محزونا [1] ، فقيل لأبيه، فَقَالَ: انشروا [2] عَلَيْهِ كل لهو وباطل حَتَّى تنزعوا [3] من قلبه هَذَا الحزن والغم.
فلبث حولا، ثم قَالَ: أخرجوني، فأخرج عَلَى مثل حاله الأول، فبينا هو يسير إذا هو برجل قد أصابه الهرم ولعابه يسيل من فيه، فَقَالَ: ما هَذَا؟ قالوا: رجل قد هرم، قَالَ: يصيب ناسا دون ناس، أو كل خائف له إن هو عمر؟ قالوا: كل خائف [له] [4] ، قَالَ: أف لعيشكم هَذَا، [هَذَا] [5] عيش لا يصفو [لأحد] [6] . فأخبر بذلك أبوه، فَقَالَ:
احشروا عَلَيْهِ كل لهو وباطل. فحشروا عَلَيْهِ.
فمكث حولا ثم ركب عَلَى مثل حاله. فبينا [7] هو يسير إذا هو بسرير تحمله الرجال عَلَى عواتقها، فَقَالَ: ما هَذَا؟ قالوا: رجل مات، قَالَ لهم: وما الموت؟ ائتوني به، فأتوه به، فَقَالَ: أجلسوه، فقالوا: إنه لا يجلس، قَالَ: كلموه، قالوا: إنه لا يتكلم. قَالَ:
فأين تذهبون به، قالوا: ندفنه تحت الثرى، قَالَ: فيكون ماذا بعد هَذَا؟ قالوا: الحشر، قَالَ: وما الحشر؟ قالوا: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ 83: 6 [8] حفاة عراة مكشفي الرءوس [9] ، فيجزى كل واحد عَلَى قدر حسناته وسيئاته، قَالَ: ولكم دار غير هَذِهِ تجازون فيها؟ قالوا: نعم، فرمى بنفسه من الفرس وجعل يعفر وجهه فِي التراب وَقَالَ لهم: من هَذَا كنت أخشى، كاد هَذَا يأتي علي [10] ، وأنا لا أعلم به، أما ورب من يعطي ويحشر ويجازي، إن هَذَا آخر الدهر [11] بيني وبينكم، فلا سبيل لكم علي بعد هَذَا اليوم، فقالوا: لا ندعك حتى نردّك إلى أبيك.
__________
[1] في الأصل: «مهموما» وما أوردناه من ت والتوابين لما سيأتي من قول أبيه.
[2] في الأصل: «احشروا» وما أوردناه من ت والتوابين.
[3] في الأصل: «حتى يرعوي» وما أوردناه من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: من التوابين، وساقطة من الأصول.
[6] ما بين المعقوفتين: من ت.
[7] في الأصل: «فبينما» وما أوردناه من ت والتوابين، وكلاهما صحيح.
[8] سورة: المطففين، الآية: 5.
[9] «حفاة عراة مكشفي الرءوس» ساقطة من ت والتوابين.
[10] في الأصل: «كاد أن يأتي عليّ» . وما أوردناه من ت والتوابين.
[11] في المطبوع من التوابين: «العهد» ، وفي إحدى نسخ المخطوطة: «العهد» .(2/186)
قَالَ: فردوه إِلَى أبيه، وقد كاد ينزف دمه، فَقَالَ له: يا بني، ما هَذَا الجزع؟ قَالَ:
جزعي ليوم يجازى فيه الصغير والكبير عَلَى ما عملا من [1] / خير وشر. فدعا بثياب من الشعر فلبسها، وَقَالَ: إني عازم فِي الليل أن أخرج. فلما كان [فِي] [2] نصف الليل، أو قريبا منه خرج، فلما خرج [3] من باب القصر، قَالَ: اللَّهمّ إني أسألك أمرا ليس لي منه قليل ولا كثير، وقد سبقت فيه المقادير. إلهي لوددت أن الماء كان فِي الماء، وأن الطين كان فِي الطين، ولم أنظر بعيني إِلَى الدنيا نظرة واحدة.
قَالَ بكر بْن عَبْد اللَّه: فهذا رجل خرج من ذنب [واحد] [4] لا يعلم ما عَلَيْهِ فيه [5] ، فكيف بمن يذنب وهو يعلم بما عَلَيْهِ، ولا يتحرج ولا يجزع ولا يتوب [6]
. حديث أنطونس السائح:
أخبر عَبْد اللَّه بْن علي المقري، قَالَ: أَخْبَرَنَا طراد بْن مُحَمَّد الزينبي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا علي بْن مُحَمَّدً بْن بشران، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن صفوان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر القرشي، قَالَ: [7] ذكروا أن ملكا بعد زمان المسيح عاش ثلاثمائة وعشرين سنة، فلما حضرته الوفاة بعث إلى ثلاثة نفر من عظماء [أهل] [8] مملكته، فَقَالَ لهم: قد نزل بي ما ترون وأنتم رءوس أهل مملكتكم، ولا أعرف أحدا أولى بتدبير رعيتكم منكم، وقد كتبت عهدا جعلته إِلَى ستة نفر من خياركم ليختاروا رجلا منكم [9] لتدبير مملكتكم، فسلموا ذلك لمن اجتمع عليه ملؤكم، وإياكم والاختلاف فتهلكون أنفسكم ورعيتكم، فقالوا: بل
__________
[1] في الأصل: «ما عمل» ، وما أوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: من ت.
[3] في الأصل: «فلما أن خرج» وما أوردناه من التوابين.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من التوابين.
[5] في الأصل: «ما من عليه فيه» ، وأوردناه من ت والتوابين.
[6] الخبر أورده ابن الجوزي في الشفا 92، وفي المصباح المضيء 2/ 257.
[7] بياض في ت مكان: «حديث أنطونس السائح» .
[8] ما بين المعقوفتين: من ت.
[9] تكررت «ليختاروا رجلا منكم» في الأصل.(2/187)
يمن اللَّه علينا بطول مدتك، فَقَالَ: دعوا هَذِهِ المقالة واقبلوا عَلَى ما وصفت لكم، فلم تمض غير ليلة حَتَّى هلك، فدب أولئك الثلاثة إِلَى الستة، فصار كل رجلين من الستة يدعوان إِلَى رَجُل من الثلاثة، فلما رأى ذلك حكماؤهم قالوا: قد افترقت كلمتهم وبحضرتكم من لا يتهم فِي حكمه فمن أشار إليه [منكم] [1] سلمتم هَذَا الأمر له، وكان بحضرتهم رجل سائح يقال له أنطونس فِي غار معروف قد تخلى عَنِ الدنيا، فاجتمعت كلمتهم عَلَى الرضا بمن أشار إليه السائح، فوكلوا بالمملكة رجلا من الستة وانطلق الثلاثة إليه يقصون عليه قصتهم، فقال: ما أرى أني انتفعت باعتزالي عَنِ الناس، ومثلي كمثل رجل كان فِي منزل/ غشيه فيه الذباب، فتحول إِلَى منزل فغشيه فيه الأسد، فقالوا: وما عليك أن تشير إِلَى أفضلنا فِي نفسك؟ قَالَ: ما علمي بأفضلكم وأنتم جميعا تطلبون أمرا واحدا، وأنتم فيه سواء. فطمع بعضهم إن هو أظهر الكراهية للملك أن يشير إليه، فَقَالَ: أما أنا فغير منساح لصاحبي هذين [فِي الملك] [2] ، وإن السلامة لدي لفي اعتزال هَذَا الأمر، قَالَ السائح: ما أظن صاحبيك يكرهان اعتزالك، فأشر إلي بأحدهما وأتركك، قَالَ: بل تختار ما بدا لك، قَالَ: ما أراك إلا قد نزعت عَنْ قولك فصرتم عندي بمنزلة واحد غير أني سأعظكم وأضرب لكم أمثال الدنيا وأمثالكم فيها وأنتم أعلم، فأخبروني هل عرفتم غايتكم من العمر؟ قالوا: لا لعل ذلك يكون طرفة عين، قَالَ: فلم تخاطرون بهذه الغرة؟ قالوا: رجاء طول المدة، قَالَ: كم أتت عليكم سنة؟ قالوا:
أصغرنا ابن خمس وثلاثين، وأكبرنا ابن أربعين، قَالَ: فاجعلوا أطول ما ترجون من العمر مثل سنيكم التي عمرتم [3] ، قالوا: لسنا نطمع فِي أكثر من ذلك، ولا خير فِي العمر بعد ذلك، قَالَ: أفلا تبتغون فيما بقي من أعماركم ما ترجون من ملك لا يبلى، ونعيم لا يتغير، ولذة لا تنقطع، وحياة لا يكدرها الموت، ولا تنغصها الأحزان ولا الهموم ولا الأسقام؟ قالوا: إنا نرجو أن نصيب ذلك بمغفرة من اللَّه ورحمة، قَالَ: قد كان من أصابه العذاب من القرون الأولى يرجون من الله ما ترجون، و [لا] [4] يؤملون ما
__________
[1] ما بين المعقوفتين: أضيفت لاستقامة المعنى.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] في ت: «التي غبرتم» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.(2/188)
تؤملون، ويصيعون العمل حَتَّى نزل بهم من العقوبة ما بلغكم يوشك من سلك المفازة بغير ماء أن يهلك عطشا، أراكم تتكلون [1] عَلَى الرجاء فِي هلاك أبدانكم، ولا تتكلون عَلَيْهِ فِي صلاح معايشكم، أرأيتك مدائنكم التي بنيتموها واعتقدتم فيها الآيات، لو قيل لكم سينزل عليكم ملك بجيوشه فيعم أهلها بالقتل، وبنيانها بالهدم، هل كنتم تطيبون نفسا بالمقام فيها والبنيان بها؟ قالوا: لا، قال: فو الله إن أمر هَؤُلاءِ الآدميين لصائر إِلَى هَذَا، قالوا: قد أشربت قلوبنا حب الدنيا، قَالَ: / مع الأسفار البعيدة تكون الأرباح الكثيرة، فيا عجبا للجاهل والعالم كيف استويا فِي هلاك أنفسهما، ألا أن الذي يسرق ولا يعرف عقوبة السارق أعذر من العارف بعقوبته، وإني أرى هَذَا العالم يبذلون أنفسهم دون أموالهم، فكأنهم لا يصدقون بما يأتيهم به أنبياؤهم. قالوا: ما سمعنا أحدا من أهل الملك [2] يكذب شيئا مما جاءت به الأنبياء، قَالَ: من ذلك أشتد عجبي من اجتماعهم [3] عَلَى التصديق ومخالفتهم [4] فِي الفعل، قالوا: أَخْبَرَنَا كيف أول معرفتك للأمور؟ قَالَ: من قبل الفكر تفكرت فِي هلاك هَذَا العالم، فإذا ذلك من قبل أربعة أشياء جعلت فيهن اللذات، وهي أربعة أبواب مركبة فِي الجسد، منها ثلاثة فِي الرأس:
العينان والمنخران والحنك، وواحد فِي البطن وهو الفرج، فالتمست خفة المؤنة فِي هَذِهِ الأبواب فوجدت أيسرها مئونة باب المنخرين، ثم التمست الخفة المئونة الحنك، فإذا هو غذاء لا قوام للجسد إلا به، فإذا صارت تلك المئونة فِي الوعاء استقرت، فتناولت ما تيسر من المطعم والمشرب، وصرت بمنزلة رجل كان يتخذ الرماد من الخلنج والصندل فثقلت عَلَيْهِ المئونة، فاتخذ الرماد من الزبل والحطب. ونظرت فِي مئونة الفرج فإذا هو والعينان موصلان بالقلب، فلم أجد شيئا أصلح لهما من العزلة وبغض إِلَى منزلي الذي كان فيه [5] مقامي مع من لا يعقل إلا أمر دنياه، فتخببت هَذَا المنزل فقطعت عني أبواب الخطيئة، وحسمت فِي نفسي لذات أربعا وقطعتهن بخصال أربع.
__________
[1] في الأصل: «تتوكلون» وما أوردناه من ت.
[2] في ت: «أهل الملة» .
[3] في الأصل: «اجتماعكم» وما أوردناه من ت.
[4] في الأصل: «مخالفتكم» وما أوردناه من ت.
[5] في الأصل: «الّذي كنت فيه» ، وما أوردناه من ت.(2/189)
قالوا: ما اللذات؟ قَالَ: المال، والبنون، والأزواج، والسلطان [1] ، فقطعتهن بالهموم والأحزان والخوف وذكر الموت. وقطعت ذلك أجمع بالعزلة، وأي خير في لذة والموت يعقبها، كونوا كرجل خرج مسافرا فغشي مدينته العدو فأصابوا أهلها، فحمد الله على ما صرف/ عنه [2] ، [ولقد عجبت كيف ينتفعون بلذتها مع همومها وأحزانها وما تجرعهم] [3] من مرارتها بعد حلاوتها، واشتد عجبي من أهل العقول، كأنهم يريدون أن يهلكوا كما هلك صاحب الحية، قالوا: أَخْبَرَنَا كيف كان أمر صاحب الحية؟
قَالَ: زعموا أن رجلا كان فِي داره حية قد عرفوه مكانها، وكانت تلك الحية تبيض كل يوم بيضة من ذهب، فخرجت يوما فنهشت عنزا لهم حلوبا فهلكت، فجزع الرجل وأهله، وَقَالُوا: الذي نصيب من الحية أفضل من ثمن العنز، فلما كان رأس الحول غدت عَلَى خمار فنهشته فقتلته، فجزع الرجل وَقَالَ: سنصبر عَلَى هَذِهِ الآفات ما لم تعد البهائم. ثم مر عامان لا تؤذيهم وهم مسرورون بجوارها إذ عدت عَلَى عَبْد الرجل فنهشته فهلك، فجزع وَقَالَ: ما آمن أن يلسع بعض أهلي فمكث حزينا خائفا وَقَالَ: أرى سم هَذِهِ الحية فِي مالي وأنا أصيب منها أفضل مما رأيت. فلم يلبث إلا يسيرا حَتَّى نهشت ابن الرجل، فارتاع ودعا بالدرياق وغيره فلم يغن عَنْهُ، وهلك الغلام، فاشتد جزع والديه ونسيا كل لذة أصاباها وَقَالَا: لا خير لنا فِي جوار هَذِهِ الحية، والرأي قتلها.
فلما سمعت الحية ذلك تغيبت عنهم أياما لا يرونها ولا يصيبون من بيضها، فلما طال ذلك عليهما تاقت أنفسهما إِلَى ما كانا يصيبان منها، فأقبلا عَلَى حجرها وجعلا يقولان:
ارجعي ولا تضرينا ولا نضرك، فرجعت فمكثت عامين لا ينكرون منها شيئا، ثم دنت إِلَى امرأة الرجل فنهشتها، فصاحت، فثار زوجها يعالجها بالدرياق فلم يغن عنها، وهلكت المرأة، فبقي الرجل كئيبا، وأظهر أمر الحية لإخوانه وأهل وده، فأشاروا عَلَيْهِ بقتلها، وَقَالُوا: لقد فرطت فِي أمرها حين تبين لك غدرها، ولقد كنت مخاطرا بنفسك، فعزم عَلَى قتلها. فبينا هو يراصدها [اطلع فِي] [4] حجرها، فرأى فيه درة/ صافية وزنها
__________
[1] «بخصال أربع ... والسلطان» : سقطت من ت.
[2] في الأصل: «عنهم» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.(2/190)
مثقال، فلزمه الطمع وَقَالَ: لقد [1] غير الدهر طبع هَذِهِ الحية ولا أحسب سمها إلا قد تغير، فجعل يتعاهد حجرها بالكنس والبخور ورش الماء، وعمد إِلَى ما كان عنده من الذهب فعمل منه حقا فجعل فيه ذلك الدرر وجعل الحق تحت رأسه، فبينما هو ذات ليلة نائم ذهبت إليه فنهشته، فجعل يستغيث بصوت عال، فأقبل عَلَيْهِ أهله وجيرانه يلومونه، فأخرج إليهم الحق وأراهم ما فيه، فقالوا: ما أقل غنا هَذَا عنك اليوم، فهلك، فقالوا: أبعده اللَّه، هو قتل نفسه.
قَالَ: ولقد عجبت لأهل العقول يعرفون الأمر الذي ضربنا له هَذِهِ الأمثال ولا ينتفعون بالمعرفة [2] ، ويل لهم لو قد أصابهم ما أصاب صاحب الكرم، قالوا: وكيف كان ذلك؟
قَالَ: زعموا أنه كان رجل له كرم واسع كثير العنب، متصل الشجر، فاستأجر لكشح الكرم وقطفه ثلاثة، ووكل كل رجل بناحية، وَقَالَ: كلوا من العنب ما شئتم وكفوا عَنْ هَذِهِ الثمار. فأخذ أحدهم عَلَى حفظ ما أمر به وقبع يأكل العنب وحده، وفعل الآخر مثل ذلك حينا ثم تاقت نفسه إِلَى الثمار فتناولها، وأقبل الثالث عَلَى أكل الثمار وترك العمل ففسدت ناحيته، فقدم صاحب الكرم، فحمد الأول وأعطاه فوق أجره، وعاقب الثاني بقدر ذنبه، وبالغ فِي عقوبة الثالث. فهكذا أعمالكم فِي الآخرة يوم تجزى كل نفس ما عملت.
قَالَ: ولقد عجبت لأهل الأمل وطمعهم فِي طول العمر، ووجدت أعدى الناس الأولاد، استكثر الآباء لهم وأتعبوا أنفسهم فِي إصلاح معايشهم بهلاك أنفسهم كصاحب السفينة، قالوا: كيف كَانَ ذلك؟
قَالَ: زعموا أنه كان رجل نجار يعمل بيده فيصيب كل يوم درهما، ينفق نصفه عَلَى أب له شيخ كبير وامرأة له وابن وبنت، ويدخر لنفسه نصفه، فعمل زمانا وعاش بخير، فنظر يوما فإذا هو قد استفضل/ مائة دينار، فَقَالَ: لو عملت سفينة واشتغلت بتجارة البحر رجوت أن أتمول، فَقَالَ له أبوه: لا تفعل، فإن رجلا من المنجمين أخبرني
__________
[1] تكررت لفظة: «لقد» .
[2] في الأصل: «بها» وما أوردناه من ت.(2/191)
أيام ولدت أنك تموت غريقا، قَالَ: فما أخبرك أني أصيب مالا؟ قَالَ: بلى لذلك نهيتك عَنِ التجارة والتمست لك عملا تعيش فيه يوما بيوم، قَالَ: أتجر، وإن عشت عشت بخير، وإن مت تركت أولادي بخير، قَالَ: يا ولدي لا يكونن ولدك آثر عندك من نفسك.
فعمل سفينة وركب فيها بتجارة فغاب سنة، ثم قدم بمائة قنطار ذهبا، فحمد اللَّه والده وَقَالَ: يا بني، إني كنت نذرت للَّه تعالى إن ردك سالما أن أحرق السفينة، قَالَ: لقد أردت هلاكي، قَالَ: إنما أردت حياتك، فاقبل عَلَى الشكر فقد أصبت غنى الدهر، فلم يقبل، وخرج فغاب سنة وبعض أخرى، فقدم بأضعاف ما قدم به أو لمرة، فَقَالَ لأبيه: لو كنت أطعتك لم أصب هَذَا المال، قَالَ: يا بني إنما أراك تعمل لغيرك وسيجرعك ما ترى غصه فتتمنى لو كان بينك وبين هَذِهِ البلدة جبال المشرق، قَالَ: يا أبت أرجو أن يكون المنجم أصاب فِي الغنى وأخطأ فِي الغرق. ثم صنع سفينة أخرى، فبكى أبوه، فرق لذلك وَقَالَ: يا أبت، والله لئن ردني اللَّه سالما لا ركبت بحرا ما عشت، قَالَ: يا بني، اليوم أيقنت تفقدك. فمضى، فلما توسط البحر أصابه موج فضربت إحدى سفينته الأخرى فانصدعتا فغرقتا، فجعل يتأسف عَلَى عصيان أبيه وهلك ومن معه، فبلغ الخبر أباه فكمد حَتَّى هلك، وقسم الميراث عَلَى امرأة التاجر وابنه وابنته، فتزوجوا وصار ذلك المال إِلَى أزواجهن، فكل ما يجمع الأشقياء إِلَى ذلك يصير.
ولقد عجبت للمؤثر عَلَى نفسه المؤثر غيره، ويحك ما تبلغ بالكفاف لا تؤثر غيرك فتلقى ما لقي صاحب الحوت، قالوا: ما لقي؟ قَالَ: زعموا أن صياد سمك أصاب/ فِي صيده حوتا عظيما، فَقَالَ: ما أحد أحق بأكله مني، ثم بدا له فأهداه إِلَى جاره، فأهداه الجار إِلَى مقعد مسكين، فجعل الصياد يندم ويقول: حرمته نفسي وصار إِلَى أعدى الناس لي.
ولقد عجبت لهذا الشغل الذي غر العقلاء والجهال حَتَّى هلكوا جميعا بالرجاء والطمع كَمَا هلك اليهودي والنصراني، قالوا: وكيف كان ذلك؟ قَالَ: اصطحب يهودي ونصراني إِلَى أرض فصارا فِي عمران ومياه إِلَى أن انتهيا إِلَى بئر وراءها مفازة مسيرتها أربعة أيام، ومع كل واحد منهما قربته، فملأ اليهودي قربته وأراد النصراني أن يملأ قربته، فَقَالَ له اليهودي: تكفينا قربتنا هَذِهِ ولا ننقل دوابنا، فَقَالَ النصراني: أنا أعلم بالطريق، فَقَالَ اليهودي: تريد إلا أن تشرب الماء كلما عطشت؟ قَالَ: نعم، فترك(2/192)
النصراني قربته فارغة، فلما توسط المفازة أصاب القربه سهم فنفد ما فيها، فقعدا يتلاومان، فمر بهما رجل معه ماء، فقالا: احتسب علينا شربة من ماء، فَقَالَ: هَذَا طريق ليس فِيهِ حسبه، قالا له: فما دينك؟ قَالَ: فما دينكما أنتما؟ قالا: فإن أحدنا يهودي والآخر نصراني فَقَالَ: اليهودي والنصراني والمسلم إذا لم يعمل بما فِي كتابه واتكل عَلَى الطمع لقي ما لقيتما، فقالا: هَذَا رجل حازم، قَالَ: ما يغني عنكما حزمي. فينبغي للعاقل أن يأخذ بالحزم فِي أمر آخرته كما يأخذ بالحزم فِي أمر دنياه ولا يتكل عَلَى الطمع.
ولقد عجبت لأهل الأعمال السيئة، يستترون من الخلق دون الخالق، كيف أمنوا أن يصيبهم ما أصاب صاحب الدير؟ قالوا: كيف كان ذلك؟ قَالَ: زعموا أن رجلا كان يبيع العسل والزيت والسمن، يشتريه نقيا ويبيعه مغشوشا، وكان ذا لحية عظيمة، وكان أكثر من يراه يقول: لو كنت أسقفا فما صلحت لحيتك إلا للأساقفة، فأقبل عَلَى تعلم الإنجيل والمزامير/ وترهب طلبا للدنيا [1] ، فولوه أمرهم فنقص أرزاقهم، وغير مراتبهم، وتفرغ للذته، فانتدب له سياط، فجعل يلوم الرهبان ويقول: هَذَا ما عمل بكم حسن نظركم فِي طول اللحى، ثم آل أمره إِلَى أن أحرق.
ولقد عجبت لأهل المصائب كيف [لا] [2] يستعينون بالصبر، وإنه سيأتي عَلَى صاحب المصيبة يوم يتمنى فيه مثل ما يتمنى الأعمى فِي مصيبته.
قالوا: وما تمنى الأعمى؟ قَالَ: زعموا أن تاجرا دفن مائة دينار فِي موضع فبصر بها جار لَهُ فأخرجها وأخذها، فلما فقدها التاجر جزع، ثم طال به العمر فعمي واحتاج، فلما حضرت جاره الوفاة أوصى برد المال إِلَى الأعمى، فسر سرورا شديدا إذ رد إليه المال أحوج ما كَانَ إليها، فَقَالَ: ليت كل ما لي قبض يومئذ. وكذلك من له عمل صالح.
ولقد عجبت من فقد عقولهم، كيف لا يعملون بما يعلمون، كأنهم يريدون أن يهلكوا كما هلك صاحب السيل، قالوا: وكيف كان ذلك.
__________
[1] في الأصل: «وترهبن طلبا للدنيا» . وما أوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: من ت.(2/193)
قَالَ: زعموا أن رجلا نزل بطن مسيل، فقيل له: تحول فهذا منزل [1] خطر، قَالَ:
قد علمت، ولكن يعجبني نزهته، فقيل: إنما تطلب الرفق [2] لصلاح نفسك فلم تخاطر بها، فغشيه السيل فذهب به، فقالوا: أبعده اللَّه.
قَالَ أنطونس: فلو أخذنا بالحزم كنا كأصحاب أصقولية [3] ، قيل: كيف كان ذلك؟ قَالَ: بعث ملك أصقولية بعثا إِلَى أقزولية [4] ، وكان المسير إليها فِي البحر ستين ليلة، ولا زاد معهم إلا ما حملوه معهم، وكان مع أصحاب أصقولية كاهنان، فَقَالَ أحدهما: أما إن هذا الجيش لأصقولية سيقيمون عَلَى أقزولية سبعة أيام يرمونها بالمجانيق، وتفتح فِي اليوم الثامن، فَقَالَ الآخر: تقيمون سبعة وتنصرفون، فعمل بعضهم عَلَى قول من قَالَ بفتحها فقالوا: لا نعني أنفسنا بحمل الزاد، وَقَالَ الآخرون: لا نخاطر، فحملوا للبدأة والرجعة. فلما نزلوها لم تفتح، فرجعوا فهلك من فرط فِي حمل الزاد.
فَقَالَ النفر لأنطونس: ما أحسن كلامك وأبلغ موعظتك، فَقَالَ: أما إن حلاوة موعظتي لا تتجاوز [5] آذانكم/ إن لم تعلموا أن جميع كتب الأنبياء، إنما تجزون ما كنتم تعملون، وانظروا فِي أعمالكم وانصرفوا عني، فاقترعوا بينهم وملكوا أحدهم.
__________
[1] في الأصل: «فهذا البرك» وما أوردناه من ت.
[2] في الأصل: «تطلب الذنب لصلاح» وما أوردناه من ت.
[3] كذا جاء ذكر هذا الموضع، وقد جاء بالسين، ولم أقف عليه في معجم البلدان، ولا الروض المعطار.
[4] كذا جاء ذكر هذا الموضع، ولم أقف عليه.
[5] في الأصل: «أما الآن فحلاوة موعظتي لا تتجاوز» . وما أوردناه من أ.(2/194)
باب ذكر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكرمه
ذكر نسبه [1]
هو مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد المطلب بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن قصي بْن كلاب بْن مرة بْن كعب بْن لؤي بْن غالب بْن فهر [2] بْن مالك بْن النضر بْن كنانة بْن خزيمة بْن مدركة بْن إلياس بْن مضر بْن نزار بْن معد بْن عدنان [3] [ولا يختلف النسابون إِلَى عدنان] [4] .
ثم يختلفون فيما بعده، فبعضهم يقول: عدنان بْن أد بْن أدد بْن الهميسع بْن حميل بْن النبت بْن قيذار بْن إسماعيل بْن إِبْرَاهِيم.
وبعضهم يقول: عدنان بْن أدد، من غير ذكر: أد.
وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أنه قَالَ: « [مَعْدٌ] عَدْنَانُ بْنُ أَدَدِ بْنِ زَنْدِ بن يرى بن أعراق الثرى» [5] .
__________
[1] بياض في ت مكان: «باب: ذكر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونسبه» .
[2] وإلى فهر جماع قريش، وما كان فوق فهر فليس يقال له قرشيّ، يقال كنانيّ. (طبقات ابن سعد 1/ 55) .
[3] تاريخ الطبري 2/ 271. الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 55. والبداية والنهاية 2/ 252- 255. والسيرة النبويّة لابن هشام 1/ 1، 2.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت، ومن ألوفا بأحوال المصطفى للمصنف (الباب السابع: ذكر نسب نبينا صلى الله عليه وسلم.
[5] حديث: «مَعْدٌ عَدْنَانُ بْنُ أَدَدِ بْنِ زَنْدِ بْنِ يرى بن أعراق الثرى» .
أخرجه الطبري في تاريخه 2/ 271 عن أم سلمة. وابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 56 عن كريمة بنت المقداد بن الأسود. وابن الجوزي في ألوفا (برقم 62) .(2/195)
قالت أم سلمة فزند هو: الهميسع، ويرى هو: نبت، وأعراق الثرى: هو إسماعيل، كذلك حكى الزبير بْن بكار.
وحكي أيضا أن أعراق الثرى: إِبْرَاهِيم، لأنهم لما رأوه لم تحرقه النار [1] قالوا:
ما هو إلا أعراق الثرى.
قَالَ مؤلف الكتاب: [2] هكذا ضبطه أَبُو زيد.
وقد حَدَّثَنَا عَنْ أبي أحمد العسكري قَالَ: إنما هو زند بالنون، مثل اسم أبي دلامة.
وَقَالَ ابن إِسْحَاق: [3] عدنان بْن أدد بْن مقوم بْن ناحور بْن يترح بْن يعرب بْن يشجب [4] بْن أيوب بْن قيذار بْن [5] إسماعيل بْن إِبْرَاهِيم.
وقد ذكر بعضهم بين معد وإسماعيل أربعين أبا [6] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ قَالَ: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أَبُو عَمْرو بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا خالد بن خداش قال: أخبرنا عبد الله بن وهب قال: أَخْبَرَنَا ابن لهيعة، عَنْ أبي الأسود، عَنْ عروة قَالَ:
ما وجدنا أحدا يعرف ما وراء معدّ بن عدنان [7] .
__________
[1] في ت: «لم يحترق بالنار» ، وكذلك في ألوفا (برقم 62) .
[2] «قال مؤلف الكتاب» سقط من ت.
[3] في ت: «وقال إسحاق» .
[4] في ت: «يشخب» .
[5] في تاريخ الطبري 2/ 272 عن ابن إسحاق: « ... بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم» .
ولعل ما أورده المصنف رواية أخرى عن ابن إسحاق.
[6] انظر تفصيل ما ورد في ذلك في: السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 1- 4. وتاريخ الطبري 2/ 272- 276.
والطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 56- 59. والبداية والنهاية 2/ 252- 257. ومروج الذهب 1/ 20.
[7] هذا الخبر بسنده سقط من ت.
وقد أخرجه ابن سعد من الطبقات الكبرى 1/ 58.
وابن الجوزي في ألوفا (برقم 63) .(2/196)
قَالَ عروة: وسمعت أبا بكر بْن سليمان بْن [أبي] [1] حثمة/ يقول: ما وجدنا فِي علم عالم، ولا شعر شاعر أحدا يعرف ما وراء معد بْن عدنان بثبت [2] .
وقد سبق [3] نسب الخليل إِلَى آدم عليهما السلام.
فصل
[4] وبين [5] مولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبين آدم عليهما السلام مدة مختلف [6] فيها.
فعلى ما روى الواقدي: أربعة آلاف وستمائة [سنة] [7] .
وَقَالَ قوم: ستة آلاف ومائة وثلاث عشرة سنة [8] .
وَفِي رواية أبي صالح عَنِ ابن عباس: خمسة آلاف سنة وخمسمائة سنة [9] .
قَالَ [10] : وكان من آدم [11] إِلَى نوح ألفا سنة ومائتا سنة.
[ومن نوح إِلَى إِبْرَاهِيم ألف سنة ومائة سنة] [12] وثلاث وأربعون [13] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] الخبر أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 58.
وابن الجوزي في ألوفا (رقم 64) .
[3] «سبق» سقطت من ت.
[4] بياض في ت مكان: «فصل» .
[5] في ت: «بين» .
[6] في الأصل: «يختلف» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه في ت.
وأورد الطبري حكاية الواقدي في تاريخه 2/ 237.
[8] تاريخ الطبري 2/ 237، 238.
[9] «سنة» سقطت من ت.
وانظر هذه الرواية في الطبري 2/ 237.
[10] يعني ابن عباس.
[11] في ت: «وبين» .
[12] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت، وأثبتناه من الطبري 2/ 238.
[13] من أول: «وثلاث وأربعون ... » حتى « ... قال مؤلف الكتاب» سقط من ت.(2/197)
ومن إبراهيم إلى موسى خمسمائة سنة وخمس وسبعون [سنة] [1] .
ومن موسى إِلَى داود مائة سنة وتسع وسبعون سنة.
ومن داود إِلَى عِيسَى ألف سنة وثلاث وخمسون سنة.
ومن عيسى إلى محمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة [2]
. ذكر آباء رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ مؤلف الكتاب أما عَبْد اللَّه أَبُو رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فهو أصغر ولد أبيه [3] ، وكان عَبْد اللَّه، والزبير، وأبو طالب: بنو عَبْد المطلب لأم واحدة: واسمها [4] فاطمة بنت عمرو بْن عائذ بن عمران بْن مخزوم. هكذا قَالَ ابن إِسْحَاق [5] .
وَرَوَى هشام بْن مُحَمَّد عَنْ أبيه قَالَ: عَبْد اللَّه، وأبو طالب- واسمه عَبْد مناف- والزبير، وعَبْد الكعبة، وعاتكة، وبرة [6] ، وأميمة، ولد عَبْد المطلب إخوة لأم، أمهم فاطمة المذكورة [7] .
وَقَالَ [8] ابن إِسْحَاق: كان عَبْد المطلب قد نذر حين لقي من قريش عند حفر زمزم ما لقي لئن [9] ، ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حَتَّى يمنعوه، لينحرن [10] أحدهم للَّه عند الكعبة، فلما تموا عشرة عرف [11] أنهم سيمنعونه، فأخبرهم بنذره، فأطاعوه، وقالوا:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 2/ 238. وطبقات ابن سعد 1/ 53.
[3] في الأصل: «أولاد أمه» .
[4] في ت: «اسمها» بدون الواو.
[5] تاريخ الطبري 2/ 239.
[6] في الأصل: «مرة» .
[7] تاريخ الطبري 2/ 239.
[8] في ت: «قال ابن إسحاق» .
[9] في الأصل: «إن» . وفي ت: «لأن» .
[10] في ت: «ثم بلغوا عنه حتى يمنعوه ليسخرن» .
[11] في ت: «عرفوا» .(2/198)
كيف نصنع؟ قَالَ: [1] يأخذ كل رجل منكم قدحا، ثم ليكتب فيه اسمه، ثم ائتوني به.
ففعلوا، ثم أتوه فدخل عَلَى هبل وَقَالَ [2]- يعني لقيم الصنم-: اضرب [3] بقداح هَؤُلاءِ. وكان عَبْد اللَّه أصغر بني أَبِيهِ، وكان أحبهم إِلَى عَبْد المطلب. فلما [4] أخذها/ ليضرب بها [5] ، قام عَبْد المطلب عند الكعبة يدعو اللَّه، ثم ضرب صاحب القداح، فخرج القدح عَلَى عَبْد اللَّه، فأخذه [6] عَبْد المطلب بيده، وأخذ الشفرة، ثم أقبل به إِلَى إساف ونائلة، فقامت إليه قريش من أنديتها، وَقَالُوا: ما تريد أن تصنع؟ قَالَ:
أذبحه. قالوا: لا تذبحه أبدا حَتَّى تعذر فيه، انطلق به فأت [به] [7] عرافة [لها تابع فسلها] [8] . فانطلق، فقالت [له] : كم الدية فيكم؟ [9] قالوا: عشرة من الإبل. قالت:
فارجعوا ثم قربوا [10] صاحبكم، وقربوا عشرا [11] من الإبل، ثم اضربوا عَلَيْهِ وعليها بالقداح [12] ، فإن خرجت عَلَى صاحبكم فزيدوا من الإبل حَتَّى يرضى ربكم، فإن خرجت عَلَى الإبل فقد رضي ونجا صاحبكم.
فقربوا عَبْد اللَّه وعشرا [13] من الإبل فخرجت عَلَى عَبْد اللَّه، فزادوا عشرا فخرجت عَلَى عَبْد اللَّه [14] ، فلم يزالوا عَلَى هَذَا إِلَى أن جعلوها مائة، فخرج القدح على الإبل.
__________
[1] في ت: «قالوا» .
[2] في ت: «قال» .
[3] في ت: «وضرب» .
[4] في ت: «ولما» .
[5] «بها» سقطت من ت.
[6] في أ: «فأخذ» وكذلك في الطبري 2/ 241. وما أثبتناه موافق لسيرة ابن هشام والأصل.
[7] في الأصل: «فأت عرافة» . وفي ت: «إلى عرافة» . وما بين المعقوفتين أضفناه من ابن هشام.
[8] ما بين المعقوفتين: زيادة من ابن هشام 1/ 154 ليستقيم المعنى.
[9] «فيكم» سقطت من ت.
[10] في الأصل: «فقربوا» .
[11] في ت: «عشرة» .
[12] في ت: «ثم أخرجوا بقداحكم عليه وعليها» .
[13] في ت: «فقربوا عبد الله عشرا» .
[14] «فخرجت على عبد الله» سقطت من ت.(2/199)
فقالوا: قد رضي ربك. فَقَالَ: لا والله حَتَّى أضرب [1] عليها وعليه ثلاث مرات. ففعل فخرج القدح عَلَى الإبل، فنحرت، ثم تركت لا يصد عنها إنسان ولا سبع [2] .
ثم انصرف عَبْد المطلب بابنه فمر عَلَى امرأة من بني أسد يقال لها: أم قتال بنت [3] نوفل بن أسد بن عبد العزى وهي أخت ورقة. فقالت: يا عَبْد اللَّه، أين تذهب؟ قَالَ: مع أبي، فقالت [4] : لك عندي مثل الإبل التي نحرت عنك، وقع علي.
فَقَالَ إني مع أبي لا أستطيع فراقه [5] .
فخرج به [6] عَبْد المطلب حَتَّى أتى وهب بْن عَبْد مناف بْن زهرة، وهو يومئذ سيد بني زهرة نسبا [7] فزوجه آمنة [8] ، وهي يومئذ أفضل امرأة فِي قريش نسبا.
فدخل عليها [9] ، فوقع عليها مكانه، فحملت بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم خرج من عندها حَتَّى أتى المرأة التي كانت عرضت عَلَيْهِ نفسها، فَقَالَ: مالك لا تعرضين عليّ
__________
[1] من أول: «على هذا إلى أن جعلوها ... » حتى « ... حتى أضرب» ساقط من ت.
[2] إلى هنا الخبر في السيرة النبويّة 1/ 151- 153.
وتاريخ الطبري 2/ 240- 243. والبداية والنهاية 2/ 248.
وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة 1/ 98- 101.
وفي السيرة النبويّة: «لا يصد عنها إنسان ولا يمنع» بدلا من «ولا سبع» من قول ابن هشام وأورده كذلك ابن الجوزي في ألوفا، باب: في ذكر عبد الله أبي نبينا صلى الله عليه وسلم) .
[3] في ت: «من بني أسيد يقال لها أم فقال بنت نوفل» .
هذا وقد أغفل ابن الجوزي غلطا منه قول ابن إسحاق، «فيما يزعمون» لأن عادة ابن هشام- وكذلك الطبري- أن يورد هذا اللفظ عند شكه في الخبر. فهذا خطأ لأن هذا الخبر بصفة خاصة يكثر الكلام عنه، وسنوضح ذلك في نهاية الخبر إن شاء الله.
[4] في ت: «قالت» .
[5] في ابن هشام: «لا أستطيع خلافه ولا فراقه» .
[6] «به» سقطت من ت.
[7] في ت: «سنا» .
[8] في ت: «فتزوجته آمنة» .
[9] في الأصل: «ودخل بها» .(2/200)
اليوم ما كنت [1] عرضت علي بالأمس؟ قالت [2] له: فارقك النور الذي كان معك بالأمس، فليس [اليوم] [3] لي بك حاجة. وقد كانت تسمع من أخيها ورقة بْن نوفل، وكان قد تنصر واتبع الكتب، فكان فيما ذكر [4] : أنه كائن فِي هَذِهِ [5] الأمة نبي من بني إسماعيل.
قَالَ مؤلف الكتاب [6] : فإن قَالَ قائل قد [7] ذكرت فِي هَذَا الحديث أن عبد الله كان أصغر بني أبيه، وقد صح أن العباس أكبر من رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم.
فالجواب: أنه كان أصغر الموجودين [8] يومئذ من ولد عَبْد المطلب، ثم ولد العباس بعد ذلك.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ قَالَ: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أَبُو عَمْرو بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا هشام بْن مُحَمَّد الكلبي، عَنْ أبي الغياض الخثعمي [9] قَالَ:
مر عَبْد اللَّه بْن عَبْد المطلب بامرأة من خثعم يقال لها: فاطمة بنت مرة [10] ، وكانت أجمل الناس وأعفّهم [11] [وكانت] قد [12] قرأت الكتب، وكان شباب قريش
__________
[1] «ما كنت» سقطت من ت.
[2] في ت: «فقالت له» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت. وفي ت: «فليس اليوم لي فيك حاجة» .
[4] في ت: «فكان فيما أدرك» .
[5] في ت: «لهذه الأمة» وكذلك في الطبري 2/ 244.
[6] «قال مؤلف الكتاب» سقطت من ت.
[7] «قد» سقطت من ت.
[8] في ت: «الموجود» .
[9] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بإسناد لَهُ عن أبي العاص الخثعميّ قال» .
[10] في الطبقات الكبرى 1/ 96: «فاطمة بنت مرّ» .
[11] في الأصل: «وأعف» . وفي ت: «وكانت من أجمل الناس» .
وفي الطبقات الكبرى 1/ 96: «وكانت من أجمل الناس وأشبّه وأعفّه» .
[12] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/201)
يتحدثون إليها [1] ، فرأت نور النبوة فِي وجه عَبْد اللَّه بْن عَبْد المطلب، فقالت: يا فتى، من أنت؟ فأخبرها. فقالت: هل لك أن تقع علي وأعطيك مائة من الإبل؟ [فنظر إليها] [2] وَقَالَ:
أما الحرام فالممات دونه ... والحل لا حل فأستبينه
فكيف بالأمر الذي تبغينه [3] ... يحمي الكريم عرضه ودينه
[4] ثم مضى إِلَى امرأته آمنة بنت وهب، فكان معها، ثم ذكر الخثعمية وجمالها وما عرضت عَلَيْهِ، فأقبل عليها فلم ير منها [5] من الإقبال عَلَيْهِ [آخرا] [6] كما رآه منها أولا، فَقَالَ: هل لك فيما قلت لي [7] ؟ فقالت: قد كان ذلك مرة فاليوم لا، فذهبت مثلا. ثم قالت: [8] أي شَيْء صنعت بعدي؟ قَالَ: وقعت عَلَى زوجتي آمنة بنت وهب. فقالت:
إني والله لست بصاحبة ريبة، ولكني رأيت نور النبوة فِي وجهك، فأردت أن يكون ذلك فِي، وأبى اللَّه إلا أن يجعله حيث جعله.
وبلغ شباب قريش ما عرضت عَلَى/ عَبْد اللَّه بْن عَبْد المطلب وتأبيه عليها [9] ، فذكروا ذلك لها، فأنشأت تقول:
إني رأيت مخيلة عرضت [10] ... فتلألأت بحناتم القطر
فلمائها نور يضيء له ... ما حوله كإضاءة الفجر
__________
[1] «وكان شباب قريش يتحدثون إليها» سقط من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] في ت، والطبقات 1/ 96: «تنوينه» وما أثبتناه موافق لما في الطبري 2/ 224. والروض الأنف 1/ 104.
[4] «يحمي الكريم عرضه ودينه» سقط من ت، والطبقات الكبرى، والطبري. وقد وردت في الأصل، والطبقات الكبرى، والطبري. وقد وردت في الأصل، والروض الأنف 1/ 104.
[5] في الأصل: «فلم ير لها» .
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] «لي» سقطت من ت.
[8] في ت: «وقالت» .
[9] «عليها» سقطت من ت.
[10] في الأصل، ت: «لمعت» وما أثبتناه من الطبقات.(2/202)
ورأيته شرفا أبوء به ... ما كل قادح زيح زنده يوري
للَّه ما زهرية سلبت ... ثوبيك ما استلبت وما تدري
وَقَالَت أيضا:
بني هاشم قد غادرت من أخيكم ... أمينة إذ للباه يعتلجان
كما غادر المصباح بعد خبوه ... فتائل قد ميثت له بدهان
وما كل ما يحوي الفتى من تلاده ... بحزم ولا ما فاته لتوان
فأجمل إذا طالبت أمرا فإنه ... سيكفيكه جدان يصطرعان
[سيكفيكه إما يد مقفعلة ... وإما يد مبسوطة ببنان]
ولما قضت منه أمينة ما قضت ... نبا بصري عنه وكلّ لساني
[1]
__________
[1] جاءت الأبيات مضطربة وبها سقط وتحريف في الأصل، ت فأثبتناها من الطبقات 1/ 97، وهذه القصة- التي أوردها المصنف دون تعقيب على صحتها من عدمه- أوردها الطبري 1/ 243- 246، وابن هشام في السيرة النبويّة 1/ 155- 157 كلاهما قال: «فيما يزعمون» ، وهذه اللفظة كما سبق أن أشرنا، تدلنا إلى عدم اليقين، بل الشك المائل إلى التكذيب، وهذه هي عادة الطبري وابن هشام وغيرهما فيما يروون من أخبار ليس لها سند قوي، بل ليس لها حتى سند ضعيف.
ودليلنا في تكذيب هذا الخبر عدة أشياء:
1- أن هذه القصة تخالف ما جاء من أحاديث صحيحة في طهارة وشرف نسب الأنبياء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«إن الله عز وجل اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» . فهذه القصة تعارض الاصطفاء، وهذا ما أراد أعداء الإسلام بدسهم مثل هذه القصة الموضوعة.
2- كيف لرجل مثل عبد الله- بن عبد المطلب- صاحب النسب المصطفى من بني هاشم- أن يعود لهذه المرأة بعد أن أتى زوجته آمنة بنت وهب، فيطلب منها ما عرضت عليه هي بالأمس من زنا!؟ مع العلم بأنه حديث عهد بالزواج.
3- أن كل الروايات مختلفة في اسم هذه المرأة، فمرة ذكرت أنها أم قتال أخت ورقة بن نوفل، وأخرى أنها امرأة من خثعم، وثالثة أنها ليلى العلوية، ورابعة أنها كاهنة من أهل تبالة، وخامسة أنها فاطمة بنت مر الخثعمية. وقد نص على هذا الاختلاف كل من نقل الخبر منهم ابن سعد في الطبقات 1/ 95- 96.
والبيهقي في الدلائل 1/ 102- 108. وابن هشام 1/ 156- 157، وغيرهم فمن هذا يتضح لنا أن هذا الخبر كذب وافتراء، والله تعالى أعلم.(2/203)
وأما عَبْد المطلب
فاسمه: شيبة [الحمد] [1] ، سمي بذلك لأنه ولد وَفِي رأسه شيبة.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طالب مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بن عَسَاكِرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ يُونُسَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: قَالَ أَبِي عَبْدُ الْمُطَّلِبِ [2] :
خَرَجْتُ إِلَى الْيَمَنِ فِي رِحْلَةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَنَزَلْتُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ يَقْرَأُ الزَّبُورَ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، ائْذَنْ لِي فَأَنْظُرُ فِي بَعْضِ جَسَدِكَ. فَقُلْتُ [3] : انْظُرْ مَا لَمْ يَكُنْ [4] عَوْرَةٌ. فَنَظَرَ فِي مِنْخَرِي فَقَالَ: أَجِدُ فِي أَحَدِ مِنْخَرَيْكَ مُلْكًا وفي الأخرى نبوّة، فهل [لك] [5] ما شَاعَةٍ؟ قُلْتُ: وَمَا الشَّاعَةُ؟ قَالَ: الزَّوْجَةُ. قُلْتُ: أَمَّا الْيَوْمَ فَلا. قَالَ:
فَإِذَا قَدِمْتَ مَكَّةَ فَتَزَوَّجَ. فَقَدِمَ فَتَزَوَّجَ هَالَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ حَمْزَةَ، وَصَفِيَّةَ، وَتَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ آمِنَةَ، فَوَلَدَتْ/ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَقُولُ: فَلَجَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى أَبِيهِ [6] .
قَالَ مؤلف الكتاب [7] : يقول العرب: فلج فلان على خصمه، أي: فاز وغلب.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «أخبرنا هبة الله بن الحصين بإسناد له عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: قَالَ أَبِي عَبْدُ الْمُطَّلِبِ.
[3] في الأصل: «فقال» .
[4] في ت: «ما لم تر عورة» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] الخبر أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 86. وأبو نعيم في دلائل النبوة 88، 89. والبيهقي في الدلائل 1/ 106، 107. وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى 1/ 40. وابن كثير في البداية والنهاية 2/ 251. وابن الجوزي في ألوفا رقم 79.
[7] «قال مؤلف الكتاب» سقطت من ت.(2/204)
فصل
قَالَ مؤلف الكتاب [1] : وإنما قيل له عَبْد المطلب، لأن هاشما خرج إِلَى الشام فِي تجارة، فمر بالمدينة، فرأى سلمى بنت عمر- وبعضهم يقول: بنت زيد بْن عمرو بْن لبيد [2] بْن حرام بْن خداش بْن جندب بْن عدي بْن النجار فأعجبته، فخطبها إِلَى أبيها فأنكحها منه [3] ، وشرط عَلَيْهِ أن لا تلد ولدا إلا فِي أهلها [4] ، ثم مضى هاشم لوجهه قبل أن يبني بها، ثم انصرف راجعا من الشام، فبنى بها [5] فِي أهلها بيثرب، فحملت منه، ثم ارتحل إِلَى مكة وحملها معه، فلما أثقلت ردها إِلَى أهلها، ومضى إِلَى الشام فمات بغرة، فولدت له عَبْد المطلب، فمكثت بيثرب سبع سنين أو ثماني سنين [6] ، ثم إن رجلا من بني الحارث بْن عَبْد مناة مر بيثرب [7] ، فإذا غلمان ينتضلون [8] ، فجعل شيبة إذا خسق [9] قال: أنا ابن هاشم، أنا ابن سيد البطحاء [10] . فَقَالَ له الحارثي: من أنت؟
قَالَ: أنا شيبة بْن هاشم بْن عَبْد مناف. فلما أتى الحارثي مكة قَالَ للمطلب وهو جالس فِي الحجر: [يا أبا الحارث] [11] ، تعلم أني وجدت صبيانا ينتضلون [12] بيثرب، وفيهم غلام إذا خسق قَالَ: أَنَا ابن هاشم أنا ابن سيد البطحاء. فَقَالَ المطلب [13] : والله لا أرجع إِلَى أهلي حَتَّى آتي به. فَقَالَ له الحارثي: هَذِهِ راحلتي بالفناء فأركبها [14] .
__________
[1] بياض في ت مكان: «فصل: قال مؤلف الكتاب» .
[2] في الأصل: «بن أسد» .
[3] في ت: «فأنكحها إياها» .
[4] في ت: «ولدا من غير أهلها» .
[5] في الأصل: «فابتنى بها» .
[6] «أو ثماني سنين» سقطت من ت.
[7] في الأصل: «قدم من يثرب» .
[8] في ت: «يتصدون» .
[9] خسق: أصاب ونفذ.
[10] في ت: «أنا ابن هاشم سيد البطحاء» .
[11] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[12] في ت: «غلمانا يتناضلون» .
[13] «المطلب» سقطت من ت.
[14] في الأصل: «فأدركها» .(2/205)
فجلس المطلب [1] عليها، فورد يثرب عشاء، حَتَّى أتى عدي بْن النجار، فإذا غلمان يضربون كرة بين ظهري المدينة، فجلس فعرف ابن أخيه. فَقَالَ للقوم: أهذا ابن هاشم؟ قالوا: نعم، هَذَا ابن أخيك، فإن كنت تريد أخذه فالساعة قبل أن تعلم [به] [2] أمه، فإنها إن علمت لم تدعك وحلنا بينك [3] وبينه. فدعاه فَقَالَ: يا ابن أخي أنا عمك.
وقد أردت الذهاب بك إِلَى قومك. وأناخ راحلته، فما كذب أن جلس عَلَى عجز الناقة/، فانطلق به، ولم تعلم أمه حَتَّى [4] كان الليل، فقامت تدعوه فأخبرت أن عمه ذهب به، وقدم به المطلب ضحوة، والناس فِي مجالسهم، فجعلوا يقولون [5] : من هَذَا وراءك؟ فيقول: عَبْد لي [6] ، حَتَّى أدخله منزله عَلَى امرأته خديجة بنت سَعِيد بْن سهم، فقالت: من هَذَا؟ قَالَ: عَبْد لي. ثم خرج المطلب [7] حَتَّى أتى الحزورة، فاشترى حلة فألبسها شيبة، ثم خرج به حَتَّى كان العشي أتى مجلس بني عَبْد مناف، فجعل بعد ذلك يطوف فِي سكك مكة في تلك الحلة. فيقال [8] هَذَا عَبْد المطلب، لقوله: «هَذَا عَبْدي» حين سأله قومه، فَقَالَ المطلب: فِي ذلك [9] :
عرفت شيبة والنجار قد جعلت ... أبناؤها حوله بالنبل تنتضل
[10] قَالَ مؤلف الكتاب: [11] هَذَا حديث الواقدي، وهشام عَنْ أبيه. وقد رواه علي بْن حرب الموصلي، عن ابن معن [12] عَنْ مُحَمَّد بْن أبي بكر الأنصاري عن مشايخ الأنصار، قالوا:
__________
[1] في الأصل: «فجلس عبد المطلب» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] في ت: «وقد خلينا بينك» .
[4] في الأصل: «حتى إذا كان الليل» .
[5] في ت: «فجعلوا يقولون له» . وما أثبتناه موافق للطبري.
[6] في ت: «هذا عبد لي» وما أثبتناه موافق للطبري والأصل.
[7] «ثم خرج المطلب» سقطت من ت.
[8] في الأصل: «فقيل» .
[9] «في ذلك» سقطت من ت.
[10] أخرجه الطبري في التاريخ 2/ 247، 248.
[11] «قال مؤلف الكتاب» سقطت من ت.
[12] في ت: «أبي معشر» .(2/206)
تزوج هاشم امرأة من بني عدي بْن النجار ذات شرف، وكانت تشرط عَلَى من خطبها المقام بدار قومها فولدت له شيبة الحمد، فربي [1] فِي أخواله مكرما. فبينا هو يناضل فتيان الأنصار إذ أصاب [خصلة] [2] قَالَ: أنا ابن هاشم. وسمعه رجل مجتاز، فلما قدم مكة قال لعمه المطّلب: [قد] [3] مررت بدار بني قيلة فرأيت فتى من صفته كذا، يناضل فتيانهم فاعتزى إِلَى أخيك، وما ينبغي ترك مثله فِي الغربة [4] . فرحل المطلب حَتَّى ورد المدينة، فأراده عَلَى الرحلة [5] . فَقَالَ: ذاك إِلَى الوالدة، فلم يزل بها حَتَّى أذنت له، فأقبل به قد أردفه، فإذا لقيه اللاقي [6] ، وَقَالَ: من هَذَا يا مطلب؟ قَالَ:
عَبد لي [7] فسمي عَبْد المطلب، فلما قدم مكة وقفه عَلَى ملك أبيه، وسلمه إليه [8] .
فصل
[9] وكان إِلَى عَبْد المطلب بعد هلاك [عمه] المطلب ما كان [10] إِلَى من قبله من بني [11] عَبْد مناف من أمر السقاية والرفادة، وشرف فِي قومه، وعظم خطره، فلم يكن يعدل به منهم أحد [12] .
وكان إذا أهل رمضان/ دخل حراء فبقي فيه طول الشهر، وكان يطعم المساكين، ويعظم الظلم، ويكثر الطواف بالبيت [13] .
__________
[1] في الأصل: «فنشأ» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري 2/ 248.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في ت: «وما ينبغي لك ترك مثله في القرية» .
[5] في الأصل، وت: «الراحلة» .
[6] في ت: «الملاقي» .
[7] في ت: «هذا عبد لي» وما أثبتناه من الأصل والطبري.
[8] تاريخ الطبري 2/ 246- 248.
[9] بياض في ت مكان: «فصل» .
[10] في ت: «وكان عبد المطلب بعد هلاك عمه صار إليه ما كان» . وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[11] «من قبله من بني» سقط من ت.
[12] السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 142. والطبري 2/ 251.
[13] من أول: «وكان إذا أهل رمضان ... » حتى « ... الطواف بالبيت» سقط من ت.(2/207)
فصل
وعَبْد المطلب [هو] [1] الذي أتي فِي منامه فقيل له: احفر زمزم، قَالَ: وما زمزم [2] ؟ قيل: لا تنزح ولا تذم، [3] تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدم، عَنْ نقرة الغراب الأعصم [وهي شرب لك ولولدك، وكان غراب أعصم] [4] لا يبرح عند الذبائح مكان الفرث والدم، فحفرها ثلاثة أيام فبدأ [له] [5] الطوي [6] ، فكبر، وَقَالَ:
هَذَا طوي إسماعيل. فقالت له قريش: أشركنا فيه فَقَالَ: ما أنا بفاعل، هَذَا شَيْء خصصت به دونكم، فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه [7] ، قالوا: كاهنة بني سعد. فخرجوا إليها، فعطشوا فِي الطريق حتى أيقنوا بالموت، فقال عبد المطلب: والله إن إلقاءنا هكذا بأيدينا لعجز، [8] ألا نضرب فِي الأرض، فعسى اللَّه أن يرزقنا ماء. وقام إِلَى راحلته فركبها [9] فلما انبعثت به انفجر [10] من تحت خفها عين ماء عذب، فكبّر عبد المطّلب، وكبر أصحابه [وشربوا] [11] . وَقَالُوا: [قد] [12] قضى لك الّذي سقاك، فو الله لا نخاصمك فيها أبدا. [فرجعوا] [13] . وخلوا بينه وبين زمزم. [14] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] «قال: وما زمزم» سقط من ت.
[3] في ت: «لا ينزع ولا يرم» . وفي ابن هشام: «لا تنزف أبدا ولا تذم» . وفي دلائل النبوة للبيهقي 1/ 94:
«لا تنزف ولا تذم» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] الطوي: الحجارة التي بها البئر.
[7] «إليه» سقط من ت.
[8] في ت: «إن إلقاءنا بأيدينا هكذا أيعجز أن» .
[9] «فركبها» سقطت من ت.
[10] في الأصل: «تفجر» .
[11] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[12] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[13] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[14] انظر الخبر في: طبقات ابن سعد 1/ 83- 84. وسيرة ابن هشام 1/ 145، 146. ودلائل النبوة للبيهقي 1/ 93- 95.(2/208)
وكان عَبْد المطلب قد وجد فِي زمزم غزالين من ذهب كانت جرهم دفنتهما فيه [1] حين أخرجت من مكة، وأسيافا وأدرعا، فجعل الأسياف [2] بابا للكعبة، وضرب الغزالين صفائح في الباب فكان أول ذهب حليتها الكعبة.
وقد روى ابن حبيب فِي حديث الغزالين [3] شيئا آخر، قَالَ: كان معين بْن عَبْد القيس مالقا لشباب قريش يسقون عنده ويشربون وكان عيادة فتاك قريش وحلفاؤهم، منهم: أبو لهب، والحكم بن أبي العاص، والحارث بْن عامر بْن نوفل وغيرهم، وأقبلت عير من الشام تحمل خمرا، فقال لهم أَبُو لهب: ويلكم أما عندكم نفقة.
قالوا: لا. قَالَ: فعليكم بغزال الكعبة، فإنما هو غزال أَبِي، وكان عَبْد المطلب استخرجه من زمزم ووجد بها سيوفا والغزال، فحمله للكعبة. فانطلقوا بالَّليلِ فحمل أَبُو مسافع [4] ، والحارث بْن عامر عَلَى ظهورهما حَتَّى ألقياه/ عَلَى الكعبة، فضرب الغزال فوقع، فتناوله أَبُو لهب ثم أقبلوا به فكسروه فأخذوا الذهب وعينيه، وكانت من ياقوت، وطرحوا طوقه، وكان عَلَى خشب فِي منزل شيخ من بني عامر، فأخذ أَبُو لهب العنق والرأس والقرنين، وانطلق فلم تقربهم وذهبوا فاشتروا كل خمر كان [معهم] وأعطوا الشنف والقرط القسيس، فافتقدت قريش الغزال، فتكلموا فيه، وجد فِي لبرة عَبْد اللَّه بْن جدعان، فمر الْعَبَّاس، وهو شاب بدور بني سهم وهم يغنون ويقولون:
إن الغزال الذي كلتم وحليته ... يعنونه بخطوب الدهر والعثر
طافت به عصبة من سر قومهم ... أهل العلا والندا والبيت ذي الستر
فأخبر أَبُو طَالِبٍ [5] فجاءوا ابن جدعان وغيرهم فسمعوا الغناء، وأقبلوا من الغد ووجدوا العينين: إحداهما مقرط قرط الغزال والأخرى مشنفة بالمنفد، فهرب الحارث بْن عامر، وقطعت يد الرجل، وصولح القوم على خمسين ناقة ففدوا بها الكعبة.
__________
[1] «فيه» سقط من ت.
[2] في الأصل «وأسياف وأدرعة فجعل للأسياف» وهذا خطأ لغويّ «فاقتضى» التصحيح.
[3] من أول: «وضرب الغزالين صفائح في الباب ... » حتى آخر الفصل سقط في ت.
[4] هكذا بالأصل، وكتب تحتها: «أبو لهب» .
[5] هكذا في الأصل، والخبر ساقط من ت.(2/209)
فصل
وكانت كنية عَبْد المطلب: أبا الحارث، كني بذلك لأن الأكبر من ولده الذكور كان اسمه الحارث [1] .
قَالَ هشام بْن مُحَمَّد بْن السائب: ولد لعَبْد المطلب عشرة بنين منهم: عبد الله أبو نبينا صلى الله عليه وسلم [2] ، وأبو طالب، والزبير: أمهم فاطمة بنت عمرو مخزومية، والعباس، وضرار: أمهما نتيلة النمرية، وَحَمْزَة، والمقوم: أمهما: هالة بنت وهب، وأبو لهب أمه: لبني خزاعية، والحارث: أمه صفية من بني عامر بْن صعصعة، والغيداق: أمه من خزاعة.
وأما هاشم فاسمه عمرو. وإنما قيل له هاشم لأنه أول من هشم الثريد [لقومه] [3] وأطعمه.
فَقَالَ ابن الزبعري فيه:
عمرو العلا هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف
[4] ذلك أن قومه من قريش أصابهم قحط، فرحل إِلَى فلسطين، فاشترى الدقيق، فقدم به/ مكة، فأمر بِهِ فخبز له ثم نحر جزورا، ثم اتخذ لقومه من مرقه ثريدا بذلك الخبز.
وهو أول من سن الرحلتين لقريش رحلة الشتاء والصيف [5] .
أَخْبَرَنَا المبارك بْن علي الصيرفي قَالَ: أخبرتنا فاطمة بنت عَبْد اللَّه بْن الحرثة قالت: أَخْبَرَنَا علي بْن الحسن بْن الفضل قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد بْن خالد قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابن المغيرة الجوهري قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيد الدمشقي قال: حدّثنا الزبير
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 251.
[2] «أبو نبينا صلى الله عليه وسلم» سقطت من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[4] أمالي المرتضى 2/ 269. وتاريخ الطبري 2/ 252 والمسنتون: الذين أصابتهم سنة، أي: جوع.
[5] في ت: «ورحلة الصيف» وما أثبتناه من الطبري 2/ 252، والأصل.(2/210)
ابن بكار قَالَ: حدثني مُحَمَّد بْن يحيى قَالَ حدثني عمران بْن عَبْد العزيز قَالَ [1] :
كانت [2] قريش فِي الجاهلية تعتقد وكان اعتقادها أن أهل البيت منهم كانوا إذا هلكت أموالهم خرجوا إِلَى براز من الأرض فضربوا عَلَى أنفسهم الأخبية، ثم تناوموا فيها حَتَّى يموتوا من قبل أن يعلم بحالتهم، حَتَّى نشأ هاشم بْن عَبْد مناف، فلما عظم قدره قال: يا معشر قريش، إن العز مع كثرة العدد، وقد أصبحتم أكثر العرب أموالا وأعزها نفرا، وإن هَذَا الاعتقاد قد أتى عَلَى كثير منكم، وقد رأيت رأيا. قالوا: رأيك رشد فمرنا نأتمر [3] . قال: رأيت أن أخلط فقراءكم بأغنيائكم وأعمد إِلَى رجل غني فأضم إليه فقيرا [أجمع] [4] عياله بعدد عياله، وأذره فِي الرحلتين، فما كان من مال الغني من فضل [5] عاش الفقير وعياله فِي ظله، وكان ذلك قاطعا للأحقاد قالوا: نعم ما رأيت. فألف بين الناس، فلما بعث اللَّه تعالى رسوله عَلَيْهِ السلام، كان فيما أنزل عَلَيْهِ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ 105: 1 [6] ثم نزلت: [7] لِإِيلافِ قُرَيْشٍ 106: 1 [8] أي: لتراحمهم وتواصلهم، وإن كانوا عَلَى شرك
. فصل
وكان هاشم وعَبْد شمس أكبر ولد عَبْد مناف، وقيل: ولدا توأمين، وإن أحدهما ولد قبل صاحبه [9] ، وأصبع أحدهما ملتصقة بجبهة صاحبه [10] ، فنحيت عنها، فسال من ذلك دم فتطيّر من ذلك [11] . فقيل: يكون بينهما دم.
__________
[1] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أنبأنا المبارك بن علي بإسناد له عن عمران بن عبد العزيز قال» .
[2] في ت: «كان قريش» .
[3] في ت: «رأيك أشد فمرنا نأتم» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت: «من فضل مال» .
[6] سورة: الفيل، الآية: 1.
[7] في الأصل: «ثم قال: ولم فعلت ذلك» .
[8] سورة: قريش، الآية: 1.
[9] في ت: «قبل الآخر» .
[10] في الأصل: «وإصبعه ملتصقة له بجبهة صاحبه» .
[11] في الأصل: «فنظر في ذلك» .(2/211)
وأخوهما المطلب أصغرهم [1] ، وأم الثلاثة: عاتكة بنت نمرة السلمية، وأخوهم:
نوفل، وأمه واقدة، فسادوا كلهم بعد أبيهم عَبْد مناف، وكان يقال لهم: المجبرون، فلهم يقول/ القائل:
يا أيها الرجل المحول رحله ... ألا نزلت بآل عَبْد مناف!
[2] وكان أول من أخذ [3] لقريش العصم [4] ، فانتشروا من الحرم، أخذ لهم هاشم حبلا من ملوك الشام والروم وغسان [5] ، وأخذ لهم عَبْد شمس من النجاشي الأكبر، فاختلفوا بذلك السبب إِلَى أرض الحبشة، وأخذ لهم نوفل حبلا من الأكاسرة، فاختلفوا بذلك السبب إِلَى [العراق وأرض الشام، وأخذ لهم المطلب حبلا من ملوك حمير، فاختلفوا بذلك السبب إِلَى] [6] اليمن فجبر اللَّه لهم قريش فسموا المجبرين [7]
. فصل
وولي هاشم بعد أبيه عَبْد مناف السقايه والرفادة، وأطعم الناس، فحسده أمية بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف، وكان ذا مال فتكلف [8] ، أن يصنع صنيع هاشم، فعجز عنه، فشمت به ناس من قريش، فغضب ونال من هاشم، فدعاه إِلَى المنافرة، فكره هاشم ذلك، فلم تدعه قريش، واحفظوه، قَالَ: فإني أنافرك عَلَى خمسين ناقة سود الحدق، تنحرها [ببطن] [9] مكة، والجلاء عَنْ مكة عشر سنين. فرضي بذلك أمية، وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي، فنفر هاشما عَلَيْهِ، فأخذ هاشم الإبل فنحرها، وأطعمها من حضره،
__________
[1] في الأصل: «وأصغر» .
[2] أمالي المرتضى 2/ 268.
[3] في الأصل: «واتخذ» .
[4] العصم: الحبال، ويراد بها العهود.
[5] في الأصل: «أخذ لهم هاشم من ملوك الشام والروم وغسان حبلا.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] تاريخ الطبري 2/ 252.
[8] في الأصل: «فكلف» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/212)
وخرج أمية إِلَى الشام، فأقام بها عشر سنين فكانت هَذِهِ أول عداوة وقعت بين هاشم وأميّة [1] .
أنبأنا يحيى بن الحسن البناء. قَالَ: أخبرنا ابن المسلمة قَالَ: أخبرنا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال: أَخْبَرَنَا الزُّبَيْر بْن بكار قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَر بْن أبي بكر الْمَوْصِليّ قَالَ: حدثني يزيد بْن عَبْد الملك بْن المغيرة، عَنْ نوفل، عَنْ أبيه قَالَ [2] :
اصطلحت قريش عَلَى أن يولي هاشم بْن عَبْد مناف السقاية والرفادة، وذلك أن عَبْد شمس كان يسافر قبل ما يقيم بمكة، وكان رجلا مقلا، وكان هاشم رجلا موسرا، وكان إذا حضر الحج قام فِي قريش، وَقَالَ: يا معشر قريش، إنكم جيران اللَّه، وأهل بيته، وإنه يأتيكم في هذا الموسم نفار اللَّه، يعظمون حرمة/ بيته، وهم ضيف اللَّه، وأحق الضيف بالكرامة [ضيفه] [3] وقد خصكم اللَّه بذلك، وأكرمكم به، فأكرموا ضيفه، فإنهم يأتون شعثا غبرا من كل بلد، وقد أوجفوا وثقلوا وأرملوا، فأقروهم وأعينوهم، فكانت قريش ترافد عَلَى ذلك حَتَّى إن كان أهل البيت ليرسلون بالشَّيْء اليسير عَلَى قدرهم، وكان هاشم يخرج كل سنة مالا كثيرا، فكان يأمر بحياض من أدم فيجعل فِي موضع زمزم قبل أن تحفر [4] ، ثم يستقي [5] فيها من الآبار [6] التي بمكة فيشرب الحاج، وكان يطعمهم قبل التروية بيوم بمكة وبمنى وبجمع وبعرفة، وكان يثرد لهم الخبز والشحم والسمن والسويق [والتمر] [7] ويحمل لهم الماء، وكان هاشم أول من سن الرحلتين: رحلة إِلَى أرض الحبشة إِلَى النجاشي ورحلة إِلَى أرض الشام، وربما دخل عَلَى قيصر فيكرمه، فمات بغزة.
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 252، 253.
[2] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا يحيى بن الحسن بن البناء بإسناد له عن يزيد بن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل عن أبيه قال» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في ت: «قبل أن تحتفر» .
[5] في ت: «يستسقي» .
[6] في الأصل: «البيار» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/213)
قَالَ الزُّبَيْرُ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَسَنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ [قَالَ] [1] : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ لَهَا الإِيلافَ وَأَجَازَ لَهَا الْعِيرَاتِ هَاشِمٌ، وَاللَّهِ مَا نَبَذَتْ قُرَيْشٌ خَيْلا، وَلا أَنَاخَتْ بَعِيرًا بِحَضَرٍ [2] إِلا لِهَاشِمٍ، وَاللَّهِ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَقَى بِمَكَّةَ مَاءً عَذْبًا وَجَعَلَ بَابَ الْكَعْبَةِ ذَهَبًا لَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارك قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ محمد جعفر الأزدي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا [3] سُلَيْمَان بْن حَرْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ قَالَ:
تَفَاخَرَ رَجُلانِ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ هَذَا:
قَوْمِي أَسْخَى مِنْ قَوْمِكَ. وَقَالَ هَذَا: قَوْمِي أَسْخَى مِنْ قَوْمِكَ. فَقَالَ: سَلْ فِي قَوْمِكَ حَتَّى أَسْأَلَ فِي قَوْمِي. فَافْتَرَقَا عَلَى ذَلِكَ فَسَأَلَ الأُمَوِيُّ عَشْرَةً مِنْ قَوْمِهِ فَأَعْطَوْهُ مِائَةَ أَلْفٍ، كُلُّ وَاحِدٍ [مِنْهُمْ] [4] عَشْرَةَ آَلافٍ. قَالَ: وَجَاءَ/ الْهَاشِمِيُّ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَأَعْطَاهُ مِائَةَ أَلْفٍ، ثُمَّ أَتَى الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فسأله: هل أتيت أحدا قبلي؟ نَعَمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ فَأَعْطَانِي مِائَةَ أَلْفٍ. قَالَ [5] : فَأَعْطَاهُ الْحَسَنُ مِائَةَ أَلْفٍ وَثَلاثِينَ أَلْفًا، ثُمَّ أَتَى الْحُسَيْنَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: هَلْ أَتَيْتَ أَحَدًا قَبْلِي قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي [6] ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَخَاكَ الْحَسَنَ، فَأَعْطَانِي مِائَةَ أَلْفٍ وَثَلاثِينَ أَلْفًا، قَالَ: لَوْ أَتَيْتَنِي قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ أَخِي [7] أَعْطَيْتُكَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ لا أَزِيدُ عَلَى [8] سَيِّدِي [قَالَ] [9] : فَأَعْطَاهُ مِائَةَ أَلْفٍ وثلاثين ألفا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] «بحضر» سقطت من ت.
[3] في ت: «حدثني» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] «قال» سقطت من ت.
[6] «قبل أن تأتيني» سقطت من ت.
[7] في ت: «قبل أن تأتيه» .
[8] في ت: «لم أكن لأزيد على» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/214)
قَالَ: فَجَاءَ الأُمَوِيُّ بِمِائَةِ أَلْفٍ مِنْ عَشْرَةٍ. وجاء الهاشمي بثلاثمائة أَلْفٍ وَسِتِّينَ أَلْفٍ مِنْ ثَلاثَةٍ. فَقَالَ الأُمَوِيُّ: سَأَلْتُ عَشْرَةً مِنْ قَوْمِي فَأَعْطَوْنِي مِائَةَ أَلْفٍ. وَقَالَ الْهَاشِمِيُّ: سَأَلْتُ ثَلاثَةً مِنْ قَوْمِي فَأَعْطَوْنِي ثلاثمائة أَلْفٍ وَسِتِّينَ أَلْفًا. قَالَ: فَعَجَزَ الْهَاشِمِيُّ [عَلَى] [1] الأُمَوِيُّ، فَرَجَعَ الأُمَوِيُّ إِلَى قَوْمِهِ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ [2] ، وَرَدَّ عَلَيْهِمِ الْمَالَ فَقَبِلُوهُ، وَرَجَعَ الْهَاشِمِيُّ إِلَى قَوْمِهِ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ وَرَدَّ عَلَيْهِمِ الْمَالَ فَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوهُ، وَقَالُوا: لَمْ نَكُنْ [3] لِنَأْخُذَ شَيْئًا قَدْ أَعْطَيْنَاهُ. [4] .
