلمهم، ونهضوا إلى الروم بفحل، فاقتتلوا، فهزمت الروم ودخل المسلمون فحل، وذلك في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة على ستة أشهر من خلافة عمر رضي الله عنه.
وأقام تلك الحجة للناس عبد الرحمن بن عوف
. ذكر فتح دمشق [2]
كان عمر رضي الله عنه قد عزل خالد بن الوليد واستعمل أبا عبيدة على جميع
__________
[1] في الأصل: «فحل، ويقال: فحل» ، كذا بالفاء مرتين. وفي الطبري 3/ 434: «وقعة فحل» . وذكرها في أفي كل المواضع «قحل» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 434.(4/142)
النّاس، فالتقى المسلمون والروم حول دمشق فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم هزم الله الروم، فدخلوا دمشق فتحصنوا بها فرابطهم المسلمون ستة أشهر حتى فتحوا دمشق وأعطوا الجزية، وكان الصلح على يدي خالد، وكان قد قدم على أبي عبيدة كتاب بتوليته وعزل خالد، واستحى أَبُو عبيدة أن يقرئه الكتاب. فلما فتحت أظهر أبو عبيدة ذلك، وكان فتح دمشق في سنة أربع عشرة في رجب، وكان حصارها ستة/ أشهر.
وقال ابن إسحاق: بل كانت في سنة ثلاث عشرة.
وروى سيف عن أشياخه [1] : أن أبا عبيدة استخلف على اليرموك بشير بن كعب، وخرج حتى نزل بالصّفّر [2] يريد اتباع الفالة، فأتاه خبرهم أنهم أرزوا إلى فحل. وأتاه الخبر أن المدد قد أتى أهل دمشق من حمص، فلم يدر أيبدأ بدمشق أم بفحل، فكتب بذلك إلى عمر، ولما جاء فتح اليرموك، إلى عمر أقر الأمراء على ما استعملهم عليه أبو بكر رضي الله عنه إلا خالد بْن الوليد فإنه ضمه إلى أبي عبيدة، وعمرو بن العاص فإنه أمره بمعونة الناس، حتى يصير الحرب إلى فلسطين ثم يتولى حربها.
وكتب إلى أبي عبيدة: ابدءوا بدمشق فإنها حصن الشام وبيت مملكتهم، واشغلوا عنكم أهل فحل بخيل تكون بإزائهم. فحاصروا دمشق نحوا من سبعين ليلة حصارا شديدا، وقاتلوهم بالمجانيق [3] [فكان أبو عبيدة على ناحية، ويزيد على ناحية] [4] ، وعمرو على ناحية.
وبعث أبو عبيدة ذا الكلاع، وكان بين دمشق وحمص، وهرقل يومئذ بحمص، وقد استمدوه، وجاءت خيل هرقل مغيثة لأهل الشام، فأشجتها الخيول التي مع ذي الكلاع. فأيقن أهل دمشق أن الأمداد لا تصل إليهم، فأبلسوا [5] ، فصعد قوم من أصحاب خالد بالأوهاق إلى السور فكبروا. وجاء المسلمون إلى الباب، وقتل خالد البوابين ودخل عنوة ودخل غيره مصالحا، وكان صلح دمشق على المقاسمة في الدينار
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 3/ 436.
[2] في الأصل: «بالصفرين» والتصحيح من الطبري.
[3] في الأصل: «وقاتلوهم بالمناجيق» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[5] أي: تحيروا.(4/143)
والعقار، ودينار [عن] [1] كل رأس، وبعثوا بالبشائر إلى عمر.
وقال ابن إسحاق: كانت وقعة فحل قبل دمشق، وكانت في سنة ثلاث عشرة في ذي القعدة
. ذكر فتح بيسان [2]
لما فرغ شرحبيل من وقعة فحل نهد في الناس [3] ومعه عمرو إلى [أهل] [4] بيسان، فنزلوا عليهم فحاصروهم أياما، ثم إنهم خرجوا عليهم فقاتلوهم، فأناموا من خرج إليهم، وصالحوا بقية أهلها، فقبل ذلك على صلح دمشق
. ذكر طبرية
[5] وبلغ أهل طبرية الخبر، فصالحوا أبا/ الأعور على أن يبلغهم شرحبيل، ففعل، فصالحوهم على صلح دمشق، وتم صلح الأردن، وتفرقت الأمداد في مدائن الأردن وقراها، وكتب إلى عمر بالفتح
. ذكر خبر المثنى بن حارثة وأبي عبيد بن مسعود [6]
قد ذكرنا أن عمر أول ما ولي ندب الناس مع المثنى بن حارثة الشيباني إلى أهل فارس قبل صلاة الفجر، من الليلة التي مات فيها أبو بكر رضي الله عنه، ثم أصبح فبايع الناس، وعاد فندب الناس [إلى فارس] [7] ، وكان وجه فارس من أكره الوجوه إليهم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 3/ 440.
[2] تاريخ الطبري 3/ 443.
[3] في الأصل: «شهد في الناس» ، وما أوردناه من الطبري، وأ.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[5] تاريخ الطبري 3/ 444.
[6] تاريخ الطبري 3/ 444. وفي الأصل: «أبي عبيدة» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.(4/144)
وأثقلها عليهم، لشدة سلطانهم [وشوكتهم] [1] وقهرهم الأمم.
فلما كان اليوم الرابع، عاد فندب الناس إلى العراق، فقال: إن الحجاز ليس لكم بدار إلا على النجعة، ولا يقوى عليه أهله إلا بذلك، سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتاب أن يورثكموها فإنه قال: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ 9: 33 [2] ، والله مظهر دينه، ومعز ناصره [3] ، ومولي أهله مواريث الأمم. أين عباد الله الصالحون.
وكان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود، ثم ثنى سعد بن عبيد [4] ويقال: سليط بن قيس- وتكلم المثنى بن حارثة، فقال: أيها الناس لا يعظمن عليكم هذا الوجه، فإنا قد تبحبحنا ريف فارس، وغلبناهم على خير السواد، وشاطرناهم ونلنا منهم، ولها إن شاء الله ما بعدها.
فلما اجتمع البعث قيل لعمر: أمر عليهم رجلا من السابقين من المهاجرين والأنصار، فَقَالَ: لا والله لا أفعل، إن الله إنما رفعكم بسبقكم وسرعتكم [5] إلى العدو، فإذا كرهتم اللقاء فأولى بالرياسة منكم من أجاب، لا أؤمر عليهم إلا أولهم انتدابا.
وانتخب عمر ألف رجل، ثم دعا أبا عبيدة فأمره على الخيل، ثم قال له: اسمع من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وأشركهم في الأمر، فإن الحرب لا يصلحها إلا الرجل الذي يعرف الفرصة والكف، / فقال أبو عبيد: أنا لها، فكان أول بعث بعثه عمر بعث أبي عبيد، ثم بعث يعلى بن أُمَيَّة إلى اليمن، وأمره بإجلاء أهل نجران، لوصية رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ في مرضه بذلك، ولوصية أبي بَكْر رضي الله عنه بذلك في مرضه.
ثم ندب أهل الردة فأقبلوا سراعا من كل أوب فرمى بهم الشام والعراق، وكتب إلى أهل اليرموك بأن عليكم أبا عبيد، وكان أول فتح أتاه اليرموك.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] سورة: الفتح، الآية: 28.
[3] في الأصل: «والله يظهر دينه ويعز ناصره» .
[4] في أ: «سعد بن عبيدة» .
[5] في الأصل: «بسيفكم وشرعتكم» .(4/145)
[خبر النمارق]
[1] فخرج أبو عبيد، ومعه سعد بن عبيد، وسليط بن قيس، والمثنى بن حارثة، فقدم أبو عبيد والرأس شيري، والعدل بين الناس بوران- فإنها كانت تصلح الأمور، وهو الوالي حينئذ، فقدم المثنى الحيرة من المدينة في عشر، ولحقه أبو عبيد بعد شهر، وكان أهل فارس قد جعلوا الحرب على رستم وتوجوه، فبعث إلى دهاقين السودان أن يثوروا بالمسلمين، وبعث جندا لمصادمة المثنى.
وخرج أبو عبيد [2] ، فجعل المثنى على الخيل، وعلى ميمنته والق بن جيدارة، وعلى ميسرته عَمْرو بن الهيثم، واقتتلوا، فهزم الله أهل فارس، وأسر جابان، وكان الأمير من قبل رستم، فخدع الذي أسره بشيء فخلى [عنه] ، فأخذه المسلمون فأتوا به أبا عبيد وأخبروه أنه الملك، وأشاروا بقتله، فقال: إني أخاف الله أن أقتله وقد آمنه مسلم
. [السقاطية بكسكر]
[3] ولما انهزمت فارس [أخذوا] [4] نحو كسكر ليلحقوا نرسي- وهو ابن خالة كسرى- وكانت كسكر قطيعة له، نادى أبو عبيد بالرحيل، وقال للمجردة: اتبعوهم حتى تدخلوهم عسكر نرسي، أو تبيدوهم [فيما بين النمارق إلى بارق إلى درتا] [5] .
ومضى أبو عبيد حتى نزل على نرسي بكسكر، وعلى مجنبة نرسي ابنا خال كسرى بندويه وتيرويه، وقد أتى الخبر بوران ورستم بهزيمة جابان، فعاجل أبو عبيد، فالتقوا أسفل كسكر، فاقتتلوا قتالا شديدا، وهزم الله فارس، وهرب نرسي وغلب على
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 446.
[2] تاريخ الطبري 3/ 449.
[3] تاريخ الطبري 3/ 450.
[4] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.(4/146)
عسكره، وأخرب أبو عبيد ما كان/ حول معسكرهم من كسكر، وجمع الغنائم، وأخذ خزائن نرسي. وأقام أبو عبيد، وسرح المثنى إلى باروسما، وبعث والقا إلى الزوابي، وعاصما إلى نهر جوبر، فهزموا من كان تجمع، وأخربوا وسبوا، وكان مما أخرب المثنى وسبى أهل زندورد. وجاءوا إلى أبي عبيد بطعام أكرموه به، فقال: أكرمتم الجند كلهم بمثل هذا؟ قالوا: لا، قَالَ: بئس المرء أبو عبيد، إن صحب قوما فاستأثر عليهم، لا والله لا نأكل إلا مثل ما يأكل أوساطهم
. [وقعة القرقس]
[1] ثم جاء بهمن جاذويه ومعه راية كسرى والفيل، فقال لأبي عبيد: إما أن تعبروا إلينا، وإما أن تدعونا نعبر إليكم، فقال الناس: لا تعبر أبا عبيد، فقال: لا يكونوا أجرأ على الموت منا، بل نعبر، فعبروا إليهم واقتتلوا- وأبو عبيد فيما بين التسعة والعشرة- وكانت الخيول إذا نظرت إلى الفيلة عليها الحلية والخيل [2] عليها التجافيف [3] لم تقدم خيولهم، وإذا حملوا على المسلمين فرقوهم [4] ورموهم بالنشاب.
فترجل أبو عبيد والناس، ثم قال للناس: أقصدوا الفيلة، وواثب هو الفيل الأبيض، فتعلق ببطانه فقطعه، وفعل القوم مثل ذلك، فما تركوا فيلا إلا حطوا رحله، وقتلوا أصحابه، وقتل من المشركين ستة آلاف في المعركة، ولم ينتظروا غير الهزيمة، فأهوى أبو عبيد، فنفخ مشفر الفيل بالسيف، فخبطه الفيل.
وكان أبو عبيد لما رأى الفيل، قال: ما هذا؟ ولم يكن رآه قط، فقالوا: هذا الفيل، فارتجز وقال:
يا لك من ذي أربع ما أكبرك. ... يا لك من يوم وغى ما أمكنك
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 454. ويقال لها: الناطق، والجسر، والمروحة» .
[2] في تاريخ الطبري 3/ 456: «عليها النخل والخيل» .
[3] التجافيف: من آلات الحرب، يوضع على الفرس تبقى بها كالدرع للإنسان.
[4] في الأصل: «مزقوهم» .(4/147)
إني لغال بالحسام مشفرك ... وهالك وفي الهلاك لي درك
ثم ضربه على خرطومه فقطعه ووقع عليه الفيل فقتله. فلما بصر الناس بأبي عبيد تحت الفيل ضعفت/ نفوسهم، ثم حاربوا الفيل حتى تنحى عنه فاجتروه إلى المسلمين، وجال المسلمون، فركبهم أهل فارس، وأخذ اللواء سبعة من المسلمين، كلهم يقتل، فبادر عبد الله بْن مرثد الثقفي الجسر فقطعه وانتهى الناس إليه والسيوف تأخذهم، فتهافتوا في الفرات، فأصابوا يومئذ من المسلمين أربعة آلاف من بين غريق وقتيل، وهرب ألفان، وبقي ثلاثة آلاف، وحمى المثنى الناس وعاصم والكلج الضبي ومذعور، حتى عقدوا الجسر وعبروهم ثم عبروا في آثارهم، وخرج الحماة كلهم.
فبينما أهل فارس يحاولون العبور أتاهم الخبر أن الناس بالمدائن قد ثاروا برستم، ونقضوا الذي بينهم وبينه وبلغ عمر الخبر فاشتد عليه، وقال: لو أن أبا عبيد انحاز إلي لكنت له فئة. وقال للمنهزمين: أنا فئتكم.
وكان بين وقعة اليرموك والجسر أربعون ليلة، فكانت اليرموك في جمادى الآخرة، والجسر في شعبان
. قصة البويب
[1] ثم إن المثنى خرج في آثار القوم، فأسر منهم وقتل، وبعث إلى من يليه فاجتمع إليه جمع عظيم، فبلغ ذلك رستم والفيرزان، فبعثا إليه مهران الهمذاني، وبلغ المثنى [الخبر] [2] ، فجمع النّاس بالبويب، فعبر مهران فنزل على شاطئ الفرات، فنادى المثنى في الناس: انهدوا لعدوكم، قم قال: إني مكبر ثلاثا فتهيئوا، ثم احملوا مع الرابعة.
فلما كبر أول تكبيرة أعجلهم فارس فخالطوهم وركدت الحرب، وهزمت فارس، وهلك مهران، وتمكن المسلمون من الغارة على السواد فيما بينهم وبين دجلة،
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 460.
[2] ما بين المعقوفتين: من الطبري.(4/148)
فمخروها، لا يخافون كيدا، وانتقضت مسالح العجم، واعتصموا بساباط، وسرهم أن يتركوا ما وراء دجلة.
وكانت وقعة البويب في رمضان سنة ثلاث عشرة، وكانت تحزر عظام القتلى بمائة ألف
. ذكر قصة الخنافس
[1] / ولما غزا المثنى السواد دل على سوق تجتمع فيه ربيعة وقضاعة والناس يقال لها الخنافس، فأغار عليهم يوم سوقها
. ذكر قصة بغداد
[2] جاء رجل من أهل الحيرة إلى المثنى، فقال له: هل أدلك على قرية يأتيها تجار مدائن كسرى والسواد ومعهم الأموال، وهذه أيام سوقهم، فإن أغرت عليهم وهم لا يشعرون أصبت فيها مالا يكون غنى للمسلمين، يقوون به على عدوهم دهرهم؟ قال: وكم بينها وبين مدائن كسرى؟ قال: بعض يوم. فأخذ الأدلاء وصبحهم في أسواقهم، فوضع فيهم السيف، فقتل وأخذ، ثم رجع إلى نهر السليحين بالأنبار، وما زال هو وأصحابه يغيرون على الأطراف.
[أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
كانت ببغداد في أيام مملكة العجم قرية يجتمع رأس كل سنة التجار، ويقوم بها للفرس سوق عظيمة، فلما توجه المسلمون إلى العراق، وفتح أول السواد، ذكر للمثنى بن حارثة الشيباني أمر سوق بغداد.
فأخبرنا محمد بن أحمد بن رزق البزار، أخبرنا محمد بن الحسن الصواف،
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 472.
[2] نفس المرجع والموضع.(4/149)
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عيسى العطار، أخبرنا إسحاق بن بشر أبو حذيفة، قال: قال] [1] ابن إسحاق: حدثني عبد الله أن أهل الحيرة، قالوا للمثنى:
ألا ندلك على قرية يأتيها تجار مدائن كسرى وتجار السواد، وتجتمع بها كل سنة من أموال الناس مثل خراج العراق، وهذه أيام سوقهم التي يجتمعون فيها، فإن أنت قدرت على أن تغير عليهم وهم لا يشعرون، أصبت بها مالا يكون منه عز للمسلمين، وقوة على عدوهم، وبينها وبين مدائن كسرى عامة يوم، فقال لهم: وكيف لي بها؟ فقالوا له: إن أردتها فخذ طريق البر حتى تنتهي إلى الأنبار، ثم تأخذ رءوس الدهاقين فيبعثون معك الأدلاء، فتسير سواد ليلة من الأنبار حتى تأتيهم ضحى [2] .
قال: فخرج من الغد ومعه أدلاء أهل الحيرة حتى دخل الأنبار، فنزل، بصاحبها فتحصن منه، فأرسل إليه، انزل فإنك آمن على دينك وقريتك، وترجع سالما إلى حصنك، فتوثق عليه، ثم نزل فَقَالَ: إني أريد أن تبعث معي دليلا يدلني على بغداد، فإني أريد أن أعبر منها إلى المدائن، قال: أنا أجيء معك/ قال المثنى: لا أريد أن تجيء معي، ولكن ابعث معي من يعرف الطريق، ففعل وأمر لهم بعلف وطعام وزاد، وبعث معهم دليلا، فأقبل حتى بلغ المنصف قال لَهُ المثنى: كم بيننا وبين هذه القرية؟ قال: أربع فراسخ أو خمسة، وقد بقي عليك ليل، فقال لأصحابه: انزلوا واقصموا واطعموا وابعثوا الطلائع، فلا تلقون أحدا إلا حبستموه، ثم سار بهم فصبحهم في أسواقهم، فوضع فيهم السيف، فقتل وأخذ الأموال وقال لأصحابه: لا تأخذوا إلا الذهب والفضة، ومن المتاع ما يقدر الرجل منكم على حمله على دابته، وهرب النّاس وتركوا أمتعتهم، وملأ المسلمون أيديهم من الصفراء والبيضاء، ثم رجع حتى نزل نهر السليحين، فقال للمسلمين: احمدوا الله الذي سلمكم وأغنمكم، انزلوا فاعلفوا خيلكم من هذا القصب وعلقوا عليها وأصيبوا من
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ. وما في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن إسحاق» قال:
[2] في الأصل: «حتى تصبحهم ضحى» .(4/150)
أزوادكم، ثم سار حتى انتهى إلى الأنبار. وهذا المثنى هو أول من حارب الفرس في أيام أبي بكر رضي الله عنه
. ذكر ما هيج أمر القادسية
[1] اجتمع أهل فارس إلى رستم والفيرزان، فقالوا: قد وهنتما أهل فارس، وأطمعتما فيهم عدوهم، وما بعد بغداد وساباط وتكريت إلا المدائن، والله لتجتمعان أو لنبدأنّ بكما قبل أن يشمت بنا شامت.
فقال رستم والفيروزان لبوران بنت كسرى: اكتبي لنا نساء كسرى وسراريه، ونساء آل كسرى وسراريهم. ففعلت، فأرسلوا في طلبهن، فاجتمعن فسألوهن عن ذكر من أبناء كسرى، فلم يوجد عندهن، فقال بعضهن: لم يبق إلا غلام يدعى يزدجرد من ولد شهريار بن كسرى، وأمه من أهل بادوريا. وكانت في أيام شيري حين قتل الذكور، دلته في زبيل [2] إلى أخواله، فجاءوا به فملكوه وهو ابن إحدى وعشرين [سنة] ، واطمأنت/ فارس واستوثقت، فكتب بذلك إلى عمر رضي الله عَنْهُ، فكتب عمر إِلى عمال العرب وذلك في ذي الحجة سنة ثلاث عشرة مخرجه إلى الحج، أن لا تدعوا أحدا له سلاح أو فرس أو نجدة أو رأي إلا انتخبتموه، ثم وجهتم إلي، والعجل العجل.
وحج بالناس [3] عامئذ عبد الرحمن بن عوف، وكان عامل عمر في هذه السنة على مكة عتاب بن أسيد، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص، وعلى اليمن يعلى بن أمية، وعلى عمان واليمامة حذيفة بن محصن، وعلى البحرين العلاء بن الحضرمي، وعلى الشام أبو عبيدة، وعلى فرج الكوفة وما فتح من أرضها المثنى بن حارثة، وكان على القضاء علي بن أبي طالب.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 477.
[2] الزبيل: الحراب أو الوعاء.
[3] تاريخ الطبري 3/ 479.(4/151)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
162- الأخنس بن شريق:
واسمه أبي [بن] شريق بن عمرو بن وهب، [وكان اسمه أبي] [1] فلما أشار على بني زهرة بالرجوع إِلى مكة حين توجهوا في النفير إلى بدر يمنعوا العير فقبلوا منه، قيل:
خنس بهم، فسمي الأخنس يومئذ.
أسلم يوم فتح مكة، وشهد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ حنينا، فأعطاه مع المؤلفة قلوبهم.
وتوفي في أول خلافة عمر رضي الله عنه
. 163-[خولي بن أبي خولي، واسم أبي خولي عمرو بن زهير بن خيثمة: [2]
شهد بدرا، والمشاهد كلها مع رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وتوفي في هذه السنة
. 164- شيرين بن أردشير [3] :
مات في هذه السنة
. 165- سليم، أبو كبشة، مولى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ [4] :
من مولدي أرض دوس، شهد بدرا، والمشاهد كلها، وتوفي يوم استخلف عمر، وذلك يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة من هَذِهِ السنة] [5]
. 166- عمرو بن الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم [6] :
كان أبوه ورد على رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بمكة.
[أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن عُمَرَ البرمكي، قَالَ:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «وهو الّذي أشار على بني زهرة ... » .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 284. والترجمة كلها ساقطة من الأصل. حتى آخر ترجمة سليم.
[3] هذه الترجمة ساقطة من الأصل.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 33، وهذه الترجمة ساقطة من الأصل.
[5] إلى هنا انتهى السقط من الأصل من ترجمة خولي بن أبي خولي.
[6] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 175، وفي الأصل: «عمر بن الطفيل بن عمر الدوسيّ» ، وما أوردناه من أ، وابن سعد.(4/152)
أَخْبَرَنَا ابْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن معروف، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ الدَّوْسِيِّ] [1] ، قَالَ:
كَانَ الطُّفَيْلُ الدَّوْسِيُّ رَجُلا شَرِيفًا شَاعِرًا كَثِيرَ الضِّيَافَةِ، فَقَدِمَ مَكَّةَ، فَلَقِيَهُ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: إِنَّكَ قَدِمْتَ بِلادَنَا وَهَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَدْ أَعْضَلَ بِنَا وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَشَتَّتَ أَمْرَنَا، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ كَالسِّحْرِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَبِيهِ [وَبَيْنَ أَخِيهِ] [2] ، وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَزَوْجَتِهِ، وَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْكَ وَعَلَى قَوْمِكَ مِثْلَ مَا دَخَلَ/ عَلَيْنَا مِنْهُ، فَلا [تُكَلِّمْهُ وَلا] [3] تسمع منه. قال: فو الله مَا زَالُوا بِي حَتَّى أَجْمَعْتُ أَنْ لا أَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا وَلا أُكَلِّمَهُ، فَغَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقَدْ حَشَوْتُ أُذُنِي قُطْنًا [4] ، [فَرَقًا مِنْ أَنْ يَبْلُغَنِي شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ] [5] ، فَكَانَ يُقَالُ لِي: ذُو الْقُطْنَتَيْنِ.
[قَالَ: فَغَدَوْتُ يَوْمًا إِلَى الْمَسْجِدَ] [6] ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي [عِنْدَ الْكَعْبَةِ] [7] ، فَقُمْتُ قَرِيبًا منه فسمعت بعض قوله، فقتل فِي نَفْسِي: وَاثَكْلَ أُمِّي، وَاللَّهِ إِنِّي لَرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ مَا يَخْفَى عَلَيَّ الْحَسَنُ مِنَ القبيح، فما يمنعي مِنْ أَنْ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا [الرَّجُلِ] [8] ، فَإِنْ كَانَ حَسَنًا قَبِلْتُهُ، وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا تَرَكْتُهُ.
فَمَكَثْتُ حَتَّى انْصَرَفَ إِلَى بَيْتِهِ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، فَاعْرِضْ عَلَيَّ أَمْرَكَ، فَعَرَضَ عَلِيَّ الإِسْلامَ، وَتَلا الْقُرْآنَ، فَقُلْتُ: لا وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا وَلا أَعْدَلَ مِنْهُ، فَأَسْلَمْتُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي امْرُؤٌ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عون» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[4] في ابن سعد «أذني كرسفا، وهو القطن» .
[5] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.(4/153)
مُطَاعٌ فِي قَوْمِي، وَإِنِّي رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ فَدَاعِيهِمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ لِي عَوْنًا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «اللَّهمّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً» . فَخَرَجْتُ إِلَى قَوْمِي حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةٍ تُطْلِعُنِي عَلَى الْحَاضِرِ وَقَعَ نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيَّ مِثْلُ الْمِصْبَاحِ، فَقُلْتُ: اللَّهمّ فِي غَيْرِ وَجْهِي، فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَظُنُّوا بِي مُثْلَةً وَقَعَتْ فِي وَجْهِي لِفِرَاقِ دِينِهِمْ، فَتَحَوَّلَ النُّورُ فَوَقَعَ فِي رَأْسِ سَوْطِي، فَجَعَلَ الْحَاضِرُ يَتَرَاءُونَ ذَلِكَ النُّورَ فِي سَوْطِي كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ، فَأَتَانِي أَبِي فَقُلْتُ لَهُ: إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَسْتَ مِنْ ديني، ولست منك، قال: ولم يا بُنَيَّ؟ قُلْتُ: إِنِّي أَسْلَمْتُ وَاتَّبَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: يَا بُنَيَّ دِينِي دِينُكَ. [قَالَ] [1] : فَقُلْتُ: فَاذْهَبْ فَاغْتَسِلْ وَطَهِّرْ ثِيَابَكَ، فَفَعَلَ فَجَاءَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ الإِسْلامَ، ثُمَّ أَتَتْنِي صَاحِبَتِي، فَقُلْتُ: إِلَيْكِ عَنِّي فَلَسْتُ مِنْكِ [2] وَلَسْتِ مِنِّي، قَالَتْ: وَلِمَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قُلْتُ: فَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ الإِسْلامُ، إِنِّي أَسْلَمْتُ وَاتَّبَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ، فَقَالَتْ: دِينِي دِينُكَ، فَأَسْلَمَتْ، ثُمَّ دَعَوْتُ دَوْسًا إِلَى الإِسْلامِ/ فَأَبْطَئُوا عَلَيَّ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلم، فقلت: قد غَلَبَتْنِي دَوْسٌ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «اللَّهمّ اهْدِ دَوْسًا» . وَقَالَ لِي: «اخْرُجْ إِلَى قَوْمِكَ فَادْعُهْمُ وَارْفُقْ بِهِمْ» . فَخَرَجْتُ أَدْعُوهُمْ حَتَّى هَاجَرَ النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَضَتْ بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ، ثُمَّ قَدِمْتُ بِمَنْ أَسْلَمَ مِنْ [قَوْمِي] [3] وَرَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ حَتَّى نَزَلْتُ الْمَدِينَةَ بِسَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ بَيْتًا مِنْ دَوْسٍ، وَلَحِقْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَنَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْنَا فِي مَيْمَنَتِكَ، وَاجْعَلْ شعارنا مبرور، فَفَعَلَ.
فَلَمْ أَزَلْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى فَتَحَ مَكَّةَ، فَقُلْتُ: ابْعَثْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلى ذِي الْكَفَّيْنِ، صَنَمِ عَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ أُحَرِّقُهُ، فَبَعَثَهُ إِلَيْهِ فَحَرَّقَهُ، فَلَمَّا أَحْرَقَهُ بَانَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ [4] ، فَأَسْلَمُوا جَمِيعًا، وَرَجَعَ الطُّفَيْلُ، فَكَانَ مع النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ.
فَلَمَّا ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَجَاهَدَ، ثُمَّ سَارَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْيَمَامَةِ وَمَعَهُ ابْنُهُ عَمْرٌو، فَقُتِلَ الطُّفَيْلُ بِالْيَمَامَةِ، وَقُطِعَتْ يَدُ ابْنِهِ، ثُمَّ اسْتَبَلَ وَصَحَّتْ يده.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من ابن سعد.
[2] في أ: «عليك مني لست منك» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[4] في الأصل: «ليس بشيء» .(4/154)
فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَ عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذْ أُتِيَ بِطَعَامٍ فَتَنَحَّى عَنْهُ، فقال عمر: مالك لَعَلَّكَ تَنَحَّيْتَ لِمَكَانِ يَدِكَ؟ قَالَ: أَجَلْ، قَالَ: والله لا أذوقه حتى تسوطه بيدك، فو الله مَا فِي الْقَوْمِ أَحَدٌ بَعْضُهُ فِي الْجَنَّةِ غَيْرُكَ. ثُمَّ خَرَجَ عَامَ الْيَرْمُوكِ فِي خِلافَةِ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فَقُتِلَ شَهِيدًا
. 167-[عبد الله خليفة رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
وقد سبق ذكر موته، توفي في هذه السنة] [1]
. 168- عكرمة بن أبي جهل، واسمه عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم:
[أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال:
أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ] [2] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ هَرَبَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ إِلَى الْيَمَنِ، وَخَافَ أَنْ يَقْتُلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، [فَجَاءَتْ زَوْجَتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ] [3] / وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَلِيمِ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ امْرَأَةً لَهَا عَقْلٌ، وَكَانَتْ قَدِ اتبعت رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَمِّي عِكْرِمَةَ قَدْ هَرَبَ مِنْكَ [إِلَى الْيَمَنِ] ، وَخَافَ أَنْ تَقْتُلَهُ فَأَمِّنْهُ، قَالَ: «قَدْ أَمَّنْتُهُ بِأَمَانِ اللَّهِ، فَمَنْ لَقِيَهُ فَلا يَعْرِضْ لَهُ» فَخَرَجَتْ فِي طَلَبِهِ، فَأَدْرَكَتْهُ فِي سَاحِلٍ مِنْ سَوَاحِلِ تِهَامَةَ وَقَدْ رَكِبَ الْبَحْرَ، فَجَعَلَتْ تُلَوِّحُ إِلَيْهِ وَتَقُولُ: يَا بن عَمٍّ، جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ أَوْصَلِ النَّاسِ، وَأَبَرِّ النَّاسِ، وَخَيْرِ النَّاسِ، لا تُهْلِكْ نَفْسَكَ وَقَدِ اسْتَأْمَنْتُ لَكَ فَأَمَّنَكَ، فَقَالَ: أَنْتِ فَعَلْتِ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَنَا كَلَّمْتُهُ فَأَمَّنَكَ، فَرَجَعَ مَعَهَا، فَلَمَّا دَنَا مِنْ مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ: «يَأْتِيكُمْ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا فَلا تَسُبُّوا أَبَاهُ، فَإِنَّ سَبَّ الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت» .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عبد الله بن الزبير» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.(4/155)
قَالَ: فَقَدِمَ عِكْرِمَةُ فَانْتَهَى إِلَى بَابِ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَزَوْجَتُهُ مَعَهُ مُتَنَقِّبَةً، قَالَ:
فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَدَخَلْتُ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِقُدُومِ عِكْرِمَةَ، فَاسْتَبْشَرَ وَوَثَبَ قَائِمًا عَلَى رجليه وما على رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ رِدَاءٌ فَرِحًا بِعِكْرِمَةَ، وَقَالَ: أَدْخِلِيهِ، فَدَخَلَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ هَذِهِ أَخْبَرَتْنِي أَنَّكَ أَمَّنْتَنِي، فقال رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: «صَدَقَتْ وَأَنْتَ آمِنٌ» ، قَالَ عِكْرِمَةُ: فَقُلْتُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّكَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَقُلْتُ: أَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ، وَأَصْدَقُ النَّاسِ، وَأَوْفَى النَّاسِ، أَقُولُ ذَلِكَ وَإِنِّي لَمُطَأْطِئُ الرَّأْسِ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَغْفِرْ لِي كُلَّ عَدَاوَةٍ عَادَيْتُكَهَا أَوْ مَرْكَبٍ أُوضِعْتُ فِيهِ أُرِيدُ بِهِ إِظْهَارَ الشِّرْكِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «اللَّهمّ اغْفِرْ لِعِكْرِمَةَ كُلَّ عَدَاوَةٍ عَادَانِيهَا، أَوْ نَطَقَ بِهَا أَوْ مَرْكَبٍ أُوضِعَ فِيهِ/ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّ عَنْ سَبِيلِكَ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِخَيْرِ مَا تَعْلَمُ فَأَعْمَلَهُ، قَالَ: «قُلْ أَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَجَاهِدْ فِي سَبِيلِهِ» ثُمَّ قَالَ عِكْرِمَةُ: أَمَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لا أَدَعُ نَفَقَةً كُنْتُ أَنْفَقْتُهَا فِي صَدٍّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِلا أَنْفَقْتُ ضِعْفَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا قِتَالا كُنْتُ أُقَاتِلُ فِي صَدٍّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِلا أَبْلَيْتُ ضِعْفَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ اجْتَهَدَ فِي الْقِتَالِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ أَجْنَادِينَ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَكَانَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَهُ عَامَ حَجٍّ عَلَى هَوَازِنَ بِصَدَقَتِهَا.
[قال محمد بن سعد: وأخبرنا عارم بن الفضل، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب] [1] ، عن ابن أبي مليكة، قال:
لما كان يوم الفتح ركب عكرمة بن أبي جهل البحر هاربا يجب بهم البحر، فجعلت الصواري يدعون الله عز وجل ويوحدونه، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا مكان لا ينفع فيه إلا الله عز وجَلَّ، قال: فهذا إله محمد الذي يدعونا إليه، فارجعوا بنا، فرجع فأسلم. وكانت امرأته أسلمت قبله وكانا على نكاحهما.
[قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ أَبُو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ] [2] ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، قَالَ:
قال لي النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يَوْمَ جِئْتُهُ: «مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِرِ، مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن ابن أبي مليكة» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن عكرمة بن أبي جهل» .(4/156)
الْمُهَاجِرِ» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لا أَدَعُ نَفَقَةً أَنْفَقْتُهَا عَلَيْكَ إِلا أَنْفَقْتُ مِثْلَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. [قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ] [1] ، عَنْ هِشَامِ [بْنِ يحيى] المخزومي، قال: قال شَيْخٌ لَنَا:
لَمَّا قَدِمَ عِكْرِمَةُ الْمَدِينَةَ جَعَلَ النَّاسُ يَتَنَادَوْنَ: هَذَا ابْنُ أَبِي جَهْلٍ، هَذَا ابن أبي جهل، فانطلق موايلا حَتَّى دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَةِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟
قَالَ: مَا شَأْنِي، لا أَخْرُجُ إِلَى طَرِيقٍ وَلا سُوقٍ إِلا يُنَادَى بِي: هَذَا ابْنُ أَبِي جَهْلٍ، فدخل رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ/ فِي خِلالِ ذَلِكَ، فَذَكَرَتْ لَهُ أُمُّ سَلَمَةَ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي مَقَالَتِهِ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يُؤْذُونَ الأَحْيَاءَ بِشَتْمِ الأَمْوَاتِ، أَلا لا تُؤْذُوا الأَحْيَاءَ بِشَتْمِ الأَمْوَاتِ» . [قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ] [2] :
أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ كَانَ إِذَا أَجْهَدَ الْيَمِينَ، قَالَ: لا والّذي نجاتي يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ يَضَعُ الْمُصْحَفَ عَلَى وَجْهِهِ وَيَقُولُ: كِتَابُ رَبِّي كِتَابُ رَبِّي
. 169- عتاب بن أسيد:
ولاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مكة وهو ابن خمس وعشرين سنة، وتوفي بها يوم مات أبو بكر بالمدينة، وكانا قد سما جميعا
. 170- نعيم النحام بن عبد الله بن أسيد بن عبد عوف [3] :
أسلم بعد عشرة، وكان يكتم إسلامه وإنما سمي النحام لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قال: «دخلت الجنة فسمعت نحمة من نعيم» . ولم يزل بمكة يحوطه قومه [لشرفه فيهم. فلما هاجر المسلمون إلى المدينة أراد الهجرة، فتعلق به قومه] [4] فقالوا: دن بأي دين شئت وأقم عندنا. فأقام [بمكة] [5] إلى
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن هشام» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده أن عكرمة» .
[3] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 102.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.(4/157)
سنة ست، فقدم مهاجرا إلى المدينة [1] ومعه أربعون من أهله، فأتى رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فاعتنقه وقبله.
وشهد مَعَ رَسُول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ما بعد الحديبية، وقتل يوم اليرموك [شهيدا] [2] في هذه السنة
. 171- هشام بن العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سهم: [3]
أسلم بمكة قديما، وهاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية، ثم قدم مكة حين بلغه مهاجرة رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إلى المدينة يريد اللحاق به، فحبسه أبوه وقومه بمكة حتى قدم المدينة بعد الخندق على النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فشهد ما بعد ذلك من المشاهد، وكان أصغر سنا من أخيه عمرو بن العاص، وكان عمرو يقول: عرضنا أنفسنا على رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فقبله وتركني.
[أخبرنا محمد بن أبي طاهر، أنبأنا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أحمد بن معروف، أَخْبَرَنَا الحسين بْن الفهم، حَدَّثَنَا محمد بْن سعد، قال:
أخبرنا محمد بن عمر، قال: حَدَّثَني مخرمة بن بكير، عن أم بكر بنت] [4] المسور بين مخرمة، قالت:
كان هشام بن العاص رجلا صالحا، لما كان يوم أجنادين رأى من المسلمين بعض النكوص عن عدوهم، فألقى المغفر عن وجهه وجعل يتقدم في نحر العدو، وهو يصيح: يا معشر المسلمين إلي إليَّ، أنا هشام بن العاص، أمن الجنة تفرون؟ حتى قتل [5] .
روى محمد بن عمر: [وحدثني ثور بن يزيد، عن خلف] [6] بن معدان، قال:
__________
[1] في الأصل: «وقدم المدينة مهاجرا» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 140.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن المسور بن مخرمة قال» .
[5] الخبر في طبقات 4/ 1/ 142.
[6] ما بين المعقوفتين: من أ، وابن سعد، وفي الأصل: «روى محمد بن عمر بإسناده عن ابن معدان» .(4/158)
لما انهزمت [1] الروم يوم أجنادين انتهوا إلى موضع لا يعبره إلا إنسان إنسان، فجعلت الروم تقاتل عليه وقد تقدموه وعبروه، وتقدم هشام بن العاص بن وائل، فقاتلهم عليه حتى قتل، ووقع على تلك الثلمة فسدها، فلما انتهى المسلمون إليها هابوا أن يوطئوه الخيل، فَقَالَ عمرو بن العاص: أيها الناس، إن الله قد استشهده ورفع روحه، وإنما هو جثة، فأوطئوه الخيل، ثم أوطأه هو وتبعه الناس حتى قطعوه، فلما انتهت الهزيمة ورجع المسلمون إلى العسكر، كر إليه عمرو بن العاص، فجعل يجمع لحمه وأعضاءه وعظامه، ثم حمله في نطع فواراه.
وكانت وقعة أجنادين أول وقعة بين المسلمين والروم، وكانت في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وكان على الناس يومئذ عمرو بن العاص
. 172-[واقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عزيز
[2] :
أسلم قبل دخول رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ دار الأرقم، وشهد مع عبد الله بن جحش سريته إلى نخلة، وقتل يومئذ عمرو بن الحضرمي. وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وليس له عقب] [3] .
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 1/ 142، 143.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 284، والترجمة ساقطة من الأصل، ومكان «واقد» بياض في أ.
[3] إلى هنا انتهى السقط من الأصل.
وكتب في أ، بعدها: «تم المجلد الخامس» .(4/159)
ثُمَّ دخلت سنة أربع عشرة
[1]
فمن الحوادث فيها قصة القادسية [2]
وذلك أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خرج في أول [يوم من] [3] المحرم من سنة أربع عشرة، فنزل على ماء يدعى صرارا، فعسكر به ولا يدري الناس ما يريد، أيسير أم يقيم؟ وكانوا إذَا أرادوا أن يسألوه عن شيء رموه بعثمان أو بعبد الرحمن بن عوف، وكان عثمان يدعى في زمان عمر/ رديفا، وكانوا إذا لم يقدر هذان على شيء مما يريدون ثلثوا بالعباس، قال: فَقَالَ عثمان لعمر: ما بلغك؟ ما الذي تريد؟ فنادى:
الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فأخبرهم الخبر الذي اقتصصناه في ذكر ما هيج أمر القادسية من اجتماع الناس على يزدجرد، وقصد فارس إهلاك العرب فقال عامة الناس:
سر وسر بنا، فقال: استعدوا فإني سائر إلا أن يجيء رأي هو أمثل من هذا.
ثم بعث إلى أهل الرأي، فاجتمع [إليه] أصحاب رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وأعلام العرب، فقال: أحضروني الرأي، فاجتمع ملؤهم على أن يبعث رجلا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ويقيم، ويرميه بالجنود، فإن كان الذي يشتهي من الفتح، فهو الذي يريد، وإلا أعاد رجلا وندب جندا آخر.
فأرسل إلى علي رضي الله عنه، وكان قد استخلفه على المدينة، وإلى طلحة، وكان قد بعثه عَلَى المقدمة، وجعل على المجنبتين الزبير وعبد الرحمن بن عوف، فقال
__________
[1] في أ: «بداية المجلد السادس» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 480.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.(4/160)
لَهُ عبد الرحمن: أقم وابعث جندا، فليس انهزام جندك كهزيمتك، فقال: إني كنت عزمت على [1] الخروج، فقد رأيت أني أقيم وأبعث رجلا، فمن ترونه؟ فقالوا:
سعد بن مالك، وكان سعد على صدقات هوازن، فكتب إليه عمر أن ينتخب ذوي الرأي والنجدة، فانتخب ألف فارس ثم أرسل إِلَيْهِ، فقدم.
وكتب عمر إلى المثنى [2] : تنح إلى البر، وأقم من الأعاجم قريبا على حدود أرضك وأرضهم حتى يأتيك أمري.
وعاجلتهم [3] الأعاجم، فخرج المثنى بالناس حتى نزل العراق، ففرق الناس في مسالحه [4] ، وكانوا كالأسد ينازعون فرائسهم، وكانت فارس منزعجة.
ولما قدم [5] سعد ولاه عمر حرب العراق، وقال: يا سعد لا يغرنك إن قيل: خال رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وصاحبه، فإنه ليس بين أحد وبين الله نسب إلا الطاعة، وإنك تقدم على أمر شديد، فالصبر الصبر على ما أصابك.
ثم سرحه فيمن اجتمع معه، فخرج قاصدا إلى العراق في أربعة آلاف، ثم أمده عمر بثلاثة آلاف.
وكتب إلى جرير بن عبد الله والمثنى أن يجتمعا إلى سعد، وأمره عليهما، فمات المثنى من جراحة كان قد جرحها.
وبعض الناس يقول: كان أهل القادسية ثمانية آلاف وبعضهم يقول: تسعة آلاف، وبعضهم يقول: اثني عشر ألفا [6] .
وخرج سعد [7] في ثمانية آلاف، ثم أضيف إليه خلق، فشهد القادسية مع سعد بضعة وثلاثون ألفا.
__________
[1] «عزمت» : سقطت من أ.
[2] تاريخ الطبري 3/ 482.
[3] في الأصل: «فعاجلت» ، والتصحيح من الطبري.
[4] في الأصل: «فيه» .
[5] تاريخ الطبري 3/ 483.
[6] تاريخ الطبري 3/ 487.
[7] تاريخ الطبري 3/ 488.(4/161)
وكتب عمر إلى سعد: إذا جاءك كتابي [هذا] [1] فعشر الناس [2] وأمر على أجنادهم، وواعد الناس القادسية، واكتب إلي بما يستقر أمر الناس عليه.
فجاءه الكتاب [3] وهو بشراف، ثم كتب إليه: أما بعد، فسر من شراف نحو فارس بمن معك من المسلمين، وتوكل على الله، واستعن به على أمرك كله، واعلم أنك تقدم على قوم عددهم كثير، وبأسهم شديد، فبادروهم بالضرب ولا يخدعنكم، فإنهم خدعة [مكرة] [4] ، وإذا انتهيت [إلى القادسية] [5] والقادسية باب فارس في الجاهلية، وهو منزل حصين دونه قناطر وأنهار ممتنعة، فلتكن مسالحك على أنقابها، فإنهم إذا أحسوك رموك بجمعهم، فإن أنتم صبرتم لعدوكم ونويتم الأمانة، رجوت أن تنصروا عليهم، وإن تكن الأخرى انصرفتم من أدنى مدرة من أرضهم حتى/ يرد الله لكم الكرة.
[ثم قدم عليه كتاب جواب عمر: أما بعد] [6] ، فتعاهد قلبك، وحادث جندك بالموعظة والصبر الصبر، فإن المعونة تأتي من الله على قدر النية، والأجر على قدر الحسبة، وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا باللَّه، وصف لي منازل المسلمين كأني أنظر إليها وقد ألقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو هزمتموهم، فإن منحك الله أكتافهم فلا تنزع عنهم حتى تقتحم عليهم المدائن، فإنها خرابها إن شاء الله.
ومضى سعد حتى نزل القادسية وأصاب المسلمون في طريقهم غنائم من أهل فارس عارضوها في طريقهم، وجاء الخبر إلى سعد أن الملك قد ولى رستم الأرمني حربه، فكتب بذلك إلى عُمَر، فكتب إليه عمر: لا يكربنك ما يأتيك عنهم، واستعن باللَّه وتوكل عليه.
فعسكر [7] رستم بساباط دون المدائن، وزحف بالخيول والفيول، وبعثوا إلى
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[2] في الأصل: «فعرف على الناس» . وما أوردناه من أ، والطبري.
[3] تاريخ الطبري 3/ 490.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري 3/ 491.
[6] ما بين المعقوفتين: من الطبري 3/ 491.
[7] تاريخ الطبري 3/ 495.(4/162)
سعد أنه لا بد لكم منا، ولا سلاح معكم، فما جاء بكم؟ وكانوا يضحكون منهم ومن نبلهم، ويقولون هذه مغازل. فلما أبوا أن يرجعوا عن حربهم، قالوا لهم: ابعثوا لنا رجلا منكم عاقلًا يبين لنا ما جاء بكم، فقال المغيرة بن شعبة: أنا، فعبر إليهم، فقعد مع رستم على السرير، فصاحوا عليه، فقال: إن هذا لم يزدني رفعة ولم ينقص صاحبكم، فقال رستم: صدق، ثم قَالَ: ما جاء بكم؟ فقال: إنا كنا قوما في ضلالة، فبعث الله فينا نبيا فهدانا الله به، فإن قتلتمونا دخلنا الجنة، وإن قتلتم دخلتم النار، فقال: أو ماذا؟ قال: أو تؤدون الجزية، فلما سمعوا نخروا وصاحوا، وقالوا: لا صلح بيننا وبينكم، فقال المغيرة: تعبرون إلينا أو نعبر إليكم؟ فقال رستم: بل نعبر إليكم، فاستأخر المسلمون حتى عبر منهم من عبر/ فحملوا عليهم فهزموهم، فأصاب المسلمون فيما أصابوا جرابا من كافور فحسبوه ملحا، فألقوا منه في الطبيخ، فلما ذاقوه قالوا: لا خير في هذا.
وانهزم القوم حتى انتهوا إلى الصراة، فطلبوهم فانهزموا حتى انتهوا إلى المدائن، ثم انهزموا حتى أتوا شاطئ دجلة [1] ، فمنهم من عبر من كلواذى، ومنهم من عبر من أسفل المدائن، فحاصروهم حتى ما يجدون طعاما يأكلونه إلا كلابهم وسنانيرهم، فخرجوا ليلا فلحقوا بجلولاء، فأتاهم المسلمون، وعلى مقدمة سعد هاشم بن عتبة، وهي الوقعة التي كانت، فهزم المشركون حتى ألحقهم سعد بنهاوند.
وبعث سعد بجماعة من المسلمين إلى يزدجرد يدعونه إلى الإسلام، فلما دخلوا عليه، قال: ما الذي دعاكم إلى غزونا، والولوع ببلادنا، فقال له النعمان بن مقرن: إن الله تعالى أرسل إلينا رسولا يدلنا على الخير، فأمرنا أن ندعو الناس إلى الإنصاف، ونحن ندعوكم إِلى ديننا، فإن أبيتم فالمناجزة، فقال يزدجرد: إني لا أعلم في الأرض أمة أشقى منكم، فَقَالَ المغيرة بن زرارة الأسدي: اختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر، وإن شئت السيف، أو تسلم، فقال: أتستقبلني بمثل هذا؟ فقال: ما استقبلت إلا من كلمني، فقال: لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتك لا شيء لكم عندي، ثم قال:
ائتوني بوقر من تراب واحملوه على أشرف هَؤُلَاء، ثم سوقوه حتى يخرج من باب المدائن [2] ، ارجعوا إلى صاحبكم فاعلموه أني مرسل إليهم رستم حتى يدفنه [3] وجنده
__________
[1] في الأصل: «فحصروهم حتى ما نزلوا شاطئ» والتصحيح من: أ.
[2] في الأصل: أبيات المدائن والتصحيح من الطبري.
[3] في الطبري: «حتى يدفيكم ويدفيه» .(4/163)
في خندق القادسية، ثم أورده بلادكم، حتى أشغلكم في أنفسكم بأشد مما نالكم من سابور.
ثم/ قال: من أشرفكم؟ فسكت القوم [1] ، فقال عاصم بن عمرو: أنا، فحملنيه، فحمله على عنقه، فأتى به سعدا، فقال: ملكنا الله أرضهم تفاؤلا بأخذ التراب.
وأقام سعد بالقادسية شهرين وشيئا حتى ظفر وعج أهل السواد إلى يزدجرد، وقالوا: إن العرب قد نزلوا القادسية فلم يبقوا على شيء، وأخبروا ما بينهم وبين الفرات، ولم يبق إلا أن يستنزلونا، فإن أبطأ عنا الغياث أعطيناهم بأيدينا [2] .
فبعث إليهم رستم، وجاء الخبر إلى سعد، فكتب بذلك إلى عمر، وكان من رأي رستم المدافعة والمناهلة، فأبى عليه الملك إلا الخروج، وقال له: إن لم تسر أنت سرت بنفسي، فخرج حتى نزل بساباط، وجمع أداة الحرب، وبعث على مقدمته الجالنوس في أربعين ألفا، وخرج في ستين ألفا، واستعمل على ميمنته الهرمزان، وعلى ميسرته مهران بن بهرام، وعلى ساقته النبدوان في عشرين ألفا ولهم أتباع، فكانوا بأتباعهم أكثر من مائتي ألف.
فلما [3] فصل رستم من ساباط أخذ له رجل من أصحاب سعد، فقال له: ما جئتم تطلبون؟ قال: جئنا نطلب موعود الله، قال: وما هو؟ قال: أرضكم وأبناؤكم ودماؤكم إن أبيتم أن تسلموا، [قال:] [4] فإن قتلتم قبل ذلك؟ قال: في موعود الله أن من قتل منا قبل ذلك دخل الجنة، وينجز لمن بقي منا ما قلت لك، فقتله.
ثم خرج حتى نزل ببرس، فغضب أصحابه الناس أموالهم، ووقعوا على النساء، وشربوا الخمور، فقام إلى الناس، فقال: إن الله كان ينصركم على عدوكم لحسن السيرة، وكف الظلم والوفاء بالعهد، فأما إذا تحولتم عن هذه الأعمال فلا أرى الله إلا مغيرا ما بكم.
__________
[1] في الأصل: «فسكتوا» ، والتصحيح من الطبري.
[2] تاريخ الطبري 3/ 502، 503.
[3] تاريخ الطبري 3/ 507. وفي الأصل: «انفصل» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(4/164)
ثم نزل مما يلي الفرات، ودعا أهل الحيرة، فقال: فرحتم بدخول العرب [علينا] بلادنا، وكنتم عونا لهم علينا، وقويتموهم بالأموال، فقالوا: والله ما فرحنا بمجيئهم، وما هم عَلَى ديننا، وأما قولك: كنتم عونا لهم، فما يحوجهم إلى ذلك وقد هرب أصحابكم منهم وخلوا لهم القرى [1] ، وقولك: «قويناهم بالأموال» ، فإنا صانعنا [هم بالأموال] عن أنفسنا.
فارتحل رستم فنزل النجف، وكان بين خروجه من المدائن إلى أن لقي سعدا أربعة أشهر لا يقدم ولا يقاتل، رجاء أن يضجروا بمكانهم، وأن يجهدوا فينصرفوا، وكره قتالهم، فطاولهم والملك يستعجله، وعهد عمر إلى سعد والمسلمين أن ينزلوا على حدود أرضهم وأن يطاولهم، فنزلوا القادسية، وقد وطنوا أنفسهم على الصبر والمطاولة، فكانوا يغيرون على السواد، فانتسفوا ما حولهم وأعدوه للمطاولة.
وكان عمر يمدهم، وقال بعض الناس لسعد: قد ضاف بنا المكان فأقدم، فزبره وقال: إذا كفيتم الرأي فلا تكلفوه، وخرج سواد وحميضة في مائة مائة، فأغاروا على النهرين، وقد كَانَ سعد نهاهما أن يمعنا، وبلغ ذلك رستم، فبعث خيلا، فبعث سعد إليهم قوما فغنموا وسلموا. [2] ومضى طليحة حتى دخل عسكر رستم، وبات فيه يحرسه وينظر.
فلما أدبر الليل أتى أفضل من توسم في ناحية العسكر، فإذا فرس لهم [3] لم ير في خيل القوم مثله، فانتضى سيفه فقطع مقود الفرس ثم ضمه إلى مقود فرسه ثم حرمك فرسه، فخرج يعدو، ونذر به [الرجل] [4] والقوم، فركبوا الصعب والذلول وخرجوا في طلبه، فلحقه فارس، فعدل إِلَيْهِ طليحة فقصم ظهره بالرمح، ثم لحق به آخر، ففعل به مثل ذلك، ثم لحق به آخر فكر عليه طليحة ودعاه إلى الأسار فاستأسر، فجاء به إلى سعد فأخبره الخبر، فقال للأسير: تكلم، فقال: قد باشرت الحروب وغشيتها، وسمعت بالأبطال ولقيتها، ما رأيت ولا سمعت بمثل هذا، أن رجلا قطع عسكرين لا
__________
[1] في الأصل: «وقد خلوا القرى أصحابك وهربوا» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 513.
[3] في الأصل: «فإذا فرس له» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.(4/165)
يجترئ عليهما الأبطال إلى عسكر فيه سبعون ألفا، فلم يرض أن يخرج حتى سلب فارس الجند، وهتك أطناب بيته، فطلبناه فأدركه الأول، وهو فارس الناس، يعدل بألف فارس فقتله، ثُمَّ أدركه الثاني وهو نظيره فقتله، ثم أدركته ولا أظنني خلفت بعدي من يعدلني، فرأيت الموت فاستأسرت.
ثم أخبرهم بأن الجند عشرون ومائة ألف، وأن الأتباع مثلهم خدام لهم، وأسلم الرجل وسماه سعد مسلما، وعاد إلى طليحة وقال: والله لا يهزمون على ما أرى من الوفاء والصدق والإصلاح، لا حاجة لي في صحبة فارس، فكان من أهل البلاء يومئذ.
وقال سعد لقيس بن هبيرة [1] : أخرج حتى تأتيني بخبر القوم، فخرج وسرح عمرو بن معديكرب، وطليحة، فإذا خيل القوم، فأنشب قيس القتال وطاردهم، فكانت هزيمتهم، وأصاب منهم اثني عشر رجلا وثلاثة أسراء وأسلابا، فأتوا بالغنيمة سعدا.
فلما أصبح رستم [2] تقدم حتى انتهى إلى العتيق فتباسر حتى إذا كان بحيال قديس خندق خندقا بحيال عسكر سعد، وكان رستم منجما، فكان يبكي مما يرى من أسباب تدل على غلبة المسلمين إياهم، ومما رأى أن عمر دخل عسكر فارس ومعه ملك، فختم [على] سلاحهم ثم حزمه ودفعه إلى عمر.
وكان مع رستم ثلاثة وثلاثون فيلا، في القلب ثمانية عشر، وفي المجنبتين خمسة عشر [فيلًا] ، منها فيل سابور الأبيض، وكان أعظم الفيلة.
فلما أصبح رستم [3] من ليلته التي بات بها في العتيق، ركب في خيله، فنظر إلى المسلمين، ثُمَّ صعد نحو القنطرة وحرز [الناس] [4] ، وراسل زهرة، فخرج إليه وأراد أن يصالحهم، وجعل يقول: إنكم جيراننا، وقد كانت طائفة منكم في سلطاننا، فكنا نحسن جوارهم [5] ، ونكف الأذى عنهم، ونوليهم المرافق [6] الكثيرة، [فنرعيهم
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 514.
[2] تاريخ الطبري 3/ 515.
[3] تاريخ الطبري 3/ 517.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وفي أ: «وحرزهم الناس» .
[5] في الأصل: «فكنا نحمي جوارهم» .
[6] في الأصل: «المراعي الكثيرة» . والتصحيح من الطبري.(4/166)
مراعينا] [1] ، ونميرهم من بلادنا، وإنما يريد بذلك الصلح [ولا يصرح] [2] ، فقال زهرة:
ليس أمرنا أمر أولئك، إنا لم نأتكم لطلب الدنيا، إنما طلبنا الآخرة، كنا نضرع إليكم فنطلب ما في أيديكم، فبعث الله إلينا رسولا فأجبناه إلى دين الحق.
فدعا رستم رجال أهل فارس، فذكر لهم ذلك، فأنفوا، فقال: أبعدكم الله، فمال الرفيل إلى زهرة فأسلم وأسلم.
وأرسل [3] سعد إلى المغيرة بن شعبة، [وبسر بن أبي رهم، وعرفجة بن هرثمة] [4] وحذيفة بن محصن، وربعي بن عامر، [وقرفة بن زاهر التيمي، ومذعور بن عدي العجلي، والمضارب بن يزيد العجلي] [5] ، ومعبد بن مرة [العجلي] ، وكان من دهاة العرب، فقال: إني مرسلكم إلى هؤلاء [القوم] ، فما عندكم؟ قالوا [جميعا:] نتبع ما تأمرنا به، وننتهي إليه، فإذا جاء أمر لم يكن منك فيه شيء نظرنا أمثل ما ينبغي وأنفعه للناس، فكلمناهم به. فقال سعد: هذا فعل الحزمة [6] ، اذهبوا فتهيئوا. فقال ربعي بن عامر: إن الأعاجم [لهم آراء وآداب] [7] ، متى ما نأتهم جميعا يروا أنا قد احتفلنا لهم، فلا تزيد على رجل، فسرحوني.
فخرج ربعي ليدخل على [8] رستم عسكره، فاحتبسه الذين على القنطرة، وأرسل إلى رستم بمجيئة، فاستشار عظماء أهل فارس، فقال: ما ترون، أنتهاون أم نباهي [9] ؟
قالوا: نباهي، فأظهروا الزبرجد، وبسطوا البسط والنمارق، ووضع لرستم سرير ذهب، عليه الوسائد المنسوجة بالذهب. وأقبل ربعي وغمد سيفه لفافة ثوب خلق،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من الطبري 3/ 517.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] تاريخ الطبري 3/ 518.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أالطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[6] في الأصل: «هذا قول الحزمة» .
[7] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[8] «على» : ساقطة من أ.
[9] في الطبري 3/ 519: «فأجمع ملؤهم على التهاون» .(4/167)
ورمحه معلوب [1] بقد، معه حجفة [2] من جلود البقر، فجاء حتى جلس على الأرض، وقال: إنا لا نستحب القعود على زينتكم، فكلمه وقال: ما جاء بكم؟ قال: الله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة/ الله، من جور الأديان إلى عدل الإسلام، فمن قبل ذلك قبلنا منه، ومن أبى قاتلناه حتى نفضي إلى موعود الله. قال: وما [هو] موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي.
فقال رستم [3] : هل لكم أن تؤخروا هذا الأمر لننظر فيه وتنظروا، قال: إنا لا نؤجل أكثر من ثلاث.
فخلص [4] رستم برؤساء أهل فارس، وقال: ما ترون، هل رأيتم قط كلاما أوضح وأعز من كلام هذا؟ قالوا: معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك لهذا الكلب، أما ترى إلى ثيابه، فقال: ويحكم لا تنظرون إلى الثياب، ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب تستخف باللباس والمأكل ويصونون الأحساب.
فرجع ربعي [5] إلى أن ينظروا في الأجل، فلما كان في الغد بعثوا: [أن] ابعث إلينا ذلك الرجل، فبعث إليهم سعد حذيفة بن محصن، فلما جاء إلى البساط قالوا: انزل، قال: ذاك لو جئتكم في حاجتي [6] ، الحاجة لكم لا لي، فجاء حتى وقف ورستم على سريره، فقال له: انزل، قال: لا أفعل، فقال: ما بالك ولم يجئ صاحبنا بالأمس؟
قال: أميرنا يحب أن يعدل بيننا في الشدة والرخاء، وهذه نوبتي، فتكلم بنحو ما تكلم به ربعي، ورجع.
فلما كان [7] من الغد أرسلوا: ابعث لنا رجلا، فبعث اليهم المغيرة بن شعبة،
__________
[1] في الأصل: «ملعوب» ، وفي أ: «معصوب» ، وما أوردناه من الطبري.
ومعناه: علب الرمح، فهو معلوب، أي حزم مقبضه بعلباء البعير وهو عنقه.
[2] الجحفة: الرأس.
[3] تاريخ الطبري 3/ 520.
[4] تاريخ الطبري 3/ 520.
[5] تاريخ الطبري 3/ 521.
[6] في الأصل: «في حاجة» .
[7] تاريخ الطبري 3/ 522.(4/168)
فجاء حتى جلس مع رستم على سريره فترتروه [1] وأنزلوه ومغثوه [2] ، فقال: كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوما أسفه منكم، إنا معشر العرب [سواء] [3] ، لا يستعبد بعضنا بعضا، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، / فقال رستم: لم نزل متمكنين من الأرض والبلاد، ظاهرين على الأعداء، ننصر على الناس، ولا ينصرون علينا، ولم يكن في الناس أمة أصغر عندنا أمرا منكم، ولا نراكم شيئا ولا نعدكم، وكنتم إذا قحطت أرضكم استعنتم بأرضنا، فنأمر لكم بالشيء من التمر والشعير، ثم نردكم، وقد علمت أنه لم يحملكم على ما صنعتم إلا ما أصابكم من الجهد في بلادكم، فأنا آمر لأميركم بكسوة وبغل وألف درهم، وآمر لكل رجل منكم بوقرتي [4] تمر وثوبين، وتنصرفون عنا، فإني لست أشتهي أن أقتلكم ولا آسركم.
فتكلم المغيرة [5] ، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: لسنا ننكر ما وصفت به نفسك وأهل بلادك من التمكن في البلاد، وسوء حالنا، غير أن الأمر غير ما تذهبون إليه، إن الله تعالى بعث فينا رسولا فذكر نحو كلام ربعي إلى أن قال: فكن لنا عبدا تؤدي الجزية وأنت صاغر، وإلا السيف إن أبيت، فنخر نخرة، واستشاط غضبا، ثم حلف بالشمس: لا يرتفع الضحى غدا حتى أقتلكم أجمعين.
فانصرف المغيرة، وخلص رستم بأشراف فارس، فقال: إني أرى للَّه فيكم نقمة لا تستطيعون ردها عن أنفسكم، ثم قال رستم للمسلمين: أتعبرون إلينا أم نعبر إليكم؟
فقالوا: لا بل اعبر إلينا، فأرسل سعد إلى الناس أن يقفوا مواقفهم، فأراد المشركون العبور على القنطرة، فأرسل إليهم سعد ولا كرامة، متى قد غلبناكم عليها لن نردها عليكم، تكلفوا معبرا غير القناطر، فباتوا يسكرون العتيق والقصب حتى الصباح بأمتعتهم، [6] فجعلوه طريقا.
__________
[1] ترتروه: حركوه، وفي الأصل: «نثروه» ، وفي أ: «فنذروه» وما أوردناه من الطبري.
[2] مغثوه: ضربوه ضربا ليس بالشديد، وفي الأصل: «وبعثوه» ، وفي أ، «ومنعوه» وما أوردناه من الطبري.
[3] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[4] في الطبري 3/ 523: «بوقر تمر» .
[5] تاريخ الطبري 3/ 523.
[6] في الأصل: «حتى بان تنعتهم» . وفي أ: «حتى بأمتعتهم» وما أوردناه من الطبري 3/ 529.(4/169)
[يوم أرماث]
[1] [أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَاجِّيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أخبرنا أحمد بن سيف، قال: أخبرنا السري بن يحيى، قال:
أخبرنا شعيب بن إبراهيم، قَالَ: حدثنا سيف] [2] ، عن الأعمش، قال [3] :
لما كان يوم السكر، لبس رستم درعين ومغفرا، وأخذ سلاحه وأتى بفرسه/ فوثب، فإذا هو عَلَيْهِ، ولم يضع رجله في الركاب، ثم قال: غدا ندقهم دقا، فقال له رجل: إن شاء الله، فقال: وإن لم يشأ.
قالوا [4] : ولما عبر أهل فارس أخذوا مصافهم، وجلس [رستم] [5] على سريره، وعبى في القلب ثمانية عشر فيلا، عليها الصناديق والرجال، وفي المجنبتين ثمانية وسبعة، عليها الصناديق والرجال. وكان يزدجرد قد أقام رجلا على باب إيوانه، يبلغه أخبار رستم، وآخر في الدار، وآخر خارج الدار، وكذلك إلى عند رستم، فكلما حدث أمر تكلم به الأول فيبلغه الثاني إِلى الثالث، كذلك إلى يزدجرد.
أخذ المسلمون مصافهم، وكان سعد يومئذ به دماميل [6] ، لا يستطيع أن يركب ولا يجلس، إنما هُوَ على وجهه في صدره وسادة، وهو مكب عليها، مشرف على الناس، يرمي بالرقاع فيها أمره ونهيه إلى خالد بن عرفطة.
وأن سعدا [7] خطب من يليه، يوم الاثنين في المحرم سنة أربع عشرة، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إن الله عز وجل يقول: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ 21: 105
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 529، 530.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الأعمش» .
[3] الخبر في تاريخ الطبري 3/ 529، 530.
[4] أي: محمد وطلحة وزياد كما في الطبري 3/ 530.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[6] في الطبري: «حبون» والمعنى واحد.
[7] تاريخ الطبري 3/ 531.(4/170)
الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ 21: 105 [1] . هذا ميراثكم [2] وموعود [3] ربكم، فأنتم منذ ثلاث حجج تطعمون منه، وتقتلون أهله، فإن تزهدوا في الدنيا وترغبوا في الآخرة يجمع الله لكم الدنيا والآخرة، ولا يقرب ذلك أحد إلى أجله، وإن تفشلوا وتضعفوا تذهب ريحكم، وتوبقوا آخرتكم.
وقام عاصم [4] بن عمرو في المجردة، فقال: هذه بلاد قد أحل الله [لكم] أهلها [5] ، وأنتم تنالون منهم منذ ثلاث سنين ما لا ينالون منكم، وأنتم الأعلون والله معكم، إن صبرتم فالضرب والطعن ولكم أموالهم ونساؤهم وأبناؤهم وبلادهم، ولئن فشلتم لم يبق هذا الجمع منكم باقية، مخافة أن تعودوا عليهم [بعائدة هلاك] [6] ، الله الله، اجعلوا همكم الآخرة.
وخطب كل أمير أصحابه، وتحاضوا/ على الطاعة. وأذن مؤذن سعد لصلاة الظهر، وقال رستم: أكل عُمَر كبدي أحرق الله كبده، علم هؤلاء حتى علموا.
وأرسل [7] سعد الذين انتهى إليهم رأي الناس ونجدتهم، مثل: المغيرة، وحذيفة، وعاصم بن عمرو. ومن أهل النجدة: طليحة، وقيس الأسدي، وغالب، وعمرو بن معديكرب. ومن الشعراء الشّمّاخ، والحطيئة، وأوس بن مغراء، وعبدة بن الطبيب، وقال: انطلقوا فقوموا في الناس فذكروهم وحرضوهم على القتال.
فقال عاصم: [8] يا معشر العرب، إنكم أعيان العرب، وقد صمدتم لأعيان العجم، وإنما تخاطرون بالجنة، ويخاطرون بالدنيا، فلا يكونن على دنياهم أحوط منكم على آخرتكم، لا تحدثن اليوم أمرا يكون شيئا على العرب غدا.
__________
[1] سورة: الأنبياء، الآية: 105.
[2] في الأصل: «هذا منزلتكم» .
[3] في أ: «وموعد ربكم» .
[4] تاريخ الطبري 3/ 532.
[5] ما بين المعقوفتين: على هامش أ.
[6] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[7] تاريخ الطبري 3/ 533.
[8] تاريخ الطبري 3/ 534.(4/171)
وقام كل واحد [1] بنحو هذا الكلام، وتواثق الناس وتعاهدوا، وفعل أهل فارس [مثل ذلك] [2] ، واقترنوا بالسلاسل، وكان المقترنون ثلاثين ألفا.
وقال سعد: الزموا مواقفكم، لا تحركوا شيئا حتى تصلوا الظهر، فإذا صليتم الظهر فإني مكبر تكبيرة، فكبروا واستعدوا، واعلموا أن التكبير لم يعطه أحد قبلكم، وإنما أعطيتموه تأييدا [لكم] . ثم إذا سمعتم الثانية فكبروا، ولتستتم عدتكم، ثم إذا كبرت الثالثة فكبروا، ولينشط فرسانكم الناس ليبرزوا وليطاردوا، فإذا كبرت الرابعة فارجفوا جميعا حتى تخالطوا عدوكم، وقولوا: لا حول ولا قوة إلا باللَّه.
فلمَا كبر [3] ثلاث مرات خرج غالب بن عبد الله الأسدي، فبرز إليه هرمز، فأسره غالب، وجاء به إلى سعد، وخرج طليحة إلى عظيم منهم فقتله، وقام بنو أسد فبالغوا في جهاد الفيلة ودفعها، فكبر سعد الرابعة فزحف إليهم المسلمون، وحملت الفيلة على الميمنة، والميسرة عَلَى الخيول.
وأقبل أصحاب/ عاصم على الفيلة، فقطعوا خراطيمها [4] ، فارتفع عواؤها [5] ، واقتتلوا حتى غربت الشمس، وحتى ذهب هدة من الليل، ثم تراجعوا، وأصيب في تلك العشية خمسمائة رجل، وهذا يومها الأول، وهو يوم أرماث
. [يوم أغواث]
[6] ثم أصبح القوم من الغد على تعبية وقد وكل سعد رجالا بنقل الشهداء إلى العذيب، وأسلم الرثيث [7] إلى النساء يقمن عليهم، ودفن الشهداء [8] ، فبينا هم كذلك إذا
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 535.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] تاريخ الطبري 3/ 536.
[4] في الأصل: «فقطعوها» .
[5] في الأصل: «وارتفع عداوها» .
[6] تاريخ الطبري 3/ 542.
[7] الرثيث: الجريح وبه رمق.
[8] في الأصل: «ودفنهم» .(4/172)
طلعت نواصي الخيل من قبل الشام- وكان فتح دمشق قبل القادسية بشهر- وذلك أنه قدم كتاب عُمَر إلى أبي عبيدة بصرف أهل العراق [أصحاب خالد،] فصرفهم، فلما جاءوا سمي هذا اليوم يوم أغواث، وأكثر المسلمون القتل في الأعاجم، ولم تقاتل الأعاجم يومئذ على فيل، لأن أنيابها [1] كانت قد تكسرت، وحمل المسلمون رجالا على إبل قد ألبسوها، فهي مجللة مبرقعة يتشبهون بالفيلة، فلقي أهل فارس يوم أغواث أعظم مما لقي المسلمون من الفيلة يوم أرماث، وجعل رجل من المسلمين يقال له: سواد يتعرض بالشهادة فأبطأت عليه، فتعرض لرستم يريده، فقتل دونه، وحمل القعقاع بن عمر يومئذ ثلاثين حملة، قتل في كل حملة رجل، وكان آخر من قتل بزرجمهر الهمذاني.
وروى مجالد [2] ، عن الشعبي، قال: كانت امرأة من النخع لها بنون أربعة شهدوا القادسية، فقالت لبنيها: إنكم أسلمتم فلم تبدلوا، وهاجرتم فلم تثوبوا، [3] ولم تنب بكم البلاد، ولم تقحمكم السنة، ثم جئتم بأمكم عجوز كبيرة فوضعتموها بين يدي أهل فارس، والله إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، انطلقوا فاشهدوا أول القتال وآخره، فأقبلوا يشتدون، فلما غابوا عنها رفعت يديها قبل السماء وقالت: اللَّهمّ ادفع عن بني، فرجعوا إليها وقد أحسنوا/ القتال، ما كلم منهم رجل [كلما] [4] ، فرأيتهم بعد ذلك يأخذون ألفا ألفا من العطاء [5] ، ثم يأتون أمهم فيلقونه في حجرها، فترده عليهم وتقسمه فيهم على ما يرضيهم.
وقد رويت لنا هذه الحكاية أتم من هذا.
[أخبرنا المحمدان ابن أبي منصور، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا جعفر بن أَحْمَد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ علي الثوري، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الدَّقَّاق، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْن صفوان، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن عبيد، قال: حدّثني أحمد بن حميد
__________
[1] في أ، والطبري 3/ 544: «توابيتها» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 544.
[3] في الأصل، وبعض النسخ المخطوطة من الطبري: تثربوا» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[5] في الطبري: «ألفين ألفين» .(4/173)
الأنصاري، أنه حدث عن عبد الرحمن بن مغراء الدوسي] [1] ، عن رجل من خزاعة، قال:
لما اجتمع الناس بالقادسية دعت خنساء بنت عمرو النخعية بنيها الأربعة، فقالت: يا بني، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم، والله ما نبت بكم الدار ولا أقحمتكم السنة، ولا أرداكم الطمع، والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، ولا عموت نسبكم، ولا أوطأت حريمكم، ولا أبحت حماكم، فإذا كان غدا إن شاء الله، فاغدوا لقتال عدوكم مستنصرين الله مستبصرين، فإذا رأيتم الحرب قد أبدت ساقها، وقد ضربت رواقها فتيمموا وطيسها، وجالدوا خميسها، تظفروا بالمغنم والسلامة والفوز والكرامة في دار الخلد والمقامة.
فانصرف الفتية من عندها وهم لأمرها طائعون، وبنصحها عارفون، فلما لقوا العدو شد أولهم [2] ، وهو يرتجز يقول:
يا إخوتا إن العجوز الناصحه ... قد أشربتنا إذ دعتنا البارحه
نصيحة ذات بيان واضحه ... فباكروا الحرب الضروس الكالحه
فإنما تلقون عند الصائحة ... [من آل ساسان كلابا نابحة] [3]
قد أيقنوا منكم بوقع الجائحة ... فأنتم بين حياة صالحة
أو منية تورث غنما رابحا
/ ثم شد الذي يليه وهو يقول:
والله لا نعصي العجوز حرفا ... قد أمرتنا حدبا وعطفا
منها وبرا صادقا ولطفا ... فباكروا الحرب الضروس زحفا
حتى تلفوا آل كسرى لفا ... وتكشفوهم عن حماكم كشفا
إنا نرى التقصير عنهم ضعفا ... والقتل فيهم نجدة وعرفا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عبد الرحمن الدوسيّ» .
[2] في الأصل: «أكبرهم» .
[3] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.(4/174)
ثم شد الذي يليه وهو يقول:
لست لخنساء ولا للأخرم ... ولا لعمرو ذي السناء الأقدم
إن لم نذر في آل جمع الأعجم ... جمع أبي ساسان جمع رستم
بكل محمود اللقاء ضيغم ... ماض على الهول خصيم خضرم
أما لقهر عاجل أو مغنم ... أو لحياة في السبيل الأكرم
نفوز فيها [1] بالنصيب الأعظم
ثم شد الذي يليه وهو يقول:
إن العجوز ذات حزم وجلد ... والنظر الأوفق والرأي السدد
قد أمرتنا بالصواب والرشد ... نصيحة منها وبرا بالولد
فباكروا الحرب نماء في العدد ... أما لقهر واختيار للبلد
أو منية تورث خلدا للأبد ... في جنة الفردوس في عيش رغد
فقاتلوا جميعا حتى فتح الله للمسلمين، وكانوا يأخذون أعطيتهم ألفين ألفين، فيجيئون بها فيصبون في حجرها، فتقسم ذلك بينهم حفنة بحفنة، فما يغادر واحد عن عطائه درهما
. [يوم عماس]
[2] وأصبح القوم في اليوم الثالث- ويسمى يوم عماس- وقد قتل من المسلمين ألفان من ميت ورثيث [3] ، ومن المشركين عشرة آلاف من ميت ورثيث، وكان النساء والصبيان يحفرون/ القبور في اليومين الأولين، فأما اليوم الثالث [4] فكان شديدا على العرب والعجم [5] .
__________
[1] في الأصل: «نقعد فيها» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 550.
[3] الرثيث: الجريح وبه رمق.
[4] في أ: «هذا الثالث وكان» .
[5] في الأصل: «شهيدا على العجم والعرب» .(4/175)
وقدم هاشم بن عتبة [1] من الشام في سبعمائة [2] بعد فتح دمشق، وكان مع القعقاع، وكان عامة جنن الناس البراذع، براذع الرحال [3] .
فلما أمسى [4] الناس في يومهم ذلك، وطعنوا في الليل، اشتد القتال وصبر الفريقان، وقامت فيها الحرب إلى الصباح لا ينطقون، كلامهم الهرير، فسميت ليلة الهرير.
وانقطعت الأخبار [5] والأصوات عن سعد ورستم، وأقبل سعد على الدعاء، فلما كان وجه الصبح، انتهى الناس، واستدل بذلك على أنهم الأعلون، وأن الغلبة لهم
. [ليلة القادسية]
[6] فأصبحوا صبيحة ليلة الهرير- وهي تسمى ليلة القادسية- والناس حسرى لم يغمضوا ليلتهم كلها، ثم اقتتلوا حتى قام قائم الظهيرة، وهبت ريح عاصف [7] فمال الغبار على المشتركين، فانتهى القعقاع وأصحابه إلى سرير رستم، وقد قام عنه، فاستظل في ظل بغل عليه مال، فضرب هِلال بن علفة [8] الحمل الذي رستم تحته، فقطع حباله، ووقع عليه إحدى العدلين، فأزال من ظهره فقارا، ومضى رستم نحو العتيق فرمى نفسه فيه، واقتحمه هلال فأخذ برجله ثم خرج به، فقتله ثم جاء به حتى رمى به بين أرجل البغال، وصعد السرير، ثم نادى: قتلت رستم ورب الكعبة، إلي إلي، فأطافوا به، فانهزم المشركون وتهافتوا في العتيق، فقتل المسلمون منهم ثلاثين ألفا، وقتلوا في المعركة عشرة آلاف سوى من قتل قبل ذلك، وكان المسلم يدعو الكافر فيأتي إليه
__________
[1] في الأصل: «هشام بن عتبة» ، وما أوردناه من الطبري 3/ 552.
[2] في الأصل: «ستمائة» وما أوردناه من أ، والطبري 3/ 552.
[3] في الأصل: «وكان عامة خبر الناس البوداع بوادع الرجال» والتصحيح من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 3/ 557.
[5] تاريخ الطبري 3/ 562.
[6] تاريخ الطبري 3/ 563.
[7] في الأصل: «ريح عاصم عاصف» .
[8] في الأصل: «هلال بن علقمة» .(4/176)
فيقتله، وثبت جماعة من/ المشركين استحياء من الفرار، فقتلهم المسلمون.
وقتل ليلة الهرير ويوم القادسية من المسلمين ستة آلاف [1] .
ولما انهزموا [2] أمر سعد زهرة بن الحوية باتباعهم، فتبعهم والجالنوس يحميهم، فقتله زهرة وقتل خلقا كثيرا منهم، ثم رجع بأصحابه فبات بالقادسية، واستكثر سعد سلب الجالنوس، فكتب إلى عمر، فكتب إليه: إني قد نفلت من قتل رجلا سلبه، فأعطاه إياه، فباعه بسبعين ألفا، وجمع من الأسلاب والأموال ما لم يجمع مثله.
وكان أهل فارس قد خرجوا بأموالهم ليردوا بها إلى المدينة ليغزوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقضى الله بها للمسلمين. وكان مع رستم ستمائة ألف ألف، وأصاب صاحب الفرسين يومئذ سبعا وعشرين ألفا، ولم يعبأوا بالكافور لأنهم ما عرفوه، فباعوه من قوم مروا بهم كيلا من الكافور بكيل من الملح الطيب، وقالوا: ذاك ملح مر.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرني أَبُو الحَسَن مُحَمَّد بْن عبد الواحد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الحسين بْن حُمَيد بْن الربيع اللخمي، قال: حدثني جدي، قال:
حدثنا إبراهيم بن إسماعيل، قال: حدثنا حفص بْن غياث، عن الأعمش] [3] عن حبيب بن صهبان، قال:
شهدت القادسية، قال: فانهزموا حتى أتوا المدائن، قال: وسبقناهم فانتهينا إليها وهي تطفح، فأقحم رجل منا فرسه وقرأ: وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ الله كِتاباً مُؤَجَّلًا 3: 145 [4] . قال: فعبر ثم تبعوه الناس أجمعون، فعبروا فما فقدوا عقالا ما خلا رجلا منهم انقطع منه قدح كان معلقا بسرجه، فرأيته يدور في الماء. قال: فلما رأونا انهزموا من غير قتال. قَالَ: فبلغ سهم الرجل ثلاث عشرة دابة، وأصابوا من الجامات الذهب
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 564.
[2] تاريخ الطبري 3/ 565، 567.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن حبيب بن صهبان» .
[4] سورة: آل عمران، الآية: 145.(4/177)
والفضة. قال: فكان الرجل منا يعرض الصحفة الذهب يبدلها بصحفة من فضة يعجبه بياضها/ فيقول: من يأخذ صفراء بيضاء.
قال علماء السير [1] : وخرج صبيان العسكر في القتلى ومعهم الأداوي يسقون من به رمق من المسلمين، ويقتلون من به رمق من المشركين، ثم إن الفرس قصدوا المدائن يريدون نهاوند، فاحتملوا معهم الذهب والفضة والديباج والسلاح وبنات كسرى، وخلوا ما سوى ذلك، واتبعهم سعد بالطلب، فبعث خالد بن عرفطة، وعياض بن غنم في آخرين، فلما صلح مرض سعد اتبعهم بمن بقي معه من المسلمين حتى أدركهم دون دجلة على بهرسير، فطلبوا المخاضة فلم يهتدوا [لها] ، فدلهم رجل من أهل المدائن على مخاضة بقطربل، فخاضوا ثم ساروا حتى أتوا جلولاء [2] ، فكانت بها وقعة هزم الله فيها الفرس، وأصاب المسلمون بها من الفيء أفضل ما أصابوا بالقادسية، ثم كتب سعد إلى عمر بالفتح، فكتب إليه عمر: قف مكانك ولا تتبعهم، واتخذ للمسلمين دار هجرة ومنزل جهاد، ولا تجعلن بيني وبين المسلمين بحرا، فنزل الأنبار فاجتواها، فنزل موضع الكوفة اليوم، وخط مسجدها، وخط فيه الخطط للناس.
وقيل: إن بقيلة قال له: ألا أدلك على أرض ارتفعت عن البر وانحدرت عن الفلاة، فدله عَلَى موضع الكوفة اليوم.
وقيل: كان ذلك في سنة خمس عشرة.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر المخلص، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ سَيْفٍ، أَخْبَرَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ] [3] ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ:
لَمَّا أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخبر بنزول رستم القادسية كان يستخبر
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 578.
[2] في الأصل: «حتى انتهوا إلى جلولاء» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن مجالد» .(4/178)
الرُّكْبَانَ عَنْ أَهْلِ الْقَادِسِيَّةِ مِنْ حِينِ يُصْبِحُ [إِلَى انْتِصَافِ] [1] النَّهَارِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ، فلما لقيه الْبَشِيرُ سَأَلَهُ: مِنْ أَيْنَ جَاءَ؟ فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي، قَالَ: / هَزَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ، وَعُمَرُ يَحُثُّ مَعَهُ وَيَسْتَخْبِرُهُ، وَالْبَشِيرُ يَسِيرُ يَحُثُّ نَاقَتَهُ [2] لا يَعْرِفُهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا النَّاسُ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: فَهَلا أَخْبَرَتْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَجَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: لا عَلَيْكَ يَا أَخِي.
وهذه وقعة القادسية قد ذكرنا أنها كانت سنة أربع عشرة.
[وقال ابن إسحاق [3] : كانت سنة خمس عشرة] [4] .
وقال الواقدي [5] : سنة ست عشرة.
قال ابن جرير: وهو الثبت عندنا [6]
. وفي هذه السنة، أعني سنة أربع عشرة [7] .
أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالقيام في المساجد في شهر رمضان، وكتب إلى الأمصار يأمر المسلمين بذلك.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ السَّمَيْدَعِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ جِنَّادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عبد القاري، أخبره] [8] :
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] في أ: «الآخر يسير معه ناقته» .
[3] تاريخ الطبري 3/ 590.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[5] تاريخ الطبري 3/ 590.
[6] كذا في الأصول، وفي الطبري 3/ 590، والثبت عندنا أنها كانت في سنة أربع عشرة.
[7] تاريخ الطبري 3/ 590.
[8] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عبد الرحمن بن عبد القاري أن عمر» .(4/179)
أَنَّ عُمَرَ [بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ وَمَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْقَارِيُّ، فَرَأَى النَّاسَ يُصَلُّونَ مُتَفَرِّقِينَ أَوْزَاعًا فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ جمعناهم على رجل واحد كَانَ أَمْثَلَ، فَجَمَعُهْم عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، [ثُمَّ خَرَجَ وَهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ جَمِيعًا] [1] ، فَقَالَ: نِعْمَتُ الْبِدْعَةُ وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ، وَهِيَ آخِرُ اللَّيْلِ، وَكَتَبَ بِهَا إِلَى الأَمْصَارِ.
[أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الْقَطَوَانِيُّ، حَدَّثَنَا سِنَانُ بْنُ جَاثِمَةَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا قَطْرٌ يَعْنِي ابْنَ كَعْبٍ الْقَطِيعِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمَذَانِيُّ] [2] ، قَالَ: خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَسَمِعَ الْقِرَاءَةَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَأَى الْقَنَادِيلَ تَزْهَرُ، فَقَالَ: نَوَّرَ اللَّهُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَبْرَهُ كَمَا نَوَّرَ مَسَاجِدَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقُرْآنِ
. وفي هذه السنة [3] اختط البصرة [4]
وجه عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان إلى البصرة، وأمره بنزولها بمن معه، وقيل: كان ذلك في سنة خمس عشرة، وكذلك دخول سعد الكوفة.
وقد زعم سيف أن البصرة مصرت في سنة ست عشرة، وأن عتبة [بن غزوان] خرج إلى البصرة من المدائن بعد فراغ سعد من جلولاء وتكريت، وجهه إليها سعد بأمر عمر.
والأول أثبت، وعليه الجمهور.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده قال:» .
[3] في أ: «وفي سنة أربع عشرة» .
[4] تاريخ الطبري 3/ 590.(4/180)
وقال عمر لعتبة [1] : إني أريد أن أوجهك إلى أرض/ الهند- وكانت البصرة تدعى أرض الهند، فيها حجارة بيض خشنة- لتمنع أهلها أن يمدوا إخوان فارس، فنزلها في ربيع الأول سنة أربع عشرة، وفيها سبع دساكر، فكتب إليه عمر: اجمع الناس موضعا واحدا وقد كتبت إلى العلاء بن الحضرمي أن يمدك بعرفجة بن هرثمة، وهو ذو مكايدة للعدو، فإذا قدم عليك فاستشره، وادع إلى الله، فمن أجابك فاقبل منه، ومن أبى فالجزية وإلا السيف، واتق مصارع الظالمين.
وفي رواية [2] : أن عمر قال له: انطلق أنت ومن معك حتى إذا كنتم في أقصى أرض العرب، وأدنى أرض العجم فأقيموا. فنزلوا موضع البصرة.
فأقام شهرا [3] ، ثم خرج إليه أهل الأبلة، فناهضهم عتبة، فمنحه الله أكتافهم وانهزموا، فأصاب المسلمون رحلا كثيرا، وفتح الله الفتح على يد أبي بكرة في خمسة أنفس، وشهد فتح الأبلة مائتان وسبعون.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين بن أحمد الْقَادِرِ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الحسن محمد بن علي بن صخر، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو غِيَاثٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو رَوْقٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ الْهُذَلِيُّ] [4] عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
شَهِدْتُ فَتْحَ الأُبُلَّةِ وَأَمِيرُنَا قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ السَّدُوسِيُّ، فَاقْتُسِمَتِ الْغَنَائِمُ، فَدُفِعَتْ إِلَيَّ قِدْرٌ مِنْ نُحَاسٍ، فَلَمَّا صَارَتْ فِي يَدِي تَبَيَّنَ لِي أَنَّهَا ذَهَبٌ، وَعَرَفَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ فَنَازَعُونِي إِلَى أَمِيرِنَا، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: صِرَّ إِلَى يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا ذَهَبٌ إِلا بَعْدَ مَا صارت إليه، فإن حلف فادفعها
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 593.
[2] تاريخ الطبري 3/ 591.
[3] تاريخ الطبري 3/ 594.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن موسى بن المثنى الهذلي» .(4/181)
إِلَيْهِ، وَإِنْ أَبَى فَاقْسِمْهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَحَلَفَ فَدَفَعَهَا [إِلَيْهِ] ، وَكَانَ فِيهَا أَرْبَعُونَ أَلْفَ مِثْقَالٍ.
قَالَ جَدِّي: فَمِنْهَا أَمْوَالُنَا الَّتِي نَتَوَارَثُهَا إِلَى الْيَوْمِ.
قال علماء السير [1] : ولما فرغ عتبة من الأبلة جمع له المرزبان [دست ميسان] [2] ، فسار إليه عتبة، وقيل لصاحب الفرات: إن ها هنا قوما يريدونك، فأقبل في أربعة آلاف أسوار.
قال المدائني [3] : كتب قطبة بن قتادة- وهو أول من أغار على السواد من ناحية البصرة- إلى عُمَر أنه لو كان معه عدد ظفر بمن/ في ناحيته من العجم، فبعث عمر عتبة بن غزوان أحد بني مازن بن منصور في ثلاثمائة، وانضاف إليه في طريقه نحو من مائتي رجل، فنزل أقصى البر حيث سمع نقيق الضفادع، وكان عمر قد تقدم إليه أن ينزل في أقصى أرض العرب وأدنى أرض العجم، فكتب إلى عمر: إنا نزلنا في أرض فيها حجارة خشن بيض، فقال عمر: الزموها فإنها أرض بصرة، فسميت بذلك، ثم سار إلى الأبلة فخرج إليه مرزبانها في خمسمائة أسوار، فهزمهم عتبة، ودخل الأبلة في شعبان سنة أربع عشرة، وأصاب المسلمون سلاحا ومتاعا وطعامًا، وكانوا يأكلون الخبز وينظرون إلى أبدانهم عل سمنوا؟
وأصابوا براني فيها جوز، فظنوه حجارة، فلما ذاقوه استطابوه، ووجدوا صحناة، فقالوا: ما كنا نظن أن العجم يدخرون العذرة، وأصاب رجل سراويل، فلم يحسن لبسها فرمى بها، وقال: أخزاك الله من ثوب، فما تركك أهلك لخير، فجرى ذلك مثلا، ثم قيل: من شر ما ألقاك أهلك.
وأصابوا أرزا في قشره، فلم يمكنهم أكله، وظنوه سما، فقالت بنت الحارث بن كلدة: إن أبي كان يقول إن النار إذا أصابت السم ذهبت غائلته، فطبخوه فتعلق فلم
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 595.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 3/ 593، عن المدائني، عن النضر بن إسحاق، عن قطبة بن قتادة.(4/182)
يمكنهم أكله، فجاء من نقاه لهم فجعلوا يأكلونه ويقدرون أعناقهم ويقولون: قد سمنا.
وبعث عتبة إلى عمر بالخمس مع رافع بن الحارث، ثم قاتل عتبة أهل دست ميسان فظفر بهم، واستأذن عمر في الحج فأذن له. فلما حج رده إلى البصرة حتى إذا كان بالفرع رفسته ناقته فمات وقيل وقصته، فولى عمر البصرة والمغيرة بن شعبة، فرمي بالزنا فعزله وولى أبا موسى.
وقال علماء السير: إن عمر كتب إلى العلاء بن الحضرمي، وهو بالبحرين: أن سر إلى عتبة فقد وليتك عمله، واعلم أنك تقدم على رجل من المهاجرين الأولين الذين سبقت لهم من الله الحسنى، لم أعزله إلا لظني أنك أعنى عن المسلمين في تلك الناحية منه، فاعرف له حقه، ووفد/ عتبة إلى عمر، وأمر المغيرة أن يصلي بالناس حتى قدم مجاشع من الفرات، فإذا قدم فهو الأمير، فظفر مجاشع بأهل الفرات ورجع إلى البصرة. وجمع بعض عظماء فارس للمسلمين، فخرج إليه المغيرة بن شعبة فظفر به، وأمر عتبة أن يرجع إلى عمله، فمات عتبة في الطريق. وكانت ولايته ستة أشهر.
قال الواقدي: ورأيت من عندنا يقول: إنما كان عتبة مع سعد بن أبي وقاص، فوجه به إلى البصرة بكتاب عمر، وما زالت البصرة تعظم وتذكر فضائلها، وأهل البصرة يقولون لنا: الثلاثة عن الثلاثة، الرياشي والسجستاني والأخفش عن أبي زيد، وأبي عبيدة والأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر ويونس بن حبيب.
وفي هذه السنة، أعني سنة أربع عشرة [1] حج بالناس عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان على مكة عتاب بن أسيد، وعلى اليمن يعلى بن منبه، وعلى الكوفة سعد، وعلى الشام أبو عبيدة بن الجراح، وعلى البحرين عثمان بن أبي العاص وقيل: بل العلاء بن الحضرمي، وعلى عمان حذيفة بن محصن.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 597.(4/183)
وفي هذه السنة ضرب عمر أبا محجن الثقفي سبع مرات في الخمر، وضرب معه ربيعة بن أمية بن خلف في شراب شربوه في ذلك، وضرب ابنه عبد الرحمن في ذلك [1] .
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رِزْقٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْحكانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ] [2] ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ:
شَرِبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ، وَشَرِبَ مَعَهُ أَبُو سِرْوَعَةَ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَنَحْنُ بِمِصْرَ فِي خَلافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَسَكِرَا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا انْطَلَقَا إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ أَمِيرُ مِصْرَ، فَقَالا: أَطْهِرْنَا فَإِنَّا قَدْ سَكِرْنَا مِنْ شَرَابٍ شَرِبْنَاهُ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: / وَلَمْ أَشْعُرْ أَنَّهُمَا أَتَيَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ. قَالَ: فَذَكَرُوا أَخِي أَنَّهُ قَدْ سَكِرَ، فَقُلْتُ لَهُ: ادْخُلِ الَّدَارَ أُطَهِّرُكَ، فَآذَنَنِي أَنَّهُ حَدَّثَ الأَمِيرَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا يحلق اليوم على رءوس النَّاسِ، ادْخُلْ أَحْلِقُكَ- وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ يَحْلِقُونَ مع الحد، فدخل معي الدار، فَحَلَقْتُ أَخِي بِيَدِي، ثُمَّ جَلَدَهُمَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَسَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَى عَمْرٍو: أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ عَلَى قُتْبٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ عَمْرٌو، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى عُمَرَ جَلَدَهُ وَعَاقَبَهُ مِنْ أَجْلِ مَكَانِهِ مِنْهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ، فَلَبِثَ شَهْرًا صَحِيحًا ثُمَّ أَصَابَهُ قَدَرُهُ، فَتَحَسَّبَ عامة النَّاسُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ جَلْدِ عُمَرَ، وَلَمْ يَمُتْ مِنْ جَلْدِهِ.
قال المؤلف [3] : ولا ينبغي أن يظن بعبد الرحمن أنه شرب الخمر، إنما شرب النبيذ متأولا، فظن أن ما شرب منه لا يسكر، وكذلك أبو سروعة، فلما خرج الأمر بهما
__________
[1] كذا في الأصول، وفي الطبري 3/ 597: «ضرب ابنه عبيد الله» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده أن عبد الله بن عمر، قال» .
[3] في أ: «قال المصنف» .(4/184)
إِلى السكر طلبا التطهير بالحد، وقد كان يكفيهما مجرد الندم، غير أنهما غضبا للَّه تعالى على أنفسهما المفرطة، فأسلماها إلى إقامة الحد.
وأما إعادة عمر الضرب فإنما ضربه تأديبا لا حدا
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
173- الحارث بن قيس بن خالد بن مخلد بن عامر، أبو خالد [1] :
شهد العقبة مع السبعين، وبدرا، والمشاهد كلها مع رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ. وشهد اليمامة مع خالد بْن الوليد، فجرح يومئذ واندمل، ثم انتقض به فمات، فهو يعد من شهداء اليمامة [2]
. 174- زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي [3] :
شهد العقبة مع السبعين، وكان لما أسلم يكسر أصنام بني بياضة. وخرج زياد إلى النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ/ فأقام معه بمكة وهاجر معه إلى المدينة، فهو مهاجري أنصاري، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. وتوفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وهو عامله على حضرموت، وولي قتال أهل الردة باليمن حين ارتد أهل البحرين مع الأشعث بن قيس فظفر بهم فقتل من قتل وأسر من أسر، وبعث بالأشعث بن قيس إلى أبي بكر في وثاق
. 175-[سلمة بن أسلم [4] :
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وقتل بالعراق يوم جسر أبي عبيد الثقفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 126، و «أبو خالد» ساقطة من أ.
[2] في الأصل: «فما يعد من شهد اليمامة» ، وابن سعد: «يعد ممن شهد اليمامة» .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 131.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 20، وهذه الترجمة ساقطة من الأصل، ظ، وأوردناه من أ، حتى ترجمة سليط بن قيس.(4/185)
176- سلمة بن هشام بن المغيرة [1] :
أسلم بمكة قديما، وهاجر إلى الحبشة، ثم عاد إلى مكة فحبسه أبو جهل وضربه وأجاعه، وكان رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يدعو له في صلاته، يقول: «اللَّهمّ انج سلمة بن هشام، وعياش بن ربيعة، والوليد بن الوليد وضعفه المسلمين؟» . أفلت سلمة فلحق برسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يوم الخندق، فلما بعث أبو بكر رضي الله عنه الجنود لجهاد الروم قتل سلمة بمرج الصفر شهيدا في محرم هذه السنة
. 177- سليط بن قيس بن عمرو بن عبيد [2] :
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وقتل يوم جسر أبي عبيد] [3]
. 178- عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب، أبو قحافة:
أبو أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أسلم يوم الفتح.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، حدثنا الحسين بن الفهم، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ،] [4] عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ [5] :
لَمَّا دَخَلَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَاطْمَأَنَ وَجَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِي قُحَافَةَ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلا تَرَكْتَ الشَّيْخَ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أَمْشِي.
إِلَيْهِ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِي إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِي إِلَيْهِ فَأَجْلَسَهُ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى قَلْبِهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا قُحَافَةَ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ» . قَالَ:
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 96، وهذه الترجمة ساقطة من الأصل، ظ، وأوردناها من أ.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 69، وهذه الترجمة ساقطة من الأصل، ظ، وأوردناها من أ.
[3] إلى هنا انتهى السقط من الأصل، ظ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أسماء» ، وفي ظ: «أخبرنا ابن أبي طاهر بإسناده عن محمد بن سعد عن أسماء» .
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 5/ 334.(4/186)
فَأَسْلَمَ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ. قَالَ: وَأُدْخِلَ عَلَيْهِ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَأَنَّهَا ثُغَامَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «غِيِّرُوا هَذَا الشَّيْبَ، وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ» . [أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أَخْبَرَنَا الأزهري، أَخْبَرَنَا محمد بْن العَبَّاس الخزاز، أخبرنا إبراهيم بن محمد العبدي، حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى] [1] ، قَالَ:
مات أبو قحافة بمكة سنة أربع عشرة.
قال علماء السير: توفي أبو قحافة بمكة في محرم سنة أربع عشرة، وهو ابن سبع وتسعين سنة بعد موت أبي بكر رضي الله عنه بستة أشهر وأيام
. 179- عفراء بنت عبيد بن ثعلبة: [2]
أسلمت وبايعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ ورزقها الله سبع بنين شهدوا كلهم بدرا مسلمين، وذلك أنها تزوجت الحارث بن رفاعة، فولدت له معاذا ومعوذا، ثم طلقها فقدمت مكة فتزوجها بكر بن عَبْد ياليل، فولدت/ له خالدا، وإياسا، وعاقلا، وعامرا، ثم رجعت إلى المدينة فراجعها الحارث بن رفاعة فولدت له عوفا، فشهدوا كلهم بدرا مسلمين.
واستشهد معاذ ومعوذ وعاقل ببدر، وخالد يوم الرجيع، وعامر يوم بئر معونة، وإياس يوم اليمامة، والبقية منهم لعوف.
وتوفيت عفراء في هذه السنة
. 180-[فروة بن عمرو بن وذفة بن عبيد [3] :
شهد العقبة مع السبعين، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، واستعمله على المغانم يوم خيبر، وكان يبعثه خارصا بالمدينة وتوفي في هذه السنة] [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل، ظ: «روى موسى بن المثنى» .
[2] طبقات ابن سعد 8/ 325.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 132، وهذه الترجمة ساقطة من الأصل، ظ.
[4] إلى هنا انتهى السقط من ظ، والأصل.(4/187)
181- نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم [1] :
وكان له ولد اسمه عبد الله يشبه برسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وهو أول من ولي قضاء المدينة في خلافة معاوية، وولد آخر اسمه سعد، وكان فقيها.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سعد، أخبرنا] [2] هشام [ابن مُحَمَّد بْن السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ] [3] عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
لَمَّا أَخْرَجَ الْمُشْرِكُونَ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِلَى بَدْرٍ كَرْهًا كَانَ فِيهِمْ نَوْفَلٌ، فَأْنَشَأَ يَقُولُ:
حَرَامٌ عَلَيَّ حَرْبُ أَحْمَدَ إِنَّنِي ... أَرَى أَحْمَدًا مِنِّي قَرِيبًا أَوَاصِرُهْ
فَإِنْ تَكُ فِهْرٌ أَلَّبَتْ وَتَجَمَّعَتْ ... عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ لا شَكَّ نَاصِرُهْ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ [4] : ثُمَّ أُسِرَ نَوْفَلٌ بِبَدْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «افْدِ نَفْسَكَ بِرِمَاحِكَ الَّتِي بِجُدَّةَ» ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَفَدَى نَفْسَهُ بِهَا، وَكَانَتْ أَلْفَ رُمْحٍ، وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ حَمْزَةَ وَالْعَبَّاسِ.
وَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ هَاجَرَ هُوَ وَالْعَبَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْخَنْدَقِ، وَشَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ [5] ، وَأَعَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِثَلاثَةِ آلافِ رُمْحٍ، وَتُوُفِّيَ بَعْدَ أَنِ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بِسَنَةٍ وَثَلاثَةِ أَشْهُرٍ [6] ، فصلى عَلَيْهِ عُمَرُ، وَتَبِعَهُ إِلَى الْبَقِيعِ حَتَّى دُفِنَ هناك.
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 30.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل، وظ: «روى المؤلف بإسناده عن هشام» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأ، وأوردناه من ظ، وابن سعد.
[4] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 31.
[5] «يوم حنين» ساقطة من ظ.
[6] في الأصل، وظ: «بسنة وستة أشهر» ، والتصحيح من أ. وطبقات ابن سعد 4/ 1/ 32.(4/188)
182- أم عمارة، واسمها نسيبة، بفتح النون وكسر السين، بنت كعب بن عمرو بن عوف الأنصارية: [1]
أسلمت وحضرت العقبة، وبايعت وشهدت/ أحدا والحديبية وخيبر وحنينا وعمرة القضاء ويوم اليمامة.
وروى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، أنه قال: «ما التفت يوم أحد يمينا وشمالا إلا وأراها تقاتل دوني» . قال الواقدي: قاتلت يوم أحد، وجرحت اثنتي عشرة جراحة، وداوت جرحا في عنقها سنة، ثم نادى منادي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: إلى حمر الأسد، فشدت عليها ثيابها [2] فما استطاعت من نزف الدم، وخرجت مع المسلمين في قتال أهل ارادة، فباشرت الحرب بنفسها حتى قتل الله مسيلمة، ورجعت وبها عشر جراحات من طعنة وضربة [3]
. 183- أم سليط بنت عبيد بن زياد الأنصارية:
أسلمت وبايعت وشهدت أحدا وخيبر وحنينا، وتوفيت في هذه السنة.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُظَفَّرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا الْفَرْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بَكِيرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ] [4] ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَسَّمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَبَقِيَ مِنْهَا مُرْطٌ جَيِّدٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اعْطِ هَذَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ الَّتِي عِنْدَكَ- يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ، فَقَالَ: أُمُّ سُلَيْطٍ أَحَقُّ بِهِ، فَإِنِّهَا مِمَّنْ بَايَعَتْ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وكانت تزفر لنا القرب يوم أحد.
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 301.
[2] في ظ: «على ثيابها» .
[3] «ضربة» ساقطة من ظ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل، وظ: «روى المؤلف بإسناده عن ثعلب» .(4/189)
ثُمَّ دخلت سنة خمس عشرة
فمن الحوادث فيها وقعة مرج راهط [1]
وذلك أن أبا عبيدة بن الجراح خرج بجنوده ومعه خالد بن الوليد فنزل بمرج الروم، فبلغ الخبر هرقل، فبعث توذرا البطريق، ثم أمده بشنس مددا له، فنزل في جبل على جدة، ثم رحل فتبعه خالد، فاستقبله يزيد بن أبي سفيان، فاقتتلوا، ولحق بهم خالد فأخذهم من خلفهم، فأبادهم فلم يفلت إلا الشريد، وقسموا غنائمهم بين أصحاب يزيد وخالد، وقتل توذرا، وانصرف يزيد إلى دمشق، وخالد إلى أبي عبيدة/ بعد خروج خالد في أثر توذرا وشنس، فاقتتلوا بمرج الروم، فقتل شنس وخلق عظيم من أصحابه حتى امتلأ المرج من قتلاهم، فأنتنت الأرض، وهرب من هرب منهم، فركب أكتافهم إلى حمص
. وفيها كانت وقعة حمص الأولى [2]
أقبل أبو عبيدة فنزل على حمص، وأقبل بعده خالد فنزل عليها، فلقوا من الحصار أمرا عظيما، وكان البرد شديدا، ولقي المسلمون شدة- وكان أهل حمص يقولون عن المسلمين إنهم حفاة- فصابروهم ليقطع البرد أقدامهم، وأن المسلمين كبروا تكبيرة، فاتفق معها زلزلة فصدعت المدينة والحيطان، ثم كبروا الثانية، فتهافتت منها دور كثيرة، فأشرفوا على الهلاك، فنادوهم: الصلح الصلح، فأجابوهم، فكتب أبو عبيدة إلى عمر بالفتح.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 598، وفي أ، والطبري «مرج الروم» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 599.(4/190)
وفيها وقعة قنسرين [1]
بعث أبو عبيدة خالدا إلى قنسرين، فزحف لهم الروم وعليهم ميناس، وهو أعظم الروم [بعد هرقل] [2] ، فالتقوا فاقتتلوا فقتل ميناس ومن معه ولم يبق منهم أحد، وتحصن أهل قنسرين، ثم ذكروا ما جرى لأهل حمص فصالحوه على صلح حمص، فأبى إلا على إخراب المدينة، فأخربها، ثم إن هرقل خرج نحو القسطنطينية في هذه السنة على قول ابن إسحاق [3] .
وقال سيف [4] : إنما كان خروجه سنة ست عشرة.
وقد سبق أن هرقل سأل عن المسلمين، فقال له رجل: هم فرسان بالنهار، ورهبان بالليل، فَقَالَ: إن كنت صدقتني فليرثن ما تحت قدمي هاتين.
وقال هرقل: عليك السلام أيها البلاد، سلاما لا اجتماع بعده. ومضى حتى نزل قسطنطينية
. وفي هذه السنة ولي معاوية قيسارية وحرب أهلها.
وفيها أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمرو بن العاص مناجزة صاحب إيليا
قال علماء السير [5] : لما انصرف أبو عبيدة وخالد بن الوليد إلى حمص نزل عمرو وشرحبيل عَلَى أهل بيسان فافتتحاها وصالحه أهل الأردن، فاجتمع عسكر الروم بأجنادين وبيسان وغزة، وكتبوا إلى عمر بتفرقهم فكتب إلى يزيد: كن في ظهورهم،
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 601.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وط، وأوردناه من أ.
[3] تاريخ الطبري 3/ 602.
[4] تاريخ الطبري 3/ 602.
[5] تاريخ الطبري 3/ 605.(4/191)
وسرح معاوية إلى قيسارية، وكتب إلى عمرو يصدم الأرطبون، وإلى علقمة يصدم الفيقار.
فسار [1] معاوية إلى قيسارية، فهزم أهلها وحصرهم فيها، فجعلوا كلما خرجوا إليه هزمهم وردهم إلى حصنهم، ثم قاتلوا فبلغت قتلاهم ثمانين ألفا، وكملت في هزيمتهم بمائة ألف. وانطلق علقمة، فحصر الفيقار بغزة، وصمد عمرو إلى الأرطبون ومن بإزائه، وخرج معه شُرَحْبيل بن حسنة على مقدمته، فنزل على الروم بأجنادين والروم في حصونهم، وعليهم الأرطبون، وكان أدهى الروم وأبعدهم غورا، وكان قد وضع بالرملة جندا عظيما، وبإيلياء جندًا عظيما، فأقام عمرو على أجنادين لا يقدر من الأرطبون على شيء، فوليه بنفسه ودخل عَلَيْهِ كأنه رسول، فأبلغه ما يريد، وسمع كلامه، وتأمل حصنه، فقال الأرطبون في نفسه: هذا عَمْرو، ثم دعا حرسيا، فقال: أخرج، فأقم مكان كذا وكذا، فإذا مر بك فاقتله، وفطن له عمرو، فَقَالَ: قد سمعت مني وسمعت منك، وأنا واحد من عشرة بعثنا عمر مع هذا الوالي، فأرجع فآتيك بهم، فإن رأوا في الذي عرضت مثل الذي أرى، وإلا رددتم إلى مأمنهم. فقال: نعم، ثم قَالَ لرجل كان هناك:
اذهب إلى فلان فرده إلي، ثم بان له أن عمرو قد خدعه، فبلغ الخبر إلى عمر، فقال: للَّه در عمرو، ثم التقوا بأجنادين، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثرت القتلى بينهم، وانهزم أرطبون، فأوى إلى إيلياء، ونزل عمرو بأجنادين، فكتب إليه أرطبون: والله لا تفتح من فلسطين شيئا بعد أجنادين، فارجع لا تغن [2] ، وإنما صاحب الفتح رجل اسمه عَلَى ثلاثة أحرف، فعلم عمرو أنه عمر، فكتب إلى عمر يعلمه أن الفتح مدخر له، فنادى له النّاس، واستخلف علي بن أبي طالب، فقال له علي: أين تخرج بنفسك؟ / فقال: أبادر لجهاد العدو موت العباس، إنكم لو قد فقدتم العباس لانتقض بكم الشر كما ينتقض [أول] ( [3] الحبل.
فمات العباس لست خلون من إمارة عثمان، وانتقض بالناس الشر.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 604.
[2] كذا في الأصول، وفي الطبري 3/ 606: «لا تغر» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأ، وأوردناه من الطبري، وظ.(4/192)
وخرج حتى نزل بالجابية، وكتب إلى أمراء الأجناد أن يستخلفوا على أعمالهم ويوافوه بالجابية، فكان أول من لقيه يزيد، ثم أبو عبيدة، ثم خالد. ودخل الجابية فقال رجل من يهود دمشق: السلام عليك يا فاروق، أنت والله صاحب أيلة، لا والله لا ترجع حتى تفتح إيلياء، فجاء أهل السير، فصالحوه على الجزية، وفتحوها له.
وقد ذكر قوم أن ذلك كان سنة أربع عشرة، وجميع خرجات عمر أربع، فأما الأولى فإنه خرج عَلَى فرس، والثانية على بعير، وفي الثالثة قصر عنها لأجل الطاعون دخلها فاستخلف عليها، و [خرج] [1] في الرابعة على حمار.
فلما كتب لأهل إيلياء كتاب أمان فرق فلسطين بين رجلين، فجعل علقمة بن حكيم على نصفها وأنزله [الرملة، وجعل علقمة بن محمد على نصفها وأنزله] [2] إيلياء.
وقيل: كان فتح فلسطين في سنة ست عشرة
. [فتح بيت المقدس]
[3] ثم شخص عمر من الجابية إلى بيت المقدس، فرأى فرسه يتوجى [4] ، فنزل عنه وأتى ببرذون فركبه فهزه، فنزل فضرب وجهه بردائه، ثم قال: فتح الله من علمك هذا، ثم دعا بفرسه فركبه، فانتهى إلى بيت المقدس، ولحق أرطبون والتذارق بمصر حينئذ، فقدم عمر الجابية، ثم قتل أرطبون بعد ذلك، وأقام عمر بإيلياء، ودخل المسجد، ومضى نحو محراب داود، وقرأ سجدة داود فسجد.
وبعث عمرو بن العاص إلى مصر، وبعث في أثره الزبير مددا، وبعث أبا عبيدة إلى الرمادة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وظ.
[3] تاريخ الطبري 3/ 607.
[4] وجي الفرس وتوجى: إذا وجد وجعا في حافره.(4/193)
ومن الحوادث في سنة خمس عشرة [فرض العطاء، وعمل الدواوين] [1]
أن عمر فرض الفروض، ودون الدواوين، وأعطى العطاء على مقدار السابقة في الإسلام، فكلمه/ صفوان بن أمية، وسهيل، والحارث بن هشام [2] في تقليل عطائهم، فقال: إنما أعطيكم على السابقة في الإسلام لا على الأحساب، فقالوا:
فنعم إذا، وأخذوا، ثم أعطى سهيل بن عمرو، والحارث بن هشام أربعة آلاف معونة على جهادهما، فلم يزالا مجاهدين حتى أصيبا في بعض تِلْكَ الدروب.
وقال ابن إسحاق: إنما ماتا في طاعون عمواس [3] .
وقيل: بل دون الدواوين في سنة عشرين.
ولما كتب [4] عمر الدواوين قال له عبد الرحمن وعثمان وعلي: ابدأ بنفسك، فقال: لا بل أبدأ بعم رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، ثم الأقرب فالأقرب من رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فبدأ بالعباس، ففرض له خمسة وعشرين ألفا، وقيل: اثني عشر ألفا، ثم فرض لأهل بدر خمسة آلاف، وأدخل في أهل بدر من غير أهلها الحسن والحسين فأبا ذر وسلمان.
ثم فرض لمن بعد بدر إلى الحديبية أربعة آلاف أربعة آلاف، ثم فرض لمن بعد الحديبية إِلى الردة ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف، ولمن ولي الأيام قبل القادسية وأصحاب اليرموك، ألفين ألفين، ثم فرض لأهل البلاء البارع [5] ألف وخمسمائة ألف وخمسمائة [6] ، وللروادف الذين ردفوا بعد افتتاح القادسية واليرموك ألفا ألفا، ثم لمن ردف الروادف خمسمائة خمسمائة، ثم لمن ردف أولئك ثلاثمائة ثلاثمائة، وسوى كل طبقة في العطاء ليس بينهم تفاضل، قويهم وضعيفهم، عربهم وعجمهم، ثم فرض لمن
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 613.
[2] في الأصل: «الحارث بن ضمرة» .
[3] عمواس، رواه الزمخشريّ بسكون الثاني، ورواه غيره بفتحه» ، قال ياقوت: «كوبرة بفلسطين كان منها ابتداء الطاعون في زمن عمر، ثم فشا في الشام كله، فمات فيه خلق كثير، وكان ذلك سنة 18» .
[4] تاريخ الطبري 3/ 614.
[5] في ابن الأثير: «النازع» .
[6] في أ، والطبري: «ألفين وخمسمائة ألفين وخمسمائة» .(4/194)
ردف أولئك خمسين ومائتين، ولمن ردفهم مائتين، وكان آخر من فرض له أهل هجر على مائتين.
وفرض لأزواج رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عشرة آلاف عشرة آلاف، ووصل عائشة [1] بألفين فأبت، فقال: هذا بفضل منزلتك عند رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، / فإذا أخذتيها فشأنك.
وجعل نساء أهل بدر على خمسمائة خمسمائة، ونساء ما بعد بدر إلى الحديبية على أربعمائة، ونساء ما بعد ذلك على ثلاثمائة، ونساء أهل القادسية مائتين. والصبيان من أهل بدر وغيرهم مائة. وقال قائل [2] : يا أمير المؤمنين، لو تركت في بيوت الأموال عدة تكون لحادث، فقال: كلمة ألقاها الشيطان على فيك، وقاني الله عز وجل شرها، وهي فتنة لمن بعدي، بل أعد لهم طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله، فهما عدتنا التي أفضينا بها إلى ما ترون، فإذا كان هذا المال ثمن دين أحدكم هلكتم.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا طِرَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْن بِشْرَان، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن صفوان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ] [3] ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ: فَغَدَوْتُ عَلَيْهِ فصليْتُ الْعِشَاءَ مَعَهُ [4] ، فَلَمَّا رَآنِي سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فقال: ما قدمت به؟ قلت: قدمت بخمسمائة أَلْفٍ، قَالَ: أَتَدْرِي مَا تَقُولُ/ قُلْتُ: مِائَةُ أَلْفٍ وَمِائَةُ أَلْفٍ وَمِائَةُ أَلْفٍ حَتَّى عَدَدْتُ لَهُ خَمْسًا، قَالَ: إِنَّكَ نَاعِسٌ ارْجِعْ إِلَى بَيْتِكَ فَنَمْ ثُمَّ اغْدُ عَلَيَّ، قَالَ: فَغَدَوْتُ عليه، فقال: بماذا جئت؟ قلت: خمسمائة أَلْفٍ، قَالَ: أَطَيِّبٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، لا أَعْلَمُ إِلا ذَلِكَ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: إِنَّهُ قَدْ قَدِمَ عَلَيَّ مَالٌ كَثِيرٌ، فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعُدَّهُ لَكُمْ عَدَدًا، وَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَكِيلَهُ لَكُمْ كَيْلا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ هَؤُلاءِ الأَعَاجِمَ يُدَوِّنُونَ دِيوَانًا،
__________
[1] في أ، ظ: وفضل عائشة» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 616.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، ظ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي هريرة» .
[4] في الأصل: «فصليت معه العشاء» .(4/195)
فَدَوَّنَ الدَّوَاوِينَ، فَفَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ فِي خَمْسَةِ آلافٍ، وَالأَنْصَارِ فِي أَرْبَعَةِ آلافٍ، وَفَرَضَ لأَزْوَاجِ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيُّوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْفَهِمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ] [1] ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ:
أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَضَ لأَهْلِ بَدْرٍ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ سِتَّةَ آلافٍ سِتَّةَ آلافٍ، وَفَرَضَ لأَزْوَاجِ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَفَضَّلَ عَلَيْهِنَّ عَائِشَةَ، فَفَرَضَ لَهَا فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَلِسَائِرِهِنَّ فِي عَشْرَةِ آلافٍ غَيْرَ جُوَيْرِيَةَ وَصَفِيَّةَ، / فَرَضَ لَهُمَا فِي سِتَّةِ آلافٍ، وَفَرَضَ لِلْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمِّ عَبْدٍ أُمِّ ابن مسعود ألفا أَلْفًا.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَاجِّيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سَيْفٍ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ سَيْفٍ] [2] ، عَنْ مُحَمَّدٍ، وَالْمُهَلَّبِ، وَعَمْرٍو، وَطَلْحَةَ، وَسَعِيدٍ، قَالُوا:
لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقُتِلَ رُسْتُمُ، وَقَدِمَتْ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فُتُوحٌ مِنَ الشَّامِ، جَمَعَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ: مَا يَحِلُّ لِلْوَالِي مِنْ هَذَا الْمَالِ؟ [3] فَقَالُوا: أَمَّا لِخَاصَّتِهِ فَقُوتُهُ وَقُوتُ عِيَالِهِ، لا وَكْسَ وَلا شَطَطَ، وَكُسْوَتُهُ وَكُسْوَتُهُمْ لِلشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَدَابَّتَانِ لِجِهَادِهِ وَحَوَائِجِهِ وَحُمْلانُهُ إِلَى حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ وَالْقَسْمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَأَنْ يُعْطِيَ أَهْلَ الْبَلاءِ عَلَى قَدْرِ بَلائِهِمْ وَيَرُمَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ، وَيَتَعَاهَدَهُمْ فِي الشَّدَائِدِ وَالنَّوَازِلِ حَتَّى تَنْكَشِفَ، وَيَبْدَأَ بِأَهْلِ الْفَيْءِ.
و [عن سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ] [4] ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «قال ابن مسعد، عن مصعب» .
[2] ما بين المعقوفتين: في الأصل روى المؤلف باسناده عن محمد.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 3/ 616.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «وعن ابن عمر» .(4/196)
جَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ فَتْحُ الْقَادِسِيَّةِ وَدِمَشْقَ، فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ امْرَأً تَاجِرًا يُغْنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِيَالِي بِتِجَارَتِي، وَقَدْ شَغَلْتُمُونِي بِأَمْرِكُمْ هَذَا، فَمَاذَا تَرَوْنَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِي مِنْ هَذَا الْمَالِ؟ فَأَكْثَرَ الْقَوْمُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَاكِتٌ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: مَا أَصْلَحَكَ وَأَصْلَحَ عِيَالَكَ بِالْمَعْرُوفِ، لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ غَيْرُهُ، فَقَالَ:
الْقَوْلُ [1] مَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب [2] .
و [عن سَيْفٍ، عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ الْفُضَيْلِ] [3] ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ [4] :
لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَعَدَ عَلَى رِزْقِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي كَانُوا فَرَضُوا لَهُ، فَكَانَ بِذَلِكَ، فَاشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ، فَاجْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فِيهِمْ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَقَالَ: الزُّبَيْرُ: لَوْ قُلْنَا لِعُمَرَ فِي زِيَادَةٍ نُزِيدُهَا [5] إِيَّاهُ فِي رِزْقِهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: وَدِدْنَا أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ، فَانْطَلِقُوا بِنَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: إنه عمر، فهلموا فلنستبرئ مَا عِنْدَهُ مِنْ وَرَائِهِ، نَأْتِي حَفْصَةَ فَنُكَلِّمُهَا [6] وَنَسْتَكْتِمُهَا أَسْمَاءَنَا، فَدَخَلُوا عَلَيْهَا وَسَأَلُوهَا أَنْ تُخْبِرَ بِالْخَبَرِ عَنْ نَفَرٍ لا تُسَمِّي لَهُ أَحَدًا إِلا أَنْ يَقْبَلَ، وَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهَا، فَلَقِيَتْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، فَعَرَفَتِ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَتْ: لا سَبِيلَ إِلَى عِلْمِهِمْ حَتَّى أَعْلَمَ مَا رَأْيُكَ، فَقَالَ: لَوْ علمت من هم لسؤت وُجُوهَهُمْ، أَنْتِ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، أُنَاشِدُكِ باللَّه مَا أَفْضَلُ مَا اقْتَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فِي بَيْتِكَ مِنَ الْمَلْبَسِ [7] ؟ قَالَتْ: ثَوْبَيْنِ مُمَشَّقَيْنِ [8] ، كَانَ يَلْبَسُهُمَا لِلْوَفْدِ، وَيَخْطُبُ فِيهِمَا الْجُمُعَ، قَالَ: وَأَيُّ طَعَامٍ نَالَهُ مِنْ عِنْدِكَ أَرْفَعُ؟ قَالَتْ:
خَبَزْنَا خُبْزَةَ شَعِيرٍ، فَصَبَبْتُ عَلَيْهَا وَهِيَ حَارَّةٌ أَسْفَلَ عُكَّةٍ [9] ، فَجَعَلْنَاهَا دَسَمًا حُلْوَةً، فَأَكَلَ مِنْهَا. قَالَ: وَأَيُّ مَبْسَطٍ كَانَ يَبْسُطُهُ عِنْدَكِ كَانَ أَوْطَأَ؟ قَالَتْ: كِسَاءٌ لَنَا ثَخِينٌ كُنَّا نربعه في
__________
[1] في الطبري: «فقال القوم» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 616.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] الخبر في تاريخ الطبري.
[5] في الأصل: «يزيدونها» .
[6] في الطبري: «نأتي حفصة فنسألها» .
[7] كذا في الأصل، والطبري، وط، وفي أ: «اللباس» .
[8] الممشق: المصبوغ بالمشق، أي المغرة.
[9] العكة: زقيق صغير للسمن.(4/197)
الصَّيْفُ، فَنَجْعَلُهُ تَحْتَنَا، فَإِذَا كَانَ الشِّتَاءُ ابْتَسَطْنَا نِصْفَهُ وَتَدَثَّرْنَا نِصْفَهُ، قَالَ: يَا حَفْصَةُ، فَأَبْلِغِيهِمْ عَنِّي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَدَرَ فَوَضَعَ الْفُضُولَ مَوَاضِعَهَا، وَتَبَلَّغَ بِالتَّزْجِيَةِ [1] ، وإني قدرت، فو الله لأَضَعَنَّ الْفُضُولَ مَوَاضِعَهَا، وَلأَتَبَلَّغَنَّ بِالتَّزْجِيَةِ، وَإِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ صَاحِبِي كَثَلاثَةِ نَفَرٍ سَلَكُوا طَرِيقًا، فَمَضَى الأَوَّلُ وَقَدْ تَزَوَّدَ زَادًا فَبَلَغَ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ الآخَرُ فَسَلَكَ طَرِيقَهُ، فَأَفْضَى إِلَيْهِ، ثُمَّ اتَّبَعَهُمَا الثَّالِثُ، فَإِنْ لَزِمَ طَرِيقَهُمَا وَرَضِيَ بِزَادِهِمَا لَحِقَ بِهِمَا وَكَانَ مَعَهُمَا، وَإِنْ سَلَكَ غَيْرَ طَرِيقِهِمَا لَمْ يُجَامِعْهُمَا أَبَدًا.
وفي هذه السنة حج بالناس [2] عمر بن الخطاب، وكان عامله على مكة عتاب بن أسيد، وعلى الطائف يعلى بن أمية وعلى الكوفة وأرضها سعد بن أبي وقاص، وعلى قضائها أبو قرة، وعلى البصرة وأرضها المُغِيرة بن شعبة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
184- سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن ثعلبة، أبو ثابت الخزرجي [3] :
كان يكتب في الجاهلية، / وكانت الكتابة في العرب قليلا، وكان يحسن العوم والرمي، وكان من اجتمع له ذلك يسمى الكامل، وكان سعد بن عبادة وعدة من آباء له قبله في الجاهلية ينادي على أطمهم: من أحب الشحم واللحم فليأت أطم دليم بن حارثة، وكان ينادي على أطم أَبِيهِ أيضا.
[أخبرنا عبد الله بن علي المقري بإسناده عن محمد] [4] بن سيرين، قال: كان
__________
[1] التزجية، الاكتفاء، يقال: تجزيت بكذا، أي اكتفيت به.
[2] تاريخ الطبري 3/ 603.
[3] تاريخ الطبري 3/ 2/ 142.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، ظ وفي الأصل روى المؤلف باسناده عن بن سيرين.(4/198)
أهل الصفة إذا أمسوا ينطلق الرجل بالرجل، والرجل بالرجلين، والرجل بالخمسة، فأما سعد بْن عبادة فكان ينطلق بثمانين كل ليلة.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّد بْن مُحَمَّدٍ غَيْلانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامٍ] [1] ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ:
أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ كَانَ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ وَيَقُولُ: اللَّهمّ وَسِّعْ عَلَيَّ، فَإِنَّهُ لا يَسَعُنِي إِلا الْكَثِيرُ.
[قَالَ الْحَرْبِيُّ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ] [2] : أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ كَانَ يَدْعُو: اللَّهمّ هَبْ لِي حَمْدًا وَمَجْدًا، لا مَجْدَ إِلا بِفِعَالٍ، وَلا فِعَالٍ إِلا بِمَالٍ، اللَّهمّ لا يُصْلِحُنِي الْقَلِيلُ، وَلا أَصْلُحُ عَلَيْهِ.
[قَالَ الْحَرْبِيُّ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى، يَعْنِي ابْنَ أَبِي كَثِيرٍ] [3] قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ سَعْدٍ كُلَّ يَوْمٍ جَفْنَةٌ تَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ، وَكَانَ يَقُولُ: اللَّهمّ ارْزُقْنِي مَالا فَلا يَصْلُحُ الْفِعَالُ إِلا بِمَالٍ.
قال علماء السير: أسلم سعد وشهد العقبة مع السبعين، وكان أحد النقباء الاثني عشر، وتهيأ للخروج إلى بدر فنهش فأقام، وشهد أحدا والمشاهد بعدها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ.
ولما توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ اجتمعت الأنصار فأمروه، فلما بويع لأبي بكر لم يبايعه سعد، ولا بايع عمر، وخرج إلى الشام، ومات بحوران.
وكان سبب موته أنه جلس يبول في نفق، فاقتتل من ساعته، ووجدوه قد اخضر جلده، وسمع غلمان بالمدينة قائلا يقول من بئر فَقَالَ [4] :
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، ظ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن سيرين» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى الحربي بإسناده أن سعد» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى الحربي بإسناده عن يحيى بن أبي كثير» .
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 45.(4/199)
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده. ... ورميناه بسهمين فلم تخط فؤاده.
/ فذعر الغلمان فحفظوا ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد بحوران [1]
. 185- عبد الله بن الزبعري بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم الساعدي:
كان يهجو أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ ويحرض المشركين على المسلمين في شعره، ويهاجي حسان بن ثابت وغيره من شعراء المسلمين، ويسير مع قريش حيث سارت لحرب رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فلما دخل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مكة عام الفتح هرب حتى انتهى إلى نجران، فدخل حصنها، وقال لأهلها: أما قريش فقد قتلت ودخل محمد مكة، ونحن نرى أن محمدا سائر إلى حصنكم، فجعلوا يصلحون ما رث من حصنهم، ويجمعون ماشيته، ثم انحدر ابن الزبعري إلى النبي صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وقال يعتذر إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [2] :
يا رسول المليك إن لساني ... راتق ما فتقت إذ أنا بور [3]
إذ أجاري الشيطان في سنن العي ... [4] ومن مال ميله مثبور
يشهد السمع والفؤاد بما قلت ... ونفسي الشهيد وهي الخبير
إن ما جئتنا به حق صدق ... ساطع نوره مضيء منير
جئتنا باليقين والصدق والبر ... وفي الصدق والسرور السرور
أذهب الله ظلمة الجهل عنا ... وأتانا الرخاء والميسور
وقال أيضا يعتذر إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ:
منع الرقاد بلابل وهموم ... والليل معتلج الرواق بهيم
مما أتاني أن أحمد لا مني ... فيه فبت كأنني محموم
__________
[1] «بحوران» : ساقط من أ.
[2] تاريخ الطبري 3/ 64.
[3] بور: هالك.
[4] في الطبري: «أباري الشيطان في سنن الريح» .(4/200)
يا خير من حملت على أوصالها ... غير أنه سرح اليدين غشوم
إني لمعتذر إليك من الذي ... أسديت أذنا في الضلال أهيم
أيام تأمرني بأسوأ خطة ... سهم وتأمرني بها مخزوم
/ وأمد أسباب الردى ويقودني ... أمر الغواة وأمرهم مشئوم
معنت العداوة وانقضت أسبابها ... وأتت أواصر بيننا وحلوم
فاغفر فدى لك والدي كلاهما ... وارحم فإنك راحم مرحوم
وعليك من سمة المليك علامة ... فوز أعز وخاتم مختوم
أعطاك بعد محبة برهانه ... شرفا، وبرهان الإله عظيم
186- المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب أبو سفيان [1] :
كان أخا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ من الرضاعة، أرضعته حليمة أياما، وكان يألف رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ ويشبه بِهِ، فلما بعث رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عاداه وهجاه وهجا أصحابه. وكان شاعرا، فمكث عشرين سنة عدوا لرسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، ولا يتخلف عن موضع تسير فيه قريش لقتال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فلما تحرك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ للخروج إلى غزاة الفتح ألقى الله في قلبه الإسلام، فجاء إلى زوجته وولده فقال: تهيأوا للخروج فقد أظل قدوم محمد، فقالوا له:
آن لك أن تنصر العرب والعجم قد تبعت محمدا وأنت موضع في عداوته، وكنت أولى الناس بنصرته، فخرج يريد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قد نذر دمه، فلقي رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فأعرض عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلم، فتحول إلى الجانب الآخر فأعرض عنه، فقال: أنا مقتول لا محالة، فأسلم وخرج معه حتى شهد فتح مكة وحنينا.
قال: فلما لقينا العدو بحنين اقتحمت عن فرسي وبيدي السيف صلتا والله يعلم أني أريد الموت دونه، وهو ينظر إلي، فقال العباس: يا رسول الله، هو أخوك وابن عمك أبو سفيان بن الحارث فارض عنه، قال: «قد فعلت» ، فغفر الله له كل عداوة عدانيها، ثم التفت إلي فقال: أخي، لعمري، فقبلت رجله في الركاب، وقلت: لا تثريب، قال: لا تثريب.
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 34.(4/201)
حج أبو سفيان في هذه السنة، فحلقه الحلاق بمنى وفي رأسه ثؤلول فقطعه، فكان سبب موته.
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ] [1] ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ:
لَمَّا حَضَرَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ الْوَفَاةُ قَالَ لأَهْلِهِ: لا تَبْكُوا عَلَيَّ فَإِنِّي لَمْ أَتَنَطَّفْ بِخَطِيئَةٍ مُنْذُ أَسْلَمْتُ [2] .
قال علماء السير: مات أبو سفيان بالمدينة في هذه السنة. وقيل: بل مات في سنة عشرين، وحفر قبر نفسه قبل موته بثلاثة أيام، وصلى عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف عن أبي إسحاق» .
[2] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 37.(4/202)
ثُمَّ دخلت سنة ست عشرة
فمن الحوادث فيها فتح مدينة بهرسير [1]
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا الخطيب، قال [2] : والمدائن على جانبي دجلة شرقا وغربا، ودجلة تشق بينهما، وتسمى المدينة الشرقية العتيقة، وفيها القصر الأبيض القديم الذي لا يدرى من بناه، ويتصل بها المدينة التي كانت الملوك تنزلها، وفيها الإيوان وتعرف بأسبانير. وأما المدينة الغربية فتسمى بهرسير، وكان الإسكندر قد بنى بالمغرب الإسكندرية، وبخراسان العليا سمرقند ومدينة الصغد، وبخراسان السفلى مرو، وهراة، وجال في الأرض، فلم يختر منزلا سوى المدائن فنزلها. وبنى بها مدينة عظيمة، وجعل عليها سورًا أثره باق إلى الآن، وهي المدينة التي تسمى الرومية في جانب دجلة الشرقي، وأقام الإسكندر بها ومات، فحمل منها إلى الإسكندرية لمكان أمه. وكل الملوك اختاروا المدائن، وإنما سميت المدائن لكثرة من بنى بها من الملوك الأكاسرة. والذي بنى الإيوان هو شابور بن هرمز المعروف بذي الأكتاف، وكان ملكه اثنتين وسبعين سنة.
/ قال علماء السير: أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه سعد بن أبي وقاص بعد القادسية بالمسير إلى المدائن، وعهد إليه أن يخلف النساء والعيال بالعتيق، ويجعل معهم من يحرسهم من الجند ويسهم لأولئك الجند من المغنم ما داموا يحفظون عيال
__________
[1] في الأصول: «نهر سير» ، وما أوردناه عن كتب التاريخ.
[2] تاريخ بغداد 1/ 128.(4/203)
المسلمين، فأقام سعد بعد الفتح شهرين بالقادسية، ثم ارتحل بعد الفراغ من أمرها لأيام بقين من شوال، ولقي جماعة من أصحابه جموعا من فارس يوم برس فهزموهم إلى بابل، فلحقوهم فقتلوا منهم.
وأقام سعد ببابل أياما ثم جاء إلى كوثى، وأتى المكان الذي حبس فيه إبراهيم عليه السلام، وقدم سعد زهرة بن الحوية إلى بهرسير، فتلقاه شيرزاد بساباط بالصلح وتأدية الجزية، فبعثه إلى سعد، ولحق سعد بزهرة فنزلوا بهرسير، وبث سعد الخيل فأغارت ما بين دجلة إلى من له عهد من أهل الفرات، فأصابوا مائة ألف فلاح، فكتب بذلك إلى عمر، فكتب عُمَر: إذا كان الفلاحون مقيمون لم يعينوا عليكم فهو أمانهم، ومن هرب فأدركتموه فشأنكم بِهِ.
فخلى سبيلهم، وتحصنت العجم بيهرسير، ونصب عليهم سعد عشرين منجنيقا.
وحصروهم شهرين حتى أكلوا الكلاب والسنانير، وربما خرج الأعاجم يمشون على المسنيات [1] المشرفة على دجلة لقتال المسلمين فلا يقومون لهم، [ثم تجردوا يوما للحرب، فقاتلهم المسلمون فلم يثبتوا لهم] [2] ، فنزلوا، ووقع سهم في زهير بن الحياة، فقال زهرة: أخرجوه، فقال: دعوني فإن نفسي معي ما دام في لعلي أصيب منهم بطعنة أو ضربة أو خطوة، فمضى نحو العدو، فضرب بسيفه شهربراز فقتله، ثم أحيط به فقتل.
كل هذا وملكهم متحصن في مدينة، فبعث إلى المسلمين رسولا يقول لهم: إن الملك يقول لكم هل لكم في المصالحة على أن لنا ما يلينا من دجلة وجبلنا، ولكم ما يليكم من دجلة إلى جبلكم؟ أما شبعتم لا أشبع الله بطونكم. فكلمه الأسود بن/ قطبة بكلمات فولى فقيل له: ما قلت له؟ قال: والله ما أدري وإنما هي كلمات جرت على لساني.
فخرج من القوم رجل يستأمن، فأمنوه، فقال: والله ما بقي في المدينة أحد فما يمنعكم، فتسورها الرجال وقالوا له: لأي شيء هربوا؟ فقال: بعث الملك يعرض عليكم الصلح فأجبتموه بأنه لا يكون بيننا وبينك صلح حتى نأكل من عسل أفريذين بأترج كوثى.
__________
[1] المسناة: ضفيرة تقام على النهر لترد الماء.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وورد مكانه: «فلم يلثوهم» .(4/204)
فلما دخل سعد والمسلمون بهرسير- وهي المدينة الدنيا- طلبوا السفن ليعبروا إلى المدينة القصوى، وهي المدائن، فلم يقدروا على شيء ووجدوا القوم قد ضموا السفن ولاح للمسلمين الأبيض [1] ، فكبروا وقالوا: هذا أبيض كسرى، هذا ما وعد الله ورسوله.
فأقاموا ببهرسير أياما من صفر، ثم جاء أعلاج، فدلوهم على مخاضة، فتردد سعد في ذلك، ثم فاجأهم المد، فرأى رؤيا، أن خيول المسلمين قد اقتحمت، فعبرت، فقال للناس: إني قد عزمت عَلَى قطع هذا البحر إليهم، فقالوا: عزم الله لنا ولك على الرشد، فافعل.
وأتى بعض العلوج فقال لسعد: إن أقمت ثلاثا ذهب يزدجرد بكل شيء من المدائن، فهيجه عَلَى العبور.
فقال سعد: من يبدأ ويحمي لنا الفراض حتى تتلاحق به الناس لكيلا يمنعوهم من الخروج؟ فانتدب له عاصم بن عمرو أول الناس، وانتدب معه ستمائة من أهل النجدات، فسار فيهم عاصم حتى وقف على شاطئ دجلة، ثم اقتحموا. فجاءت الأعاجم فقال عاصم: الرماح، فطعنوا القوم فلحقوهم فقتلوا عامتهم. فحينئذ أذن سعد للناس في الاقتحام، فاقتحموا دجلة، وإنها لترمى بالزبد، وإن الناس ليتحدثون في عومهم كما يتحدثون على وجه الأرض، فكان الفرس يقوم براكبه، فربما لم يبلغ الماء الحزام، وربما أعيا الفرس فتظهر له تلعة فيستريح عليها.
وكان سعد يقول في عومه: حسبنا الله ونعيم الوكيل، وسلمان يحادثه في عومه حتى خرجوا فلم يفقدوا شيئا، ولم يغرق إلا رجل وقع من فرسه في الماء، فعاد إليه رجل، فأخذ بيده فعبر. ووقع من رجل قدح، فأخذه آخر، فجاء به إلى/ العسكر فعرفه صاحبه.
فلما رأى العدو ذلك هربوا لا يلوون على شيء، وجعلوا يقولون: إنما تقاتلون
__________
[1] قال ياقوت: «الأبيض قصر الأكاسرة بالمدائن، كان من عجائب الدنيا، لم يزل قائما إلى أيام المكتفي في حدود سنة 290» .(4/205)
الجن لا الإنس، وتركوا جمهور أموالهم، وكان في بيوت الأموال ثلاثة ألف ألف، فأخذوا نصف ذلك وهربوا وتركوا [الباقي، وخرجوا من المتاع بما يقدرون عليه، وتركوا] من الثياب والمتاع والأواني، وما أعدوا للحصار من البقر والغنم والطعام ما لا يحصى قيمته. وكان يزدجرد قد أخرج عياله إلى حلوان، فلحق بعياله، فدخل المسلمون المدائن وليس فيها أحد إلا أنه قد بقي في القصر الأبيض قوم قد تحصنوا به، فعرض عليهم المسلمون الإسلام أو الجزية أو القتل، فاختاروا الجزية.
ونزل سعد القصر الأبيض، واتخذ الإيوان مصلى، وجعل يقرأ: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. [وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ. كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها] قَوْماً آخَرِينَ 44: 25- 26- 27- 28 [1] . وأتم الصلاة، ثُمَّ دخلها لأنه كان على نية الإقامة، وصلى الجمعة، وكانت أول جمعة جمعت بالعراق جمعة المدائن.
[أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانَ، وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُعَدَّلُ، قَالا: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحَمَد الدَّقَّاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوْفٍ الْبُزُورِيُّ، حدّثنا عمرو بن حماد [يعني بن طَلْحَةَ الْقَنَّادُ] [2] ، حَدَّثَنا أَسْبَاطٌ، عَنْ سِمَاكٍ] [3] ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَيَفْتَتِحَنَّ رَهْطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَنْزَ كِسْرَى الَّذِي فِي الأَبْيَضِ» . فَكُنْتُ أَنَا وَأَبِي مِنْهُمْ، فَأَصَبْنَا مِنْ ذَلِكَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ [4] . [أَخْبَرَنَا أبو منصور القزاز، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ رِزْقٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سِوَّارٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بن طهمان] :
__________
[1] سورة: الدخان، الآية: 25- 28.
[2] ما بين المعقوفتين: من تاريخ بغداد.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن جابر» .
[4] تاريخ بغداد 1/ 186.(4/206)
أَنَّهُ رَأَى عَلِيَّ] [1] بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ دَخَلَ الإِيوَانَ بِالْمَدَائِنِ أَمَرَ بالتماثيل التي في القبلة فقطع رءوسها ثُمَّ صَلَّى فِيهَا
. فصل [في ذكر قسم الفيء الذي أصيب بالمدائن] [2]
قال علماء السير: وقسم سعد الفيء بعد ما خمسه، فأصاب الفارس اثنا عشر ألفا، وقسم دور المدائن بين الناس، وبعث إلى العيالات فأنزلوهم إياها، وأقاموا بالمدائن حين فرغوا من جلولاء وحلوان وتكريت والموصل، ثم تحولوا إلى الكوفة بعد.
وبعث سعد في آثار القوم زهرة في جماعة، وأمره أن يبلغ جسر النهروان، فبلغوا هناك ثم رجعوا، ومضى المشركون نحو حلوان.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سَيْفٍ، أَخْبَرَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ النضر بن السري، عن ابن الرفيل] [3] ، عن أبيه الرفيل، قال [4] :
خرج زهرة/ يتبعهم حتى انتهى إلى جسر النهروان وهم عليه، فازدحموا عليه، فوقع بغل في الماء، فكلبوا عليه، فقال زهرة: إني أقسم باللَّه أن لهذا البغل لشأنا، وإلا ما كان القوم كلبوا عليه [5] ولا صبروا للسيوف بهذا الموقف الضنك [إلا لشيء بعد ما أرادوا تركه] [6] ، وإذا الذي عليه حلية كسرى وثيابه وخرزاته ووشاحه، ودرعه التي كان فيه الجوهر، وكان يجلس فيها للمباهاة، وترجل زهرة يومئذ حتى إذا أزاحهم أمر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل روى المؤلف بإسناده أن علي بن أبي طالب.
[2] تاريخ الطبري 4/ 20.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الرفيل» .
[4] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 17.
[5] في أ، والطبري: «لشأنا ما كلب القوم عليه» .
[6] ما بين المعقوفتين: من الطبري.(4/207)
أصحابه بالبغل فاحتملوه، فأخرجوه فجاءوا بما عليه حتى ردوه إلى الأقباض، ما يدرون ما عَلَيْهِ.
[وعن سيف، عن الأعمش] [1] ، عن حبيب بن صهبان، قال: دخلنا المدائن فأتينا على قباب تركية مملوءة سلالا مختمة بالرصاص، فما حسبناها إلا طعاما، فإذا هي آنية الذهب والفضة، فقسمت بعد في الناس [2] .
[وقال حبيب] [3] : وقد رأيت الرجل يطوف ويقول: من معه بيضاء بصفراء؟ وأتينا على كافور كثير، فَما حسبناه إلا ملحا، فجعلنا نعجن به حتى وجدنا مرارته في الخبز.
[قال: وحدثنا سيف، عن عبدة بن معتب، عن رجل من بني الحارث بن طريف] [4] ، عن عصمة بن الحارث الضبي، قال:
خرجت فيمن خرج يطلب، فإذا حمار معه حمار، فلما رآني حثه حتى لحق بآخر قدامه، فحثا حماريهما، فانتهيا إلى جدول قد كسر جسره، فأتيتهما فقتلت واحدا منهما وأفلت الآخر، فرجعت إلى الحمارين، فأتيت بهما صاحب الأقباض، فنظر ما عليهما فإذا على أحدهما سفطان في أحدهما فرس من ذهب مسرج بسرج فضة، على ثغره ولببه الياقوت والزمرد منظوم على الفضة، ولجام كذلك، وفارس من فضة مكلل بالجوهر، وإذا في الآخر ناقة من فضة عليها شليل من ذهب وبطان من ذهب، ولها زمام من ذهب، وكل ذلك منظوم بالياقوت، وإذا عليها رجل من ذهب مكلل بالجوهر كان كسرى يضعهما على أسطوانة التاج.
[قال: وحدثنا سيف، عن هبيرة بن الأشعث] [5] ، عن أبي عبيدة العنبري، قال:
/ لما هبط [6] المسلمون المدائن، وجمعوا الأقباض، أقبل رجل بحقّ معه،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن حبيب» .
[2] الخبر في الطبري 4/ 17.
[3] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «وعن عصمة بن الحارث» .
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «وعن أبي عبيدة العنبري» .
[6] في الأصل: «فلما أهبط» .(4/208)
فدفعه إلى صاحب الأقباض، فقال [1] الذي معه ما رأينا مثل هذا قط، ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه، فقالوا له: هل أخذت منه شيئا، فقال: أما والله، لولا الله ما أتيتكم به، فعرفوا أن للرجل شأنا، فقالوا: من أنت؟ فقال: والله ما أخبركم لتحمدوني، ولا غيركم ليقرظوني، ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه. فأتبعوه رجلا حتى انتهى إلى أصحابه، فسأل عنه، فإذا هو عامر بن عبد قيس.
[قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ الْفُضَيْلِ] [2] ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ [3] :
وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، مَا أُطْلِعْنَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقَادِسِيَّةِ، أَنَّهُ يُرِيدُ الدُّنْيَا مَعَ الآخِرَةِ، وَلَقَدِ اتَّهَمْنَا ثَلاثَةَ نَفَرٍ، فَمَا رَأَيْنَا كَمَا هَجَمْنَا عَلَيْهِ مِنْ أَمَانَتِهِمْ وَزُهْدِهِمْ:
طُلَيْحَةَ بْنَ خُوَيْلِدٍ، وعمرو بن معديكرب، وَقَيْسَ بْنَ الْمَكْشُوحِ.
[قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مَخْلَدِ بْنِ قَيْسٍ الْعجلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ،] [4] قَالَ: لَمَّا قُدِمَ بِسَيْفِ كِسْرَى وَمَنْطِقَتِهِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ أَقْوَامًا أَدَّوْا هَذَا لَذَوُو أَمَانَةٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّكَ عَفَفْتَ فَعَفَّتِ الرَّعِيَّةُ. [وقال: وحدثنا سيف] [5] ، عن محمد وطلحة وزياد والمهلب، قالوا [6] : جمع سعد الخمس، وأدخل فيه كل شيء أراد أن يعجب به عمر، من ثياب كسرى وحليه وسيفه ونحو ذلك، وفضل بعد القسم بين النّاس، وأخرج خمس القطف، وهو بساط، فلم تعتدل قيمته، فقال للمسلمين: هل لكم في أن تطيب أنفسنا عن أربعة أخماس، ونبعثه إلى عمر فيضعه حيث يرى، قالوا: نعم، فبعث به وكان ستين ذراعًا في ستين ذراعا، فيه طرق كالأنهار، وقصور كالدور، وفي حافاته كالأرض المزروعة المبقلة [بالنبات] [7] في
__________
[1] في الأصل: «فقالوا» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «وعن جابر» .
[3] تاريخ الطبري 4/ 19.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «وعن قيس العجليّ» .
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «وعن محمد» .
[6] تاريخ الطبري 4/ 21.
[7] ما بين المعقوفتين: من الطبري.(4/209)
الرَّبيع. فلما قدم على عمر رضي الله عنه، قال: أشيروا علي فيه، قالوا: قد جعل ذلك لك فر رأيك، إلا ما كان من علي رضي الله عنه، فإنه قال: يا أمير المؤمنين، الأمر كما قالوا: ولم يبق إلا التروية، إنك إن تقبله على هذا اليوم لم تعدم في غد من يستحق به ما ليس لَهُ، فقال: صدقتني، فقطعه بينهم.
[قال: وحدثنا سيف] [1] ، عن عبد الملك بن عمير، قال: أصاب المسلمون يوم المدائن بهار كسرى، وكانوا يعدونه للشتاء إذا ذهبت الرياحين، فكانوا إذا أرادوا الشرب شربوا عليه، فكأنهم في رياض وكان بساط واحد ستين ذراعا في ستين، أرضه مذهب، ووشيه بفصوص، ومموه بجوهر، وورقه بحرير وماؤه ذهب، وكانت العرب تسميه القطف، فلما قسم سعد فيهم فضل عنهم ولم يتفق قسمه، فجمع سعد المسلمين، فقال: إن الله تعالى قد ملأ أيديكم وقد عسر قسم هذا البساط، ولا يقوى على شرائه أحد، فأرى أن تطيبوا به أنفسنا لأمير المؤمنين يضعه حيث شاء، ففعلوا.
فلما قدم على عمر المدينة جمع الناس فاستشارهم في البساط، فمن بين مشير بقبضه، وآخر مفوض إليه، وآخر مرقق، فقام علي رضي الله عنه، فقال: لم تجعل علمك جهلا، ويقينك شكا، إنه لَيْسَ لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت، أو لبست فأبليت، أو أكلت فأفنيت، فقال: صدقتني، فقطعه فقسمه بين الناس، فأصاب عليا رضي الله عنه قطعة منه فباعها بعشرين ألفا، وما هي بأجود تلك القطع.
[أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
أخبرنا الحسين بن القَاسِم الكوكبي، قال: حدثنا أبو العباس المبرد، قال: أخبرني] [2] القاسم بن سهل النوشجاني:
إن ستر باب الإيوان أخرقه المسلمون لما افتتحوا المدائن فأخرجوا منه ألف ألف مثقال ذهبا، فبيع المثقال بعشرة دراهم، فبلغ عشرة آلاف ألف [ألف] [3] درهم.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «وعن عبد الملك» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن القاسم بن سهل» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ظ.(4/210)
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدَّلُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْذَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بْن محمد بن أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ] [1] : أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: لَمَّا خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى صِفِّينَ، مَرَّ بِخَرَابٍ، فَتَمَثَّلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ:
/ جَرَتِ الرِّيَاحُ عَلَى مَحِلِّ دِيَارِهِمْ ... فَكَأَنَّمَا كَانُوا عَلَى مِيعَادِ
وَإِذَا النَّعِيمُ وَكُلُّ مَا يُلْهَى بِهِ ... يَوْمًا يَصِيرُ إِلَى بَلًى وَنَفَاذِ
فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لا تَقُلْ هَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ [كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ] [2] :
كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها] قَوْماً آخَرِينَ 44: 25- 26- 27- 28 [3] . إِنَّ هَؤُلاءِ [الْقَوْمَ] كَانُوا وَارِثِينَ فَأَصْبَحُوا مَوْرُوثِينَ، وَإِنَّ هَؤُلاءِ [الْقَوْمَ] اسْتَحَلُّوا الْحَرَامَ فَحَلَّتْ بِهُمُ النِّقَمُ [فَلا تَسْتَحِلُّوا الْحَرَامَ فَتَحِلُّ بِكُمُ النِّقَمُ] . [أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ [4] ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ] [5] ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ الأَقْرَعِ [6] :
أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا فِي إِيوَانِ كِسْرَى [7] ، فَنَظَرَ إِلَى تِمْثَالٍ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إِلَى مَوْضِعٍ قَالَ:
فَوَقَعَ فِي رَوْعِي أَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى كَنْزٍ، قَالَ: فَاحْتَفَرْتُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، فَاسْتَخْرَجْتُ كَنْزًا عَظِيمًا، فَكَتَبْتُ إِلَى عُمَرَ أُخْبِرُهُ، فَكَتَبَ إِنَّ هَذَا شَيْءٌ أَفَاءَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِنَّكَ أَمِيرُ من أمراء المسلمين، فاقسمه بين المسلمين.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المصنف بإسناده عن أبي بكر بن عباس» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] سورة: الدخان، الآية: 26. وما بين المعقوفتين ورد في الأصل: «إلى قوله» .
[4] في تاريخ بغداد: «محمد بن البراء» .
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن السائب الأقرع» .
[6] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 203.
[7] في الأصل، ظ: «جالسا على إيوان كسرى» .(4/211)
[أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الجوهري، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمران المرزباني، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الحسين عَبْد الواحد بْن محمد الحسيني، قال: حدثني] [1] أَحْمَد بْن إسماعيل، قَالَ:
لما صارت الخلافة إلى المنصور هم بْنقض [إيوان المدائن] [2] ، فاستشار جماعة من أصحابه، فكلهم أشار بمثل ما هم به، وَكَانَ معه كاتب من الفرس، فاستشاره فِي ذلك، فقال له: يا أمير المؤمنين، أتعلم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ خرج من تلك القرية، وكان له بها مثل ذلك المنزل ولأصحابه مثل تلك الحجر، فخرج أصحاب ذلك الرسول حَتَّى جاءوا مَعَ ضعفهم إِلَى صاحب هَذَا الإيوان مَعَ عزته وصعوبة أمره، فغلبوه وأخذوه من يده قسرا، ثم قتلوه فيجيء الجائي من أقاصي الأرض، فينظر إِلَى تلك المدينة وإلى هَذَا الإيوان، [ويعلم أن صاحبها قهر صاحب هَذَا الإيوان] ، فلا يشك أنه بأمر الله، وأنه هو الَّذِي أيده وَكَانَ معه ومع أصحابه، وفي تركه فخر لكم. فاستغشه المنصور واتهمه لقرابته من القوم، ثم بعث في نقض الإيوان، فنقض منه الشيء اليسير، ثُمَّ كتب إليه:
إننا نغرم في نقضه/ أكثر مما نسترجع منه، إن هذا تلف الأموال وذهابها. فدعا الكاتب فاستشاره فيما كتب إليه به، فقال: لقد كنت أشرت بشيء لم تقبل مني، فأما الآن فإني آنف لكم أن يكونوا أولئك يبنون بْناء تعجزون أنتم عَنْ هدمه، والصواب أن تبلغ به الماء، ففكر المنصور فعلم أنه قد صدق، فإذا هدمه يتلف الأموال، فأمر بالإمساك عنه
. ومن الحوادث في هذه السنة، وقعة جلولاء [3]
لما توطن المسلمون المدائن، وبعثوا إلى عمر بالأخماس، أتاهم الخبر بأن مهران قد عسكر بجلولاء وخندق، وأن أهل الموصل قد عسكروا بتكريت. فكتب سعد بذلك إلى عمر رضي الله عنه، فكتب إليه: أن سرح هاشم بن عتبة إلى جلولاء في اثني
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أحمد بن إسماعيل» .
[2] في الأصل: «بنقض الإيوان» .
[3] تاريخ الطبري 4/ 24.(4/212)
عشر ألفا، واجعل على مقدمته القعقاع بن عمرو، وعلى ميمنته سعد بن مالك، وعلى ميسرته عَمْرو بن مالك بن عتبة، وعلى ساقته عمرو بن مرة الجهني.
وكان الأعاجم لما هربوا من المدائن إلى جلولاء، قالوا: إن افترقتم لم تجتمعوا أبدا، فهلموا فلنجتمع للعرب ولنقاتلهم، فإن كانت لنا فهو الذي نريد، وإن كانت علينا كنا قد قضينا الذي علينا، فاحتفروا الخندق، واجتمعوا على مهران الرازي، ونفذ [1] يزدجرد إلى حلوان فنزل بها، ورماهم بالرجال والأموال.
ففصل هاشم [2] بن عتبة بالناس من المدائن في صفر سنة ست عشرة، في اثني عشر ألفا، فيهم وجوه المهاجرين والأنصار وأعلام العرب، فقدم جلولاء فحاصرهم [فخرجوا] [3] على المسلمين، فاقتتلوا، وبعث الله عز وجل عليهم ريحا أظلمت عليهم البلاد، فتهافتت فرسانهم في الخندق، ثم اقتتلوا قتالا شديدا لم ير مثله، وانهزموا، / واتبعهم المسلمون وقتل منهم يومئذ مائة ألف، فجللت القتلى المجال، وما بين يديه وما حوله، فسميت جلولاء لما جللها من قتلاهم.
وطلبهم القعقاع حتى بلغ خانقين، فأدرك مهران فقتله، ولما بلغت الهزيمة يزدجرد سار من حلوان نحو الجبل، واقتسم في جلولاء على كل فارس سبعة آلاف وتسعة من الدواب.
[أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَاجِّيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ السمرقندي، قالا:
أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سيف، أخبرنا السري بن يحيى، أخبرنا شعيب بن إِبْرَاهيم، عن سيف بن عمر التميمي، عن مجالد] [4] ، عن الشعبي، قال [5] :
اقتسم الناس في جلولاء على ثلاثين ألف ألف، وكان الخمس ستة آلاف ألف.
__________
[1] في الأصل: «وتقدم يزدجرد» .
[2] تاريخ الطبري 4/ 25.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الشعبي» .
[5] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 29.(4/213)
[وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ زُهْرَةَ، وَمُحَمَّدٌ] [1] ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: لَمَّا قُدِمَ عَلَى عُمَرَ بِالأَخْمَاسِ مِنْ جَلُولاءَ، قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لا يُجِنَّهُ سَقْفِ بَيْتٍ حَتَّى أُقَسِّمَهُ. فَبَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ يَحْرُسَانِهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ عُمَرُ جَاءَ فَكَشَفَ عَنْهُ الأَنْطَاعَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى يَاقُوتِهِ وَزَبَرْجَدِهِ وَلُؤْلُؤِهِ وَجَوْهَرِهِ بَكَى، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاللَّهِ إِنَّ هذا لموطن شَكْرٌ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا ذَاكَ يُبْكِينِي، وتاللَّه مَا أَعْطَى اللَّهُ هَذَا قَوْمًا إِلا تَحَاسَدُوا وَتَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا إِلا أَلْقَى بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ.
[أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْن عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْحُنَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الصَّلْتِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَمِيعُ بْنُ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ] [2] عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ:
شَهِدْتُ جَلُولاءَ وَابْتَعْتُ مِنَ الْغَنَائِمِ بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَقَدِمْتُ بِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقُلْتُ: ابْتَعْتُ مِنَ الْغَنَائِمِ بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَوِ انْطُلِقَ بِي إِلَى النَّاسِ كُنْتَ مُفْتَدِي، قُلْتُ: نَعَمْ بِكُلِّ شَيْءٍ أَمْلِكُ، قال: فإنّي مخاصم وكأني بك بتابع وَالنَّاسُ بِجَلُولاءَ يَقُولُونَ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَابْنُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَكْرَمُ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُرَخِّصُوا عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يَغُلُّوا عَلَيْكَ بِدِرْهَمٍ، وَسَأُعْطِيكَ مِنَ الرِّبْحِ أَفْضَلَ مَا رَبِحَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ. ثُمَّ أَتَى بَابَ صَفِيَّةَ/ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، فَقَالَ: يَا بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ، اقْتَسَمْتُ عَلَيْكِ أَنْ تُخْرِجِي مِنْ بَيْتِكِ شَيْئًا أَوْ تُخْرُجْنَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ عُنُقَ ظَبْيَةٍ، فَقَالَتْ: يا أمير المؤمنين لَكَ ذَلِكَ.
ثُمَّ تَرَكَنِي سَبْعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ دعي التُّجَّارَ ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ إِنِّي مَسْئُولٌ، قَالَ: فَبَاعَ مِنَ التُّجَّارِ متاعا بأربعمائة ألف، فأعطاني ثمانين ألفا، وأرسل ثلاثمائة وَعِشْرِينَ أَلْفًا إِلَى سَعْدٍ، فَقَالَ: اقْسِمْ هَذَا الْمَالَ فِي مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ، وَإِنْ كَانَ أحدهم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي سلمة» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عبد الله» .(4/214)
مَاتَ فَابْعَثْ نَصِيبَهُ إِلَى وَرَثَتِهِ.
وَكَانَ فَتْحُ جَلُولاءَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدَائِنِ تَسْعَةُ أَشْهُرٍ
. وَكَانَ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ يَوْمُ حُلْوَانَ
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالا:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخْلِصُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن سيف، أخبرنا السري بن يحيى، أخبرنا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ] [1] ، عن محمد، وطلحة، والمهلب، وعمرو، وَسَعِيدٍ، قَالُوا [2] :
كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى سَعْدٍ: إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ جَلُولاءَ فَسَرِّحِ الْقَعْقَاعَ بْنَ عَمْرٍو فِي آثَارِ الْقَوْمِ حَتَّى يَنْزِلَ بِحُلْوَانَ، فَيَكُونَ رِدْءًا لِلْمُسْلِمِينَ وَيُحْرِزَ اللَّهُ لَكُمْ سَوَادَكُمْ. فَلَمَّا هَزَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَهْلَ جَلُولاءَ، أَقَامَ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ بِجَلُولاءَ، وَخَرَجَ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو فِي آثَارِ الْقَوْمِ إِلَى خَانِقِينَ فَأَدْرَكَ سَبْيًا مِنْ سَبْيِهِمْ، وَقَتَلَ مَهْرَانَ وَخَلْقًا وَأَفْلَتَ الْفيرزانُ، وَلَمَّا بَلَغَ يَزْدَجِرْدَ هَزِيمَةُ أَهْلِ جَلُولاءَ وَمُصَابُ مَهْرَانَ، خَرَجَ مِنْ حُلْوَانَ سَائِرًا نَحْوَ الرِّيِّ، وَخَلَّفَ بِحُلْوَانَ خَيْلا عَلَيْهَا خِسْرُوشَنُومُ، فَأَقْبَلَ الْقَعْقَاعُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِقَصْرِ شِيرِينَ عَلَى رَأْسِ فَرْسَخٍ مِنْ حُلْوَانَ خَرَجَ إِلَيْهِ خِسْرُوشَنُومُ، وَقَدِمَ دَهْقَانُ حُلْوَانَ، فَلَقِيَهُ الْقَعْقَاعُ فَاقْتَتَلُوا عَلَى الْقَصْرِ [فَقُتِلَ الدِّهْقَانُ، وَهَرَبَ خِسْرُوشَنُومُ وَاسْتَوْلَى الْمُسْلِمُونَ عَلَى حُلْوَانَ، ولم يزل القعقاع على الثغر] [3] إلى أن تَحَوُّلِ سَعْدٍ عَنِ الْمَدَائِنِ إِلَى الْكُوفَةَ فَلَحِقَ بِهِ
. ومن الحوادث في هذه السنة يوم تكريت [4]
وكان في جمادى. قهر المسلمون أهلها وقسموا، وقسموا للفارس ثلاثة آلاف، وللرجال ألفا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن محمد وطلحة ... » .
[2] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 34.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوأوردناه من ظ.
[4] تاريخ الطبري 4/ 35.(4/215)
[ذكر فتح ماسبذان]
وقهروا [أهل] ماسبذان، وأخذوها عنوة، فتطاير أهلها في الجبال، ثم استجابوا للمسلمين
. [ذكر فتح قرقيسياء]
ثم أخذ المسلمون قرقيسياء عنوة
. [ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر]
[1]
187- أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام، وهي الرميصاء: [2]
واختلفوا في اسمها، فروى البغوي عن علي بن المديني، قال: اسمها مليكة، ولقبها الرميصاء. وقال غيره: اسمها سهيلة [3] ، وقيل: رميلة، وقيل: رميثة، وقيل:
أنيفة.
تزوجها مالك بن النضر، فولدت له أنس بن مالك، ثم لقيه عدو فقتله، فخطبها أبو طلحة.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بن سلمان، قال: أخبرنا حمد بن أحمد، قال:
أخبرنا أحمد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَّدَثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ] [4] ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سَلِيمٍ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، فَقَالَتْ أَمَا إِنِّي فِيكَ لَرَاغِبَةٌ، وَمَا مثلك
__________
[1] ما بين المعقوفتين: بياض في الأصل: وأوردناه من أ، ظ.
[2] طبقات ابن سعد 8/ 311.
[3] كذا في الأصول، وفي ابن سعد «سهلة» .
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أنس» .(4/216)
يُرَدُّ، وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ، فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَاكَ مَهْرِي، وَلا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَأَسْلَمَ أَبُو طَلْحَةَ فَتَزَوَّجَهَا.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حدثني أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُلْيَمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ] [1] ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ يَضْحَكُ إِلَى رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَمْ تَرَ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خِنْجَرٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَا تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ» ؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ إِنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنْهُمْ طَعَنْتُهُ.
[أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا محمد بْن سعد، قال: أخبرنا محمد بْنُ الْفُضَيْلِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ] [2] ، قَالَ: زَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أُمَّ سَلِيمٍ فصلى فِي بَيْتِهَا تَطَوُّعًا، وَقَالَ: «يَا أُمَّ سَلِيمٍ، إِذَا صَلَّيْتِ الْمَكْتُوبَةَ فَقُولِي: سُبْحَانَ اللَّهِ عَشْرًا، وَالْحَمْدُ للَّه عَشْرًا، وَاللَّهُ أَكْبَرُ عَشْرًا، ثُمَّ سَلِي اللَّهَ مَا شِئْتِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَكِ نَعَمْ نَعَمْ نَعَمْ» . [أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمِ بْنِ دَارَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ] [3] ، عَنْ أُمِّ سَلِيمٍ، قَالَتْ:
تُوُفِّيَ ابْنٌ لِي وَزَوْجِي غَائِبٌ، فَقُمْتُ فَسَجَّيْتُهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَقَدِمَ زَوْجِي، فَتَطَيَّبْتُ لَهُ، فَوَقَعَ عَلَيَّ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِطَعَامٍ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ، فَقُلْتُ: أَلا أُعْجِبُكَ من
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أنس» .
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 312.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أم سليم» .(4/217)
جِيرَانِنَا، قَالَ: وَمَا لَهُمْ؟ قُلْتُ: أُعِيرُوا عَارِيَةً فَلَمَّا طُلِبَتْ مِنْهُمْ جَزِعُوا، قَالَ: بِئْسَ مَا صَنَعُوا، فَقُلْتُ: هُوَ ابْنُكَ، فَقَالَ: لا جَرَمَ، لا تَغْلِبِينِي عَلَى الصَّبْرِ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: «بِتُّمَا عَرُوسَيْنِ وَهُوَ إِلَى جَانِبِكُمَا [1] ، اللَّهمّ بَارِكْ لَهُمْ فِي لَيْلَتِهِمْ» ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ سَبْعَةً كُلُّهُمْ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ
. 188- سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس- وهو الذي يقال له سعد القاري-، ويكنى أبا زيد:
[2] .
ويروي الكوفيون أنه ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وابنه عمر بن سعد، ولاه عمر على بعض الشام.
وقتل سعد شهيدا يوم القادسية وهو ابن أربع وستين سنة [3]
. 189- مارية القبطية [4] :
أهداها المقوقس إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فوطئها بملك اليمين، فولدت منه إبراهيم، ومات رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وكان أبو بكر رضي الله عنه ينفق عليها حتى توفي، ثم أنفق عليها عمر رضي الله عنها فتوفيت في محرم هذه السنة، فجمع عمر الناس لشهود جنازتها، وصلى عليها، وقبرها بالبقيع.
__________
[1] «بتما عروسين وهو إلى جانبكما» : ساقطة من أ، ط.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 30.
[3] جاء في الأصل بعدها: «وهو يسمى سعد القاري» . وهي زيادة لا فائدة لها لتكرارها في أول الترجمة.
[4] طبقات ابن سعد 8/ 153.(4/218)
ثم دخلت سنة سبع عشرة
فمن الحوادث فيها اختطاط الكوفة وتحول سعد بن أبي وقاص إليها وقد كان مكان الكوفة معروفا [1]
[أخبرنا أبو المناقب حيدرة بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن حمزة الكوفي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ميمون، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّدً بْن عَلِيّ بن عبد الرحمن الحسني، أَخْبَرَنَا محمد بن الحسين بن جعفر السلمي، أخبرنا عبد الله بن زيدان العجلي [2] ، أخبرنا إِبْرَاهيم بن قتيبة، عن عمرو بن شبيب، عن صدقة] [3] بن المثنى النخعي، قال:
إن إبراهيم خليل الرحمن خرج من كوثي مهاجرا إلى الله عز وجل على حمار، ومعه ابن أخيه لوط يسوق غنما ويحمل دلوا على عنقه حتى نزل بانقيا، وكان بها قرية طولها اثنا عشر فرسخا، وكانوا يزلزلون كل ليلة، فلما/ بات بها إبراهيم لم يزلزلوا تلك الليلة، فمشي بعضهم إلى بعض، فقالوا: بتم بمثل هذه الليلة قط؟ فقالوا: لا، فقال صاحب منزل إِبْرَاهيم عليه السلام: إن كان دفع عنكم بشيء فبشيخ بات عندي البارحة لم يزل يصلي حتى أصبح، فأتوه فقالوا: إنما خرجت لطلب المعيشة، فأقم فينا ونقاسمك شطر أموالنا فتكون أكثر الناس مالا، قال: ليس لذلك خرجت، إنما خرجت مهاجرا إلى الله، فخرج حتى نزل القادسية، فأتته عجوز، فقالت: إني أراك شيخا حسن الهيئة
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 40.
[2] في ظ: «البجلي» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن المثنى» .(4/219)
وأراك شعثا، فهل لك أن آتيك بغسول تغسل به رأسك ولحيتك؟ قال: ما شئت، فأتته بغسول، فغسل رأسه ولحيته، فأفاض عليه من الماء وأخذ فضل ما بقي من الإناء فأبعد وقال: كوني مقدسة- للقادسية- منك يخرج وفد الله، وفيك موضع رحالهم، فسمت بدعوة إبراهيم القادسية.
ثم خرج نحو الشام فمر بالنجف فرأى فيه علامات وكان يقرأها في الكتب، فقال:
لمن هذا الجبل؟ فقالوا: لأهل القرية التي بت فيها- يعنون بانقيا- فأتاهم إبراهيم فظنوا أنه أتاهم للذي عرضوا عليه، فقال: بيعوني أرضكم هذه- يعني ظهر الكوفة- فقالوا:
هي لك، ما ملكنا أرضا هي أقل خيرا منها، ما تنبت رعيا، ولا لنا فيها منفعة، فاشتراها منهم بغنمه.
[قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيُّ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ إِجَازَةً، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْبَجَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى العيسى، عن عيسى بن عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ] [1] ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
مِنْ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ فَارَ التَّنُّورُ، وَكَانَ بَيْتَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ وَمَسْجِدُهُ، ثُمَّ جَاءَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ إِلَى كوثى وَبِهَا ابْنُ أَخِيهِ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ غَيْرَ كَثِيرٍ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى جَاءَ إِلَى مَسْجِدِ الْكُوفَةِ، فَكَلَّمَ مَلِكًا/ كَانَ عَلَيْهَا، وَقَالَ لَهُ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَبِيعَنِي هَذَا الْمَكَانَ- لِمَسْجِدِ الْكُوفَةِ- وَكَانَ ذَلِكَ الْمَلِكُ تُزَلْزَلُ بِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ [الأَرْضُ] ، فَلَمَّا صَارَ إِبْرَاهِيمُ إِلَيْهِ كَفَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تِلْكَ الزَّلْزَلَةَ، فَقَالَ: الْمَلِكُ يَدْعُو لَكَ، فَقَالَ: مَا أُرِيدُ أَخْذَهُ إلِا بِثَمَنٍ، قَالَ: فَاشْتَرِهِ بِمَا شِئْتَ، قَالَ: فَإِنِّي آخُذُه بِأَتَانِي هَذِهِ وَشَاتِي، قَالَ: أَمَّا الشَّاةُ فَلَيْسَ مَعَكَ زَادٌ إِلا لَبَنُهَا تَشْرَبُهُ، وَأَمَّا الأَتَانُ فَهَلُمَّهَا نَحْنُ نَأْخُذُهَا، فَاشْتَرَاهَا بِالأَتَانِ. فَبَدَأَ أَسَاسَ نُوحٍ، وَبَنَاهُ بِنَاءً لاطِيًا عَلَى نَحْوٍ مِنْ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ، ثُمَّ سَارَ هُوَ وَلُوطٌ إِلَى الشَّامِ. [قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْحَذَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن يونس، عن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى أبو عبد الله الحسيني بإسناده عن علي» .(4/220)
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ] [1] ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ:
لَمَّا نَزَلَ الْمُسْلِمُونَ الْمَدَائِنَ اصْفَرَّتْ أَلْوَانُهُمْ، وَعَظُمَتْ بُطُونُهُمْ، وَدَقَّتْ عِظَامُهُمْ، وَذَلِكَ لَمَّا اجْتَوَوْهَا، فَكَتَبَ عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [2] إِنَّ يَطْلُبُوا مَنْزِلا غَيْرَهُ، فَنَزَلُوا الْكُوفَةَ، فَوَفَدْنَا إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: إِنِّي لأَعْرِفُ فَضْلَ مَنْزِلِكُمْ هَذَا عَلَى الآخَرِ فَصِفُوهُ لِي، فَقُلْنَا: هِيَ آخِرُ السَّوَادِ فِي الْعَرَبِ، وَهِيَ أرض برية بحرية، أرض شيح وَقَيْصُومٍ، وَأَرْضُ ضَبٍّ وَحُوتٍ.
قال حسين بن حميد: [وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا قبيصة] [2] ، عن سفيان، قال:
أول من بنى الكوفة بالآجر خباب بن الأرت، وعبد الله بن مسعود.
[قال لي أبو عبد الله: وحدثنا أبو الحسين محمد بن علي بن عامر الكندي، قال:
حدثنا عَلِيّ بْن الحسن بن إسماعيل البزار، قال: حدثنا] بشر بن عبد الوهاب، ذكر] [3] أنه قدر الكوفة فكانت ستة عشر ميلا، وثلثي ميل، وذكر أن فيها خمسة آلاف دار للعرب من ربيعة ومضر، وأربعة عشر ألف دار لسائر العرب، وستة وثلاثين ألف دار لليمنيين.
[أخبرني بذلك في سنة أربع وستين ومائتين] [4] .
[قال أبو عبد الله: وأخبرنا زيد بن مروان إجازة، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا إِبْرَاهيم بن إسماعيل الطلحي، قال: حدثنا أبي] [5] ، قال:
رأيت بالكوفة في مسجد الجامع مائة حلقة فقه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى أبو عبد الله الحذاء بإسناده عن قيس بن أبي حازم، قال» :
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «فقال حسن بن حمد بإسناده عن سفيان» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى أبو عبد الله بإسناده عن بشر بن عبد الوهاب، قال:» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وظ، وأوردناه من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى أبو عبد الله بإسناده إلى الطلحي قال» .(4/221)
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخْلِصُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا السري بن يحيى، حدثنا شعيب بن إبراهيم، حدثنا سيف، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ وَالْمُهَلَّبِ وَعَمْرٍو وَسَعِيدٍ، قَالُوا] [1] :
لَمَّا جَاءَ فَتْحُ جَلُولاءَ وَحُلْوَانَ وَنَزَلَ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو بِحُلْوَانَ فِيمَنْ مَعَهُ، وَجَاءَ فَتْحُ تِكْرِيتَ وَالْحِصْنَيْنِ، وَقَدِمَتِ الْوُفُودُ بِذَلِكَ عَلَى/ عُمَرَ، قَالَ لَهُمْ: مَا غَيَّرَكُمْ، قَالُوا:
وُخُومَةُ الْبِلادِ، فَنَظَرَ فِي حَوَائَجِهِمْ، وَعَجَّلَ سَرَاحَهُمْ.
وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى سَعْدٍ [2] : أَنْبِئْنِي مَا الَّذِي غَيَّرَ لَوْنَ الْعَرَبِ وَلُحُومَهُمْ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
وُخُومَةُ الْمَدَائِنِ وَدِجْلَةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ الْعَرَبَ لا يُوَافِقُهَا إِلا ما وافق إبلها من البلدان، فابعث سليمان رائدا وَحُذَيْفَةَ فَلْيَرْتَادَا مَنْزِلا بَرِيًّا بَحْرِيًّا، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنِكُمْ بَحْرٌ وَلا جِسْرٌ.
فَبَعَثَ حُذَيْفَةَ وَسَلْمَانَ، فَخَرَجَ سَلْمَانُ فَسَارَ لا يَرْضَى شَيْئًا حَتَّى أَتَى الْكُوفَةَ، وَخَرَجَ حُذَيْفَةُ حَتَّى أَتَى الْكُوفَةَ، وفيها ديرات ثلاثة، فأعجبتهما البقعة، فنزلا فصليا، وَقَالا:
اللَّهمّ بَارِكْ لَنَا فِي هَذِهِ الْكُوفَةِ وَاجْعَلْهُ مَنْزِلَ ثَبَاتٍ، وَرَجَعَا إِلَى سَعْدٍ بِالْخَبَرِ، فَارْتَحَلَ سَعْدٌ بِالنَّاسِ مِنَ الْمَدَائِنِ حَتَّى عَسْكَرَ بِالْكُوفَةِ فِي مَحَرَّمٍ سَنَةَ سَبْعَ عَشَرَةَ، وَكَانَ بين وقعة المدائن ونزول الكوفة أحد عشرا شَهْرًا. فَكَتَبَ سَعْدٌ إِلَى عُمَرَ: إِنِّي قَدْ نَزَلْتُ بِكُوفَةَ مَنْزِلا بَيْنَ الْحِيرَةِ وَالْفُرَاتِ بَرِّيًّا بَحْرِيًّا يُنْبِتُ الْجَلِيَّ وَالنَّصِيَّ [3] ، وَخَيَّرْتُ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَدَائِنِ، فَمَنْ أَعْجَبَهُ الْمُقَامُ فِيهَا تَرَكْتُهُ [كَالْمَسْلَحَةِ] [4] .
[وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ يَحْيَى التَّيْمِيِّ] [5] ، عَنْ أَبِي مَاجِدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْكُوفَةُ رُمْحُ الإِسْلامِ، وَقُبَّةُ الإِسْلامِ، وَحُجَّةُ الْعَرَبِ، يُكْفُوْنَ ثغورهم ويمدون الأمصار.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى محمد بن الحسين بإسناده: لما جاء فتح» .
والخبر في تاريخ الطبري 4/ 40.
[2] تاريخ الطبري 4/ 41.
[3] النصي: نبت سبط ناعم أبيض من أفضل المراعي.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري 4/ 43.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى سيف بإسناده عن أبي ماجد» .(4/222)
[أَخْبَرَنَا سَيْفٌ، عَنْ سَعْدٍ، عَنِ الأَصْبَغِ] [1] ، عَنْ عَلِي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْكُوفَةَ لَقُبَّةُ الإِسْلامِ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا زَمَانٌ لا يَبْقَى مُؤْمِنٌ إِلا أَتَاها أَوْ حَنَّ إِلَيْهَا، وَاللَّهِ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ بِأَهْلِهَا كَمَا انْتَصَرَ بِالْحِجَارَةِ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ
. وفي هذه السنة إعانة أهل حمص من المسلمين في المحرم [2]
روى محمد بن الحسين، بإسناده عن [3] محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعد، قالوا: خرجت الروم وقد تكاتبوا هم وأهل الجزيرة يريدون أبا عبيدة والمسلمين بحمص، فضم أبو عبيدة/ إليه مسالحه، فعسكر بفناء مدينة حمص، وأقبل خالد من قنسرين حتى انضم إليه، فاستشارهم أبو عبيدة في المناجزة والتحصن إلى مجيء الغياث، فكان خالد يأمره أن يناجزهم، وكان سائرهم يأمرونه بأن يتحصن ويكتب إلى عمر، فأطاعهم وعصى خالدا، وكتب عمر إلى سعد: أندب الناس مع القعقاع بن عمرو، وسرحهم في يومهم الذي يأتيك فيه كتابي إلى حمص، فإن أبا عبيدة قد أحيط به، وتقدم إليهم في الجد والحث.
وكتب إليه أيضا: أن سرح سهيل بن عدي إلى الجزيرة [4] في الجند، وليأت الرقة فإن أهل الجزيرة هم الذين استثاروا الروم على أهل حمص. فمضى القعقاع في أربعة آلاف نحو حمص، وخرج عمر من المدينة مغيثا لأبي عبيدة يريد حمص حتى نزل الجابية، وخرج أبو عبيدة ففتح الله عليه، وانقض العدو، وقدم القعقاع بعد ثلاث من يوم الوقعة، وكتب إلى عمر بالفتح وهو بالجابية، فكتب عمر: أشركوهم فإنهم نفروا إليكم، وتفرق بهم عدوكم.
وانتهى سهيل بن عدي إلى أهل الرقة، وقد ارفض أهل الجزيرة فحاصرهم فصالحوه، وخرج عَبْد الله بن عبد الله بن عتبان إلى نصيبين فصالحوه كما فعل أهل الرقة، وسار عياض مع سهيل وعبد الله إلى حران، فأخذ ما دونها، فلما انتهى إليها اتقوه بالجزية فقتل منهم.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى سيف بإسناده عن علي» .
[2] تاريخ الطبري 4/ 50.
[3] كذا في الأصول الثلاثة، والخبر في تاريخ الطبري 4/ 50.
[4] في الأصول: «إلى الحيرة» .(4/223)
ومضى سهيل وعبد الله إلى الرهاء فأجابوه بالجزية، واستعمل عمر حبيب بن سلمة على عجم الجزيرة وحربها، واستعمل الوليد بن عقبة على عرب الجزيرة.
وقد ذكرنا أن عمر أتى الشام أربع مرات، مرتين في سنة ستة عشر، ومرتين في سنة سبعة عشر، فأما هذه المرة فإنه لم يدخلها لأجل الطاعون، والخرجة الرابعة أذن له بلال حين حضرت الصلاة، فبكى الناس عند ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، / فكان أشدهم بكاء عمر رضي الله عنه.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَرَبْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عبد الله بن الحارث بن نوفل] [1] ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ [2] :
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ حَتَّى إِذَا [كَانَ] يَسْرَغُ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ- أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ- فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ لِي عُمَرُ: ادْعُ لِيَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ. فَدَعَوْتُهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وقع بالشام [3] ، فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ، وَلا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَلا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِيَ الأَنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلافِهِمْ. فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قَالَ: ادع لي من كان [ها هنا] مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلانِ، فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ. فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ: إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ، فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ:
أَفِرَارٌ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ: إِحَداهُمَا خَصِيبَةٌ، وَالأْخُرْىَ جَدِبَةٌ،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى عبد الأول بإسناده عن ابن عباس» .
[2] الخبر في صحيح البخاري 10/ 179، حديث 5729.
[3] في صحيح البخاري: «قد وقع في الشام» .(4/224)
أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ [1] الْخَصِيبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدِبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ- وَكَانَ مُتَغِيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ- فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» . قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ، ثُمَّ انْصَرَفَ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ
. وخطب عمر خطبة/ بليغة بالجابية
[أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَعْلَجٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، قَالَ:] [2] حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ:
هَذِهِ خُطْبَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ النَّاسَ يَوْمَ الْجَابِيَةِ، فَقَالَ [3] :
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي يَبْقَى وَيَفْنَى مَا سِوَاهُ، الَّذِي بِطَاعَتِهِ يُكْرَمُ أَوْلِيَاؤُهُ، وَبِمَعْصِيَتِهِ يُضَلُّ أَعْدَاؤُهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِهَالِكٍ هَلَكَ مَعْذِرَةٌ فِي تَعَمُّدِ ضَلالَةٍ حَسِبَهَا هُدًى، وَلا فِي تَرْكِ حَقٍّ حَسِبَهُ ضَلالَةً، وَإِنَّ أَحَقَّ مَا تَعَاهَدَ الرَّاعِي مِنْ رَعِيَّتِهِ أَنْ يَتَعَاهَدَهُمْ بِالَّذِي للَّه عَلَيْهِمْ مِنْ وَظَائِفِ دِينِهِمُ الَّذِي هَدَاهُمُ اللَّهُ لَهُ، وَإِنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نَأْمُرَكُمْ بِمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ، وَنَنْهَاكُمْ عَمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، وَأَنْ نُقِيمَ فِيكُمْ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَرِيبِ النَّاسِ وَبَعِيدِهِمْ، ثُمَّ وَلا نُبَالِي عَلَى مَنْ مَالَ الْحَقُّ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَقْوَامًا يَتَمَنَّوْنَ فِي دِينِهِمْ فَيَقُولُونَ: نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ الْمُصَلِّينَ وَنُجَاهِدُ مَعَ الْمُجَاهِدِينَ، وَنَنْتَحِلُ الْهِجْرَةَ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَفْعَلُهُ أَقْوَامٌ لا يَحْمِلُونَهُ بِحَقِّهِ، وَإِنَّ الإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي، وَإِنَّ لِلصَّلاةِ وَقْتًا اشْتَرَطَهُ اللَّهُ فَلا مُصْلِحَ إِلا بِهِ، فَوَقْتُ صَلاةِ الْفَجْرِ حِينَ يُزَايِلُ الْمَرْءَ لَيْلُهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى
__________
[1] في الأصل: «رأيت» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى عبد الوهاب بإسناده عن موسى بن عقبة قال» .
[3] الخبر في كثر العمال 8/ 210، وحياة الصحابة 3/ 327.(4/225)
الصَّائِمِ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ.. فَذكر أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ، قَالَ: وَيَقُولُ الرَّجُلُ: قَدْ هَاجَرْتُ [وَلَمْ يُهَاجِرْ] [1] ، وَإِنَّ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ هَجَرُوا السَّيِّئَاتِ، وَيَقُولُ أَقْوَامٌ: جَاهَدْنَا، وَإِنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُجَاهَدَةُ الْعَدُوِّ وَاجْتِنَابُ الْحَرَامِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُقَاتِلُ بِطَبِيعَتِهِ مِنَ الشَّجَاعَةِ فَيَحْمِي، فَافْهَمُوا مَا تُوعَظُونَ بِهِ، فَإِنَّ الْجَرِبَ مَنْ جَرِبَ دِينَهُ، وَإِنَّ السَّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، وَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَإِنَّ شَرَّ الأُمُورِ مُبْتَدَعَاتُهَا، وَإِنَّ الاقْتِصَادَ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنَ الاجْتِهَادِ فِي بِدْعَةٍ، وَإِنَّ لِلنَّاسِ نَفْرَةً مِنْ سُلْطَانِهِمْ، فَعَائِذٌ باللَّه أَنْ تُدْرِكَنِي، فَإِيَّاكُمْ وَضَغَائِنَ مَجْبُولَةً وَأَهْوَاءً مُتَّبَعَةً وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَإِنَّ فِيهِ نُورًا وَشِفَاءً، فَقَدْ قَضَيْتُ الَّذِي عَلَيَّ فِيمَا وَلانِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أُمُورِكُمْ/ وَوَعَظْتُكُمْ نُصْحًا لَكُمْ، وَقَدْ أَمَرْنَا لَكُمْ بِأَرْزَاقِكُمْ، فَلا حُجَّةَ لَكُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بَلِ الْحُجَّةُ لَهُ عَلَيْكُمْ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتِغْفُر اللَّهَ لِي وَلَكُمْ
. وفي هذه السنة حمى عمر رضي الله عنه الربذة لخيل المسلمين، وقيل: في سنة ست عشرة.
وفيها اتخذ عمر دار الدقيق، فجعل فيها الدقيق والسويق والتمر والزيت، وما يحتاج إليه المنقطع والضعيف الذين ينزلون بعمر، ووضع عمر في طريق السبيل ما بين مكة والمدينة ما يصلح لمن ينقطع به ويحمل من ماء إلى ماء.
ومن الحوادث في هذه السنة أن عمر رضي الله عنه كتب التاريخ
وذلك في سنة خمس من ولايته، وسنذكر سبب ذلك.
قال الشعبي: لما هبط آدم من الجنة، وانتظر ولده أرخ بنو آدم من هبوط آدم،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من حياة الصحابة 3/ 327.(4/226)
فكان التأريخ حتى بعث الله نوحا، فأرخوا من مبعث نوح حتى كان الغرق، وكان التاريخ من الطوفان إلى نار إبراهيم، فلما كثر ولد إسماعيل افترقوا، فأرخ بنو إسحاق من نار إِبْرَاهيم إلى مبعث يوسف، ومن مبعث يوسف إلى مبعث موسى، ومن مبعث موسى إلى ملك سليمان، ومن ملك سليمان إلى مبعث عيسى، ومن مبعث عيسى إلى أن بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وعليهم أجمعين.
وأرخ بنو إسماعيل من نار إبراهيم إلى بناء البيت، ومن بناء البيت حتى تفرقت معد، وكانت للعرب أيام وأعلام يعدونها، ثم أرخوا من موت كعب بن لؤي إلى الفيل، وكان التأريخ من الفيل حتى أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة.
وإنما أرخ عمر بعد سبع عشرة من مهاجرة رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وذلك أن أبا موسى الأشعري كتب إِلى عمر: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ. قال: فجمع عمر الناس للمشورة، فقال بعضهم: أرخ لمبعث/ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وقال بعضهم: أرخ لمهاجر رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فقال عمر: لا بل نؤرخ لمهاجر رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فإن مهاجره فرق بين الحق والباطل.
وقال ميمون بن مهران: رفع إلى عمر صك محله في شعبان، فقال عمر: أي شعبان؟ الذي هو آت أو الذي نحن فيه؟ قال: ثم قال لأصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: ضعوا للناس شيئا يعرفونه، فقال بعضهم: اكتبوا على تاريخ الروم، فقيل: إنهم يكتبون من عهد ذي القرنين، فهذا يطول. وقال بعضهم: اكتبوا على تاريخ الفرس، فقيل: إن الفرس كلما قام ملك طرح ما كان قبله، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بالمدينة، فوجدوا عشر سنين، فكتب التاريخ من هجرة رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ.
وقال ابن سيرين: قام رجل إلى عمر فقال: أرخوا، فقال عمر: ما أرخوا؟ قال:
شيء تفعله الأعاجم، يكتبون في شهر كذا من سنة كذا، قال عمر: حسن فأرخوا، فقال: من أي السنين نبدأ؟ فقالوا: من مبعثه، وقالوا: من وفاته، ثم أجمعوا على الهجرة، ثم قال: فبأي الشهور نبدأ، فقالوا: من رمضان، ثم قالوا: المحرم فإنه منصرف الناس من حجهم، وهو شهر حرام، فأجمعوا عَلَى المحرم.(4/227)
وقال سعيد بن المسيب [1] : جمع عمر الناس فسألهم فقال: من أي يوم نكتب؟
فقال علي رضي الله عَنْهُ: من يوم هاجر رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وترك أرض الشرك. ففعله عمر رضي الله عنه.
وقال عثمان رضي الله عنه: أرخوا المحرم أول السنة.
قال مؤلف الكتاب [2] : فقد قدموا التأريخ شهرين وبعض الآخر، لأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول.
وقد قيل: إنما كتب عمر التاريخ في سنة ست عشرة.
وقال/ قدامة بن جعفر الكاتب: تاريخ كل شيء آخره، وهو في الوقت غايته والموضع الّذي انتهى إليه، يقال: فلان تاريخ قومه، أي إليه انتهى شرفهم. ويقال:
ورخت الكتاب توريخا، وأرخته تأريخا، اللغة الأولى لتميم، والأخرى لقيس، ولكل مملكة وأهل ملة تأريخ، وقد كان الروم أرخوا على حسب ما وقع من الأحداث إلى أن استقر تأريخهم على وفاة ذي القرنين، وكانت الفرس تؤرخ بأعدل ملك لها إلى أن استقر تأريخها على هلاك يزدجرد الذي كان آخر ملوكهم، وكانت العرب تؤرخ بتفرق ولد إسماعيل وخروجهم عن مكة، ثم أرخوا بعام الغدرة، وقال: إن ملكا من ملوك حمير وجه إلى الكعبة بكسوة وطيب، فاعترض قوم من بني يربوع بن حنظلة الرسل فقتلوهم، فانتهبوا ذلك، وكانوا لا يفعلون ذلك في الأشهر الحرم، فسمي عام الغدرة. ثم أرخوا بعام الفيل، وكان في اليوم الثاني عشر من شباط سنة ثمانمائة واثنين وثمانين لذي القرنين، ثم أرخ بسني الهجرة، ابتدأ بذلك عمر بن الخطاب.
والتواريخ العربية إنما هي على الليالي، وسائر تواريخ الأمم على الأيام لأن سنيهم تجري على أمر الشمس، وهي نهارية، وسنو العرب يعمل فيها على القمر، وابتداء رؤيتنا له الليل، فيقال في أول ليلة مستهل، ولا يقال ذلك في النهار، ويقال في آخر الشهر يوم كذا: انسلاخ شهر كذا، لأن الشهر يبتدئ بابتداء الليل وينقضي بانقضاء
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 39.
[2] في الأصل: «قلت» .(4/228)
النهار، وما قبل الخامس عشر يعرف بالليالي المواضي، وإذا كان بعده عرف بالليالي البواقي
. ومن الحوادث في هذه السنة/ أن عمر عزل سعد بن أبي وقاص عن الكوفة
لأن قوما من بني أسد من أهل الكوفة تكلموا على سعد وقالوا: اعفنا منه، فبعث عمر من يسأل أهل الكوفة عنه، فقالوا: لا نعلم عنه إلا خيرا، وسكت قوم فلم ينطقوا بشيء. وقال رَجُل يقال له أسامة: إنه لا يقسم بالسوية.
وقيل: إنما عزله في سنة عشرين، وقيل: بل في سنة اثنتين وعشرين، فعزله وأمر أبا موسى الأشعري، فشكوا منه، فصرفه إلى البصرة، وأمر عليهم المغيرة.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا الْفَرْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ] [1] ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، [عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ] [2] ، قَالَ:
شَكَى أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ فَقَالُوا: لا يُحْسِنُ أَنْ يُصَلِّي، فَذكر عُمَرُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَمَّا صلاة رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فَقَدْ كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ أَرْكُدُ فِي الأَوَّلَتَيْنِ وَأَحْذِفُ فِي الآخِرَتَيْنِ، فَقَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ، فَأَرْسِلْ مَعَهُ رَجُلا- أَوْ رِجَالا- يَسْأَلُ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَدَعْ مسجد إِلا سَأَلَ عَنْهُ وَيَقْنُونَ عَنْهُ مَعْرُوفًا حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ، فَقَالَ: أَمَّا إِذَ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لا يَسِيرُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلا يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ، فَقَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ لأَدْعُوَنَّ بِثَلاثٍ: اللَّهمّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَأَطِلْ عُمْرَهُ وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ لِلْفِتَنِ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أُسَامَةُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الْكِبَرِ] ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطريق يغمزهن.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى عبد الأول بإسناده عن عبد الملك بن عمير، قال شكى» .
[2] ما بين المعقوفتين: من البخاري.(4/229)
وفي هذه السنة حج بالناس عمر، واستخلف على المدينة زيد بن ثابت، وكان عامله في هذه السنة على مكة عتاب بن السائب، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص، وعلى اليمن يعلى بن منبه، وعلى اليمامة/ والبحرين العلاء بن الحضرمي، وعلى عمان حذيفة بن محصن، وعلى الشام كلها أبو عبيدة بن الجراح، وعلى الكوفة سعد بن أبي وقاص، فلما عزله عمر قيل له: من خليفتك يا سعد على الكوفة، فقال: عبد الله بن عبد الله بن عتبان.
وفي هذه السنة [عزل خالد بن الوليد] [1]
خرج خالد بن الوليد وعياض بن غنم فسارا في دروب المشركين فأصابا أموالا عظيمة، فلما قفل خالد [2] انتجعه الأشعث بن قيس فأجازه بعشرة آلاف، وكان عمر لا يخفى عليه من عماله شيء، فكتب إليه بما يجري، فدعا البريد وكتب معه إلى أبي عبيدة أن يقيم خالدا ويعقله بعمامته، وينزع عنه قلنسوته حتى يعلمكم من أين إجازة الأشعث، أمن ماله، أم من إصابة أصابها؟ فإن زعم أنها من إصابة أصابها فقد باء بجناية، [وإن زعم أنها من ماله فقد أسرف] ، فاعزله على كل حال.
فكتب أبو عبيدة إلى خالد فقدم عليه، فجمع له أناس وجلس [لهم] على المنبر، وتكلم البريد فقال: [يا خالد، أمن مالك أجزت بعشرة آلاف أم من إصابة؟ فلم يجبه حتى أكثر عليه، فقام بلال فقال] [3] : إن أمير المؤمنين أمر فيك بكذا، وتناول عمامته فنفضها، ووضع قلنسوته ثُمَّ عقله بعمامته، وقال: ما تقول، أمن مالك أم من إصابة؟، قال: لا بل من مالي، فأطلقه وأعاد قلنسوته ثم عممه بيده.
فخرج خالد حتى قدم على عمر، فقال عمر: من أين هذا الثراء؟ قال: من الأنفال
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 66.
[2] في الأصل: «فلما فصل» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردنا من أ، والطبري.(4/230)
والسهمان، فقال عمر: لا تغلبني بعد اليوم، وكتب عمر إلى الأمصار: إني لم أعزل خالدا عن سخطة ولا عن خيانة، ولكن الناس قد فتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه، فأحببت أن يعلموا أن الله عز وجل هو الصانع
. [ذكر تجديد المسجد الحرام والتوسعة فيه]
[1] وفي هذه السنة اعتمر عمر وخلف على المدينة زيد بن ثابت، وبنى المسجد الحرام/ ووسع فيه، وأقام بمكة عشرين ليلة، وتزوج في مكة ابنة حفص بن المغيرة، فأخبر أنها عاقر فطلقها قبل أن يدخل بها فرجعت إلى زوجها الأول.
وفي هذه العمرة: أمر بتجديد أنصاب الحرم، وأمر بذلك مخرمة بن نوفل، وأزهر بن [عبد] عوف، وحويطب بن عبد العزى، وسعيد بن يربوع.
ومر عمر في طريقه فكلمه أهل المياه أن يبتنوا منازل بين مكة والمدينة، فأذن لهم وشرط عليهم أن ابن السبيل أحق بالظل والماء.
[عزل المغيرة عن البصرة، وولاية أبي موسى الأشعري]
[2] وفي هذه السنة ولى عمر أبا موسى الأشعري البصرة، وأمره أن يشخص إليه المغيرة لأجل الحدث الذي قيل عَنْهُ.
قال علماء السير: كان المغيرة يختلف إلى أم جميل- امرأة من بني هلال- وليس لها زوج، فأعظم ذلك أهل البصرة، فدخل عليها يوما وقد وضعوا له الرصد، فكشفوا الستر فرأوه قد واقعها، فركب أبو بكرة إلى عمر رضي الله عنه، فقص عليه القصة، وكان معه نافع بن كلدة، وزياد، وشبل بن معبد، وهم الذين شهدوا على المغيرة.
فقال المغيرة: هؤلاء الأعبد كيف رأوني؟ إن كان استقبلوني فكيف لم أستتر، أو
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 68.
[2] تاريخ الطبري 4/ 69.(4/231)
استدبروني فبأي شيء استحلوا النظر إلي في منزلي على امرأتي، والله ما أتيت إلا امرأتي- وكانت تشبهها- فشهد أبو بكرة أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة، وشهد شبل مثل ذلك، وشهد نافع مثل ذلك، ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم، وإنما قال: رأيته جالسا بين رجلي امرأة، ورأيت قدمين مخضوبتين تخفقان، واستين مكشوفين، وسمعت حفزانا شديدا، فقال له: هل رأيت كالميل في المكحلة؟
قال/: لا، قال: فهل تعرف المرأة؟ قَالَ: لا، ولكن أشبهها، قال: فتنح، وأمر بالثلاثة فجلدوا الحد. وقرأ: فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ الله هُمُ الْكاذِبُونَ 24: 13 [1] .
وقد قيل إن هذا كان في سنة خمس عشرة.
قال مؤلف الكتاب: من الجائز أن يكون قد تزوجها ولم يعلم أحدا، وقد كانت تشبه زوجته.
قال ابن عقيل: للفقهاء تأويلات، فقد كانت المتعة عقدا في الشرع، وكان نكاح السر عند قوم زنا، ولا يجوز أن ينسب إلى الصحابي ما لا يجوز لأنه جهل بمقدار الضرر في ذلك
. وفيها فتحت سوق الأهواز ومناذر ونهر تيري
وبعضهم يقول: إنما كان ذلك في سنة ست عشرة
. وفيها فتحت تستر
وبعضهم يقول: في سنة تسع عشرة
وفيها كان فتح رامهرمز والسوس وفيها أسر الهرمزان
[أخبرنا محمد بن الحسين، وإسماعيل، قالا: أخبرنا ابن النقور، قال: أخبرنا
__________
[1] سورة: النور، الآية: 33.(4/232)
المخلص، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه، قَالَ: حدثنا شعيب، قال: حدثنا سيف] [1] ، عن مُحَمَّدٍ، وَطَلْحَةَ، وَالْمُهَلَّبِ، وَعَمْرٍو، قَالُوا [2] :
لَمْ يَزَلْ يَزْدَجِرْدَ يُثِيرُ أَهْلَ فَارِسَ أَسَفًا عَلَى مَا خَرَجَ مِنْهُمْ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ وَهُوَ بِمَرْوَ وَيُذَكِّرُهُمُ الأَحْفَادَ وَيُؤَنِّبُهُمْ، أَنْ قَدْ رَضِيتُمْ يَا أَهْلَ فَارِسَ أَنْ قَدْ غَلَبَتْكُمُ الْعَرَبُ عَلَى السَّوَادِ وَمَا وَالاهُ وَالأَهْوَازِ. ثُمَّ لَمْ يَرْضَوْا بِذَلِكَ حَتَّى يُورِدُوكُمْ فِي بِلادِكُمْ وَعُقْرِ دَارِكُمْ، فَتَحَرَّكُوا، وَتَكَاتَبَ أَهْلُ فَارِسَ وَأَهْلُ الأَهْوَازِ وَتَعَاهَدُوا وَتَوَاثَقُوا عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَكُتِبَ إِلَى عُمَرَ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى سَعْدٍ: أَنِ ابْعَثْ إِلَى الأَهْوَازِ بَعْثًا كَثِيفًا مَعَ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ، وَعَجِّلْ وَابْعَثْ مَعَهُ سُوَيْدَ بْنَ مُقَرِّنٍ، وَجَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَلْيَنْزِلُوا بِإِزَاءِ الْهُرْمُزَانِ حَتَّى يَتَبَيَّنُوا [3] أَمْرَهُ. وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى: أَنِ ابْعَثْ/ إِلَى الأَهْوَازِ جُنْدًا كَثِيفًا، وَأَمِّرْ عَلَيْهِمْ سَهْلَ بْنَ عَدِيٍّ، وَابْعَثْ مَعَهُ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ فِي جَمَاعَةٍ سَمَّاهُمْ، وَعَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ جَمِيعًا أَبَا سَبْرَةَ بْنَ أَبِي رُهْمٍ، فَكُلُّ مَنْ أَتَاهُ فَمَدِّدْ لَهُ.
وَخَرَجَ النعمان بن مقران فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَأَخَذَ وَاسِطَ السَّوَادِ حَتَّى قَطَعَ دِجْلَةَ بِحِيَالِ مَيْسَانَ، ثُمَّ أَخَذَ الْبَرَّ إلى الأهواز، فانتهى إلى نهر تيري فَجَازَهَا، ثُمَّ جَازَ مَنَاذِرَ، ثُمَّ جَازَ سُوقَ الأَهْوَازِ، ثُمَّ سَارَ نَحْوَ الْهُرْمُزَانِ- وَالْهُرْمُزَانُ يَوْمَئِذٍ بِرَامَهُرْمُزَ- وَلَمَّا سَمِعَ الْهُرْمُزَانُ بِمَسِيرِ النُّعْمَانِ إِلَيْهِ بادره، فالتقيا فَاقْتَتَلا قِتَالا شَدِيدًا، ثُمَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هَزَمَ الْهُرْمُزَانَ فَلَحِقَ بِتُسْتَرَ. وَسَارَ النُّعْمَانُ حَتَّى نَزَلَ بِرَامَهُرْمُزَ، وَكَانَ الْهُرْمُزَانُ قَدْ صَالَحَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ نَكَثَ، فَحَاصَرَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأَكْثَرُوا فِيهِمُ الْقَتْلَ. وقتل البراء بن مالك فيما بين أول ذَلِكَ الْحِصَارِ إِلَى أَنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِائَةَ مُبَارَزَةٍ، وَزَاحَفَهُمُ الْمُسْلِمُونَ [4] فِي أَيَّامِ تُسْتَرَ ثَمَانِينَ مَرَّةً فِي حِصَارِهِمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ زَحْفٍ مِنْهَا وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، قَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا بَرَاءُ، أَقْسِمْ عَلَى رَبِّكَ لَيَهْزِمَنَّهُمْ لَنَا، فَقَالَ: اللَّهمّ اهْزِمْهُمْ لَنَا وَاسْتَشْهِدْنِي، فَهَزَمُوهُمْ حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ فِي خَنَادِقِهِمْ، ثُمَّ اقْتَحَمُوهَا عَلَيْهِمْ، وَأَرَزُوا إِلَى مَدِينَتِهِمْ وَأَحَاَطُوا بِهَا. فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ خَرَجَ إِلَى النُّعْمَانِ رَجُلٌ فاستأمنه على أن يدله
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده، عن محمد» .
[2] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 83.
[3] في الأصل: «يلتئثوا» .
[4] في الطبري 4/ 85: «وزاحفهم المشركون» .(4/233)
عَلَى مَدْخَلٍ يُؤْتُونَ مِنْهُ، فَآمَنَهُ فَدَلَّهُمْ، فَأَقْبَلَوُا إلى ذلك المكان، فأناموا كلّ مقاتل، وأرزأوا الْهُرْمُزَانَ إِلَى الْقَلْعَةِ، وَأَطَافُوا بِهِ، فَقَالَ: مَعِي مِائَةُ نُشَّابَةٍ، وَاللَّهِ لا تَصِلُونَ إِلَيَّ مَا دَامَتْ مَعِي مِنْهَا وَاحِدَةٌ، قَالُوا: تُرِيدُ مَاذَا، قَالَ: أَنْ أَضَعَ يَدِي فِي أَيْدِيكُمْ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ يَصْنَعُ بِي مَا يَشَاءُ، قَالُوا: فلك ذلك، فرمى قوسه فأكنهم مِنْ نَفْسِهِ، فَشَدُّوهُ وَثَاقًا، وَاقْتَسَمُوا مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ سَهْمُ الْفَارِسِ فِيهَا ثَلاثَةَ آلافٍ، وَالرَّاجِلُ أَلْفًا.
وَخَرَجَ مِنْ تُسْتَرَ فَلٌّ/ فَقَصَدُوا السُّوسَ، فَاتَّبَعَهُمْ أَبُو سَبْرَةَ، وَخَرَجَ مَعَهُ بِالنُّعْمَانِ وَأَبِي مُوسَى وَالْهُرْمُزَانِ، فَلَمَّا أَحَاطُوا بِهِ كَتَبُوا بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، وَوَفَّدَ أَبُو سَبْرَةَ ووفدا إِلَى عُمَرَ فِيهِمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَالأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، وَأَرْسَلَ الْهُرْمُزَانَ مَعَهُمْ، فَلَمَّا دَخَلُوا الْمَدِينَةَ هَيَّئُوا الْهُرْمُزَانَ فِي هَيْئَتِهِ، فَأَلْبَسُوهُ كُسْوَتَهُ، وَوَضَعُوا عَلَى رَأْسِهِ التَّاجَ، فَوَجَدُوا عُمَرَ نَائِمًا فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ الْهُرْمُزَانُ: أَيْنَ عُمَرُ؟ قَالُوا: هَا هُوَ ذَا، قَالَ: أَيْنَ حُرَّاسُهُ وَحُجَّابُهُ، قَالُوا: لَيْسَ لَهُ حَارِسٌ وَلا حَاجِبٌ، قَالَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا، قَالُوا: بَلْ يَعْمَلُ عَمَلَ الأَنْبِيَاءِ.
وَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ، فَقَالَ: الْهُرْمُزَانُ، قَالُوا: نَعَمْ هَذَا مَلِكُ الأَهْوَازِ فَكَلِّمْهُ، فَقَالَ: لا حَتَّى لا يَبْقَى مِنْ حُلِيِّهِ شَيْءٌ، فَرَمَوْا مَا عَلَيْهِ وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبًا صَفِيقًا، فَقَالَ عُمَرُ: يَا هُرْمُزَانُ كَيْفَ رَأَيْتَ وَبَالَ الْغَدْرِ؟ فَقَالَ: يَا عُمَرُ، إِنَّا وَإِيَّاكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ اللَّهُ قَدْ خَلَّى بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، فَغَلَبْنَاكُمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَنَا وَلا مَعَكُمْ، فَلَمَّا كَانَ مَعَكُمْ غَلَبْتُمُونَا. فَقَالَ عُمَرُ: مَا عُذْرُكَ [وَمَا حُجَّتُكَ] [1] فِي انْتِقَاضِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ؟ فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ تَقْتُلَنِي قَبْلَ أَنْ أُخْبِرَكَ، قَالَ: لا تَخَفْ ذَلِكَ، وَاسْتَسْقَى مَاءً فَأُتِيَ به في قدح غليظ، فقال: لومت عَطَشًا لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَشْرَبَ فِي هَذَا، فَأُتِيَ بِهِ فِي إِنَاءٍ يَرْضَاهُ، فَجَعَلَتْ يَدُهُ تَرْعَدُ، وَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ أُقْتَلَ وَأَنَا أَشْرَبُ الْمَاءَ، فَقَالَ عُمَرُ: لا بَأْسَ عَلَيْكَ حَتَّى تَشْرَبَهُ، فَأَكْفَأَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَعِيدُوا عَلَيْهِ، وَلا تَجْمَعُوا عَلَيْهِ الْقَتْلَ وَالْعَطَشَ، فَقَالَ: لا حَاجَةَ لِي فِي الْمَاءِ، إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أُسْتَأْمَنَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنِّي قَاتِلُكَ، قال: قد آمنتني، قال: كذبت، فقال:
أَنَسٌ: صَدَقَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ آمَنْتَهُ، قَالَ: وَيْحَكَ يَا أَنَسُ، أَنَا أُؤْمِنُ قَاتِلَ مَجْزَأَةَ بْنِ ثَوْرٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ، وَاللَّهِ لَتَأْتِيَنَّ بِمَخْرَجٍ أَوْ لأُعَاقِبَنَّكَ، قَالَ: قُلْتَ لَهُ: لا بأس عليك
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ظ، أ.(4/234)
حَتَّى تُخْبِرَنِي، وَقُلْتَ: لا بَأْسَ عَلَيْكَ حَتَّى تَشْرَبَهُ، وَقَالَ لَهُ مَنْ حَوْلَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عَلَى الْهُرْمُزَانِ، وَقَالَ/: تَخْدَعُنِي، وَاللَّهِ لا أَنْخَدِعُ إِلا أَنْ تُسْلِمَ فَأَسْلَمَ. فَفَرَضَ لَهُ عَلَى ألْفَيْنِ، وَأَنْزَلَهُ الْمَدِينَةَ.
فصل
وقال الأحنف لعمر [1] : يا أمير المؤمنين إنك نهيتنا عن الانسياح في البلاد، وأمرتنا بالاقتصار على ما في أيدينا، وإن ملك فارس حي بين أظهرهم، وإنهم لا يزالون يساجلوننا [2] ما دام ملكهم فيهم، ولم يجتمع ملكان فاتفقا حتى يخرج أحدهما صاحبه، وإن ملكهم هو الّذي يبعثهم، فلا يزال هذا دأبهم حتى تأذن لنا فنسيح في بلادهم حتى نزيله عن فارس، ونخرجه من مملكته، ونقتله أو نلجئه إلى غير مملكته، وغير أمته، فهنالك ينقطع رجاء أهل فارس، فقال: صدقتني والله وشرحت لي الأمر. ثم نظر في حوائجهم وسرحهم.
وقدم على عمر الكتاب باجتماع أهل نهاوند
. [ذكر فتح السوس]
[3] وأقام [4] أبو سبرة على السوس يحاصرهم، فأشرف عليهم الرهبان، فقالوا: يا معشر العرب، إن مما عهد إلينا علماؤنا أنه لا يفتح السوس إلا الدجال أو قوم معهم الدجال، وكان ابن صياد مع المسلمين، فأتى باب السوس فدفعه برجله، وقال: انفتح، فتقطعت السلاسل وتفتحت الأبواب، ودخل المسلمون، فألقى المشركون بأيديهم، وقالوا: الصلح الصلح، فأجابوهم واقتسموا ما أصابوا قبل الصلح، ثم افترقوا.
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 89.
[2] الأصل، وابن حبيش: «يساحلونا» ، وابن الأثير والنويري: «يقاتلوننا» وما أوردناه من أ، والطبري، وظ.
[3] تاريخ الطبري 4/ 89.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 91.(4/235)
وقيل لأبي سبرة [1] : هذا جسد دانيال عليه السلام في هذه المدينة، قال: وما علمي به، وكان دانيال قد مات بالسوس، [وكانوا يستسقون بجسده، فلما ولى أبو سبرة إلى جنديسابور أقام أَبُو موسى بالسوس] [2] ، وكتب إلى عمر رضي الله عنه في أمر دانيال عليه السلام، فكتب إليه يأمره أن يواريه، فكفنه ودفنه المسلمون. وكتب أبو موسى إلى عمر بأنه كان عليه خاتم فهو عندنا، فكتب إليه أن تختمه، وفي فصه نقش رجل بين أسدين.
ولما ذهب أبو سبرة إلى جنديسابور، أقام إلى أن رمى إليهم بالأمان من عسكر المسلمين، ففتحوا الأبواب، وخرج السرح، فقال المسلمون: ما لكم؟ قالوا: رميتم إلينا بالسلام فقبلناه، وأقررنا لكم [3] / بالجزية، قالوا: ما فعلنا. فسأل المسلمون فيما بينهم، فإذا عبد يدعى مكنفا كان أصله منها، هو الذي كتب لهم. فقالوا: إنما هو عبد، وكتبوا بذلك إلى عمر، فأجاز ذلك وانصرفوا عنهم
. فصل
ثم أن عمر رضي الله عنه أذن في الانسياح في بلاد فارس في هذه السنة، وانتهى في ذلك إِلى رأي الأحنف بن قيس الذي قدمنا ذكره، فأمر الأمراء وبعث إليهم الألوية ليخرجوا إِلى الكور، فلم يستتب مسيرهم حتى دخلت سنة ثمان عشرة، وأمدهم عمر، وكان يزدجرد بن شهريار بن كسرى وهو يومئذ ملك أهل فارس لما انهزم أهل جلولاء خرج يريد الري، ثم خرج إِلى أصبهان، ثم إلى خرسان، فنزول مرو، وبنى للنار بيتا، واتخذ بستانا، وبنى فرسخين من مرو إلى البستان، واطمأن في نفسه، وأمن أن يؤتى، وكاتب من بقي من الأعاجم مما لم يفتحه المسلمون، فدانوا له.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 92.
[2] ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
[3] في الأصل: «أقررناكم» .(4/236)
وفي هذه السنة تزوج عمر رضي الله عنه أم كلثوم بنت علي رضي الله عنه [1]
وهي ابنة فاطمة رضي الله عنها، وكان قد خطبها إلى علي، فقال: يا أمير المؤمنين إنها صبية، فقال: إنك والله ما بك ذلك، ولكن قد علمنا ما بك فأمر علي بها فصنعت، ثم أمر ببرد فطواه، ثم قال: انطلقي بهذا إلى أمير المؤمنين فقولي: أرسلني أبي إليك وهو يقرئك السلام ويقول إن رضيت البرد فأمسكه، وإن سخطته فرده، فلما أتت عمر قال: بارك الله فيك وفي أبيك قد رضينا. قالت: فرجعت إلى أبيها، فقالت: ما نشر البرد وما نظر إلا إلي، فزوجها إياه، ولم تكن قد بلغت، فدخل بها في ذي القعدة، ثم ولدت له زيدا.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَيْلانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ كزالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ] [2] ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله، قَالَ:
تَزَوَّجَ عُمَرُ/ بْنُ الْخَطَّابِ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
[أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بِإِسْنَادِهِ] [3] عَنِ الزُّبَيْرِ بِنْ بَكَّارٍ، قَالَ:
كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ أُمَّ كُلْثُومٍ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ [عَلِيٌّ] : إِنَّها صَغِيرَةٌ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: زَوِّجْنِيهَا يَا أَبَا الْحَسَنِ، فَإنِّي أَرْصُدُ مِنْ كَرَامَتِهَا مَا لا يَرْصُدُ أَحَدٌ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَنَا أَبْعَثُهَا إِلَيْكَ، فَإِنْ رَضِيتَهَا زَوِّجْتَكَهَا، فَبَعَثَهَا إِلَيْهِ بِبُرْدٍ، وَقَالَ لَهَا: قُولِي لَهُ: هَذَا الْبُرْدُ الَّذِي قُلْتُ لَكَ، فَقَالَتْ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَقَالَ: قُولِي قَدْ رَضِيتُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكِ، وَضَعَ يَدَهُ عَلَى سَاقِهَا وَكَشَفَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: أَتَفْعَلُ هَذَا، لَوْلا أَنَّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَكَسَرْتُ أَنْفَكَ، ثُمَّ خَرَجَتْ حَتَّى جَاءَتْ أَبَاهَا، فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ وَقَالَتْ: بَعَثْتَنِي إِلَى شَيْخِ سُوءٍ، فَقَالَ: مَهْلا يَا بُنَيَّةَ، فَإِنَّهُ زَوْجُكِ، فَجَاءَ عُمَرُ بن الخطاب إلى مجلس
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 69.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن جابر بن عبد الله» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الزبير» .(4/237)
الْمُهَاجِرِينَ فِي الرَّوْضَةِ، وَكَانَ يَجْلِسُ فِيهِ الْمُهَاجِرُونَ الأولون، فجلس إليهم، فقال لهم: رفئوني، فَقَالُوا: لِمَاذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، سمعت رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: كُلُّ نَسَبٍ وَسَبَبٍ وَصِهْرٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا نَسَبِي وَسَبَبِي وَصِهْرِي، فَكَانَ لِي بِهِ السَّبَبُ وَالنَّسَبُ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ إِلَيْهِ الصهر، فرفئوه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
190- البراء بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام:
أمه أم سليم بنت ملحان، وهو أخو أنس لأبويه، شهد أحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وكان شجاعا ذا نكاية في الحروب، وكان عمر يكتب: لا تستعملوا البراء على جيش من جيوش/ المسلمين، إنه مهلكه، يقدم بهم، وإنه ركب فرسه يوم اليمامة، وقال: يا أيها الناس، إنها والله الجنة وما إلى المدينة [من] [1] سبيل، فمضغ فرسه مضغات [2] ، ثم كبس وكبس الناس معه، فهزم الله المشركين، وكانت في مدينتهم ثلمة.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا البرمكي، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا ابن الفهم، أخبرنا محمد بن سعد، قال: حدثنا حجاج بن محمد، قال: أخبرنا السري بن يَحْيَى] [3] ، عن محمد بن سيرين:
أن المسلمين انتهوا إلى حائط قد أغلق بابه فيه رجال من المشركين، فقعد البراء بن مالك على ترس وقال: ارفعوني برماحكم فالقوني إليهم، ففعلوا فأدركوه وقد قتل منهم خمسة عشر [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: وأوردناه من أ.
[2] في الأصل: وفي أبدون نقط.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن سيرين.
[4] في أ، «قتل منهم عشرة» .(4/238)
[أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ ابْنُ عَلِيٍّ الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أحمد بن علي الطرثيثي، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الطَّبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَزِيزٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلامَةُ بْنُ رَوْحٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ] [1] ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ:
«كَمْ مِنْ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ ذِي طِمْرَيْنِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ» . وأن البراء لقي زحفا من المشركين وقد أوجف المشركون في المسلمين، فقالوا: يا براء إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قال إنك لو أقسمت على الله لأبرك، فاقسم على ربك، فقال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم، فمنحوا أكتافهم. ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجفوا في المسلمين، فقالوا: اقسم يا براء على ربك، [فقال: أقسمت عليك يا ربي] [2] لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فمنحوا أكتافهم، وقتل شهيدا.
قال مؤلف الكتاب: قد ذكرنا آنفا أنه قتل يوم تستر
. 191-[حدير: [3]
جاء في الحديث أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قسم في بعض الأيام قسما ونسي حديرا، فنزل جبريل فقال: يا محمد نسيت حديرا، فأرسل النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ في طلبه، قال الذي ذهب في طلبه: فأدركته وهو يقول: سبحان الله، والحمد للَّه ولا إله إلا الله والله أكبر، فقلت: يا هذا ارجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فقد عوتب فيك، فقال: يا من لم تنس حديرا اجعل حديرا لا ينساك.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَك بْن عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الأَزَجِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الساجي، حدّثنا عبد العزيز بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أنس بن مالك» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل: وأوردناه من أ.
[3] هذه الترجمة من أ، وفي الأصل: «بعده حدير حكايته في صفة الصفوة» . وترجمته في حلية الأولياء 6/ 100.(4/239)
جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْجَلالُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَطَاءِ بْنِ مُسْلِمٍ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رُوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بَعَثَ جَيْشًا فِيهِمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ حُدْيَرٌ، وَكَانَتْ تِلْكَ السَّنَةُ قَدْ أَصَابَتْهُمْ شِدَّةٌ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ، فَزَوَّدَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَنَسِيَ أَنْ يُزَوِّدَ حُدَيْرًا، فَخَرَجَ حُدَيْرٌ صابرا محتسبا وَهُوَ فِي آخِرِ الرَّكْبِ يَقُولُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه، وَيَقُولُ: نِعْمَ الزَّادُ هُوَ يَا رَبُّ، فَهُوَ يُرَدِّدُهَا وَهُوَ في آخر الركب.
قالَ: فَجَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّ رِبِّي أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ يُخْبِرُكَ أَنَّكَ زَوَّدْتَ أَصْحَابَكَ وَنَسِيتَ أَنْ تُزَوِّدَ حُدَيْرًا، وَهُوَ فِي آخِرِ الرَّكْبِ يَقُولُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَالْحَمْدُ للَّه، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، وَيَقُولُ: نِعْمَ الزَّادُ هُوَ يَا رَبُّ. قَالَ: وَكَلامُهُ ذَلِكَ لَهُ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَابْعَثْ إِلَيْهِ بِزَادٍ، فدعا النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ رَجُلا فَدَفَعَ إِلَيْهِ الزَّادَ، حَفِظَ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ، وَيَقُولُ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم يقرئك السَّلامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ، وَيُخْبِرُكَ أَنَّهُ كَانَ نَسِيَ أَنْ يُزَوِّدَكَ، وَإِنَّ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَرْسَلَ إِلَيَّ جِبْرِيلَ يُذَكِّرُنِي بِكَ، فَذَكَّرَهُ جِبْرِيلُ وَأَعْلَمَهُ مَكَانَكَ. قَالَ: فَانْتَهَى إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَالْحَمْدُ للَّه، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، وَيَقُولُ: نِعْمَ الزَّادُ هَذَا يَا رَبُّ. قَالَ: فَدَنَا مِنْهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يقرئك السَّلامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ، وَقَدْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ بِزَادٍ ويقول: إنما نَسِيتُكَ فَأُرْسِلَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ مِنَ السَّمَاءِ يُذَكِّرُنِي بِكَ.
قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى على النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ للَّه رَبُّ الْعَالَمِينَ ذكرني ربي من فوق سبع سماوات وَفَوْقَ عَرْشِهِ وَرَحِمَ جُوعِي وَضَعْفِي، يَا رَبُّ كَمَا لَمْ تَنْسَ حُدَيْرًا فَاجْعَلْ حُدَيْرًا لا يَنْسَاكَ. قَالَ: فَحَفِظَ مَا قَالَ فَرَجَعَ إِلَى النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا سَمِعَ مِنْهُ حِينَ أَتَاهُ، وَبِمَا قَالَ حِينَ أَخْبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّكَ لَوْ رَفَعْتَ رَأْسَكَ إِلَى السَّمَاءِ لَرَأَيْتَ لِكَلامِهِ نُورًا سَاطِعًا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ»
. 192- الحباب بن المنذر بن الجموح [1] [بن زيد بن حرام، أبو عمرو] [2] :
وهو الذي أشار على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يوم بدر بالمكان الذي نزل فيه، فقال جبريل:
__________
[1] في أ: «المنذر بن الحمق» .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 109.(4/240)
الرأي ما أشار به الحباب، وشهد بدرا وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يوم أحد، وبايعه على الموت، / وشهد المشاهد كلها معه، وهو القائل يوم السقيفة: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكِّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجِّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ ومنكم أمير
. 193- ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، أبو أروى [1] :
وكان من أولاده صبي استرضع له في هذيل فقتله بنو ليث بن بكر في حرب كانت بينهم، وكان حينئذ يحبو أمام البيوت، فرموه بحجر فرضخ رأسه، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح، ألا إن كل دم في الجاهلية فهو تحت قدمي، وأول دم أضعه دم [ابن] [2] ربيعة بن الحارث» . وقد اختلفوا في اسم هذا الصبي، فقال بعضهم: تمام، وقال بعضهم: إياس، وقال بعضهم: آدم، وكان غلط من هؤلاء لأنهم رأوا في الكتاب دم ابن ربيعة، فزادوا ألفا.
وكان ربيعة أسن من عمه العباس بسنتين. ولما خرج المشركون إلى بدر كان ربيعة غائبا بالشام، فلم يشهدها معهم، فلما خرج العباس ونوفل إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ سبقهما ربيعة بن الحارث إلى الأبواء، ثم أراد الرجوع إلى مكة، فقالا: أين ترجع؟ إلى دار الشرك يقاتلون رَسُول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ويكذبونه، وقد عز وكثرت أصحابه [3] ، ارجع. فرجع معهما حتى قدموا على رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مسلمين، فشهد ربيعة مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فتح مكة والطائف وحنين، وثبت معه يومئذ، وتُوُفّي في خلافة عمر رضي الله عنه بعد أخويه نوفل وأبي سفيان
. 194- العلاء بن الحضرمي، واسم الحضرمي عبد الله بن ضماد بن سلمى:
من حضرموت من اليمن، وأخوه ميمون بن الحضرمي صاحب البئر التي بأعلى مكة، يقال لها: بئر ميمون، مشهورة على طريق العراق، وكان حفرها في الجاهلية.
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 32.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] في أ، وابن سعد: «وقد عز وكثف أصحابه» .(4/241)
وأسلم العلاء قديما، وبعثه رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ منصرفه من الجعرانة إلى المنذر بن ساوي العبدي بالبحرين، وكتب معه كتابا/ يدعوه فيه إلى الإسلام، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ ولى العلاء البحرين ثم عزله عنها، وبعث أبا سعيد [1] عاملا عليها فلم يزل عليها إلى أن توفي رَسُول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فأقبل إلى المدينة وترك العمل، فبعث أبو بكر العلاء.
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عبد الباقي، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا علي بن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَيْفٍ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْهَمْدَانِيُّ، وَغَيْرِهِ، عَنْ مُجَالِدٍ] [2] ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلى العلاء بن الحضرمي وهو بالبحرين: أن سِرْ إِلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ فَقَدْ وَلَّيْتُكَ عمله، واعلم أنك تقدم على رجل من الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ الَّذِينَ قَدْ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْحُسْنَى، لَمْ أَعْزِلْهُ أَنْ لا يَكُونَ عَفِيفًا صَلِيبًا شَدِيدَ الْبَأْسِ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَغْنَى عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ مِنْهُ، فَاعْرِفْ لَهُ حَقَّهُ، وَقَدْ وَلَّيْتُ قَبْلَكَ رَجُلا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ، فَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَلِيَ عُتْبَةُ فَالْخَلْقُ وَالأَمْرُ للَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ مَحْفُوظٌ بِحِفْظِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ، فَانْظُرْ إِلَى الَّذِي خُلِقْتَ لَهُ، فَاكْدَحْ لَهُ وَدَعْ مَا سِوَاهُ فَإِنَّ الدُّنْيَا أَمَدٌ وَالآخِرَةُ أَبَدٌ، وَلا يَشْغَلَنَّكَ شَيْءٌ مُدْبِرٌ خَيْرُهُ عَنْ شَيْءٍ بَاقٍ خَيْرُهُ، وَاهْرُبْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ سَخَطِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَجْمَعُ لِمَنْ شَاءَ الْفَضِيلَةَ فِي حُكْمِهِ وَعِلْمِهِ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكَ الْعَوْنَ عَلَى طَاعَتِهِ وَالنَّجَاةَ مِنْ عَذَابِهِ.
قَالَ: فَخَرَجَ الْعَلاءُ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدِمَ الْبَصْرَةَ فِي رَهْطٍ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ [وَأَبُو بَكْرَةَ] فَلَمَّا كَانُوا قَرِيبًا مِنْ أَرْضِ تَمِيمٍ مَاتَ الْعَلاءُ، فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، وَأَبُو بَكْرَةَ قَدِمَ الْبَصْرَةَ، فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ مِنَ الْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ ثَلاثَةَ أَشْيَاءَ لا أَزَالُ أُحِبُّهُ أَبَدًا: رَأَيْتُهُ قَطَعَ الْبَحْرَ عَلَى فَرَسِهِ يَوْمَ دَارِينَ، وَقَدِمَ مِنَ الْمَدِينَةِ يُرِيدُ البحرين،
__________
[1] في أ: «وبعث سعيد» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الشعبي» .(4/242)
فلما كُنَّا بِالدِّهْنَاءِ فُقِدَ مَاؤُهُمْ، فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَنَبَعَ لَهُمْ مَاءٌ مِنْ تَحْتِ رَمْلِهِ، فَارْتَوَوْا وَارْتَحَلُوا، وَنَسِيَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بَعْضَ مَتَاعِهِ فَرَجَعَ فَأَخَذَهُ وَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ. وَخَرَجَتْ مَعَهُ مِنَ الْبَحْرَيْنِ إِلَى الْبَصْرَةِ فَمَاتَ وَنَحْنُ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَأَبْدَى اللَّهُ لَنَا سَحَابَةً، فَمُطِرْنَا/ فَغَسَّلْنَاهُ وَحَفَرْنَا لَهُ بِسُيُوفِنَا وَلَمْ نُلَحِّدْ لَهُ، فَدَفَنَّاهُ وَمَضَيْنَا، فَقُلْنَا: رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ دَفَنَّاهُ وَلَمْ نُلَحِّدْ لَهُ، فَرَجَعْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَوْضِعَ قَبْرِهِ
. 195- عمرو بن عنبسة بن خالد بن حذيفة، أبو نجيح السلمي:
قديم الإسلام، كان يقول: رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية، ورأيت أنها باطلة، فلقيت رجلا من أهل الكتاب، فقلت: إني امرؤ ممن يعبد الحجارة فينزل الحي ليس معهم إله، فيخرج الرجل منهم فيأتي بأربعة أحجار فينصب ثلاثة لقدره ويجعل أخيرها إلها يعبده، ثُمَّ لعله يجد أحسن منه فيتركه ثم يأخذ غيره، فرأيت أن هذا باطل فدلني على خير من هذا، فَقَالَ: يخرج من مكة رجل يرغب عن آلهة قومه، فإذا رأيت ذلك فاتبعه فإنه يأتي بأفضل الدّين، فلم يكن لي همة إلا مكة، فآتي فأسأل: هل حدث بها حدث؟ فيقال: لا ثم قدمت مرة فسألت فقالوا: حدث، رجل يرغب عن آلهة قومه، فسألت عنه فوجدته مستخفيا، ووجدت قريشا عَلَيْهِ أشداء، فتلطفت حتى دخلت عليه، فسألته، فقلت: أي شيء أنت؟ قال: نبي، قلت: ومن أرسلك؟ قَالَ: الله، قلت: وبما أرسلك؟ قال: بعبادة الله وحده لا شريك له، وبحقن الدماء، وبكسر الأوثان، وصلة الرحم، وأمان السبيل. قلت: نعم ما أرسلك به، قد آمنت بك وصدقتك، فمن تبعك؟
قَالَ: حر وعبد، وليس معه إلا أبو بكر وبلال، فلقد رأيتني وأنا رابع الإسلام، ثم قلت:
أتأمرني أن أمكث معك أو أنصرف، فقال: ألا ترى كراهية الناس لما جئت به، فلا تستطيع أن تمكث، كن في أهلك، فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجا فاتبعني، فمكثت في أهلي حتى إذا خرج إِلى المدينة سرت إليه، فقدمت المدينة، فقلت: يا نبي الله، أتعرفني؟ قال: أنت السلمي الذي أتيتني بمكة، فسألتني عن كذا، فقلت لك: كذا، فقلت: أي الليل أسمع؟ قال: الثلث الأخير.
/ قال الواقدي: كان عمرو بن عنبسة ينزل صفنه وجادة، وهي من أرض بني(4/243)
سَليم، فلم يزل مقيما هناك حتى مضت بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر [1] ، ثم قدم بعد ذَلِكَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ
. 196- عتبة بن غزوان [بن جابر المازني] [2] :
وقد تقدم خبره بمسيرة إلى فرج الهند [3] ، ويكنى أبا عبد الله. [4] [هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وشهد بدرا، واستعمله عمر على البصرة، وهو الذي مصرها واختطها، ثم قدم على عمر فرده إلى البصرة واليا، فمات في الطريق في هذه السنة.
وقيل: في سنة خمس عشرة، وهو ابن سبع وخمسين، وقيل: خمس وخمسين.
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي الأزهري، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، حدثنا شعيب بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ وَطَلْحَةُ وَالْمُهَلَّبُ وَزِيَادٌ وَعَمْرٌو، قَالُوا:
مَصَّرَ الْمُسْلِمُونَ الْمَدَائِنَ وَأَوْطَنُوهَا، حَتَّى إِذَا فَرَغُوا مِنْ جَلُولاءَ وَتِكْرِيتَ، وَأَخَذُوا الْحِصْنَيْنِ، كَتَبَ عُمَرُ إِلَى سَعْدٍ: أَنِ ابْعَثْ عُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ إِلَى فرْجِ الْهِنْدِ فَلْيَرْتَدْ مَنْزِلا يُمَصِّرُهُ، وابعث معه سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم، فخرج عتبة بن غزوان في سبعمائة من المدائن، فسار حتى نزل شَاطِئِ دِجْلَةَ، وَتَبَوَّأَ دَارَ مُقَامِهِ.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أحمد، قال: حدثني أبي، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ المغيرة، حدّثنا حميد بن هلال، عن مخالد بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ:
خَطَبَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: أما بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلا صَبَابَةٌ كَصَبَابَةِ الإناء يتصابها صاحبها، وأنتم
__________
[1] في الأصل: «حنين» .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 69، وتاريخ بغداد 1/ 55.
[3] فرج الهند هو ثغره، وكان يومئذ من البصرة.
[4] من هنا ساقط في الأصل، حتى آخر الترجمة، وكتب الناسخ: «ذكر موعظته في صفة الصفوة» .(4/244)
مُنْتَقِلُونَ بَعْدَهَا إِلَى دَارٍ لا زَوَالَ لَهَا، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ ذكر لنا أن الحرج يُلْقَى مِنْ شُقَّةِ جَهَنَّمَ، فَيَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا مَا يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا، وَاللَّهِ لَتُمْلأنَّ، أَفَعَجِبْتُمْ، وَاللَّهِ لَقَدْ ذكر لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ عَامًا، وَلَيَأْتِيَنَّ عليه يوم وهو كظيظ بالزحام، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا سَابِعُ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مَا لَنَا طَعَامٌ إِلا وَرَقَ الشَّجَرِ حَتَّى قُرِّحَتْ أَشْدَاقُنَا، وَإِنِّي الْتَقَطْتُ بُرْدَةَ فَشَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدٍ فَاتَّزَرَ بِنِصْفِهَا، وَاتَّزَرْتُ بِنِصْفِهَا، فما أَصْبَحَ الْيَوْمَ مِنَّا أَحَدٌ إِلا أَصْبَحَ أَمِيرَ مِصْرٍ مِنَ الأَمْصَارِ، وَإِنِّي أَعُوذُ باللَّه أَنْ أَكُونَ فِي نَفْسِي عَظِيمًا وَعِنْدَ اللَّهِ صَغِيرًا، وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إِلا تَنَاسَخَتْ حَتَّى يَكُونَ آخِرُهَا مَلِكًا فَسَتَخْبُرُونَ وَتُجَرِّبُونَ الأُمَرَاءُ بَعْدَنَا.
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ، وَلَيْسَ لِعُتْبَةَ فِي الصَّحِيحِ غَيْرُهُ [1] .
رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ- يَعْنِي ابْنَ هِلالٍ- عَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: خَطَبَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ ...
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بْن علي بْن ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ من ولد عتبة بن غزوان، قَالا [2] :
قَدِمَ عُتْبَةُ الْمَدِينَةَ فِي الْهِجْرَةِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَكَانَ طوالا جميلا، يكنى أبا عَبْدِ اللَّهِ، وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشَرَةَ بِطَرِيقِ الْبَصْرَةِ عَامِلا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَيْهَا.
قال ابن سعد [3] : وأخبرني الهيثم بن عدي قال: كانت كنيته أبا غزوان.
__________
[1] صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، الباب 1، حديث 19، وحديث 21 مختصرا.
وأخرجه الترمذي في صفة جهنم، الباب 2 حديث 1، وفي الشمائل، الباب 53، حديث 1، والنسائي في الكبرى (تحفة 7/ 334) ، وابن ماجة في الزهد، الباب 12، حديث 2.
[2] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 156، وطبقات ابن سعد 3/ 1/ 69.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 69، وتاريخ بغداد 1/ 156.(4/245)
قال الواقدي: يقال: كان عتبة مع سعد بن أبي وقاص، فوجهه إلى البصرة بكتاب عمر إليه يأمره بذلك، فوليها ستة أشهر، ثم خرج على عمر.
وقد قال خليفة بن خياط: توفي سنة أربع عشرة.
وقال أبو حسان الزيادي: سنة خمس عشرة.
وقيل: ستة عشرين.
وسبع عشرة أصح، لأن المدائن فتحت سنة ست عشرة، ثم مصرت البصرة بعد ذلك] [1]
. 197- مالك بن قيس بن ثعلبة بن العجلان، أبو خيثمة:
شهد أحدا والمشاهد بعدها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وتخلف عن تبوك عشرة أيام، فدخل يوما على امرأتين له في يوم حار، فوجدهما في عريشين لهما قد رشت كل واحدة منهما عريشها، وبردت له ماء وهيأت له طعاما، فقال: سبحان الله، رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ في الضح والريح والحر وأبو خيثمة في ظلال باردة وطعام مهيأ وامرأتين حسناوين، والله لا أدخل عريش واحدة منكما ولا أكلمكما حتى ألحق برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فقال له: أولى لك يا أبا خيثمة، فأخبر النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ خبره، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ خيرا ودعا له
. 198- أم عطية الأنصارية، واسمها نسيبة- بضم النون وفتح السين- بنت كعب:
أسلمت وبايعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وغزت معه سبع غزوات، وكانت تخلفهم في الرجال، وتصنع لهم الطعام، وتقوم على المرضى، وتداوي الجرحى.
__________
[1] إلى هنا انتهى السقط من الأصل.(4/246)
ثُمَّ دخلت سنة ثمان عشرة
فمن الحوادث فيها طاعون عمواس [1]
تفانى فيه الناس، ومات فيه خمسة وعشرون ألفا.
قال سيف: إنما كان في سنة سبع عشرة.
[أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أحمد، قال: حدثني أبي، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح] [2] ، عن شهر بن حوشب الأشعري، عن رابة- رجل من قومه، وكان قد خلف على أمه بعد أبيه، كان/ شهد طاعون عمواس- قَالَ: [3] لما اشتعل الوجع قام أبو عبيدة بن الجراح في الناس خطيبا، فقال: أيها الناس، إن هذا الوجع رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم لَهُ منه حظه، قال: فطعن فمات، واستخلف على الناس معاذ بن جبل، فقام خطيبا بعده، فقال: أيها الناس، إن هذا الوجع رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وإن معاذا يسأل الله أن يقسم لآل معاذ منه حظه، قال: فطعن ابنه عبد الرحمن فمات، ثم قام فدعا ربه لنفسه فطعن في راحته، فلقد رأيته ينظر إليها ثم يقبل ظهر كفه، ثم يقول: ما أحب أن لي بما فيك شيئا من الدنيا.
__________
[1] عمواس: ضبطه ياقوت بفتحات، وقال: «رواه الزمخشريّ بكسر أوله وسكون الثاني، ورواه غيره بفتح أوله وثانيه، وآخره سين مهملة.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن شهر» .
[3] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 61.(4/247)
فلما مات استخلف على الناس عمرو بن العاص، فقام فينا خطيبا، فقال: أيها الناس، إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتجبلوا [1] منه في الجبال، فقال له وائلة الهُذَليّ: كذبت، والله لقد صحبت رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وأنت شر من حماري هذا، قال: والله ما أرد عليك ما تقول، وايم الله لا نقيم عليه. ثم خرج وخرج الناس فتفرقوا، ورفعه الله عنهم، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأي عمرو، فو الله ما كرهه.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَك بْن عَبْد الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَلِي بْن الْفَتْحِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي سُمَيٍّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمِقْدَادِ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ يعقوب، عن عمه] [2] يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:
عَلَّقَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِعَمُودِ خِبَائِهِ سَبْعِينَ سَيْفًا كُلُّهَا ورثه عن كلالة عام طاعون عمواس، ولم يَكُنْ أَحْدٌ يَقُولُ لأَحَدٍ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ وَلا كَيْفَ أَمْسَيْتَ [حِينَ كَثُرَ فِيهِمُ الْمَوْتُ] .
وقد ذكر الواقدي [3] أن الرقة والرها وحران فتحت في هذه السنة على يدي عياض بن غنم، وأن عين وردة فتحت على يدي عمير بن سعد، وقد ذكرنا الخلاف في هذا فيما تقدم.
[أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الحافظ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أحمد السمرقندي، قال: حَدَّثَنَا أبو محمد بن عبد العزيز بن أحمد الكناني، حدثنا أبو الحسين عبد الوهاب بن جعفر بن علي بن جعفر الميداني، حدثنا أبو حفص محمد بن علي العتكي، قال: حدثني محمد بن الوراق، حدثنا أحمد بن يحيى بن خالد بن حيان، قال: حدثني علي بن أبي عبد الله] [4] ، عن الهيثم بن عدي، قال:
__________
[1] تجبل القوم: أي دخلوا الجبال.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن يزيد» .
[3] تاريخ الطبري 4/ 102.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الهيثم» .(4/248)
افتتح غار بجبل لبنان فإذا فيه رجل مسجى على سرير من ذهب، وإلى جانبه لوح من ذهب مكتوب فيه بالرومية: أنا سابا بن بوناس بن سابا، خدمت عيص بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرب الأكبر، وعشت بعده دهرا طويلا، ورأيت عجبا كثيرا، فلم أر أعجب من غافل عن الموت وقد عاين مصارع آبائه، ووقف على قبور أحبائه، وعلم أنه صائر إلى الموت لا محالة، والذي بعد الموت من حساب الديان أعظم، ورد حق المظلومين أعظم من الموت حقا، حفرت قبري هذا قبل أن أصل إليه [1] بمائة وخمسين عاما، ووضعت سريري هذا فيه أغدو وأروح، وقد علمت أن الحفاة الأجلاف الجاهلية يخرجوني من غاري هذا وينزلوني عن سريري وهم يومئذ مقرون بربوبية الديان الأعظم، وعند ذلك يتغير الزمان، ويتأمر الصبيان، ويكثر الحدثان، ويظهر البهتان، فمن أدرك ذلك الزمان عاش قليلا، ومات ذليلا، وبكى كثيرا، ولا بد مما هو كائن أن يكون، والعاقبة للمتقين، وقد رأيت الثلج والبرد في تموز مرارا، فإن رأيتم ذلك فلا تعجبوا
. ومن الحوادث في هذه السنة [ذكر الرمادة] [2]
أن نفرا من المسلمين أصابوا الشراب، فكتب أبو عبيدة إلى عمر، كتابا وذكر فيه: إنا سألناهم فتأولوا، وقالوا: خيرنا فاخترنا، قال: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ 5: 91 [3] . فكتب إليه عمر رضي الله عنه إن المراد «فانتهوا» . فادعهم، فإن زعموا أنها حلال فاقتلهم، وإن زعموا أنها حرام فاجلدهم ثمانين [جلدة] [4] ، فسألهم فقالوا: حرام، فجلدهم ثمانين [ثمانين] [5] ، فندموا على لجاجتهم، وقال: ليحدثن فيكم يا أهل الشام حادث، / فحدثت الرمادة في هذه السنة.
__________
[1] في أ: «أن أصير إليه» .
[2] تاريخ الطبري 4/ 96.
[3] سورة: المائدة، الآية: 91.
[4] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والطبري.(4/249)
وذلك أن الناس أصابهم جدب وقحط وجوع شديد حتى جعلت الوحش تأوي إلى الإنس، وكانت الريح تسفي ترابا كالرماد، فسمي ذلك العام عام الرمادة، وكان الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها، وإنه لمعسر. فآلى عمر ألا يذوق سمنا ولا لبنا ولا لحما حتى يحيى النّاس، وإن غلاما لعمر اشترى عكة من سمن ورطبا من لبن بأربعين، ثم أتى بهما عمر، فقال عُمَر رضي الله عنه: تصدق بهما فإني أكره أن آكل إسرافا، كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يمسسني ما مسهم
. ومن الحوادث أن عمر رضي الله عنه استسقى للناس
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا السري بن يحيى، حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ سَهْلِ بْنِ يُوسُفَ] [1] ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ [2] :
أَقْبَلَ بِلالُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِيُّ فَاسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ [رَسُولِ] [3] اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَيْكَ، يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «لَقَدْ عَهِدْتُكَ كَيِّسًا، وَمَا زِلْتَ عَلَى رِجْلٍ، فَمَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: الْبَارِحَةَ، فَخَرَجَ فَنَادَى فِي النَّاسِ:
الصَّلاةُ جَامِعَةٌ، فصلى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أُنْشِدُكُمْ باللَّه هَلْ تَعْلَمُونَ مِنِّي أَمْرًا غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ؟ قَالُوا: اللَّهمّ لا، قَالَ: فَإِنَّ بِلالَ بْنَ الْحَارِثِ يَزْعُمُ ذَيَّةَ وَذَيَّةَ [4] ، فَقَالُوا: صَدَقَ بِلالٌ، فَاسْتَغَثْتُ اللَّهَ تَعَالَى وَالْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، بَلَغَ الْبَلاءُ مُدَّتَهُ فَانْكَشَفَ، مَا أَذِنَ اللَّهُ لِقَوْمٍ فِي الطَّلَبِ إِلا وَقَدْ رَفَعَ عَنْهُمُ الْبَلاءُ، فَكَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الأَمْصَارِ: أَنْ أَغِيثُوا أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا، وَأُخْرِجَ النَّاسُ إِلَى الاسْتِسْقَاءِ، فَخَرَجَ وَخَرَجَ مَعَهُ بِالْعَبَّاسِ مَاشِيًا، فَخَطَبَ فَأَوْجَزَ، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ، وَقَالَ:
اللَّهمّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اللَّهمّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وارض عنّا، ثم انصرف، فما بلغوا المنزل راجعين حتى خاضوا الغدران.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عبد الرحمن» .
[2] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 98.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل ومن الطبري.
[4] ذية وذية: مثل قولهم كذا وكذا.(4/250)
[وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ] [1] بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَرَجَ/ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالنَّاسِ إِلَى الاسْتِسْقَاءِ، وَخَرَجَ بِالْعَبَّاسِ وَبِعَبْدِ اللَّهِ، فَخَطَبَ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ تَأَخَّرَ حَتَّى كَانَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَعَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِعَضُدَيْهِمَا، وَقَالَ:
اللَّهمّ هَذَا عَمُّ نَبِيِّكَ نَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِهِ، فَمَا بَلُغُوا بُيُوتَهُمْ حَتَّى خَاضُوا الْمَاءَ، وَإِنَّهُ لَبَيْنَ الْعَبَّاسِ وَعَبْدِ اللَّهِ.
[وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَمُجَالِدٌ] [2] ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
صَعَدَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ المنبر سنة الاستسقاء بعد ما صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا بِالنَّاسِ، وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ، إنه كان غفارا، استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، ثُمَّ نَزَلَ وَلَمْ يَذكر: اسْقِنَا، فَقَالُوا: لِمَ لَمْ تَسْتَسْقِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: لَقَدْ دَعَوْتُ بِمَخَارِج السَّمَاءِ الَّتِي نُسْقَى بِهَا الْمَطَرَ، [الاسْتِغْفَارُ]
. ومن الحوادث أن عمر رضي الله عنه كتب في عام الرمادة إلى أمراء الأمصار يستمدهم [3]
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا] [4] سَيْفٌ، عَنْ أَشْيَاخِهِ، قَالُوا:
كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أُمَرَاءِ الأَمْصَارِ يَسْتَغِيثُهُمْ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَيَسْتَمِدَّهُمْ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي أَرْبَعَةِ آلافِ رَاحَلَةٍ مِنْ طَعَامٍ، فَوَلاهُ قِسْمَتَهَا فِيمَنْ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلافِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: لا حَاجَةَ لِي فِيهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّمَا أَرَدْتُ اللَّهَ وَمَا قبله، فلا تدخل عليّ الدنيا،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عبد الله» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الشعبي» .
[3] تاريخ الطبري 4/ 100.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن سيف» .(4/251)
فَقَالَ: خُذْهَا فَلا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا لَمْ تَطْلُبْهُ، فَأَبَى، فَقَالَ: خُذْهَا فَإِنِّي وَقَدْ وُلِّيتُ لرسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قُلْتُ لَكَ، فَقُلْتُ لَهُ كَمَا قُلْتَ لِي فَأَعْطَانِي. فَقَبِلَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَانْصَرَفَ إِلَى عَمَلِهِ، وَتَتَابَعَ النَّاسُ وَاسْتَغْنَى أَهْلُ الْحِجَازِ، وَأَحْيَوْا مَعَ أَوَّلِ الْحَيَا.
وَجَاءَ كِتَابُ عَمْرِو [1] بْنِ الْعَاصِ إِلَى عُمَرَ: إِنَّ الْبَحْرَ الشَّامِيَّ حَفَرَ [لِمَبْعَثِ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ] [2] حَفِيرًا، فَصَبَّ فِي بَحْرِ الْعَرَبِ، فَسَدَّهُ الرُّومُ وَالْقِبْطُ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ يَقُومَ سِعْرُ الطَّعَامِ بِالْمَدِينَةِ كَسِعْرِ مِصْرَ، حَفَرْتُ لَهُمْ نَهْرًا وَبَنَيْتُ لَهُمْ قَنَاطِرَ، فَكَتَبَ [لَهُ عُمَرُ] [3] : أَنِ افْعَلْ، وَعَجِّلْ ذَلِكَ [4] ، فَقَالَ لَهُ أَهْلُ مِصْرَ: خَرَاجُكَ زَاجٍ، وَأَمْرُكَ رَاضٍ، وَإِنْ تَمَّ هَذَا انْكَسَرَ الْخَرَاجُ، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بِذَلِكَ، فَذكر أَنَّ فِيهِ انْكِسَارَ خَرَاجِ مِصْرَ وَخَرَابِهَا. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: اعْمَلْ فِيهِ وَعَجِّلْ، أَخْرَبَ اللَّهُ خَرَاجَ مِصْرَ فِي عُمْرَانِ الْمَدِينَةِ وَصَلاحِهَا، فَعَالَجَهُ عَمْرٌو وَهُوَ الْقَلْزَمُ، وَكَانَ سِعْرُ الْمَدِينَةِ كَسِعْرِ مِصْرَ، وَلَمْ يَزِدْ مِصْرَ ذَلِكَ إِلا رَخَاءً.
وَكَانَ عُمَرُ إِذَا بَلَغَهُ عَنْ نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْمُسْلِمِينَ غَلاءٌ حَطَّ نَفْسَهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَبْلُغُهُ، وَيَقُولُ: كَيْفَ يَكُونُونَ مِنِّي عَلَى بَالٍ إِذَا لَمْ يَمْسَسْنِي مَا مَسَّهُمْ، وَإِنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَقْبَلَ عَلَى خُبْزِ الشَّعِيرِ فَقَرْقَرَ فِي بَطْنِهِ يَوْمًا، فَقَالَ: هُوَ مَا تَرَى حَتَّى يَحْيَى أَهْلُ مَدِينَةِ كَذَا
. ومن الحوادث في هذه السنة فتح جرجان [5]
وقد قيل: إنما سميت جرجان لأنه بناها جرجان بن لاوذ بن سام بن نوح.
ولما قتل النعمان بن مقرن، ولى أخاه سويد بن مقرن، وكاتب ملك جرجان، ثم
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 100.
[2] ما بين المعقوفتين: من ظ، والطبري.
[3] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[4] في ظ، والأصل: «أعجل ذلك» .
[5] تاريخ الطبري 4/ 152.(4/252)
سار إليها ففتحها وصالحوه على أخذ الجزية منهم.
ومن الناس من يقول: كان فتحها في سنة اثنتين وعشرين.
وقال المدائني: إنما فتحت في زمان عثمان سنة ثلاثين
. وفيها فتح أذربيجان على يدي عتبة [1]
وكتب لهم كتاب أمان، وهذا في رواية سيف.
وقال أبو معشر: كانت أذربيجان في سنة اثنتين وعشرين.
وفي هذه الغزاة: بعث عتبة إلى عمر رضي الله عنه بخبيص أهداه إليه.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا السري بن يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ أَوْ عَامِرٍ] [2] ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ، قَالَ:
قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِسِلالٍ مِنْ خَبِيصٍ، فَشَهِدْتُ غَدَاهُ، فَأَتَى بِجَفْنَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ، فَأَخَذَ وَأَخَذْنَا، فَجَعَلْتُ أرى عليه الشيء أحبسه سَنَامًا، فَإِذَا لُكْتُهُ وَجَدْتُهُ عَلِيًّا، فَأَتَطَلَّبُ غَفْلَتَهُ حَتَّى أَجْعَلَهُ بَيْنَ الْخِوَانِ وَالْقَصْعَةِ/ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ مرارا، وكففت. ثم دعي بِعُسٍّ مِنْ عِسَاسِ الْعَرَبِ فِيهِ نَبِيذٌ شَدِيدٌ، فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي فَلَمْ أُطِقْهُ، ثُمَّ قَالَ: نَأْكُلُ مِنْ هَذَا اللَّحْمِ، وَنَشْرَبُ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا النَّبِيذِ الشَّدِيدِ فَيُقَطِّعُهُ فِي بُطُونِنَا، إِنَّا لننحر للمسلمين الجزور فنطعم المسلمين أطائبها، وَيَأْكُلُ عُمَرُ وَآلُ عُمَرَ عَنَقَهَا، فَقُلْتُ لَهُ:
إِنَّكَ مَشْغُولٌ بِحَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ أَهَدَيْتُ لَكَ طَعَامًا يَعْصِمُكَ وَيُقَوِّيكَ، قَالَ: فَاعْرِضْهُ عَلَيَّ، قَالَ: فَأَدَّيْتُ لَهُ تِلْكَ السِّلالِ وَكَشَفْتُ لَهُ عَنْهَا، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ، لَمَا لَمْ تَدَعْ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلا أَهْدَيْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاللَّهِ لَوْ جُمِعَ مال
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 153.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عتبة» .(4/253)
قَيْسِ بْنِ عَيْلانَ مَا وَسِعَ لِذَاكَ، فَقَالَ: ضُمَّ هَدِيَّتَكَ إِلَيْكَ، فَإِنَّهُ لا حَاجَةَ لِي فِي شَيْءٍ لا يُشْبِعُ الْمُسْلِمِينَ
. وفي هذه السنة فتح طبرستان
وقيل: إنه كان في سنة اثنتين وعشرين
. وفيها: استقضى عمر شريح بن الحارث الكندي على الكوفة.
وعلى البصرة كعب بن سور الأزدي
. وفي هذه السنة حج عمر بالناس
وكانت ولاته على الأمصار الولاة الذين كانوا في سبع عشرة.
وفيها: حول عمر المقام في ذي الحجة إلى موضعه اليوم، وكان ملصقا بالبيت قبل ذلك
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
قد ذكرنا أنه توفي في طاعون عمواس خمسة وعشرون ألفا، ونذكر من كبارهم من له خبر.
199- أويس بن عامر بن جرير بن مالك القرني [1] :
وقيل: هو أويس بن أنس، وقيل: أويس بن الخليص. كان من الزهد على
__________
[1] له ترجمة في تاريخ ابن عساكر، وحلية الأولياء وميزان الاعتدال والكامل لابن عدي 2/ الورقة 211- 212.(4/254)
غاية، كان يلتقط الكسر من المزابل فيغسلها ويأكل بعضها ويتصدق ببعضها، وعرى حتى جلس في قوصره.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جعفر بْن أحمد السراج، قَالَ: أخبرنا أَبُو عَلِيِّ بْنُ الْمُذْهِبِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن مالك، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى] [1] ، / عَنْ أَسِيرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ:
كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا أَتَتْ عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مُرَادٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ، فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرِ بن مراد قال: نعم، قال: كان بِكَ بَرَصٌ فَبَرِأْتَ مِنْهُ إِلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إِلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ، فَاسْتَغْفِرْ لِي. فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيَن تُرِيدُ؟ قَالَ: الْكُوفَةَ فَقَالَ: أَلا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا فَيَسْتَوْصِي بِكَ، فَقَالَ: لأَنْ أَكُونَ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فَوَافَقَ عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ كَيْفَ تَرَكْتَهُ؟ قَالَ:
تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ، قَلِيلَ الْمَتَاعِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إِلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ» [2] .
فَلَمَّا قَدِمَ الْكُوفَةَ أَتَى أُوَيْسًا، فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، فَقَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفْرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفَرْ، لَقِيتَ عمر؟ قال: نعم، فاستغفر له.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الإمام أحمد، عن أسير بن جابر» .
[2] «فافعل» : سقطت من أ.(4/255)
فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ، قَالَ أَسِيرُ: وَكُسَوتُهُ بُرْدًا، فَكَانَ إِذَا رَآهُ إِنْسَانٌ عَلَيْهِ قَالَ: مِنْ أَيْنَ لأُوَيْسٍ هَذَا الْبُرْدُ.
[أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْن مَنْصُورٍ الصُّوفِيُّ، أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعَالِبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ صَدَقَةَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ الْجَرِيرِيِّ] [1] ، عَنْ أَسِيرِ بْنِ جَابِرٍ:
إِنَّ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ كَانَ إِذَا حَدَّثَ يَقَعُ حَدِيثُهُ فِي قُلُوبِنَا مَوْقِعًا لا يَقَعُ حَدِيثُ غَيْرِهِ.
[أخبرنا محمد بن أبي القاسم، أخبرنا محمد بْن أَحْمَد، أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَبْد اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد، حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الكريم، حَدَّثَنَا سَعِيد بْن أسد بْن موسى، حَدَّثَنَا ضمرة بْن ربيعة] [2] ، عَن أصبغ بْن زَيْد، قَالَ:
كَانَ أويس القرني إِذَا أمسى يَقُول: هذه ليلة الركوع، فيركع حَتَّى يصبح، وَكَانَ يَقُول/ إِذَا أمسى: هذه ليلة السجود، فيسجد حَتَّى يصبح، وَكَانَ إِذَا أمسى تصدق بِمَا فِي بيته من الفضل والثياب، ثُمَّ يَقُول: اللَّهمّ من مَات جوعا فلا تؤاخذني بِهِ، ومن مَات عريانا فلا تؤاخذني بِهِ.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي الْقَاسِم، أَخْبَرَنَا حمد بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن مَالِك، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا زكريا بْن يَحْيَى بْن حموية، حَدَّثَنَا الهيثم بْن عدي، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن مرة، عَن أَبِيهِ] [3] ، عَن عَبْد اللَّهِ بْن سلمة، قَالَ:
غزونا أذربيجان زمان عُمَر بْن الْخَطَّاب رضي اللَّه عَنْهُ ومعنا أويس القرني، فلما رجعنا مرض عَلَيْنَا فحملنا فلم يستمسك فمات، فنزلت فَإِذَا قبر محفور، وماء مسكوب،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أسير بن جابر» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أصبغ» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عبد الله بن سلمة» .(4/256)
وكفن وحنوط، فغسلناه، وكفناه، وصلينا عَلَيْهِ، فَقَالَ بعضنا لبعض: لو رجعنا فعلمنا قبره، فرجعنا فَإِذَا لا قبر ولا أثر.
وَقَدْ روي أنه عاش بَعْد ذَلِكَ طويلا حَتَّى قتل مَعَ علي رضي اللَّه عَنْهُ يَوْم صفين.
[وَالأَوَّل أثبت] [1]
. 200- الْحَارِث بْن هِشَام بْن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو عبد الرحمن المخزومي القرشي [2] :
أمه أسماء بنت مخرمة. لَمْ يزل مقيما عَلَى كفره إِلَى يَوْم الفتح، فدخل عَلَى أم هانئ فأجارته، ثُمَّ لقي رَسُول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فأسلم، وشهد مَعَهُ حنينا، فأعطاه من غنائمها مائة من الإبل، ثُمَّ لَمْ يزل مقيما بمكة حَتَّى توفي رَسُول اللَّه صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. فلما جاء كتاب أَبِي بَكْر يستنفر الْمُسْلِمِينَ إِلى غزو الروم قدم المدينة، ثُمَّ خرج غازيا إِلَى الشام، فشهد قحل وأجنادين. وَقَدْ روى عَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ الأَنْمَاطِيُّ، قال: أنبأنا أبو الفتح أحمد بن محمد بْنِ الْحَدَّادِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيم بْنِ مَيْمُونٍ الْحَافِظُ، أَن الْحَاكِمَ أَبَا أَحْمَدَ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ النَّيْسَابُورِيُّ الْحَافِظُ أَخْبَرَهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو يُوسُفَ مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ رَحْمَةَ بْنِ نُعَيْمٍ الأَصْبَحِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ السَّدُوسِيِّ] [3] ، عَن أَبِي نَوْفَلِ بْنِ أَبِي عَقْرَبٍ، قَالَ:
خَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ مِنْ مَكَّةَ فَجَزِعَ أَهْلُ مَكَّةَ جَزَعًا شَدِيدًا، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ يَطْعَمُ إِلا خَرَجَ يُشَيِّعُهُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِأَعْلَى الْبَطْحَاءِ أَوْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فوقف وَوَقَفَ النَّاسُ حَوْلَهُ يَبْكُونَ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعَ النَّاسِ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، [إِنِّي] [4] وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ رَغْبَةً بِنَفْسِي عَنْ أَنْفُسِكُمْ وَلا اخْتِيَارَ بَلَدٍ عَلَى بَلَدِكُمْ، وَلَكِنْ كَانَ الأَمْرُ. فخرجت
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] طبقات ابن سعد 5/ 329.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي نوفل» .
[4] ما المعقوفتين: من أ.(4/257)
فِيهِ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَاللَّهِ مَا كَانُوا مِنْ ذَوِي أَنْسَابِهَا وَلا فِي بُيُوتَاتِهَا، فَأَصْبَحْنَا وَلَوْ أَنَّ جِبَالَ مَكَّةَ ذَهَبٌ فَأَنْفَقْنَاهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا أَدْرَكْنَا يَوْمًا مِنْ أَيَّامِهِمْ، وَاللَّهِ لَئِنْ فَاتُونَا بِهِ فِي الدُّنْيَا لَنَلْتَمِسَنَّ أَنْ نُشَارِكَهُمْ فِي الآخِرَةِ، فَاتَّقَى اللَّهَ امْرُؤٌ فَتَوَجَّهَ غَازِيًا إِلَى الشَّامِ، وَاتَّبَعُه ثِقَلُهُ، فَأُصِيبَ شَهِيدًا.
وَفِي رواية: إنه مَات فِي طاعون عمواس من هذه السنة
. 201- سهيل بْن عَمْرو بن عبد شمس بن عبد ودّ بْن نضر بْن مَالِك بْن حسل بْن عامر بْن لؤي، أَبُو زَيْد: [1]
كَانَ من أشراف قومه [2] ، والمنظور إِلَيْهِ مِنْهُم، شهد مَعَ المشركين بدرا، فأسره مَالِك بْن الدخشم، ثُمَّ أنه أفلت، فخرج النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي طلبه، وَقَالَ: «من وجده فليقتله» ، فوجده رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فأمر بِهِ فربطت يده إِلَى عنقه، ثُمَّ قرنه إِلَى راحلته، فلم يركب حَتَّى ورد المدينة، ثُمَّ قدم فِي فدائه مكرز بْن حفص، فبذل أربعة آلاف، فَقَالُوا:
هات المال، قَالَ: نعم، اجعلوني فِي مكانه رهنا حَتَّى يرسل إليكم، فخلي سبيل سهيل، وحبسوا مكرزا، فبعث سهيل بالمال.
وسهيل هُوَ الَّذِي خرج إلى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بالحديبية، وكتب القضية عَلَى أَن يرجع رَسُول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ العام، ويعود من قابل، فأقام عَلَى دينه إِلَى زمان الفتح [3] .
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ] [4] ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو:
لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مَكَّةَ اقْتَحَمْتُ بَيْتِي وَغَلَّقْتُ عَلَيَّ بَابِي، وَأَرْسَلْتُ إِلَى ابْنِي عَبْدِ اللَّهِ- وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ قَدْ أَسْلَمَ وَشَهِدَ بَدْرًا: اطْلُبْ لِي جِوَارًا مِنْ مُحَمَّدٍ فَإِنِّي لا آمَنُ أَنْ
__________
[1] طبقات ابن سعد 5/ 325 وفي الأصل: «ابن زيد» .
[2] في الأصل: «أشراف قريش» .
[3] في الأصل: «إلى أن بان الفتح» .
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن سهيل.»(4/258)
أُقْتَلَ، فَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبِي تُؤَمِّنُهُ، فَقَالَ: «نَعَمْ هُوَ آمِنٌ بِأَمَانِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَظْهَرْ» . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِمَنْ حَوْلَهُ: «مَنْ لَقِيَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فَلا يَشُدَّ النَّظَرَ إِلَيْهِ، فَلِعَمْرِي/ أَنَّ سُهَيْلا لَهُ عَقْلٌ وَشَرَفٌ وَمَا مِثْلُ سُهَيْلٍ جَهِلَ الإِسْلامَ» ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُهَيْلٍ إِلَى أَبِيهِ فَخَبَّرَهُ بِمَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ:
كَانَ وَاللَّهِ بَرًّا صَغِيرًا وَكَبِيرًا، فَكَانَ سُهَيْلٌ يُقْبِلُ وَيُدْبِرُ آمِنًا، وَخَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ حَتَّى أَسْلَمَ بِالْجِعْرَانَةَ، فأعطاه رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ مِنْ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ.
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنِي] [1] ابْنُ قماذين، قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ كُبَرَاءِ قُرَيْشٍ الَّذِينَ تَأَخَّرَ إِسْلامُهُمْ فَأَسْلَمُوا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ أَكْثَرَ صَلاةً وَلا صَوْمًا وَلا صَدَقَةً وَلا أَقْبَلُ عَلَى مَا يُعِينُهُ مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ مِنْ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، حَتَّى إِنْ كَانَ لَقَدْ شَحَبَ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَكَانَ يُكْثِرُ الْبُكَاءَ رَقِيقًا عند سماع القرآن [2] .
ولقد رئي يختلف إلى معاذ بن جبل يقرئه [الْقُرْآنَ] [3] وَهُوَ بِمَكَّةَ حَتَّى خَرَجَ مُعَاذٌ مِنْ مَكَّةَ، وَحَتَّى قَالَ لَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا أَبَا يَزِيدَ، يَخْتَلِفُ إِلَيَّ هَذَا الْخَزْرَجِيُّ يقرئك الْقُرْآنَ، أَلا يَكُونُ اخْتِلافُكَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ قَوْمِكَ، فَقَالَ: يَا ضِرَارُ، إِنَّ هَذَا الَّذِي صَنَعَ بِنَا مَا صَنَعَ حَتَّى سَبَقَنَا كُلَّ السَّبْقِ، إِنِّي لِعَمْرِي أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ، فَقَدْ وَضَعَ الإِسْلامُ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَرَفَعَ أَقْوَامًا بِالإِسْلامِ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا لا يُذْكَرُونَ، فَلَيْتَنَا [كُنَّا] [4] مَعَ أُولَئِكَ فَتَقَدَّمْنَا وَإِنِّي لأَذكر مَا قَسَمَ اللَّهُ لِي فِي تَقَدُّمِ إِسْلامِ [5] أَهْلِ بَيْتِي الرَّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَمَوْلاي عُمَيْرِ بْنِ عَوْفٍ فَأُسَرُّ بِهِ وَأَحْمَدُ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَأَرْجُو أَن يَكُونَ اللَّهُ يَنْفَعُنِي بِدُعَائِهِمْ أَنْ لا أَكُونَ مِتُّ أَوْ قُتِلْتُ عَلَى مَا مَاتَ نُظَرَائِي أَوْ قُتِلُوا، قَدْ شَهِدْتُ مَوَاطِنَ كُلُّهَا أَنَا فِيهَا مُعَانِدٌ لِلْحَقِّ: يَوْمَ بَدْرٍ، وَيَوْمَ أُحُدٍ، وَالْخَنْدَقَ. وَأَنَا وُلِّيتُ أَمْرَ الْكِتَابِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، يَا ضِرَارُ إِنِّي لأَذكر مُرَاجَعَتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، وَمَا كُنْتُ أَلَظُّ بِهِ مِنَ الباطل، فأستحي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن قماذ» .
[2] في أ: «عند قراءة القرآن» .
[3] ما بين المعقوفتين من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ.
[5] في الأصل: «في تقدم الإسلام» .(4/259)
من رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وَأَنَا بِمَكَّةَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ، وَلَكِنْ مَا كَانَ فِينَا مِنَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ بَدْرٍ وَأَنَا فِي حَيِّزِ الْمُشْرِكِينَ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى ابْنِي عَبْدِ اللَّهِ وَمَوْلاي عُمَيْرِ بْنِ عَوْفٍ قَدْ فَرَّا مِنِّي فَصَارَا في حيز محمد صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَمَا عُمِّيَ عَلَيَّ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْحَقِّ لِمَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْجَهَالَةِ، وَمَا أَرَادَهُمَا اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ، ثُمَّ قُتِلَ ابْنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُهَيْلٍ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا، فَعَزَّانِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ: قال رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّهِيدَ لَيُشَفَّعُ [لِسَبْعِينَ] [1] مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» ، فَأَنَا أَرْجُو أَن أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ يَشْفَعُ لَهُ.
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ مِينَا، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ الأَنْصَارِيِّ] [2] ، قَالَ:
اصْطَحَبْتُ أَنَا وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى الشَّامِ لَيَالِيَ أَغْزَانَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَسَمِعْتُ سُهَيْلا يَقُولُ: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ] : [3] «مُقَامُ أَحَدِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سَاعَةً خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ [عُمْرَهَ] [4] فِي أَهْلِهِ» ، قَالَ سُهَيْلٌ: وَأَنَا أُرَابِطُ حَتَّى أَمُوتَ وَلا أَرْجِعَ إِلَى مَكَّةَ أَبَدًا.
فَلَمْ يَزَلْ بِالشَّامِ حَتَّى مَاتَ فِي طَاعُونِ عَمْوَاسٍ سَنَةَ ثَمَانِ عَشَرَةَ.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نَاصِرٍ الْحَافِظ، أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْنُ أَحْمَدَ السَّرَّاجُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمْدَانَ، حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أَبِي، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ] [5] الْحَسَنَ قَالَ:
حَضَرَ بَابَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَنَفَرٌ مِنَ تلك الرُّءُوسِ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلالٌ، وَتِلْكَ الْمَوَالِيَ الَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا، فَخَرَجَ إِذْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَذِنَ لَهُمْ وَتَرَكَ هَؤُلاءِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ قَطُّ يَأْذَنُ لِهَؤُلاءِ الْعَبِيدِ وَيَتْرُكُنَا عَلَى بَابِهِ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْنَا، فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو- وَكَانَ رَجُلا عَاقِلا: أَيُّهَا الْقَوْمُ إِنِّي وَاللَّهِ قَدْ أَرَى الّذي في وجوهكم، إن كنتم غضابا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «عن أبي سعد الأنصاري» .
[3] «سمعت رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يقول» : سقطت من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الحسن» .(4/260)
فَاغْضَبُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، دُعِيَ الْقَوْمُ وَدُعِيتُمْ فَأَسْرَعُوا وأبطأتم فكيف بكم إذا دعوا يوم القيامة وَتُرِكْتُمْ، أَمَا وَاللَّهِ لَمَا سَبَقُوكُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْفَضْلِ مِمَّا لا تَرَوْنَ أَشَدُّ عَلَيْكُمْ قُوتًا مِنْ بَابِكُمْ هَذَا الَّذِي تُنَافِسُونَهُمْ عَلَيْهِ. قَالَ: ونفض ثوبه وانطلق.
قال الحسن: / [و] [1] صدق والله سهيل، لا يجعل اللَّه عبدا أسرع إِلَيْهِ كعبد أبطأ عَنْهُ
. 202- شرحبيل بْن حسنة، وَهِيَ أمه، وَهُوَ ابْن عَبْد اللَّهِ بْن المطاع بْن عَمْرو، ويكنى أبا عَبْد اللَّهِ:
هاجر إِلَى الحبشة الهجرة الثَّانِيَة، وغزا مَعَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ غزوات، وَهُوَ أحد الأمراء الَّذِينَ عقد لهم أَبُو بَكْر الصديق إِلَى الشام، وتوفي فِي هذه السنة بالشام وَهُوَ ابْن سبع وستين سنة
. 203- عامر بْن عَبْد اللَّهِ بْن الجراح، أَبُو عبيدة الفهري [2] :
منسوب إِلَى فهر قريش، وكذلك حبيب بْن مسلمة الفهري، وَقَدْ ينسب قوم إِلَى فهر الأنصار، مِنْهُم عبادة وأوس ابنا الصامت.
كَانَ أَبُو عبيدة نحيف البدن، معروق الوجه، خفيف اللحية طوالا، أحنى أثرم الثنيتين. أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ دار الأرقم، وهاجر إِلَى الحبشة فِي بَعْض الروايات، ثُمَّ إِلَى المدينة، وشهد بدرا وأحدا، وثبت يومئذ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حِينَ انهزم النَّاس، وبعثه رَسُول اللَّه صلّى الله عليه وآله وسلم سرية في ثلاثمائة وبضعة عشر، وألقى لهم البحر حوتا يقال لَهُ العنبر، فأكلوا منه. وأقام ضلعًا من أضلاعه، ورحّل بعير فأجازه تحته.
وقدم أَهْل اليمن عَلَى رَسُول اللَّه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فسألوه أَن يبعث معهم رجلا يعلمهم السنة والإسلام، فأخذ بيد أَبِي عبيدة وَقَالَ: هَذَا أمين هذه الأمة.
[أَخْبَرَنَا ابْن أَبِي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال:
أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سعد، قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] في أ: «الضمريّ» .(4/261)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ] [1] ، عَن عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَرُمِيَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ حَتَّى دَخَلَتْ فِي وَجْنَتِهِ حَلْقَتَانِ مِنَ الْمِغْفَرِ، فَأَقْبَلْتُ أَسْعَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَإِنْسَانٌ قَدْ أَقْبَلَ يَطِيرُ طَيَرَانًا، فَقُلْتُ: اللَّهمّ اجْعَلْهُ/ طَلْحَةَ حَتَّى تُوَافِينَا إِلَى رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ بَدَرَنِي فَقَالَ:
أَسْأَلُكَ باللَّه يَا أَبَا بَكْرٍ إِلا تَرَكْتَنِي فَأَنْزِعَهُ مِنْ وَجْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَتَرَكْتُهُ فَأَخَذَ بِثَنِيَّتِهِ أَحَدَ حَلْقَتَيِ الْمِغْفَرِ فَنَزَعَهَا فَسَقَطَ عَلَى ظَهْرِهِ، وَسَقَطَتْ ثَنِيَّةُ أَبِي عُبَيْدَةَ. ثُمَّ أَخَذَ الْحَلْقَةَ الأُخْرَى بِثَنِيَّتِهِ الأُخْرَى، فَسَقَطَتْ فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي النَّاسِ أَثْرَمَ.
توفي أَبُو عبيدة فِي طاعون عمواس، وَهُوَ ابْن ثمان وخمسين سَنَة
. 204- العاص بْن سهيل بْن عَمْرو، ويكنى أبا جندل:
أسلم قديما بمكة فقيده أبوه، فلما نزل رَسُول اللَّه صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الحديبية أقبل يرسف فِي قيده [2] ، فَقَالَ سهيل: هَذَا أول مَا أقاضيك عَلَيْهِ، فرده فأفلت ومضى إِلَى أَبِي بصير بالعيص، فكانوا يتعرضون عير قريش، فمات أَبُو بصير، فقدم أَبُو جندل فلم يغز مَعَ رَسُول اللَّه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى توفي ثُمَّ خرج إِلَى الشام فجاهد فتوفي فِي طاعون عمواس
. 205-[عتبة بْن مَسْعُود بْن حبيب، أخو عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود لأبيه وأمه:
[3] وَكَانَ قديم الإِسْلام بمكة، وهاجر إِلَى الحبشة الهجرة الثَّانِيَة، ثُمَّ قدم فشهد أحدا والمشاهد بعدها، ومات فِي خلافة عُمَر، وصلى عَلَيْهِ] [4]
. 206- عمير بْن عدي [5] بْن خرشة بْن أمية بْن عامر بْن حطمة، وَهُوَ عمير القاري:
وَكَانَ قديم الإِسْلام ضرير البصر، وكانت عصماء بنت مَرْوَان تؤذي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة قالت» .
[2] في الأصل: «يوسف في قيده» .
[3] هذه الترجمة ساقطة من الأصل، ظ، وأوردناها من أ.
[4] إلى هنا انتهى السقط السابق الإشارة إليه.
[5] في الأصل: «عمير بن عيسى» .(4/262)
وتحرض عَلَيْهِ وتعيب الإِسْلام وتقول فِي ذَلِكَ الشعر، فلما غاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ ببدر نذر عمير إِن اللَّه رد رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ سالما أَن يقتل عصماء، فلما رجع رَسُول الله صلّى الله عليه وآله وسلم من بدر أتاها عمير فِي جوف الليل فقتلها، ثُمَّ أتى رَسُول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فأخبره، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «لا ينتطح فِيهَا عنزان» . وكانت هذه الكلمة أول مَا سمعت من رَسُول اللَّه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا أحببتم أَن تنظروا إِلَى رجل نصر اللَّه ورسوله بالغيب فانظروا إِلَى عمير بْن عدي» . وَكَانَ عمير يؤذن لقومه
. 207- الفضل بْن العباس بْن عَبْد المطلب بْن هاشم، أَبُو مُحَمَّد:
أمه أم الفضل، وَهِيَ لبابة الكبرى، وَهُوَ أسن ولد العباس، غزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مكة وحنينا وثبت مَعَهُ يومئذ حِينَ انهزم النَّاس فيمن ثبت مَعَهُ من أَهْل بيته، وشهد مَعَهُ حجة الوداع، وأردفه رَسُول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وراءه وَكَانَ من جملة من حضر غسل رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وتولى دفنه، ثُمَّ خرج بَعْد ذَلِكَ إِلَى الشام مجاهدا، فمات فِي ناحية الأردن فِي هذه السنة
. 208-[عدي بْن أَبِي الزغباء، واسم أَبِي الزغباء سنان بْن سبيع: [1]
بعثه النَّبِي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مَعَ بسبس بْن عَمْرو الجهني طليعة يتجسسان خبر العير، فوردا بدرا فوجدا العير قد مرت وفاتتهما- فرجعا فأخبر النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.
وشهد عدي بدرا والمشاهد كلها مَعَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ.
وتوفي فِي خلافة عُمَر بْن الْخَطَّاب رضي اللَّه عَنْهُ، وليس لَهُ عقب
. 209- عويم بْن ساعدة بْن عائش بْن قيس بْن النعمان، يكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ [2] :
ويروى أنه كَانَ فِي الثمانية الَّذِينَ لقوا رَسُول اللَّه صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ من الأنصار بمكة فأسلموا.
وشهد العقبتين، وتوفي وهو ابن خمس وستين سنة] [3] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 58. وهذه الترجمة ساقطة من الأصل، وظ.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 30، وهذه الترجمة ساقطة أيضا من الأصل، وظ.
[3] إلى هنا انتهى السقط المشار إليه.(4/263)
210- معاذ بْن جبل بْن عَمْرو بْن أوس بْن عائذ بْن عدي بْن كعب، أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ: [1]
كَانَ طولا أبيض حسن الثغر، براق الثنايا، عظيم العينين، مجموع الحاجبين، جعدا قططا. شهد العقبة مع السبعين.
وآخى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بينه وبين ابْن مَسْعُود، وشهد بدرا وَهُوَ ابْن عشرين سَنَة، أَوْ إحدى وعشرين، وشهد أحدا والمشاهد كلها مع رسول الله. صلى الله عليه وآله وسلم. وبعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى اليمن فِي ربيع الآخر سَنَة تسع من الهجرة، وشيعه رَسُول اللَّه صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وأوصاه بحسن الخلق، وتوفي رَسُول اللَّه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى اليمن، ولما أصيب أَبُو عبيدة فِي طاعون عمواس استخلف معاذ بْن جبل فأخذه الطاعون، فجعل يَقُول وَهُوَ يغمى عليه: وعزتك إنك لتعلم أني أحبك جزعني مَا أردت.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَيُّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا محمد بن سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَن شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ] [2] ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرَةَ، قَالَ:
إِنِّي لَجَالِسٌ عِنْدَ مُعَاذٍ وَهُوَ/ يَمُوتُ فَهُوَ يُغْمَى عَلَيْهِ مَرَّةً، وَيَفِيقُ مَرَّةً، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ عِنْدَ إِفَاقَتِهِ: اخنق خنقك، فو عزّتك إِنِّي أُحِبُّكَ [3] .
[قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، قَالَ:
سَمِعْتُ] [4] شَهْرَ بْنَ حَوْشَبٍ يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ:
لَوْ أَدْرَكْتَ [5] مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فَاسْتَخْلَفْتُهُ فَسَأَلَنِي عَنْهُ رَبِّي لَقُلْتُ: رب سمعت نبيك يَقُولُ: «إِنَّ الْعُلَمَاءَ إِذَا اجْتَمَعُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ قَذْفَةَ حجر» .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 12.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن الحارث بن عميرة» .
والخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 124، 125.
[3] في طبقات ابن سعد: «فو عزّتك إني لأحبك» .
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن شهر بن حوشب» .
[5] في الأصل: «أدركني» .(4/264)
[أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأنماطي، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الكريم، حدثنا الهيثم بن عدي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ الْخُزَاعِيُّ] [1] ، عَنْ مَحْفُوظِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَأْكُلُ تُفَّاحًا وَمَعَهُ امْرَأَةٌ لَهُ وَغُلامٌ، فَأَكَلَتِ امْرَأَتُهُ نِصْفَ تُفَّاحَةٍ ثُمَّ نَاوَلَتِ الْغُلامَ نِصْفَهَا، فَأَوْجَعَهَا ضَرْبًا. وَرَأَى امْرَأَتَهُ تَطَّلِعُ مِنْ كَوَّةٍ فَأَوْجَعَهَا ضَرْبًا.
توفي معاذ فِي طاعون عمواس بناحية الأردن من الشام وَهُوَ ابْن ثمان وثلاثين سَنَة.
وقيل: ثَلاث وثلاثين سَنَة
. 211- محلم بْن جثامة بْن قيس:
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَيُّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ معروف، حدثنا ابْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ] [2] ، عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
لَمَّا وَجَّهَنَا رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ إِلَى بَطْنِ أطم، فبينا نحن ننظر أطم مَرَّ بِنَا عَامِرُ بْنُ الأَضْبَطِ الأَشْجَعِيُّ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا بِتَحِيَّةِ الإِسْلامِ، فَأَمْسَكْنَا عَنْهُ وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ فَقَتَلَهُ وَسَلَبَهُ بَعِيرَهُ وَمَتَاعًا وَوَطْيًا مِنْ لَبَنٍ، فَلَمَّا لَحِقَنَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وسلم نزل فيه القرآن: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ... 4: 94 [3] الآيَةَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ [4] : وَحَدَّثَنَا غَيْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: لَمَّا كَانَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بِحُنَيْنٍ صَلَّى يَوْمًا الظُّهْرَ ثُمَّ تَنَحَّى إِلَى شَجَرَةٍ فَقَامَ إِلَيْهِ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ وَهُوَ سَيِّدُ قَيْسٍ يَطْلُبُ دَمَ عَامِرِ بْنِ الأَضْبَطِ، فَقَامَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ يَدْفَعُ عَنْ مُحَلِّمٍ/ لمكان خندف [5] ،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن محفوظ» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عبد الرحمن» .
[3] سورة النساء، الآية: 94.
[4] في الأصل: «روى محمد بن عمر بإسناده عن عبد الله بن يزيد» .
[5] كذا بالأصول.(4/265)
فَاخْتَصَمَا بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «يَأْخُذُ الدِّيَةَ» . فَأَبَى عُيَيْنَةُ، فَلَمْ يَزَلْ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى قَبِلُوهَا، فَقَالَ النَّاسُ لِمُحَلِّمٍ: ائْتِ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ، فَقَامَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ قَدْ تَهَيَّأَ فِيهَا لِلْقَصَاصِ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيِ النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ كَانَ مِنَ الأَمْرِ مَا بَلَغَكَ، وَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَقَالَ:
مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مُحْلِمُ بْنُ جِثَّامَةَ، قَالَ: قَتَلْتَهُ بِسِلاحِكَ فِي غَيْرَةِ الإِسْلامِ، اللَّهمّ لا تَغْفِرْ لِمُحْلِمِ بْنِ جُثَامَةَ، بِصَوْتٍ عَالٍ أَنْفَذَ بِهِ النَّاسَ، فَعَادَ فَقَالَ: قَدْ كَانَ الَّذِي بَلَغَكَ، وَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَعَادَ النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِصَوْتٍ عَالٍ: «اللَّهمّ لا تَغْفِرْ لِمُحْلِمِ بْنِ جُثَامَةَ» ثَلاثًا. فَقَامَ مِنْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يَتَلَقَّى دُمُوعَهُ بِفَضْلِ رِدَائِهِ. فَقَالَ ضَمْرَةُ الأَسْلَمِيُّ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِالاسْتِغْفَارِ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَن يُعَلِّمَ النَّاسَ قَدْرَ الدَّمِ عِنْدَ اللَّهِ، وَكَانَ ضَمْرَةَ قَدْ شَهِدَ ذَلِكَ الْيَوْمَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَمَّا مَاتَ مُحْلِمُ بْنُ جِثَّامَةَ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ بَعْدَ دَفْنِهِ، ثُمَّ دَفَنُوهُ فَلَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَطَرَحُوهُ فَأَكَلَتْهُ السِّبَاعُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّهَا لَتُقْبَلُ مِمَّنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَحَبَّ أَن يُرِيَكُمْ.
قَالَ الواقدي: نزل محلم حمص وتوفي بها
.(4/266)
ثُمَّ دخلت سَنَة تسع عشرة
فمن الحوادث فِيهَا وقعة نهاوند [1]
قَالَ ابْن إِسْحَاق: كانت فِي سَنَة إحدى وعشرين، وَقَالَ غيره: فِي سَنَة ثماني عشرة.
وَكَانَ من حَدِيث نهاوند أَن النعمان بْن مقرن كتب إِلَى عُمَر/ يخبره أَن سَعْد بْن أَبِي وقاص استعمله عَلَى جباية الخراج وأنه قَدْ أحب الجهاد، فكتب عُمَر إِلَى سَعْد.
ابعث بِهِ إِلَى نهاوند، ثُمَّ كتب عُمَر إِلَى النعمان: أما بَعْد، فَقَدْ بلغني أَن جموعا كثيرة قَدْ جمعوا [لكم] [2] بمدينة نهاوند، فَإِذَا أتاك كتابي هذا فسر [بأمر الله، و] [3] بعون اللَّه [وبنصر اللَّه] [3] بمن معك من الْمُسْلِمِينَ. كَذَا فِي رواية.
وأصح من هَذَا [4] مَا [أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْمُدَبِّرُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْغَنَائِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمَأْمُونِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عمر الدار الدَّارَقُطْنِيُّ، قَالَ:
قُرِئَ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ وَأَنَا أَسْمَعُ: حَدَّثَكُمْ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ] [5] ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ:
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 114.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[3] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[4] «من» : ساقطة من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن معقل» .(4/267)
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَاوَرَ الْهُرْمُزَانَ، فَقَالَ: مَا تَرَى؟ أَنْ أَبْدَأَ بِفَارِسَ أَوْ بِأَذْرَبَيْجَانَ أَوْ بِأَصْبَهَانَ؟ قَالَ: إِنَّ فَارِسَ وَأَذْرَبَيْجَانَ الْجَنَاحَانِ، وَالرَّأْسَ أَصْبَهَانُ، فَإِن قَطَعْتَ أَحَدَ الْجَنَاحَيْنِ يَأْتِي الرَّأْسُ بِالْجَنَاحِ الآخَرِ، وَإِنْ قَطَعْتَ الرَّأْسَ وَقَعَ الْجَنَاحَانِ، فَابْدَأْ بِالرَّأْسِ أَصْبَهَانَ.
فَدَخَلَ عُمَرُ الْمَسْجِدَ وَالنُّعْمَانُ بْنُ مُقْرِنٍ يُصَلِّي، فَقَعَدَ إِلَى جَنْبِهِ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ قَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْتَعْمِلَكَ، قَالَ: أَمَّا جَابِيًا فَلا، وَلَكِنْ غَازِيًا، قَالَ: وَأَنْتَ غَازٍ.
فَوَجَّهَهُ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَكَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنْ يُمِدُّوهُ. فَأَتَاهُمُ الْعَدُوُّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ النَّهْرُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فَأَتَاهُمْ، فَقِيلَ لِمَلِكِهِمْ- وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ذُو الْجَنَاحَيْنِ [1] : إِنَّ رَسُولَ الْعَرَبِ عَلَى الْبَابِ، فَشَاوَرَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ؟ أَقْعُدُ لَهُ فِي [بَهْجَةِ الْمُلْكِ] [2] وَهَيْئَةِ الْمُلْكِ أَوْ [أَقْعُدُ لَهُ فِي] هَيْئَةِ الْحَرْبِ؟ فَقَالُوا اقْعُدْ لَهُ فِي هَيْئَةِ الْمُلْكِ، فَقَعَدَ عَلَى سَرِيرِهِ وَوَضَعَ التَّاجَ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَعَدَ أَبْنَاءُ الْمُلُوكِ نَحْوَ السِّمَاطَيْنِ، عَلَيْهِم الْقُرُطُ وَأَسْوِرَةُ الذَّهَبِ وَثِيَابُ الدِّيبَاجِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ وَمَعَهُ رُمْحُهُ وَفَرُسُهُ، فَجَعَلَ يَطْعَنُ بِرُمْحِهِ [3] فِي بُسُطِهِمْ لِيَتَطَيَّرُوا، وَقَدْ أَخَذَ بِضَبْعَيْهِ رَجُلانِ، فَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَتَكَلَّمَ مَلِكُهُمْ فَقَالَ:
إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَصَابَتْكُمْ مَجَاعَةٌ وَجُهْدٌ فَإِن شِئْتُمْ أَمَرْنَاكُمْ وَرَجَعْتُمْ، فَتَكَلَّمَ الْمُغِيرَةُ/ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا مَعْشَرَ الْعَرَبِ [4] كُنَّا نَأْكُلُ الْجِيَفَ وَالْمَيْتَةَ، وَيَطَئُونَا النَّاسُ وَلا نَطَؤُهُمْ، وَأَنَّ اللَّهَ ابْتَعَثَ مِنَّا نَبِيًّا صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَ أَوْسَطَنَا نَسَبًا، وَأَصْدَقَنَا حَدِيثًا- فَذكر النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ- وَأَنَّهُ وَعَدَنَا أَشْيَاءَ وَجَدْنَاهَا كَمَا قَالَ، وَأَنَّهُ وَعَدَنَا فِيمَا وَعَدَنَا أنّا سنظهر عليكم ونغلب على ما ها هنا، وَإِنِّي أَرَى عَلَيْكُمْ بَزَّةً وَهَيْئَةً، وَمَا أَرَى مَنْ خَلْفِي يَذْهَبُونَ حَتَّى يُصِيبُوهَا، قَالَ: ثُمَّ قَالَتْ لِي نَفْسِي: لَوْ جَمَعْتَ جَرَامِيزَكَ فَوَثَبْتُ وَثْبَةً فَقَعَدْتُ مَعَ الْعِلْجِ عَلَى سَرِيرِهِ حَتَّى يَتَطَيَّرَ. قَالَ: فَوَجَدْتُ غَفْلَةً، فَوَثَبْتُ، فَإِذَا أَنَا معه على سريره. قال: فأخذوه فجعلوا يتوجأونه ويطئونه بأرجلهم، قال: قلت: هكذا
__________
[1] في أ: «ذو الجناح» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، ط.
[3] في الأصل: «يطق برمحه» .
[4] في الأصل: «فإنا معشر الكتاب» .(4/268)
تَفْعَلُونَ بِالرُّسُلِ، إِنَّا لا نَفْعَلُ هَذَا بِرُسُلِكُمْ، إِنْ كُنْتُ أَسَأْتُ أَوْ أَخْطَأْتُ فَإِنَّ الرُّسُلَ لا يُفْعَلُ بِهِمْ هَذَا، قَالَ الْمَلِكُ: إِنْ شِئْتُمْ قَطَعْتُمْ إِلَيْنَا، وَإِنْ شِئْتُمْ قَطَعْنَا إِلَيْكُمْ. قَالَ: قُلْتُ: بَلْ نَقْطَعُ إِلَيْكُمْ، فَقَطَعْنَا إِلَيْهِمْ، فَتَسَلْسَلُوا كُلُّ عَشْرَةٍ فِي سِلْسِلَةٍ، وَكُلُّ خَمْسَةٍ، وَكُلُّ ثَلاثَةٍ، قَالَ: فَصَافَفْنَاهُمْ، فَرَشَقُونَا حَتَّى أَسْرَعُوا فِينَا فَقَالَ- يَعْنِي النُّعْمَانُ: إِنِّي هَازٌّ لِوَائِي ثَلاثَ هَزَّاتٍ، فَأَمَّا الْهِزَّةُ الأُولَى فَقَضَى رَجُلٌ حَاجَتَهُ وَتَوَضَّأَ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَنَظَرَ رَجُلٌ فِي سَلاحِهِ وَفِي شِسْعِهِ فَأَصْلَحَهُ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَاحْمِلُوا وَلا يَلْوِيَنَّ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، فَإِنْ قُتِلَ النُّعْمَانُ فَلا يَلْوِيَنَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَإِنِّي دَاعِ اللَّهَ بِدَعْوَةٍ، فَعَزَمْتُ عَلَى كُلِّ امْرِئٍ مِنْكُمْ لَمَّا أَمِنَ عَلَيْهَا، اللَّهمّ أَعْطِ النُّعْمَانَ الْيَوْمَ الشَّهَادَةَ فِي نَصْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَفَتْحٍ عَلَيْهِمْ، فَهَزَّ لواؤه أَوَّلَ مَرَّةٍ، / ثُمَّ هَزَّهُ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ هَزَّهُ الثَّالِثَةَ، ثُمَّ تَمَثَّلَ دِرْعَهُ، ثُمَّ حَمَلَ فَكَانَ أَوَّلَ صَرِيعٍ رَحِمَهُ اللَّهُ [1] .
قَالَ مَعْقِلٌ: فَأَتَيْتُ عَلَيْهِ فَذَكَرْتُ عَزِيمَتَهُ، فَجَعَلْتُهُ عَلَمًا، ثُمَّ ذَهَبْتُ، فَكُنَّا إِذَا قَتَلْنَا رَجُلا شُغِلَ عَنَّا أَصْحَابُهُ، وَوَقَعَ ذُو الْجَنَاحَيْنِ عَنْ بَغْلَتِهِ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ. [قَالَ:] [2] فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ. ثُمَّ جِئْتُ إِلَى النُّعْمَانِ وَمَعِي إِدَاوَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَغَسَلْتُ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: قُلْتُ: مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ النَّاسُ؟ قُلْتُ: فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِم، قَالَ: الْحَمْدُ للَّه، اكْتُبُوا بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، وَفَاضَتْ نَفْسُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ.
قَالَ: وَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَى الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، وَفِيهِمُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ- أَوِ الزُّبَيْرُ- وَعَمْرُو بْنُ مَعْدِيَكْرُبَ وَحُذَيْفَةُ، فَبَعَثُوا إِلَى أُمِّ وَلَدِهِ، فَقَالُوا: مَا عَهِدَ إِلَيْكِ عَهْدًا، فَقَالَتْ: هَا هُنَا سَفَطَ فِيهِ كِتَابٌ، فَأَخَذُوهُ، وَكَانَ فِيهِ: فَإِن قُتِلَ النُّعْمَانُ فَفُلانٌ فَإِنْ قُتِلَ فُلانٌ فَفُلانٌ.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ، قَالا: أخبرنا ابن النقور، قال: أخبرنا المخلص، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا السري، قال: حدثنا شعيب، قال: حدثنا سيف] [3] ، عن محمد، وطلحة، وعمرو، وسعيد، قالوا:
__________
[1] في أ: «رحمة الله عليه» .
[2] ما المعقوفتين: من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن محمد» .
والخبر في تاريخ الطبري 4/ 122.(4/269)
كَانَ سَبُبُ نُهَاوَنْدَ فِي زَمَانِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَاجْتِمَاعُ الأَعَاجِمِ [إِلَيْهَا خُرُوجَ] [1] بُعُوثٍ المسلمين نَحْوَهُمْ، وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ مَعَ عَزْلِهِ، وَقَدْ أَقَرَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْكُوفَةِ خَلِيفَتَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِتْبَانَ، وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ وَالْفَتْحُ فِي إِمَارَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّهُمْ نَفَرُوا لِكِتَابِ يَزْدَجِرْدَ الْمَلِكِ، فَتَوَافَوْا إِلَى نُهَاوَنْدَ، [فَتَوَافَى إِلَيْهَا مِنْ بَيْنِ خُرَاسَانَ إِلَى حُلْوَانَ، وَمِنْ بَيْنِ الْبَابِ إِلَى حُلْوَانَ، وَمِنْ بَيْنِ سِجِسْتَانَ إِلَى حُلْوَانَ، فَاجْتَمَعَتْ حَلَبَةُ فَارِسَ وَالْفهلوجِ أَهْلِ الْجِبَالِ مِنْ] [2] بَيْنِ الْبَابِ إِلَى حُلْوَانَ ثَلاثُونَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، وَمِنْ بَيْنِ خُرَاسَانَ إِلَى حُلْوَانَ سِتُّونَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، وَمِنْ بَيْنِ سِجِسْتَانَ إِلَى فَارِسَ وَحُلْوَانَ سِتُّونَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى الْفِيرَزَانِ.
قَالُوا: إِنَّ عُمَرَ قَدْ تَنَاوَلَكُمْ وَأَتَى أَهْلَ فَارِسَ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ، وَهُوَ آتِيكُمْ إِنْ لَمْ تَأْتُوهُ، وَقَدْ أَخْرَبَ بَيْتَ مَمْلَكَتِكُمْ، وَلَيْسَ بِمُنْتَهٍ إِلا أَنْ تُخْرِجُوا مَنْ فِي بِلادِكُمْ مِنْ جُنُودِهِ، وَتَقْلَعُوا هَذَيْنِ الْمِصْرَيْنِ، ثُمَّ تَشْغِلُوهُ فِي/ بِلادِهِ وَقَرَارِهِ، فَتَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ وَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ كِتَابًا. فَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى عُمَرَ أَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ وَمِائَةُ أَلْفِ [مُقَاتِلٍ] [3] ، فَإِنْ جَاءُونَا قَبْلَ أَنْ نَبْدَأَهُمْ [4] ازْدَادُوا جُرْأَةً وَقُوَّةً، وَإِنْ نَحْنُ عَاجَلْنَاهُمْ كَانَ ذَلِكَ لَنَا.
وَقَدِمَ بِالْكِتَابِ قَرِيبُ بْنُ ظَفْرٍ الْعَبْدِيُّ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: قَرِيبٌ، قَالَ: ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابن ظَفْرٍ، فَتَفَاءَلَ بِذَلِكَ وَقَالَ: ظَفْرٌ قَرِيبٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، وَوَاَفَاهُ سَعْدٌ فَتَفَاءَلَ بِمَجِيءِ سَعْدٍ، ثُمَّ قَامَ عُمَرُ خَطِيبًا، وَأَخْبَرَ النَّاسَ الْخَبَرَ وَاسْتَشَارَهُمْ، وَآلَ الأَمْرُ إِلَى أَنْ وَلَّى النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ.
فَلَمَّا الْتَقَوْا [5] سَارَ فِي النَّاسِ، فَجَعَلَ يَقِفُ عَلَى كُلِّ رَايَةٍ، فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيَقُولُ: قد علمتم ما أعزكم الله به من هذا الذين، وَمَا وَعَدَكُمْ مِنَ الظُّهُورِ، وَقَدْ أَنْجَزَ لَكُمْ هَوَادِيَ [6] مَا وَعَدَكُمْ، وَإِنَّمَا بَقِيَتْ أَعْجَازُهُ وَأَكَارِعُهُ، والله منجز وعده، ولا يكونن على
__________
[1] في الأصل: «عليها بعوث» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[4] في الطبري: «قبل أن نبادرهم» .
[5] تاريخ الطبري 4/ 131.
[6] في الأصل: «وهذا» .(4/270)
دُنْيَاهُمْ أَحْنَى مِنْكُمْ [1] عَلَى دِينِكُمْ، وَإِنَّكُمْ تَنْتَظِرُونَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ: مِنْ بَيْنِ شَهِيدٍ حَيٍّ مَرْزُوقٍ، أَوْ فَتْحٍ قَرِيبٍ، فَاسْتَعِدُّوا، فَإِنِّي مُكَبِّرٌ ثَلاثًا، فَإِذَا كَبَّرْتُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى فَلْيَتَهَيَّأْ مَنْ لَمْ يَكُنْ تَهَيَّأَ، فَإِذَا كَبَّرْتُ الثَّانِيَةَ فَلْيَشُدَّ سِلاحَهُ وَلْيَتَأَهَّبْ لِلنُّهُوضِ، فَإِذَا كَبَّرْتُ الثَّالِثَةَ فَإِنِّي حَامِلٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَاحْمِلُوا مَعًا، اللَّهمّ أَعِزَّ دِينَكَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ، وَاجْعَلِ النُّعْمَانَ أَوَّلَ شَهِيدٍ.
فَلَمَّا كَبَّرَ وَحَمَلَ حَمَلَ النَّاسُ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالا لَمْ يَسْمَعِ السَّامِعُونَ بِمِثْلِهِ، فَزَلِقَ فَرَسُ النُّعْمَانِ بِهِ فِي الدِّمَاءِ فَصَرَعَهُ، وَأُصِيبَ النُّعْمَانُ حِينَئِذٍ، فَتَنَاوَلَ الرَّايَةَ مِنْهُ نُعَيْمُ بْنُ مُقَرِّنٍ، وَسَجَّى النُّعْمَانَ بِثَوْبٍ، وَأَتَى حُذَيْفَةُ فَأَقَامَ اللِّوَاءَ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: اكْتُمُوا مُصَابَ أَمِيرِكُمْ حَتَّى نَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ اللَّهُ فِينَا/ وَفِيهِمْ، لَكَيْلا يَهِنَ النَّاسُ، فَاقْتَتَلُوا حَتَّى إِذَا أَظْلَمَ اللَّيْلُ [2] ، انْكَشَفَ الْمُشْرِكُونَ، وَالْمُسْلِمُونَ مُلِظُّونَ بِهُمْ، فَتَهَافَتُوا فِي الْحَفْرِ الَّذِي نَزَلُوا دُونَهُ، فَمَاتَ مِنْهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ، سِوَى مَنْ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَلَمْ يَفْلِتُ إِلا الشَّرِيدُ، وَنَجَا الْفِيرَزَانُ، فَهَرَبَ نَحْوَ هَمَذَانَ، فَأَتْبَعَهُ نُعَيْمُ بْنُ مُقَرِّنٍ، وَقَدِمَ الْقَعْقَاعُ قُدَّامَهُ، فَأَدْرَكَهُ حَتَّى انْتَهَى [3] إِلَى ثَنِيَّةِ هَمَذَانَ، وَالثَّنِيَّةُ مَشْحُونَةٌ بَيْنَ بِغَالٍ وَحَمِيرٍ مُوَقَّرَةٍ عَسَلا، فَحَبَسَتْهُ الدَّوَابُّ عَلَى أَجَلِهِ، فَقَتَلَهُ عَلَى الثَّنِيَّةِ. وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ للَّه جُنُودًا مِنْ عَسَلٍ، وَاسْتَاقُوا الْعَسَلَ، وَمَضَى الْفُلالُ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى هَمَذَانَ وَالْخَيْلُ فِي آثَارِهِمْ، فَدَخَلُوهَا، فَنَزَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِم، وَحَوَوْا مَا حَوْلَهَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ خِسْرُوشنومَ [4] اسْتَأَمَنَهُمْ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ لَهُمْ هَمَذَانَ [وَدَسْتَبَي] [5] .
وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ هَزِيمَةِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ نُهَاوَنْدَ مَدِينَةَ نُهَاوَنْدَ وَاحْتَوَوْا مَا فِيهَا وَمَا حَوْلَهَا.
فَبَيْنَمَا هُمْ يَتَوَقَّعُونَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ إِخْوَانِهِمْ بِهَمَذَانَ، أَقْبَلَ الْهِرْبِذُ عَلَى أَمَانٍ، فَقَالَ لِحُذَيْفَةَ: أَتُؤْمِنُنِي عَلَى أَنْ أُخْبِرَكَ بِمَا أَعْلَمُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّ النّخيرجانَ وَضَعَ عِنْدِي
__________
[1] في الطبري: «أحمى منكم» .
[2] في الطبري: «أظلهم الليل» .
[3] في الطبري: «حين انتهى» .
[4] في الأصل: «خرشنوم» .