وقد روى هشام عَنْ أشياخ له: أن عَبْد المطلب بْن هاشم وحرب بن أميّة رحلا [5] إلى النجاشي [الحبشي] [6] فأبى أن ينفر بينهما فجعلا بينهما نفيل بْن عَبْد العزى بْن رباح فَقَالَ لحرب: يا أبا عمرو، أتنافر رجلا هو أطول منك قامة، وأعظم منك هامة، وأوسم منك وسامة وأكثر منك ولدا، فنفره عَلَيْهِ، فَقَالَ له حرب: إن من انتكاث [الزمان] [7] أن جعلناك حكما [8] .
وكان أول من مات من ولد عَبْد مناف ابنه هاشم، مات [9] بغزة من أرض الشام، ثم مات عبد شمس بمكة فقبر بأجياد، ثم مات نوفل بالسلمان من طريق العراق، ثم مات المطلب بردمان من أرض اليمن، وكانت الرفادة، والسقاية بعد هاشم إِلَى أخيه المطّلب [10] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] «الخبر» سقطت من ت.
[3] في ت: «ما كنا» .
[4] في ت: «قد أعطيناك» .
وهذا الخبر أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب «قضاء الحوائج» .
[5] في ت: «وخلا إلى» .
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[8] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 253. وابن سعد 1/ 87.
[9] «مات» سقطت من ت.
[10] تاريخ الطبري 2/ 254.(2/215)
فصل
[1] قَالَ هشام بْن مُحَمَّد السائب [2] الكلبي، انتهى الشرف من قريش فِي الجاهلية ووصل في الإسلام إلى عشرة رهط من عشرة أبطن وهم:
هاشم، وأمية، ونوفل، وعَبْد/ الدار، وأسد، وتيم، ومخزوم، وعدي، وجمح، وسهم.
وكان من بني هاشم العباس بْن عَبْد المطلب، يسقي الحجيج فِي الجاهلية، وبقي ذلك له [3] فِي الْإسْلَام، وكانت له العمادة، وهي أن لا يتكلم أحد فِي المسجد الحرام برفث ولا هجر، ولا يرفع صوت [4] ، كان العباس رضي اللَّه عنه ينهاهم عَنْ ذلك [5] .
ومن بني أمية أَبُو سفيان بْن حرب. كانت عنده العقاب راية قريش، وإذا كانت عند رجل أخرجها إذا حميت الحرب، فإن اجتمعت قريش عَلَى أحد أعطوه العقاب، وإن لم يجتمعوا عَلَى أحد رأسوا صاحبها وقدموه.
ومن بني نوفل الحارث بْن عامر وكانت إليه الرفادة، وهي مال كانت [6] تخرجه من أموالها وترفد بِهِ منقطعي الحاج.
ومن بني عَبْد الدار عثمان بْن طلحة كان إليه اللواء والسدانة مع الحجابة، ويقال والندوة فِي بني عَبْد الدار.
ومن بني أسد يزيد بْن ربيعة بْن الأسود، وكانت إِلَيْهِ المشورة، وذَلِكَ أن رؤساء قريش لم يكونوا يجتمعون عَلَى أمر حَتَّى يعرضوه عَلَيْهِ، فإن وافقه والاهم عَلَيْهِ، وإلا تخير [7] فكانوا أعوانا، واستشهد مَعَ رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالطائف.
__________
[1] بياض في ت مكان: «فصل» .
[2] «السائب» سقطت من ت.
[3] «له» سقطت من ت.
[4] في ت: «صوته» .
[5] في ت: «عن هذا» .
[6] في ت: «ما كانت» .
[7] في ت: «وإلا ترك» .(2/216)
ومن بني تيم: أَبُو بكر الصديق [رضي اللَّه عنه] [1] كانت إليه فِي الجاهلية الإساف، وهي الديات والمغرم [وكان إذا احتمل شيئا يسأل فيه قريش سدنة وإحماله من ينظر فيه] [2] وإن أحمله غيره خذلوه.
ومن بني مخزوم: خالد بْن الوليد كانت [إليه] [3] القبة والأعنة، فأما القبة فإنهم [4] كانوا يضربونها، ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش، وأما الأعنة فإنه كان يكون على خيل قريش فِي الحرب.
ومن بني عدي: عمر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه، كانت إليه السفارة فِي الجاهلية وذلك إذا وقعت بين قريش وغيرهم [حرب] [5] بعثوه سفيرا أو إن نافرهم حي المفاخرة بعثوه مفاخرا، ورضوا به.
ومن بني جمح: صفوان بْن أمية، وكانت إليه الأيسار، وهي الأزلام كان هو الذي يجري [6] ذلك عَلَى يديه.
ومن بني/ سهم: الحارث بْن قيس، وكانت [إليه] [7] الحكومة والأموال التي يسمونها لآلهتهم إِلَيْهِ.
فهذه مكارم قريش التي كانت فِي الجاهلية، وهي السقاية [والعمادة والعقاب والرفادة والحجابة والندوة واللواء والمشورة والإساف] [8] والقبة والأعنة والأيسار والحكومة والأموال المحجرة للآلهة، وكانت إِلَى هَؤُلاءِ العشرة [من البطون العشرة] [9] ، وجاء الإسلام فوصل ما يصلح وصله، وكذلك كل شرف من شرف الجاهلية أدركه الإسلام فوصله، وكانوا إذا كانت حرب اقترعوا [10] بين أهل الرئاسة،
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] هكذا وردت هذه الزيادة في النسخة ت وهي غير مقروءة بسبب تناثر بعض الحبر عليها. والمعنى لا ينقص بدونها) .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في ت: «وكانوا» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] في ت: «يجرون» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من ت.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من ت.
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] في ت: «أقرعوا» .(2/217)
فمن [1] خرجت القرعة عَلَيْهِ أحضروه صغيرا كان أو كبيرا، فلما كان يوم الفجار اقترعوا بين بني هاشم، فخرج منهم العباس، وكان صغيرا فأجلسوه [2] عَلَى الفرس
. وأما عَبْد مناف
فاسمه المغيرة، وكان يقال له: القمر من جماله وحسنه، وكان قصي فيما زعموا يقول: ولد لي أربعة فسميت اثنين بصنمي، [وواحدا بداري، وواحدا بنفسي، وهم:
عَبْد مناف، وعَبْد العزّى) ، [3] وعبد الدار، وعَبْد قصي، أمهم جميعا: حبى بنت حليل بْن حبشية [4] الخزاعي.
ودفعت ولدها عَبْد مناف إِلَى مناف [5] ، وكان أعظم أصنام مكة تدينا بذلك، فغلب عَلَيْهِ عَبْد مناف، وله قيل:
كانت قريش بيضة فتفلقت ... فالمح خالصة لعَبْد مناف
[6] وكانت الرئاسة فِي بني عَبْد مناف، والحجابة فِي بني عبد الدار، فأراد بنو عَبْد مناف أن يأخذوا ما بيدي بني عَبْد الدار، فحالف بنو عَبْد الدار بني سهم وَقَالُوا لهم: امنعونا من بني عَبْد مناف، فلما رأت ذلك أم حكيم بنت عَبْد المطلب عمدت إِلَى جفنة فملأتها خلوقا، ثم وضعتها فِي الحجرة وَقَالَت: من تطيب بهذا فهو منا. فتطيب به بنو عَبْد مناف، وأسد، وزهرة، وبنو تيم، فسموا المطيبين. فلما سمعت بذلك بنو سهم نحروا جزورا وَقَالُوا: من أدخل يده [فِي دمها] [7] فهو منها. فأدخلت أيديها: بنو عَبْد الدار، وبنو سهم، وجمح، وعدي، ومخزوم، فلما فعلوا ذلك وقع الشر، وسموا
__________
[1] في ت: «فيمن» .
[2] في ت: «وهو صغير فأجلس» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في الأصل: حبّى بنت الحليل بن حبيب.
[5] «إلى مناف» سقط من ت.
[6] تاريخ الطبري 2/ 254. والبيت في أمالي المرتضى 2/ 268. والروض الأنف 1/ 94.
[7] في الأصل: «من أدخل يده فهو منا» . وفي ت: «من أدخل في دمها» .(2/218)
أحلافا. وكان عمر بْن الخطاب من الأحلاف، / فلما قتل صاحب [1] الصابحة، واشتد الاختلاف فَقَالَ ابن عباس: ويحك والمختلف عليهم [2]
. وأما قصي
فله ثلاثة أسماء: زيد، وقصي، ومجمعا.
وفيه يقول الشاعر:
همام له أسماء صدق ثلاثة ... قصي وزيد ذو الندى ومجمع
فأما اسمه الأصلي فزيد، وإنما قيل له: قصي لأن أباه كلاب بْن مرة، وكان [قد] [3] تزوج أم قصي: فاطمة بنت سعد، فولدت لكلاب: زهرة وزيدا، فهلك كلاب وزيد صغير، وقد شب زهرة وكبر فقدم ربيعة بْن حران بْن ضنة فتزوج فاطمة أم زهرة وقصي، وزهرة رجل قد بلغ، وقصيّ فطيم أو قريب من ذلك فاحتملها إِلَى بلاده من أرض بني عذره من أشراف الشام، فاحتملت معها قصيا لصغره، وتخلف زهرة فِي قومه فلم يبرح من مكة، فسمي زيد: قصيا [4] لبعد داره عَنْ دار قومه، فبينا قصي بأرض قضاعة لا ينتمي إلا إِلَى ربيعة بْن حرام وقع بينه وبين رجل [من قضاعة] [5] شَيْء. فَقَالَ له ألا تلحق بقومك، فإنك لست منا! فرجع قصي إِلَى أمه فسألها عمّا قال له ذلك [الرجل] [6] . فقالت [له] [7] : أنت والله أكرم منه نفسا ووالدا، أنت ابن كلاب بْن مرة بْن كعب بْن لؤي بْن غالب، وقومك بمكة عند البيت الحرام وحوله. فأجمع قصي الخروج إِلَى قومه واللحوق بهم، وكره الغربة، فقالت له أمه: لا تعجل بالخروج حتى يدخل عليك الشهر الحرام فتخرج فِي حاج العرب، فإني أخشى عليك أن يصيبك بعض البأس، فأقام حَتَّى دخل الشهر الحرام، فخرج في حاج [العرب من] [8] قضاعة، فقدم
__________
[1] من أول: «فلما قتل صاحب ... » حتى نهاية الفقرة: سقط من ت.
[2] السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 132. وطبقات ابن سعد 1/ 77.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في ت: «قسمي قصيا» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت. وأثبتناه من الطبري 2/ 255.
[6] ، (7) ، (8) ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/219)
مكة فلما فرغ من الحج [1] أقام بها، فخطب إِلَى [2] حليل بْن حبشية الخزاعي ابنته حبى، فزوجه وكان حليل يلي أمر مكة، فولدت له: عَبْد الدار، وعَبْد مناف، وعَبْد العزى، وعَبْد قصي، فلما انتشر ولده، وكثر ماله، وعظم شرفه/ هلك حليل [بْن حبشية] [3] فرأى قصي أنه أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة وبني بكر، وأن قريشا صريح ولد إسماعيل بْن إِبْرَاهِيم، فكلم رجالا من قريش وبني كنانة ودعاهم إِلَى إخراج خزاعة وبني بكر من مكة، فلما قبلوا منه دعاهم إليه وبايعوه عَلَى ذلك، كتب إِلَى أخيه من أمه رزاح بْن ربيعة- وهو ببلاد [4] قومه- يدعوه إِلَى نصرته والقيام معه، فقام رزاح فِي قضاعة، فدعاهم إِلَى نصر أخيه فأجابوه.
وبعض الرواة يقول: إن حليلا لما ثقل [جعل] [5] ولاية البيت إِلَى ابنته حبى فقالت: إني لا أقدر عَلَى فتح الباب وإغلاقه. قَالَ: فإني أجعل الفتح والإغلاق إِلَى رجل. فجعله إِلَى أبي غبشان- وهو سليم بْن عمرو- فاشترى قصي ولاية البيت منه بزق خمر وبعود [6] .
وقيل: بل [7] بزق وكبش. فَقَالَ الناس: أخسر من صفقة أبي غبشان فذهبت مثلا، قَالَ الشاعر:
أَبُو غبشان أظلم من قصي ... وأظلم من بني فهر خزاعة
فلا تلحوا قصيا فِي شراة ... ولوموا شيخكم إن كان باعه
ثم إن قصيا قاتل [8] خزاعة فجلت عَنْ مكة، فولي قصي البيت وأمر مكة والحكم
__________
[1] في الأصل: «الحاج» .
[2] في الأصل: «فخطب الناس إلى» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في ت: «ببادية» .
[5] في الأصل: «أن حليلا لم يقل ولاية» .
وفي ت: «أن حليلا لما قتل ولاية» .
[6] العود: المسنّ من الإبل. وإلى هنا ما في الطبري 2/ 255- 256.
[7] «بل» سقطت من ت.
[8] في الأصل: «عامل» .(2/220)
بِهَا، وجمع قبائل قريش فأنزلهم أبطح مكة، وكان بعضهم فِي الشعاب ورءوس جبال مكة فقسم منازلهم بينهم [1] ، فسمي مجمعا وملكه قومه عليهم، وفيه قيل:
وزيد أبوكم كان يدعى مجمعا ... به جمع اللَّه القبائل من فهر
وبعضهم يقول: إن حليل بْن حبشية أوصى قصيا حين انتشر له من ابنته الأولاد وَقَالَ: أنت أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة. فلذلك كان طلب قصي ما طلب [2] .
وكانت صوفة تدفع بالناس من عرفة، وإذا أرادوا النفر من منى أخذت صوفة بناحيتي العقبة [3] ، فحبسوا الناس، / وَقَالُوا: أجيزي صوفة. فلم يجز أحد من الناس حَتَّى ينفذوا، فإذا مضت صوفة خلى سبيل الناس بعدهم، والعرب قد عرفت هَذَا لصوفة من عهد جرهم وخزاعة.
فلما كان العام أتى قصي بمن معه من قريش وكنانة وقضاعة عند العقبة وَقَالُوا:
نحن أولى بهذا منكم. فباكرهم فقاتلوه واقتتل الناس، وانهزمت صوفة، وغلبهم قصي عَلَى ذلك.
وانحازت خزاعة وبنو بكر عَنْ قصي، وعرفوا أنه سيمنعهم مثل ما [4] منع صوفة، وأنه سيحول بينهم وبين الكعبة، وأمر مكة، فلما انحازوا عنه باداهم وأجمع لحربهم (فالتقوا] [5] فاقتتلوا حَتَّى كثرت القتلى فِي الفريقين، ثم أنهم تداعوا للصلح، فحكموا عمرو بْن عوف الكناني، فقضى بأن قصيا أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة، وأن كل دم أصابه قصى من خزاعة [6] وبني بكر موضوع، وما أصابته خزاعة وبنو بكر من قريش وبنى كنانة وقضاعة ففيه الدية [فولي قصي البيت وأمر مكة، وجمع قومه من منازلهم إلى
__________
[1] في ت: «بينهم منازلهم» .
[2] في الأصل: «فلذلك كان طلب قصي ما طلب» . وإلى هنا الخبر في السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 117- 118.
[3] في الأصل: «بناحيتي الكعبة» .
[4] في ت والطبري 1/ 258: «كما منع» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] في ت: «قضاعة» .(2/221)
مكة] [1] وتملك عَلَى قومه وأهل مكة، فملكوه، فكان قصي أول ولد كعب بْن لؤي أصاب ملكا أطاع له به قومه، فكانت إليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة [واللواء] [2] . فحاز شرف مكة كله، وقطع مكة أرباعا بين قومه، فأنزل كل قوم من قريش منازلهم من مكة [3] التي أصبحوا عليها [4] .
ويزعم الناس أن قريشا هابت قطع شجر الحرم فِي منازلهم، فقطعها قصي بيده، وما كانت تنكح امرأة ولا رجل من قريش إلا فِي دار قصي، ولا يتشاورون فِي أمر نزل بهم إلا من داره، ولا يعقدون لواء لحرب قوم [5] إلا فِي داره، يعقدها لهم بعض ولده، وكان أمره [6] فِي قومه من قريش فِي حياته وبعد موته كالدين المتبع، لا يعمل بغيره تيمنا بأمره، ومعرفة بفضله وشرفه، واتخذ قصي لنفسه دار الندوة، وجعل بابها إِلَى مسجد الكعبة ففيها كانت قريش تقضي أمورها [7] .
وسميت/ دار الندوة لأنهم كانوا ينتدون فيها، أي: يجتمعون للخير والشر، والندى: مجمع القوم.
فأقام قصي عَلَى شرفه لا ينازع فِي شَيْء من أمر مكة، إلا أنه قد أقر للعرب فِي شأن حجهم ما كانوا عَلَيْهِ، وللنسأة من بني مالك بْن كنانة، إِلَى أن جاء الإسلام، وهو أول من أوقد النار بالمزدلفة، حيث وقف بها حَتَّى يراها من دفع عرفه، فلم تزل توقد فِي تلك الليلة فِي الجاهلية، ولم تزل توقد عَلَى عهد رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وأبي بكر وعمر.
قَالَ الواقدي: وهي توقد إِلَى اليوم.
قالوا: فلما جمع [8] قريشا إِلَى الحرم سميت حينئذ لجمعه إياهم وكان يقال لهم قبل ذلك بنو النضر.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري 2/ 258.
[3] «من مكة» سقطت من ت.
[4] تاريخ الطبري 2/ 257- 258.
[5] في الأصل: «لواء الحرب قوم» . وفي ت: «لواء الحرب» .
[6] في الأصل: «أمرهم» .
[7] الطبري 2/ 258 259. وابن هشام 1/ 123- 125.
[8] من أول: «قالوا: فلما جمع قريشا ... » حتى نهاية الفصل: سقط من ت.(2/222)
أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْبَارِعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُسْلِمَةِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُخَلِّصُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الطُّوسِيُّ قال: أخبرنا الزبير بن بكار قال: حدثني إبراهيم بن المنذر، عَنِ الواقدي، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْن سهيل بْن عوف بْن الحارث:
أن قريشا شكوا إِلَى قصي كثرة الشجر، وأنهم لا [يستطيعون] [1] أن يبنوا منه، واستأذنوه فِي قطعه، فنهاهم وَقَالَ: قد رأيتم من استخف بأمر الحرم كيف صار أمره.
فكانوا يبنون دورهم والشجر فيها، وكذلك كانوا يحرمون الصيد فِي الحرم.
قَالَ مؤلف الكتاب: وقد ذكرنا أنه قطع الشجر بيده.
فصل
فلما كبر قصي ورق [عظمه] [2] ولد، كان عَبْد الدار بكره أكبر ولده وكان أضعف ولده، فقال له: والله لألحقنك بالقوم، وإن كانوا قد شرفوا عليك، لا يدخل أحد منهم الكعبة حَتَّى تكون أنت تفتحها، ولا يعقد لقريش لواء الحرب إلا أنت بيدك، ولا يشرب رجل بمكة ماء إلا من سقايتك ولا تقطع قريش أمرا إلا فِي دارك. فأعطاه دار الندوة التي لا تقضي قريش أمرا [3] إلَّا فيها، وأعطاه الحجابة واللواء والسقاية والرفادة، وكانت الرفادة خرجا تخرجه قريش فتطعم الحاج عَلَى ما سبق ذكره [4] .
ومات قصي فدفن بالحجون فتدافن الناس بعده بالحجون.
وَقَالَ الشرقي بْن قطامي لأصحابه يوما: من منكم يعرف علي بْن عَبْد مناف بْن شيبة بْن عمرو بْن المغيرة [5] بْن زيد؟ قالوا: ما نعرفه. قَالَ: هو علي بْن أبي طالب [رضي اللَّه عنه] اسم أبي طالب: عَبْد مناف، وعَبْد المطلب: شيبة، وهاشم: عمرو، وعَبْد مناف: المغيرة، وقصيّ: زيد.
__________
[1] في الأصل: «وأنهم لا يقطعون» . والخبر ساقط من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت، وأثبتناه من ابن هشام.
[3] «أمرا» سقطت من ت.
[4] الطبري 2/ 259- 260.
[5] «بن زيد» سقطت من ت.(2/223)
وأما كلاب
فأمه: هند بنت سرير بْن ثعلبة، وله أخوان من أبيه، وهما: تيم، ويقظة: أمهما- فيما قَالَ ابن هِشَام بْن الكلبي- أسماء بنت عدي بْن حارثة [1] .
وَفِي قول ابن إِسْحَاق: هند بنت حارثة [البارقية] [2] .
قَالَ: ويقال: يقظة لهند بنت سرير، أم كلاب
. وأما مرة
فأمه وحشية بنت شيبان بْن محارب بْن فهر، وأخواه لأبيه [وأمه] [3] : عدي وهصيص
. وأما كعب
فأمه ماوية [4] بنت كعب بْن القين، وله أخوان من أبيه [وأمه: عامر وسامة، وله أخوان من أَبِيهِ] [5] : خزيمة وسعد.
أَنْبَأَنَا يحيى بْن الحسين [6] بْن الغيا قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جعفر بْن المسلمة قال:
أخبرنا الْمُخَلِّصُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الطُّوسِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزبير بْن بكار قَالَ:
حدثني إِبْرَاهِيم بْن المنذر، عَنْ عَبْد العزيز بْن عمران، عَنْ عَبْد اللَّه بْن عثمان بْن أبي سليمان بْن جُبَيْر بْن مطعم قَالَ: [7] .
[كان أول من سمى يوم الجمعة كعب بْن لؤي] [8] وكان يوم الجمعة يسمى
__________
[1] الطبري 2/ 260.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل. وأثبتناه من ت والطبري 2/ 260.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في ت: «واثلة» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] في ت: «يحيى بن بكر» .
[7] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «أنبأ يحيى بن بكر بن البناء بإسناد له عَنْ عَبْد اللَّه بْن عثمان بْن أبي سليمان بن جبير بن مطعم.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/224)
عروبة، فسماه يوم الجمعة، لاجتماع قريش فيه إِلَى كعب بْن لؤي وخطبته.
قَالَ إِبْرَاهِيم فحدثني عَنْ عَبْد العزيز بْن عمران عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز عَنْ أبيه عَنْ أبي سلمة بْن عَبْد الرحمن قَالَ:
أول من قَالَ: أما بعد، كعب بْن لؤي. قَالَ الزبير: كان يقول: أما بعد فاسمعوا وتعلموا وافهموا، واعلموا ليل ساج، ونهار ضاح، [والأرض عماد] [1] والسماء بناء، والجبال أوتاد، والنجوم أعلام وليلي يلي ما يهيج، فصلوا أرحامكم، والدار أمامكم والظن غير ما تقولون، حرمكم زينوه وعظموه، وتمسكوا به، فسيأتي له بناء عظيم، وسيخرج به نبي كريم، لو كنت ذا سَمِعَ وبصر ورجل تنصيت [له] [2] تنصت/ الفحل وأرقلت له إرقال الجمل فرحا بدعوته، جذلا بصرخته
. وأما لؤي
فأمه: عاتكة بنت يخلد بْن النضر بْن كنانة، وهي أول العواتك اللائي ولدن، رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [من قريش] ، وله أخوان من أبيه وأمه: تيم وقيس
. وأما غالب
فأمه: ليلى بنت الحارث بْن تميم بْن سعد بْن هذيل بْن مدركة، وإخوانه من أبيه وأمه: الحارث، [ومحارب] [3] ، وأسد، وعوف [وجون، وذئب] [4]
. وأما فهر
فأمه جندلة بنت عامر بْن الحارث بْن مضاض الجرهميّ كذلك قال هشام [5] .
__________
[1] ، (2) ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري 2/ 262.
[5] الطبري 2/ 262.(2/225)
وَقَالَ ابن إِسْحَاق: جندلة بنت الحارث [1] .
وَقَالَ أَبُو عبيدة: إنها هي سلمى بنت أد بْن طابخة.
وَقَالَ علماء النسب: وإلى فهر جماع قريش، لأنه من لم يكن من ولد فهر لا يدعى قرشيا، وقيل: بل اسم فهر قريش.
أَنْبَأَنَا يحيى بْن الحسين بن البناء قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال: أخبرنا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال: أخبرنا [2] الزُّبَيْر بْن بكار قَالَ:
حَدَّثَنِي عُمَر بْن أبي [بكر] [3] الموصلي، عَنْ جدي عَبْد اللَّه بْن مصعب أنه سمعه يقول:
اسم فهر قريش وإنما فهر لقب.
قَالَ الزبير وحدثني الموصلي قَالَ: قَالَ عثمان بْن أبي سليمان: اسم فهر قريش.
قَالَ الموصلي: وَقَالَ أَبُو عبيدة بْن عَبْد اللَّه: كذلك قَالَ الزبير.
وحدثني إِبْرَاهِيم بْن المنذر قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو البختري وهب [بْن وهب] [4] قَالَ:
حدثني ابن أخي ابن شهاب، عَنْ عمه: أن اسم فهر الذي سمته أمه قريش، وإنما نبزته فهرا.
قَالَ: وقد اجتمع نساب قريش وغيرهم أن قريشا إنما [5] تفرقت عَنْ فهر.
فصل
[6] وكان فهر فِي زمانه رئيس الناس بمكة، وكان قد أقبل من اليمن حسان بْن عَبْد كلال الحميري يريد أن ينقل أحجار الكعبة من مكة [7] إِلَى اليمن، ليجعل الناس عنده، فنزل بنخلة، فأغار عَلَى سرح الناس، فخرجت إليه قريش وقبائل كنانة وخزيمة
__________
[1] الطبري 2/ 262.
[2] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «قال الزبير بن بكار ... » .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] «إنما» سقطت من ت.
[6] بياض في ت مكان: «فصل» .
[7] في الأصل: «من الكعبة» .(2/226)
وأسد وجذام، ورئيسهم يومئذ هو [فهر] [1] بْن مالك. فاقتتلوا قتالا شديدا فهزمت حمير وأسر حسان، أسره الحارث/ بْن فهر، فأقام فِي الأسر بمكة ثلاث سنين حَتَّى افتدى نفسه منهم، فأخرج، فمات بين مكة واليمن [2]
. وأما مالك
[3] فَقَالَ هشام: أمه عكرشة بنت عدوان.
وَقَالَ ابن إِسْحَاق: عاتكة بنت عدوان. وقيل: إن عكرشة لقب عاتكة. وكان له أخوان يقال لأحدهما: يخلد، والآخر: الصلت
. وأما النضر
[4] فاسمه: قيس، وأمه: برة بنت مر بْن [أد] بْن طابخة.
فصل
واختلف العلماء فِي تسمية [5] قريش قريشا عَلَى ستة أقوال:
أحدها: أنها سميت بذلك بدابة تكون فِي البحر تأكل دوابّ البحر تدعى القرش، فشبه بنو النضر بْن كنانة بها لأنها أعظم دواب البحر قوة وأنشدوا:
وقريش هي التي تسكن البحر بها سميت قريش قريشا أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ الحسن بن البناء قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال: أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال: حدثنا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ المنذر،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] الطبري 2/ 262- 263.
[3] بياض في ت مكان: «وأما مالك» .
[4] بياض في ت مكان: «وأما النضر» .
[5] في ت: «لم سميت» .(2/227)
وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالا: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْمَكِّيُّ عَنْ مَنْ حَدَّثَهُ [1] :
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ دَخَلَ عَلَى مَعُونَةَ وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو: إِنَّ قُرَيْشًا تَزْعُمُ أَنَّكَ أَعْلَمُهَا، فَبِمَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا؟ قَالَ: بِأَمْرَيْنِ. قَالَ: فَأَبِنْ لَنَا، وَهَلْ قَالَ أَحَدٌ فِيهِ شِعْرًا؟ قَالَ: نَعَمْ، سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ [2] بِدَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ تُسَمَّى قُرَيْشًا، وَقَدْ قَالَ الْمُشَمْرِخُ بْنُ عَمْرٍو الْحِمْيَرِيُّ:
وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُنُ الْبَحْرَ ... بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشا
تَأْكُلُ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ وَلا تَتْرُكُ ... فِيهِ لَدَى جَنَاحَيْنِ رِيشا
هَكَذَا فِي الْبِلادِ حَيُّ قُرَيْشٍ ... يَأْكُلُونَ أَكْلا حَشِيشًا
وَلَهُمْ آخِرُ الزَّمَانِ نَبِيٌّ ... يُكْثِرُ الْقَتْلَ فِيهِمْ وَالْحُمُوشَا
تَمْلأُ الأَرْضَ خَيْلُهُ وَرِجَالٌ ... يَنْحَرُونَ الْمُطِيَّ سَيْرًا قَمِيشَا/
وَالثَّانِي: أَنَّهَا سُمِّيَتْ بذلك لأجل فهر، وقد ذكرنا أَنَّ اسْمَهُ قُرَيْشٌ فَنُسِبَتْ إِلَيْهِ، إِذْ لَيْسَ مِنْ وَلَدِهِ مَنْ لا [3] يُسَمَّى قُرَيْشًا.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ [4] : وَهَذَا اخْتِيَارُ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنَّ النَّضْرَ كَانَ يُسَمَّى قُرَيْشًا.
أَنْبَأَنَا يحيى بْن الحسن بْن البناء قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سلمان الطوسي قال: أخبرنا الزبير بن بكار قَالَ:
قَالَ مُحَمَّدً بْن الحسن، عَنْ نصر بْن مزاحم، عَنْ عمرو بْن مُحَمَّد الشعبي [5] قَالَ:
النضر بْن كنانة هو قريش وإنما سمي قريشا لأنه كان يقرش عَنْ خلّة الناس وحاجاتهم فيسد ذلك بماله.
__________
[1] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أنبأنا يحيى بن الحسن البناء بإسناد له عن عبد الله بن عباس» .
[2] من أول: «بأمرين. قال فابن ... » حتى « ... سميت قريش» سقط من ت.
[3] في ت: «من ولده واحدا لا يسمى» .
[4] «قال مؤلف الكتاب» سقطت من ت.
[5] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «أنبأنا يحيى بن الحسن البناء بإسناد له عن الشعبي قال» .(2/228)
والتقريش: هو التفتيش، وكان بنوه يقرشون أهل الموسم عَنِ الحاجة فيزودونهم بما يبلغهم، فسموا بذلك من فعلهم: قريشا.
وقد قَالَ الحارث بْن حلزة فِي بيان القرش: إنه التفتيش حيث يقول [1] :
أيها الناطق المقرش عنا ... عند عمرو فهل لنا إبقاء
قَالَ الزبير: وحدثني أَبُو الحسن الأثرم عَنْ أبي عبيدة معمر بن مثنى قال: منتهى من وقع عليه اسم قريش: النضر بْن كنانة فولده قريش [2] دون سائر بني كنانة، فأما من ولد كنانة سوى النضر فلا يقال لهم قريش.
والرابع: أنها سميت بذلك بقريش بْن بدر بْن مخلد بْن النضر بْن كنانة.
وقيل: هو قريش بْن الحارث بْن يخلد.
وكان قريش هَذَا دليل بني النضر فِي أسفارهم، وكان له ابن يسمى بدرا احتفر بئر بدر.
والخامس: أن النضر خرج يوما عَلَى نادي قومه فَقَالَ بعضهم لبعض: انظروا [3] إِلَى النضر كأنه حمل قريش. ذكره ابن جرير.
والسادس: أنه من الجمع، وذلك أن قصيا جمع بني النضر فِي الحرم من تفرقهم، فذلك المتجمع هو التقرش. قاله مُحَمَّد بْن جُبَيْرِ بْن مطعم.
وَقَالَ أَبُو سلمة بْن عَبْد الرحمن: لما نزل قصي الحرم فعل أفعالا جميله، فقيل له: القرشي، فهو أول من سمي به.
وأَنْبَأَنَا يحيى بْن الحسن الفقيه قَالَ: / أَخْبَرَنَا ابن المسلمة قَالَ: أَخْبَرَنَا المخلص قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سلمان قَالَ: أَخْبَرَنَا الزبير قَالَ: حدثني أَبُو الحسن الأثرم عَنْ أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: [4]
__________
[1] «حيث يقول» سقطت من ت.
[2] في ت: «فولده من» .
[3] في ت: «انظر» .
[4] في ت: «وروي عن معمر بن المثنى أنه قال» .(2/229)
فإنما سمي بنو النضر قريشا لتجمعهم لأن التقرش هو التجمع.
قَالَ الزبير: ويدل عَلَى اضطراب [1] هَذَا القول أن قريشا لم يجتمعوا حَتَّى جمعهم قصي بْن كلاب.
وقد حدثني مُحَمَّد بْن الحسن المخزومي عَنْ عبد الحكم بْن سفيان عَنْ أبي نمر قَالَ: إنما سميت قريش قريشا لجمع قصي بْن كلاب إياهم [2]
. وأما كنانة
فأمه عوانة بنت سعد بْن [قيس بْن] [3] عيلان. وقيل: بل أمه هند بنت عمرو بْن قيس [4]
. وأما خزيمة
[5] فأمه: سلمى بنت أسلم بْن الحاف بْن قضاعة [6]
وأما مدركة
[7] واسمه: عمرو فِي قول ابن إِسْحَاق.
وَقَالَ هشام بْن مُحَمَّد: اسمه [8] : عمرو، وأمه: خندف، وهي: ليلى بنت حلوان بْن عمران بْن الحاف بْن قضاعة، وأخو مدركة لأبيه وأمه: عامر- وهو طابخة- وعمير- وهو قمعة- ويقال له: أبو خزاعة [9] .
__________
[1] في ت: «اضطرار» .
[2] هذا الخبر سقط من ت. وانظر تفصيل ذلك في طبقات ابن سعد 1/ 70- 72.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] الطبري 2/ 266.
[5] بياض في ت مكان: «وأما خزيمة» .
[6] تاريخ الطبري 2/ 266.
[7] بياض في ت مكان: «وأما مدركة» .
[8] «واسمه» سقطت من ت. وفي ت، والأصل: «عامر» بدلا من عمرو.
[9] تاريخ الطبري 2/ 266، 267.(2/230)
قَالَ ابن إِسْحَاق: كان مدركة وطابخة فِي إبل لهما، فاقتنصا صيدا، فقعدا يطبخانه، وعدت عادية عَلَى إبلهما [1] ، فَقَالَ عامر لعمرو: أتدرك الإبل أو تطبخ الصيد [فَقَالَ عمرو: بل أطبخ الصيد] [2] فلحق عامر الإبل فجاء بها، فلما راحا عَلَى أبيهما فحدثاه شأنهما قَالَ لعامر: أنت مدركة، وَقَالَ لعمرو [3] : وأنت طابخة.
وذكر هشام بْن مُحَمَّد [بْن السائب] [4] : أن إلياس خرج فِي نجعة له، فنفرت إبله من أرنب، فخرج إليها عمرو فأدركها فسمي: مدركة، وأخذها عامر فطبخها فسمي:
طابخة، وانقمع عمير فِي الخباء فلم يخرج فسمي قمعة، وخرجت أمهم تمشي فَقَالَ إلياس لها: أين [5] تخندفين؟ فسمّيت خندف، والخندفة: ضرب من المشي.
قَالَ إلياس لعمرو ابنه:
إنك قد أدركت ما طلبتا
وَقَالَ لعامر:
وأنت قد أنضجت ما طبختا
وَقَالَ لعمير:
وأنت قد أسأت وانقمعتا
وقد قَالَ/ قصي بْن كلاب: أمي خندف، وإلياس أبي [6] .
وأما إلياس
[7] فأمه الرباب بنت حيدة بْن معد.
وذكر الزبير بْن بكار: أن إلياس لما أدرك أنكر عَلَى بني إسماعيل ما غيروا من سنن
__________
[1] في الأصل: «إبل لهما» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] في ت: «لعمر» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت، والأصل: «أنت» .
[6] تاريخ الطبري 2/ 2/ 267.
[7] بياض في ت مكان «وأما إلياس» .(2/231)
آبائهم وسيرتهم وكان [1] فضله عليهم، فجمعهم برأيه، وردهم إِلَى سنن آبائهم [2] ، وهو أول من أهدى البدن إِلَى البيت- أو فِي زمانه- وهو أول من وضع الركن للناس بعد هلاكه، حَتَّى غرق البيت وانهدم فوضعه فِي زاوية البيت [3] ، ولم تبرح العرب تعظم إلياس تعظيم أهل الحكمة كتعظيمها لقمان، وهو أول من مات بالنبل فأسفت عَلَيْهِ زوجته خندف أسفا شديدا، وكانت قد نذرت فِي مرضه أنه إن هلك لا تقيم فِي بلد مات فيه أبدا، ولا يظلها [سقف] [4] بيت وأن تسيح فِي الأرض فخرجت سائحة حَتَّى هلكت حزنا.
فصل
قَالَ مؤلف الكتاب: وكان من أولاد إلياس: قمعة، وولد لقمعة لحي، وولد له [5] : عمرو، وهو أول من غير دين الحنفية دين إِبْرَاهِيم، وأول من نصب الأوثان حول الكعبة، وجعل البحيرة، والسائبة، والوصاية، والحام، واستخراج إساف ونائلة فنصبهما.
قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «أريت النار فإذا فيها عمرو ولد لحي يتأذى أهل النار بريحه وهو أول من غير دين إِبْرَاهِيم [6] ورأيته يجر قصبه فِي النار» . وَقَالَ ابن عباس رضي اللَّه عنه: قدم عمرو بْن لحي بهبل من الشام فنصبه عَلَى الأخشب، وأمر النَّاس بعبادته، وأخرج إسافا ونائلة من البيت فنصب إسافا مقابل الركن الأسود وبين زمزم، ونصب نائلة إليه جانب البيت وتجاه المقام، ونصب بمنى سبعة أصنام، ونصب مناة عَلَى ساحل البحر، واتخذ للعزى بنخلة بيتا يطوفون به كطوافهم
__________
[1] في ت: «وبان» .
[2] في ت: «آبائه» .
[3] من أول: «أو في زمانه ... » حتى «في زاوية البيت سقط من ت.
[4] في ت: «يظلها سقف» وفي الأصل: «يظلها بيت» .
[5] في ت: «للحس» .
[6] «وهو أول من غير «دين إبراهيم» . سقطت من ت.(2/232)
بالكعبة، فكانوا إذا طافوا بالبيت لم يحلوا [1] حَتَّى يأتوا العزى، فيطوفون به
. وأما مضر
[2] فأمه سودة بنت عك، وأخوه لأبيه وأمه: إياد، ولهما أخوان من أبيهما واسمهما: / ربيعة وأنمار [3] .
وقد قَالَ الزبير بْن بكار: إن نزار بْن معد لما حضرته الوفاة أوصى بنيه، وقسم ماله بينهم، فَقَالَ: يا بني، هَذِهِ القبة [4]- وهي من أدم حمراء- وما أشبهها من مالي لمضر [5] ، فسمي مضر الحمراء. وهذا الخباء الأسود وما أشبهه من مالي لربيعة فخلف خيلا دهما [6] ، فسمي ربيعة الفرس [7] . وهذه الخادم وما أشبهها من مالي لإياد- وكانت شمطاء- فأخذ البلق والنّقد من غنمه [8] وهذه البدرة، والمجلس لأنمار يجلس فيه [9] ، فأخذ أنمار ما أصابه. وَقَالَ: فإن أشكل عليكم فِي ذلك شَيْء واختلفتم فِي القسمة فعليكم بالأفعى الجرهمي. فاختلفوا فِي القسمة، فذهبوا إِلَى الأفعى. فبينما هم فِي مسيرتهم إذ رأى مضر كلأ قد رعي، فَقَالَ: إن البعير الَّذِي قد رعى [10] هَذَا الكلأ لأعور، وَقَالَ ربيعة: إنه أزور، وَقَالَ إياد: هو أبتر. وَقَالَ أنمار: هو شرود.
فلم يسيروا إلا قليلا حَتَّى لقيهم رجل توضع به راحلته، فسألهم عَنِ البعير، فَقَالَ مضر: هو أعور؟ قَالَ: نعم. وَقَالَ ربيعة: هو أزور؟ قَالَ: نعم. وقال إياد: هو أبتر؟
__________
[1] في ت: «لم يخرجوا» .
[2] في الأصل: «وأما النضر» .
[3] الطبري 2/ 268.
[4] في ت: «هذه وهو قية» .
[5] في ت: «من مال المضر» .
[6] في ت: «لربيعة بن خلف خيلا وسهما» .
[7] في ت: «القرش» .
[8] في الأصل: «من غنمها» .
[9] في ت: «فيه يجلس» .
[10] «رعى» سقطت من ت.(2/233)
قال: نعم. وقال أنبار: هو شرود؟ قَالَ: نعم، هَذِهِ والله صفة بعيري، دلّوني عليه، فحلفوا: ما رأوه [1] . فلزمهم وَقَالَ: كيف أصدقكم وأنتم تصفون بعيري! فساروا جميعا حَتَّى قدموا نجران، فنزلوا بالأفعى الجرهمي، فنادى [2] صاحب البعير: إن بعيري عند هَؤُلاءِ الأقوام لأنهم [3] وصفوا لي صفته. ثم قالوا: لم نره. فَقَالَ الجرهمي: كيف وصفتموه ولم تروه؟ فَقَالَ مضر: رأيته يرعى جانبًا [ويدع جانبا] [4] ، فعرفت أنه أعور. وَقَالَ ربيعة رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر والأخرى فاسدة الأثر، فعرفت أنه أفسدها بشدة وطئه لازوراره. وَقَالَ إياد: عرفت أنه أبتر باجتماع بعره، فلولا ذلك لمصع [5] به. وَقَالَ أنمار:
عرفت أنه شرود، لأنه يرعى بالمكان الملتف نبته، ثُمَّ يجوزه إِلَى مكان آخر أرق [منه] [6] نبتا وأخبث [7] . فَقَالَ الجرهمي: ليسوا بأصحاب بعيرك، فاطلبه/، ثُمَّ سألهم فأخبروه فرحب بهم، ثم قَالَ: أتحتاجون إلي وأنتم كما أرى! ثم دعا لهم بطعام فأكلوا وأكل، وشربوا وشرب، فَقَالَ مضر: لم أر كاليوم خمرا أجود [8] ، لولا أنها نبتت عَلَى قبر، وَقَالَ ربيعة: لم أر كاليوم لحما أطيب، لولا أنه ربي [9] بلبن كلبة. وَقَالَ إياد: لم أر كاليوم رجلًا أسرى لولا أنه لغير أبيه الذي يدعى له [10] . وَقَالَ أنمار: لم أر كاليوم كلاما أنفع فِي حاجتنا [11] . [من كلامنا] [12] .
وسمع الجرهمي الكلام فتعجب من قولهم وأتى أمّه فسألها وهددها [13] ، فأخبرته
__________
[1] في ت: «رواه» .
[2] في ت: «فنادوا» .
[3] في ت: «فنادى صاحب البعير: أصحاب بعيري وصفوا لي ... » .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] مصع: مصعت الناقة بذنبها: أي جوكته وضربت به.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل. و «أخبث» سقطت من ت.
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل. وفي الطبري 2/ 269: «وسألهم: من عهم؟» .
[8] في ت: «أجود منه» . وما أثبتناه من الطبري والأصل.
[9] في ت: «أطيب منه، لولا أنه غذي» .
[10] في ت: «إليه» .
[11] في ت: «لحاجتنا» .
[12] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وت، وأصفناه من مجمع الأمثال 1/ 16 لا تساق المعنى.
[13] «وحددها» سقط من ت، الأصل.(2/234)
أنها كانت تحت ملك لا يولد له، وكرهت أن يذهب الملك، فأمكنت رجلا من نفسها كان نزل بِهَا، فوطئها فحملت به، وسأل القهرمان عَنِ الخمر، فَقَالَ: من حبلة [1] غرستها عَلَى قبر أبيك، وسأل الراعي عَنِ اللحم، فَقَالَ: شاة أرضعتها بلبن كلبة، ولم يكن ولد فِي الغنم شاة غيرها. فقيل لمضر: من أين عرفت الخمر ونباتها عَلَى قبر؟ قَالَ:
لأنه أصابني عليها عطش شديد، وقيل لربيعة: فبم؟ قَالَ: فذكر كلاما.
فأتاهم الجرهمي فَقَالَ: صفوا لي صفتكم. فقصوا عَلَيْهِ ما أوصاهم به أبوهم، فقضى بالقبة الحمراء والدنانير والإبل- وهي حمر- لمضر، وقضى بالخباء الأسود والخيل الدهم لربيعة، وقضي بالخادم- وكانت شمطاء- وبالماشية البلق لإياد، وقضى بالأرض والدراهم لأنمار.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا خالد بن خداش قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] .
«لا تَسُبُّوا مُضَرَ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ» [3]
. وأما نزار:
فإنه يكنى: أبا إياد، وقيل: أبا ربيعة، أمه: معانة بنت جوشم [4]
. وأما معد
[5] فأمه/: مهدد.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ: قَالَ: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا أبو محمد
__________
[1] الحبلة: شجرة الكرم.
[2] حذف السند من ت: وكتب بدلا منه: «أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بإسناد لَهُ عن عبد الله بن خالد قال....» .
[3] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 58.
[4] تاريخ الطبري 2/ 270.
[5] بياض في ت مكان: «وأما معد» .(2/235)
عَمْرو بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال:
أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا هشام بن محمد بن السائب، عن أبيه [1] قَالَ:
كان معد مع بخت نصر حين غزا حصون [2] اليمن.
قَالَ ابن سعد: ولم أر بينهم اختلافا أن معدا من ولد قيذار بْن إسماعيل [3] .
أَنْبَأَنَا الحسن بْن [4] عَبْد الْوَهَّابِ الْبَارِعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جعفر بْن المسلمة قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر المخلص قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن سليمان الطوسي قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثني علي بن المغيرة قَالَ:
لما بلغ بنو معد عشرين رجلا أغاروا عَلَى عسكر موسى فدعا عليهم فلم يجب فيهم ثلاث مرات، فَقَالَ: يا رب دعوتك عَلَى قوم فلم تجبني فيهم بشَيْء. فَقَالَ: «يا موسى دعوتني عَلَى قوم هم خيرتي فِي آخر الزمان» .
قَالَ: الزبير: وحدثني عَبْد العزيز بْن يحيى بْن زيد الباهلي، عَنْ سليمان بْن رفاعة، عَنْ مكحول قَالَ:
أغار الضحاك بْن معد عَلَى بني إسرائيل فِي أربعين رجلا من بني معد [5] عليهم دراريع الصوف خاطمي خيلهم بحبال الليف، فقتلوا وسبوا وظفروا. [فَقَالَ بنو إسرائيل: يا موسى، إن بني معد أغاروا علينا وهم قليل، فكيف لو كانوا كثيرا، وأغاروا علينا وأنت نبينا، فادع اللَّه عليهم. فتوضأ موسى وصلى ثم قَالَ: يا رب إن بني معد أغاروا عَلَى بني إسرائيل، فقتلوا وسبوا وظفروا] [6] فسألوني أن أدعوك عليهم.
قَالَ: فَقَالَ اللَّه عز وجل: «يا موسى لا تدع عليهم فإنهم عبادي وإنهم ينتهون عند أول أمري وإن فيهم نبيا أحبه وأحب أمته» .
__________
[1] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بإسناد لَهُ عن هشام بن السائب عن أبيه» .
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 58.
[3] الطبقات الكبرى 1/ 57.
[4] في ت: «أبو الحسين» .
[5] في ت: «من معد» .
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/236)
فَقَالَ: يا رب ما بلغ من محبتك له؟
قَالَ: أغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
قَالَ: يا رب ما بلغ من محبتك لأمته.
قَالَ: يستغفرني مستغفرهم فأغفر له، ويدعوني داعيهم فأستجيب له.
قَالَ: يا رب فاجعلهم من أمتي قَالَ: ثلثهم منهم. قَالَ: رب اجعلني منهم. قَالَ:
تقدمته واستأخروا/
. وأما عدنان
[1] فإليه اتفاق النسابين عَلَى ما تقدم، ويختلفون فِي الأسماء التي بعده عَلَى ما سبق بيانه
. ذكر أمهات رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
[2] أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو مُحَمَّد النحوي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عمر بْن حيويه قَالَ: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ:
حدثنا محمد بن سعد قال: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّد بْن السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أبيه [3] قَالَ:
أم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بْن عَبْد مناف بْن زهرة بْن كلاب بْن مرة، وأمها:
برة بنت عَبْد العزى بْن عثمان بْن عَبْد الدار بْن قصي بْن كلاب، وأمها: أم حبيب بنت أسد بْن عَبْد العزى بْن قصي بْن كلاب، [4] وأمها: برة بنت عوف بْن عبيد بْن عويج [5] بْن عدي بْن كعب بْن لؤي، وأمها: قلابة بنت الحارث [6] بْن مالك بْن حباشة، وأمها: أميمة بنت مالك بْن غنم بْن لحيان، وأمها دب بنت ثعلبة بن
__________
[1] بياض في ت مكان: «وأما عدنان» . وانظر الطبري 2/ 271- 276.
[2] بياض في ت مكان: «ذكر أمهات رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم.
[3] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار بإسناد له عن هشام بن السائب الكلبي عن أبيه» .
[4] «وأمها أم حبيبة.... بن قصي بن كلاب» ساقط من ت.
[5] في الأصل: «عواج» . وفي ت: «عولج» .
[6] في ت: «قلابة بنت ثعلبة بن الحارث» .(2/237)
الحارث بْن تميم بْن سعد، [وأمها: عاتكة بنت غاضرة بْن حطيط بْن جشم بْن ثقيف] [1] . وأمها ليلى بِنْت عوف.
وأم وهب بْن عَبْد مناف بْن زهرة جد رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم اسمها [2] : قيلة، ويقال: هند بنت أبي قيلة، وهو وجز بْن غالب بْن الحارث بْن عمرو بْن ملكان، وأمها: سلمى بنت لؤي بْن غالب بْن فهر بْن مالك، وأمها: ماوية بنت كعب، وأم وجز بْن غالب: السلامة بنت واهب بْن البكير، وأمها: بنت قيس بْن ربيعة، وأم عَبْد مناف بْن زهرة جمل بنت مالك، وأم زهرة بْن كلاب أم قصيّ، وهي فاطمة بنت سعد بْن سيل [3] .
قَالَ مُحَمَّد بْن السائب: كتبت للنبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم خمسمائة أم فما وجدت فيهن سفاحا ولا شيئا مما كان من أمر الجاهلية [4] .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ [5] الأَسْلَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ [6] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [7] :
«خَرَجْتُ مِنْ لَدُنْ آدَمَ مِنْ نِكَاحٍ غَيْرِ سِفَاحٍ» [8] .
قَالَ الأَسْلَمِيُّ/: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمِّهِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ غَيْرِ سفاح» [9] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] «واسمها» سقطت من ت، وابن سعد.
[3] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 59- 60.
[4] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 60.
[5] في الأصل: «محمد بن عمرو» وما أثبتناه من ابن سعد.
[6] في ت: «قال: كان ... » .
[7] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «قال ابن سعد: وأخبرنا محمد بن عمر الأسلمي بإسناد له عن ابن عباس قال» .
[8] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 61.
[9] هذا الخبر سقط من ت. وقد أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 61.(2/238)
أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْوَهَّابِ قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر المخلص قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بْنُ سلمان بْن داود قَالَ: حَدَّثَنَا الزبير بْن بكار قَالَ: [1] ولد عَبْد مناف بْن زهرة وهبا، وهو جد رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أَبُو آمنة، وأمه: قيلة بنت قيلة، واسم أَبِي قيلة: وجز بْن غالب بْن عامر بْن الحارث [وهو غبشان] ، ووجز هو:
أَبُو كبشه الذي كانت قريش تنسب رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم له، لأنه جده من قبل أمه، والعرب تظن أن أحدا لا يعمل شيئا لا يعرف منزعه شبهه، فلما خالف رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم دين قريش قَالَ مشركو قريش [2] ندعوه أبا كبشة، لأن أبا كبشة خالف الناس بعبادة الشعرى، وهو أول من عَبْد الشعرى، وكان يقول: إن الشعرى يقطع السماء عرضا ولا أرى فِي السماء شمسا ولا قمرا ولا نجما يقطع السماء عرضا غيرها، والعرب تسميها: العبور، لأنها تعبر السماء عرضا [3] وكان أَبُو كبشة سيدا فِي خزاعة لم يعيروا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نقص كان فيه [4] ، ولكن لما خالف دينهم نسبوه إلى خالف أبي كبشة، فقالوا: خالف كما خالف.
ذكر الفواطم والعواتك اللائي ولدن رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ مؤلف الكتاب [5] : والعاتكة فِي كلام العرب: الطاهرة.
أَخْبَرَنَا ابن عَبْد الْبَاقِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ قال: أخبرنا ابن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قَالَ: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حدثنا محمد بن
__________
[1] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْوَهَّابِ بإسناد له عن الزبير بن بكار» .
[2] في الأصل: «قالوا: تذكر قريشا» .
[3] «غيرها، والعرب ... عرضا» سقط من ت.
[4] في ت: «من تقصير كان منه» .
[5] بياض في ت مكان: «ذكر الفواطم والعواتك اللائي ولدن رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مؤلف الكتاب:» .(2/239)
سعد قَالَ: أَخْبَرَنَا هشام بْن مُحَمَّد السائب الكلبي، عَنْ أبيه [1] قَالَ:
أم عَبْد العزى بْن عثمان بْن عَبْد الدار بْن قصيّ، وقد ولد [2] رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هضيبة بنت عمرو بْن عتوارة بْن عائش بْن ظرب بْن الحارث بْن فهر، وأمها ليلى بنت هلال بْن وهيب بْن ضبة بْن الحارث بْن فهر/ وأمها سلمى بنت محارب بْن فهر، وأمها عاتكة بنت يخلد بْن النضر بْن كنانة، وأم عمرو بْن عتوارة بْن عائش بْن ظرب بْن الحارث بْن فهر عاتكة بنت عمرو بْن سعد بن عوف بْن قسي، وأمها فاطمة بنت بلال بْن عمرو بْن ثمالة من الأزد، وأم أسد بن عبد العزّى بْن قصي، وقد ولد النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم الحظيا، وهي ريطة بنت كعب بْن سعد بْن تيم بْن مرة، وأم كعب بْن سعد بْن تيم نعم بنت ثعلبة بْن وائلة بْن عمرو بْن شيبان بْن محارب بْن فهر، وأمها ناهية بنت الحارث بْن منقذ بْن عمرو بْن معيص بْن عامر بْن لؤي، وأمها سلمى بنت ربيعة بن وهيب بْن ضباب بْن حجير بْن عَبْد معيص بْن عامر بْن لؤي، وأمها خديجة بنت سعد بْن سهم، وأمها عاتكة بنت عَبْدة بْن ذكوان بْن غاضرة بْن صعصعة، وأم ضباب بْن حجير بْن عَبْد بْن معيص فاطمة بنت عوف بْن الحارث بْن عَبْد مناة بْن كنانة، وأم عبيد بْن عويج بْن عدي بْن كعب، وقد ولد النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم مخشية بنت عمرو بْن سلول بْن كعب بْن عمرو من خزاعة، وأمها الربعة بنت حبشية بْن كعب بْن عمرو، وأمها عاتكة بنت مدلج بْن مرة بْن عَبْد مناة بْن كنانة، فهؤلاء من قبل أمّه صلى الله عليه وسلم.
وأم عَبْد اللَّه بْن عَبْد المطلب بْن هاشم فاطمة بنت عمرو بْن عائذ بْن عمران بْن مخزوم، وهي أقرب الفواطم إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمها صخرة بنت عَبْد بْن عمران بْن مخزوم، وأمّها تخمر بنت عَبْد بْن قصي، وأمها سلمى بنت عامرة بن
__________
[1] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «روى محمد بن سعد عن هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أبيه» .
وفي الأصل بعد ذلك اختصار شديد جدا، ونصه: «أم عَبْد العزى بْن عثمان بْن عَبْد الدار بن قصي قد ولدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمها ليلى بنت هلال. وأمها سلمى بنت محارب، وأمها عاتكة بنت يخلد. قال مؤلف الكتاب: وذكر من جنس هذه الأسماء، فاجتمع من ذلك أن العواتك ثلاث عشرة والفواطم عشر» .
وجاء النص في النسخة ت كاملا ولكن به شيء طفيف من النقص والاختلاف، ولذلك فضلنا إثبات ما في الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 61- 64 وهو المصدر الّذي نقل منه المصنف.
[2] في الأصل: «ولدت» .(2/240)
عميرة بْن وديعة بْن الحارث بْن فهر، وأمها عاتكة بنت عَبْد اللَّه بْن واثلة ابن ظرب بْن عياذة بْن عمرو بْن قيس، ويقال: عَبْد اللَّه بْن حرب بْن وائلة، وأم عَبْد اللَّه بْن وائلة بْن ظرب فاطمة بنت عامر بْن ظرب بْن عياذة، وأم عمران بْن مخزوم سعدى بنت وهب بْن تيم بْن غالب، وأمها عاتكة بنت هلال بْن وهيب بْن ضبة، وأم هاشم بْن عَبْد مناف بْن قصي عاتكة بنت مرة بْن هلال بْن فالج بْن ذكوان بْن ثعلبة بْن بهثة بْن سليم بْن منصور بْن عكرمة بْن خصفة بْن قيس بن عيلان، وهي أقرب العواتك إِلَى النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، وأم هلال بْن فالج بْن ذكوان فاطمة بنت بجيد بْن رؤاس بْن كلاب بْن ربيعة، وأم كلاب بْن ربيعة مجد بنت تيم الأدرم بْن غالب، وأمّها فاطمة بنت معاوية بْن بكر بْن هوازن، وأم مرة بْن هلال بْن فالج عاتكة بنت عدي بن سهم من أسلم، وهم إخوة خزاعة، وأم وهيب بْن ضبة بْن الحارث بْن فهر عاتكة بنت غالب بْن فهر، وأم عمرو بْن عائذ بْن عمران بْن مخزوم فاطمة بنت ربيعة بْن عَبْد العزى بْن رزام بْن حجوش بْن معاوية بْن بكر بْن هوازن، وأم معاوية بْن بكر بْن هوازن عاتكة بنت سعد بْن هذيل بْن مدركة، وأم قصي بْن كلاب فاطمة بنت سعد بْن سيل من الجدرة من الأزد، وأم عَبْد مناف بْن قصي حبى بنت حليل بْن حبشية الخزاعي، وأمها فاطمة بنت نصر بْن عوف بْن عمرو بْن لحي من خزاعة، وأم كعب بْن لؤي ماوية بنت كعب بْن القين، وهو النعمان بْن جسر بْن شيع اللَّه بْن أسد بْن وبرة بْن تغلب بْن حلوان بْن عمران بْن الحاف قضاعة، وأمّها عاتكة بنت كاهل بن عذرة، وأمّ لؤي بْن غالب عاتكة بنت يخلد بْن النضر بْن كنانة، وأم غالب بْن فهر بن مالك ليلى بنت سعد بْن هذيل بْن مدركة بْن إلياس بْن مضر، وأمها سلمى بنت طابخة بْن إلياس بْن مضر، وأمها عاتكة بنت الأسد بْن الغوث.
قَالَ ابن سعد: وأَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أبيه: أنّ عاتكة بنت عامر بن الظرب من أمهات النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، قَالَ: أم برة بنت عوف بْن عبيد بْن عويج بْن عدي بْن كعب أميمة بِنْت مالك بْن غنم بْن سويد بْن حبشي بْن عادية بْن صعصعة بْن كعب بْن طابخة بْن لحيان، وأمها قلابة بنت الحارث بْن صعصعة بْن كعب بْن طابخة بْن لحيان، وأمها دب بنت الحارث بْن تميم بْن سعد بْن هذيل، وأمها لبنى بنت الحارث بْن نمير بْن أسيد بْن عمرو بْن تميم، وأمها فاطمة بنت عَبْد الله بن حرب بن(2/241)
وائلة، وأمّها زينت بنت مالك بْن ناضرة بْن غاضرة بْن حطيط بْن جشم بْن ثقيف، وأمها عاتكة بنت عامر بْن ظرب، وأمها شقيقة بنت معن بْن مالك من باهلة، وأمها سودة بنت أسيد بن عمرو بْن تميم.
فهؤلاء العواتك وهن ثلاث عشرة، والفواطم وهن عشر [1]
. ذكر ما جرى لآمنة في زمان حملها لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2] أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو محمد الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قَالَ: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر بْن واقد قَالَ: حدثني علي بْن يزيد بْن عَبْد اللَّه بْن وهب بْن ربيعة، عَنْ أبيه، عَنْ عمته قَالَ:
كنا نسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حملت به آمنة بنت وهب [كانت] [3] تقول: ما شعرت أني حملت به، ولا وجدت له ثقلة كما تجد النساء إلا أني قد أنكرت رفع حيضتي [وربما كانت ترفعني وتعود] [4] ، وأتاني آت وأنا بين النائم واليقظان فَقَالَ: هل شعرت أنك حملت؟ فكأني أقول: ما أدري، فَقَالَ: إنك قد حملت بسيد هَذِهِ الأمة ونبيها. وذلك يوم الاثنين. قالت: فكان ذلك مما يقن عندي الحمل، ثم أمهلني حَتَّى إذا دنت ولادتي أتاني ذلك الآتي فَقَالَ: قولي أعيذه بالواحد الصمد من شر كل حاسد، قالت: فكنت أقول ذلك. فذكرت ذلك لنسائي فقلن لي: تعلقي حديدا فِي عضديك وَفِي عنقك [5] ، قالت: ففعلت فلم يكن ترك علي إلا أياما فأجده قد قطع، فكنت لا أتعلّقه [6] .
__________
[1] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 61- 64.
[2] بياض في ت مكان: «ذكر ما جرى لآمنة فِي زمان حملها لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت، وأثبتناه من ابن سعد 1/ 98.
[5] في ت: «في كتفيك حديدا وفي عنقك» .
[6] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 98.(2/242)
وَقَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: [1] قَالَتْ آمِنَةُ: لَقَدْ عَلِقْتُ بِهِ فَمَا وَجَدْتُ مَشَقَّةً حَتَّى وَضَعْتُهُ [2] .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ رسول الله صلي الله عليه وسلم:
قد حَمَلْتُ الأَوْلادَ فَمَا حَمَلْتُ سَخْلَةً أَثْقَلَ مِنْهُ [3] .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأسلمي: وهذا مما لا يعرف عندنا ولا عند أهل العلم، لم تلد آمنة ولا عَبْد اللَّه بْن عَبْد المطلب غير رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ [4] .
قَالَ الأَسْلَمِيُّ: وَحَّدَثَنِي قَيْسٌ مَوْلَى عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ سَالِمٍ، عن أبي جعفر محمد بن علي قال:
أُمِرَتْ آمِنَةُ وَهِيَ حَامِلٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُسَمِّيهِ أَحْمَدَ [5]
. ذكر وفاة عَبْد اللَّه
قَالَ مؤلف الكتاب: ولد عَبْد اللَّه لأربع وعشرين سنة مضت من ملك كسرى أنوشروان، فبلغ سبع عشرة، ثم تزوج آمنة فلما حملت برسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم توفي.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْبَاقِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو محمد الجوهري قال: أخبرنا ابن خيثمة قَالَ:
وَأَخْبَرَنَا أحمد بْن معروف قَالَ: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر بْن واقد قَالَ: حدثني موسى بْن عبيدة الرَّبَذيّ، عَنْ مُحَمَّد بْن كعب قَالَ:
__________
[1] «وَقَالَ ابْنُ وَاقِدٍ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «سقط من ت» .
[2] الطبقات الكبرى 1/ 98.
[3] الطبقات الكبرى 1/ 98.
[4] الطبقات الكبرى 1/ 98.
[5] الطبقات الكبرى 1/ 98- 99.(2/243)
وَأَخْبَرَنَا سَعِيد بْن أبي زيد، عَنْ أيوب بْن عَبْد الرحمن بْن أبي صعصعة [1] قالا:
خرج عَبْد اللَّه إِلَى الشام إِلَى غزة فِي عير من عيرات [2] قريش يحملون تجارات، ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا، فمروا بالمدينة وعبد الله بْن عَبْد المطلب يومئذ مريض، فَقَالَ: أتخلف عِنْدَ أخوالي بني عدي بْن النجار، فأقام عندهم مريضا شهرا، ومضى أصحابه فقدموا مكة، فسألهم عَبْد المطلب عَنْ عَبْد اللَّه، فقالوا:
خلفناه [3] عند أخواله بني عدي بن النجار، وهو مريض. قال: فبعث إليه عَبْد المطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفي ودفن فِي دار النابغة، وهو رَجُل من بني عدي بْن النجار، فِي الدار التي [إذا] [4] دخلتها فالدويرة عَنْ يسارك. وأخبره أخواله بمرضه، وبقيامهم عَلَيْهِ [5] ، وما ولوا من أمره، وأنهم قبروه، فرجع إِلَى أبيه فأخبره، فوجد عَلَيْهِ عَبْد المطلب وإخوته [وأخواته] [6] وجدا شديدا، ورسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، يومئذ حمل، ولعَبْد اللَّه يوم توفي خمس وعشرون سنة [7] .
قَالَ الواقدي: ترك عَبْد اللَّه أم [8] أيمن وخمسة أجمال أوارك- يعني تأكل الأراك- وقطعه غنم، فورث ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت أم أيمن/ تحضنه [9] ، واسمها:
بركة [10] .
قَالَ مؤلفه [11] : وقد روينا عَنِ الزُّهْرِيِّ: أن عَبْد المطلب بعث ابنه عَبْد اللَّه إِلَى المدينة يمتار له تمرا فمات. والأول أصح [12] .
__________
[1] اختصر السند في ت اختصارا شديدا.
[2] في الأصل: «إلى غزاة من غزوات» والتصحيح من ت وابن سعد 1/ 99.
[3] في الأصل، ت: «أخلفناه» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت.
[5] «وعليه» سقطت من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 99.
[8] في الأصل: «لأم» .
[9] في الأصل: «تحتضنه» وما أثبتناه من ابن سعد.
[10] الطبقات الكبرى 1/ 100.
[11] في ت: «قال المصنف» .
[12] وهذا قول ابن سعد عن الواقدي عن الزهري أيضا رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 99.(2/244)
وروي لنا: أن عَبْد اللَّه توفي بعد ما أتى عَلَى رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم ثمانية وعشرين شهرا.
وقيل: سبعة أشهر. والأول أصح [1]
. ذكر مولده عَلَيْهِ السلام
قَالَ مؤلف الكتاب [2] : ولد عَلَيْهِ السلام [3] فِي يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول عام الفيل [4] .
وقيل: لليلتين خلتا منه [5] .
وقيل: لإحدى عشرة ليلة خلت منه [6] .
وَقَالَ ابن عباس: ولد يوم الجمعة يوم الفيل، وكان قدوم الفيل وهلاك أصحابه يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم وكان أول المحرم تلك السنة الجمعة وذلك [7] فِي عهد كسرى أنوشروان لمضي اثنتين وأربعين سنة من ملكه.
وقد حكى أَبُو بكر الحيري: أن شيخا من الصالحين حكى له أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فِي المنام قَالَ: قلت: يا رسول اللَّه، بلغني أنك قلت: «ولدت فِي زمن الملك العادل» وإني سألت الحاكم أبا عَبْد اللَّه الحافظ عَنْ هَذَا الحديث فقال: هذا كذب لم يقله رسول الله. فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «صدق أَبُو عَبْد اللَّه» .
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعُكْبَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بن
__________
[1] أي أنه توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم حمل.
وكذلك روى هذا القول ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 100 ورجح القول الأول.
[2] بياض في ت مكان: «ذكر مولده عَلَيْهِ السلام. قَالَ مؤلف الكتاب» .
[3] «عليه السلام» سقط من ت.
[4] طبقات ابن سعد 1 (100، 101. والسيرة النبويّة 1/ 171. والبداية والنهاية 2/ 261.
[5] الطبقات الكبرى 1/ 101.
[6] السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 158.
[7] «أول المحرم تلك السنة الجمعة وذلك» سقط من ت.(2/245)
الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي الدنيا قال: أخبرني محمد بن صالح الْقُرَشِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنِ ابْنِ جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: [1] وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، وَكَانَ قُدُومُ الْفِيلِ لِلنِّصْفِ مِنَ الْمُحَرَّمِ، فَبَيْنَ الْفِيلِ وَبَيْنَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ لَيْلَةً وَكَانَ بَيْنَ الْفِيلِ وَالْفِجَارِ عِشْرُونَ سَنَةً، وَكَانَ بَيْنَ الْفِجَارِ وَبُنْيَانِ الْكَعْبَةِ [2] خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.
أَنْبَأَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك قال: أخبرنا عاصم بن الحسن قال: أخبرنا/ ابن بشران قَالَ: أَخْبَرَنَا عثمان بْن أحمد الدقاق قَالَ: أَخْبَرَنَا [3] أَبُو الحسن مُحَمَّد بْن أحمد بْن البراء قَالَ:
ولد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الاثنين لثمان خلون من ربيع الأول يوم العشرين من نيسان.
أنبأنا يحيى بن الحسن بن البناء قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال: أخبرنا الْمُخَلِّصُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الطُّوسِيُّ قال: [أخبرنا] [4] الزُّبَير بْن بكار قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَسَنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سعد بن زرارة، عَنْ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ [5] قَالَ:
إِنِّي لَغُلامٌ يَفَعَةٌ ابْنُ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ، إِذَا يَهُودِيٌّ بِيَثْرِبَ يَصْرُخُ [ذَاتَ] [6] غَدَاةٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، [7] فلما اجتمعوا قالوا: مالك [وَيْلَكَ] [8] ؟ قَالَ: طَلَعَ نَجْمُ أَحْمَدَ الَّذِي وُلِدَ
__________
[1] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «أخبرنا إسماعيل بن أحمد بإسناد له عن أبي جعفر محمد بن علي قال» :
[2] في ت: «وكان بين بنيان الكعبة والفجار» .
[3] في ت: «قال أبو الحسن محمد أحمد بن البراء» . وحذف باقي السند.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] حذف الإسناد في ت، وكتب بدلا منه: «أنبأنا يحيى بن الحسن بن البناء بإسناد له عن حسان بن ثابت قال» .
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] في ت: «اليهود» .
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/246)
بِهِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ. قَالَ: فَأَدْرَكَهُ الْيَهُودِيُّ [1] وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ [2] .
قَالَ ابن جرير: وقيل إنه ولد عَلَيْهِ السلام فِي الدار التي تعرف بدار مُحَمَّد بْن يُوسُف الثقفي.
وقيل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وهبها لعقيل بْن أبي طالب، فلم تزل فِي يد عقيل حَتَّى توفي، فباعها ولده من مُحَمَّد بْن يُوسُف أخي الحجاج فبنى داره التي يقال لها: دار ابن يُوسُف، وأدخل ذلك البيت فِي الدار حَتَّى أخرجته الخيزران فجعلته مسجدا يصلي فيه
. ذكر ما جرى عند وضع آمنة لرسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
[3] روى عثمان بْن أبي العاص قَالَ: حدثتني أمي أنها [شهدت] [4] ولادة آمنة لرسول [5] اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وكان ذَلِكَ ليلة ولدته [6] قالت: فما شَيْء أنظر إليه من البيت إلا نور، وإني لأنظر [7] إِلَى النجوم تدنو حَتَّى [إني] [8] لأقول: ليقعن علي [9] .
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بن الحسن قال: أخبرنا أبو
__________
[1] في الأصل: «المؤمن» .
[2] السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 159. ودلائل النبوة للبيهقي 1/ 110. والمستدرك للحاكم 3/ 486.
وأورده ابن الجوزي في ألوفا برقم 90.
[3] بياض في ت مكان: «ذكر ما جرى عند وضع آمنة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت: «رسول الله» .
[6] في ت: «وكان ذلك ليلا» وسقطت كلمة «ولدته» . وفي الأصل: «وكان ذلك ليلا ولدته» .
وما أثبتناه من دلائل النبوة للبيهقي 1/ 111.
[7] في الأصل: «انظر» .
[8] في الأصل، ت: «حتى أقول» وما بين المعقوفتين زيادة من دلائل النبوة للبيهقي 1/ 111.
[9] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 1/ 111. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 220، وقال: «رواه الطبراني، وفيه: عبد العزيز بن عمران، وهو متروك» .
وفي شرح المواهب 1/ 163: «والصحيح أن ولادته عليه الصلاة والسلام كانت نهارا لا ليلا» .(2/247)
الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أحمد الدقاق قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَتْ آمِنَةُ [1] وَلَدْتُهُ جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنَ الأَرْضِ، وَأَهْوَى سَاجِدًا، وَوُلِدَ وَقَدْ قُطِعَتْ سراره، فغطين [2] عَلَيْهِ إِنَاءً فَوَجَدْتُهُ قَدْ تَفَلَّقَ الإِنَاءُ عَنْهُ وَهُوَ يَمَصُّ إِبْهَامَهُ/ يَشْخُبُ لَبَنًا، وَكَانَ بِمَكَّةَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ حِينَ وُلِدَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ وُلِدَ فِيكُمُ اللَّيْلَةَ مَوْلُودٌ؟ قَالُوا: لا نَعْلَمُهُ. قَالَ: وُلِدَ اللَّيْلَةَ نَبِيُّ الْعَرَبِ، بِهِ شَامَةٌ بَيْنَ مِنْكَبَيْهِ سَوْدَاءً ظَفْرَاءً، فِيهَا شَعْرَاتٌ- فَرَجَعَ الْقَوْمُ فَسَأَلُوا أَهْلِيهِمْ [3] . فَقِيلَ:
وُلِدَ اللَّيْلَةَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ غُلامٌ. فَلَقُوا الْيَهُودِيَّ فَأَخْبَرُوهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَذَا الَّذِي سَرَّ أَحْبَارَهُمْ، أَفَرِحْتُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ!؟ وَاللَّهِ لَيَسْطُوَنَّ بكم سطوة يخرج نبأها من المشرق إلى الْمَغْرِبِ [4] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أخبرنا الجوهري قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ. وَقَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ [5] .
أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ وَضَعَتْهُ تَحْتَ بُرْمَةٍ فَانْفَلَقَتْ عَنْهُ. قَالَتْ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ شَقَّ بَصَرَهُ بِنَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ [6] .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ لُقْمَانِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
«رَأَتْ أُمِّي كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ منه قصور الشّام» [7] .
__________
[1] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أنبأنا عبد الوهاب الحافظ بإسناد له عن آمنة» .
[2] في ألوفا (97) : «وكنت وضعت عليه» . وفي الطبقات الكبرى: «وضعته تحت برمة» .
[3] في ت: «أهاليكم» .
[4] انظر الخبر في: دلائل النبوة للبيهقي 1/ 108، 109، والمستدرك للحاكم 2/ 601، 602. وألوفا لابن الجوزي 97، 98.
[5] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بإسناد لَهُ عن محمد بن سعد ... » .
[6] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 102.
[7] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 102.(2/248)
قَالَ ابن سعد: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عمرو بْن واقد قَالَ: حدثني علي بْن يزيد بْن عَبْد اللَّه بْن وهب بْن زمعة، عَنْ أبيه، عَنْ عمته قالت:
لما ولدت آمنة بنت وهب رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أرسلت إِلَى عَبْد المطلب، فجاءه البشير وهو جالس فِي الحجر معه ولده ورجال من قومه، فأخبره أن آمنة قد ولدت غلاما فسر بذلك عَبْد المطلب وقام هو ومن معه فدخل عليها فأخبرته بكل ما رأت، وما قيل لها وما أمرت به، فأخذه عبد المطّلب فأدخله الكعبة وقام عندها يدعو اللَّه ويشكر ما أعطاه [1] .
قَالَ ابن واقد: أخبرت/ أن عَبْد المطلب قَالَ يومئذ [2] :
الحمد للَّه الذي أعطاني ... هَذَا الغلام الطيب الأردان
قد ساد فِي المهد عَلَى الغلمان ... أعيذه بالبيت ذي الأركان [3]
حَتَّى أراه بالغ البنيان ... أعيذه من شر ذي شنئان [4]
من حاسد مضطرب العنان
[5]
ذكر الحوادث التي كانت ليلة ولادته صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّمَ
[6] أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْن المبارك الحافظ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو القاسم عبد الواحد بْن علي بْن مُحَمَّدً بْن فهد العلاف قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الفرج محمد بن فارس الغوري قال:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن علي بْن أحمد بْن علي بْن أبي قيس قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن أبي الدنيا [7] قَالَ: حَدَّثَنَا علي بْن حرب قَالَ حَدَّثَنَا يعلى بْن عمران البجلي قَالَ: حدثني مخزوم بْن هانئ، عَنْ أَبِيهِ وأتت له خمسون ومائة سنة قَالَ:
__________
[1] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 103.
[2] في الأصل: «قال يومئذ هذا» .
[3] في ابن سعد 1/ 103: «أعيذه باللَّه ذي الأركان» .
[4] في الأصل: «من شر كل شاني» .
[5] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 103.
[6] بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث التي كانت ليلة ولادته صلى الله عليه وسلم» .
[7] في ت: «أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك بإسناد عن ابن أبي الدنيا» وأكمل السند بعد ذلك.(2/249)
لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم ارتجس إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة [1] ، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، ورأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت فِي بلادها [2] .
فلما أصبح كسرى أفزعه ما رأى، فتصبر عَلَيْهِ تشجعا [3] ، ثم رأى أن لا يكتم ذلك عَنْ وزرائه ومرازبته [4] ، فلبس تاجه، وقعد عَلَى سريره، وجمعهم إليه، فلما اجتمعوا عنده قَالَ: أتدرون فيم بعثت إليكم؟ قالوا: لا إلا أن يخبرنا الملك. [قَالَ المصنف رحمه اللَّه: رأى كسرى ارتجاس الإيوان وسقوط الشرف فحسب لا المنام، فالمنام للموبذان وهو قاضي قضاتهم] [5] .
فبينا هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النار [6] ، فازداد غما إِلَى غمه، فَقَالَ الموبذان: وأنا- أصلح اللَّه الملك- قد رأيت فِي هَذِهِ الليلة. وقص عَلَيْهِ الرؤيا فِي الإبل، فَقَالَ: أي شيء يكون [7] هَذَا يا موبذان؟ فَقَالَ: حادث يكون من عند العرب.
فكتب عند ذلك [إِلَى النعمان بْن المنذر] : [8] من كسرى ملك الملوك إِلَى النعمان بْن المنذر، أما بعد: فوجه إلي/ رجلا عالما بما أريد أن أسأله عنه.
فوجه إليه عَبْد المسيح بْن عمرو بْن حيان بْن بقيلة [9] الغساني. فلما قدم عَلَيْهِ، قَالَ له: هل عندك علم بما أريد [10] أن أسألك عنه قَالَ: ليخبرني الملك. قَالَ: فإن
__________
[1] في ت والأصل: «شرافة» .
[2] في ت: «بلادهم» .
[3] «فتصبر عليه تشجعا» سقط من ت.
[4] «ومرازبته» سقط من ت. وهي جمع مرزبان، وقد وردت في الأصل: «مرازبته» . وهو خطأ. والتصحيح من اللسان مادة «زرب» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[6] في ت: «النيران» .
[7] «يكون» سقطت من ت.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[9] في الأصل: «نفيلة» .
[10] في ت: «أعندك علم بما أريد» . وفي الأصل: «هل عندك علم بما يريد» .(2/250)
كَانَ عندي منه علم [أخبرته] [1] ، وإلا أخبرته بمن يعلمه، فأخبره بما رأى، فَقَالَ: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام، يقال له: سطيح. قَالَ: فأته فاسأله عما سألتك عنه وائتني بجوابه.
فركب عَبْد المسيح راحلته حَتَّى قدم عَلَى سطيح، وقد أشفى عَلَى الموت، فسلم عَلَيْهِ. وحياه، فلم يخبر سطيح جوابا، فأنشأ عَبْد المسيح يقول:
أصم أم يسمع غطريف اليمن ... [أم فاد فازلم به شأو العنن] [2]
يا فاصل الخطة أعيت من ومن ... وكاشف الكربة عَنْ وجه غضن
أتاك شيخ الحي من آل سنن ... وأمه من آل ذئب بْن حجن
[أزرق بهم الناب صوار الأذن] [3] ... أبيض فضفاض الرداء والبدن
رسول قيل العجم يسري بالرسن ... [لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن]
[4] فلما سمع سطيح [5] شعره رفع رأسه وَقَالَ: عَبْد المسيح، عَلَى جمل مسيح، إِلَى سطيح، وقد أوفى عَلَى الصريح، بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة وانتشرت فِي بلادها. يا عَبْد المسيح، إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شاما، يملك منهم ملوك وملكات عَلَى عدد الشرفات، وكل ما هو آت آت.
ثم قضى سطيح مكانه، فصار عبد المسيح إِلَى أهله وهو يقول:
شمر فإنك ماضي الهم شمير ... لا يفزعنك تفريق وتغيير
إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم ... فإن ذلك أطوار دهارير
/ فربما ربما أضحوا بمنزلة ... يهاب صولتها الأسد المهاصير
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من دلائل النبوة للبيهقي 1/ 129.
[3] ، (4) ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت، وأثبتناه من دلائل النبوة 1/ 128 وفي الدلائل أبيات أخر.
[5] «سطيح» سقطت من ت.(2/251)
منهم أخو الصرح بهرام وإخوته ... والهرمزان وسابور وسابور
والناس أولاد علات فمن علموا ... أن قد أقل فمحقور ومهجور
وهم بنو الأم إما إن رأوا نشبا ... فذاك بالغيب محفوظ ومنصور
والخير والشر مقرونان من قرن ... والخير متبع والشر محذور
فلما قدم عبد المسيح عَلَى كسرى أخبره بقول سطيح، فَقَالَ:
إِلَى أن يملك منا أربعة عشر ملكا قد كانت أمور، فملك منهم أربعة [1] عشر، عشرة [2] فِي أربع سنين، وملك الباقون إِلَى خلافة عثمان بْن عفان رضي اللَّه عنه [3] .
ذكر أسماء نبيّنا صلى الله عليه وسلم
[4] رَوَى حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْحَاشِرُ، وَالْمُقَفِّي، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ» [5] . وَرَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْحَاشِرُ، وَالْمَاحِي، وَالْخَاتَمُ، وَالْعَاقِبُ» [6] . قَالَ مؤلف الكتاب: ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم: نبي التوبة، ونبي الملاحم، والشاهد، والمبشر، والنذير، والضحوك، والقتّال، والمتوكل، والفاتح، والأمين، [والخاتم،] [7]
__________
[1] «أربعة عشر» سقطت من ت.
[2] «من» سقطت من ت.
[3] هذا الخبر في: تاريخ الطبري 2/ 166، 167، 168، ودلائل النبوة لأبي نعيم 96- 99. ودلائل النبوة للبيهقي 1/ 126- 129. والبداية والنهاية 2/ 268، 269. والخصائص الكبرى للسيوطي 1/ 51.
وشرح المواهب اللدنية 1/ 121. وألوفا لابن الجوزي برقم 105. ولسان العرب 3/ 312. والاكتفاء للكلاعيّ 1/ 120- 122. وقال الأزهري: وهو حديث حسن غريب. وكذلك في الفائق 1/ 460- 461.
[4] بياض في ت مكان: «ذكر أسماء نبينا صلى الله عليه وسلم» .
[5] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 104.
[6] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 104.
[7] ما بين المعقوفتين: إضافة من ألوفا لابن الجوزي برقم 113.(2/252)
والمصطفى، والرسول، والنبي الأمي، والقثم [1] .
والحاشر: الذي يحشر الناس عَلَى قدميه يقدمهم وهم خلفه.
والمقفي: آخر الأنبياء وكذلك العاقب.
والملاحم: الحروب.
والضحوك: اسمه فِي التوراة، وذلك أنه كان طيب النفس فكها.
القثم: من القثم [2] ، وهو الإعطاء، وكان أجود الخلق صلى الله عليه وسلم.
ذكر صفة نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[3] أَخْبَرَنَا هِبَةُ [اللَّهِ] بن محمد قال: أخبرنا الحسن بن علي التميمي قال: أخبرنا أحمد بْن جَعْفَر قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أحمد قال: حدثني أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ. قَالَ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ [يَنْعَتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [4] يَقُولُ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبِعَةً [مِنَ الْقَوْمِ] [5] ، لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلا بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، أَزْهَرٌ لَيْسَ بِالآدَمِ وَلا الأَبْيَضِ الأَمْهَقِ [6] ، رَجِلُ الشَّعْرِ، لَيْسَ بِالسَّبْطِ [7] وَلا بالجعد القطط» [8] .
__________
[1] نقله المؤلف في كتابه ألوفا (برقم 113) نقلا عن ابن فارس اللغوي.
[2] «من القثم» سقط من ت.
[3] بياض في ت مكان: «ذكر صفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] «الأمهق» سقطت من ت.
[7] في ت: «بالسبطا» .
[8] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب باب 23، وكتاب اللباس باب 68. ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل باب 31، ومالك في الموطأ، كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم باب 1، حديث 1. والترمذي في كتاب المناقب حديث 3623، وفي الشمائل كذلك. والبيهقي في الدلائل 1/ 201، 202. وابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 413.(2/253)
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْن أَبِي الْحَسَنِ الْبَسْطَامِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْخَلِيلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بْن أَحْمَدَ الْقُدَاعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى غَفْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد مِنْ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [1] قَالَ:
كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا وصف رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمْ يَكْنُ بِالطَّوِيلِ الْمُمْغِطِ وَلا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلا بِالسَّبْطِ، كَانَ جَعْدًا رَجُلا فلم يكن بالمطهّم ولا بالمتكلثم، وكان في وجهه تدوير، أبيض مُشْرَبَةً [حُمْرَةً] [2] أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبَ الأَشْفَارِ، جَلِيلَ المشاش والكتد، [أجرد] ، ذو مَسْرَبَةٍ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتِمُ النُّبُّوَّةِ، وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، أَجْوَدَ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمَهُمْ عِشْرَةً [3] ، مَنْ رَآَهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ.
يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله، صلى الله عليه وسلم [4] . قَالَ الترمذي: سمعت أبا جعفر مُحَمَّد بْن الحسين يقول: سمعت الأصمعي يقول [5] :
__________
[1] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «روى عمر بن أبي الحسن البسطامي بإسناد له عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قال» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل: وأثبتناه من ت، وهي زيادة ليست في الشمائل للترمذي ولا في سننه في هذه الرواية.
[3] في ت، وفي نسخة من نسخ الشمائل: «عشيرة» والصحيح ما أثبتناه، ويدل على ذلك تفسير الأصمعي الآتي بأنها «الصحبة» .
[4] أخرجه الترمذي في سننه برقم 3642. وقال: «حديث حسن غريب، ليس إسناده بمتصل» .
قلت: هو حديث ضعيف لضعف عمر بن عبد الله مولى غفرة كما قال ابن حجر في التقريب. كما أنه غير متصل كما قال الترمذي.
وأخرجه كذلك ابن سعد من نفس الطريق 1/ 411، 412. والترمذي كذلك في الشمائل.
[5] في ت: «قال الأصمعي» وحذف قوله: «قَالَ الترمذي: سمعت أبا جعفر مُحَمَّد بْن الحسين يقول:
سمعت» .(2/254)
الممغط: الذاهب طولا.
والمتردد: الداخل بعضه فِي بعض قصرا.
وأما القطط: فشدة الجعودة.
والرجل [1] : الذي فِي شعره جعودة أي تثن قليل.
والمطهم: المبدن الكثير اللحم.
والمتكلثم: المدور الوجه.
والمشرب: الذي فِي بياضه حمرة.
والأدعج: الشديد سواد العين [2] .
والأهدب: الطويل الأشفار.
والكتد: مجتمع الكتفين وهو الكاهل.
والمسربة: الشعر الدقيق الذي كأنه قضيب من الصدر إلى السّرة.
والشثن: الغليظ الأصابع من الكفين والقدمين.
والتقلع: أن يمشي بقوة. والصبب: الحدور. يقول: انحدرنا فِي صبب.
وقوله: جليل المشاش: يريد رءوس المناكب.
والعشرة: [الصحبة] [3] والبديهة: المفاجأة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عبد الباقي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد الجوهري قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال:
أخبرنا محمد بن سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ: أَنَّ يَهُودِيًّا قَالَ: مَا كَانَ بَقِيَ [شَيْءٌ] [4] مِنْ نَعْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ إِلا رأيته
__________
[1] في ت: «الراجل» .
[2] في الأصل: «سواد الشعر» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وهو إضافة من ابن سعد 1/ 361.(2/255)
إِلا الْحِلْمَ، فَإِنِّي أَسْلَفْتُهُ ثَلاثِينَ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَتَرَكْتُهُ حَتَّى إِذَا بَقِيَ مِنَ الأَجَلِ يَوْمٌ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْضِنِي حَقِّي، فَإِنَّكُمْ مَعَاشِرَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَلَّبِ مُطْلٌ. فَقَالَ عُمَرُ، يَا يَهُودِيُّ الْخَبِيثِ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا مَكَانُهُ لَضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَفَرَ الله لَكَ يَا أَبَا حَفْصٍ، نَحْنُ كُنَّا إِلَى غَيْرِ هَذَا مِنْكَ أَحْوَجَ إِلَى أَنْ تَكُونَ أَمَرْتَنِي بِقَضَاءِ مَا عَلَيَّ، وَهُوَ إِلَى [1] أَنْ تَكُونَ أَعَنْتَهُ فِي قَضَاءِ حَقِّهِ أَحْوَجَ» .
قَالَ: فَلَمْ يَزِدْهُ جَهْلِي عَلَيْهِ إِلا حِلْمًا. قَالَ: «يَا يَهُودِيُّ، إِنَّمَا يَحِلُّ حَقُّكَ غَدَاً» . ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا حَفْصٍ اذْهَبْ َبِهِ إِلَى الْحَائِطِ الَّذِي كَانَ سَأَلَ أَوَّلَ يَوْمٍ، فَإِنْ رَضِيَهُ [2] فَأَعْطِهِ كَذَا وَكَذَا صَاعًا، وَزِدْهُ لِمَا كِلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا صَاعًا، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ ذَلِكَ فَأَعْطِهِ مِنْ حَائِطِ كَذَا [3] وَكَذَا» .
فَأَتَى بِهِ الْحَائِطَ فَرَضِيَ [تَمْرَهُ] [4] فَأْعَطَاهُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَمَا أَمَرَهُ مِنَ] [5] الزِّيَادَةِ. فَلَمَّا قَبَضَ الْيَهُودِيُّ تَمْرَهُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ [6] ، وَأَنَّهُ وَاللَّهِ مَا حَمَلَنِي عَلَى مَا رَأَيْتَنِي صَنَعْتُ يَا عُمَرُ إِلا أَنِّي قَدْ كُنْتُ رَأَيْتُ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِفَتَهُ فِي التَّوْرَاةِ كُلَّهَا إِلا الْحِلْمَ، فَاخْتَبَرْتُ حِلْمَهُ الْيَوْمَ فَوَجَدْتُهُ عَلَى مَا وُصِفَ فِي التَّوْرَاةِ، وَإِنِّي/ أُشْهِدُكَ أَنَّ هَذَا التَّمْرَ وَشَطْرَ مَالِي فِي فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ عُمَرُ: أوْ بَعْضِهِمْ. قَالَ: أَوْ بَعْضِهِمْ، فَأَسْلَمَ أَهْلُ بَيْتِ الْيَهُودِيِّ كُلُّهُمْ إِلا شَيْخًا [كَانَ] [7] ابْنَ مِائَةِ سَنَةٍ فَعَسَا عَلَى [8] الْكُفْرِ. قَالَ ابن سعد: وَحَدَّثَنَا [9] مُحَمَّد بْن إسماعيل بْن أبي فديك، عن موسي بن
__________
[1] «إلي» سقطت من ت.
[2] في الأصل: «تصيبه» .
[3] في ابن سعد فإن لم يرض فأعطه ذلك من ... » .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأضفناه من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] في ت وابن سعد: «وأنه رسول الله» .
[7] ما بين المعقوفتين من ت، وهي ساقطة من الأصل.
[8] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 361.
[9] في ت: «وأخبرنا» .(2/256)
يَعْقُوب الزمعي، عَنْ سهل مولى عتيبة: أنه كان نصرانيا، وكان يتيما فِي حجر أمه وعمه، فكان يقرأ الإنجيل، قَالَ: فأخذت مصحفا لعمي فقرأته حَتَّى مرت بي ورقة: فأنكرت كتابتها [حين مرت بي، ومسستها بيدي، قَالَ: فنظرت] فإذا [فصول الورقة] [1] ملصقة، ففتقتها فوجدت فيها نعت محمّد صلى الله عليه وسلم:
لا قصير ولا طويل، [أبيض، ذو ضفيرين] [2] بين كتفيه خاتم، يكثر الاحتباء، ولا يقبل الصدقة، ويركب الحمار والبعير، ويحتلب الشاة، ويلبس قميصا مرقوعا، وهو من ذرية إسماعيل اسمه أَحْمَد.
قَالَ: فجاء عمي فرأى الورقة فضربني وقال: مالك وفتح هذه الورقة. فقالت: فيها نعت النبيّ أحمد [صلى الله عليه وسلم] . وَقَالَ: إنه لم يأت بعد [3] .
قَالَ مُحَمَّد بْن سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَهَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أبي سَلَمَةَ الْمَاجُشُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِلالٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَقَالَ:
سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ فَقَالَ: أَجَلْ والله، إنّه موصوف [4] في التوراة بصفته في القرآن (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) 33: 45 [5] ، [وَهِيَ فِي التَّوْرَاةِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ] [6] ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غليط وَلا صَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ [7] أَقْبِضَهُ حَتَّى أُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ [8] الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَيَفْتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا [9] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ت، وأثبتناه من ابن سعد 1/ 363.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل. و «ذو ضفيرين» سقطت من ت كذلك.
[3] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 363.
[4] في الأصل: «لموصوف» .
[5] سورة: الأحزاب، الآية: 45.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ت، وأثبتناه من ابن سعد 1/ 362.
[7] في الأصل: «ولا أقبضه» .
[8] في الأصل، وت: «التلة» .
[9] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 362. والبخاري في صحيحه 4/ 342، 8/ 585 (فتح) .(2/257)
قَالَ وهب بْن منبه: أوحى اللَّه تعالى إلي شعبا: إني مبعث نبيا أميا، أفتح به آذانا صما، وقلوبا غلفا، وأعينا عميا، مولده بمكة، ومهاجره طيبة، وملكه بالشام، عَبْدي المتوكل المصطفى، المرفوع الحبيب المجيب، لا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح ويغفر، رحيم بالمؤمنين وليس بفظ ولا/ غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا متزين بالفحش، ولا قوّال للخنى، أسدده لكل جميل وأهب له كل خلق كريم، أجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والتقوى ضميره. والحكمة مقوله، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو [والمغفرة] [1] والمعروف خلقه، والعدل سيرته، والحق شريعته، والهدى إمامه، والإسلام ملته، وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلالة، وأعلم به بعد الجهالة، وأكثر به بعد القلة، وأغني به بعد العيلة، وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين قلوب مختلفة [2] ، وأهواء متشتتة وأمم [3] متفرقة. أجعل أمته خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف، وتنهى عَنِ المنكر، توحيدا لي، وإيمانا بي، وإخلاصا لي، وتصديقا لما جاءت به رسلي وهم دعاة الشمس، طوبى لتلك القلوب [4]
. ذكر الحوادث [5] التي كانت فِي عام ولادته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال مؤلف الكتاب [6] من أعظم الحوادث فِي عام ولادته قصة الفيل وقد ذكرناه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في ت: «متفرقة» .
[3] في ت: «وأقانيم مختلفة» .
[4] انظر في ذلك الطبقات الكبرى 1/ 360- 363.
وأخرجه البيهقي في الدلائل 1/ 379. وعنه أورده ابن كثير في البداية والنهاية 6/ 62.
[5] بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث» .
[6] بياض في ت مكان: «قال مؤلف الكتاب» .(2/258)
ومن الحوادث عامئذ يوم جبلة [1] .
قَالَ أَبُو عبيدة [2] : أعظم أيام العرب يوم جبلة، وكان عام ولد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان لعامر [3] ، وعبس [عَلَى] [4] ذبيان، وتميم، وقد قَالَ الرضي فِي ذلك:
فمن إباء الأذى حلت جماجمها ... عَلَى مناطلها عبس وذبيان
ومن ذلك: رضاع ثويبة له أياما ثم قدوم حليمة لرضاعه [5] :
أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب أياما، ثم قدمت حليمة بنت أبي ذؤيب- واسمه:
عَبْد اللَّه بْن الحارث بْن شجنة- وزوجها الحارث بْن عَبْد العزى بْن رفاعة.
واسم إخوته من الرضاعة: عَبْد اللَّه بْن الحارث وأنيسة بنت الحارث، وجدامة بنت الحارث، وهي: الشيماء، غلب ذلك عَلَى/ اسمها، فلا تعرف إلا به، ويزعمون أن الشيماء كانت تحضنه مع أمها، إذ كان عندهم، وأن الشيماء سبيت يوم حنين فقالت:
اعلموا أني أخت نبيكم. فلما أتي بها عرفها، فأعتقها. وكانت حليمة من بني سعد بْن بكر [6] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو محمد الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ:] [7] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن عمر بْن واقد قَالَ: حدثني موسى بْن أبي شيبة، عَنْ عميرة بنت عَبْد الله بن كعب بن مالك، عن برّة بنت تجراة قالت [8] :
__________
[1] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث عامئذ يوم جبلة» .
[2] في ت: «أبو عبيد» .
[3] في ت: «وكان العامر» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] بياض في ت مكان: «ومن ذلك: رضاع ثويبة له أياما ثم قدوم حليمة لرضاعه» .
[6] «وكانت حليمة من بني سعد بْن بكر» سقط من ت.
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ابن سعد 1/ 108.
[8] في ت حذف السند، وكتب بدلا منه: «روي عن مالك عَنْ برة بنت تجراة قالت» .(2/259)
أول من أرضع [1] رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم ثويبة بلبن ابن لها، يقال له: مسروح، أياما قبل أن تقدم حليمة، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بْن عَبْد المطلب [رضي اللَّه عنه] ، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عَبْد الأسد المخزومي [2] .
وقد ذكرنا أن عَبْد المطلب تزوج هالة وزوّج ابن عَبْد اللَّه: آمنة فِي مجلس واحد فولد حمزة، ثُمَّ ولد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابنها مسروح أياما، ولذلك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين فرضت عَلَيْهِ ابنة حمزة ليتزوجها: «إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي، أرضعتني وإياه ثويبة» [3] . وأعتق أَبُو لهب ثويبة وكانت ثويبة تدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما تزوّج خديجة فيكرمها النّبيّ صلى الله عليه وسلم وتكرمها خديجة، وهي يومئذ أمة، ثم كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث إليها بعد الهجرة بكسوة وصلة حَتَّى ماتت بعد فتح خيبر.
قَالَ مؤلفه [4] : ولا نعلم أنها [قد] [5] أسلمت، بل قد قَالَ أَبُو نعيم الأصفهاني حكى بعض العلماء أَنَّهُ قد [6] اختلف فِي إسلامها.
أَخْبَرَنَا علي بن عبد الله الذغواني قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْن عَلِيِّ بْن الْمَأْمُونِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّه بْن مُحَمَّد بْن حبابة قَالَ: أَخْبَرَنَا يحيى بْن صاعد قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسن بْن أَبِي الربيع قَالَ: حَدَّثَنَا وهب بْن حزم قَالَ: حَدَّثَنَا أبي، عَنِ النعمان/ بْن راشد، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عروة قَالَ [7] :
كانت ثويبة لأبي لهب فأعتقها، فأرضعت النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، فلما مات أَبُو لهب رآه بعض أهله فِي النوم فَقَالَ: ماذا لقيت يا أبا لهب؟ فَقَالَ: ما رأيت بعدكم روحا [8] غير أني سقت
__________
[1] «أرضع» سقط من ت.
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 108.
[3] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 109.
[4] «قال مؤلفه» سقط من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] «قد» سقط من ت.
[7] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «أنبأنا علي بن عبيد الله بإسناد له عن عروة» .
[8] في ابن سعد: «رخاء» .(2/260)
فِي هَذِهِ مني بعتقي ثويبة. وأشار إِلَى ما بين الإبهام والسبابة [1]
. حديث حليمة
[2] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْغَنَائِمِ محمد بن علي بن ميمون قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُسْنِيُّ وأبو طالب علي بن محمد اليماني قالا:
أخبرنا محمد الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ إِدْرِيسَ السُّلَمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ- يَعْنِي الْمُحَارِبِيُّ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي جَهْمُ بْنُ أَبِي جَهْمٍ الْجُمَحِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ حَلِيمَةَ ابْنَةِ الْحَارِثِ- أُمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ- السَّعِدِيَّةُ قَالَتْ:
خَرَجْتُ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ تَلْتَمِسُ [3] الرُّضَعَاءَ [4] بِمَكَّةَ، فَخَرَجْتُ عَلَى أَتَانٍ لِي قَمْرَاءَ [5] قَدْ أُذِمَّتْ [6] بِالرَّكْبِ قَالَتْ: وَخَرَجْنَا فِي سَنَةٍ شَهْبَاءَ [7] ، لَمْ تُبْقِ [لَنَا] [8] شَيْئًا أَنَا وَزَوْجِي الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، قَالَتْ: وَمَعَنَا شَارِفٌ [9] لَنَا وَاللَّهِ لَمْ تَبُضَّ [10] عَلَيْنَا بِقَطْرَةٍ مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي صَبِيٌّ مَا نَنَامُ لَيْلَنَا مِنْ بُكَائِهِ، وَمَا فِي ثَدْيِي مِنْ لَبَنٍ يُغْنِيهِ، وَلا فِي شَارِفِنَا مِنْ لَبَنٍ يُغَذِّيهِ، إِلا أَنَّا نرجو، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ لَمْ يَبْقَ مِنَّا امْرَأَةٌ إِلا عُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَأْبَاهُ وَإِنَّمَا كُنَّا نَرْجُو الْكَرَامَةَ فِي رِضَاعَةِ مَنْ نُرْضِعْ لَهُ مِنْ أَبِي
__________
[1] أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب النكاح. ومسلم في الرضاع باب 14. والبيهقي في الدلائل 1/ 148- 149.
[2] من هنا حتى نهاية الحديث وجزء من أحداث السنة الثانية من مولده صلى الله عليه وسلم: ساقط من ت، وسنشير إلي ذلك في مكانه.
[3] نلتمس: نطلب.،
[4] الرضعاء: جمع رضيع.
[5] أتان قمراء: الأتان: أنثى الحمار. والقمر: لون إلي الخضرة، أو بياض فيه كدرة.
[6] أذمت: إذا أعيت وتأخرت عن الركب.
[7] سنة شهباء: أي سنة القحط والجدب، لأن الأرض تكون فيها بيضاء.
[8] ما بين المعقوفتين: زيادة من ابن هشام.
[9] الشارف: الناقة المسنّة.
[10] ما تبض: ما ترشح لنا بشيء.(2/261)
المولود، فكان نبيّنا صلى الله عليه وسلم، فقلنا، ما عسى أن تصمع لَنَا أُمَّهُ؟ فَكُنَّا نَأْبَى، حَتَّى لَمْ يَبْقَ من صويحباتي امْرَأَةٍ إِلا أَخَذَتْ رَضِيعًا غَيْرِي.
قَالَتْ: فَكَرِهْتُ أَنْ أَرْجِعَ وَلَمْ آخُذَ شَيْئًا، وَأَخَذَ صُوَيْحِبَاتِي، فَقُلْتُ لِزَوْجِي الْحَارِثِ: وَاللَّهِ لأَرْجِعَنَّ إِلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ فَلآخُذَنَّهُ. قَالَتْ: فَأَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى رَحْلِي. فَقَالَ لِي زَوْجِي: قَدْ أَخَذْتِهِ. قَالَتْ: قُلْتُ: نَعَمْ، وَذَاكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ.
قَالَ: قَدْ أَصَبْتِ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا فِيهِ خَيْرًا. قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ وَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ، وَشَرِبَ أَخُوهُ حَتَّى رَوِيَ، وَقَامَ زَوْجِي الْحَارِثُ إِلَى شَارِفِنَا، فَإِذَا هِيَ ثَجَّاءُ [فَحَلَبَ] [1] عَلَيْنَا مَا شِئْنَا فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ وَشَرِبْتُ حَتَّى رَوِيتُ.
قَالَتْ: فَمَكَثْنَا بِخَيْرِ لَيْلَةٍ شِبَاعًا رِوَاءً. قَالَتْ: فَقَالَ زَوْجِي: وَاللَّهِ يَا حَلِيمَةُ مَا أُرَاكِ إِلا قَدْ أَصَبْتِ نَسَمَةً مُبَارَكَةً، قَدْ نَامَ صِبْيَانُنَا، وَقَدْ رُوِينَا.
قَالَتْ: ثم خرجنا فو الله لَخَرَجَتْ أَتَانِي أَمَامَ الرَّكْبِ، قَدْ قَطَعَتْهُمْ حَتَّى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ، حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ: وَيْحَكِ يَا بِنْتَ الْحَارِثِ، كُفِّي عَنَّا، أَلَيْسَتْ هَذِهِ أَتَانُكِ الَّتِي خَرَجْتِ عَلَيْهَا؟ فَأَقُولُ: بَلَى وَاللَّهِ، فَيَقُولُونَ: إِنَّ لَهَا لَشَأْنًا حَتَّى قَدِمْتُ مَنَازِلِنَا مِنْ حَاضِرِ مَنَازِلِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ. قَالَتْ: فَقَدِمْنَا عَلَى أَجْدَبِ أَرْضِ الله. قالت: فو الّذي نفس حليمة بيده إن كانوا ليسرحون أغنامهم إِذَا أَصْبَحُوا وَأُسَرِّحُ [رَاعِي] [2] غُنَيْمَتِي، وَتَرُوحُ غَنَمِي حُفُلا بِطَانًا، وَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا هَلْكَى، مَا بِهَا مِنْ لَبَنٍ فَنَشْرَبُ مَا شِئْنَا مِنَ اللَّبَنِ، وَمَا مِنَ الْحَاضِرِ مِنْ أَحَدٍ يَحْلِبُ قَطْرَةً وَلا يَجِدُهَا. قَالَتْ: فَيَقُولُونَ لِرُعَاتِهِمْ:
وَيْلَكُمْ أَلا تَسْرَحُونَ حَيْثُ يَسْرَحُ رَاعِي حَلِيمَةَ. فَيَسْرَحُونَ في الشعب الَّذِي يَسْرَحُ فِيهِ، وَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا مَا لَهَا مِنْ لَبَنٍ وَتَرُوحُ غَنَمِي حُفُلا لَبَنًا.
قَالَتْ: وَكَانَ يَشِبُّ فِي الْيَوْمِ شَبَابَ الصَّبِيِّ في الشهر! ويشب في الشهر شباب
__________
[1] في ابن هشام، الدلائل: «فإذا هي حافل» .
وما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأضفناه من ألوفا، وابن هشام، والدلائل.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل. وأضفناه من ألوفا.(2/262)
الصَّبِيِّ فِي سَنَةٍ. قَالَتْ: فَبَلَغَ سَنَتَيْنِ وَهُوَ غُلامٌ جَفْرٌ [1] . قَالَتْ: فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمِّهِ، فَقُلْتُ لَهَا، وَقَالَ لَهَا زَوْجِي: دَعِي ابْنِي فَلْنَرْجِعْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْهِ وَبَاءَ مَكَّةَ. قَالَتْ:
وَنَحْنُ أَضَنَّ شَيْءٍ بِهِ لِمَا رَأَيْنَا من بركته صلى الله عليه وسلم. فَلَمْ نَزَلْ بِهَا حَتَّى قَالَتْ: ارْجِعِي بِهِ.
قَالَتْ: فَمَكَثَ عِنْدَنَا شَهْرَيْنِ، قَالَتْ فَبَيْنَمَا هُوَ يَلْعَبُ يَوْمًا مَعَ إِخْوَتِهِ خَلْفَ الْبَيْت إِذْ جَاءَ أَخُوهُ يَشْتَدُّ، فَقَالَ لِي وَلأَبِيهِ: أَدْرِكَا أَخِي الْقُرَشِيِّ فَقَدْ جَاءَهُ رَجُلانِ فَأَضْجَعَاهُ فَشَقَّا بَطْنَهُ.
قَالَتْ فَخَرَجْتُ وَخَرَجَ أَبُوهُ يَشْتَدُّ نَحْوَهُ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ وَهُوَ قَائِمٌ مُمْتَقِعٌ لَوْنُهُ، فَاعْتَنَقْتُهُ وَاعْتَنَقَهُ أَبُوهُ وَقَالَ: مَالَكَ يَا بُنَيِّ؟ قَالَ: أَتَانِي رَجُلانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ فَأَضْجَعَانِي فَشَقَّا بَطْنِيَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا صَنَعَا.
قَالَتْ: فَاحْتَمَلْنَاهُ وَرَجَعْنَا بِهِ. قَالَتْ: يَقُولُ زَوْجِي يَا حَلِيمَةُ، وَاللَّهِ مَا أَرَى الْغُلامَ إِلا قَدْ أُصِيبَ، فَانْطَلِقِي فَلْنَرُدُّهُ إِلَى أُمِّهِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ بِهِ مَا نَتَخَوَّفُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَرَجَعْنَا بِهِ إِلَى أُمِّهِ. فَقَالَتْ: مَا رَدَّكُمَا وَكُنْتُمَا حَرِيصَيْنِ عَلَيْهِ؟ فَقُلْنَا: لا وَاللَّهِ إِلا أَنَّا كفلناه وأدّينا الّذي علينا مِنَ الْحَقِّ فِيهِ ثُمَّ تَخَوَّفْنَا عَلَيْهِ الأَحْدَاثَ، فَقُلْنَا يَكُونُ عِنْدَ أُمِّهِ.
قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا ذَاكَ بِكُمَا، فَأَخْبِرَانِي [2] خَبَرَكُمَا وَخَبَرَهُ، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا زَالَتْ بِنَا حَتَّى أَخْبَرَنَاهَا خَبَرَهُ. قَالَتْ: أَتَخَوَّفْتُمَا عَلَيْهِ. لا وَاللَّهِ إِنَّ لابْنِي هَذَا شأنا ألا أخبركما عنه؟
إني حملت بِهِ فَلَمْ أَحْمِلْ حِمْلا [3] قَطُّ هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ، وَلا أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهُ، وَلَقَدْ وَضَعْتُهُ فلم يقع كما يقع الصِّبْيَانُ، لَقَدْ وَقَعَ وَاضِعًا يَدَهُ فِي الأَرْضِ رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ. دَعَاهُ وَالْحَقَا بِشَأْنِكُمَا [4]
. ذكر ما جرى فِي السنة الثالثة من مولده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال مؤلف الكتاب: من ذلك شق صدره، وقد ذكرناه، وظاهر هذا الحديث أن
__________
[1] جفر: شديد.
[2] في الأصل: «فأخبروني» .
[3] هذا يوهم أنها حملت بغير نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو غير صحيح، فلم تحمل آمنة أم الرسول صلى الله عليه وسلم إلا به.
[4] حديث حليمة: في السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 162- 165. والبداية والنهاية 2/ 273. ودلائل النبوة للبيهقي 1/ 133- 136. ودلائل النبوة لأبي نعيم 111- 113. وألوفا لابن الجوزي (رقم 119) .(2/263)
آمنة حملت غير رسول الله. وقد قَالَ الواقدي: لا يعرف عنه أهل العلم أن لآمنة وعَبْد اللَّه ولدا غير رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم.
وأما حليمة: فهي بنت أبي ذؤيب- واسمه: عبد العزّى بن الحارث بن شجة بْن جابر- السعدية، قدمت عَلَى رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وقد تزوج خديجة، فشكت إليه جدب البلاد، فكلم خديجة فأعطتها أربعين شاة، وأعطتها بعيرا، ثم قدمت عَلَيْهِ بعد النبوة فأسلمت وبايعت، وأسلم زوجها الحارث بْن عَبْد العزى [1] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أخبرنا ابن المذهب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عبد الله بن أحمد قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا حَيْوَةَ. وَزَيْدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ قَالا:
أَخْبَرَنَا بَقِيَّةُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، عَنْ عُتْبَةَ بن عبد السُّلَمِيِّ: أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَجُلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ شَأْنِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: «كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بُهْمٍ لَنَا، وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا، فَقُلْتُ: يَا أَخِي اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا، فَانْطَلَقَ أَخِي وَمَكَثْتُ عِنْدَ الْبُهْمِ، فَأَقْبَلَ طَائِرَانِ أَبْيَضَانِ كَأَنَّهُمَا نِسْرَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ:
نَعَمْ. فَأَقْبَلا يَبْتَدِرَانِي فَأَخَذَانِي فَبَطَحَانِي إِلَى الْقَفَا، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي فَشَقَّاهُ، فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَتَيْنِ [2] سَوْدَاوَيْنِ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: ائْتِنِي بِمَاءٍ وَثَلْجٍ فَغَسَلا [بِهِ] [3] جَوْفِي، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِمَاءِ بَرَدٍ فَغَسَلا بِهِ قَلْبِي ثُمَّ قَالَ ائْتِنِي بِالسَّكِينَةِ. فَذَرَاهَا فِي قَلْبِي ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: خِطْهُ [4] . فَخَاطَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، وَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ وَاجْعَلْ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِهِ فِي كِفَّةٍ فَإِذَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَى الأَلْفِ فَوْقِي أُشْفِقُ أَنْ يَخِرَّ عَلَيَّ بَعْضُهُمْ. ثُمَّ قَالَ: لو أن أمته وزنت به لمال بهم.
__________
[1] إلى هنا الساقط من ت.
وانظر قصة قدوم حليمة على النبي صلى الله عليه وسلم في طبقات ابن سعد 1/ 113، 114. وألوفا برقم 127.
[2] في الأصل: «خلقتين» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «لصاحبه فحمه واختم عليه» وفي ت: «لصاحبه» حصة فحصه واختم عليها.(2/264)
ثُمَّ انْطَلَقَا وَتَرَكَانِي وَقَدْ فَرِقْتُ فَرَقًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّي، فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي لَقِيتُ، فَأَشْفَقَتْ أَنْ يَكُونَ الْتُبِسَ [1] بِي فَقَالَتْ: أُعِيذُكَ باللَّه فَحَمَلَتْنِي عَلَى الرَّحْلِ وَرَكِبَتْ خَلْفِي، حَتَّى إِذَا بَلَغْنَا إِلَى أُمِّي فَقَالَتْ: أَدَّيْتُ أَمَانَتِي وَذِمَّتِي، وَحَدَّثَتْهَا الْحَدِيثَ، فَلَمْ يَرُعْهَا [ذَلِكَ] [2] وَقَالَتْ: إني رأيت حين خَرَجَ مِنِّي نُورًا أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ [3] . وَرُوِيَ [عَنْ] [4] مَكْحُولٍ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ من بني عَامِرٍ فَقَالَ: يَا ابْنَ [5] عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي أُنْبِئْتُ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ [اللَّهِ] [6] إِلَى الناس، فأنبئني بحقيقة ذلك وبدو شأنك.
«يَا أَخَا بَنِي عَامِرٍ، إِنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِي وَبُدُوِّ شَأْنِي دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى أَخِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، وَإِنَّ أُمِّيَ لَمَّا وَضَعَتْنِي [7] كُنْتُ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي لَيْثِ بْنِ بَكْرٍ، فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ مُنْتَبِذٌ مِنْ أَهْلِي فِي بَطْنِ وَادٍ مَعَ أَتْرَابٍ لِي مِنَ الصِّبْيَانِ، إِذْ أَنَا بِرَهْطٍ ثَلاثَةٍ مَعَهُمْ طَسْتٌ من ذهب مليء [8] ثَلْجًا، فَأَخَذُونِي مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِي، فَخَرَجَ أَصْحَابِي هِرَابًا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى شَفِيرِ الْوَادِي، ثُمَّ أَقْبَلُوا عَلَى الرَّهْطُ فَقَالُوا: مَا أَرَبُكُمْ إِلَى هَذَا الْغُلامِ؟ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنَّا، هَذَا ابْنُ سَيِّدِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ مُسْتَرْضَعٌ فِينَا، غُلامٌ يَتِيمٌ لَيْسَ لَهُ أَبٌ، فَمَاذَا يَرُدُّ عَلَيْكُمْ قَتْلُهُ؟ فَإِنْ كُنْتُمْ لا بُدَّ قَاتِلِيهِ فَاخْتَارُوا مِنَّا أَيَّنَا شِئْتُمْ فَاقْتُلُوهُ.
فَلَمَّا رَأَى الصِّبْيَانُ أَنَّ الْقَوْمَ لا يُحِيرُونَ إِلَيْهِمْ جَوَابًا انْطَلَقُوا هِرَابًا مسرعين إلى
__________
[1] في الأصل: «الباس» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] انظر الحديث في المستدرك للحاكم 2/ 600. والإمام أحمد بن حنبل في المسند 4/ 184. والبداية والنهاية 2/ 275. ودلائل النبوة للبيهقي: 1/ 145- 146 و 2/ 7- 8 والسيرة النبويّة لابن هشام 1/ 164- 165. وألوفا لابن الجوزي برقم 121.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «قال ابن عبد المطلب» .
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] في ت: «ولدتني» .
[8] في ت: «ممتلئ» .(2/265)
الْحَيِّ، يَسْتَصْرِخُونَهُمْ، فَعَمَدَ أَحَدُهُمْ فَأَضْجَعَنِي عَلَى الأَرْضِ إِضْجَاعًا لَطِيفًا، ثُمَّ شَقَّ مَا بَيْنَ مَفْرِقِ رَأْسِي إِلَى مُنْتَهَى عَانَتِي، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَلَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ مَسًّا، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحْشَاءَ بَطْنِي ثُمَّ غَسَلَهَا بِذَلِكَ الثَّلْجِ، فَأَنْعَمَ غَسْلَهَا، ثُمَّ أَعَادَهَا مَكَانَهَا ثُمَّ قَامَ الثَّانِي مِنْهُمْ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: تَنَحَّ. فَنَحَّاهُ عَنِّي، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ جَوْفِي فَأَخْرَجَ قَلْبِي، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَصَدَعَهُ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْهُ مُضْغَةً سَوْدَاءَ فَرَمَى بِهَا، ثُمَّ قَالَ: قَالَ بِيَمِينِهِ وَيَسَارِهِ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا فَإِذَا [أَنَا] [1] بِخَاتَمٍ فِي يَدِهِ مِنْ نُورٍ يَحَارُ النَّاظِرُونَ دُونَهُ فَخَتَمَ [بِهِ] [2] قَلْبِي فَامْتَلأَ نُورًا، ثُمَّ أَعَادَهُ مَكَانَهُ، فوجدت برد ذلك الْخَاتَمِ فِي قَلْبِي دَهْرًا، ثُمَّ قَالَ الثَّالِثُ لِصَاحِبِهِ: تَنَحَّ فَنَحَّاهُ عَنِّي [3] ، فَأَمَرَّ بِيَدِهِ مَا بين مفرق صَدْرِي إِلَى مُنْتَهَى عَانَتِي، فَالْتَأَمَ ذَلِكَ الشَّقُّ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَنْهَضَنِي مِنْ مَكَانِي إِنْهَاضًا لَطِيفًا، ثُمَّ قَالَ لِلأَوَّلِ لِلَّذِي شَقَّ بَطْنِي: زِنْهُ بِعَشْرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ. فَوَزَنَنِي بِهِمْ [4] فَرَجَحْتُهُمْ. ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِمِائَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ.
فَوَزَنَنِي [5] بِهِمْ فَرَجَحْتُهُمْ. ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِأَلْفٍ مِنْ أُمَّتِهِ فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَرَجَحْتُهُمْ [6] . فَقَالَ:
دَعُوهُ، فَلَوْ وَزَنْتُمُوهُ بِأُمَّتِهِ كُلِّهَا لَرَجَحَهُمْ.
قال: ثم صموني إِلَى صُدُورِهِمْ، وَقَبَّلُوا رَأْسِي وَبَيْنَ عَيْنَيَّ [7] ، ثُمَّ قَالُوا: يَا حَبِيبُ لَمْ تُرَعْ إِنَّكَ لَوْ تَدْرِي [8] مَا يُرَادُ بِكَ مِنَ الْخَيْرِ [وَلَوْ عملت مَا يُرَادُ بِكَ] [9] لَقَرَّتْ عَيْنَاكَ. قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذَا أَنَا [10] بِالْحَيِّ قَدْ جَاءُونِي بِحَذَافِيرِهِمْ، وَإِذَا أُمِّي وَهِيَ ظِئْرِي أَمَامَ الْحَيِّ تَهْتِفُ بِأَعْلَى صَوْتِهَا وَهِيَ تَقُولُ: يَا ضَعِيفًا. فَأَكَبُّوا عَلَيَّ، وَقَبَّلُوا رَأْسِي وَمَا بَيْنَ عَيْنَيَّ، فَقَالُوا: حَبَّذَا أَنْتَ مِنْ ضَعِيفٍ. ثُمَّ قَالَتْ ظئري: يا وحيدا. فأكبوا عليّ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] «فنحاه عني» سقطت من ت.
[4] «بهم» سقطت من ت.
[5] في ت: «فوزنوني» .
[6] «ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِأَلْفٍ مِنْ أُمَّتِهِ فَوَزَنَنِي بهم فرجحتهم» سقط من ت.
[7] «وبين عيني» سقط من ت.
[8] في ت: «لا تدري» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] في ت: «إذ بالحي» .(2/266)
فَضَمُّونِي وَقَبَّلُوا مَا بَيْنَ رَأْسِي وَعَيْنَيَّ، ثُمَّ قَالَتْ ظِئْرِي: يَا يَتِيمًا يَا مُسْتَضْعَفًا أَنْتَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِكَ فَقُتِلْتَ لِضَعْفِكَ. ثُمَّ ضَمَّتْنِي إلي صدرها، فو الّذي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّنِي لَفِي حِجْرِهَا وَإِنَّ يَدِي لَفِي [1] يَدِ بَعْضِهِمْ، فَجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ وَظَنَنْتُ أَنَّ الْقَوْمَ يُبْصِرُونَهُمْ [2] ، فَإِذَا هُمْ لا يُبْصِرُونَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: إِنَّ هَذَا الْغُلامَ قَدْ أَصَابَهُ لَمَمٌ أَوْ طَائِفٌ مِنَ الْجِنِّ، فَانْطَلِقُوا بِهِ إِلَى كَاهِنِنَا حَتَّى يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَيُدَاوِيهِ. فقلت ما بين [مِنْ] [3] شَيْءٍ مِمَّا يَذكر. فَقَالَ أَبِي- وَهُوَ زَوْجُ ظِئْرِي: أَلا تَرَوْنَ كَلامَهُ كَلامٌ صَحِيحٌ [4] ، إني لأرجو أن لا يكون يا بني بأس. فاتفقوا علي أن يذهبو بِي إِلَى الْكَاهِنِ [5] ، فَذَهَبُوا بِي إِلَيْهِ، فَقَصُّوا عَلَيْهِ قِصَّتِي، فَقَالَ: اسْكُتُوا حَتَّى أَسْمَعَ مِنَ الْغُلامِ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِأَمْرِهِ مِنْكُمْ.
فَسَأَلَنِي فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ أَمْرِي، فَوَثَبَ إِلَيَّ وَضَمَّنِي إِلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَالَ الْعَرَبِ، اقْتُلُوا هذا الغلام واقتلوني معه، فو اللات وَالْعُزَّى لَئِنْ تَرَكْتُمُوهُ وَأَدْرَكَ لَيُبَدِّلَنَّ دِينَكُمْ. ثُمَّ احْتَمَلُونِي فَذَاكَ بُدُوُّ شَأْنِي» [6] .
أَخْبَرَنَا [مُحَمَّدُ] بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ قَالَ: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد [7] قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه قال:
لَمَّا قَامَتْ [8] سُوقُ عُكَاظٍ انْطَلَقَتْ حَلِيمَةُ بِرَسُولِ اللِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَرَّافٍ مِنْ هُذَيْلٍ يُرِيهِ النَّاسُ صِبْيَانَهُمْ. قَالَ: فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ صَاحَ: يَا مَعْشَرَ هُذَيْلٍ، يَا معشر العرب، فاجتمع إليه الناس من أهل الْمَوْسِمِ. فَقَالَ: اقْتُلُوا هَذَا الصَّبِيَّ. فَانْسَلَّتْ بِهِ حليمة، فجعل الناس
__________
[1] في ت: «إني لفي حجرها وإني لفي يد بعضهم» .
[2] في الأصل: «يبصرون» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في ت: «كلامه صحيح» .
[5] في الأصل: «كاهن» .
[6] ألوفا 123.
[7] في ت: «أخبرنا ابن عَبْد الباقي بإسناد لَهُ عَنْ مُحَمَّد بْن سعد» . وأكمل باقي السند كما في الأصل.
[8] في الأصل: «لما قدمت» .(2/267)
يَقُولُونَ: أَيُّ صَبِيٍّ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الصَّبِيَّ. فَلا يَرَوْنَ شَيْئًا. قَدِ انْطَلَقَتْ بِهِ أُمُّهُ. فَيُقَالُ لَهُ: مَا هُوَ [1] ؟ فَيَقُولُ: رَأَيْتُ غُلامًا، وَآلِهَتَهُ، لَيَقْتُلَنَّ أَهْلَ دِينِكُمْ، وَلَيَكْسِرَنَّ آلِهَتَكُمْ، وَلَيَظْهَرَنَّ أَمْرُهُ عَلَيْكُمْ. فَطُلِبَ بِعُكَاظٍ، فَلَمْ يُوجَدْ وَرَجَعَتْ بِهِ حَلِيمَةُ إِلَى مَنْزِلِهَا، وَكَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لا تَعْرِضُهُ لِعَرَّافٍ وَلا لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ [2] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
جَعَلَ الشَّيْخُ الْهُذَلِيُّ يَصِيحُ: [يَالَ الْعَرَبِ] [3] يَالَ هُذَيْلٍ، إِنَّ هَذَا لَيَنْتَظِرُ أَمْرًا مِنَ السماء.
وجعل يغرى بالنبيّ للَّه، فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ وَلِهَ [وَذَهَبَ] [4] عَقْلُهُ حَتَّى مَاتَ كَافِرًا [5] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ [6] :
خَرَجَتْ حَلِيمَةُ تَطْلُبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَتْهُ مَعَ أُخْتِهِ، فَقَالَتْ: فِي هَذَا الْحَرِّ! فَقَالَتْ أُخْتُهُ: يَا أُمَّاهُ، مَا وَجَدَ أَخِي حَرًّا، رَأَيْتُ غَمَامَةً تُظِلُّ عَلَيْهِ فَإِذَا وَقَفَ وَقَفَتْ، وَإِذَا سَارَ سارت معه [7] ، حتى انتهى إلى هذا الْمَوْضِعِ [8] .
[وَهَذَا كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ مولده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [9] .
وفِي هذه السنة: من مولده صلى الله عليه وسلم وُلِدَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
. ذكر ما جرى فِي السنة الرابعة من مولده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[10] قال مؤلف الكتاب: قد ذكرنا أن شق صدره [عَلَيْهِ الصلاة والسلام] كان في سنة
__________
[1] ما في ت: «ما هذا» .
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 151- 152. مطولا.
[3] ، (4) ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 52.
[6] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «عن ابن عباس قال» :
[7] «ومعه» . سقطت من ت.
[8] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 152.
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] بياض في ت مكان «ذكر ما جرى فِي السنة الرابعة من مولده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال مؤلف الكتاب» .(2/268)
ثلاث من مولده. و [قد] [1] قيل: فِي سنة أربع.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حيويه قَالَ: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد [2] قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عمر، عَنْ أصحابه قَالَ:
مكث عندهم سنتين حَتَّى فطم، وكان ابن أربع سنين فقدموا به عَلَى أمه [وهم] [3] زائرون لها به، وأخبرتها [4] حليمة خبره، وما رأوا من بركته، فقالت آمنة: ارجعي بابني فإني أخاف عَلَيْهِ وباء مكّة، فو الله ليكونن له شأن! فرجعت به ولما بلغ أربع سنين كان يغدو مع أخيه وأخته فِي البهم قريبا من الحي، فأتاه الملكان هناك فشقّا بطنه واستخرجا علقة سوداء فطرحاها وغسلا بطنه بماء الثلج فِي طست من ذهب، ثم وزن بألف من أمته فوزنهم، فنزلت به إِلَى أمه آمنة بنت [5] وهب فأخبرتها خبره، ثم رجعت به أيضا [6] ، وكان عندها حولا [7] أو نحوها لا تدعه [8] يذهب مكانا بعيدا، ثم رأت غمامة تظله، إذا وقف وقفت، وإذا سار سارت، فأفزعها ذلك أيضا من أمره فقدمت [9] به إِلَى أمه لترده وهو ابن خمس سنين، فأضلها فِي الناس، فالتمسته فلم تجده، فأتت عَبْد المطلب فأخبرته فالتمسه عَبْد المطلب فلم يجده، فقام عند الكعبة فَقَالَ:
لا هم أد راكبي مُحَمَّدا ... أده إلي واصطنع عندي ندا
أنت الذي جعلته لي عضدا
[10]
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «أخبرنا محمد بن عبد الباقي بإسناده إلى محمد بن سعد» وأكمل السند كما هو بالأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وابن سعد.
[4] في الأصل، ت: «وأخبرت» .
[5] في ت: «فولت به حليمة حتى أتت أمه آمنة.»
[6] «ثم رجعت به أيضا، سقطت من ت.»
[7] في ت: «سنة» .
[8] «تدعه» سقطت من ت.
[9] في ت: «فوقفت» .
[10] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 112.(2/269)
قَالَ مؤلف الكتاب [1] : وقد روي لنا أن عَبْد المطلب بعثه فِي حاجة له فضاع [فَقَالَ هَذَا] [2] .
قَالَ: وقد روينا أن حليمة قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم [مكة] [3] وقد تزوج خديجة، فشكت إليه جدب البلاد وهلاك الماشية، فكلم رسول اللَّه [صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم] خديجة فيها، فأعطتها أربعين شاة وبعيرا [موقعا] [4] للظعينة وانصرفت إِلَى أهلها ثم قدمت عَلَيْهِ بعد الإسلام [5] فاسلمت هي وزوجها وبايعاه [6] .
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال:
أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا عبد الله بن نمير قال: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ [7] قَالَ:
اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ أَرْضَعَتْهُ فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَالَ: «أُمِّي أُمِّي» وَعَمِدَ إِلَى رِدَائِهِ فَبَسَطَهُ لَهَا فَقَعَدَتْ عَلَيْهِ [8] .
وقد روي لنا [9] أنها جاءت إِلَى أبي بكر فأكرمها. وإلى عمر رضي اللَّه عنهما ففعل مثل ذلك [10]
__________
[1] «قال مؤلف الكتاب» سقطت من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] «الإسلام» سقطت من ت.
[6] الطبقات الكبرى 1/ 113، 114، وألوفا برقم 127.
[7] في ت: «وقد روى ابن سعد أيضا عن محمد ابن المكندر قال» .
[8] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 114. وألوفا برقم 128.
[9] «لنا» سقطت من ت.
[10] ألوفا برقم 128.(2/270)
ذكر الحوادث التي كانت سنة خمس من مولده عَلَيْهِ السلام [1]
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْن عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد [2] قال أَخْبَرَنَا علي بْن مُحَمَّد، عَنْ مُحَمَّد بْن الفضل، عَنْ أبي حازم قَالَ:
قدم كاهن مكة ورسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم ابن خمس سنين، وقد قدمت به ظئره إِلَى عَبْد المطلب، وكانت تأتيه به [فِي] كل عام، فنظر إليه الكاهن مع عَبْد المطلب فَقَالَ: يا معشر قريش، اقتلوا هَذَا الصبي، فإنه يفرقكم ويقتلكم فهرب به عَبْد المطلب، فلم، تزل قريش تخشى من أمره ما كان الكاهن حذرهم [3]
. ذكر الحوادث فِي سنة ست من مولده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[4] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ قال: أخبرنا أبو عمر بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف الخشاب قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حدثنا محمد بْنُ سَعْدٍ [5] قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عاصم، عن عمرو بن قتادة قالوا: حدّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ عَاصِمٍ الأَسْلَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- دخل حديث بعضهم في بعض- قالوا:
__________
[1] بياض في ت مكان «ذكر الحوادث التي كانت سنة خمس من مولده عليه السلام» .
[2] حذف ما قبل ذلك في السند من النسخة ت، وكتب مباشرة: «قال ابن سعد أخبرنا علي بن محمد ... » .
[3] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 166، 167. وألوفا برقم 132.
[4] بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث سنة ست من مولده صلى الله عليه وسلم» .
[5] في ت: «أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بإسناد لَهُ عن ابن سعد قال: وباقي السند كما في الأصل.(2/271)
كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُمِّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، فَلَمَّا بَلَغَ سِتَّ سِنِينَ خَرَجَتْ بِهِ إِلَى أَخْوَالِهِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ بِالْمَدِينَةِ تَزُورُهُمْ بِهِ، وَمَعَهُ أُمُّ أَيْمَنَ حَاضِنَتُهُ [1] ، وَهُمْ عَلَى بَعِيرَيْنِ [2] ، فَنَزَلَتْ بِهِ فِي دَارِ النَّابِغَةِ فَأَقَامَتْ بِهِ عِنْدَهُمْ شَهْرًا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذكر أُمُورًا فِي مُقَامِهِ ذَلِكَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى أَطَمِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ [وَعَرَفَهُ] [3] قَالَ: كُنْتُ أُلَاعِبُ أَنِيسَةَ جَارِيَةً مِنَ الأنصار على هذه الأَطَامِ، وَكُنْتُ مَعَ غِلْمَانٍ مِنْ أَخْوَالِي نُطَيِّرُ طَائِرًا كَانَ [4] يَقَعُ عَلَيْهِ، وَنَظَرَ إِلَى الدَّارِ فقال: هاهنا نَزَلَتْ بِي أُمِّي، وَفِي هَذِهِ الدَّارِ قَبْرُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَحْسَنْتُ الْعَوْمَ فِي [بِئْرِ] [5] بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ يَخْتَلِفُونَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ. قَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: فَسَمِعْتُ أَحَدَهُمْ يَقُولُ: هُوَ نَبِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَهَذِهِ دَارُ هِجْرَتِهِ، فَوَعَيْتُ ذَلِكَ [كُلَّهُ] [6] مِنْ كَلامِهِ، ثُمَّ رَجَعَتْ بِهِ أُمُّهُ [7] إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانُوا بِالأَبْوَاءِ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ، فَقَبْرُهَا هُنَالِكَ، فَرَجَعَتْ بِهِ أُمُّ أَيْمَنَ إِلَى مَكَّةَ، وَكَانَتْ تَحْضُنُهُ مَعَ أُمِّهِ، ثُمَّ بَعْدَ أَنْ مَاتَتْ.
فَلَمَّا مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ [8] بِالأَبْوَاءِ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ [قَبْرِ] [9] أُمِّهِ» فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَصْلَحَهُ وَبَكَى عِنْدَهُ وَبَكَى الْمُسْلِمُونَ لِبُكَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقِيلَ لَهُ: فَقَالَ: «أَدْرَكَتْنِي رَحْمَةٌ [10] رَحِمْتُهَا فَبَكَيْتُ» [11] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: حدّثنا سفيان بن سعيد
__________
[1] في ت: «الحضينة» .
[2] في ت: «على بعير» .
[3] في الأصل: «عدي بن اليمان» وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «انظر طائرا يقع عليه» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] «أمه» سقطت من ت.
[8] في الأصل: «غزوة الحديبيّة» .
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] «رحمة» سقط من الأصل.
[11] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/.(2/272)
الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ أَتَى جَذَمَ قَبْرِ أُمِّهِ فَجَلَسَ إِلَيْهِ وَجَلَسَ النَّاسُ حَوْلَهُ، فَجَعَلَ كَهَيْئَةِ الْمُخَاطِبِ، ثُمَّ قَامَ وَهُوَ يَبْكِي، فَاسْتَقْبَلَهُ عُمَرُ. وَكَانَ مِنْ أَجْرَأِ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الَّذِي أَبْكَاكَ؟ قَالَ: «هَذَا قَبْرُ أُمِّي، سَأَلْتُ رَبِّي الزِّيَارَةَ فَأَذِنَ لِي، وَسَأَلْتُهُ الاسْتِغْفَارَ فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، فَذَكَرْتُهَا فَوَقَفْتُ فَبَكَيْتُ» فَلَمْ يُرَ [يَوْمًا] [1] أَكْثَرَ بَاكِيًا مِنْ يَوْمِئِذٍ [2] . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هَذَا غَلَطٌ لَيْسَ قَبْرُهَا بِمَكَّةَ إِنَّمَا قَبْرُهَا بِالأَبْوَاءِ.
أَنْبَأَنَا عَبْد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا عاصم بن الحسين قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن بْن بشران قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن السماك قَالَ: حَدَّثَنَا ابن البراء قَالَ: حدثني الحسين بْن جابر- وكان من المجاورين بمكة [3] :
أنه رفع إِلَى المأمون أن السيل يدخل قبر أم رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم لموضع معروف هناك، فأمر المأمون بإحكامه [4] .
قَالَ ابن البراء: وقد وصف لي وأنا بمكة موضعه، فيجوز أن تكون توفيت [5] بالأبواء ثم حملت إِلَى مكة فدفنت بها [6]
. ذكر الحوادث التي كانت سنة سبع من مولده صلى الله عليه وسلم
[7]
من ذلك: كفالة عَبْد المطلب له:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي طاهر البزاز قَالَ: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 1/ 189. وابن الجوزي في ألوفا برقم 134.
[3] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أنبأنا ابن المبارك بإسناد له عن البراء قال حدثني الحسين المجاور» .
[4] ألوفا لابن الجوزي (رقم 137) .
[5] في ت: «توفي» .
[6] في ت: «فدفنت هناك» . انظر ألوفا لابن الجوزي (رقم 137) .
[7] بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث التي كانت سنة سبع من مولده صلى الله عليه وسلم» .(2/273)
أخبرنا ابن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مَعْرُوفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بْن عُمَر بن واقد قال: حدثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [1] .
قَالَ:
وَحَدَّثَنَا هَاشِمُ [2] بْنُ عَاصِمٍ الأَسْلَمِيُّ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَهْمٍ قَالَ:
وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أبي نجيح، عن مجاهد قال:
وأخبرنا عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن أبي الحويرث قَالَ:
وَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ سَلْمَانَ بن سحيم، عن نافع بن جبير- دخل حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ- قَالُوا:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ مَعَ أُمِّهِ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ قَبَضَهُ إِلَيْهِ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَضَمَهُ وَرَقَّ عَلَيْهِ رِقَّةً لَمْ يَرِقَّهَا عَلَى وَلَدِهِ، وَكَانَ يُقَرِّبُهُ مِنْهُ وَيُدْنِيهِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ إِذَا خَلا وَإِذَا نَامَ وَكَانَ يَجْلِسُ عَلَى فِرَاشِهِ فَيَقُولُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِذَا رَأَى ذَلِكَ: دَعُوا ابْنِي، إِنَّهُ لَيُؤْنِسُ مَلِكًا.
وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ مُدْلَجٍ لعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: احْتَفِظْ بِهِ، فَإِنَّا لَمْ نَرَ قَدَمًا أَشْبَهَ بِالْقَدَمِ الَّتِي فِي الْمَقَامِ مِنْهُ. فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لابْنِهِ أَبِي طَالِبٍ: اسْمَعْ مَا يَقُولُ هَؤُلاءِ، فَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يَحْتَفِظُ بِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: لأُمِّ أَيْمَنَ- وَكَانَتْ تَحْضِنُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا بَرَكَةُ، لا تَغْفَلِي عَنِ ابْنِي، فَإِنَّنِي وَجَدْتُهُ مَعَ غِلْمَانٍ قَرِيبًا مِنَ السِّدَرَةِ فَإِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَزْعُمُونَ أَنَّ ابْنِي نَبِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لا يَأْكُلُ طَعَامًا إِلا قَالَ: عَلَيَّ بِابْنِي. فَيُؤْتَى بِهِ إِلَيْهِ. فَلَمَّا حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله وحياطته [3] .
__________
[1] في الأصل: «عبد الواحد بن حمزة عن المطلب قال» والتصحيح من ابن سعد.
[2] في الأصل: «هشام» والتصحيح من ابن سعد.
[3] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 117، 118. وألوفا لابن الجوزي برقم 139.(2/274)
وَمِنْ ذَلِكَ: خُرُوجُ عَبْد المطلب برسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم عَنْ منام رقيقة:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ الْحَافِظُ قَالا: أَخْبَرَنَا طِرَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَفْوَانَ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بن محمد القرشي قال: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الطَّائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي زحر بن حصين، عن جده حميد بن مُنْهَبٍ قَالَ: قَالَ عَمِّي عُرْوَةُ بْنُ [1] مُضَرَّسٍ.
تحدث نخرمة بن نوفل عن أمه رقيقة ابنة صفي بْنِ هَاشِمٍ وَكَانَتْ لِدَةَ عَبْدِ الْمُطَلَّبِ قَالَتْ: تَتَابَعَتْ عَلَى قُرَيْشٍ [2] سُنُونَ أَقْحَلَتِ الضَّرْعُ وَأَدَقَّتِ العظم. فبينا أنا نائمة اللَّهمّ- أَوْ مَهْمُومَةً- إِذَا هَاتِفٌ يَصْرُخُ بِصَوْتٍ حَمل يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ هَذَا النَّبِيَّ الْمَبْعُوثَ [فِيكُمْ] قَدْ أَظَلَّتْكُمْ [3] أَيَّامُهُ، وَهَذَا إِبَّانُ نُجُومِهِ فَحَيِّهَلا بِالْحَيَا وَالْخِصْبِ، أَلا فَانْظُرُوا رَجُلا مِنْكُمْ وَسِيطًا عِظَامًا جِسَامًا، أَبْيَضَ بَضًّا أَوْطَفَ الأَهْدَابِ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ، أَشْمَّ الْعَرْنَيْنِ، لَهُ فَخْرٌ يَكْظُمُ [عَلَيْهِ] [4] وَسُنَّةٌ تَهْدِي إِلَيْهِ فَلْيُخَلِّصْ [5] هُوَ وَوَلَدُهُ، وَلْيَهْبِطْ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ، فَلْيَسْنُوا مِنَ الْمَاءِ، وَلْيَمَسُّوا مِنَ الطِّيبِ، ثُمَّ لِيَسْتَلِمُوا الرُّكْنَ، ثُمَّ لِيَرْتَقُوا أَبَا قُبَيْسٍ، فَلْيَسْتَسْقِ الرَّجُلُ، وَلْيُؤْمِنِ الْقَوْمُ، فَغِثْتُمْ مَا شِئْتُمْ.
فَأَصْبَحْتُ عَلِمَ اللَّهُ مَذْعُورَةً، وَقَدِ اقْشَعَرَّ جِلْدِي وَوَلِهَ عقلي، واقتصصت رؤياي، فو الحرمة وَالْحَرَمِ مَا بَقِيَ أَبْطَحِيٌّ إِلا قَالَ: هَذَا شَيْبَةُ الْحَمْدِ.
فَتَتَامَّتْ [6] إِلَيْهِ رِجَالاتُ قُرَيْشٍ، فَهَبَطَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجَلٌ، فَسَنُوا وَمَسُّوا واستلموا، ثم ارتقوا أبا قُبَيْسَ وَطَبَّقُوا جَانِبَيْهِ فَمَا يَبْلُغُ سَعْيُهُمْ مُهْلَةً، حَتَّى إِذَا اسْتَوَوْا بِذُرْوَةِ الْجَبَلِ قَامَ عَبْدُ الْمُطَلَّبِ، وَمَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ] [7] غُلامٌ قَدْ أَيْفَعَ أَوْ كَرُبَ، فقال:
__________
[1] اختصر السند في ت.
[2] في ت: «تتابعت علينا سنون» .
[3] في ت: «أضللتكم» . وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ت: «تهدي إليها فيلتحص» .
[6] في ت: «وتامت» . وفي الأصل: «وشأمت» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت.(2/275)
«اللَّهمّ سَادَّ الْخُلَّةِ، وَكَاشِفَ الْكُرْبَةَ، أَنْتَ مُعَلِّمٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ، وَمَسْئُولٌ غَيْرُ مُبْخِلٍ، وَهَؤُلاءِ عِبَادُكَ وَإِمَاؤُكَ بِغَدْرَاتِ [1] حَرَمِكَ يَشْكُونَ إِلَيْكَ سَنَتَهُمْ، أَذْهَبَتِ الْخَفَّ وَالظِّلْفَ، اللَّهمّ فَأَمْطِرْنَا غَيْثًا [2] مُغْدِقًا مُمْرِعًا» .
فو الكعبة مَا زَالُوا حَتَّى تَفَجَّرَتِ السَّمَاءُ بِمَائِهَا وَاكْتَظَّ الْوَادِي بِثَجِيجِهِ، فَلَسَمِعْتُ شِيخَانَ [3] قُرَيْشٍ وَجُلَّتَهَا: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُدْعَانِ، وَحَرْبَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَهِشَامَ بن المغيرة، يقولون لعبد المطلب: هَنِيئًا لَكَ أَبَا الْبَطْحَاءِ.
أَيْ: عَاشَ بِكَ أَهْلُ الْبَطْحَاءِ. وَفِي ذَلِكَ [4] تَقُولُ رَقِيقَةُ:
بِشَيْبَةِ الْحَمْدِ أَسْقَى اللَّهُ بَلْدَتَنَا ... لَمَّا فَقَدْنَا الْحَيَا وَاجْلَوَّذَ الْمَطَرُ
فَجَادَ بِالْمَاءِ جُونِيٌّ لَهُ سُبُلٌ ... سَحًّا فَعَاشَتْ بِهِ الأَنْعَامُ وَالشَّجَرُ
[مَنْاً مِنَ اللَّهِ بِالْمَيْمُونِ طَائِرِهِ ... وَخَيْرِ مَنْ بَشُرَتْ يَوْمًا بِهِ مُضَرُ] [5]
مُبَارَكُ الأَمْرِ يَسْتَسْقِي الْغَمَامُ بِهِ ... مَا فِي الأَنَامِ لَهُ عَدْلٌ وَلا خَطَرٌ
[6]
ومن الحوادث هَذِهِ السنة: خروج عَبْد المطلب لتهنئة سيف بْن ذي يزن بالملك، وتبشير سيف عَبْد المطلب بأنه سيظهر رسول اللَّه من نسله:
أَنْبَأَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك قال: أخبرنا عَاصِمُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْن بشران قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسن مُحَمَّد بْن أحمد البراء قَالَ: حدثني يزيد بْن رجاء الغنوي قَالَ: حدثني أَبُو الصهباء أحمد بْن مُحَمَّد العَبْدي قَالَ: حدَّثَنِي ابن مزروع الكلبي عن أبيه قال:
__________
[1] الغدارات: جمع غدر، وهو كل موضع كثير الحجارة.
[2] في الأصل: «فأمطرت عينا» .
[3] في الأصل: «سيحان» .
[4] «وفي ذلك» مكانها بياض في ت.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] الخبر أخرجه الماوردي في أعلام النبوة، وابن الجوزي في ألوفا برقم 140.(2/276)
لما ملك سيف بْن ذي يزن أرض اليمن وقتل الحبش وأبادهم، وفدت إليه أشراف العرب ورؤساؤهم ليهنئوه بما ساق اللَّه عز وجل إليه من الظفر، ووفد [وفد] [1] قريش وكانوا خمسة من عظمائهم: عَبْد المطلب بْن هاشم، وأمية بْن عَبْد شمس، وعَبْد اللَّه بن جدعان، وخويلد بن أسد، ووهب بن عَبْد مناف بْن زهرة [2) .] فساروا حَتَّى وافوا [3] مدينة صنعاء، وسيف بْن ذي يزن نازل بقصر يسمى غمدان [4] وكان أحد [5] القصور التي بنتها الشياطين لبلقيس بأمر سليمان، فأناخ عَبْد المطلب وأصحابه، واستأذنوا عَلَى سيف فأذن لهم، فدخلوا وهو جالس عَلَى سرير من ذهب وحوله أشراف اليمن عَلَى كراسي من الذهب [6] وهو متضمخ بالعنبر، وبصيص المسك يلوح من مفارق رأسه فحيوه بتحية الملك، ووضعت لهم كراسي الذهب، فجلسوا عليها إلا عَبْد المطلب، فإنه [7] قام ماثلا بين يديه واستأذنه فِي الكلام، فقيل له: إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فتكلم.
فَقَالَ: أيها الملك، إن اللَّه قد أحلك محلا رفيعا صعبا منيعا شامخا باذخا منيفا [8] وأنبتك منبتا طابت أرومته، وعزت جرثومته، وثبت أصله، وبسق فرعه في أطيب مغرس وأعذب منبت، فأنت أيها الملك ربيع العرب الذي إليه الملاذ، وذروتها [9] الذي إليه المعاد، وسلفك لنا خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف، لن يهلك من أنت خلفه، ولن يخمل من أنت [10] سلفه، ونحن أيها الملك أهل حرم اللَّه وسدنة بيت الله، أوفدنا إليك
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ت ذكر «وهب بن عبد مناف بن زهرة» بعد أمية بن عبد شمس.
[3] في الأصل: «وفدوا» .
[4] في ت: «بعمدان» .