[5] ما بين المعقوفتين: من الطبري.(4/271)
ذَخِيرَةً لِكِسْرَى، فَأَنَا مُخْرِجُهَا لَكَ عَلَى أَمَانِي وَأَمَانِ مَنْ شِئْتُ، فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ، فَأَخْرَجَ لَهُ جَوْهَرَ كِسْرَى [كَانَ] [1] أَعَدَّهُ لِنَوَائِبِ الزَّمَانِ، فَنَظَرُوا فِي ذَلِكَ فَأَجْمَعَ رَأْيُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَفْعِهِ إِلَى عُمَرَ وَجَعْلِهِ لَهُ، فَبَعَثُوا بِهِ. وَقَسَمَ حُذَيْفَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ غَنَائِمَهُمْ، فَكَانَ سَهْمُ الْفَارِسِ يَوْمَ نُهَاوَنْدَ سِتَّةَ آلافٍ، وَسَهْمُ الرَّاجِلِ أَلْفَيْنِ.
وَكَانَ عُمَرُ يَتَمَلْمَلُ فِي اللَّيَالِي الَّتِي قَدَّرَ أَنَّهُمْ يَلْتَقُونَ فِيهَا، فَبَيْنَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ لَيْلا لَحِقَ بِهِ رَاكِبٌ، فَقَالَ: يَا عَبْد اللَّه، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قَالَ: مِنْ نُهَاوَنْدَ، قَالَ: مَا الْخَبَرُ؟ قَالَ: [الْخَبَرُ خَيْرٌ] [2] فَتَحَ اللَّهُ عَلَى النُّعْمَانِ، وَاسْتُشْهِدَ، وَقَسَمَ الْمُسْلِمُونَ الْفَيْءَ فَأَصَابَ الْفَارِسُ سِتَّةَ آلافٍ، فَدَخَلَ الرَّجُلُ، فَأَصْبَحَ يَتَحَدَّثُ، فَبَلَغَ عُمَرَ الْخَبَرُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: صَدَقْتَ/ هَذَا بَرِيدُ الْجِنِّ [3] ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرُ وَالأَخْمَاسُ وَالذَّخِيرَةُ فَرَدَّ الذَّخِيرَةُ إِلَى حُذَيْفَةَ، وَقَالَ: اقْسِمْهَا عَلَى مَا أَفَاءَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ.
[قَالَ المصنف] [4] : وَقَدْ روي لنا فتح نهاوند من طريق آخر:
[أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصَّيْرَفِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَحَامِلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ عَرَفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ] [5] ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
كَانَتْ عُظَمَاءُ الأَعَاجِمِ مِنْ أَهْلِ قُومَسَ وَأَهْلِ الرَّيِّ وَأَهْلِ هَمَذَانَ وَأَهْلِ نَهَاوَنْدَ قَدْ تَكَاتَبُوا وتعاهدوا عَلَى أَنْ يُخْرِجُوا الْعَرَبَ مِنْ بِلادِهِمْ وَيَغْزُوهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ الْكُوفَةِ فَفَزِعُوا فِيهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِ نَادَى فِي النَّاسِ:
الصَّلاةُ جَامِعَةٌ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، ثُمَّ صَعَدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: أَيُّهَا الناس، إن الشيطان قد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وفي أ: «الخبر فتح» ، وما أوردناه من الطبري.
[3] في الطبري: «هذا غنيم يريد الجن» .
[4] ما بين المعقوفتين: من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الحسن» .(4/272)
جَمَعَ جُمُوعًا، فَأَقْبَلَ بِهَا لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ، أَلا إِنَّ أَهْلَ قُومَسَ وَأَهْلَ الرَّيِّ وَأَهْلَ هَمَذَانَ وَأَهْلَ نَهَاوَنْدَ قَدْ تَعَاهَدُوا عَلَى أَنْ يُخْرِجُوا الْعَرَبَ مِنْ بِلادِهِمْ، وَيَغْزُوكُمْ فِي بِلادِكُمْ فَأَشِيرُوا عَلَيَّ. فَقَامَ طَلْحَةُ فَقَالَ: أَنْتَ وَلِيُّ هَذَا الأَمْرِ، وَقَدْ أَحْكَمْتَ التَّجَارِبَ، فَادْعُنَا نُجِبْ وَمُرْنَا نُطِعْ، فَأَنْتَ مُبَارَكُ الأَمْرِ مَيْمُونُ النَّقِيبَةِ، ثُمَّ جَلَسَ. فَقَالَ عُمَرُ: تَكَلَّمُوا، فَقَامَ عُثْمَانُ فَقَالَ: أَرَى أَنْ تَكْتُبَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ فَيَسِيرُونَ مِنْ شَأْمِهِمْ، وَتَكْتُبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ فَيَسِيرُونَ مِنْ يَمَنِهِمْ، وَتَسِيرُ أَنْتَ بِنَفْسِكَ مِنْ هَذَيْنِ الْحَرَمَيْنِ إِلَى هَذَيْنِ الْمِصْرَيْنِ، مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، فَتَلْقَى جُمُوعَ الْمُشْرِكِينَ فِي جُمُوعِ الْمُسْلِمِينَ.
ثُمَّ قَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: إِنَّكَ إِنْ أَشْخَصْتَ أَهْلَ الشَّامِ سَارَتِ الرُّومُ إِلَى ذَرَارِيهِمْ [1] ، وَإِنَّكَ إِنْ أَشْخَصْتَ أَهْلَ الْيَمَنِ سَارَتِ الْحَبَشَةُ إِلَى ذَرَارِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَتَى شَخَصْتَ مِنْ هَذَيْنِ الْحَرَمَيْنِ انْتَقَضَتْ عَلَيْكَ الأَرْضُ مِنْ أَقْطَارِهَا حَتَّى تَكُونَ مَا تَخْلُفُ خَلْفَكَ مِنَ الْعَوْرَاتِ أَهَمَّ إِلَيْكَ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْكَ، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تَكْتُبَ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَيَفْتَرِقُونَ، فَفِرْقَةٌ/ تُقِيمُ فِي أَهَالِيهَا، وَفِرْقَةٌ يَسِيرُونَ إِلَى إِخْوَانِهِمْ بِالْكُوفَةِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ كَثْرَةِ الْقَوْمِ فَإِنَّا لَمْ نَكُنْ نُقَاتِلُهُمْ فِيمَا خَلا بِالْكَثْرَةِ وَلَكِنَّا نُقَاتِلُهُمْ بِالنَّصْرِ. فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: صَدَقْتَ يا أبا الحسن، هذا رأي وَلَئِنْ شَخَصْتُ [مِنَ الْبَلْدَةِ] [2] لَتَنْقَضَّنَّ عَلَيَّ الأَرْضُ مِنْ أَقْطَارِهَا، وَلَيُمِدَّنَّهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ يُمِدُّهُمْ، فَأَشِيرُوا عَلَيَّ بِرَجُلٍ أُوَلِّيهِ [3] ذَلِكَ الثَّغْرَ، قَالُوا: أَنْتَ أَفْضَلُنَا رَأْيًا، قَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ بِهِ، [4] وَاجْعَلُوهُ عِرَاقِيًّا، قَالُوا: أَنْتَ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَ: لأُولِّيَنَّ ذَلِكَ الثَّغْرَ رَجُلا يَكُونُ قَتِيلا فِي أَوَّلِ سَنَةٍ، قَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ ثُمَّ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ بِمَا أَشَارَ بِهِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ إِنِّي اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيَّ، فَإِنْ قُتِلَ فَعَلَيْكُمْ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، فَإِنْ قُتِلَ عليكم جرير بن عبد الله [البجلي] ،
__________
[1] في أ: «دارهم» وما أوردناه من الأصل والطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[3] في الطبري: «أوله ذلك» .
[4] «برجل أوليه ... أشيروا عليّ به: ساقط من أ.(4/273)
فَإِنْ قُتِلَ فَعَلَيْكُمُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَإِنْ قُتِلَ فَعَلَيْكُمُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ.
وَكَتَبَ إِلَى النُّعْمَانِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مَعَكَ فِي جُنْدِكَ عَمْرَو بْنَ مَعْدِيَكْرُبَ الْمُذْحَجِيَّ، وَطُلَيْحَةَ بْنَ خُوَيْلِدٍ الأَسَدِيَّ، فَأَحْضِرْهُمَا النَّاسَ، وَشَاوِرْهُمَا فِي الْحَرْبِ، وَلا تُوَلِّهِمَا عَمَلا، ثُمَّ دَعَا السَّائِبَ بْنَ الأَقْرَعِ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ وَقَالَ: انْطَلِقْ فَاقْرَأْ كِتَابِي عَلَى النَّاسِ، وَانْظُرْ ذَلِكَ الْجَيْشَ، فَإِنِ اللَّهُ أَعَزَّهُمْ وَنَصَرَهُمْ كُنْتَ أَنْتَ الَّذِي تَلِي مَغَانِمَهُمْ وَمَقَاسِمَهُمْ، وَلا تَرْفَعَنَّ إِلَيَّ بَاطِلا، وَلا تُنْقِصْ أَحَدًا شَيْئًا هُوَ لَهُ، وَإِنْ ذَلِكَ الْجَيْشُ ذَهَبَ فَاذْهَبْ فِي الأَرْضِ، وَلا أَرَاكَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ عَيْنَيَّ مَا بَقِيتُ أَبَدًا، فَسَارَ السَّائِبُ حَتَّى قَدِمَ الْكُوفَةَ، وَبَعَثَ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ بِكِتَابِهِمْ، فَفَعَلُوا مَا أَرَادَ، وَسَارَ النَّاسُ وَأَقْبَلَتِ الأَعَاجِمُ بِمَجْمُوعِهَا حَتَّى نَزَلُوا نَهَاوَنْدَ، وَسَارَ النُّعْمَانُ بن مقرن بالناس حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ بَعَثَ بَكِيرَ بْنَ شَدَّاخٍ اللَّيْثِيَّ وَطُلَيْحَةَ بْنَ خُوَيْلِدٍ الأَسَدِيَّ، فَأَمَّا بَكِيرُ فَرَجَعَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا وَرَاءَكَ؟ / قَالَ: أَرْضُ الأَعَاجِمِ وَأَنَا بِهَا جَاهِلٌ، فَخَشِيتُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَيَّ بِمَضَايِقِ الْجِبَالِ، وَنَفَذَ طُلَيْحَةُ حَتَّى عَلِمَ الْخَبَرَ، وَسَارَ النَّاسُ حَتَّى نَزَلُوا نَهَاوَنْدَ، فَأَقَامُوا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، فَأَجْمَعُوا أَنْفُسَهُمْ وَدَوَابَّهُمْ، ثُمَّ غَدُوا يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ فِي الْحَدِيدِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا حَتَّى كَثُرَ الْقَتْلَى فِي الْفَرِيقَيْنِ وَالْجِرَاحَاتُ حَتَّى حَجَزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، فَرَجَعَ الْفَرِيقَانِ إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ، فَبَاتَ الْمُسْلِمُونَ يُعَصِّبُونَ بِالْخِرَقِ، وَتُوقَدُ لَهُمُ النِّيرَانُ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ فِي الْمَعَازِفِ وَالْخُمُورِ حَتَّى أَصْبَحُوا، [ثُمَّ غَدُوا يَوْمَ الْخَمِيسِ عَلَى الْبَرَاذِينَ وَأَقْبِيَةِ الدِّيبَاجِ وَالسُّيُوفِ الْمُحَلاةِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا حَتَّى كَثُرَ الْقَتْلَى فِي الْفَرِيقَيْنِ والجراحات، وَحَجَزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ فَرَجَعَ الْفَرِيقَانِ إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ، فَبَاتَ الْمُسْلِمُونَ يُعَصِّبُونَ وَتُوقَدُ لَهُمُ النِّيرَانُ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ فِي الْمَعَازِفِ وَالْخُمُورِ] [1] .
ثُمَّ غَدُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَرَكِبَ النُّعْمَانُ بْنُ مُقْرِنٍ- وَكَانَ رَجُلا قَصِيرًا آدَمَ- فَرِسًا أَبْيَضَ، وَعَلَيْهِ قِبَاءٌ أَبْيَضُ وعمامة بيضاء، ورفعت الرايات، ثم قال: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ بَابٌ بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، فَإِنْ كُسِرَ ذَلِكَ الْبَابُ دَخَلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، فَلْيَشْغَلْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ قَرِينَهُ، أَلا إِنِّي أَهُزُّ الرَّايَةَ هِزَّةً فَلْيَتَعَاهَدِ الرَّجُلُ حِزَامَهُ وَسِلاحَهُ، ثُمَّ إِنِّي هَازٌّ الثَّانِيَةَ فَلْيَنْظُرِ الرَّجُلُ إِلَى مُصَوَّبِ رُمْحِهِ وَمَوْضِعِ سلاحه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، ظ.(4/274)
ووجه مقاتله، ثم اني هاز الثلاثة فَمُكَبِّرٌ فَكَبِّرُوا، وَحَامِلٌ فَاحْمِلُوا، وَمُسْتَنْصِرٌ اللَّهَ بِرَحْمَتِهِ [1] فَاسْتَنْصِرُوا اللَّهَ، فَقَالَ رَجُلٌ: قَدْ فَهِمْنَا مَا أَمَرْتَ أَيُّهَا الأَمِيرُ، وَنَحْنُ وَاقِفُونَ عِنْدَ رَأْيِكَ، وَمُنْتَهُونَ إِلَى أَمْرِكَ، وَأَيُّ النَّهَارِ تُرِيدُ، أَوَّلَهُ أَمْ آخِرَهُ؟ فَقَالَ: لا أُرِيدُ أَوَّلَهُ وَلَكِنْ أُرِيدُ آخِرَهُ، فَإِنَّ فِيهِ تَهُبُّ الرِّيَاحُ وَيَنْزِلُ النَّصْرَ مِنَ السَّمَاءِ لِمَوَاقِيتِ الصَّلاةِ، فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ هَزَّ الرَّايَةَ فَتَعَاهَدَ النَّاسُ حُزُمَ دَوَابِّهِمْ وَخُيُولِهِمْ، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ هَزَّهَا الثَّانِيَةَ وَصَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ وَثَبَ الرِّجَالُ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ، فَوَضَعَ/ كُلُّ رَجُلٍ رُمْحَهُ بَيْنَ أُذُنَيْ فَرَسِهِ، وَشَدَّتِ الرِّجَالُ مَنَاطِقَهَا وَأَقْبِيَتَهَا عَلَى ظُهُورِهَا وَحَسَرُوا عَنْ شَمَائِلِهِمْ وَأَخَذُوا السُّيُوفَ بِأَيْمَانِهِمْ، ثُمَّ كَبَّرَ الثَّالِثَةَ وَهَزَّ الرَّايَةَ ثُمَّ صَوَبَّهَا كَأَنَّهَا جَنَاحُ طَائِرٍ، ثُمَّ حَمَلَ وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ، فَكَانَ النُّعْمَانُ أَوَّلَ قَتِيلٍ، وَأَتَى عَلَيْهِ أَخُوهُ وَهُوَ قَتِيلٌ، فَطَرَحَ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ لِئَلا يُعْرَفَ، وَرَفَعَ الرَّايَةَ فَإِذَا هِيَ تَنْضَحُ بِالدِّمَاءِ، وَهَزَمَ اللَّهُ الْعَدُّوَ، وَاتَّبَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَأَتَى السَّائِبُ بْنُ الأَقْرَعِ بِالْغَنَائِمِ مِثْلِ الآكَامِ، ثُمَّ أَتَاهُ دِهْقَانُ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ السَّائِبُ بْنُ الأَقْرَعِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْتَ صَاحِبُ غَنَائِمِ الْعَرَبِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ لَكَ أَنْ تُؤَمِّنَنِي عَلَى دَمِي وَعَلَى دَمِ ذَوِي قَرَابَتِي وَأَدُلُّكَ عَلَى كَنْزِ النخيرجانِ؟ قَالَ: وَيْحَكَ إِنَّكَ تَسْأَلُنِي الأَمَانَ عَلَى دِمَاءِ قَوْمٍ لا أَدْرِي لَعَلَّهُمْ يَكُونُونَ أَمَّةً كَثِيرَةً وَلا أَدْرِي مَا كَنْزُكَ، قَالَ: هُوَ كَنْزُ النخيرجان، أَنَّهُ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ يَنْتَابَهَا الْعَالَمُ، وَأَنَّ كِسْرَى كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهَا يَزُورُهَا وَمَعَهُ وَصَائِفُ عَلَيْهِنَّ الْمَنَاطِقُ الْمُفَضَّضَةُ وَأَقْبِيَةُ الدِّيبَاجِ، وَكَانَ لِكِسْرَى تَاجٌ يَاقُوتٌ، وَذَلِكَ التَّاجُ وَالْحُلِيُّ مَدْفُونٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ غَيْرِي، فَانْطَلِقْ حَتَّى أَدُلُّكَ عَلَيْهِ لِيَكُونَ لِعُمَرَ لا حَقَّ فِيهِ لأَحَدٍ، لأَنَّهُ دُفِنَ دَفَنُوهُ وَلَمْ يَجْلِبُوا عَلَيْهِ فِي الْحَرْبِ، فَأَخَذَ السَّائِبُ الْمِعْوَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَانْطَلَقَ بِهِمْ حَتَّى أَدْخَلَهُمْ قَلْعَةً، فَإِذَا هُمْ بِصَخْرَةٍ، فَقَالَ: اقْلَعُوهَا فَقَلَعُوهَا فَإِذَا تَحْتَهَا سَفَطَانُ فَفَتَحَهُمَا، فَرَأَى فِيهِمَا السَّائِبُ شَيْئًا لَمْ يَرَ مِثْلَهُ، وَخَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ السَّائِبُ: فَكَتَمْتُهُ النَّاسَ، وَأَسْرَعْتُ بِهِ السَّيْرَ إِلَى عُمَرَ حَتَّى قَدِمْتُ بِهِ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي نَادَانِي مِنْ بَعِيدٍ: ويحك ما وراءك، فو الله مَا بِتُّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، وَمَا أَتَتْ لَيْلَةٌ بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانَتْ أَعْظَمَ عَلَيَّ مِنْهَا. قَالَ السَّائِبُ:
فَقُلْتُ: أَبْشِرْ بِفَتْحِ اللَّهِ وَنَصْرِهِ، الْتَقَيْنَا بِنَهَاوَنْدَ ... وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ إِلَى قَتْلِ النُّعْمَانِ.
[فَقَالَ عمر: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، يَرْحَمُ اللَّهُ النُّعْمَانَ، يَرْحَمُ اللَّّهُ النُّعْمَانَ، يَرْحَمُ الله
__________
[1] في الأصل: «مستنصر باللَّه» .(4/275)
النُّعْمَانَ] قُلْتُ: يَا أَمِيرَ/ الْمُؤْمِنيِنَ: مَا قُتِلَ بَعْدَهُ رَجُلٌ فَعُرِفَ وَجْهُهُ، فَقَالَ: هَؤُلاءِ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ لا يَعْرِفُهُمْ عُمَرُ، وَمَا مَعْرِفَةُ عُمَرَ، وَمَا مَعْرِفَةُ عُمَرَ لَكِنِ اللَّهُ يَعْرِفُهُمُ، الَّذِي رَزَقَهُمُ الشَّهَادَةَ، وَسَاقَهُمْ إِلَيْهَا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ مَعْرِفَةِ عُمَرَ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ، فَبَكَى طَوِيلا ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيَّ، فَقَالَ: أُعْطِيَتْ أَبْشَارُهُمْ أَمْ دَفَنْتُمُوهُمْ، فَقُلْتُ: لا بَلْ دفناهم، تم قَامَ عُمَرُ فَأَخَذْتُ بِثَوْبِهِ فَقُلْتُ. إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: وَمَا حَاجَتُكَ؟ فَجَلَسَ فَأَرَيْتُهُ ذَلِكَ، وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَ الدِّهْقَانِ فَدَعَا عَلِيًّا، وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَرْقَمَ صَاحِبَ الْخِزَانَةِ، فَقَالَ: ضَعُوا عَلَى هَذِهِ خَوَاتِيمَكُمْ، وَوَضَعَ خَاتَمَهُ ثم قال لعبد اللَّهِ بْنِ أَرْقَمَ:
ارْفَعْ هَذَا عِنْدَكَ، ثُمَّ انْصَرَفَ السَّائِبُ حَتَّى قَدِمَ الْكُوفَةَ، فَأَتَاهُ بَرِيدُ عُمَرَ [يَدْعُوهُ] [1] مُسْتَعْجِلا، فَأَتَاهُ، فَلَمَّا رَآهُ نَادَاهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ: أَخْبِرْنِي خَبَرَ السَّفَطَيْنِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ رَدَدْتُ عَلَيْكَ حَدِيثَهُمَا فَزِدْتُ حَرْفًا أَوْ نَقَّصْتُ حَرْفًا لأَكْذَبْتُكَ، قَالَ: وَيْحَكَ، إِنَّهُ لَمَّا فَارَقْتَنِي وَأَخَذْتُ مَضْجَعِي مِنَ اللَّيْلِ لِمَنَامِي أَتَانِي مَلائِكَةٌ فَأَوْقَدُوا سُفْطَيْكَ عَلَى جَمْرَةٍ، ثُمَّ جَعُلُوا يَدْفَعُونَهَا فِي نَحْرِي، وَأَنَا أَنْكَبُّ وَأُعَاهِدُ اللَّهَ لأَرُدَّنَّهُمَا عَلَى مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَكَادَ ابْنُ الْخَطَّابِ يَحْتَرِقُ بِالنَّارِ، فَانْطَلِقْ بِهَذَيْنِ السَّفطَيْنِ فَضَعْهُمَا فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ، فَإِنْ وَجَدْتَ بِهِمَا عَطَاءَ الْمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِيَّةِ فَبِعْهُمَا وَاقْسِمْهُمَا عَلَى مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ بِهِمَا إِلا نِصْفَ عَطَاءِ الْمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِيَّةِ فَبِعْهُمَا.
فَوَضَعْتُهُمَا فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ، فَمَرَّ بِنَا عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ فَاشْتَرَاهُمَا بِعَطَاءِ الْمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِيَّةِ، فَبَاعَ أَحَدَ السَّفَطَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ، ثُمَّ اشْتَرَاهُمَا بِهِ، وَبَقِيَ الآخَرُ رِبْحًا، وَكَانَ أَوَّلُ قُرَيْشٍ عَقَدَ بِالْكُوفَةِ مَالا.
[أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ الأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنِ شَاذَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ الأَسَدِيُّ، عَنِ الرَّسُولِ الَّذِي جَرَى بَيْنَ عُمَرَ وَسَلَمَةَ بْنِ قيس الأشجعي] [2] ، قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، ظ.
[2] ما بين المعقوفتين: وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده قال» .(4/276)
نَدَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَّاسَ مَعَ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ الأَشْجَعِيِّ بِالْحَرَّةِ إِلَى/ بَعْضِ أَهْلِ فَارِسَ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا [بِسْمِ الله و] [1] في سَبِيلِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ باللَّه، لا تُغْلُوا، وَلا تَغْدِرُوا وَلا تُمَثِّلُوا وَلا تَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلا صَبِيًّا وَلا شَيْخًا [هَرِمًا] [2] ، وَإِذَا انْتَهَيْتَ إِلَى الْقَوْمِ فَادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَإِن قَبِلُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّهُ لا نَصِيبَ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ، فَإِن أَبَوْا فَادْعُهُمْ إِلَى الْجِزْيَةِ، فَإِنْ قَبِلُوا فَضَعْ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ، وضع فيهم جيشا يقاتل من وراءهم، وَخَلِّهِمْ وَمَا وَضَعْتَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَقَاتِلْهُمْ، وَإِنْ دَعَوْكُمْ إِلَى أَنْ تُعْطُوهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَلا تُعْطُوهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلا ذِمَّةَ محمد، وَلَكِنْ أَعْطُوهُمْ ذِمَّةَ أَنْفُسِكُمْ ثُمَّ وَفُّوا لَهُمْ فَإِنْ أَبَوْا عَلَيْكُمْ فَقَاتِلُوهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكُمْ عَلَيْهِمْ.
فَلَمَّا قَدِمْنَا الْبِلادَ دَعَوْنَاهُمْ إِلَى كُلِّ مَا أُمِرْنَا بِهِ، فَأَبَوْا، فَلَمَّا مَسَّهُمُ الْحَصْرُ نادوا:
أعطونا ذمة الله وذمة محمد، فَقُلْنَا: لا، وَلَكِنْ نُعْطِيكُمْ ذِمَّةَ أَنْفُسِنَا ثُمَّ نَفِي لَكُمْ، فَأَبَوْا فَقَاتَلْنَاهُمْ فَأُصِيبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ فَتَحَ عَلَيْنَا فَمَلأَ الْمُسْلِمُونَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ مَتَاعٍ وَرَقِيقٍ وَرِقَّةٍ مَا شَاءُوا، ثُمَّ إِنَّ سَلَمَةَ بْنَ قَيْسٍ أَمِيرَ الْقَوْمِ دَخَلَ، فَجَعَلَ يَتَخَطَّى بُيُوتَ نَارِهِمْ، فَإِذَا سَفَطَيْنِ مُعَلَّقَيْنِ بِأَعْلَى الْبَيْتِ، فَقَالَ: مَا هَذَانِ السِّفْطَانِ، فَقَالُوا: شَيْءٌ كَانَتْ تُعَظِّمُ بِهَا الْمُلُوكُ بُيُوتَ نَارِهِمْ، قَالَ: اهْبِطُوهُمَا إِلَيَّ، فَإِذَا عَلَيْهِمَا طَوَابِعُ الْمُلُوكِ بَعْدَ الْمُلُوكِ، قَالَ: مَا أَحْسَبُهُمْ طَبَعُوا إِلا عَلَى أَمْرٍ نَفِيسٍ، عَلَيَّ بِالْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا جَاءُوا أَخْبَرَهُمْ خَبَرَ السَّفَطَيْنِ، فَقَالَ: أَرَدْتُ أن أفضلهما بِمَحْضِرٍ مِنْكُمْ، فَفَضَّهُمَا فَإِذْ هُمَا مَمْلُوءَانِ جَوْهَرًا لَمْ يُرَ مِثْلَهُ- أَوْ قَالَ: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ- فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ عَلِمْتُمْ مَا أَبْلاكُمُ اللَّهُ فِي وَجْهِكُمْ هَذَا، فَهَلْ لَكُمْ أَنْ تَطِيبُوا بِهَذَيْنِ السِّفْطَيْنِ أَنْفُسًا لأَمِيرِ الْمُؤْمِنيِنَ لِحَوَائِجِهِ وَأُمُورِهِ وَمَا يَنْتَابُهُ، فَأَجَابُوهُ/ بِصَوْتِ رَجُلٍ وَاحِدٍ: إِنَّا نُشْهِدُ اللَّهَ أَنَّا قَدْ قَبِلْنَا وَطَابَتْ أَنْفُسَنَا لأَمِيرِ الْمُؤْمِنيِنَ، فَدَعَانِي فَقَالَ: قَدْ عَهِدْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ يَوْمَ الْحَرَّةِ وَمَا أَوْصَانَا بِهِ وَمَا اتبعنا من وَصِيَّتَهُ، وَأَمْرَ السِّفْطَيْنِ وَطِيبَ أَنْفُسِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ بِهِمَا، فَقَدْ عَلِمْتُ بِهِ، فَامْضِ بِهِمَا إِلَيْهِ، وَاصْدُقْهُ الْخَبَرَ ثُمَّ ارْجِعْ إِلَيَّ بِمَا يَقُولُ لَكَ، فَقُلْتُ مَا لِيَ بُدٌّ مِنْ صَاحِبٍ، فَقَالَ: خُذْ بِيَدِكَ مَنْ أَحْبَبْتَ، فَأَخَذْتُ بِيَدِ رجل من القوم وانطلقنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، ظ.(4/277)
بِالسِّفْطَيْنِ حَتَّى قَدِمْنَا بِهِمَا الْمَدِينَةَ، فَأَجْلَسْتُ صَاحِبَيَّ مَعَ السِّفْطَيْنِ وَانْطَلَقْتُ فِي طَلَبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنيِنَ عُمَرَ، فَإِذَا بِهِ يُغَدِّي النَّاسَ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عُكَّازٍ وَهُوَ يَقُولُ: يَا بَرْقِيُّ ضَعْ هَا هُنَا. فَجَلَسْتُ فِي عرْضِ الْقَوْمِ لا آكُلُ شَيْئًا، فَمَرَّ بِي فَقَالَ: أَلا تُصِيبُ مِنَ الطَّعَامِ، فَقُلْتُ: لا حَاجَةَ لِي إِلَيْهِ، فَرَآنِي النَّاسُ وَهُوَ قَائِمٌ يَدُورُ [1] فِيهِمْ فَقَالَ: يَا بَرْقِيُّ خُذْ خِوَانَكَ وَقِصَاعَكَ، ثُمَّ أَدْبَرَ فَاتَّبَعْتُهُ فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُ طُرُقَ الْمَدِينَةِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى دَارٍ قَوْرَاءَ عَظِيمَةٍ، فَدَخَلَهَا فَدَخَلْتُ فِي أَثَرِهِ، ثُمَّ انْتَهَى إِلَى حُجْرَةٍ مِنَ الدَّارِ فَدَخَلَهَا فَقُمْتُ مَلِيًّا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ قَدْ تَمَكَّنَ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ، فَقَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ، ادْخُلْ، فَدَخَلْتُ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى وِسَادَةٍ [مُرْتَفِقًا أُخْرَى، فَلَمَّا رَآنِي نَبَذَ إِلَيَّ الَّتِي كَانَ مُرْتَفِقًا، فَجَلَسْتُ عَلَيْهَا] [2] فَإِذَا هِيَ تَعْرَى، وَإِذَا حَشْوُهَا لِيفٌ، قَالَ: يَا جَارِيَةُ أَطْعِمِينَا، فَجَاءَتْ بِقَصْعَةٍ فِيهَا قَدْرٌ مِنْ خُبْزٍ يَابِسٍ، فَصَبَّ عَلَيْهَا زَيْتًا مَا فِيهِ مِلْحٌ وَلا خَلٌّ، فَقَالَ: أَمَا أَنَّهَا لَوْ كَانَت رَاضِيَةٌ لأَطْعَمَتْنَا أَطْيَبَ مِنْ هَذَا، فَقَالَ لِي: ادْنُ، فَدَنَوْتُ، قَالَ: فَذَهَبْتُ أَتَنَاوَلُ مِنْهَا قَدْرَهُ، فَلا وَاللَّهِ لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُجِيزَهَا، فَجَعَلْتُ أَلُوكُهَا مَرَّةً مِنْ ذَا الْجَانِبِ/ وَمَرَّةً مِنْ ذَا الْجَانِبِ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى أَنْ أَسِيغَهَا، وَأَكَلَ هُوَ أَحْسَنُ النَّاسِ أَكْلا لَمْ يَتَعَلَّقْ لَهُ طَعَامٌ بِثَوْبٍ أَوْ شَعْرٍ، حَتَّى رَأَيْتُهُ يَلْطَعُ جَوَانِبَ الْقَصْعَةِ، ثُمَّ قَالَ: يَا جَارِيَةُ اسْقِنَا، فَجَاءَتْ بِسُوَيْقٍ سُلَّتْ، فَقَالَ: أَعْطِهِ، فَنَاوَلَتْنِيهُ، فَجَعَلْتُ إِذَا أَنَا حَرَّكْتُهُ ثَارَ لَهُ غُبَارٌ، فَلَمَّا رَآنِي قَدْ بَشِعْتُ ضَحِكَ، فَقَالَ: مَا لَكَ، أَرِنِيهُ إِنْ شِئْتَ، فَنَاوَلْتُهُ، فَشَرِبَ حَتَّى وَضَعَ عَلَى جَبْهَتِهِ هَكَذَا، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا فَأَرْوَانَا وَجَعَلَنَا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، قُلْت:
قَدْ أَكَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنيِنَ فَشَبِعَ فَرُوِيَ، حَاجَتِي جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، قَالَ: للَّه أَبُوكَ، فَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْت: رَسُولُ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: فباللَّه، لَكَأَنَّمَا خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِهِ تَخَفُّفًا عَلَيَّ وَحَبَا، ثُمَّ قَالَ: لِتُخْبِرَنِي عَنْ مَنْ جِئْتَ مِنْ هَذِهِ، وَجَعَلَ يَقُولُ وَهُوَ يَزْحَفُ إِلَيَّ: للَّه أَبُوكَ، كَيْفَ تَرَكْتَ سَلَمَةَ بْنَ قَيْسٍ؟ كَيْفَ الْمُسْلِمُونَ؟ مَا صَنَعْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟
قُلْتُ: مَا تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ، وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْخَبَرَ عَلَى أَنَّهُمْ نَاصَبُونَا الْقِتَالَ، فَأُصِيبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَرْجَعَ وَبَلَغَ مِنْهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ- أَعْنِي عَلَى الرَّجُلِ- طَوِيلا، قُلْتُ: ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ فَتَحَ عَلَيْنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ، فَتْحًا عَظِيمًا، فَمَلأَ
__________
[1] في الأصل: «وشبع وهو قائم عليهم يدور» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من أ، ظ.(4/278)
الْمُسْلِمُونَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ مَتَاعٍ وَرَقِيقٍ وَرَفَهٍ مَا شَاءُوا، قَالَ: وَيْحَكَ، كَيْفَ اللَّحْمُ بِهَا فَإِنَّهَا شَجَرَةُ الْعَرَبِ لا تَصْلُحُ الْعَرَبُ إِلا بِشَجَرَتِهَا [1] ، قُلْتُ: الشَّاةُ بِدِرْهَمَيْنِ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ هَلْ أُصِيبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ ذَلِكَ الرَّجُلِ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: مَا يَسُرُّنِي، إِنَّمَا يَسُرُّكُمْ أُضَعِّفُ لَكُمْ، وَإِنَّهُ أُصِيبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ آخَرُ.
قَالَ: وَجِئْتُ إِلَى ذكر السَّفَطَيْنِ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَهُمَا، فباللَّه الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَكَأَنَّمَا أَرْسَلْتُ عَلَيْهِ الأَفَاعِي وَالأَسَاوِدَ وَالأَرَاقِمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ/ [بِوَجْهِهِ] [2] آخِذًا بِحِقْوَيْهِ، وَقَالَ: للَّه أَبُوكَ وَعَلَى مَا يَكُونَانِ لِعُمَرَ، وَاللَّهِ لَيَسْتَقْبِلَنَّ الْمُسْلِمُونَ الظَّمَأَ وَالْجُوعَ فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ [3] ، وَعُمَرُ يَغْدُو بَيْنَ أَهْلِهِ وَيَرُوحُ إِلَيْهِمْ يَتَّبِعُ إِمَاءَ الْمَدِينَةِ، ارْجِعْ بِمَا جِئْتَ بِهِ فَلا حَاجَةَ لِي فِيهِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ، إِنَّهُ أَبْدَعُ بِي وَبِصَاحِبَيَّ، فَاحْمِلْنَا، فَقَالَ: لا وَلا كَرَامَةَ لِلآخَرِ، مَا جِئْتَ بِمَا أُسَرُّ بِهِ فَأَحْمِلُكَ، قُلْتُ: يَا لَعِبَادِ اللَّهِ أَيُتْرَكُ رَجُلٌ بَيْنَ أَرْضَيْنِ، قَالَ: أَمَا لَوْلا أَنْ قُلْتَهَا [قُلْتُ] يَا بَرْقِيُّ انْطَلِقْ بِهِ فَاحْمِلْهُ وَصَاحِبَهُ عَلَى نَاقَتَيْنِ ظَهِيرَتَيْنِ مِنْ إِبِلِ الصدقة ثم انخس بهما حتى تخرجهما مِنَ الْحَرَّةِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: أَمَا لَئِنْ شَتَا الْمُسْلِمُونَ فِي مَشْتَاهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمَا بَيْنَهُمْ لأُعَذِّرَنَّ مِنْكَ وَمِنْ صُوَيْحِبِكَ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا انْتَهَيْتَ إِلَى الْبِلادِ فَانْظُرْ أَحْوَجَ مَنْ تَرَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَادْفَعْ إِلَيْهِ النَّاقَتَيْنِ.
ثُمَّ خَرَجْنَا مِنْ عِنْدَ عُمَرَ، وَسِرْنَا حَتَّى آتَيْنَا سَلَمَةَ بْنَ قَيْسٍ، فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ:
ادْعُ لِي الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا جَاءُوا قَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ قَدْ وَفَّرَ عَلَيْكُمْ سَفَطِيكُمْ [4] ، ورآكم أحق بهما منه، فَاقْتَسِمُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، فَقَالُوا: أَصْلَحَكَ اللَّهُ أَيُّهَا الأَمِيرُ، إِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُمَا نَظَرٌ وَتَقْوِيمٌ وَقِسْمَةٌ [5] . فَقَالَ: وَاللَّهِ لا تَبْرَحُونَ وَأَنْتُمْ تُطَالِبُونِي مِنْهَا بِحَجَرٍ وَاحِدٍ [6] . فَعَدَّ الْقَوْمَ وَعَدَّ الْحِجَارَةَ، فَرُبَّمَا طَرَحُوا إِلَى الرَّجُلِ الْحَجَرَيْنِ، وَفَلَقُوا الْحَجَرَ بين اثنين.
__________
[1] كذا في الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[3] في الأصل: «في نحور الأعداء» .
[4] في الأصل: «قد وفركم سفطيكم» .
[5] في الأصل: «إنه ينبغي فيها النظر التام والتقويم ثم القسمة» .
[6] «واحد» : سقط من أ، ظ.(4/279)
[أَنْبَأَنَا مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أخبرنا أحمد بن عبد الله، حدثنا السري بن يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ] [1] ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
لَمَّا قُدِمَ بِغَنَائِمِ نُهَاوَنْدَ عَلَى عُمَرَ بَكَى، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: لَيْسَ هَذَا مَكَانَ حُزْنٍ [وَلا بُكَاءٍ] [2] ، وَلَكِنْ بُشْرَى، فَافْرَحْ وَاحْمَدِ اللَّهَ، فقال: ويحك يا ابن عَوْفٍ، وَاللَّهِ مَا كَثُرَتِ الصَّفْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلا فُتِنُوا فَتَقَاتَلُوا وَتَدَابَرُوا حَتَّى يُدَمِّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: وَجَعَلَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ/ لا يَلْقَى مِنَ السَّبْيِ صَغِيرًا إِلا مَسَحَ رَأْسَهُ وَبَكَى [3] ، وَقَالَ: أَكَلَ عُمَرُ كَبِدِي، وَلا يَلْقَى أَيْضًا [4] كَبِيرًا إِلا بَكَى إِلَيْهِ وَأَسْعَدَهُ، وَكَانَ نُهَاوَنْدِيًّا فَأَسَرَتْهُ الرُّومُ أَيَّامَ فَارِسَ [5] .
وَافْتُتِحَتْ نُهَاوَنْدُ [6] فِي أَوَّلِ سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ. وَقَدْ ذكر أَبُو مَعْشَرٍ أَنَّ فَتْحَ جَلُولاءَ وَقَيْسَارِيَّةَ كان في سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ. قَالَ: وَكَانَ الأَمِيرُ عَلَى فَتْحِ قَيْسَارِيَّةَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ.
وَذكر ابْنُ إِسْحَاقَ [7] أَنَّ فَتْحَ الْحِيرَةِ وَالرُّهَا وَحَرَّانَ وَرَأْسِ الْعَيْنِ وَنَصِيبِينَ كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ
. وَفِي هذه السنة بنى عُمَر رضي اللَّه عَنْهُ مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ
وزاد فِي مقدمه إِلَى موضع المقصورة، وزاد فِي ناحية دار مَرْوَان، وعمل بالجريد سقفه، وجعل عمده الخشب، وَقَالَ: هَذَا بَاب للنساء.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الشعبي» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] «رأسه» : سقط من أ، ظ.
[4] «لقي أيضا» : سقط من أ.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 136.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 102.
[7] تاريخ الطبري 4/ 102.(4/280)
وَفِي هذه السنة [فتح الجزيرة] .
أمر سَعْد بْن أَبِي وقاص، فبعث عياض بْن غنم إِلَى الجزيرة، فنزل بجنده عَلَى الرها، فصالحه أهلها عَلَى الجزية، وصالحت حران حِينَ صالحت الرها، ثُمَّ بعث أبا موسى الأشعري إِلَى نصيبين، وسار سَعْد يتبعه إِلَى دارا فافتتحها. وفتح أبا موسى نصيبين.
ثُمَّ وجه عُثْمَان بْن أَبِي العاص إِلَى أرمينية، فكان هناك قتال أصيب فِيهِ صفوان بْن المعطل واستشهد، ثُمَّ صالحه أهلها عَلَى كُل أَهْل بَيْت دينار
. وفيها سالت حرة ليلى نارا.
فيما ذكر الواقدي [1] ، فأراد عُمَر الخروج إِلَيْهَا بالرجال، ثُمَّ أمرهم بالصدقة، فجاء عُثْمَان وعبد الرَّحْمَن وغيرهما بأموال، فقام عُمَر يقسمها فانطفأت.
وَقَالَ ابْن حبيب: هذه النار خرجت بخيبر
. وفيها حج عُمَر رضي اللَّه عَنْهُ بالناس
وَكَانَ عماله عَلَى الأمصار وقضاته الَّذِينَ كَانُوا فِي سَنَة ثمان عشرة
. ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
212- الأغلب بْن جشم/ بْن سَعْد بْن عجل بْن جشم:
عُمَر فِي الجاهلية طويلا، وأدرك الإِسْلام، فحسن إسلامه، وهاجر، ثُمَّ كَانَ مِمَّن توجه إِلَى الكوفة مَعَ سَعْد بْن أَبِي وقاص، فاستشهد فِي وقعة نهاوند، فقبره هناك مَعَ قبور الشهداء، وَهُوَ أول من رجز الأراجيز، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ كتب إِلَى
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 102.(4/281)
المُغِيرة بْن شُعْبَة وَهُوَ عَلَى الكوفة: أَن استنشد من قبلك من الشعراء مَا قالوه فِي الإِسْلام، فَقَالَ لبيد: أبدلني اللَّه سورة البقرة مكان الشعر، وجاء الأغلب بْن المغيرة، فَقَالَ:
أرجزا تريد أم قصيدا ... لَقَدْ سألت هينا موجودا
فكتب المغيرة بِذَلِكَ إِلَى عُمَر، فنقص من عطاء الأغلب خمسمائة وجعلها في عطاء لبيد، [فكتب الأغلب إِلَى عُمَر: أتنقص عطائي إِن أطعتك، فرد عليه خمسمائة وأقرها فِي عَطَاء لبيد] [1]
. 213- صفوان بْن المعطل بْن رخيصة أَبُو عَمْرو الذكواني السلمي:
أسلم قبل غزوة المريسيع، وشهدها مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وشهد الخندق والمشاهد بعدها، قتل يَوْم أرمينية، وقيل: مات بشميشاط سَنَة ستين
. 214- طليحة بْن خويلد بْن نوفل بْن نضلة بْن الأشتر بْن جحوان:
وَكَانَ طليحة يعد بألف فارس لشدته وشجاعته وبصره بالحرب.
وفد طليحة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي سَنَة تسع فِي جَمَاعَة فأسلموا، ثُمَّ ارتدوا، وادعى النبوة- عَلَى مَا سبق شرحه- فلما أوقع بهم خَالِد بْن الْوَلِيد ببزاخة هرب طليحة حَتَّى قدم الشام، فأقام حَتَّى توفي أَبُو بَكْر رضي اللَّه عَنْهُ، ثُمَّ خرج محرما بالحج، وقدم مكة، فلما رآه عُمَر قَالَ: يا طليحة، لا أحبك بَعْد قتل الرجلين الصالحين: عكاشة بْن محصن، وثابت بْن أقرم- وكانا طليعتين لخالد بْن الْوَلِيد فلقيهما طليحة وأخوه سلمة فقتلاهما- فَقَالَ طليحة/: يا أمير المؤمنين، رجلان أكرمهما اللَّه بيدي وَلَمْ يهني بأيديهما. فأسلم إسلاما صحيحا، وشهد القادسية ونهاوند، وكتب عُمَر رضي اللَّه عَنْهُ:
شاوروا طليحة فِي حربكم ولا تولوه شَيْئًا، وقتل بنهاوند
. 215- عَمْرو بن معديكرب بْن عبيد الله بْن عَمْرو بْن عصم بْن عَمْرو بْن زبيد، أَبُو ثور الزبيدي:
كَانَ فارسا شجاعا شاعرا، لَهُ فِي الجاهلية الغارات العظيمة والوقائع العجيبة، وَكَانَ عَلَى سَيْفه مكتوب:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(4/282)
ذكر عَلَى ذكر يصول بصارم ... ذكر يمان فِي يمين يماني
كَانَ عَمْرو لقي حيي الكندية بذي المجاز- وَهِيَ سوق عرفات- فأعجبه جمالها وعقلها، فعرض عَلَيْهَا نَفْسه وَقَالَ: هل لك في كفؤ كريم ضروب لهام الرجال غشوم موات لَكَ طيب الجسم من سَعْد العشيرة فِي الصميم، قالت: أمن سَعْد العشيرة؟ قَالَ:
من سَعْد العشيرة في أرومة محتدها وعزتها المنيرة إِن كنت بالفرصة بصيرة، قالت: إِن لي بعلا يصدق اللقاء، ويخيف الأعداء، ويجزل العطاء، قال: لو علمت أَن لَكَ بعلا مَا سمتك نفسك ولا عرضت نفسي عليك، فكيف أَنْتَ إِن قتلته؟ قالت: لا أصيف عنك ولا أعدل بك ولا أقصر دونك، وإياك أَن يغرك قولي فتعرض نفسك للقتل، فإني أراك مفردا من الناصر والأهل، وصاحبي فِي عزة من الأهل وكثرة المال، فانصرف عَنْهَا عَمْرو، وجعل يتبعها وَهِيَ لا تعلم، فلما قدمت عَلَى زوجها سألها عما رأت فِي طريقها، فقالت: رأيت رجلا مخيلا للناس يتعرض للقتال، ويخطب حلائل الرجال، فعرض نَفْسه عليّ فوصفتك لَهُ. / فَقَالَ زوجها [1] : ذاك عَمْرو، ولدتني أمه إِن لَمْ أتك به مقرونا مجنونا إلى حمل صعب المراس غَيْر ذلول.
فلما سمع عَمْرو كلامه دَخَلَ عَلَيْهِ بغتة فقتله، ووقع عَلَيْهَا، فلما قضى وطره منها قَالَ لَهَا: إني لَمْ أقع عَلَى امرأة قط- فِي جماعي إلا حملت، ولا أراك إلا قَدْ فعلت، فَإِن رزقت غلاما فسميته الخزر، وإن رزقت جارية فسميها عكرشة، وجعل ذَلِكَ بينهما إمارة، ثُمَّ مضى لطيبه، ثُمَّ خرج يوما يتعرض للقتال [2] ، فَإِذَا هُوَ برجل عَلَى فرس شاكي السلاح، فدعاه عَمْرو للمبارزة، فلما اتحدا صرع الفتى عمرا وجلس عَلَى صدره يريد ذبحه، فَقَالَ لَهُ: من أَنْتَ؟ قَالَ: أنا عَمْرو، فقام الفتى عَن صدره وَقَالَ: أنا ابنك الخزر، فَقَالَ لَهُ عَمْرو: سر إِلَى صنعاء ولا تنافني فِي بلد، فلم يلبث أَن ساد من هُوَ بَيْنَ ظهريه، فاستنفروه وأمروه بقتال أَبِيهِ، وشكوا إِلَيْهِ غارات عَمْرو عَلَيْهِم، فالتقيا فقتله عمرو.
__________
[1] «زوجها» : سقطت من أ.
[2] في أ: «فما كان إلا برهة حتى خرج يوما يتعرض للقتال» .(4/283)
[وَرَوَى عَبَّاسُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي] [1] أَبُو الْمُنْذِرِ، عَن أَبِيهِ، قَالَ: لما انتهى خبر رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إِلَى عَمْرِو بْنِ مَعْدِيَكْرُبَ قَالَ لِقَيْسِ بْنِ مَكْشُوحٍ: يَا قَيْسُ إِنَّكَ سَيِّدُ قَوْمِكَ، وَقَدْ ذكر لِي أَمْرَ هَذَا الْقُرَشِيِّ الظَّاهِرِ بِالْحِجَازِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَانْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ فَلْنَعْلَمْ عِلْمَهُ، فَإِنْ كَانَ نَبِيًّا كَمَا يَقُولُ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا أَمْرُهُ، فَأَبَى قَيْسٌ وَسَفَّهَ رَأْيَهُ، فَرَكِبَ عَمْرٌو رَاحِلَتَهُ مَعَ وَفْدٍ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ.
قَالَ عَمْرٌو: فَوَافَيْتُهُ قَافِلا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَذَهَبْتُ أَتَقَدُّم إِلَيْهِ فَمُنِعْتُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى أَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَقَالَ: خَلُّوا سَبِيلَ الرَّجُلِ، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْعِمْ صَبَاحًا أَبَيْتَ اللَّعْنَ، / فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «يَا عَمْرُو، إِنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ، فَآمِنْ باللَّه ورسوله يؤمنك الله يَوْمَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ» . قَالَ عَمْرٌو: مَا الْفَزَعُ؟ فَإِنِّي لا أَفْزَعُ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلم: «إنه لَيْسَ بِمَا تَرَى وَتَحْسَبُ، إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ صِيحَ بِالنَّاسِ صَيْحَةً لا يَبْقَى ذُو رُوحٍ إِلا مَاتَ، وَلا مَيِّتٍ إِلا نُشِرَ، وَمَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، وَتَلَجُّ تِلْكَ الصَّيْحَةَ حَتَّى تَدُورُ مِنْهَا الأَرْضُ، وَتَخِرُّ مِنْهَا الْجِبَالُ، وَتَنْشَقُّ مِنْهَا السَّمَاءُ، وَتَبْرُزُ النَّارُ لَهَا لِسَانَانِ تَرْمِي بِشَرَرٍ مِثْلَ أَفْلاقِ الْجِبَالِ، فَلا يَبْقَى ذُو رُوحٍ إِلا انْخَلَعَ قَلْبُهُ، وَذكر ذَنْبَهُ، فَأَيْنَ أَنْتَ مِنَ الْفَزَعِ يَا عَمْرُو؟» . قَالَ عَمْرٌو: لا أَيْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَأَسْلِمْ إِذَنْ» قَالَ عَمْرٌو: فَأَسْلَمْتُ.
قَالَ علماء السير: أسلم عَمْرو، وسمع من رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وروى عَنْهُ، ثُمَّ ارتد بَعْد رَسُول اللَّه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، ثُمَّ عاد إِلَى الإِسْلام، وبعثه عُمَر إِلَى سَعْد بْن أَبِي وقاص بالقادسية، وكتب إِلَيْهِ: قَدْ أمددتك بألفي رجل: عَمْرو بْن معديكرب، وطليحة بْن خويلد، فشاورهما فِي الحرب ولا تولهما شَيْئًا، فأبلى عَمْرو يومئذ بلاء حسنا. قَالَ عَمْرو: وكانت خيل الْمُسْلِمِينَ تنفر من الفيلة يَوْم القادسية وخيل الفرس لا تنفر، فأمرت رجلا فترس عني ثُمَّ دنوت من الفيل وضربت خطمه فقطعته، [فنفر] [2] ونفرت الفيلة فحطمت العسكر، وألح المسلمون عَلَيْهِم حَتَّى انهزموا، وَكَانَ لعمرو يومئذ من العمر ثلاثين ومائة سنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى أبو المنذر» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.(4/284)
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يسأل عمرو بن معديكرب عَن أشياء، فسأله عَن الحرب، فَقَالَ: مرة المذاق إِذَا كشفت عَن ساق، من صبر فِيهَا عرف، ومن ضعف فِيهَا تلف. وسأله عَن السلاح، فَقَالَ: مَا تقول فِي الرمح؟ / فَقَالَ: أخوك وربما خانك، قَالَ: فالنبل؟ قَالَ: منايا تخطىء وتصيب، قَالَ: فالدرع؟ قَالَ: مشغلة للفارس متعبة للراجل، وإنه لحصن حصين، قَالَ: فالترس؟ قَالَ: هُوَ المجن عَلَيْهِ تدور الدوائر، قَالَ: فالسَّيْف؟ قال: عندها فارتقتك أمك عَن الثكل، فَقَالَ لَهُ عُمَر: بَل أمك، قَالَ: بَل أمي والحمى أضرعتني لَكَ، وَهَذَا مثل معناه: أَن الإِسْلام أدلني ولو كنت فِي الجاهلية لَمْ تجسر أَن ترد علي.
وَقَالَ لَهُ يوما: حَدَّثَنِي عَن أشجع من لقيت، وأجبن من لقيت. فَقَالَ مَا.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الْحَافِظ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَك بْن عَبْد الجبار، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حيويه، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر بْن خلف، وحدثنا عَنْهُ مُحَمَّد بْن حريث، أَخْبَرَنَا القاسم بْن الْحَسَن، أَخْبَرَنَا العمري، أَخْبَرَنَا الهيثم بْن عدي، عَن عَبْد اللَّهِ بْن عياش، عَن مجالد] [1] ، عَنِ الشعبي، قَالَ:
دَخَلَ عمرو بن معديكرب يوما عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ:
يا عَمْرو أخبرني عَن أشجع من لقيت، وأحيل من لقيت، وأجبن من لقيت، قَالَ: نعم يا أمير الْمُؤْمِنيِنَ.
خرجت مرة أريد الغارة، فبينما [2] أنا أسير إِذَا أنا بفرس مشدود ورمح مركوز، وإذا رجل جالس، و [إذا] هُوَ كأعظم [3] مَا يَكُون من الرجال خلقة، وَهُوَ مجتب بسَيْف، فَقُلْتُ لَهُ: خذ حذرك فإني قاتلك، فَقَالَ: من أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: أنا عمرو بن معديكرب، فشهق شهقة فمات، فهذا أجبن من رأيت يا أمير الْمُؤْمِنيِنَ.
وخرجت يوما آخر حَتَّى انتهيت إِلَى حي، فَإِذَا أنا بفرس مشدود ورمح مركوز، وإذا صاحبه فِي وهدة يقضي حاجته، فَقُلْتُ لَهُ: خذ حذرك فإني قاتلك، قال: من أنت؟
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الشعبي» .
[2] في الأصل: «فبينا أنا في السير وإذا بفرس» .
[3] في الأصل: «وهو كأعظم» .(4/285)
قلت: أنا عمرو بن معديكرب، فَقَالَ: يا أبا ثور مَا أنصفتني، أَنْتَ عَلَى ظهر فرسك، وأنا فِي بئر، فاعطني عهدا أنك لا تقتلني حَتَّى أركب فرسي وآخذ حذري، فأعطيته عهدا ألا أقتله حَتَّى يركب فرسه ويأخذ حذره، فخرج من الموضع الَّذِي كَانَ فِيهِ، ثُمَّ اجتبى بسَيْفه وجلس، فَقُلْتُ: مَا/ هَذَا؟ قَالَ: مَا أنا براكب فرسي ولا بمقاتلك، فهذا يا أمير الْمُؤْمِنيِنَ أحيل من رأيت.
ثُمَّ إني خرجت يوما آخر حَتَّى انتهيت إِلَى موضع كنت أقطع فِيهِ، فلم أر أحدا فأجريت فرسي يمينًا وشمالا، فَإِذَا أنا بفارس، فلما دنا مني إِذَا هُوَ غلام وجهه من أجمل من رأيت من الفتيان وأحسنهم، وإذا هُوَ قَدْ أقبل من نَحْو اليمامة، فلما قرب مني سلم، فرددت عَلَيْهِ وقلت: من الفتى؟ فَقَالَ: الْحَارِث بْن سَعْد فارس الشهباء، فَقُلْتُ لَهُ: خذ حذرك فإني قاتلك، فمضى وَلَمْ يلتفت إلي فَقُلْتُ لَهُ: يا فتى خذ حذرك فإني قاتلك.
قَالَ: الويل لَكَ، من أَنْتَ؟ قلت: أنا عمرو بن معديكرب، قَالَ: الحقير الذليل، والله مَا يمنعني من قتلك إلا استصغارك، قَالَ: فتصاغرت نفسي إلي وعظم عندي مَا استقبلني بِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: خذ حذرك، فو الله لا ينصرف إلا أحدنا، قال: أغرب ثكلتك أمك فإني من أَهْل بَيْت مَا نكلنا عَن فارس قط، فَقُلْتُ: هُوَ الَّذِي نسمع، فاختر لنفسك، فَقَالَ: إِمَّا أَن تطرد لي أَوْ أطرد لَكَ، فاغتممتها منه فَقُلْتُ: أطرد لي، فأطرد وحملت عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا قُلْت إني قَدْ وضعت الرمح بَيْنَ كتفيه إِذَا هُوَ قَدْ صار حزاما لفرسه ثُمَّ اتبعني فقرع بالقناة رأسي وَقَالَ: يا عَمْرو خذها إليك واحدة، فو الله لولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك، فتصاغرت إلي نفسي وَكَانَ الْمَوْت والله يا أمير الْمُؤْمِنيِنَ أحب إلي مِمَّا رأيت، فَقُلْتُ: والله لا ينصرف إلا أحدنا، فَقَالَ: اختر لنفسك، فَقُلْتُ: أطرد لي فأطرد، فظننت أني قَدْ تمكنت منه، فاتبعته حَتَّى إِذَا ظننت أني قَدْ وضعت الرمح بَيْنَ كتفيه، فَإِذَا هُوَ قَدْ صار لببا لفرسه، ثُمَّ اتبعني فقرع رأسي بالقناة وَقَالَ: يا عَمْرو خذها إليك اثنتين/ فتصاغرت إلي نفسي فَقُلْتُ: والله لا ينصرف إلا أحدنا، فَقَالَ: اختر لنفسك، فَقُلْتُ:
أطرد لي، فأطرد حَتَّى إِذَا قُلْتُ وضعت الرمح بين كتفيه، وثبت عَن فرسه، فَإِذَا هُوَ عَلَى الأرض فأخطأته ومضيت فاستوى عَلَى فرسه فاتبعني فقرع رأسي بالقناة، وَقَالَ: يا عَمْرو خذها إليك ثلاثا، ولولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك، فَقُلْتُ لَهُ: اقتلني أحب إلي مِمَّا أرى بنفسي وأن يسمع فتيان العرب هذا، فقال لي: يا عَمْرو، إِنَّمَا العفو ثَلاث مرات،(4/286)
إني إِن استمكنت منك الرابعة قتلتك، وأنشأ يرتجز وَيَقُول:
وكدت أغلاظا من الإيمان ... إِن عدت يا عَمْرو إِلَى الطغيان
لتوجزن لهب الشبان ... وإلا فلست من بَنِي شيبان
فلما قَالَ هَذَا هبته هيبة شديدة، وقلت لَهُ إِن بي إليك حاجة، قَالَ: وَمَا هِيَ؟
قُلْت: أكون لَكَ صاحبًا، ورضيت بِذَلِكَ يا أمير الْمُؤْمِنيِنَ، قَالَ: لست من أَصْحَابي، وَكَانَ ذَلِكَ والله أشد وأعظم مِمَّا صنع، فلم أزل أطلب إِلَيْهِ حَتَّى قَالَ [1] : ويحك وهل تدري أين أريد؟ قُلْت: لا، قَالَ: أريد الْمَوْت عيانًا، فَقُلْتُ: رضيت بالموت معك، قَالَ: امض بنا فسرنا جميعا يوما حَتَّى جننا الليل وذهب شطره، فوردنا عَلَى حي من أحياء العرب، فَقَالَ لي: يا عَمْرو، فِي هَذَا الحي الْمَوْت، وأومأ إِلَى قبة فِي الحي، فَقَالَ: وَفِي تلك القبة الْمَوْت الأحمر، فإما أَن تمسك علي فرسي فأنزل فآتي بحاجتي، وإما أَن أمسك عليك فرسك وتأتيني بحاجتي، فَقُلْتُ: لا بَل انزل، / فأنت أعرف بموضع حاجتك، فرمى إلي بعنان فرسه ونزل، ورضيت والله يا أمير الْمُؤْمِنيِنَ أَن أكون له سائسا، ثم مضى حَتَّى دَخَلَ القبة فاستخرج منها جارية لَمْ تر عيناي قط مثلها حسنا وجمالا، فحملها عَلَى ناقة ثُمَّ قَالَ لي: يا عَمْرو، قُلْت: لبيك، قَالَ: إِمَّا أَن تحميني وأقود أنا، وإما أَن أحميك وتقود أَنْتَ، قُلْت: لا بَل تحميني [2] وأقود أنا، فرمى إلي بزمام ناقته ثُمَّ سرنا بَيْنَ يديه وَهُوَ خلفنا حَتَّى إِذَا أصبحنا قَالَ لي: يا عَمْرو، قُلْت: لبيك مَا تشاء، قَالَ: التفت فانظر هل ترى أحدًا؟ فالتفت فَقُلْتُ: أرى جمالا، قَالَ: اغذذ السير، ثُمَّ قَالَ لي: يا عَمْرو، قُلْت: لبيك، قَالَ: انظر فَإِن كَانَ الْقَوْم قليلا فالجلد والقوة وَهُوَ الْمَوْت، وإن كانوا كثيرا فليسوا بشيء، قال: فالتفت فَقُلْتُ: هم أربعة أَوْ خمسة، قَالَ:
أغذ السير، ففعلت وسمع وقع الخيل عَن قرب، فَقَالَ لي: يا عَمْرو، كن عَن يمين الطريق وقف وحول وجوه دوابنا [إِلَى الطريق] ففعلت ووقفت عن يمين الراحلة، ووقف هُوَ عَن يسارها، ودنا الْقَوْم منا فَإِذَا هم ثلاثة نفر فيهم شيخ كبير، وَهُوَ أَبُو الجارية،:
وأخواها غلامان شابان، فسلموا فرددنا السَّلام [3] ووقفوا عَن يسار الطريق، فَقَالَ
__________
[1] في الأصل: «فلم أزل أخضع له، قال» .
[2] «لا بل تحميني» : ساقطة من أ.
[3] «فسلموا فرددنا السلام» : ساقطة من أ.(4/287)
الشَّيْخ: خل عَن الجارية يا ابْن أخي، فَقَالَ: مَا كنت لأخليها ولا لِهَذَا أخذتها، فَقَالَ لأصغر ابنيه: اخرج إِلَيْهِ، فخرج وَهُوَ يجر رمحه، وحمل عَلَيْهِ الْحَارِث وَهُوَ يرتجز وَيَقُول:
من دون مَا ترجوه خضب الذابل ... من فارس مستكتم مقاتل
ينمي إِلَى شيبان خير وابل ... مَا كَانَ سيري نحوها بباطل
ثُمَّ شد عَلَيْهِ فطعنه طعنة دق منها صلبه فسقط ميتا. فَقَالَ الشيخ لابنه الآخر:
اخرج إِلَيْهِ يا بَنِي فلا خير فِي الحياة عَلَى الذل، فخرج إِلَيْهِ فأقبل الْحَارِث يرتجز وَيَقُول:
لَقَدْ رأيت كَيْفَ كانت طعنتي ... [والطعن] للقرن شديد بهمتي
والموت خير من فراق خلتي ... فقتلي اليوم ولا مذلتي
ثُمَّ شد عَلَيْهِ فطعنه طعنة سقط منها ميتا، فَقَالَ لَهُ الشيخ: خل عَن الظعينة يا ابْن أخي، فأنى لست كمن رأيت، قَالَ: مَا كنت لأخليها ولا لِهَذَا قصدت، فَقَالَ الشيخ:
اختر يا ابْن أخي، فَإِن شئت طاردتك، وإن شئت نازلتك، قَالَ: فاغتنمها الفتى فَقَالَ:
نازلني [1] ، ثُمَّ نزل ونزل الشيخ وَهُوَ يرتجز وَيَقُول:
مَا أرتجي عِنْدَ فناء عمري ... سأجعل السنين مثل الشهر [2]
شيخ يحامي دون بيض الخدر ... إِن استباح البيض قصم الظهر
سوف ترى كَيْفَ يَكُون صبري فأقبل إِلَيْهِ الْحَارِث وَهُوَ يرتجز وَيَقُول:
بَعْد ارتحالي وطويل سفري ... وَقَدْ ظفرت وشفيت صدري
والموت خير من لباس الغدر ... والعار أهديه لحي بَكْر
ثُمَّ دنا فَقَالَ لَهُ الشيخ: يا ابْن أخي إِن شئت ضربتك، فَإِن بقيت فيك قوة ضربتني، وإن شئت فاضربني فَإِن بقيت فِي قوة ضربتك، فاغتنمها الفتى فَقَالَ: أنا أبدأ
__________
[1] «فقال نازلني» : ساقطة من أ.
[2] في الأصل: «مثل شهر» .(4/288)
أول [1] ، قَالَ: هات، فرفع الْحَارِث السَّيْف، فلما نظر الشيخ أنه قَدْ أهوى بِهِ إِلَى رأسه ضرب بطنه ضربة قَدْ منها أمعاءه، ووقعت ضربة الْحَارِث فِي رأسه فسقطا ميتين، فأخذت يا أمير المؤمنين أربعة أفراس وأربعة أسياف، ثُمَّ أقبلت إِلَى الناقة، فقدت أعنة الأفراس بعضها إِلى بَعْض وجعلت أقودها، فقالت لي الجارية: يا عَمْرو، إِلَى أين ولست لي بصاحب ولست كمن رأيت، ولو كنت صاحبي لسلكت سبيلهم، فَقُلْتُ: اسكتي، قالت: فَإِن كنت صادقا فاعطني رمحا أو سيفا فإن غلبتني فأننا لَكَ وإن غلبتك قتلتك، فَقُلْتُ لَهَا: مَا [أنا] [2] بمعطيك ذَلِكَ وَقَدْ عرفت أصلك وجرأة قومك وشجاعتهم، فرمت بنفسها عَن البعير ثُمَّ أقبلت إلي وَهِيَ ترتجز وتقول:
أبعد شيخي وبعد أخوتي ... أطلب عيشا بعدهم فِي لذتي
هلا يَكُون قبل ذا منيتي
ثُمَّ أهوت إِلَى الرمح وكادت تنتزعه من يدي، فلما رأيت ذَلِكَ منها خفت إِن هِيَ ظفرت بي أَن تقتلني فقتلتها.
فهذا أشد مَا رأيت يا أمير الْمُؤْمِنيِنَ، فَقَالَ عُمَر: صدقت.
قَالَ علماء السير: قتل النعمان وطليحة وعمرو بن معديكرب يَوْم نهاوند وقبورهم هناك.
/ وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: دفن عمرو بن معديكرب بروذة [3] وَهِيَ بَيْنَ قم والري، وهناك مَات.
ورثته امرأة فقالت:
لَقَدْ غادر الركب [4] الَّذِينَ تحملوا ... بروذة شخصا لا ضعيفا ولا غمرا
فقل لزبيد بَل لمذحج كلها ... فقدتم أبا ثور سبابتكم عمرا
وإن تجزعوا لَمْ تغن ذَلِكَ مغره ... ولكن سلوا الرحمن يعقبكم صبرا
__________
[1] في الأصل: «أنا أبدؤك» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] معجم ما استعجم 2/ 684، والروض المعطار 274.
[4] في أ: «لقد عادل الركب» .(4/289)
وقيل: إنه بقي إِلَى خلافة عُثْمَان. وقيل: أدرك خلافة مُعَاوِيَة، وَالأَوَّل أصح
. 216- عياش بْن [أَبِي] ربيعة بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم [1] :
أمه أسماء بنت مخرمة، أم أَبِي جهل، فَهُوَ أخو أَبِي جهل لأمه. أسلم قبل دخول رَسُول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثَّانِيَة، ثُمَّ قدم مكة، ثُمَّ هاجر إِلَى المدينة وصاحب عُمَر بْن الْخَطَّاب، فلما نزل قباء قدم عَلَيْهِ أخواه لأمه، أَبُو جهل والحارث ابنا هِشَام، فلم يزالا بِهِ حَتَّى رداه إِلَى مكة فأوثقاه وحبساه، ثُمَّ أفلت فقدم المدينة، فلم يزل بها. فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ خرج إِلَى الشام مجاهدا، ثُمَّ عاد إِلَى مكة، فتوفي بها. رحمه اللَّه
. 217- النعمان بْن عَمْرو بْن مقرن بْن عائذ بْن عَمْرو:
شهد الخندق مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فِي ستة أخوة لَهُ، النعمان، وسويد، وسنان، ومعقل، وعقيل، وعبد الرَّحْمَن.
وَكَانَ النعمان يحمل أحد ألوية مزينة الثلاثة يَوْم الفتح، وكان أمير الناس يوم نهاوند، وعلى ميمنته الأشعث بْن قيس، وعلى ميسرته المغيرة بْن شُعْبَة.
وَكَانَ النعمان أول قتيل قتل يومئذ، على ما سبق ذكره/ [2] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 5/ 329.
[2] «على ما سبق ذكره» : ساقطة من أ، ظ.(4/290)
ثُمَّ دخلت سَنَة عشرين
ذكر ابْن إِسْحَاق أَن فتح قيسارية، وهرب هرقل، وفتح مصر كَانَ فِي سَنَة عشرين.
وَقَدْ ذَكَرْنَا عَن أَبِي معشر أَن قيسارية فتحت فِي سَنَة عشر. [وَقَالَ سَيْف: فتحت مصر وقيسارية فِي سَنَة ست عشرة، وَقَالَ أَبُو معشر] [1] : فتحت إسكندرية فِي سَنَة عشرين.
قَالَ الواقدي: ومصر أيضا. وَقَالَ يَزِيد بْن أَبِي حبيب: فتحت مصر يَوْم الجمعة مستهل المحرم سَنَة عشرين. وَقَالَ سَيْف: فتحتا سَنَة ست وعشرين. وَقَالَ زِيَاد بْن جراء الزبيدي: فتحتا فِي سَنَة إحدى وعشرين، أَوِ اثنتين وعشرين [2] .
ذكر الْخَبَر عَن فتح مصر والإسكندرية [3]
قَالَ ابْن إِسْحَاق: لما فرغ عُمَر من الشام كلها كتب إِلَى عَمْرو بْن العاص أَن يسير إِلَى مصر، فخرج حَتَّى افتتح بَاب البون فِي سَنَة عشرين، ثُمَّ افتتح القرى، فأرسل صاحب الإسكندرية إِلَى عَمْرو بْن العاص: «قَدْ كنت أخرج الجزية إِلَى من هُوَ أبغض إلي منكم: فارس والروم، فَإِن أحببت أَن أعطيك الجزية عَلَى أَن ترد علي مَا أصبتم من سبايا أرضي فعلت» .
فبعث إِلَيْهِ عَمْرو بْن العاص: «إِن ورائي أميرا لا أستطيع أَن اصنع أمرا دونه، فَإِن شئت أَن أمسك عنك وتمسك عني حَتَّى أكتب إِلَيْهِ» .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 4/ 104.
[3] تاريخ الطبري 4/ 104- 112. البداية والنهاية 7/ 107- 110. والكامل 2/ 405- 408.(4/291)
فَقَالَ: نعم، فكتب إِلَى عُمَر، فكتب إِلَيْهِ عُمَر: «اعرض عَلَى صاحب الإسكندرية أَن يعطيك الجزية عَلَى أَن تخيروا من فِي أيديكم من سبيهم بَيْنَ الإِسْلام وبين دين قومه، فمن اختار الإِسْلام فَهُوَ من الْمُسْلِمِينَ، ومن اختار دين قومه أدى الجزية كقومه، فأما من تفرق من سبيهم بأرض العرب، فبلغ مكة والمدينة واليمن، فإنه/ لا يقدر عَلَى ردهم» .
فَقَالَ صاحب الإسكندرية: قَدْ فعلت، ثُمَّ فتحت لنا الإسكندرية، فدخلناها.
وَقَالَ أَبُو عُمَر مُحَمَّد بْن يُوسُف التجيبي: قَالَ سَعِيد بْن عفير عن أشياخه: لمّا جاز المسلمون الحصن- يَعْنِي حصن مصر- اجمع عَمْرو عَلَى المسير إِلَى الإسكندرية، فسار إِلَيْهَا فِي ربيع الأَوَّل سَنَة عشرين، وأمر بفسطاطه أَن يقوض، فَإِذَا بحمامة [1] قَدْ باضت فِي أعلاه فَقَالَ: لَقَدْ تحرمت بجوارنا، أقروها الفسطاط حَتَّى تطير فراخها. فأقروا الفسطاط، ووكل بِهِ أَن لا تهاج حَتَّى تشتد فراخها، فبذلك سميت الفسطاط فسطاطا.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص أحمد بن عبد الله، حدثنا السري بن يَحْيَى، أَخْبَرَنَا شُعَيْب، حَدَّثَنَا سَيْف، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَان] [2] ، عَن خَالِد وعبادة قالا: خرج عَمْرو إلى مصر بعد ما رجع عُمَر إِلَى المدينة، حَتَّى انتهى إِلَى بَاب مصر، واتبعه الزُّبَيْر، فاجتمعا، فلقيهم هناك أَبُو مريم جاثليق [3] مصر، ومعه الأسقف الَّذِي بعثه المقوقس لمنع بلادهم، فلما نزل بهم عَمْرو قاتلوه، فأرسل إليهم: لا تعجلوا لنقدر إليكم وتروا رأيكم بَعْد، فكفوا أَصْحَابكم [4] .
وأرسل إليهم عَمْرو، فإني بارز فليبرز إلي أَبُو مريم وأَبُو مرياهم. فأجابوه إِلَى ذَلِكَ، وأمن بَعْضهم بَعْضًا، فَقَالَ لهما عَمْرو: أنتما راهبا هذه المدينة فاسمعا: إِن اللَّه عز وجل بعث محمدا صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بالحق، وأمره بِهِ، فأمرنا بِهِ مُحَمَّد صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وأدى إلينا كُل الَّذِي أمر [5] بِهِ،
__________
[1] في الأصل: «فإذا الحمامة» .
[2] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن خالد وعبادة» .
[3] في الأصل: «بوم يم جاثليق مصر» وما أثبتناه من ت.
[4] في الأصل: «أصحابهم» .
[5] في الأصل: «أمرنا» .(4/292)
ثُمَّ مضى وَقَدْ قضى الَّذِي عَلَيْهِ [1] ، وتركنا عَلَى الواضحة، وَكَانَ مِمَّا أمرنا بِهِ الاعتذار إِلَى النَّاس، فنحن ندعوكم إِلَى الإِسْلام، فمن أجابنا إِلَيْهِ قبلناه، ومن لَمْ يجبنا إِلَيْهِ عرضنا عليه الجزية، وَقَدْ أعلمنا أننا مفتتحوكم، وأوصانا بكم حفظا لرحمنا/ فيكم، فَإِن لكم إِن أجبتمونا إِلَى ذَلِكَ ذمة إِلَى ذمة، ومما عهد إلينا أميرنا «استوصوا بالقبطيين خيرا» فَإِن رَسُول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أوصاني بالقبطيين خيرا، لأن لهم رحما وذمة.
فقالا: قرابة بعيدة، فلا يصل مثلها إلا الأنبياء وأتباع الأنبياء معروفة شريفة، كانت بنت ملكنا، فصارت إِلَى إِبْرَاهِيم، مرحبا بك وأهلا، أمنا حَتَّى نرجع إليك.
فَقَالَ عَمْرو: إِن مثلي لا يخدع، ولكني أؤجلكما ثلاثا لتنظرا أَوْ لينظر قومكما، وإلا ناجزتكم.
فقالا: زدنا. فزادهما يوما [2] ، قالا: زدنا. فزادهما يوما، فرجعا إلى المقوقس فهم، فأبي أرطبون [3] أَن يجيبهما، وأمر بمناجزتهم، فركب المسلمون أكتافهم، وَقَالَ أَهْل الفسطاط- يَعْنِي [4] مصر- لملكهم: مَا تريد إِلَى قوم قَدْ قتلوا كسرى وقيصر، وغلبوهم عَلَى بلادهم، صالح الْقَوْم وَكَانَ صلحهم: هَذَا مَا أعطى عَمْرو بْن العاص أَهْل مصر الأمان على أنفسهم، وأموالهم، وكنائسهم، وصليبهم، وعليهم أَن يعطوا الجزية، ومن دَخَلَ في صلحهم من الروم والنوب فله مثل مَا لهم، ومن أبى واختار الذهاب فَهُوَ آمن حَتَّى يبلغ مأمنه، فدخل فِي ذَلِكَ أَهْل مصر، وقبلوا الصلح.
فمصر عَمْرو الفسطاط وتركه المسلمون، وأمره عُمَر رضي اللَّه عَنْهُ عَلَيْهَا، فأقام بها، ووضع مسالح مصر عَلَى [5] السواحل وغزة، وَكَانَ داعية ذَلِكَ أَن قيصر غزا مصر والشام فِي البحر [6] ، ونهد لأهل حمص بنفسه.
__________
[1] في الأصل: «قضى ما عليه» .
[2] في الأصل: «فزادهم يوما» وكذلك في الموضع التالي.
[3] في الأصل: «أرطيون» .
[4] الفسطاط- يعني» . ساقط من ت.
[5] في الأصل: «ووضع مسالح أهل مصر» .
[6] في ت: «والبحر» .(4/293)
ذكر زوال السنة السيئة الَّتِي كانت فِي نيل مصر [1]
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ الْحَافِظُ قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الصُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ النَّحَّاسِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَفْصٍ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي هَانِئُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ] عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَجَّاجِ [2] قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ مِصْرُ أَتَى أَهْلَهَا إِلَى عَمْرِو بن العاص حين دخل بؤونة مِنْ أَشْهُرِ الْعَجَمِ، فَقَالُوا لَهُ: / أَيُّهَا الأَمِيرُ، إِنَّ لِنِيلِنَا هَذَا سُنَّةً لا يَجْرِي إِلا بِهَا. فَقَالَ لَهُمْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: إِذَا دَخَلَتْ ثِنْتَا عَشَرَةَ لَيْلَةً مِنْ هَذَا الشَّهْرِ عَمَدْنَا إِلَى جَارِيَةٍ بَكْرٍ بَيْنَ أَبَوَيْهَا، فَأَرْضَيْنَا أَبَاهَا، وَحَمَلْنَا عَلَيْهَا مِنَ الْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ أَفْضَلَ مَا يَكُونُ، ثُمَّ أَلْقَيْنَاهَا فِي النِّيلِ. قَالَ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا لا يَكُونُ فِي الإِسْلامِ، إن الإسلام يهدم ما كان قبله. فأقاموا بؤونة، وَأَبِيبَ، وَمَسْرَى لا يَجْرِي قَلِيلا وَلا كَثِيرًا، حتى هموا بالجلاء عنها [3] ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إليه عمر: «إنك قد أَصَبْتَ، لأَنَّ الإِسْلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ» وَكَتَبَ بِطَاقَةً دَاخِلَ كِتَابِهِ، وَكَتَبَ إِلَى عَمْرٍو: «إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِبَطَاقَةٍ دَاخِلِ كِتَابِي، فَأَلْقِهَا فِي النِّيلِ» فَلَمَّا قَدِمَ كِتَابُ عُمَرَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَخَذَ الْبِطَاقَةَ، فَإِذَا فِيهَا: «مِنْ عَبْدِ اللَّهِ أمير الْمُؤْمِنيِنَ إِلَى نِيلِ مِصْرَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنْ كُنْتَ تَجْرِي مِنْ قِبَلِكَ فَلا تَجْرِ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ هُوَ الَّذِي يُجْرِيكَ فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْوَاحِدَ الْقَهَّارَ أَنْ يُجْرِيكَ» فَأَلْقَى الْبِطَاقَةَ فِي النِّيلِ قَبْلَ يَوْمِ الصَّلِيبِ بِيَوْمٍ وَقَدْ تَهَيَّأَ [4] أَهْلُ مِصْرَ لِلْجَلاءِ وَالْخُرُوجِ، لأَنَّهُ لا تَقُومُ مَصْلَحَتُهُمْ فِيهَا إِلا بِالنِّيلِ. فَلَمَّا أَلْقَى الْبِطَاقَةَ [أَصْبَحُوا] [5] يَوْمَ الصَّلِيبِ وَقَدْ أَجْرَاهُ اللَّهُ سِتَّةَ عَشَرَ ذِرَاعًا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَطَعَ اللَّهُ تِلْكَ السُّنَّةَ السُّوءَ عَنْ أَهْلِ مِصْرَ إِلَى الْيَوْمِ.
وَفِي هذه السنة:
غزا أَبُو بحرية الكندي عَبْد اللَّهِ بْن قيس أرض الروم، وهو أول من دخلها فيما
__________
[1] انظر البداية والنهاية 7/ 111، 112.
[2] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن قيس بن الحجاج» . وحذف باقي السند، وأثبتناه من ت.
[3] في ت: «بالجلاء منها» .
[4] في الأصل: «قد تهيأوا أهل مصر» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأثبتناه من ت.(4/294)
قِيلَ. وقيل: أول من دخلها ميسرة بْن مسروق العبسي، فسلم وغنم [1]
. وَفِي/ هذه السنة: زلزلت المدينة [2] .
[أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِي الْمُجَلِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ صَفْوَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد القرشي قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ،] [3] عَنْ نَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ قَالَتْ [4] : زُلْزِلَتُ الْمَدِينَةُ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ مَا أَسْرَعَ مَا أَحْدَثْتُمْ، لَئِنْ عَادَتْ لا أُسَاكِنُكُمْ فِيهَا [5] .
وَفِي هذه السنة: عزل عُمَر قدامة بْن مظعون عَن البحرين وحده فِي شراب شربه، واستعمل عُمَر أبا هُرَيْرَة- وقيل: أبا بكرة- عَلَى اليمامة والبحرين [6] .
وفيها: قسم عُمَر خيبر بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وأجلى منها اليهود، لأنهم قَدْ بدعوا أبدا ابْن عُمَر [7] .
وفيها: بعث أبا حبيبة إِلَى أَهْل فدك، فأعطاهم نصف الأرض، ومضى إِلَى وادي القرى فقسمها [8] .
وفيها: بعث عُمَر علقمة بْن محرز المدلجي إِلَى الحبشة فِي مائتي رجل،
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 112. والكامل 2/ 409.
[2] كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة، للسيوطي ص 65، 66.
[3] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن نافع» وحذف باقي السند، وأثبتناه من ت.
[4] في ت: «قال» .
[5] في الأصل: «لأسلّنكم عنها» .
وفي ت: «لا ساكنتكم فيها» .
وانظر الخبر في: مصنف ابن أبي شيبة 2/ 473. وسنن البيهقي 3/ 342. والعقوبات لابن أبي الدنيا (ق 104/ ب) مخطوط.
[6] تاريخ الطبري 4/ 112.
[7] تاريخ الطبري 4/ 112.
[8] تاريخ الطبري 4/ 112. وقد سقطت لفظة: «الأرض» من أصول الطبري وأشار المحقق إلى ذلك.(4/295)
حملهم فِي أربع مراكب، فأصيبوا فنجا [مِنْهُم] [1] فحلف عُمَر لا يحمل فِيهِ أحدا أبدا [2] .
وفيها: حج عُمَر رضي اللَّه عَنْهُ بالناس [3]
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
218- أسيد بْن حضير بْن سماك بْن عتيك بْن امرئ القيس [4] .
كَانَ أبوه [5] شريفا فِي الجاهلية، رئيس الأوس يَوْم بعاث، وَكَانَ أسيد بَعْد أَبِيهِ شريفا فِي قومه، يعد من ذوي العقول والآراء، وَكَانَ يكتب بالعربية، ويحسن العوم والرمي، وَكَانَ فِي الجاهلية يسمون من جمع فِيهِ هذه الخصال: «الكامل» . وأسلم هُوَ وسعد بْن معاذ عَلَى يدي مُصْعَب بن عمير فِي يَوْم واحد، وشهد أسيد العقبة الأخيرة مَعَ السبعين، وَكَانَ أحد النقباء الاثني عشر، وَلَمْ يشهد بدرا لأنه لَمْ يظن أنه يجري قتال، وشهد أحدا وثبت يومئذ مع رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وجرح بسبع جراحات، وشهد الخندق والمشاهد/ بعده.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاق البرمكي قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَعَفَّانُ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ،] [6] عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أُسَيْدُ بْنُ خُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ حِنْدِسٍ، فَتَحَدَّثَا عِنْدَهُ حتى إِذَا خَرَجَا أَضَاءَتْ لَهُمَا عَصًا، فَمَشَيَا فِي
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 4/ 112.
[3] تاريخ الطبري 4/ 113.
[4] البداية والنهاية 7/ 112. وطبقات ابن سعد 3/ 2/ 135.
[5] في الأصل: «كان أبو شريفا» .
[6] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أنس» . وباقي السند حذف، وأثبتناه من ت.(4/296)
ضَوْئِهَا، فَلَمَّا تَفَرَّقَ بِهِمَا الطَّرِيقُ أَضَاءَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَصَاهُ، فَمَشَى فِي ضَوْئِهَا [1] . أَخْرَجَهُ البخاري.
توفي أسيد [بن حضير] [2] فِي شعبان فِي هذه السنة، فصلى عَلَيْهِ عُمَر بالبقيع
. 219- بلال بْن رباح، مولى أَبِي بَكْر الصديق رضي اللَّه عَنْهُ، ويكنى أبا عَبْد اللَّهِ [3] .
من مولدي السراة، واسم أمه حمامة، وَكَانَ أدم شديد الأدمة، نحيف، طوالا، أحنى، أشفر [4] ، [لَهُ شعر كثير] [5] ، خفيف العارضين، بِهِ سمط كثير [6] لا يغير.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أخبرنا ابن حيوية قال:
أخبرنا ابْن معروف قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن الفهم قَالَ: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي مِزْوَدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ] ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ بِلالُ بْنُ رَبَاحٍ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَكَانَ يُعَذَّبُ حِينَ أَسْلَمَ ليرجع عن دينه فما أعطاه [7] قَطُّ كَلِمَةً مِمَّا يُرِيدُونَ، وَكَانَ الَّذِي يُعَذِّبُهُ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ [8] .
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا] [9] عَوْنُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: كَانَ بِلالٌ إِذَا اشْتَدُّوا عَلَيْهِ فِي الْعَذَابِ قَالَ: أَحَدٌ أَحَدٌ. قَالَ: فيقولون له: قُلْ كَمَا نَقُولُ. فَيَقُولُ: إِنَّ لِسَانِي لا يحسنه [10] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 137.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] البداية والنهاية 7/ 113. وطبقات ابن سعد 3/ 1/ 165- 170.
[4] «أشفر» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «شميط كثير» .
[7] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عروة» وما أثبتناه من ت.
[8] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 165.
[9] في الأصل: «وروى ابن سعد بإسناده عن عون» .
[10] الطبقات الكبرى 3/ 1/ 165.(4/297)
[قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ [1]] ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الإِسْلامَ بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: أَبُو بَكْرٍ، وَبِلالٌ، وَخَبَّابٌ، وَصُهَيْبٌ، وَعَمَّارٌ، وَسُمَيَّةُ، وَأُمُّ عَمَّارٍ [2] . فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَمَنَعَهُ عُمَرُ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ قَوْمُهُ، وَأُخِذَ الآخَرُونَ فَأَلْبَسُوهُمْ/ أَدْراعَ الْحَدِيدِ، ثُمَّ صَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ حَتَّى بَلَغَ الْجُهْدُ مِنْهُمْ كُلَّ مَبْلَغٍ فَأَعْطُوهُمْ مَا سَأَلُوا، فَجَاءَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَوْمُهُ بِأَنْطَاعِ الأَدَمِ، فِيهَا الْمَاءُ، فَأَلْقُوهُمْ فِيهِ، وَحَمَلُوا جَوَانِبَهُ إِلا بِلالا، فَلَمَّا كَانَ الْعِشَاءُ جَاءَ أَبُو جَهْلٍ، فَجَعَلَ يَشْتُمُ سُمَيَّةَ وَيَرْفُثُ، ثُمَّ طَعَنَهَا فَقَتَلَهَا، فَهِيَ أَوَّلُ شَهِيدٍ اسْتُشْهِدَ فِي الإِسْلامِ. وَأَمَّا [3] بِلالٌ فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهُ فِي اللَّهِ. حَتَّى مَلُّوهُ [4] ، فَجَعَلُوا فِي عُنُقِهِ حَبْلا، ثُمَّ أَمَرُوا صِبْيَانَهُمْ أَنْ يَشْتَدُّوا بِهِ [5] بَيْنَ أَخْشَبَيْ مَكَّةَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ [6] .
[قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عَامِرُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ] [7] ، عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّ بِلالا أَلْقُوهُ فِي الْبَطْحَاءِ وَجَلَدُوا ظَهْرَهُ [8] ، فَجَعَلُوا يقولون:
ربك اللات والعزة. فَيَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ. فَأَتَى عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: عَلامَ تُعَذِّبُونَ هَذَا الإِنْسَانَ؟ فَاشْتَرَاهُ بِسَبْعِ أواق فأعتقه فذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: «الشِّرْكَةُ يَا أَبَا بَكْرٍ» قَالَ: قَدْ أَعْتَقْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ [9] .
[قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ،] [10] عَنْ قَيْسٍ قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بكر بلالا بخمس أواق [11] .
__________
[1] في الأصل: روى ابن سعد باسناده عن مجاهد» .
[2] في الأصل: «أم عمام» .
[3] في ابن سعد: «إلا بلالا» .
[4] في الأصل: «حتى قال» .
[5] في الأصل: «أن يشدوه» .
[6] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 166.
[7] في الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن محمد» .
[8] في الأصل: «أن بلالا ألقي عليه من البطحاء جلد بقرة» . وفي ابن سعد: «أن بلالا أخذه أهله فمطوه وألقوا عليه من البطحاء جلد بقرة» .
[9] الطبقات الكبرى 3/ 1/ 165.
[10] في الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن قيس» .
[11] الطبقات الكبرى 3/ 165، 166.(4/298)
[وَأَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ] [1] ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ: أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا، وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا يَعْنِي بِلالا [2] .
قَالَ علماء السير: شهد بلال بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمره رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فأذن يَوْم الفتح عَلَى ظهر الكعبة والحارث بْن هِشَام وصفوان بْن أمية قاعدان، فَقَالَ: أحدهما للآخر: أنظر إِلَى هَذَا الحبشي فَقَالَ الآخر: إِن يكرهه اللَّه يغيره [3] .
ولما مَات رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ كَانَ بلال يؤذن، فَإِذَا قَالَ «أشهد أَن محمدا رسول الله» انتحب النّاس، فلما دفن رَسُول اللَّه/ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْر: أذن. فَقَالَ لَهُ: إِن كنت إِنَّمَا اعتقتني لأن أكون معك، فسبيل ذَلِكَ، وإن كنت أعتقتني للَّه فخلني ومن أعتقتني لَهُ.
فَقَالَ: مَا أعتقتك إلا للَّه. قَالَ: فإني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ. قَالَ: فذاك إليك. قَالَ: فأقام حَتَّى خرجت بعوث الشَّام، فسار معهم.
وقيل: إِنَّمَا أقام حياة أَبِي بَكْر، فلما ولي عُمَر رحل [إِلَى] [4] الشام، فمات هناك فِي هذه السنة. وَهُوَ ابْن بضع وستين سَنَة
. 220- خويلد بْن مرة، أَبُو خراش الهذلي [5] .
شاعر مجيد من شعراء هذيل، أدرك الجاهلية والإسلام فأسلم، وَلَمْ أر أحدا ذكره فِي الصَّحَابَة، وعاش بَعْد رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى مَات فِي خلافة عُمَر، نهشته أفعى فمات، وَكَانَ إِذَا عدا سبق الخيل.
قَالَ الأصمعي: حَدَّثَنِي رجل من هذيل قَالَ: دَخَلَ أَبُو خراش الهذلي مكة وللوليد بْن المغيرة فرسان يريد أَن يرسلهما فِي الحلبة، فَقَالَ للوليد: ما تجعل لي إن
__________
[1] في الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن جابر» .
[2] الطبقات الكبرى 3/ 1/ 166.
[3] الطبقات الكبرى 3/ 1/ 167.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] البداية والنهاية 7/ 116.(4/299)
سبقتهما؟ قَالَ: إِن فعلت ذَلِكَ فهما لَكَ. فأرسلا وعدا بينهما فسبقهما وأخذهما
. 221- زينب بنت جحش [1] .
تزوجها زَيْد بْن حارثة ثُمَّ طلقها، فتزوجها رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فِي سَنَة أربع، وبسببها نزلت آية الحجاب، وكانت تفخر عَلَى النِّسَاء فتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني اللَّه من فَوْقَ سبع سماوات، ولما نزل قوله عز وجل: زَوَّجْناكَها 33: 37 دَخَلَ عَلَيْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بلا إذن، وكانت تعمل بيدها وتتصدق.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ الْحَافِظُ قَالا: أَخْبَرَنَا طِرَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، حَدَّثَنَا ابْن صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ] [2] ، / عَنْ بَرْزَةَ [3] بِنْتِ رَافِعٍ قَالَتْ: لَمَّا جَاءَ الْعَطَاءُ بَعَثَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بِالَّذِي لَهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا قَالَتْ: غَفَرَ اللَّهُ لِعُمَرَ، لَغَيْرِي مِنْ أَخَوَاتِي كَانَ أَقْوَى عَلَى قَسْمِ هَذَا مِنِّي. قَالُوا: هَذَا كُلُّهُ لَكِ. فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ. وَاسْتَتَرَتْ دُونَهُ بِثَوْبٍ وَقَالَتْ: صُبُّوهُ وَاطْرَحُوا عَلَيْهِ ثَوْبًا. وَقَالَتْ لِي: أَدْخِلِي يَدَكِ فَاقْبِضِي مِنْهُ قَبْضَةً، فَاذْهَبِي بِهَا إِلَى فُلانٍ وَإِلَى فُلانٍ مِنْ أَيْتَامِهَا وَذَوِي رَحِمِهَا، فَقَسَّمَتْهُ حَتَّى بَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ فَقَالَتْ لَهَا بَرْزَةُ [3] : غَفَرَ اللَّهُ لَكِ، وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ لَنَا فِي هَذَا حَظٌّ، قَالَتْ:
فَلَكُمْ مَا تَحْتَ الثَّوْبِ. قَالَتْ: فَرَفَعْنَا الثَّوْبَ فَوَجَدْنَا خَمْسَةً وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا، ثُمَّ رَفَعَتْ يَدَيْهَا فَقَالَتْ: اللَّهمّ لا يُدْرِكْنِي عَطَاءٌ لِعُمَرَ بَعْدَ عَامِي هَذَا، فَمَاتَتْ [قَبْلَ الْحَوْلِ] [4] .
[أَنْبَأَنَا أَبُو بكر بن عبد الباقي قَالَ: أخبرنا الجوهري، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ] [5] ، عن سالم، عن أبيه،
__________
[1] البداية والنهاية 7/ 115. والطبقات الكبرى 8/ 20- 24.
[2] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن بريرة» .
[3] في الأصل: «بريرة» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن سالم» .(4/300)
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ [1] وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ نِسَائِهِ: «أَطْوَلُكُنَّ [بَاعًا] [2] أَسْرَعُكُنَّ لُحُوقًا بِي» فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ إِلَى الشَّيْءِ إِنَّمَا عَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم بذلك الصدقة. وكانت زينب امرأة صنعا، وَكَانَتْ تَتَصَدَّقُ بِهِ، وَكَانَتْ أَسْرَعَ نِسَائِهِ بِهِ لُحُوقًا.
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ [3] ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ سَنَة عِشْرِينَ، فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، وَرَأَيْتُ ثَوْبًا مُدَّ عَلَى قَبْرِهَا وَعُمَرُ قَائِمٌ، وَالأَكَابِرُ مِنْ أَصْحَابِ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ قِيَامٌ، فَأَمَرَ عُمَرُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بن جحش، وأسامة بن زيد، وعبد اللَّهِ بْنَ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ، وَمُحَمَّدَ بْنَ طَلْحَةَ- وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهَا- فَنَزَلُوا مِنْ قَبْرِهَا.
قَالُوا: وتوفيت بنت ثَلاث وخمسين سَنَة
. 222- سَعِيد بْن عامر بْن حذيم بْن سلامان [4] .
أسلم/ قبل خيبر، وشهدها مَعَ رَسُول اللَّه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَمَا بعدها.
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن الفهم قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْعُودُ بْنُ سَعْدٍ الْجُعْفِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ] [5] ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ قَالَ: أَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ فَقَالَ: إِنَّا مُسْتَعْمِلُوكَ عَلَى هَؤُلاءِ تَسِيرُ بِهِمْ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فَتُجَاهِدُ بِهِمْ. فَقَالَ: يَا عُمَرُ، لا تَفْتِنِّي، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لا أَدَعُكُمْ، جَعَلْتُمُوهَا فِي عُنُقِي ثُمَّ تَخَلَّيْتُمْ مِنِّي، إِنَّمَا أبعثك على قوم ليست بِأَفْضَلِهِمْ، وَلَسْتَ أَبْعَثُكَ لِتَضْرِبَ أَبْشَارَهُمْ وَلا تَنْتَهِكَ أَعْرَاضَهُمْ، وَلَكِنْ تُجَاهِدُ بِهِمْ عَدُوَّهُمْ وَتَقْسِمُ بَيْنَهُمْ فيهم. فقال: اتّق الله يَا عُمَرُ، أَحِبَّ لأَهْلِ الإِسْلامِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَحُضَّ الْعَمَرَاتِ إِلَى الْحَقِّ حَيْثُ عَلِمْتَهُ، ولا تخش في الله
__________
[1] في ت: «كان رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «يروى المؤلف باسناده عن عبد الله» .
[4] البداية والنهاية 7/ 113. والطبقات الكبرى 7/ 2/ 121.
[5] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عبد الرحمن بن سابط» .(4/301)
لَوْمَةَ لائِمٍ. فَقَالَ عُمَرُ: وَيْحَكَ يَا سعيد، ومن يطق هَذَا؟ فَقَالَ: مَنْ وَضَعَ اللَّهُ فِي عُنُقِهِ مِثْلَ الَّذِي وَضَعَ فِي عُنُقِكَ، إِنَّمَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْمُرَ فَيُطَاعُ أَمْرُكَ، أَوْ تَتْرُكَ فَيَكُونُ لَكَ الْحُجَّةُ.
فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّا سَنَجْعَلُ لَكَ رِزْقًا. قَالَ: لَقَدْ أُعْطِيتُ مَا يَكْفِينِي دُونَهُ- يَعْنِي عَطَاءَهُ- وَمَا أَنَا بِمُزْدَادٍ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا. قَالَ: وَكَانَ إِذَا خَرَجَ عَطَاؤُهُ نَظَرَ إِلَى قُوتِ أَهْلِهِ مِنْ طَعَامِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ وَمَا يُصْلِحُهُمْ فَيَعْزِلُهُ، وَيَنْظُرُ إِلَى بَقِيَّتِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، فَيَقُولُ أَهْلُهُ: أَيْنَ بَقِيَّةُ الْمَالِ؟ فَيَقُولُ: أَقْرَضْتُهُ. قَالَ: فَأَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالُوا: لَوْلا [1] أَنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لأَصْهَارِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِقَوْمِكَ عَلَيْكَ حَقًّا. فَقَالَ: مَا اسْتَأْثَرَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرَى لَمْعَ أَيْدِيهِمْ، وَمَا أَنَا بِطَالِبٍ أَوْ مُلْتَمِسٍ رِضَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بِطَلَبِي الْحُورَ الْعِينَ، الَّذِي لَوِ اطَّلَعَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لأَشْرَقَتْ لَهَا الأَرْضُ كَمَا تُشْرِقُ الشَّمْسُ، وَمَا أَنَا بِمُسْتَخْلِفٍ عَنِ الْعِتْقِ الأَوَّلِ بَعْدَ أَنْ سَمِعْتُ/ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَجِيءُ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ يُزَفُّونَ كَمَا يُزَفُّ الْحَمَامُ، قَالَ: فَيُقَالُ لَهُمْ: قِفُوا لِلْحِسَابِ. فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا تَرَكْنَا شَيْئًا يُحَاسِبُ بِهِ. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقَ عِبَادِي. فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ [قَبْلَ النَّاسِ] [2] بِسَبْعِينَ عَامًا» . [أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ] [3] قَالَ: اسْتَعْمَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِحِمْصَ سَعِيدَ بْنَ عَامِرِ بْنِ حِذْيَمٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ حِمْصَ قَالَ: يَا أَهْلَ حِمْصَ، كَيْفَ وَجَدْتُمْ عَامِلَكُمْ؟ فَشَكَوْهُ إِلَيْهِ، وَكَانَ يُقَالُ لِحِمْصَ الْكُوَيْفَةُ الصَّغْرَى لِشِكَايَتِهِمُ الْعُمَّالَ قَالُوا: فَشَكَوْا أَرْبَعًا: لا يَخْرُجُ إِلَيْنَا حَتَّى يَتَعَالَى النَّهَارُ. قَالَ: أَعْظِمْ بِهَا. قال: وماذا؟ قالوا: لا يجيب أحدا بِاللَّيْلِ [4] . قَالَ:
وَعَظِيمَةٌ. قَالَ: وَمَاذَا؟ قَالُوا: وَلَهُ يَوْمٌ فِي الشَّهْرِ لا يَخْرُجُ فِيهِ إِلَيْنَا، قَالَ: وَعَظِيمَةٌ. قَالَ:
وَمَاذَا؟ قَالُوا: يَغْبِطُ الْغِبْطَةَ بَيْنَ الأَيَّامِ- أَيْ تَأْخُذُهُ مَوْتَةٌ- قَالَ: فَجَمَعَ عُمَرُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَقَالَ:
اللَّهمّ لا يُقْبَلُ رَأْيٌ فِيهِ الْيَوْمَ، مَا تَشْكُونَ مِنْهُ. قَالَ: ولا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار.
__________
[1] «لولا» . ساقطة من ت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن خالد بن معدان» .
[4] في ت: «بليل» .(4/302)
قَالَ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لأَكْرَهُ ذِكْرَهُ لَيْسَ لِي وَلأَهْلِي خَادِمٌ فَأَعْجِنُ عَجِينِي، ثُمَّ أَجْلِسُ حَتَّى يَخْتَمِرَ، ثُمَّ أَخْبِزُ خُبْزِي، ثُمَّ أَتَوَضَّأُ، ثُمَّ أَخْرُجُ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ: مَا تَشْكُونَ مِنْهُ؟ فَقَالُوا: لا يُجِيبُ أَحَدًا بِاللَّيْلِ. قَالَ: مَا يَقُولُونَ؟ قَالَ: إِنْ كُنْتُ لأَكْرَهُ ذِكْرَهُ إِنِّي جَعَلْتُ النَّهَارَ لَهُمْ وَاللَّيْلَ للَّه عَزَّ وَجَلَّ. قال: وما تَشْكُونَ مِنْهُ؟ قَالُوا: إِنَّ لَهُ يَوْمًا فِي الشَّهْرِ لا يَخْرُجُ إِلَيْنَا فِيهِ.