[5] في الأصل: «أجل» . وفي ت «إحدى» .
[6] في ت: «ذهب» .
[7] «فإنه» سقطت من ت.
[8] «صعبا منيعا شامخا باذخا منيفا» سقط من ت.
[9] في ألوفا 141: «ووردها» .
[10] «أنت» سقط من ت.(2/277)
الَّذِي أبهجنا من كشف الضر الذي فدحنا، فنحن وفد [1] التهنئة لا وفد الترزئة [2) .] فَقَالَ سيف: أنتم قريش الأباطح؟ قالوا: نعم.
قَالَ: مرحبا وأهلا، وناقة ورحلا ومناخا سهلا، وملكا سمحا يعطي عطاء جزلا، قد سمع الملك مقالتكم، وعرف فضلكم، فأنتم أهل الشرف والحمد والثناء والمجد فلكم الكرامة ما أقمتم، والحباء الواسع إذا انصرفتم.
ثم قَالَ لعَبْد المطلب: أيهم أنت؟ قَالَ: أنا عَبْد المطلب بْن هاشم. قَالَ: إياك أردت، ولك حشدت، فأنت ربيع الأنام، وسيد الأقوام، انطلقوا فانزلوا حَتَّى أدعو بكم [3) .] ثم أمر بإنزالهم وإكرامهم، فأقاموا شهرا لا يدعوهم [4] ، حَتَّى انتبه لهم ذات يوم فأرسل إِلَى عَبْد المطلب: ائتني وحدك من بين أصحابك فأتاه فوجده [5] مستخليا لا أحد عنده، فقربه حَتَّى أجلسه معه عَلَى سريره، ثم قَالَ له: يا عَبْد المطلب، إني أريد أن ألقي إليك من علمي سرا لو غيرك [يكون] [6] لم أبح به إليه، غير أني رأيتك معدنه، فليكن عندك مصونا حَتَّى يأذن اللَّه عز وجل فيه بأمره، فإن اللَّه منجز وعده، وبالغ أمره.
قَالَ عَبْد المطلب: أرشدك اللَّه أيُّها الملك.
قَالَ سيف: أنا أجد فِي الكتب الصادقة، والعلوم السابقة التي اختزناها لأنفسنا، وسترناها عَنْ غيرنا خبرا عظيما وخطرا جسيما، فيه شرف الحياة، وفخر الممات للعرب عامة، ولرهطك كافة، ولك خاصة.
فَقَالَ عَبْد المطلب: أيها الملك، لقد أبت بخير كثير ما آب به وافد، ولولا هيبة الملك وإعظامه لسألته أن يزيدني من سروره إياي سرورا.
__________
[1] في ت: «فنحن وقود» .
[2] في الأصل. وفي ت: «المرزية» .
[3] في ت: «حتى أدعوكم» .
[4] في الأصل: «يدعوا بهم» .
[5] في ت: «فأتاه ذات يوم مستخليا» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من ت، والأصل وأضفناه من ألوفا.(2/278)
فَقَالَ سيف: نبي يبعث من عقبك، ورسول من فرعك، اسمه مُحَمَّد وأحمد، وهذا زمانه الذي يولد فِيهِ، ولعله قد ولد، يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه، والله باعثه جهارا، وجاعل له أنصارًا يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه، تخمد عند مولده النيران، ويعَبْد الواحد الديان، ويزجر الكفر والطغيان، ويكسر اللات والأوثان، قوله فصل، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عَنِ المنكر ويبطله.
قَالَ عَبْد المطلب: علا كعبك، ودام فضلك، وطال عمرك، فهل الملك ساري بإفصاح وتفسير وإيضاح؟
فَقَالَ سيف: والبيت ذي الحجب، والآيات والكتب إنك يا عَبْد المطلب لجده بلا كذب [1] . فخر عَبْد المطلب ساجدا فَقَالَ: ارفع رأسك، ثلج صدرك، وطال عمرك وعلا أمرك، فهل أحسست شيئا مما ذكرت؟
قَالَ عَبْد المطلب: نعم أيها الملك، كان لي ولد كنت [به] [2] معجبا فزوجته كريمة من كرائم قومي تسمى: آمنة بنت وهب، فجاءت بغلام سميته: مُحَمَّدا وأحمد، مات أبوه وأمه، وكفلته أنا وعمه.
قَالَ: [هو] [3] هو للَّه أبوك، فاحذر عَلَيْهِ أعداءه، وإن كان اللَّه لم يجعل لهم عَلَيْهِ سبيلا، ولولا علمي بأن الموت مجتاحي قبل ظهوره لسرت بخيلي ورجلي حَتَّى أجعل مدينة يثرب [دار ملكي، فإني أجد فِي كتب آبائي أن بيثرب] [4] استتباب [5] أمره، وهم أهل دعوته ونصرته، وفيها موضع قبره، ولولا ما أجد من بلوغه الغايات، وأن أقيه آلافات، وأن أدفع عنه العاهات، لأظهرت اسمه، وأوطأت العرب عقبه وإن أعش فسأصرف ذلك إليه، قم فانصرف ومن معك من أصحابك. ثم أمر لكل رجل منهم بمائتي بعير وعشرة أعَبْد من الحبش وعشرة أرطال من الذهب، وحلتين من البرود، وأمر
__________
[1] في ت: «غير ذي كذب» . وفي ألوفا: «غير كذب» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين زيادة من ألوفا.
[4] ما بين المعقوفتين زيادة من ألوفا.
[5] في الأصل: «اسحاب» .(2/279)
لعَبْد المطلب بمثل جميع ما أمر لهم، وَقَالَ له: يا عَبْد المطلب، إذا شب مُحَمَّد وترعرع فأقدم عَليّ بخبره. ثم ودعوه وانصرفوا إِلَى مكة.
وكان عَبْد المطلب يقول: لا تغبطوني بكرامة الملك إياي دونكم، وإن كان ذلك جزيلا، وفضل إحسانه إلي، وإن كان كثيرا، اغبطوني بأمر ألقاه إلي فما فيه شرف لي ولعقبي من بعدي فكانوا يقولون له: ما هو؟ فيقول لهم: ستعرفونه بعد حين.
فمكث سيف باليمن عدة أحوال، وإنه ركب يوما كنحو ما كان يركب للصيد، وقد كان اتخذ من السودان نفرا يجهزون بين يديه بحرابهم، فعطفوا عَلَيْهِ يوما فقتلوه، وبلغ كسرى أنوشروان فرد إليها وهرز [1] وأمره أن لا يدع أسود إلا قتله [2] .
قَالَ مؤلف الكتاب: وقد روي لنا أن هَذِهِ الوفاة إِلَى ابن ذي يزن كانت فِي سنة ثلاث من مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، روينا ذلك عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [3] ، والرواية التي ذكرنا آنفا أصح، لأن فِي الروايتين يقول عَبْد المطلب: توفي أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه. وأم رسول الله لم تمت حَتَّى بلغ ست سنين
. ذكر الحوادث التي كانت فِي سنة ثمان من مولده صلى الله عليه وسلم
[4]
منها: موت عَبْد المطلب:
رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عن عبد الله بن أبي بكر قال: كَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يُوصِي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ. وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ وَعَبْدَ اللَّهِ أَبَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَا لأُمٍّ [وأب] [4] .
__________
[1] في ألوفا: «هرمز» .
[2] الخبر أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 2/ 9- 14 عن أبي زرعة بن سيف بن يزن. وكذلك أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة 52- 60. وابن كثير في البداية والنهاية 2/ 328- 330. وابن الجوزي في ألوفا برقم 141، 142.
[3] ألوفا برقم 142.
بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث التي كانت فِي سنة ثمان من مولده صلى الله عليه وسلم» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/280)
قَالَ مؤلف الكتاب: قلت [1] : وقد كان الزبير عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أمهما أيضا [2] ، لكن كفالة أبي طالب له لسبب فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: وصية عَبْد المطلب لأبي طالب.
والثاني: أنهما اقترعا فخرجت القرعة لأبي طالب.
والثالث: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم اختاره.
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي طاهر قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا ابن معروف قال: أَخْبَرَنَا الحارث بن أبي أسامة قال أخبرنا محمد بن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر بن واقد وَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه، عَنِ الزُّهْرِيِّ قال:
وحدثني عبد الله بن جعفر بْن عبد الواحد بْن حمزة بْن عَبْد اللَّه قَالَ:
وَأَخْبَرَنَا هشام بْن الأعصم الأسلمي، عَنِ المنذر بْن جهم قَالَ:
وَحَدَّثَنَا معمر عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال:
وأخبرنا عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن أبي الحويرث قَالَ:
وَأَخْبَرَنَا ابن أبي سبرة، عن سلمان بن سحيم عن نافع بن جُبَيْرٍ- دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ- قَالُوا: [3] لما حضرت عَبْد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياطته، ولما نزل [4] بعَبْد المطلب الوفاة قَالَ لنسائه ابكينني، وأنا أسمع فبكته كل واحدة منهن بشعر، فلما تسمع قول أميمة وقد أمسك لسانه جعل يحرك رأسه- أي قد صدقت، وقد كنت كذلك- وهو قولها:
أعيني جودا بدمع درر ... عَلَى طيب الخيم والمعتصر
__________
[1] «قال مؤلف الكتاب قلت» سقطت من ت.
[2] «أيضا» سقطت من ت.
[3] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا محمد بْنُ أَبِي طَاهِرٍ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بن سعد عن عبد الواحد بْن حمزة بْن عَبْد اللَّه عن عبد الله وعن نافع بن جبير وغيرهما. دخل حديثهم في حديث بعض» .
[4] في الأصل: «نزلت» .(2/281)
عَلَى ماجد الجد واري الزناد ... جميل المحيا عظيم الخطر
عَلَى شيبة الحمد ذي المكرمات ... وذي المجد والعز والمفتخر
وذي الحلم والفضل فِي النائبات ... كثير المكارم جم الفخر
له فضل مجد عَلَى قومه ... مبين يلوح كضوء القمر
أتته المنايا فلم تشوه ... بصرف الليالي وريب القدر
قَالَ: ومات عَبْد المطلب وهو يومئذ ابن اثنتين وثمانين سنة.
ويقال: ابن مائة وعشر سنين [1] .
وقيل: ابن مائة وعشرين سنة.
وسئل رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أتذكر موت عَبْد المطلب؟ قَالَ: «نعم أنا يومئذ ابن ثمان سنين» . قالت أم أيمن: رأيت رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ يبكي خلف سرير عَبْد المطلب [2] .
وقد أَنْبَأَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك قَالَ: أخبرنا عَاصِمُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْن بشران قَالَ: أَخْبَرَنَا عثمان بْن مُحَمَّد الدقاق قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْن الْبَرَاءِ [3] قَالَ:
توفي عَبْد المطلب ورسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم قد أتى عَلَيْهِ ثمانية وعشرون شهرا.
قَالَ وهذا المحفوظ من القول.
قَالَ مؤلف الكتاب [4] : والقول الأول أصح.
وتوفي عَبْد المطلب فِي ملك هرمز بْن أنوشروان، وكان قد مات قبل ذلك أنوشروان وعلى الحيرة قابوس بن المنذر.
__________
[1] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 118، 119. وألوفا الباب الخامس والثلاثون.
[2] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 119. وألوفا برقم 143.
[3] حذف السند وكتب بدلا منه: «وقد أَنْبَأَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك بإسناد له عن أبي الحسين بن البراء قال» .
[4] في ت: «قال المصنف رحمه الله» .(2/282)
ومن الحوادث [1] : كفالة أبي طالب رسول اللَّه صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قَالَ.
وَأَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بن إسماعيل بن أبي حبيبة- دخل حديث بَعْضُهُمْ فِي [حَدِيثِ] [2] بَعْضٍ- قَالُوا [3] :
لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ قَبَضَ أَبُو طَالِبٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ فَكَانَ يَكُونُ معه [4] ، وكان أبو طالب لا مَالَ لَهُ، وَكَانَ يُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا لا يُحِبُّهُ وَلَدَهُ [5] ، وَكَانَ لا يَنَامُ إِلا إِلَى جَنْبِهِ، وَيَخْرُجُ فَيَخْرُجُ مَعَهُ، وَصُبَّ بِهِ أَبُو طَالِبٍ صَبَابَةً لَمْ يُصَبَّ مِثْلَهَا بِشَيْءٍ قَطُّ، وَقَدْ كَانَ [6] يَخُصُّهُ بِالطَّعَامِ، وَإِذَا أَكَلَ عِيَالُ أَبِي طَالِبٍ جَمِيعًا أَوْ فُرَادَى لَمْ يَشْبَعُوا، وَإِذَا أَكَلَ مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبِعُوا، فَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يغذيهم قَالَ: كَمَا أَنْتُمْ حَتَّى يَحْضُرَ ابْنِي، فَيَأْتِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْكُلُ مَعَهُمْ، فَكَانُوا يُفْضِلُونَ مِنْ طَعَامِهِمْ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ لَمْ يَشْبَعُوا، فَيَقُولُ أَبُو طَالِبٍ: إِنَّكَ لَمُبَارَكٌ! وَكَانَ الصِّبْيَانُ يُصْبِحُونَ رُمْصًا شُعْثًا، وَيُصْبِحُ [7] رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دهينا كحيلا [8] .
__________
[1] «ومن الحوادث» بياض مكانها في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل زدناها من ابن سعد لحاجة السياق لها.
[3] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي» .
أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ بإسناد له عن ابن سعد ... » ثم أكمل السند كما هو بالأصل.
[4] «إليه فكان يكون معه» سقط من ت.
[5] في ت: «لا يحبه ولده مثله» وما أثبتناه ما في الأصل وهو موافق لما في ابن سعد.
[6] في ت وابن سعد: «وكان» .
[7] «يصبح» سقطت من ت.
[8] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 119، 120. وألوفا 147. وهو أيضا في البداية والنهاية (فصل رضاعه وما ظهر عليه من البركات) .(2/283)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عن عمرو بن سعيد قال:
كَانَ أَبُو طَالِبٍ تُلْقَى لَهُ وِسَادَةٌ يَقْعُدُ عليها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ غُلامٌ فَقَعَدَ عَلَيْهَا، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: وَإِلَهِ رَبِيعَةَ، إِنَّ ابْنَ أَخِي لَيَحْسُنُ بِنَعِيمٍ [1] .
قَالَ مُحَمَّد بْن سعد: وَأَخْبَرَنَا إِسْحَاق الأزرق قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن عون، عَنْ عمرو بْن سَعِيد: أن أبا طالب قَالَ: كنت بذي المجاز، ومعي ابن أخي- يعني النّبي صلى الله عليه وسلم- فأدركني العطش، فشكوت إليه، فقلت: يا ابن أخي قد أدركني العطش. وما قلت له [ذاك] [2] وأنا أدري أن عنده شيئا إلا الجزع، قَالَ: فثنى وركه، ثم نزل فَقَالَ: يا عم أعطشت؟ قَالَ: قلت:
نعم: فأهوى بعقبه إِلَى الأرض، فإذا بالماء فَقَالَ: اشرب يا عم فشربت [3] . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الله بن أبي سبرة، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
حَدَّثَتْنِي أُمُّ أَيْمَنَ قَالَتْ: كَانَ بِبُوَانَةَ [4] صَنَمٌ تَحْضُرُهُ قُرَيْشٌ وَتُعَظِّمُهُ، وَتَنْسِكُ لَهُ النَّسَائِكَ، وَيَحْلِقُونَ رُءُوسَهُمْ عِنْدَهُ، وَيَعْكِفُونَ عِنْدَهُ يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ، وَذَلِكَ يَوْمًا فِي السَّنَةِ، فَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يَحْضُرُهُ مَعَ قَوْمِهِ [5] ، وَكَانَ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الْعِيدَ مَعَ قَوْمِهِ، فَيَأْبَى رَسُولُ الله ذَلِكَ، حَتَّى رَأَيْتُ أَبَا طَالِبٍ غَضِبَ [عَلَيْهِ،] [6] وَرَأَيْتُ عَمَّاتِهِ غَضِبْنَ عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ أَشَدَّ الْغَضَبِ [7] ، وَجَعَلْنَ يَقُلْنَ: [إِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ مِمَّا تَصْنَعُ من اجتناب آلهتنا،] [8]
__________
[1] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 120. وألوفا 148.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من ابن سعد 1/ 152.
[3] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 152، 153. وألوفا برقم 149.
[4] في ت: «بداره» .
[5] في الأصل: «يحضر مع قومه» وما أثبتناه من ت وابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين زيادة من ابن سعد.
[7] في الأصل: «غضبن عليه أشد الغضب يومئذ» .
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت.(2/284)
وَجَعَلْنَ يَقُلْنَ: مَا تُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ تَحْضُرَ لِقَوْمِكَ عِيدًا، وَلا تُكَثِّرَ لَهُمْ جَمْعًا [1] . قَالَتْ:
فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُمْ، فَغَابَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا مَرْعُوبًا فَقَالَتْ لَهُ عَمَّاتُهُ [2] : مَا دَهَاكَ؟ قَالَ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ بِي لَمَمٌ. فَقُلْنَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَبْتَلِيَكَ بِالشَّيْطَانِ وَفِيكَ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ مَا فِيكَ [فَمَا الَّذِي رَأَيْتَ؟] [3] قَالَ: إِنِّي كُلَّمَا دَنَوْتُ مِنْ صَنَمٍ مِنْهَا تَمَثَّلَ لِي رَجُلٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ يَصِيحُ بِي: وَرَاءَكَ يَا مُحَمَّدُ، لا تَمَسَّهُ! قَالَتْ فَمَا عاد إلى عيد لهم [4] حتى تنبأ صلى الله عليه وسلم [5]
. ومن الحوادث: هلاك حاتم الطائي [6]
وهو: حاتم بْن عَبْد اللَّه بْن سعد بْن الحشرج بْن امرئ القيس، وأمه: غنية بنت عفيف، من طيِّئ، ويكنى: أبا سفانة، وهي ابنته، وأبا عدي.
وسفانة هي التي أتت رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فقالت: هلك الوالد ومات الوافد [7] .
وكان شاعرا جوادا، إذا سئل أعطى [8] ووهب، وإذا غنم انهب، ومر فِي سفر له عَلَى عيره وفيهم أسير، فاستغاث به وما حضره فكاكه. فَقَالَ: أسأت إلي حين [9] فوهت باسمي، وما أنا ببلاد قومي، وليس [10] عندي ما أفديك به. ثم اشتراه وخلاه، وأقام مكانه في القيد [11] حتى أتي بفدائه.
__________
[1] «جمعا» سقطت من ت.
[2] في الأصل، ت: «فقلن عماته» . وما أثبتناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «لنا» .
[5] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 158.
[6] بياض مكان: «ومن الحوادث: هلاك حاتم الطائي» . وذلك في النسخة ت.
[7] في ت: «وغاب الوافد» .
[8] «أعطى» سقطت من ت.
[9] «حين» سقطت من ت.
[10] في ت: «وما» .
[11] في الأصل: «في القد» .(2/285)
وقسم ماله بضع عشرة مرة، وكان له قدور عظام بفنائه عَلَى الأثافي لا تزل، فإذا أهل رجب نحر كل يوم، وأطعم، فكان أبوه جعله فِي إبل له وهو غلام، فمر به عبيدة بْن الأبرص وبشر بْن أبي حازم والنابغة الذبياني يريدون النعمان، فقالوا: هل من قرى؟
فَقَالَ: تسألون عَنِ القراء وأنتم ترون الإبل والعنز [1] فنحر لكل رجل منهم بعيرا ولم يعرفهم، ثم سألهم عَنْ أسمائهم فتسموا له، ففرق الإبل [2] فيهم والغنم، وبلغ ذلك أباه فجاءه [3] فَقَالَ: ما فعلت الإبل؟ قَالَ: يا أبه طوقتك مجد الدهر طوق الحمامة.
وحدثه بما [4] صنع. قَالَ: إذن لا أساكنك. قَالَ إذن لا أبالي، فاعثر له.
وَقَالَ حاتم يذكر قول أبيه فيه [5] :
وإني لعف الصبر [6] مشترك الغنى ... تروك لشكل لا يوافقه شكلي
ولي نيقة فِي البذل والجود لم يكن ... تأنقها فيمن مضى أحد قبلي
وما ضرني أن سار سعد بأهله ... وخلفني فِي الدار ليس معي أهلي
فما من كريم غاله الدهر مرة ... فيذكرها إلا تردد فِي البذل
وما من بخيل غاله الدهر مرة ... فيذكرها إلا تردد فِي البخل
أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن علي المقري، والحسن بن أحمد بن محبوب قَالا: أَخْبَرَنَا طَرَّادُ بْن مُحَمَّد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين بْن بشران قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ محمد بن جعفر الحودي قال: أخبرنا أبو بكر القرشي قال: حدثني عمر بْن بكير، عَنْ أبي عَبْد الرحمن الطائي، عن ملحان بن عركر بْن حلبس الطائي، عَنْ أبيه، عَنْ جده- وكان أخا عدي بْن حاتم لأمه [7]- قَالَ:
__________
[1] في ت: «والغنم» .
[2] في ت: «ففرق فيهم الإبل» .
[3] «فجاءه» سقطت من ت.
[4] في الأصل «ما صنع» .
[5] في ت: «تحول أبيه عنه» .
[6] في ت: «الفقر» .
[7] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا عبد الله بن علي المقري بإسناده عن ابن أبي الدنيا قال» ثم أكمل السند كما هو بالأصل.(2/286)
قيل لنوار امرأة حاتم: حدثينا عَنْ حاتم.
قالت: كل أمره كان عجبا أصابتنا [1] سنة خصت كل شَيْء. قَالَ: فاقشعرت لها الأرض، واغبرت لها السماء، وضنت المراضع عَلَى أولادها، وراحت الإبل ما تبض بقطرة، وأنا لفي ليلة صنبرة [2] بعيدة ما بين الطرفين، إذ تضاغى الصبية [3] من الجوع:
عَبْد اللَّه، وعدي، وسفّانة، فو الله إن وجدنا شيئا نعللهم به فقام إِلَى أحد الصبيين فحمله، فقمت إِلَى الصبية فعللتها، فو الله إن سكتا إلا بعد هدأة من الليل، ثم عدنا إِلَى الصبي الآخر فعللناه حَتَّى سكت، وما كاد ثُمَّ افترشنا قطيفة لنا شامية ذات خمل فأضجعنا [4] الصبيان عليها ونمت أنا وهو فِي حجرة والصبيان بيننا [5] ، ثم أقبل علي يعللني لأنام [6] وعرفت ما يريد، فتناومت. فقال: ما لك، أنمت [7] ؟ فسكت. فَقَالَ:
ما أراها إلا قد نامت [8] وما بي من نوم [9] ، فلما ادلهم الليل، وتهورت النجوم، وهدأت الأصوات، وسكنت الرجل [10] إذا جانب البيت [11] قد رفع، فَقَالَ: من هَذَا؟ فولى حتى إذا قلت قد أسحرنا أو كدنا عاد فَقَالَ: من هَذَا. قالت: جارتك فلانة يا أبا عدي ما وجدت عَلَى أحد معولا غيرك [12] ، أتيتك من عند صبية يعوون عواء الذئب من الجوع.
قَالَ: اعجليهم [علي] [13] قالت: النوار، فوثبت فقلت: ماذا صنعت، فو الله لقد تضاغى أصبيتك فما وجدت ما تعللهم به، فكيف بهذه وبولدها؟! فَقَالَ: اسكتي، والله
__________
[1] في ت: «اثنتا» .
[2] في ت: «مطيرة» وفي البداية والنهاية: «صنّبر» .
[3] في ت: «الاحبية» .
[4] في ت: «فأضحت الصبيان عليها» .
[5] في ت: «والصبيان فينا» .
[6] في ت: «يعللني لأيام» .
[7] في ت: «نمت» .
[8] في الأصل: «ها جدت» .
[9] في ت: «النوم» .
[10] في ت: «الرجال» .
[11] في ت: «الخباء» .
[12] في ت: «على أحد مقولا عليك» .
[13] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/287)
لأشبعنك وإياهم إن شاء اللَّه قالت: فأقبلت تحمل اثنين وتمشي جنبتيها أربعة، كأنها نعامة حولها رئالها. قالت: فقام إِلَى فرسه فوجأها بحربته فِي لبته، ثم قدح زنده وأورى ناره، ثم جاء بمدية فكشط عَنْ جلده، ثم دفع المدية إِلَى المرأة ثم قَالَ: دونك، ثم قَالَ: ابعثي صبيانك. فبعثتهم، ثم قَالَ: سوءة، أتأكلون شيئا [1] دون أهل الصرم، فجعل يطيف بهم حَتَّى هبوا، فأقبلوا عَلَيْهِ [فقسمه فيهم وأعطانيه] [2] والتفع فِي ثوبه، ثم اضطجع ناحية ينظر إلينا [لا والله ما ذاق منه مزعة، ولأنه أحوج إليه منهم] [3] ، فأصبحنا وما عَلَى الأرض منه إلا عظم أو حافر [4] .
قَالَ أَبُو عَبْد الرحمن الصرم الأبيات العشر أو ونحوها ينزلون فِي جانب.
فصل [5]
وكانت أم حاتم لا تدخر شيئا سخاء وكرما، وكان إخوتها يمنعونها من ذلك، وتأبى فحبسوها فِي بيت [6] سنة يرزقونها فيه شيئا معلوما، فلما ذاقت طعم البؤس وأخرجوها فأعطوها صرمة من مالها فأتتها امرأة فسألتها، فقالت: دونك الصرمة، فقد والله مسني من الجوع ما آليت معه أن لا أمنع سائلا [7]
. ومن الحوادث أيضا فِي سنة ثمان من مولده صلى الله عليه وسلم [8] : موت كسرى أنوشروان، وولاية ابنه هرمز:
__________
[1] «شيئا» سقطت من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، والبداية والنهاية.
و «التفع في ثوبه» سقطت من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في ت: «منه لا عظم ولا حافر» .
الخبر أخرجه ابن كثير من البداية والنهاية 2/ 213- 214 من طريق ابن أبي الدنيا.
[5] بياض في ت مكان: «فصل» .
[6] في الأصل: «ويحبسونها في البيت» .
[7] الخبر في البداية والنهاية 2/ 216.
[8] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث أيضا فِي سنة ثمان من مولده صلى الله عليه وسلم» .(2/288)
فإنه مات فِي سنة ثمان من مولد نبينا صلى الله عليه وسلم، وولي ابنه هرمز [1] فكان يحسن إِلَى الضعفاء [2] ، ويؤثر العدل، فكان إذا سافر نادى مناديه فِي الجند: أن تحاموا مواضع الحرث. فكانوا يضبطون دوابهم عَنِ الفساد فيها [3] ، حَتَّى إن ابنه أبرويز كان معه فِي سفر قعا مركوبه فوقع فِي حرث، فأفسد، فأمر هرمز أن يجدع أذنيه، ويبتر ذنبه، ويغرم ابنه ما أفسد الفرس. ففعلوا ذَلِكَ.
ومر بعض أصحابه بكرم فأخذ عناقيد حصرم، فاستغاث صاحب الكرم، فخاف عقوبة هرمز، فدفع إليه منطقة محلاة [ذهبا] ليسكت [عنه] [4] ، ورأى قبوله ذلك منة عَلَيْهِ.
وكان هرمز يميل عَلَى أهل الشرف والبيوتات، فقتل منهم ثلاثة عشر ألفا وستمائة رجل وقصّر بالأساورة، وأسقط كثيرا من العظماء [فتغيروا عَلَيْهِ] [5] وكان قد عزل يزن عَنِ اليمن، واستعمل مكانه المروزان، فخالفه أهل جبل يقال له الصانع، فامتنعوا من حمل الخراج إليه، فأقبل نحوهم، فإذا خيل لا يطمع فِي دخوله إلا من باب واحد، يمنع ذلك الباب رجل واحد يصعد جبل يحاذيه، وبين رأس الجبلين قريب إلا أنه لا يطمع فيه، فضرب فرسه فوثب المضيق [6] ، فإذا هو عَلَى رأس الحصن، فقالوا: هَذَا شيطان فقتل وسبى [7]
. ومن الحوادث: فِي سنة تسع من مولده صلى الله عليه وسلم [8] : انزعاج هرمز بكثرة من يقصده ويعاديه:
وَفِي رواية: أن أبا طالب خرج برسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم [إِلَى بصرى] [9] وهو ابن تسع.
__________
[1] «هرمز» سقطت من ت.
[2] في ت: «فكان يحسن الضعفاء» .
[3] «فيها» سقط من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] «فوثب المضيق» سقط من ت.
[7] «فقتل وسبى» سقط من ت. انظر تاريخ الطبري 2/ 172- 176.
[8] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث فِي سنة تسع من مولده صلى الله عليه وسلم» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/289)
ومن الحوادث: فِي سنة عشر من مولده صلى الله عليه وسلم
[1] :
الفجار الأول:
وكانت الحرب فيه ثلاثة أيام، وكان أول أمر الفجار ابن بدر بْن معشر الغفاريّ كان منيعا مستطيلا بمنعته عَلَى من ورد عكاظ فاتخذ مجلسا بسوق عكاظ، وقعد فيه، وجعل يبذخ عَلَى الناس ويقول:
نحن بنو مدركة بْن خندف ... من يضعوا فِي عينه لا يطرف
وهو باسط رجله وجعل يقول: أنا أعز العرب، فمن زعم أنه أعز العرب فليضربها بالسيف [2] . فوثب رجل من بني نصر بْن معاوية يقال له [3] : الأحمر بْن مازن، فضربه بالسيف عَلَى ركبته، فأندرها ثم قَالَ:
خذها إليك أيها المخندف
ثم قام رجل من هوازن فَقَالَ:
نحن ضربنا ركبة المخندف ... إذ مدها فِي أشهر المعرف
ثم كان اليوم الثاني من الفجار الأول:
وكان سببه ذلك: أن شبابا من قريش من بني كنانة رأوا امرأة من بني عامر وسيمة جالسة بسوق عكاظ فِي درع، فأطافوا بها وسألوها أن تسفر فأبت، فقام أحدهم فجلس خلفها، وحل طرف درعها وشده إِلَى ما فوق عجزها بشوكة، فلما قامت انكشف درعها عَنْ دبرها، فضحكوا وَقَالُوا: منعتينا النظر إِلَى وجهك وجدت لنا بالنظر إِلَى دبرك.
فنادت: يا آل عامر. فتنادوا [4] بالسلاح وحملت كنانة [5] ، فاقتتلوا قتالا شديدا ووقعت
__________
[1] بياض من ت مكان: «ومن الحوادث فِي سنة عشر من مولده صلى الله عليه وسلم» .
[2] في ت: «أعز مني فلينه بها» .
[3] في ت: «و» .
[4] في ت: «فثارت» .
[5] «وحملت كنانة» سقطت من ت.(2/290)
بينهم دماء، فتوسطها حرب بْن أمية وأرضى بني عامر من مثلة [1] صاحبتهم
. ثم كان اليوم الثالث من أيام الفجار الأول:
وكان سببه: أنه كان لرجل من بني جشم بْن بكر دين عَلَى رجل من بني كنانة.
فلواه [2] به، فجرت بينهما خصومة، واجتمع الحيان، فاقتتلوا، وحمل ابن جدعان ذلك من ماله [3]
. ومن الحوادث سنة إحدى عشرة من مولده صلى الله عليه وآله وسلم [4] .
أخبرنا ابن الحصين قال، أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُذْهِبِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أحمد قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَبُو يَحْيَى الْبَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ مُعَاذِ بْنِ أبي كعب:
إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ جَرِيئًا عَلَى أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْيَاءَ لا يَسْأَلُهُ عَنْهَا غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَوَّلُ مَا رَأَيْتَ مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ؟
فَاسْتَوَى جَالِسًا وَقَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنِّي لَفِي صَحْرَاءٍ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ وَأَشْهُرَ، فَإِذَا بِكَلامٍ فَوْقَ رَأْسِي، وَإِذَا بِرَجُلٍ يَقُولُ لِرَجُلٍ: أَهُوَ هُوَ؟ فَاسْتَقْبَلانِي بِوُجُوهٍ لَمْ أَرَهَا بِخَلْقٍ قَطُّ، وَأَرْوَاحٍ لَمْ أَجِدْهَا مِنْ خَلْقٍ قَطُّ، وَثِيَابٍ لَمْ أَرَهَا عَلَى أَحَدٍ قَطُّ [5] ، فَأَقْبَلا إِلَيَّ يَمْشِيَانِ حَتَّى إِذَا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَضُدِي، لا أَجِدُ لأَحَدِهِمَا مَسًّا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَضْجِعْهُ، فَأَضْجَعَانِي بِلا قَصْرٍ وَلا هَصْرٍ [6] ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لصاحبه:
__________
[1] في ت: «وشد صاحبهم» .
[2] في ت: «فقتله» .
[3] «من ماله» سقط من ت.
انظر ألوفا لابن الجوزي، الباب الثامن والثلاثون، وقال ابن الجوزي: «وهذه الأيام لم يحضرها صلى الله عليه وسلم» .
[4] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث سنة إحدى عشرة من مولده صلى الله عليه وسلم» .
[5] «قط» سقطت من ت.
[6] في ت: «بلا قشر ولا حصر» .(2/291)
أَفْرِقْ صَدْرَهُ فَجَرَى [1] أَحَدُهُمَا إِلَى صَدْرِي، فَفَرَقَهُ [2] فِيمَا أَرَى بِلا دَمٍ وَلا وَجَعٍ، فَقَالَ لَهُ: أَخْرِجِ الْغِلَّ وَالْحَسَدَ فَأَخْرَجَ شَيْئًا كَرَضَّةِ الْعَلَقَةِ، ثُمَّ نَبَذَهَا فَطَرَحَهَا، فَقَالَ لَهُ: أَدْخِلِ الرَّأْفَةَ وَالرَّحْمَةَ، فَإِذَا مِثْلَ الَّذِي أَخْرَجَ شِبْهَ الْفِضَّةِ، ثُمَّ هَزَّ إِبْهَامَ رِجْلِي الْيُمْنَى فَقَالَ: اغْدُ وَاسْلَمْ، فَرَجَعْتُ بِهَا أَغْدُو رَأْفَةً [3] عَلَى الصغير ورحمة الْكَبِيرِ.
ومن الحوادث التي كانت فِي سنة ثلاث عشرة من مولده [4] صلى الله عليه وآله وسلم [عزم أبو طالب أن يسافر برسول الله صلى الله عليه وسلم معه إِلَى بصرى وتهيأ لذلك] [5]
قَالَ مؤلف الكتاب [6] : لما أتت له اثنتا عشرة سنة وشهران وعشرة أيام ارتحل به أَبُو طَالِبٍ إلى الشام.
فروى ابن إِسْحَاق، عَنْ عَبْد اللَّه بْن أبي بكر قَالَ:
لما تهيأ أَبُو طَالِبٍ للخروج إِلَى الشام أصب به رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فرق له أَبُو طَالِبٍ، وَقَالَ: والله لأخرجن به معي ولا يفارقني ولا أفارقه أبدا، فخرج به معه، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له بحيرا وهو [7] فِي صومعة [له] [8] ، وكان ذا علم فِي النصرانية [9] ، ولم يزل فِي تلك الصومعة راهبا، إليه يصير علمهم عَنْ كتاب- فيما يزعمون-[أنهم] [10] يتوارثونه كابرا عن كابر.
__________
[1] في الأصل: «فحدى» . وفي ت: «أفلق صده» .
[2] في ت: «ففلقه» .
[3] في ت: «أغدو رقة» .
[4] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث التي كانت في سنة ثلاثة عشر من مولده صلى الله عليه وسلم» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] بياض في ت مكان: «قال مؤلف الكتاب» .
[7] «وهو» سقطت من ت.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[9] في ت: «من النصرانية» .
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/292)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي [الْبَزَّازُ] [1] قَالَ: أخبرنا الحسين بن علي الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بْن عمر قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن صالح، وعبد الله بْن جعفر الزهري.
قَالَ مُحَمَّد بْن عمر: وَأَخْبَرَنَا ابن أبي حبيبة، عَنْ داود بْن الحصين قَالَ: لما خرج أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشام وخرج معه رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فِي المرة الأولى وهو ابن اثنتي عشرة سنة، فلما نزل الركب بصرى من الشام وبها راهب يقال له بحيرا فِي صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون معه [2] فِي تلك الصومعة يتوارثونها عَنْ كتاب يدرسونه قَالَ [3] : فلما نزلوا ببحيرا، وكان كثيرا ما يمرون به لا يكلمهم، حَتَّى إذا كان ذلك العام، ونزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا، فصنع لهم طعاما، ثم دعاهم، وإنما حمله عَلَى دعائهم أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بين القوم، حَتَّى نزلوا تحت الشجرة، ثم نظر إِلَى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة، واحتضنت أغصان الشجرة عَلَى النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم حين استظل تحتها، فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته، وأمر بذلك الطعام، فأتي به، فأرسل إليهم فَقَالَ: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروه كلكم ولا تخلفوا منكم صغيرا ولا كبيرا، حرا ولا عَبْدا فإن هَذَا شَيْء تكرمونني به.
فَقَالَ رجل: إن لك لشأنا يا بحيرا، ما كنت تصنع بنا هَذَا، فما شأنك اليوم؟! قَالَ: فإني أحببت أن أكرمكم، ولكم حق. فاجتمعوا إليه وتخلف رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم- لحداثة سنه، لأنه ليس فِي القوم أصغر سنا منه-[فِي رحالهم تحت الشجرة] [4] ، فلما نظر بحيرا إِلَى القوم فلم ير الصفة التي يعرف ويجدها عنده وجعل
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وكتب على هامش ت.
[2] «معه» سقطت من ت.
[3] «قال» سقطت من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/293)
ينظر فلا يرى الغمامة عَلَى أحد من القوم، ويراها متخلفة عَلَى رأس [الشجرة عَلَى] [1] رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بحيرا: يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم [2] عَنْ طعامي.
قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنا فِي رحالهم. فَقَالَ: ادعوه فليحضر طعامي، فما أقبح أن تحضروا طعامي ويتخلف رجل واحد، مع أني أراه من أنفسكم.
فَقَالَ القوم: هو أوسطنا نسبا، وهو ابن أخي هَذَا الرجل- يعنون أبا طالب- وهو من ولد عَبْد المطلب.
فَقَالَ [الحارث بْن عَبْد المطلب:] [3] والله إن كان بنا للوم أن يتخلف ابن عَبْد المطلب من [4] بيننا ثُمَّ قام إليه واحتضنه وأقبل به حَتَّى أجلسه عَلَى الطعام، والغمامة تسير عَلَى رأسه، وجعل بحيرا يلحظه لحظا شديدا، وينظر إِلَى أشياء فِي جسده قد كان [5] يجدها عنده من صفته، فلما تفرقوا عَنْ طعامهم قام إليه الراهب فَقَالَ: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى ألا أخبرتني عما أسألك؟
فَقَالَ رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تسألني باللات والعزّى، فو الله ما أبغضت شيئا بغضهما» .
قَالَ: فباللَّه ألا أخبرتني عما أسألك عنه؟ قَالَ: سلني عما بدا لك. فجعل يسأله [عَنْ أشياء] [6] من حاله حتى نومه، فجعل رسول الله يخبره فيوافق ذلك ما عنده، ثم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في ت: «لا يتخلفن منكم أحدا» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في ت: «أن يتخلف عنا ابن عبد المطلب» .
[5] في ت: «وينظر من جسده شيئا كان» .
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/294)
جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عَنْ ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه عَلَى موضع الصفّة التي عنده، فقبل موضع الخاتم.
فقالت قريش: إن لمُحَمَّد عند هَذَا الراهب لقدرا. وجعل أَبُو طَالِبٍ لما يرى من [أمر] [1] الراهب يخاف عَلَى ابن أخيه.
فَقَالَ الراهب لأبي طالب: ما هَذَا الغلام منك؟ قَالَ أَبُو طَالِبٍ: ابني [2] قَالَ: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا [قَالَ: فابن أخي] [3] قَالَ: فما فعل أبوه؟ قَالَ: هلك وأمه حبلى. قَالَ: فما فعلت أمه؟ قَالَ: توفيت قريبا. قَالَ: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت [4] ليبغنه عنتا، فإنه كائن لابن أخيك هَذَا شأن عظيم نجده فِي كتبنا، وما روينا عَنْ آبائنا، واعلم أني قد أديت إليك النصيحة.
فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعا وكان رجال من يهود [5] قد رأوا رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، وعرفوا صفته، وأرادوا أن يغتالوه [6] ، فذهبوا إِلَى بحيرا، فذاكروه أمره، فنهاهم أشد النهي، وَقَالَ لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم، قَالَ: فما لكم إليه سبيل.
فصدقوه وتركوه، ورجع به أَبُو طَالِبٍ، فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] «ابني» سقطت من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في ت: «ما عرفت» .
[5] في ت: «وذلك أن رجال من اليهود» .
[6] في ت: «أن يقاتلوه» .
[7] ألوفا لابن الجوزي برقم 150. والطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 153- 155.(2/295)
ذكر الحوادث فِي سنة أربع عشرة من مولده صلى اللَّه عَلَيْهِ وعلى آله وصحبه وسلم [1]
[منها الفجار الأخير] [2] :
قَالَ مؤلف الكتاب [3] : وكان هَذَا الفجار بين هوازن وقريش، وحضره رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وله أربع عشرة سنة، وَقَالَ: «كنت أنبل عَلَى أعمامي يوم الفجار» يعني: كنت أناولهم النبل [4] .
وقد روي: أن هَذِهِ الحرب كانت ولرسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم عشرون سنة [عَنْ عَبْد اللَّه بْن يزيد الهذلي] [5] .
وإنما سمي الفجار لأن بني كنانة وهوازن استحلوا الحرم ففجروا [6] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن أبي طاهر البزاز قَالَ: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو طاهر عمر بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حَدَّثَنَا الضحاك بْن عثمان قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن عمر بن واقد قال: حدثني الضحاك بْن عثمان عَنْ إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الرحمن بْن عَبْد اللَّه بْن أبي ربيعة.
قَالَ: مُحَمَّد بْن عمر: وَأَخْبَرَنَا موسى بْن مُحَمَّد بْن عمرو، أَخْبَرَنَا موسى بْن مُحَمَّد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال.
__________
[1] بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث فِي سنة أربع عشرة من مولده صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم،
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
وفي ت زيادة: «وكان هذا الفجار الأخير» . ثم ضرب عليها بالقلم.
[3] «قال مؤلف الكتاب» سقط من ت.
[4] السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 186، وفيه: «أي أردّ عليهم نبل عدوهم إذا رموهم بها» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 186.(2/296)
وَأَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن يزيد الهذلي، عَنْ يعقوب بْن عتبة الأخنسي قَالَ: وغير هَؤُلاءِ أيضا قد حدَّثَنِي ببعض هَذَا الحديث قالوا [1] :
كان سبب حرب الفجار [2] أن النعمان بْن المنذر بعث بلطيمة له إِلَى سوق عكاظ [للتجارة] وأجارها له الرحال [3] عروة بْن عتبة بْن جعفر بْن كلاب، فنزلوا عَلَى ماء يقال له: أوارة، فوثب البراض بْن قيس أحد بني بكر بْن عَبْد مناة بْن كنانة- وكان خليعا- عَلَى عروة فقتله، وهرب إِلَى خيبر واستخفى [4] بها، ولقي بشر بْن أبي حازم الأسدي الشاعر فأخبره الخبر، وأمره أن يعلم ذلك عَبْد اللَّه بْن جدعان، وهشام بْن المغيرة، وحرب بْن أمية، ونوفل بن معاوية، [وبلعاء بْن قيس] [5] فوافى عكاظ فأخبرهم، فخرجوا موائلين [6] منكشفين إِلَى الحرم، وبلغ قيسا الخبر آخر ذلك اليوم، فَقَالَ أَبُو براء: ما كنا من قريش إلا فِي خدعة، فخرجوا فِي آثارهم، فأدركوهم وقد دخلوا الحرم، فناداهم رجل من بني عامر يقال له: الأدرم بأعلى صوته: إن ميعاد ما بيننا وبينكم هَذِهِ الليالي من قابل.
ولم يقم تلك السنة سوق عكاظ فمكثت قريش وغيرها من كنانة وأسد بن خزيمة، ومن لحق بهم من الأحابيش يتأهبون لهذه الحرب، ثم حضروا من قابل ورؤساء قريش:
عَبْد اللَّه بْن جدعان، وهشام بْن المغيرة وحرب بْن أمية، وأبو أحيحة سعيد بن العاص،
__________
[1] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا أبي بكر بن طَاهِرٍ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ ... » ثم أكمل السند بعد ذلك كما في الأصل.
[2] «الحديث قالوا: كان سبب حرب الفجار» . ساقط من ت وبدلا منها كتب «الحرب» فتكون العبارة في ت: «قد حدثني ببعض هذا الحرب أن النعمان ... » .
[3] في ت: «وأجارها ومن الرجال عروة ... » .
وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ت: «واختفى» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأضفناه من ابن سعد.
[6] في الأصل: «متوالين» .(2/297)
وعتبة بْن ربيعة، والعاص بْن وائل، ومعمر [1] بْن حبيب الجمحي، وعكرمة بْن عامر [2] ابن هشام، ويقال: بل أمرهم إِلَى عَبْد اللَّه بْن جدعان.
وكان فِي قيس: أَبُو براء عامر بْن مالك بْن جعفر، وسبيع بْن ربيعة ودريد بْن الصمة ومسعود بْن معتب، وعوف بْن أبي حارثة فهؤلاء الرؤساء.
ويقال: بل أمرهم جميعا إِلَى أبي براء، وكانت الراية بيده وهو سوى صفوفهم، فالتقوا وكانت الدبرة أول النهار لقيس عَلَى قريش وكنانة ومن انضوى إليهم، ثم صارت الدبرة آخر النهار لقريش وكنانة عَلَى قيس، فقتلوهم قتلا [3] ذريعا، حَتَّى نادى عتبة بْن ربيعة يومئذ وإنه لشاب ما كملت له ثلاثون سنة إِلَى الصلح، فاصطلحوا عَلَى أن عدوا القتلى وودت قريش لقيس ما قتلت، وانصرفت قريش.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكر الفجار فَقَالَ: «قد حضرته مع عمومتي ورميت فيه بأسهم وما أحبّ إني لم أكن فعلت» فكان يوم حضر ابن عشرين سنة [4] .
قَالَ مؤلف الكتاب [5] : هكذا روي لنا، والأول أصح
. ذكر الحوادث فِي سنة خمس عشرة من مولده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[6] فِي هَذِهِ السَّنَةِ: قامت سوق عكاظ، وهي سوق كانوا يبيعون فيها ويشترون.
وقد روي أن قس بْن ساعدة الأيادي كان يقف بسوق عكاظ ويعظ الناس، وكان خطيبا [بليغا] [7] وشاعرا حكيما. ويقال: إنه أول من علا عَلَى شرف وخطب عليه،
__________
[1] في ت: «عمر بن حبيب» وما أثبتناه من الأصل وابن سعد.
[2] في الأصل، ت: «عامر بن عكرمة» والتصحيح من ابن سعد.
[3] في ت: «فقتلوا قتالا ذريعا» .
[4] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 126- 128.
[5] «قال مؤلف الكتاب» سقط من ت.
[6] بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث فِي سنة خمس عشرة من مولده صلى الله عليه وسلم» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/298)
وأول من قَالَ فِي كلامه «أما بعد» وأول من أتكأ عند خطبته عَلَى سيف أو عصا، ورآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعكاظ.
وقد روينا من حديثه [1] من طرق، ولكن ليس فيها ما يثبت [2] .
فمنها: ما روى أبو صالح عن ابن عباس قال: لما قدم وفد أياد عَلَى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «ما فعل قس بْن ساعدة؟» قالوا: مات. قَالَ: «كأني أنظر إليه بسوق عكاظ عَلَى جمل له أورق [3] ، وهو يتكلم بكلام له حلاوة، ما أجدني أحفظه» . فَقَالَ رجل من القوم: أنا أحفظه، سمعته يقول: أيها النَّاس، احفظوا وعوا [4] من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، ليل داج، وسماء ذات أبراج، وبحار تزخر، ونجوم تزهر، وضوء وظلام، وبر وآثام، ومطعم وملبس، ومشرب ومركب، ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا، وإله قس ما عَلَى وجه الأرض دين أفضل من دين قد أظلكم زمانه، وأدرككم أوانه، فطوبى لمن أدركه وأتبعه، وويل لمن خالفه، ثم إنه أنشأ وجعل [5] يقول:
فِي الذاهبين الأولين ... من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا للموت ... ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها يمضي [6] ... الأكابر والأصاغر
لا يرجع الماضي إلي ... ولا من الباقين غابر
[أيقنت أني لا محالة ... حيث صار القوم صائر] [7]
سكنوا البيوت فوطنوا ... إن البيوت هي المقابر
[8]
__________
[1] في الأصل: «روينا من حديثه» والتصحيح من ت.
[2] في ت: «ليس فيها ثبت» .
[3] في ت: «حمل أورق» .
[4] «سمعته يقول: أيها الناس احفظوا وعوا» سقطت من ت.
[5] في ت: «ثم أنشأ يقول» .
[6] في الأصل: «ورأيت يمضي نحوها الأكابر والأصاغر» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[8] «سكنوا البيوت فوطنوا إن البيوت هي المقابر» سقط من ت.(2/299)
فَقَالَ النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: «يرحم اللَّه قسا، إني لأرجو أن يبعثه اللَّه يوم القيامة أمة وحده» .
فَقَالَ رجل: يا رسول اللَّه، لقد رأيت من قس عجبا قَالَ: «وما رأيت؟» قَالَ: بينا أنا بجبل يقال لَهُ سمعان فِي يوم شديد الحر، إذا أنا بقس تحت ظل شجرة عندها [1] عين ماء وحوله سباع، كلما زأر سبع منها عَلَى صاحبه ضربه بيده وَقَالَ: كف حَتَّى يشرب الذي ورد قبلك. ففرقت، فَقَالَ: لا تخف، وإذا بقبرين بينهما مسجد، فقلت له: ما هذان القبران؟ فَقَالَ: هذان قبرا أخوين كانا لي، فاتخذت بينهما مسجدا أعَبْد اللَّه فيه [2] حَتَّى ألحق بهما، ثم ذكر أيامهما ثم أنشأ يقول:
[خليلي هبا طالما قد رقدتما ... أجدكما لا تقضيان كراكما] [3]
جرى النوم بين الجلد والعظم منكما ... كأن الذي يسقي العقار سقاكما [4]
ألم تريا أني بسمعان مفرد ... وما لي فيه من خليل سواكما
أقيم عَلَى قبريكما لست بارحا ... طوال الليالي أو يجيب صداكما
كأنكما والموت أقرب غاية ... بجسمي من قبريكما قد أتاكما
فلو جعلت نفس لنفس وقاية ... لجدت بنفسي أن تكون فداكما
[سأبكيكما طول الحياة وما الذي ... يرد عَلَى ذي عولة إن بكاكما]
[5] فَقَالَ النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: «رحم الله قسا» [6]
__________
[1] «عندها» سقطت من ت.
[2] «فيه» سقطت من ت.
[3] هذا البيت ساقط من الأصل.
[4] هذا البيت ساقط من ت.
[5] هذا البيت ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «درفسا» .
هذه القصة أخرجها البيهقي من دلائل النبوة 2/ 101- 113 من طرق عدة وقال: «وقد روي من وجه آخر عن الحسن البصري منقطعا، وروي مختصرا من حديث سعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وإذا روي حديث من أوجه وإن كان بعضها ضعيفا- دل على أن للحديث أصلا والله أعلم» .
وأورده ابن كثير في البداية والنهاية وقال: «هذه الطرق على ضعفها كالمتعاضدة على إثبات أصل القصة» .
وقال الحافظ في الإصابة: «طرقه كلها ضعيفة» .
وأورده المصنف غلطا في الموضوعات، فالخبر كما نرى ضعيف.(2/300)
وقد روي [1] أن هَذِهِ الأبيات لعيسى بْن قدامة الأسدي، وأنه كان له نديمان فماتا، فكان يجلس عند القبرين وهما براوند فِي موضع يقال له: حراف، ونصب عَلَى القبرين حَتَّى يقضي وطره، ثُمَّ ينصرف وينشد هَذِهِ الأبيات، وفيها زيادة وهي:
خليلي هبا طال ما قد رقدتما ... أجدكما ما تقضيان كراكما
ألم تعلما ما لي براوند كلها ... ولا بخراق من صديق سواكما
أقيم علي قبريكما لست بارحا ... طوال الليالي أو يجيب صداكما
جرى النوم مجرى اللحم والعظم منكما ... كأن الذي يسقي العقار سقاكما
فأي أخ يجفو أخا بعد موته ... فلست الذي من بعد موت جفاكما
أصب عَلَى قبريكما من مدامة ... فإلا تذوقا أرو منها ثراكما
لطول منام لا تجيبان داعيا ... خليلي ما هَذَا الذي قد دهاكما
قضيت بأني لا محالة هالك ... وأني سيعروني الذي قد عراكما
سأبكيكما طول الحياة وما الذي ... يرد عَلَى ذي عول إن بكاكما
ومن الحوادث في سنة ست عشرة من مولده صلى الله عليه وآله وسلم [2] فمن ذلك [3] : تهيؤ الخوارج من كل وجه على هرمز بن كسرى [أنوشروان] .
ومن الحوادث سنة سبع عشرة من مولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قَالَ مؤلفه [4] : خرج فِي هَذِهِ السنة [5] ملك الترك واسمه، شابة على هرمز بن
__________
[1] من هنا حتى نهاية أحداث السنة ساقط من ت.
[2] بياض في ت مكان «ومن الحوادث في سنة ست عشرة من مولده صلى الله عليه وسلم» .
[3] في ت: «في هذه السنة» .
[4] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث سنة سبع عشرة من مولده صلى الله عليه وسلم. قال مؤلفه» .
[5] في ت: «أن في هذه السنة خرج» .(2/301)
كسرى، حَتَّى صار إِلَى هراة فِي ثلاث مائة ألف مُقَاتِل، وخرج [1] ملك الروم عَلَيْهِ فصار إِلَى الضواحي فِي ثمانين ألف مُقَاتِل.
وخرج ملك الجزر فِي جمع عظيم.
وخرج رجلان من العرب يقال لأحدهما عباس الأحول [2] والآخر عمرو الأزرق، فنزلا في جمع عظيم من العرب [عَلَى] [3] شاطئ الفرات، وشنوا الغارة عَلَى أهل السواد، واجترأ أعداء هرمز عَلَيْهِ، وغزوا بلاده، وأرسل شابة ملك الترك إِلَى هرمز يؤذنه بإقباله، ويقول: رموا القناطر لأجتاز عليها إِلَى بلادكم، وافعلوا ذلك فِي الأنهار التي عليها مسلكي [من بلادكم] [4] إلى بلاد الروم، لأني أريد أن أسير من بلادكم إليها.
فاستعظم هرمز ما ورد عَلَيْهِ من ذلك، وشاور فيه، فأجمع رأيه عَلَى القصد إِلَى ملك الترك، فوجه إليه رجلا يقال له: بهرام فِي اثنى عشر ألف رجل، وعرض هرمز من بحضرته، فكانوا سبعين ألف مُقَاتِل [5] ، فمضى بهرام بمن معه معدا حَتَّى جاز هراة، ونزل بالقرب من ملك الترك وجرت بينهم وسائل وحروب، فقتل بهرام شابة برمية منه [6] واستباح عسكره، ووجه ابنه أسيرا إِلَى هرمز مع أموال وجواهر [7] وآنية وأمتعة كانت وقر مائتي ألف وخمسين ألف بعير، فشكر هرمز بهرام بسبب الغنائم التي صارت إليه، وخاف بهرام وجنوده سطوة هرمز فخلعوا هرمز وأقبلوا نحو المدائن وأظهروا الامتعاض مما كان من هرمز، وأن ابنه أبرويز أصلح للملك منه، وساعدهم عَلَى ذلك جماعة ممن كان بحضرة [8] هرمز، فهرب أبرويز بهذا السبب إِلَى أذربيجان خوفا من هرمز [9] فاجتمع
__________
[1] في ت زيادة: عليه.
[2] في الأصل: «الأول» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت: «مقاتلين» .
[6] في الأصل: «برمية رماه» .
[7] «مع أموال وجواهر» سقط من ت.
[8] من أول: «وأن ابنه أبرويز أصلح ... » حتى «ممن كان بحضرة» سقط من ت.
[9] «خوفا من هرمز» سقطت من ت.(2/302)
إِلَيْهِ هناك عدة من المرازبة والأصبهبذين، فأعطوه بيعتهم، ووثب العظماء والأشراف بالمدائن فخلعوا هرمز وسملوا [1] عينيه وتركوه.
وبلغ الخبر أبرويز، فأقبل بمن شايعه من أذربيجان إِلَى دار الملك مسابقا [2] لبهرام، فاستولى عَلَى الملك وتحرز من بهرام، والتقى هو وهو عَلَى شاطئ النهروان، فجرت بينهما مناظرة ودعا أبرويز بهرام إِلَى أن يؤمنه، ويرفع مرتبته، فلم يقبل ذلك، وجرت بينهما حروب شديدة اضطرت [3] أبرويز إِلَى الهرب إِلَى الروم مستغيثا بملكها [4]
. ذكر الحوادث فِي سنة ثمان عشرة من مولده صلى الله عليه وسلم
[5] وصول أبرويز بْن هرمز إِلَى ملك الروم مستغيثا، فقبله وزوجه ابنته، وكان هرمز حينئذ مخلوعا مسمول العينين [6]
. ومن الحوادث فِي سنة تسع عشرة من مولده صلى الله عليه وسلم [7]
هلاك هرمز بْن كسرى، فإنهم قتلوه بعد خلعه، وكانت ولايته إحدى عشرة سنة وسبعة أشهر، وعشرة أيام [8] .
وَقَالَ هشام بْن مُحَمَّد: كانت ولايته اثنتي عشرة [سنة] [9] .
وفيها: ولي ابنه أبرويز وكان يسمى كسرى أيضا، وكان من أشدّ ملوكهم بطشا
__________
[1] سمل عينه: فقأهما بحديدة محماة.
[2] في الأصل: «مسابقة» .
[3] في ت: «حروب شديدة حتى عمد» .
[4] تاريخ الطبري 2/ 174- 175.
[5] بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث فِي سنة ثمان عشرة من مولده صلى الله عليه وسلم» .
[6] تاريخ الطبري 2/ 175- 176.
[7] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث فِي سنة تسع عشرة من مولده صلى الله عليه وسلم» .
[8] تاريخ الطبري 2/ 176.
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/303)
[وأنفذهم رأيا] [1] وأبعدهم غورا، وبلغ من النجدة والظفر، وجمع الأموال ما لم يتهيأ لملك أكثر منه، ولذلك سمي أبرويز، وتفسيره بالعربية: «المظفر» .
واجتمع له تسعمائة وخمسون [2] فيلا واتري الذكورة عَلَى الإناث، ووضعت عنده فيلة وهي لا تتلاقح بالعراق، فكان أحد الناس قامة وأبرعهم جمالا لا يحمله إلا فيل، وكان قد استوحش من أبيه هرمز، وخاف [3] فهرب إِلَى أذربيجان، فبايعه جماعة ممن كان هناك، ثم وثب قوم على أبيه هرمز فسملوه، فقدم أبرويز، فتولى وتوج بتاج الملك وجلس عَلَى سريره وَقَالَ: إن ملتنا إيثار [4] البر، ومن رأينا أن نعمل بالخير [5] ، وأن جدنا كسرى بْن قباذ كان لكم بمنزلة الوالد، وأن هرمز أبانا [6] كان قاضيا عادلا، فعليكم [7] بلزوم السمع والطاعة.
فلما كان فِي اليوم الثالث أتى أباه فسجد له، وَقَالَ: عمرك اللَّه أيها الملك! إنك تعلم أني بريء مما أتى إليك [8] المنافقون، وأني إنما تواريت ولحقت بأذربيجان خوفا من إقدامك عَلَى قتلي. فصدقه هرمز، وَقَالَ له: إن لي [إليك] [9] يا بني حاجتين:
إحداهما: أن تنتقم لي ممن عاون عَلَى خلعي والسمل لعيني، ولا تأخذك فيهم رأفة، والأخرى: أن تؤنسني كل يوم بثلاثة نفر لهم إصابة رأي، [وتأذن لهم] [10] فِي الدخول علي [11] فتواضع له أبرويز وقال: عمّرك الله أيها الملك، إن المارق بهرام قد أظلنا ومعه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في ت: «وعشرون» .
[3] «وخاف» سقطت من ت.
[4] في ت: «إن ملتنا إتيان البر» .
[5] في ت: «أن العمل بالحسنى» .
وفي الطبري: «أن العمل بالخير» .
[6] في ت: «وأن أبا هرمز» .
[7] «فعليكم» سقطت من ت.
[8] «بريء مما أتى» سقط من ت.
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[11] في ت: «عليك» .(2/304)
النّجدة، ولسنا نقدر أن نمد يدا إِلَى من آتى إليك بما آتى [1] فإن أدالني اللَّه عَلَى المنافق، فأنا خليفتك، وطوع يدك.
ثم أقبل بهرام نحو المدائن، فخرج إليه أبرويز فالتقيا، فَقَالَ له أبرويز: إنك يا بهرام ركن لمملكتنا وسناد لرعيتنا، وقد رأينا أن نختار لك [2] يوما صالحا لنوليك فيه أصبهبذة بلاد الفرس جميعا. فَقَالَ له بهرام: لكني أختار لك يوما أصلبك فيه.
فاغتاظ أبرويز، ولم يظهر عَلَيْهِ أثر ذلك، وتفرقا عَلَى الاستجاشة، ثم خاف من بهرام فأحرز نساءه، وشخص إِلَى ملك الروم، فلما خرج بأصحابه من المدائن [3] خافوا من بهرام أن يرد هرمز إِلَى الملك ويكتب إِلَى ملك [الروم] [4] عنه فِي ردهم فيتلفوا، فأعلموا أبرويز وسألوه الإذن [5] فِي إتلاف هرمز فلم يحر جوابا [فانصرفوا] [6] فأتلفوه خنقا، ثم رجعوا إِلَى أبرويز وَقَالُوا: سر عَلَى خير طائر. فساروا ولحقهم خيل [7] بهرام عند دير، فقال رجل مع أبرويز: أعطني بزتك وأخرج بمن معك، فلبسها واطلع من فوق الدير يوهمهم أنه أبرويز، وَقَالَ: أنظرونا إِلَى غد ليصير فِي أيديكم سلما. فأمسكوا وسار أبرويز حَتَّى أتى أنطاكية، وكاتب موريق ملك الروم [8] وسأله نصرته، فأجابه وبعث إليه أخاه فِي ستين ألف مُقَاتِل.
فأما بهرام فإنه دخل دور الملك بالمدائن، وقعد عَلَى سرير الملك وتتوج، وانقاد له الناس [9] خوفا منه.
__________
[1] في ت تكررت العبارة التالية: «المنافقون، وإنما تواريت ولحقت بأذربيجان خوفا من إقدامك عَلَى» وقد سبقت.
[2] «لك» سقطت من ت.
[3] «من المدائن» سقطت من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت، والطبري: «واستأذنوه» .
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] في الأصل: «ولحقهم خير بهرام» .
[8] في الأصل: «وكانت أصل دار ملك الروم» .
[9] في ت: «الأمم» .(2/305)
وأما أبرويز فإنه اجتمع إليه خلق كثير فسار بهم وخرج إليه بهرام، وجرت بينهم حروب شديدة وتبارزوا، فأخذ أبرويز رمح بهرام من يده، وضرب به رأسه حَتَّى انقصف، فاضطرب عَلَى بهرام أمره ورحل نحو الترك، وصار أبرويز إِلَى المدائن، ففرق فِي جنود الروم عشرين ألف ألف وصرفهم إِلَى ملكهم، وأقام بهرام فِي الترك مكرما عند ملكهم حَتَّى احتال له أبرويز بتوجيه رجل يقال له هرمز ووجهه بجوهر نفيس وغيره، فاحتال لخاتون امرأة الملك ولاطفها بذلك الجوهر وغيره، حَتَّى دست لبهرام من قتله، فعلم الملك فطلق زوجته [1] .
ذكر قصة شيرين [2]
وذكر أهل العلم بالسير: أن شيرين ولدت بالمدائن، وكانت يتيمة فِي منزل رجل من الأشراف، وكان أبرويز صغيرا يدخل منزل هَذَا الرجل فيلاعب شيرين ويمازحها وتمازحه، فأخذت فِي قلبه موضعا ونهاها [3] الذي هي فِي منزله عَنِ التعرض لأبرويز، ثم رآها [يوما] [4] قد أخذت من أبرويز خاتما كان [5] فِي إصبعه، فَقَالَ: ألم آمرك بترك التعرض لهذا الصبي [6] ، ولا تعرضينا للهلكة. ثم أمر بعض من يثق به أن يحملها إِلَى شاطئ الفرات ويغرقها، فحملها إِلَى شاطئ الفرات ليغرقها فقالت له: ما الذي ينفعك من غرقي؟ فَقَالَ لها: إني قد [7] حلفت لمولاي ولا بد فقالت: فما عليك أن تأتي موضعا من الفرات فيه ماء رقيق فتقذف بي فيه، وتتركني وتمضي، فإن نجوت لم أظهر ما دمت باقية لم يكن عليك شَيْء. قَالَ: أفعل ذلك. فأتى موضعا فيه الماء إِلَى الركبة، فزجها فيه وتركها تضطرب، ثم ولى [عنها] [8] لا يلتفت. ثم وافى مولاه فأخبره، وحلف له أنه
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 176- 181.
[2] في ت بياض مكان: «ذكر قصة شيرين» .
[3] في ت: «موضعا منها فيها الّذي هي ... » .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] «كان» سقطت من ت.
[6] في الأصل: «التعرض فإن لا تعرضينا» .
[7] «قد» سقطت من ت.
[8] في الأصل: «ثم ولى لا يلتفت» .(2/306)
غرقها ثم أنها خلصت [1] من الماء، فأتت بعض الديارات التي عَلَى شاطئ الفرات، فآوت إليه، وأعلمت الرهبان أنها قد وهبت نفسها للَّه تعالى، فأحسنوا إليها، فلما استقر الملك لأبرويز بعد أبيه هرمز وجه برسله إِلَى قيصر، فاجتاز الرسل بالدير، فسألت شيرين عَنْ ذلك، فأعلمت أن القوم [2] رسل أبرويز الملك، ومعهم هدايا إِلَى قيصر، وأخبروها بملكه وما آل إليه أمره، فوجهت إِلَى رئيس الرسل متنصحة له [3] تخبره أنها أمة الملك أبرويز، وسألته إيفاد رسول إليه تخبره بمكانها، ووجهت [معه] [4] بذلك الخاتم فأنفذ الرجل رسوله قاصدا إِلَى الملك يخبره [5] خبر شيرين ومكانها والخاتم، فلما ورد الرسول عَلَى أبرويز أمر للرسول بمال عظيم، وجعل له رتبة جليلة [6] ببشارته، ووجه معه بخدم ومراكب وهوادج وكساء وحلي وطيب ووصائف، حَتَّى أتوه بشيرين، فورد عَلَيْهِ من الفرح ما لم يفرح بشَيْء مثله، وكانت من أكمل النساء كمالا وجمالا وبراعة، وذكر أبرويز أنه ما جامعها قط إلا وجدها كالعذراء، وكان قد شرط عَلَى نفسه أن لا يأتي حرة ولا أمة مرة واحدة إلا أتاها قبل [ذلك] [7] ، وعهد كل واحد لصاحبه أن لا يجتمع مع أحد لباضعه، فلما هلك أبرويز أرادها شيرويه فأبت، وعرفته العهود [8] فرماها بكل معضلة [9] من الفجور، وبعث الشعراء عَلَى ذمها، فلما لج، ولم يجد عنه محيدا بعد أن غصبها جميع مالها وضياعها، فقالت: افعل ما سألت بعد أن تقضي لي ثلاث حوائج: تردّ عليّ أموالي وضياعي، وتسلم لي قتلة زوجي، وتدعو العظماء والأشراف فترقى المنبر فتبرئني مما قذفت [10] به من الفجور.
__________
[1] في ت: «تخلصت» .
[2] في ت: «أنهم» .
[3] في الأصل: «شخصة له» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت: «يعرفه» .
[6] في ت: «عظيمة» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[8] في ت: «العهد» .
[9] في ت: «بكل معضد» .
[10] في ت: «مما رميتني به» .(2/307)
ففعل ذلك، فقتلت قتلة زوجها فأفحش قتل [ووقفت ضياعها، وفرقت مالها فِي أهل الحاجة] [1] فَقَالَ لَهَا: هل بقيت لك حاجة؟ فقالت: نعم، إن الملك أودعني وديعة وجعلها أمانة فِي عنقي إن أنا تزوجت أن أردها إليه، فتأمر بفتح الناووس حَتَّى أدفعها [2] إليه. ففتح لها الناووس، فدخلت وقلعت فص خاتم فِي يدها تحته سم ساعة فمصته، ثم اعتنقت أبرويز ولفّت عليه يديها ورجليها حَتَّى ماتت، فلما أبطأت عَلَى الحواضن والخدم صاحوا بها فلم تجب، فدخلوا فوجدوها ميتة معانقة لأبرويز فأخبروا شيرويه فندم ندامة لا توصف، وجعل يأكل أصابعه على صنيعها
. ومن الحوادث فِي سنة عشرين من مولده صلى الله عليه وسلم
حرب الفجار الثاني عند بعض الرواة. وقد سبق ذكره.
ومن الحوادث هَذِهِ السنة [3] : حلف الفضول:
وحضره رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم. قاله ابن قتيبة.
سببه: أن قريشا كانت تتظالم فِي الحرم فقام عَبْد اللَّه بْن جدعان والزبير بْن عَبْد المطلب، فدعوا إِلَى التحالف عَلَى التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم، فأجابوهما، وتحالفوا فِي دار ابن جدعان [4] .
أنبأنا يحيى بن الحسين بن البناء قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال: أخبرنا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال: أخبرنا الزبير بن بكار قال:
حدثني أَبُو الحسن الأثرم، عَنْ أبي عبيدة [5] قَالَ:
كان سبب حلف الفضول أن رجلا من أهل اليمن قدم مكة ببضاعة فاشتراها رجل
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في ت: «حتى أدفع الوديعة إليه» .
[3] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث في ... » حتى « ... هذه السنة» .
[4] ألوفا لابن الجوزي، الباب التاسع والثلاثون.
[5] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أنبأنا يحيى بن البناء بإسناد له عن أبي عبيدة قال:» .(2/308)
من بني سهم فلوى الرجل بحقه، فسأله ماله فأبى عَلَيْهِ، فسأله [متاعه] [1] فأبى عَلَيْهِ، فقام على الحجر وجعل يقول [2] :
بال قصي لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدار والنفر
أقائم من بني سهم بذمتهم ... أم ذاهب فِي ضلال مال معتمر
قَالَ: وَقَالَ بعض العلماء: إن قيس بْن شبة السلمي باع متاعا من أبي بْن خلف فلواه وذهب بحقه، فاستجار برجل من بني جمح فلم يقم بجواره، فَقَالَ قيس بْن شبة [3] :
يال قصي كيف هَذَا فِي الحرم ... وحرمة البيت وأخلاقه الكرم
أظلم لا يمنع مني من ظلم
فقام العباس وأبو سفيان حَتَّى ردا عَلَيْهِ، فاجتمعت بطون من قريش فِي دار عَبْد اللَّه بْن جدعان فتحالفوا عَلَى رد المظالم بمكة وأن لا يظلم أحد إلا منعوه وأخذوا له بحقه، وكان حلفهم فِي دار عَبْد اللَّه بْن جدعان.
فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لقد شهدت حلفا فِي دار [عَبْد اللَّه] [4] بْن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به لأجبت» . فَقَالَ [قوم] [5] من قريش: هَذَا والله فضل من الحلف فسمي حلف الفضول [6] .
قَالَ الزبير: وَقَالَ آخرون: تحالفوا عَلَى مثل حلف تحالف عَلَيْهِ قوم من جرهم فِي هَذَا الأمر، أن لا يقروا ظلما ببطن مكة إلا غيروه، وأسماؤهم: الفضل بْن شراعة، والفضل بْن بضاعة، والفضل بن قضاعة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في ت: «وقال» .
[3] «بن شبة» سقطت من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] أخرجه ابن الجوزي في ألوفا برقم 153. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6/ 167. والقرطبي في تفسيره 6/ 33، 10/ 169. وابن كثير في البداية والنهاية 2/ 291.(2/309)
قَالَ مؤلف الكتاب [1] : والله أعلم أي ذلك كان.
قَالَ الزبير: وحدثني عَبْد العزيز ابن عم العنسي قَالَ:
أهل حلف الفضول [2] : بنو هاشم، وبنو المطلب، وبنو أسد بْن عَبْد العزّى، وبنو زهرة، وبنو تيم، تحالفوا بينهم باللَّه أن لا يظلم أحدا إلا كنا حمية [3] مع المظلوم عَلَى الظالم حَتَّى نأخذ لَهُ مظلمته ممن ظلمه، شريفا كان أو وضيعا [4] .
قَالَ الزبير: وحدثني إِبْرَاهِيم بْن حمزة، عَنْ جدي عَبْد اللَّه بْن مصعب، عَنْ أبيه قَالَ:
إنما سمي حلف الفضول: أنه كان فِي جرهم رجال يردون المظالم يقال لهم:
فضيل، وفضال، ومفضل، وفضل، فلذلك سمي: حلف الفضول [5] .
قَالَ: وحدثني مُحَمَّد بْن حسن، عَنْ نوفل بْن عمارة، عَنْ إِسْحَاق بْن الفضل قَالَ:
إنما سمت قريش هَذَا الحلف حلف الفضول: أن نفرا من جرهم يقال لهم:
الفضل، وفضال، والفضيل، تحالفوا عَلَى مثل ما تحالفت عَلَيْهِ هَذِهِ القبائل [6] .
قَالَ: وحدثني مُحَمَّد بْن حسن [7] ، عَنْ نصر بْن مزاحم، عَنْ معروف بْن خربوذ قَالَ:
تداعت بنو هاشم، وبنو المطلب، وأسد، وتيم فاحتلفوا عَلَى أن لا يدعوا بمكة كلها [8] ولا فِي الأحابيش مظلوما يدعوهم إِلَى نصرته إلا أنجدوه حَتَّى يردوا إليه مظلمته
__________
[1] «قال مؤلف الكتاب» سقطت من ت.
[2] في ت: «حلف أهل الفضول» .
[3] في ت، وألوفا: «جميعا» .
[4] ألوفا لابن الجوزي 156.
[5] ألوفا لابن الجوزي 157.
[6] ألوفا لابن الجوزي 158.
[7] في ت: «الحسين» .
[8] في ت: «فاحتلوا أن لا يدعوا بمكة ولا في ... » .(2/310)
أو يبلوا فِي ذلك عذرا، وكره ذلك سائر المطيبين والأحلاف بأسرهم وسموه حلف الفضول عيبا لهم، وَقَالُوا: هَذَا من فضول القول [1] ، فسمي حلف الفضول [2] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْبَاقِي قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ قال: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ [3] يَقُولُ:
كَانَ حِلْفُ الْفُضُولِ مُنْصَرَفُ قُرَيْشٍ مِنَ الْفُجَّارِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً [4] .
وأخبرني غير الضحاك [5] قَالَ: كان الفجار فِي شوال، وهذا الحلف فِي ذي القعدة، وكان أشرف حلف كان قط، وأول من دعي إليه الزبير بْن عَبْد المطلب، فاجتمعت بنو هاشم، وبنو زهرة، وتيم، فِي دار عَبْد اللَّه بْن جدعان، فصنع لهم طعاما، فتعاقدوا وتعاهدوا ليكونن مع المظلوم حَتَّى يؤدي إليه حقه ما بل بحر صوفة، وَفِي التآسي فِي المعاش، فسمت قريش ذلك الحلف: حلف الفضول [6] .
قَالَ مُحَمَّد بْن عُمَرَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بْن عَبْد اللَّه بْن عَوْفٍ، عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَاهِرٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْن مُطْعَمٍ [قَالَ:] [7] قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
__________
[1] في ألوفا: «فضول القوم» .
[2] «عيبا لهم ... حلف الفضول» سقط من ت.
[3] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بإسناد لَهُ عن محمد بن سعد بإسناد له عن حكيم بن حزام» .
[4] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 128. وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ت: «وعن الضحاك» .
[6] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 128، 129.
[7] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «عن جبير بن مطعم قال:» .
وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(2/311)
«مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِحِلْفٍ حَضَرْتُهُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ [1] بْنِ جُدْعَانَ حُمُرُ النَّعَمِ وَلَوْ دُعِيتُ لَهُ لأَجَبْتُ وَهُوَ حِلْفُ الْفُضُولِ» [2] .
[قَالَ مُحَمَّد بْن سعد] [3] قَالَ ابن عمر: ولا يعلم أحد سبق بني هاشم بهذا الحلف [4]
. ومن الحوادث من هَذِهِ السنة [5] :
أَنْبَأَنَا عبد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا عاصم بن الحسين قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن بْن بشران قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبَرَاءِ قَالَ: سَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ عَنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآله وَأَزْوَاجِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَى وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةٍ إِلَى عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: «إِنِّي مُنْذُ لَيَالٍ يَأْتِينِي آَتٍ مَعَهُ صَاحِبَانِ فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ وَيَقُولُونَ: هُوَ هُوَ وَلَمْ يَأْنِ لَهُ. فَإِذَا كَانَ رَأْيُكَ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ سَاكِتٌ فَقَدْ هَالَنِي ذَلِكَ» .
فَقَالَ: يَا بْنَ أَخِي، لَيْسَ بِشَيْءٍ حَلِمْتُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «يَا عَمُّ، سَطَا بِي الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَوْفِي حَتَّى إِنِّي لأَجِدُ بَرْدَهَا» .
فَخَرَجَ بِهِ عَمُّهُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَتَطَبَّبُ بِمَكَّةَ، فَحَدَّثَهُ، وَقَالَ: عَالِجْهُ.
فَصَوِّبْ بِهِ، وَصَعَدَ وكشف عَنْ قَدَمَيْهِ، وَكَشَفَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَقَالَ: يَا عَبْدَ مَنَافٍ، ابْنُكَ هَذَا طَيِّبٌ طَيِّبٌ، لِلْخَيْرِ فِيهِ عَلامَاتٌ، إِنْ ظَفَرَتْ بِهِ يَهُودٌ قَتَلَتْهُ، وَلَيْسَ الَّذِي يَرَى مِنَ الشَّيْطَانِ، وَلَكِنَّهُ مِنَ النَّوَامِيسِ الَّذِينَ يَتَجَسَّسُونَ الْقُلُوبَ لِلنُّبُوَّةِ.
فَرَجَعَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا أَحْسَسْتُ حِسًّا مَا شَاءَ اللَّهُ، حَتَّى رَأَيْتُ فِي مَنَامِي رَجُلا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مِنْكَبِي، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ: قلب طيب في جسد
__________
[1] «عبد الله» سقطت من ت.
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 129 بأطول من هذا.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «إلى الحلف» .
[5] من هنا إلى نهاية أحداث السنة سقط من ت.(2/312)
طَيِّبٍ. ثُمَّ رَدَّهُ، فَاسْتَيْقَظْتُ» قَالَ: «ثُمَّ رَأَيْتُ وَأَنَا نَائِمٌ سَقْفَ الْبَيْتِ الَّذِي أنا فِيهِ نُزِعَتْ مِنْهُ خَشَبَةٌ، وَأُدْخِلَ سُلَّمٌ فِضَّةٌ، وَنَزَلَ مِنْهُ رَجُلانِ، أَحَدُهُمَا جَانِبًا وَالآَخَرُ إِلَى جَنْبِي، فَنَزَعَ ضِلْعَ جَنْبِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَ قَلْبِي، فَقَالَ: نِعْمَ الْقَلْبُ قَلْبُهُ، قَلْبُ رَجُلٍ صَالِحٍ، وَنَبِيٍّ مُبَلِّغٍ، ثُمَّ رَدَّا قَلْبِيَ إِلَى مَكَانِهِ وَضِلْعِي، ثُمَّ صَعَدَا وَالسَّقْفُ عَلَى حَالِهِ، فَشَكَوْتُ إِلَى خَدِيجَةَ فَقَالَتْ: لا يَصْنَعُ اللَّهُ بِكَ إِلا خَيْرًا» . قَالَ مؤلف الكتاب: وسنة إحدى، واثنتين، وثلاث وأربع لم يجز ما يكتب قاسقطته [1]
. ذكر الحوادث التي كانت فِي سنة خمس وعشرين من مولده صلى الله عليه وسلم [2] فمن ذلك: «خروجه إِلَى الشام فِي المرة الثانية [3] فِي تجارة لخديجة وتزويجه بها رضي اللَّه عنها.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ [4] الْبَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ [5] الجوهري قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف الخشاب قال:
أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ [6] قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ، عَنْ عُمَيْرَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُمِّ سَعْدٍ بِنْتِ سعد بن الرّبيع، عن نفيسة بنت منية أُخْتِ يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ قَالَتْ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً قَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: أَنَا رجل فقير [7] لا مال لِي، وَقَدِ اشْتَدَّ الزَّمَانُ عَلَيْنَا، وَهَذِهِ عِيرُ قَوْمِكَ قَدْ حَضَرَ خُرُوجُهَا إِلَى الشَّامِ، وَخَدِيجَةُ
__________
[1] إلى هنا الساقط من ت.
[2] بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث التي كانت فِي سنة خمس وعشرين من مولده صلى الله عليه وسلم» .
[3] «إلى الشام في المرة الثانية» سقط من ت.
[4] في ت: «أخبرنا محمد بن أبي طاهر» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «محمد بن عمرو» .
[7] «فقير» ليس في ت ولا ابن سعد.(2/313)
بِنْتُ خُوَيْلِدَ تَبْعَثُ رِجَالا مِنْ قَوْمِكَ فِي عِيرَاتِهَا [1] ، فَلَوْ جِئْتَهَا فَعَرَضْتَ نَفْسَكَ عَلَيْهَا لأَسْرَعَتْ إِلَيْكَ، فَبَلَغَ خَدِيجَةَ مَا كَانَ مِنْ مُحَاوَرَةِ عَمِّهِ لَهُ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَقَالَت: أنا أعطيك ضعف ما أعطي رَجُلا مِنْ قَوْمِكَ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: هَذَا رِزْقٌ قَدْ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ، فَخَرَجَ مَعَ غُلامِهَا مَيْسَرَةَ، وَجَعَلَ عُمُومَتُهُ يُوصُونَ بِهِ أَهْلَ الْعِيرِ حَتَّى قَدِمَا بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَنَزَلا فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فَقَالَ نَسْطُورُ الرَّاهِبُ: مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ قَطُّ إِلا نَبِيٌّ، ثُمَّ قَالَ لِمَيْسَرَةَ: أَفِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، لا تُفَارِقُهُ. قَالَ: هُوَ نَبِيٌّ، وَهُوَ آخِرُ الأَنْبِيَاءِ. ثُمَّ بَاعَ سِلْعَتَهُ، فَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ تَلاحٍ فَقَالَ لَهُ: احْلِفْ بِاللاتِ وَالْعُزَّى.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا حَلَفْتُ بِهِمَا قَطُّ،. وَإِنِّي لأَمُرُّ فَأُعْرِضُ [2] عَنْهُمَا» فَقَالَ الرَّجُلُ: الْقَوْلُ قَوْلُكَ، ثُمَّ قَالَ لِمَيْسَرَةَ: هَذَا وَاللَّهِ نَبِيٌّ تَجِدُهُ أَحْبَارُنَا [3] مَنْعُوتًا فِي كُتُبِهِمْ، وَكَانَ مَيْسَرَةُ إِذَا كَانَتِ الْهَاجِرَةُ، وَاشْتَدَّ الْحَرُّ يَرَى مَلَكَيْنِ يُظِلانِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّمْسِ، فَوَعَى ذَلِكَ كُلَّهُ مَيْسَرَةُ، وَبَاعُوا تِجَارَتَهُمْ وَرَبِحُوا ضِعْفَ مَا كَانُوا يَرْبَحُونَ، وَدَخَلَ مَكَّةَ فِي [4] سَاعَةِ الظَّهِيرَةِ، وَخَدِيجَةُ فِي عُلَيَّةٍ لَهَا فَرَأَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَمَلَكَانِ يُظِلانِ عَلَيْهِ، فَأَرَتْهُ نِسَاءَهَا فَعَجِبْنَ لِذَلِكَ، وَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَبَّرَهَا بِمَا رَبِحُوا فِي تِجَارَتِهِمْ وَوَجْهِهِمْ، فَسُرَّتْ بِذَلِكَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا مَيْسَرَةُ أَخْبَرَتْهُ بِمَا رَأَتْ فَقَالَ: قد رأيت [5] هذا منذ خرجنا من الشَّامَ، وَأَخْبَرَهَا بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ نَسْطُورُ، وَبِمَا قَالَ الآخَرُ الَّذِي خَالَفَهُ فِي الْبَيْعِ.
وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةٌ حَازِمَةٌ جَادَّةٌ شَرِيفَةٌ، مَعَ مَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَا مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْخَيْرِ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ أَوْسَطُ قُرَيْشٍ نَسَبًا، وَأَعْظَمُهُمْ شَرَفًا وَأَكْثَرُهُمْ مَالا، وَكُلُّ قَوْمِهَا [6] كَانَ حَرِيصًا عَلَى نِكَاحِهَا لو قدر على ذلك، قد طلبوا [ذلك] [7]
__________
[1] في الأصل: «يتجرون» .
[2] في ت: «لأمر بهما فأعرض» .
[3] في الأصل: «تجده في أخبارنا» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في ت: «وكل قريش» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. وكذلك ليس في ابن سعد.(2/314)
وبذلوا الأموال، فأرسلتني دسيسا إلى محمد صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنْ رَجَعَ مِنَ الشَّامِ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزَوَّجَ؟ قَالَ: مَا بِيَدِي مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ. قُلْتُ: فَإِنْ كُفِيتَ ذَلِكَ وَدُعِيتَ إِلَى الْجَمَالِ وَالْمَالِ وَالشَّرَفِ وَالْكَفَاءَةِ أَلا تُجِيبَ؟ قَالَ: فَمَنْ هِيَ؟ قُلْتُ: خَدِيجَةَ. قَالَ:
وَكَيْفَ لِي بِذَلِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: عَلَيَّ قَالَ: افْعَلْ، فَذَهَبْتُ فَأَخْبَرْتُهَا فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنِ ائْتِ السَّاعَةَ كَذَا وَكَذَا. فَأَرْسَلَتْ إِلَى عَمِّهَا عَمْرِو بْنِ أَسَدٍ لِيُزَوِّجَهَا. فَحَضَرَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمُومَتِهِ، فتزوّجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ بِنْتُ أَرْبَعِينَ سَنَةً [1] . وَقَدِ روى قوم [2] : أن خديجة سقت أباها الخمر فلما صحا ندم.
قَالَ الواقدي: هَذَا غلط والصحيح عندنا المحفوظ عند أهل العلم [3] أن عمها زوجها، وأن أباها مات قبل الفجار.
وذكر ابن فارس: أن أبا طالب خطب يومئذ فَقَالَ:
الحمد للَّه الذي جعلنا من ذرية إِبْرَاهِيم، وزرع إسماعيل، وضئضئ [4] معد، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة [5] بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوبا، وحرما آمنا، وجعلنا الحكام عَلَى الناس. ثم إن ابن أخي هَذَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه لا يوزن به رجل إلا رجح به، وإن كان فِي المال قل فإن المال ظل [6] زائل، وأمر حائل، ومُحَمَّد من قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي، وهو والله بعد هَذَا له نبأ عظيم، وخطر جليل.
فتزوجها رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، وكانت خديجة [7] قد ذكرت أول ما ذكرت للأزواج
__________
[1] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 129- 132. وألوفا لابن الجوزي رقم 171، 172.
[2] «قوم» سقطت من ت.
[3] في الأصل: «أهل النقل» وما أثبتناه من ت وابن سعد.
[4] الضئضئ: الأصل.
[5] في ألوفا: «سدنة» .
[6] في ألوفا: «حال زائد» .
[7] «وكانت خديجة» سقطت من ت.(2/315)
لورقة بْن نوفل، فلم يقض بينهما نكاح، فتزوجها أَبُو هالة، واسمه: هند، وقيل:
مالك بن النباش [1] ، فولدت له هند وهالة و [هما] [2] ذكران، ثم خلف عليها بعده عتيق بْن عائذ المخزومي، فولدت له جارية اسمها: هند.
وبعضهم يقدم عتيقا عَلَى أبي هالة ثم تزوجها رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابن إِسْحَاق: فولدت له ولده كلهم إلا إِبْرَاهِيم: زينب ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، والقاسم وبه كان يكنى، والطاهر، والطيب. وهلك هَؤُلاءِ الذكور فِي الجاهلية، وأدرك الإناث الْإسْلَام فأسلمن وهاجرن معه.
وَقَالَ غيره [3] : الطيب والطاهر: لقبان لعبد الله، وولد فِي الإسلام.
وأما منزل خديجة فإنه يعرف بها اليوم، اشتراه معاوية فيما ذكر، فجعله مسجدا يصلي فِيهِ الناس وبناه عَلَى الذي هو عَلَيْهِ اليوم، ولم يغيره.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [4] قَالَ:
كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ وُلِدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ: الْقَاسِمُ، وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى، ثُمَّ وُلِدَ لَهُ زَيْنَبُ، ثُمَّ رُقَيَّةُ، ثُمَّ فَاطِمَةُ، ثُمَّ أُمُّ كُلْثُومٍ، ثُمَّ وُلِدَ لَهُ فِي الإِسْلامِ عَبْدُ اللَّهِ فَسُمِّيَ الطَّيِّبُ وَالطَّاهِرُ، وَأُمُّهُمْ جَمِيعًا خَدِيجَةُ بِنْتُ [خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ] [5] ، وَأُمُّهَا فاطمة بنت زائدة بن الأَصَمِّ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ مَاتَ مِنْ وَلَدِهِ: القاسم، ثم
__________
[1] في الأصل: «الياس» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ت: «وقال بعضهم» .
[4] حذف السند، وكتب بدلا منه: «أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بإسناد لَهُ عن محمد بن سعد» ثم أكل باقي السند كما هو بالأصل.
[5] ما بين المعقوفتين زيادة من ابن سعد، و «خويلد» من ت.(2/316)
مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بِمَكَّةَ، فَقَالَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ: قَدِ انْقَطَعَ وَلَدُهُ فَهُوَ أَبْتَرُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ 108: 3 [1] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَاتَ الْقَاسِمُ وَهُوَ ابْنُ سَنَتَيْنِ [2] .
وَقَالَ مُحَمَّد بْن عمر: وكانت سلمى مولاة صفية بنت عَبْد المطلب تقبل خديجة فِي ولادها [3] ، وكانت تعق عَنْ كل غلام شاتين، وعن الجارية شاة [وكان] بين كل ولدين [4] لها سنة، وكانت تسترضع لهم، وتعد ذلك قبل ولادتها [5]
. ذكر الحوادث فِي سنة اثنتين وثلاثين من مولده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم [6]
فيها: خلعت الروم ملكها واسمه [7] موريق، وملكوا مكانه فوقا، ثم قتلوه، وأبادوا ورثته [8] سوى ابن له هرب إِلَى كسرى فآواه، وتوجه. وملكه عَلَى الروم، ووجه [9] معه ثلاثة نفر من قواده من جنود كثيفة [10] ، أما أحدهم فكان يقال له: رميوزان، ووجهه [11] إِلَى بلاد الشام فدوخها حَتَّى انتهى إِلَى أرض [12] فلسطين [وورد مدينة بيت المقدس] [13]
__________
[1] سورة: الكوثر، الآية: 3 الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 133.
[2] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 133.
[3] في الأصل: «أولادها» .
[4] في الأصل: «وبين كل ولدين» . وفي ت: «وكان كل ولدين» .
[5] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 133، 134.
[6] بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث فِي سنة اثنتين وثلاثين من مولده صلى الله عليه وسلم» .
[7] «واسمه» سقطت من ت.
[8] في ت: «ذريته» .
[9] في ت: «وبعث» .
[10] في الأصل: «كثيرة» .
[11] في ت: «وذهب» .
[12] في ت: «فدوخها ثم انتهى إلى فلسطين» .
[13] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(2/317)
وأخذ أسقفها ومن كان فيها من القسيسين وسائر النصارى بخشبة الصليب، وكانت قد دفنت فِي بستان فِي تابوت من ذهب، وزرع فوقها مبقلة، فدلوه عليها، فحفر فاستخرجها، وبعث بها إِلَى كسرى فِي سنة أربع وعشرين من ملكه [1] وأما القائد الآخر: فكان يقال له شاهين، فسار حَتَّى احتوى عَلَى مصر والإسكندرية وبلاد النوبة، وبعث إِلَى كسرى بمفاتيح [مدينة] [2] إسكندرية فِي سنة ثمان وعشرين من ملكه.
وأما القائد الثالث فكان يقال له: فرهان، فإنه قصد القسطنطينية حَتَّى أناخ عَلَى ضفة الخليج القريب منها [وخيم هنالك] [3] فأمره كسرى فخرب بلاد الروم غصبا [4] مما انتهكوا من موريق [وانتقاما له منهم، ولم يخضع لابن موريق] [5] من الروم أحد، غير أنهم قتلوا فوقا، وملّكوا عليهم رجلا يقال له: هرقل فلما رأى هرقل ما فيه الروم من تخريب فارس بلادهم، وقتلهم إياهم، وسبيهم لهم، تضرع إِلَى اللَّه تعالى وسأله أن ينقذه وأهل مملكته من جنود فارس، فرأى من منامه [6] رجلا ضخم الجثة عَلَيْهِ بزة، قائما فِي ناحية، فدخل عليهما داخل، فألقى ذلك الرجل عَنْ مجلسه، وَقَالَ لهرقل: إني قد أسلمته فِي يدك. فلم يقصص رؤياه تلك فِي يقظته [7] عَلَى أحد، فرأى الثانية فِي منامه أن الرجل الذي رآه فِي نومه جالسا فِي مجلس رفيع، وأن الرجل الداخل عليهما أتاه وبيده سلسلة طويلة فألقاها فِي عنق صاحب المجلس وأمكنه منه [8] ، وقال له: ها أنا ذا قد دفعت إليك كسرى برمته فأغزه فإن شئت [9] فإنك مدال عَلَيْهِ، ونائل أمنيتك فِي غزاتك
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 181.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «حتفا» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في ت: «فرأى في المنام» .
[7] «في يقظته» سقطت من ت.
[8] «وأمكنه منه» سقطت من ت.
[9] «فإن شئت» سقطت من ت.(2/318)
فلما تتابعت عَلَيْهِ هَذِهِ الأحلام قصها عَلَى عظماء الروم وذوي الرأي منهم فأشاروا عَلَيْهِ أن يغزوه، فاستعد هرقل واستخلف ابنا له عَلَى مدينة قسطنطينية، فسار حَتَّى أوغل [1] فِي بلاد أرمينية ونزل نصيبين بعد سنة، فلما بلغ كسرى نزول هرقل فِي جنوده بنصيبين وجّه لمحاربته رجلا من قواده يقال له: راهزار فِي اثني عشر ألف فارس، وأمره [2] أن يقيم بنينوى فِي مدينة [3] الموصل عَلَى شاطئ دجلة، ويمنع الروم أن تجوزها، فنفذ راهزار لأمر كسرى وعسكر حيث أمره، فقطع هرقل دجلة فِي موضع آخر إِلَى الناحية التي كان فيها جند فارس [4] ، فأذكى راهزار عَلَيْهِ العيون، وأخبروه أنه فِي سبعين ألفا وأيقن بالعجز عنه، فكتب إِلَى كسرى يخبره بعجزه، وكتب كسرى: إنكم إن عجزتم عَنِ الروم لم تعجزوا عَنْ بذل دمائكم فِي طاعتي، فناهض الروم، فقتل ومعه ستة آلاف رجل وانهزم الباقون، فبلغ ذلك كسرى فتهيأ [5] وتحصن بالمدائن لعجزه، وسار هرقل حَتَّى قارب المدائن، فلما استعد [6] كسرى لقتاله انصرف إِلَى أرض الروم [7] .
قَالَ عكرمة [8] : كانت فِي فارس امرأة لا تلد إلا الأبطال، فدعاها كسرى، فَقَالَ:
إني أريد أن أبعث إِلَى الروم جيشا وأستعمل عليهم رجلا من بنيك فأشيري علي أيهم أستعمل. فقالت: هَذَا فرخان أنفذ من سنان، وهذا شهربراز [9] أحلم من كذا. قَالَ:
فإني قد استعملت الحليم، فاستعمل شهربراز، فسار إِلَى الروم بأرض فارس وظهر عليهم، فقتلهم وخرب مدائنهم، وقطع زيتونهم.
فلما ظهرت فارس [عَلَى الروم] [10] جلس فرخان يشرب، فَقَالَ لأصحابه: رأيت
__________
[1] في ت: «حتى دخل بلاد أرمينية» .
[2] في ت: «وآمن أن يقيم» .
[3] في ت: «شرقي مدينة» .
[4] في ت: «جند كسرى» .
[5] «فتهيأ» سقطت من ت.
[6] في ت: «فاستعد» .
[7] تاريخ الطبري 2/ 180- 183.
[8] من هنا حتى نهاية أحداث السنة سقطت من ت.
[9] في الأصل: «شهريار» والتصحيح من الطبري 2/ 185.
[10] ما بين المعقوفتين من الطبري 2/ 186.(2/319)
كأني جالس عَلَى سرير كسرى، فبلغت كسرى فكتب إِلَى شهربراز إذا أتاك كتابي هَذَا فابعث إليَّ برأس فرخان. فكتب إليه: أيها الملك إنك لن تجد مثل فرخان، إن له نكاية وصوتا فِي العدو فلا تفعل. فكتب إليه: إن فِي رجال فارس خلفا منه، فعجل علي برأسه. فراجعه، فغضب كسرى ولم يجبه، وبعث بريدا إِلَى أهل فارس: إني قد نزعت عنكم شهربراز، واستعملت عليكم فرخان. ثم دفع إِلَى البريد صحيفة أخرى صغيرة، وَقَالَ: إذا ولي فرخان الملك وانقاد له أخوه، فأعطه [هَذِهِ الصحيفة] [1] .
فلما قرأ شهربراز الكتاب، قَالَ: سمعا وطاعة، ونزل عَنْ سريره وجلس فرخان، فدفع الصحيفة إِلَيْهِ فَقَالَ: ائتوني بشهربراز فقدمه ليضرب عنقه.
فَقَالَ: لا تعجل علي حَتَّى أكتب وصيتي، قَالَ: نعم. فدعا بالسفط فأعطاه ثلاث صحائف، وَقَالَ: كل هَذَا راجعت فيك الملك، وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد! فرد الملك إِلَى أخيه، وكتب شهربراز إِلَى قيصر ملك الروم: إن لي إليك حاجة لا تحملها البرد، ولا تبلغها الصحف، فالقني، ولا تلقني إلا فِي خمسين روميا، فإني ألقاك فِي خمسين فارسيا. فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي وجعل يضع العيون بين يديه فِي الطريق، وخاف أن يكون قد مكر به، حَتَّى أتته عيونه أنه ليس معه إلا خمسون رجلا، ثم بسط لهما والتقيا فِي قبه ديباج ضربت لهما مع كل واحد منهما سكين، فدعا ترجمانا بينهما، فَقَالَ شهربراز: إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا، وإن كسرى حسدنا، فأراد أن أقتل أخي، فأبيت، ثم أمر أخي أن يقتلني، فقد خلعناه جميعا، فنحن نقاتله معك. قَالَ: قد أصبتما، ثم أسر أحدهما إِلَى صاحبه:
أن السر بين اثنين، فإذا جاوز اثنين فشا. قَالَ: أجل، فقتلا الترجمان جميعا بسكينيهما، فكان هَذَا أحد أسباب هلاك كسرى [2]
. ذكر الحوادث سنة خمس وثلاثين من مولده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[3]
فِي هَذِهِ السَّنَةِ: هدمت قريش الكعبة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل وأضفناه من الطبري 2/ 186.
[2] تاريخ الطبري 2/ 185- 186. وتفسير الطبري 2/ 13- 14.
[3] بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث سنة خمس وثلاثين من مولده صلى الله عليه وسلم» .(2/320)
قَالَ ابن إِسْحَاق: كانت الكعبة رضما [1] فوق القامة، فأرادت قريش رفعها وتسقيفها، وكان نفر من قريش وغيرهم قد سرقوا كنز الكعبة، وكان يكون فِي [بئر فِي جوف الكعبة] [2] فهدموها لذلك، وذلك فِي سنة خمس وثلاثين من مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّه [3] صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَى هشام بْن مُحَمَّد عَنْ أبيه قَالَ: كان إِبْرَاهِيم وابنه إسماعيل يليان البيت، وبعد إِسْمَاعِيل ابنه بنت، ثم مات نبت ولم يكثر ولد إسماعيل فغلبت جرهم عَلَى ولاية البيت، فَقَالَ عمرو بْن الحارث بْن مضاض من ذلك [4] :
وكنا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بذاك البيت والخير ظاهر
[5] وكان أول من ولي البيت من جرهم مضاض، ثم وليه بعده بنوه كابرا عَنْ كابر، حَتَّى بغت جرهم بمكة واستحلوا حرمتها، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى إليها، وظلموا من دخل مكة، ثُمَّ لم يتناهوا حَتَّى جعل الرجل [منهم] إذا لم يجد [6] مكانا يزني فيه دخل الكعبة فزنى.
فزعموا أن إسافا بغى بنائلة فِي جوف الكعبة فمسخا حجرين، وكانت مكة فِي الجاهلية لا ظلم فيها ولا بغي، ولا يستحل حرمتها ملك إلا هلك مكانه [7] ، فكانت تسمى: الباسة [8] ، وتسمى: بكة، كانت تبك [9] أعناق الجبابرة [10] الذين يبغون فيها، ولما
__________
[1] الرضم: أن تنضد الحجارة بعضها على بعض من غير ملاط.
وفي ت: «مبنية قوف القامة» .
[2] في الأصل: «يكون في جوفها» .
[3] في ت: «من مولده صلى الله عليه وسلم» . وانظر السيرة النبويّة 1/ 193.
[4] «في ذلك» سقط من ت.
[5] البيت في السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 115.
[6] «إذا لم يجد مكانا» سقطت من ت. وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في ت: «مكانها» .
[8] في السيرة النبويّة لابن هشام: «الناسة» . وقد قيل هذا أيضا، فالباسة: من البس وهو التفتيت.
أما الناسة: بمعنى يبس وأجدب.
[9] في ت: «تبكي» .
[10] «الجبابرة» سقطت من ت.(2/321)
لم تنته جرهم عَنْ بغيها، وتفرق أولاد عمرو بْن عامر عَنِ اليمن، فانخزع بنو حارثة بْن عَمْرو قاطنو تهامة، فسميت خزاعة، لأنهم انخزعوا، وبعث اللَّه عز وجل [1] عَلَى جرهم الرعاف والنمل، فأفناهم، فاجتمعت خزاعة ليجلوا من بقي، ورئيسهم يومئذ عمرو بْن ربيعة بْن حارثة، وأمه فهيرة بنت عامر بْن الحارث [بْن مضاض] [2] ، فاقتتلوا، فلما أحس عامر بالهزيمة خرج بغزالي الكعبة وحجر الركن [3] ، وجعل يلتمس التوبة، فلم تقبل توبته، فألقى غزالي الكعبة وحجر الركن فِي زمزم، وخرج من بقي من جرهم إِلَى أرض الحبشة [4] . فجاءهم سيل فذهب بهم [5] .
وولي البيت عمرو بْن ربيعة.
وقيل: بل وليه عمرو بْن الحارث الغساني.
فَقَالَ عمرو بْن الحارث فِي ذلك:
كأن لم يكن بين الحجون إِلَى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأزالنا ... صروف الليالي والجدود العواثر
[6] وَقَالَ عمرو أيضا:
يا أيها الناس سيروا إن قصركم ... أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا
[حثوا المطي وأرخوا من أزمتها ... قبل الممات وقضوا ما تقضونا] [7]
كنا أناسا كما كنتم فغيرنا ... دهر فأنتم كما كنا تكونونا
[8] .
وكان يقول: اعملوا لآخرتكم، وأفرغوا من حوائجكم فِي الدنيا.
فوليت خزاعة البيت، غير أنه كان فِي قبائل مضر ثلاث خلال: الإجارة بالحج
__________
[1] في ت: «الله تعالى» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «وحجر الكعبة» .
[4] في ت: «جهينة» .
[5] السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 113- 114.
[6] السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 115.
[7] هذا البيت سقط من الأصل.
[8] هذا البيت سقط من ت.(2/322)
للناس من عرفة، وكان ذلك إِلَى الغوث بْن مر، وهو صوفة، فكانت إذا كانت الإجارة قالت العرب: أجيري صوفة [1] .
والثانية: الإفاضة من جمع غداة النحر إِلَى منى، فكان ذلك إِلَى بني زيد بْن غزوان، فكان آخر من ولي ذلك منهم أَبُو سيارة عميلة بْن الأعزل بْن خالد بْن سعد بْن الحارث بْن وابش بْن زيد.
والثالثة: النسيء للشهور الحرم، وكان ذلك إِلَى القلمس، وهو حذيفة بْن فقيم بْن عدي من بني مالك بْن كنانة، ثم فِي بيته حَتَّى صار ذلك إِلَى جرهم أبي ثمامة، وهو جنادة بن عوف بن أمية بن قلع بْن حذيفة فقام عَلَيْهِ [2] الإسلام [فلما] [3] كثرت معه تفرقت [4] .
وأما قريش: فلم يفارقوا مكة، فلما حفر عَبْد المطلب زمزم وجد غزالي الكعبة اللذين كانت جرهم دفنتهما فيه، فاستخرجهما.
قَالَ ابن إِسْحَاق: وكان الذي وجد عنده كنز الكعبة دويك مولى لبني ملج من خزاعة، فقطعت قريش يده، وكان البحر قد رمى سفينة إِلَى جدة، فتحطمت، فأخذوا خشبها فأعدوه لتسقيفها، وكان بمكة رجل قبطي نجار، وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي يطرح فيها ما يهدى لها كل يوم، فتتشرق عَلَى جدار الكعبة [5] ، وكانوا يهابونها، ذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا احزألت وكشت [6] وفتحت فاها، فبينا هي يوما تتشرق عَلَى جدار الكعبة، بعث اللَّه عليها طائرا فاختطفها، فذهب بها، فقالت قريش:
إنا لنرجو أن يكون اللَّه قد رضي ما أردنا عندنا عامل رفيق، وعندنا خشب، وقد كفانا الله الحيّة [7] .
__________
[1] السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 120- 122.
[2] في ت: «فقام حتى أدركه الإسلام» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 122.
[5] «التي يطرح فيها ما يهدى لها كل يوم فتتشرق على جدار الكعبة» سقطت من ت.
[6] احزألّت: رفعت رأسها. وكشت: صوتت باحتكاك بعض جلدها ببعض.
[7] السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 193.(2/323)
وذلك بعد الفجار بخمس عشرة سنة، ورسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم عامئذ ابن خمس وثلاثين سنة، فلما أجمعوا [1] أمرهم فِي هدمها وبنائها، قام أَبُو وهب بْن عمرو بْن عمير [2] بْن عائذ بْن عِمْرَانَ بْن مخزوم، فتناول من الكعبة حجرا فوثب من يده حَتَّى رجع إِلَى موضعه، فَقَالَ: يا [معشر] [3] قريش، لا تدخلوا فِي بنائها من كسبكم إلا طيبا، ولا تدخلوا فيها [مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا] [4] مظلمة أحد من الناس. قَالَ: والناس يبخلون هَذَا الكلام للوليد بن المغيرة، وأبي وهب خال [أبي] [5] رسول الله صلى الله عليه وسلم [6] :
ثم إن الناس هابوا هدمها وفرقوا منه. فَقَالَ الوليد بْن المغيرة: أنا أبدأ فِي هدمها فأخذ المعول، ثم قام عليها وهو يقول: اللَّهمّ لا ترع اللَّهمّ لا نريد إلا الخير، ثم هدم من ناحية [7] الركنين فتربص الناس به تلك الليلة، وَقَالُوا: ننظر، فإن أصيب لم نهدم منها شيئا، ورددناها كما كانت، وإن لم يصبه شَيْء [8] ، فقد رضي اللَّه عز وجل ما صنعناه. فأصبح الوليد غاديا عَلَى عمله، فهدم والناس معه، وتحرك حجر فانتقضت مكة [9] بأسرها وما زالوا حَتَّى انتهى الهدم إِلَى الأساس، فأفضوا إِلَى حجارة خضر كأنها أسنمة ثم بنوا، حَتَّى إذا بلغ البنيان موضع الركن اختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه، حَتَّى تواعدوا للقتال، وقربت بنو عَبْد الدار جفنة مملوءة دما، وأدخلوا أيديهم فِي الدم، وتعاقدوا عَلَى الموت، فسموا لعقة الدم، فمكثوا أربع ليال أو خمس ليال كذلك، ثم تشاوروا وكان أَبُو أمية بْن المغيرة أمير قريش [حينئذ] [10] فَقَالَ: اجعلوا بينكم أوّل من يدخل من
__________
[1] في ت: «فلما اجتمعوا وأجمعوا» .
[2] «عمير» سقطت من ت، وابن هشام.
[3، 4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ت: «وأبو وهب بنو خال رسول الله» . وما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت.
[6] السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 194.
[7] في ت: «ثم هدم ناحية» .
[8] «شيء» سقط من ت.
[9] انتقضت: اهتزت. و «مكة» سقطت من ت.
[10] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(2/324)
باب هَذَا المسجد، فكان أول من دخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا: هَذَا الأمين، قد رضينا به، هَذَا مُحَمَّد، فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قَالَ: «هلم إلي ثوبا. فأتي به، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده، ثم قَالَ: «لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم قَالَ:
«ارفعوه جميعا» حَتَّى إذا بلغوا به موضعه وضعه بيده، ثم بنى [1] عَلَيْهِ وكانت قريش تسمي رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم قبل أن ينزل الوحي: الأمين [2] . أَخْبَرَنَا أبو بكر بن أبي طاهر قال: أخبرنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَيُّوِيَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حدثنا محمد بن سعد. قال: أخبرنا محمد بن عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْهُذَلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْهُذَلِيُّ، عَنْ أَبِي غَطَفَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [3] قَالَ:
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ قالوا: كَانَتِ الْجَرْفُ [4] مُطِلَّةٌ عَلَى مَكَّةَ، وَكَانَ السَّيْلُ يَدْخُلُ [5] مِنْ أَعْلاهَا حَتَّى يَدْخُلَ الْبَيْتَ، فَانْصَدَعَ فَخَافُوا أَنْ يَنْهَدِمَ، وَسُرِقَ مِنْهُ حُلِيُّهُ وَغَزَالٌ مِنْ ذَهَبٍ كَانَ عَلَيْهِ دُرٌّ وَجَوْهَرٌ، وَكَانَ مَوْضُوعًا بِالأَرْضِ، فَأَقْبَلَتْ سَفِينَةٌ فِي الْبَحْرِ فِيهَا رُومٌ، وَرَأْسُهُمْ بَاقُومُ، وَكَانَ بَانِيًا فَجَنَحَتْهَا الرِّيحُ إِلَى الشُّعَيْبَةِ، وَكَانَتْ مَرْسَى [6] السُّفُنِ قَبْلَ جِدَّةَ فَتَحَطَّمَتِ السَّفِينَةُ، فَخَرَجَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةَ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى السَّفِينَةِ [7] فَابْتَاعُوا خَشَبَهَا وَكَلَّمُوا الرُّومِيَّ بَاقُومَ، فَقَدِمَ مَعَهُمْ، وَقَالُوا: لَوْ بَنَيْنَا بَيْتَ رَبِّنَا. فَأَمَرُوا بِالْحِجَارَةِ تُجْمَعُ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ معهم- وهو يومئذ ابن خمس وثلاثين
__________
[1] السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 195- 197.
[2] السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 198.
[3] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا أبو بكر بْن أبي طاهر بإسناده إِلَى مُحَمَّد بْن سعد» ثم أكمل السند كما بالأصل.
[4] «الجرف» سقطت من ت.
[5] في الأصل: «ينزل» .
[6] في ت، وابن سعد: «مرفأ» .
[7] تكررت في ت العبارة: «وكانت مرفأ السفن قبل جدة فتحطمت السفينة» .(2/325)
سنة- وَكَانُوا يَضَعُونَ أُزُرَهُمْ عَلَى [1] عَوَاتِقِهِمْ، وَيَحْمِلُونَ الْحِجَارَةَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلُبِطَ بِهِ وَنُودِيَ: عَوْرَتُكَ فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلُ مَا نُودِيَ. فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: يَا ابْنَ أَخِي، اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَأْسِكَ، قَالَ: مَا أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي إِلا فِي تَعَدِّيِّ، فَمَا رُئِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوْرَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى هَدْمِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لا تُدْخِلُوا فِي بِنَائِهَا مِنْ كَسْبِكُمْ إِلا طَيِّبًا مَا لَمْ تَقْطَعُوا فيه رَحِمًا، وَلَمْ تَظْلِمُوا فِيهِ أَحَدًا، فَبَدَأَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةَ بِهَدْمِهَا، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، ثُمَّ قَامَ عليها يطرح الحجارة وهو يقول: اللَّهمّ اللَّهمّ لا تُرَعْ إِنَّمَا نُرِيدُ الْخَيْرَ، فَهَدَمَ وَهَدَمَتْ مَعَهُ قُرَيْشٌ، ثُمَّ أَخَذُوا فِي بِنَائِهَا وَمَيَّزُوا الْبَيْتَ وَاقْتَرَعُوا عَلَيْهِ، فَوَقَعَ لِعَبْدِ مَنَافٍ وزهرة ما بين الركن الأَسْوَدِ إِلَى رُكْنِ [2] الْحَجَرِ وَجْهُ الْبَيْتِ، وَوَقَعَ لِبَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَبَنِي عَبْدِ الدَّارِ مَا بَيْنَ رُكْنِ الْحَجَرِ إِلَى [رُكْنِ الْحَجَرِ الآخَرِ، وَوَقَعَ لِتَيْمٍ وَمَخْزُومٍ مَا بَيْنَ ركن الحجر إلى الركن] [3] الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ. وَوَقَعَ لِسَهْمٍ وَجُمَحٍ وَعَدِيٍّ وَعَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ إِلَى الرُّكْنِ [4] الأَسْوَدِ فَبَنَوْا، وَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى حَيْثُ يُوضَعُ الرُّكْنُ مِنَ الْبَيْتِ. قَالَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ: نَحْنُ أَحَقُّ بِوَضْعِهِ، فَاخْتَلَفُوا حَتَّى خَافُوا الْقِتَالَ، ثُمَّ جَعَلُوا بَيْنَهُمْ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، فَيَكُونُ هُوَ الَّذِي يَضَعُهُ قَالُوا:
رَضِينَا وَسَلَّمْنَا [5] . فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ [6] ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا هُوَ [7] الأَمِينُ قَدْ رَضِينَا بِمَا قَضَى [بَيْنَنَا] [8] ، ثم أخبروه، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم رِدَاءَهُ وَبَسَطَهُ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ وَضَعَ الرُّكْنَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِيَأْتِ مِنْ كُلِّ رُبُعٍ مِنْ أَرْبَاعِ قُرَيْشٍ رَجُلٌ، وَكَانَ فِي رُبُعِ عَبْدِ مَنَافٍ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَكَانَ فِي الربع الثاني: أبو زمعة، وكان من الرُّبُعُ الثَّالِثُ: أَبُو حُذَيْفَةَ [بْنُ الْمُغِيرَةِ] [9] ، وَكَانَ في الربع الرابع: قيس بن
__________
[1] في ت: «أزرعهم عن» .
[2] في الأصل: «الركن» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] «اليماني إلى الركن» سقط من ت.
[5] «فَيَكُونُ هُوَ الَّذِي يَضَعُهُ. قَالُوا: رَضِينَا وَسَلَّمْنَا» سقط من ت.
[6] في ت: «فكان أول من دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
[7] «هو» سقطت من ت.
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(2/326)
عَدِيٍّ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِزَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا الثَّوْبِ، ثُمَّ ارْفَعُوهُ جَمِيعًا» . فَرَفَعُوهُ، ثُمَّ وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فِي مَوْضِعِهِ ذَلِكَ، فَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ لِيُنَاوِلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَرًا يَشُدُّ بِهِ الرُّكْنَ [1] فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: لا، وَنَاوَلَ الْعَبَّاسُ حَجَرًا فَشَدَّ بِهِ الرُّكْنَ [2] فَغَضِبَ النَّجْدِيُّ حِينَ نَحَّى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَيْسَ يَبْنِي مَعَنَا فِي الْبَيْتِ إِلا مِنَّا، ثُمَّ بَنَوْا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى مَوْضِعِ السَّقْفِ وَسَقَفُوا الْبَيْتَ وَبَنَوْهُ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ وَأَخْرَجُوا الْحِجْرَ مِنَ الْبَيْتِ [3] . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَأَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَطَاءٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن أبي ربيعة، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ان قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوا مِنْ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، وَلَوْلا حَدَاثَةُ عَهْدِهِمْ بِالشِّرْكِ [4] أَعَدْتُ فِيهِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكِ [مِنْ] [5] بَعْدِي أَنْ يَبْنُوهُ فَهَلُمِّي أُرِيكِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ» فَأَرَاهَا قَرِيبًا مِنْ سَبْعِ أَذْرُعٍ فِي الْحَجَرِ. قَالَتْ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حَدِيثِهِ: «وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ فِي الأَرْضِ شَرْقِيًّا وَغَرْبِيًّا أَتَدْرِينَ لِمَ كَانَ قَوْمُكِ رَفَعُوا بَابَهَا؟ فَقُلْتُ: لا أَدْرِي، [فَقَالَ:] [6] «تَعَزُّزًا أَلا يَدْخُلَهَا إِلا مَنْ أَرَادُوا» ، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا كَرِهُوا أَنْ يَدْخُلَ تَرَكُوهُ حَتَّى إِذَا كَادَ يَدْخُلُ [7] دَفَعُوهُ حَتَّى يَسْقُطَ [8] .
أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن أحمد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو منصور بْن عَبْد العزيز العكبريّ قال:
أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: أَخْبَرَنَا عمر بْن الحسين الشيباني قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر بن أبي الدنيا قال: أخبرني مُحَمَّد بْن صالح القرشي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابن أبي سبرة، عن أبي جعفر محمد بن علي [9] قال:
__________
[1] «فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: لا وَنَاوَلَ العباس حجرا فشد به الركن» . سقط من ت.
[2] «السقف» سقطت من ت.
[3] الطبقات الكبرى 1/ 145- 146.
[4] في ت: «بشرك» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] «تركوه حتى إذا كاد يدخل» سقط من ت.
[8] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 147.
[9] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «وقال محمد بن علي» .(2/327)
بنيت الكعبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن خمس وثلاثين سنة [1]
. فصل [2]
في هذه السنة:
ولدت فاطمة بْنت رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم.
وفيها: مات زيد بْن عمرو بْن نفيل، وكان يطلب الدين وقدم الشام فسأل اليهود والنصارى عن الدين والعلم، فلم يعجبه دينهم فَقَالَ له رجل من النصارى: أنت تلتمس دين إِبْرَاهِيم. فَقَالَ زيد [3] : وما دين إِبْرَاهِيم؟
قَالَ: كان حنيفا لا يعَبْد إلا اللَّه وحده لا شريك له، كان يعادي من عَبْد من دون اللَّه شيئا، ولا يأكل ما ذبح عَلَى الأصنام. فَقَالَ زيد: هَذَا الذي أعرف، وأنا عَلَى هَذَا الدين، فأما عبادة حجر أو خشبة أنحتها بيدي فهذا ليس بشَيْء. فرجع [4] زيد إِلَى مكة، وهو عَلَى دين إِبْرَاهِيم، وكان يقول: هَذِهِ الشاة خلقها الله، وأنزل من السماء ماء فأنبت لها الأرض [5] ثم تذبحونها عَلَى غير اسمه- ينكر عليهم ذلك- ولقي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقدم إليه [رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [6] . سفرة فيها لحم فَقَالَ: إني لا آكل مما تذبحون عَلَى أصنامكم ولا آكل مما لم يذكر اسم اللَّه عَلَيْهِ [7] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي طاهر قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال:
أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قَالَ: حدثني علي بْن عِيسَى الحكمي، عَنْ أبيه، عن عامر بن ربيعة قال:
__________
[1] في ت: «ولرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس وثلاثين سنة» .
[2] «فصل» سقط من ت.
[3] «زيد» سقط من ت.
[4] في ت: «وعاد» .
[5] في ت: «فأنبت به الأرض» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 379- 380.(2/328)
كان زيد بْن عمرو بْن نفيل يطلب الدّين، وكره النصرانية واليهودية، وعبادة الأوثان. والحجارة، وأظهر خلاف قومه واعتزل آلهتهم، وما كان يعَبْد آباؤهم ولا يأكل ذبائحهم. فَقَالَ لي: يا عامر، إني خالفت قومي واتبعت ملة إِبْرَاهِيم، وما كان يعَبْد ولده إسماعيل من بعده. فَقَالَ: وكانوا يصلون إِلَى هَذِهِ القبلة، وأنا انتظر نبيا من ولد إسماعيل يبعث، ولا أراني أدركه، فأنا أؤمن به، وأصدقه، وأشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدة فرأيته، فأقرئه مني السَّلَامُ.
قَالَ عامر: فلما تنبأ [1] رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْلَمْتَ وأخبرته بقول زيد وأقرأته منه السلام، فردّ عليه رسول الله السلام، وترحم عَلَيْهِ، وَقَالَ: «قد [2] رأيته فِي الجنة يسحب ذيولا» [3] .
أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن النقور قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنُ هَارُونَ الضَّبِّيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ التمار وقال: أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ [4] قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مرد في خَلْفَهُ، فَلَقِيَهُ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فقال له رسول الله: «ما لي أَرَى قَوْمَكَ قَدْ سَبَقُوكَ؟» قَالَ: لأَنِّي أَرَاهُمْ على ضلال، فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي [5] الدِّينَ، فَأَتَيْتُ عَلَى أَحْبَارِ يَثْرِبَ فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُشْرِكُونَ بِهِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِالدِّينِ الَّذِي [6] أَبْتَغِي فَخَرَجْتُ [حَتَّى أَحْبَارِ الشام، فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُشْرِكُونَ بِهِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا الَّذِي أَبْتَغِي مِنَ الدِّينِ فَخَرَجْتُ] [7] حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى أَحْبَارِ وَائِلَةَ فَوَجَدْتُهُمْ كَذَلِكَ، فَقَالَ لِي حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ أَهْلِ الشَّامِ: إِنَّكَ لتسأل عن دين ما نعلم أحدا
__________
[1] في ت: «قال عامر» وفي الأصل: «فلما نبّئ» .
[2] «قد» سقطت من ت.
[3] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 379.
[4] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أنبأنا علي بن عبيد الله الفقيه بإسناده عن أسامة بن زيد» .
[5] في الأصل: «أبغي» .
[6] في ت: «ما هذا بالذي ابتغي من الدين» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل وأثبتناه من ت.(2/329)
يَعْبُدُ اللَّهَ بِهِ إِلا شَيْخًا بِالْحِيرَةِ [فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَتَسْأَلُ عَنْ دِينٍ هُوَ دِينُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَدِينُ مَلائِكَتِهِ، وَإِنَّهُ خَرَجَ فِي زَمَانِكَ نَبِيٌّ- أَوْ خَارِجٌ-] [1] قَدْ خَرَجَ نَجْمُهُ، ارْجِعْ فَصَدِّقْهُ وَآمِنْ بِهِ. فَرَجَعْتُ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَزَيْدٌ: «يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ» [2] .
قَالَ أَبُو داود: وَحَدَّثَنَا يحيى بْن معين قَالَ: حَدَّثَنَا الحجاج بْن مُحَمَّد قَالَ: أَخْبَرَنَا المسعودي، عن نفيل بْن هشام بْن سَعِيد بْن زيد، عَنْ جده قَالَ:
خرج زيد بْن عمرو وورقة بْن نوفل يطلبان الدين، حَتَّى أتيا الشام فتنصر ورقة، ومضى زيد حتى انتهى إِلَى [3] الموصل، فمر عَلَى راهب فَقَالَ له الراهب: من أين أقبل صاحب البعير؟ قال: من بني إِبْرَاهِيم. قَالَ: وما الذي تطلب؟ قَالَ: الدين. قَالَ، الذي تطلب يوشك أن يظهر بأرضك، فعاد فسجد نحو الكعبة.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ [4] : وَأَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ:
أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو وَوَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ ذَهَبَا نَحْوَ الشَّامِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَلْتَمِسَانِ الدِّينَ، فَأَتَيَا عَلَى رَاهِبٍ فَسَأَلاهُ عَنِ الدِّينِ فَقَالَ: إِنَّ الدِّينَ الَّذِي تَطْلُبَانِ لَمْ يَجِئْ بَعْدُ وَهَذَا زَمَانُهُ، فَإِنَّ الدِّينَ يَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ تَيْمَاءَ، فَرَجَعَا، فَقَالَ وَرَقَةُ: أَمَّا أَنَا قَائِمٌ عَلَى نَصْرَانِيَّتِي حَتَّى يُبْعَثَ هَذَا الدِّينُ وَقَالَ زَيْدٌ: أَمَّا أَنَا فَأَعْبُدُ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ حَتَّى يُبْعَثَ هَذَا الدِّينُ.
وَمَاتَ زَيْدٌ فَرَثَاهُ وَرَقَةُ فَقَالَ [5] :
رَشَدْتَ وَأَنْعَمْتَ ابْنَ عَمْرٍو وَإِنَّمَا ... تجنبت تنورا من النار حاميا
دعاءك رَبًّا لَيْسَ رَبٌّ كَمِثْلِهِ ... وَتَرْكُكَ أَوْثَانَ الطَّوَاغِي كَمَا هِيَا
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هشام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قالت:
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[2] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 216، 217.
[3] في ت: «ومضى حتى انتهى الموصل» .
[4] هذا الخبر إلى آخره موجود في ت بعد الخبر الّذي يلي هذا.
[5] الشعر في السيرة 1/ 232 ط. دار الكتب العلمية والروض الأنف 1/ 263، مع الاختلاف في اللفظ.(2/330)
لَقَدْ رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنَ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا مِنْكُمُ الْيَوْمَ [أَحَدٌ] عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي. وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ: مَهْلا لا تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيكَ مَئُونَتَهَا. فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لأَبِيهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا.
ومن شعر زيد بْن عمرو بْن نفيل حيث يقول [1] :
وأنت الذي من فضل من ورحمة ... بعثت إِلَى موسى رسولا مناديا
فقلت له: فاذهب وهارون فادعوا ... إِلَى اللَّه فرعون الذي كان طاغيا
وقولا له: أأنت أمسكت هَذِهِ ... بلا عمد أكرم بمن كان بانيا
وقولا له أأنت سويت هَذِهِ ... بلا وتد حَتَّى استقرت كما هيا
وقولا له من ينبت الحب فِي الثرى ... فتصبح منه البقل تهتز رابيا
[2] ومن شعره: [3]
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الأرض تحمل صخرا ثقالا
دحاها فلما رآها استوت ... عَلَى الماء أرسى عليها الجبالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الريح تصرف حالا فحالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له المزن تحمل عذبا زلالا [4]
إذا هي سيقت إِلَى بلدة ... أناخت فصبت عليها سجالا
ومن الحوادث فِي سنة ثمان وثلاثين من مولده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال مؤلف الكتاب [5] : فِي هَذِهِ السنة رأى الضوء والنور، وكان يسمع الصوت ولا يدري ما هو.
أَخْبَرَنَا الْحُصَيْنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حدثني أبي قال: أخبرنا أبو كامل قال: حدثنا
__________
[1] الشعر في السيرة لابن هشام 1/ 227 و 228 والروض الأنف 1/ 259 مع الاختلاف في اللفظ.
[2] في ت: «وقولا له من يرسل الشمس غدوة فيصبح منه البقل يهتز راويا» .
[3] في ت: «وقال زيد أيضا» .
[4] في ت هذا البيت جاء قبل البيت السابق.
[5] بياض في ت مكان «ومن الحوادث سنة ثمان وثلاثين من مولده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال مؤلف الكتاب» .(2/331)
حَمَّادٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [1] قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، سَبْعَ سِنِينَ يَرَى الضَّوْءَ وَالنُّورَ، وَيَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَثَمَانِ سِنينَ يُوحَى إِلَيْهِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا.
وَلَمْ يَقَعْ سنة تسع [وثلاثين] ما يكتب
. ذكر الحوادث فِي سنة أربعين من مولده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم [2]
فيها: قتل كسرى أبرويز النعمان بْن المنذر:
فإنه غضب عَلَيْهِ فقتله قبل المبعث بتسعة أشهر.
وكان السبب: أنه كان عند ملوك الأعاجم صفة من النساء مكتوبة عندهم، وكانوا يبعثون بتلك الصفة إِلَى الأرضين، غير أنهم لم يكونوا يتناولون أرض العرب بشَيْء من ذلك، فبدا للملك أن يطلب النساء، فكتب بتلك الصفة إِلَى الأرضين [3] فَقَالَ زيد بْن عدي لأبرويز [4] : عند عَبْدك النعمان بْن المنذر بنات عمه وأهل بيته أكثر من عشرين امرأة عَلَى هَذِهِ الصفة. قَالَ: فتكتب فيهن.
قَالَ: لا تفعل أيها الملك، فإن شر شَيْء فِي العرب أنهم يتكرمون فِي أنفسهم عَنِ العجم، فأنا أكره أن يغيبهن.
فبعث به إليه، فَقَالَ: إن الملك قد احتاج إِلَى نساء لأهله وولده، وأراد كرامتك. فَقَالَ: أما فِي عين السواد وفارس ما تبلغون به حاجتكم؟ ويعني بالعين: البقر [5] ، ثم كتب إِلَى كسرى: إن الّذي طلب الملك ليس عندي، فسكت
__________
[1] في ت: «أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنِ ابْنِ عباس» .
[2] بياض في ت مكان: «ولم يقع سنة تسع ما يكتب. ذكر الحوادث فِي سنة أربعين من مولده صلى الله عليه وسلم» .
[3] «غير أنهم لم يكونوا ... إلى الأرضين» سقط من ت.
[4] في ت: «لكسرى» .
[5] «البقر» سقطت من ت.(2/332)
كسرى عَلَى ذلك [1] شهرا، والنعمان يتوقع ويستعد، حَتَّى أتاه كتاب كسرى أن أقبل فللملك إليك حاجة، فحمل سلاحه وما قدر عَلَيْهِ [2] ، فلحق بجبل طيِّئ فأبت طيِّئ أن تمنعه، وَقَالُوا: لا حاجة لنا بمعاداة كسرى ولم يقبله غير بني رواحة بْن عبس، فنزل بطن ذي قار، ثم رأى أنه لا طاقة لَهُ بكسرى فرحل إليه، فلما بلغ كسرى مجيئه قَالَ: اجعلوا عَلَى طريقة ألف [3] جارية عذراء فِي قمص رقاق وغيبوا عنهن الناس إلا الخصيان، فأقبل ينظر إليهن حَتَّى وقف بين يدي كسرى وبينهما ستر [رقيق] [4] فَقَالَ: إن الذي بلغك عني [5] باطل: فَقَالَ كسرى، حسبي ما سمع به [6] الناس.
ثم أمر به فقيد وبعث إِلَى خانقين، فلم يزل فِي السجن حَتَّى وقع طاعون فمات به [7] .
وقيل: بل رماه بين يدي الفيلة فداسته [حَتَّى هلك] [8] .
فَقَالَ الشاعر فيه:
لهفي عَلَى النعمان من هالك ... لم نستطع تعداد ما فيه
لم تبكه هند ولا أختها ... حرقة واستعجم ناعيه
بين فيول الهند يخبطنه ... مختبطا تدني نواحيه
[9] وَرَوَى عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحميد الدمشقي قَالَ [10] : كان للنعمان بْن المنذر يومان [11] : يوم بؤس ويوم كرم، وكان لا يأخذ أحدا يوم بؤسه إلا قتله، فأتي برجل يوم
__________
[1] «على ذلك» سقطت من ت.
[2] في ت: «ما قوي» .
[3] في ت: «ألفين» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] «عين» سقط من ت.
[6] «به» سقط من ت.
[7] تاريخ الطبري 2/ 193- 212.
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[9] هذا البيت سقط من ت.
[10] في ت كتب في هذا الموضع الخبر الّذي سيأتي بعد هذا الخبر.
[11] «يومان» سقط من ت.(2/333)
بؤسه، فَقَالَ له، أما علمت أن هَذَا يوم بؤسي!؟ قَالَ: بلى. قَالَ [1] : فما حملك عَلَى ذلك وأنت تعلم أني أقتلك؟ قَالَ: أيها الملك إن لي ابنة عم ميعادي وإياها اليوم، فعرضت عَلَى نفسي أن [2] أتخلف مع الحياة، أو أخرج فأنال حاجتي وأقتل فاختارت الخروج مع القتل. قال النعمان: فاذهبوا به فاضربوا عنقه. فَقَالَ الرجل: أيها الملك دعني أذهب فأنال حاجتي وشأنك والقتل. قَالَ: ومن يضمن لي أن ترجع إلي [3] .
فالتفت إِلَى كاتب النعمان فَقَالَ: هَذَا يضمنني. قَالَ: أتضمنه قَالَ: نعم.
قَالَ: إن [لم] [4] يجيء قتلتك. قَالَ: نعم.
فضرب له النعمان أجلا وخلى سبيله، ثم إن الرجل أتى بعد ذلك فَقَالَ له النعمان: ما حملك عَلَى المجيء وأنت تعلم أني أقتلك؟ قَالَ، خفت [5] أن يقال ذهب الوفاء. فالتفت إِلَى كاتبه وَقَالَ له: ما حملك عَلَى أن تضمن من لا تعرف وأنت تعلم أنه إن لم يعد قتلتك [6] . قَالَ: أيها الملك، خفت [7] أن يقال ذهب الكرم. قَالَ النعمان:
وأنا أيضا أخاف [8] أن يقال: ذهب العفو، خلوا سبيله.
أَخْبَرَنَا سَعِيد بْن أحمد بْن الحسن البناء قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِم بْنُ الْحَسَنَ قَالَ:
أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: حدثنا الحسين بْن صفوان قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر القرشي [9] قَالَ: حدثني عَبْد الرَّحْمَن بْن عبيد الله بْن قريب الأصمعي قَالَ: أَخْبَرَنَا عمي قَالَ: أَخْبَرَنَا عامر بْن عَبْد الملك قَالَ:
خرج زياد حَتَّى أتى حرقة ابنة النعمان بْن المنذر، وقد لبست المسوح، فَقَالَ:
حدثيني عَنْ أهلك، فقالت: أصبحنا وما فِي العرب أحد إلا يرجونا أو يخافنا، وأمسينا وما في العرب أحدّ إلا يرحمنا.
__________
[1] «بلى. قال» سقط من ت.
[2] «أن» سقطت من ت.
[3] «إلى» سقطت من ت.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ت: «قال: تخوفت» .
[6] في ت: «لم يجئ أقتلك» .
[7] في ت: «خشيت» .
[8] في ت: «وأنا أتخوف» .
[9] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «قال أبو بكر القرشي» .(2/334)
قَالَ القرشي: وحدثني أحمد بْن الوليد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ زيد قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بْن حرملة، عَنْ مالك بْن مغول، عَنِ الشعبي، عَنْ إِسْحَاق بْن طلحة قَالَ:
دخلت عَلَى حرقة بنت النعمان، وقد ترهبت فِي دير لها بالحيرة، وهي فِي ثلاثين جارية لم ير مثل حسنهن. فقلت: يا حرقة، كيف رأيت عثرات الملك؟ قالت: الذي نحن فيه اليوم خير مما كُنَّا فيه أمس.، وأنشدت تقول:
وبتنا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة تتنصف.
فأف لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلب أحيانا بنا وتصرف.
وذلك أنه لما هلك النعمان بْن المنذر قيل لكسرى: إن ماله وبيته عند هانئ بْن مسعود البكري، فكتب [1] إليه كسرى ليبعث ذلك إليه فأرسل إليه: ليس عندي مال [2] .
فأعاد الرسول: قد بلغني أنه عندك. فَقَالَ: إن كان الذي بلغك [3] كاذبا فلا تأخذ بالكذب، وإن كان صادقا فذلك عندي أمانة، والحر لا يسلم أمانته.
فعبر كسرى الفرات ودعا إياس بْن قبيصة الطائي، وكان قد أطعمه ثمانين قرية عَلَى شط الفرات، فشاوره فَقَالَ: ما ترى؟ فَقَالَ: إن تطعني فلا يعلم أحد لأي شَيْء عبرت، وقطعت الفرات، فيرون أن شيئا من أمر العرب قد كرثك ولكن ترجع فتعرض عنهم وتبعث عليهم العيون حَتَّى ترى منهم غفلة، ثم ترسل قبيلة من العجم فيها بعض القبائل التي تلتهم من أعدائهم فيوقعون بهم.
فَقَالَ له كسرى [4] : قد بلغني أنهم أخوالك [وأنت] [5] لا تألوهم نصحا.
فَقَالَ إياس: رأي الملك أفضل. فبعث الهرمزان فِي ألفين من خيول الأعاجم، وبعث ألفا من إياد، وألفا من بهزى عليهم خَالِد البهزاني، فلما بلغ بكر بْن وائل خبر القوم أرسلوا إِلَى قيس بْن مسعود بْن هانئ بْن مسعود [6] ، فقدم ليلا، فأتى مكانا خفيا
__________
[1] في ت: «فبعث إليه كسرى» .
[2] «مال» سقطت من ت.
[3] في ت: «إن الّذي بلغك إن كان» .
[4] في ت: «فقال كسرى» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] «بن هانئ بن مسعود» سقط من ت.(2/335)
من بطن ذي قار فنزله، وأرسل إِلَى هانئ فَقَالَ: إنه قد حضر من الأمر ما ترى. فَقَالَ له:
أرسل إلي الحلقة وهي عشرة آلاف سكة، وانثرها فِي بني شيبان. فَقَالَ له هانئ إنها أمانة! فَقَالَ قيس: إنكم إن هلكتم فسيأخذون الحلقة وغيرها، وإن ظهرتم فما أقدرك عَلَى أن تأخذها من قومك فأخرجها فنثرها، وأمرهم فنزلوا من بطن ذي قار بين الجهتين فقدمت الأعاجم عليهم، وهم مستعدون، فاقتتلوا ساعة فانهزمت الأعاجم.
وقيل: إن حديث ذي قار كان [1] فِي سنة سبع من الهجرة، والله أعلم [2] .
ومن الحوادث فِي هَذِهِ السنة: [3] .
مَا أَخْبَرَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ قال: أخبرنا ابن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قَالَ، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حدثنا محمد بن سعد قَالَ: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا، عِنْدَ صَنَمٍ بِبَوَانَةَ قَبْلَ أَنْ يبعث رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بشهر نحرنا جَزُورًا فَإِذَا بِصَائِحٍ يَصِيحُ مِنْ جَوْفِ وَاحِدَةٍ: اسْمَعُوا إِلَى الْعَجَبِ، ذَهَبَ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ وَنُرْمَى بِالشُّهُبِ لِنَبِيٍّ بِمَكَّةَ اسْمُهُ أَحْمَدُ، مُهَاجِرُهُ إِلَى يَثْرِبَ، قَالَ: فَأَمْسَكْنَا وَعَجِبْنَا، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [4]
. باب: ذكر أمارات النبوة [5]
قَالَ مؤلف الكتاب: ما زالت الأنبياء قبل ظهور نبيّنا صلى الله عليه وسلم وعلماء الكتب تعد به، حتى كانوا يقولون: قد قرب زمانه، وَفِي هَذَا الزمان [6] يظهر.
__________
[1] «كان» سقط من ت.
[2] «والله أعلم» سقط من ت.
[3] من هنا حتى نهاية الخبر ساقط من ت.
[4] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 161. وألوفا برقم 183.
[5] بياض في ت مكان: «باب ذكر أمارات النبوة» .
[6] في الأصل: «الأيات» .(2/336)
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن مالك قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: أخبرنا أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثني صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلامَةَ بْنِ وَقْشٍ قَالَ:
كَانَ لَنَا جَارٌ مِنَ الْيَهُودِ [1] فِي بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ قَالَ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَوْمًا مِنْ بَيْتِهِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بِيَسِيرٍ] [2] حَتَّى وَقَفَ عَلَى [مَجْلِسِ] [3] بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ- قَالَ سَلَمَةُ: وأنا يومئذ أحدث من فيه سِنًّا عَلَي بُرْدَةٍ مُضْطَجِعٌ فِيهَا بِفِنَاءِ أَهْلِي- فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة وَالنَّارَ.
فَقَالَ: ذَلِكَ لِقَوْمٍ أَهْلُ شِرْكٍ وَأَصْحَابُ أَوْثَانٍ لا يَرَوْنَ أَنَّ الْبَعْثَ [كَائِنًا] [4] بَعْدَ الْمَوْتِ.
فَقَالُوا لَهُ: وَيْحَكَ يَا فُلانُ، تَرَى هَذَا كَائِنًا بِأَنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلَى دَارٍ فِيهَا جَنَّةٌ وَنَارٌ يُجْزَوْنَ [فِيهَا] [5] بِأَعْمَالِهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي نَحْلِفُ بِهِ لَوَدَّ أَنَّ لَهُ بِحَظِّهِ مِنْ تِلْكَ النَّارِ أَعْظَمُ تَنُّورٍ فِي الدُّنْيَا [6] تُحْمُونَهُ ثُمَّ تُدْخِلُونَهُ إِيَّاهُ، فَتُطْبِقُونَهُ عَلَيْهِ، وَأَنْ تَنْجُوا مِنْ بَيْنِ [تِلْكَ] [7] النَّارِ غَدَاً. قَالُوا لَهُ: وَيْحَكَ وَمَا آَيَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَبِيٌّ يُبْعَثُ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ البلاد.
وأشار بيده نَحْوَ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ. قَالُوا: وَمَتَى نَرَاهُ؟ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيَّ وَأَنَا أَحْدَثُهُمْ سِنًّا فَقَالَ:
إِنْ يَسْتَنْفِذْ هَذَا الْغُلامُ عُمْرَهُ يُدْرِكْهُ. قَالَ سَلَمَةُ: فو الله مَا ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ [8] رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَآَمَنَّا بِهِ وَكَفَرَ بِهِ بَغْيًا وَحَسَدًا. فَقُلْنَا:
وَيْلَكَ يَا فُلانُ، ألست الّذي قُلْتَ لَنَا فِيهِ مَا قُلْتَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَيْسَ بِهِ [9] .
أَنْبَأَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك قال: أخبرنا عاصم بن الحسين قال: أخبرنا أَبُو الحسين بْن بشران قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَد الدَّقَّاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسن بن البراء
__________
[1] في ت: «كان له من اليهود» .
[2، 3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «أن بعثا بعد الموت» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في ت: «في الدار» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] في ت: «الله تعالى» .
[9] في ت: «وليس هو» .(2/337)
قَالَ، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ غَانِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ [1] قَالَ:
إِنَّ مِمَّا دَعَانَا إِلَى الإِسْلامِ مَعَ رَحْمَةِ اللَّهِ إِيَّانَا وَهُدَاهُ لَمَا كُنَّا نَسْمَعُ مِنْ يَهُودٍ، كُنَّا أَهْلَ شِرْكٍ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ عِنْدَهُمْ [2] عِلْمٌ لَيْسَ عِنْدَنَا، وَكَانَتْ لا تَزَالُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ شُرُورٌ، فَإِذَا نِلْنَا مِنْهُمْ بَعْضَ مَا يَكْرَهُونَ قَالُوا لَنَا: إِنَّهُ قَدْ تَقَارَبَ زَمَانُ نَبِيٍّ يبعث [3] الآن نتبعه، فَنَقْتُلَكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ، وَكُنَّا كَثِيرًا مَا نَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ أَجَبْنَاهُ حِينَ دَعَانَا إِلَى اللَّهِ، وَعَرَفْنَا مَا كَانُوا يَتَوَاعَدُونَا، فَبَادَرْنَاهُمْ إِلَيْهِ، وَآَمَنَّا بِهِ، وَكَفُروا، فَفِينَا وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَاتُ، وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ 2: 89 إلى قوله، فَلَعْنَةُ الله عَلَى الْكافِرِينَ 2: 89 [4] .
وعن عاصم عَنْ شيخ من بني قريظة قَالَ: قَالَ لي: هل تدرون عما كان إسلام ثعلبة بْن سَعِيد وأسيد بْن سَعِيد، وأسد بْن عبيد، نفر من بني ذهل أخوة بني قريظة، كانوا معهم فِي جاهليتهم ثُمَّ كانوا ساداتهم فِي الإسلام. قَالَ، قلت: لا أدري. قَالَ:
فإن رجلا من يهود من أهل الشام يقال له: ابن الهيبان، قدم علينا قبل الإسلام بسنين، فحل بين أظهرنا، لا والله ما رأينا رجلا قط كان يصلي الخمس أفضل منه، فأقام عندنا، فكنا إذا قحط عنا المطر قلنا لَهُ: أخرج يا بن الهيبان فاستسق لنا. فيقول: لا والله حَتَّى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة [فنقول له: كم؟ فيقول:] [5] صاعا من تمر أو مدين من شعير. قَالَ: فيخرج ذلك [6] ، ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرتنا فيستسقي لنا، فو الله ما يبرح مجلسه حَتَّى يمر السحاب ويسقى، قد فعل ذلك غير مرة، ولا مرتين، ولا ثلاثا. قَالَ:
ثم حضرته الوفاة عندنا، فلما عرف أنه ميت قَالَ، يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إِلَى أرض الجوع والبؤس؟ قَالَ: قلنا: أنت أعلم. قَالَ: فإني إنما
__________
[1] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أَنْبَأَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك بإسناد له عن محمد بن إسحاق.
[2] في ت: «عنده» .
[3] «يبعث» سقطت من ت.
[4] سورة: البقرة، الآية: 89.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في ت: «فيخرجها» .(2/338)
قدمت هَذِهِ البلدة أتوكف خروج نبي قد أظلكم [زمانه، هَذِهِ البلدة مهاجره، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه وقد أظلكم] [1] زمانه فلا يسبقنكم أحد إليه [2] يا معشر اليهود، فإنه يبعث يسفك الدماء، ويسبي الذراري والنساء، ممن خالفه فلا يمنعنكم ذلك منه. فلما بعث اللَّه رسوله وحاصر بني قريظة قَالَ هَؤُلاءِ الفتية وكانوا شبابا أحداثا: يا بني قريظة، والله إنه النَّبِيّ الذي عهد إليكم فيه ابن الهيبان. قالوا: ليس به. قالوا: بلى والله إنه لهو بصفته.
فنزلوا فأسلموا فأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهاليهم.
ومن الأمارات رجفة عظيمة أصابت الشام
قَالَ مؤلف الكتاب [3] : كان الرهبان يعدونها لعلامة ظهوره، وكانوا يقولون إنه شاب قد [4] دخل فِي الكهولة يجتنب المحارم والمظالم، ويصل الرحم، ويأمر بصلتها، وهو متوسط فِي العشيرة [صلى الله عليه] [5] .
أخبرنا محمد بن ناصر [الحافظ] قال: أخبرنا عَبْد الْمُحْسِنِ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَحَامِلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد بن سالم المخزومي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيد عَبْدُ اللَّهِ بْنِ شَبِيبٍ الْمَدَنِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاق الْعَدَوِيُّ قَالَ: حدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ الضَّحَّاكِ الْحِزَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [6] .
حَضَرْتُ سُوقَ بُصْرَى، فَإِذَا بِرَاهِبٍ فِي صَوْمَعَتِهِ يَقُولُ: اسْأَلُوا أَهْلَ الْمَوْسِمِ، هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ؟ قَالَ طَلْحَةُ: فَقُلْتُ نَعَمْ أنا. قَالَ لي: هل ظهر
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ت: «فلا يسبقكم إليه» .
[3] بياض في ت مكان: «ومن الأمارات: رجفة عظيمة أصابت الشام. قَالَ مؤلف الكتاب» .
[4] «قد» سقطت من ت.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ بإسناد له عن محمد بن طلحة عن أبيه» .(2/339)
بِمَكَّةَ بَعْدُ أَحْمَدُ؟ قُلْتُ: وَمَا أَحْمَدُ [1] ؟ قَالَ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ هَذَا شَهْرُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ، وَهُوَ آَخِرُ الأَنْبِيَاءِ، وَمَخْرَجُهُ مِنَ الْحَرَمِ، وَمُهَاجَرُهُ إِلَى نَخْلِ وَحَرَةَ وَسِبَاخٍ. قَالَ طَلْحَةُ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا قَالَ الرَّاهِبُ، فَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَقُلْتُ:
هَلْ كَانَ مِنْ حَدَثٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَمِينُ تَنَبَّأَ، وَتَابَعَهُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ.
فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَأَخْبَرْتُهُ وَقُلْتُ لَهُ: هَلْ تَابَعْتَ الرَّجُلَ [قَالَ: نَعَمْ] [2] فَانْطَلِقْ فَبَايِعْهُ، فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ، فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَهُ قَالَ طَلْحَةُ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَ الرَّاهِبِ وَمَا قَالَ لِي.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْن حيويه قَالَ: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ:
حَدَّثَنِي سَلْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ [3] قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ تُبَّعٌ الْمَدِينَةَ وَنَزَلَ بِقَنَاةٍ بَعَثَ إِلَى أَحْبَارِ يَهُودَ وَقَالَ: إِنِّي مُخَرِّبٌ هَذَا الْبَلَدَ حَتَّى لا يَقُومَ بِهِ يَهُودِيَّةُ وَيَرْجِعَ الأَمْرُ إِلَى [دِينِ] [4] الْعَرَبِ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَامُولُ الْيَهُودِيُّ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَعْلَمُهُمْ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّ هَذَا بَلَدٌ يَكُونُ إِلَيْهِ مُهَاجَرَةُ نَبِيٍّ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ [5] ، مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، اسْمُهُ أَحْمَدُ، وَهَذِهِ دَارُ هِجْرَتِهِ، وَإِنَّ مَنْزِلَكَ هَذَا الَّذِي أَنْتَ به [يكون] [6] من القتلى والجراح أمر كثير فِي أَصْحَابِهِ وَفِي عَدُوِّهِمْ قَالَ تُبَّعٌ: وَمَنْ يُقَاتِلُهُ [7] يَوْمَئِذٍ وَهُوَ نَبِيٌّ كَمَا تَزْعُمُونَ؟ قَالَ: يسير إليه قومه فيقتتلون هاهنا. قال: فأين
__________
[1] في ت: «ومن محمد» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. و «الرجل» سقطت من ت.
[3] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا محمد بن أبي طاهر عن محمد بن سعد» ثم أكمل السند كما بالأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «من ولد إسماعيل» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في ت: «ومن يقاتلهم» .(2/340)
قَبْرُهُ؟ قَالَ: بِهَذَا الْبَلَدِ، قَالَ: فَإِذَا قُوبِلَ فَلِمَنْ تَكُونُ الدَّبْرَةُ [1] ؟ قَالَ: تَكُونُ لَهُ مَرَّةٌ وَعَلَيْهِ مَرَّةٌ، وَبِهَذَا الْمَكَانِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ يَكُونُ عَلَيْهِ، وَيُقْتَلُ بِهِ أَصْحَابُهُ مَقْتَلَةً لَمْ يقتلوا في موطن، ثم يكون لَهُ الْعَاقِبَةُ، وَيَظْهَرُ وَلا يُنَازِعُهُ هَذَا الأَمْرَ مِنْ أَحَدٍ [2] . قَالَ: وَمَا صِفَتُهُ؟
قَالَ: رَجُلٌ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلا بِالْقَصِيرِ [3] ، فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ، يَرْكَبُ الْبَعِيرَ، وَيَلْبَسُ الشَّمْلَةَ، سَيْفُهُ عَلَى عَاتِقِهِ، لا يُبَالِي مَنْ لاقَى مِنْ أَخٍ، أَوِ ابْنِ عَمٍّ، أَوْ عَمٍّ [4] ، حَتَّى يَظْهَرَ أَمْرُهُ. قَالَ تُبَّعٌ: مَا إِلَى هَذِهِ الْبَلْدَةِ مِنْ سَبِيلٍ، وَمَا كَانَ لِيَكُونَ خَرَابُهَا إِلا عَلَى يَدَيَّ.
فَخَرَجَ تُبَّعُ مُنْصَرِفًا إِلَى الْيَمَنِ [5] .
قَالَ مُحَمَّد بْن عمر: وحدثني عَبْدُ الْحَمِيدِ بْن جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
كان الزبير بْن باطا [6] أعلم اليهود، يقول: إني وجدت سفرا كان يختمه علي [7] فيه ذكر أحمد، نبي يخرج بأرض القرظ، صفته كذا وكذا، فتحدث به الزبير بْن باطا [8] بعد أبيه، والنبي صلى الله عليه وسلم [يومئذ] [9] لم يبعث فما هو إلا أن سمع بالنبيّ صلى الله عليه وسلم قد خرج بمكة [حَتَّى] [10] عمد إِلَى ذلك السفر فمحاه، وكتم شأن [11] النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وصفته، وَقَالَ: ليس به [12] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابن عباس قال:
__________
[1] في الأصل: «الدائرة» .
[2] في ت: «ولا ينازعه أحد هذا الأمر» .
[3] في ت: «ليس بالقصير ولا وبالطول» .
[4] في الأصل: «من ابن أو أخ أو ابن عم أو عم» .
[5] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 158، 159.
[6] في الأصل: «بن باطل» .
[7] «عليّ» سقطت من ت.
[8] في الأصل: «باطل» .
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[11] في الأصل: «وكتم أمر» وما أثبتناه من ت وابن سعد.
[12] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 159. وتاريخ الطبري 2/ 295.(2/341)
كَانَتْ يَهُودُ قُرَيْظَةَ، وَالنَّضِيرِ، وَفَدَكٍ، وَخَيْبَرٍ، يَجِدُونَ صِفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُبَيْلَ أَنْ يُبْعَثَ وَأَنَّ دَارَ هِجْرَتِهِ الْمَدِينَةَ. فَلَمَّا ولد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ أَحْبَارُ الْيَهُودِ: وُلِدَ أَحْمَدُ اللَّيْلَةَ، هَذَا الكوكب قد طَلَعَ، فَلَمَّا تَنَبَّأَ قَالُوا: تَنَبَّأَ أَحْمَدُ، قَدْ طَلَعَ الْكَوْكَبُ، كَانُوا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ وَيُقِرُّونَ بِهِ وَيَصِفُونَهُ، وَمَا مَنَعَهُمْ مِنَ اتِّبَاعِهِ [1] إِلا الْحَسَدُ وَالْبَغْيُ [2] .
قَالَ مُحَمَّد بْن عمر: وحدثني ابن أبي ذئب، عَنْ مسلم بْن حبيب عَنِ النضر بْن سفيان الهذلي، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
خرجنا [3] فِي عير لنا إِلَى الشام، فلما كنا بين الزرقاء ومعان، وقد عرسنا من الليل إذا بفارس يقول: أيها النيام هبوا فليس هَذَا بحين رقاد، قد خرج أحمد، وطردت الجن كل مطرد، ففزعنا ونحن رفقة [جرارة] [4] كلهم قد سمع هَذَا، فرجعنا إِلَى أهلنا فإذا هم يذكرون اختلافا بمكة بين قريش بنبي خرج [5] فيهم من بني عَبْد المطلب اسمه أحمد [6] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [7] : وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارَ بْنِ يَاسِرَ وَغَيْرُهُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
سَكَنَ يَهُودِيٌّ بِمَكَّةَ يَبِيعُ بِهَا تِجَارَاتٍ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةَ وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قُرَيْشٍ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ مَوْلُودٍ وُلِدَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟
قَالُوا، لا نَعْلَمُهُ، قَالَ: انْظُرُوا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَأَحْصُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ:
وُلِدَ اللَّيْلَةَ نَبِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ: أَحْمَدُ، بِهِ شَامَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فِيهَا شَعَرَاتٌ. فَتَصَدَّعَ الْقَوْمُ مِنْ مَجَالِسِهِمْ وَهُمْ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ حَدِيثِهِ، فَلَمَّا صَارُوا فِي مَنَازِلِهِمْ وَذَكَرُوا لأَهَالِيهِمْ، فَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ: وُلِدَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اللَّيْلَةَ غُلامٌ سمّاه محمدا فأتوا اليهودي في
__________
[1] «وما منهم من اتباعه» سقطت من ت وابن سعد.
[2] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 159، 160.
[3] في الأصل: «خرجت» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وت وأثبتناه من ابن سعد.
[5] في ت: «بنبي قد خرج» .
[6] الطبقات الكبرى 1/ 161.
[7] هذا الخبر إلى آخره سقط من ت.(2/342)
مَنْزِلِهِ، فَقَالُوا: أَعَلِمْتَ أَنَّهُ وُلِدَ فِينَا مَوْلُودٌ؟ فَقَالَ: أَبَعْدَ خَبَرِي أَمْ قَبْلَهُ؟ قَالُوا: قَبْلَهُ، وَاسْمُهُ أَحْمَدُ. قَالَ: فَاذْهَبُوا بِنَا إِلَيْهِ فَخَرَجُوا مَعَهُ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى أُمِّهِ فَأَخْرَجَتْهُ إِلَيْهِمْ، فَرَأَى شَامَةً فِي ظَهْرِهِ، فَغُشِيَ عَلَى الْيَهُودِيِّ، ثم أفاق فقالوا: ما لك؟ قَالَ: ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَخَرَجَ الْكِتَابُ مِنْهُمْ، وَهَذَا مَكْتُوبٌ يَقْتُلُهُمْ وَيَبُزُّ أَخْبَارَهُمْ، فَازَتِ الْعَرَبُ بِالنُّبُوَّةِ، أَفَرِحْتُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ؟ أما والله ليسطونّ بكم سطوة يخرج نبؤها مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ [1] .
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ [2] قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَسْمَعُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنَ الْكُهَّانِ [3] أَنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ مِنَ الْعَرَبِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ، [فَسَمَّى مِنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنَ الْعَرَبِ وَلَدَهُ مُحَمَّدًا] [4] طَمَعًا فِي النُّبُوَّةِ [5] .
أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ بن الْحَسَنُ الأَيْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو علي أحمد بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ حَجَرٍ الشَّامِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مَنْصُورٍ الأَنْبَارِيُّ، عَنْ غَيَّاثِ [6] بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقَرْظِيِّ قَالَ: [7] بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَاعِدٌ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَهُ رَجِلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَتَعْرِفُ الْمَارَّ [8] ؟ قَالَ: فَمَنْ هُوَ؟ قال: سواد بن قارب، [وهو
__________
[1] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 162- 163.
[2] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «قال سعيد بن المسيب» .
[3] «ومن الكهان» سقطت من ت.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل وأثبت على الهامش.
[5] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 169 والبداية والنهاية 2/ 308 وما بعد.
[6] في الأصل: «غياث عبد الرحمن» وما أثبتناه الصحيح.
[7] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «أخبرنا أبو طالب محمد بن الحسن الماوردي بإسناد له عن محمد بن كعب القرظي» .
[8] في ت: «أتعرف بهذا» .(2/343)
رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ لَهُ فِيهِمْ شَرَفٌ وَمَوْضِعٌ، وَهُوَ الَّذِي أَتَاهُ رِيْبَةٌ بِظُهُورِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ عُمَرُ: عَليَّ بِهِ. فَدَعَى بِهِ، فَقَالَ، أَنْتَ سَوَّادُ بْنُ قَارِبٍ؟] [1] قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْتَ عَلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ مِنْ كَهَانَتِكَ. فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا اسْتَقْبَلَنِي بِهَذَا أحد منذ أسلمت. فقال عمر: يا سُبْحَانَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِمَّا كُنْتَ عَلَيْهِ مِنْ كَهَانَتِكَ، أَخْبِرْنِي بِإِشَارَاتٍ أَتَتْكَ [2] بِظُهُورِ النَّبِيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] .
قَالَ: نَعَمْ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَا أنا [ذَاتَ لَيْلَةٍ] [3] بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ إِذْ أَتَانِي آَتٍ، فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ: قُمْ يَا سَوَّادُ بْنَ قَارِبٍ [فَافْهَمْ] [4] وَاعْقِلْ إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ، إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى عِبَادَتِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ [الْجِنِّيُّ] [5] يَقُولُ:
عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتَجْسَاسِهَا ... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَحْلاسِهَا
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا خُيِّرَ الْجِنُّ كَأَرْجَاسِهَا
فَارْحَلْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى رَأْسِهَا
قَالَ: فَلَمْ أَرْفَعْ لِقَوْلِهِ رَأْسًا، وَقُلْتُ: دَعْنِي أَنَامُ، فَإِنِّي أَمْسَيْتُ نَاعِسًا، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ أَتَانِي فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ يَا سَوَّادُ بْنَ قَارِبٍ قُمْ فَافْهَمْ، وَاعْقِلْ إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ، قَدْ بُعِثَ نَبِيٌّ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى عِبَادَتِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ [الْجِنِّيُّ] [6] يَقُولُ:
[عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتَطْلابِهَا ... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَقْتَابِهَا] [7]
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تبغي الهدى ... ما صادق الجن ككذا بِهَا
فَارْحَلْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... لَيْسَ قَدَامَاهَا كَأَذْنَابِهَا
قَالَ: فَلَمْ أَرْفَعْ بِقَوْلِهِ رَأْسًا. فَقُلْتُ: دَعْنِي أَنَامُ فَإِنْيِ أَمْسَيْتُ نَاعِسًا، فَلَمَّا كان الليلة
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ت: «بإتيانك رئيك» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت وأثبتناه من ألوفا.(2/344)
الثَّالِثَةَ أَتَانِي فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ يَا سَوَّادُ بْنَ قَارِبٍ، قُمْ فَافْهَمْ وَاعْقِلْ إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ، إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَإِلَى عِبَادَتِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَأَخْبَارِهَا ... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بَأَكْوَارِهَا
تَهْوِي إِلَى مكة تبغي الهدى ... ما مؤمنو الْجِنِّ كَكَفَّارِهَا
فَارْحَلْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... بَيْنَ رَوَابِيهَا وَأَحْجَارِهَا
قَالَ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي حُبُّ الإِسْلامِ، وَرَغِبْتُ فِيهِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ شَدَدَتْ عَلَيَّ رَاحِلَتِي وَانْطَلَقْتُ مُتَوَجِّهًا إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا كُنْتُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ أُخْبِرْتُ أَنَّ النَبِّيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ [1] ، فَسَأَلْتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] . فَقِيلَ لِي: فِي الْمَسْجِدِ، فَأَتْيَتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَعَقَلْتُ نَاقَتِي، وَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ حَوْلَهُ، فَقُلْتُ:
تسمع [3] مقالتي يا رسول الله. فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ: ادْنُهُ ادْنُهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى صِرْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ: اسْمَعْ مَقَالَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: هَاتِ، فَأَخْبِرْنِي بِإِتْيَانِكَ رُئْيَكَ. فَقُلْتُ:
أَتَانِي نَجِيٌّ بَعْدَ هَدْءٍ وَرَقْدَةٍ ... وَلَمْ أَكُ فِيمَا قَدْ بَلَوْتُ بِكَاذِبٍ
ثَلاثَ لَيَالٍ قَوْلُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ ... أَتَاكَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ
فَشَمَّرْتُ عَنْ ذَيْلِي الإِزَارَ وَوَسَّطَتْ ... بِيَ الذِّعْلِبُ الْوَجْنَاءُ بَيْنَ السَّبْاسِبِ
فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ لا رَبَّ غَيْرُهُ ... وَإِنَّكَ مَأْمُونٌ عَلَى كُلِّ غَائِبٍ
وَأَنَّكَ أَدْنَى الْمُرْسَلِينَ وسيلة ... إلى الله يا بن الأَكْرَمِينَ الأَطَايِبِ
فَمُرْنَا بِمَا يَأْتِيكَ يَا خَيْرَ مُرْسَلٍ ... وَإِنْ كَانَ فِيمَا جَاءَ شَيْبُ الذَّوَائِبِ
وَكُنْ لِي شَفِيعًا يَوْمَ لا ذُو شَفَاعَةٍ ... سِوَاكَ لَمُغْنٍ عَنْ سَوَادِ بْنِ قَارِبٍ
قَالَ: فَفَرِحَ رسَوُل ُاللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْلامِي فَرَحًا شَدِيدًا وَأَصْحَابُهُ [4] حَتَّى رُئِيَ الْفَرَحُ في
__________
[1] «فقدمت المدينة» سقطت من ت.
[2] في ت: «النبي عليه السلام» .
[3] «تسمع» سقطت من ت.
[4] في ت: «وأصحابه بإسلامي فرحا شديدا» .(2/345)
وُجُوهِهِمْ. قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَالْتَزَمَهُ وَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ هَذَا مِنْكَ [1] . أَخْبَرَنَا ابْنُ الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عبد الله بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ قُرَيْشًا أَتَوْا كَاهِنَةً، فَقَالُوا: أَخْبِرِينَا بِأَقْرَبِنَا شَبَهًا بِصَاحِبِ هَذَا الْمَقَامِ. فَقَالَتْ:
إِنْ أَنْتُمْ جَرَرْتُمْ كِسَاءً عَلَى هَذِهِ السَّهْلَةِ، ثُمَّ مَشَيْتُمْ عَلَيْهَا نَبَّأْتُكُمْ. فَجَرُّوا، ثُمَّ مَشَى النَّاسُ عَلَيْهَا، فَأَبْصَرَتْ أَثَرَ محمد صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: هَذَا أَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِهِ، فَمَكَثُوا بَعْدَ ذَلِكَ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ سنة أو ما شاء الله، ثم بعث صلى الله عليه وسلم [2] .
__________
[1] حديث سواد بن قارب أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 2/ 248- 254. وابن هشام في السيرة النبويّة 1/ 209- 211. والصالحي في السيرة الشامية 2/ 281. والنقاش في «فنون العجائب» صفحة 70- 77 (مخطوط) .
وأخرجه البخاري في صحيحه 7/ 177 (فتح الباري) دون تصريح أنه سواد بن قارب، وصرح به ابن حجر في الفتح، والعيني في عمدة القارئ 17/ 6، 7.
وأورده ابن الجوزي في ألوفا برقم 175.
[2] هذا الخبر ساقط من النسخة ت بأكمله.
وأخرجه الإمام أحمد في المسند 1/ 332. وابن ماجة في سننه، كتاب الأحكام باب 21.(2/346)
باب ذكر الحوادث الكائنة فِي زمان نبينا
ذكر ما جرى في السنة الأولى من زمان النبوة:
قَالَ مؤلف الكتاب [1] : لما تمت له صلى الله عليه وسلم أربعون سنة، ودخل فِي سنة إحدى وأربعين يوم واحد أوحى الله عز وجل إليه وذلك فِي سنة عشرين [2] من ملك [كسرى] [3] أبرويز، وكان قد حبب إليه الخلوة، وكان ينفرد فِي جبل حراء يتعَبْد [4] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ قَالَ: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حدثنا محمد بْنُ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، وَأَخْبَرَنَا مَعْنُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ جَمِيعًا، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ [5] :
بُعِثَ رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي رَأْسِ أَرْبَعِينَ [6] سَنَةً [7] .
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ الْحَسَنِ قال: أخبرنا محمد بن أحمد البراء [8] قال:
__________
[1] بياض في ت مكان: «باب ذكر الحوادث ... قال المؤلف الكتاب» .
[2] في الأصل: «سنة عشر» خطأ.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ت: «للتعبد» .
[5] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «أخبرنا محمد بن أبي طاهر بإسناد له عن أنس بن مالك قال» .
[6] في ت: «على رأس الأربعين» .
و «سنة» سقط من ت.
[7] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 190.
[8] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أَنْبَأَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك بإسناد له عن محمد بن يحمد بن البراء» .(2/347)
بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى رسول اللَّه [1] صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وله يومئذ أربعون سنة ويوم، فأتاه جبريل عَلَيْهِ السلام ليلة السبت وليلة الأحد، ثم ظهر له بالرسالة يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان بحراء، وهو أول موضع نزل فيه القرآن به نزل: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ 96: 1- 5 [2] فقط.
ثم فحص بعقبه الأرض، فنبع منها ماء فعلمه الوضوء والصلاة. ركعتين.
وَرَوَى أَبُو قتادة، عَنِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: أنه سئل عَنْ صوم يوم الاثنين، فَقَالَ: «ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت فيه» [3] . قَالَ مؤلف الكتاب [4] : واختلفوا أي الاثنين كان عَلَى أربعة أقوال [5] :
أحدها: لسبع عشرة [خلت] [6] من رمضان، وقد ذكرناه عَنِ ابْنِ البراء.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن أبي طاهر قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قَالَ:
أَخْبَرَنَا الحارث قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن سعد قَالَ: أَخْبَرَنَا الواقدي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن أبي سبرة، عن إسحاق بن عَبْد الله بن أبي فروة [7] ، عَنْ أبي جعفر [8] قَالَ:
نزل [9] الملك على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان [10] .
__________
[1] في ت: «بعث الله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم» .
[2] سورة: العلق الآيات: 1- 5.
[3] أخرجه مسلم في صحيحه 2/ 819، والإمام أحمد في المسند 5/ 297، 299. والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 293.
[4] «قال مؤلف الكتاب» سقطت من ت.
[5] في ت: «أقاويل» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في الأصل: «بن أبي طلحة» والتصحيح من ابن سعد.
[8] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا أبو بكر بن طاهر بإسناد له عن ابن سعد بإسناد له عن أبي فروة عن أبي جعفر» .
[9] في الأصل: «لما نزل» وما أثبتناه موافق لما في ت وابن سعد.
[10] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 194.(2/348)
والقول الثاني: أن القرآن نزل لأربع وعشرين ليلة [1] خلت من رمضان. رواه قتادة عَنْ أبي الجلد.
والثالث: لثمان عشرة خلت [2] من رمضان. رواه أيوب، عَنْ أبي قلابة عَبْد اللَّه بْن زيد الجرمي.
[والقول] [3] الرابع: أنه كان فِي رجب.
أَخْبَرَنَا سَعْدُ الْخَيْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الأَبَنُوسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَرَ الرَّزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصِ بْنِ شاهين قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الْبَزَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّقِّيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ضَمْرَةُ بْنُ أَبِي شَوْذَبٍ، عَنْ مطر الوراق عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ [4] :
مَنْ صَامَ يَوْمَ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ كُتِبَ لَهُ صِيَامُ سِتِّينَ شَهْرًا، وَهُوَ اليوم الّذي نزل فيه جبريل عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ أَوَّلُ يَوْمٍ هَبَطَ فِيهِ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ الْمُذْهِبِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن مالك قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قال: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أخبرنا معمر، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ، فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلُ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ، وَكَانَ يَأْتِي حِرَاءَ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ- وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِي ذَوَاتِ الْعَدَدِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ بِمِثْلِهَا حَتَّى فَجَأَهُ الْحَقُّ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ:
مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثم أرسلني فقال: [اقرأ،
__________
[1] في ت: «لأربع عشرة ليلة» .
[2] «خلت» سقطت من ت.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] حذف السند في ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا سعد الخير بإسناد له عن أبي هريرة» .(2/349)
فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ:] [1] اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ 96: 1- 2 حتى بلغ ما لَمْ يَعْلَمْ 96: 5 [2] فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عنه الروع، فقال: «يا خديجة ما لي» وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرُ [، قَالَ: قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي] [3] فقالت له: كلّا أبشر، فو الله لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ على نوائب الحق، ثم انطلقت [به] [4] خديجة حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، وَهُوَ ابن عم خديجة، وكان امرأ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: أَيِ ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فقال ورقة: يا بن أَخِي مَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ:
هَذَا النَّامُوسُ [الأَكْبَرُ] [5] الَّذِي نَزَلَ عَلَى مُوسَى، يَا ليتني فيها جذعا أَكُونَ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أو مخرجيّ هُمْ؟» قَالَ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ [قَطُّ] [6] بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِيَ، فَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكُ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ.
وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كي يتردّى من رءوس [شَوَاهِقِ] [7] الْجِبَالِ فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ كَيْ [8] يُلْقِي نَفْسَهُ مِنْهُ [9] تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا. فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُه وَتَقِرُّ 0 نَفْسُهُ، فَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ تَبَدَّى لَهُ جبريل فقال مثل ذلك [10] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] سورة: العلق، الآيات: 1- 5.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] «كي» سقطت من ت.
[9] «منه» سقطت من ت.
[10] الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير 9/ 37، وفي كتاب الوحي 1/ 3. ومسلم في(2/350)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْفَرَبْرِيُّ قال: حدّثنا البخاري قاله: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بَكْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ [1] قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ، فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: «فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ [جَالِسٌ] [2] عَلَى كُرْسِيٍّ بين السماء والأرض فجثيت مِنْهُ رُعْبًا، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي [زَمِّلُونِي] [3] فَدَثَّرُونِي فأنزل الله عز وجل يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 74: 1 [4] . قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ [5] : هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَالَّذِي قَبْلَهُ.
وَقَدْ رُوى ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ مَوْلَى الزُّبَيْرِ [6] أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ خَدِيجَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِيمَا يُثْبِتُهُ فِيمَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ من نبوته- يا بن عَمِّ، أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِكَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ إِذَا جَاءَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَإِذَا جَاءَكَ فَأَخْبِرْنِي بِهِ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا خديجة، هذا جبريل. قالت: فقم فاجلس
__________
[ () ] صحيحه 1/ 139. والإمام أحمد في المسند 6/ 232- 233. والبيهقي في الدلائل 2/ 135- 137.
وابن حبان في صحيحه حديث 34 من كتاب الوحي وابن الجوزي في ألوفا برقم 196.
[1] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «وروي عن جابر بن عبد الله قال» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] سورة: المدثر، الآية: 1.
والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير باب: وثيابك فطهر (8/ 678) وفي باب:
والرجز فاهجر.
وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان حديث 253، 255.
وكذلك أخرجه الترمذي في سننه في تفسير سورة المدثر. والبيهقي في الدلائل 2/ 138.
والإمام أحمد في المسند 3/ 325.
[5] «قال مؤلف الكتاب» سقط من ت.
[6] في الأصل: «مولى البراء» .(2/351)
عَلَى فَخِذِي الْيُسْرَى فَقَامَ فَجَلَسَ فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ [1] قَالَتْ: فَتَحَوَّلْ إِلَى فَخِذِي اليمنى [2] فتحول فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ نَعَمْ. [قَالَتْ: فَتَحَوَّلْ فَاجْلِسْ فِي حِجْرِي. فَجَلَسَ فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ،] [3] فَأَلْقَتْ خِمَارَهَا وَقَالَت: هَلْ تَرَاهُ؟
قَالَ: لا. قَالَتْ: يَا بْنَ عَمِّ اثْبُتْ وأبشر، فو الله إِنَّهُ لَمَلِكٌ وَمَا هُوَ بِشَيْطَانٍ [4] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو عمر بْن حيويه قَالَ: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حدثنا محمد بْنُ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللُّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالْحُجُونِ وَهُوَ مُكْتَئِبٌ حَزِينٌ، فَقَالَ: «اللَّهمّ أَرِنِي [الْيَوْمَ] [5] آيَةً لا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَهَا مِنْ قَوْمِي» فَإِذَا شَجَرَةٌ مِنْ قِبَلِ عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ فَنَادَاهَا فَجَاءَتْ تَشُقُّ الأَرْضَ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ، فَسَلَّمَتَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَهَا فَرَجَعَتْ. فَقَالَ:
«مَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَهَا مِنْ قَوْمِي» [6] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ السَّمَّاكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّيِّبِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ يُوسُفَ الْعَلافُ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو رَبِيعَةَ وَدَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ قَالُوا: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بن رَافِعٍ، عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ [7] عَنْهُ قَالَ:
كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بِالْحُجُونِ فَقَالَ: اللَّهمّ أَرِنِي آيَةً لا أُبَالِي من كذّبني بعدها من
__________
[1] من أول: «فإذا جاءك فأخبرني به فجاءه ... » حتى «قال: نعم» سقط من ت.
[2] في ت: «الأيمن» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 2/ 151- 152. وابن الجوزي في ألوفا برقم 199.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 170.
[7] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «وعن ابن عمر رضي الله عنهما» .(2/352)
قُرَيْشٍ» فَقِيلَ لَهُ: ادْعُ هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَدَعَاهَا فَأَقْبَلَتْ تَجُرُّ عُرُوقَهَا [1] تُقَطِّعُهَا، ثُمَّ أَقْبَلَتْ تَجُزُّ الأَرْضَ [حَتَّى] [2] وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَتْ: مَا تَشَاءُ؟ مَا تُرِيدُ؟
قَالَ: «ارْجِعِي إِلَى مَكَانَكِ» فَرَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا، فَقَالَ: «وَاللَّهِ مَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي مِنْ قُرَيْشٍ»
. فصل
قَالَ مؤلف الكتاب [3] : وقد اختلف الناس [4] فيمن كان قرين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الملائكة مدة نبوته.
فأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بْن حيويه قَالَ: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قَالَ: أَخْبَرَنَا يعلى بْن أسيد قَالَ: حَدَّثَنَا وهيب بْن خالد، عَنْ داود بْن أبي هند، عن عامر [5] :
أن رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أنزلت عَلَيْهِ النبوة وهو ابن أربعين سنة فكان معه إسرافيل ثلاث سنين [6] . ثم عزل عَنْ إسرافيل وقرن به جبريل عَلَيْهِ السلام عشر سنين بمكة، وعشر سنين مهاجره [7] بالمدينة.
قَالَ ابن سعد: فذكرت هَذَا الحديث لمُحَمَّد بْن عمر فَقَالَ: ليس يعرف أهل العلم ببلدنا أن إسرافيل قرن بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فإن علماءهم وأهل الستر [منهم] [8] يقولون: لم
__________
[1] في ت: «فأقبلت على عروقها» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] بياض في ت مكان: «فصل. قال مؤلف الكتاب» .
[4] «الناس» سقطت من ت.
[5] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا محمد بن أبي طاهر بإسناد له عن عامر» .
[6] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 191.
[7] «مهاجره» سقطت من ت.
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(2/353)
يقرن به غير جبريل من حين أنزل [1] عليه بالوحي إلى أن قبض صلى الله عليه وسلم [2]
. فصل
فأما صفة نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم [3] فَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُظَفَّرُ قَالَ: أخبرنا ابن أعين قال: أخبرنا الفريري قَالَ: أَخْبَرَنَا الْبُخَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ [4] : أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَحْيَانًا يَأْتِينِي فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ» . قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا [5] .
قَالَ مُؤَلِّفُهُ [6] : أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وفيهما: من حديث يعلى بْن أمية: أنه كان يقول لعمر رضي اللَّه عنه: «ليتني أرى رَسُول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم حين ينزل عَلَيْهِ الوحي، فلما كان النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم بالجعرانة جاءه رجل فسأله عَنْ شَيْء فجاءه الوحي، فأشار عمر إِلَى يعلى أن تعال، فجاء يعلى فأدخل رأسه، فإذا هو محمر الوجه يغط كذلك ساعة، ثم سري عنه [7] .
[وَقَدْ] أَخْبَرَنَا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر
__________
[1] في ت: «غير جبريل نزل عليه بالوحي» .
[2] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 191.
[3] في ت: «فأما نزول الوحي» وبياض مكان «فصل» .
[4] وفي ت: «أخبرنا محمد بن أبي طاهر بإسناد له عن عامر» .
[5] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي باب 2، وبدء الخلق باب 6. ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل حديث 87. وابن سعد في الطبقات 1/ 198.
[6] «قال مؤلفه» سقطت من ت.
[7] أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 7. ومسلم في صحيحه، كتاب الحج 6، 10، والبيهقي في الدلائل 5/ 204، 205. وابن الجوزي في ألوفا برقم 210،(2/354)
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَهْرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِنَاءِ بَيْتِهِ بِمَكَّةَ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ عُثْمَانُ بن مظعون فتكشر إلى رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال له رسول الله: «أَلا تَجْلِسُ» قَالَ: بَلَى قَالَ [1] : فَجَلَسَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْبِلُهُ، فَبَيْنَا هُوَ يُحَدِّثُهُ إِذْ شَخَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَنَظَرَ سَاعَةً إِلَى السَّمَاءِ، فَأَخَذَ يَضَعُ بَصَرَهُ حَتَّى وَضَعَهُ عَلَى يَمِينِهِ فِي الأَرْضِ فَتَحَرَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جَلِيسِهِ عُثْمَانَ إِلَى حَيْثُ وَضَعَ بَصَرَهُ، وَأَخَذَ يَنْفِضُ رَأْسَهُ كَأَنَّهُ يَسْتَفْقِهُ، مَا يَقُولُ [2] لَهُ وَابْنُ مَظْعُونٍ [يَنْظُرُ] [3] فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ وَاسْتَفْقَهَ مَا يُقَالُ لَهُ شَخَصَ بَصَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاءِ كَمَا شَخَصَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَأَتْبَعَهُ بَصَرَهُ حَتَّى تَوَارَى فِي السَّمَاءِ، فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ بِجَلْسَتِهِ الأُولَى فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فِيمَا كُنْتُ أُجَالِسُكَ وَآتِيكَ؟ وَمَا رَأَيْتُكَ تفعل كفعلك الغداة! قاله: «وَمَا رَأَيْتَنِي فَعَلْتُ؟» قَالَ: رَأَيْتُكَ تَشْخَصُ بِبَصَرِكَ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ وَضَعْتَهُ حَيْثُ وَضَعْتَهُ عَلَى يَمِينِكَ فَتَحَرَّفْتَ إِلَيْهِ وَتَرَكْتَنِي، فَأَخَذْتَ تَنْفِضُ رَأْسَكَ [4] كَأَنَّكَ تَسْتَفْقِهُ شَيْئًا يُقَالُ لَكَ. قَالَ: «وَفَطِنْتَ لِذَلِكَ؟» قَالَ عُثْمَانُ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ [5] آنِفًا وَأَنْتَ جَالِسٌ» قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَمَا قَالَ [6] لَكَ؟ قَالَ:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ 16: 90 [7] .
قَالَ عُثْمَانُ [8] : فَذَلِكَ حِينَ اسْتَقَرَّ الإِيمَانُ فِي قَلْبِي وَأَحْبَبْتُ [مُحَمَّدًا] [9] رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [10] .
__________
[1] «قَالَ» سقطت من ت.
[2] في الأصل: «ما يقول» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] «فتحرفت إليه وتركتني فأخذت تنفض رأسك» سقط من ت.
[5] في ت: «أتاني جبريل» .
[6] في الأصل: «مما تقول» .
[7] سورة: النحل، الآية: 90.
[8] «قال عثمان» سقطت من ت.
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] أخرجه الإمام أحمد في المسند 3/ 5. وابن الجوزي في ألوفا برقم 216.(2/355)
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي طاهر قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال أخبرنا بِإِسْنَادِهِ [1] .
وَقَالَ أَبُو أَرْوَى الدَّوْسِيُّ: رَأَيْتُ الْوَحْيَ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأنه على راحلته فترغو وتفتل يَدَيَهَا حَتَّى أَظُنُّ أَنْ ذِرَاعَهَا يَنْفَصِمُ، فَرُبَّمَا بَرَكَتْ وَرُبَّمَا قَامَتْ مُؤْتَدَّةً يَدَيْهَا، حَتَّى يُسَرَّى [مِنَ ثِقَلِ الْوَحْيِ،] [2] وَإِنَّهُ لَيَنْحَدِرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ. رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ [3] .
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ:
كَانَ إِذَا أُوحِيَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَقَذَ لِذَلِكَ سَاعَةً كَهَيْئَةِ السَّكْرَانِ [4]
. فصل وكان من الحوادث في مبعثه صلى الله عليه وسلم [5] : رمي الشياطين بالشهب بعد عشرين يوما من المبعث:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا [6] مَا هَذَا الأمر الّذي حدث فانطلقوا فضربوا [7] مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَنْظُرُونَ مَا هَذَا الأَمْرَ
__________
[1] حذف هذا السند من ت.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ت: «قال ابن سعد» .
والخبر أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 197. وابن الجوزي في ألوفا 219.
[4] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 197.
[5] بياض في ت مكان: «فصل. وكان من الحوادث في مبعثه صلى الله عليه وسلم» .
[6] في ت: «ينظرون» .
[7] في ت: «فضرب» .(2/356)
الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. قَالَ: فَانْطَلَقَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بِنَخْلَةٍ] [1] وَهُوَ عَامِدٌ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاةَ [الْفَجْرِ] [2] فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ. قَالُوا: هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ [3] وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: [يَا قَوْمَنَا] [4] إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً 72: 1- 2 [5] وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ 72: 1 [6] .
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ بِإِسْنَادٍ لَهُ، عَنْ] [7] مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال:
لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم زُجِرَ الْجِنُّ وَرُمُوا بِالْكَوَاكِبِ، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يستمعون، لكل قبيل من الجن مقعد يَسْتَمِعُونَ فِيهِ، فَأَوَّلُ مَنْ فَزِعَ لِذَلِكَ أَهْلُ الطَّائِفِ، فَجَعَلُوا يَذْبَحُونَ لآلِهَتِهِمْ، مَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ وَغَنَمٌ كُلَّ يَوْمٍ، حَتَّى كَادَتْ أَمْوَالُهُمْ تَذْهَبُ، ثُمَّ تَنَاهَوْا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلا تَرَوْنَ مَعَالِمَ السَّمَاءِ كَمَا هِيَ، لَمْ يَذْهَبْ مِنْهَا شَيْءٌ؟ وَقَالَ: إِبْلِيسُ:
هَذَا أَمْرٌ قَدْ حَدَثَ فِي الأَرْضِ ائْتُونِي مِنْ كُلِّ أَرْضٍ بتربة. فكان يؤتى بالتربة فيشمها وَيُلْقِيهَا حَتَّى أُتِيَ بِتُرْبَةِ تِهَامَةَ فَشَمَّهَا وَقَالَ: هاهنا الْحَدَثُ [8] .
قَالَ مُحَمَّد بْن سعد: وَأَخْبَرَنَا علي بْن مُحَمَّد، عَنْ يحيى بْن معين، عَنْ يعقوب بْن عتبة بْن المغيرة بْن الأخنس قَالَ:
إن أول العرب فزع لرمي النجوم ثقيف، فأتوا عمرو
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «بيننا» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] سورة: الجن، الآية: 1، 2.
[6] سورة: الجن، الآية: 1.
والحديث أخرجه البخاري في صحيحه 8/ 669 (فتح) ومسلم في صحيحه 1/ 331. والبيهقي في دلائل النبوة 2/ 238. 239. وابن الجوزي في ألوفا برقم 226.
[7] في الأصل: «روي عن محمد بن سعد عن ابن عباس» .
[8] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 167. والبيهقي في دلائل النبوة 2/ 240، 241. وابن الجوزي في ألوفا برقم 227.(2/357)
ابن أمية قالوا، ألم تر ما حدث؟ قَالَ: بلى، فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها ويعرف بها أنواء الصيف والشتاء انتثرت، فهو طي الدنيا، وذهاب هَذَا الخلق الذي فيها، وإن كانت نجوما غيرها فأمر أراد اللَّه بهذا الخلق، ونبي يبعث فِي العرب، فقد تحدث بذلك [1] .
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يزيد الهذلي، عن سعيد بن عمرو الهذلي [2] ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
حَضَرْتُ مَعَ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِي صَنَمَ سُوَاعَ وَقَدْ سُقْنَا إِلَيْهِ الذَّبَائِحَ، فَكُنْتُ أَوَّلُ مَنْ قَرَّبَ لَهُ بَقَرَةً سَمِينَةً فَذَبَحْتُهَا عَلَى الصَّنَمِ، فَسَمِعْنَا صَوْتًا مِنْ جَوْفِهَا: العجب كل العجب خروج نبي بَيْنِ الأَخَاشِبِ يُحَرِّمُ الزِّنَا وَيُحَرِّمُ الذَّبَائِحَ لِلأَصْنَامِ، وَحُرِسَتِ السَّمَاءُ، وَرُمِينَا بِالشُّهُبِ. فَتَفَرَّقْنَا وَقَدِمْنَا مَكَّةَ فَسَأَلْنَا، فَلَمْ نَجِدْ أَحَدًا يُخْبِرَنَا بِخُرُوجِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى لَقِينَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] فَقُلْنَا: يَا أَبَا بَكْرٍ، اخْرُجْ أَحَدٌ بِمَكَّةَ يَدْعُو إِلَى اللَّهَ تَعَالَى يُقَالُ لَهُ أَحْمَدُ؟ فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ. فَقَالَ: نعم هذا رسول الله، ثُمَّ دَعَانَا إِلَى الإِسْلامِ فَقُلْنَا: حَتَّى نَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ وَيَا لَيْتَ أَنَّا أَسْلَمْنَا يَوْمَئِذٍ، فَأَسْلَمْنَا بَعْدَهُ [3]
. فصل [4]
واختلف العلماء فِي أول من أسلم، فالمشهور: أنه أَبُو بكر، وقيل: علي، وقيل:
خديجة. وقيل: زيد، رضي اللَّه عنهم.
وقيل: أول من أسلم من الرجال: أَبُو بكر، ومن الصبيان: علي، ومن النساء:
خديجة، ومن الموالي: زيد، ثم أسلم بلال، والزبير، وعثمان، وابن عروة، وسعد، وطلحة.
__________
[1] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 163.
[2] سقط من ت: «عن سعيد بن عمرو الهذلي» .
[3] في الأصل، ت: «فأسلمنا بعد» وما أثبتناه من ابن سعد والخبر أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 167، 168.
[4] بياض في ت مكان «فصل» .(2/358)
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ بِإِسْنَادٍ لَهُ،] عَنْ حَيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ [1] : رَأَيْتُ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ ضَحِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ لَمْ أَرَهُ ضَحِكَ ضَحِكًا قَطُّ أَكْثَرَ مِنْهُ، حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ:
ذكرت قول أبي طالب ظهر علينا أَبُو طَالِبٍ وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ نُصَلِّي بِبَطْنِ نَخْلَةٍ، فقال: ماذا تصنعان يا بن أَخِي؟ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الإِسْلامِ، فَقَالَ: مَا بِالَّذِي تَصْنَعَانِ مِنْ بَاسٍ- أَوْ مَا بِالَّذِي تَقُولانِ بَأْسٌ- وَلَكِنِّي لا وَاللَّهِ لا تَعْلُونِي اسْتِي أَبَدًا، وَضَحِكَ تَعَجُّبًا بِقَوْلِ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لا أَعْرَفُ أَنَّ عَبْدًا لَكَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ عَبَدَكَ قَبْلِي غَيْرَ نَبِيِّكَ- ثَلاثَ مَرَّاتٍ-[2] لَقَدْ صَلَّيْتُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ سَبْعًا. وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاق، وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي الأَشْعَثِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِيَاسِ بْنِ عَفِيفٍ الْكِنْدِيِّ، عَنْ أبيه، عن جده قال:
كنت امرأ تَاجِرًا فَقَدِمْتُ الْحَجَّ، فَأَتْيْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لأَبْتَاعَ مِنْهُ بَعْضَ التِّجَارَةِ، وَكَانَ امْرَأً تاجرا، قال: فو الله إِنِّي لَعِنْدَهُ بِمِنًى إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خِبَاءٍ قَرِيبٍ مِنْهُ، فَنَظَر إِلَى الشَّمْسِ، فَلَمَّا رَآَهَا قَامَ يُصَلِّي ثُمَّ خَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْخِبَاءِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَامَتْ خَلْفَهُ تُصَلِّي.
ثُمَّ خَرَجَ غُلامٌ حِينَ رَاهَقَ الْحُلُمَ مِنْ ذَلِكَ الْخِبَاءِ فَقَامَ بَعْدُ يُصَلِّي، قَالَ: فَقُلْتُ لِلْعَبَّاسِ: يَا عَبَّاسُ، مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنُ أَخِي قَالَ: قُلْتُ: من هذه المرأة [3] ؟ قال: هذه امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ،. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الْفَتَى [4] ، قَالَ: هَذَا عَلِّيُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ابْنُ عَمِّهِ. قُلْتُ: فَمَا الَّذِي يَصْنَعُ؟ قَالَ، يُصَلِّي، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَلَمْ يَتَّبِعْهُ عَلَى أَمْرِهِ إِلا امْرَأَتُهُ وَابْنُ عَمِّهِ هَذَا الْفَتَى، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُفْتَحُ عَلَيْهِ كُنُوزُ كِسْرَى أَوْ قَيْصَرَ. قَالَ: فَكَانَ عَفِيفٌ وَهُوَ ابْنُ عَمٍّ لِلأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ يَقُولُ: وَأَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَسُنَ إِسْلامُهُ [لَوْ كَانَ اللَّهُ رَزَقَنِي الإِسْلامَ] [5] يَوْمَئِذٍ فَأَكُونَ ثَانِيًا مَعَ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
__________
[1] فِي الأصل: «قال حية العوفيّ» .
[2] «مرات» سقطت من ت.
[3] «المرأة» سقطت من ت.
[4] في ت: «الصبي» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(2/359)
فصل [1] وكان من الحوادث عند مبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: تغير أحوال كسرى المسمى: أبرويز [2] :
وكانت دجلة تجري قديما فِي أرض كوجى فِي مسالك محفوظة إِلَى أن تصب فِي بحر فارس، ثم غورت وجرت صوب واسط فأنفق الأكاسرة عَلَى سدها وإعادتها إِلَى مجراها القديم، فغرم عَلَى ذلك أموالا كثيرة، ولم يثبت السد.
فلما ولي قباذ بْن فيروز انبثق فِي أسافل كسكر بثق عظيم، وغلب الماء فأغرق عمارات كثيرة، فلما ولي أنوشروان بنى مسنيات [3] ، فعاد بعض تلك العمارة، وبقيت عَلَى ذلك إِلَى ملك أبرويز بْن هرمز بن أنوشروان، وكان من أشد القوم بطشا، وتهيأ له ما لم يتهيأ لغيره، فسكر دجلة العوراء، وأنفق عليها ما لا يحصى، وبنى طاق مجلسه، وكان يعلق فيه تاجه ويجلس والتاج فوق رأسه معلق من غير أن يكون له عَلَى رأسه ثقل [4] .
قَالَ وهب بْن منبه: وكان عنده ثلاثمائة وستون رجلا من الحزاة- وهم العلماء- من بين كاهن وساحر ومنجم، وكان فيهم رجل من العرب يقال له: السائب يعتاف اعتياف العرب قلما يخطئ، بعث به إليه باذان من اليمن فكان كسرى إذا حزبه أمر جمع كهانه وسحرته ومنجميه فَقَالَ: انظروا فِي هَذَا الأمر ما هو. فلما أن بعث اللَّه تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أصبح كسرى ذات غداة قد انفصمت طاق من وسطها وانخرقت عَلَى دجلة العوراء «شاه بشكست» يقول: الملك انكسر. ثم دعا كهانه وسحرته ومنجميه ودعا السائب معهم، فأخبرهم بذلك، وَقَالَ: انظروا فِي هَذَا الأمر فنظروا، فأظلمت عليهم الأرض فتسكعوا فِي عملهم، فلم يمض لساحر سحره، ولا لكاهن كهانته، ولا لمنجم علم نجومه.
__________
[1] بياض في ت مكان «فصل» .
[2] هذا في الكامل 1/ 371 وما بعد (ما رأى كسرى من الآيات) .
[3] المسنيات: جمع مسناة وهو السد. وفي الأصل: «منسبيات» .
[4] ألوفا الباب الثاني عشر من أبواب ذكر نبوته صلى الله عليه وسلم.(2/360)
وبات السائب فِي ليلة ظلماء عَلَى ربوة من الأرض يرمق برقا نشأ من قبل الحجاز، ثم استطار حَتَّى بلغ المشرق، فلما أصبح ذهب ينظر إِلَى ما تحت قدميه، فإذا روضة خضراء. فَقَالَ فيما يعتاف: لئن صدق ما أرى ليخرجن من الحجاز سلطان يبلغ المشرق تخصب عنه الأرض كأفضل ما أخصبت عَنْ ملك كان قبله.
فلما اجتمع الحزاة قَالَ بعضهم لبعض: والله ما حيل بينكم وبين علمكم إلا لأمر جاء من السماء وإنه لنبي قد بعث، أو هو مبعوث يسلب هَذَا الملك ويكسره، وإن نعيتم إِلَى كسرى ملكه ليقتلنكم، فأقيموا بينكم أمرا تقولونه فجاءوا كسرى فقالوا له: قد نظرنا هَذَا الأمر فوجدنا حسابك الذين وضعت عَلَى حسابهم طاق ملكك وسكرت دجلة العوراء، ووضعوه عَلَى النحوس وإنا سنحسب لك حسابا، تضع بنيانك فلا يزول، قَالَ: فاحسبوا. فحسبوا له ثم قالوا: ابنه، فبناه. فعمل فِي دجلة ثمانية أشهر، وانفق فيها من الأموال ما لا يدرى ما هو، حَتَّى إذا فرغ قَالَ [لهم:] [1] أجلس عَلَى سورها، قالوا: نعم فأمر بالبسط والفرش والرياحين. فوضعت عليها [وأمر بالمرازبة فجمعوا له، وجمع اللعابون وخرج حَتَّى جلس عليها] [2] فبينا هو هنالك انشقت دجلة وانهار البنيان من تحته، فلم يستخرج إلا بآخر رمق، فلما أخرج قتل من الحزاة قريبا من مائة، وَقَالَ تلعبون بي؟ قالوا: أيها الملك، أخطأنا كما أخطأ من كان قبلنا ولكنا سنحسب لك حسابا حَتَّى تضعها عَلَى الوفاق من السعود.
قَالَ: انظروا ما تقولون. قالوا: فإنا نفعل، فحسبوا له، ثم قالوا له: ابنه فبنى وأنفق من الأموال ما لا يدرى ما هو ثمانية أشهر، ثم [قَالَ:] [3] أفأخرج فأقعد؟ قالوا:
نعم. فركب برذونا له وخرج يسير عليها إذ انشقت دجلة بالبنيان، فلم يدرك إلا بآخر رمق، فدعاهم فَقَالَ: والله لأمرن عَلَى آخركم، ولأترعن أكتافكم، ولأطرحنكم تحت أيدي الفيلة أو لتصدقني ما هَذَا الأمر الذي تلفقون به علي؟
قالوا: لا نكذبك، أيها الملك أمرتنا حين انخرقت عليك دجلة وانفصمت طاق
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت وأثبتناه من ألوفا لابن الجوزي.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(2/361)
مجلسك أن ننظر فِي عملنا فنظرنا، فأظلمت علينا الأرض وأخذ علينا بأقطار السماء، فلم يستقم منا لعالم علمه، فعلمنا أن هَذَا لأمر حدث من السماء، وأنه قد بعث نبي أو هو مبعوث، فلذلك حيل بيننا وبين علمنا، فخشينا إن نعينا إليك ملكك أن تقتلنا، فعللناك عَنْ أنفسنا بما رأيت، فتركهم ولهى عنهم وعن دجلة حَتَّى غلبته [1] .
أَنْبَأَنَا بهذا الحديث: أَبُو البركات عَبْد الوهاب الأنماطي بإسناد لَهُ عَنْ أبي بكر بْن أبي الدنيا.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّد بْن أيوب، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن سعد قَالَ: قَالَ: ابن إِسْحَاق:
كان من حديث كسرى قبل أن يأتيه كتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فيما بلغني أنه كان سكر دجلة العوراء، فألقى فيها من الأموال ما لا يدرى ما هو- وذكر الحديث بعينه [2] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لا أَتَّهِمُ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، مَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى كِسْرَى فِيكَ؟ قَالَ: «بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ مَلَكًا فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ سُورِ [3] جِدَارِ بَيْتِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ تَلأْلأَ نُورًا، فَلَمَّا رَآَهَا فَزِعَ فَقَالَ: لِمَ تُرَعْ يَا كِسْرَى، إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا، فَاتَّبِعْهُ تَسْلَمْ دُنْيَاكَ وَآَخِرَتُكَ. قَالَ: سَأَنْظُرُ [4] . وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاق، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْن حَزْمٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ قَالَ:
بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كِسْرَى وَهُوَ فِي بَيْتٍ مِنْ [بَعْضِ] [5] بُيُوتِ إِيوَاِنِه الَّذِي لا يُدْخَلُ عَلَيْهِ فِيهِ، فَلَمْ يَرُعْهُ إِلا بِهِ قَائِمًا عَلَى رَأْسِهِ فِي يَدِهِ عَصًا بِالْهَاجِرَةِ فِي سَاعَتِهِ الَّتِي كَانَ يَقِيلُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا كِسْرَى، أَتُسْلِمُ أَوْ أَكْسِرُ هَذِهِ الْعَصَا؟ فَقَالَ: بهل بهل.
__________
[1] أخرجه ابن الجوزي في ألوفا برقم 233.
[2] أخرجه ابن الجوزي في ألوفا برقم 234 الكامل 1/ 371. ولم أجده في السيرة النبويّة لابن هشام.
[3] «سور» سقطت من ت.
[4] ألوفا لابن الجوزي برقم 235 والكامل 1/ 373.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(2/362)
فَانْصَرَفَ عَنْهُ فَدَعا حُرَّاسَهُ وَحُجَّابَهُ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: مَنْ أَدْخَلَ هَذَا الرَّجُلَ عَلَيَّ؟ قَالُوا: مَا دَخَلَ عَلَيْكَ أَحَدٌ وَلا رَأَيْنَاهُ. حَتَّى إِذَا كَانَ الْعَامُ الْقَابِلُ أَتَاهُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي أَتَاهُ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَتُسْلِمُ أَوْ أَكْسِرُ هَذِهِ الْعَصَا؟ فَقَالَ: بُهْلٌ بُهْلٌ، فَخَرَجَ عَنْهِ فَدَعَا كِسْرَى حُجَّابَهُ وَبَوَّابِيهِ، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ كَمَا قَالَ لَهُمْ فِي النَّوْبَةِ الأُولَى [1] . فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا أَحَدًا دَخَلَ عَلَيْكَ. حَتَّى إِذَا كَانَ فِي الْعَامِ الثَّالِثِ أَتَاهُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي جَاءَهُ فِيهَا، وَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ: أَتُسْلِمُ أَوْ أَكْسِرُ هَذِهِ الْعَصَا؟ فَقَالَ:
بُهْلٌ بُهْلٌ. فَكَسَرَ الْعَصَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَلَمْ يَكُنْ إِلا تَهَوُّرُ مُلْكِهِ، وَانْبِعَاثُ ابْنِهِ وَالْفَرَسُ حَتَّى قَتَلُوهُ [2] .
قَالَ الزهري: حدثت عمر بْن عَبْد العزيز بهذا الحديث بهذا الإسناد، عن أبي سلمة فقال: ذكرى لي أن الملك إنما دخل عَلَيْهِ بقارورتين فِي يده، ثم قَالَ: أسلم، فلم يفعل، فضرب أحدهما عَلَى الأخرى فرضهما، ثم خرج فكان من هلاكه [3] ما كان [4] .
أَنْبَأَنَا عَبْد الْوَهَّابِ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ حَاتِمَ بْنَ عطاء قال: سمعت خالد بن ويدة- وَكَانَ رَأْسًا فِي الْمَجُوسِيَّةِ فَأَسْلَمَ- قَالَ:
كَانَ كِسْرَى إِذَا رَكِبَ رَكِبَ أَمَامَهُ رَجُلانِ، فَيَقُولانِ لَهُ سَاعَةً بِسَاعَةٍ: أَنْتَ عَبْدٌ وَلَسْتَ بِرَبٍّ فَيُشِيرُ بِرَأْسِهِ: أَيْ نَعَمْ، قَالَ: فَرَكِبَ يَوْمًا فَقَالا لَهُ ذَلِكَ، فَلَمْ يُشِرْ بِرَأْسِهِ، فَشَكَيَا ذَلِكَ إِلَى صَاحِبِ [شُرْطَتِهِ فَرَكِبَ صَاحِبُ] [5] شُرْطَتِهِ لِيُعَاتِبَهُ، وَكَانَ كِسْرَى قَدْ نَامَ، فَلَمَّا وَقَعَ صَوْتُ حَافِرِ الدَّوَابِّ فِي سَمْعِهِ اسْتَيْقَظَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ صَاحِبُ شُرْطَتِهِ فَقَالَ: أَيْقَظْتُمُونِي وَلَمْ تَدَعُونِي أَنَامُ، إِنِّي رَأَيْتُ أَنَّهُ رُقِيَ بِي فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ فَوَقَفْتُ بَيْنَ َيدَيِ اللَّهِ/ تَعَالَى، وَإِذَا رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ، فقال لي: سلّم مفاتيح خزائن
__________
[1] في ت: «كما قال أول مرة» .
[2] أخرجه ابن الجوزي في ألوفا برقم 236.
[3] في ت: «فكان من أمره هلاكه» .
[4] أخرجه ابن الجوزي في ألوفا برقم 237.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(2/363)
أَرْضِي إِلَى هَذَا، أَلَسْتَ الْمَأْمُورَ كَذَا؟ فَلَمْ يغير فإلى إن أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ اسْتَرَّدَهَا مِنْهُ فَأَيْقَظْتُمُونِي.
قَالَ: وَصَاحِبُ الإِزَارِ وَالرِّدَاءِ، يَعْنِي: رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1]
. ذكر الحوادث فِي السنة الرابعة من النبوة
[2] كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستر النبوة ويدعو إِلَى الإسلام سرا، وكان أَبُو بكر [رضي اللَّه عنه] يدعو أيضا من يثق به من قومه ممن يغشاه، ويجلس إليه، فلما مضت من النبوة ثلاث سنين نزل قوله عز وجل: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ] 15: 94 [3] فأظهر الدعوة [4] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي طاهر بإسناده إِلَى مُحَمَّد بْن سعد: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عمر قَالَ: حَدَّثَنَا حارثة بْن أبي عمران، عَنْ عَبْد الرحمن بْن القاسم، عَنْ أبيه قَالَ:
أمر رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ان يصدع بما جاءه من عند اللَّه، وأن ينادي الناس بأمره، وأن يدعوهم إِلَى اللَّه سبحانه وتعالى، وكان يدعو من أول ما أنزلت عَلَيْهِ النبوة ثلاث سنين مستخفيا، إِلَى أن أمر بظهور الدعاء [5] .
قَالَ مُحَمَّد بْن عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم إِلَى الإسلام سرا وجهرا، فاستجاب للَّه من شاء من أحداث الرجال وضعفاء الناس، حَتَّى كثر من آمن به، وكفار قريش غير مكترثين لما يقول، فكان إذا مر عليهم فِي مجالسهم يقولون: إن غلام بني عَبْد المطلب ليكلم من السماء. فكان كذلك حتى عاب آلهتهم
__________
[1] أخرجه ابن الجوزي في ألوفا برقم 238.
[2] بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث فِي السنة الرابعة من النبوة» .
[3] سورة: الحجر، الآية: 94.
[4] في الأصل، ت: «الدعا» .
انظر ألوفا لابن الجوزي الباب الثالث عشر من أبواب نبوته صلى الله عليه وسلم.
[5] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 199. وألوفا برقم 240.(2/364)
التي يعَبْدونها دون اللَّه، وذكر هلاك آبائهم الذين ماتوا عَلَى الكفر، فشنفوا لرسول اللَّه عند ذلك وعادوه [1] .
قَالَ مُحَمَّد بْن عمر: وحدثني ابن موهب عَنْ يعقوب بْن عتبة قَالَ:
لما أظهر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم للإسلام ومن معه فشا أمرهم بمكة، ودعا بعضهم بعضا/ كان أَبُو بكر يدعو ناحية سرا، وكان سَعِيد بْن زيد، مثل ذلك، وكان عثمان مثل ذلك، وكان عمر بْن الخطاب يدعو علانية، وحمزة بْن عَبْد المطلب وأبو عبيدة بْن الجراح، فغضبت قريش، وظهر منهم لرسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم الحسد والبغي [2] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«كنت بَيْنَ شَرِّ جَارَيْنِ: بَيْنَ أَبِي لَهَبٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، إِنْ كَانَا لَيَأْتِيَانِ بِالْفُرُوثِ فَيَطْرَحَانِهَا عَلَى بَابِي، فَيَخْرُجُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ: يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَيُّ جِوَارٍ هَذَا» . ثُمَّ يُلْقِيهِ بِالطَّرِيقِ. أَوْ كَمَا قَالَتْ [3] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَقِّ بِإِسْنَادٍ لَهُ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ وَأَنَا فِي بِيَاعَةٍ لِي، فَمَرَّ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ [4] حَمْرَاءُ، وهو ينادي بأعلى صوته: «يا أيها الناس، قولوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ تُفْلِحُوا» وَرَجُلٌ يَتْبَعُهُ بِالْحِجَارَةِ قَدْ أَدْمَى كَعْبَيْهِ وَعُرْقُوبَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لا تُطِيعُوهُ، فَإِنَّهُ كَذَّابٌ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: غُلامُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. قُلْتُ: فَمَنْ [هَذَا] [5] الَّذِي يَتْبَعُهُ يَرْمِيهِ بالحجارة؟ قالوا: هذا عمه عَبْدُ الْعُزَّى- وَهُوَ أَبُو لَهَبٍ- فَلَمَّا ظَهَرَ الإِسْلامُ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ أَقْبَلْنَا فِي رَكْبٍ مِنَ الرَّبَذَة حَتَّى نَزَلْنَا قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَمَعَنَا ظَعِينَةٌ لَنَا [قَالَ:] [6] فَبَيْنَا نَحْنُ قُعُودٌ إِذْ أَتَانَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ فَسَلَّمَ. فَرَدَدْنَا عليه، فقال: من
__________
[1] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 199. وألوفا برقم 241.
[2] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 200.
[3] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 201.
[4] «حلة» سقطت من ت.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(2/365)
أَيْنَ أَقْبَلَ الْقَوْمُ؟ قُلْنَا: مِنَ الرَّبَذَة. قَالَ: وَمَعَنَا جَمَلٌ أَحْمَرُ. قَالَ: تَبِيعُونِي جَمَلُكُمْ؟ قُلْنَا:
نَعَمْ. قَالَ: بِكَمْ؟ قُلْنَا: بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. قَالَ: فَمَا اسْتَوْضَعَنَا شَيْئًا، وَقَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِرَأْسِ الْجَمَلِ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَتَوَارَى عَنَّا قَلِيلا فَتَلاوَمْنَا/ بَيْنَنَا فَقُلْنَا:
أَعْطَيْتُمْ جَمَلَكُمْ مَنْ لا تَعْرِفُونَهُ، فَقَالَتِ الظَّعِينَةُ: لا تَتَلاوَمُوا، فَقَدْ رَأَيْتُ وَجْهَ رَجُلٍ ما كان ليحقركم، ما رأيت وجه رجل أَشْبَهَ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ مِنْ وَجْهِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْعِشَاءُ أَتَانَا رَجُلٌ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ، فَإِنَّهُ أَمَرَكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ هَذَا حَتَّى تَشْبَعُوا وَتَكْتَالُوا حَتَّى تَسْتَوْفُوا. قَالَ: فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا، وَاكْتَلْنَا حَتَّى اسْتَوْفَيْنَا، فَلَمَّا كان من الغد دخلنا المدينة فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ: «يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ابْنِكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتِكَ وَأَخَاكَ وَأَدْنَاكَ وَأَدْنَاكَ» [1] .
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الصَّفَا فَقَالَ: «يَا صَبَاحَاهُ» فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: مَا لَكَ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ [2] إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أَوْ مُمَسِّيكُمْ أَلا تُصَدِّقُونِي؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَلِهَذَا دَعَوْتَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ 111: 1 [3] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللَّهُ عنهما] قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 26: 214 [4] دَعَانِي [رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [5] فَقَالَ لِي: «يَا عَلِيُّ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِي الأَقْرَبِينَ فَضِقْتُ بِذَلِكَ ذَرْعًا، وَعَرَفْتُ أَنِّي مَتَى أُنَادِيهِمْ بِهَذَا الأَمْرِ أَرَى مِنْهُمْ مَا أَكْرَهُ، فَصَمَتَ حَتَّى أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ إِنْ لا تَفْعَلْ مَا تُؤْمَرْ بِهِ يُعَذِبْكَ اللَّهُ [6] فَاصْنَعْ لَهُمْ صاعا من طعام، واجعل عليه رجل
__________
[1] أخرجه الإمام أحمد في المسند 2/ 226، 5/ 64، 163، 5/ 377.
[2] في الأصل: «أرأيتكم» .
[3] سورة: السد: الآية: 1 وانظر ألوفا برقم 248. والطبري 1/ 542.
[4] سورة: الشعراء، الآية: 214.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في ت: «يعذبك ربك» .(2/366)
شَاةٍ، وَامْلأْ لَنَا عَسًّا مِنْ لَبَنٍ، ثُمَّ اجْمَعْ لِي بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أُكَلِّمَهُمْ وَأُبَلِّغَهُمْ مَا أُمِرْتُ بِهِ. فَفَعَلْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ ثُمَّ دَعَوْتُهُمْ لَهُ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون، فيهم أعمامه أَبُو طَالِبٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْعَبَّاسُ، وَأَبُو لَهَبٍ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ دَعَانِي بِالطَّعَامِ الَّذِي صَنَعْتُ لَهُ، فَجِئْتُ بِهِ فَلَمَّا وَضَعْتُهُ تَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ جَرَّةً مِنَ اللَّحْمِ فَشَقَّهَا بِأَسْنَانِهِ ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي نَوَاحِي الصَّحْفَةِ، ثُمَّ قَالَ: «خُذُوا بِاسْمِ اللَّهِ» فَأَكَلَ الْقَوْمُ حَتَّى مَا لَهُمْ بِشَيْءٍ حَاجَةٌ، وَمَا أَرَى إِلا مَوَاضِعَ أَيْدِيهِمْ وَايْمُ اللَّهِ الَّذِي نَفْسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ، إِنْ كَانَ الرَّجُلُ [مِنْهُمْ] [1] لَيَأْكُلُ مَا قَدَّمْتُ لِجَمِيعِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: «اسْقِ الْقَوْمَ» فَجِئْتُهُمْ بِذَلِكَ الْعَسِّ فَشَرِبُوا مِنْهُ حَتَّى رَوَوْا جَمِيعًا، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَشْرَبُ مِثْلَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ [يُكَلِّمَهُمْ] [2] بَدَرَهُ أَبُو لهب الكلام، فَقَالَ: سَحَرَكُمْ صَاحِبُكُمْ- فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ، وَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: «الْغَدُ يَا عَلِيُّ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ سَبَقَنِي إِلَى مَا سَمِعْتَ مِنَ الْقَوْلِ فَأَعِدَّ لَنَا مِنَ الطَّعَامِ مِثْلَ مَا صَنَعْتَ، ثُمَّ اجْمَعْهُمْ لِي» . فَفَعَلْتُ وَجَمَعْتُهُمْ فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا، ثُمَّ تَكَلَّمَ رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم فقال: «يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ شَابًّا فِي الْعَرَبِ جَاءَ قَوْمَهُ بِأَفْضَلَ مِمَّا قَدْ جِئْتُكُمْ بِهِ، إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَقَدْ أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، فَأَيُّكُمْ يُؤَازِرُنِي عَلَى هَذَا الأَمْرِ [3] عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي» ؟ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ، فَقُلْتُ وَأَنَا أَحْدَثُهُمْ سِنًّا: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَقَامَ الْقَوْمُ يَضْحَكُونَ [4] . وذكر ابن جرير: أن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا إذا صلوا ذهبوا إِلَى الشعاب واستخفوا من قومهم، فبينا سعد بْن أبي وقاص فِي نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فِي شعب من شعاب مكة، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون فذاكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون، حَتَّى قاتلوهم، فاقتتلوا فضرب سعد بْن أبي وقاص يومئذ رجلا من المشركين [بلحي جمل] [5] فشجه فكان أول دم أهريق فِي الإسلام [6] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «على هذا القوم» .
[4] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 2/ 179- 180 مختصرا. الطبري 1/ 542.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] أخرجه ابن الجوزي في ألوفا برقم 263.(2/367)
قَالَ ابن إِسْحَاق: ولما نادى رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم قومه بالإسلام لم يردوا عَلَيْهِ كل الرد، حَتَّى ذكر آلهتهم وعابها، فلما فعل ذلك نادوه واجتمعوا عَلَى خلافه، ومنعه عمه أَبُو طَالِبٍ فمضى [1] إِلَى أبي طالب رجال من أشرافهم: كعتبة، وشيبة، وأبي جهل، فقالوا:
يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد/ سب آلهتنا، وعاب ديننا وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا [2] ، وإما أن تخلي بيننا وبينه، فإنك عَلَى مثل [3] ما نحن عَلَيْهِ من خلافه، فنكفيكه. فَقَالَ لهم أَبُو طَالِبٍ قولا رقيقا وردهم ردا جميلا، فانصرفوا عنه، ومضى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم عَلَى ما هو عليه يظهر دين اللَّه ويدعو إليه، ثم شرى الأمر بينه وبينهم، حَتَّى تباعد الرجال وتضاغنوا، فأكثرت قريش ذكر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينها، وحض بعضهم بعضا عَلَيْهِ، ثم مشوا إِلَى أبي طالب مرة أخرى فقالوا: يا أبا طالب، إن لك نسبا وشرفا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر عَلَى شتم آبائنا وسفه أحلامنا، وعيب آلهتنا حتى نكفه عنا أو ننازله وإياك فِي ذلك حَتَّى يهلك أحد الفريقين.
ثم انصرفوا عنه فعظم عَلَى أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفسا بإسلام رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم إليهم [4] ، ولا خذلانه، إلا أَنَّهُ قَالَ له: يا بْن أخي، إن قومك جاءوني فقالوا لي كذا وكذا، فأبق [علي و] [5] على نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق. فظن رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عمه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عَنْ نصرته، فَقَالَ:
«والله يا عماه لو وضعوا الشمس فِي يميني والقمر فِي يساري عَلَى أن أترك هَذَا الأمر حَتَّى يظهره [6] اللَّه أو أهلك فيه، ما تركته» ثم بكى رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقام، فلما ولى ناداه أَبُو طَالِبٍ فقال: أقبل يا بن أخي. فاقبل فَقَالَ: اذهب فقل ما أحببت، فو الله لا أسلمك [لشيء] [7] أبدا [8] .
__________
[1] في ت: «فمشى» .
[2] «عنا» سقطت من ت.
[3] «مثل» سقطت من ت.
[4] في ت: «لهم» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في ت: «أظهره» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] أخرجه ابن الجوزي في ألوفا برقم 263. وابن هشام في السيرة النبويّة 1/ 278. والبيهقي في الدلائل 2/ 187.(2/368)
وَقَالَ السدي: بعثوا رجلا إِلَى أبي طالب فَقَالَ له: هَؤُلاءِ مشيخة قومك يستأذنون عليك. فَقَالَ: أدخلهم. فلما دخلوا عَلَيْهِ قالوا: يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا، فأنصفنا من ابن أخيك، ومره فليكف عَنْ شتم آلهتنا وندعه وإلهه. فبعث إليه أَبُو طَالِبٍ، فلما جاء قَالَ: يا ابن أخي هَؤُلاءِ مشيخة قومك وسرواتهم، وقد سألوك النصف أن تكف عَنْ شتم آلهتهم ويدعوك وإلهك/ فَقَالَ: «يا عم، أولا أدعوهم إِلَى ما هو خير لهم منها» ؟
قَالَ: وإلى ما تدعوهم؟ قَالَ: «أدعوهم إِلَى أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم» فَقَالَ أَبُو جهل: ما هي وأبيك لنعطيكها وعشر أمثالها؟ قَالَ:
«يقولون لا إله إلا اللَّه» قَالَ: فتفرقوا وَقَالُوا سلنا غير هَذِهِ فَقَالَ: « [لو جئتموني بالشمس حَتَّى تضعوها فِي يدي] [1] ما أسألكم غيرها» فغضبوا وقاموا [من عنده، وَقَالُوا:] [2] لنشتمنك وإلهك الذي يأمرك بهذا. ونزل قوله تعالى وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ 38: 6 [3] . قَالَ ابن إِسْحَاق: فلما عرفت قريش أن أبا طالب لا يخذل رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم مشوا إليه بعمارة بْن الوليد بْن المغيرة [4] فقالوا: يا أبا طالب، هَذَا عمارة بْن الوليد أبهى فتى فِي قريش وأجمله، فخذه فاتخذه ولدا، وسلم إلينا ابن أخيك هَذَا الذي قد خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك، وسفه أحلامهم، فنقتله فإنما رجل كرجل فَقَالَ: والله لبئس [5] ما تسومونني، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟! هَذَا والله ما لا يكون أبدا. فَقَالَ مطعم بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك وجهدوا عَلَى التخلص مما تكرهه، فما أراك تريد [6] أن تقبل منهم شيئا. فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ لمطعم: والله ما أنصفوني ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك. قَالَ: فجنت الحرب حينئذ وتنابذ القوم ووثب كل قبيلة عَلَى من فيها من
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] سورة: ص، الآية: 6.
[4] «بن المغيرة» سقطت من ت.
[5] «لبئس» سقط من ت.
[6] «تريد» سقطت من ت.(2/369)
المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عَنْ دينهم، ومنع اللَّه رسوله منهم لعمه أبي طالب، وقام أَبُو طَالِبٍ [1] فِي بني هاشم وبني عَبْد المطلب فدعاهم إِلَى ما هو عَلَيْهِ من منع رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم والقيام دونه، فاجتمعوا إليه، وقاموا معه فأجابوا إِلَى ما دعاهم إليه من الدفع عَنْ رسول الله، إلا ما كان من أبي لهب، فلما رأى أَبُو طَالِبٍ من قومه ما سره من جدهم وحدتهم عليه جعل يذكر فعل رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم ومكانه فيهم ليسدد لهم رأيهم [2] .
ومن الحوادث العجيبه [3] أن أكثم بْن صيفي الحكيم لما سمع بظهور رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أراد أن يأتيه فمنعه قومه.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْد الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَلَغَ أَكْثَمَ بْنَ صَيْفِيٍّ مَخْرَجُ النَّبِيَّ صَلَّىَ اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَ أَنْ يَأْتِيَهُ فَأَبَى قَوْمُهُ أَنْ يَدَعُوهُ، وَقَالُوا:
أَنْتَ كَبِيرُنَا لَمْ يَكُنْ لِتَخِفَّ إِلَيْهِ. قَالَ: فَلْيَأْتِ مَنْ يُبَلِّغْهُ عَنِّي وَيُبَلِّغْنِي عَنْهُ، فَانْتُدِبَ رَجُلانِ فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالا: نَحْنُ رُسُلُ أَكْثَمِ بْنِ صَيْفِيٍّ، وَهُوَ يَسْأَلُكَ مَنْ أَنْتَ، وَمَا أَنْتَ، وَبِمَاذَا أُجِبْتَ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ تَلا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الآَيَةَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ 16: 90 [4] قَالا: رَدِّدْ عَلَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ، فَرَدَّدَهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَفِظُوهُ قَالَ: فَلَمَّا أَتَيَا أَكْثَمَ قَالا: [5] قَدْ سَأَلْنَاهُ عَنْ نَسَبِهِ فَوَجَدْنَاهُ وَاسِطَ النَّسَبِ فِي مُضَرٍ وَقَدْ رَمَى إِلَيْنَا كَلِمَاتٍ حَفِظْنَاهُنَّ فَلَمَّا سَمِعَهُنَّ أَكْثَمُ قَالَ: يَا قَوْمُ أَرَاهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَيَنْهَى عَنْ مَلائِمِهَا، فَكُونُوا فِي هَذَا الأَمْرِ رُؤَسَاءً، وَلا تَكُونُوا أَذْنَابًا، وَكُونُوا فِيهِ أُوَّلا وَلا تَكُونُوا فِيهِ أُخَّرًا، وَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَأَوْصَى فَقَالَ: أوصيكم
__________
[1] «وقام أبو طالب» سقط من ت.