قَالَ: مَا يقولون؟ قال: ليس لي خَادِمٌ يَغْسِلُ ثِيَابِي وَلا لِي ثِيَابٌ أُبَدِّلُهَا، فَأَجْلِسُ حَتَّى تَجِفَّ، ثُمَّ أُدَلِّكُهَا، ثُمَّ أَخْرُجُ إِلَيْهِمْ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ. قَالَ: مَا تَشْكُونَ مِنْهُ؟ قَالُوا: يَغْبِطُ الْغِبْطَةَ بَيْنَ الأَيَّامِ. قَالَ: مَا يَقُولُونَ؟ قَالَ: شَهِدْتُ مَصْرَعَ حَبِيبٍ الأَنْصَارِيِّ بِمَكَّةَ، وَقَدْ بَضَّعَتْ قُرَيْشٌ لَحْمَهُ/، ثُمَّ حَمَلُوهُ عَلَى جَدْعِهِ، فَقَالُوا: أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا مَكَانَكَ؟ قَالَ:
وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي فِي أَهْلِي وولدي، وأن محمدا أُشِيكَ بِشَوْكَةٍ. ثُمَّ نَادَى: يَا مُحَمَّدُ، مَا ذَكَرْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَتَرْكِي نُصْرَتَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَأَنَا مُشْرِكٌ لا أُؤْمِنُ باللَّه الْعَظِيمِ إِلا ظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ لِي ذَلِكَ الذَّنْبَ أَبَدًا، فَتُصِيبُنِي تِلْكَ الْغِبْطَةَ. فَقَالَ عُمَرُ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي لَمْ يَقْبَلْ فِرَاسَتِي. فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَقَالَ: اسْتَعِنْ بِهَا عَلَى أَمْرِكَ. فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَغْنَانَا عَنْ خِدْمَتِكَ. فَقَالَ لَهَا: فَهَلْ لَكِ فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ نَدْفَعُهَا إِلَى مَنْ يَأْتِينَا بِهَا أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِلَيْهَا. قَالَتْ: نعم. فدعى رَجُلا مِنْ أَهْلِهِ يَثِقُ بِهِ، فَصَرَّرَهَا صُرَرًا، ثُمّ قَالَ: انْطَلِقْ بِهَذِهِ إِلَى أَرْمَلَةِ آلِ فُلانٍ، وَإِلَى يَتِيمِ آلِ فُلانٍ، وَإِلَى مِسْكِينِ آلِ فُلانٍ، وَإِلَى مُبْتَلَى آلِ فُلانٍ، فَبَقِيَتْ مِنْهَا ذَهَبِيَّةٌ، فَقَالَ: أَنْفِقِي هَذِهِ. ثُمَّ عَادَ إِلَى عَمَلِهِ. فَقَالَتْ: أَلا تَشْتَرِي لَنَا خَادِمًا، مَا فَعَلَ ذَلِكَ الْمَالُ؟! قَالَ: سَيَأْتِيكِ أَحْوَجَ مَا تَكُونِينَ.
توفي سَعِيد فِي هذه السنة
. 223- عياض بْن غنم بْن زهير الفهري [1] .
شهد الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وحضر فتح المدائن مَعَ سَعْد بْن أَبِي وقاص، وفتح فتوحا كثيرة ببلاد الشام، ونواحي الجزيرة، ولما احتضر أَبُو عبيدة [2] بالشام ولى عياض بْن غنم عمله، فأقره عُمَر بْن الْخَطَّاب رضي اللَّه عَنْهُ وبعثه سَعْد إلى
__________
[1] تاريخ بغداد 1/ 183، 184. والبداية والنهاية 7/ 113، 114.
[2] في ت: «عبدة» .(4/303)
الجزيرة، فنزل بجنده عَلَى الرها، فصالحه أهلها عَلَى الجزية، وصالحت حران حيث صالحت الرها، فكان فتح الجزيرة، والرها، وحران، والرقة عَلَى يده فِي سَنَة ثمان عشرة/ وكتب لهم كتابا، وكان جوادا، فقيل لعمر: إنه يبذر المال. فَقَالَ: إِن سماحه فِي ذَات يده، فَإِذَا بلغ مال اللَّه لَمْ يعط منه شَيْئًا، فلا أعزل من ولاه أَبُو عبيدة.
[أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الأَزْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: كَانَ عِيَاضُ بْنُ غَنَمٍ شَرِيفًا، وَلَهُ فُتُوحٌ بِنَوَاحِي الْجَزِيرَةِ. فِي زَمَانِ عُمَرَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَجَازَ الدَّرْبَ إِلَى أَرْضِ الرُّومِ] [1] .
[أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ قال: أخبرنا ابن حيوية قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهْمِ قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ] [2] ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: لَمَّا وَلِيَ عِيَاضُ بْنُ غَنَمٍ قَدِمَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يَطْلُبُونَ صِلَتَهُ، فَلَقِيَهُمْ بِالْبِشْرِ وَأَنْزَلَهُمْ وَأَكْرَمَهُمْ، فَأَقَامُوا أَيَّامًا، ثُمَّ كَلَّمُوهُ فِي الصِّلَةِ، وَأَخْبَرُوهُ بِمَا لَقَوْهُ مِنَ الْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ رَجَاءَ صِلَتِهِ، فَأَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ، وَكَانُوا خَمْسَةً، فَرَدُّوهَا وَتَسَخَّطُوا وَنَالُوا منه فقال: أي بني عَمٍّ، وَاللَّهِ مَا أُنْكِرُ قَرَابَتَكُمْ وَلا حَقَّكُمْ وَلا بُعْدَ شُقَّتِكُمْ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا خَلُصْتُ إِلَى مَا وَصَلْتُكُمْ بِهِ إِلا بِبَيْعِ خَادِمِي وَبَيْعِ مَا لا غِنَى لِي عَنْهُ فَاعْذُرُوا. قَالُوا: وَاللَّهِ مَا عَذَرَكَ اللَّهُ فَإِنَّكَ وَالِي نصف الشام، وَتُعْطِي الرَّجُلَ مِنَّا مَا جُهْدُهُ يُبَلِّغُهُ إِلَى أَهْلِهِ. قَالَ:
فَتَأْمُرُونَنِي أَنْ أَسْرِقَ مَالَ اللَّهِ، فو الله لَئَنْ أُشَقَّ بِالْمِنْشَارِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَخُونَ فِلْسًا أَوْ أَتَعَدَّى. قَالُوا: عَذَرْنَاكَ فِي ذَاتِ يَدِكَ، فَوَلِّنَا أَعْمَالا مِنْ أَعْمَالِكَ نُؤَدِّي مَا يُؤَدِّي النَّاسُ إِلَيْكَ، وَنُصِيبُ مِنَ الْمَنْفَعَةِ مَا يُصِيبُونَ، فَأَنْتَ تَعْرِفُ حَالَنَا، وَأَنَّا لَيْسَ نَعْدُو مَا جَعَلْتَ لَنَا. قَالَ: وَاللَّهِ لأَنِّي أَعْرِفُكُمْ بِالْفَضْلِ وَالْخَيْرِ، وَلَكِنْ يَبْلُغُ عُمَرَ أَنِّي وَلَيَّتُ نَفَرًا مِنْ قَوْمِي فَيَلُومُنِي. قَالُوا: فَقَدْ وَلاكَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَنْتَ مِنْهُ فِي الْقَرَابَةِ بحيث أنت فأنفذ ذلك عمر، فلو
__________
[1] هذا الخبر ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن موسى بن عقبة» .(4/304)
وَلَّيْتَنَا أَنْفَذَهُ. قَالَ: إِنِّي لَسْتُ عِنْدَ عُمَرَ كَأَبِي عُبَيْدَةَ. فَمَضَوْا لائِمِينَ لَهُ.
وَمَاتَ وَلا مَالَ لَهُ، وَلا عَلَيْهِ دَيْنٌ لأَحَدٍ، سَنَةَ [عِشْرِينَ] [1] وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً
. 224- مَالِك/ بْن التيهان، أَبُو الهيثم [2] .
كَانَ يكره الأصنام فِي الجاهلية، وَيَقُول بالتوحيد هُوَ وأسعد بْن زرارة، وَكَانَ أول من أسلم من الأنصار الَّذِينَ لقوا رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بمكة، ثُمَّ شهد العقبة مَعَ السبعين، وَهُوَ أحد النقباء الاثني عشر، شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى خيبر خارصا.
وتوفي بالمدينة فِي هذه السنة
. 225- هرقل ملك الروم.
وَقَدْ سبقت أخباره ومكاتبة الرسول صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إياه، وغير ذَلِكَ.
مَات فِي هذه السنة، وولي مكانه ابنه قسطنطين
. 226- أم ورقة بنت الْحَارِث [3] .
أسلمت وبايعت رَسُول اللَّه صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وكانت قَدْ جمعت الْقُرْآن، وأمرها النَّبِي صلّى الله عليه وآله وسلم أَن تؤم أَهْل دارها، فكانت تؤمهم.
[أَخْبَرَنَا محمد بن عبد الباقي بْنِ سُلَيْمَان قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْحَرْبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ] [4] : حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جَمِيعٍ قَالَ:
حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي عَنْ أُمِّهَا أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الأَنْصَارِيَّةِ- وَكَانَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَزُورُهَا وَيُسَمِّيهَا الشَّهِيدَةَ، وَكَانَتْ قَدْ جَمَعَتِ الْقُرْآنَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم حين
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] البداية والنهاية 7/ 114. والطبقات الكبرى 3/ 2/ 21.
[3] الطبقات الكبرى 8/ 335.
[4] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الوليد بن جميع» .(4/305)
غَزَا بَدْرًا قَالَتْ لَهُ: ائْذَنْ لِي فَأَخْرُجُ مَعَكَ وَأُدَاوِي جَرْحَاكُمْ وَأُمَرِّضُ مَرْضَاكُمْ لَعَلَّ اللَّهَ يُهْدِي لِي الشَّهَادَةَ. قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَهَّدَ لَكِ الشَّهَادَةَ» حَتَّى عَدَّى عَلَيْهَا جارية [1] وغلام لها كانت قد دبّرتهما فقتلاهما فِي إِمَارَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «انْطَلِقُوا بِنَا/ نَزُورُ الشَّهِيدَةَ» [2] .
__________
[1] في الأصل: «غدا عليه حارثة» .
[2] الطبقات الكبرى 8/ 335.(4/306)
ثُمَّ دخلت سَنَة إحدى وعشرين
فمن الحوادث فِيهَا:
أَن عُمَر أمر جيوش العراق بطلب جيوش فارس، فبعث بَعْضهم إِلَى كرمان، وأصبهان، وقد قيل: إنما كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَة ثمان عشرة [1] .
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ قالا: أخبرنا ابْنُ النَّقُّورِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْمُخْلِصُ قَالَ: حَدَّثَنَا السري بن يحيى قال: حدثنا شعيب قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ] [2] مُحَمَّدٍ، وَالْمُهَلَّبِ، وَطَلْحَةَ، وَعَمْرٍو، وَسَعِيدٍ قَالُوا: لَمَّا رَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَزْدَجِرْدَ يَبْعَثُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ حَرْبًا، وَقِيلَ لا يَزَالُ عَلَى هَذَا الدَّأْبِ حَتَّى يُخْرِجَ مِنْ مِمْلَكَتِهِ أِذْنٌ لِلنَّاسِ فِي الانْسِيَاحِ فِي أَرْضِ الْعَجَمِ حَتَّى يَغْلِبُوا يَزْدَجِرْدَ عَلَى مَا كَانَ فِي يَدِ كِسْرَى، فَوَجَّهَ الأُمَرَاءَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عِنْدَ عُمَرَ، فَمِنْهَا: أَبُو النُّعَيْمِ بْنُ مُقَرِّنٍ وَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى هَمْدَانَ، وَقَدْ كَانَ أَهْلُهَا كَفَرُوا بَعْدَ الصُّلْحِ، وَقَالُوا لَهُ: إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَأَنْتَ وَالِي مَا وَرَاءَكَ كَذَلِكَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَبَعَثَ عُتْبَةَ بْنَ فَرْقَدٍ، وَبَكِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَقَدَ لَهُمَا عَلَى أَذْرَبَيْجَانَ، وَبَعَثَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بِلِوَاءٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَأَمَدَّهُ بِأَبِي مُوسَى مِنَ الْبَصْرَةِ، فَالْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَمُقَدِّمَةُ [3] الْمُشْرِكِينَ بِرُسْتَاقٍ مِنْ رَسَاتِيقِ أَصْبَهَانَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا، فَانْهَزَمَ أَهْلُ أَصْبَهَانَ، وَصَالَحُوا.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 137.
[2] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن محمد ... » .
[3] في الأصل: «في مقدمتهم» .(4/307)
وَفِي هذه السنة:
ولى عُمَر عمارا الكوفة، وابن مَسْعُود بَيْت مالها، وعثمان بْن حنيف مساحة الأرض [1] .
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال:
أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ] [2] حَارِثَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ: قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَمِيرًا، وَابْنَ مَسْعُودٍ مُعَلِّمًا وَوَزِيرًا، وَجَعَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى بَيْتِ مَالِكُمْ، وَإِنَّهُمَا لَمِنَ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ/ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَاسْمَعُوا لَهُمَا، وَأَطِيعُوا، وَاقْتَدُوا بِهِمَا، وَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِابْنِ أُمِّ عَبْدٍ [3] عَلَى نَفْسِي، وَبَعَثْتُ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى السَّوَادِ وَرَزَقْتُهُمَا كُلَّ يَوْمٍ شَاةً، فَاجْعَلُوا شِطْرَهَا وَبَطْنَهَا لِعَمَّارٍ- وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: وَوَلَّيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ مَا سَقَتْ دِجْلَةُ، وَوَلَّيْتُ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ الْفُرَاتَ وَمَا سَقَى أَذْرَبَيْجَانَ، فَاجْعَلُوا الشِّطْرَ الثَّانِي بَيْنَ هُؤَلاءِ الثَّلاثَةِ. -[أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ] [4] قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إِلَى الْعِرَاقِ عَامِلا، وَأَمَرَهُ بِمِسَاحَةِ سَقْيِ الفرات، فمسح الكور وَالطَّسَاسِيجَ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ مِنْ دِجْلَةَ، وَكَانَ كَوْرَ فيروز- وهي طسوج الأنبار- وكان أول السواد شُرْبًا مِنَ الْفُرَاتِ، ثُمَّ طَسُوجُ مَسْكَنٍ، وَهُوَ أَوَّلُ حُدُودِ السَّوَادِ فِي الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ مِنْ دجلة وشربه مِنْ دُجَيْلٍ، وَيَتْلُوهُ طَسُوجُ قطربُّل وَشَرِبَهُ أَيْضًا مِنْ دُجَيْلٍ، ثُمَّ طَسُوجُ بَادروَيَا، وَهُوَ طَسُوجُ مَدِينَةِ السَّلامِ، وَكَانَ أَجَلَّ طَسَاسِيجِ السَّوَادِ جَمِيعًا، وَكَانَ كُلُّ طَسُوجٍ يَتَقَلَّدَهُ فِيمَا يَقْدَمُ عَامِلٌ واحد سِوَى طَسُوجِ بَادروَيَا، فَإِنَّهُ كَانَ يَتَقَلَّدَهُ عَامِلانِ لِجَلالَتِهِ وَكَثْرَةِ ارْتِفَاعِهِ، وَلَمْ يَزَلْ خَطِيرًا عِنْدَ الْفُرْسِ وَمُقَدَّما عَلَى مَا سِوَاهُ، وَوَرَدَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ الْمَدَائِنَ فِي حَالِ وِلايَتِهِ [5] .
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ علي بن ثابت
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 144.
[2] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن حارثة» .
[3] في ت: «أم عبد الله» .
[4] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن ثابت» .
[5] تاريخ بغداد 1/ 179.(4/308)
الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ] [1] ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ عَلَى صَلاتِهِمْ وَجُيُوشِهِمْ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ عَلَى قَضَائِهِمْ وَبَيْتِ مَالِهِمْ، وَعُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ عَلَى مِسَاحَةِ الأَرْضِ، ثُمَّ فَرَضَ لَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ شَاةً، شِطْرُهَا/ وَسَوَاقِطُهَا لِعَمَّارٍ، وَالشِّطْرُ الآخَرُ بَيْنَ هَذَيْنِ [2] الرَّجُلَيْنِ [3] ، ثُمَّ قَالَ: مَا أَرَى قَرْيَةً يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ شَاةٌ إِلا سَرِيعًا فِي خَرَابِهَا. قَالَ: وَمَسَحَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ الأَرْضَ فَجَعَلَ عَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْقَصَبِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْبُرِّ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الشَّعِيرِ دِرْهَمَيْنِ.
[قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ] [4] ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ فَمَسَحَ السَّوَادَ، فَوَجَدَهُ سِتَّةً وَثَلاثِينَ أَلْفَ أَلْفِ جَرِيبٍ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا.
قَالَ أَبُو عبيد: وأرى هَذَا الْحَدِيث هو المحفوظ. ويقال إن حد السواد الّذي وقعت عَلَيْهِ المساحة من لدن تخوم الموصل مادا من الماء إِلَى ساحل البحرين من بلاد عبادان وشرقي دجلة هَذَا طوله. وَأَمَّا عرضه: فحده منقطع الجبل من أرض حلوان إلى منتهى طرف القادسية المتصل بالعذيب من أرض العرب، فهذا حدود السواد، وعليها الخراج وقع.
وَفِي رواية أَبِي مجلز [5] قَالَ: بعث عُمَر بْن الْخَطَّاب عُثْمَان بْن حنيف عَلَى خراج السواد، ورزقه كُل يَوْم ربع شاة وخمسة دراهم، وأمره أن يمسح السواد عامره وغامره، ولا يمسح سبخه ولا تلاله ولا أجمه ولا مستنقع ماء، وَمَا لا يبلغه الماء، فمسح كل شيء
__________
[1] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي مجلز» .
[2] في الأصل: «هؤلاء» .
[3] «الرجلين» ساقطة من ت.
[4] في الأصل: «روى أبو عبيد بإسناده عن الشعبي» .
[5] في ت: «أبي مخلد» .(4/309)
دون الجبل- يَعْنِي جبل حلوان- إِلَى أرض العرب وَهُوَ أسفل الفرات، وكتب إِلَى عُمَر:
إني وجدت كُل شَيْء بلغه الماء من عامر وغامر ستة وثلاثين ألف ألف جريب، وَكَانَ ذراع عُمَر الَّذِي مسح بِهِ السواد ذراعا وقبضة والإبهام مضجعة. وكتب إِلَيْهِ عُمَر: أَن أفرض عَلَى كُل جريب عامر أَوْ غامر، عمله صاحبه أَوْ لَمْ/ يعمله درهما وقفيزا، وفرض عَلَى الكروم [1] كُل جريب عشرة دراهم، وعلى الرطاب خمسة دراهم، وأطعمهم النخل والشجر فَقَالَ: هَذَا قوة لهم عَلَى عمارة بلادهم، وفرض عَلَى رقاب أَهْل الذمة عَلَى الموسر ثمانية وأربعين درهما، وعلى من دون ذَلِكَ أربعة وعشرين، وعلى من لا يجد اثني عشر درهما، فحمل من خراج سواد الكوفة إِلَى عُمَر فِي أول سَنَة ستة وثمانون ألف ألف درهم، وحمل من قابل عشرون ومائة ألف ألف درهم، فلم يزل عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ المؤلف [2] : وَقَدْ ذَكَرْنَا أَن مقدار هَذَا الطول مائة وخمسة وعشرون فرسخا، وقدر العرض ثمانون فرسخا، فجبى السواد مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف، وجباه عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز مائة ألف ألف درهم وأربعة وعشرون ألف ألف درهم بَعْد أَن جباه الْحَجَّاج بظلمه وعسفه [3] مائة ألف ألف وثمانية عشر ألف ألف درهم، وَكَانَ الْحَجَّاج قَدْ منع ذبح البقر ليكثر الحرث. فَقَالَ الشاعر:
شكونا إِلَيْهِ خراب السواد ... فحرم فينا لحوم البقر
وَقَدْ كَانَ هَذَا السواد يجبي فِي زمان [4] الأكاسرة مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم، وَكَانَ خراج مصر فِي أَيَّام فرعون ستة وتسعين ألف ألف دينار، فجباها عَبْد اللَّهِ بْن الحبحاب فِي أَيَّام بَنِي أمية ألفي ألف وسبع مائة ألف وثلاثة وعشرين ألفا وثمانمائة وسبع دنانير، وحمل منها عيسى بْن موسى فِي أَيَّام بَنِي العباس ألفي ألف ومائة ألف وثمانين ألف/ دينار.
وإنما سمي سوادا لأن العرب حِينَ جاءوا نظروا إِلَى مثل الليل من النخل والشجر والماء فسمّوه سوادا.
__________
[1] في الأصل: «الكرة على» .
[2] في ت: «المصنف» .
[3] في الأصل: «وفسقه» .
[4] في الأصل: «وقد كان هذا السواد جبى من زمن الإكاسرة» .(4/310)
وذكر بَعْض أَهْل العلم أَن الفرس كانت تجبي خراج فارس أربعين ألف ألف مثقال، لأنها بلاد ضيقة، وتجبي كرمان- لكثرة [1] عيونها وقنبها- ستين ألف ألف مثقال، لأنها كثيرة العيون، وتجبي خوزستان خمسين ألف ألف درهم، والسواد مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم، والجبل والري إِلَى حلوان ثلاثين ألف ألف سوى خراسان، ويخففون الخراج عَلَى الأطراف.
وذكر بَعْض الْعُلَمَاء أنه كَانَ خراج مصر ألف ألف وسبعمائة ألف دينار، وخراج قنسرين والعواصم أربعمائة ألف دينار، وخراج الموصل أربعة آلاف ألف دينار وثلاثة وعشرين ألف دينار.
وَفِي هذه السنة:
ضربت الدراهم عَلَى نقش الكسروية، وعلى تلك السكك بأعيانها، إلا أنه جعل فِيهَا اسم اللَّه، فبعضها كتب فِيهِ «الحمد للَّه» وبعضها «مُحَمَّد رَسُول اللَّه» وبعضها «لا إله إلا اللَّه» وبعضها «عُمَر» .
وفيها: سار عَمْرو بْن العاص إِلَى طرابلس- وَهِيَ برقة- وصالح أهلها عَلَى ثلاثة عشر ألف دينار [2] .
وفيها: حج عُمَر بْن الْخَطَّاب بالناس وخلف عَلَى المدينة زَيْد بْن ثابت [3] .
وفيها: ولد الْحَسَن البصري، وعامر الشعبي.
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر.
227- جعال بْن سراقة الضمري.
ويقال: جعيل، وغير النَّبِي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ اسمه/ فسماه عُمَر. وَكَانَ دميما قبيح الخلق، إلا أنه كَانَ رجلا صالحًا، أسلم قديما، وشهد أحدا والمشاهد بعدها، وبعثه رَسُول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بشيرا إِلَى المدينة بسلامتهم فِي غزاة ذَات الرقاع، ولما قسم رَسُول اللَّه صَلَّى الله عليه وآله وسلم
__________
[1] في الأصل: «كثرة عيونها» .
[2] تاريخ الطبري 4/ 144.
[3] تاريخ الطبري 4/ 145.(4/311)
غنائم حنين قَالَ سَعْد بْن أَبِي وقاص: يا رَسُول اللَّه، أعطيت الأقرع، وعيينة وتركت جعيلا؟! فَقَالَ: «والذي نفسي بيده، لجعيل خير من طلاع الأرض كلها مثل عُيَيْنَة والأقرع، ولكني تألفتهما ليسلما، ووكلت جعيل بْن سراقة إِلَى إسلامه»
. 228- حممة.
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي طاهر قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قَالَ: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: قال حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ] [1] كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ حَمْمَةُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى أَصْبَهَانَ غَازِيًا، وَفُتِحَتْ فِي خِلافَةِ عُمَرَ، فَقَالَ: اللَّهمّ إِنَّ حَمْمَةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُحِبُّ لِقَاءَكَ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَاعْزِمْ عَلَيْهِ بِصِدْقِهِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَاعْزِمْ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَرِهَ، اللَّهمّ لا تَرُدَّ حَمْمَةَ فِي سَفَرِهِ هَذَا. فَمَاتَ بِأَصْبَهَانَ، فَقَامَ أَبُو مُوسَى فَقَالَ: أَلا إِنَّا وَاللَّهِ مَا سَمِعْنَا من نبيكم، وما بلغ علمنا إِلا أَنَّ حَمْمَةَ شَهِيدٍ. رَحِمَهُ اللَّهُ
. 229- خَالِد بْن الْوَلِيد بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، أَبُو سُلَيْمَان. رضي اللَّه عَنْهُ [2] .
وأمه عصماء، وَهِيَ لبابة الصغرى بنت الْحَارِث بْن حرب، وَهِيَ أخت أم الفضل بنت الْحَارِث بْن عَبْد المطلب أم بَنِي العباس بْن عَبْد المطلب [رضي اللَّه عَنْهُ] .
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أَبُو عَمْرو بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سعد. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ قَالَ: قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ] [3] : لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ بِي مَا أَرَادَ مِنَ الْخَيْرِ قَذَفَ فِي/ قَلْبِي حُبَّ الإِسْلامِ، وَحَضَرَنِي رُشْدِي، فَقُلْتُ:
قَدْ شَهِدْتُ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ كُلَّهَا عَلَى مُحَمَّدٍ، وَلَيْسَ مَوْطِنٌ أَشْهَدُهُ [4] إِلا انصرفت وأنا أرى
__________
[1] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن حميد بن عبد الرحمن» .
[2] البداية والنهاية 7/ 125- 130. والطبقات الكبرى 4/ 2/ 1.
[3] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن خالد بن الوليد» .
[4] في ت: «أشهد» .(4/312)
فِي نَفْسِي إِلَى مَوْضِعٍ فِي عَرِينِي، وَأَنَّ مُحَمَّدًا سَيَظْهَرُ، وَدَافَعَتْهُ قُرَيْشٌ بِالرِّمَاحِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقُلْتُ: أَيْنَ أَذْهَبُ [1] ؟ وَقُلْتُ: أَخْرُجُ إِلَى هِرَقْلَ، ثُمَّ قُلْتُ: أَخْرُجُ مِنْ دِينِي إِلَى نَصْرَانِيَةٍ أَوْ إِلَى يَهُودِيَّةٍ، فَأُقِيمُ مَعَ الْعَجَمِ تَابِعًا لَهَا مَعَ عَيْبِ ذَلِكَ عَلَيَّ، وَدَخَلَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [مَكَّةَ] [2] عَامَ الْقَضِيَّةِ فَتَغَيَّبْتُ، فَكَتَبَ إِلَيَّ أَخِي: لَمْ أَرَ أَعْجَبَ مِنْ ذَهَابِ رَأْيِكَ عَنِ الإِسْلامِ، وَعَقْلُهُ عَقْلُكَ [3] ، وَمِثْلُ الإِسْلامِ جَهِلَهُ أَحَدٌ، وَقَدْ سَأَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عَنْكَ، فَقَالَ: أَيْنَ خَالِدٌ؟ فَقُلْتُ: يَأْتِي اللَّهُ بِهِ [4] . فَقَالَ: «مَا مِثْلُ خَالِدٍ جَهِلَ الإِسْلامَ» ، فَاسْتَدْرِكْ يَا أَخِي مَا فَاتَكَ. فَلَمَّا جَاءَنِي كِتَابُهُ نَشَطْتُ لِلْخُرُوجِ، وَزَادَنِي رَغْبَةً فِي الإِسْلامِ، وَسَرَّتْنِي مَقَالَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَأَرَى فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي فِي بِلادٍ ضيقة جدبة، فخرجت إلى بلد أَخْضَرَ وَاسِعٍ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا، فَذَكَرْتُ بَعْدُ لأَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لِي: هُوَ مَخْرَجُكَ الَّذِي هَدَاكَ اللَّهُ فِيهِ إِلَى الإِسْلامِ، وَالضِّيقُ: الشِّرْكُ. فَأَجْمَعْتُ الْخُرُوجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَطَلَبْتُ مِنْ أَصَاحِبَ، فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ، فَذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي أُرِيدُ، فَأَسْرَعَ الإِجَابَةَ، وَخَرَجْنَا جَمِيعًا، فَأَدْلَجْنَا سَحَرًا، فَلَمَّا كُنَّا بِالْهَدَّةِ إِذَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ، فَقُلْنَا: وَبِكَ. قَالَ: أَيْنَ مَسِيرُكُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ، وَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَاصْطَحَبَنَا حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ صَفَرَ سَنَة ثَمَانٍ، فَلَمَّا طَلَعْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلم سلّمت عليه بالنّبوّة، فردّ عليّ السلام بِوَجْهٍ طَلْقٍ، فَأَسْلَمْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «قَدْ كُنْتُ أَرَى لَكَ عَقْلا رَجَوْتُ أَنْ لا يُسْلِمَكَ إِلا إِلَى خَيْرٍ» وَبَايَعْتُ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وقلت: استغفر الله لي [5] كلما أُوضِعْتُ فِيهِ مِنْ صَدٍّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى. فَقَالَ: «إِنَّ الإِسْلامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» ثُمَّ اسْتَغْفِرْ لِي، وَتَقَدَّمَ عَمْرٌو، وَعُثْمَانُ بْنُ طلحة فأسلما، فو الله مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم من يوم أسلمت
__________
[1] في ت: «أين المذهب» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «عقلك عقلك» .
[4] في الأصل: «يأتي الفرية» .
[5] في ت: «استغفر لي» .(4/313)
يَعْدِلُ بِي أَحَدًا مِنْ أَصْحَابَهِ فِيمَا يُجْزِيهِ [1] .
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى] [2] بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ مُؤْتَةَ، وَقُتِلَ الأُمَرَاءُ، أَخَذَ اللِّوَاءَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ، وجعل يصيح: يال الأنصار. فَجَعَلَ النَّاسُ يَثِبُونَ [3] إِلَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَقَالَ: خُذِ اللِّوَاءَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ. فَقَالَ: لا آخُذُهُ، أَنْتَ أَحَقُّ بِهِ، لَكَ سِنٌّ، وَقَدْ شَهِدْتُ بَدْرًا. قَالَ ثَابِتٌ: خذه أيها الرجل، فو الله مَا أَخَذْتُهُ إِلا لَكَ، وَقَالَ ثَابِتٌ لِلنَّاسِ:
اصْطَلَحْتُمْ عَلَى خَالِدٍ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَأَخَذَ خَالِدٌ اللِّوَاءَ، فَحَمَلَهُ [4] .
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ] [5] ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ [بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدِ انْقَطَعَ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةَ أَسْيَافٍ، وَصَبَرْتُ فِي يَدِي صَفْحَةَ ثَمَانِيَةٍ [6] .
قَالَ علماء السير: دَخَلَ خَالِد بْن الْوَلِيد] [7] يَوْم الفتح من الليط، فوجد جميعا من قريش يمنعونه [8] الدخول، فقاتلهم فَقَالَ رَسُول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «ألم أنه عَن القتال؟» فقيل:
خَالِد قوتل فقاتل. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «قضاء اللَّه خير» . وخرج خَالِد مَعَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إِلَى حنين، وإلى تبوك، ثُمَّ بعثه إِلَى أكيدر دومة، وخرج مَعَهُ فِي حجة الوداع، فلما حلق رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ رأسه أعطاه ناصيته، فكانت فِي مقدمة/ قلنسوته، فكان لا يلقى أحدا إلا هزمه. وسماه رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ «سيف الله» .
__________
[1] في الأصل: «يجريه» .
انظر الخبر في الطبقات الكبرى 4/ 2/ 1.
[2] في الأصل: «روى محمد بن عمر بإسناده عن إبراهيم ... » .
[3] في الأصل: «يثوبون» .
وفي ت: «يشربون» .
[4] الطبقات الكبرى 4/ 2/ 2.
[5] في الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن قيس ... » .
[6] الطبقات الكبرى 4/ 2/ 2.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «فمنعوه» .(4/314)
وَقَدْ سبق ذكر أحواله فِي المجاهدات، وَكَانَ شجاعا، فكان يَقُول: لا أدري من أي يومي أفر، من يَوْم أراد اللَّه أَن يهدي لي فِيهِ شهادة، أَوْ من يَوْم أراد أَن يهدي لي فِيهِ كرامة.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ قالا: أخبرنا ابن النقور قال:
أخبرنا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قال:
حدثنا شعيب قال: حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُبَشِّرٍ،] [1] عَنْ سَالِمٍ قَالَ: حَجَّ عُمَرُ، وَاشْتَكَى خَالِدٌ بَعْدَهُ وَهُوَ خَارِجٌ من المدينة زائرا الأمة، فَقَالَ لَهَا: احْذَرُونِي إِلَى مُهَاجَرَتِي، فَقَدِمَتْ بِهِ الْمَدِينَةَ وَمَرَّضَتْهُ، فَلَمَّا ثَقُلَ وَأَطَلَّ عُمَرُ لَقِيَهُ لاقٍ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلاثٍ، صَادِرًا عَنْ حَجِّهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَهْيَمْ. فَقَالَ: خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. لِمَا بِهِ. فَطَوَى ثَلاثًا فِي لَيْلَةٍ، فَأَدْرَكَهُ حِينَ قَضَى، فَرَقَّ عَلَيْهِ وَاسْتَرْجَعَ، وَجَلَسَ بِبَابِهِ حَتَّى جُهِّزَ، وَبَكَتْهُ الْبَوَاكِي، فَقِيلَ لِعُمَرَ: أَلا تَسْمَعُ؟! أَلا تَنْهَاهُنَّ؟ فَقَالَ: وَمَا عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يَبْكِينَ أَبَا سُلَيْمَانَ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ- النَّقْعُ: الشَّقُّ. وَاللَّقْلَقَةُ: الصَّوْتُ] [2]- فَلَمَّا أُخْرِجَ بِجِنَازَتِهِ رَأَى عُمَرُ امْرَأَةً مُحْتَرِمَةً تَبْكِيهِ وَتَقُولُ:
أَنْتَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ أَلْفٍ مِنَ النَّاسِ ... إِذَا مَا كُبَّتْ [3] وُجُوهُ الرِّجَالِ
أَشُجَاعٌ فَأَنْتَ أَشْجَعُ مِنْ لَيْثِ ... عَرِينٍ جَهْمٍ أَبِي أَشْبَالِ
أَجَوَّادٌ فَأَنْتَ أَجْوَدُ مِنْ سَيْلٍ ... دِيَاسٍ يَسِيلُ بَيْنَ الْجِبَالِ
فَقَالَ عُمَرُ: من هذه؟ فقيل: أمه. فقال: أمه والهالة [4]- ثَلاثًا- هَلْ قَامَتِ النِّسَاءُ عَنْ مِثْلِ خَالِدٍ.
وَكَانَ عُمَرُ يَتَمَثَّلُ فِي طَيِّهِ تِلْكَ الثَّلاثِ في ليلة وبعد ما قدم:
تبكّي مَا وَصَلْتَ بِهِ النَّدَامَى ... وَلا تَبْكِي فَوَارِسَ كالجبال
__________
[1] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن سالم» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «ما دنت» .
[4] في ت: «ايه والإله» .
في الأصل: «والى له» .(4/315)
أُولَئِكَ إِنْ بَكَيْتَ أَشَدُّ فَقْدِ ... أَمِنْ إِلا ذَهَاب وَالْفِكْرِ الْحَلالِ
تَمَنَّى بَعْدَهُمْ قَوْمٌ مَدَاهُمْ ... فَلَمْ يُدْنُوا لأَسْبَابِ الْكَمَالِ
وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ.
وَقَالَ الواقدي: مَات بحمص، ودفن فِي قرية عَلَى ميل من حمص. قَالُوا:
ووصى إِلَى عُمَر، فقدم عَلَيْهِ بالوصية فقبلها.
[أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ قال: أخبرنا جعفر بن أحمد قَالَ: أخبرنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الضراب قال: أخبرنا أبي قال: حدثنا أحمد بْنُ مَرْوَانَ الْمَالِكِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: حدثنا محمد بن سعد قَالَ:
حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ] [1] أَبِي الزِّنَادِ: أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بَكَى وَقَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ كَذَا وَكَذَا زَحْفًا، وَمَا فِي جَسَدِي شِبْرٌ إِلا وَفِيهِ ضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ، أَوْ رَمْيَةٌ بِسَهْمٍ، أَوْ طعنة برمح، وها أنا أَمُوتُ عَلَى فِرَاشِي حَتْفَ أَنْفِي، كَمَا يَمُوتُ الْعِيرُ، فَلا نَامَتْ عَيْنُ الْجُبُنَاءِ
. 230- عمير بْن سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس [2] .
فأما أبوه فشهد بدرا، ويقال لَهُ: سَعْد القارئ. ويروي الكوفيون أنه أَبُو زَيْد الَّذِي جمع القرآن على عهد رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ.
وقتل سَعْد بالقادسية شهيدا. وَأَمَّا عمير فصحب رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وولاه عُمَر حمص، وَكَانَ يقال لَهُ: نسيج وحده.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ الأَنْمَاطِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ الحداد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَكِيمٍ الرَّازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي] [3] ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: بَعَثَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَامِلا عَلَى حِمْصٍ، فَمَكَثَ حَوْلا لا يأتيه خبره، فقال عمر لكاتبه:
__________
[1] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن أبي» .
[2] الطبقات الكبرى 4/ 2/ 88.
[3] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عمير بن سعد» .(4/316)
اكتب إلى عمير، فو الله مَا أَرَاهُ إِلا قَدْ خَانَنَا: «إِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَأَقْبِلْ وَأَقْبِلْ بِمَا جَبَيْتَ مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حِينَ تَنْظُرُ فِي كِتَابِي هَذَا» .
قَالَ: فَأَخَذَ عُمَيْرٌ جِرَابَهُ، فَجَعَلَ فِيهِ زَادَهُ وَقَصْعَتَهُ، وَعَلَّقَ أَدَوَاتِهِ، فَأَخَذَ عَنْزَتَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَمْشِي مِنْ حِمْصَ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَقَدْ شَحَبَ لَوْنُهُ، وَأَغْبَرَ وَجْهُهُ، وَطَالَ شَعْرُهُ، فَدَخَلَ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. قَالَ عُمَرُ: مَا شَأْنُكَ؟ / فَقَالَ عُمَيْرٌ: مَا تَرَى مِنْ شَأْنِي، أَلَيْسَ تَرَانِي صَحِيحَ الْبَدَنِ [1] ، ظَاهِرَ [2] الدَّمِ، مَعِي الدُّنْيَا أُجُرُّهَا بِقَرْنِهَا. قَالَ: وَمَا مَعَكَ؟ فَظَنَّ عُمَرُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِمَالٍ. فَقَالَ: مَعِي جِرَابِي، أَجْعَلُ فِيهِ زَادِي وَقَصْعَتِي، آكَلُ فِيهَا، وَأَغْسِلُ فِيهَا رَأْسِي وَثِيَابِي وَإِدَاوَتِي أَحْمِلُ فِيهَا وَضُوئِي وَشَرَابِي، وَعَنْزَتِي أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا، وَأُجَاهِدُ بِهَا عَدُوًّا إن عرض لي، فو الله مَا الدُّنْيَا إِلا نَفْعٌ لِمَتَاعِي، قَالَ عُمَرُ: فَجِئْتَ تَمْشِي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا كَانَ لك أحد يتبرع لك بداية تَرْكَبُهَا؟ قَالَ: مَا فَعَلُوهُ، وَمَا سَأَلْتُهُمْ ذَلِكَ. فَقَالَ عُمَرُ: بِئْسَ الْمُسْلِمِينَ خَرَجْتَ مِنْ عِنْدِهِمْ. فَقَالَ عُمَيْرٌ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عُمَرُ، قَدْ نَهَاكَ اللَّهُ عَنِ الْغَيْبَةِ، وَقَدْ رَأَيْتُهُمْ يُصَلُّونَ صَلاةَ الْغَدَاةِ. قَالَ عُمَرُ: بَعَثْتُكَ وَأَيُّ شَيْءٍ صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: وَمَا سُؤَالُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ؟ فَقَالَ:
سُبْحَانَ اللَّهِ. فَقَالَ عُمَيْرٌ: أَمَا أَنِّي لَوْلا أَنِّي أَخْشَى أَنْ أعَمْلَ [3] مَا أَخْبَرْتُكَ بَعَثْتَنِي حَتَّى أَتَيْتُ الْبَلَدَ، فَجَمَعْتُ صُلَحَاءِ أَهْلِهَا فَوَلَّيْتُهُمْ جِبَايَةَ فَيْئِهِمْ، حَتَّى إِذَا جَمَعُوهُ وَضَعْتُهُ مواضعه، ولو نالك منه شَيْءٌ لأَتَيْتُكَ بِهِ. قَالَ: فَمَا جِئْتَنَا بِشَيْءٍ. قَالَ: لا. قَالَ: جَدِّدُوا لِعُمَيْرٍ عَهْدًا. قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لِشَيْءٍ لا عَمِلْتُهُ لَكَ وَلا لأَحَدٍ بَعْدَكَ، وَاللَّهِ مَا سَلِمْتُ، بَل لَمْ أسلم. قلت: لنصراني؟ [4] أخزاك الله، هذا مَا عَرَّضْتَنِي لَهُ، وَإِنْ أَشْقَى أَيَّامِي يَوْمَ خَلَّفْتُ [5] مَعَكَ. ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ، فَأَذِنَ لَهُ، فَرَجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَبَيْنَهَ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ أَمْيَالٌ، فَقَالَ عُمَرُ حِينَ انْصَرَفَ عُمَيْرٌ: مَا أَرَاهُ إِلا قَدْ خَانَنَا. فَبَعَثَ رَجُلا يُقَالُ لَهُ الْحَارِثُ، وَأَعْطَاهُ مِائَةَ دِينَارٍ، وَقَالَ: انْطَلِقْ إِلَى عُمَيْرٍ حَتَّى تَنْزِلَ بِهِ كَأَنَّكَ ضَيْفٌ، فَإِن رَأَيْتَ أثر شيء فأقبل
__________
[1] في الأصل: «اليدين» .
[2] في الأصل: «طاهر» .
[3] في ت: «أعمك» .
[4] «لنصراني؟» ساقطة من ت.
[5] في الأصل: «حلفت» .(4/317)
، وَإِنْ رَأَيْتَ حَالا شَدِيدًا فَادْفَعْ إِلَيْهِ هَذِهِ الْمِائَةِ دِينَارٍ.
فَانْطَلَقَ الْحَارِثُ، فَإِذَا هُوَ بِعُمَيْرٍ جَالِسٌ يُفْلِي قَمِيصًا إِلَى جَنْبِ الْحَائِطِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: انْزِلْ رَحِمَكَ اللَّهُ. فَنَزَلَ ثُمَّ سَأَلَهُ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟
فَقَالَ: مِنَ الْمَدِينَةِ. قَالَ: فَكَيْفَ تَرَكْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ؟ قَالَ: صَالِحًا. قَالَ: فَكَيْفَ تَرَكْتَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: صَالِحِينَ. قَالَ: أَلَيْسَ يُقِيمُ الْحُدُودَ/ قَالَ: بَلَى، ضَرَبَ ابْنًا لَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ فَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ. قَالَ عُمَيْرٌ: اللَّهمّ أَعِنْ عُمَرَ، فَإِنِّي لا أَعْلَمُهُ إِلا شَدِيدًا حُبُّهُ لَكَ.
قَالَ: فَنَزَلَ بِهِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَيْسَ لَهُمْ إِلا قُرْصٌ مِنْ شَعِيرٍ كَانُوا يَخُصُّونَهُ بِهِ، وَيَطْوُونَ حَتَّى أَتَاهُمُ الْجَهْدُ. فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: إِنَّكَ قَدْ أَجَعْتَنَا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَتَحَوَّلَ عَنَّا فَافْعَلْ. قَالَ:
فَأَخْرَجَ الدَّنَانِيرَ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: بَعَثَ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنيِنَ، فَاسْتَعِنْ بِهَا. قَالَ: فَصَاحَ وَقَالَ: لا حَاجَةَ لِي فِيهَا، رُدَّهَا. فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنِ احْتَجْتَ إِلَيْهَا، وَإِلا فَضَعْهَا فِي مَوَاضِعِهَا. فَقَالَ عُمَيْرٌ: وَاللَّهِ مَا لِي شَيْءٌ أَجْعَلُهَا فِيهِ. فَشَقَّتِ الْمَرْأَةُ أَسْفَلَ دِرْعِهَا، فَأَعْطَتْهُ خِرْقَةً، فَجَعَلَهَا فِيهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَسَّمَهَا بَيْنَ أَبْنَاءِ الشُّهَدَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، ثُمَّ رَجَعَ وَالرَّسُولُ يَظُنُّ أَنَّهُ يُعْطِيهِ مِنْهَا شَيْئًا. فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: أَقْرِئْ مِنِّي أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ السَّلامَ. فَرَجَعَ الْحَارِثُ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: مَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ حَالا شَدِيدًا. قَالَ: فَمَا صَنَعَ بِالدَّنَانِيرِ؟
قَالَ: لا أَدْرِي. قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: «إِذَا جَاءَكَ كِتَابِي فَلا تَضَعْهُ مِنْ يَدِكَ حَتَّى تُقْبِلَ» .
فَأَقْبَلَ إِلَى عُمَرَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «مَا صَنَعْتَ بِالدَّنَانِيرِ؟ فَقَالَ: / صَنَعْتُ مَا صَنَعْتُ، وَمَا سُؤَالُكَ عَنْهَا؟ قَالَ: أُنْشِدُكَ اللَّهَ إِلا مَا أَخْبَرْتَنِي [1] مَا صَنَعْتَ بِهَا؟ قَالَ:
قَدَّمْتُهَا لِنَفْسِي. قَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ. فَأَمَرَ لَهُ بِوَسَقٍ مِنْ طَعَامٍ وَثَوْبَيْنِ، فَقَالَ: أَمَّا الطَّعَامُ فَلا حَاجَةَ لِي فِيهِ، قَدْ تَرَكْتُ فِي الْمَنْزِلِ صَاعَيْنِ مِنْ شَعِيرٍ، إِلَى أَنْ آكُلَ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالرِّزْقِ. وَلَمْ يَأْخُذِ الطَّعَامَ. وَأَمَّا الثَّوْبَانِ فَإِنَّ أُمَّ فُلانٍ عَارِيَةٌ [2] . فَأَخَذَهُمَا وَرَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ هَلَكَ- رَحِمَهُ الله- فبلغ ذلك عُمَرَ، فَشُقَّ عَلَيْهِ، وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ يَمْشِي مَعَهُ، وَمَعَهُ الْمَشَّاءُونَ [3] إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَقَالَ لأصحابه: ليتمنّ كل
__________
[1] في ت: «أقسمت عليك لتخبرني» .
[2] في ت: «عريان» .
[3] في الأصل: «المشارون» .(4/318)
مِنْكُمْ أُمْنِيَةً. فَقَالَ رَجُلٌ: وَدِدْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ أَنَّ عِنْدِي مَالا فَأَعْتِقُ لِوَجْهِ اللَّهِ كَذَا وَكَذَا. وَقَالَ آخَرُ: وَدِدْتُ أَنَّ عِنْدِي مَالا فَأُنْفِقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَالَ آخَرُ: وَدِدْتُ أَنَّ لِي قُوَّةً فَأَنْضَحُ بِدَلْوٍ مِنْ زَمْزَمَ لِحُجَّاجِ بَيْتِ اللَّهِ. فَقَالَ عُمَرُ: وَدِدْتُ أَنَّ لِي رَجُلا مِثْلَ عُمَيْرٍ أَسْتَعِينُ بِهِ فِي أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ
. 231- عويم بْن الْحَارِث بْن زَيْد بْن حارثة بْن الجد بْن عجلان.
شهد أحدًا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، ولما قدم من تبوك رمى امرأته بشريك بْن سحماء، فلاعن رَسُول اللَّه صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بينهما فِي مسجده بَعْد العصر، قائمين عِنْدَ المنبر، وَذَلِكَ من شعبان سَنَة تسع، فلما ولدت جاءت بِهِ أشبه النَّاس بشريك من سحماء، وَكَانَ قوم عويم قَدْ لاموه فيما قَالَ، فلما رأوه يشبه شريكا عذروه فيما قَالَ. وعاش المولود سنتين ثُمَّ مَات، وعاشت أمه بعده يسيرا، وَكَانَ شريك عِنْدَ النَّاس بحال سوء بَعْد، وَقَدْ شهد شريك أحدا أيضا
.(4/319)
ثُمَّ دخلت سَنَة اثنتين وعشرين
فمن الحوادث فِيهَا:
أَن مُعَاوِيَة غزا الصائفة، ودخل بلاد الروم فِي عشرة آلاف من الْمُسْلِمِينَ [1] .
[أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ قَالا: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد اللَّهِ الْحَاكِمُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ النَّوْفَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ الْقُدَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ الْعَجْلانِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ] [2] قَالَ: أَسَرَتِ الرُّومُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ صَاحِبَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ الطَّاغِيَةُ: تَنَصَّرْ، وَإِلا قَتَلْتُكَ أَوْ أَلْقَيْتُكَ فِي النُّقْرَةِ النُّحَاسِ [3] . قَالَ: مَا أَفْعَلُ. فدعى بنقرة نحاس فملئت زيتا وأغليت، ودعي رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيَّةَ فَأَبَى، فَأَلْقَاهُ فِي النُّقْرَةِ، فَإِذَا بِعِظَامِهِ تَلُوحُ.
فَقَالَ لعبد اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ: تَنَصَّرْ وَإِلا أَلَقَيْتُكَ. قَالَ: مَا أَفْعَلُ. فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُلْقَى فِي النُّقْرَةِ، فَكَتَفُوهُ فَبَكَى، فَقَالُوا: قَدْ جَزِعَ وَبَكَى. قال: ردّوه. قال: فَقَالَ: لا تَظُنُّ أَنِّي بَكَيْتُ جَزَعًا، وَلَكِنْ بكيت إذا لَيْسَ بِي إِلا نَفْسٌ وَاحِدَةٌ يُفْعَلُ بِهَا هَذَا فِي [سَبِيلِ] [4] اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لِي مِنَ الأَنْفُسِ عَدَدَ كُلِّ شَعْرَةٍ فِيَّ، ثُمَّ تُسَلَّطَ عَلَيَّ فَتَفْعَلَ بِي هَذَا. قَالَ: فَأُعْجِبَ بِهِ، وَأَحَبَّ أَنْ يُطْلِقَهُ، فَقَالَ: قَبِّلْ رَأْسِي وَأُطْلِقُكَ. قَالَ: مَا أفعل.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 160.
[2] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عباس» .
[3] في الأصل: «البقرة النحاس» وكذلك في المواضع التالية. وفي ت: «النفرة النحاس» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(4/320)
قَالَ: تَنَصَّرْ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي وَأُقَاسِمُكَ مُلْكِي. قَالَ: مَا أَفْعَلُ. قَالَ: قَبِّلْ رَأْسِي وَأَطْلِقْ مَعَكَ ثَمَانِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ. فَقَبَّلَ رَأْسَهُ فَأَطْلَقَهُ [1] وَثَمَانِينَ مَعَهُ.
فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ قَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ، فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُمَازِحُونَ عَبْدَ اللَّهِ فَيَقُولُونَ: قَبَّلَ رَأْسَ الْعِلْجِ [2] .
ومن الحوادث فِي هذه السنة: / أَن عُمَر رضي اللَّه عَنْهُ كتب إِلَى نعمي بْن مقرن: أَن سر حَتَّى تأتي همدان، وابعث عَلَى مقدمتك سويد بْن مقرن [3] ، وعلى مجنبتك ربعي بْن عامر، ومهلهل بْن زَيْد الطائي، فخرج حَتَّى نزل ثنية العسل- وسميت «ثنية العسل» لأجل العسل الَّذِي أصابوا فِيهَا عِنْدَ وقعة نهاوند ثُمَّ انحدر نعيم من الثنية حَتَّى نزل عَلَى مدينة همدان، وَقَدْ تحصنوا فِيهَا، فحاصرهم واستولى علي بلاد همدان كلها، فلما رأى ذَلِكَ أَهْل همدان سألوه الصلح فأجابهم، وقبل مِنْهُم الجزية.
وَقَالَ ربيعة بْن عُثْمَان: كَانَ فتح همذان فِي جمادى الأولي عَلَى رأس ستة أشهر من مقتل عُمَر، وجيوشه عَلَيْهَا [4] .
ومنها: فتح الري: قَالُوا: وخرج نعيم بْن مقرن إِلَى الري، فبعث من دَخَلَ عَلَيْهِم من حيث لا يشعرون، ثُمَّ قاتلهم وأخرب مدينتهم.
قَالَ الواقدي: إِنَّمَا فتح همدان والري فِي سَنَة ثَلاث وعشرين [5] .
ومنها: [6] فتح قومس: وكتب عُمَر إِلَى نعيم أَن قدم سويد بْن مقرن إِلَى قومس، فَذَهَبَ وأخذها سلما، وكتب لهم كتاب أمان [7] .
ومنها: [8] أَن عُمَر أمر عَبْد الرَّحْمَنِ بْن ربيعة أَن يغزو الترك، فقصدهم، فحال اللَّه
__________
[1] في الأصل: «وأصلعه» .
[2] في ت: «علج» .
[3] «سويد بن مقرن» ساقطة من ت.
[4] تاريخ الطبري 4/ 146- 150.
[5] تاريخ الطبري 4/ 150.
[6] في الأصل: «وفيها» .
[7] تاريخ الطبري 4/ 151، 152.
[8] في الأصل: «وفيها» .(4/321)
بينهم وبين الخروج عَلَيْهِ، وَقَالُوا: مَا اجترأ عَلَيْنَا هَذَا الرجل إلا ومعهم الملائكة تمنعهم من الْمَوْت، فتحصنوا وهربوا، فرجع بالغنم والظفر فِي إمارة عُمَر. ثُمَّ غزاهم [غزوات] [1] فِي زمن عُثْمَان حَتَّى قتل فِي بَعْض مغازيه إياهم، فهم يستسقون بجسده [2] .
وَفِي هذه السنة: حج عُمَر بْن الْخَطَّاب بالناس [3] وفيها: ولد يَزِيد بْن مُعَاوِيَة، وعبد الْمَلِك بْن مَرْوَان، وقيل: إِنَّمَا/ ولد يَزِيد فِي سَنَة خمس وعشرين.
وَفِي هذه السنة: خرج الأحنف بْن قيس إِلَى خراسان، فحارب يزدجرد.
وبعضهم يَقُول: كان ذلك في سنة ثمان عشرة.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَن الأحنف أشار عَلَى عُمَر بقصد يزدجرد، وأن عُمَر عقد الألوية، ودفع لواء خراسان إِلَى الأحنف بْن قيس، فافتتح هراة عنوة، ثُمَّ سار نَحْو مرو، وأرسل إِلَى نيسابور مطرف بْن عَبْد اللَّهِ بْن الشخير وكتب يزدجرد وَهُوَ بمرو إِلَى خاقان يستمده، وإلى ملك الصغد يستمده، وإلى ملك الصين يستعين بِهِ [4] ، ولحقت بالأحنف أمداد أَهْل الكوفة، فسار إِلَى موضع، فبلغ يزدجرد، فخرج إِلَى بلخ، فسار أَهْل الكوفة إِلَى بلخ، فالتقوا بيزدجرد، فهزمه اللَّه تَعَالَى، فعبر النهر، ولحق الأحنف بأهل الكوفة، وفتح الله عليهم، وعاد الأحنف إلى مروالروذ، فنزلها، ثُمَّ أقبل يزدجرد ومعه خاقان إِلَى مروالروذ، فخرج الأحنف ليلا فِي عسكره يتسمع، هل يسمع برأي ينتفع بِهِ. فمر برجلين يَقُول أحدهما للآخر: لو أَن الأمير أسندنا إِلى هَذَا الجبل فكان النهر بيننا وبين عدونا خندقا، وَكَانَ الجبل فِي ظهورنا أمنا أَن يأتونا من خلفنا، ورجونا أَن ينصرنا اللَّه تَعَالَى.
فارتحل، فأسندهم إِلَى الجبل، ثُمَّ خرج الأحنف ليلة فرأى كبيرا مِنْهُم فقتله ثُمَّ آخر ثُمَّ آخر، وانصرف إِلَى عسكره وَلَمْ يعلم بِهِ أحد، فخرجوا فرأوا أولئك مقتولين، فقال خاقان:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 4/ 155- 160.
[3] تاريخ الطبري 4/ 173.
[4] في ت: «يستعينه» .(4/322)
مَا لنا فِي قتال هؤلاء خير. فانصرف بأَصْحَابه إِلَى بلخ، فَقَالَ يزدجرد: إني أريد أَن/ أتبع خاقان فأكون مَعَهُ. فَقَالُوا: أتدع قومك وأرضك وتأتي قوما فِي مملكتهم، عد بنا إِلَى هؤلاء الْقَوْم [نصالحهم فَإِن عدوا يلينا فِي بلادنا أحب إلينا من عدو يلينا فِي بلاده] [1] .
فأبى عَلَيْهِم، وأبوا عَلَيْهِ إِلَى أَن قَالُوا لَهُ: فدع خزائننا نردها إلى بلادنا. فأبى عليهم وأبوا عليه. فَقَالُوا: إنا لا ندعك. فاعتزلوا وتركوه فِي حاشيته، وقاتلوه فهزموه، وأخذوا الخزائن، واستولوا عَلَيْهَا وركبوه، وكتبوا إِلَى الأحنف بالخبر، ومضى يزدجرد بالأثقال إِلَى فرغانة والترك، فلم يزل مقيما زمان عُمَر كُلهُ، فأقبل أَهْل فارس إِلَى الأحنف بن قيس، وصالحوه، وعاقدوه، ودفعوا إِلَيْهِ الخزائن والأموال، ورجعوا إِلَى بلادهم وأموالهم عَلَى أفضل مَا كَانُوا فِي زمان الأكاسرة، وأصاب الفارس يَوْم يزدجرد كسهم الفارس يَوْم القادسية.
ولما رجع أَهْل خراسان زمان عُثْمَان أقبل يزدجرد حَتَّى نزل قم، واختلف هُوَ ومن مَعَهُ، فقتل ورمي فِي النهر [2] .
وَمَا عرفنا أحدا من الأكابر تُوُفِّيَ فِي هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل. وورد مكانها: «فإن عدوا علينا» .
[2] تاريخ الطبري 4/ 166- 173.(4/323)
ثُمَّ دخلت سَنَة ثَلاث وعشرين
فمن الحوادث فِيهَا:
فتح إصطخر [وتوج] [1] :
قَالَ أَبُو معشر: كانت فارس الأولى، وإصطخر الآخرة سَنَة ثَلاث وعشرين، وكانت فارس الآخرة سَنَة تسع وعشرين. وفي سنة ثلاث وعشرين وقعة فسا ودارابجرد [2] .
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ قالا: أخبرنا ابن النقور قال:
أخبرنا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قال:
حدثنا شعيب قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفٌ] [3] عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ وَالْمُهَلَّبِ وَعَمْرٍو قَالُوا: قَصَدَ سَارِيَةُ بْنُ زُنَيْمٍ فَسَا وَدَارَابَجِرْدَ فَحَاصَرَهُمْ، فَتَجَمَّعَتْ إِلَيْهِ أَكْرَادُ فَارِسَ، فَدَهَمَ الْمُسْلِمِينَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَرَأَى عُمَرُ فِي لَيْلَةٍ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ مَعْرَكَتَهُمْ/ وَعَدَدَهُمْ فِي سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ، فَنَادَى مِنَ الْغَدِ: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ. حَتَّى إِذَا كَانَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي رَأَى فِيهَا مَا رَأَى خَرَجَ إِلَيْهِمْ، وَكَانَ أُرِيَهُمْ [وَالْمُسْلِمُونَ] [4] بِصَحَرَاءَ، إِنْ أَقَامُوا بِهَا أُحِيطَ بِهِمْ، وَإِنْ أَرَزُوا إِلَى جَبَلٍ مِنْ خَلْفِهِمْ لَمْ يُؤْتُوا إِلا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، فَقَامَ فَقَالَ: أيها الناس، إني أريت هذين
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
انظر تاريخ الطبري 4/ 174- 177.
[2] في الأصل: «قساورد أبجرد» .
[3] في الأصل: روى المؤلف بإسناده عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(4/324)
الْجَمْعَيْنِ- وَأَخْبَرَ بِحَالِهِمَا- ثُمَّ قَالَ: يَا سَارِيَةُ، الجبل [الْجَبَلَ] . فَفَعَلُوا، وَقَاتَلُوا الْقَوْمَ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، فَهَزَمَهَمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَتَبُوا بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ [1] .
[وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ أَبِي عُمَرَ دِثَارِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ عُثْمَانَ] [2] وَأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَازِنٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ قَدْ بَعَثَ سَارِيَةَ بْنَ زُنَيْمٍ إِلَى فَسَا وَدَارَابَجِرْدَ، فَحَاصَرَهُمْ [3] ، ثُمَّ إِنَّهُمْ تَدَاعَوْا [4] فَأَصْحَرُوا وَأَتَوْهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَقَالَ عُمَرُ وَهُوَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ: يَا سارية بن زنيم، الجبل الجبل. ولما كان ذلك اليوم [و] إلى جَنْبِ الْمُسْلِمِينَ جَبَلٌ، إِنْ لَجَئُوا إِلَيْهِ لَمْ يُؤْتُوا إِلا مِنْ وَجْهٍ [وَاحِدٍ] [5] ، فَلَجَئُوا إِلَى الْجَبَلِ، ثُمَّ قَاتَلُوهُمْ فَهَزَمُوهُمْ، وَأَصَابَ مَغَانِمَهُمْ، وَأَصَابَ فِي الْمَغَانِمِ سَفَطًا فِيهِ جَوْهَرٌ، فَاسْتَوْهَبَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِعُمَرَ، فَوَهَبُوهُ لَهُ، فَبَعَثَ بِهِ [مَعَ] رَجُلٍ [6] ، وَبِالْفَتْحِ.
وَكَانَ الرُّسُلُ وَالْوَفْدُ يُجَازُونَ وَتُقْضَى لَهُمْ حَوَائِجُهُمْ. فَقَالَ لَهُ سَارِيَةُ: اسْتَقْرِضْ مَا تَبْلُغُ بِهِ وَتُخَلِّفُهُ لأَهْلِكَ عَلَى جَائِزَتِكَ. فَفَعَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَدِمَ عَلَى عُمَرَ، فَوَجَدَهُ يُطْعِمُ لناس وَمَعَهُ عَصَاهُ الَّتِي يَزْجُرُ بِهَا بَعِيرَهُ، فَقَالَ: اجْلِسْ. فَجَلَسَ حَتَّى إِذَا أَكَلَ [الْقَوْمُ] [7] انْصَرَفَ عُمَرُ، وَقَامَ فَاتَّبَعَهُ، فَظَنَّ عُمَرُ أَنَّهُ لَمْ يَشْبَعْ، فَقَالَ حِينَ انْتَهَى إِلَى بَابِ دَارِهِ:
ادْخُلْ. فَلَمَّا جَلَسَ فِي الْبَيْتِ أَتَى بِغَدَائِهِ: خبز وزيت وَمِلْحٍ جَرِيشٍ: فَوُضِعَ فَقَالَ: أَلا تَخْرُجِينَ يَا هَذِهِ فَتَأْكُلِينَ؟ قَالَتْ: [إِنِّي] [7] لأَسَمْعُ حِسَّ رَجُلٍ، فَقَالَ: أَجَلْ. / فَقَالَتْ:
لَوْ أَرَدْتَ [أَنْ] [8] أَبْرُزَ [لِلرِّجَالِ] [9] لاشْتَرَيْتَ لِي غَيْرَ هَذِهِ الْكِسْوَةِ. فَقَالَ: أو ما ترضين [10] أن يقال: أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ وَامْرَأَةُ عُمَرَ! فَقَالَتْ: مَا أَقَلَّ غِنَاءَ ذَلِكَ عَنِّي! ثُمَّ قَالَ للرجل:
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 178.
[2] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عمرو بن العلاء» .
[3] في الأصل: «فحاصروهم» .
[4] في الأصل: «تدافعوا» .
[5] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[6] في الأصل: «فبعث به رجلا» .
[7] ما بين المعقوفتين: زيادة من الطبري (4/ 179) .
[8] ما بين المعقوفتين: زيادة من الطبري (4/ 179) .
[9] ما بين المعقوفتين: زيادة من الطبري (4/ 179) .
[10] في ت، الأصل: «ما ترضين» .(4/325)
ادْنُ فَكُلْ. فَلَمَّا أَكَلا وَفَرَغَا قَالَ: أَنَا رَسُولُ سَارِيَةَ بْنِ زُنَيْمٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ. قَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلا. فَأَدْنَاهُ حَتَّى مُسَّتْ رُكْبَتُهُ رُكْبَتُهُ ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ [الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ] [1] سَارِيَةَ بْنِ زُنَيْمٍ، فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّةِ الدَّرَجِ [2] ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ صَاحَ بِهِ: لا، وَلا كَرَامَةَ حَتَّى تَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ الْجُنْدِ فَتَقْسِمَهُ [3] بَيْنَهُمْ. فَطَرَدَهُ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ، إِنِّي قد أنضيت إبلي، واستقرضت على جائزتي، فأعطني مَا أَتَبَلَّغُ بِهِ، فَمَا زَالَ [بِهِ] [4] حَتَّى أَبْدَلَهُ بَعِيرًا بِبَعِيرِهِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَأَخَذَ بَعِيرَهُ فَأَدْخَلَهُ فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَرَجَعَ الرَّسُولُ مَحْرُومًا حَتَّى دَخَلَ الْبَصْرَةَ، قَدْ سَأَلَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْ سَارِيَةَ، وَعَنِ الْفَتْحِ، وَهَلْ سَمِعُوا شَيْئًا يَوْمَ الْوَقْعَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، سَمِعْنَا «يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ» وَقَدْ كِدْنَا نَهْلِكُ فَأَلْجَأْنَا إِلَيْهِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قَالَ: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ:] [5] حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ [وَأَبِي سُلَيْمَانَ، عن يعقوب قالا] : خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى الصَّلاةِ، فَصَعِدَ إِلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ صَاحَ: يَا سَارِيَةُ بْنَ زُنَيْمٍ، الْجَبَلَ. يَا سَارِيَةُ بْنَ زنيم، الجبل، ظلم من استرعى الذئب الغنم. ثُمَّ خَطَبَ حَتَّى فَرَغَ فَجَاءَ كِتَابُ سَارِيَةَ بْنِ زُنَيْمٍ إِلَى عُمَرَ أَنَّ اللَّهَ فَتَحَ عَلَيْنَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِسَاعَةِ كَذَا وَكَذَا- لِتِلْكَ الساعة الَّتِي خَرَجَ فِيهَا عُمَرُ، فَتَكَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ- قَالَ سَارِيَةُ: سَمِعْتُ صَوْتًا «يَا سَارِيَةُ بْنَ زنيم الجبل، ظلم من استرعى الذئب الغنم» ، فَعَلَوْتُ بِأَصْحَابِي الْجَبَلَ، وَنَحْنُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي بطن وادي وَنَحْنُ مُحَاصِرُو الْعَدُوِّ، وَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا. فَقِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا ذَلِكَ الْكَلامُ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَلْقَيْتُ لَهُ إلا بشيء أتى على لساني.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] الدرج: سفيط صغير.
[3] في الأصل: «فيقسمه» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أسامة بن زيد ... » .(4/326)
وَفِي هذه السنة: كَانَ فتح كرمان [1] ، وغنم المسلمون منها مَا شاءوا من الشاة والبعير.
وفيها: فتحت سجستان [2] ، وصالح أهلها الْمُسْلِمِينَ.
وفيها: فتحت مكران وبيروذ [3] .
وفيها: غزا مُعَاوِيَة أرض الروم حَتَّى بلغ عمورية، وَكَانَ فِي ذَلِكَ أبو أيوب الأنصاري، وعبادة بن الصامت، وأبو ذر، وشداد بْن أوس.
وَفِي هذه السنة: فتح مُعَاوِيَة عسقلان عَلَى صلح.
وَفِي هذه السنة: حج عُمَر بأزواج رَسُول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَهِيَ آخر حجة حجها بالناس [4] .
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ قالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ النَّقُّورِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المخلص قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بن يحيى قال: حدثنا شُعَيْبٌ،] [5] عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، وَأَبِي حَارِثَةَ، وَالرَّبِيعِ بِإِسْنَادِهِمْ قَالُوا: حَجَّ عُمَرُ بِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مَعَهُنَّ أَوْلِيَاؤُهُنَّ [مِمَّنْ] [6] لا تَحْتَجِبْنَ مِنْهُ، وَجَعَلَ فِي مُقَدَّمِ قِطَارِهِنِّ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَفِي مُؤَخِّرِهِ: عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَلَمَّا رَدَّهُنَّ شَخَصَ بِهِمَا وَبِالْعَبَّاسِ، وَخَلَّفْنَا عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ أَسْرَعَ حَتَّى قَدِمَ الْجَابِيَةَ يَوْمَ الْوَقْعَةِ، فَأَتَاهُ الْفَتْحُ بِهَا، وَرَكِبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ الْجَابِيَةِ يُرِيدُ [7] الأُرْدُنَّ، وَوَقَفَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ عَلَى حِمَارٍ وَأَمَامَهُ الْعَبَّاسُ عَلَى فَرَسٍ، فَلَمَّا رَآهُ أَهْلُ الْكِتَابِ سَجَدُوا، فَقَالَ: لا تَسْجُدُوا لِلْبَشَرِ، وَاسْجُدُوا للَّه. وَمَضَى، فَقَالَ الْقِسِّيسُونَ
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 180.
[2] تاريخ الطبري 4/ 180، 181.
[3] 4/ 181- 186.
[4] تاريخ الطبري 4/ 190.
[5] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي عثمان» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «يريدون» .(4/327)
والرهابين: مَا رَأَيْنَا أَحَدًا أَشْبَهَ بِمَا يُوصَفُ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ.
ثُمَّ دَخَلَ الأُرْدُنَّ عَلَى بَعِيرٍ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الأُرْدُنِّ أَتَى عَلَى فَيْضِ مَاءٍ، فَأَخَذَتِ الْخُيُولُ يُمْنَةً وَيُسْرَةً، فَنَزَلَ عَنْ بَعِيرِهِ فَأَخَاضَهُ وَأَخَاضَ، فَدَنَا مِنْهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَقَالَ: / يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ، إِنَّكَ فِي بِلادِ الأَعَاجِمِ، وَقَدْ سَاءَنِي مَا رَأَيْتُ مِنَ ابْتِذَالِكَ خَشْيَةَ أَنْ يُجْرِيَ ذَلِكَ الْبَطَارِقَةَ عَلَيْنَا، فَسَكَتَ حَتَّى دَخَلَ، فَعَمِدَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَأَطَافَ بِهِ النَّاسُ، فَدَعَا أَبَا عُبَيْدَةَ، فَأَقَامَهُ أسفل منه، فحمد الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ رَفَعَكُمْ وَأَعَزَّكُمْ بِدِينِهِ، فَاطْلُبُوا الْعِزَّ بِالدِّينِ وَالْكَرَمِ تَعِزُّوا وَتَتْبَعُكُمُ الدُّنْيَا، وَلا تَطْلُبُوا الْعِزَّ بِغَيْرِ الدِّينِ فَتَذِلُّوا، وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ مِنْ قَبْلِ الآنَ لَنَكَّلْتُ بِكَ.
ورجع عُمَر إِلَى المدينة فِي المحرم سَنَة سبع عشرة- هكذا من رواية سَيْف.
وغيره يَقُول: كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَة ثَلاث وعشرين.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عبد الله الأنماطي، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الكريم، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ،] [1] عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ قَالَ: صَنَعَ أَرْخَنَ الْجَابِيَةِ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ طَعَامًا فِي الْكَنِيسَةِ، فَطَعِمَ عُمَرُ، ثُمَّ حَضَرَتِ الصَّلاةُ، فصلى عُمَرُ بِأَصْحَابِهِ فِي الْكَنِيسَةِ.
وَفِي هذه السنة- أعني سَنَة ثَلاث وعشرين- كَانَ عامل عُمَر عَلَى مكة نَافِع بْن عَبْد اللَّهِ الخزاعي- وقيل: ابْن عَبْد الْحَارِث، وهو الأصلح [2]- وعلى الطائف سُفْيَان بْن عَبْد اللَّهِ الثقفي، وعلى صنعاء يعلى بْن أمية، وعلى حمص عمير بْن سَعْد، وعلى الكوفة المغيرة بْن شُعْبَة، وعلى البصرة أَبُو موسى، وعلى مصر عَمْرو بْن العاص، وعلى دمشق مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان، وعلى البحرين وَمَا حولها عُثْمَان [3] .
__________
[1] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أسلم مولى عمر» .
[2] «وقيل ابن عبد الحارث وهو الأصح» سقط من ت.
[3] تاريخ الطبري 4/ 241.(4/328)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
232- عُمَر بْن الْخَطَّاب [1] .
جرحه أَبُو لؤلؤة- واسمه: فيروز: - فبقي ثلاثا يصلي فِي ثيابه الَّتِي جرح فِيهَا، وتوفي فصلى عَلَيْهِ صهيب. وولد لعلي بْن أَبِي طالب ليلة مَات عمر رضي الله ولد فسماه عُمَر. وولد لعثمان تِلْكَ/ الليلة ولد فسماه عُمَر. وولد لعبيد اللَّه بْن مَعْمَر التيمي ولد فسماه عُمَر.
[أَخْبَرَنَا الأَوَّلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُظَفَّرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرْبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ] [2] ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: [إِنِّي] [3] لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ عُمَرَ إِلا ابْنَ عَبَّاسٍ غَدَاةَ أُصِيبَ، فَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَالَ: اسْتَوْوا. حَتَّى إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِنَّ ظِلا تَقَدَّمَ، فَكَبِّرُوا، وَرُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ أَوِ النَّحْلَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، فَمَا هُوَ إِلا أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَتَلَنِي- أَوْ: أَكَلَنِي- الْكَلْبُ حِينَ طَعَنَهُ، فَطَارَ الْعَلْجُ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ، لا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينًا وَلا شِمَالا إِلا طَعَنَهُ، حَتَّى طَعَنَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا، [4] فَلَمَّا ظَنَّ الْعُلْجُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ. وَتَنَاوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، فَمَنْ يَلِي عُمَرَ، فَقَدْ رَأَى الَّذِي أَرَى، وَأَمَّا نَوَاحِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ لا يَدْرُونَ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ وَهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ. فصلى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلاةً خَفِيفَةً، فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي؟ فَجَالَ سَاعَةً ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ:
غُلامُ الْمُغِيرَةِ. قَالَ: الصَّنَعُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ، لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا، الْحَمْدُ للَّه الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَيْتَتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الإِسْلامَ.
قَالَ: فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ. فَقَائِلٌ يَقُولُ: لا بأس
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 190- 241. والبداية والنهاية 7/ 147- 155. والكامل 2/ 449- 458.
[2] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن البخاري بإسناده عن عمرو بن ميمون ... » .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «شيئا» .(4/329)
وَقَائِلٌ يَقُولُ: أَخَافُ عَلَيْهِ. فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ، فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَج مِنْ جُرْحِهِ [1] ، فَعَلِمُوا [2] أَنَّهُ مَيِّتٌ. فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَجَاءَ النَّاسُ [فَجَعَلُوا] [3] يُثْنُونَ عَلَيْهِ [4] . وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ بِبُشْرَى اللَّهِ لَكَ، مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَقِدَمٍ فِي الإِسْلامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وُلِّيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ. قَالَ:
وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كِفَافٌ لا عَلَيَّ وَلا لِيَ. فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ، قَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلامَ. قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، ارْفَعْ ثَوْبَكَ [5] ، فَإِنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِكَ وَأَتْقَى لِرَبِّكَ. يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ. فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوَهُ. قَالَ: إِنْ وَفَّى لَهُ مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَإِلا فَسَلْ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِي قَرَيْشٍ، وَلا تَعَدَّهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَأَدِّ عَنِّي هَذَا الْمَالَ. انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنيِنَ فَقُلْ لَهَا [6] : إِنَّ عُمَرَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلامَ [7] ، وَلا تَقُلْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ، فَإِنِّي الْيَوْمَ لَسْتُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا- وَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ. فَمَضَى [8] ، فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَوَجَدَهَا قَاعِدَةٌ تَبْكِي، فَقَالَ: عُمَرُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلامَ وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ فَقَالَتْ [كُنْتُ] [9] أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، وَلأُوثِرَنَّهُ بِهِ الْيَوْمَ [10] عَلَى نَفْسِي، فَلَمَّا أَقْبَلَ، قِيلَ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ. قَالَ: ارْفَعُونِي. فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ، إِنَّهَا [11] قَدْ أذنت. قال:
__________
[1] في الأصل، ت: «جوفه» وما أوردناه من البخاري.
[2] في البخاري: «فعرفوا» .
[3] ما بين المعقوفتين من البخاري.
[4] «عليه» ساقطة من ت.
[5] في الأصل: «إزارك» .
[6] «لها» ليس في البخاري.
[7] في البخاري: «يقرأ عليك عمر السلام» .
[8] فمضى ليس في البخاري.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] في الأصل: «اليوم به» .
[11] «إنها» ليس في البخاري» .(4/330)
الْحَمْدُ للَّه، مَا كَانَ [مِنْ] [1] شَيْءٍ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنَا قُبِضْتُ [2] فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ سَلَّمَ فَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَإِن أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي، وَإِنْ رَدَّتْنِي رُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ.
وَجَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنيِنَ حَفْصَةُ وَالنِّسَاءُ تَسِيرُ مَعَهَا، فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا قُمْنَا، فَوَلَجَتْ [3] عَلَيْهِ فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ، فَوَلَجَتْ/ دَاخِلا لَهُمْ، فَسَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنَ الدَّاخِلِ، فَقَالُوا: أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ، اسْتَخْلِفْ. قَالَ: مَا أَجِدُ أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلاءِ النَّفَرِ- أَوِ الرَّهْطِ- الَّذِينَ تُوُفِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ. فَسَمَّى عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ، والزبير، وطلحة، وسعد، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ: يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ- كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ [لَهُ]- فَإِنْ أَصَابَتِ الإِمْرَةُ سَعْدًا فَهُوَ ذَاكَ، وَإِلا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أَمَّرَ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلا خِيَانَةٍ. وَقَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ. وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيْرًا، الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ من قبلهم، أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَأَنْ يُجَاوِزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الأَمْصَارِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الإِسْلامِ، وَجُبَاةُ الْمَالِ وَغَيْظُ الْعَدُوِّ، وَأَنْ لا يَؤْخُذَ مِنْهُمْ إِلا فَضْلَهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ. وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ، وَمَادَّةُ الإِسْلامِ، أَنْ يَؤْخُذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ، وَيَرُدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ.
وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، أَنْ يُوفِيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ. وَأَنْ يُقَاتِلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَلا يُكَلَّفُوا إِلا طَاقَتَهُمْ.
فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجَنَا بِهِ فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي فَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قَالَتْ: أَدْخِلُوهُ، فَأُدْخِلَ، فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ. فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلاءِ الرَّهْطُ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلاثَةٍ مِنْكُمْ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ:
قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ. فَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ، وَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ/ جَعَلْتُ أَمْرِي إلى عبد الرحمن بن عوف. فقال عبد الرحمن: أيّكما تبرّا [4] من هذا الأمر
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في البخاري: «قضيت» .
[3] في الأصل: «فدخلت» .
[4] في الأصل، ت: «يبرأ» .(4/331)
فَنَجْعَلُهُ [1] إِلَيْهِ، وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالإِسْلامُ لَيَنْظُرَنَّ [2] أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِه [3] ؟ فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَفَتَجْعَلُونَهُ [4] إِلَيَّ وَاللَّهِ عَلَيَّ أَنْ لا آلُو عَنْ أَفْضَلِكُمْ؟
قَالا: نَعَمْ. فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ: لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَالْقِدَمُ فِي الإِسْلامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فاللَّه [5] عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ، وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ. ثُمَّ خَلا بِالآخَرِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ، فَبَايَعَهُ، فَبَايَعَ لَهُ [6] عَلِيٌّ، وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [7] .
ولما مَات عُمَر قدم الطعام بَيْنَ أيدي النَّاس عَلَى عادتهم فامتنعوا لموضع حزنهم، فابتدأ العَبَّاس [8] .
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ غَيْلانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر الشَّافِعِي قَالَ:
حَدَّثَنَا موسى بن يُونُسَ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ] [9] ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: إِنَّ قُرَيْشًا رُؤَسَاءُ النَّاسِ، لا يَدْخُلُونَ بَابًا [10] إِلا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ خَيْرًا. فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ وَاسْتُخْلِفَ صُهَيْبٌ عَلَى إِطْعَامِ النَّاسِ، وَحَضَرَ النَّاسُ وَفِيهِمُ الْعَبَّاسُ، فَأَمْسَكَ النَّاسُ بِأَيْدِيهِمْ عَنِ الأَكْلِ، فَحَسَر عَنْ ذِرَاعَيْهِ وَقَالَ: يا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ مَاتَ فَأَكَلْنَا، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ مَاتَ فَأَكَلْنَا، وَإِنَّهُ لا بُدَّ مِنَ الأَكْلِ. فَضَرَبَ بِيَدِهِ، وَضَرَبَ الْقَوْمُ بِأَيْدِيهِمْ. فَعَرَفَ قَوْلَ [11] عُمَرَ: إن قريشا رؤساء [الناس] [12] .
__________
[1] في ت: «فيجعله» .
[2] في الأصل، ت: «لينظر» .
[3] في الأصل: «أفضلهما» وفي ت: «أفضلكما» .
[4] في ت: «أتجعلونه» .
[5] في الأصل: «باللَّه» .
[6] في الأصل: «وبايع معه» .
[7] صحيح البخاري، فضائل أصحاب النبي، باب 8، حديث 3700 (7/ 60- 62) .
[8] في الأصل: «فابتدأ الناس» .
[9] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الأحنف» .
[10] في الأصل: «منه بابا» .
[11] في الأصل: «فعرف قوم» .
[12] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(4/332)
233- قَتَادَة بْن النعمان بْن زَيْد بْن عامر، أَبُو عَبْد اللَّهِ الأَنْصَارِي [1] رضي اللَّه عَنْهُ.
شهد بدرا وأحدا، وأصيبت عينه يومئذ، فسالت عَلَى وجنتيه، فأتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: يا رَسُول اللَّه، إِن عندي امرأة أحبها، وإن هِيَ رأت عيني خشيت أَن تقذرني/ فردها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بيده، فاستوت ورجعت، وكانت أقوى عينيه وأصحهما بَعْد أَن كبر.
وشهد الخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وكانت مَعَهُ راية بَنِي ظفر يَوْم الفتح.
وتوفي في هذه السنة، وهو ابن خمس وستين سَنَة، وصلى عَلَيْهِ عُمَر، ونزل فِي قبره أخوه لأمه أَبُو سَعِيد الخدري. رضي الله عنهم أجمعين.
__________
[1] البداية والنهاية 7/ 155.(4/333)
ثُمَّ دخلت سَنَة أربع وعشرين
فمن الحوادث فِيهَا: استخلاف عُثْمَان بْن عَفَّان رضي اللَّه عَنْهُ.
بَاب: ذكر خلافة عُثْمَان رضي اللَّه عَنْهُ
ذكر نسبه
هُوَ عُثْمَان بْن عَفَّان بن أبي العاص بن أمية بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف بْن قصي. يكنى أبا عَمْرو، ويقال: أبا عَبْد اللَّهِ. وأمه أروى بنت كريز بْن ربيعة بْن حبيب بْن عَبْد شمس. وأمها أم حَكِيمِ، وَهِيَ البيضاء بنت عَبْد المطلب بْن هاشم بْن عَبْد مناف.
كَانَ عُثْمَان يكنى فِي الجاهلية أبا عَمْرو، فلما ولد فِي الإِسْلام من رقية عبد الله اكتنى به، فبلغ سنت سنين، فنقره ديك فِي عينه، فمرض، فمات
. ذكر صفته
كَانَ عُثْمَان حسن الوجه، رقيق البشرة، بوجهه نكتات من جدري، لَيْسَ بالقصير ولا بالطويل، كبير اللحية عظيمها، أسمر اللون، عظيم الكراديس، بعيد مَا بَيْنَ المنكبين، أصلع، وَكَانَ نقش خاتمه: آمن عُثْمَان باللَّه العظيم
. ذكر إسلامه
قَالَ الواقدي: أسلم عُثْمَان قديما/ قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ دار الأرقم، وهاجر(4/334)
إِلى الحبشة الهجرتين مَعَهُ رقية بنت رَسُول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال:
أخبرنا ابن مَعْرُوفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ قَالَ: حدثنا محمد بن سعد قال:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ:] [1] حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَهُ عَمُّهُ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، فَأَوْثَقَهُ رِبَاطًا وَقَالَ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ آبَائِكَ إِلَى دِينٍ مُحْدَثٍ؟ وَاللَّهِ لا أُخَلِّيكَ أَبَدًا حَتَّى تَدَعَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الدِّينِ. فَقَالَ عُثْمَانُ: وَاللَّهِ لا أَدَعُهُ أَبَدًا وَلا أُفَارِقُهُ. فَلَمَّا رَأَى الْحَكَمُ صَلابَتَهُ فِي دِينِهِ تَرَكَهُ.
قَالَ علماء السير: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى بدر خلف عُثْمَان عَلَى ابنته رقية، وكانت مريضة فماتت يَوْم قدم زَيْد بْن حارثة بشيرا بِمَا فتح اللَّه عَلَى رسول الله ببدر.
فضرب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ [لعثمان] [2] بسهمه وأجره فِي بدر فكان كمن شهدها، وزوجه أم كلثوم بَعْد رقية، فماتت فَقَالَ: «لو كانت عندي ثالثة لزوجت عُثْمَان» .
واستخلفه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي غزوة ذَات الرقاع، وَفِي غزوته [3] إِلَى غطفان
. ذكر أولاده
ولدت لَهُ رقية: عَبْد اللَّهِ.
وولدت لَهُ فاختة بنت غزوان: عَبْد اللَّهِ الأصغر.
وولدت لَهُ أم عَمْرو بنت جندب: عمرا، وخالدا، وأبانا، وعمر، ومريم.
وولدت لَهُ فاطمة بنت الْوَلِيد بْن عَبْد شمس: الْوَلِيد، وسعيد، وأم سَعِيد.
وولدت أم البنين بنت عُيَيْنَة بْن حصن: عَبْد الْمَلِك.
وولدت لَهُ رملة بنت شيبة بْن ربيعة: عائشة، وأم أبان، وأم عمرو.
__________
[1] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن موسى بن إبراهيم ... » .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «غزاته» .(4/335)
وولدت لَهُ نائلة بنت الفرافصة: مريم.
وقتل وعنده: رملة، ونائلة، وأم/ البنين، وفاختة.
وَقَالَ بَعْضهم: طلق أم البنين وَهُوَ محصور.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ قالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ النَّقُّورِ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْمُخْلِصُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا شعيب قال: حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مَعْشَرٍ] [1] ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ قَبْلَ مَوْتِهِ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا يَزَالُ فِيكُمْ مَا طَلَبْتُمْ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةِ، فَإِذَا طَلَبْتُمْ بِهِ الدُّنْيَا وَتَنَازَعْتُمْ سَلَبَكُمُوهُ اللَّهُ وَنَقَلَهُ عَنْكُمْ، ثُمَّ لا يَرُدُّهُ عَلَيْكُمْ أَبَدًا، هَلْ تَعْلَمُونَ [أَنَّ أَحَدًا] [2] أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلاءِ السِّتَّةِ نَفَرٍ الَّذِينَ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ؟ قَالُوا: لا. فَلَمَّا مَاتَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمْ يَكْفِينَا النَّظَرَ وَيُخْرِجُ نَفْسَهُ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ. فَقَالَ: أَنَا أُخْرِجُ نَفْسِي وَابْنَ عَمِّي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، فَأَنْظُرُ لَكُمْ. قَالُوا: نَعَمْ. فَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَلَمْ يَدَعْ أَحَدًا بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ السَّابِقِينَ وَالأَنْصَارِ إِلا اسْتَشَارَهُ، وَكُلُّهُمْ قَالَ عُثْمَانُ. فَنَامَ، فَرَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّ أَقْرَأَ قُرْآنِهِمْ فَإِنِ اسْتَوَوْا فَأَفْقَهَهُمْ، فَإِنِ اسْتَوَوْا فَأَسَنَّهُمْ، فَانْتَبَهَ، فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُونَ هَذَا اجْتَمَعَ فِي أَحَدٍ مِنْكُمْ غَيْرَ عُثْمَانَ؟ فَبَايَعُوهُ.
وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ بَدْرِ] [3] بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: لَمَّا بَايَعَ أَهْلُ الشُّورَى عُثْمَانَ خَرَجَ وَهُوَ أَشَدُّهُمْ كَآبَةً، فَأَتَى مِنْبَرَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَصَلَّى على النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنَّكُمْ فِي دَارِ قَلْعَةٍ، وَفِي بَقِيَّةِ أَعْمَارٍ، فَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بِخَيْرِ مَا تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، فَقَدْ أَتَيْتُمْ صُبِّحْتُمْ أَوْ مُسِّيتُمْ أَلا إِنَّ الدُّنْيَا طُوِيَتْ عَلَى الْغُرُورِ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ 31: 33 [4] وَاعْتَبِرُوا بِمَنْ مَضَى، ثُمَّ شُدُّوا وَلا تَغْفُلُوا، فَإِنَّهُ لا يُغْفَلُ عَنْكُمْ، أَيْنَ أَبْنَاءُ الدُّنْيَا وَإِخْوَانُهَا الَّذِينَ آثَرُوهَا وَمُتِّعُوا بِهَا طَوِيلا؟
[أَلَمْ تَلْفِظْهُمْ؟] [5] ارْمُوا بِالدُّنْيَا حَيْثُ رَمَى اللَّهُ بِهَا، وَاطْلُبُوا الآخِرَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ ضَرَبَ مَثَلَهَا
__________
[1] في الأصل: ورد: «روى المؤلف بإسناده عن جابر» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن بدر» .
[4] سورة: لقمان، الآية: 33.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.(4/336)
فَقَالَ: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ [فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ، وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ] مُقْتَدِراً 18: 45 [1] .
[أَخْبَرَنَا ابْن الْحَسَن، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ] [2] ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: كَيْفَ بَايَعْتُمْ عُثْمَانَ وَتَرَكْتُمْ عَلِيًّا؟ قَالَ: مَا ذَنْبِي؟ قَدْ بَدَأْتُ بِعَلِيٍّ فَقُلْتُ: أُبَايِعُكَ على كتاب الله وسنة رسوله، وَسِيرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَقَالَ: فِيمَا اسْتَطَعْتُ، ثُمَّ عَرَضْتُهَا عَلَى عُثْمَانَ فَقَبِلَهَا.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن الحسين، وإسماعيل قالا: أخبرنا ابن النقور قال: أخبرنا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قال: حدثنا شعيب قال: حدثنا سيف، عن عَمْرٍو،] [3] عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: اجْتَمَعَ أَهْلُ الشُّورَى عَلَى عُثْمَانَ لِثَلاثٍ مَضَيْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَقَدْ أَذَّنَ صُهَيْبٌ، وَاجْتَمَعُوا بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، فَخَرَجَ فصلى بِالنَّاسِ، فَزَادَ النَّاسُ كَآبَةً، وَوَفَدَ أَهْلُ الأَمْصَارِ.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أَخْبَرَنَا الَجْوَهَرِيُّ قَالَ: أخبرنا ابن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قَالَ: أخبرنا الحسين بن الفهم قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بْن عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَخْنَسِيِّ (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ] [4] ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بُويِعَ عُثْمَانُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ، فَاسْتَقْبَلَ بِخِلافَتِهِ الْمُحَرَّمَ مِنْ سنة أربع وعشرين.
__________
[1] سورة: الكهف، الآية: 54. وما بين المعقوفتين ورد في الأصل: «إلى قوله» .
وانظر الخطبة في: تاريخ الطبري 4/ 243. وابن كثير 7/ 161.
[2] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي وائل» .
[3] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الشعبي» .
[4] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن يعقوب بن زيد، عن أبيه» .(4/337)
ذكر طرف من سيرته
من ذَلِكَ أنه أقر عمال عُمَر سَنَة، وولى زَيْد بْن ثابت الْقَضَاء، ورزقه عَلَى ذَلِكَ ستين درهما، وضمه إِلَى علي بْن أَبِي طالب حِينَ كثر النَّاس، وَكَانَ أول كتاب كتبه عُثْمَان إِلَى عماله:
«أما بَعْد: فَإِن اللَّه تَعَالَى أمر الأئمة أَن يكونوا رعاة، وَلَمْ يتقدم إليهم أَن يكونوا جباة، وإن صدر هذه الأمة خلقوا رعاة، وَلَمْ يخلقوا جباة، وليوشكن أئمتكم أَن يصيروا جباة، ولا يصيروا رعاة، ألا وإن أعدل [1] السيرة أَن تنظروا فِي أمور الْمُسْلِمِينَ» .
وَقَالَ/ عَمْرو بْن شُعَيْب: أول من منع الحمام الطيارة والجلامقات [2] عُثْمَان حِينَ ظهرت بالمدينة فأمر عَلَيْهَا عُثْمَان رجلا فمنعهم منها.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَزَّازِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمَأْمُونِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، حَدَّثَنَا الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَمِّي مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ] [3] ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ، رَأَيْتُ عُثْمَانَ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ وَرِدَاؤُهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَيَجِيءُ الرَّجُلُ فَيَجْلِسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ يَجِيءُ الرَّجُلُ فَيَجْلِسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ يَجِيءُ الرَّجُلُ فَيَجْلِسُ إِلَيْهِ كَأَنَّهُ أَحَدُهُمْ.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عبد الباقي قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال:
أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَسْعَدَةَ] [4] ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الرُّومِيِّ، قَالَ:
كَانَ عُثْمَانُ يَلِي وضوء الليل بنفسه. قال: فَقِيلَ لَهُ: لَوْ أَمَرْتَ بَعْضَ الْخَدَمِ فَكَفَوْكَ.
فَقَالَ: لَهُمُ اللَّيْلُ يَسْتَرِيحُونَ فِيهِ.
[قَالَ مُحَمَّد بْن سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ] [5] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ، فَيَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي ركعة.
__________
[1] في الأصل: «عدل» .
[2] في الأصل: «الجلاميات» .
[3] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الحسن» .
[4] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عبد الله الرومي» .
[5] في الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن ابن سيرين» .(4/338)
ومن الحوادث فِي هَذِهِ السنة:
أنه لما قتل عُمَر اتهم ابنه عبيد اللَّه: الهرمزان [1] وجفينة فقتلهما، وَكَانَ الهرمزان قَدْ أسلم، وجفينة نصراني.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ قالا: أخبرنا ابْنُ النَّقُّورِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْمُخْلِصُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بن يحيى قال:
حدثنا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ] [2] عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ غَدَاةَ طَعْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى أَبِي لُؤْلُؤَةَ عِشَاءَ أَمْسِ وَمَعَهُ جُفَيْنَةُ وَالْهُرْمُزَانُ، وَهُمَا نَجِيٌّ، فَلَمَّا رَهَقْتُهُمْ ثَارُوا وَسَقَطَ مِنْهُمْ خِنْجَرٌ لَهُ رَأْسَانِ، نِصَابُهُ فِي وَسَطِهِ، فَانْظُرُوا بِأَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ؟ فَجَاءَ قَاتِلُ أَبِي لُؤْلُؤَةَ بِالْخِنْجَرِ الَّذِي وَصَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَأَمْسَكَ حَتَّى مَاتَ عُمَرُ، ثُمَّ اشْتَمَلَ [3] عَلَى السَّيْفِ، فَأَتَى الْهُرْمُزَانَ فَقَتَلَهُ، فَلَمَّا عَضَّهُ السَّيْفُ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى جُفَيْنَةَ- وَكَانَ نَصْرَانِيًّا مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ ظِئْرًا لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، أَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ لِلْمِلْحِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَلِيَعْلَمَ بِالْمَدِينَةِ الْكِتَابَةَ- فَلَمَّا عَلاهُ بِالسَّيْفِ قَبَصَ [4] مِنْ عَيْنَيْهِ، وَتَلَقَّى ذَلِكَ صُهَيْبًا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى نَاوَلَهُ السَّيْفَ، وَثَاوَرْهُ سَعْدٌ، فَأَخَذَ بِشَعْرِهِ، وَجَاءُوا/ إِلَى صُهَيْبٍ.
[وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنِ ابْنِ الشَّهِيدِ الْحِجِّيِّ] [5] ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ عُثْمَانُ قَالَ: قُولُوا فِيمَا أَحْدَثَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. فَقَالُوا: الْقَوَدَ الْقَوَدَ. وَنَادَى جُمْهُورُ النَّاسِ لَعَلَّكُمْ تُرِيدُونَ [6] أَنْ تُتْبِعُوا عُمَرَ ابْنَهُ، اللَّهَ اللَّهَ أَبْعَدَ اللَّهُ الْهُرْمُزَانَ وَجُفَيْنَةَ. قَالَ سَيْفٌ: وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَقَالَ عُثْمَانُ لابْنِ الْهُرْمُزَانِ: هَذَا قَاتِلُ أَبِيكَ، وَأَنْتَ أَوْلَى بِهِ مِنَّا، فَاذْهَبْ به
__________
[1] في الأصل: «به عبد الله بن الهرمزان» .
[2] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن سعيد بن المسيب» .
[3] في الأصل: «استحل» .
[4] في الأصل: «فيض» .
[5] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن سابط» .
[6] في الأصل: «يريدون» .(4/339)
فَاقْتُلْهُ. قَالَ: فَخَرَجْتُ بِهِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَحَدٌ إِلا مَعِي، إِلا أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقُلْتُ لَهُمْ: إِلَيَّ قَتْلُهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَقُلْتُ: أَلَكُمْ أَنْ تَمْنَعُوهُ؟ قَالُوا: لا. فَتَرَكْتُهُ للَّه عز وجل فاحتملوني، فو الله مَا بَلَغْتُ الْمَنْزِلَ إِلا عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ وَأَكُفِّهِمْ.
وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ حَجَّ بِالنَّاسِ هَذِهِ السَّنَةَ، فَقَالَ [1] أَبُو مَعْشَرٍ وَالْوَاقِدِيُّ: حَجَّ بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِأَمْرِ عُثْمَانَ، وَقَالَ آخَرُون: بَلْ حَجَّ عثمان رضي الله عنه
. ذكر من توفي من هذه السنة من الأكابر
234- بركة، أم أيمن. مولاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ [وحاضنته] [2] .
ورثها من أَبِيهِ، وكانت سوداء، فأعتقها حِينَ تزوج [خديجة رضي اللَّه عَنْهَا] فتزوجها عَبْد اللَّهِ بْن زَيْد، فولدت لَهُ: أيمن [3] ، وتزوجت بعده زَيْد بْن حارثة، فولدت لَهُ أسامة بْن زَيْد رضي اللَّه عَنْهُ.
[أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَلِكِ بْنِ خَيْرُونٍ قَالَ: أخبرنا أبو محمد الجوهري: قال:
أخبرنا ابن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قَالَ: أخبرنا الحسين بن الفهم قال:
حدثنا محمد بْنُ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ- يَعْنِي حَمَّادَ بْنَ أُسَامَةَ- عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ] [4] عُثْمَانَ بْنَ الْقَاسِمِ يُحَدِّثُ قَالَ: لَمَّا هَاجَرَتْ أُمُّ أَيْمَنَ أَمْسَتْ بِالْمُنْصَرَفِ دُونَ الرَّوْحَاءِ، فَعَطِشَتْ، فَدُلِّيَ عَلَيْهَا مِنَ السَّمَاءِ دَلْوَ مَاءٍ بِرِشَاءٍ أَبْيَضَ، فَأَخَذَتْهُ فَشَرِبَتْهُ حَتَّى رُوِيَتْ، فَكَانَتْ تَقُولُ: مَا أَصَابَنِي بَعْدَ ذَلِكَ عَطَشٌ، ولقد تعرضت لِلْعَطَشِ بِالصَّوْمِ فِي الْهَوَاجِرِ فَمَا عَطِشْتُ بَعْدَ تِلْكَ الشَّرْبَةِ، وَإِنِّي كُنْتُ لأَصُومُ فِي الْيَوْمِ الحار فما أعطش [5] .
__________
[1] في الأصل: «فقالوا» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر ترجمتها في: الطبقات الكبرى 8/ 162- 164.
[3] في الأصل: «أم أيمن» .
[4] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عثمان بن القاسم يحدث ... » .
[5] الطبقات الكبرى 8/ 162.(4/340)
[قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَعْشَرٍ] [1] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: جَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ إِلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: احْمِلْنِي/ فَقَالَ: «أَحْمِلُكِ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ» فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لا يُطِيقُنِي وَلا أُرِيدُهُ. قَالَ: «لا أَحْمِلُكِ إِلا عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ» . يَعْنِي: كَانَ يُمَازِحُهَا، وَكَانَ يَمْزَحُ وَلا يَقُولُ إِلا حَقًّا، وَالإِبِلُ كُلُّهَا وَلَدُ النُّوقِ [2] .
قَالَ عُلَمَاءُ السِّيَرِ: حَضَرَتْ أُمُّ أَيْمَنَ أُحُدًا، وَكَانَتْ تَسْقِي الْمَاءَ، وَتُدَاوِي الْجَرْحَى، وَشَهِدَتْ خَيْبَرَ، وَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بَكَتْ وَقَالَتْ: إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى خَبَرِ السَّمَاءِ، كَيْفَ انْقَطَعَ، وَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ بَكَتْ وَقَالَتْ: الْيَوْمَ وَهِيَ الإِسْلامُ.
وَتُوُفِّيَتْ فِي أَوَّلِ خِلافَةِ عُثْمَانَ وَقِيلَ: فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ
. 235- سراقة بْن مَالِك بْن جعشم [3] .
هُوَ الَّذِي لحق رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بَعْد خروجه من الغار، فَقَالَ رَسُول اللَّه صلّى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهمّ اكفناه» فساخت قوائم فرسه، فَقَالَ: اكتب لي كتابا بالأمن، فأمر عامر بْن فهيرة فكتب لَهُ كتاب أمن، فلما كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بَيْنَ الطائف والجعرانة أتاه بالكتاب فَقَالَ: يا رَسُول اللَّه، هَذَا يَوْم وفاء. فأسلم.
وتوفي فِي هذه السنة
. 236- عُثْمَان بْن قيس بْن أَبِي العاص بْن قيس بْن عدي بْن سهم.
ذكر فِي الصَّحَابَة، وشهد الفتح بمصر، وَهُوَ أول من ولي الْقَضَاء بمصر، وَكَانَ صاحب ضيافة، فَقَالَ يَزِيد بْن أَبِي حبيب: كتب عُمَر بْن الْخَطَّاب إِلَى عَمْرو بْن العاص: أَن أفرض لكل من قبلك مِمَّن بايع تَحْتَ الشجرة فِي مائتين [من] العطاء، وابلغ ذَلِكَ بنفسك بإمارتك، وافرض لخارجة بْن حذافة فِي الشرف لشجاعته، وافرض لعثمان بن قيس في الشرف لضيافته.
__________
[1] في الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن محمد بن قيس» .
[2] الطبقات الكبرى 8/ 163.
[3] الطبقات الكبرى 1/ 232.(4/341)
237- لبابة الكبرى بنت الْحَارِث بْن حزن [1] .
/ وَهِيَ أول امرأة أسلمت بَعْد خديجة، تزوجها العباس، فولدت لَهُ: الفضل، وعبد اللَّه، وعبيد الله، ومعبدا، وقثم، وعَبْد الرَّحْمَنِ، وأم حبيب.
وفيها يَقُول عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد ارتجالا:
مَا ولدت نجيبة من فحل ... كستة من بطن أم الفضل
أكرم بها من كهلة وكهل.
وهاجرت إِلَى المدينة بَعْد إسلام العباس، وَكَانَ رَسُول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يزورها ويقيل فِي بيتها، وكانت تصوم [يوم] الاثنين والخميس رحمها الله تعالى.