[2] الطبري 1/ 545 ط. دار الكتب العلمية.
[3] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث العجيبة» .
[4] سورة: النحل، الآية: 90.
[5] في ت: «قال: فأتينا أكثم فقالا» .(2/370)
بِتَقْوَى اللَّهِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ، فَإِنَّهَا لا يَبْلَى عَلَيْهَا أَصْلٌ، وَلا يَهِيضُ عَلَيْهَا [1] فَرْعٌ، وَإِيَّاكُمْ وَنِكَاحَ الْحَمْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ سُوءَ جَهْلِ الْغَنِيِّ يُورِثُ سَرْحًا، وَأَنَّ سُوءَ جَهْلِ الْفَقِيرِ يَضَعُ الشَّرَفَ، وَأَنَّ الْعُدْمَ عُدْمُ الْعَقْلِ لا عُدْمُ الْمَالِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَهْلِكَ امْرُؤٌ عَرَفَ قَدْرَهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مَقْتَلَ الرَّجُلِ بَيْنَ لِحْيَيْهِ، وَأَنَّ قَوْلَ الْحَقِّ لَمْ يَتْرُكْ لِي صَدِيقًا.
وذكر أَبُو هلال الحسن بْن عَبْد اللَّه بْن سهل العسكري: أن أكثم بْن صيفي سمع بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه مع ابنه حبيش [: باسمك اللَّهمّ، من العَبْد إِلَى العَبْد، أما بعد: فبلغنا ما بلغك اللَّه، فقد بلغنا عنك خير، فإن كنت أريت فأرنا، وإن كنت علمت فعلمنا وأشركنا فِي خيرك والسلام.
فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم: «من محمد رسول الله إِلَى أكثم بْن صيفي، أحمد اللَّه إليك، إن اللَّه أمرني أن أقول لا إله إلا اللَّه وليقر بها الناس، والخلق خلق الله، والأمر كله للَّه، وهو خلقهم وأماتهم، وهو ينشرهم وإليه المصير. بادابه المرسلين ولتسلن عن النبأ العظيم، ولتعلمن نبأه بعد حين] [2] .
فَقَالَ لابنه: ما رأيت منه، قَالَ: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عَنْ ملائمها.
[فجمع أكثم بني تميم، وَقَالَ: لا تحقرن سفيها، فإن من يسمع يخل، وإن من يخل ينظر وإن السفيه واهي الرأي وإن كان قوي البدن، ولا خير فيمن عجز رأيه ونقص عقله.
فلما اجتمعوا دعاهم إِلَى اتباع رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ مالك بْن عروة اليربوعي مع نفر من بني يربوع فَقَالَ: خرف شيخكم، إنه ليدعوكم إِلَى الغبار، ويعرضكم للبلاء، وأن تجيبوه تفرق جماعتكم وتظهر أضغاثكم، ويذلل عزكم، مهلا مهلا. فَقَالَ أكثم بْن صيفي: ويل للشجي من الخلي، يا لهف نفسي عَلَى أمر لم أدركه ولم يفتني ما آسى عليك بل عَلَى العامة، يا مالك إن الحق إذا قام دفع الباطل وصرع صرعى قياما، فتبعه مائة من عمرو وحنظلة، وخرج إِلَى النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، فلما كان فِي بعض الطريق] [3] عمد
__________
[1] «عليها» سقطت من ت وكتبت بالهامش.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وبدلا منه: «فلما ورد الجواب قال لابنه» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وبدلا منه: «فجمع قومه فلما ارتحل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الطريق عمد حبيش» .(2/371)
حبيش إِلَى رواحلهم فنحرها وشق ما كان معهم من مزادة وهرب، فأجهد أكثم العطش فمات، وأوصى من معه باتباع النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وأشهدهم أنه أسلم. فأنزل فيه: وَمن يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ، فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله 4: 100 [1] .
[فهاتان الروايتان تدلان عَلَى أن أكثم بْن صيفي أدرك رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد روينا أنه مات قبل ذلك] [2] .
قَالَ مؤلف الكتاب رحمه اللَّه: كان أكثم بْن صيفي من كبار الحكماء، وعاش مائتي سنة، وله كلام مستحسن [3] .
[فمنه: من عتب عَلَى الدهر طالت معتبته، ومن رضي بالقسم طابت معيشته، والدنيا دول، فما كان منها لك أتاك عَلَى ضعفك، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك، والحسد داء ليس له شفاء، من يصحب الزمان يرى الهوان، ولم يفت من لم يمت، وكل ما هو آت قريب ومن سأمنه يؤتى الحذر «دخل الطريق لمن لا يضيق لوسع يجدأ ودع البر ينحو عَلَيْهِ العدو» [4] كفوا ألسنتكم، فإن مقتل الرجل بين فكيه، وَفِي طلب المعالي تكون العزة، ومن قنع بما هو فيه قرت عينه، ولم يهلك من مالك ما وعظك، لا تغضبوا من اليسير فإنه يجني الكثير، وألزموا النساء المهنة، وأكرموا الخيل، ونعم لهو الحرة المغزل، وحيلة من لا حيلة له الصبر، المكثار حاطب ليل، أشد الناس مئونة أشرافهم، ومن التواني والعجز أنتجت الهلكة، وأحوج الناس إِلَى الغنى من لم يصلحه إلا الغناء، وحب المدح رأس الضياع، ورضى الناس لا يدرك، فتحر الخير بجهدك، ولا تكره سخط من رضاه الجور، معالجة العفاف مشقة، فنعوذ بالصبر وآخر الغضب، فإن القدرة من ورائك غي، الصمت خير من عي المنطق، خير القرناء المرأة الصالحة، ليس للمختال فِي حسن الثناء نصيب، ولا تمام لشيء من العجب،
__________
[1] سورة: النساء، الآية: 100.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «سنذكره إن شاء الله تعالى» ولم يذكره.
[4] ما بين هلالين هكذا ورد في الأصل مشوشا، ولعله من الناسخ، ولم نجد أصل هذه العبارة في المراجع التي بين أيدينا.(2/372)
ومن أتى المكروه إِلَى أحد فبنفسه بدأ، وأقل الناس راحة الحسود، يا بني سودوا أعقلكم، فإن أمر مسير القوم إذا لم يك عاقلا كان آفة لمن دونه، والتفاضل من فعل الكرام، والصدق فِي بعض المواطن عجز، والمن يذهب للصنيعة، ومن سلك الجدد أمن العثار، ومن شدد تفر، ولقاء الأحبة مسلاة للهم، ومن ظلم يتيما ظلم أولاده، من سل سيف البغي أغمد فِي رأسه] [1]
. وممن توفي فِي هَذِهِ السنة [2] :
1- ورقة بْن نوفل بْن عَبْد العزى بْن قصي.
كان قد كره عبادة الأوثان، فطلب الدين فِي الآفاق وَفِي الكتب، وكانت خديجة تسأله عَنْ أمر النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فيقول لها: ما أراه إلا نبي هَذِهِ الأمة الذي بشر به موسى وعيسى.
[أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَارِعُ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنِ] [3] ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَرَقَةَ [فِيمَا بَلَغَنَا] [4] فَقَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ، وَقَدْ أَظُنُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ الْبَيَاضَ» [5] . قَالَ الزُّبَيْرُ: وَحَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرحمن [6] بن أبي الزناد قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ: كَانَ بِلالٌ لِجَارِيَةٍ مِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرٍو وَكَانُوا يُعَذِّبُونَهُ بَرَمْضَاءَ مكة، يُلْصِقُونَ ظَهْرَهُ بِالرَّمْضَاءِ لِيُشْرِكَ باللَّه، فَيَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ، فَيَمُرُّ عَلَيْهِ وَرَقَةُ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ فَيَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ يَا بِلالُ، وَاللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ لأَتَّخِذَنَّهُ حَنَانًا يَعْنِي لأَتَمَسَّحَنَّ بِهِ.
قَالَ: وَقَالَ وَرَقَةُ فِي ذَلِكَ شِعْرًا وَهُوَ [7] :
لَقَدْ نَصَحْتَ لأَقْوَامٍ وَقُلْتَ لَهُمْ ... أَنَا النَّذِيرُ فَلا يغرركم أحد
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] بياض في ت مكان: «وممن توفي في هذه السنة» .
[3] في الأصل: «روى ابن شهاب عن عروة ... » .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] انظر تفسير ابن كثير 2/ 262.
[6] في الأصل: «وروى عبد الرحمن ... » .
[7] في ت: «وقال في ذلك شعرا» .(2/373)
لا تَعْبُدُنَّ إِلَهًا غَيْرَ خَالِقِكُمْ ... فَإِنْ دَعَوْكُمْ فَقُولُوا بَيْنَنَا حَدَدُ
سُبْحَانَ ذِي الْعَرْشِ سُبْحَانًا نَعُودُ لَهُ ... رَبُّ الْبَرِيَّةِ فَرْدٌ وَاحِدٌ صَمَدُ
سُبْحَانَهُ ثُمَّ سُبْحَانًا نَعُودُ لَهُ ... وَقَبْلُ [1] سَبَّحَهُ الْجُودِيُّ وَالْحَمَدُ
مُسَخَّرٌ كُلُّ مَا تَحْتَ السَّمَاءِ لَهُ ... لا يَنْبَغِي أَنْ يُسَاوِي مُلْكَهُ أَحَدُ
لا شَيْءَ مِمَّا تَرَى تَبْقَى بَشَاشَتُهُ ... يَبْقَى الإِلَهُ وَيُودَى الْمَالُ وَالْوَلَدُ
لَمْ تُغْنِ عَنْ هُرْمُزٍ يَوْمًا خَزَائِنُهُ ... وَالْخُلْدُ قَدْ حَاوَلَتْ عَادٌ فَمَا خَلَدُوا/
وَلا سُلَيْمَانَ إِذْ تَجْرِي الرِّيَاحُ لَهُ ... وَالإِنْسُ وَالْجِنُّ فِيمَا بَيْنَهَا بُرُدُ [2]
أَيْنَ الْمُلُوكُ الَّتِي كَانَتْ لِعِزَّتِهَا ... مِنْ كُلِّ أَوْبٍ إِلَيْهَا وَافِدٌ يَفِدُ [3]
حَوْضٌ هُنَالِكَ مَوْرُودٌ بِلا كَذِبٍ ... لا بُدَّ مِنْ وَرْدِهِ يَوْمًا كَمَا وَرَدُوا
ذكر خمس من النبوة
[4] من ذلك:
الهجرة إِلَى [أرض] [5] الحبشة.
لما ظهر رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم بالنبوة لم تنكر عَلَيْهِ قريش، فلما سب آلهتها أنكروا عَلَيْهِ، وبالغوا فِي إيذاء المسلمين فأمرهم رسول الله بالخروج إِلَى أرض الحبشة، فخرج قوم وستر [القوم] [6] الباقون إسلامهم، فكانت أرض الحبشة متجر قريش، فخرج فِي الهجرة الأولى أحد عشر رجلا وأربع نسوة سرا، فصادف وصولهم إِلَى البحر سفينتين للتجارة فحملوهم فيهما إلى أرض الحبشة، وكان مخرجهم فِي رجب فِي السنة الخامسة من حين تنبأ رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم [7] ، وخرجت قريش فِي آثارهم فقاتلوهم، وهذه تسميتهم:
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ت: «إذ دان الشعوب له والجن والإنس تجري بينهما برد» .
[3] هذا البيت والّذي يليه سقطا من ت.
[4] بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث في سنة خمس من النبوة من ذلك» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] «فِي السنة الخامسة من حين تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم» سقط من ت.(2/374)
عثمان بْن عفان وامرأته رقية بنت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم. وأبو حذيفة بْن عتبة، ومعه امرأته سهلة بنت سهيل بْن عمرو، والزبير بْن العوام. ومصعب بْن عمير.
وعَبْد الرحمن بْن عوف. وأبو سلمة بن عبد الأسد، ومعه امرأته سلمة بنت أبي أمية.
وعثمان بْن مظعون، وعامر بْن ربيعة، ومعه امرأته ليلى بنت أبي خيثمة. وأبو سبرة بْن أبي رهم. وحاطب بْن عمرو بْن عَبْد شمس. وسهيل بْن بيضاء. وعبد الله بْن بيضاء [1] . وعبد الله بْن مسعود.
فأقاموا عند النجاشي آمنين، فلما نزلت سورة النجم، وسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم سجد معه المشركون، فبلغ ذلك أهل الحبشة فقالوا: إذا كانوا قد آمنوا فلنرجع إِلَى عشائرنا.
وكانوا قد خرجوا فِي رجب، فأقاموا شعبان ورمضان، وقدموا فِي شوال فلقيهم ركب فسألوهم، فقالوا: ذكر مُحَمَّد آلهتهم فتابعوه، ثم عاد/ عَنْ ذكرها فعادوا له بالشر، فلم يدخل أحد منهم مكة إلا عَبْد اللَّه بْن مسعود، فإنه مكث قليلا ثم رجع إِلَى أرض الحبشة فسطت بهم عشائرهم وآذوهم، فأذن لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الخروج [2] مرة أخرى إِلَى أرض الحبشة، فخرج خلق كثير وهذه تسميتهم:
أسماؤهم عَلَى حروف المعجم [3] الأسود بْن نوفل. أسماء بنت عميس. بركة بْن يسار. تميم بن الحارث، ويقال: بن نمير، وانفرد بْن إِسْحَاق فَقَالَ: بشر. جابر بْن سفيان بْن معمر. جعفر بْن أبي طالب، جنادة بْن سفيان. جهم بْن قيس. الحارث بْن حاطب. الحارث بْن خالد التميمي. الحارث بْن عَبْد قيس بْن عامر [4] . حاطب بْن الحارث، ومات بالحبشة.
حاطب بْن عمرو. الحجاج بْن الحارث السهمي. حرملة بنت عَبْد الأسود. حطاب بْن الحارث، ومات بالحبشة [5] . حسنة أم شرحبيل. خالد بْن سفيان الجمحي. خالد بْن سَعِيد بْن العاص. خالد بْن حرام بْن خويلد. خزيمة بن جهم. خنيس بن جذامة.
__________
[1] «وعبد الله بن بيضاء» سقط من ت.
[2] «في الخروج» سقطت من ت.
[3] بياض في ت مكان: «وهذه تسميتهم. أسماؤهم على حروف المعجم» .
[4] «بن عامر» سقطت من ت.
[5] «ومات بالحبشة» سقطت من ت.(2/375)
ربيعة بْن هلال. رقية بنت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم. رملة بنت أبي عوف. ريطة بنت الحارث.
الزُّبَيْر بْن العوام. السائب بْن الحارث. السائب بْن عثمان بْن مظعون. سَعِيد بْن خولة.
سَعِيد بْن الحارث بْن قيس. سَعِيد بْن عَبْد قيس الفهري [1] . سَعِيد بْن عمرو التميمي، ويقال: اسمه معيد. سفيان بْن معمر الجمحي. السكران بْن عمرو. سلمة بْن هشام بْن المغيرة المخزومي. سليط بْن عمرو العامري. سويبط العَبْدري. سودة بنت زمعة زوج رسول اللَّه صَلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سهل بْن بيضاء. سهلة بنت سهيل. شرحبيل بْن حسنة. شماس بْن عثمان. طليب بْن أزهر. طليب بْن عمير. عامر بْن ربيعة. عامر بْن أبي وقاص.
عامر بْن عَبْد اللَّه. أَبُو عبيدة بْن الجراح. / عَبْد اللَّه بْن جحش. عَبْد اللَّه بْن الحارث ابن قيس. عَبْد اللَّه بْن حذافة السهمي. عَبْد اللَّه بْن سفيان. عَبْد اللَّه بْن سهيل بْن عمرو. عَبْد اللَّه بْن شهاب. عَبْد اللَّه بْن عَبْد الأسد. أَبُو سلمة عَبْد اللَّه بْن قيس بْن موسى. عَبْد اللَّه بْن مخرمة بْن عَبْد العزى. عَبْد اللَّه بْن مسعود. عَبْد الرحمن بْن عوف. عَبْد اللَّه بْن مظعون. عتبة بْن غزوان. عبيد بْن مسعود. عثمان بْن عفان.
عثمان بْن مظعون. عثمان بْن ربيعة بْن وهبان. عثمان بن عبد غنم الفهري. عدي بْن نضلة. عروة بْن أبي أثابة. عمار بن ياسر. عمر بْن رباب. عمرو بْن أمية بْن الحارث.
عمرو بْن جهم. عمرو بْن الحارث بْن زهير [2] . عمرو بْن سَعِيد بْن العاص. عمرو بْن عثمان بْن كعب التيمي. عمرو بْن أبي سرح، وقيل: اسمه معمر. عمير بْن رباب السهمي. عميرة بنت السعدي. عياض بْن زهير. عياش بْن أبي ربيعة. فاطمة بنت صفوان [بْن أمية] [3] . فاطمة بنت المجلل. وقيل: المحلل. فراس بْن النضر بْن الحارث. فكيهة بنت يسار. قدامة بْن مظعون. قيس بْن حذافة السهمي [4] . قيس بْن عَبْد اللَّه. من بني أسد بْن خزيمة. ليلى بنت أبي خيثمة. مالك بْن ربيعة. مُحَمَّد بْن حاطب. محمية بنت جزء السهمي. مصعب بْن عمير. المطلب بْن أزهر. معَبْد بْن الحارث السهمي، ويقال: ابن معمر. معتب بْن عوف. معمر بن عبد الله بن نضلة.
__________
[1] في الأصل: «الزهري» .
[2] «عروة بن أبي أثابة ... عمرو بن الحارث بن زهير» . ساقط من ت.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] «قيس بن حذافة السهمي» سقط من ت.(2/376)
ومعيقيب بْن [أبي] [1] فاطمة. المقداد بْن الأسود. نبيه بْن عثمان بْن ربيعة. [هاشم بْن أبي حذيفة المخزومي. هبار بْن سفيان. هشام بْن أبي العاص بْن وائل] [2] هاشم بْن عتبة بْن ربيعة. همينة بنت خلف، ويقال: أمينة. هند بنت أبي أمية. يزيد بْن زمعة الأسود. أَبُو الروم بْن عمير. أَبُو سبرة بْن أبي رهم. أَبُو قليهة. أَبُو قيس بْن الحارث. أم كلثوم بنت سهيل بْن عمرو. فهؤلاء [3] جملة الذين هاجروا إِلَى الحبشة/ الهجرتين الأولى والآخرة عَلَى خلاف فِي بعضهم
. ذكر من ولد بالحبشة للمسلمين
[4] عَبْد اللَّه، وعوف، ومُحَمَّد: أولاد جعفر بْن أبي طالب. سَعِيد وأمه: ابنا خالد بْن سَعِيد بْن العاص. عَبْد اللَّه بْن المطلب، مُحَمَّد بْن أبي جعفر، مُحَمَّد بْن حاطب، زينب بنت أبي سلمة، موسى، وعائشة، وزينب: أولاد الحارث بْن خالد.
قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق: كان جميع من لحق بأرض الحبشة من المسلمين سواء أبناؤهم الذين خرجوا بهم صغارا أو ولدوا بها نيفا وثمانين رجلا [إن كان عمار منهم، وابن إِسْحَاق يشك فِي عمار. وذكر الواقدي] [5] أنهم كانوا ثلاثة وثمانين رجلا، ومن النساء إحدى عشرة قرشية، وسبع غرائب، فلما سمعوا بمهاجرة النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم إِلَى المدينة رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا، وثمان نسوة، فمات منهم رجلان بمكة، وحبس منهم سبعة، وشهد بدرا منهم أربعة وعشرون رجلا [6] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ت: «فهذه جملة» .
[4] بياض في ت مكان: «ذكر من ولد بالحبشة للمسلمين» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] «رجلا» سقط من ت.(2/377)
فصل
قَالَ مؤلف الكتاب [1] : ولما خرج المسلمون إِلَى الحبشة ومنع اللَّه تعالى نبيه عَلَيْهِ السلام بعمه أبي طالب، ورأت قريش أن لا سبيل لهم عَلَيْهِ رموه بالسحر والكهانة والجنون، وَقَالُوا: شاعر، ثم بالغوا فِي أذاه.
فمما فعلوه:
ما روى عَبْد اللَّه بْن عمرو بْن العاص قَالَ: حضرت قريشا وقد اجتمع أشرافهم يوما فِي الحجر، فذكروا رسول اللَّه [صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم] فقالوا: ما رأينا مثل ما صرنا إليه من هَذَا الرجل، قد سفه أحلامنا، وشتم آباءنا وعاب آلهتنا- وقيل: ديننا [2]- وفرق جماعتنا وسب آلهتنا، لقد صبرنا منه عَلَى أمر عظيم، فبينما هم كذلك إذ طلع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقبل يمشي حَتَّى استلم الركن، ثُمَّ مر طائفا بالبيت، فلما مر غمزوه ببعض القول، قَالَ فعرفت ذلك فِي وجه رسول الله [3] ، ثم مضى فلما مر بهم الثانية غمزوه [بمثلها] [4] فعرفت ذلك فِي وجه رسول اللَّه [5] ، ثم مر بهم الثالثة فغمزوه/ بمثلها فوقف [6] فَقَالَ:
«ألا تسمعون يا معاشر قريش، أما والذي نفس مُحَمَّد بيده لقد جئتكم بالذبح» .
قَالَ: فأخذت القوم كلمته حَتَّى ما بينهم [7] رجل إلا كأنما عَلَى رأسه طائر واقع، وحتى أن أشدهم فيه وصاة [8] قبل ذلك ليلقاه بأحسن ما كان يجد من القول حَتَّى أنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم راشدا، فو الله ما كنت جهولا.
فانصرف رسول الله حَتَّى إذا كان من الغد اجتمعوا [فِي الحجر] [9] وأنا معهم.
__________
[1] بياض في ت مكان: «فصل. قال مؤلف الكتاب» . هذه الأخبار في الطبري 1/ 548 ط. الدار.
[2] في ت: «وعاب ديننا» .
[3] «رسول الله» سقطت من ت.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ت: «في وجهه» .
[6] «فوقف» سقط من ت.
[7] في ت: «ما منهم» .
[8] «وصاة» سقطت من ت.
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(2/378)
فَقَالَ بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم حَتَّى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه، فبينما هم كذلك إذ طلع رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به يقولون: أنت الذي تَقُولُ كذا وكذا؟ لما [كان] [1] يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم، فيقول رَسُولُ اللَّه [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] : «نَعَمْ أنا الّذي أقول ذلك» فلقد رأيت رجلا منهم أخذ مجمع ردائه، وقام أَبُو بكر دونه وهو يقول: أتقتلون رجلا أن يقول ربي اللَّه. ثم انصرفوا [عنه] [2] . أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بْن جَعْفَرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرزاق قال: حدّثنا معمر بن أبي خَيْثَمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ [3] عَبَّاسٍ:
أَنَّ الْمَلأَ مِنْ قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ فَتَعَاهَدُوا بِاللاتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى: لَوْ قَدْ رَأَيْنَا مُحَمَّدًا قُمْنَا إِلَيْهِ قِيَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَلَمْ نُفَارِقْهُ حَتَّى نَقْتُلَهُ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَبْكِي حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى أَبِيهَا رَسُولِ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فَقَالَتْ: هَؤُلاءِ الْمَلأُ مِنْ قُرَيْشٍ [4] مِنْ قَوْمِكَ فِي الْحِجْرِ قَدْ تَعَاهَدُوا أَنْ لَوْ رَأَوْكَ قَامُوا إِلَيْكَ يَقْتُلُونَكَ، فَلَيْسَ مَعَهُمْ رَجُلٌ إِلا قَدْ عَرَفَ نصيبه من بدنك. فقال: «يا بنية أرني وُضُوءًا» فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِمُ الْمَسْجِدَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هُوَ هَذَا، هُوَ هَذَا. فَخَفَضُوا أَبْصَارَهُمْ وَعَقَرُوا فِي مَجَالِسِهِمْ فَلَمْ يَرْفَعُوا إِلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ، وَلَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ رَجُلٌ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ حَتَّى قَامَ عَلَى رُءُوسِهِمْ فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَحَصَبَهُمْ بها. وقال: «شاهت الوجوه» فما أصاب رجل مِنْهُمْ حَصَاةٌ إِلا قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا [5] . قَالَ أحمد: وَحَدَّثَنَا علي بْن عَبْد اللَّه- هو ابن المديني- قَالَ: أَخْبَرَنَا الوليد بْن مسلم قَالَ: حدَّثَنِي الأوزاعي قَالَ: حدثني يحيى بْن أبي كثير قَالَ: حدثني مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم التيمي قَالَ: حدَّثَنِي عروة بْن الزبير قَالَ: قلت لعَبْد الله بْن عمرو بْن العاص:
أخبرني بأشد شَيْء صنعه المشركون برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل في مسند أحمد 1/ 368.
[3] حذف السند من ت.
[4] «قريش» سقطت من ت.
[5] الحديث في مسند أحمد 1/ 368.(2/379)
قَالَ: بينا رسول اللَّه بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بْن أبي معيط، فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى به فِي عنقه، فخنقه به خنقا شديدا، فأقبل أَبُو بكر فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وَقَالَ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ من رَبِّكُمْ 40: 28 [1] .
قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا وَهْبُ بْن جَرِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاق، عَنْ عَمْرِو بْن مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ: مَا رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَى قُرَيْشٍ غَيْرَ يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي وَرَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ جُلُوسٌ وَسَلا جَزُورٍ قَرِيبٌ مِنْهُمْ فَقَالُوا: مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّلا فَيُلْقِيَهُ عَلَى ظَهْرِهِ؟ فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ: أنا. فَأَخَذَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى ظَهْرِهِ فَلَمْ يَزَلْ سَاجِدًا حَتَّى جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَخَذَتْهُ عن ظهره، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهمّ عَلَيْكَ بِالْمَلأِ مِنْ قُرَيْشٍ، اللَّهمّ عَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، اللَّهمّ عَلَيْكَ بِشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ. اللَّهمّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، اللَّهمّ عَلَيْكَ بِعُقَبْةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، اللَّهمّ عَلَيْكَ بِأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ» - أَوْ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ» .
فَقَالَ عَبْد اللَّه: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ جَمِيعًا، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ غَيْرُ أُبَيٍّ- أَوْ أُمَيَّةَ- فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلا ضَخْمًا فَتَقَطَّعَ. أخرجه البخاري ومسلم [2] . وانفرد بالذي قبله البخاري [رحمه اللَّه]
. فصل
قَالَ مؤلف الكتاب [3] : فلما كثرت أنواع الأذى التي لقيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ من المشركين استتر فِي دار الأرقم بْن أبي الأرقم وهي التي تسمى الآن دار الخيزران
. فصل
قَالَ مؤلف الكتاب [4] : فلما استقر قرار المهاجرين إلى الحبشة اجتهد المشركون
__________
[1] سورة: غافر، الآية: 28. أخرجه البخاري وانظر تاريخ الطبري 1/ 548 ط. الدار.
[2] البخاري: أبواب سترة المصلي (20) كتاب الوضوء (73) كتاب الجهاد (97) باب الجزية (21) باب بنيان الكعبة (5) ومسلم كتاب الجهاد وباب (39) .
[3، 4] بياض في ت مكان: «فصل. قال مؤلف الكتاب» .(2/380)
فِي كيدهم، فبعثوا عمرو بْن العاص وعبد الله بْن أبي ربيعة إِلَى النجاشي بهدايا ليسلمهم إليهم.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْن علي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر بْن مالك قَالَ: حدثنا عبد الله بن أحمد قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ:
أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:
لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ [1] الْحَبَشَةِ جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ النَّجَاشِيَّ أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا وَعَبَدْنَا اللَّهَ لا نُؤْذَى، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا ائْتَمَرُوا أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ، وَأَنْ يُهْدُوا له [2] هدايا مما يَسْتَطْرِفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ وَأَمَرُوهُمْ أَمْرَهُمْ وَكَانَ أَعْجَبَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْهَا الأَدَمُ [3] ، فَجَمَعُوا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بَطْرِيقًا إِلا أَهْدَوْا إِلَيْهِ هَدِيَّةً، ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، وأمروهم أمرهم [4] ، وقالوا لهما:
ادْفَعُوا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمُوا النَّجَاشِيَّ فِيهِمْ، ثُمَّ قَدِّمُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ، ثُمَّ سَلُوهُ أَنْ يُسَلِّمَهُمْ إِلَيْكُمْ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ، فَخَرَجَا فَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ فَدَفَعَا إِلَى كُلِّ بَطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ وَقَالا لَهُمْ: إِنَّهُ قَدْ صَبَأَ إِلَى بِلادِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَى الْمَلِكِ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ [5] لِيَرُدُّوهُمْ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ تَسْلِيمَهُمْ إِلَيْنَا وَلا نُكَلِّمُهُمْ، فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْبًا. فَقَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ قَرَّبَا هَدَايَاهُمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَبِلَهَا مِنْهُمْ، ثُمَّ تَكَلَّمَا، فَقَالا لَهُ: إِنَّهُ [6] قَدْ صَبَأَ إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دِينَكَ، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ، لا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ/ آبَائِهِمْ وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ لِنَرُدَّهُمْ إِلَيْهِمْ، فَهُمْ أعلى بهم
__________
[1] «أرض» سقطت من ت.
[2] في ت: «إلى النجاشي» .
[3] «وَأَمَرُوهُمْ أَمْرَهُمْ، وَكَانَ أَعْجَبَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْهَا الأدم» سقط من ت.
[4] «وأمروهم أمرهم» سقط من ت.
[5] «قومهم» سقط من ت.
[6] في ت: «فقالا أيها الملك إنه ... » .(2/381)
وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ. فَقَالَ بَطَارِقَتُهُ: صَدَقُوا فَأَسْلِمْهِمْ إِلَيْهِمَا. فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ وَقَالَ: لا وَايْمُ اللَّهِ، إِذَنْ لا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْهِمَا وَلا أُكَادُّ قوما جاورني وَنَزَلُوا بِلادِي وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ مَا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولانِ سَلَّمْتُهُمْ إِلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمْ وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي.
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فَدَعَاهُمْ] [1] فَلَمَّا أَنْ جَاءَهُمْ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ؟ فَقَالُوا: نَقُولُ وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَا وَمَا أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا جاءوه وقد دعي النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ سَأَلَهُمْ، فَقَالَ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِي وَلا فِي دِينٍ آخَرَ مِنْ هَذِهِ الأُمَمِ؟ قَالَتْ: وَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ لَهُ:
أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، وَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى [2] إِلَيْنَا رسولا منا نعرف صدقه وأمانته وَعَفَافَهُ فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاءُنَا [3] مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ: الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ، وَأَمَرَنَا: أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ لا نُشْرِكَ بِهِ شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة وَالصِّيَامِ، فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَنَا بِهِ [4] فَعَبَدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ، فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا، فَعَدَى عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إلى عبادة الأوثان، وأن يستحل مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَشَقُّوا عَلَيْنَا، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا خَرَجْنَا إِلَى بِلادِكَ وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عندك أيها الملك. قالت: فَقَالَ [5] لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ت: «عز وجل» .
[3] في ت: «ما كنا فيه نحن وآباءنا نعبد من دونه» .
[4] «واتبعناه على ما جاءنا به» سقط من ت.
[5] في ت: «فقالت لهم» .(2/382)
بِهِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَعَمْ: قَالَ: فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ فَقَرَأَ عَلَيْهِ صدرا من كهيعص 19: 1 فَبَكَى النَّجَاشِيُّ حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى اخْضَلُّوا مَصَاحِفَهُمْ. ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى، لَيَخْرُجُ مِنْ مشكاة واحدة، انطلقا فو الله لا أسلمكم إليهما أبدا. قالت: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَاللَّهِ لآتِيَنَّهُ غَدًا أَعِيبُهُمْ عِنْدَهُ بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَكَانَ أَتْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا: لا تفعل، فإن لهم أرحاما. قال: فو الله لأُخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ عَبْدٌ، قَالَتْ: ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ الْغَدَ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابن مَرْيَمَ قَوْلا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ، فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ.
قَالَتْ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ؟ قَالَتْ: وَلَمْ يَزَلْ بِنَا مِثْلُهَا، فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله فيه مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا، كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ؟ قَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم: «هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءَ الْبَتُولِ» قَالَتْ: فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الأَرْضِ، فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا ثُمَّ قَالَ: مَا عَدَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ. ثُمَّ قَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي- وَالسُّيُومُ الآمِنُونَ- مَنْ سَلِمَ عَزَمَ، مَنْ سَلِمَ [عَزَمَ، مَنْ سَلِمَ عَزَمَ، مَا أُحِبُّ أن أدير ذَهَبًا وَأَنِّي آذَيْتُ مِنْكُمْ رَجُلا. وَالدِّيرُ بِلِسَانِ الحبشة: الحبل] [1] ردّوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لنا بها، فو الله مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعُهُمْ فِيهِ.
قَالَتْ: / فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنَ، مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ [2] ، وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ وَخَيْرِ جَارٍ.
قَالَتْ: فو الله إِنَّا عَلَى ذَلِكَ فَأَنْزَلَ بِهِ مَنْ يُنَازِعُهُ في ملكه.
قالت: فو الله مَا عَلِمْنَا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ تَخَوُّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الْمَلِكُ عَلَى النَّجَاشِيِّ [فَلا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا ما كان يعرفه] [3] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ورد في الأصل فخرجنا من عنده مقبوحين مردودا عليهم ما جاءوا به.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت وأضفناه من البداية 3/ 75.(2/383)
قَالَ: فَسَارَ النَّجَاشِيُّ وَبَيْنَهُمَا عَرْضُ النِّيلِ، فَقَالَ أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[هَلْ] [1] مِنْ رَجُلٍ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ يَأْتِينَا بِالْخَبَرِ؟.
قَالَتْ: فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا. قَالَتْ: وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا. قَالَتْ: فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ.
قَالَتْ: وَدَعَوْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِ وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلادِهِ، فَاسْتَوْثَقَ لَهُ أَمْرُ الْحَبَشَةِ. فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة [2]
. فصل
وَفِي هَذِهِ السنة توفيت:
2- سمية بنت خياط [3] : مولاة حذيفة بْن المغيرة، وهي أم عمار بْن ياسر، أسلمت بمكة قديما، وكانت ممن يعذب فِي اللَّه عز وجل لترجع عَنْ دينها فلم تفعل، فمر بها أَبُو جهل فطعنها فِي قلبها [4] فماتت وكانت عجوزا كبيرة، فهي أول شهيدة فِي الإسلام
. ومن الحوادث فِي سنة ست من النبوة
[5] [فمن ذلك:] [6] إسلام حمزة وعمر [7] :
وقيل إن ذلك فِي سنة خمس.
وأما سبب إسلام حمزة: فروى ابن إِسْحَاق: أن أبا جهل مر برسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جالس عند الصفا، فأذاه وشتمه ونال
__________
[1] ما بين المعقوفتين أضفناه ليستقيم المعنى.
[2] سقط من ت من أول: «فآخذ الرشوة فيه ... » حتى « ... وهو بمكة» .
وبدلا من هذا كتب في ت ما نصه: «حين رد عليّ ملكي ثم قال أشهد أنه رسول الله، وأنه الّذي بشر به عليه السلام، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أقبل نعله» .
[3] انظر ترجمتها في: الإصابة، كتاب النساء ترجمة رقم 582. والروض الأنف 1/ 203. والأعلام 3/ 140، 141.
[4] في الأصل: «في قبلها» .
[5] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث فِي سنة ست من النبوة» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] الطبري 1/ 549 ط. الدار.(2/384)
منه بعض ما يكره، فلم يكلمه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، وكانت مولاة لعبد الله بْن جدعان فِي مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك، ثم انصرف فعمد إِلَى نادي قريش عند الكعبة [فجلس معهم] [1] ، فلم يلبث حَمْزَة بْن عَبْد المطلب أن أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنص له، وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إِلَى أهله حَتَّى يطوف بالكعبة، وكان أعز قريش وأشدها شكيمة، فلما/ مر بالمولاة قالت لَهُ: يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقي ابن أخيك مُحَمَّد آنفا من أبي الحكم بن هشام وجده هاهنا جالسا فسبه وأذاه وبلغ منه، فلم يكلمه مُحَمَّد، فاحتمل حمزة الغضب، فخرج سريعا، فدخل المسجد، فرأى أبا جهل جالسا فِي القوم فضربه بالقوس ضربة شجه بها شجة منكرة وَقَالَ له: أتشتمه وأنا عَلَى دينه، أقول ما يقول؟ فرد ذلك علي إن استطعت. وتم حمزة عَلَى إسلامه، فعرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز، وأن عمه حمزة سيمنعه، فكفوا عَنْ بعض ما كانوا ينالون منه.
وأما سبب إسلام عمر: ففيه ثلاثة أقوال، سنذكرها فِي باب خلافة عمر رضي اللَّه عنه
. ومن الحوادث فِي سنة سبع من النبوة [2] وقعة بعاث:
وكانت بين الأوس والخزرج.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الهثيم قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سعد [3] قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ:
كَانَتْ وَقْعَةُ بعاث [ورسول الله صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ، قَدْ تَنَبَّأَ، وَدَعَا إِلَى الإِسْلامِ، ثُمَّ هاجر
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث فِي سنة سبع من النبوة» .
[3] في ت: «أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ بإسناد له عن محمد بن سعد» .(2/385)
بعدها بِسِتِّ سِنِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ حُضَيْرٌ أَبُو أُسَيْدِ بْنُ حُضَيْرٍ رَئِيسُ الأَوْسِ يَوْمَ بُعَاثٍ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا كَانَتْ] [1] قَبْلَ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم/ بِخَمْسِ سِنِينَ [2] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ الْمُذْهِبِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْن جعفر القَطِيعيّ قَالَ: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حدثني أبي قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبي، عن إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ [3] قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو الْجَلِيسِ أَنَسُ بْنُ نَافِعٍ وَمَعَهُ فِتْيَةٌ من بني عبد الأشهل منهم: إياس مُعَاذٍ يَلْتَمِسُ الْحِلْفَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى قَوْمِهِمْ من الخزرج، فسمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَأَتَاهُمْ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُمْ: «هَلْ لَكُمْ إِلَى خَيْرٍ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ» ؟ قَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: «أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَى الْعِبَادِ، أَدْعُوهُمْ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ لا يشركوا به شيئا، وأنزل عليّ كتاب كريم» ثُمَّ ذكر الإِسْلامَ، وَتَلا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ. فَقَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ وَكَانَ غُلامًا حَدَثًا: أَيْ قَوْمِ، هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ، فَأَخَذَ أَبُو الْجَلِيسِ حِفْنَةً مِنَ الْبَطْحَاءِ، فَضَرَبَ بِهَا وَجْهَ إِيَاسِ بْنِ مُعَاذٍ، وَقَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَانْصَرَفُوا إِلَى الَمْدِينَةِ. وَكَانَتْ وقعة بعاث بين الأوس والخزرج، فلم يلبث إياس بْن معاذ أن هلك.
قَالَ محمود بْن لبيد: فأخبرني من حضره من قومي عند موته أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل اللَّه ويكبره، ويحمده، ويسبحه حَتَّى مات، وما كانوا يشكون أنه قد مات مسلما. لقد كان يستشعر الإسلام فِي ذلك المجلس حين سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
. ذكر ما جرى من الحوادث فِي السنة الثامنة من النبوة
قَالَ مؤلف الكتاب [4] :
فيها نزل قول اللَّه تعالى: غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ من بَعْدِ غَلَبِهِمْ 30: 2- 3
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 217.
[3] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «أخبرنا ابن الحصين بإسناد له عن الحصين بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ» الحديث في مسند أحمد 5/ 427.
[4] بياض في ت مكان: «ذكر ما جرى من الحوادث فِي السنة الثامنة من النبوة. قال مؤلف الكتاب» .(2/386)
سَيَغْلِبُونَ 30: 3 [1] وكانت بين فارس والروم حروب قد أشرنا إليها فيما تقدم.
قَالَ يحيى بْن يعمر: بعث قيصر رجلا يدعى قطمه بجيش من الروم وبعث كسرى بشهربراز، فالتقيا بأذرعات وبصرى وهما أدنى الشام إليكم فلقيت فارس الروم، فغلبتهم فارس، ففرح بذَلِكَ كفار/ قريش وكرهه المسلمون. فأنزل اللَّه تعالى الم غُلِبَتِ الرُّومُ في أَدْنَى الْأَرْضِ 30: 1- 3 الآيات.
وَقَالَ علماء السير: وقد فرح المشركون وشق عَلَى المسلمين لأن فارس لم يكن لهم كتاب، وكانوا يجحدون البعث، ويعَبْدون الأصنام، وكان الروم أصحاب كتاب، فَقَالَ المشركون لأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس عَلَى إخوانكم من الروم، فإن قاتلتمونا لنظهرن عليكم، فنزلت هَذِهِ الآية، فخرج بها أَبُو بكر الصديق رضي اللَّه عنه إِلَى المشركين، فقالوا: هَذَا كلام صاحبك، فَقَالَ: اللَّه أنزل هَذِهِ! فقالوا لأبي بكر: نراهنك عَلَى أن الروم لا تغلب فارس، فَقَالَ أَبُو بكر: البضع ما بين الثلاث إِلَى التسع، فقالوا:
الوسط من ذلك ست، فوضعوا الرهان- وذلك قبل أن يحرم الرهان- وكان الرهن عشر قلائص إِلَى عشر قلائص، فرجع أَبُو بكر إِلَى أصحابه فأخبرهم، فلاموه، وَقَالُوا: هلا أقررتها كما أقرها اللَّه لو شاء أن يقول ستا، فخرج أَبُو بكر: أزيدكم فِي الخطر وأزيدكم [2] فِي الأجل إِلَى تسع سنين. فقهرهم أَبُو بكر وأخذ رهانهم، فظهرت الروم عَلَى فارس بعد سبع سنين، ووافق التقاؤهم يوم بدر.
ومن الحوادث فِي هَذِهِ السنة [3] أنه لما أسلم حمزة وعمر رضي اللَّه عنهما، وحمى النجاشي من عنده من المسلمين، وحامي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أَبُو طَالِبٍ فشا الإسلام فِي القبائل، واجتهد المشركون فِي إخفاء ذلك النور، وَيَأْبَى الله إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ 9: 32 [4] واجتمعت قريش واستمرت
__________
[1] سورة: الروم، الآيتان: 2- 3.
[2] في الأصل: «أمد في الأجل» .
[3] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث في هذه السنة» .
[4] سورة التوبة، الآية: 32.(2/387)
بينها أن يكتبوا كتابا يتعاهدون فيه عَلَى أن لا ينكحوا لبني هاشم وبني عَبْد المطلب ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم، فكتبوا بذلك صحيفة، وتوافقوا عليها، وعلقوها فِي جوف الكعبة، توكيدا لذلك الأمر عَلَى أنفسهم، فلما فعلوا ذلك انحازت بنو هاشم وبنو عَبْد المطلب إِلَى أبي طالب، فدخلوا معه فِي شعبه، / وخرج من هاشم أَبُو لهب إِلَى قريش فظاهر المشركين، فأقاموا عَلَى ذلك ثلاث سنين.
وَرَوَى الواقدي عَنْ أشياخه أنهم حصروهم فِي أول سنة سبع من النبوة وقطعوا عنهم الميرة والمارة، فكانوا [1] لا يخرجون إلا من هو منهم، حَتَّى بلغهم الجهد، وسمع أصوات صبيانهم من وراء الشعب، فمن قريش من سره ذلك، ومنهم من ساءه، وكان خروجهم فِي السنة العاشرة، وكان هِشَام بْن عمرو بْن ربيعة أفضل [2] قريش لبني هاشم حين حصروا فِي الشعب، أدخل عليهم فِي ليلة [3] ثلاثة أحمال طعام، فعلمت بذلك قريش، فمشوا إليه، فكلموه فِي ذلك، فَقَالَ: إني عائد بشَيْء يخالفكم، ثم عاد الثانية، فأدخل حملا أو حملين ليلا فغالظته قريش وهموا به، فَقَالَ أَبُو سُفْيَان بْن حرب، دعوه رجل وصل رحمه أما إني أحلف باللَّه لو فعلنا مثل ما فعل، كان أجمل [بنا] [4] ثم أن هشاما أسلم يوم الفتح.
__________
[1] في الأصل: «وكانوا» .
[2] في الأصل: «أوضل» .
[3] «في ليلة» سقطت من ت.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(2/388)
الخاتمة تم الجزء الثاني من كتاب «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» تأليف الشيخ الإمام العالم الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي غفر الله له ويتلوه الجزء الثالث:
فصل: قال مؤلف الكتاب: واختلف العلماء في سبب نقض حكم الصحيفة على قولين:(2/389)
[المجلد الثالث]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
[تتمة السنة الثامنة من البعثة]
فصل
واختلف العلماء في سبب نقض [حكم] [1] الصحيفة على قولين:
أحدهما: أن الله تعالى أطلع نبيه [صلّى الله عليه وسلّم] [2] على أمر صحيفتهم، وأن الأرضة قد أكلت ما كان فيها من جور وظلم، وبقي ما كان [فيها] [3] من ذكر الله تعالى، فذكر ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي طَالِب، فقال أبو طالب: أحق ما تخبرني به يا ابن أخي. قال: نعم والله. فذكر ذلك أبو طالب لإخوته وقال: والله ما كذبني قط. قالوا: فما ترى؟ قال: أرى أن تلبسوا أحسن ثيابكم، وتخرجوا إلى قريش، فتذكروا [ذلك] [4] لهم من قبل أن يبلغهم الخبر. فخرجوا حتى دخلوا المسجد، فَقَالَ أبو طالب: إنا قد جئنا لأمر فأجيبونا فيه [5] . قالوا: مرحبا بكم وأهلا. قال: إن ابن أخي قد أخبرني- ولم يكذبني قط- أن الله عز وجل قد سلّط على صحيفتكم الأرضة، فلحست كل ما فيها [6] من جور أو ظلم أو
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
وراجع خبر الصحيفة في: طبقات ابن سعد 1/ 210، وسيرة ابن هشام 1/ 274، وتاريخ الطبري 2/ 341، والبداية والنهاية 3/ 95، والكامل لابن الأثير 1/ 604.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وما أوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ.
[5] في الأصل: «فأجيبوا فيه» ، وما أوردناه من أ.
[6] في الأصل: «فمسحت كل ما فيها» . وما أوردناه من أ، وطبقات ابن سعد 1/ 210.(3/3)
قطيعة رحم [1] ، وبقي فيها كل ما ذكر به الله [2] ، فإن كان ابن أخي صادقا نزعتم عن سوء رأيكم، وإن كان كاذبا دفعته إليكم فقتلتموه واستحييتموه إن شئتم. قالوا: قد أنصفت.
فأرسلوا إلى الصحيفة، فلما فتحوها إذا هي كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسقط في أيدي القوم، ثم نكسوا [على] [3] رءوسهم. فقال أبو طالب: هل تبين لكم أنكم أولى بالظلم والقطيعة، فلم يراجعه أحد منهم، ثم انصرفوا.
رواه محمد بن سعد عن أشياخ له [4] .
والثاني: أن هشام بن عمرو بن الحارث العامري مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة، فقال: يا زهير، أرضيت أن تأكل الطعام، وتلبس الثياب، وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت، لا يباعون [5] ، ولا يبتاع منهم، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم، أما إني أحلف باللَّه: لو كان أخوك أبو الحكم بن هشام ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك منهم أبدا. قَالَ: ويحك يا هشام، فماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد/ والله لو كان معي آخر لقمت في نقضها حتى أنقضها. قال: قد وجدت رجلا. قال:
من هو؟ قال: أنا. قال: أبغنا ثالثا. فذهب إلى المطعم بن عدي فقال: يا مطعم، أقد رضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف وأنت موافق لقريش في ذلك [6] ؟ قال:
ويحك، ماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد. قال: قد وجدت ثانيا. قال: من هو؟ قال:
أنا. قال: أبغنا ثالثا [7] . قال: قد وجدت. قال: من هو؟ قال: زهير بن أبي أمية، قال:
أبغنا رابعا. فذهب إلى أبي البختري بن هشام. فقال له نحوا مما قال لمطعم بن عدي.
فقال: فهل من أحد يعين على هذا؟ قال: نعم. قال: من هو؟ قال: زهير، والمطعم،
__________
[1] في الأصل: «من جور وظلم أو قطيعة رحم» . وفي أ: «من جور وظلم وقطيعة رحم» ، وما أوردناه من ابن سعد.
[2] في الأصل: «ما ذكر الله به» ، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 209، 210.
[5] في أ، وتاريخ الطبري: «لا يبايعون» .
[6] في تاريخ الطبري 2/ 341، وابن هشام 1/ 375: «وأنت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه» .
[7] قال في اللسان: «ابغني كذا، بهمزة الوصل، أي أطلب لي، وأبغني بهمزة القطع، أي أعني على الطلب» .(3/4)
وأنا معك، قال: أبغنا خامسا. فذهب إلى زمعة بن الأسود، فكلمه وذكر له قرابتهم.
فقال: وهل لك معين [1] ؟ قال: نعم. فسمى له القوم، فاتعدوا خطم الحجون [2] التي بأعلى مكة، واجتمعوا هنالك وتعاهدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها. فقال زهير: أنا أبدؤكم. فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم [3] ، وكانت قريش قد تجاوزت الكعبة، فكان شق البيت لبني عبد مناف وزهرة، وكان ما بين الركن الأسود واليماني لبني مخزوم وتيم وقبائل من قريش ضموا إليهم، وكان ظهر البيت [4] لبني جمح وبني سهم، وكان شق الحجر- وهو الحطيم- لبني عبد الدار، ولبني أسد بن عبد العزى، وبني عدي بن كعب، فغدا زهير فطاف بالبيت سبعا، ثم أقبل على الناس فقال: يا أهل مكة، إنا نأكل الطعام [5] ، ونشرب الشراب. ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى، لا يباعون [6] ولا يبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة. فقال أبو جهل: كذبت، والله لا تشق. فقال زمعة بن الأسود: أنت والله أكذب، ما رضينا كتابتها حين كتبت [7] . فقال أبو البختري: صدق زمعة، لا نرضى ما كتب فيها ولا نقر به: فقال المطعم: صدقتما وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها.
وقال هشام بن عمرو نحوا من ذلك. / فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل وتشوور فيه بغير [هذا المكان] [8] فقام المطعم إلى الصحيفة ليشقها [9] ، فوجد الأرضة قد أكلتها، إلا ما كان من «باسمك اللَّهمّ» .
__________
[1] في تاريخ الطبري، وسيرة ابن هشام: «وهل على هذا الأمر الّذي تدعوني إليه من أحد» .
[2] في الأصل: «فاتعدوا حطيم الحجون» . وفي أ: «فاقعدوا حطم الحجون» . وما أوردناه عن الطبري وابن هشام.
والحجون: موضع بأعلى مكة. وخطمه: مقدمه.
[3] في الأصل: «غدوا على أنديتكم» .
[4] كتب في الأصل فوق «البيت» . «الكعبة» . وفي أ: «الكعبة» .
[5] كذا في الأصل، أ، وفي ابن هشام، والطبري: «أنأكل الطعام» .
[6] في الطبري: «لا يبايعون» . وفي ابن هشام: «لا يباع» .
[7] في الطبري: «ما رضينا كتابها حين كتبت» . وفي ابن هشام: «ما رضينا كتابها حيث كتبت» .
[8] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل مطموس، وساقط من أ، وأوردناه من الطبري وابن هشام.
[9] في الأصل: «الصحيفة يشقها» .(3/5)
وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن هاشم [1] ، فشلت يده [2] .
هذا قول ابن إسحاق
. فصل
وقدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ضماد الأزدي.
أَخْبَرَنَا سَعْدُ الْخَيْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسُّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ابن عَمْرَوَيْهِ الْجُلُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَكَانَ يُرْقِي مِنْ [هَذِهِ] [3] الرِّيحِ، فَسَمِعَ سُفَهَاءُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ [4] يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ. فَقَالَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ، لَعَلَّ [اللَّهَ] [5] أَنْ يَشْفِيَهُ عَلَى يَدِي [6] . قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدٌ، إِنَّي أَرْقِي مِنَ الرِّيحِ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ يَشَاءُ، فَهَلْ لَكَ [7] ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ فلا مضل له [8] ، ومن
__________
[1] في الأصل، أ: «عكرمة بن هشام» ، وما أوردناه من الطبري، وابن هشام.
[2] قال السهيليّ: «وللنساب من قريش في كاتب الصحيفة قولان: أحدهما أن كاتب الصحيفة هو:
بغيض بن عامر بن هاشم بن عبد الدار، والقول الثاني: انه منصور بن عبد شرحبيل بن هاشم من بني عبد الدار أيضا، وهو بخلاف قول ابن إسحاق، ولم يذكر الزبير في كاتب الصحيفة غير هذين القولين، والزبيريون أعلم بأنساب قومهم» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناها من صحيح مسلم. وفي دلائل النبوة للبيهقي 2/ 223: «من هذه الرياح» . والمراد بهذه الريح هنا: «الجنون ومس الجن» .
[4] في دلائل النبوة: «فسمع سفهاء من سفهاء الناس» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[6] في الدلائل: «فقال: آتي هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَهُ عَلَى يدي» .
[7] في الدلائل: «فهلم» .
[8] في الدلائل: «من يهده الله فلا مضل له» .(3/6)
يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ» .
قَالَ: فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاءِ.
فَأَعَادَهُنَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاءِ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ قَامُوسَ الْبَحْرِ، هَاتِ يَدَكَ [1] أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلامِ. فَبَايَعَهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2] : «وَعَلَى قَوْمِكَ» ؟
قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي.
فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ، فَقَالَ صَاحِبُ الْجَيْشِ: هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلاءِ شَيْئًا؟.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَصَبْتُ مَطْهَرَةً.
فَقَالَ: رَدُّوهَا، فَإِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمُ ضِمَادٍ [3]
. ذكر الحوادث في السنة العاشرة من النبوة
[وفاة أبي طالب]
[4] منها: موت أبي طالب، فإنه توفي للنصف من شوال في هذه السنة، وهو ابن بضع وثمانين سنة.
ولما مرض أبو طالب دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام.
__________
[1] في الدلائل: «فهلم يدك» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] الخبر أخرجه مسلم في صحيحة: 7- كتاب الجمعة (13) باب تخفيف الصلاة والخطبة، الحديث (46) ص (593) ، ودلائل النبوة 1/ 223، والبداية والنهاية 3/ 36.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 122، وسيرة ابن هشام 2/ 417- 418، والروض الأنف 1/ 258، والبداية والنهاية 3/ 122، والنويري 16/ 277، والسيرة الحلبية 1/ 466، والسيرة الشامية 2/ 563، والكامل لابن الأثير 1/ 606، دلائل النبوة للبيهقي 2/ 351.(3/7)
فَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد قال: حَدَّثَنِي مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ وَأَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَا عَمُّ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ» .
فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتْرَغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟
قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيَقُولُ: «يَا عَمُّ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ» .
وَيَقُولانِ لَهُ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟
حَتَّى قَالَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: أَنَا عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. ثُمَّ مَاتَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» [1] .
فَاسْتَغْفَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ 9: 113 [2] . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عن
__________
[1] «عنك» . ساقطة من طبقات ابن سعد.
[2] سورة: التوبة، الآية: 113.
والخبر أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 122، والبخاري في صحيحه 65- كتاب التفسير، سورة التوبة، (16) باب «وما كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ» . حديث (4675) ، فتح (8/ 341) ، والبيهقي في الدلائل 2/ 343.(3/8)
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيِّ [1] ، قال: قال أبو طالب: يا ابن أَخِي، وَاللَّهِ لَوْلا رَهْبَةُ أَنْ تَقُولَ قُرَيْشٌ: [وهرني] [2] الْجَزَعُ، فَتَكُونَ سُبَّةً عَلَيْكَ وَعَلَى بَنِي أَبِيكَ لَفَعَلْتُ الَّذِي تَقُولُ، وَأَقْرَرْتُ/ عَيْنَكَ لِمَا أَرَى مِنْ شُكْرِكَ وَوَجْدِكَ وَنَصِيحَتِكَ [لِي.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا طَالِبٍ دعَاَ] [3] بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا سَمِعْتُمْ مِنْ مُحَمَّدٍ [وَمَا اتَّبَعْتُمْ] أَمْرَهُ، فَاتَبِّعُوهُ وَأَعِينُوهُ تَرْشُدُوا.
فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لم تَأْمُرْهُمْ بِهَا [4] وَتَدَعْهَا لِنَفْسِكَ؟» .
فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَأَلْتَنِي [5] الْكَلِمَةَ وَأَنَا صَحِيحٌ لتابعتك على الّذي تقول، ولكني أكره أَنْ أَجْزَعَ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَتَرَى قُرَيْشُ أَنِّي أَخَذْتُهَا جَزَعًا وَرَدَدْتُهَا فِي صِحَّتِي [6] . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْتِ أَبِي طَالِبٍ فَبَكَى ثُمَّ قَالَ:
«اذْهَبْ فَاغْسِلْهُ وَكَفِّنْهُ وَوَارِهِ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَرَحِمَهُ» .
قَالَ فَفَعَلْتُ. قَالَ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ أَيَّامًا وَلا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ، حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِهَذِهِ الآَيَةِ: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى 9: 113 [7] .
__________
[1] في الأصل: «العلويّ» .
[2] في الأصل دهدني، وقد صححت من ألوفا بأحوال المصطفى فقرة رقم 280 ص 209 ط. دار الكتب العلمية.
[3] ما بين المعقوفتين: مطموس في الأصل.
[4] في الطبقات: «أتأمرهم بها» .
[5] في طبقات ابن سعد: «أما لو إنك سألتني» .
[6] طبقات ابن سعد 1/ 122، 123.
[7] سورة: التوبة، الآية: 113.(3/9)
قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاغْتَسَلْتُ [1] .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدّ مَاتَ.
قَالَ: «اذْهَبْ فَوَارِهِ وَلا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي» .
فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ، فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ دَعَا لِي بِدَعَوَاتٍ مَا يَسَرُّنِي مَا عُوِّضَ بِهِنَّ مِنْ شَيْءٍ [2] . أَخْبَرَنَا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْن أحمد قال: حدثني أبي قال: أخبرنا إبراهيم ابن أَبِي الْعَبَّاسِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَزِيدَ الأَصَمُّ، قَالَ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيُّ يَذكر عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ أَتَيْتُ النَّبِيَّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [3] فَقُلْتُ: إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ قَدّ مَاتَ.
قَالَ: «اذْهَبْ فَوَارِهِ، وَلا تُحْدِثَنَّ شيئا حتّى تأتيني» .
قال: فاغتسلت ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَدَعَا لِي/ بِدَعَواتٍ [مَا يَسُرُّنِي أَنِّي ليِ] [4] بِهَا حُمُرُ النِّعَمِ وَسُودُهَا. قَالَ: وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [إِذَا غَسَّلَ الْمَيِّتَ] [5] اغْتَسَلَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَارَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِنَازَةَ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ:
«وَصَلْتَ رَحِمَكَ، جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا يا عم» [6] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 123.
[2] طبقات ابن سعد 1/ 124.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل مطموس.
[5] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل مطموس.
[6] البداية والنهاية 3/ 125، ودلائل النبوة 2/ 349.(3/10)
[وفاة خديجة رضي الله عنها]
[1] ومن الحوادث: وفاة خديجة [رضي الله عنها] [2] بعد أبي طالب بأيام [3] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أخبرنا ابن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قَالَ: أخبرنا الحارث بْنُ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحِ بْنِ دِينَارٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْمُنْذِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ [عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ:
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ] [4] عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ وَخَدِيجَةُ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَهْرٌ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ [5] ، اجْتَمَعَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصِيبَتَانِ، فَلَزِمَ بَيْتَهُ، وَأَقَلَّ الْخُرُوجَ، وَنَالَتْ مِنْهُ قُرَيْشٌ مَا لَمْ تَكُنْ تَنَالُ وَلا تَطْمَعُ بِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا لَهَبٍ، فَجَاءَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدٌ، امْضِ لِمَا أَرَدْتَ وَمَا كُنْتَ صَانِعًا إِذْ كَانَ أَبُو طَالِبٍ حَيًّا فَاصْنَعْهُ، لا وَاللاتِ لا يُوصَلُ إِلَيْكَ حَتَّى أَمُوتَ. وَسَبَّ ابْنَ الَعْيَطَلَةِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو لَهَبٍ، فَنَالَ مِنُهْ، فَوَلَّى [وَهُوَ] [6] يَصِيحُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، صبأ أبو عتبة.
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 210، 211، ودلائل النبوة 2/ 351، وأنساب الأشراف 1/ 186.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] توفيت السيدة خديجة قبل الهجرة بثلاث سنوات، وتوفي أبو طالب بعدها بخمس وثلاثين ليلة، وقيل:
بل توفيت بعده بثلاثة أيام، وإن وفاته كانت بعد نقض الصحيفة بثمانية أشهر وواحد وعشرين يوما.
وروى البخاري عن عروة قال: توفيت خديجة قبل مخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم، وروى البلاذري عنه قال: توفيت قبل الهجرة بسنتين أو قريب من ذلك.
وقال بعضهم: ماتت قبل الهجرة بخمس سنين قال البلاذري: وهو غلط.
وروى الحاكم أن موتها بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام.
وقال محمد بن عمر الأسلمي: توفيت لعشر خلون من رمضان وهي بنت خمس وستين سنة. ثم روى عن حكيم بن حزام أنها توفيت سنة عشر من البعثة بعد خروج بني هاشم من الشعب، وَدُفِنَتْ بِالْحَجُونِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم قبرها، ولم تكن الصلاة على الجنازة شرعت.
وروى يعقوب بن سفيان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ماتت خديجة قبل أن تفرض الصلاة.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من طبقات ابن سعد 1/ 210، 211.
[5] في الأصل: «بينهما ستة أشهر وخمسة أيام» ، وما أوردناه من أ، وطبقات ابن سعد 1/ 211.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.(3/11)
فَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى وَقَفُوا [1] عَلَى أَبِي لَهَبٍ، فَقَالَ: مَا فَارَقْتُ دِينَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَكِنِّي أَمْنَعُ ابْنَ أَخِي أَنْ يُضَامَ حَتَّى يَمْضِيَ لِمَا يُرِيدُ. فَقَالُوا: قَدْ أَحْسَنْتَ وَأَجْمَلْتَ وَوَصَلْتَ الرَّحِمَ. فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ أَيَّامًا يَذْهَبُ وَيَأْتِي، لا يَعْتَرِضُ لَهُ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهَابُوا أَبَا لَهَبٍ، إِلَى أَنْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ وَأَبُو جَهْلٍ إِلَى أَبِي لَهَبٍ فَقَالا لَهُ: أَخْبَرَكَ ابْنُ أَخِيكَ، أَيْنَ مَدْخَلُ أَبِيكَ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: يَا مُحَمَّدٌ، أَيْنَ مَدْخَلُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ قَالَ: «مَعَ قَوْمِهِ» .
قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا أَبُو لَهَبٍ وَقَالَ: قَدْ سَأَلْتُهُ، فَقَالَ مَعَ قَوْمِهِ.
فَقَالا: إِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ فِي النَّارِ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدٌ، أَيَدْخُلُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ النَّارَ؟
فَقَالَ رَسُولُ/ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى مِثْلِ مَا مَاتَ [عَلَيْهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ دَخَلَ] النَّارَ» [2] .
فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: وَاللَّهِ لا بَرِحْتُ لَكَ عَدُوًّا أَبَدًا، وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ فِي النَّارِ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ [هُوَ] [3] وَسَائِرُ قُرَيْشٍ [4] .
قَالَ محمد بن عمر: وحدثني عبد الرحمن بن عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ تَنَاوَلَتْ قُرَيْشُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ حِينَئِذٍ إِلَى الطَّائِفِ وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ عَشْرٍ.
قال محمد بن عمر- بغير هذا الإسناد-: فأقام بالطائف عشرة أيام.
وقال غيره: شهرا لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه فلم يجيبوه، وخافوا على أحداثهم فقالوا: يا محمد، اخرج من بلدنا والحق لمجابك من الأرض، وأغروا به سفهاءهم. فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى إن رجليه لتدميان، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه
__________
[1] في الأصل: «وقفت» ، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: مطموس في الأصل، وأوردناها من أ، وابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناها من أ، وابن سعد.
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 210، 211.(3/12)
حَتَّى لقد شج في رأسه شجاجا. فانصرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [من الطائف راجعا] [1] إلى مكة وهو محزون، فلما نزل نخلة قام يصلي، فصرف إليه نفر من الجن، سبعة من أهل نصيبين، فاستمعوا وأقاموا بنخلة أياما [2] .
فقال له زيد: كيف تدخل عليهم وهم أخرجوك؟
فأرسل رجلا من خزاعة إلى مطعم بن عدي أدخل في جوارك، قال: نعم [3] .
قال محمد بن كعب القرظي: لَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف- وهم قادة ثقيف وأشرافهم يومئذ- وهم أخوة ثلاثة: عبد يا ليل، ومسعود، وحبيب أولاد عمرو بن عمير، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله عز وجل، وكلمهم بما جاء له من نصرته على الإسلام، والقيام معه على من خالفه من قومه، فقال أحدهم: هو يمرط [4] ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك.
وقال آخر: أما وجد الله أحدا يرسله غيرك.
وقال الثالث: والله لا أكلمك كلمة أبدا، لئن كنت رسولا من الله كما تقول، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن/ كنت [تكذب على الله ما ينبغي] [5] لي أن أكلمك.
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عندهم [وقد يئس] [6] من نصر ثقيف [7] ، وأغروا به سفهاءهم يسبونه ويصيحون بِهِ، حتى اجتمع إليه الناس، وألجئوه إلى حائط [8] لعتبة بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[2] في طبقات ابن سعد: «فاستمعوا عليه وهو يقرأ سورة الجن، ولم يشعر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نزلت عليه: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً من الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ 46: 29 فهم هؤلاء الذين كانوا صرفوا إليه بنخلة، وأقام بنخلة أياما.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 211، 212.
[4] يمرطه: أي ينزعه ويرمي به.
[5] ما بين المعقوفتين: مطموس في الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: مطموس في الأصل.
[7] في ابن هشام، والطبري: «من خير ثقيف» .
[8] الحائط هنا: البستان.(3/13)
ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما فيه، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه، فعمد إلى ظل حبلة من عنب، فجلس فيه، وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما لقي من سفهاء ثقيف، فلما اطمأن قال فيما ذكر لي:
«اللَّهمّ إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد فيجهمني [1] ، أم إلى عدو ملكته أمري، فإن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات [2] ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو تحل علي سخطك، لك الرضى حتى [3] ترضى، لا حول ولا قوة إلا بك» .
فلما رأى ابنا ربيعة- عتبة وشيبة- ما لقي، تحركت له رحمهما [4] ، فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له: عداس، وقالا له: خذ قطفا من هذا العنب وضعه في ذلك الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه. ففعل ثم أقبل به حتى وضعه بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده قال: «بسم الله» ثم أكل.
فنظر عداس إلى وجهه، ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ومن أي البلاد أنت، وما دينك» ؟.
قال: أنا نصراني، وأنا رجل من أهل نينوى [5] .
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى» ؟.
قال له: وما يدريك ما يونس بن متى؟.
قال: ذاك أخي، كان نبيا وأنا نبي.
__________
[1] تجهمه: استقبله بوجه كريه.
[2] راجع الروض الأنف.
[3] في الطبري وابن هشام: «لك العتبى» . والمعنى واحد.
[4] الرحم: الصلة والقرابة.
[5] نينوى: قال أبو ذر الخشنيّ: «ورويت هنا بضم النون الثانية وبفتحها» .(3/14)
فأكب عداس على رأس رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقبل رأسه ويديه ورجليه [1] .
قال: يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك. فلما جاءهما قالا له: ويلك يا عداس، ما لك تقبل رأس هذا/ الرجل ويديه وقدميه؟
قال: يا سيدي ما في الأرض [شيء خير من هذا، لقد أخبرني] [2] بأمر لا يعلمه إلا نبي [3]
. [رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف]
[4] .
ومن الحوادث: أنه لما رجع من الطائف لم يمكنه دخول مكة إلا بجوار، وذلك أنه لما دنا من مكة علم أن قومه أشد عليه مما كانوا، فأرسل بعض أهل مكة إلى الأخنس بن شريق فقال له: «هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالة ربي؟» .
فقال له الأخنس: إن الحليف لا يجير على الصريح.
قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: تعود؟ قال: نعم. قال: فأت سهيل بن عمرو فقل له: إن محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربي؟ فقال له ذلك، فقال: إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب. فَرَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره. قال:
تعود؟ قال: نعم. قال: ائت المطعم بن عدي فقل له: إن محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربي؟ قال: نعم فليدخل.
فرجع فأخبره وأصبح المطعم بن عدي قد لبس سلاحه هو وبنوه وبنو أخيه، فدخلوا المسجد، فلما رآه أبو جهل قال: أمجير أم متابع [5] ؟ قال: بل مجير، قال:
أجرنا من أجرت [6] ؟
__________
[1] كذا في الأصول والطبري، وفي ابن هشام «قدميه» .
[2] ما بين المعقوفتين: مطموس في الأصل، وما أوردناه من ابن هشام. وفي الطبري: «خير من هذا الرجل لقد أخبرني» .
[3] الخبر في سيرة ابن هشام 1/ 419، وتاريخ الطبري 2/ 344.
[4] تاريخ الطبري 2/ 347.
[5] في الأصول: «مبايع» ، وما أوردناه من الطبري.
[6] في الأصل: «قد أخبرنا من أجرت» ، وما أوردناه من أ، والطبري.(3/15)
فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وأقام بها، وكان يقف بالموسم على القبائل فيقول: «يا بني فلان، إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا» فكان يمشي خلفه أبو لهب فيقول: لا تطيعوه. وأتى رسول الله كندة في منازلهم فدعاهم إلى الله [عز وجل] فأبوا، وأتى كلبا في منازلهم فلم يقبلوا منه، وأتى بني حنيفة [1] في منازلهم، فردوا عليه أقبح رد، وأتى [بني] [2] عامر بن صعصعة، وكان لا يسمع بقادم من العرب له اسم وشرف إلا دعاه وعرض عليه ما عنده.
وقال جابر بن عبد الله: مكث رسول الله [صلى الله عليه وسلم] [3] بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ، ومجنة وفي المواسم يقول: «من يؤويني، من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة؟» حتى بعثنا الله إليه فأويناه وصدقناه.
[تزويج رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ عائشة رضي الله عنها]
[4] ومن الحوادث في هذه السنة: تزويج رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ عائشة وسودة. وكانت عائشة بنت ست سنين حينئذ.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ وَيَحْيَى قَالا: لَمَّا هَلَكَتْ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا جَاءَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنُ مَظْعُونٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا تَتَزَوَّجُ؟ قَالَ: «مَنْ؟» قَالَتْ: إِنْ شِئْتَ بِكْرًا، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا.
قَالَ: «مَنِ الْبِكْرُ؟» قَالَتِ: ابْنَةُ أَحَبِّ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْكَ [عَائِشَةُ] [5] ِبنْتُ أَبِي بكر.
__________
[1] في أ: «بني خيفة» . خطأ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري 3/ 350.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] العنوان غير موجود في الأصول.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند 6/ 210- 211.(3/16)
قَالَ: «وَمَنِ الثَّيِّبُ؟» . قَالَتْ: سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، قَدْ آَمَنَتْ بِكَ وَاتَّبَعَتْكَ عَلَى مَا تَقُولُ.
قَالَ: «فَاذْهَبِي فْاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ» .
فَدَخَلَتْ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ: يَا أُمَّ رُومَانَ، مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ] عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟ قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطُبَ عَلَيْهِ عَائِشَةَ.
قَالَتِ: انْتَظِرِي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى يَأْتِيَ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطُبَ عَلَيْهِ عَائِشَةَ.
قَالَ: وَهَلْ تَصْلُحُ لَهُ، إِنَّمَا هِيَ ابْنَةُ أَخِيهِ. فَرَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ.
قَالَ: «ارْجِعِي إِلَيْهِ فَقُولِي لَهُ: أنا أَخُوكَ، وَأَنْتَ أَخِي فِي الإِسْلامِ، وَابْنَتُكَ تَصْلُحُ لِي» .
فَرَجَعْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: انْتَظِرِي. وَخَرَجَ.
قَالَتْ أُمُّ رُومَانَ: إِنَّ مُطْعَمَ بْنَ عَدِيٍّ كَانَ قَدْ ذَكَرَهَا على ابنه، فو الله مَا وَعَدَ وَعْدًا قَطُّ فَأَخْلَفَهُ- تَعْنِي أَبَا بَكْرٍ.
فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى مُطْعَمِ بْنِ عَدِيٍّ وَعِنْدَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ الْفَتَى، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، لَعَلَّكَ مُصْبِي صَاحِبِنَا وَمُدْخِلُهُ فِي دِينِكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ أَنْ تَزَوَّجَ إِلَيْكَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلْمُطْعَمِ بْنِ عَدِيٍّ: أَبِقَوْلِ هَذِهِ تَقُولُ [قَالَ:] [1] إِنَّهَا تَقُولُ ذَلِكَ؟ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَقَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا كَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْ عِدَتِهِ الَّتِي وَعَدَهُ، فَرَجَعَ فَقَالَ لِخَوْلَةَ: ادْعِي لِي/ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَدَعَتْهُ، فزوجها [إياه وعائشة يَوْمَئِذٍ] [2] بِنْتَ سِتِّ سِنِينَ.
ثُمَّ خَرَجَتْ فَدَخَلَتْ عَلَى سَوْدَةَ بِنْتِ [زَمْعَةَ وَقَالَتْ] : [3] مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟ قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطُبَكِ عَلَيْهِ.