__________
[1] الطبقات الكبرى 8/ 277.(4/342)
ثُمَّ دخلت سَنَة خمس وعشرين
فمن الحوادث فِيهَا:
التغيير عَلَى جَمَاعَة من الولاة، فَإِن عُمَر كَانَ قَدْ أوصى أَن يقر عماله سَنَة، فلما ولي عُثْمَان أقرهم، وأقر المغيرة بْن شُعْبَة عَلَى الكوفة سَنَة، ثُمَّ عزله، واستعمل سَعْد بْن أَبِي وقاص، فعمل عَلَيْهَا سَعْد سَنَة وَبَعْض أُخْرَى، وأقر أبا موسى سنوات، وضم حمص، وقنسرين إِلَى مُعَاوِيَة. وتُوُفّي عَبْد الرَّحْمَنِ بْن علقمة الكناني- وَكَانَ عَلَى فلسطين- فضم عُثْمَان عمله إِلَى مُعَاوِيَة. ومرض عمير بْن سَعْد فاستعفى، فضم عمله إِلَى مُعَاوِيَة، فاجتمع الشام لمعاوية لسنتين من إمارة عُثْمَان، ثُمَّ بعث عُثْمَان [1] عَلَى خراسان عمير بْن عُثْمَان بْن سَعْد، فصالح من لَمْ يجب الأحنف، وأمر الناس بعبور النهر، فصالحه من وراء النهر، [2] فجرى ذَلِكَ واستقر [3] .
فمن الحوادث فِي هذه السنة: أَن أَهْل الإسكندرية نقضوا عهدهم فغزاهم عَمْرو بْن العاص فقتلهم.
وفيها: كتب عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح يستأذن عُثْمَان فِي الغزو إِلَى إفريقية، فأذن لَهُ/.
[أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْوَهَّابِ الْبَارِعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جعفر بْن المسلمة
__________
[1] «ثم بعث عثمان» ساقط من ت.
[2] «فصالحه من وراء النهر» ساقطة من ت.
[3] في ت: «فاستفرعها» .(4/343)
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر المخلص قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي قال:
حدثنا الزبير بْن بكار قَالَ: حدثني عمي مُصْعَبُ] [1] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: غَزَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَفْرِيقِيَّةَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ، فَحَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بن حبيب قال: قال عبد الله بن الزُّبَيْرِ: هَجَمَ عَلَيْنَا جُرْجِيرُ فِي عَسْكَرِنَا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا، فَاخْتَلَطُوا بِنَا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَسَقَطَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، وَنَحْنُ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ عَلَى ابْنِ أَبِي السَّرْحِ، فَدَخَلَ فُسْطَاطًا لَهُ فَخَلا فِيهِ، وَرَأَيْتُ غُرَّةً مِنْ جُرْجِيرَ، بَصُرْتُ بِهِ خَلْفَ عَسَاكِرِهِ عَلَى بِرْذَوْنٍ أَشْهَبَ، مَعَهُ جَارِيَتَانِ تُظِلانِ عَلَيْهِ بِرِيشِ الطَّوَاوِيسِ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ جُنْدِهِ أَرْضٌ بَيْضَاءُ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، فَخَرَجْتُ أَطْلُبُ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ، فَقِيلَ: قَدْ خَلا فِي فُسْطَاطِهِ، فَأَتَيْتُ حَاجِبَهُ، فَأَبَى أَنْ يَأْذَنَ لِي عَلَيْهِ، فَدُرْتُ مِنْ كَسْرِ الْفُسْطَاطِ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ مُسْتَلْقِيًا عَلَى ظَهْرِهِ، فَلَمَّا دَخَلْتُ فَرَعَ واستوى جالسا، فقال: ما أدخلك عليّ يا ابن الزُّبَيْرِ؟ قُلْتُ: إِنِّي رَأَيْتُ عَوْرَةً مِنَ الْعَدُوِّ [فَاخْرُجْ] [2] فَانْدُبْ لِيَ النَّاسَ. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ فأخبرته فخرج معي سريعا، فقال: يا أيها النَّاسُ، انْتَدِبُوا مَعَ ابْنِ الزُّبيرِ، فَاخْتَرْتُ ثَلاثِينَ فَارِسًا، وَقُلْتُ لِسَائِرِهِمُ: اثْبُتُوا [3] عَلَى مَصَافِّكُمْ. وَحَمَلْتُ فِي الْوَجْهِ الَّذِي رَأَيْتُ فِيهِ جُرْجِيرَ، وَقُلْتُ لأصحابي: احموا لي ظهري، فو الله مَا نَشِبْتُ أَنْ خَرَقْتُ الصَّفَّ إِلَيْهِ، فَخَرَجْتُ صَامِدًا لَهُ، وَمَا يَحْسِبُ [4] هَؤُلاءِ أَصْحَابُهُ إِلا أَنِّي رَسُولٌ إِلَيْهِ حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُ، فَعَرَفَ الشَّرَّ، فَثَنَى بِرْذَوْنَهُ مُوَلِّيًا، فَأَدْرَكْتُهُ فَطَعَنْتُهُ، فَسَقَطَ وَسَقَطَتِ الْجَارِيَتَانِ عَلَيْهِ، وَأَهْوَيْتُ إِلَيْهِ مُبَادِرًا/ فَدَقَقْتُ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ، وَأَصَبْتُ يَدَ إِحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ فَقَطَعْتُهَا، ثم احترزت رأسه فنصبته في رمحة، وَكَبَّرْتُ، وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ فِي الْوَجْهِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، وَأَرْفَضَ الْعَدُوُّ فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَمَنَحَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ أَكْتَافَهُمْ، فَلَمَّا أَرَادَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ أَنْ يُوَجِّهَ بَشِيرًا إِلَى عُثْمَانَ قَالَ: أنت أولى من هاهنا بِذَلِكَ. فَانْطَلِقْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنيِنَ فَقَدِمْتُ عَلَى عُثْمَانَ فَأَخْبَرْتُهُ بِفَتْحِ اللَّهِ وَنَصْرِهِ، وَوَصَفْتُ لَهُ أَمْرَنَا كَيْفَ كَانَ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُؤَدِّيَ هَذَا إِلَى
__________
[1] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن مصعب ... » .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «وأكبوا» .
[4] في ت: «ولا يحسب» .(4/344)
النَّاسِ؟ قُلْتُ: وَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَاخْرُجْ إِلَى النَّاسِ فَأَخْبِرْهُمْ، فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ الْمِنْبَرَ، فَاسْتَقْبَلْتُ النَّاسَ، فَتَلَقَّانِي وَجْهُ أَبِي الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فَدَخَلَتْنِي [مِنْهُ] [1] هَيْبَةٌ، فَعَرَفَهَا أَبِي في، فقبض قبضة من حصا، وَجَمَعَ وَجْهَهُ فِي وَجْهِي، وَهَمَّ أَنْ يَحْصِبَنِي، فَاعْتَزَمْتُ فَتَكَلَّمْتُ، فَزَعَمُوا أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ: وَاللَّهِ لَكَأَنِّي سَمِعْتُ كَلامَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِيهَا وَأَخِيهَا، فَإِنَّمَا تَأْتِيهِ بِأَحَدِهِمَا» .
وفيها: غزا الْوَلِيد بْن عتبة أذربيجان وأرمينية [2] لمنع أهلها مَا كَانُوا صالحوا عَلَيْهِ أَيَّام عُمَر، هَذَا فِي رواية أبي مخنف، وَقَالَ غيره: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَة ست وعشرين، ثُمَّ إِن الْوَلِيد صالح أَهْل أذربيجان على ثمانمائة ألف درهم، وَهُوَ الصلح الَّذِي صالحوا عَلَيْهِ حذيفة بْن اليمان سَنَة اثنتين وعشرين بَعْد وقعة نهاوند بسنة، ثُمَّ حبسوها عِنْدَ وفاة عُمَر.
فلما ولي عُثْمَان وولى الْوَلِيد الكوفة سار حَتَّى وطئهم بالجيش، ثُمَّ بعث سلمان بْن ربيعة إِلى أرمينية فِي اثني عشر/ ألفا، فقتل وسبى، وغنم. وقيل: كَانَ هَذَا فِي سَنَة أربع وعشرين.
وفيها: جاشت الروم، وجمعت جموعا كبيرة [3] ، فكتب عُثْمَان إِلَى الْوَلِيد: إِن مُعَاوِيَة كتب إلي يخبرني أَن الروم قَدْ أجلبت عَلَى جموع عظيمة، وَقَدْ رأيت أَن تمدهم من أَهْل الكوفة بثمانية آلاف أَوْ تسعة آلاف أَوْ عشرة آلاف.
فبعث سلمان بْن ربيعة فِي ثمانية آلاف، فشنوا الغارات عَلَى أرض الروم، وفتحوا حصونا كثيرة، وملئوا أيديهم من الغنم.
وفيها: حج بالناس عُثْمَان [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 4/ 246، 247.
[3] تاريخ الطبري 4/ 247- 249.
[4] تاريخ الطبري 4/ 249.(4/345)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
238- جندب بْن جنادة، أَبُو ذر [1] .
وَفِي اسمه ونسبه خلاف قَدْ ذكرته فِي كتاب «التلقيح» .
كَانَ طويلا أدم، وَكَانَ يشهد أَن لا إله إلا اللَّه وَكَانَ يتعبد قبل الإِسْلام. وقيل لَهُ:
أين كنت تتوجه؟ قَالَ: أين وجهني اللَّه عز وجل، ولقي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة فأسلم، وخرج يصرخ بالشهادة فضربوه، فأكب عَلَيْهِ العباس وَقَالَ لقريش: أنتم تجتازون [بهم وطريقكم] [2] عَلَى غفار. فتركوه ورجع إِلَى قومه.
وَكَانَ يعرض لعيرات قريش فيقتطعها وَيَقُول: لا أرد لكم منها شَيْئًا حَتَّى تشهدوا أَن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رَسُول اللَّه. فَإِن فعلوا رد مَا أخذ مِنْهُم، وإن أبوا لَمْ يرد عَلَيْهِم شيئًا، فبقي عَلَى ذَلِكَ إِلَى أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، ومضت بدر وأحد، ثُمَّ قدم فأقام بالمدينة ثُمَّ مضى إِلَى الشام، فاختلف هُوَ ومعاوية في قوله تعالى: الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ 9: 34 [3] فَقَالَ مُعَاوِيَة: نزلت فِي أَهْل الكتاب. وَقَالَ أَبُو ذر: نزلت فينا وفيهم. / فدار بينهما كَلام، فكتب مُعَاوِيَة إِلَى عُثْمَان يشكوه، فكتب إِلَيْهِ أَن أقدم، فقدم المدينة، فاجتمع النَّاس عَلَيْهِ، فذكر ذَلِكَ لعثمان، فَقَالَ لَهُ: إِن شئت تنحيت قريبا، فخرج إِلَى الربذة، فمات بها.
ذكر وفاته:
[أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قِيلَ: أَنْبَأَكُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بن الفهم قال: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْرَائِيلَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الأَشْتَرِ، عَنْ أَبِيهِ] [4] ، أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَ أَبَا ذَرٍّ الْمَوْتُ بكت امرأته
__________
[1] الإصابة 4/ 62. والاستيعاب 4/ 61. والتهذيب 12/ 90. والتقريب 2/ 420.
[2] ما بين المعقوفتين ورد في الأصل «أنتم تجتازون طريقهم» .
[3] سورة: التوبة، الآية: 34.
[4] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الأشتر» .(4/346)
فقال ها: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: أَبْكِي لأَنَّهُ لا بُدَّ أَنَّ لِي بِنَعْشِكَ [1] وَلَيْسَ لِي ثَوْبٌ مِنْ ثِيَابِي يَسَعُكَ كَفَنًا، وَلَيْسَ لَكَ ثَوْبٌ يَسَعُكَ. قَالَ: لا تَبْكِي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِنَفَرٍ أَنَا فِيهِمْ: «لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنيِنَ» وَلَيْسَ مِنْ أُولَئِكَ النَّفَرِ رَجُلٌ إِلا قَدْ مَاتَ فِي قَرْيَةٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَا الَّذِي أَمُوتُ بِفَلاةٍ، وَاللَّهِ، مَا كَذَبَ وَلا كَذَبْتُ، فَأَبْصِرِي الطَّرِيقَ، فَقَالَتْ: أَنَّى وَقَدِ انْقَطَعَ الْحَاجُّ، وَتَقَطَّعَتِ الطُّرُقُ [2] . وَكَانَتْ تَشْتَدُّ إِلَى كَثِيبٍ تَقُومُ عَلَيْهِ تَنْظُرُ ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَيْهِ فَتُمَرِّضُهُ ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى الْكَثِيبِ. فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ إِذَا هِيَ بِنَفَرٍ تَخُبُّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ كَأَنَّهُمْ الرَّخَمُ، فَلاحَتْ بِثَوْبِهَا، فأقبلوا حتى وقفوا عليها [3] . قالوا: مالك؟ قالت: امرؤ من المسلمين تكفنونه- أَوْ قَالَ: امْرُؤٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [4] يَمُوتُ فَتُكَفِّنُونَهُ، وَهُوَ الأَصَحُّ [5]- قَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَتْ: أَبُو ذَرٍّ. فَفَدَوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَوَضَعُوا السِّيَاطَ فِي نُحُورِهَا يَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ، حَتَّى جَاءُوا فَقَالَ: أَبْشِرُوا، فَحَدَّثَهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «لا يَمُوتُ بَيْنَ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَلَدَانِ أَوْ ثَلاثَةٌ، فَيَحْتَسِبَانِ وَيَصْبِرَانِ فَيَرَيَانِ النَّارَ، أَتَسْمَعُونَ لَوْ/ كَانَ لِي ثَوْبٌ يَسَعُنِي كَفَنًا لَمْ أُكَفَّنْ بِهِ إِلا فِي ثَوْبٍ هُوَ لِي أوْ لامرأتي ثَوْبٍ يَسَعُنِي كَفَنًا إِلا فِي ثَوْبِهَا، فَأَنْشُدُكُمُ الله والإسلام أن يُكَفِّنَنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ كَانَ أَمِيرًا أَوْ عَرِيفًا أَوْ نَقِيبًا أَوْ بَرِيدًا، فَكُلُّ الْقَوْمِ قَدْ كَانَ قَارَفَ بَعْضَ ذَلِكَ إِلا فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: أَنَا أُكَفِّنُكَ، فَإِنِّي لَمْ أُصِبْ مِمَّا ذَكَرْتَ شَيْئًا، أُكَفِّنُكَ فِي رِدَائِي هَذَا الَّذِي عَلَيَّ، وَفِي ثَوْبَيْنِ فِي عَيْبَتِي مِنْ غَزْلِ أُمِّي حَاكَتْهُمَا لِي. قَالَ: أَنْتَ، فَكَفِّنِّي. قَالَ، فَكَفَّنَهُ الأَنْصَارِيُّ وَالنَّفَرُ [6] الَّذِينَ شَهِدُوهُ، فِيهِمْ جَحْشُ بْنُ الأَدْبَرِ، وَمَالِكُ بْنُ الأَشْتَرِ فِي نفر كلهم يمان [7] .
__________
[1] هكذا بالأصول.
[2] «أنا وقد انقطع الحاج وتقطعت الطرق» . ساقطة من ت.
[3] في الأصل: «عليهم» .
[4] وتكفنونه- أو قال: امرؤ من المسلمين» . ساقطة من ت.
[5] «وهو الأصح» ساقطة من ت.
[6] في الأصل: «في النفر» .
[7] انظر: دلائل النبوة للبيهقي 6/ 401، 402. ومسند أحمد 5/ 155.(4/347)
وذكر ابْن إِسْحَاق أَن ابْن مَسْعُود صلى عَلَيْهِ منصرفه من الكوفة [1]
. 239- عَبْد اللَّهِ بْن قيس بْن زيادة بْن الأصم [2] .
وأمه عاتكة، وَهِيَ: أم مكتوم بنت عَبْد اللَّهِ بْن عتيكة بْن عامر.
أسلم ابْن أم مكتوم بمكة قديما، وَكَانَ ضرير البصر، ذهبت عيناه وَهُوَ غلام، وقدم المدينة مهاجرًا. قَالَ البراء: أول من قدم عَلَيْنَا من المهاجرين مُصْعَب، ثُمَّ ابْن أم مكتوم، فكان يؤذن للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة مَعَ بلال، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلفه عَلَى المدينة.
[أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قَالَ: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ:] [3] حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالسا مع رجال من قُرَيْشٍ، فِيهِمْ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَنَاسٌ مِنْ/ وُجُوهِ قُرَيْشٍ وَهُوَ يَقُولُ لَهُمْ: أَلَيْسَ حَسَنًا إِنْ جِئْتُ بِكَذَا فَيَقُولُونَ: بَلَى. فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ مُشْتَغِلٌ بِهِمْ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَأَعْرَضَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى 80: 1- 2 [4] يَعْنِي:
ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى 80: 5 يعني: عتبة وأصحابه فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى 80: 6، وَأَمَّا من جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى 80: 8- 9 يَعْنِي ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ.
[قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ] [5] ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: نَزَلَتْ: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ 4: 95 ... وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ 4: 95 فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: أَيْ رَبُّ أَنْزِلْ عُذْرِي، أَيْنَ عُذْرِي؟ فَأَنْزَلَ الله: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ 4: 95 [6] فجعلت بينهما، وكان بعد ذلك يغزو
__________
[1] في متن الأصل ما نصه: «قال الناقل لهذا التاريخ: إني وجدت على هامش الكتاب في الأصل مكتوب عن وفاة أبي ذر يقول (هكذا) : هذا وهم، وإنما أبو ذر مات في سنة اثنتين وثلاثين بلا خلاف» .
[2] الطبقات الكبرى 2/ 152، 3/ 627. 4/ 105، 107، 319، 6/ 16، 7/ 442.
[3] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن هشام» .
[4] سورة: عبس.
[5] في الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن ابن أبي ليلى» .
[6] سورة: النساء، الآية: 95.(4/348)
فَيَقُول: ادْفَعُوا إِلَيَّ اللَّوَاءَ، فَإِنِّي أَعْمَى لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفِرَّ، وأَقِيمُونِي بَيْنَ الصَّفَّيْنِ.
[قَالَ عَفَّانُ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عُرُوبَةَ، عَنْ قتادة] [1] ، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ كَانَتْ مَعَهُ رَايَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ
. 240- عَمْرو بْن عتبة بْن فرقد بْن حبيب السلمي [2] .
[كَانَ] أبوه عتبة من الصَّحَابَة، كَانَ يتولى الولايات ويجتهد بابنه عَمْرو أَن يعينه عَلَى ذَلِكَ، فلا يفعل زهدا فِي الدنيا.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ناصر قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار وَعَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالا: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بن نحيب [3] قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ ذُرَيْحٍ قَالَ: حدثنا هناد قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الله] [4] بن الربيعة قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ وَمِعْضَدٍ الْعجلِيِّ، وَعَمْرِو بْنِ عُتْبَةَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الرَّبِيعَةَ، أَلا تُعِينُنِي عَلَى ابْنِ أُخْتِكَ يُعِينُنِي عَلَى مَا أَنَا فِيهِ مِنْ عَمَلِي؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَا عَمْرُو، أَطِعْ أَبَاكَ. قَالَ: فَنَظَرَ عَمْرٌو إِلَى مِعْضَدٍ فقال له: لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ 96: 19 [5] [فَقَالَ عَمْرٌو: يَا أَبِي، إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ أَعْمَلُ فِي فِكَاكِ رَقَبَتِي. فَبَكَى عُتْبَةُ ثُمَّ قال: يا بني، أحبك حبين: حب للَّه، وَحُبَّ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ] [6] .
فَقَالَ عَمْرٌو: يَا أَبَتِ، إِنَّكَ قَدْ كُنْتَ أَثَبَتْنِي [7] بِمَالٍ بَلَغَ سَبْعِينَ أَلْفًا، فَإِنْ كُنْتَ سَائِلِي عَنْهُ فَهُوَ هَذَا، فَخُذْهُ وَإِلا فَدَعْنِي أُمْضِهِ. قَالَ: يَا بُنَيَّ، أَمْضِهِ. فَأَمْضَاهُ حَتَّى مَا بَقِيَ عِنْدَهُ دِرْهَمٌ.
[أَخْبَرَنَا علي بْن مُحَمَّد بْن حسنون قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد بْن عُثْمَان قَالَ: أخبرنا
__________
[1] في الأصل: «روى عفان بإسناده عن أنس» .
[2] الطبقات الكبرى 6/ 196.
[3] هكذا بالأصل.
[4] سورة: العلق، الآية: 19.
[5] ما بين المعقوفتين ورد في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عبد الله» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «أتيتني» .(4/349)
أَبُو القاسم بْن المنذر قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بن صفوان قال: حدثنا أبو بكر بن عبيد اللَّه قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَن شيخ من قريش قَالَ: قَالَ مولى لعمرو] [1] بْن عتبة وأنا مَعَ رجل وَهُوَ يقع فِي/ آخر، فَقَالَ لي: ويلك- وَلَمْ يقلها لي قبلها ولا بعدها- نزه سمعك عَن استماع الخنا كما تنزه لسانك عَن القول، فَإِن المستمع شريك القائل، وإنما نظر إِلَى مَا سد فِي وعائه فأفرغه فِي وعائك، ولو ردت كلمة سفيه فِي فِيهِ لسعد بها رادها كما شقي بها قائلها.
[أَخْبَرَنَا ابْن ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِيّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن مالك قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدورقي قَالَ: حَدَّثَنَا عنبسة بْن سَعِيد القرشي قَالَ: حَدَّثَنِي ابْن المبارك] [2] ، عَن عيسى بْن عُمَر قَالَ: كَانَ عَمْرو بْن عتبة يخرج عَلَى فرسه ليلا فيقف عَلَى القبور فَيَقُول:
يا أَهْل القبور، قَدْ طويت الصحف، ورفعت الأعمال. ثُمَّ يبكي، ثُمَّ يصف قدميه حَتَّى يصبح، فيرجع فيشهد صلاة الصبح.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أبي القاسم قال: أخبرنا أحمد بن أحمد قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الأصبَهانيّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد بْن حيان قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْحُسَيْن الحذاء قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد الدروقي قَالَ: حَدَّثَنَا علي بْن إِسْحَاق قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن المبارك قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عُمَر الفرواي قَالَ: حَدَّثَنِي مولى لعمرو] [3] بْن عتبة قَالَ: استيقظنا يوما حارا فِي ساعة حارة، فطلبنا عَمْرو بْن عتبة، فوجدناه فِي جبل وَهُوَ ساجد وغمامة تظله، وكنا نخرج إِلَى العدو فلا نتحارس لكثرة صلاته، فرأيته ليلة يصلي، فسمعنا زئير الأسد فهربنا وَهُوَ قائم يصلي لَمْ ينصرف، فقلنا لَهُ: أما خفت الأسد؟ فَقَالَ: إني لأستحي من اللَّه أَن أخاف شَيْئًا سواه.
[أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن أَبِي القاسم بإسناده عَن أَحْمَد قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَن عمارة بْن عمير] [4] ، عَن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن يَزِيد قَالَ: خرجنا فِي جيش فيهم علقمة ويزيد بْن مُعَاوِيَة النخعي، وعمرو بْن عتبة، ومعضد قَالَ: فخرج عمرو بن
__________
[1] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن مولى لعمرو بن عتبة: رآني عمرو» .
[2] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عيسى بن عمر» .
[3] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن مولى لعمرو» .
[4] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الإمام أحمد بإسناده عن عبد الرحمن بن يزيد» .(4/350)
عتبة عَلَيْهِ جبة جديدة بيضاء، فَقَالَ: مَا أحسن الدم ينحدر عَلَى هذه. فخرج فتعرض للقوم، فأصابه حجر فشجه فتحدر عَلَيْهَا الدم، ثُمَّ مَات منها فدفناه، ولما أصابه الحجر فشجه جعل يلمسها بيده وَيَقُول: إنها لصغيرة [1] ، وإن اللَّه ليبارك فِي الصغير.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن أحمد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن مَالِك، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَد قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدورقي قَالَ: حَدَّثَنَا علي بْن إِسْحَاق قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن المبارك قَالَ: أَخْبَرَنَا عيسى بْن عُمَر، عَن السدي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن عم] [2] لعمرو بْن عتبة قَالَ: نزلنا فِي مرج حسن/، فَقَالَ عَمْرو بْن عتبة: مَا أحسن هَذَا المرج، مَا أحسن الآن لو أَن مناديا ينادي: يا خيل اللَّه اركبي. فخرج رجل فكان أول من لقي فأصيب، ثُمَّ جيء بِهِ فدفن فِي هَذَا المرج [3] . قَالَ: فَمَا كَانَ بأسرع من أَن نادى مناد: يا خيل الله اركبي. فخرج عَمْرو فِي سرعان النَّاس فِي أول من خرج، فأتى عتبة فأخبر بِذَلِكَ فَقَالَ: علي عمرًا.
فأرسل فِي طلبه، فَمَا أدرك حَتَّى أصيب. قَالَ: فَمَا أراه دفن إلا فِي مركز رمحه، وعتبة يومئذ عَلَى النَّاس.
قَالَ المؤلف: [وهذه] [4] الغزاة الَّتِي استشهد فِيهَا عَمْرو، [وَلَمْ تذكر] هِيَ غزاة أذربيجان، وكانت فِي خلافة عُثْمَان [رضي اللَّه عَنْهُ]
. 241- عمير بْن وهب بْن خلف بْن وهب بْن حذافة بْن جمح [5] .
كَانَ قَدْ شهد بدرا مَعَ المشركين، وبعثوه طليعة ليحرز أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففعل، وَكَانَ حريصًا عَلَى رد قريش عَنْ [لقاء] [6] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببدر، فلما التقوا أسر أبوه وهب [7] ، أسره رفاعة بْن رافع، فرجع إِلَى مكة، فَقَالَ لَهُ صفوان بن أمية: دينك
__________
[1] في الأصل: «أيها الصغيرة» .
[2] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عم لعمرو» .
[3] في ت: «هذا المرج ما أحسن» .
[4] في ت: «قال المصنف» ، وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] الطبقات الكبرى 2/ 16.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «أسر ابنه» .
وفي الأصل: «وهيب» بدلا من «وهب» .(4/351)
علي، وعيالك أمونهم مَا عشت، واجعل كَذَا وكذا إِن أَنْتَ خرجت إِلَى مُحَمَّد حَتَّى تغتاله. فخرج حَتَّى أتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيخبره النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا جاء بِهِ وَمَا جرى لَهُ مَعَ صفوان [بْن أمية] [1] ، فأسلم وشهد أحدًا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبقي [إِلَى] خلافة عُثْمَان رضي اللَّه عَنْهُ
. 242- عروة بْن حزام بْن مهاجر [2] .
شاعر إسلامي، أحد المتيمين الَّذِينَ قتلهم الهوى.
أخبرتنا شهدة بنت أَحْمَد الكاتبة قالت: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن السراج قَالَ: نقلت من خط أَبِي عَمْرو بْن حيوية، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن المرزبان قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو العباس فضل بْن مُحَمَّد بْن النويري، حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الموصلي قَالَ:
أَخْبَرَنَا لقيط] [3] بْن بكير المحاربي: أَن عروة بْن حزام، وعفراء ابنة مَالِك العذريين- وهما بطن من عذرة يقال لهم بنو هند بْن حزام بْن ضبة بْن عَبْد بْن بكير بن عذرة- ويقال/ إنهما نشآ جميعا، فعلقا علاقة الصبا، وَكَانَ عروة يتيما في حجر عمه حتى بلغ، وكان يسأل عمّه أَن يزوجه عفراء فيسوفه إِلى أَن خرجت عير لأهله إِلَى الشام، وخرج عروة إِلَيْهَا، ووفد عَلَى عمه ابْن عم لَهُ من البلقاء يريد الحج، فخطبها فزوجه إياها، فحملها وأقبل عروة فِي عيره تلك حَتَّى إِذَا كَانَ بتبوك نظر إِلَى رفقة مقبلة من نَحْو المدينة فِيهَا امرأة عَلَى جمل أحمر، فَقَالَ لأَصْحَابه: والله لكأنها شمائل عفراء: فَقَالُوا: ويحك، مَا تترك ذكر عفراء لشيء. قَالَ: وجاء الْقَوْم فلما دنوا منه وتبين الأمر يبس قائما لا يتحرك ولا يحير جوابا، حَتَّى بَعْد الْقَوْم، فذلك حِينَ يَقُولُ:
وإني لتعروني لذكراك رعدة ... لَهَا بَيْنَ جلدي والعظام دبيب
فَمَا هُوَ إلا أَن أراها فجاءة ... فأبهت حتى ما أكاد أجيب
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «عمرو بن حزام بن مهاصر» .
انظر ترجمته في: فوات الوفيات 2/ 33. والشعر والشعراء 237، ومصارع العشاق 132. وشرح الشواهد 142، والأعلام 4/ 226.
[3] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن لقيط» .(4/352)
وقلت لعراف اليمامة داوني ... فإنك إِن داويتني لطبيب
فَمَا بي من حمى وَمَا بي جنة ... ولكن عمي الحميري كذوب
ثُمَّ إِن عروة انصرف إِلَى أهله وأخذه البكاء والهلاس حَتَّى نحل، فلم يبق منه شَيْء، فَقَالَ بَعْض النَّاس: هُوَ مسحور، وَقَالَ قوم: بِهِ جنة، وَقَالَ آخرون: بَل هُوَ موسوس، وإن بالحاضر من اليمامة لطبيبا لَهُ تابع من الجن، وَهُوَ أطب النَّاس، فلو أتيتموه فلعل اللَّه يشفيه.
فساروا إِلَيْهِ من أرض بَنِي عذرة حَتَّى داواه، فجعل يسقيه وينشر عَنْهُ، وهو يزداد سقما، فقال له عروة: هل عندك للحب دواء أَوْ رقية، فَقَالَ: لا والله. فانصرفوا حَتَّى مروا بطبيب بحجر، فعالجه [1] وصنع بِهِ مثل ذَلِكَ، / فَقَالَ لَهُ عروة: والله مَا دائي ولا دوائي إلا شخص بالبلقاء مقيم، فَهُوَ دائي وعنده دوائي. فانصرفوا بِهِ، فأنشأ عِنْدَ ذَلِكَ وجعل يَقُول عِنْدَ انصرافهم بِهِ:
جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف نجد إِن هما شفياني
فقالا نعم يشفى من الداء كُلهُ ... وقاما مَعَ العواد يبتدران
فَمَا تركا من رقية يعلمانها ... ولا سلوة إلا وَقَدْ سقياني
فَقَالَ شفاك اللَّه والله مَا لنا ... بِمَا ضمنت منك الضلوع يدان
فلما قدم عَلَى أهله، وَكَانَ لَهُ أخوات أربع ووالدة وخالة، فمرضنه دهرا، فقال لهن يوما: اعلمن أني لو نظرت إِلَى عفراء نظرة ذهب وجعي، فذهبوا بِهِ حَتَّى نزلوا البلقاء مستخفين، وَكَانَ لا يزال يلم بعفراء وينظر إِلَيْهَا، وكانت عِنْدَ رجل كريم كثير المال والحاشية، فبينا عروة بسوق البلقاء لقيه رجل من بَنِي عذرة فسأله عَن حاله ومقدمه فأخبره، فقال: والله لقد سمعت أنك مريض وأراك قَدْ صححت، فلما أمسى دَخَلَ الرجل عَلَى زوج عفراء، فَقَالَ: مَتَى قدم هَذَا الكلب عليكم الَّذِي فضحكم، قَالَ زوج عفراء: أي كلب هُوَ؟ قَالَ: عروة، قَالَ: وَقَدْ قدم؟ قَالَ: نعم، قَالَ: أَنْتَ أولى بها من أَن تكون كلبا، مَا علمت بقدومه، ولو علمت لضممته إليّ.
__________
[1] في الأصل: «فعاده» .(4/353)
فلما أصبح غدا يستدل عَلَيْهِ حَتَّى جاءه، فَقَالَ: قدمت هَذَا البلد وَلَمْ تنزل بنا، وَلَمْ تر أَن تعلمنا بمكانك فيكون منزلك عندنا علي، وعلي إِن كَانَ لَكَ منزل إلا عندي، قَالَ: نعم نتحول إليك الليلة أَوْ فِي غد. فلما ولى/ قَالَ عروة لأهله: قَدْ كَانَ مَا ترون، وإن أنتم لَمْ تخرجوا معي لأركبن رأسي ولألحقن بقومكم فليس علي بأس. فارتحلوا وركبوا طريقهم ونكس عروة ولم يزل مدنفا حَتَّى نزلوا وادي القرى.
وَفِي رواية أُخْرَى: أَن حزاما هلك وترك ابنه عروة صغيرا فِي حجر عمه عقال بْن مهاصر، وكانت عفراء تربا لعروة يلعبان جميعا ويكونان معا حَتَّى [ألف كُل واحد منهما] ألفا شديدًا، وَكَانَ عقال يَقُول لعروة لما يرى من الفهما: أبشر، فَإِن عفراء امرأتك إِن شاء اللَّه، وكانا كذلك حَتَّى بلغا، فأتى عروة عمة لَهُ يقال لَهَا هند بنت مهاصر، فشكى إِلَيْهَا مَا بِهِ من حب عفراء، وَقَالَ لَهَا: يا عمة إني لأكلمك وأنا مستحي منك، وَلَمْ أفعل هَذَا حَتَّى ضقت ذرعا بِمَا أنا فِيهِ، فذهبت عمته إِلَى أخيها، فقالت: يا أخي قَدْ أتيتك فِي حاجة أحب أَن تحسن قضاءها، فَإِن اللَّه يؤجرك بصلة رحمك، قَالَ: إِن تسأليني لا أردك فِيهَا، قالت: تزوج عروة ابْن أخيك بابنتك عفراء، فَقَالَ: مَا عَنْهُ مذهب، ولا بنا عَنْهُ رغبة، ولكنه لَيْسَ بذي مال، وليست عَلَيْهِ عجلة، فسكت عروة بَعْض السكوت، وكانت أمها لا تريد إلا ذا مال، فعرف عروة أَن رجلا ذا مال قَدْ خطبها، فأتى عمه، فَقَالَ: يا عم، قَدْ عرفت حقي وقرابتي، وإني ربيت فِي حجرك، وَقَدْ بلغني أَن رجلا يخطب عفراء فَإِن أسعفته بطلبتي قتلتني وسفكت دمي، فأنشدك اللَّه ورحمي وحقي، فرق لَهُ، وَقَالَ: يا بَنِي، أَنْتَ معدم، وأمها قَدْ أبت أَن تخرجها إلا/ بمهر غال، فاضطرب واسترزق اللَّه.
فجاء إِلَى أمها ولاطفها وداراها فأبت إلا بِمَا تحتكم من المهر، فعمل عَلَى قصد ابْن عم لَهُ موسر باليمن، فجاء إِلَى عمه وامرأته فأخبرهما بقصده وعزمه، فصوباه ووعداه ألا يحدثا حدثا حَتَّى يعود.
وودع عفراء والحي، وصحبه فتيان كانا يألفانه، وَكَانَ طول سفره ساهيا حَتَّى قدم عَلَى ابْن عمه فعرفه حاله، فوصله وكساه وأعطاه مائة من الإبل، فانصرف بها، وَقَدْ كَانَ رجل من أَهْل الشَّام قَدْ نزل فِي حي عفراء، فنحر وأطعم ورأى عفراء فأعجبته، فخطبها(4/354)
إِلى أبيها فاعتذر إِلَيْهِ وَقَالَ: قَدْ سميتها باسم ابْن أخي، فَمَا لغيره إِلَيْهَا سبيل، فَقَالَ لَهُ:
إني أرغبك فِي المهر، فَقَالَ: لا حاجة لي فِي ذَلِكَ، فعدل إِلَى أمها فوافق عندها قبولا ورغبة فِي المال، فجاءت إِلَى زوجها، فقالت: وأي خير فِي عروة حَتَّى تحبس ابنتي عَلَيْهِ، والله مَا تدري أعروة حي أم ميت، وهل ينقلب إليك بخير أم لا، فتكون قَدْ حرمت ابنتك خيرا حاضرا، فلم تزل بِهِ حَتَّى قَالَ: إِن عاودني خاطبها أجبته، فوجهت إِلَيْهِ: أعد غدا خاطبا، فنحر جزورا وأطعم ووهب وجمع الحي عَلَى طعامه وفيهم أَبُو عفراء، وأعاد الخطبة فزوجه وحولت عفراء إِلَيْهِ، فَقَالَ قبل أَن يدخل بها: يا عروة إِن الحي قَدْ نقضوا عهد اللَّه وحاولوا الغدران.
ثُمَّ دَخَلَ بها زوجها وأقام فيهم ثلاثا ثُمَّ ارتحل إِلَى الشام، وعمد أبوها إِلَى قبر عتيق، فجدده وسواه، وسأل أَهْل الحي كتمان أمرها، وقدم عروة بَعْد أَيَّام، فنعاها أبوها إِلَيْهِ وذهب بِهِ إِلَى ذَلِكَ القبر، وَكَانَ يختلف إِلَيْهَا أياما حَتَّى أخبرته جارية/ من الحي الْخَبَر، فركب بَعْض إبله فدخل الشام فنزل عَلَى الرجل وَهُوَ لا يعرفه، فأكرمه، فَقَالَ لجارية لهم: هل لَكَ فِي يد تولينيها؟ قالت: نعم، قَالَ: تدفعين خاتمي هذا إلى مولاتك، فقالت: سوءة لك، أما تستحي من هذا القول، فأمسك ثُمَّ أعاد عَلَيْهَا، وَقَالَ: ويحك هِيَ والله بنت عمي، فاطرحي هَذَا الخاتم فِي صبوحها فَإِن أنكرت عليك فقولي: اصطبح ضيفنا قبلك ولعله سقط منه، فرقت الأمة وفعلت، فلما رأت عفراء الخاتم قالت:
أصدقيني فأصدقتها، فلما جاء زوجها قالت: أتدري من ضيفك؟ إنّه عروة بْن حزام، وَقَدْ كتم نَفْسه حياء منك، فبعث إِلَيْهِ وعاتبه عَلَى كتمانه نَفْسه، وَقَالَ لَهُ: بالرحب والسعة نشدتك اللَّه إِن رمت هَذَا المكان أبدا، وخرج وتركه مَعَ عفراء يتحدثان، وأوصى خادما لَهُ بالاستماع عليهما وإعادة مَا يسمعه منهما.
فلما خليا تشاكيا مَا وجدا من الفراق وطالت الشكوى وَهُوَ يبكي أحر بكاء، ثُمَّ أتته بشراب وسألته أَن يشربه، فَقَالَ: والله مَا دَخَلَ جوفي حرام قط، ولا ارتكبته منذ كنت، ولو استحللت حراما كنت قَدِ استحللته منك وأنت حظي من الدنيا وَقَدْ ذهبت مني وذهبت منك، فَمَا أعيش بعدك، وَقَدْ أجمل هَذَا الرجل الكرم وأحسن، وأنا أستحي منه، وو الله لا أقيم بَعْد علمه بمكاني، وإني لعالم أني أرحل إِلَى منيتي. فبكت وبكى وانصرف.(4/355)
فلما جاء زوجها أخبره الخادم بِمَا جرى بينهما، فَقَالَ: يا عفراء، امنعي ابْن عمك من الخروج، / فقالت: لا يمتنع، وَهُوَ والله أكرم وأشد حياء أَن يقيم بَعْد مَا جرى بينكما، فدعاه وَقَالَ: يا أخي: اتق اللَّه فِي نفسك فَقَدْ عرفت خبرك وأنك إن رحلت تلفت، وو الله مَا أمنعك من الاجتماع معها أبدا، وإن شئت لأنزلن لَكَ عَنْهَا. فجزاه خيرا وأثنى عَلَيْهِ، وَقَالَ: إنها كَانَ الطمع فِيهَا، والآن فَقَدْ يئست وحملت نفسي عَلَى الصبر، ولي أمور لا بد من الرجوع إِلَيْهَا، وإن وجدت بي قوة، وإلا عدت إليكم وزرتكم.
فزودوه وشبعوه، وانصرف، فأصابه غشي وخفقان. فكان كلما أغمي عَلَيْهِ ألقى عَلَى وجهه خمارا كانت عفراء قَدْ زودته إياه فيفيق، فلقيه فِي طريقه عراف اليمامة ابْن مكحول، فسأله عما بِهِ وهل بِهِ خبل، فَقَالَ:
وَمَا بي من خبل وَمَا بي جنة ... ولكن عمي يا أخي كذوب
أقول لعراف اليمامة داوني ... فإنك إن داويتني لطبيب
فوا كبدي أمست رفاتا كأنما ... يلذعها بالموقدان لهيب
عشية لا عفراء منك بعيدة ... فتسلو ولا عفراء منك قريب
فو الله مَا أنساك مَا هبت الصبا ... وَمَا عقبتها فِي الرياح جنوب
وإني ليغشاني لذكراك روعة ... لَهَا بَيْنَ جلدي والعظام دبيب
وَقَالَ يخاطب رفيقيه:
خليلي من عليا هلال بْن عامر ... بصنعاء عوجا اليوم فانتظراني
فلا تزهدا فِي الذخر عندي وأجملا ... فإنكما بي اليوم مبتليان
ألما عَلَى عفراء إنكما غدا ... بوشك النوى والبين مفترقان
فيا واشيي عفراء ويحكما بمن ... ومن وإلى من حيثما تشياني
بمن لو رآه غائبا لفديته ... ومن لو رآني غائبا لفداني
مَتَى تكشفا عني القميص تبينا ... بي الضر من عفراء يا فتيان
فَقَدْ تركتني لا أعي لمحدث ... حَدِيثا وإن ناجيته ونجاني
جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف حجران هما شفياني
فَمَا تركا من حيلة يعلمانها ... ولا شربة إلا بها سقياني(4/356)
ورشا عَلَى وجهي من الماء ساعة ... وقاما مَعَ العواد يبتدران
وقالا شفاك اللَّه والله مَا لنا ... بِمَا ضمنت منك الضلوع يدان
فويلي عَلَى عفراء ويل كأنه ... عَلَى الصدر والأحشاء وخز سنان
إِذَا رام قلبي هجرها حال دونه ... شفيعان من قلبي لَهَا خذلاني
إِذَا قُلْت لا قالا بلى ثُمَّ أصبحا ... جميعا عَلَى الرأي الَّذِي ترياني
تحملت من عفراء مَا لَيْسَ لي بِهِ ... ولا للجبال الراسيات يدان
فيا رب أَنْتَ المستعان عَلَى الَّذِي ... تحملت من عفراء منذ زماني
كأن قطاة علقت بجناحها ... عَلَى كبدي من شدة الخفقان
وَفِي رواية أنه لَمْ يعلمه بتزويجها حَتَّى لقي الرفقة الَّتِي هِيَ فِيهَا، وأنه كَانَ توجه إِلَى ابْن عم لَهُ بالشام لا باليمن، فلما رآها وقف دهشا، ثُمَّ قَالَ:
فَمَا هُوَ إلا أَن أراها فجاءة ... فأبهت حَتَّى لا أكاد أجيب
وأصدف عَن رأيي الَّذِي كنت أرتئي ... وأنسى الَّذِي أزمعت حِينَ تغيب
ويظهر قلبي عذرها ويعينها ... علي فَمَا لي فِي الفؤاد نصيب
وَقَدْ علمت نفسي مكان شفائها ... وهل مَا لا ينال قريب [1]
حلفت برب الساجدين لربهم ... خشوعا وَفَوْقَ الساجدين رقيب/
لئن كَانَ برد الماء حران صاديا ... إلي حبيبا إنها لحبيب
ثُمَّ عاد إِلَى أهله وَقَدْ نحل وضنى، وَكَانَ لَهُ أخوان وخالة وجدة، فجعلن يعالجن أمره فلا ينفع، وَكَانَ يَأْتِي حياض الماء الَّتِي كانت عفراء تردها، فيلصق صدره بها وَيَقُول:
بي البأس أَوْ داء الهيام سقيته ... فإياك عني لا يكن بك مَا بيا
وَفِي رواية أنه لَمْ يرجع إِلَى حيه، وإن مَات قبل منزله بثلاث ليال، وبلغ عفراء وفاته فجزعت جزعا شديدا.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الْحَافِظ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَك بْن عَبْد الجبار، أَخْبَرَنَا أبو الحسن أحمد بن عبد الله الأنماطي، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الكريم المروزي، قال: حدثني
__________
[1] هكذا في الأصل، والشطر الثاني غير مستقيم الوزن.(4/357)
جدي محمد بن عبد الكريم، حدثنا الهيثم بْن عدي، أَخْبَرَنَا هِشَام بْن عروة، عَن أَبِيهِ] [1] ، عَن النُّعمان بْن بشير، قَالَ:
استعملني عُمَر بْن الْخَطَّاب- أَوْ عُثْمَان بْن عَفَّان، شك الهيثم- عَلَى صدقات سَعْد بْن هذيم، وهم عذرة، وسلامان، والحارث، وهم من قضاعة، فلما قبضت الصدقة وقسمتها بَيْنَ أهلها، وأقبلت بالسهمين الباقيين إِلَى عُمَر- أَوْ إِلَى عُثْمَان- فلما كنت فِي بلاد عدي فِي حي يقال لهم بنو هند، إِذَا أنا ببيت جرير، فملت إِلَيْهِ، فَإِذَا عجوز جالسة عِنْدَ كسر الْبَيْت، وإذا شاب نائم فِي ظل الْبَيْت، فلما دنوت سلمت، فترنم بصوت لَهُ ضعيف:
جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف حجران هما شفياني
فذكر الأبيات، فشهق شهقة خفيفة، فنظرته فَإِذَا هُوَ قَدْ مَات، فَقُلْتُ: أيها العجوز، مَا أظن هَذَا النائم بفناء بيتك إلا قَدْ مَات، قالت: والله إني لأظن ذَلِكَ، فقامت فنظرت إِلَيْهِ، فقالت: فاض ورب مُحَمَّد، فَقُلْتُ: يا أمة اللَّه، من هَذَا؟ قالت: عروة بْن حزام وأنا أمه، قُلْت: فَمَا صيره إِلَى هَذَا؟ قالت: العشق، ولا والله مَا سمعت/ لَهُ أنه منذ سَنَة إلا فِي صدره وَفِي يومنا هَذَا، فإني سَمِعْتُهُ يَقُول:
من كَانَ من أمهاتي باكيا أبدا ... فاليوم إني أراني اليوم مقبوضا
تستمعيه فإني غَيْر سامعة ... إِذَا علوت رقاب الْقَوْم معروضا
قَالَ النعمان: فأقمت والله عَلَيْهِ حَتَّى غسل وكفن وحنط، وصلي عَلَيْهِ، ودفن.
قَالَ: قُلْت للنعمان: فَما دعاك إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: احتساب الأجر فِيهِ والله.
وَقَدْ ذكر أَبُو دَاوُد فِي كتاب الزهرة: أَن عروة بْن حزام لما مَات مر بِهِ ركب فعرفوه، فلما انتهوا إِلَى منزل عفراء صاح بَعْضهم، فَقَالَ:
ألا أيها القصر المعقل أهلها ... بحق نعينا عروة بْن حزام
فأجابته فقالت:
ألا أيها الركب المخبون ويحكم ... بحق نعيتم عروة بن حزام
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن النعمان بن بشير» .(4/358)
فأجابوها:
نعم قَدْ تركناه بأرض بعيدة ... مقيما بها فِي دكدك وأكام
فقالت لهم:
فَإِن كَانَ حقا مَا تَقُولُونَ فاعلموا ... بأن قَدْ نعيتم بدر كُل ظلام [1]
فلا لقي الفتيان بعدك لذة ... ولا رجعوا من غيبة بسلام
ولا وضعت أنثى تماما بمثله ... ولا فرحت من بعده بغلام
ولا لا بلغتم حيث وجهتم لَهُ ... ونغصتم لذات كُل طعام
ثُمَّ سألتهم: أين دفنوه؟ فأخبروها، فسارت إِلَى قبره، فلما قربوا من موضع قبره، قالت: إني أريد قضاء حاجة، فأنزلوها فانسلت إِلَى قبره فانكبت عليه، فلما راعهم إلا صوتها، فلما سمعوها بادروا/ إِلَيْهَا، فَإِذَا هِيَ ممدودة عَلَى القبر قَدْ خرجت نفسها، فدفنوها إِلَى جانبه.
[أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن خيرون، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا علي بْن أيُّوب القمي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن أَبِي سَعِيد، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن مُحَمَّد النخعي، حَدَّثَنَا] [2] معاذ بْن يَحْيَى الصنعاني، قَالَ:
خرجت من مكة إِلَى صنعاء، فلما كَانَ بيننا وبين صنعاء خمس رأيت النَّاس ينزلون عَن محاملهم ويركبون دوابهم، قُلْت: أين تريدون؟ قَالُوا: نريد أَن ننظر قبر عروة وعفراء، فنزلت عَن محملي وركبت حماري واتصلت بهم، فانتهيت إِلَى قبرين متلاصقين قَدْ خرج من هَذَا القبر ساق شجرة، ومن هَذَا ساق شجرة، حَتَّى إِذَا صارا عَلَى قامة التفا، وَكَانَ النَّاس يقولون: تآلفا فِي الحياة وَفِي الْمَوْت.
وَقَدْ روي لنا أَن هذه القصة كانت فِي عهد عُمَر بْن الْخَطَّاب، فروينا عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: لو أدركت عروة وعفراء لجمعت بينهما.
وروينا عَن مُعَاوِيَة أنه قَالَ: «لو علمت بهذين الشريفين لجمعت بينهما» .
__________
[1] في الأصل: «بدر كل تمام» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن معاذ بن يحيى» .(4/359)
ثُمَّ دخلت سَنَة ست وعشرين
فمن الحوادث فِيهَا:
أَن عُثْمَان أمر بتجديد أنصاب الحرم، وزاد فِي الْمَسْجِد الحرام، [ووسعه] [1] وابتاع من قوم، وأبى آخرون فهدم عَلَيْهِم، ووضع الأثمان فِي بَيْت المال، فصاحوا عَلَى عُثْمَان، فأمر بهم إِلَى الحبس، وَقَالَ: أتدرون مَا جرأكم علي؟ مَا جرأكم علي إلا حلمي، قَدْ فعل هَذَا بكم عُمَر، فلم تصيحوا بِهِ. ثُمَّ كلمه فيهم عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد، فأخرجوا.
وَفِي هذه السنة:
جرت خصومة بَيْنَ سَعْد وابن مَسْعُود، فعزل عُثْمَان سعدا. وقيل: كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَة خمس وعشرين. وقيل: فِي سَنَة ثَلاث [وعشرين] [2] .
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ قالا: أخبرنا ابن النقور قال:
أخبرنا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قال:
حدثنا شعيب قال: حَدَّثَنَا سَيْف بْن عُمَر] [3] ، عَن الشعبي قَالَ: كَانَ أول مَا نزع الشَّيْطَان من أَهْل الكوفة- وَهُوَ أول- مصر- أَن سَعْد بْن أَبِي وقاص استقرض من عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود من بَيْت المال مالا، فأقرضه، فلما تقاضاه لم يتيسر عليه، فارتفع بينهما الكلام.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر: تاريخ الطبري 4/ 251.
[2] تاريخ الطبري 4/ 251، 252.
[3] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الشعبي» .(4/360)
[وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ،] [1] عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ:
كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ سَعْدٍ، فَأَتَى ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ لِسَعْدٍ: أَدِّ الْمَالَ الَّذِي قِبَلَكَ. فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: هَلْ أَنْتَ إِلا عَبْدٌ مِنْ [2] هُذَيْلٍ. قَالَ: [وَأَنْتَ] [3] ابْنُ حُمَيْنَةَ. فَطَرَحَ سَعْدٌ عُودًا فِي يَدِهِ، وَكَانَتْ فِيهِ حِدَّةٌ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهمّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
قُلْ خَيْرًا وَلا تَلْعَنْ. فَقَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا اتِّقَاءُ اللَّهِ عَلَيْكَ لَدَعَوْتُ عليك دعوة لا تُخْطِئُكَ. فَوَلَّى الآخَرُ سَرِيعًا، [فَخَرَجَ] [4] .
[وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ عَبْدِ خَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ] [5] : لَمَّا وَقَعَ بَيْنَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسَعْدٍ الْكَلامُ غَضِبَ عَلَيْهِمَا عُثْمَانُ، وَانْتَزَعَهَا مِنْ سَعْدٍ وَعَزَلَهُ، وَأَقَرَّ عَبْدَ اللَّهِ، وَاسْتَعْمَلَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، فَقَدِمَ الْكُوفَةَ، فَلَمْ يَتَّخِذْ لِدَارِهِ بَابًا حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْكُوفَةِ.
وَفِي هذه السنة: حج بالناس عثمان رضي الله عنه [6] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
243- حبيب بْن يساف بْن عتبة
تأخر إسلامه حَتَّى خرج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بدر، فلحقه فأسلم وشهد أحدا والخندق. وتوفي فِي خلافة عُثْمَان رضي الله عنه.
__________
[1] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن قيس بن حازم» .
[2] في الأصل: «إلا عبد أنت من هذيل» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عكيم» .
[6] تاريخ الطبري 4/ 251.(4/361)
ثُمَّ دخلت سَنَة سبع وعشرين
فمن الحوادث فِيهَا: فتح الأندلس [1] :
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ قالا: أخبرنا ابن النقور قال:
أخبرنا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قال:
حدثنا شعيب قال: حدثنا سيف، عن مُحَمَّدٍ] [2] وَطَلْحَةَ قَالا: أَرْسَلَ عُثْمَانُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ/ الْحُصَيْنِ، وعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْقَيْسِ إِلَى الأَنْدَلُسِ فَأَتَيَاهَا مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ:
«أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ إِنَّمَا تُفْتَحُ مِنَ قِبَلِ الأَنْدَلُسِ، وَإِنَّكُمْ إِنْ فَتَحْتُمُوهَا كُنْتُمْ شُرَكَاءَ مَنْ يَفْتَحُهَا فِي الأَجْرِ وَالسَّلامُ» . فَخَرَجُوا وَمَعَهُمُ الْبَرِيدُ فَأَتَوْهَا مِنْ بَرِّهَا وَبَحْرِهَا، فَفَتَحَهَا اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ يَزِيد بْن أَبِي حبيب: نزع عُثْمَان عَمْرو بْن العاص عَن خراج مصر، واستعمل عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد، فكتب عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد إِلَى عُثْمَان: إِن عمرا كسر الخراج، وكتب عَمْرو إِن عَبْد اللَّهِ كسر عَلَى مكيدة الحرب، فكتب عُثْمَان إِلَى عَمْرو:
انصرف، وولى عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد الخراج والجند، فقدم عَمْرو مغضبا، فدخل عَلَى عُثْمَان وعليه جبة لَهُ يمانية محشوة قطنا. فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: مَا حشو جبتك هذه؟ قَالَ:
عَمْرو: [فَقَالَ عُثْمَان:] [3] لَمْ أرد هذا، إنما سألت أقطن هو أم غيره.
__________
[1] البداية والنهاية 7/ 166، 167.
[2] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن محمد» .
[3] ما بين المعقوفتين من الطبري وهو ساقط في الأصل.(4/362)
قَالَ الواقدي: وَفِي هذه السنة كَانَ فتح اصطخر الثَّانِي عَلَى يد عُثْمَان بْن أَبِي العاص.
وفيها: غزا مُعَاوِيَة قنسرين [1] .
وفيها: حج بالناس عُثْمَان بْن عَفَّان [2]
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
244- عبد الله بْن كعب بْن عَمْرو بْن عوف بْن مبذول، أَبُو الْحَارِث [3] .
شهد بدرا، وَكَانَ عامل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم علي المغانم، وشهد المشاهد كلها مَعَ النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 257.
[2] تاريخ الطبري 4/ 257.
[3] الطبقات الكبرى 3/ 2/ 73.(4/363)
ثُمَّ دخلت سَنَة ثمان وعشرين
فمن الحوادث فِيهَا:
فتح قبرس
[1] : عَلَى يد مُعَاوِيَة، غزاها بأمر عُثْمَان. هَذَا قَوْل الواقدي.
وَقَالَ أَبُو معشر: كان ذلك في سَنَة تسع وعشرين، كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب يمنع من الغزو فِي البحر/ شفقة بالمسلمين، واستأذنه مُعَاوِيَة، فلم يأذن لَهُ، فلما ولي عُثْمَان استأذنه فأذن لَهُ، وَقَالَ: من اختار الغزو معك طائعا فاحمله. فغزا قبرس، فصالح أهلها، وَهُوَ أول من غزا الروم.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِي المجلي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الحسين بْن صفوان قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَيْشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا ثَوْرٌ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نَصْرٍ قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ قُبْرُسَ فُرِّقَ بَيْنَ أَهْلِهَا فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَبْكِي إِلَى بَعْضٍ، فَبَكَى أَبُو الدَّرْدَاءِ فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ فِي يَوْمٍ أَعَزَّ اللَّهُ فِيهِ الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ، وَأَذَلَّ الشِّرْكَ وَأَهْلَهُ؟ قَالَ: دَعْنَا مِنْكَ يَا جُبَيْرُ، مَا أَهْوَنَ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ إِذَا تَرَكُوا أَمْرَهُ، بَيْنَا هِيَ أُمَّةٌ قَاهِرَةٌ قَادِرَةٌ، تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ، فَصَارُوا إِلَى مَا تَرَى.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السِّبَاءَ، وَإِذَا سَلَّطَ [السِّبَاءَ] عَلَى الْقَوْمِ فَلَيْسَ له فيهم حاجة [2] .
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 258- 263.
[2] تاريخ الطبري 4/ 262.(4/364)
وَفِي هذه السنة: غزا حبيب بْن سلمة سورية [من أرض] [1] الروم.
وفيها: تزوج عُثْمَان نائلة بنت الفرافصة بْن الأحوص العربية [2] . وكانت نصرانية، فتجنثت قبل أن يدخل بها، وكانت محلتها سماوة كلب.
قَالَ ابْن الكلبي: كُل اسم فِي المغرب فرافصة بضم الفاء، إلا نائلة بنت الفرافصة، فإنها بفتح الفاء.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبُسْرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ دُرَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا] [3] أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ نَائِلَةَ بِنْتَ الْفَرَافِصَةِ اهْتَدَاهَا فَبَعَثَ بِهَا أَبُوهَا إِلَيْهِ مَعَ أَخِيَها ضَبٍّ، فَلَمَّا فصلت مِنَ السَّمَاوَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ خَرَجَتْ مِنْ فِرَاقِ أَهْلِهَا وَبِلادِهَا فَقَالَتْ:
أَحَقًّا تُرَاهُ الْيَوْمَ يَا ضَبُّ إِنَّنِي ... مُصَاحَبَةٌ نَحْوَ الْمَدِينَةِ أَرْكَبَا
أَمَا كَانَ فِي فِتْيَانِ حِصْنِ بْنِ ضَمْضَمٍ ... لَكَ الْوَيْلُ مَا يُغْنِي الْخِبَاءُ الْمُحْجِبَا [4]
[قَضَى اللَّهُ حَقًّا أَنْ تَمُوتِي غَرِيبَةً ... بِيَثْرِبَ لا تَلْقِينَ أُمًّا وَلا أَبَا
قَالَ ابْنُ بَطَّةَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ مَوْلًى لِطَلْحَةَ: أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعَمَلَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ عَلَى صَدَقَاتِ كُلَيْبٍ، فَزَوَّجَهُ نَائِلَةَ بِنْتَ الْفَرَافِصَةِ الْكَلْبِيَّ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: إِنِّي زَوَّجْتُكَ نَائِلَةَ بِنْتَ الْفَرَافِصَةِ. فَقَالَ: زَوَّجْتَنِي نَصْرَانِيَّةً؟ قَالَ: إِنَّهَا إذا قدمت إليك أسلمت. فلما قدم دَخَلَ عَلَيْهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فصلى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: يَا هَذِهِ، تَأْتِينَا أَوْ نَأْتِيكِ؟ قَالَتْ: بَلْ نَأْتِيكَ وَنُعْمَةَ الْعَيْنِ، فَقَدْ تَجَشَّمْتُ المسير إليك
__________
[1] في الأصل: «منصورية الروم» .
انظر تاريخ الطبري 4/ 263.
[2] تاريخ الطبري 4/ 263.
[3] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي عبيدة» .
[4] من هنا حتى نهاية الجزء عدة أوراق مفقودة من نسخة الأصل، فأكملنا سنة 28 من النسخة ت، وكذلك الجزء الّذي يلي هذا، فقد منه بعض الأوراق فأكملنا النقص من النسخة ت.(4/365)
مِنْ أَبْعَدَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ مِنَ الْبَيْتِ، فَقَامَتْ حَتَّى جَلَسَتْ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فقال لها عثمان: إنك لَعَلَّكِ تَرَيْنَ شَيْبًا وَتَقَلُّبًا فِي السِّنِّ، فَإِنَّ وَرَاءَ ذَلِكَ غِلالَةً مِنْ شَبَابٍ. فَقَالَتْ:
إِنَّ أَحَبَّ الْخُلَطَاءِ إِلَيَّ لَمَنْ ذَهَبَتْ عَنْهُ مَيْعَةُ الشَّبَابِ، وَاجْتَمَعَ حِلْمُهُ، وَوُثِقَ بِرَأْيِهِ. فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ لَهُ النَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ، كَيْفَ رَأَيْتَ أَهْلَكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ أَوْفَى عَقْلا مِنَ الدَّاخِلَةِ عَلَيَّ.
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ كَانَ عَلَى الْكُوفَةِ، فَتَزَوَّجَ هِنْدَ بِنْتَ الْفَرَافِصَةِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَزَوَّجْتَ امْرَأَةً، فَاكْتُبْ إِلَيَّ بِنَسَبِهَا وَجَمَالِهَا.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنْ كَانَتْ لَهَا أُخْتٌ فَزَوَّجْنِيهَا، فبعث سعيد إِلَى الْفَرَافِصَةِ يَخْطُبُ إِحْدَى بَنَاتِهِ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ الْفَرَافِصَةُ ابْنَهُ ضَبًّا فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ، وَكَانَ ضَبٌّ مُسْلِمًا، وَالْفَرَافِصَةُ نَصْرَانِيًّا، فَلَمَّا أَرَادُوا نَقْلَهَا قَالَ لَهَا أَبُوهَا: إِنَّكِ تَقْدَمِينَ عَلَى نِسَاءٍ مِنْ نَسَاءِ قُرَيْشٍ، مِنْ أَقْدَرَ عَلَى الطِّيبِ مِنْكِ، فَاحْفَظِي عَنِّي [1] خَصْلَتَيْنِ: تَكَحَّلِي وَتَطَيَّبِي بِالْمَاءِ حَتَّى تَكُونَ رِيحُكَ رِيحَ شَنٍّ أَصَابَهُ مَطَرٌ. فَلَمَّا جُمِّلَتْ كَرَبَتْ لِكَرْبِهِ، وَحَزِنَتْ لِفِرَاقِ أَهْلِهَا، وَأَنْشَدَتْ:
أَلَسْتَ تَرَى باللَّه يَا ضَبُّ أَنَّنِي ... مُصَاحَبَةٌ نَحْوَ الْمَدِينَةِ أَرْكَبَا
لَقَدْ كَانَ فِي أَبْنَاءِ حِصْنِ بْنِ ضَمْضَمٍ ... لَكَ الْوَيْلُ مَانِعُ الْحَيَاءِ الْمُحْجَبَا
فَلَمَّا قَدِمَتْ عَلَى عُثْمَانَ وَضَعَ عَمَامَتَهُ فَبَدَا الصَّلَعُ، فَقَالَ: لا يُهَوِّلَنَّكِ مَا تَرَيْنَ مِنْ صَلَعِي، فَإِنَّ وَرَاءَهُ مَا تُحِبِّينَ. فَسَكَتَتْ. فَقَالَ: إِمَّا أَنْ تَقُومِي إِلَيَّ وَإِمَّا أَنْ أَقُومَ إِلَيْكِ.
فَقَالَتْ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الصَّلَعِ فَإِنِّي مِنْ نِسَاءٍ أَحَبُّ بُعُولَتِهِنَّ السَّادَةُ الصُّلْعُ، وَأَمَّا قَوْلُكَ:
إِنْ تَقُومِي أَوْ أقوم، فو الله لِمَا تَجَشَّمْتُ مِنْ حسبَاتِ السَّمَاوَةِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنِي وَبَيْنَكَ، بَلْ أَقُومُ إِلَيْكَ. فَقَامَتْ، فَجَلَسَتْ إلى جَنْبَهُ، فَمَسَحَ رَأْسَهَا وَدَعَا لَهَا بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ:
اطْرَحِي عَنْكِ رِدَاءَكَ. فَطَرَحَتْهُ، ثُمَّ قَالَ: حُلِّي إِزَارَكِ. فَقَالَتْ: ذَاكَ إِلَيْكَ. فَحَلَّ إِزَارَهَا، وَكَانَتْ مِنْ أَحْظَى نِسَائِهِ عِنْدَهُ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر، أَخْبَرَنَا ابْن المبارك بْن عَبْد الجبار، أَخْبَرَنَا أبو مُحَمَّد
__________
[1] في ت: «فاحفضي عن» .(4/366)
الجوهري، أخبرنا أبو عمرو بن حيوة، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن خلف بْن المرزبان قَالَ:
أخبرني أَحْمَد بْن حرب قَالَ: أخبرني الزُّبَيْر بْن أَبِي بَكْر قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ موبان قَالَ: نظرت نائلة بنت الفرافصة، امرأة عُثْمَان بْن عَفَّان رضي اللَّه عَنْهُ، فِي المرآة، فأعجبها ثغرها، فأخذت فهرا فكسرت ثناياها، وقالت: والله لا يجب لَكَ أحد بَعْد عُثْمَان وَفِي هذه السنة: كَانَ فتح أصطخر الأخير [1] .
وفيها: حج بالناس عُثْمَان بْن عَفَّان [2]
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
245- عَمْرو بْن سراقة بْن المعتمر بْن أَنَس بْن أداة بْن رباح [3] .
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وتوفي فِي خلافة عُثْمَان بْن عَفَّان رضي اللَّه عَنْهُ]
[تم الجزء الرابع بحمد الله ويليه الجزء الخامس إن شاء الله تعالى وأوله: ثم دخلت سنة تسع وعشرين، فمن الحوادث فيها: أن عثمان رضي الله عَنْهُ عزل أبا مُوسَى عن البصرة وولى عبد الله بن عامر بن كريز] .
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 263.
[2] تاريخ الطبري 4/ 263.
[3] الطبقات الكبرى 3/ 1/ 281 الإصابة في تميز الصحابة 4/ 298 الترجمة رقم: 5832.(4/367)
[المجلد الخامس]
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم [1] دخلت سنة تسع وعشرين
فمن الحوادث فيها [عزل أبي مُوسَى عن البصرة] [2]
أن عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عزل أبا مُوسَى عن البصرة، وولى عبد الله بن عامر بن كرز وهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أخبرنا أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا [3] :
لَمَّا وُلِّيَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَقَرَّ أَبَا مُوسَى عَلَى الْبَصْرَةِ ثَلاثَ سِنِينَ، وَعَزَلَهُ فِي الرَّابِعَةِ، وَأَمَّرَ عَلَى خُرَاسَانَ عُمَيْرَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ، وَعَلَى سِجِسْتَانَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيَّ، فَأَثْخَنَ فِيهَا إِلَى كَابُلَ، وَأَثْخَنَ [عُمَيْرٌ فِي خُرَاسَانَ حَتَّى بَلَغَ فَرْغَانَةَ، فَلَمْ يَدَعْ دُونَهَا كُورَةً إِلا أَصْلَحَهَا، وَبَعَثَ إِلَى مَكْرَانَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْمَرٍ التَّيْمِيَّ، فَأَثْخَنَ] [4] فِيهَا حَتَّى بَلَغَ النَّهْرَ. وَبَعَثَ إِلَى كِرْمَانَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غُبَيْسٍ، وَبَعَثَ إِلَى فَارِسَ وَالأَهْوَازَ نَفَرًا، وَضَمَّ سَوَادَ الْبَصْرَةِ إِلَى الْحُصَيْنِ بْنِ [أَبِي] [5] الْحُرِّ، ثُمَّ عَزَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَيْرٍ، وَاسْتَعَمَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ [6] فَأَقَرَّهُ عَلَيْهَا سَنَةً ثُمَّ عَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَاصِمَ بن عمرو،
__________
[1] من هنا ساقط من الأصل، ورقتان، أوردناهما من ت.
[2] تاريخ الطبري 4/ 264، والعنوان غير موجود في ت.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 264.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من ت، أوردناه من تاريخ الطبري 4/ 264.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من ت. وأوردناه من الطبري.
[6] في أ: «بن عمير» .(5/3)
[وَعَزَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غُبَيْسٍ] [1] ، وَأَعَادَ عَدِيَّ بْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَدِيٍّ.
فَلَمَّا كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ كَفَرَ أَهْلُ إِيذجَ وَالأَكْرَادَ، فَنَادَى أَبُو مُوسَى فِي النَّاسِ، وَحَضَّهُمْ وَنَدَبَهُمْ، وَذكر مِنْ فَضْلِ الْجِهَادِ فِي الرُّجْلَةِ [2] حَتَّى حَمَلَ رِجَالٌ عَلَى دَوَابِّهِمْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا رِجَالا. وقَالَ آخَرُونَ: لا وَاللَّهِ لا نُعَجِّلُ بِشَيْءٍ حَتَّى نَنْظُرَ مَا صَنِيعُهُ؟ فَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُهُ فِعْلَهُ فَعَلْنَا كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُنَا.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَرَجَ أَخْرَجَ ثَقْلَةً مِنْ قَصْرِهِ عَلَى أَرْبَعِينَ بَغْلا، فَتَعَلَّقُوا بِعَنَانِهِ، وَقَالُوا: احْمِلْنَا عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْفُضُولِ، وَارْغَبْ مِنَ الرُّجْلَةِ فِيمَا رَغَّبْتَنَا فِيهِ، فَقَنِعَ الْقَوْمَ حَتَّى تَرَكُوا دَابَّتَهُ وَمَضَوْا، فَأَتَوْا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَاسْتَعْفَوْهُ مِنْهُ وَقَالُوا: [مَا كُلُّ مَا نَعْلَمُ نُحِبُّ أَنْ نَقُولَهُ] [3] ، فَأَبْدِلْنَا بِهِ، فَقَالَ: مَنْ تُحِبُّونَ؟ فقَالَ غَيْلانُ بْنُ خَرَشَةَ: [4] [فِي كُلِّ أَحَدٍ عِوَضٌ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ الَّذِي قَدْ أَكَلَ أَرْضَنَا، وَأَحْيَا أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ فِينَا، فَلا نَنْفَكُّ مِنْ أَشْعَرِيٍّ كَانَ يُعَظِّمُ مُلْكَهُ عَنِ الأَشْعَرِيِّينَ، وَيَسْتَصْغِرُ مُلْكَ الْبَصْرَةِ، وَإِذَا أَمَّرْتَ عَلَيْنَا صَغِيرًا كَانَ فِيهِ عِوَضٌ مِنْهُ، أَوْ مُهْتَرًا كَانَ فِيهِ عِوَضٌ مِنْهُ، وَمِنْ بَيْنِ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ خَيْرٌ مِنْهُ] [5] .
فَدَعَا عَبْدَ اللَّهِ بنَ عَامِرٍ، فَأَمَّرَهُ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَصَرَفَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْمَرٍ إِلَى فَارِسَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى عَمَلِهِ عُمَيْرَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ، فَجَاشَتْ فَارِسُ، وَانْتَقَضَتْ بِعُبَيْدِ اللَّهِ، فَاجْتَمَعُوا لَهُ بِإِصْطَخِرَ، فَالْتَقَوْا عَلَى بَابِ إِصْطَخِرَ، فَقُتِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَهُزِمَ جُنْدُهُ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ عَبْدَ اللَّهِ بنَ عَامِرٍ، فَاسْتَنَفَرَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ، وَخَرَجَ مَعَهُ بِالنَّاسِ وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، فَالْتَقَى هُوَ وَهُمْ بِإِصْطَخِرَ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً لَمْ يَزَالُوا مِنْهَا فِي ذُلٍّ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عثمان رضي الله عنه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: أوردناه من الطبري، ومكانه في ت: «واستعمل عبد الله بن عامر» .
[2] الرجلة بالضم: أن يسير المرء راجلا غير راكب.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من ت، وأوردناه من الطبري.
[4] في ت: «قالوا: غيلان بن خرشة» . وما أوردناه من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من الطبري.(5/4)
وفِي هذه السنة رجم عثمان امرأة من جهينة دخلت على زوجها فولدت له فِي ستة أشهر، فدخل عليه علي فقَالَ: إن الله يقول: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً 46: 15 [1] . فأرسل فِي أثرها فإذا قد رجمت. قاله محمد بن حبيب وفِي هذه السنة ضاق مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الناس، فوسعه عُثْمَان بْن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وابتدأ فِي بنائه فِي شهر ربيع الأول، وكانت القصة [2] تحمل إلى عثمان من بطن نخل، وبناه بالحجارة المنقوشة، وجعل عمده من حجارة فيها رصاص، وسقفه ساجا، وجعل طوله ستين ومائة ذراع، وعرضه خمسين ومائة ذراع، وجعل أبوابه على ما كانت على عهد عمر رضي الله عنه ستة أبواب.
وَرَأَيْتُ لأبي ألوفا بْنِ عَقِيلٍ فِي ذكر مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلامًا حَسَنًا، قَالَ فِي قَوْلِهِ: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِي غَيْرِهِ إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» قَالَ:
هَذَا يَتَعَلَّقُ بِمَسْجِدِ الرَّسُولِ الَّذِي فِي زمانه لا بما زيد فيه بعد.
وفِي هذه السنة حج عثمان بالناس وضرب بمنى فسطاطا، وأتم الصلاة بها وبعرفة، قَالَ: إني اتخذت بمكة أهلا فصرت من أهلها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
246- سلمان بن ربيعة الباهلي [3] :
شهد يوم القادسية، وحدث عن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وولاه قضاء المدائن، وهو
__________
[1] سورة: الأحقاف، الآية: 15.
[2] القصة: الحجارة من الجص.
[3] تاريخ بغداد 9/ 206.(5/5)
أول من ولي قضاء الكوفة ثم عزله عمر، فخرج غازيا للترك ثم انصرف فاستشهد بالجر من بلاد أرمينية فِي خلافة عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هذه السنة، وقيل فِي سنة ثلاثين، وقيل فِي سنة إحدى وثلاثين.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْعَلاءِ الْوَاسِطِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْمَهْدِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ [1] :
رَأَيْتُ سَلْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ جَالِسًا بِالْمَدَائِنِ عَلَى قَضَائِهَا، وَاسْتَقْضَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَمَا رَأَيْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ، فَقُلْنَا لأَبِي وَائِلٍ: فَمِمَّ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنِ انْتِصَافِ الناس منهم
__________
[1] الخبر في تاريخ بغداد 9/ 26.(5/6)
ثم دخلت سنة ثلاثين
فمن الحوادث فيها:
أن قوما شهدوا على الوليد بن عقبة أنه شرب الخمر، فعزله عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وولى سعيد بن العاص بن أبي أحيحة [1] .
وفِي هذه السنة: غزا سعيد بن العاص طبرستان [2] :
وذلك أنه خرج من الكوفة يريد خراسان ومعه حذيفة بن اليمان وناس من أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعه الحسن، والحسين، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعمرو بن العاص، وعَبْد اللَّهِ بن الزبير. وخرج عَبْد اللَّهِ بن عامر من البصرة يريد خراسان، ففعل كل واحد منهما فعلا حسنا فِي البلاد من قتل وصلح.
وفِي هذه السنة: سقط خاتم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يد عثمان فِي بئر أريس [3] :
وهي بئر على ميلين من المدينة، جلس عليها عثمان فجعل يعبث بالخاتم فوقع فِي البئر، وكانت من أقل الآبار ماء، فنزحت ولم يوجد.
وفِي هذه السنة:
زاد عثمان النداء الثالث على الزوراء، وهي دار له بناها فِي عهد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 271.
[2] تاريخ الطبري 4/ 269.
[3] تاريخ الطبري 4/ 281.(5/7)
بكر وعمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فلما كان فِي خلافته وكثر الناس أمر عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يوم الجمعة بالآذان الثالث، فأذن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك.
فإن قيل: كيف صار ثلاثا؟ قلنا: بالإقامة [1] .
وفِي هذه السنة:
هرب يزدجرد من فارس إلى خراسان فِي قول بعض الرواة. قَالَ: وذلك أن ابن عامر خرج إلى فارس، فهرب يزدجرد، فوجه ابن عامر فِي أثره من تبعه إلى كرمان، فهرب إلى خراسان [2] .
وفِي هذه السنة:
حج بالناس عثمان رضي الله عَنْهُ.
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
247- أبي بن كعب بن قيس بن عبد المنذر [3] :
شهد العقبة مع السبعين من الأنصار، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يكتب له الوحي، وهو أحد الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر الله عز وجل نبيه أن يقرأ عليه القرآن، وقَالَ عمر فِي حقه: هذا سيد المسلمين.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم لأبيّ بن كعب:
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 287.
[2] تاريخ الطبري 4/ 286.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 59، 2/ 2/ 103.(5/8)
«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ 98: 1 [1] قَالَ: وَسَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، فَبَكَى. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبْجَرَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ:
سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: أَكَانَ هَذَا؟ قُلْتُ: لا، قَالَ:
فَأَحْمِنَا حَتَّى يَكُونَ، فَإِذَا كَانَ اجْتَهَدْنَا لَكَ رَأْيَنَا.
248- أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام، أخو حسان، وهو أبو شداد بن أوس [2] :
شهد أوس العقبة مع السبعين، وبدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
249- أوس بن خولي بن عَبْد اللَّهِ [3] :
شهد بدرا والمشاهد كلها، وحضر وقت غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي في خلافة عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
250- جبار بن صخر بن خنساء بن عبيد، أبو عَبْد اللَّهِ [4] :
شهد العقبة مع السبعين، وبدرا والمشاهد كلها وتوفي فِي هذه السنة.
251- حاطب بن أبي بلتعة اللخمي، يكنى أبا مُحَمَّد [5] :
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعثه [بكتاب] إلى المقوقس صاحب الإسكندرية. قَالَ حاطب: فأنزلني المقوقس وأقمت عند بابه ليالي ثم أرسل إلي فقَالَ: إني أسألك فأجبني عني، قلت: هلم، قَالَ: أخبرني عن صاحبك، أليس هو
__________
[1] سورة: البينة، الآية: 1.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 63.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 91.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 115.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 80.(5/9)
نبيا؟ قلت: بلى قَالَ: فما له لم يدع الله على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها؟
قلت: فعيسى بن مريم عليه السلام أتشهد أنه رسول الله؟ قَالَ: نعم، قلت: فما له أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه ولم يدع عليهم فيهلكوا حتى رفعه الله إليه؟ فقَالَ: أنت حكيم جاء من حكيم، هذه هدايا أبعث بها معك إلى مُحَمَّد، وأرسل معك ببذرقة يبذرقونك [1] إلى مأمنك، فأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جواري منهن مارية أم إبراهيم، وواحدة وهبها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي جهم بن حذيفة، وواحدة وهبها لحسان بن ثابت.
وكان حاطب من الرماة المذكورين، وكان خفيف اللحية أجنأ، إلى القصر ما هو، شثن الأصابع، وتوفي بالمدينة فِي هذه السنة وهو ابن خمس وستين، وصلى عليه عُثْمَان بْن عَفَّانَ رضي الله عنه.
252- عَبْد اللَّهِ بن مظعون [بن حبيب] بن وهب [2] :
أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوفي وهو ابن ثمانين سنة [3] .
253- عياض بن زهير بن [أبي] [4] شداد بن ربيعة بن هلال، يكنى أبا سعد [5] :
هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس له عقب.
254- مسعود بن الربيع، وقيل: ابن ربيعة بن عمرو بن سعد حليف بني عبد مناف بن زهرة، يكنى أبا عمير [6] :
__________
[1] البذرقة: كلمة فارسية معربة، وهي الخفارة، يقال: بعث السلطان بذرقة مع القافلة. وقال الهروي: ان البذرقة يقال لها عصمة، أي يعتصم بها. (لسان العرب 238) .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 291، وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول أوردناه من ابن سعد.
[3] في طبقات ابن سعد: «ستين سنة» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من ابن سعد.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 304.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 119.(5/10)
أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومات فِي هذه السنة، وقد زاد على الستين، وليس له عقب.
255- معمر بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال، يكنى أبا سعد [1] :
وبعضهم يسميه عمرو، هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 303.(5/11)
ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين
فمن الحوادث فيها غزاة المسلمين الروم التي يقال لها غزاة الصواري [1]
فِي قول الواقدي، وقَالَ أبو معشر: كانت سنة أربع وثلاثين.
شرح القصة
أن المسلمين لما أصابوا من الروم بإفريقية خرج الروم فِي جمع لم يجمع مثله قط، خرجوا في خمسمائة مركب عليهم قسطنطين بن هرقل، فباتوا يضربون النواقيس، وبات المسلمون يصلون ويدعون، ثم أصبحوا فقَالَ المسلمون: إن شئتم فالساحل حتى يموت الأعجل منا ومنكم، وإن شئتم فالبحر. قَالَ: فنخروا نخرة واحدة وقالوا:
الماء. والسفن بعضها إلى بعض، واقتتلوا أشد القتال، ووثب الرجال على الرجال يضربون بالسيوف على السفن، ويتواجئون بالخناجر حتى رجعت الدماء إلى الساحل تضربها الأمواج، وطرحت الأمواج جثث الرجال ركاما حتى صارت كالخبال العظيم عند الساحل، وقتل من الفريقين خلق كثير، ثم نصر الله المسلمين فقتلوا منهم مقتلة عظيمة لم ينج منهم إلا الشريد، وانهزم قسطنطين. وأقام عَبْد اللَّهِ بذات الصواري أياما بعد هزيمة القوم، ثم أقبل راجعا.
وفِي هذه السنة [2] :
تكلم قوم فِي عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وكان مُحَمَّد بن أبي حذيفة يقول بعد غزاة
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 288.
[2] تاريخ الطبري 4/ 292.(5/12)
الروم: والله لقد تركنا الجهاد خلفنا، فيقال له: وأي جهاد؟ فيقول: عُثْمَان بْن عَفَّانَ فعل كذا وكذا حتى أفسد الناس، فقدموا وقد أظهروا من القول ما لم يكونوا ينطقون به، وتكلم معه مُحَمَّد بن أبي بكر وذكر ما خلف به أبا بكر وعمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فبلغ ذلك عَبْد اللَّهِ بن سعد، فقَالَ: لا تركبا معنا، فركبا فِي مركب ما فيه أحد من المسلمين.
وفِي هذه السنة:
فتحت أرمينية على يدي حبيب بن مسلمة الفهري فِي قول الواقدي [1] .
وفِي هذه السنة: قتل يزدجرد ملك فارس [2] :
وقيل قتل فِي سنة ثلاثين.
قَالَ ابن إسحاق: هرب يزدجرد من كرمان فِي جماعة يسيرة إلى مرو، فسأل مرزبانها مالا فمنعه، [فخافوا على أنفسهم] [3] ، فأرسلوا إلى الترك، فأتوه فبيتوه، فقتلوا أصحابه، وهرب حتى أتى منزل رجل ينقر الأرحاء على شط المرغاب، فأوى إليه ليلا، فلما نام قتله.
وقَالَ غيره [4] : بيته أهل مرو ولم يستجيشوا عليه الترك، فقتلوا أصحابه، وخرج هاربا على رجليه معه منطقته وسيفه وتاجه، حتى أتى منزل نقار على شط المرغاب، فلما غفل يزدجرد قتله النقار وأخذ متاعه وألقى جسده فِي المرغاب، وأصبح أهل مرو فاتبعوا أثره، حتى خفِي عليهم عند منزل النقار، فأخذوه، فأقر لهم بقتله وأخرج متاعه فقتلوا النقار وأهل بيته، وأخذوا متاعه ومتاع يزدجرد، وأخرجوه من المرغاب، فجعلوه فِي تابوت من خشب.
فزعم بعضهم أنهم حملوه إلى اصطخر، فدفن بها في أول سنة إحدى وثلاثين.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 292.
[2] تاريخ الطبري 4/ 293.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من ت، أوردناه من تاريخ الطبري.
[4] تاريخ الطبري 4/ 293.(5/13)
وقيل: عمل له بعض النصارى فاروشا بمرو، فحمل جثته فدفنها فيه.
وكان ملك يزدجرد عشرين سنة، منها أربع سنين فِي دعة، وست عشرة فِي تعب من محاربة العرب إياه، وكان آخر ملك ملك من آل أردشير، وصفا الملك بعده للعرب.
فصل
وقد كان أول ملوك فارس دارا، ملك نحوا من مائتي سنة، ثم ملك بعده أردشير بن بابك، ثم سابور بن أردشير ثلاثين سنة، ثم هرمز بن سابور سنة وعشرة أيام، ثم بهرام أربعة أشهر، ثم فرسي بن بهرام تسع سنين، ثم هرمز بن نرسي سبع سنين، ثم سابور بن هرمز، وهو سابور ذو الأكتاف اثنتين وسبعين سنة، ثم أخوه أردشير بن هرمز أربع سنين، ثم سابور بن سابور خمس سنين، ثم بهرام بن سابور إحدى عشرة سنة، ثم يزدجرد بن سابور إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وأياما، ثم بهرام بن يزدجرد، وهو بهرام جور سنتين وعشرة أشهر، ثم يزدجرد بن بهرام ثماني عشرة سنة وأربعة أشهر وثمانية عشر يوما، ثم فيروز بن يزدجرد سبع عشرة سنة وقتل وكل من قتله مات على فراشه، ثم ملك بعده بلاش بن فيروز أربع سنين، ثم قباذ بن فيروز ثلاثا وأربعين سنة، ثم كسرى أنوشروان سبعا وأربعين سنة وثمانية أشهر، ثم ابنه هرمز اثنتي عشرة سنة وقتل، ثم كسرى بن هرمز ثلاثين سنة وقتل، ثم ابنه شيرويه ثمانية أشهر، ثم ابنه أردشير سنة ثم قتل، ثم ملك بعده شهريار أربعين سنة ثم قتل، ثم بعده بوران بنت كسرى سنة وأربعة أشهر ثم قتلت، وبعدها آزر ميدخت أختها ستة أشهر وماتت، ثم بعدها يزدجرد عشرين سنة، ثم بطل ملك فارس.
وقد كان يزدجرد [1] هذا قد وطئ امرأة فولدت له غلاما ذاهب الشق- وذلك بعد ما قتل يزدجرد- فسمي المخدع، فولد له أولاد بخراسان، فوجد قتيبة حين افتتح الصغد أو غيرها جاريتين، فقيل له: إنهما من ولد المخدع، فبعث بهما- أو بإحداهما- إلى
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 293.(5/14)
الحجاج بن يوسف، فبعث بهما إلى الوليد بن عبد الملك، فولدت للوليد يزيد بن الوليد الناقص.
[شخوص عَبْد اللَّهِ بن عامر إلى خراسان] [1]
وفِي هذه السنة:
أعني سنة إحدى وثلاثين، خرج عَبْد اللَّهِ بن عامر إلى خراسان، ففتح طوس وغيرها حتى بلغ سرخس، وصالح أهل مرو على ألفِي ألف ومائتي ألف.
وَقَدْ أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ فَضَالَةَ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمِّي الْعَبَّاسُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ بِشْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي] [2] / أَبُو حامد 3/ أمحمد بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ صَالِحٍ اللَّيْثِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْمُصْعَبِ بْنِ أَبِي الزَّهْرَاءِ:
أَنَّ كَنَّازًا صَاحِبَ نَيْسَابُورَ كَتَبَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ وَالِي الْكُوفَةِ، وَإِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كُرْزٍ [3] وَهُوَ وَالِي الْبَصْرَةِ فِي خِلافَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْعُوهُمَا إِلَى خُرَاسَانَ، وَيُخْبِرُهُمَا أَنَّ أَهْلَ مَرْوَ قَتَلُوا يَزْدَجَرْدَ، وَانْتَدَبَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ، وَابْتَدَرَا أَيُّهُمَا يَسْبِقُ إِلَيْهَا، وَفِي جُنْدِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مُجَاهِدًا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَأَتَى ابْنَ عَامِرٍ دُهْقَانٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا تَجْعَلُ لِي أَنْ سَبَقْتُ بِكَ، قَالَ: لَكَ خَرَاجُكَ وَخَرَاجُ أَهْلِ بْيَتِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَأَخَذَ بِهِ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي أَخَذَ فِيهِ زِيَادُ بْنُ زُرَارَةَ أَيَّامَ أَبِي مُسْلِمٍ، فَأَخَذَ بِهِ عَلَى قُومِسَ، فَقَدِمَ جُوَيْنٌ مِنْ نَيْسَابُورَ، وَنَزَلَ إِزَاذوار [4] فَصَالَحُوهُ، وَقَاتَلَ أَهْلُ نَيْسَابُوَر تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ ثَلِمَهَا وفتحها.
__________
[1] العنوان ساقط من ت، أوردناه من تاريخ الطبري.
[2] إلى هنا انتهى السقط من الأصل، والّذي بدأ من أول هذا الجزء.
[3] في الأصل: «عامر بن كريز» .
[4] اسم قرية من أعمال نيسابور معجم البلدان 1/ 167.(5/15)
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ عُثْمَانَ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، وَإِلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: أَيُّكُمَا سَبَقَ إِلَى خُرَاسَانَ فَهُوَ أَمِينٌ عَلَيْهَا [1] ، فَقَدِمَ ابْنُ عَامِرٍ نَيْسَابُورَ، وَجَاءَ سَعِيدٌ حَتَّى بَلَغَ الرَّيَّ. وكانت فتوح خراسان على يدي ابن عامر، فقَالَ له الناس: ما فتح الله عز وجل لأحد ما فتح الله عليك فارس وكرمان وسجستان وعامة خراسان، فقَالَ: لا جرم، لأجعلن شكري للَّه عز وجل أن أخرج من موضعي محرما، فأحرم من نيسابور، فلما قدم على عُثْمَان بْن عَفَّانَ رضي الله عنه لامه على ما صنع وقَالَ: ليتك تضبط من الوقت الذي يحرم منه الناس.
وكناز المذكور كان ملك تلك الديار فِي زمان كسرى، وهو مجوسي من عبدة النار، وكأنه أحس بغلبة المسلمين فدعاهم إليه، فلما غلبوا تقبل البلدة منهم [وصالحهم على ما يؤديه.
وفِي هذه السنة:
حج بالناس عثمان رضي الله عنه] [2] .
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
256- عويمر بن عامر بن زيد بن قيس بن عائشة بن أمية، أبو الدرداء [3] :
كان آخر أهل داره إسلاما، وكان متمسكا بصنم له، وكان عَبْد اللَّهِ بن رواحة مؤاخيا له فِي الجاهلية، وأسلم ابن رواحة ودعاه فأبى وتجنبه. وجاءه يوما فلما خرج من 3/ ب بيته دخل ابن رواحة فضرب الصنم بقدومه فقطعه، فقالت زوجته: / أهلكتني يا ابن رواحة. فخرج، وجاء أبو الدرداء فوجد المرأة تبكي خوفا منه، فقَالَ: ما شأنك؟ قالت:
أخوك ابن رواحة دخل إلى الصنم فصنع به ما ترى، فغضب غضبا شديدا، ثم فكر فِي نفسه، فقَالَ: لو كان عنده خير لدفع عن نفسه. فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم.
__________
[1] في الأصل: «أمير عليها» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 117.(5/16)
واختلفوا: هل شهد أحدا أم لا؟ وقد شهد بعد ذلك مشاهد كثيرة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خُثَيْمَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ [1] :
كُنْتُ تَاجِرًا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ زَاوَلْتُ التِّجَارَةَ وَالْعِبَادَةَ فَلَمْ تَجْتَمِعَا، فَاخْتَرْتُ الْعِبَادَةَ وَتَرَكْتُ التِّجَارَةَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ النَّهْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ أبي قدامة مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَنَفِيِّ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، قالت:
كان لأبي الدرداء ستون وثلاثمائة خَلِيلٍ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُو لَهُمْ فِي الصَّلاةِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ رَجُلٌ يَدْعُو لأَخِيهِ الْغَيْبَ إِلا وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكَيْنِ يَقُولانِ: فَلَكَ مِثْلُ ذَلِكَ، أَفَلا أَرْغَبُ أَنْ تَدْعُوَ لِي الْمَلَائِكَةُ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ [2] :
اسْتُعْمِلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ فَأَصْبَحَ النَّاسُ يُهَنُّونَهُ، فَقَالَ: أَتُهَنُّونِي بِالْقَضَاءِ وَقَدْ جُعِلْتُ عَلَى رَأْسٍ مُهْوَاةٍ مَنْزِلَتُهَا أَبْعَدُ مِنْ عَدَنَ، وَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي الْقَضَاءِ لأَخَذُوهُ بِالدُّولِ رَغْبَةَ عَنْهُ وَكَرَاهِيَةً لَهُ، وَلَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الآذَانِ لأَخَذُوهُ بِالدُّولِ رَغْبَةً فِيهِ وَحِرْصًا عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ حَدَّثَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ لُقْمَانِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ:
أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِي الْعَصَافِيرَ مِنَ الصبيان ويرسلهن، / ويقول: اذهبن فعشن. 4/ أقال ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ،
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 7/ 2/ 117.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 7/ 2/ 117.(5/17)
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ لأَبِي الدَّرْدَاءِ: إِنِ احْتَجْتُ بَعْدَكَ آكُلُ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: لا، اعْمَلِي وَكُلِي، قَالَتْ: فَإِنْ ضَعُفْتُ عَنِ الْعَمَلِ؟ قَالَ: الْتَقِطِي السُّنْبُلَ وَلا تَأْكُلِي الصَّدَقَةَ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ سَيَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَقُولُ:
لَوْلا ثَلاثٌ لَمْ أُبَالِ مَتَى مِتُّ: لَوْلا أَنْ أَظْمَأَ بِالْهَوَاجِرِ، وَلَوْلا أَنْ أُعَفِّرَ وَجْهِي بِالتُّرَابِ، وَلَوْلا أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ [1] :
أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ اشْتَكَى، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، مَا تَشْتَكِي؟
قَالَ: أَشْتَكِي ذُنُوبِي، قَالُوا: وَمَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: أَشْتَهِي الْجَنَّةَ، قَالُوا: أَفَلا نَدْعُو لَكَ طَبِيبًا؟ قَالَ: هُوَ الَّذِي أَضْجَعَنِي.
توفي أبو الدرداء بالشام فِي هذه السنة.
وقيل: فِي سنة اثنتين وثلاثين.
257- نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف من أشجع:
وهو الذي خذل بين الأحزاب حتى تفرقوا، وهاجر وسكن المدينة، وكان يغزو مع رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غزا، وبعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [لما أراد تبوكا ليتنصر الناس] ، وتوفي فِي زمان عثمان.
258-[يزدجرد [2] :
وتوفي يزدجرد الملك فِي هذه السنة [3] على ما سبق شرحه] .
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 7/ 2/ 118.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «قبل هذه السنة» .(5/18)
ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين
فمن الحوادث فيها: غزوة معاوية بن أبي سفيان [المضيق] [1] :
مضيق القسطنطينية، ومعه زوجته عاتكة بنت قرطة.
وفيها: غزا عَبْد الرَّحْمَنِ بن أبي ربيعة بلنجر [2] :
فحصروها ونصبوا عليها [المجانيق و] [3] العرادات [4] ، فجعل لا يدنو منها أحد إلا هلك، فقتل معضد فِي تلك الأيام، ثم اجتمع أهل بلنجر [5] والترك معهم، وأصيب عَبْد الرَّحْمَنِ، وأخذ القوم جسده، فجعلوه فِي سفط، فهم يستسقون/ به ويستنصرون، 4/ ب وانهزم المسلمون وفيهم سلمان الفارسي وأبو هريرة.
وفيها [6] : فتح ابن عامر مروالروذ وجوزجان.
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
259- الحصين بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف [7] :
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 304، وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[2] تاريخ الطبري 4/ 304.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] العرادات: من آلات الحرب، ترمي بالحجارة المرمى البعيد.
[5] في الأصل: «بلنجة» .
[6] تاريخ الطبري 4/ 309.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 36، وفي ت: «الحصين بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف» .(5/19)
260- سلمان الفارسي، يكنى أبا عَبْد اللَّهِ [1] :
من أهل مدينة أصبهان. ويقال: من أهل رامهرمز، أسلم فِي السنة الأولى من الهجرة، وأول مشهد شهده مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الخندق، وإنما منعه من حضور ما قبل ذلك أنه كان مسترقا لقوم من اليهود فكاتبوه وأدى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتابته وعتق، ولم يزل بالمدينة حتى غزا المسلمون العراق فخرج معهم وحضر فتح المدائن، وولاه إياها عمر، فنزلها حتى مات بها، وقبره الآن ظاهر.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قال: حدثني أبي، قال:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، قَالَ [2] :
كُنْتُ رَجُلا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ قَرْيَةٍ [3] يُقَالُ لَهَا جي، وَكَانَ أَبِي دُهْقَانَ قَرْيَتِهِ [4] ، وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ [5] ، وَاجْتَهَدْتُ [6] فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قُطْنَ النَّارِ [7] الَّذِي يُوقِدُهَا، لا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً.
قَالَ: وَكَانَ لأَبِي ضَيْعَةٌ عَظِيمَةٌ، قَالَ: فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ بِبِنَائِي هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي، فَاذْهَبْ فَاطَّلِعْهَا، وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ، فَخَرَجْتُ أَرِيدُ ضَيْعَتَهُ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فيها 5/ أوهم/ يُصَلُّونَ، وَكُنْتُ لا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِمْ وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يصنعون.
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 53، 6/ 1/ 9، 7/ 2/ 64.
[2] الخبر في المسند 5/ 441- 444، وطبقات ابن سعد 4/ 1/ 53، وتاريخ بغداد 1/ 164.
[3] في المسند: «من أهل قرية منها يقال لها» .
[4] في طبقات ابن سعد: «دهقان أرضه» .
[5] في المسند: «في بيته أي ملازم النار كما تحبس الجارية» .
[6] في المسند: «أجهدت» .
[7] في طبقات ابن سعد: «كنت قاطن النار» .(5/20)
قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعَجْبَتْنِي صَلاتُهُمْ [1] وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِمْ وَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنَ [الدِّينِ] [2] الّذي نحن عليه، فو الله مَا تَرَكْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي فَلَمْ آتِهَا، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: بِالشَّامِ.
قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ، قَالَ: فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَةْ، مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ فَأَعْجَبَنِي ما رأيت من دينهم، فو الله مَا زِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ. قَالَ: أي بني، ليس في ذَلِكَ الدِّينُ خَيْرٌ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ. قُلْتُ: كَلا وَاللَّهِ إِنَّهُ لَخَيْرٌ مِنْ دِينِنَا.
قَالَ: فَخَافَنِي فَجَعَلَ فِي رِجْلِي قَيْدًا ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ. قَالَ: وَبَعَثْتُ إِلَى النَّصَارَى فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى فَأَخْبِرُونِي بِهِمْ [3] ، قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ تُجَّارًا مِنَ النَّصَارَى فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ، فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرُّجْعَةَ إِلَى بِلادِهِمْ فَآذِنُونِي بِهِمْ. قَالَ: فَلَمَّا أَرَادُوا الرُّجْعَةَ إِلَى بِلادِهِمْ [أَخْبَرُونِي بِهِمْ] [4] فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلِي ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَلَمَّا قَدِمْتُهَا قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: الأُسْقُفُّ فِي الْكَنِيسَةِ.
قَالَ: فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّينِ وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ فِي كَنِيسَتِكَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ. قَالَ: فَدَخَلْتُ مَعَهُ.
قَالَ: وَكَانَ رَجُلُ سُوءٍ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا، فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْهَا شَيْئًا اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ [5] الْمَسَاكِينَ، حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلالٍ مِنْ ذَهَبٍ [وَوَرِقٍ] [6] قَالَ:
وَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ، ثُمَّ مَاتَ فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلُ سُوءٍ، يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا، فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا اكتنزها
__________
[1] في المسند: «أعجبني صلاتهم» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول وابن سعد، وأوردناه من المسند.
[3] في الأصل: «إذا قدم عليكم أحد من الشام من تجار النصارى فأخبروني بهم» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول وابن سعد، وأوردناه من المسند.
[5] من هنا ساقط من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول وابن سعد، وأوردناه من المسند.(5/21)
5/ ب لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ/ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا [1] . قَالُوا: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ قُلْتُ: أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ، قَالُوا: فَدُلَّنَا عَلَيْهِ. قَالَ: فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ سَبْعَ قِلالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: وَاللَّهِ لا نَدْفِنُهُ أَبَدًا. قَالَ: فصلبُوهُ ثُمَّ رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ.
ثُمَّ جَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ مَكَانَهُ، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلا لا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ [وَلا] [2] أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَلا أَرْغَبُ فِي الآخِرَةِ وَلا أَدْأَبُ لَيْلا وَلا نَهَارًا مِنْهُ.
قَالَ: فَأَحْبَبْتُه حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ أَحَدًا [3] مِنْ قَبْلِهِ، فَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ إِنِّي كُنْتُ مَعَكَ وَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ أَحَدًا مِنْ قَبْلِكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا الْيَوْمَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوا، وَتَرَكُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ إِلا رَجُلا بِالْمَوْصِلِ وَهُوَ فُلانٌ، فَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، فَالْحَقْ بِهِ.
قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ، إِنَّ فُلانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ. قَالَ: فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي.
قَالَ: فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ، إِنَّ فُلانًا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي بِاللُّحُوقِ بِكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مَنْ توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بني، وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلا عَلى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ إِلا رَجُلا بِنَصِيبِينَ، وَهُوَ فُلانٌ فَالْحَقْ بِهِ.
قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نَصِيبِينَ، فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبَيَّ. قَالَ: فَأَقْمِ عِنْدِي، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ عَلَى أَمْرِ صَاحِبَيْهِ، فَأَقَمْتُ مَعَ خَيْرِ رجل، فو الله مَا لَبِثُ أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ، فَلَمَّا حَضَرَهَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ إِنَّ فُلانًا كَانَ أَوْصَى بِي إِلَى فُلانٍ ثُمَّ أَوْصَى بِي إِلَيْكَ فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي، وَمَا تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما
__________
[1] إلى هنا انتهى السقط من ت الّذي سبق الإشارة إليه.
[2] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[3] «أحدا» : ساقطة من أ، والمسند.(5/22)
أَعْلَمُ أَحَدًا بَقِيَ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ إِلا رَجُلا بَعَمُّورِيَّةَ، فَإِنَّهُ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ فَإِنَّهُ عَلَى أَمْرِنَا.
قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بصاحب عمّورية، وأخبرته خبري، فقال: / أقم 6/ أعندي، فَأَقَمْتُ عِنْدَ رَجُلٍ عَلَى هُدَى أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ، وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَتْ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ، قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا احْتُضِرَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ، إِنِّي كُنْتُ مَعَ فُلانٍ فَأَوْصَى بِي إِلَى فُلَانٍ، وَأَوْصَى بِي فُلانٌ إِلَى فُلانٍ، وَأَوْصَانِي فُلانٌ إليك، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ أَصْبَحَ عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ، وَلَكِنْ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ مَبْعُوثٍ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ بَيُنَهُمَا نَخْلٌ، بِهِ عَلامَاتٌ لا تَخْفَى، يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلادِ فَافْعَلْ.
قَالَ: ثُمَّ مَاتَ وَغُيِّبَ، فَمَكَثْتُ بَعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ، ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارًا، فَقُلْتُ لَهُمْ: تَحْمِلُونِي إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغَنَمِي هَذِهِ [1] ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَأَعْطَيْتُمُوهَا [2] وَحَمَلُونِي حَتَّى إِذَا قَدِمُوا بِي وَادِي الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ، فَكُنْتُ عِنْدَهُ، وَرَأَيْتُ النَّخْلَ وَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلَدُ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي وَلَمْ يَحِقَّ لِي فِي نَفْسِي.
فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ بِالَمِدِينَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَابْتَاعَنِي مِنْهُ، فَاحْتَمَلَنِي إلى المدينة، فو الله مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي، فَأَقَمْتُ بِهَا، وَبَعَثَ اللَّهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ لا أَسْمَعُ لَهُ بِذكر مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغُلِ الرِّقِّ. ثُمَّ هَاجَرَ إلى المدينة، فو الله إني لفي رأس غدق لِسَيِّدِي أَعْمَلُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ، وَسَيِّدِي جَالِسٌ، إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ فُلانٌ: قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ، وَاللَّهِ إِنَّهُمُ الآنَ لَمُجْتَمِعُونَ بِقُبَاءَ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكَّةَ الْيَوْمَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ [3] . قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَخَذَتْنِي الْعُرَوَاءُ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي سَأَسْقُطُ عَلَى سَيِّدِي، وَنَزَلْتُ من النخلة فجعلت أقول
__________
[1] في المسند: «غنمتي هذه» .
[2] في الأصل: «فأعطيتهم إياها» .
[3] في المسند: «يزعمون أنه نبي» .(5/23)
لابْنِ عَمِّهِ: مَاذَا تَقُولُ؟ مَاذَا تَقُولُ؟ قَالَ: فَغَضِبَ سَيِّدِي، فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ:
مَا لَكَ وَلِهَذَا أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ، قُلْتُ: لا شَيْءَ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَهُ [1] عَمَّا قال. وقد 6/ ب كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْتُهُ، فَلَمَّا/ أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ ثُمَّ ذَهَبْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِقُبَاءَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَمَعَكَ أَصْحَابٌ لَكَ غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ، وَهَذَا شَيْءٌ كَانَ عِنْدِي لِلصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ. قَالَ: فَقَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ: «كُلُوا» ، وَأَمْسَكَ يَدَهُ فَلَمْ يَأْكُلْ. قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ فَجَمَعْتُ شَيْئًا، وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ جِئْتُهُ بِهِ فَقُلْتُ: إِنِّي رَأَيْتُكَ لا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا، قَالَ: فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا مَعَهُ. قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَاتَانِ اثْنَتَانِ.
قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ قَدْ تَبِعَ جِنَازَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ شَمْلَتَانِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَدْبَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهِ هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِي وُصِفَ لِي، [فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ جَالِسٌ] [2] ، فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَدْبَرْتُهُ عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وصف لي، قال: فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ، فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَحَوَّلْ» فَتَحَوَّلْتُ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَأَحَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ- ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا وَأُحُدًا.
قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ» فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي على ثلاثمائة نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقِيرِ وَبِأَرْبَعِين أُوقِيَّةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ [3] : «أَعِينُوا أَخَاكُمْ» . فَأَعَانُونِي بِالنَّخْلِ، الرَّجُلُ بِثَلاثِينَ وَدِيَّةً، وَالرَّجُلُ بِعِشْرِينَ وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ وَالرَّجُلُ بِعَشَرَةٍ، يُعِينُ الرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ لي ثلاثمائة وَدِيَّةٍ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقِّرْ لَهَا فإذا فرغت أكون أنا أضعها بيدي» .
7/ أقال: فَفَقَّرْتُ/ لَهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ مِنْهَا جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا فَجَعَلْنَا نُقَرِّبُ لَهُ الْوَدِيَّ وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، فو الّذي نفس
__________
[1] في الأصل: «أن أستبينه» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «تحول. فتحولت فقصصت.. فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه» . ساقطة من ت.(5/24)
سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ وَبَقِيَ عَلَيَّ الْمَالُ. فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ، فَقَالَ: «مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمُكَاتِبُ؟» قَالَ: فَدُعِيتُ لَهُ فقال: «خذ هذه فأدّبها [1] مَا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ» قَالَ: قُلْتُ:
وَأَيْنَ تقع هذه يا رسول الله مِمَّا عَلَيَّ؟ قَالَ: «خُذْهَا فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ» .
قَالَ: فَأَخَذْتُهَا فَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا وَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ- أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَأَوْفَيْتُهُمْ حَقَّهُمْ وَعُتِقْتُ. فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَقَ، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي [مَعَهُ] [2] مَشْهَدٌ. أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قال: أخبرنا عاصم بن الحسن، قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران، قال: أخبرنا عثمان بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبَرَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ غَانِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا قُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِنَ الَّذِي عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، [أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلَّبَهَا عَلَى لِسَانِهِ ثُمَّ قَالَ: «خُذْهَا فَأَوْفِهِمْ مِنْهَا» ، فَأَوْفَيْتُهُمْ مِنْهَا حَقَّهُمْ] . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ سَلْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: تَدَاوَلَنِي بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ رَبٍّ إِلَى رَبٍّ لِي كُلُّهُ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً.
وَرَوَى أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «سَلْمَانُ سَابِقُ الْفُرْسِ» [3] . وَلَمَّا خَطَّ الْخَنْدَقَ قَطَعَ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، فَاحْتَجَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ فِي سَلْمَانَ، وَكَانَ رَجُلا قَوِيًّا، فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: سَلْمَانُ مِنَّا، وَقَالَتِ الأَنْصَارُ: لا بَلْ مِنَّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ» . قَالَ الحسن البصري [4] : كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان أميرا على زهاء ثلاثين ألفا من المسلمين، وكان يخطب الناس فِي عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها،
__________
[1] في طبقات ابن سعد: «خذ هذه فأدها ما عليك» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وابن سعد، وأوردناها من المسند.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 1/ 59.
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 1/ 62.(5/25)
فإذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من سفيف يديه.
7/ ب وقَالَ عبادة بن نسي [1] : / كان لسلمان خباء من عباء [2] وهو أمير الناس.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نَاصِرٍ [أَخْبَرَنَا الْمُبَارَك بْن عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَجِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ ذُرَيْحٍ، حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَرْقَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي مَرْزُوقٍ] [3] ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَالَ:
رَأَيْتُ سَلْمَانَ فِي سَرِيَّةٍ هُوَ أَمِيرُهَا، عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ سَرَاوِيلُ وَقَدَمَاهُ تُذَبْذِبَانِ، وَالْجُنْدُ يَقُولُونَ: قَدْ جَاءَ الأَمِيرُ، فَقَالَ سَلْمَانُ: إِنَّمَا الْخَيْرُ وَالشَّرُّ بَعْدَ الْيَوْمِ.
ذكر أولاد سلمان:
تزوج امرأة يقال لها بقيرة. وقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي داود: لسلمان ثلاث بنات، بنت بأصبهان، وابنتان بمصر.
ذكر وفاته
: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا المبارك بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ بَخِيتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ ذُرَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَشْيَاخِهِ، قَالَ [4] : دَخَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى سَلْمَانَ يَعُودُهُ، فَبَكَى سَلْمَانُ فَقَالَ سَعْدٌ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، وَتَرِدُ عَلَيْهِ الْحَوْضَ [5] ، قَالَ: فَقَالَ سَلْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمَا إِنِّي مَا أَبْكِي جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ وَلا حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيْنَا فَقَالَ: «لِيَكُنْ بُلْغَةُ أَحَدِكُمْ مِنَ الدُّنْيَا مِثْلَ زَادِ الرَّاكِبِ» وَحَوْلِي هَذِهِ الأَسَاوِرُ. قَالَ: وَإِنَّمَا حَوْلَهُ إِجَّانَةٌ وَجَفْنَةٌ وَمَطْهَرَةٌ [6] . قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: يا أبا عبد الله،
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 1/ 63.
[2] في ت: «كان سلمان يسكن خيا من عباء» .
[3] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «أخبرنا محمد بن ناصر بإسناد عن ميمون بن مهران» .
[4] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 65.
[5] في ابن سعد: «وهو عنك راض وتلقى أصحابك وترد عليه الحوض» .
[6] في ابن سعد: «وحوله إجانة أو جفة أو مطهرة» .(5/26)
اعْهَدْ إِلَيْنَا بِعَهْدٍ نَأْخُذُهُ بَعْدَكَ، فَقَالَ: يَا سَعْدُ، اذكر اللَّهَ عِنْدَ هَمِّكَ إِذَا هَمَمْتَ، وَعِنْدَ حُكْمِكَ إِذَا حَكَمْتَ، وَعِنْدَ يَدِكَ إِذَا قَسَمْتَ. ولما اشتد مرض سلمان وكان قد أصاب صرة مسك يوم جلولاء، فقَالَ لأمرأته هاتها، فمرسها فِي ماء، ثم قَالَ: انضحيها حولي، فإنه يأتيني زوار الآن يجدون الريح ولا يأكلون الطعام، فلم يمكث إلا قليلا حتى مات.
عاش سلمان مائتين وخمسين سنة لا يشكون في هذا وبعضهم يقول: ثلاثمائة وخمسين.
وقيل أنه أدرك وحي عيسى عليه السلام، والظاهر أنه توفي فِي زمان عثمان فِي سنة اثنتين وثلاثين، وقد قيل فِي سنة ست وثلاثين، فعلى هذا تكون وفاته في زمان علي رضي الله عنه، والأول أصح.
261-/ صخر بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَّيَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ بن عبد مناف، أبو سفيان [1] :
8/ ألم يزل على الشرك يقود الجموع لقتال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أن أسلم يوم فتح مكة، وكان الإيمان فِي قلبه متزلزلا، فعد فِي المؤلفة [قلوبهم] ، ثم استقر إيمانه وقوي يقينه، وكان قد كف عن القتال بعد الخندق، وبعث إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هدية من تمر عجوة، وكتب إليه يستهديه أدما، فقبل هديته وأهدى إليه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ علي [الجوهري] ، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال:
حدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يَعْقُوبَ بْنَ عُتْبَةَ يُخْبِرُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ الظَّهْرَانِ قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ إِنْ دَخَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْوَةً. قَالَ الْعَبَّاسُ: فَأَخَذْتُ بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشهباء وقلت:
__________
[1] تهذيب الكمال 13/ 119، وطبقات خليفة 10، وتاريخ الدوري 2/ 268، والتاريخ الكبير للبخاريّ 4/ 2942.(5/27)
أَلْتَمِسُ حَطَّابًا أَوْ إِنْسَانًا أَبْعَثُهُ إِلَى قُرَيْشٍ، فو الله إِنِّي لَفِي الأَرَاكِ إِذَا أَنَا بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَنْظَلَةَ، قَالَ: لَبَّيْكَ أَبَا الْفَضْلِ، وَعَرَفَ صَوْتِي، فَقَالَ: مَا لَكَ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قُلْتُ: وَيْلَكَ هَذَا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عَشَرَةِ آلافٍ، فَقَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي مَا تَأْمُرُنِي، هَلْ مِنْ حِيلَةٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، تَرْكَبُ عَجُزَ هَذِهِ الْبَغْلَةِ فَأَذْهَبُ بِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ إِنْ ظَفَرَ بِكَ دُونَهُ قُتِلْتَ، قَالَ: وَأَنَا وَاللَّهِ أَرَى ذَلِكَ. ثُمَّ رَكِبَ خَلْفِي وَتَوَجَّهْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَآهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَعَرَفَهُ وَأَرَادَ قَتْلَهُ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِلا عَهْدٍ وَلا عَقْدٍ، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنِّي قد أجرته، وجرى بين العباس وعمر 8/ ب فِي ذَلِكَ الْكَلامُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ/ تَعْلَمَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ» قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ وَأَعْظَمَ عَفْوَكَ، قَدْ كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ اللَّهِ إِلَهٌ لَقَدْ أَغْنَى عَنِّي شَيْئًا، قَالَ: «يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ وَأَعْظَمَ عَفْوَكَ، أَمَّا هذا فو الله إِنَّ فِي نَفْسِي مِنْهَا أَشْيَاءَ بَعْدُ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: وَيْحَكَ اشْهَدْ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تُقْتَلَ. قَالَ: فَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ وَقَالَ: أَشْهَدُ أن لا إله إلا الله وأشهد أن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ [1] . فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَبَا سُفْيَانَ وَحُبَّهُ لِلشَّرَفِ وَالْفَخْرِ فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا، قَالَ: «نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ» . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ، قَالَ: حدثنا جعفر بن سليمان، قال: حدثنا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، قَالَ:
إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» ، لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أُوذِيَ وَهُوَ بِمَكَّةَ فَدَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ أَمِنَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ [أَبِي] خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ كَانَ جالسا، فقال في نفسه: لو جمعت
__________
[1] في الأصل: «وأن محمدا لرسوله» .(5/28)
لِمُحَمَّدٍ جَمْعًا. قَالَ: إِنَّهُ لَيُحَدِّثُ نَفْسَهَ بِذَلِكَ إِذْ ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَقَالَ: «إِذَنْ أَخْزَاكَ اللَّهُ» قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: مَا أَيْقَنْتُ أَنَّكَ نَبِيٌّ حَتَّى السَّاعَةِ إِنْ كُنْتُ لأُحَدِّثُ نَفْسِي بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَشَهِدَ أَبُو سُفْيَانَ الطَّائِفَ مَعَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورمي يَوْمَئِذٍ فَذَهَبَتْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ. وَشَهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، وَأَعْطَى ابْنَيْهِ يَزِيدَ وَمُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَكَرِيمٌ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي لَقَدْ/ حَارَبْتُكَ فَنِعْمَ الْمُحَارِبُ كُنْتَ، ثُمَّ سالمتك فنعم المسالم 9/ أأنت، فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا. قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: ثُمَّ عَمِيَ أَبُو سُفْيَانَ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، قَالَ:
حَضَرْتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ الْمَعْرَكَةَ فَلا أَسْمَعُ لِلنَّاسِ كَلِمَةً وَلا صَوْتًا إِلا نَقْفَ الْحَدِيدِ بَعْضُهُ بَعْضًا، إِلا أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ صَائِحًا يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ أَبْلُوا للَّه فِيهِ بَلاءً حَسَنًا، وَإِذَا هُوَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ تَحْتَ رَايَةِ ابْنِهِ يَزِيدَ.
قَالَ مُحَمَّد بن عمر: نزل أبو سفيان المدينة فِي آخر عمره، ومات بها سنة اثنتين وثلاثين في آخر خلافة عثمان، وهو يوم مات ابن ثمان وثمانين سنة.
262- الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف [1] :
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوفي في هذه السنة وهو ابن سبعين سنة.
263- عَبْد اللَّهِ بن مسعود بن غافل- ويقال: عاقل- بن حبيب بن شمخ، أبو عَبْد الرَّحْمَنِ [2] :
ذكر مُحَمَّد بن سعد نسبه فقَالَ: ابن غافل بالغين والفاء. وذكره خليفة بن خياط، فقَالَ: عاقل بالعين والقاف. وذكره مُحَمَّد بن إسحاق صاحب المغازي فقَالَ:
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 35.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 106.(5/29)
عَبْد اللَّهِ بن مسعود بن الحارث بن شمخ، ولم يذكر ما بين ذلك من الأسماء.
وأمه أم عبد بنت عبد [ود بن سواء بن قريم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بْن تميم بْن سعد بْن هذيل، وأمها هند بنت عبد بن] [1] الحارث بن زهرة.
أسلم بمكة قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: حدثنا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النُّجُودِ، عَنْ ذر بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ [2] : كُنْتُ غُلامًا يَافِعًا أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بن أبي معيط، فجاء النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر وَقَدْ فَرَّا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالا: يَا غُلامُ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ لَبَنٍ تَسْقِينَا؟ فقلت: إني مؤتمن ولست 9/ ب بسامتكما، / فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ جَذْعَةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَتَيْتُهُمَا بِهَا، فَاعْتَقَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَسَحَ الضَّرْعَ وَدَعَا فَجَفَّلَ الضَّرْعُ، ثُمَّ أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِصَخْرَةٍ مُتَقَعِّرَةٍ فَاحْتَلَبَ فِيهَا، فَشَرِبَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ شَرِبْتُ، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: اقْلِصْ، فَقَلَصَ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُلْتُ: عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، قَالَ: «إِنَّكَ غُلامٌ فَتَعَلَّمْ» ، فَأَخَذْتُ مِنْ فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً لا يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ. هاجر [3] ابن مسعود إلى الحبشة الهجرتين، ثم إلى المدينة، وشهد بدرا، وضرب عنق أبي جهل بعد أن أثبته ابنا عفراء، [وشهد] [4] المشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان صاحب سره ووساده وسواكه ونعليه وطهوره فِي السفر، كان يلبس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعليه، ثم يمشي أمامه بالعصا حتى إذا أتى مجلسه نزع نعليه فأدخلهما فِي ذراعيه وأعطاه العصا، فإذا أراد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يقوم ألبسه نعليه ثم مشى بالعصا أمامه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من ابن سعد.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 106، 107.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 107.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من سعد.(5/30)
وكان يستر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغتسل، ويوقظه إذا نام، ويمشي معه فِي الأرض، وقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذنك علي أن ترفع الحجاب وأن تسمع سوادي حتى أنهاك» .
وكان يشبه برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هديه وسمته، وكان خفيف اللحم قصيرا شديد الأدمة، وكان من أجود الناس ثوبا وأطيبهم ريحا، كان يعرف بالليل بريح الطيب، وقَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من سره أن يقرأ القرآن كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد» . وقَالَ فيه عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كنيف مليء علما.
وبعثه إلى أهل الكوفة ليقرئهم القرآن ويعلمهم الأحكام، وكتب إليه: إني والله الذي لا إله إلا هو آثرتكم به على نفسي فخذوا منه، فبث فيهم الفقه.
وكان من كبار أصحابه: الأسود بن يزيد، وعلقمة بن قيس، والربيع بن خثيم، وزيد بن وهب/، والحارث بن قيس، وأبو وائل، وزر بن حبيش وغيرهم. 10/ أوكان أبو مُوسَى يقول: لا تسألوني عن شيء وهذا الخير فيكم. وولي قضاء الكوفة وبيت مالها لعمر وصدرا من خلافة عثمان، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، ثم صار إلى المدينة فمات بها فِي هذه السنة، ودفن بالبقيع.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بْنِ بُنْدَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
وَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ نَزَلَتْ وَأَلُمُّ فِيمَا نَزَلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تَنَالُهُ الْمَطِيُّ لأَتَيْتُهَ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، [أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابن حيويه، أخبرنا ابن معروف، حدثنا ابن الفهم حدثنا] [1] مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [2] قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «أخبرنا ابن عبد الباقي بإسناد عن محمد بن سعد.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد.(5/31)
حَدَّثَ يَوْمًا حَدِيثًا، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَرْعَدَ وَأَرْعَدَتْ ثِيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَوْ نَحْوَ ذَا أَوْ شَبَهَ ذَا.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [1] : وَأَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ.
قَالَ الْفَضْلُ [2] : وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: ما رأيت فقيها أَقَلَّ صَوْمًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَقِيلُ لَهُ: لِمَ لا تَصُومُ؟ فَقَالَ: إِنِّي أَخْتَارُ الصَّلاةَ عَنِ الصَّوْمِ، فَإِذَا صُمْتُ ضَعُفْتُ عَنِ الصَّلاةِ.
قَالَ المصنف [3] : أوصى ابن مسعود إلى الزبير وابنه عَبْد اللَّهِ أن يكفن فِي حلة بمائتي درهم، وقَالَ: ادفنوني عند قبر عثمان بن مظعون، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، واختلفوا فيمن صلى عليه على ثلاثة أقوال: أحدها: عثمان، والثاني: عمار، ذكرهما الواقدي، والثالث الزبير، ذكره خليفة بن خياط، والأول أصح.
10/ ب
264- عَبْد اللَّهِ بن حذافة بن قيس بن عدي بن سهم السهمي، أخو/ خنيس [4] :
قديم الإسلام بمكة، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى كسرى، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، ليدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فقرأه وحرقه.
واختلفوا هل شهد بدرا أم لا، وشهد فتح مصر، وتوفي بها، وقبره فِي مقبرتها.
265- عَبْد اللَّهِ بن نضلة، أبو برزة الأسلمي [5] :
وقَالَ قوم: نضلة بن عَبْد اللَّهِ. أسلم قديما وشهد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتح مكة، وقتل عَبْد اللَّهِ بن خطل، ولم يزل يغزو مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قبض، فتحول فنزل
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 109.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 109.
[3] في الأصل: «قال مؤلف الكتاب» .
[4] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 139.
[5] طبقات ابن سعد 4/ 2/ 34، 7/ 1/ 4، 7/ 2/ 100.(5/32)
البصرة حين نزلها المسلمون، ثم غزا خراسان فمات بها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
266- عَبْد الرَّحْمَنِ بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة [1] :
وكان اسمه فِي الجاهلية عبد عمرو [2] ، وقيل عبد الكعبة [3] ، فسماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أسلم عَبْد الرَّحْمَنِ، ويكنى أبا مُحَمَّد، وأمه الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث. ولد عَبْد الرَّحْمَنِ بعد الفيل بعشر سنين، وكان طويلا، حسن الوجه، رقيق البشرة، مشربا حمره، وأسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرتين.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا ابن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مسلم، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ [4] : أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: أَخِي أَنَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالا فَانْظُرْ شِطْرَ مَالِي فَخُذْهُ، وَتَحْتِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَيَّتَهُمَا أَعْجَبَ إِلَيْكَ حَتَّى أُطَلِّقَهَا لَكَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ، فَدَلُّوهُ عَلَى السُّوقِ، فَاشْتَرَى وَبَاعَ وَرَبِحَ، فَجَاءَ بِشَيْءٍ مِنْ أَقْطٍ وَسَمْنٍ، ثُمْ لَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، فَجَاءَ وَعَلَيْهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانَ، فَقَالَ/ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهِيمٌ» ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، قال: «فما 11/ أأصدقتها؟» قال: «وزن نواة من ذهب، قال: «أو لم وَلَوْ بِشَاةٍ» قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَلَوْ رَفَعْتُ حَجَرًا رَجَوْتُ أَنْ أُصِيبَ تَحْتَهُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [5] : وَأَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ يَزِيدَ بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى:
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 87.
[2] في الأصل: «واسمه في الجاهلية كان عبد عمرو» .
[3] «وقيل عبد الكعبة» : سقطت من ت.
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 89.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 89.(5/33)
أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى ثَلاثِينَ أَلْفًا.
قَالَ علماء السير: شهد عَبْد الرَّحْمَنِ بدرا والمشاهد كلها، وبعثه رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى دومة الجندل، وعممه بيده.
وكان له من الولد عشرين ذكرا [1] ، وثمان بنات، وكان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزاة تبوك فأم الناس، وجاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلحق معه ركعة، ثم قضى الثانية، وقَالَ: «ما قبض نبي قط حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته» . وكان عَبْد الرَّحْمَنِ كثير الصدقة فباع أرضا له بأربعين ألف دينار، فقسم ذلك فِي فقراء بني زهرة، وفِي ذوي الحاجة من الناس، وفِي أمهات المؤمنين، فلما بعث إلى عائشة بنصيبها، قالت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون» [2] سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة [3] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ:
أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: إِنَّهُ أَتَانِي مَلَكَانِ أَوْ رَجُلانِ فِيهِمَا فَظَاظَةٌ وَغِلْظَةٌ، فَانْطَلَقَا بِي، ثُمَّ أَتَانِي رَجُلانِ أَوْ مَلَكَانِ هُمَا أَرْفَقُ مِنْهُمَا وَأَرْحَمُ، فَقَالا:
أَيْنَ تُرِيدَانِ بِهِ؟ قَالا: نُرِيدُ بِهِ الْعَزِيزَ الأَمِينَ، قَالا: خَلِّيَا عَنْهُ فَإِنَّهُ مِمَّنْ كُتِبَ لَهُ السَّعَادَةُ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ.
توفي عَبْد الرَّحْمَنِ فِي هذه السنة وهو ابن خمس وسبعين سنة. وخلف ألف بعير 11/ ب وثلاثة آلاف شاة/ ومائة فرس، وترك ذهبا قطع بالفئوس حتى مجلت أيدي الرجال منه، وترك أربع نسوة، فأخرجت امرأة من ثمنها بثمانين ألفا، وأوصى فِي السبيل بخمسين ألف دينار.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت، قال:
__________
[1] في الأصل: «عشرون ذكرا» .
[2] كذا في الأصل وابن سعد، وفي أ: «الصالحون» .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 94.(5/34)
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَالِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْيَقْطِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَيُّوبَ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ حَفْصٍ السَّعْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، [أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا ابن معروف، حدثنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَهِمِ] [1] ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كِلاهُمَا عَنْ سَعْد بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ [2] :
رَأَيْتُ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ عِنْدَ قَائِمَتِيْ سَرِيرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عوف وهو يقول:
وا خلّاه.
267- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، أبو مُحَمَّد [3] :
شهد العقبة مع السبعين، وبدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت معه راية بني الحارث بن الخزرج فِي غزاة الفتح، وهو الذي رأى الآذان.
توفي بالمدينة فِي هذه السنة وهو ابن أربع وتسعين سنة، وصلى عليه عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
268- العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو الفضل [4] :
واسم أمه نتيلة بنت جناب بن كليب. ولد قبل ولادة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين، وكان له من الولد الفضل وهو أكبر ولده، وعَبْد اللَّهِ وهو الحبر، وعبيد الله الجواد، وعَبْد الرَّحْمَنِ، وقثم، ومعبد، وأم حبيبة، وأم الكل لبابة بنت الحارث، وكان له من غيرها كثير، وتمام، والحارث. وكان يضرب المثل بعَبْد اللَّهِ فِي العلم، وبعبيد الله فِي الجود.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «وأخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار بإسناده عن محمد بن سعد.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 96.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 87.
[4] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 1.(5/35)
أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمَسْلَمَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُخَلِّصُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن سليمان الطوسي، قال: حدثنا الزبير بن بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الجمحيّ، عن أبيه، قال:
12/ أدخل أَعْرَابِيٌّ دَارَ الْعَبَّاسِ بْنِ/ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي جَانِبِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يُفْتِي وَلا يَرْجِعُ فِي شَيْءٌ يُسْأَلُ عَنْهُ، وَفِي الْجَانِبِ الآخِرِ عُبَيْدُ اللَّهِ يُطْعِمُ كُلَّ مَنْ دَخَلَ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ فَعَلَيْهِ بِدَارِ الْعَبَّاسِ، هَذَا يُفْتِي وَيُفَقِّهُ النَّاسَ، وَهَذَا يُطْعِمُ الطَّعَامَ. وَكَانَ يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِبُعْدِ مَا بَيْنَ قُبُورِ بَنِي الْعَبَّاسِ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ دُفِنَ بِالطَّائِفِ، وَعُبَيَدَ اللَّهِ بالمدينة، والفضل بالشام، وقثم بسمرقند، ومعبد بِإِفْرِيقِيَّةَ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قَالَ: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [1] :
أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا نَفَرُوا [2] إِلَى بَدْرٍ فَكَانُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ هَبَّ أَبُو جَهْلٍ مِنْ نَوْمِهِ، فَقَالَ:
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَلا تَبًّا لِرَأْيِكُمْ [3] مَاذَا صَنَعْتُمْ، خَلَّفْتُمْ بَنِي هَاشِمٍ وَرَاءَكُمْ، فَإِنْ ظَفَرَ بِكُمْ مُحَمَّدٌ كَانُوا مِنْ ذَلِكَ بِنَجْوَةٍ [4] ، وَإِنْ ظَفَرْتُمْ بمُحَمَّدٍ أَخَذُوا ثَأْرَهُ مِنْكُمْ مِنْ قَرِيبٍ مِنْ أَوْلادِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ، فَلا تَذَرُوهُمْ فِي بَيْضَتِكُمْ وَنِسَائِكُمْ [5] ، وَلَكِنْ أَخْرِجُوهُمْ مَعَكُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ غَنَاءٌ، فَرَجَعُوا إِلَيْهِمْ فَأَخْرَجُوا الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ المطلب ونوفلا وطالبا وعقيلا كرها.
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 1/ 4.
[2] في طبقات ابن سعد: «لما تفرقوا» .
[3] في الأصل: «ألا تبا لأبيكم» .
[4] في ابن سعد: «من ذلك بنحوه» .
[5] في ابن سعد: «في بيضتكم ففاتكم» .(5/36)
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا رُوَيْمُ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ أَبِي عِيسَى الشَّامِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كُنْتُ غُلامًا لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ الإِسْلَامُ قَدْ دَخَلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَأَسْلَمَ الْعَبَّاسُ، وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الْفَضْلِ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ يَهَابُ قَوْمَهُ وَيَكْرَهُ خِلافَهُمْ، فَكَانَ يَكْتُمُ إِسْلامَهُ، وَكَانَ ذَا مَالٍ/ مُتَفَرِّقٍ فِي قَوْمِهِ، فَخَرَجَ مَعَهُمْ إِلَى بَدْرٍ، وهو على 12/ ب ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصَحَابِنَا، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الَّذِي أَسَرَ الْعَبَّاسَ أَبُو الْيَسَرِ، وَكَانَ رَجُلا مَجْمُوعًا، وَكَانَ الْعَبَّاسُ جَسِيمًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَسَرْتَهُ» ؟ فَقَالَ: لَقَدْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ رَجُلٌ مَا رَأَيْتُهُ قَبْلُ وَلا بَعْدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ أَعَانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ» . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بَرْقَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ، قَالَ [1] : لَمَّا كَانَتْ أُسَارَى بَدْرٍ كَانَ فِيهِمُ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَسَهِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَهُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: مَا أَسْهَرَكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنِينُ الْعَبَّاسِ» . فَقَامَ رَجُلٌ فَأَرْخَى وِثَاقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لِي لا أَسْمَعُ أَنِينَ الْعَبَّاسِ؟» فَقَالَ رَجُلٌ: إِنِّي أَرْخَيْتُ مِنْ وِثَاقِهِ شَيْئًا، قَالَ: «فَافْعَلْ ذَلِكَ بِالأُسَارَى كُلِّهِمْ» . أنبأنا الحسين بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخَلِّصُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الطوسي، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضَالَةِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالإِسْلامِ وَإِنَّ جَفْنَةَ الْعَبَّاسِ لَتَدُورُ عَلَى فُقَرَاءِ بَنِي هَاشِمٍ، وَإِنَّ سَوْطَهُ وَقَيْدَهُ لَمُعَدٌّ لسفهائهم.
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 1/ 7.(5/37)
قَالَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي وِلايَتِهِمَا لا يَلْقَى الْعَبَّاسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَهُوَ رَاكِبٌ إِلا نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَقَادَهَا وَمَشَى مَعَ الْعَبَّاسِ حَتَّى يَبْلُغَ مَنْزِلَهُ أَوْ مَجْلِسَهُ فَيُفَارِقَهُ.
توفي العباس يوم الجمعة لأربع عشرة خلت من رجب هَذِهِ السنة، وَهُوَ ابْن ثمان وثمانين سنة، وغسله علي بن أبي طالب، وصلى عليه عثمان، ودفن بالبقيع.
269- قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن سواد، أبو زيد [1] :
شهد العقبتين، وذكر فِي الستة الذين أسلموا أول من أسلم من الأنصار، وكان من 13/ أالرماة المذكورين. وشهد بدرا، ورمى حجرا بين الصفين، ثم قَالَ: لا أفر حتى يفر/ هذا الحجر.
وشهد أحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت معه راية بني سلمة فِي غزوة الفتح، وجرح يوم أحد تسع جراحات، وبعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عشرين رجلا إلى حي من خثعم، فقاتلوه وغنم.
توفي قطبة فِي هذه السنة، ولم يعقب.
270- كعب الأحبار بن ماتع، أبو إسحاق [2] :
كان يهوديا فأسلم وقدم المدينة، ثم خرج إلى الشام فسكن حمص، فتوفي بها فِي هذه السنة. وقد أسند الحديث إلى عمرو، وصهيب، وعائشة.
271- معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي، من الأزد [3] :
أسلم بمكة قديما، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وقدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بخيبر فشهدها، وكان عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يأكل معه ويقول: لو كان غيرك ما آكلني فِي صحفة، ولكان بيني وبينه قدر رمح. وكان إذا شرب من الإناء وضع عمر فمه موضع فمه فيشرب، وكان قد أسرع فيه الجذام، وكان عمر يطلب له الطب، فقدم رجلان من أهل اليمن، فقَالَ لهما: هل عندكما من طب لهذا الرجل الصالح؟ فقالا: ما شيء يذهبه ولا
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 117.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 156.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 86.(5/38)
يقدر عليه، ولكنا سنداويه دواء يوقفه، فقَالَ عمر: عافية عظيمة أن يقف، قالا: هل ينبت بأرضك الحنظل؟ قَالَ: نعم، قالا: فاجمع لنا منه، فجمع منه مكتلان، فعمدا إلى كل حنظلة فشقاها شقين، ثم أضجعا معيقيبا، ثم أخذ كل رجل منهما بإحدى قدميه، ثم جعلا يدلكان بطون قدميه بالحنظلة حتى إذا أمحقت أخذا الأخرى، وجعل معيقيبا يتنخم أخضر مرا، ثم أرسلاه، فقالا لعمر: لا يزيد وجعه. فما زال متماسكا حتى مات رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
272- معضد بن يزيد، أبو زياد العجلي [1] :
كان كثير التعبد، واستشهد فِي غزاة بلنجر في هذه السنة [2] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 6/ 1/ 111.
[2] تم المجلد السادس في نسخة ترخانة.(5/39)
ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين
فمن الحوادث فيها [1] :
غزوة معاوية حصن المرأة من أرض الروم من ناحية ملطية، فِي قول الواقدي.
13/ ب/ وفيها [2] .
غزوة عَبْد اللَّهِ بن سعد بن أبي سرح إفريقية الثانية حين نقض أهلها العهد.
وفيها [3] :
قدم عَبْد اللَّهِ بن عامر الأحنف بن قيس إلى خراسان حين انتقض أهلها، ونبعه ابن عامر، وفتح عليهم.
وفيها سير عثمان رضي الله عنه من أهل العراق من سير إلى الشام [4]
فسير جماعة من أهل الكوفة كانوا يذكرون عثمان ويسبون سعدا، فكتب سعد بن أبي وقاص إلى عثمان فِي أمرهم، فكتب إليه ابعثهم إلى معاوية، فلما ذهبوا إليه رأى منهم ما لا يصلح، فأبعدهم عنه، فرجعوا إلى الكوفة، فضج أهل الكوفة منهم فسيروا إلى حمص، ومن القوم مالك بن الحارث الأشتر، وثابت بن قيس النخعي، وكميل بن زياد، وزيد بن صوحان، وجندب بن زهير، وعروة بن الجعد، وعمرو بن الحمق.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 317.
[2] نفس المرجع والموضع.
[3] نفس المرجع والموضع.
[4] نفس المرجع والموضع.(5/40)
وسير جماعة من أهل البصرة إلى الشام أيضا، منهم حمران بن أبان، وكان قد تزوج امرأة فِي عدتها، فنكل به عثمان وفرق بينهما وسيره إلى أهل البصرة.
أَخْبَرَنَا محمد بن الحسين، وإسماعيل، قالا: أخبرنا ابْنُ النَّقُّورِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُخْلِصُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بن يحيى، قال: حدثنا شعيب، قال: حدثنا سيف، عَنْ مُحَمَّدٍ، وَطَلْحَةَ [1] :
أَنَّ عُثْمَانَ سَيَّرَ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ حِينَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَضَرَبَهُ وَسَيَّرَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَقَدِمَ عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ، وَقَدِمَ مَعَهُ قَوْمٌ سَعَوْا بِعَامِرِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ، أَنَّهُ لا يَرَى التَّزْوِيجَ، وَلا يَأْكُلُ اللَّحْمَ، وَلا يَشْهَدُ الْجُمُعَةَ، وَكَانَ عَامِرٌ مُنْقَبِضًا، وَعَمَلُهُ كُلُّهُ مُسْتَعَبَرٌ، فَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ بِذَلِكَ، فَأَلْحَقَهُ بِمُعَاوِيَةَ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ وَافَقَهُ وَعِنْدَهُ ثَرِيدَةٌ [2] ، فَأَكَلَ أَكْلا غَرِيبًا، فَعَرَفَ أَنَّ الرَّجُلَ مَكْذُوبٌ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا هَذَا، هَلْ تَدْرِي فِيَما أُخْرِجْتَ؟ قَالَ: لا، قَالَ: أُبْلِغَ الْخَلِيفَةُ أَنَّكَ لا تَأْكُلُ اللَّحْمَ وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكَ مَكْذُوبٌ عَلَيْكَ، وَأَنَّكَ لا تَرَى التَّزْوِيجَ وَلا تَشْهَدُ الْجُمُعَةَ. قَالَ: أَمَّا الْجُمُعَةُ فَإِنِّي أَشْهَدُهَا فِي مُؤَخِّرِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَرْجِعُ فِي أَوَائِلِ/ النَّاسِ، وَأَمَّا التَّزْوِيجُ، فَإِنِّي خَرَجْتُ وَأَنَا 14/ أيخطب عَلَيَّ، وَأَمَّا اللَّحْمُ فَقَدْ رَأَيْتَ، وَلَكِنِّي كُنْتُ امْرًأ لا آكُلُ ذَبَائِحَ الْقَصَّابِينَ مُنْذُ رَأَيْتُ قَصَّابًا يَجُرُّ شَاةً إِلَى مَذْبَحِهَا، ثُمَّ وَضَعَ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهَا، وَمَا زَالَ يَقُولُ: النِّفَاقَ النِّفَاقَ حَتَّى وَجَبَتْ [3] . قَالَ: فَارْجِعْ، قَالَ: لا أَرْجِعُ إِلَى بَلَدٍ اسْتَحَلَّ أَهْلُهُ مِنِّي مَا اسْتَحَلُّوا، وَلَكِنِّي أُقِيمُ بِهَذَا الْبَلَدِ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّهُ لِي. وَكَانَ يَكُونُ فِي السَّوَاحِلِ، وَكَانَ يَلْقَى مُعَاوِيَةَ فَيَقُولُ لَهُ: حَاجَتُكَ؟ فَيَقُولُ: لا حَاجَةَ لِي، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ قَالَ: تَرُدَّ عَلَيَّ مِنْ حَرِّ الْبَصْرَةِ لَعَلَّ الصَّوْمَ أَنْ يَشْتَدَّ عَلَيَّ شَيْئًا، فَإِنَّهُ يَخِفُّ عَلَيَّ فِي بِلادِكُمْ.
وفِي هذه السنة:
حج عثمان بالناس، وولد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 327.
[2] «الثريد» : كسر الخبز المبلول بالماء.
[3] أي: تم بيعها ونفذ.(5/41)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
273- الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم [1] :
أسلم عند إسلام أبيه، وصحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى عنه، واستعمله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وولاه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم مكة، وانتقل إلى البصرة ونزلها وتوفي بها.
274- المقداد بن الأسود، واسم أبيه عمرو بن ثعلبة بن مالك، أبو معبد [2] :
كان حليفا للأسود بن عبد يغوث الزهري فِي الجاهلية، فتبناه، وكان يقال له المقداد بن الأسود إلى أن نزل قوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ 33: 5 [3] [فقيل: المقداد بن عمرو] .
وكان طويلا، أدم، ذا بطن، كثير شعر الرأس، [يصفر لحيته، مقرون الحواجب أقنأ] .
وهاجر المقداد إلى الحبشة الهجرة الثانية فِي قول ابن إسحاق والواقدي، ولم يذكره مُوسَى بن عقبة، ولا أبو معشر، وشهد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدرا والمشاهد كلها.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيُّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحسن بن مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَالْفَضْلُ بُنْ دُكَيْنٍ، قَالا: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ [4] :
أَوَّلُ مَنْ عَدَا بِهِ فَرَسُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل المقداد بن الأسود.
14/ ب قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [5] : وَأَخْبَرَنَا/ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طارق، عن عبد الله، قال:
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 38.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 114.
[3] سورة: الأحزاب، الآية: 5.
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 114.
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 115.(5/42)
شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ مَشْهَدًا لأَنْ أَكُونَ أَنَا صَاحِبُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، إِنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا وَاللَّهِ لا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ 5: 24 [1] ، وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ يَسَارِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَمِنْ خَلْفِكَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشْرِقُ لِذَلِكَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ ذَلِكَ.
شرب المقداد دهن الخروع فمات بالجرف على ثلاثة أميال من المدينة، فحمل على رقاب الرجال حتى دفن بالبقيع بالمدينة، وصلى عليه عُثْمَان بْن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وكان ابن سبعين سنة أو نحوها.
__________
[1] سورة: المائدة، الآية: 24.(5/43)
ثم دخلت سنة أربع وثلاثين
فمن الحوادث فيها [اجتماع المنحرفين على عثمان] [1]
أن المنحرفين عن عثمان [2] تكاتبوا للاجتماع لمناظرته فيما نقموا عليه، وتذاكر قوم أعمال عثمان، فأجمعوا رأيهم على أن يبعثوا إليه رجلا يكلمه ويخبره بأحداثه، فأرسلوا إليه عامر بن عبد قيس، فدخل عليه، فقَالَ: إن ناسا من المسلمين اجتمعوا ونظروا فِي أعمالك فوجدوك قد ركبت أمورا عظاما فاتق الله وانزع عنها، فأرسل عثمان إلى معاوية بن أبي سفيان، وإلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وإلى سعيد بن العاص، وعمرو بن العاص، وعَبْد اللَّهِ بن عامر، فجمعهم فشاورهم فِي أمره، فقَالَ عَبْد اللَّهِ بن عامر: إني أرى أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك، فلا يهم أحدهم إلا نفسه.
وقَالَ ابن أبي سرح: أعطهم المال تعطف عليك قلوبهم. وقَالَ معاوية: تأمر أجنادك يكفيك كل منهم من قبله. وقَالَ عمرو بن العاص: اعتدل أو اعتزل، فإن أبيت فاعتزم 15/ أعزما وامض قدما، فردهم عثمان إلى أعمالهم، / وأمرهم بالتضييق على من قبلهم، وتجمير الناس فِي البعوث، ورد سعيد بن العاص أميرا على الكوفة، فخرج أهل [3] الكوفة فردوه، وهم يزيد بن قيس، والأشتر، وذلك يوم الجرعة، والجرعة مكان مشرف قرب القادسية، وهناك تلقاه أهل الكوفة. فرجع إلى عثمان، وضرب الأشتر عنق غلام
__________
[1] العنوان غير موجود بالأصول، وأوردناه من الطبري.
[2] في الأصل: «إن المنحرفون على عثمان» .
[3] في الأصل: «فخرجوا أهل» .(5/44)
كان مع سعيد، فقَالَ عثمان لسعيد: ما يريدون؟ قَالَ: البدل، قَالَ: فمن يريدون؟ قَالَ:
أبا مُوسَى، فجعله عليهم.
وروى الواقدي عن أشياخه [1] : أن جماعة اجتمعوا فكلموا علي بن أبي طالب فِي أمر عثمان، فدخل عليه وقَالَ: الناس من ورائي وقد كلموني فيك، وما أعرف شيئا تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه، وقد صحبت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونلت صهره، وما ابن أبي قحافة بأولى بعمل الحق منك، ولا ابن الخطاب. وأنت أقرب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحما، وقد نلت من صهره ما لم ينالا. فقَالَ عثمان: والله لو كنت مكاني ما عنفتك ولا عبت عليك إن وصلت رحما، وسددت خلة، أنشدك الله يا علي، أتعلم أن عمر ولى المغيرة أو ليس ذلك؟ قَالَ: بلى، قَالَ: فلم تلومني إن وليت ابن عامر فِي رحمه وقرابته؟
قَالَ: سأخبرك، إن عمر كان كل من ولي فإنما يطأ على صماخه، إن بلغه عنه حرف [جلبه ثم بلغ به أقصى غاية] [2] ، وأنت لا تفعل رفقة بأقربائك، قَالَ عثمان: فهل تعلم أن عمر ولى معاوية خلافته كلها؟ قَالَ: نعم، قَالَ علي: فهل تعلم أن معاوية كان أخوف لعمر من غلامه يرفأ؟ قَالَ: نعم فهو يقطع الأمور دونك وأنت تعلمها، فيبلغك ولا تغير عليه. ثم خرج علي، فخرج عثمان فجلس على المنبر، ثم قَالَ: لقد عبتم علي ما أقررتم لابن الخطاب بمثله، ولكنه وطئكم برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بلسانه فدنتم له على ما أحببتم وكرهتم، ولنت لكم، وأوطأت لكم كنفِي، وكففت يدي ولساني عنكم، فاجترأتم علي، فكفوا عليكم ألسنتكم، وطعنكم على ولاتكم، وما لي لا أصنع فِي فضل المال ما أريد، فلم كنت إماما.
فقام مروان بن الحكم، فقَالَ: إن شئتم حكمنا/ بيننا وبينكم السيف. فقال 15/ ب عثمان: اسكت لا سكتّ، دعني وأصحابي، ثم نزل عثمان.
وفِي هذه السنة:
حج بالناس عثمان، وحج أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معه كما فعل عمر رَضِيَ اللهُ عنهما.
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 336، 337.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.(5/45)
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
275- زيد بن سهل بن الأسود، أبو طَلْحَة الأنصاري [1] :
شهد العقبة مع السبعين، والمشاهد كلها مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن أبي طاهر، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف، قَالَ: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ [2] :
أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ يَرْمِي بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ يَتَتَرَّسُ بِهِ، وَكَانَ رَامِيًا، وَكَانَ إِذَا مَا رَفَعَ رَأْسَهُ يَنْظُرُ أَيْنَ يَقَعُ سَهْمُهُ فَيَرْفَعُ أَبُو طَلْحَةَ رَأْسَهُ وَيَقُولُ:
هَكَذَا بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لا يُصِيبُكَ سَهْمٌ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ.
قَالَ [3] : وسرد الصوم بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين سنة لا يفطر إلا يوم فطر أو أضحى أو في مرض.
وقرأ هذه الآية: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا 9: 41 [4] فقَالَ: جهزوني، فقَالَ بنوه: قد غزوت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومع أبي بكر وعمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ونحن نغزو عنك، فقَالَ:
جهزوني. فركب البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرة إلا بعد سبعة أيام، فدفنوه بها ولم يتغير.
وقيل: مات بالمدينة. وصلى عليه عثمان وهو ابن سبعين سنة.
276- سويد بن شعبة اليربوعي، من بني تميم:
أَخْبَرَنَا عبد الوهاب [بن المبارك الأنماطي، أَخْبَرَنَا أبو الحسن بن عبد الجبار، أخبره أحمد بن علي التوزي، أخبره عمر بن ثابت، أَخْبَرَنَا علي بن أبي قيس، حدّثنا أبو
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 64.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 65.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 65.
[4] سورة: التوبة، الآية: 41.(5/46)
بَكْرِ بْنُ عبيد، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن إبراهيم، حَدَّثَنَا الهيثم بن جميل، وأَحْمَد بن يونس يزيد أحدهما على صاحبه، عن ابن شهاب] [1] ، عن أبي حيان التيمي، عن أبيه، قَالَ:
دخلت على سويد بن شعبة، وكان من أصحاب الخطط الذين خط لهم عمر بالكوفة، فإذ هو منكب على وجهه مسجى بثوب، فلولا أن امرأته قالت: أهلي فداؤك، ما نطعمك، ما نسقيك، ما ظننت أن تحت الثوب شيئا. / فلما رآني قَالَ: يا ابن أخي 16/ أدبرت الحراقف والصلب، فما من ضجعة غير ما ترى، والله ما أحب أني نقصت منه قلامة ظفر.
قَالَ الأصمعي: الحرقفة، مجتمع رأس الورك ورأس الفخذين.
277-[عَبْد الرَّحْمَنِ بن جبر بن عمرو، أبو عبس:
كان هو وأبو بردة بن نيار حين أسلما يكسران أصنام بني حارثة. وشهد أبو عبس بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف، وكان عمر وعثمان يبعثانه يصدق الناس.
وتوفي فِي هذه السنة بالمدينة، وصلى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه، ودفن بالبقيع وهو ابن سبعين سنة] [2] .
278- عبادة بن الصامت [3] :
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَد، حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: سمعت سفيان بن عيينة يسمي النقباء، فسمى عبادة بن الصامت فيهم.
قَالَ سفيان: عبادة عقبي، أحدي، بدري، شجري، وهو نقيب، توفي بالرملة بالشام في هذه السنة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «بإسناد عن أبي حيان التيمي» .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 23، والترجمة كلها ساقطة من الأصل، أوردناها من ت.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 93، 3/ 2/ 148، 7/ 2/ 113.(5/47)
279- عوف بن أثاثة بن عبادة بن المطلب بن عبد مناف، ويكنى أبا عباد، ويلقب مسطحا [1] :
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتوفي في هذه السنة وهو ابن ست وخمسين سنة.
280- كلثوم بن الحصين، أبو رهم الغفاري [2] :
أَنْبَأَنَا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أنبأنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن معروف، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن الفهم، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن سعد، قَالَ:
أَسْلَمَ أَبُو رُهْمٍ بَعْدَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَشَهِدَ مَعَهُ أُحُدًا، فَرُمِيَ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ فَوَقَعَ فِي نَحْرِهِ، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَصَقَ عَلَيْهِ فَبَرَأَ، وَكَانَ يُسَمَّى الْمَنْحُورُ.
قَالَ: وقَالَ مُحَمَّد بن عمرو: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير من الطائف إلى الجعرانة وأبو رهم إلى جنبه على ناقة له، وفِي رجليه نعلان غليظان إذ زحمت ناقته ناقة رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أبو رهم: فوقع حرف نعلي على ساقه فأوجعه، فقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أوجعتني أخر رجلك» وقرع رجلي بالسوط، فأخذني ما تقدم من أمري وما تأخر، 16/ ب وخشيت أن ينزل فِي قرآن عظيم مما صنعت، فلما أصبحنا بالجعرانة/ خرجت أرعى الظهر وما هو يومي فرقا أن يأتي للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [رسول] [3] يطلبني، فلما روحت الركاب سألت، فقالوا: طلبك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: إحداهن والله، فجئته وأنا أترقب، فقَالَ:
«إنك أوجعتني برجلك فقرعتك بالسوط وأوجعتك فخذ هذه الغنم عوضا من ضربتي» قَالَ: فرضاه عني كان أحب إلي من الدنيا وما فيها. قَالَ: وبعثه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قومه يستنفرهم حين أراد تبوكا.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 36. وفيه «مسطح بن أثاثة» .
[2] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 179.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من هامش ت.(5/48)
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين
فمن الحوادث فيها خروج أهل مصر ومن وافقهم على عثمان رضي الله عنه [1]
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ قالا: أخبرنا ابن النقور، قال:
أخبرنا المخلص، قال: أخبرنا أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثنا شعيب، قال: حدثنا سيف، عن عطية، عن يزيد الفقعسي، قَالَ [2] :
كان ابن سبأ يهوديا من أهل صنعاء، أمه سوداء، فأسلم زمان عثمان، ثم تنقل فِي بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز، ثم بالبصرة، ثم بالكوفة، ثم بالشام، فلم يقدر على ما يريد، فأخرجوه حتى أتى مصر، فغمز عُثْمَان بْن عَفَّانَ، وأظهر الأمر بالمعروف، وكان عمار بمصر فاستماله ابن السوداء وأصحابه، ودعوه إلى خلع عثمان، فقدم المدينة.
وحَدَّثَنَا سيف عن مبشر بن الفضيل، وسهل بن يوسف، عن مُحَمَّد بن سعد بن أبي وقاص، قَالَ:
قدم عمار من مصر وأبي شاكٍ فبلغه فبعثني إليه أدعوه، فلما دخل على سعد، قَالَ: ويحك يا أبا اليقظان، إن كنت فينا لمن أهل الخير، فما الّذي بلغني من سعيك في
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 340.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 340.(5/49)
فساد بين المسلمين والتأليب [1] على أمير المؤمنين، أمعك عقلك أم لا؟ فأهوى عمار إلى عمامته وغضب فنزعها وقَالَ: خلعت عثمان كما خلعت هذه، فقَالَ سعد: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، ويحك حين كبر سنك ورق عظمك ونفد عمرك، خلعت ربقة 17/ أالإسلام من عنقك، فقام عمار مغضبا وأقبل سعد يبكي له، وقَالَ: من يأمن/ الفتنة يا بني لا يخرجن منك ما سمعت منه.
وحَدَّثَنَا سَيْفٌ عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقْعَسِيِّ، قَالَ [2] :
جَعَلَ أَهْلُ مِصْرَ يَكْتُبُونَ إِلَى الأَمْصَارِ، قَالَ سَيْفٌ: كَاتَبُوا أَشْيَاعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الأَمْصَارِ أَنْ يَتَوَافَوْا بِالْمَدِينَةِ لِيَنْظُرُوا فِيمَا يُرِيدُونَ، وَأَظْهَرُوا أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَسْأَلُونَ عُثْمَانَ عَنْ أَشَيْاءَ، فَاجْتَمَعَ الْمِصْرِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ بِالْمَدِينَةِ، فَخَطَبَهُمْ عُثْمَانُ وَقَالَ: إن هؤلاء قالوا: أتم الصلاة فِي السَّفَرِ، وَكَانَتْ لا تُتَمُّ، أَلا وَإِنِّي قَدِمْتُ بَلَدًا فِيهِ أَهْلِي فَأَتْمَمْتُ، قَالُوا: وَحَمَيْتُ حِمًى، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا حَمَيْتُ إِلا مَا حُمِيَ قَبْلِي. وَقَالُوا: إِنِّي رَدَدْتُ الْحُكْمَ وَقَدْ سَيَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الطَّائِفَ ثُمَّ رَدَّهُ. وَقَالُوا: اسْتَعْمَلْتُ الأَحْدَاثَ وَلَمْ أَسْتَعْمِلْ إِلا مُجْتَمَعًا مَرْضِيًّا، وَقَدْ قِيلَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي أُسَامَةَ أَشَدَّ مَا قِيلَ لِي.
وَقَالُوا: أَعْطَيْتَ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنِّي إِنَّمَا نَفَلْتُهُ خُمُسَ الْخُمُسِ، وَقَدْ أَنْفَذَ مِثْلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَلَمَّا كَرِهَ الْجُنْدُ ذَلِكَ رَدَدْتُهُ، وَقَالُوا: إِنِّي أُحِبُّ أَهْلَ بَيْتِي وَأُعْطِيهُمْ، فَأَمَّا حُبِّي فَإِنَّهُ لَمْ يَمِلْ مَعِي عَلَى جَوْرٍ، وَإِنَّمَا أُعْطِيهُمْ مِنْ مَالِي وَلا أَسْتَحِلُّ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ لِنَفْسِي وَلا لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَمَا تَبَلَّغْتُ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِفَلْسٍ فَمَا فَوْقَهُ.
وحَدَّثَنَا سيف عن مُحَمَّد وطَلْحَة وأبي عثمان وأبي حارثة، قالوا [3] :
لما كان شوال سنة خمس وثلاثين خرج أهل مصر فِي أربعة رفاق على أربعة أمراء، المقلل يقول: ستمائة، والمكثر يقول: ألف. على الرفاق عَبْد الرَّحْمَنِ بن عديس البكري، وكنانة بن بشر [التجيبي، وعروة بن شبيم] [4] الليثي، [وأبو عمرو بن
__________
[1] في ت: «الثلب على أمير المؤمنين» .
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 346.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 348.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.(5/50)
بديل بن ورقاء الخزاعي، وسواد بن رومان الأصبحي، وزرع بن يشكر اليافعي] [1] ، وقتيرة السكوني، وسودان بن حمران السكوني. وعلى القوم جميعا الغافقي بن حرب العكي، ولم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب، وإنما خرجوا كالحجاج، ومعهم ابن السوداء. وخرج أهل الكوفة فِي أربعة رفاق، وعلى الرفاق زيد بن صوحان العبدي، والأشتر النخعي، وزياد بن النضر الحارثي، وعَبْد اللَّهِ بن الأصم وعليهم جميعا عمرو بن الأصم، وعددهم كعدد أهل مصر، وخرج أهل البصرة فِي أربعة رفاق، وعلى الرفاق حكيم بن/ جبلة العبدي، وذريح بن عباد العبدي، وبشر بن شريح بن 17/ ب الحطم القيسي، وابن محرش بن عبد عمرو الحنفِي، وعددهم كعدد أهل مصر، وأميرهم جميعا حرقوص بن زهير السعدي، سوى من تلاحق بهم من الناس فأما أهل مصر فإنهم كانوا يشتهون عليا، وأما أهل البصرة فإنهم كانوا يشتهون طَلْحَة، وأما أهل الكوفة فإنهم كانوا يشتهون الزبير.
فخرجوا حتى إذا كانوا من المدينة على ثلاث تقدم أناس من أهل البصرة، [فنزلوا ذا خشب، وأناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص، وجاءهم أناس من أهل مصر] [2] وتركوا عامتهم بذي المروة. ومشى فيما بين أهل مصر وأهل البصرة زياد بن النضر وعَبْد اللَّهِ بن الأصم، وقالا: لا تعجلوا حتى ندخل المدينة ونرتاد.
فدخل الرجلان، فلقيا أزواج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وطَلْحَة والزبير وعليا، وقالا: إنما نؤم هذا البيت، ونستعفِي من هذا الوالي من بعض عمالنا، ما جئنا إلا لذلك، فاستأذنوهم للناس فِي الدخول، فكلهم أبى ونهى، فرجعا فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ومن البصرة نفر فأتوا طَلْحَة، ومن أهل الكوفة نفر فأتوا الزبير، وقَالَ كل فريق منهم: إن بايعوا صاحبنا وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم، ثم نبغتهم. فأتى المصريون عليا رضي الله عنه وقد أرسل ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع عند عثمان، فعرضوا له، فصاح بهم [فطردهم] [2] ، وقَالَ: لقد علم الصالحون أن جيش ذي المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فارجعوا لا صحبكم الله.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.(5/51)
وأتى البصريون طَلْحَة وقد أرسل بنيه إلى عثمان، فعرضوا له، فصاح بهم وطردهم وقَالَ مثل قول علي.
وأتى الكوفيون الزبير وقد سرح ابنه عَبْد اللَّهِ إلى عثمان، فعرضوا له فصاح بهم وطردهم، وقَالَ مثل طَلْحَة.
فخرج القوم وأروهم أنهم يرجعون، فانفشوا عن ذي خشب والأعوص حتى أتوا إلى عساكرهم، وهي ثلاث مراحل كي يفترق أهل المدينة، ثم يكرون فافترق أهل المدينة لخروجهم، فكروا فلم يفجأ أهل المدينة إلا والتكبير فِي نواحي المدينة، فأحاطوا بعثمان وقالوا: من كف يده فهو آمن.
18/ أوأتاهم الناس فكلموهم وفيهم علي، فقَالَ علي: ما ردكم بعد ذهابكم؟ / فقالوا:
أخذنا مع بريد [1] كتابا بقتلنا هذا وعثمان يصلي بالناس وهم يصلون خلفه ويقولون: لا حاجة لنا فِي هذا الرجل، ليعتزلنا.
وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدهم، فخرجوا على الصعب والذلول [2] ، فبعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهري، وبعث عَبْد اللَّهِ بن سعد بن أبي سرح معاوية بن خديج، وخرج من الكوفة القعقاع بن عمرو. ولما جاءت الجمعة التي على أثر نزول المصريين مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج عثمان رضي الله عنه فصلى بالناس، ثم قام على المنبر، فقَالَ: يا هؤلاء، إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فامحوا الخطايا بالصواب [3] .
فقام مُحَمَّد بن مسلمة: إنا نشهد بذلك، فأخذه حكيم بن جبلة فأقعده، فقام زيد بن ثابت فقَالَ: ابغني الكتاب [4] ، فثار إليه مُحَمَّد بن أبي قثيرة فأقعده، وثار القوم بأجمعهم، فحصبوهم حتى أخرجوهم من المسجد، وحصبوا عثمان حتى صرع
__________
[1] في الأصل: «وجدنا مع بريد» .
[2] في الطبري: «على الصعبة والزلول» .
[3] في الأصل: «فامحوا الخطايا بالصلاة» .
[4] أي: أحضر لي الكتاب.(5/52)
عن المنبر مغشيا عليه، فاحتمل فأدخل داره، وكان المصريون لا يطمعون فِي أحد من أهل المدينة أن يساعدهم إلا فِي ثلاثة نفر، فإنهم كانوا يراسلونهم: مُحَمَّد بن أبي بكر، ومُحَمَّد بن جعفر، وعمار بن ياسر، وشمر أناس من الناس فاستقتلوا منهم سعد بن مالك، وأبو هريرة، وزيد بن ثابت، والحسن بن علي بن أبي طالب، فبعث إليهم عثمان بعزمه لما انصرفوا. ودخل علي وطَلْحَة والزبير على عثمان يعودونه من صرعته، فصلى بهم عثمان بعد ما نزلوا به فِي المسجد ثلاثين يوما ثم منعوه الصلاة، فصلى بالناس أميرهم الغافقي، دان له المصريون والكوفيون والبصريون، وتفرق أهل المدينة إلى حيطانهم، ولزموا بيوتهم، لا يخرج أحد، ولا يجلس أحد إلا وعليه سيفه يمتنع به من رهق القوم، وكان الحصار أربعين يوما، وفيها كان القتل، ومن تعرض لهم وضعوا فيه السلاح، وكانوا قبل ذلك ثلاثين يوما يكفون عن الناس، ويحتملون منهم الكلام.
ولما رأى زيد وزياد وعمر والأصم أن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عثمان، / وأنهم 18/ ب لا يجيئونهم رجعوا من بين أهل الكوفة، وأعاد عثمان الكتاب إلى الأمراء: إن أمر هؤلاء قد بان، وأنهم جاولوا الإسلام، ومنعوا الصلاة، وحالوا بيني وبين المسجد، ولما لم يجدوا خرجا، قالوا: لا نرضى إلا بأن يعتزلنا، فأدركوا الفتنة قبل تدفقها، فحرض العمال أهل بلادهم، وجاء سعد، وزيد، وأبو هريرة للقتال، فقَالَ عثمان: إن كنتم ترون الطاعة، فاغمدوا أسيافكم وانصرفوا.
وجاء كثير بن الصلت، فقَالَ لعثمان: لو أريت الناس وجهك، فقد انكسر الناس، فقَالَ: يا كثير، رأيتني البارحة وكأني دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فقَالَ: قد صبرت فلن يدركك المسلمون حتى تقتل، فارجع فإنك مفطر عندي يوم كذا وكذا، ولن تغيب الشمس والله يوم كذا وكذا، إلا وأنا من أهل الآخرة، فقالوا: نستقيل، فقَالَ: اخرجوا عني.
ولما رأى القوم أن الناس قد ثابوا إلى عثمان وضعوا على علي بن أبي طالب رقيبا فِي نفر فلازمه، ورقيبه خالد بن ملجم، وعلى طَلْحَة رقيبا فلازمه، ورقيبه سودان بن حمران، وعلى الزبير رقيبا فلازمه، ورقيبه قتيرة وعلى نفر بالمدينة، وقالوا لهم: إن تحركوا فاقتلوهم، فلما لم يستطع هؤلاء النفر غشيان عثمان بعثوا أبناءهم إلى عثمان،(5/53)
فَأَقْبَلَ الحسن بن علي، فقَالَ له: مرنا بأمرك، فقَالَ: يا ابن أخي، أوصيك بما أوصي به نفسي، واصبر وما صبرك إلا باللَّه، وجاء ابن الزبير، فقَالَ له مثل ذلك، وجاء مُحَمَّد بن طَلْحَة فقَالَ له مثل ذلك.
وأشرف عثمان [1] ، فقَالَ: يا أهل المدينة إني أستودعكم الله فارجعوا، ولزم عثمان الدار أربعين ليلة، فلما مضت من الأربعين ثماني عشرة ليلة قدم ركبان من الوجوه فأخبروا خبر من قد تهيأ إليهم من الآفاق: حبيب من الشام، ومعاوية من مصر، والقعقاع بن عمرو من الكوفة، ومجاشع من البصرة، فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان، ومنعوه من كل شيء حتى الماء، فبعث إلى علي رضي الله عنه بأنهم قد منعونا 19/ أالماء، وإلى طَلْحَة والزبير وعائشة وأزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ [2] ، فجاء إليهم علي فقَالَ: إن الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين، فإن الروم لتأسر فتطعم وتسقي، فقالوا:
لا والله ولا نعمة عين، لا نتركه يأكل ولا يشرب، فرجع. وجاءت أم حبيبة [على بغلة لها برحالة] [3] مشتملة على إداوة، فقالت لهم: إن وصايا بني أمية إلى هذا الرجل فأحببت أن ألقاه فأسأله كيلا تهلك أموال اليتامى، فقالوا:
كاذبة، وقطعوا حبل بغلتها بالسيف، فنذرت فتلقاها الناس.
وتجهزت عائشة خارجة إلى الحج هاربة.
وحج بالناس تلك السنة عَبْد اللَّهِ بن عباس بأمر عثمان وهو محصور.
فلما علم المصريون أنهم مقصودون، قالوا: لا ينجينا إلا قتل هذا الرجل، فراموا الباب، فمنعهم الحسن، وابن الزبير، ومُحَمَّد بن طَلْحَة، ومروان، وسعيد بن العاص، وكانوا مقيمين على الباب، فناداهم عثمان: الله الله، أنتم فِي حل من نصرتي، فأبوا، ففتح الباب، وخرج ومعه الترس والسيف، فبارز المصريون، وركبهم هؤلاء فتراجعوا، وأقسم على أصحابه ليدخلن إذ أبوا أن ينصرفوا، فدخلوا فأغلق الباب دون المصريين،
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 385.
[2] في الأصل: «أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.(5/54)
واتخذ عثمان القرآن تلك الأيام نجيا، يصلي وعنده المصحف، فإذا أعيا جلس فقرأ فيه.
فجاء المصريون بنار فأحرقوا الباب، وعثمان فِي الصلاة قد افتتح طه، فما كرثه [1] ما سمع، وما تتعتع حتى أتى عليها قبل أن يصلوا إليه. وبارز مروان يومئذ، فاختلف هو ورجل منهم ضربتين، فاجتر هذا أصحابه وهذا أصحابه، واقتحم الناس الدار من الدور التي حولها حتى ملئوها ولا يشعر الذين بالباب، فقَالَ رجل: اخلعها وندعك، فقَالَ: لست خالعا قميصا كسانيه الله، فخرج ودخل آخر فلم يقتله، وجاء ابن سلام ينهاهم، فقالوا: يا ابن اليهودية، ما أنت وهذا. فأتاه الغافقي وبيده حديدة فضرب بها رأسه/ فشجها فقطر [2] دمه على المصحف، وضرب المصحف برجله، ثم تعاونوا 19/ ب عليه [3] ، فضربه سودان بن حمران، فوثبت نائلة بنت الفرافصة فصاحت وألقت نفسها عليه وأخذت السيف بيدها، فتعمدها، فقطع أصابع يدها وقتله، فوثب غلام لعثمان [4] فقتل سودان، فقتل قتيرة الغلام، فوثب غلام آخر وقتل قتيرة، ورموا بهما فأكلتهما الكلاب. ولم يغسل عثمان ولا غلاماه لكونهم شهداء، ودفنا إلى جنب عثمان بالبيت، وانتهبوا متاع البيت، ومر رجل على عثمان ورأسه مع المصحف، فضرب رأسه برجله ونحاه عن المصحف، وتنادوا فِي الدار: أدركوا بيت المال، لا تسبقوا إليه، فأتوه فانتهبوه.
وقتل عثمان يوم الجمعة قبل غروب الشمس لثماني عشرة من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ الصَّيَّادُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحارث بن مُحَمَّد، قَالَ: حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ الْقَاسِمِ الطَّلْحِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، قال:
__________
[1] في الأصل: «فما كره» .
[2] في الأصل: «فشجه فقطر» .
[3] في ت: «تنادوا عليه» .
[4] «لعثمان» : سقط من ت.(5/55)
حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ حِينُ حُصِرَ:
إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ مِنَ الأَمْرِ مَا تَرَى، فَاخْتَرْ وَاحِدَةً مِنْ ثَلاثٍ: إِنْ شِئْتَ أَنْ نَفْتَحَ لَكَ بَابًا سِوَى الْبَابِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ فَتَقْعُدَ عَلَى رَوَاحِلِكَ فَتَلْحَقَ بِمَكَّةَ فَلَنْ يَسْتَحِلُّوكَ بِهَا، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَلْحَقَ الشَّامَ وَفِيهَا مُعَاوِيَةُ، وَإِنْ شِئْتَ خَرَجْتَ بِمَنْ مَعَكَ فَقَاتَلْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ. فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَّا قَوْلُكَ آتِي إِلَى مَكَّةَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُلْحَدُ بِمَكَّةَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَيْهِ نِصْفُ عَذَابِ الأُمَّةِ» فَلَنْ أَكُونَهُ. وَأَمَّا أَنْ آتِيَ إِلَى الشَّامِ، فَلَنْ أكون لأدع دار هجرتي ومجاورة نبي الله صلّى الله عليه وسلّم وَآتِي الشَّامَ. وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنِّي أَخْرُجُ بِمَنْ مَعِي أُقَاتِلُهُمْ فَلَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ يَخْلُفُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بإراقة محجمة دم.
20/ أوروى الواقدي/، عن أشياخ له، عن مُحَمَّد بن مسلمة، قَالَ [1] : خرجت فِي نفر من قومي إلى المصريين، فعظمت حق عثمان وما فِي رقابهم من البيعة، وخوفتهم الفتنة، وأنه ينزع عن هذه الأمة الخصال التي نقمتم عليه، وأنا ضامن لذلك. قَالَ القوم:
فإن لم ينزع؟ قلت: فأمركم إليكم.
فانصرف القوم وهم راضون، ورجعت إلى عثمان، فقلت: أخلني، فأخلاني، فقلت: الله الله يا عثمان فِي نفسك، إن هؤلاء القوم إنما قدموا يريدون دمك، وأنت ترى خذلان أصحابك لك، فأعطاني الرضا وجزاني خيرا.
ثم خرجت من عنده، فأقمت ما شاء الله فيهم، فعادوا له فقَالَ لي: ارجع إليهم فأرددهم، قلتُ: لا والله، لأني ضمنت لهم أمورا [تنزع عنها] [2] فلم تنزع عن حرف واحد منها. فقَالَ له: الله المستعان.
وجاءني ابن عديس وسودان، فقالا: ألم تعلم أنك زعمت أن صاحبنا نازع عما
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 372.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.(5/56)
نكره؟ قلت: بلى فأخرجوا صحيفة صغيرة، وإذا قصبة من رصاص، فقالوا: وجدنا جملا من إبل الصدقة عليه غلام عثمان، ففتشنا متاعه فوجدنا فيه هذا الكتاب:
أما بعد، فإذا قدم عليك عَبْد الرَّحْمَنِ بن عديس فاجلده مائة جلدة، واحلق رأسه ولحيته وأطل حبسه حتى يأتيك أمري، وعمرو بن الحمق فافعل به مثل ذلك، وسودان مثل ذلك، وعروة مثل ذلك.
قلت: وما يدريكم أن عثمان كتب هذا؟ قالوا: فيفتات مروان على عثمان بهذا، فهذا أشر، فيخرج نفسه من هذا الأمر. ودخل علي على عثمان فأخبره بما وجدوا فِي الكتاب، فجعل يقسم باللَّه ما كتب به ولا علم ولا شور.
قَالَ ابن مسلمة: إنه لصادق، ولكن هذا عمل مروان، فقَالَ عليّ: أدخلهم إليك واعتذر إليهم، فدخلوا فما سلموا عليه بالخلافة، بل قالوا: سلام عليكم، فقلنا:
وعليكم السلام، فقدموا فِي كلامهم ابن عديس، فذكر له أشياء من فعله، وقالوا: قد رحلنا نريد دمك فردنا علي، ومُحَمَّد بن مسلمة، وضمن لنا ابن مسلمة النزوع عما نقمناه، فرجعنا إلى بلادنا، فوجدنا غلامك وكتابك وخاتمك إلى/ عاملك بجلد ظهورنا 20/ ب والمثل بنا، فقَالَ عثمان: والله ما كتبت ولا أمرت ولا شورت، قالوا: أيكتب مثل هذا غيرك؟ فليس مثلك يلي، اخلع نفسك، فقَالَ: لا أنزع قميصا ألبسنيه الله عز وجل.
فخرج الكل فحاصروه.
ذكر من كان يصلي بالناس وعثمان محصور
اختلف الناس فِي ذلك، فَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ: أَنَّهُ لَمَّا حُصِرَ عثمان جَاءَ الْمُؤَذِّنُ. سَعْدُ الْقُرَظِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ؟ فَقَالَ: نَادِ خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ، فَقَامَ فصلى بِالنَّاسِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: جَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى عُثْمَانَ فَأَذَّنَ بِالصَّلاةِ، فَقَالَ: لا انْزِلْ، اذْهَبْ إِلَى مَنْ يُصَلِّي، فَجَاءَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَرَ سَهَلَ بْنَ حَنِيفٍ فصلى الْيَوْمَ الَّذِي حُصِرَ فِيهِ الْحَصْرَ الأَخِيرَ، وَهُوَ لَيْلَةَ رَأَى هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ، فصلى بِهِمْ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْعِيدِ صَلَّى عَلِيٌّ الْعِيدَ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ حَتَّى قتل.(5/57)
وقد روينا أن ابن عديس صلى بهم، وكنانة بن بشر خليفته.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بن المبارك، [ومحمد بن ناصر، قالا أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الجبار، أخبرنا أبو محمد الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيُّوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَنْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا] [1] حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، قَالَ:
خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الدَّلَجِ، وَقَالَ: يَا قَوْمِ، وَاللَّهِ مَا قَتَلَتْ أُمَّةٌ نَبِيًّا إِلا قُتِلَ مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْفًا، وَلا قَتَلَتْ أُمَّةٌ خَلِيفَةً إِلا قُتِلَ مِنْهَا مَكَانَهُ خَمْسَةٌ وَثَلاثُونَ أَلْفًا، فَأَحْرَقُوا الْبَابَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: مَا عِنْدَهُمْ بَعْدَ هَذَا بَقِيَّةٌ، ثُمَّ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ.
ذكر من وليه بعد موته وصفة دفنه [2]
ذكر سيف بن عمر أن عثمان قتل يوم الجمعة، ودفن ليلة السبت فِي جوف الليل.
قَالَ أبو بشر العابدي [3] : نبذ عثمان ثلاثة أيام لا يدفن، ثم إن حكيم بن حزام وجبير بن مطعم كلما عليا فِي أن يأذن لهما فِي دفنه ففعل، فلما سمع بذلك قعدوا له فِي الطريق بالحجارة، فأرسل إليهم عليّ يعزم عليهم ليكفّنّ عنه ففعلوا.
21/ أوقال غيره [4] : دفن بين المغرب والعتمة، / ولم يشهد جنازته إلا مروان وثلاثة من مواليه، وابنته الخامسة.
وقَالَ الشعبي [5] : صلى عليه مروان.
قَالَ الواقدي [6] : الثبت عندنا أنه صلى عليه جبير بن مطعم، وقَالَ صالح بن كيسان: خرج حكيم بن حرام فِي اثني عشر رجلا منهم الزبير.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل، أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك بإسناده عن حماد بن زيد.
[2] تاريخ الطبري 4/ 412.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 412.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 412.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 415.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 413.(5/58)
وروى الواقدي: أنهم لما قتلوه أرادوا جز رأسه، فوقعت عليه نائلة وأم البنين، فمنعنهم، وصحن، وضربن الوجوه، وخرقن ثيابهن، فقَالَ ابن عديس: اتركوه، فأخرج ولم يغسل إلى البقيع، فأقبل عمير بن ضابىء، فنزا عليه فكسر ضلعا من أضلاعه، وقَالَ: سجنت ضابئا حتى مات فِي السجن.
وكان عمر عثمان [1] اثنتين وثمانين سنة وأشهرا. وقيل ثلاثا وثمانين. وقيل: ستا وثمانين. وقيل ثمانيا وثمانين.
وقتل وعامله على مكة عَبْد اللَّهِ بن الحضرمي، وعلى الطائف القاسم بن ربيعة الثقفي، وعلى صنعاء يعلى بن أمية، وعلى الجند عَبْد اللَّهِ بن ربيعة، وعلى البصرة عَبْد اللَّهِ بن عامر بن كرز، وعلى مصر عَبْد اللَّهِ بن سعد بن أبي سرح ثم غلب مُحَمَّد بن أبي حذيفة على مصر فأخرج ابن سعد، وعلى الكوفة: على صلاتها أبو مُوسَى، وعلى حربها القعقاع بن عمرو، وعلى قرقيسياء جرير بن عَبْد اللَّهِ، وعلى أذربيجان الأشعث بن قيس، وعلى حلوان عتيبة بن النهاس، وعلى همذان النسير، وعلى الري سعيد بن قيس، وعلى أصفهان السائب بن الأقرع، وعلى ماسبذان حبيش، وعلى بيت المال عقبة بن عمرو، وعلى الشام معاوية بن أبي سفيان.
وعمال معاوية على حمص عَبْد الرَّحْمَنِ بن خالد بن الوليد، وعلى قنسرين حبيب بن مسلمة، وعلى الأردن أبو الأعور بن سفيان، وعلى القضاء أبو الدرداء، وعلى قضاء عثمان زيد بن ثابت.
فصل
ولما قتل عثمان رضي الله عنه انتهبت داره ودار غيره، وانتهبت دار أبي هريرة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ المذهب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا/ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: 21/ ب حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بِتَمَرَاتٍ، فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ لِي فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ، قَالَ: فصفهن بين
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 417.(5/59)
يَدَيْهِ ثُمَّ دَعَا، فَقَالَ لِي: اجْعَلْهُنَّ فِي مِزْوَدِكَ وَأَدْخِلْ يَدَكَ وَلا تَنْثُرْهُ. قَالَ: فَجَعَلْتُ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا وَسْقًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَآكُلُ وَأُطْعِمُ [1] ، وَكَانَ لا يُفَارِقُ حِقْوِي. فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْقَطَعَ عَنْ حِقْوِي وَسَقَطَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ [2] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْمَأْمُونِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حَبَابَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَيْشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُصِبْتُ بِثَلاثٍ بِمَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْتُ صُوَيْحِبَهُ وَذَا يَدٍ مِنْهُ، وَبِقَتْلِ عُثْمَانَ وَالْمِزْوَدِ. قَالُوا: وَمَا الْمِزْوَدُ؟ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصَابَتِ النَّاسَ مَخْمَصَةٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، شَيْءٌ مِنْ تَمْرٍ فِي مِزْوَدٍ، قَالَ:
«فَآتِنِي بِهِ» ، فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخْرَجَ قَبْضَةً، فَبَسَطَهَا، ثم قال: ادع لي عشرة، فدعوت له عَشَرَةً فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخْرَجَ قَبْضَةً فَبَسَطَهَا، ثُمَّ قالَ: ادْعُ لِي عَشَرَةً، فَدَعَوْتُ لَهُ عَشَرَةً، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، فَمَا زَالَ يَصْنَعُ ذَلِكَ حَتَّى أَطْعَمَ الْجَيْشَ كُلَّهُ وَشَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ لِي: «خُذْ مَا جِئْتَ بِهِ وَأَدْخِلْ يَدَكَ وَاقْبِضْ وَلا تَكُبَّهُ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَبَضْتُ عَلَى أَكْثَرِ مِمَّا جِئْتُ بِهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَلا أُحَدِّثُكُمْ عَمَّا أَكَلْتُ، أَكَلْتُ مِنْهُ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَيَاةَ أَبِي بَكْرٍ وَأَطْعَمْتُ، وَحَيَاةَ عُمَرَ وَأَطْعَمْتُ، وَحَيَاةَ عُثْمَانَ وَأَطْعَمْتُ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ انْتُهِبَتْ بَيْتِي وَذَهَبَ الْمِزْوَدُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: لَقَدْ جَهَّزْتُ مِنْهُ خَمْسِينَ وَسْقًا في سبيل الله.
فصل
22/ أ/ ولما ضرب عثمان بالسيف اتقت نائلة بنت الفرافصة بيدها، فقطعت إصبعان من أصابعها، فلما قتل كتبت إلى معاوية: من نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد. فإني أذكركم باللَّه الذي أنعم عليكم، وعلمكم الإسلام، وهداكم من الضلالة، وأبعدكم عن الكفر، وأنشدكم الله فأذكركم حقه وحق خليفته أن تنصروه، وأن
__________
[1] في المسند: «ونأكل ونطعم» .
[2] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 2/ 352.(5/60)
أمير المؤمنين بغي عليه وكنت مشاهدة أمره، إن أهل المدينة حصروه يحرسونه ليلهم ونهارهم قياما على أبوابه بسلاحهم حتى منعوه الماء، ثم إنه رمي بالنبل والحجارة، ثم أحرقوا باب الدار، ثم دخلوا عليه وأخذوا بلحيته وضربوه على رأسه ثلاث ضربات وطعنوه فِي صدره ثلاث طعنات، وقد أرسلت إليكم بثوبه، فحلف رجال من الشام ألا يطئوا النساء حتى يقتلوا قتلته أو تذهب أرواحهم.
فصل
وقد كان أمير المؤمنين علي يقول: إنما وهنت يوم قتل عثمان. أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَتْحِ أحمد بن محمد الحداد، قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَنْجَوَيْهِ، أَنَّ الْحَاكِمَ أَبَا أَحْمَدَ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَافِظَ، أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، قال: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ زَوْدِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: [هَلْ تَدْرُونَ] [1] إِنَّما مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ وَقَتْلُ عُثْمَانَ، كَمَثَلِ ثَلاثَةِ أَثْوَارٍ كُنَّ فِي أَجَمَةٍ: ثَوْرٌ أَبْيَضُ، وَثَوْرٌ أَسْوَدُ، وَثَوْرٌ أَحْمَرُ وَمَعَهُمْ فِيهَا أَسَدٌ، فَكَانَ الأَسَدُ لا يَقْدِرُ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ لاجْتِمَاعِهِمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِلثَّوْرِ الأَسْوَدِ وَالثَّوْرِ الأَحْمَرِ: إِنَّهُ لا يَدُلُّ عَلَيْنَا فِي أَجَمَتِنَا هَذِهِ إِلا الثَّوْرُ الأَبْيَضُ فَإِنَّهُ مَشْهُورُ اللَّوْنِ، فَلَوْ تَرَكْتُمَانِي فَأَكَلْتُهُ، وَصَفَتْ لِي وَلَكُمَا الأَجَمَةُ وَعِشْنَا فِيهَا، فَقَالا لَهُ: دُونَكَ وَمَا تُرِيدُ، فَأَكَلَهُ، ثُمَّ لَبِثَ غَيْرَ كَثِيرٍ، فَقَالَ لِلثَّوْرِ الأَحْمَرِ: إِنَّهُ لا يَدُلُّ عَلَيْنَا فِي أَجَمَتِنَا/ هَذِهِ إِلا الثَّوْرُ الأَسْوَدُ فَإِنَّهُ مَشْهُورُ اللَّوْنِ، وَإِنَّ لَوْنِي وَلَوْنَكَ لا يشتهران، 22/ ب فَلَوْ تَرَكْتَنِي لآكُلَهُ صَفَتْ لِي وَلَكَ الأَجَمَةُ وَعِشْنَا فِيهَا، فَقَالَ لَهُ: دُونَكَ، فَأَكَلَهُ. ثُمَّ لَبِثَ غَيْرَ كَثِيرٍ فَقَالَ لِلثَّوْرِ الأَحْمَرِ: إِنِّي آكُلُكَ، قَالَ: دَعْنِي حَتَّى أُنَادِي ثَلاثَةَ أَصْوَاتٍ، قَالَ:
نَادِ، فَقَالَ: أَلا إِنِّي أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِلَ الثَّوْرُ الأَبْيَضُ، أَلا إِنِّي أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِلَ الثَّوْرُ الأَبْيَضُ، أَلا إِنِّي أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِلَ الثَّوْرُ الأَبْيَضُ. [قَالَ: يَقُولُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَلا] [1] وَإِنِّي إِنَّمَا وُهِنْتُ يَوْمَ قتل عثمان رضي الله عنه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.(5/61)
ومن الحوادث فِي هذه السنة- أعني سنة خمس وثلاثين من الهجرة خلافة علي عليه السلام
[أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت الخطيب، قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتَوَيْهِ النَّحْوِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ] [1] سُلَيْمَانَ بْنَ حَرْبٍ، قَالَ [2] :
شَهِدَ عَلِيٌّ بَدْرًا وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَشَهِدَ الْفَتْحَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ وَعِشْرِينَ سَنَةً.
وروى القزاز [3] بإسناده عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ، قَالَ: كنت ذات يوم جالسا بين يدي أبي، فجاءت طائفة من الكوفيين فذكروا خلافة أبي بكر وعمر وعُثْمَان بْن عَفَّانَ، وذكروا خلافة علي بن أبي طالب، فزادوا وأطالوا، فرفع رأسه إليهم وقَالَ: يا هؤلاء، قد أكثرتم القول فِي علي والخلافة، وإن الخلافة لم تزين عليا بل علي زينها.
قَالَ السياري: فحدثت بهذا بعض الشيعة، فقَالَ: قد أخرجت نصف ما كان فِي قلبي على أحمد بن حنبل من البغض.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: روى الخطيب قال: أخبرنا القزاز باسناده قال، وأوردناه من تاريخ بغداد.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 134.
[3] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 135.(5/62)
باب خلافة علي رضوان الله عليه
قَالَ مُحَمَّد بن الحنفية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [1] : كنت مع أبي حين قتل عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فقام فدخل منزله، فأتاه أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا له: إن هذا الرجل قد قتل، ولا بد للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحدا أحق بهذا الأمر منك، لا أقدم سابقة، ولا أقرب من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: لا تفعلوا، فإني أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا، فقالوا: لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك، قَالَ: ففِي المسجد، فإن بيعتي لا تكون إلا عن رضا المسلمين. فدخل المهاجرون والأنصار فبايعوه، ثم بايعه الناس. وقيل: أول من بايعه/ طلحة. 23/ أأنبأنا عبد الوهاب بن المبارك، قال: أخبرنا أبو الْحُسَيْنِ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن علي الطناجيري، قال: أخبرنا عمر بن أَحْمَدَ بْنِ شَاهِينَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ [2] ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ:
رَأَى أَعْرَابِيٌّ طَلْحَةَ يُبَايِعُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: يَدٌ شَلاءُ وَأَمْرٌ لا يَتِمُّ.
وقَالَ الزهري: أرسل إلى طَلْحَة والزبير فدعاهما إلى البيعة فتلكأ طَلْحَة، فقَالَ الأشتر وسل سيفه: والله لتبايعن أو لأضربن به بين عينيك، فقَالَ طَلْحَة: وأين المذهب
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 427.
[2] في ت: «أخبرنا هيثم» .(5/63)
عنه، فبايعه وبايعه الزبير. وهرب قوم إلى الشام فلم يبايعوه، ولم يبايعه قدامة بن مظعون، وعَبْد اللَّهِ بن سلام، والمغيرة بن شعبة.
قَالَ حبيب بن مُحَمَّد الهاشمي: تربص سبعة فلم يبايعوه: سعد، وابن عمر، وصهيب، وزيد بن ثابت، ومُحَمَّد بن مسلمة، وسلمة بن سلام بن وقش، وأسامة بن زيد.
وذكر مُحَمَّد بن سعد أنه بويع لعلي رضي الله عنه بالمدينة، غداة قتل عثمان، بايعه طلحة والزبير وسعد وسعيد، وجميع من كان بالمدينة، ثم ذكر طَلْحَة والزبير أنهما بايعا كارهين، فخرجا إلى مكة وبها عائشة رضي الله عنها، ثم خرجوا إلى البصرة يطالبون بدم عثمان.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، قال:
أخبرنا المخلص، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله، قال: أَخْبَرَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَّادٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ الأَعْلَمِ، وَأَبُو حَارِثَةَ، وَأَبُو عُثْمَانَ، قَالُوا [1] :
بَقِيَتِ الْمَدِينَةُ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَأَمِيرُهَا الْغَافِقِيُّ يَلْتَمِسُونَ مَنْ يُجِيبُهُمْ إِلَى الْقِيَامِ بِالأَمْرِ فَلا يَجِدُونَهُ، يأَتْيِ الْمِصْرِيُّونَ عَلِيًّا فَيَخْتَبِئُ مِنْهُمْ وَيَلُوذُ بِحِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَإِذَا لَقُوهُ بَاعَدَهُمْ وَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ وَمِنْ مَقَالَتِهِمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَيَطْلُبُ الْكُوفِيُّونَ الزُّبَيْرَ فَلا يَجِدُونَهُ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ حَيْثُ هُوَ رُسُلا فَبَاعَدَهُمْ وَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ، وَيَطْلُبُ البصريون طلحة فإذا 23/ ب لَقُوهُ بَاعَدَهُمْ وَتَبَرَّأَ مِنْ مَقَالَتِهِمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَكَانُوا مُجْتَمِعِينَ/ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ مُخْتَلِفِينَ فِيمَنْ يَهْوَوْنَ، فَلَمَّا لَمْ يَجِدُوا مُمَالِئًا وَلا مُجِيبًا جَمَعَهُمُ الشَّرُّ عَلَى أَوَّلِ مَنْ أَجَابَهُمْ، وَقَالُوا: لا نُوَلِّي أَحَدًا مِنْ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ، فَبَعَثُوا إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالُوا: إِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى، وَرَأْيُنَا فِيكَ مُجْتَمِعٌ، فَأَقْدِمْ نُبَايِعْكَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ: إِنِّي وَابْنُ عَمِّي خَرَجْنَا مِنْهَا فَلا حَاجَةَ لِي فِيهَا عَلَى حَالٍ، وَتَمَثَّلَ:
لا تَخْلِطَنَّ خَبِيثَاتٍ بِطَيِّبَةٍ ... وَاخْلَعْ ثيابك منها وانج عريانا
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 432.(5/64)
ثُمَّ وَجَدُوا سَعْدًا وَالزُّبَيْرَ خَارِجَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَطَلْحَةُ فِي حَائِطٍ لَهُ، وَبَنِي أُمَيَّةَ قَدْ هَرَبُوا إِلا مَنْ لَمْ يُطِقِ الْهَرَبَ، وَكَانَ الْوَلِيدُ وَسَعِيدٌ وَمَرْوَانُ قَدْ لَحِقُوا بِمَكَّةَ.
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَقُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَقَالُوا: أَنْتَ ابْنَ عُمَرَ فَقُمْ بِهَذَا الأَمْرِ، فَقَالَ: إِنَّ لِهَذا الأَمْرِ انْتِقَامًا، وَاللَّهِ لا أَتَعَرَّضُ لَهُ، فَالْتَمِسُوا غَيْرِي. فَبَقُوا حَيَارَى لا يَدْرُونَ مَا يَصْنَعُونَ.
وحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قالا [1] : قالوا: يا أهل المدينة قد أجلناكم يومكم، فو الله لَئِنْ لَمْ تَفْرُغُوا لَنَقْتُلَنَّ غَدًا عَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَأُنَاسًا كَثِيرًا، فَغَشِيَ النَّاسُ عَلِيًّا، فَقَالُوا: نُبَايِعُكَ فَقَدْ تَرَى مَا نَزَلَ بِالإِسْلامِ، فَقَالَ: دَعُونِي وَالْتَمِسُوا غَيْرِي، فَقَالُوا:
نَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلا مَا فَعَلْتَ، فَقَالَ: قَدْ أَجَبْتُكُمْ لِمَا أَرَى، وَاعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكَّبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ، وَإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَإِنَّمَا أَنَا كَأَحَدِكُمْ، إِلا أَنِّي أَسْمَعُكُمْ وَأَطْوَعُكُمْ.
فَلَمَّا أَصْبَحُوا مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ حَضَرَ النَّاسُ الْمَسْجِدَ، وَجَاءَ عَلِيٌّ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَجَاءُوا بِطَلْحَةَ فَقَالُوا: بَايِعْ، فَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا أُبَايِعُ كَرْهًا، فَبَايَعَ أَوَّلَ النَّاسِ، وَكَانَ بِهِ شَلَلٌ، فَقَالَ رَجُلٌ يَعْتَافُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156، أَوَّلُ يَدٍ بَايَعَتْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَدٌ شَلاءُ، لا يَتِمُّ هَذَا الأَمْرُ. ثُمَّ جِيءَ بِالزُّبَيْرِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ بَايَعَ. ثُمَّ جِيءَ بِقَوْمٍ كَانُوا قَدْ تَخَلَّفُوا، فَقَالُوا: نُبَايِعُ عَلَى إِقَامَةِ كِتَابِ اللَّهِ فِي الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَالْعَزِيزِ وَالذَّلِيلِ، فَبَايَعَهُمْ، ثُمَّ قام العامة فَبَايَعُوهُ.
وبويع علي رضي الله عنه يوم الجمعة لخمس بقين من ذي/ الحجة. 24/ أأخبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، [أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ [2] عُمَرَ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْن أَحْمَدَ بْن أبي قيس، حَدَّثَنَا أَبُو] [3] بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ هِشَامٍ [4] ، عن أبيه، قال:
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 434.
[2] كذا في ت، وفي تاريخ بغداد: «علي بن أحمد بن عمر المقري» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، ومكانه في الأصل: «بإسناده عن أبو بكر» .
[4] كذا في ت، وفي الأصل: «بدون نقط، وفي تاريخ بغداد: «عباس بن هشام» .(5/65)
بُويِعَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ قُتِلَ عُثْمَانُ، لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَاسْتَقَبَلَ الْمُحَرَّمَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ [1] [قَالَ غَيْرُ عَيَّاشٍ] [2] : كَانَتْ بَيْعَتُهُ فِي دَارِ عَمْرِو بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيِّ، [ثُمَّ أَحَدِ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ] [3] يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ بُويِعَ بَيْعَتَهُ الْعَامَّةَ مِنَ الْغَدِ يَوْمَ السَّبْتِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذكر اسمه ونسبه
هو علي بن أبي طالب، واسم أبي طالب: عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ويكنى أبا الحسن، وأبا تراب. وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وعلي عليه السلام أول من صدق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بني هاشم، وشهد المشاهد معه ولم يتخلف عن مشهد، إلا [أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه] [4] فِي غزوة تبوك، فقَالَ: أتخلفني فِي النساء والصبيان، فقَالَ: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من مُوسَى» . ولما آخى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الناس آخى بينه [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ذكر صفته
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد، قَالَ: أخبرنا أَحْمَد بْن عَلِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِي بْن مُحَمَّد المعدل، قالَ: أَخْبَرَنَا الحسين بْنُ صَفْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن محمد القرشي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سعد، قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو بكر عَبْد اللَّه بْن أَبِي سبرة، عَنْ إِسْحَاق بن عَبْد اللَّهِ بن أبي فروة، قال [5] :
__________
[1] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 135.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت، وتاريخ بغداد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من تاريخ بغداد.
[4] ما بين المعقوفتين: في الأصل، إلّا في غزوة تبوك خلفه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال....» وما أوردناه من ت.
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 17.(5/66)
سألت أبا جعفر مُحَمَّد بن علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قلت: ما كانت صفة علي؟ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؟ قَالَ: رجل آدم شديد الأدمة، ثقيل العينين، ذو بطن، أصلع، إلى القصر أقرب. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [1] : أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ عَرِيضَ اللِّحْيَةِ، وَقَدْ أَخَذَتْ مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، أَصْلَعَ عَلَى رَأْسِهِ زُغَيْبَاتٌ.
قَالَ مُحَّمَدُ بْنُ سَعْدٍ [2] : وَأَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: / حَدَّثَنَا أَبِي، 24/ ب قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يَقُولُ:
رَأَيْتُ عَلِيًّا أَصْلَعَ، كَثِيرَ الشَّعْرِ، كَأَنَّمَا اجْتَابَ إِهَابَ شَاةٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْد الْوَهَّاب [بْن الْمُبَارَك، أَخْبَرَنَا عَاصِم بن الحسن، أخبرنا أبو الحسين بن بشران، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا] [3] أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبَرَاءِ، قَالَ:
كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «اللَّهُ الْمَلِكُ» .
ذكر تقدم إسلامه
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْقَزَّازُ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّاهِدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ [4] :
اسْتُنْبِئَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَأَسْلَمَ عَلِيٌّ يوم الثلاثاء.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 16.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 16.
[3] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «أخبرنا عبد الوهاب بإسناده عن أبي الحسن» .
[4] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 34.(5/67)
أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصِّلْحِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُرْجَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذٍ الْهَرَوِيُّ [1] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سَلْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ السَّبَخِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: حدثنا جعفر بن محمد، عن أَبِيهِ، قَالَ [2] :
بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيُّ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ كَانَ ابْنَ ثَمَانِ سِنِينَ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، [أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيْوَيَةَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ، حَدَّثَنَا] [3] مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عبد الله بن أبي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ [4] :
أَنَّ عَلِيًّا حِينَ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الإِسْلَامِ كَانَ ابْنَ تِسْعِ سِنِينَ.
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ: وَيُقَالُ: دُونَ تِسْعِ سِنِينَ، وَلَمْ يَعْبُدِ الأَوْثَانَ قَطُّ لِصِغَرِهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [5] : وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: وَأَصْحَابُنَا مُجْمِعُونَ أَنَّ أَوَّلَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ الَّذِي اسْتَجَابَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [6] خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، ثُمَّ اخْتُلِفَ عِنْدَنَا فِي ثَلاثَةِ نَفَرٍ، أَيُّهُمْ أَسْلَمَ أولا، في أَبِي بَكْرٍ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَمَا نَجِدُ إِسْلامَ عَلِيٍّ صَحِيحًا إِلا وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً.
ذكر غزارة علمه
كان أبو بكر وعمر يشاورانه ويرجعان إلى رأيه، وكان كل الصحابة مفتقرا إلى علمه، وكان عمر يقول: أعوذ باللَّه من معضلة ليس لها أبو الحسن.
__________
[1] في الأصل: «أبو جعفر محمد بن داود الهروي» .
[2] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 134.
[3] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «بإسناده عن محمد بن سعد» .
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 13.
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 13.
[6] في الأصل: «مجمعون على أن أول من استجاب من أهل القبلة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم» .(5/68)
ذكر أولاده
كان لعلي من الولد/ أربعة عشر ذكرا، وتسع عشرة أنثى: الحسن، والحسين، 25/ أوزينب الكبرى، وأم كلثوم الكبرى، أمهم فاطمة بْنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومُحَمَّد الأكبر، وهو ابن الحنفية، وأمه خولة بنت جعفر، وعبيد الله، قتله المختار، وأبو بكر قتل مع الحسين، أمهما ليلى بنت مسعود. والعباس الأكبر، وعثمان، وجعفر، وعَبْد اللَّهِ، قتلوا مع الحسين، أمهم أم البنين بنت حرام بن خالد، ومُحَمَّد الأصغر، قتل مع الحسين، أمه أم ولد. ويَحْيَى وعون، أمهما أسماء بنت عميس. وعمر الأكبر، ورقية، أمهما الصهباء سبية. ومُحَمَّد الأوسط، أمه أمامة بنت أبي العاص. وأم الحسن، ورملة الكبرى، أمهما أم سعيد بنت عروة. وأم هانئ، وميمونة، وزينب الصغرى، ورملة] [1] الصغرى، وأم كلثوم الصغرى، وفاطمة، وأمامة، وخديجة، وأم الكرام، وأم سلمة، وأم جعفر، وجمانة، ونفيسة، وهن لأمهات شتى. وابنة أخرى لم يذكر اسمها هلكت وهي صغيرة. فهؤلاء الذين عرفوا من أولاد علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ذكر طرف من سيرته وحاله
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حيويه، قَالَ: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحُرُّ بْنُ جُرْمُوزٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ [2] : رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنَ الْقَصِّ وَعَلَيْهِ قُطْرِيَّتَانِ إِزَارٌ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، وَرِدَاءُهُ مُشَمَّرٌ، وَمَعَهُ دِرَّةٌ يَمْشِي بِهَا فِي الأَسْوَاقِ وَيَأْمُرُهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنِ الْبَيْعِ، وَيَقُولُ: أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ، وَيَقُولُ: لا تَنْفُخُوا اللَّحْمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ الأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، وَأَبُو الْقَاسِمِ التَّنُوخِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيْوَيَةَ، قَالَ: أخبرنا أَبُو بكر بْن الأنباري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أبو الفضل الربعي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَطَّارُ، قال: حدّثنا حسين
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 18.(5/69)
25/ ب الأَشْقَرُ، عَنْ أَبِيهِ، / عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْخُلُ السُّوقَ وَبِيَدِهِ الدِّرَّةُ، وَعَلَيْهِ عَبَاءٌ قُطْوَانِيٌّ، وَقَدْ شَقَّ وَسَطَهُ وَكَفَتَ حَاشِيَتَاهُ، يَقُولُ: يَا أَيُّهَا التُّجَّارُ، خُذُوا الْحَقَّ وَأَعْطُوا الْحَقَّ تَسْلَمُوا، لا تَرُدُّوا قَلِيلَ الرِّبْحِ فَتُحْرَمُوا كَثِيرَهُ، وَنَظَرَ إِلَى رَجُلٍ يَقُصُّ، فَقَالَ لَهُ: أَتَقُصُّ وَنَحْنُ قَرِيبُ عَهْدٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأَسْأَلَنَّكَ فَإِنْ أَجَبْتَنِي وَإِلا جَعَفْتُكَ [1] بِهَذِهِ الدِّرَّةِ، مَا ثَبَاتُ الدِّينِ وَمَا زَوَالُهُ؟ قَالَ: أَمَّا ثَبَاتُهُ فَالْوَرَعُ، وَأَمَّا زَوَالُهُ فَالطَّمَعُ، قَالَ: أَحْسَنْتَ، قُصَّ فَمِثْلُكَ مَنْ يَقُصُّ.
ومن الحوادث عند خلافته
أَخْبَرَنَا محمد بن الحسين، وإسماعيل، قالا: أخبرنا ابن النقور، قال: أخبرنا المخلص، قال: أخبرنا أحمد، قال: حدثنا السري، قال: حدثنا شعيب، قال: حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ [2] : اجْتَمَعَ [النَّاسُ] [3] إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالُوا: يَا عَلِيُّ، إِنَّا قَدِ اشْتَرَطْنَا إِقَامَةَ الْحُدُودِ، فَإِنَّ هؤلاء الْقَوْمَ قَدِ اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِ هَذَا الرَّجُلِ وَأَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا إِخْوَتَاهُ، إِنِّي لَسْتُ أَجْهَلَ مَا تَعْلَمُونَ، وَلَكِنْ كَيْفَ أَصْنَعُ بِقَوْمٍ يَمْلِكُونَا وَلا نَمْلِكُهُمْ، هَا هُمْ هَؤُلاءِ قد ثارت معهم عَبْدَانُكُمْ، وَثَابِتٌ إِلَيْهِمْ أَعْرَابُكُمْ [4] ، وَهُمْ خِلالكُمْ يَسُومُونَكُمْ مَا شَاءُوا، فَهَلْ تَرَوْنَ مَوْضِعَ الْقُدْرَةِ عَلَى شَيْءٍ فَمَا تَرَوْنَ [5] ؟ قَالُوا: لا، قَالَ: فَلا وَاللَّهِ لا أَرَى إِلا رَأْيًا تَرَوْنَهُ أَبَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ [6] : قَالَ طَلْحَةُ لِعَلِيٍّ: دَعْنِي فَآتِي الْبَصْرَةَ فَلا يَفْجَؤُكَ إِلا وَأَنَا فِي خَيْلٍ، فَقَالَ: حَتَّى أَنْظُرَ فِي ذَلِكَ. وقال الزبير:
__________
[1] جعفه جعفاً فانجعف: صرعة وضرب به الأرض فانصرع. وجعف الشيء جعفاً. قلبه.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 437.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ت: «وثابت عليهم أعرابكم» .
[5] في الطبري: «على شيء مما تريدون» .
[6] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 438.(5/70)
دَعْنِي آتِي الْكُوفَةَ فَلا يَفْجَؤُكَ إِلا وَأَنَا فِي خَيْلٍ، فَقَالَ: حَتَّى أَنْظُرَ فِي ذَلِكَ. وَسَمِعَ الْمِغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ بِذَلِكَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّ لَكَ حَقَّ الطَّاعَةِ وَالنَّصِيحَةِ، أَقْرِرْ مُعَاوِيَةَ عَلَى عَمَلِهِ، وَابْنَ عَامِرٍ وَالْعُمَّالَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، حَتَّى إِذَا أَتَتْكَ طَاعَتُهُمْ وَبَيْعَةُ الْجُنُودِ اسْتَبْدَلْتَ أَوْ تَرَكْتَ. فَقَالَ: حَتَّى أَنْظُرَ.
فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَعَادَ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: إِنِّي أَشَرْتُ عَلَيْكَ بِالأَمْسِ بِرَأْيِ، وَإِنَّ الرَّأْيَ أَنْ تُعَاجِلَهُمْ بِالنُّزُوعِ، فَيَعْرِفَ السَّامِعُ/ مِنْ غَيْرِهِ ويستقبل أمرك، ثم خرج 26/ أوتلقاه ابْنُ عَبَّاسٍ [خَارِجًا وَهُوَ دَاخِلٌ] [1] ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى عَلِيٍّ، قَالَ: رَأَيْتُ الْمُغِيرَةَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ [فَفِيمَ جَاءَكَ؟] [2] قَالَ: جَاءَنِي أَمْسِ بِكَذَا وَالْيَوْمَ بِكَذَا، فَقَالَ: أَمَّا أَمْسِ فَقَدْ نَصَحَكَ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ غَشَّكَ، قَالَ: فَمَا الرَّأْيُ؟ قَالَ: كَانَ الرَّأْيُ أَنْ تَخْرُجَ حِينَ قُتِلَ الرَّجُلُ أَوْ قَبْلَهُ، فَتَأْتِيَ مَكَّةَ فَتَدْخُلَ دَارَكَ وتغلق بابك، فإن كانت الْعَرَبَ جَائِلَةٌ مُضْطَرِبَةٌ فِي أَثَرِكَ لا تَجِدُ غَيْرَكَ، فَأَمَّا الْيَوْمُ فَإِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ يَسْتَحْسِنُونَ الطَّلَبَ بِأَنْ يُلْزِمُوكَ شُعْبَةً مِنْ هَذَا الأَمْرِ، وَيُشْبِهُونَ عَلَى النَّاسِ. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْن سُهَيْلٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [3] ، قَالَ: دَعَانِي عُثْمَانُ فَاسْتَعْمَلَنِي عَلَى الْحَجِّ، فَأَقَمْتُ لِلنَّاسِ الْحَجَّ وَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ كِتَابَ عُثْمَانَ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ بُويِعَ لِعَلِيٍّ، فَأَتَيْتُهُ فِي دَارِهِ، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ مُسْتَخْلِيًا بِهِ، فَحَبَسَنِي حَتَّى خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَاذَا قَالَ لَكَ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَرَّةً قَبْلَ مَرَّتِهِ هَذِهِ: أَرْسِلْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ وَمُعَاوِيَةَ [وَعُمَّالِ عُثْمَانَ] [4] بِعُهُودِهِمْ وَأَقِرَّهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَيُبَايِعُونَ لَكَ النَّاسَ، فَأَبْيَتُ هَذَا عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: لا وَلَّيْتُ هَؤُلاءِ أَبَدًا وَلا مِثْلُهُمْ يُوَلَّى، ثم انصرف وأنا أعرف أنه يَرَانِي مُخْطِئًا، ثُمَّ عَادَ إِلَيَّ الآنَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَصْنَعَ الَّذِي رَأَيْتُ فتنزعهم وتستعين بمن تثق به.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 439.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.(5/71)
فقلت: أَمَّا الْمَرَّةُ الأُولَى فَقَدْ نَصَحَكَ، وَأَمَّا الأُخْرَى فَقَدْ غَشَّكَ، لأَنَّكَ إِذَا عَزَلْتَهُمْ يَقُولُونَ هُوَ قَتَلَ صَاحِبَنَا، وَيُؤَلِّبُونَ عَلَيْكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لا أولّي مِنْهُمْ أَحَدًا أَبَدًا، فَإِنْ أَقْبَلُوا فَذَلِكَ خَيْرٌ لَهُمْ، وَإِنْ أَدْبَرُوا بَذَلْتُ لَهُمُ السَّيْفَ. ثُمَّ قَالَ لِي: سِرْ إِلَى الشَّامِ فَقَدْ وَلَّيْتُكَهَا، فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِرَأْيٍ، مُعَاوِيَةُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ عُثْمَانَ، وَعَامِلُهُ عَلَى الشَّامِ، وَلَسْتُ آمَنُ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقِي بِعُثْمَانَ، أَوْ أَدْنَى مَا هُوَ صَانِعٌ أَنْ يحبسني فيتحكم 26/ ب عَلَيَّ، وَلَكِنِ اكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَمَنِّهِ وَعِدْهُ. / فَأَبَى عَلِيٌّ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لا كَانَ ذَلِكَ أَبَدًا.
ومن الحوادث فِي هذه السنة [مسير قسطنطين ملك الروم يريد المسلمين] [1]
أنه سار قسطنطين بن هرقل فِي ألف مركب يريد أرض المسلمين، فسلط الله عليهم قاصفا من الريح فغرقهم، ونجا قسطنطين، فأتى صقلية [2] ، فصنعوا له حماما فدخله فقتلوه فيه، وقالوا: قتلت رجالنا.
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
281- عُثْمَان بْن عَفَّانَ رضي الله عنه [3] :
وقد سبق ذكر مقتله.
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ [الْحَسَنِ، قال: أخبرنا أبو] [4] الحسين بن بشران، قال: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبَرَاءِ، قَالَ:
بَلَغَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْعُمُرِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وترك قيمة ألف ألف درهم.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 441، والعنوان غير موجود في الأصول.
[2] في الأصول: ونجا قسطنطين في صقلّيّة» .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 36.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.(5/72)
282- عامر بن ربيعة بن مالك بن عامر، أبو عَبْد اللَّهِ [1] :
كان حليفا للخطاب بن نفيل، وتبناه الخطاب، فلما نزل قوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ 33: 5 [2] رجع عامر إلى نسبه.
وأسلم قبل أن يدخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرتين ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة العدوية، وهاجر إلى المدينة فلم يقدمها قبله إلا أبو سلمة، وزوجته أول ظعينة قدمت المدينة.
وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَخَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْبَجَلِيُّ، قَالا:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عبد الله بن عامر بن ربيعة، قال [3] :
قَامَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ يُصَلِّي [4] مِنَ اللَّيْلِ، وَذَلِكَ حِينَ نَشَبَ النَّاسُ فِي الطَّعْنِ عَلَى عُثْمَانَ، فصلى مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ نَامَ، فَأُتِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: قُمْ فَاسْأَلِ/ اللَّهَ أن يعيذك من 27/ أالفتنة الَّتِي أَعَاذَ مِنْهَا صَالِحَ عِبَادِهِ. فَقَامَ فصلى ثُمَّ اشْتَكَى، فَمَا أُخْرِجَ إِلا جِنَازَةٌ.
قَالَ ابن سعد [5] : وقال محمد بن عمر: كان موت عامر بن ربيعة بعد قتل عثمان بأيام، وكان قد لزم بيته فلم يشعر الناس إلا بجنازته وقد أخرجت.
283- معاذ بن عفراء، أمه نسب إليها، وأبوه الحارث بن رفاعة [6] :
شهد معاذ العقبتين، وبدرا. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يبعث إلى أهل بدر حللا، فيبعث إليه ويشتري بها رقابا فيعتقهم.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 281.
[2] سورة: الأحزاب، الآية: 5.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 282.
[4] في الأصل: «قام أبي» وما أوردناه من ت، وابن سعد.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 282.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 54.(5/73)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَيْضَاوِيُّ، [أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الطُّيُورِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبِ الْعُشَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِي بْن الْحُسَيْن بْن سُكَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ الْقَاسِمِ بْن مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَلِي بْن أَحْمَد بْنِ أَبِي قَيْسٍ] [1] ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قال: حدّثني بعض أصحابنا، عن رقية بن مَصْقَلَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي لَيْلَى، قَالَ:
كَانَ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ لا يَدَعُ شَيْئًا إِلا تَصَدَّقَ بِهِ، فَلَمَّا وُلِدَ لَهُ اسْتَشْفَعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ أَخْوَالَهُ، فَكَلَّمُوهُ وَقَالُوا لَهُ: إِنَّكَ قَدْ أَعَلْتَ، فَلَوْ جَمَعْتَ لِوَلَدِكَ، قَالَ: أَبَتْ نَفْسِي إِلا أَنْ أَسْتَتِرَ بِكُلِّ شَيْءٍ أَجِدُهُ مِنَ النَّارِ، فَلَمَّا مَاتَ تَرَكَ أَرْضًا إِلَى جَنْبِ أَرْضٍ لِرَجُلٍ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَعَلَيْهِ مِلاءَةٌ صَفْرَاءُ مَا تُسَاوِي ثَلاثَةَ دراهم، ما تسترني الأرض بملآتي هَذِهِ، فَامْتَنَعَ وَلِيُّ الصِّبْيَانِ وَاحْتَاجَ إِلَيْهَا جَارُ الأرض، فباعها بثلاثمائة ألف.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «بإسناده عن أبو بكر» .(5/74)
ثم دخلت سنة ست وثلاثين
فمن الحوادث فيها تفريق علي رضي الله عنه عماله فِي الأمصار [1]
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالا: أخبرنا ابن النقور، قال: أخبرنا المخلص، قال: أخبرنا أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثنا شعيب، عن مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا [2] : بَعَثَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عُمَّالَهُ عَلَى الأَمْصَارِ، بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَعُمَارَةَ بْنَ حَسَّانِ بْنِ شِهَابٍ عَلَى الْكُوفَةِ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَلَى الْيَمَنِ، وَقَيْسَ بْنَ سَعْدٍ عَلَى مِصْرَ [3] ، وسهل/ بن حنيف على الشام [4] . 27/ ب فَأَمَّا سَهْلٌ فَإِنَّهُ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِتَبُوكَ لَقِيَتْهُ خَيْلٌ قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَمِيرٌ، قَالُوا: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: عَلَى الشَّامِ، قَالُوا: إِنْ كَانَ عُثْمَانُ بَعَثَكُمْ فَحَيَّهَلا بِكَ، وَإِنْ كَانَ بَعَثَكَ غَيْرُهُ فَارْجِعْ، قَالَ: أَوَ مَا سَمِعْتُمْ بِالَّذِي كَانَ، قَالُوا: بَلَى، فَرَجَعَ إِلَى عَلِيٍّ.
وَأَمَّا قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، فَإِنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إِلَى أَيَلَةَ لَقِيَتْهُ خَيْلٌ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ:
مِنْ قَالَةِ عُثْمَانَ، فَأَنَا أَطْلُبُ مَنْ آوِي إِلَيْهِ وَأَنْتَصِرُ بِهِ، قالوا: من أنت؟ قال: قيس بن
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 442.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 442.
[3] في الأصول: «إلى مصر» .
[4] في الأصول: «إلى الشام» .(5/75)
سَعْدٍ، قَالُوا: امْضِ، فَمَضَى حَتَّى دَخَلَ مِصْرَ، فَافْتَرَقَ أَهْلُ مِصْرَ فِرَقًا، فِرْقَةٌ دَخَلَتْ فِي الْجَمَاعَةِ وَكَانُوا مَعَهُ، وَفِرْقَةٌ وَقَفَتْ وَاعْتَزَلَتْ، وَقَالُوا: إِنْ قَتْلَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ فَنَحْنُ مَعَكُمْ، وَإِلا فَنَحْنُ عَلَى جَدِيلَتِنَا، وَفِرْقَةٌ قَالُوا: نَحْنُ مَعَ عَلِيٍّ مَا لَمْ يُقِدْ إِخْوَانَنَا، فَكَتَبَ قَيْسٌ إِلَى عَلِيٍّ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ، فَسَارَ فَلَمْ يَرُدَّهُ أَحَدٌ عَنْ دُخُولِ الْبَصْرَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ لابْنِ عَامِرٍ رَأْيٌ وَلا حَزْمٌ وَلا اسْتِقْلَالٌ بِحَرْبٍ، فَافْتَرَقَ النَّاسُ فَاتَّبَعَتْ فِرْقَةٌ الْقَوْمَ، وَدَخَلَتْ فِرْقَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ، وَفِرْقَةٌ قَالَتْ: نَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَنَصْنَعُ كَمَا صَنَعُوا.
وَأَمَّا عُمَارَةُ فَأَقْبَلَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِزُبَالَةَ رُدَّ وَانْطَلَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى الْيَمَنِ، وَلَمَّا رَجَعَ سَهْلُ بْنُ حَنِيفٍ مِنْ طَرِيقِ الشَّامِ دَعَا طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ [1] قَدْ وَقَعَ، وَسَأَمْسِكُ الْأَمْرَ مَا اسْتَمْسَكَ، فَإِذَا لَمْ أَجِدْ بُدًّا فَآخِرُ الدَّوَاءِ الْكَيُّ. وَكَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى أَبِي مُوسَى وَمُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى بِطَاعَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَبَيْعَتِهِمْ، وَبَيَّنَ الْكَارِهَ مِنْهُمْ وَالرَّاضِي، وَكَانَ الرَّسُولُ إِلَى أَبِي مُوسَى مَعْبَدٌ الأَسْلَمِيُّ، وَكَانَ الرَّسُولُ إِلَى مُعَاوِيَةَ سَبْرَةُ الْجُهَنِيُّ، فَلَمَّا قدم على معاوية لم يكتب معه شيء ولم يجبه، حتى إذا كان في الشهر الثَّالِثِ مِنْ مَقْتَلِ عُثْمَانَ فِي صَفَرٍ، دَعَا مُعَاوِيَةُ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْسٍ يُدْعَى قَبِيصَةُ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ طُومَارًا مَخْتُومًا، عُنْوَانُهُ: مِنْ مُعَاوِيَةَ إلى عليّ، فقال له:
28/ أإذا دَخَلْتَ الْمَدِينَةَ فَاقْبِضْ عَلَى أَسْفَلِ الطُّومَارِ، ثُمَّ أَوْصَاهُ/ بِمَا يَقُولُ، وَسَرَّحَ رَسُولَ عَلِيٍّ مَعَهُ، فَخَرَجَا فَقَدِمَا الْمَدِينَةَ فِي غُرَّةِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَلَمَّا دَخَلا الْمَدِينَةَ رَفَعَ الْعَبْسِيُّ الطُّومَارَ كَمَا أَمَرَهُ، وَخَرَجَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَتَفَرَّقُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ مُعَاوِيَةَ مُعْتَرِضٌ، وَمَضَى الرَّسُولُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ الطُّومَارَ، فَفَضَّ خَاتَمَهُ فَلَمْ يَجِدْ فِي جَوْفِهِ كِتَابَةً، فَقَالَ لِلرَّسُولِ: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: آمِنٌ أَنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الرُّسُلَ آمِنَةٌ لا تُقْتَلُ، قَالَ: وَرَائِي أَنِّي تَرَكْتُ قَوْمًا لا يَرْضَوْنَ إِلا بِالْقَوَدِ، قَالَ: مِمَّنْ؟ قَالَ:
مِنْ نَفْسِكَ، وَتَرَكْتُ سِتِّينَ أَلْفَ شَيْخٍ يَبْكِي تَحْتَ قَمِيصِ عُثْمَانَ وَهُوَ مَنْصُوبٌ لَهُمْ، قَدْ أَلْبَسُوهُ مِنْبَرَ دِمَشْقَ، فَقَالَ: أَمِنِّي يَطْلُبُونَ دَمَ عُثْمَانَ، أَلَسْتَ مَوْتُورًا أَكْرَهُ قَتْلَ عثمان، اللَّهمّ
__________
[1] في الطبري: «كنت أحذركم» .(5/76)
إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ، اخْرُجْ، قَالَ: وَأَنَا آمِنٌ؟ قَالَ: وَأَنْتَ آمِنٌ، فَخَرَجَ الْعَبْسِيُّ، فَصَاحَتِ السَّبَئِيَّةُ: هَذَا الْكَلْبُ وَافِدُ الْكِلابِ، اقْتُلُوهُ، فَنَادَى: يَا آلَ مُضَرَ، إِنِّي أَحْلِفُ باللَّه لَيَرُدَّنَّهَا عَلَيْكُمْ أَرَبَعَةُ آلافِ خَصِيٍّ، فَانْظُرُوا كَمِ الْفُحُولَةُ وَالرِّكَابُ فَمَنَعَتْهُ مُضَرُ. وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ أَبِي حَارِثَةَ وَأَبِي عُثْمَانَ، قَالا: أَتَى مُعَاوِيَةَ الْخَبَرُ بِحَصْرِ عُثْمَانَ، فَأَرْسَلَ إِلَى حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيِّ، فَقَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ قَدْ حُصِرَ، فَأَشِرْ عَلَيَّ بِرَجُلٍ يُنْفِذُ لأَمْرِي وَلا يُقَصِّرُ، قَالَ: مَا أَعْرِفُ ذَلِكَ غَيْرِي، قَالَ: أَنْتَ لَهَا، فَأَشِرْ عَلَيَّ بِرَجُلٍ أَبْعَثُهُ عَلَى مُقَدِّمَتِكَ لا تُتَّهَمُ نَصِيحَتُهُ، قَالَ: يَزِيدُ بْنُ شَجَعَةَ الْحِمْيَرِيُّ، فَدَعَا بِهِمَا [1] فَقَالَ: النَّجَاءُ، سِيرَا فَأَعِينَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَعَجَّلْ أَنْتَ يَا يَزِيدُ فَإِنْ قَدِمْتَ يَا حَبِيبُ وَعُثْمَانُ حَيٌّ فَالأَمْرُ أَمْرُهُ، فَانْفِذْ لِمَا يَأْمُرُكَ بِهِ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قُتِلَ فَلا تَدَعْنَ أَحَدًا أَشَارَ إِلَيْهِ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ إِلا قَتَلْتَهُ. وَبَعَثَ مَعَ يَزِيدَ أَلْفَ فَارِسٍ، فَسَارَ بَعْضَ الطَّرِيقِ، فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ، ثُمَّ لَقِيَهُ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَمَعَهُ الْقَمِيصُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ عُثْمَانُ مُخَضَّبٌ بِالدِّمَاءِ وَأَصَابِعُ امْرَأَتِهِ، فَأَمْضَى حَبِيبٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَأَقَامَ فَأَتَاهُ بِرَأْيِهِ فَرَجَعَ حَتَّى قَدِمَ دِمَشْقَ. وَلَمَّا قَدِمَ/ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ أَخْرَجَ القميص وأصابع نائلة بنت الفرافصة- 28/ ب أُصْبُعَانِ قَدْ قُطِعَتَا بِبَرَاجِمِهِمَا وَشَيْءٍ مِنَ الْكَفِّ، وَأُصْبُعَانِ مَقْطُوعَتَانِ مِنَ أَصْلِهِمَا مُفْتَرِقَتَانِ، وَنِصْفُ الإِبْهَامِ- فَوَضَعَ مُعَاوِيَةُ الْقَمِيصَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَكَتَبَ بِالْخَبَرِ إِلَى الأَجْنَادِ، وَثَابَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَبَكَوْا سَنَةً وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالأَصَابِعُ مُعَلَّقَةٌ فِيهِ، وَالرِّجَالُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ لا يَأْتُونَ النِّسَاءَ، وَلا يَمَسُّهُمُ الْغُسْلُ إِلا مِنَ الاحْتِلامِ، وَلا يَنَامُونَ عَلَى الْفُرُشِ حَتَّى يَقْتُلُوا قَتَلَةَ عُثْمَانَ، وَمَنْ عَرَضَ دُونَهُمْ بِشَيْءٍ أَوْ يُفْنِي أَرْوَاحَهُمْ، فَمَكَثُوا يَبْكُونَ حَوْلَ الْقَمِيصِ سَنَةً، وَالْقَمِيصُ مَوْضُوعٌ كُلَّ يَوْمٍ، وَفِي أَرْدَافِهِ أَصَابِعُ نَائِلَةَ مُعَلَّقَةٌ.
[استئذان طَلْحَة والزبير عليا] [2]
وحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ قَالا [3] : اسْتَأْذَنَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ عَلِيًّا فِي الْعُمْرَةِ، فَأَذِنَ لَهُمَا، فَلَحِقَا بِمَكَّةَ، وَأَحَبَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنْ يَعْلَمُوا مَا رَأْيُ عَلِيٍّ فِي معاوية ليعرفوا
__________
[1] في ت: «فدعاهما» .
[2] العنوان غير موجود في الأصول.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 444، 445.(5/77)
بِذَلِكَ رَأْيَهُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، أَيَجْسُرُ عَلَيْهِ أَوْ يَنْكِلُ عَنْهُ، وَقَدْ بَلَغَهُمْ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ دَخَلَ عَلَيْهِ وَدَعَاهُ إِلَى الْقُعُودِ وَتَرْكِ النَّاسِ، فَدَسُّوا إِلَيْهِ زِيَادَ بْنَ حَنْظَلَةَ التَّمِيمِيَّ- وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى عَلِيٍّ- فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَجَلَسَ إِلَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا زِيَادُ، تَيَسَّرْ، فَقَالَ:
لأَيِّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: لِغَزْوِ الشَّامِ، فَقَالَ زِيَادٌ: الأَنَاةُ وَالرِّفْقُ أَمْثَلُ، وَقَالَ هَذَا الْبَيْتَ:
وَمَنْ لا يُصَانِعُ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ ... يُضْرَّسُ بِأَنْيَابٍ وَيُوطَأُ بِمَنْسِمِ [1]
فتمثل عليّ وكأنه لا يريده يقول:
متى تَجَمَعِ الْقَلْبَ الذَّكِيَّ وَصَارِمًا ... وَأَنْفًا حَمِيًّا تَجْتَنِبْكُ الْمَظَالِمُ [2]
فَخَرَجَ زِيَادٌ عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكَ؟ فَقَالَ: السَّيْفُ يَا قَوْمُ، فَعَرَفُوا مَا هُوَ فَاعِلٌ، وَدَعَا عَلِيٌّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ اللِّوَاءَ، وَوَلَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عباس ميمنة، 29/ أوعمرو بْنَ أَبِي سَلَمَةَ- أَوْ عَمْرَو بْنَ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ- وَلاهُ مَيْسَرَتَهُ، / وَدَعَا أَبَا لَيْلَى بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَرَّاحِ، ابْنَ أَخِي أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، فَجَعَلَهُ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قُثَمَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَكَتَبَ إِلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ أَنْ يَنْدُبَ النَّاسَ إِلَى الشَّامِ، وَإِلَى عُثْمَانَ بْنِ حَنِيفٍ وَإِلَى أَبِي مُوسَى مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَصَرَّ عَلَى التَّهَيُّؤِ وَالتَّجَهُّزِ، وَخَطَبَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَدَعَاهُمْ إِلَى النُّهُوضِ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْفُرْقَةِ [3] ، وَقَالَ: انْهَضُوا إِلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ تَفْرِيقَ جَمَاعَتِكُمْ، لَعَلَّ اللَّهَ يُصْلِحُ بِكُمْ مَا أَفْسَدَ أَهْلُ الآفَاقِ أَوْ تَقْضُوا الَّذِي عَلَيْكُمْ.
فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِنَحْوٍ آخَرَ، فَقَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: أَلا وَإِنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَأُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ تَمَالَئُوا عَلَى سَخَطِ إِمَارَتِي، وَسَأَصْبِرُ مَا لَمْ أَخَفْ عَلَى جَمَاعَتِكُمْ.
ثُمَّ أَتَاهُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْبَصْرَةَ لِمُشَاهَدَةِ النَّاسِ وَالإِصْلاحِ، فَتَعَبَّى لِلْخُرُوجِ نَحْوَهُمْ، فَاشْتَدَّ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ الأَمْرُ، فَتَثَاقَلُوا، فَبَعَثَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كُمَيْلا النَّخَعِيَّ، فَجَاءَ بِهِ فقَالَ: انْهَضْ مَعِي، فَقَالَ: أَنَا مَعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، إنما أنا رجل منهم، فإن يخرجوا
__________
[1] البيت لزهير، انظر ديوانه 29.
[2] البيت لابن براقة الهمدانيّ، انظر الكامل 1/ 27.
[3] في الأصل: «قتال أهل القبلة» .(5/78)
أَخْرُجْ وَإِنْ يَقْعُدُوا أَقْعُدْ، فَرَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُمْ يَقُولُونَ: لا وَاللَّهِ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَصْنَعُ، فَإِنَّ هَذَا الأَمْرَ لَمُشْتَبَهٌ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ مُقِيمُونَ حَتَّى يُضِيءَ لَنَا وَيُسْفِرَ.
فَخَرَجَ مِنْ تَحْتِ لَيْلَتِهِ وَأَخْبَرَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ بِالَّذِي سَمِعَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُ يَخْرُجُ مُعْتَمِرًا مُقِيمًا عَلَى طَاعَةِ عَلِيٍّ مَا خَلا النُّهُوضَ، وَكَانَ صَدُوقًا فَاسْتَقَرَّ ذَلِكَ عِنْدَهَا، وَأَصْبَحَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقيل له: البارحة حدث حَدَثَ وَهُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَمُعَاوِيَةَ، قَالَ: وَمَا ذَلِكَ؟ فَقَالَ: خَرَجَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى الشَّامِ فَأَتَى عَلَى السوق، ودعا بالظهر فحمل الرّجال وَأَعَدَّ لِكُلِّ طَرِيقٍ طُلابًا. وَمَاجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَسَمِعُتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِالَّذِي هُوَ فِيهِ، فَأَتَتْ عَلِيًّا فَقَالَتْ: مَا لَكَ لا تُزْنِدُ [1] مِنْ هَذَا الرَّجُلِ؟
وَحَدَّثَتْهُ [2] حَدِيثَهُ وَقَالَتْ: أَنَا ضَامِنَةٌ لَهُ، / فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَقَالَ: انْصَرِفُوا، إِنَّهُ عِنْدِي ثقة. 29/ ب [فَانْصَرَفُوا] [3] ،.
وَكَانَتْ عَائِشَةُ [4] مُقِيمَةً بِالْمَدِينَةِ تُرِيدُ عُمْرَةَ الْمُحَرَّمِ، فَلَمَّا قَضَتْ عُمْرَتَهَا وَخَرَجَتْ سَمِعَتْ بِمَا جرى فانصرفت إِلَى مَكَّةَ وَهِيَ لا تَقُولُ شَيْئًا، فَنَزَلَتْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَقَصَدَتِ الْحِجْرَ فَسُتِرَتْ فِيهِ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ الْغَوْغَاءَ مِنْ أَهْلِ الأَمْصَارِ وَأَهْلِ الْمِيَاهِ وَعَبِيدِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ اجْتَمَعُوا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الْمَقْتُولِ بِالأَمْسِ، فَبَادِرُوا بِالْعُدْوَانِ فَسَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ، وَاسْتَحَلُّوا الْبَلَدَ الْحَرَامَ، وَأَخَذُوا الْمَالَ الْحَرَامَ، فَاجْتِمَاعُكُمْ عَلَيْهِمْ يُنَكِّلُ بِهِمْ غَيْرَهُمْ، وَيُشِرِّدُ بِهِمْ مَنْ بَعْدَهُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيُّ: هَا أَنَا لَهَا أَوَّلُ طَالِبٍ، فَكَانَ أَوَّلَ مُنْتَدَبٍ. وحَدَّثَنَا سَيْفٌ [5] ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: خَرَجَتْ عَائِشَةُ نَحْوَ الْمَدِينَةِ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، فَلَقِيَهَا رَجُلٌ مِنْ أَخْوَالِهَا، فَقَالَتْ: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ:
قُتِلَ عُثْمَانُ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالأَمْرُ أَمْرُ الغوغاء. قالت: ما أظن
__________
[1] في الأصول: «مالك ما تزند» .
تزند: يقال: تزند فلان إذا ضاق صدره، ورجل مزند، أي: سريع الغضب.
[2] في الطبري: «إن الأمر على خلاف ما بلّغته وحدّثته» .
[3] إلى هنا الخبر في الطبري 4/ 447. وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 4/ 448.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 449.(5/79)
ذَلِكَ تَامًّا، رُدُّونِي، فَانْصَرَفَتْ رَاجِعَةً إِلَى مَكَّةَ حَتَّى إِذَا دَخَلَتْهَا أَتَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيُّ- وَكَانَ أَمِيرَ عُثْمَانَ عَلَيْهَا- فَقَالَ: مَا رَدَّكِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَتْ: رَدَّنِي أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا، وَأَنَّ الأَمْرَ لا يَسْتَقِيمُ وَلِهَذِهِ الْغَوْغَاءِ أَمْرٌ، فَاطْلُبُوا بِدَمِ عُثْمَانَ تُعِزُّوا الإِسْلامَ.
فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَجَابَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيُّ، وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَتْ بَنُو أُمَيَّةَ بِالْحِجَازِ وَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ، وَقَامَ مَعَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ وَسَائِرُ بَنِي أُمَيَّةَ. وَقَدْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ مِنَ الْبَصْرَةِ، وَيَعْلَى بْنُ أُمَيَّة مِنَ الْيَمَنِ، وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَاجْتَمَعُ مَلَؤُهُمْ بَعْدَ نَظَرٍ طَوِيلٍ فِي أُمُورِهِمْ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ فِي مُقَامٍ آخَرَ: يا أيها النَّاسُ، إِنَّ هَذَا حَدَثٌ عَظِيمٌ وَأَمْرٌ مُنْكَرٌ، فَانْهَضُوا فِيهِ إِلَى إِخْوَانِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَأَنْكِرُوهُ، فَقَدْ كَفَاكُمْ أَهْلُ الشَّامِ مَا عِنْدَهُمْ، لَعَلَّ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْرِكَ لِعُثْمَانَ وللمسلمين بثأرهم.
30/ أوحدّثنا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، وَطَلْحَةَ، قَالا [1] : كَانَ أَوَّلَ/ مَنْ أَجَابَ إِلَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ وَبَنُو أُمَيَّةَ، ثُمَّ قَدِمَ يَعْلَى بْنُ أمية ومعه ستمائة بعير وستمائة أَلْفٍ، فَأَنَاخَ بِالأَبْطَحِ مُعَسْكِرًا، وَقَدِمَ عَلَيْهِمْ طَلْحَةُ والزبير، فلقيا عائشة رضي الله عنها، فقالت: مَا وَرَاءَكُمَا؟ فَقَالا: إِنَّا تَحَمَّلْنَا هُرَّابًا مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ غَوْغَاءَ وَأَعْرَابٍ، وَفَارَقْنَا قَوْمًا حَيَارَى لا يَعْرِفُونَ [حَقًّا] [2] وَلا يُنْكِرُونَ بَاطِلا، فَائْتَمَرَ الْقَوْمُ بِالشَّامِ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ: قَدْ كَفَاكُمُ الشَّامُ مَنْ يَسْتَمِرُّ فِي حَوْزَتِهِ، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ: فَأَيْنَ؟ قَالَ: الْبَصْرَةُ، فَإِنَّ لِي بِهَا صَنَائِعَ، وَلَهُمْ فِي طَلْحَةَ هَوًى، فَقَالُوا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، دَعِي الْمَدِينَةَ وَاشْخَصِي مَعَنَا إِلَى الْبَصْرَةِ فَتُنْهِضِيهِمْ كَمَا أَنْهَضْتِ أَهْلَ مَكَّةَ، فَإِنْ أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمْرَ كَانَ الَّذِي تُرِيدِينَ، وَإِلا احْتَسَبْنَا وَدَفَعْنَا عَنْ هَذَا الأَمْرِ بِجَهْدِنَا [3] ، قَالَتْ: نَعَمْ.
فَانْطَلَقُوا إِلَى حَفْصَةَ، فَقَالَتْ: رَأْيٌ تَبَعٌ لِرَأْيِ عَائِشَةَ، حَتَّى إِذَا لم يبق إلا
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 450.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.
[3] في الأصل: «ودفعنا بجهدنا عن هذا الأمر» .(5/80)
الْخُرُوجُ، قَالُوا: كَيْفَ نَسْتَقِلُّ وَلَيْسَ مَعَنَا مَالٌ نُجَهِّزُ بِهِ النَّاسَ؟ فَقَالَ يَعْلَي بْنُ أُمَيَّةَ: معي ستمائة ألف وستمائة بَعِيرٍ فَارْكَبُوهَا، فَقَالَ ابْنُ عَامِرٍ: مَعِي كَذَا وَكَذَا فَتَجَهَّزُوا بِهَا.
فَنَادَى الْمُنَادِي: إِنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ شَاخِصُونَ إِلَى الْبَصْرَةِ [1] ، فَمَنْ كَانَ يُرِيدُ إِعْزَازَ الإِسْلامِ وَقِتَالَ الْمُحِلِّينَ وَالطَّلَبَ بِثَأْرِ عُثْمَانَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَرْكَبٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ جِهَازٌ فَهَذَا جِهَازٌ وَهَذِهِ نَفَقَةٌ، فحملوا ستمائة رجل على ستمائة نَاقَةٍ سِوَى مَنْ كَانَ لَهُ مَرْكَبٌ- وَكَانُوا جَمِيعًا أَلْفًا- وَتَجَهَّزُوا بِالْمَالِ، وَنَادَوْا بِالرَّحِيلِ، وَاسْتَقَلُّوا ذَاهِبِينَ.
وَأَرَادَتْ حَفْصَةُ الْخُرُوجَ، فَأَتَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَطَلَبَ إِلَيْهَا أَنْ تَقْعُدَ فَقَعَدَتْ، وَبَعَثَتْ إِلَى عَائِشَةَ تَقُولُ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْخُرُوجِ، فَقَالَتْ: يَغْفِرُ اللَّهُ لِعَبْدِ اللَّهِ.
وَخَرَجَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ [2] ، وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ مَعَهُمْ مُرَحَّلَةٌ مِنْ مَكَّةَ، فَقَالَ سَعِيدٌ لِلْمُغِيرَةِ: مَا الرَّأْيُ؟ قَالَ: الرَأْيُ وَاللَّهِ الاعْتِزَالُ، فَإِنَّهُمْ مَا [يَفْلَحُ أَمْرُهُمْ، فَإِنْ] [3] أَظْفَرَهُ اللَّهُ أَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا: كَانَ صَغْوُنَا [4] مَعَكَ، فَجَلَسَا.
وأَخْبَرَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ [5] ، عَنِ الأَغَرِّ، قَالَ [6] : لَمَّا اجْتَمَعَ إِلَى مَكَّةَ بَنُو أُمَيَّةَ وَيَعْلَى/ بْنُ أُمَيَّةَ، وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، ائْتَمَرُوا أمرهم، واجتمع ملؤهم على الطلب 30/ ب بِدَمِ عُثْمَانَ وَقِتَالِ السَّبَئِيَّةِ حَتَّى يَثْأَرُوا، وَأَمَرَتْهُمْ عَائِشَةُ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْبَصْرَةِ وَرَدُّوهَا عَنْ رَأْيِهَا، وَأَمَّرَتْ عَلَى الصَّلاةِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ، فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ.
وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، [عَنِ] ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ [7] ، قَالَ: سمعت
__________
[1] في الأصول: «شاخصين إلى البصرة» .
[2] تاريخ الطبري 4/ 452.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] صغونا: ميلنا.
[5] في الأصول: «عن مخلد بن قيس» . والتصحيح من الطبري.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 453.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري، وفي ت: «عن عبد الرحمن بن أبي مليكة» .(5/81)
عَائِشَةُ بِخَبَرِ عُثْمَانَ فِي الطَّرِيقِ، فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: أَلا إِنَّ عُثْمَانَ عَدَتْ عَلَيْهِ الْغَوْغَاءُ، وَضَعُفَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، فَقَتَلُوهُ مَظْلُومًا، وَإِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بُويِعَ فَلَمْ يَقْوَ عَلَيْهِمْ، وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقِيمَ مَعَهُمْ، فَاطْلُبُوا بِدَمِ عُثْمَانَ، فَخَرَجَتْ لِتُنْهِضَ النَّاسَ وَتَرْجِعَ.
[خروج علي رضي الله عنه إلى الرَّبَذَة يريد البصرة] [1]
وحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ سَهْلِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ [2] ، قَالَ:
جَاءَ عَلِيًّا الْخَبَرُ [عَنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ] [3] فَأَمَّرَ عَلَى الْمَدِينَةِ تَمَّامَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَبَعَثَ إِلَى مَكَّةَ قُثَمَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَخَرَجَ وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِالطَّرِيقِ، فَاسْتَبَانَ لَهُ بِالرَّبَذَةِ أَنْ قَدْ فَاتُوهُ.
وحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا [4] : خَرَجَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى تَعْبِيَتِهِ الَّتِي تَعَبَّى بِهَا إِلَى الشَّامِ، وَخَرَجَ مَعَهُ مَنْ نَشِطَ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ مُتَخَفِّفِينَ [5] فِي تسعمائة رَجُلٍ [6] ، وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يُدْرِكَهُمْ فَيَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْخُرُوجِ.
وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مِهْرَانَ الْبَجَلِيِّ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخَمِيسِيُّ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ [7] ، قَالَ: خَرَجْنَا مِنَ الْكُوفَةِ مُعْتَمِرِينَ [حِينَ أَتَانَا قَتْلُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [8] ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّبَذَة إِذَا الرِّفَاقُ يَحْدُو [9] بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَتَيْتُهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلاةِ أَتَاهُ ابْنُهُ الْحَسَنُ، فَجَلَسَ فَقَالَ: قَدْ أَمَرْتُكَ فَعَصَيْتَنِي، فَتُقْتَلُ غَدًا بِمَضْيَعَةٍ لا نَاصِرَ لَكَ. قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لا تزال تخنّ خنين الجارية،
__________
[1] العنوان غير موجود بالأصول.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 455.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 455.
[5] في الأصل: «الكوفيون والبصريون مجتمعين» .
[6] كذا في الأصول، وفي الطبري: «سبعمائة رجل» .
[7] الخبر في الطبري 4/ 455، 456.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول. وأوردناه من الطبري.
[9] في الأصول: «يدق» . وما أوردناه من الطبري.(5/82)
وَمَا الَّذِي أَمَرْتَنِي فَعَصَيْتُكَ؟ قَالَ: أَمَرْتُكَ يَوْمَ أُحِيطَ بِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ فَيُقْتَلُ وَلَسْتَ بِهَا، ثُمَّ أَمَرْتُكَ يَوْمَ قُتِلَ أَلا تُبَايِعَ حَتَّى يَأْتِيَكَ وُفُودُ الْعَرَبِ وَبَيْعَةُ كُلِّ مِصْرٍ، ثُمَّ أَمَرْتُكَ حِينَ فَعَلَ هَذَانِ الرَّجُلانِ مَا فَعَلا أَنْ تَجْلِسَ فِي بَيْتِكَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا، فَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ كَانَ عَلَى يَدَيْ غَيْرِكَ، فَعَصَيْتَنِي فِي ذَلِكَ/ كله، فقال: أي بني [أما 31/ أقولك: لو خرجت من المدينة حين أحيط بعثمان، فو الله لَقَدْ أُحِيطَ بِنَا كَمَا أُحِيطَ بِهِ] [1] .
وَأَمَّا قولك: لا تبايع حتى تأتي بَيْعَةَ الأَمْصَارِ، فَإِنَّ الأَمْرَ أَمْرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكَرِهْنَا أَنْ يَضِيعَ هَذَا الأَمْرُ. أَمَّا قَوْلُكَ: حِينَ خَرَجَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ وَهَنًا عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ، وَلا وَاللَّهِ مَا زِلْتُ مَقْهُورًا مُذْ وُلِّيتَ، مَنْقُوصًا لا أَصْلَ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا يَنْبَغِي. وَأَمَّا قَوْلُكَ:
اجْلِسْ فِي بَيْتِكَ، فَكَيْفَ لِي بِمَا قَدْ لَزِمَنِي، وَإِذَا لَمْ أَنْظُرْ فِيمَا قَدْ لَزِمَنِي مِنْ هَذَا الأَمْرِ فَمَنْ يَنْظُرُ فِيهِ. فَكُفَّ يَا بُنَيَّ. وحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ بِالرَّبَذَةِ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا فِكْرَتُكَ فِي هَذَا الأَمْرِ، إِنَّ الْبَصْرَةَ لَفِي يَدَيْكَ، وَإِنَّ الْكُوفَةَ لَفِي يَدَيْكَ، فَقَالَ: وَيْحُكُمْ ابْتُلِيتُ بِثَلاثَةٍ مَا رُمِيَ بِمِثْلِهِمْ أَحَدٌ قَطُّ، ابْتُلِيتُ بِفَتَى الْعَرَبِ وَأَجْوَدِهِمْ طَلْحَةَ، وَبِفَارِسِ الْعَرَبِ وَأَحْرَبِهِمُ الزُّبَيْرِ، وَبِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَطْوَعِ النَّاسِ فِي النَّاسِ.
[دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف] [2]
وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا [3] : لَمَّا كَانَ النَّاسُ بِفِنَاءِ الْبَصْرَةِ لَقِيَهُمْ عُمَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ، فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْشُدُكِ اللَّهَ أَنْ تَقْدَمِي الْيَوْمَ عَلَى قَوْمٍ لَمْ تُرَاسِلِي مِنْهُمْ أَحَدًا، [فَأَرْسَلَتِ ابْنَ عَامِرٍ] [4] وَكَتَبَتْ إِلَى رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَإِلَى الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، فَدَعَا عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ وَأَلَزَّهُ بِأَبِي [5] الأَسْوَدِ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[2] العنوان غير موجود بالأصول.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 461.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ألزه: ألصقه.(5/83)
الدُّؤَلِيِّ، فَقَالَ: انْطَلِقَا إِلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَاعْلَمَا عِلْمَهَا وَعِلْمَ مَنْ مَعَهَا. فَخَرَجَا فَانْتَهَيَا إِلَيْهَا، فَاسْتَأْذَنَا فَأُذِنَ لَهُمَا، فَقَالا: إِنَّ أَمِيرَنَا بَعَثَنَا إِلَيْكِ يَسْأَلُكِ عَنْ مَسِيرَكِ، فَهْل أَنْتِ مُخْبِرَتُنَا؟ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا مِثْلِي يَسِيرُ بِالأَمْرِ الْمَكْتُومِ، إِنَّ الْغَوْغَاءَ مِنْ أَهْلِ الأَمْصَارِ [وَنُزَّاعَ الْقِبَائِلِ] [1] غَزَوْا حَرَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْدَثُوا فِيهِ الأَحْدَاثَ وَآوَوْا فِيهِ [2] الْمُحْدِثِينَ، فَاسْتَحَلُّوا الدَّمَ الْحَرَامَ فَسَفَكُوهُ وَانْتَهَبُوا، فَخَرَجْتُ فِي الْمُسْلِمِينَ أُعْلِمُهُمْ مَا أَتَى هَؤُلاءِ الْقَوْمُ وَمَا ينبغي لهم أَنْ يَأْتُوا فِي إِصْلاحِ هَذَا.
فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهَا فَأَتَيَا طَلْحَةَ، فَقَالا: مَا أَقْدَمَكَ؟ قَالَ: الطلب بدم عثمان، قالا:
31/ ب أَلَمْ تُبَايِعْ/ عَلِيًّا؟ قَالَ: بَلَى، وَاللُّجُّ عَلَى عُنُقِي [3] ، وَمَا أَسْتَقِيلُ عَلِيًّا إِنْ هُوَ لَمْ يَحُلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، ثُمَّ أَتَيَا الزُّبَيْرَ فَقَالا لَهُ مِثْلَ مَا قَالا لِطَلْحَة، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. فَنَادَى عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ فِي النَّاسِ وَأَمَرَهُمْ بِلُبْسِ السِّلاحِ، وَقَامَ رَجُلٌ فقال للناس: يا أيها الناس، إن هؤلاء القوم إن كانوا جَاءُوا خَائِفِينَ فَقَدْ جَاءُوا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يَأْمَنُ بِهِ الطَّيْرُ، وَإِنْ كَانُوا جَاءُوا يَطْلُبُونَ بِدَمِ عُثْمَانَ فَمَا نَحْنُ بِقَتَلَةِ عُثْمَانَ. أَطِيعُونِي، وَرُدُّوهُمْ. فَقَالَ الأَسْوَدُ بْنُ سَرِيعٍ: إِنَّمَا فَزِعُوا إِلَيْنَا لِيَسْتَعِينُوا بِنَا عَلَى قَتَلَةِ عُثْمَانَ، فَحَصِبَهُ النَّاسُ.
فَتَكَلَّمَ طَلْحَةُ فَدَعَا إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ، فَتَحَاصَبَ النَّاسُ، فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ وَقَالَتْ: يَنْبَغِي أَخْذُ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، فَتَحَاصَبَ الْقَوْمُ.
وَأَقْبَلَ حَكِيمُ بْنُ جَبَلَةَ، فَأَنْشَبَ الْقِتَالَ، وَأَصْحَابُ عَائِشَةَ كَافُّونَ إِلا مَا دَافَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَغَدَا حَكِيمُ بْنُ جَبَلَةَ يُبَرْبِرُ وفَِي يَدِهِ الرُّمْحُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ: مَنِ الَّذِي تسب؟ قال: عائشة، قال: يا بن الْخَبِيثَةِ، أَلأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ هَذَا، فَوَضَعَ حَكِيمٌ السِّنَانَ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ اقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا، وَمُنَادِي عَائِشَةَ يُنَاشِدُهُمْ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى الْكَفِّ فَيَأْبَوْنُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لا تَقْتُلُوا إِلا مَنْ قَاتَلَكُمْ، وَنَادَوْا: مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ فَلْيَكْفُفْ عَنَّا، فَإِنَّا لا نُرِيدُ إِلا قَتَلَةَ عُثْمَانَ، فَأَنْشَبَ حَكِيمٌ الْقِتَالَ، فَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قتال.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[2] في الأصل: «الأحداث وأقراوا فيه» .
[3] في الأصل: «على عاتقي» ، وما أوردناه عن ت، والطبري.(5/84)
وكانت الوقعة لخمس ليال بقين من ربيع الآخرة سنة ست وثلاثين.
فلما نزل علي [1] رضي الله عنه على الثعلبية أتاه الخبر بما لقي عثمان بن حنيف [ثم أتاه ما لقي حكيم بن جبلة، ولما انتهوا إلى ذي قار انتهى إليه فيها عثمان بن حنيف] [2] وليس فِي وجهه شعرة. وأتاه الخبر بما لقيت ربيعة، وخروج عبد القيس، وخرج إلى علي خلق كثير من أهل الكوفة، فدعا على القعقاع بن عمرو فأرسله إلى أهل البصرة، وقَالَ: الق هذين الرجلين فادعهما إلى الألفة والجماعة، وعظم عليهما الفرقة، / فخرج القعقاع [3] حتى أتى البصرة، فبدأ بعائشة فسلم عليها، فقال: أي 32/ أأماه، ما أشخصك وما أقدمك على هذه البلدة؟ قَالَتْ: أي بني، إصلاح بين الناس، قَالَ: فابعثي إلى طَلْحَة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما، فبعثت إليهما، فجاءا، فقَالَ: إني سألت أم المؤمنين ما أشخصها فقالت: الإصلاح بين الناس، فما تقولان أنتما، أمتابعين أم مخالفين؟ قالا: متابعين، قال: فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح، فو الله لئن عرفناه لنصلحن، ولئن أنكرناه لا يصلح، قالا: قتلة عثمان، فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن، وإن أعمل به كان إحياء للقرآن، فقَالَ: قد قتلتما قتلة أمير المؤمنين من أهل البصرة، قتلتم ستمائة إلا رجلا، قالت أم المؤمنين: فتقول أنت ماذا؟ قَالَ: أقول إن هذا الأمر دواؤه التسكين، وإذا سكن اختلجوا، فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير، ودرك بثأر هذا الرجل، وسلامة لهذه الأمة، وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر واعتسافه، كانت علامة الشر، فكونوا مفاتيح الخير، فقالوا له: قد أحسنت فارجع، فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر، فرجع إلى علي، فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، وأقبلت وفود البصرة نحو علي.
وجاءت وفود تميم [4] وبكر، فجمع علي الناس وقام، فذكر إنعام الله تعالى على هذه الأمة بالاجتماع إلى أن قَالَ: ثم حدث هذا الحدث الذي جرّه على هذه الأمة أقوام
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 481.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] تاريخ الطبري 4/ 488.
[4] تاريخ الطبري 4/ 493.(5/85)
طلبوا [هذه] [1] الدنيا، وحسدوا من أفاءها الله عليه، ألا وإني راحل غدا، فارتحلوا، ولا يرتحلن أحد أعان على عثمان بشيء، وليغن السفهاء عني أنفسهم.
فاجتمع نفر، منهم علباء بن الهيثم، وعدي بن حاتم، وسالم بن ثعلبة القيسي، وشريح بن أوفى بن ضبيعة، والأشتر، فِي عدة ممن سار إلى عثمان، ورضي مسير من سار، وجاء معهم المصريون: ابن السوداء، وخالد بن ملجم، وتشاوروا، [فقالوا] : [2] ما الرأي؟ وهذا والله علي وهو أبصر [الناس] [3] بكتاب الله، [وأقرب] [4] ممن يطلب 32/ ب قتلة عثمان، / وأقربهم إلى العمل بذلك، وهو يقول ما يقول، فكيف به إذا شام القوم وشاموه، ورأوا قتلنا، وقتلنا فِي كثرتهم، إياكم والله ترادون [5] . فقَالَ الأشتر: أما طَلْحَة والزبير فقد عرفنا أمرهما، وأما علي فلم نعرف أمره حتى كان اليوم، ورأي الناس فينا واحد، وإن يصطلحوا على دمائنا فهلموا نتواثب على علي فنلحقه بعثمان، فتعود فتنة يرضى منا فيها بالسكوت [6] . فقَالَ عَبْد اللَّهِ بن السوداء: بئس الرأي رأيت [7] ، نحن نحو من ستمائة، وهذا ابن الحنظلية وأصحابه فِي خمسة آلاف بالأسواق [8] ، إلى أن يجدوا إلى قتالكم سبيلا.
وقَالَ علباء بن الهيثم: انصرفوا بنا عنهم ودعوهم وارجعوا، فتعلقوا ببلد من البلدان حتى يأتيكم فيه من تتقون به، و [امتنعوا من الناس] [9] . قَالَ ابن السوداء: بئس ما رأيت، ود والله الناس أنكم على جديلة [10] ، ولم تكونوا مع أقوام براء، ولو كان الّذي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[5] في الأصول: «يراد» .
[6] في الطبري: «بالسكون» .
[7] «رأيت» : ساقط من ت.
[8] في الطبري: «بالأشواق» .
[9] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[10] أي: على رأي واحد.(5/86)
تقول لتخطفكم كل شيء [1] . وقَالَ ابن السوداء: إذا التقى الناس غدا فانشبوا القتال، ولا تدعوهم يفرغون للنظر، فإذا من أنتم معه لا يجد بدا من أن يمتنع، فيشغل الله عليا وطَلْحَة والزبير، ومن رأى رأيهم عما تكرهون فتفرقوا على مثل ذلك والناس لا يشعرون.
وأصبح علي رضي الله عنه على ظهر، فمضى ومضى الناس، وقام علي فخطبهم وقَالَ: يا أيها الناس، كفوا أيديكم وألسنتكم عن هؤلاء القوم فإنهم إخوانكم، ومضى حتى أطل على القوم، فبعث إليهم حكيم بن سلامة، ومالك بن حبيب، فقَالَ: إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا وأقرونا ننزل وننظر فِي هذا الأمر، فقَالَ له الأحنف بن قيس: إن قومنا بالبصرة يزعمون أنك إن ظهرت عليهم ستقتل رجالهم وتسبي نساءهم. فقَالَ: ما مثلي يخاف هذا منه، وهل يحل هذا إلا ممن تولى وكفر، وهم قوم مسلمون، فهل أنت مغن عني قومك؟ قَالَ: نعم، فاختر مني واحدة من اثنتين، إما أن آتيك فأكون معك بنفسي، وإما أن أكف عنك عشرة آلاف سيف.
فرجع إلى الناس فدعاهم إلى القعود وارتحل حتى نزل بحذاء القوم والناس لا/ 33/ أيشكون فِي الصلح، ومع عائشة ثلاثون ألفا، ومع علي عشرون ألفا، فلما نزل الناس واطمأنوا خرج علي وخرج طَلْحَة والزبير، فتواقفوا، وتكلموا فيما اختلفوا فيه، فلم يجدوا أمرا هو أمثل من الصلح ووضع الحرب، فافترقوا عن موقفهم على ذلك، ورجع علي إلى عسكره، ورجع وطَلْحَة والزبير إلى عسكرهما.
أمر القتال
وبعث علي [2] من العشي عَبْد اللَّهِ بن عباس إلى طَلْحَة والزبير، [وبعثاهما من العشي مُحَمَّد بن طَلْحَة إلى علي، وأن يكلم كل واحد منهما أصحابه، فقالوا: نعم، فلما أمسوا] [3] أرسل طَلْحَة والزبير إلى رؤساء أصحابهما، وأرسل علي إلى رؤساء أصحابه، ما خلا أولئك الذين هضبوا على عثمان، فباتوا على الصلح، وباتوا بليلة لم
__________
[1] في الأصل: «لتخطفكم الناس» .
[2] تاريخ الطبري 4/ 506.
[3] ما بين المعقوفتين: في الأصل «وبعثا إليه محمد بن طلحة» وما أوردناه من الطبري.(5/87)
يبيتوا بمثلها للعافية من الذي أشرفوا عليه، [والنزوع عما اشتهى الذين اشتهوا، وركبوا ما ركبوا] [1] ، وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة [باتوها قط] ، قد أشرفوا على الهلكة، وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها، حتى اجتمعوا على إنشاب الحرب [فِي السر] [2] ، واستسروا بذلك خشية أن يفطن لهم، فغدوا مع الغلس [3] ، وما يشعر بهم [أحد غير] جيرانهم، فخرج مضريهم إلى مضريهم، [وربعيهم إلى ربعيهم] [4] ، ويمانيهم إلى يمانيهم، حتى وضعوا فيهم السلاح، فثار أهل البصرة، وثار كل قوم فِي وجوه أصحابهم الذين بهتوهم [5] ، وخرج الزبير وطَلْحَة فبعثا إلى الميمنة عَبْد الرَّحْمَنِ بن الحارث بن هشام، وإلى الميسرة عَبْد الرَّحْمَنِ بن عتاب بن أسيد، وثبتا فِي القلب، وقالا: ما هذا؟
قالوا: طرقنا أهل الكوفة ليلا، فقالا: قد علمنا أن عليا غير منته حتى يسفك الدماء، [ويستحل الحرمة] [6] ، وإنه لن يطاوعنا، ثم رجعا بأهل البصرة.
فسمع علي وأهل الكوفة الصوت، وقد وضعوا رجلا قريبا من علي ليخبره بما يريدون، فلما قَالَ: ما هذا؟ قَالَ ذلك الرجل: ما فاجئنا إلا وقوم منهم قد بيتونا، فرددناهم من حيث جاءوا، فوجدنا القوم على رجل فركبونا، وثار الناس، وقَالَ علي لصاحب ميمنته: ائت الميمنة، ولصاحب ميسرته ائت الميسرة، ولقد علمت أن طَلْحَة والزبير غير منتهيين حتى يسفكا الدماء، ونادى علي فِي الناس: كفوا، فكان رأيهم جميعا ألا يقتتلوا حتى يبدءوا. وأقبل كعب بن سعد حتى أتى عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فقال: أدركي، فقد أبى 33/ ب القوم إلا القتال، لعل/ الله يصلح بك. فركبت، وألبسوا هودجها الأدراع، ثم بعثوا جملها، فلما برزت- وكانت بحيث تسمع الغوغاء- وقفت، فقالت: ما هذا؟ قالوا:
ضجة العسكر، قالت: بخير أم بشر؟ قالوا: بشر. قالت: وأي الفريقين كانت منهم هذه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصول: «فغذوا من الغلس» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[5] أي: كذبوهم. وفي الأصل: «نهنهوهم» ، وفي أ: «نهلوهم» . وما أوردناه من الطبري.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.(5/88)
الضجة فهم المهزومون. فما فجئها إلا الهزيمة، فمضى الزبير فِي وجهه، فسلك وادي السباع، وجاء طَلْحَة سهم غرب [1] يخل ركبته بصفحة الفرس، فلما امتلأ موزجه دما وثقل قَالَ لغلامه: ابغني مكانا أنزل فيه، وتمثل بهذا يقول:
ندمت ندامة الكسعي لما ... شربت رضا بني سهم برغمي
أطعتهم بفرقة آل لأي ... فألقوا للسباع دمي ولحمي
واقتتل الناس [2] وأقبلوا فِي هزيمتهم يريدون البصرة، فلما رأوا الجمل طافت به مضر، فقالت عائشة: خل يا كعب عن البعير وتقدم بكتاب الله عز وجل فادعهم إليه، ودفعت إليه مصحفا. وأقبل القوم وأمامهم السبئية يخافون أن يجري الصلح، فاستقبلهم كعب بالمصحف، فرشقوه رشقا واحدا، فقتلوه، ثم رموا أم المؤمنين فِي هودجها، فجعلت تنادي: يا بني البقية البقية- ويعلو صوتها- اذكروا الله والحساب، ويأبون إلا إقداما، فقالت: أيها الناس العنوا قتلة عثمان وأشياعهم، فضجوا بالدعاء، فسمع علي، فقَالَ: ما هذه الضجة؟ قالوا: عائشة تدعو ويدعون معها على قتلة عثمان وأشياعهم، فأقبل يدعو ويقول: اللَّهمّ العن قتلة عثمان وأشياعهم. وأرسلت إلى عَبْد الرَّحْمَنِ بن عتاب وعبد الرحمن بن الحارث: اثبتا مكانكما، فاجتلدوا قدام الجمل، والمجنبتان على حالهما.
وكان القتال الأول [3] يتسحر إلى انتصاف النهار، وأصيب فيه طَلْحَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وذهب فيه الزبير، فلما أووا إلى عائشة وأبى أهل الكوفة إلا القتال، ولم يريدوا إلا عائشة، اقتتلوا حتى تحاجزوا بعد الظهر، وذلك يوم الخميس فِي جمادى الآخرة، فاقتتلوا صدر النهار/ مع طَلْحَة والزبير، وفِي وسطه مع عائشة، وتزاحف الناس، 34/ أفهزمت يمن البصرة يمن الكوفة، وربيعة البصرة ربيعة الكوفة، ونهد علي بمضر الكوفة إلى مضر البصرة.
واقتتلت [4] المجنبتان حين تزاحفتا قتالا يشبه ما فيه القلبان، وأقبل أهل اليمن
__________
[1] سهم غرب: لا يدرى راميه.
[2] تاريخ الطبري 4/ 513.
[3] تاريخ الطبري 4/ 514.
[4] تاريخ الطبري 4/ 515.(5/89)
على راية علي فقتل على راية علي من أهل الكوفة عشرة، كلما أخذها رجل قتل قيل: وكان العشرة خمسة من همذان وخمسة من سائر اليمن.
ولما رأت الكماة [1] من مضر الكوفة ومضر البصرة الصبر جعلوا يتوخون الأطراف [2] : الأيدي والأرجل، فما رئيت وقعة قط قبلها ولا بعدها، ولا يسمع بها أكثر يدا مقطوعة [ورجلا مقطوعة] [3] منها، لا يدرى من صاحبها.
فلما ظهر الخلل [4] فِي العسكرين رموا الجمل، وقالوا: لا يزول القوم أو يصرع الجمل، وأزرت مجنبتا علي فصارت فِي القلب، وكانت أم المؤمنين فِي حلقة من أهل النجدات والبصائر، وكان لا يأخذ أحد بالزمام إلا كان كمن يحمل الراية، وكان لا يأخذه إلا معروف عند المطيفين بالجمل، فإن القوم ليقتتلون عليه، وما رامه أحد [5] من أصحاب علي إلا قتل أو أفلت، ثم لم يعد. ولما اختلط الناس بالقلب جاء عدي بن حاتم فحمل عليه، ففقئت عينه ونكل.
وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ [6] : كَانَ لا يَجِيءُ رَجُلٌ فَيَأْخُذُ بِالزِّمَامِ حَتَّى يَقُولَ: أَنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ، فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتَ؟ قال:
أنا عبد الله بن الزبير، فقالت: وا ثكل أَسْمَاءَ [7] . وَانْتَهَى إِلَى الْجَمَلِ الأَشْتَرِ، وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ إِلَى الأَشْتَرِ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَقَتَلَهُ الأَشْتَرُ، وَمَضَى إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَضَرَبَهُ الأَشْتَرُ عَلَى رَأْسِهِ، فَجَرَحَهُ جُرْحًا شَدِيدًا، وَضَرَبَ عَبْدُ اللَّهِ الأَشْتَرَ ضَرْبَةً خَفِيفَةً، وَاعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَخَرَّا إِلَى الأَرْضِ يَعْتَرِكَانِ.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 515.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 4/ 525.
[5] في ت: «وما رماه أحد» .
[6] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 525.
[7] في الطبري: «أنا عبد الله، أنا ابن أختك، فقلت: وا ثكل أسماء- تعني أختها» .(5/90)
وحَدَّثَنَا سيف، عن الصعب بن عطية، عن أبيه، قَالَ [1] : لا والله ما بقي من بني عامر يومئذ شيخ إلا أصيب قدام الجمل.
/ وحَدَّثَنَا سيف، عن مُحَمَّد وطَلْحَة، قالا [2] : كان من آخر من قاتل ذلك اليوم 34/ ب زفر بن الحارث، فزحف إليه القعقاع، وقَالَ: يا بجير بن دلجة، صح بقومك فليعقروا الجمل قبل أن يصابوا وتصاب أم المؤمنين، فاجتث ساق البعير وأقطع بطانه وحملا الهودج فوضعاه.
وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنِ الصَّعْبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ [3] : لَمَّا اخْتُلِطَ بِالْجَمَلِ وَعَقَرَهُ بُجَيْرُ بْنُ دُلْجَةَ، قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
إِلَيْكَ أَشْكُو عَجُرِي وَبُجَرِي ... وَمَعْشَرًا غَشَّوْا عَلَيَّ بَصَرِي
قَتَلْتُ مِنْهُمْ مُضَرًا بِمُضَرِي ... شَفَيْتُ نَفْسِي وَقَتَلْتُ مَعْشَرِي
وكان رجل يومئذ يقول: يال مضر، علام يقتل بعضنا بعضا، فنادوا لا ندري [4] إلا أنا إلى قضاء. وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ [5] : قَالَ طَلْحَةُ يَوْمَئِذٍ: اللَّهمّ اعْطِ عُثْمَانَ مِنِّي حَتَّى يَرْضَى، فَجَاءَهُ سَهْمٌ غَرِبٌ وَهُوَ وَاقِفٌ، فَخَلَّى رُكْبَتَهُ بِالسَّرْجِ، فَمَضَى بِهِ إِلَى دَارٍ مِنَ دور الْبَصْرَةِ خَرِبَةٍ، فَمَاتَ فِيهَا.
وحَدَّثَنَا سيف [6] ، عن فطر بن خليفة، عن أبي بشير، قَالَ: شهدت الجمل، فو الله ما سمعت دق القصارين إلا ذكرت يوم الجمل.
وحَدَّثَنَا سَيْفٌ [7] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ السلمي، عن ميسرة أبي جميلة، أن
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 526.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 527.
[3] الخبر في الموضع السابق والصفحة.
[4] في الطبري «تبادرون لا ندري» .
[5] الخبر في الطبري 4/ 527.
[6] كذا في الأصول. وفي الطبري 4/ 532: «حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال حدثنا أبو فقيم، قال: حدثنا فطر» به.
[7] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 533.(5/91)
مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَتَيَا عَائِشَةَ وَقَدْ عُقِرَ الْجَمَلُ، فَاحْتَمَلا الْهَوْدَجَ، فَنَحَّيَاهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: ادْخُلا بِهَا الْبَصْرَةَ، فَأَدْخِلاهَا دَارَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ الْخُزَاعِيِّ. وحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا: أَمَرَ عَلِيٌّ نَفَرًا بِحَمْلِ الْهَوْدَجِ مِنْ بَيْنَ الْقَتْلَى، وَقَدْ كَانَ الْقَعْقَاعُ وَزُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ أَنْزَلاهُ عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ، فَوَضَعَاهُ إِلَى جَنْبِ الْبَعِيرِ، فَأَقْبَلَ محمد بن أبي بَكْرٍ [إِلَيْهِ وَمَعَهُ نَفَرٌ] [1] ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، فَقَالَتْ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: أَخُوكِ الْبَرُّ، قَالَتْ: عققت، فأبرزوها بِهَوْدَجِهَا مِنَ الْقَتْلَى، فَوَضَعُوهَا لَيْسَ قُرْبَهَا أَحَدٌ، وكأن هودجها فرخ مقصّب [2] مما فيه من النبل. وجاء أعين بن ضبيعة المجاشعي 35/ أحتى اطَّلَعَ فِي الْهَوْدَجِ، فَقَالَتْ: إِلَيْكَ لَعَنَكَ اللَّهُ، فَقَالَ: / وَاللَّهِ مَا أَرَى إِلا حُمَيْرَاءَ، قَالَتْ: هَتَكَ اللَّهُ سِتْرَكَ، وَقَطَعَ يَدَكَ، وَأَبْدَى عَوْرَتَكَ. فَقُتِلَ بِالْبَصْرَةِ، وَسُلِبَ، وَقُطِعَتْ يَدُهُ، وَرُمِيَ بِهِ عُرْيَانًا فِي خَرِبَةٍ مِنْ خِرَابِ الأَزْدِ، فَارْتَقَى إليها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقَالَ: أَيْ أُمَّاهُ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ، قَالَتْ: غَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ. وحَدَّثَنَا سيف، عن الصعب بن حكيم بن شريك، عن أبيه، عن جده قَالَ [3] : انتهى مُحَمَّد بن أبي بكر إلى الهودج ومعه عمار بن ياسر، فقطعا الأنساع عن الهودج واحتملاه، فلما وضعاه أدخل مُحَمَّد يده، وقَالَ: أخوك مُحَمَّد، قالت: مذمم، قَالَ: يا أخية، هل أصابك شيء؟ قالت: ما أنت من ذلك فِي شيء، قَالَ: فمن إذن، الضلال؟ قالت: بل الهداة. وانتهى إليها علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقَالَ: كيف أنت يا أماه؟
قالت: بخير، قَالَ: يغفر الله لك، قالت: ولك. وحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا [4] : لَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ خَرَجَ مُحَمَّدٌ بِعَائِشَةَ حَتَّى أَدْخَلَهَا الْبَصْرَةَ، فَأَنْزَلَهَا فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ الْخُزَاعِيِّ عَلَى صَفِيَّةَ ابْنَةِ الْحَارِثِ بن طلحة، وهي أم طلحة الطّلحات.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[2] الفرخ: الزرع إذا تهيأ للانشقاق بعد ما يطلع. مقصب: أي ذو أنابيب.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 534.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 534.(5/92)
[من انهزم يوم الجمل فاختفى ومضى فِي البلاد]
ومضى الزبير فِي صدر يوم الهزيمة راحلا نحو المدينة وكر عليه ابن جرموز، فطعنه فدق صلبه وأخذ رأسه [1] .
ودخلوا على عائشة، فقالت: والله لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة [2] .
ودخلوا على علي فقَالَ: لوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة.
وبلغ قتلى يوم الجمل عشرة آلاف، نصفهم من أصحاب علي، ونصفهم من أصحاب عائشة، من الأزد ألفان، ومن سائر اليمن خمسمائة، ومن مضر ألفان وخمسمائة، وخمسمائة من تميم، وألف من بني ضبة، وخمسمائة من بكر بن وائل [3] .
وقتل من أهل البصرة فِي المعركة الأولى خمسة آلاف، ولم ير يوم كان أكثر من يد مقطوعة، ورجل مقطوعة لا يدرى من صاحبها منه. وقتل من أهل البصرة يومئذ عشرة آلاف من أصحاب علي خمسة آلاف، وقتل من بني عدي يومئذ سبعون شيخا كلهم قد قرأ القرآن، سوى الشباب ومن/ لم يقرأ القرآن
. 35/ ب
[دخول علي رضي الله عنه على عائشة رضي الله عنها]
[4] ودخل علي البصرة يوم الاثنين، وانتهى إلى المسجد، فصلى فيه، فأتاه الناس، ثم راح إلى عائشة على بغلته، فلما انتهى إلى دار عَبْد اللَّهِ بن خلف الخزاعي وهي أعظم دار بالبصرة، وجد النساء تبكين على عَبْد اللَّهِ وعثمان ابني خلف، قتل أحدهما مع علي والآخر مع عائشة، وصفية بنت الحارث تبكي مختمرة، فلما رأته قالت: يا علي، يا قاتل الأحبة، يا مفرق الجماعة، أيتم الله بنيك منك كما أيتمت ولد عَبْد اللَّهِ منه، فلم يرد عليها شيئا.
فدخل على عائشة فسلم عليها وقعد عندها، وقَالَ: جبهتنا صفية، أما إني لم أرها منذ كانت جارية حتى اليوم.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 535.
[2] تاريخ الطبري 4/ 537.
[3] تاريخ الطبري 4/ 539.
[4] تاريخ الطبري 4/ 539.(5/93)
[بيعة أهل البصرة عليا وقسمة ما فِي بيت المال عليهم] [1]
ثم بايعه أهل البصرة، ونظر فِي بيت مال البصرة فإذا به ستمائة ألف وزيادة، فقسمها على من شهد معه، فأصاب كل رجل منهم خمسمائة خمسمائة، وقَالَ: لكم إن أظفركم الله بالشام مثلها إلى أعطياتكم، وخاض فِي ذلك السبئية، وطعنوا على علي رضي الله عنه من وراء وراء.
[تجهيز علي رضي الله عنه عائشة رضي الله عنها من البصرة] [2]
وجهز علي عائشة بكل شيء ينبغي لها من مركب وزاد ومتاع، وأخرج معها كل من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وقَالَ: تجهز يا مُحَمَّد، فبلغها، فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه، جاءها حتى وقف لها، وحضر الناس، فخرجت وودعوها [3] وودعتهم وقالت: الله ما كان بيني وبين علي فِي القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه عندي على معتبتي لمن الأخيار.
وقَالَ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يا أيها الناس، صدقت والله وبرت، ما كان بيني وبينها إلا ذلك، وإنها لزوجة نبيكم صلّى الله عليه وسلّم فِي الدنيا والآخرة.
وخرجت يوم السبت لغرة رجب سنة ست وثلاثين، وشيعها علي أميالا، وسرح بنيه معها يوما.
وقصدت [4] عائشة مكة، فأقامت بمكة إلى الحج، ثم رجعت إلى المدينة، 36/ أوانصرف مروان والأسود بن أبي البختري إلى المدينة، ورجع علي إلى/ منزله.
[تأمير ابن عباس على البصرة وتولية زياد الخراج]
وأمر على البصرة [5] ابن العباس، وولى زيادا الخراج وبيت المال، وأمر ابن
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 541.
[2] تاريخ الطبري 4/ 544.
[3] في ت: «وودعها وودعتهم» .
[4] تاريخ الطبري 4/ 542.
[5] تاريخ الطبري 4/ 543.(5/94)
العباس أن يسمع منه، وارتحلت السبئية بغير إذن علي، فارتحل فِي آثارهم ليقطع عليهم أمرا إن كانوا أرادوه.
وعلم أهل المدينة بيوم الجمل يوم الخميس قبل مغرب الشمس من نسر مر بما حول المدينة، معه شيء متعلقة، فتأمله الناس فوقع، فإذا هو كف فيها خاتم نقشه «عَبْد الرَّحْمَنِ بن عتاب بن أسيد» وجعل من بين مكة والمدينة ممن قرب من البصرة أو بعد، يعلمون بالوقعة مما ينقل إليهم النسور من الأيدي والأقدام.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن المذهب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ مَوْلَى أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنَّهُ سَيَكُونُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَائِشَةَ أَمْرٌ» ، قَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنَا، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنَا أشقاهم يا رسول الله، قال: «لا، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَارْدُدْهَا إِلَى مَأْمَنِهَا» . أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أبو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الآدَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصِّيصِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
مَا ذَكَرَتْ عَائِشَةُ مَسِيرَهَا قَطُّ إِلا بَكَتْ حَتَّى تَبُلَّ خِمَارَهَا وَتَقُولُ: لَيْتَنِي كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا 19: 23 [1] .
قَالَ سُفْيَانُ: النَّسْيُ الْمَنْسِيُّ الْحَصَاةُ [2] الْمُلْقَاةُ.
أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن الحسين الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ، قال: أَخْبَرَنِي لَيْثُ بْنُ طَاهِرٍ الْمُنَادِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن يعقوب،
__________
[1] سورة: مريم، الآية: 23.
[2] في الأصل: «الحيضة» .(5/95)
قالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَلادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبيد 36/ ب الله بن عمر الرقي، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ/ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها أنها كانت تَقُولُ:
لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ وَلَمْ أَكُنْ خَرَجْتُ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةٌ كُلُّهُمْ مِثْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ.
أَخْبَرَنَا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، [أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الله الأنماطي، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عبد الكريم، حدثنا الهيثم بْنُ عَدِيٍّ، أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ] [1] ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ مِنْ أَمْرِ الْجَمَلِ قَدِمْتُ عَلَيْهِ الْبَصْرَةَ فَقَالَ: بُويِعْتَ وَرَجَعْتَ عَنْ نُصْرَتِكَ، وَمَا كُنْتُ أَعْرِفُكَ بِهِ، وَعِنْدَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقُلْتُ: لا تُؤَنِّبْنَا وَاسْتَصْفِ كَدَرَ قُلُوبِنَا، فَإِنَّ السَّوْطَ يَطِيرُ [2] وَعَمُودُ حَرْبِكَ كَمَا هُوَ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ أَمْرِكَ مَا تَعْرِفُ بِهِ الْغَاشَّ مِنَ النَّاصِحِ، قَالَ: لا، ولكن وجدنا خزاعة أقل شيء شكرا، فقلت: قَدْ نَصَحَنَا وَشَكَرَنَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، للَّه وَلِرَسُولِهِ. ثُمَّ قُمْتُ فَأَتَيْتُ وَلَدَهُ الْحَسَنُ، فَقُلْتُ: لا وَصَلَتْكَ رَحِمٌ، تَسْمَعُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ لِي مَا يَقُولُ ثُمَّ لا تُعِينُنِي عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبَا مُطَرِّفٍ لا يُهَوِّلَنَّكَ الَّذِي سمعت، فو الله الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرَهُ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ الْجَمَلِ حَيْثُ أَخَذَتِ السُّيُوفُ مَأْخَذَهَا مِنْ جَمَاجِمِ الرِّجَالِ [3] يَتَغَوَّثُ بِي وَيَقُولُ: يَا حَسَنُ، وَدِدْتُ أَنَّ أَبَاكَ هَلَكَ قَبْلَ الْيَوْمِ بِعِشْرِينَ سَنَةً.
ومن الحوادث فِي هذه السنة قتل مُحَمَّد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة
وكان يحرض على عثمان، وهو الذي سير المصريين إليه، فلما خرج المصريون
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «بإسناده عن سليمان» .
[2] في ت: «فإن السوط يطبن» .
[3] في الأصل: «من هام الرجال» .(5/96)
مع مُحَمَّد بن أبي بكر أقام هو بمصر، وأخرج عنها عَبْد اللَّهِ بن سعد بن أبي سرح، وضبطها، فلم يزل مقيما بها حتى قتل عثمان وبويع لعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فأظهر معاوية له الخلاف وتابعه على ذلك عمرو بن العاص، وسار معاوية وعمرو إلى مُحَمَّد بن أبي حذيفة حتى خرج إلى عريش مصر فِي ألف رجل، فتحصن بها، وجاءه عمرو فنصب المنجنيق عليه حتى نزل فِي ثلاثين من أصحاب، فأخذوه وقتلوه، هذا قول الواقدي.
/ وأما هشام بن مُحَمَّد، فإنه يزعم أن مُحَمَّد بن أبي حذيفة قتل بعد قتل 37/ أمحمد بن أبي بكر، وانه لما دخل عمرو بن العاص إلى مصر بعث به إلى معاوية فحبسه، وكان ابن خال معاوية، وكان معاوية يحب أن يفلت فهرب من السجن، فقَالَ معاوية: من يطلبه؟ فخرج عَبْد اللَّهِ بن عمر الخثعمي، فوجده، فقتله وذلك فِي سنة ثمان وثلاثين.
فصل [فِي إظهار معاوية الخلاف لعلي]
[1] وفِي سبب إظهار معاوية مخالفة علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فإنه بلغه أن عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لا أقره على عمله، فقَالَ معاوية: والله لا ألي له شيئا ولا أبايعه، ولا أقدم عليه، فبعث إليه جرير بن عَبْد اللَّهِ البجلي يدعوه إلى الطاعة فأبى، فحينئذ عزم علي رضي الله عنه على الخروج إلى صفين. وقَالَ سهل بن سعد [2] : دعا علي رضي الله عنه قيس بن سعد الأنصاري، فقَالَ له: سر إلى مصر فقد وليتكها، فإذا أنت قدمتها فأحسن إلى المحسن، واشتد على المريب وارفق بالعامة والخاصة. فلما قدم أخذ البيعة لعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، واستقامت له مصر، إلا أن قرية [3] منها يقال لها: «خربتا» فيها أناس قد أعظموا قتل عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وبها رجل يقال له: يزيد بن الحارث من بني مدلج. فبعث إلى قيس: أقرنا على حالنا حتى ننظر إلى ما يصير إليه أمر الناس.
__________
[1] العنوان ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] تاريخ الطبري 4/ 547، 548.
[3] في الأصل: «إلا أن فرقة» .(5/97)
فكتب معاوية إلى قيس بن سعد [1] : سلام عليك، أما بعد، فإنكم كنتم نقمتم على عثمان فِي أثرة رأيتموها، أو ضربة بسوط ضربها، فإنكم قد علمتم أن دمه لم يكن يحل لكم، فتب إلى الله يا قيس بن سعد، فإنك كنت من المجلبين على عُثْمَان بْن عَفَّانَ، فأما صاحبك فقد استيقنا أنه الذي أغرى الناس به، وحملهم على قتله، فإن استطعت يا قيس أن تكون ممن يطلب بدم عثمان فافعل، تابعنا على أمرنا، ولك سلطان العراق إذا ظهرت ما بقيت، ولمن أحببت من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان. وسلني غير هذا مما تحب.
فلما جاءه كتاب معاوية أحب أن يدافعه، فكتب إليه: أما بعد، فقد بلغي كتابك، 37/ ب وفهمت/ ما ذكرت فيه من قتل عثمان، وذلك أمر لم أفارقه، وذكرت أن صاحبي هو الذي أغرى الناس بعثمان، وهذا لم أطلع عليه، وأما ما سألتني من متابعتك وعرضت علي من الجزاء فيه فهذا أمر لي فيه نظر، ولن يأتيك شيء تكرهه.
فلما قرأ معاوية الكتاب كتب إليه: أما بعد، فإني لم أرك تدنو فأعدك سلما، ولم أرك تباعد فأعدك حربا، وليس مثلي ينخدع ومعه عدد الرجال، وبيده أعنة الخيل.
فلما قرأ كتاب معاوية، ورأى أنه لا يقبل منه المدافعة، كتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم من قيس بن سعد إلى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد، فالعجب العجيب من اغترارك [2] وطمعك فِي أن تسومني للخروج من طاعة أولى الناس بالإمارة، وأقولهم للحق [3] ، وأقربهم من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتأمرني بالدخول فِي طاعة أبعد الناس من هذا الأمر، وأقولهم بالزور، وأضلهم سبيلا، وقولك إني مالئ عليك مصر خيلا ورجلا [4] ، فو الله لأشغلنك بنفسك حتى تكون نفسك أهم إليك، إنك لذو جد، والسلام.
فلما أتى معاوية كتاب قيس أيس منه، وثقل عليه مكانه.
قَالَ الزهري: كان معاوية وعمرو بن العاص جاهدين أن يخرجا قيسا من مصر
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 550.
[2] في الأصل: «فالعجب العجب من اغترارك» .
[3] في أ: «وأقر لهم بالحق» .
[4] في ابن الأثير: «خيلا رجالا» .(5/98)
ليغلبا عليها، وكان قد امتنع منها بالدهاء والمكايدة، فلم يقدرا عليه [1] حتى كاد معاوية قيس بن سعد من قبل علي، فكان معاوية يقول: ما ابتدعت مكايدة قط كانت أعجب عندي من مكايدة كدت بها قيسا من قبل علي، فكتبت إلى أهل الشام: لا تسبوا قيسا فإنه لنا شيعة، تأتينا كتبه ونصيحته سرا. ألا ترونه يحسن إلى كل راكب منكم، ألا ترون ما يفعل بإخوانكم من أهل خربتا، يجري عليهم أعطياتهم وأرزاقهم.
فبلغ ذلك عليا فاتهم قيسا وكتب إليه يأمره بقتال أهل خربتا، وأهل خربتا يومئذ عشرة آلاف، فأبى وكتب إلى علي: إنهم وجوه أهل مصر، وقد رضوا مني أن أؤمن سربهم، وأجري عليهم/ أعطياتهم، وقد علمت أن هواهم مع معاوية، فأبى علي رضي 38/ أالله عنه إلا قتالهم، وأبى قيس أن يقاتلهم، وكتب إلى علي: إن كنت تتهمني فاعزلني عن عملك، وابعث عليه غيري، فبعث الأشتر إلى مصر أميرا عليها حتى إذا صار بالقلزم سقي شربة عسل فيها سم كان فيها حتفه.
فلما بلغ عليا وفاة الأشتر بالقلزم بعث مُحَمَّد بن أبي بكر أميرا على مصر. هذا قول الزهري.
وقَالَ هشام بن مُحَمَّد: إنما بعث الأشتر بعد هلاك مُحَمَّد بن أبي بكر، ولما جاء عليا مقتل مُحَمَّد بن أبي بكر علم أن قيسا كان ينصحه فأطاعه فِي كل شيء. قال علماء السير: وكان عليّ رضي الله عنه قد كتب عهد مُحَمَّد بن أبي بكر لغرة رمضان، فلم يلبث مُحَمَّد شهرا كاملا حتى بعث إلى أولئك الذين كان قيس وادعهم، وقَالَ: يا هؤلاء، إما أن تدخلوا فِي طاعتنا، وإما أن تخرجوا من بلادنا، فبعثوا إليه: دعنا حتى ننظر، فأبى وبعث إليهم رجلا فقتلوه، ثم بعث آخر فقتلوه.
وفِي هذه السنة قدم ماهويه مرزبان مرو [2] على عَلي بْن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنه بعد الجمل مقرا بالصلح، فكتب له علي كتابا إلى دهاقين مرو والأساورة بأنه قد رضي عنه. ثم إنهم كفروا بعد ذلك.
__________
[1] في الأصول: «فلم يقدرا عليها» .
[2] تاريخ الطبري 4/ 557.(5/99)
وفِي هذه السنة بايع عمرو بن العاص معاوية ووافقه على محاربة علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
[1] وكان السبب أنه لما أحيط بعثمان خرج عمرو بن العاص من المدينة، وقَالَ: من لم يستطع نصر هذا الرجل فليهرب، فسار وسار معه ابناه، فبينما هو فِي بعض الأماكن مر به راكب، فقَالَ: ما الخبر؟ قَالَ: تركت الرجل محصورا، ثم مكثوا أياما فمر بهم راكب، فقَالَ: قتل عثمان وبويع لعلي.
فارتحل عمرو وابناه يبكي بكاء المرأة ويقول: وا عثماناه، حتى نزل دمشق، وبلغه مسير طَلْحَة والزبير وعائشة، فقَالَ: استأن وانظر ما يصنعون، فأتاه الخبر بأن طَلْحَة والزبير قتلا، فارتج عليه أمره، فقيل له: إن معاوية يحرض على الطلب بدم عثمان، 38/ ب فقَالَ لابنيه: ما تريان؟ فقَالَ عَبْد اللَّهِ: أرى أن تكف يدك وتجلس فِي بيتك/ حتى يجتمع الناس على إمام فتبايعه، فقَالَ مُحَمَّد: أنت ناب من أنياب العرب، فلا أرى أن يجتمع هذا الأمر وليس لك فيه صوت ولا ذكر، فقَالَ: أما أنت يا عَبْد اللَّهِ فأمرتني بما هو خير لي فِي آخرتي، وأسلم لي فِي ديني. وأما أنت يا مُحَمَّد فأمرتني بالذي هو أنبه لي فِي دنياي وشر لي فِي آخرتي.
ثم خرج عمرو حتى قدم على معاوية، فرأى أهل الشام يحضون معاوية على الطلب بدم عثمان، فقَالَ: عمرو: أنتم على الحق، اطلبوا بدم الخليفة المظلوم- ومعاوية لا يلتفت إليه- فدخل إلى معاوية فقَالَ له: والله إن أمرك لعجب، لا أراك تلتفت إلى [هؤلاء] [2] ، أما إن قاتلنا معك فإن فِي النفس ما فيها حتى نقاتل من تعلم فضله وقرابته، ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا، فصالحه معاوية بعد ذلك وعطف عليه.
وفِي هذه السنة [خروج علي بن أبي طالب إلى صفين
] [3] خرج علي رضي الله عنه فعسكر بالنخيلة، وقدم عَبْد اللَّهِ بن عباس ثم نهض معه
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 558.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] تاريخ الطبري 4/ 563، وما بين المعقوفتين غير موجود بالأصول.(5/100)
من أهل البصرة إلى الكوفة، فتهيأ منها إلى صفين، واستشار الناس فأشار عليه قوم أن يبعث الجنود ويقيم، وأشار آخرون بالسير [بنفسه] [1] ، فأبى إلا المباشرة، فجهز الناس، فبلغ ذلك معاوية، فدعا عمرو بن العاص فاستشاره وقَالَ: يا أبا عَبْد اللَّهِ جهز الناس. فجاء عمرو فحض الناس، وضعف أمر علي، وقَالَ: إن أهل البصرة مخالفون لعلي، وقد تفانت صناديدهم وصناديد أهل الكوفة يوم الجمل، وإنما سار فِي شرذمة قليلة، فاللَّه الله فِي حقكم أن تضيعوه.
وكتب إلى أجناد الشام، وعقد لابنيه عَبْد اللَّهِ ومُحَمَّد لواء، ولواء لغلامه وردان، [وعقد علي لغلامه] قنبر [2] . [ثم قَالَ عمرو:
هل يغنين وردان عني قنبرا ... وتغني السكون عني حميرا
إذا الكماة لبسوا السنورا] [3] فبلغ ذلك عليا، فقَالَ:
لأصبحن العاصي ابن العاصي ... سبعين ألفا عاقدي النواصي
مجنبين الخيل بالقلاص ... مستحقبين حلق الدلاص
وجعل معاوية يتأنى فِي أمره ومسيره، وبعث علي رضي الله عنه زياد بن النضر الحارثي طليعة فِي ثمانية آلاف، وبعث معه شريح بن هانئ في أربعة آلاف، وخرج/ 39/ أعليّ من النخيلة بمن معه، فلما دخل المدائن شخص معه من فيها من المقاتلة [4] ، ولما عبر الفرات قدم زيادا وشريحا أمامه، فلقيهما أبو الأعور السلمي عمرو بن سفيان فِي جند من أهل الشام، فأرسلا إلى علي يخبرانه، فبعث علي الأشتر إلى النضر وشريح وقَالَ: إذا قدمت [عليهم] [5] فأنت [أمير] [6] عليهم، وإياك أن تبدأ القوم بقتال إلا أن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: من الطبري. وفي ت: «لواءين ولغلاميه وردان وقنبر» وفي الأصل: «لواء ولغلامية وردان وقنبر» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.
[4] في الأصل: «شخص ببعض من معه فيها من المقاتلة» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.(5/101)
يبدءوك حتى تدعوهم وتسمع قولهم، واجعل على ميمنتك زيادا وعلى ميسرتك شريحا، وقف من أصحابك وسطا، فإني حثيت السير فِي أثرك إن شاء الله تعالى.
وكتب إليهما [1] : إني قد أمرت عليكما مالكا، فاسمعا له وأطيعا. وقدم الأشتر على القوم، وكف عن القتال حتى إذا كان المساء حمل عليهم أبو الأعور، فثبتوا له، واضطربوا له ساعة، ثم انصرف أهل الشام، ثم خرج إليهم من الغد هاشم بن عتبة الزهري فِي خيل ورجال، فاقتتلوا يومهم ذلك، وحمل عليهم الأشتر فقتل عَبْد اللَّهِ بن المنذر التنوخي، وحجز الليل بينهم [2] ، فلما أصبحوا انصرف أهل الشام تحت الليل، فقدم الأشتر بمن معه، ولحقه علي، فأمر الناس فوضعوا الأثقَالَ وذهب شباب الناس يستقون [3] الماء، فمنعهم أهل الشام فاقتتلوا على الماء، وكان معاوية قد اختار موضعا سهلا إلى جانب شريعة فِي الفرات، ليس ثمة غيرها، فجاء أصحاب علي فأخبروه بعطش الناس، وإنهم لم يجدوا غير شريعة القوم، فقَالَ: قاتلوهم عليها، فقَالَ الأشعث بن قيس: أنا أسير إليهم، فقَالَ علي: سر.
فسار فِي أصحابه، فثاروا فِي وجوههم، فتراموا بالنبل، وتطاعنوا بالرمح، واجتلدوا بالسيوف، وأتى أهل الشام يزيد بن أسد البجلي مددا، وخرج عمرو بن العاص فِي جند كثير يمد أبا الأعور ويزيد بن أسيد، وجاء الأشتر يمد الأشعث بن قيس، وشبث بن ربعي، فاشتد القتال، وأنشأ عَبْد اللَّهِ بن عوف الأزدي مرتجزا يقول:
39
/ ب/ خلوا لنا ماء الفرات الجاري ... أو أثبتوا لجحفل جرار
لكل قوم [4] مستميت شاري ... مطاعن برمحه كرّار
ضرّاب هامات العدا مغوار
وأتى مملوك لبعض أهل العراق فملأ قربته فشد عليه رجل من أهل الشام فضربه فصرعه، ثم إن القوم خلوا عن الماء فاجتمعت سقاة الفريقين عليه، وبعث علي رضي
__________
[1] في الأصل: «وكتب شريح وزياد» .
[2] في الأصل: «وحجز الظلام بينهم» .
[3] في الأصل: «وذهب شباب القوم» .
[4] في الأصول: «لكل قرن» .(5/102)
الله عنه صعصعة [فقَالَ له: ائت معاوية وقل له] [1] : إنا سرنا إليك ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار إليكم، وإنك قدمت خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك، وبدأتنا بالقتال ونحن من رأينا الكف عنك حتى ندعوك، وهذه أخرى قد فعلتموها، قد حلتم بين الناس وبين الماء، فابعث إلى أصحابك فليخلوا بين الناس وبين الماء حتى ننظر فيما بيننا وبينكم، فإن كان أعجب إليك أن نترك ما جئنا له ونترك الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب.
فقَالَ معاوية لأصحابه: ما ترون؟ فقَالَ الوليد بن عقبة: امنعهم الماء كما منعوه [عُثْمَان] [2] بْن عَفَّانَ، حصروه أربعين صباحا يمنعونه برد الماء ولين الطعام. وقَالَ عمرو بن العاص: خل بينهم وبين الماء، فإن القوم لن يعطشوا وأنت ريان. وقَالَ عَبْد اللَّهِ بن أبي سرح: امنعهم الماء [إلى] الليل، فإنهم إن لم يقدروا عليه رجعوا، وكان رجوعهم فلّا لهم. فقال صعصعة: إنما يمنعه الله عز وجل يوم القيامة الكفرة الفسقة أولي الفجور وشربة الخمور، فتواثبوا إليه يشتمونه ويتهددونه، فقَالَ معاوية:
كفوا عن الرجل فإنه رسول [3] .
ثم بعث من يردهم عن الماء، فأبرزهم علي إلى القتال فاقتتلوا، فغلب أصحاب علي رضي الله عنه على الماء، فقَالَ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خذوا من الماء حاجتكم وارجعوا، وخلوا عنهم، ففعلوا.
[دعاء علي معاوية إلى الطاعة والجماعة]
[4] ومكث علي يومين لا يرسل إلى معاوية ولا يرسل إليه معاوية، ثم أرسل إليه علي رسولا يدعوه إلى الله وإلى الطاعة، فأتاه فقَالَ: إن الدنيا عنك زائلة، وإنك راجع إلى الآخرة، وإن الله جازيك بما قدمت يداك، وإننا ننشدك الله أن تفرق جماعة هذه الأمة وأن تسفك دماءها بينها، فقَالَ للمتكلم: هلا أوصيت صاحبك بذلك؟ فقال: إن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري 4/ 571.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[3] تاريخ الطبري 4/ 572.
[4] تاريخ الطبري 4/ 573. والعنوان غير موجود في الأصول.(5/103)
40/ أصاحبي أحق البرية كلها/ بهذا الأمر فِي الفضل والدين والسابقة فِي الإسلام والقرابة [من الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] ، فقَالَ معاوية: ونطل دم عثمان [1] ، لا والله لا أفعل ذلك أبدا.
فاقتتلوا شهر ذي الحجة جميعه، وربما اقتتلوا فِي اليوم مرتين.
وحج بالناس فِي هذه السنة عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب بأمر أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ الله عنه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
284- أسلم مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويكنى أبا رافع
[2] :
وكان مملوكا للعباس، فوهبه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما بشر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلام العباس أعتقه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهاجر بعد بدر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد أحدا والمشاهد بعدها، وزوجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلمى مولاته.
وتوفي بعد قتل عُثْمَان بْن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
285- حذيفة بن اليمان- واليمان لقب- واسمه حسل- ويقال: حسيل- بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جروة، ويكنى أبا عَبْد اللَّهِ [3] ، ويقال أن جروة هو اليمان [4] :
خرج حذيفة هو وأبوه فأخذهما كفار قريش، وقالوا: إنكما تريدان مُحَمَّدًا، فقالا: ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منهما عهدا ألا يقاتلا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن ينصرفا إلى المدينة، فأتيا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ وقالا: إن شئت [قاتلنا معك] [5] ، قَالَ: بلى نفي
__________
[1] أي نترك دم عثمان.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 51.
[3] في الأصول: «عبيد الله» . والتصحيح من كتب الرجال.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 1/ 161، 6/ 1/ 8، 7/ 2/ 64.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من ت.(5/104)
[لهم] [1] ونستعين الله عليهم، ففاتهما بدر، وشهد حذيفة أحدا وما بعدها.
وكان حذيفة صاحب سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقربه منه وثقته به، وأخبره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأسماء المنافقين الذين بخسوا بعيره ليلة [العقبة] [2] بتبوك، وكانوا اثني عشر كلهم من الأنصار ومن حلفائهم، وكان حذيفة يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وأنا أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.
وولاه عمر بن الخطاب المدائن، فأقام بها إلى حين وفاته.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت، قال: أخبرنا علي بْن [مُحَمَّد] [3] المعدل، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [أَحْمَدُ] [4] بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرزاق، / قال: أخبرنا معمر، عن 40/ ب أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ [5] :
كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا كَتَبَ إِلَيْهِمْ: إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ فُلانًا وَأَمَرْتُهُ بِكَذَا وَكَذَا، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، فَلَمَّا بَعَثَ حُذَيْفَةَ كَتَبَ إِلَيْهِمْ: إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ فُلانًا فَأَطِيعُوهُ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ لَهُ شَأْنٌ، فَرَكِبُوا لِيَلْتَقُوهُ، فَلَقُوهُ عَلَى بَغْلٍ تَحْتَهُ أَكَافٍ وَهُوَ مُعْتَرِضٌ عَلَيْهِ رَجُلاهُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ يَعْرِفُوهُ فَأَجَازُوهُ، فَلَقِيَهُمُ النَّاسُ، فَقَالُوا: أَيْنَ الأَمِيرُ؟ قَالُوا: هُوَ الَّذِي لَقِيَكُمْ. قَالَ: فَرَكَضُوا فِي أَثَرِهِ، فَأَدْرَكُوهُ وفِي يَدِهِ رَغِيفٌ وَفِي الأُخْرَى عَرَقٌ وَهُوَ يَأْكُلُ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَى عَظِيمٍ مِنْهُمْ فَنَاوَلَهُ الْعَرَقَ وَالرَّغِيفَ. قَالَ: فَلَمَّا غَفَلَ أَلْقَاهُ أَوْ أَعْطَاهُ لِخَادِمِهِ.
وروى هذا الحديث سلام بن مسكين، عن ابن سيرين، فقَالَ فيه: لما قدم حذيفة المدائن استقبله الناس والدهاقين وبيده رغيف وعرق من لحم وهو على حمار على أكاف، فقرأ عهده عليهم [فقالوا: سلنا ما شئت، قَالَ: أسألكم طعاما آكله، وعليقا لحماري
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من تاريخ بغداد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من تاريخ بغداد.
[5] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 162.(5/105)
هذا ما دمت فيكم] فأقام ما شاء الله، ثم كتب إليه عمر أن أقدم، فلما بلغ قدومه عمر كمن له فِي الطريق فِي مكان لا يراه، فلما رآه عمر على الحال التي خرج من عنده عليها، أتاه فالتزمه وقَالَ: أنت أخي وأنا أخوك.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، [أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الملطي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ صَفْوَانَ حَدَّثَنَا أَبُو] [1] بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن الحسين، قال: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ:
بَكَى حُذَيْفَةُ فِي صَلاتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ الْتَفَتُّ فَإِذَا رَجُلٌ خَلْفَهُ، فَقَالَ: لا تُعْلِمَنَّ هَذَا أَحَدًا [2] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ، [أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الآدَمِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ] [3] ، عَنْ زِيَادٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مَنْ دَخَلَ عَلَى حُذَيْفَةَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: لَوْلا أَنِّي أَرَى هَذَا الْيَوْمَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الآخِرَةِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِهِ، اللَّهمّ إِنَّكَ تَعْلَمُ إني كنت أحب الفقر على الغنا، وَأُحِبُّ الذِّلَّةَ عَلَى الْعِزِّ، وَأُحِبُّ الْمَوْتَ عَلَى الْحَيَاةِ، حَبِيبٌ جَاءَ عَلَى فَاقَةٍ، لا أَفْلَحَ مَنْ نَدِمَ، ثُمَّ مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، [أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ] [4] ، عَنْ خَالِدِ بْنِ رَبِيعٍ الْعَبْسِيِّ، قَالَ:
سَمِعْنَا بِوَجَعِ حُذَيْفَةَ فَرَكِبَ إِلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ في نفر أنا فيهم إلى المدائن،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «بإسناده عن أبي بكر القرشي» .
[2] في الأصل: «لا تعلم بهذا أحدا» .
[3] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «بإسناده عن زياد» .
[4] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «بإسناده عن خالد» .(5/106)
فَأَتَيْنَاهُ/ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: هَلْ جِئْتُمْ بِأَكْفَانِي؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَلا تُغَالُوا بِكَفَنِي، 41/ أفإن يَكُنْ لِصَاحِبِكُمْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يُبَدَّلُ خَيْرًا مِنْ كِسْوَتِكُمْ وَإِلا يُسْلَبَ سَلْبًا سَرِيعًا، ثُمَّ ذكر عُثْمَانَ، فَقَالَ: اللَّهمّ لَمْ أَشْهَدْ، وَلَمْ أَقْتُلْ، وَلَمْ أَرْضَ.
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الخطيب، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن الفضل، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن درستويه، قَالَ: حَدَّثَنَا يعقوب، قَالَ: حَدَّثَنَا عبيد الله بْن مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا سعيد بن أوس، عن بلال [1] بن يَحْيَى، قالَ:
عاش حذيفة بعد قتل عثمان أربعين ليلة.
أَخْبَرَنَا القزاز، أَخْبَرَنَا الخطيب [قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن بشران، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسين بْن صفوان] [2] ، قَالَ: حَدَّثَنَا [3] القرشي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سعد، قَالَ:
مات حذيفة سنة ست وثلاثين. اجتمع على ذلك الواقدي، والهيثم بن عدي.
286- الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وأمه صفية بنت عبد المطلب، ويكنى أبا عَبْد اللَّهِ [4] :
أسلم بعد أبي بكر، وكان رابعا أو خامسا، وهو يومئذ ابن ست عشرة سنة، وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعا، ولم يتخلف عن غزاة غزاها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان رجلا ليس بالطويل ولا بالقصير، إلى الخفة ما هو فِي اللحم، خفيف اللحية، أسمر اللون أشعر، وله من الولد أحد عشر ذكرا، وتسع نسوة: عَبْد اللَّهِ، ومصعب، وعروة، والمنذر، وعاصم، والمهاجر، وخديجة الكبرى، وأم الحسن، وعائشة، وأمهم أسماء بنت أبي بكر. وخالد، وعمرو، وحبيبة، وسودة، وهند، وأمهم أم خالد، وهي بنت خالد بن سعيد بن العاص. ومصعب، وحمزة ورملة [5] وأمهم أم الرباب بنت أنيف. وعبيدة،
__________
[1] من هنا ساقط من ت، والخبر في تاريخ بغداد 1/ 163.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من تاريخ بغداد، ومكانه في الأصل: «بإسناده عن محمد ابن سعد» .
[3] إلى هنا انتهى السقط من ت.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 70.
[5] «أم خالد وهي أمة ... وحمزة ورملة» .(5/107)