قَالَتْ: وَدِدْتُ، ادْخُلِي إِلَى أَبِي فَاذْكُرِي ذَلِكَ لَهُ- وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ أَدْرَكَهُ السِّنُّ. [قَدْ تخلف عن الحج] [4] فدخلت عليه، فحيته بتحية الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ:
خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ. قَالَ: فَمَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي مُحَمَّدُ بن عبد الله أخطب عليه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[2] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، وأوردناه من باقي الأصول والمسند.
[3] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، وأوردناه من باقي الأصول والمسند.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.(3/17)
سَوْدَةَ. قَالَ: كُفْؤٌ كَرِيمٌ، مَاذَا تَقُولُ صَاحِبَتُكِ؟ قَالَتْ: تُحِبُّ ذَلِكَ. قَالَ: ادْعِيهَا لِي.
فَدَعَوْتََُهَا، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ، إِنَّ هَذِهِ تَزْعُمُ أَنَّ محمدا بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ أَرْسَلَ يَخْطُبَكِ، وَهُوَ كُفْؤٌ كَرِيمٌ، أَتُحِبِّينَ أَنْ أُزَوِّجَكِهِ [1] ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: ادْعِيهِ لِي. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ [2]
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3- خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وتكنى: أم هند.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُدَبِّرِ قال: أخبرنا أبو منصور بن عبد العزيز الْعُكْبُرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَالِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ قَالَ: [أَخْبَرَنِي] أَبِي، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَكَادُ يَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ حَتَّى يَذكر خَدِيجَةَ، فَيُحْسِنُ عَلَيْهَا الثَّنَاءَ، فَذَكَرَهَا يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ، فَأَدْرَكَتْنِي الْغِيرَةُ فَقُلْتُ: هَلْ كَانَتْ إِلا عَجُوزًا قَدْ أَخْلَفَ اللَّهُ لَكَ خَيْرًا مِنْهَا؟.
قَالَتْ: فَغَضِبَ حَتَّى اهْتَزُّ مُقَدِّمُ شَعْرِهِ مِنَ الْغَضَبِ، ثُمَّ قَالَ: «لا وَاللَّهِ، مَا أَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهَا، لَقَدْ آمَنَتْ إِذْ كَفَرَ النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي، وَرَزَقَنِي اللَّهُ أَوْلادَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاءِ» [3] .
قَالَتْ: فَقُلْتُ: بَيْنِي/ وَبَيْنَ [نَفْسِي: لا أَذْكُرُهَا بِسُوءٍ] [4] أَبَدًا. أَنْبَأَنَا يَحْيَى بن الحسين البناء قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ ... [5] قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُخْلِصُ
__________
[1] في المسند: «أتحبين أن أزوجك به» ، وفي أ: «أتحبين أن أزوجك إياه» .
[2] الخبر في المسند 6/ 210.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 1/ 84، 8/ 35، وتاريخ الطبري 2/ 280- 283، 298، 307، 309، 311، 312، 316، 317، 336، 343، 367، 468، والبداية والنهاية 3/ 127.
[4] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، وأوردناه من أ.
[5] مكان النقط في الأصل أرضة، والسند ساقط من أ.(3/18)
قال: أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال: حَدَّثَنَا الزُّبَير بْن بكار قَالَ: حدثني محمد بْنُ حَسَنٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ:
دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَهِيَ فِي مَرَضِهَا الَّذِي تُوِفِّيَتْ فِيهِ، فَقَالَ لَهَا: «يَا لَكُرْهٍ مِنِّي مَا أَرَى مِنْكِ يَا خَدِيجَةُ وَقَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ فِي الْكُرْهِ خَيْرًا كَثِيرًا، أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ قد زَوَّجَنِي مَعَكِ فِي الْجَنَّةَ مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ وَكَلْثَمَ أُخْتَ مُوسَى، وَآسِيَا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ» .
قَالَتْ: وَقَدْ فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: «نَعَمْ» .
قَالَتْ: بِالرَّفَاءِ وَالْبَنِينَ. قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهِيَ بِنْتُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ.
وَدُفِنَتْ بِالْحَجُونِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُفْرَتِهَا، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ سُنَّةُ الْجِنَازَةِ الصَّلاةُ عَلَيْهَا
. - السكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود:
[1] أسلم، قديما بمكة، وهاجر إلى الحبشة ومعه امرأته سودة بنت زمعة، فمات في هذه السنة بأرض الحبشة.
وقيل: بمكة، فتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة [2]
. 4- عبد مناف، أبو طالب:
[عم رسول الله صلى الله عليه وسلم] [3] وقد سبق ذكره [4] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 149. وفيه: وأمه حبّى بنت قيس بن ضبيس، وكان له من الولد عبد الله، وأمه سودة بنت زمعة.
[2] وكانت أول امرأة تزوجها بعد موت خديجة بنت خويلد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[4] في أ: «قد سبق ذكر وفاته فيما قبل» .(3/19)
ذكر الحوادث سنة إحدى عشرة من النبوة
[بدء إسلام الأنصار] [1] من ذلك:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم يعرض نفسه على القبائل كما كان يصنع في كلّ موسم، فبينا هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج فقال: «من أنتم؟» قالوا: من الخزرج. قال: «أفلا تجلسون أكلمكم؟» . قالوا: بلى.
فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله عز وجل، وعرض عليهم الإسلام، وتلى عليهم القرآن، وكان أولئك يسمعون من اليهود أنه قد أظل زمان نبي يبعث، فلما كلمهم قال بعضهم لبعض: والله إنه النبي الذي يعدكم [2] به يهود، فلا تسبقنكم إليه. فأجابوه وانصرفوا راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا، وكانوا ستة وهم:
أسعد بن زرارة [3] ، وعوف بن الحارث-/ وهو ابن عفراء [4]- ورافع بن مالك بن العجلان [5] ، [وقطبة بن عامر بن حديدة] [6] ، وعقبة بن عامر بن نابي [7] ، وجابر بن عبد الله بن رئاب [8] .
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 353، وسيرة ابن هشام 1/ 428، والاكتفاء 1/ 413، ودلائل النبوة للبيهقي 2/ 413 والبداية والنهاية 3/ 145.
[2] في تاريخ الطبري، وابن هشام، والاكتفاء: «توعدكم» .
[3] في ابن هشام: أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، وهو أبو أمامة.
وكان أسعد نقيبا، وشهد العقبة الأولى والثانية، وبايع فيهما. ويقال: إنه أول من بايع النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومات في تلك الأيام.
[4] قال ابن هشام: «عوف بن الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار» .
شهد عوف بدرا مع أخويه معاذ ومعوذ وقتل هو ومعوذ شهيدين يوم بدر.
[5] يكنى رافع، أبا مالك، وقيل: أبو رفاعة. وهو نقيب بدري، شهد العقبة الأولى والثانية، وشهد بدرا. ولم يذكره ابن إسحاق في البدريين. وذكر فيهم ولديه رفاعة وخلادا.
[6] ما بين المعقوفتين: مطموس في الأصل.
ويقال قطبة بن عمرو، ويكنى أبا زيد. شهد العقبة الأولى والثانية وبدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وكانت معه راية بني سلمة يوم الفتح. وجرح يوم أحد تسع جراحات، وتوفي زمن عثمان.
[7] شهد عقبة بدرا بعد شهوده العقبة الأولى، ثم شهد أحدا فاعلم بعصابة خضراء في مغفره، ولقد شهد الخندق وسائر المشاهد. وقتل يوم اليمامة شهيدا.
[8] شهد جابر بدرا وأحدا والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو أول من أسلم(3/20)
[فلما قدموا] [1] المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله، ودعوهم إلى الإسلام حتى [فشا] [2] فيهم، فلم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَى أَبُو هِلالٍ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ الْعَسْكَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي مُقَاتِلٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ كَثِيرِ بْنِ سَيَّارٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرَانَ، الصَّنْعَانِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجْلِيُّ، عَنْ أَبَانَ بْنِ ثَعْلَبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ، خَرَج وَأَنَا مَعَهُ، وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَفَعَنَا إِلَى مَجْلِس مِنْ مجالس العرب، فتقدم أبو بكر فسلّم، ووقفت أَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مُقَدَّمًا في كل خير، وكان رجلا نسّابة، فَقَالَ: مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: مِنْ رَبِيعَة. قَالَ: وَأَيُّ رَبِيعَةَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: ذُهَلُ الأَكْبَرُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِنْ هَامَتِهَا أَوْ مِنْ لَهَازِمِهَا؟ قَالُوا: بَلْ مِنْ هَامَتِهَا الْعُظْمَى. قَالَ: فَمِنْكُمْ عَوْفٍ الّذِي يُقَالُ لَهُ:
لا حُرَّ بِوَادِي عَوْفٍ؟ قَالُوا: لا. قَالَ: فَمِنْكُمْ بِسْطَامُ بْنُ قَيْسٍ أَبُو اللِّوَاءِ [3] وَمُنْتَهَى الأَحْيَاءِ؟ قَالُوا: لا. [قال: فمنكم جسّاس بن مرة حامي الذِّمَارُ وَمَانِعُ الْجَارِ؟ قَالُوا:
لا] [4] قَالَ: فَمِنْكُمُ الْحَوْفَزَانُ قَاتِلُ الْمُلُوكِ وَسَالِبُهَا أَنْفُسَهَا؟ قَالُوا: لا. قَالَ: فَمِنْكُمُ الْمُزْدَلِفُ صَاحِبُ الْعِمَامَةِ الْفَرْدَةِ؟ قَالُوا: لا. قَالَ: فَمِنْكُمْ أَخْوَالُ الْمُلُوكِ مِنْ كِنْدَةَ؟
قَالُوا: لا. قَالَ: فَمِنْكُمْ أَصْهَارُ الْمُلُوكِ [5] مِنْ لَخْمٍ؟ قَالُوا: لا. قَالَ: فَلَسْتُمْ [مِنْ] [6] ذُهْلٍ من الأنصار قبل العقبة الأولى بعام وجابر هذا غير جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري الصحابي ابن الصحابي.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: مطموس في الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: مطموس في الأصل.
[3] في الأصل: «أبو اللومي» ، وغير موجودة في أ، والتصحيح من البيهقي.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من البيهقي، وجاءت اختلاف في الترتيب في البيهقي.
[5] في البيهقي: «أصحاب الملوك» .
[6] (من) ناقصة من الأصل وقد أضيفت من الدلائل.(3/21)
الأَكْبَرِ، أَنْتُمْ [مِنْ] ذُهْلٍ الأَصْغَرُ. فَقَامَ إِلَيْهِ غُلامٌ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ يُقَالُ لَهُ: دَغْفَلٌ حِينَ بَقَلَ عَارِضُهُ [1] ، فَقَالَ:
إِنَّ عَلَى سَائِلِنَا أن نسأله ... والعبو لا [2] تَعْرِفُهُ أَوْ تَحْمِلُهُ
[3] / [يَا هَذَا، إِنَّكَ قَدْ سَأَلْتَنَا] [4] فَأَخْبَرْنَاكَ، وَلَمْ نَكْتُمْكَ شَيْئًا، فَمِمَّنِ الرَّجُلُ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مِنْ [قُرَيْشٍ. فَقَالَ الْفَتَى:] [5] بَخٍ بَخٍ أَهْلُ الشَّرَفِ وَالرِّئَاسَةِ، فَمِنْ أَيِّ قُرَيْشٍ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ [وَلَدِ تَيْمِ بْنِ] [6] مرة. فقال الفتى: أَمْكَنْتَ وَاللَّهِ الرَّامِي مِنْ سَوَاءِ النُّقْرَةِ، فَمِنْكُمْ [قُصَيٌّ] [7] الَّذِي جَمَعَ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرٍ، فَكَانَ يُدْعَى فِي قُرَيْشٍ مُجَمِّعًا. قَالَ: لا.
قَالَ: فَمِنْكُمْ هَاشِمٌ الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ فَقِيلَ فيه: (بيت)
عمرو العلا هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مُسْنِتُونَ عِجَافُ
قَالَ: لا. قَالَ: فَمِنْكُمْ شَيْبَةُ الْحَمْدِ [عَبْدُ الْمُطَّلِبِ] [8] مُطْعِمُ طَيْرِ السَّمَاءِ الَّذِي كان وجهه يضيء في الليلة الظَّلْمَاءِ. قَالَ: لا. قَالَ: أَفَمِنَ النَّدْوَةِ [9] أَنْتَ؟ قَالَ:
لا. قَالَ: [أَفَمِنْ أَهْلِ الحِجَابَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَمِنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: لا] [10] قَالَ: فَمِنْ أَهْلِ الإِفَاضَةِ بِالنَّاسِ أَنْتَ؟ قَالَ: لا.
وَزَادَ غَيْرُهُ: قَالَ: فَأَنْتَ إِذًا مِنْ زَمْعَاتِ قُرَيْشٍ.
قَالَ: فَاجْتَذَبَ [11] أَبُو بَكْرٍ زِمَامَ النَّاقَةِ وَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وسلم، فقال الغلام:
__________
[1] كذا في أحد نسخ دلائل النبوة المخطوطة، وفي المطبوع منه: «حين تبين وجهه» .
[2] كذا في الأصل ودلائل النبوة للبيهقي، وفي أ، ودلائل النبوة لأبي نعيم والبداية والنهاية: «والعبء» .
[3] في البيهقي: «لا نعرفه أو نجهله» .
[4] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضه، وما أوردناه من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضه، وما أوردناه من أ.
[6] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضه، وما أوردناه من أ.
[7] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضه، وما أوردناه من أ.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من البيهقي.
[9] في أ: «فمن النداوة» وفي البداية والنهاية: «أفمن أهل الندوة» .
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[11] في الأصل: «واجتذب» .(3/22)
صَادَفَ دَرُّ السَّيْلِ [1] دَرًّا يَدْفَعُهُ ... يَهِيضُهُ حِينًا وَحِينًا يَصْدَعُهُ
أَمَا وَاللَّهِ لَوْ ثَبَتَ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، لَقَدْ وَقَعْتَ مِنَ الأَعْرَابِيِّ عَلَى بَاقِعَةٍ.
قَالَ: أَجَلْ يَا أَبَا الْحَسَنِ، مَا مِنْ طَامَّةٍ إِلا وَفَوْقَهَا طَامَّةٌ، وَالْبَلاءُ مُوَكَّلٌ بِالْمَنْطِقِ.
قَالَ: فَدَفَعْنَا إِلَى مَجْلِسٍ آخَرَ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ وَدَنَا، فَقَالَ: مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: مِنْ شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ [2] مَا وَرَاءَ هَؤُلاءِ مِنْ قَوْمِهِمْ شَيْءٌ، هَؤُلاءِ غُرَرُ النَّاسِ، وَفِيهِمْ:
مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو، وَهَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ، وَالْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ الْعَدَدُ فِيكُمْ؟ قَالَ مَفْرُوقٌ: إِنَّا لَنَزِيدُ عَلَى أَلْفٍ، وَلَنْ تُغْلَبَ أَلْفٌ مِنْ قِلَّةٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَيْفَ الْمَنَعَةُ فِيكُمْ؟ [3] قَالَ: عَلَيْنَا الْجَهْدُ وَلِكُلِّ قَوْمٍ جَهْدُ [4] . قَالَ: كَيْفَ الْحَرْبُ/ بَيْنَكُمْ؟ قَالَ: إِنَّا لأَشَدُّ مَا نَكُونُ غَضَبًا حِينَ نَلْقَى، وَأَشَدُّ [مَا نَكُونُ لِقَاءً حِينَ نَغْضَبُ] [5] وَإِنَّا لَنُؤْثِرُ الْجِيَادَ [6] عَلَى الأَوْلادِ، وَالسِّلاحِ عَلَى اللِّقَاحِ [، وَالنَّصْرُ مِنَ اللَّهِ] [7] عَزَّ وَجَلَّ يُدِيلُنَا مَرَّةً وَيُدِيلُ عَلَيْنَا أُخْرَى، لَعَلَّكَ أَخُو [قُرَيْشٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ] [8] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَقَدْ بَلَغَكُمْ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فها هو ذا [9] . قَالَ مَفْرُوقٌ: بَلَغَنَا أَنَّهُ يَذكر ذَلِكَ، فَإِلَى مَا يَدْعُو يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟
فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ، وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ يُظِلُّهُ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ:
«أَدْعُوكُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له، وأني رسول الله، وإلى
__________
[1] في أ: «در السبيل» .
[2] في الأصل: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، وما أوردناه من أ.
[3] في دلائل البيهقي: «فكيف المنعمة فيكم» .
[4] في الأصل: «ولكل قوم جد» .
[5] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضه، وما أوردناه من أ.
[6] في أ: «لنؤثر الجبال» .
[7] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضه، وما أوردناه من أ.
[8] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضه، وما أوردناه من أ.
[9] في الدلائل للبيهقي: «ألا هو ذا» .(3/23)
أن تؤوني وَتَنْصُرُونِي، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ وَكَذَّبَتْ رُسُلَهُ، وَامْتَنَعَتْ بِالْبَاطِلِ عَنِ الْحَقِّ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» .
فَقَالَ مَفْرُوقٌ: وَإِلَى مَا تَدْعُونَا أَيْضًا؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً 6: 151 [1] الآية.
فقال مفروق: إلى ما تدعونا أيضا؟ فو الله مَا سَمِعْتُ كَلامًا هُوَ أَجْمَلُ مِنْ هَذَا، وَلَوْ كَانَ مِنْ كَلامِ أَهْلِ الأَرْضِ لَفَهِمْنَاهُ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ 16: 90 [2] الآية.
فَقَالَ مَفْرُوقٌ: دَعَوْتُ وَاللَّهِ إِلَى مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عَلَيْكَ، وَهَذَا هَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ شَيْخُنَا وَصَاحِبُ دِينِنَا.
فَقَالَ ابْنُ قَبِيصَةَ: قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتَكَ يَا أَخَا قُرَيْشٍ، وَإِنِّي أَرَى تَرْكَنَا دِينِنَا واتباعنا إياك، ولكن نَرْجِعُ وَتَرْجِعُ، وَنَنْظُرُ وَتَنْظُرُ، وَهَذَا الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ شَيْخُنَا وَصَاحِبُ حَرْبِنَا.
فَقَالَ الْمُثَنَّى: قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتَكَ يَا أَخَا قُرَيْشٍ، وَالْجَوَابُ جَوَابُ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ، وَإِنَّا إِنَّمَا نَزَلْنَا بَيْنَ صَرْيَيِّ الْيَمَامَةِ [3] .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا هَاتَانِ الصَّرْيَانِ؟» .
قَالَ: مِيَاهُ الْعَرَبِ مَا كَانَ مِنْهَا مِمَّا يَلِي [أَنْهَارَ] ( [4] كِسْرَى فَذَنْبُ صَاحِبِه غَيْرُ مَغْفُورٍ، وَعُذْرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَإِنَّمَا نَزَلْنَا عَلَى عَهْدٍ أَخَذَهُ كِسْرَى عَلَيْنَا، أَنْ لا نُحْدِثَ حَدَثًا، وَلا نُؤْوِيَ مُحْدِثًا، فَأَنَا أَرَى أَنَّ هَذَا [الأَمْرَ] [5] الَّذِي تدعونا إليه تكرهه/ الملوك، [فإن
__________
[1] سورة: الأنعام، الآية: 151.
[2] سورة: النحل، الآية: 90.
[3] الصريين: تثنية صير، والصرى للماء إذا طال مكثه وتغير، وفي النهاية: الصير: الماء الّذي يحضره الناس. واليمامة: مدينة باليمن.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من البيهقي.(3/24)
شِئْتَ نُؤْوِيكَ] [1] وَنَنْصُرْكَ مِمَّا يَلِي مِيَاهَ الْعَرَبِ فَعَلْنَا.
فَقَالَ رَسُولُ [اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2] وَسَلَّمَ: «مَا أَسَأْتُمْ فِي الرَّدِّ إِذْ أَفْصَحْتُمْ بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ دِينَ اللَّهِ تَعَالَى لَنْ يَنْصُرَهُ إِلا مَنْ [أَحَاطَهُ مِنْ جَمِيعِ] [3] جَوَانِبِهِ، أَرَأَيْتُمْ إِنْ لَمْ تَلْبَثُوا إِلا قَلِيلا حَتَّى يُورِثَكُمُ اللَّهُ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَيُفْرِشَكُمْ نِسَاءَهُمْ، أَتُسَبِّحُونَ الله وتقدسونه؟» .
فقال النُّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ: اللَّهمّ لَكَ ذَلِكَ.
فَتَلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً 33: 45- 46 [4] . ثُمَّ نَهَضَ قَابِضًا عَلَى يَدِ أَبْي بَكْرٍ وَهُوَ يَقُولُ: «أَيَّةُ أَخْلاقٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا أَشْرَفَهَا، يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا بَأْسَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَبِهَا يَتَحَاجَزُونَ [5] فِيمَا بَيْنَهُمْ» .
فَمَا بَرِحْنَا حَتَّى بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا صُدُقًا صُبُرًا [6]
. ذكر الحوادث في سنة اثنتي عشرة من النبوة
[الإسراء والمعراج]
[7] فمن ذلك: المعراج.
قال الواقدي: كان المسرى في ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة. وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، وأوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، وأوردناه من أ.
[4] سورة: الأحزاب، الآية: 45، 46.
[5] في أ: «يتجازون» .
[6] الخبر أخرجه البيهقي في الدلائل، 2/ 422، والحاكم في المستدرك، وأبو نعيم في دلائل النبوة 1/ 237- 241، وقال القسطلاني في المواهب: أخرجه الحاكم والبيهقي وأبو نعيم بإسناد حسن وابن كثير في البداية والنهاية.
[7] طبقات ابن سعد 1/ 213، وسيرة ابن هشام 1/ 396، ودلائل النبوة للبيهقي 2/ 354، والإكتفاء 1/ 377 والكامل 1/ 578، والبداية والنهاية 3/ 108.(3/25)
السنة الثانية عشرة [1] من النبوة، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا.
وروي عن أشياخ أخر قالوا: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبعة عشر من ربيع الأول، قبل الهجرة بسنة.
وقال مؤلف الكتاب: ويقال إنه كان ليلة سبع وعشرين من رجب [2] .
أخبرنا هبة الله بن محمد قال: أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن جعفر قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حدثني أبي قال: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ مَالِكَ بْنَ صَعْصَعَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ، قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ- وَرُبَّمَا قَالَ قَتَادَةُ: فِي الْحِجْرِ- مُضْطَجِعٌ إِذْ أَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: الأَوْسَطُ بَيْنَ الثَّلاثَةِ. قَالَ: فَأَتَانِي فَقَدَّ- وَسَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ:
فَشَقَّ- مَا بَيْنَ هَذِهِ [إِلَى هَذِهِ» ] [3] .
قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ/ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ. [وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِنْ قَصَّتِهِ] [4] إلى شعرته.
__________
[1] في الأصل: «السنة الثالثة عشر» ، وما أوردناه من أ، وألوفا للمصنف.
[2] لم يذكر ابن إسحاق تحديد السنة التي وقع فيها الإسراء، وقد تعرض ابن كثير في البداية والنهاية لذلك فقال: ذكر ابن عساكر أحاديث الإسراء في أوائل البعثة، وأما ابن إسحاق فذكرها في هذا الموطن بعد البعثة بنحو من عشر سنين. وروى البيهقي من طريق موسى بن عقبة، عن الزهري أنه قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خروجه إلى المدينة بسنة ... ثم روى عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن أسباط بن نصر، عن إسماعيل السدي أنه قال: فرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس ببيت المقدس ليلة أسري به قبل مهاجره بستة عشر شهرا.
فعلى قول السدي يكون الإسراء في شهر ذي القعدة، وعلى قول الزهري وعروة يكون في ربيع الأول.
ثم ذكر عن جابر، وابن عباس قالا: ولد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الفيل يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وفيه بعث وفيه عرج به إلى السماء وفيه هاجر ومات. وفيه انقطاع.
ثم ذكر أن المقدسي أورد حديثا لا يصح سنده: أن الإسراء كان ليلة السابع والعشرين من رجب والله أعلم.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والمسند 4/ 208.
[4] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، وأوردناه من أ.(3/26)
قال: «فاستخرج قلبي» قال: «فأتيت بِطَسْتٍ مِنْ [ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا] [1] وَحِكْمَةً، فَغَسَلَ قَلْبِي ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيَد، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ [الْبَغْلِ] [2] وَفَوْقَ الْحِمَارِ، أَبْيَضَ» .
قَالَ: فَقَالَ لِلْجَارُودِ: أَهُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَقْعُ خَطْوُهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ.
قَالَ: «فَحُمِلْتَ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ حَتَّى أَتَى بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل:
أوقد أرسل إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ» .
قَالَ: «فَفُتِحَ لَنَا، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ. فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السلام وقال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ لَهُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ: فَفُتِحَ.
قَالَ: «فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا يَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ، فَقَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا. قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمَا فَرَدَّا السَّلامَ، ثُمَّ قَالا: مَرْحَبًا بالأخ الصالح والنبي الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ، فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال:
جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، ونعم الْمَجِيءُ جَاءَ» .
قَالَ: «فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، إِذَا يُوسُفُ. قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصالح والنبي الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فاستفتح. فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال:
محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، ونعم المجيء جاء» .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، أوردناه من أ.(3/27)
قَالَ: «فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا إِدْرِيسُ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلامَ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ» .
قَالَ: «ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى [1] السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ:
جِبْرِيلُ. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: / أوقد [أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل] [2] مرحبا به، ونعم المجيء جاء» .
قال: «ففتح، فلما خلصت فَإِذَا هَارُونُ. [قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ» ] [3] قَالَ:
«فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلامَ، وَقَالَ: مَرْحَبًا بالأخ الصالح والنبي الصَّالِحِ» .
قَالَ: «ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ:
جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، ونعم المجيء جاء» .
قال: «ففتح، فلما خَلَصْتُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى. قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ.
فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَّ قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصَّالِح» .
قَالَ: «فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي [لأَنَّ] [3] غُلامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي» .
قَالَ: «ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ. فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ:
جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ» .
قَالَ: «فُفِتَح، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ. فَقَالَ: هَذَا [أَبُوكَ] [4] إِبْرَاهِيمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ» . قَالَ: «فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ والنبي الصالح» .
__________
[1] في الأصل: «حتى أتى إلى السما» ، وما أوردناه من أ، والمسند.
[2] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة بمقدار كلمتين، وما أوردناه من أ، والمسند.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والمسند.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل. وأوردناه من أ، وغير موجودة بالمسند.(3/28)
قَالَ: «ثُمَّ رُفِعْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ. فَقَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى» .
قَالَ: «وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ: فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ» .
قَالَ: «ثُمَّ رُفِعَ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ» .
قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ: أنه رَأَى الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لا يَعُودُونَ مِنْهُ [1] .
ثُمَّ رَجِعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ، قَالَ:
«ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ» قَالَ: «فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ.
قَالَ: هَذِهِ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ» .
قَالَ: «ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلاةُ خَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» [2] .
قَالَ: «فَرَجِعْتُ، فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ [3] قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. فقال: إن أُمَّتُكَ لا تَسْتَطِيعُ/ خَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبِرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ [وَعَالَجْتُ بَنِي إسرائيل] [4] أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ» .
قَالَ: « [فَرَجِعْتُ] [5] ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجِعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟
قُلْتُ: أُمِرْتُ بِأَرْبَعِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ أَرْبَعِينَ صَلاةً [6] كُلَّ يَوْمٍ، فَإِنِّي جَرَّبْتُ النَّاسَ [7] قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك» .
__________
[1] في المسند: «ثم لا يعودون إليه» .
[2] «ليلة» . ساقطة من المسند.
[3] في المسند: «بماذا أمرت» .
[4] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، وأوردناه من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، وأوردناه من أ.
[6] في أ: «لا تستطيع لأربعين صلاة» .
[7] في المسند: «خبرت الناس» .(3/29)
قَالَ: «فَرَجِعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا أُخَرَ، فَرَجِعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟
قُلْتُ: بِثَلاثِينَ صلاة كل يوم. قال: إن أمتك لا تَسْتَطِيعُ لِثَلاثِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ [1] قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المعالجة، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك» .
قَالَ: «فَرَجِعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا أُخَرَ، فَرَجِعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟
قُلْتُ: أُمِرْتُ بِعِشْرِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ. فَقَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ لِعِشْرِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبِرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فسله التخفيف» .
قَالَ: «فَرَجِعْتُ، فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجِعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ. فَقَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ لِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبِرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ» .
قَالَ: «فَرَجِعْتُ، فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجِعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: إن أمتك لا تستطيع لخمس صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبِرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ» .
قَالَ: «قُلْتُ: قَدْ سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ. فَلَمَّا نَفَذَتْ نَادَى مُنَادٍ: قَدْ أَمْضَيْتُ فريضتي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [2] .
وَبِالإِسْنَادِ قَالَ أَحْمَدُ [3] : وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ/ أَوْفَى، عَنِ ابن عباس قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
__________
[1] في المسند: «خبرت الناس» .
[2] صحيح مسلّم، كتاب الإيمان (74) باب الإسراء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الحديث رقم 264 (1/ 149) وصحيح البخاري 63. كتاب مناقب الأنصار (42) باب المعراج، الحديث 3887، فتح الباري 7/ 301.
[3] مسند أحمد بن حنبل 1/ 309.(3/30)
«لَمَّا كَانَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ فُظِعْتُ بِأَمْرِي [1] وَعَرِفْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ» .
قَالَ: فَقَعَد [2] مُعْتَزِلا حَزِينًا، فَمَرَّ بِهِ أَبُو جَهْلٍ [3] فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ: هل كان مِنْ شَيْءٍ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» .
قَالَ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: «إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ» [4] .
قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟.
قَالَ: «إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ» .
قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانِينَا؟! قَالَ: «نَعَمْ» .
قَالَ: فَلَمْ يَرَ أَنْ يُكَذِّبَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ الْحَدِيثَ إِنْ دعي قَوْمَهُ إِلَيْهِ [5] .
قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ، أَتُحَدِّثُهُمْ مَا حَدَّثْتَنِي [6] ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ.
فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍ.
حَتَّى انْتَفَضَتْ إِلَيْهِ الْمَجَالِسُ، وَجَاءُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا.
قَالَ: حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ» .
قالوا: إلى أين؟
__________
[1] في أ: «فضقت بأمري» .
[2] في الأصل: «فقعدت» .
[3] في المسند: «فمر عدو الله أبو جهل» .
[4] في المسند: «إنه أسري به الليلة» .
[5] في المسند: «إذا دعا قومه إليه» .
[6] في المسند: «إن دعوت قومك فحدثهم ما حدثتني» .(3/31)
قَالَ: «إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ» .
قَالُوا: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانِينَا؟! قَالَ: «نَعَمْ» .
قَالَ: فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ، وَوَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مُتَعِجِّبًا لِلْكَذِبِ زَعَمَ [1] .
قَالُوا: أَوَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ- وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدَ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ وَرَأَى الْمَسْجِدَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ] [2] فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ» .
قَالَ: «فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عُقَيْلٍ- أَوْ عُقَالٍ- فَنَعَتُّهُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ» . قَالَ: وَكَانَ مَعَ هَذَا نَعْتٌ لَمْ أَحْفَظْهُ، فَقَالَ قَوْمٌ: أَمَّا النَّعْتُ فو الله لَقَدْ أَصَابَ [3]
. [ذكر العقبة الأولى] [4]
ومن الحوادث في هذه السنة:
خروج [5] رسول الله صلى الله عليه وسلم [عامئذ] [6] إلى الموسم وقد قدم وفد من الأنصار اثني عشر رجلا [7] ، فلقوه بالعقبة، وهم: أسعد بن زرارة، وعوف ومعوذ [8] ابنا الحارث بن
__________
[1] زعم: ساقطة من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[3] الخبر في المسند 1/ 309، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد، وعزاه للبزار والطبراني في الكبير والأوسط، وقال: رجال أحمد رجال الصحيح 1/ 64، 65.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 219، وسيرة ابن هشام 1/ 431، ودلائل النبوة 2/ 430، والاكتفاء 1/ 413، والكامل 1/ 610 والبداية والنهاية 3/ 145، وتاريخ الطبري 2/ 353 وابن سيد الناس 1/ 197، وتاريخ الإسلام للذهبي 2/ 192، والنويري 16/ 310، والدرر لابن عبد البر 67.
[5] في الأصل: «خرج» وما أوردناه من أ.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[7] في الأصل: «وقد قدم من أرض الأنصار اثني عشر رجلا» . وما أوردناه من أ.
[8] في ابن هشام: «وعوف ومعاذ ابنا الحارث» . وكذا في الطبقات، والطبري.(3/32)
رفاعة، ورافع بن مالك بن العجلان، وذكوان [1] بن عبد قيس بن خلدة، وعبادة بن الصامت، ويزيد بن ثعلبة بن خزمة [2] ، وعباس بن عبادة بن نضلة، وعقبة بن عامر بن نابئ، وقطبة/ بن عامر بن حديدة، وأبو الهيثم بن التيهان [3] واسمه: مالك، وعويم بن ساعدة.
فبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فروى عبادة بن الصامت [4] قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى ونحن اثنا عشر رجلا أنا أحدهم، فبايعناه [على] [5] بيعة النساء، على أن لا نشرك باللَّه شيئا، ولا نسرق، ولا نزني. ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف- وذلك قبل أن تفرض الحرب.
قال: فإن وفيتم بذلك فلكم الجنة، وإن غشيتم شيئا فأمركم إلى الله، إن شاء غفر، وإن شاء عذب.
فلما انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث معهم مصعب بن عمير إلى المدينة يفقه أهلها ويقرئهم القرآن، فنزل على أسعد بن زرارة- وكان يسمى بالمدينة:
المقرئ [6]- فقال سعد بن معاذ يوما لأسيد بن حضير: ائت أسعد بن زرارة فازجره عنا، فإنه قد بلغني أنه قد جاء بهذا الرجل الغريب معه ليسفه ضعفاءنا.
فذهب أسيد بن حضير إلى أسيد وقال: ما لنا ومالك، تأتينا بهذا الرجل الغريب يسفه ضعفاءنا؟! [7] .
__________
[1] قال ابن هشام: «ذكوان مهاجري أنصاري» .
[2] قال الطبري: خزمة، بفتح الزاي، فيما ذكر الدار الدّارقطنيّ، وقال ابن إسحاق وابن الكلبي. خزمة، بسكون الزاي، وهو الصواب. قال أبو عمر: ليس في الأنصار خزمة بالتحريك.
[3] قال ابن هشام: «التيهان: يخفف ويثقل، كقوله: ميت وميّت» .
[4] الخبر في سيرة ابن هشام 1/ 433، وتاريخ الطبري 2/ 356، ودلائل النبوة 2/ 436، وابن سعد 1/ 220.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في أ: «القارئ» .
[7] الفقرة من: «فذهب أسيد ... » إلى «.... يسفه ضعفاءنا» ساقطة من أ.(3/33)
فقال: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره؟
فقال: أنصفتم [1] . فجلس فكلمه مصعب وعرض عليه الإسلام، وتلى عليه القرآن، فقال: ما أحسن هذا وأجمله، كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الدين؟
قالا له: تتطهر، وتطهر ثيابك، وتشهد بشهادة الحق [2] . ففعل وخرج، وجاء سعد بن معاذ، فعرض عليه مصعب الإسلام فأسلم، ثم جاء حتى وقف على بني عبد الأشهل فقال: أي رجل تعلمونني؟ قالوا: نعلمك والله خيرنا وأفضلنا، قال: فإن كلام نسائكم ورجالكم علي حرام حتى تؤمنوا باللَّه وحده وتصدقوا محمدا. فو الله ما أمسى في دار بني [3] عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما، ولم يزل مصعب يدعو الناس إلى الإسلام حتى كثر المسلمون وشاع الإسلام، ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة/ قبل بيعة العقبة الثانية
. ذكر الحوادث التي كانت في سنة ثلاث عشرة من النبوة
من ذلك:
[ذكر العقبة الثانية]
[4] خروج رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى الموسم، فلقيه جماعة من الأنصار، فواعدوه بالعقبة من أوسط أيام التشريق، فاجتمعوا فبايعوه.
قال كعب بن مالك [5] : خرجنا في حجاج قومنا حتى قدمنا مكة وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة من أوسط أيام التشريق [فلما فرغنا إلى الحج، وكانت الليلة التي واعدنا
__________
[1] في الطبري، وابن هشام (1/ 436) : «أنصفت» .
[2] في الطبري وابن هشام: «فقالا له: تغتسل، فتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي ركعتين» .
[3] في أ: «ما أمسى من ذلك اليوم في دار» .
[4] طبقات ابن سعد 1/ 221، وسيرة ابن هشام 1/ 438، وتاريخ الطبري 2/ 360، ودلائل النبوة 2/ 442، والدر لابن عبد البر 68، وتاريخ الإسلام للذهبي 2/ 200، والبداية والنهاية 3/ 150، وابن سيد 1/ 192، والنويري 16/ 312، وألوفا 307.
[5] الخبر في سيرة ابن هشام 1/ 439، وتاريخ الطبري 2/ 360، ودلائل النبوة 2/ 444.(3/34)
رسول الله صلى الله عليه وسلم] لها [1] ، ومعنا [2] عبد الله بن عمرو بن حزام: أبو جابر، وكنا نكتم من معنا من المشركين من قومنا أمرنا، فقلنا: يا أبا جابر، إنك سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا.
ثم دعوناه إلى الإسلام، وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة، فأسلم وشهد معنا العقبة، وكان نقيبا، فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا، حتى اجتمعنا في الشّعب خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن [ثلاثة و] [3] سبعون رجلا، ومعنا امرأتان من نسائنا: [4] نسيبة بنت كعب أم عمارة، وأسماء بنت عمرو بن عدي وهي: أم منيع، فاجتمعنا بالشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له.
فلما جلس كان أول من تكلم العباس، فقال: يا معشر الخزرج- وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار: الخزرج، خزرجها وأوسها- إن محمدا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، وهو في عز من قومه ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانقطاع إليكم [5] واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج/ إليكم، فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده.
قال: فقلنا: إنا قد سمعنا ما قلت: فتكلم يا رسول الله وخذ لنفسك وربك ما أحببت.
قال: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فتلا القرآن ودعي إلى الله تبارك وتعالى، ورغّب في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن هشام.
[2] في ألوفا: «وكان معنا» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن هشام.
[4] في الأصل: «ومعهم امرأة من نسائهم» .
[5] في ابن هشام: «الانحياز إليكم» .(3/35)
الْإِسْلَام، ثم قال: «أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» .
قال: فأخذ البراء بن معرور بيده، ثم قال: والذي بعثك بالحق، لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا [1] ، فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أهل الحرب [2] وأهل الحلقة [3] ، ورثناها كابرا عن كابر.
قال: فاعترض القول، والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو الهيثم بن التيهان [4] ، فقال: يا رسول الله، إن بيننا وبين الناس [5] حبالا ونحن قاطعوها- يعني: اليهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذَلكَ [6] ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: « [بل] [7] الدم الدم، والهدم الهدم [8] ، أنتم مني وأنا منكم، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم» .
وقال: «أخرجوا إلي اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم» .
__________
[1] أزرنا: أي نساءنا. والمرأة قد يكنى عنها بالإزار، كما يكنى أيضا بالإزار عن النفس، ويجعل الثوب عبارة عن لابسه. قال الشاعر:
رموها بأثواب خفاف فلا ترى ... لها شبها إلا النعام المنفرا
وعلى هذا يصح أن يحمل قول البراء على إرادة المعنيين جميعا.
[2] في ابن هشام: «أبناء الحروب» .
[3] الحلقة: السلاح.
[4] في الأصل: «فاعترض القول والبراء يكلم رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: أبو الهيثم» . وفي ألوفا: «فاعترض القوم أبو الهيثم بن التيهان، فقال» : وما أثبتناه من أ، وابن هشام.
والتيهان: يروى بتشديد الياء وتخفيفها.
[5] في ابن هشام: «بيننا وبين الرجال حبالا» .
[6] في الأصل: «وهل إن عسيت إن فعلنا ذلك» .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناها من ابن هشام.
[8] قال ابن قتيبة: كانت العرب تقول عند عقد الحلف والجوار: دمي دمك. وهدمي هدمك، أي ما هدمت من الدماء هدمته أنا.
وروى أيضا: بل اللدم للدم، والهدم للهدم. فاللدم جمع لادم، وهم أهله الذين يلتدمون عليه إذا مات، وهو من لدمت صدرها إذا ضربته.
وقال ابن هشام: ويقال: الهدم الهدم: يعني الحرمة، أي: ذمتي ذمتكم، وحرمتي حرمتكم.(3/36)
فأخرجوا اثني عشر نقيبا، تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عبد الله بن أبي بكر بن حرام: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلنُّقَبَاءِ: «أَنْتُمْ عَلَى قَوْمِكُمْ بِمَا فِيهِمْ كُفَلاءٌ كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [وَأَنَا كَفِيلٌ عَلَى قَوْمِي] [1] قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا اجْتَمَعُوا لِبَيْعَةِ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ، هَلْ تَدْرُونَ عَلَى مَا تُبَايِعُونَ هَذَا الرَّجُلَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّكُمْ تُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِ الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ مِنَ النَّاسِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ إِذَا نَهَكَتْ أَمْوَالَكُمْ مُصِيبَةٌ، وَأَشْرَافَكُمْ قَتْلا أَسْلَمْتُمُوهُ، فَمِن الآنَ، فَهُوَ وَاللَّهِ خِزْيُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِنْ فَعَلْتُمْ، وَإِنْ كُنْتُمْ ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه عَلَى نَهْكَةِ [2] الأَمْوَالِ، وَقَتْلِ الأَشْرَافِ، فَخُذُوهُ، فَهُوَ/ وَاللَّهِ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
قَالُوا: فَإِنَّا نَأْخُذُهُ عَلَى مُصِيبَةِ الأَمْوَالِ، وَقَتْلِ الأَشْرَافِ، فَمَا لَنَا بذلك يا رسول الله، إن نحن وَفَيْنَا؟ قَالَ: «الْجَنَّةُ» . قَالُوا: ابْسُطْ يَدَكَ. فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعُوهُ.
فأما عاصم بن عمر بن قتادة فقال: والله ما قال العباس ذلك إلا ليشد بالعقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أعناقهم. وأما عبد الله بن أبي بكر فقال: والله ما قال العباس ذلك إلا ليؤخر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبي بن سلول [3] ، فيكون أقوى لأمر القوم. والله يعلم أي ذلك كان.
فبنو النجار يزعمون أن أبا أمامة، أسعد بن زرارة، كان أول من ضرب على يديه، وبنو عبد الأشهل يقولون: بل أبو الهيثم بن التيهان.
وقال كعب بن مالك: كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور، ثم بايع القوم.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول وأوردناه من ابن هشام 1/ 446.
[2] نهكة الأموال: نقصها.
[3] قال ابن هشام: سلول: امرأة من خزاعة، وهي أم أبي بن مالك بن الحارث.(3/37)
فلما بايعنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرْخَ الشيطان من رأس العقبة، بأنفذ صوت سمعته قط: يا أهل الجباجب [1] ، هل لكم في مذمم [2] ، والصباة [3] معه قد اجتمعوا على حربكم.
فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما يقول عدو الله، هذا أزب العقبة [4] ، اسمع [5] أي عدو الله، أما والله لأفرغن لك» .
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارفضوا [6] إلى رحالكم» فقال له العباس بن عبادة بن نضلة: والذي بعثك بالحق، لئن شئت لنميلن غدا على أهل منى بأسيافنا؟.
فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لم تؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم» .
فرجعنا إلى مضاجعنا، فنمنا عليها حتى أصبحنا، فلما أصبحنا غدت علينا جلّة قريش، حتى جاءونا في منازلنا، فقالوا: يا معشر الخزرج، إنا قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا، وإنه والله ما من حي أبغض إلينا، أن تنشب الحرب بيننا وبينهم، منكم.
قال: فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون لهم باللَّه ما كان من هذا شيء، وما علمناه. قال: وصدقوا لم يعلموا. قال: وبعضنا ينظر إلى بعض. قال ابن إسحاق [7] /: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حرام [8] : أن قريشا أتوا عبد الله بن أبي بن سلول، وذكروا له ما قد سمعوا من أصحابه، فقال: إن هذا الأمر
__________
[1] الجباجب: منازل منى. وأصل إطلاق الجباجب على المنازل، مأخوذ من أن الأوعية من الأدم كالزنبيل ونحوه، تسمى: جبجبة، فجعل الخيام والمنازل لأهلها كالأوعية.
[2] المذمم: المذموم.
[3] الصباة، جمع صابئ. وكان يقال للرجل إذا أسلّم في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم «صابئ» .
[4] أزب العقبة: اسم شيطان، ويروى بكسر الهمزة، وسكون الزاي. والأزب: القصير أيضا.
[5] في أحد أصول ابن هشام: «أتسمع» .
[6] أرفضوا: تفرقوا.
[7] سيرة ابن هشام 1/ 448، 449.
[8] في أ: «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ» .(3/38)
جسيم، وما كان قومي ليتفوتوا علي بمثل ذلك، وما علمته. فانصرفوا عنه.
أَخْبَرَنَا ابْنُ ناصر قال: أخبرنا المبارك بن عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بن عدي قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
تَفَاخَرَتِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، فَقَالَ الأَوْسُ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ لَيْسَ فِيكُمْ مِثْلُهُمْ: مِنَّا مَنِ اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ [1] لِمَوْتِهِ: سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَمِنَّا غِسِّيلُ الْمَلائِكَةِ: حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ، وَمِنَّا مَنْ حَمَتْ لَحْمَهُ الدَّبْرُ: عَاصِمُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَمِنَّا مَنْ جُعِلَتْ شَهَادَتُهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ: خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ.
فَقَالَتِ الْخَزْرَجُ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ جَمَعَ كِتَابَ اللَّهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ وَأَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ وَلَمْ يَجْمَعْهُ رَجُلٌ مِنْكُمْ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ
. ذكر أهل العقبة
[2] وهي العقبة الثانية. قال مؤلف الكتاب:
ذكرتهم على حروف المعجم:
1- أبي بن كعب.
2- أسعد بن زرارة.
3- أسيد بن حضير.
4- أوس بن ثابت.
5- أوس بن يزيد 6- البراء بن معرور 7- بشير بن البراء.
8- بشير بن سعد أبو النعمان.
9- بهز بن الهيثم.
10- ثابت بن الجذع [3] .
__________
[1] في الأصل: «اهتز العرش الرحمن» .
[2] سيرة ابن هشام: 1/ 454، والبداية والنهاية 3/ 166.
[3] في الأصل: «بن الجدع» .(3/39)
11- ثعلبة بن عبد ثعلبة [1] بن غنمة 12- جابر بن عبد الله بن عمرو [2] .
13- جبار بن صخر.
14- الحارث بن قيس.
15- خالد بن زيد أبو أيوب.
16- خالد بن عمرو بن أبي بن كعب.
17- خالد بن عمرو بن عدي. شهد العقبة في قول الواقدي وحده.
18- خالد بن قيس بن مالك. ولم يذكره أبو معشر وابن عقبة.
19- خارجة بن زيد.
20- خديج بن سالم.
21- خديج بن سلامة.
22- خلاد بن سويد.
23- ذكوان بن عبد/ قيس.
24- رافع بن مالك.
25- رفاعة بن رافع.
26- رفاعة بن المنذر [3] .
27- رفاعة بن عمرو.
28- زياد بن لبيد.
29- زياد بن سهيل أبو طلحة [4] .
30- سعد بن زيد الأشهلي.
ذكره الواقدي وحده.
31- سعد بن خيثمة.
32- سعد بن الربيع.
33- سعد بن عبادة.
34- سلمة بن سلامة.
35- سليم بن عمرو.
36- سنان بن صيفي.
37- سهل بن عتيك.
38- شمر بن سعد.
39- صيفي بن سواد.
40- الضحاك بن حارثة.
41- الضحاك بن زيد.
42- الطفيل بن النعمان.
43- الطفيل بن مالك.
44- عبادة بن الصامت.
45- عباد [5] بن قيس.
46- العباس بن عبادة.
47- عبد الله [6] بن أنيس.
48- عبد الله بن جبير.
49- عبد الله بن الربيع.
__________
[1] في أ: «بن عبد ثعلبة» .
[2] في الأصل: «عبد الله بن عمر» .
[3] في سيرة ابن هشام: «رفاعة بن عبد المنذر» .
[4] في ابن هشام: «زيد بن سهل» .
[5] في الأصول: «عبادة بن قيس» ، وهو تحريف.
[6] في أ: «عبيد الله» ، وهو تحريف.(3/40)
50- عبد الله بن رواحة.
51- عبد الله بن زيد.
52- عبد الله بن عمرو بن حزام.
53- عبس بن عامر.
54- عبيد بن التيهان.
وبعضهم يقول: عتيك.
55- عقبة بن عمرو، أبو مسعود.
56- عقبة بن وهب.
57- عمارة بن حزم.
58- عمرو بن الحارث.
59- عمرو بن غزية.
60- عمرو بن عمير [1] .
61- عمير بن الحارث.
62- عوف بن الحارث، ويعرف بابن عفراء.
63- عويمر بن ساعدة.
64- فروة بن عمرو بن ودقة [2] .
65- قتادة بن النعمان، ولم يذكره ابن إسحاق.
66- قطبة بن عامر بن حديدة.
67- قيس بن عامر 68- قيس بن صعصعة.
69- كعب بن عمرو.
70- كعب بن مالك.
71- مالك بن التيهان أبو الهيثم.
72- مالك بن عبد الله بن خثيم.
73- مسعود بن يزيد.
74- معاذ بن جبل.
75- معاذ بن عفراء.
76- معاذ بن عمرو بن الجموح.
77- معقل بن المنذر.
78- معن بن عدي.
79- مسعود بن الحارث بن عفراء، ذكره ابن إسحاق وحده.
80- المنذر بن عمرو.
81- النعمان بن حارثة.
82- النعمان بن عمرو، ذكره ابن إسحاق وحده.
83- هانئ بن نيار.
[84- يزيد بن ثعلبة.
85- يزيد بن جذام [3] ، ولم يذكره ابن عقبة والواقدي] [4] .
86- يزيد بن عامر بن حديدة.
87- يزيد بن المنذر.
__________
[1] في أ: «عمرو بن عمير بن الحارث» .
[2] في أ: «وذفة» . وفي ابن هشام: «ابن وذفة» . وقال ابن هشام: «ويقال: وذفة» .
[3] كذا في أصول المنتظم، وابن هشام المخطوطة وفي الاستيعاب «يزيد بن حرام» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من أ.(3/41)
88- أبو يسار بن صيفي [1] .
89- أبو عبد الرحمن بن يزيد.
وشهدها امرأتان:
90- نسيبة بنت كعب.
91- وأسماء بنت عمرو بن عدي.
قال مؤلف الكتاب: وقد ذكرناهما في/ حديث كعب بن مالك.
وقال ابن إسحاق: لسيبة- باللام- وأختها ابنتا كعب.
قال: وإنما شهدها سبعون رجلا وهاتان الامرأتان.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: [2] وَنَفَرَ النَّاسُ [3] مِنْ مِنًى، فَتَبَطَّنُ الْقَوْمُ [4] الْخَبَرَ، فَوَجَدُوهُ قَدْ كَانَ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، فَأَدْرَكُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بِالْحَاجِرِ [5] ، وَالْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو، وَكِلاهُمَا كَانَ نَقِيبًا، وَأَمَّا الْمُنْذِرُ فَأَعْجَزَ الْقَوْمَ، وَأَمَّا سَعْدٌ فَأَخَذُوهُ وَرَبَطُوا يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ بِنَسْعِ [6] رَحْلِهِ، ثُمَّ أَقْبَلُوا بِهِ حَتَّى أَدْخَلُوهُ مَكَّةَ يَضْرِبُونَهُ، وَيَجْذِبُونَهُ بِجُمَّتِهِ [7] ، وَكَانَ ذَا شَعْرٍ كَثِيرٍ.
قَالَ سَعْدٌ: فو الله إِنِّي لَفِي أَيْدِيهِمْ إِذْ طَلَعَ عَلَيَّ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ رَجُلٌ أَبْيَضُ وَضِيءٌ شَعْشَاعٌ حُلْوٌ مِنَ الرِّجَالِ.
قَالَ: قُلْتُ: إِنْ يَكُنْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْقَوْمِ خَيْرٌ، فَعِنْدَ هَذَا، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَفَعَ يَدَهُ فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً. قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللَّهِ مَا عندهم بعد هذا خير. قال: فو الله إني لفي أيديهم يسحبونني إِذْ وَلَّى رَجُلٌ مِنْهُمْ، مِمَّنْ مَعَهُمْ فَقَالَ: وَيْحَكَ، أَمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ جِوَارٌ وَلا عَهْدٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى وَاللَّهِ، لقد كنت أجيرا
__________
[1] في أ: «أبو سنان بن صيفي» .
[2] الخبر في سيرة ابن هشام 1/ 448، 449.
[3] في الأصول: «وتفرق الناس» .
[4] في ابن هشام: «فتنطس القوم» . أي أكثروا البحث عن الخبر.
[5] في ابن هشام: «بأذاخر» .
[6] النسع: الشراك الّذي يشد به الرحل.
[7] الجمة: مجتمع شعر الرأس.(3/42)
لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ بِتَجَارَتِهِ، وَأَمْنَعُهُ مِمَّنْ أَرَادَ ظُلْمَهُ بِبِلادِي، وَلِلْحَارِثِ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَّيَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. قَالَ: وَيْحَكَ، فَاهْتِفْ بِاسْمِ الرَّجُلَيْنِ فَاذكر مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمَا. قَالَ:
فَفَعَلْتُ، وَخَرَجَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَيْهِمَا، فَوَجَدَهُمَا [فِي الْمَسْجِدِ] [1] عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُمَا: إِنَّ رَجُلا مِنَ الْخَزْرَجِ الآنَ يُضْرَبُ بِالأَبْطَحِ، وَأَنَّهُ لَيَهْتِفُ بِكُمَا، يَذكر أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَكُمَا جِوَارًا. قَالا: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. قَالا: صَدَقَ وَاللَّهِ، إِنْ كَانَ لَيُجِيرُ تِجَارَتَنَا، وَيَمْنَعُ أَنْ يُكَلِّمُونَا بِبَلَدِهِ.
فجاءا فخلصا سعدا من أيديهم، فانطلق. وكان الذي لكم سعدا: سهيل بن عمرو، فلما قدم أهل العقبة المدينة أظهروا الإسلام بها، وبقي أشياخ على شركهم، منهم: عمرو بن الجموح، وكان ابنه معاذ قد آمن وشهد العقبة.
قال ابن إسحاق: وأمر رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ/ أصحابه بالخروج إلى المدينة، فخرجوا إرسالا، فكان أول من هاجر من أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم من قريش: أبو سلمة، كان هاجر إلى المدينة قبل بيعة العقبة بسنة، وكان قدم على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] [2] مكة من أرض الحبشة، فلما أذته قريش وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار خرج إلى المدينة مهاجرا.
ثم كان أول من قدم المدينة من المهاجرين بعد أبي سلمة عامر بن ربيعة معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة، ثم عبد الله بن جحش، ثم تتابعت [3] أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة أرسالا، وأقام رسول الله بمكة ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا أخذ وحبس أو فتن، إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر، وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، فيقول لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحبا» فيطمع أبو بكر [4] أن يكون هو، فلما
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناها من ابن هشام.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] في أ: «ثم تتابع» .
[4] في أ: «فطمع أبو بكر» .(3/43)
رأت قريش أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] [1] قد صارت له منعة [2] وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم، وعرفوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم قد نزلوا دارا، وأصابوا منعة، فحددوا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم [إليهم] [3] ، وعرفوا أنه قد أجمع أن يلحق بهم، فاجتمعوا في دار الندوة يتشاورون في أمره [صلّى الله عليه وسلّم] [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في أ: «صارت له شيعة» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من أ.
وفي نسخة أ: «تم المجلد الثالث» .
وإلى هنا انتهت البياضات في النسخة أ، وهي أماكن العناوين.(3/44)
باب ذكر ما جرى في سني الهجرة ذكر ما جرى في السنة الأولى من الهجرة [1]
قال مؤلف الكتاب: هي سنة أربع عشرة من البعثة، وهي سنة أربع وثلاثين من ملك كسرى أبرويز، وسنة تسع لهرقل.
وأول هذه السنة المحرم، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيما في المحرم بمكة لم يخرج منها، وكأن رسول الله صلي اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ قد أمر أصحابه بالخروج إلى المدينة، فخرجوا إرسالا في المحرم وقد/ كان جماعة خرجوا في ذي الحجة وصدروا المشركين يحتسبون بالاهتمام بأمره والتحيل له، فاجتمعوا في دار الندوة- وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها- يتشاورون ما يصنعون في أمر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين خافوه.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: [2] لَمَّا اجْتَمَعُوا [3] لِذَلِكَ وَاتَّعَدُوا أَنْ يَدْخُلُوا دَارَ النَّدْوَةِ يَتَشَاوَرُونَ فِيهَا فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [4] ، غَدُوا فِي الْيَوْمِ الَّذِي اتَّعَدُوا لَه، فَاعْتَرَضَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صورة شيخ [5] جليل،
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 480. وتاريخ الطبري 2/ 370، ودلائل النبوة 2/ 465، والاكتفاء 1/ 438، والكامل 2/ 3. والبداية والنهاية 3/ 173.
[2] قال ابن هشام: «قال ابن إسحاق: فحدثني من لا أتهم من أصحابنا عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبير، وغيره ممن لا أتهم، عن عبد الله بن عباس ... » .
وفي الطبري كما جاء هنا.
والخبر في سيرة ابن هشام 1/ 480، وتاريخ الطبري 2/ 370.
[3] في سيرة ابن هشام. أجمعوا.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[5] في ابن هشام: «في هيئة شيخ» .(3/45)
فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الدَّارِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مَنِ الشَّيْخُ؟ قَالَ: شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ سَمِعَ بِالَّذِي اتَّعَدْتُمْ لَهُ فَحَضَرَ مَعَكُمْ لِيَسْمَعَ مَا تَقُولُونَ، وَعَسَى أَنْ لا يَعْدَمَكُمْ مِنْهُ رَأْيٌ وَنُصْحٌ. قَالُوا:
ادْخُلْ.
فَدَخَلَ مَعَهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ فِيهَا أَشْرَافُ قُرَيْشٍ كُلُّهُمْ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ، مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ: عُتْبَةُ، وَشَيْبَةُ [ابْنَا رَبِيعَةَ] [1] . وَمِنْ بَنِي أُمَيَّةَ: أَبُو سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ. وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: [طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ، وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ] [2] . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَقُصَيٍّ: النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ. وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى: أَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الأَسْوَدِ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ [3] [وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ] [4] نَبِيهٌ وَمُنَبِّهٌ [5] ابْنَا الْحَجَّاجِ. وَمِنْ بَنِي جُمَحَ: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ. وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لا يُعَدُّ مِنْ قُرَيْشٍ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَدْ كَانَ [6] ، وَإِنَّا وَاللَّهِ لا نَأْمَنُهُ عَلَى الْوُثُوبِ عَلَيْنَا فِيمَنْ قَدِ اتَّبَعَهُ [مِنْ غَيْرِنَا] [7] فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا.
فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: احْبِسُوهُ فِي الْحَدِيدِ، وَاغْلِقُوا عَلَيْهِ بَابًا، ثم تربّصوا به ما أصاب أشباهه من الشَّعَرَاءَ الَّذِينَ قَبْلَهُ: كَزُهَيْرٍ، وَالنَّابِغَةِ، مِنَ الْمَوْتِ [8] .
فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: لا وَاللَّهِ، مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ، وَاللَّهِ لَوْ حَبَسْتُمُوهُ لَخَرَجَ أَمْرُهُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَوَثَبُوا [عَلَيْكُمْ] [9] فانتزعوه من بين أيديكم.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] العبارة: «ومن بني أسد ... أبو جهل بن هشام» ساقطة من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصلين.
[5] في الأصل: «نبيها ومنبها» .
[6] في ابن هشام: «ما قد رأيتم» .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناها من ابن هشام.
[8] كان صاحب هذا الرأي والمشير به أبا البختري بن هشام.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.(3/46)
فَقَالَ قَائِلٌ: نُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، فَنَنْفِيهِ مِنْ بَلَدِنَا [1] .
فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: وَاللَّهِ مَا هَذَا/ لَكُمْ بِرَأْيٍ، أَلَمْ تَرَوْا حُسْنَ حَدِيثِهِ، وحلاوة منطقه، وغلبته على قُلُوبَ الرِّجَالِ بِمَا يَأْتِي بِهِ؟ وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ مَا أَمِنْتُ أَنْ يَحِلَّ بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَيَغْلِبَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَحَدِيثِهِ حَتَّى يُتَابِعُوهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسِيرَ بِهِمْ إِلَيْكُمْ حَتَّى يَطَأَكُمْ بِهِمْ فِي بِلادِكُمْ.
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ إِنَّ لِي فِيهِ لَرَأْيًا مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ.
قَالُوا: وَمَا هُوَ يَا أَبَا الْحَكَمِ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَتًى شَابًّا جَلْدًا نسيبا وسيطا [2] فِيكُمْ، ثُمَّ يُعْطَى كُلُّ فَتًى مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا، ثُمَّ يَعْمِدُونَ إِلَيْهِ فَيَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَيَقْتُلُونَهُ، فَنَسْتَرِيحَ، فَإِنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ كُلِّهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ جَمِيعًا، وَرَضُوا مِنَّا بِالْعَقْلِ فَعَقَلْنَاهُ لَهُمْ.
فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: الْقَوْلُ مَا قَالَ هَذَا الرَّجُلُ، هَذَا الرَّأْيُ لا أَرَى لَكُمْ غَيْرُهُ.
فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ لَهُ، فَأَتَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: لا تبت هذه اللَّيْلَةَ عَلَى فِرَاشِكَ الَّذِي كُنْتَ تَبِيتُ عَلَيْهِ. فَلَمَّا كَانَتِ الْعَتْمَةُ، اجْتَمَعُوا عَلَى بَابِهِ ثُمَّ تَرَصَّدُوهُ مَتَى يَنَامُ فَيَثِبُونَ عَلَيْهِ: فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [3] مَكَانَهُمْ، قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «نَمْ عَلَى فِرَاشِي وَتَسَجَّ [4] بِبُرْدِي الْحَضْرَمِيِّ الأَخْضَرِ فَنَمْ فِيهِ، فَإِنَّهُ لا يَخْلُصُ إِلَيْكَ شَيْءٌ تَكْرِهُهُ مِنْهُمْ» ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ فِي بُرْدِهِ ذَلِكَ إِذَا نَامَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن المذهب قال: أخبرنا أبو بكر بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرزاق قال: أخبرنا
__________
[1] صاحب هذا الرأي، أبو الأسود ربيعة بن عامر أحد بني عامر بن لؤيّ.
[2] الوسيط: الشريف في قومه.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[4] تسجى بالثوب: غطى به جسده ووجهه. وقد وردت في الأصل: «واتشح» .(3/47)
مَعْمَرٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْجَزْرِيُّ [1] : أَنْ مِقْسَمًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ 8: 30 [2] .
قَالَ: تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ يُرِيدُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ اقْتُلُوهُ] [3] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ أَخْرِجُوهُ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، فَبَاتَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ/ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ، فَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عليا، يحسبونه النبي عليه السلام، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأُوا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ [4] ؟ قَالَ: لا أَدْرِي. فَاقْتَصُّوا [5] أَثَرَهُ. وقال محمد بن كعب القرظي [6] : اجتمعوا على بابه، فقالوا: إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم بعد موتكم، فجعل لكم جنان كجنان الأرض [7] ، فإن لم تفعلوا ذلك كان لكم [فيه] [8] ذبح، ثم بعثتم بعد موتكم، فجعلت لكم نار تحرقون فيها.
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ حفنة من تراب، ثم قال: «نعم أنا أقول ذلك» فنثر التراب على رءوسهم، ولم يروا رسول الله [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [9] وهو يقرأ: يس 36: 1 إلى قوله:
__________
[1] في الأصل: «عثمان الخزرجي» ، وهو خطأ.
[2] سورة: الأنفال، الآية: 30.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[4] في الأصل: «أين صاحبكم» ، وما أوردناه من المسند. وأ.
[5] الخبر في المسند 1/ 348، وبقية الحديث فيه: «فلما بلغوا الجبل خلط عليهم، فصعدوا في الجبل، فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخل ها هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث ثلاث ليال» .
والخبر رواه أيضا عبد الرزاق في المصنف، كتاب المغازي، باب من هاجر إلى الحبشة 5/ 389، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 27، وقال: فيه عثمان بن عمرو الجزري، وثقه ابن حبان، وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح،
[6] تاريخ الطبري 2/ 372، وابن هشام 1/ 483.
[7] في ابن هشام، والطبري: «جنان كجنان الأردن» .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من أ.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.(3/48)
وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمن خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ 36: 9 [1] . ثم انصرف إلى حيث أراد، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم، فقال: ما تنتظرون ها هنا؟
قالوا: محمدا. قال: قد والله خرج عليكم محمد ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا، وانطلق لحاجته. فوضع كل رجل منهم يده على رأسه، فإذا عليه تراب، ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا [رَضِيَ اللَّهُ عنه] [2] على الفراش متسجيا ببردة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقولون: [3] إن هذا لمحمد نائم عليه برده. فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، فقام علي عن الفراش، فقالوا: والله لقد صدقنا الذي كَانَ حدثنا [4] . وروى الواقدي عن أشياخه [5] : أن الذين كانوا ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة من المشركين: أبو جهل، والحكم بن أبي العاص، وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، وأمية بْن خلف، وابن العيطلة، وزمعة بن الأسود، وطعيمة بن عدي، وأبو لهب، وأبي بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج [6] .
فلما أصبحوا قام علي رضي الله عنه عن الفراش، فسألوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا علم لي به. وحكى جرير أنهم ضربوا عليا وحبسوه ساعة، ثم/ تركوه.
[ذكر] صفة [7] خروج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر رضي الله عنه إلى الغار
[8] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُظَفَّرِ الدَّاوُدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أعين قال:
__________
[1] سورة: يس، الآية: 1- 9.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] في الأصل: «فيقول» .
[4] قال السهيليّ: «وذكر بعض أهل التفسير السبب المانع لهم من التقحم عليه في الدار مع قصر الجدار، وأنهم إنما جاءوا لقتله، فذكر في الخبر أنهم هموا بالولوج عليه، فصاحت امرأة من الدار، فقال بعضهم لبعض: والله إنها لسبة في العرب أن يتحدث عنا أن تسورنا الحيطان على بنات العم، وهتكنا ستر حرمتنا، فهذا هو الّذي أقامهم بالباب. أصبحوا ينتظرون خروجه، ثم طمست أبصارهم على من خرج» .
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 228.
[6] في الأصول: «نبيها، ومنبيها» وما أوردناه من ابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من أ. و «صفة» . ساقطة من أ.
[8] راجع في هجرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة: سيرة ابن هشام 1/ 484، وتاريخ الطبري(3/49)
حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْبُخَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ عُقَيْلٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ [فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ] [1] عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: بَيَّنَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ [2] قَالَ قَائِلٌ لأبي بكر: هذا رسول الله [مقبلا] [3] مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلا أَمْرٌ.
قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ» . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصُّحْبَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: فَخُذْ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِالثَّمَنِ» [4] . قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ [5] ، وَوَضَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً مِنْ جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنَ نِطَاقِهَا، ثُمَّ رَبَطَتْ بِهِ فَمَ الْجِرَابِ [6]- وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ- قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [7]] وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَمَكَثَا [8] فيه
__________
[1] / 374، وطبقات ابن سعد 1/ 227، وأنساب قريش 1/ 120، والدرر لابن عبد البر 80، وعيون الأثر 1/ 221، والبداية والنهاية 3/ 174، وتاريخ الإسلام للذهبي 2/ 218، والنويري 16/ 330، ودلائل النبوة 2/ 465، وصحيح البخاري 5/ 56، وألوفا 315.
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من البخاري في الأصل: قالت «عائشة رضي الله عنها» .
[2] في الأصل: «حر الظهيرة» ، ونحر الظهيرة: أي أول وقت الحرارة، وهي المهاجرة، ويقال: أول الزوال، وهو أشد ما يكون من حر النهار، والغالب في أيام الحر القيلولة فيها.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[4] أي لا آخذ إلا بالثمن، وفي رواية ابن إسحاق: «لا أركب بعيرا ليس هو لي» قال: فهو لك، قال: لا، ولكن بالثمن الّذي ابتعته به، قال: أخذته بكذا وكذا، قال: هو لك.
وفي رواية الطبراني عن أسماء، قال: بثمنها يا أبا بكر، قال: بثمنها إن شئت.
وعن الواقدي أن الثمن ثمانمائة، وإن الراحلة التي أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي القصواء، وإنها عاشت بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم قليلا، وماتت في خلافة أبي بكر، وكانت مرسلة ترعى بالبقيع، وفي رواية أخرجها ابن حبان: أنها الجذعاء.
[5] أحث الجهاز: أسرعه من وضع الزاد للمسافر والماء.
[6] في الدلائل: «فأوكت به الجراب» . والمعنى واحد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[8] في الصحيح: «فكمنا» .(3/50)
ثَلاثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ- وَهُوَ غُلامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ [1] لَقِنٌ [2]- فَيُدْلِجُ [3] مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ كبائت، فلا يسمع أمر يُكَادُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [4] إِلا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيهِمَا بِخَبِر ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ- وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا- حَتَّى يَنْعَقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ هَذَا كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنَ اللَّيَالِي الثَّلاثِ.
وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلا مِنْ بَنِي الدَّيْلِ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدُهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا [5] . قَالَ/ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى أَبَا بَكْرٍ لَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ، فَخَرَجَا مِنْ خَوْخَةٍ لأَبِي بَكْرٍ فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ، ثُمَّ عَمِدَا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ [6] .
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَنْزِلِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى اللَّيْلِ، ثُمَّ خَرَجَا إِلَى الْغَارِ، وَكَانَ خُرُوجُهُمَا وَقَدْ بَقِيَ مِنْ صَفَرٍ ثَلاثُ لَيَالٍ.
قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ [7] : لَمَّا خَرَجَا أَتَانَا نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ، فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ أَبِي بَكْرٍ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوكِ؟ فَقُلْتُ: لا أَدْرِي وَاللَّهِ أَيْنَ أَبِي؟
فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يده- وكان فَاحِشًا- فَلَطَمَ خَدِّي لَطْمَةً طَرَحَ مِنْهَا قُرْطِي ثُمَّ انْصَرَفُوا.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهَبِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قال: أخبرنا أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثني
__________
[1] ثقف: الحاذق الفطن.
[2] لقن: السريع الفهم.
[3] يدلج: يخرج بالسحر، يقال: أدلج إذا سار في أول الليل، وادّلج: إذا سار في آخره.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[5] الخبر أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب مناقب الأنصار 45، باب هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة (فتح الباري 7/ 230، والبيهقي في الدلائل 2/ 471) .
[6] ابن هشام 1/ 485.
[7] تاريخ الطبري 1/ 379، وسيرة ابن هشام 1/ 487،(3/51)
يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ [1] :
لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُ، احْتَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَالَهُ كُلَّهُ مَعَهُ- خَمْسَةُ آلافِ دِرْهَمٍ أَوْ سِتَّةُ آلافِ دِرْهَمٍ- وَانْطَلَقَ بِهَا مَعَهُ.
قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ، وَقَدَ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ لأَرَاهُ قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ. قَالَتْ: قُلْتُ: كَلا إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْرًا كَثِيرًا. قَالَتْ: فَأَخَذْتُ أَحْجَارًا فَوَضَعْتُهَا فِي كُوَّةٍ فِي الْبَيْتِ كَانَ أَبِي يَضَعُ فِيهَا مَالَهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ عَلَيْهَا ثَوْبًا، ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ فَقُلْتُ: [يَا أَبَتِ] [2] ضَعْ يَدَكَ عَلَى هَذَا الْمَالِ. قَالَتْ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لا بَأْسَ، إِنْ كَانَ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ، وَفِي هَذَا لَكُمْ بَلاغٌ. قَالَتْ: لا وَاللَّهِ مَا تَرَكَ [3] لَنَا شَيْئًا، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُسَكِّنَ الشَّيْخَ بِذَلِكَ.
ذكر إقامتهما في الغار وما جرى لهما فيه
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قال: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ قَالَ: / أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ قَالَ:
قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي الْغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ. قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكُ باثنين الله ثالثهما؟» . أخرجاه في الصحيحين [4] .
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 488، والمسند 6/ 350.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.
[3] في أ: «والله ما ترك» . وما أوردناه عن الأصل والمسند.
[4] أخرجه البخاري في: 62 كتاب فضائل الصحابة.
باب مناقب المهاجرين وفضلهم، الحديث 3653، فتح الباري 7/ 8- 9، وأعاده في 63- مناقب الأنصار، باب 45. وأخرجه أحمد بن حنبل في المسند 1/ 4، والترمذي في كتاب التفسير، تفسير سورة التوبة، الحديث 3096، 5/ 278، وأخرجه مسلم في أول كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق، الحديث 1.(3/52)
أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي قَالا: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِلالُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَن أَنَسٍ قَالَ:
لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْغَارِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي لأَدْخُلَ قَبْلَكَ. قَالَ: «ادْخُلْ» .
فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ يَلْتَمِسُ بِيَدَيْهِ فَكُلَّمَا [1] رَأَى جُحْرًا قَالَ بِثَوْبِهِ فَشَقَّهُ، ثُمَّ أَلْقَمَهُ الْجَحَرَ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ بِثَوْبِهِ أَجْمَعَ. قَالَ: فَبَقِيَ جُحْرٌ، فَوَضَعَ عَقِبَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ ثَوْبُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟» فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي صَنَعَ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهمّ اجْعَلْ أَبَا بَكْرٍ مَعِي فِي دَرَجَتِي فِي الْجَنَّةِ» أَوْ قَالَ: «يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ أَنْ قَدِ اسْتَجَابَ لَكَ [2] . وقال الواقدي عن أشياخه: طلبت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الطلب، حتى انتهت إلى باب الغار، فَقَالَ بعضهم: إن عليه عنكبوتا قبل ميلاد محمد، فانصرفوا [3] .
قالت أسماء بنت أبي بكر [4] : ولم ندر بالحال حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة، يغني بأبيات من الشعر من غناء العرب، والناس يتبعونه يسمعون صوته وما يرونه، حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد
قال مؤلف الكتاب: وسيأتي ذكر الأبيات والقصة إن شاء الله تعالى [5] .
قال أبو الحسن بن البراء [6] : خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الغار ليلة الخميس لغرة شهر ربيع الأول.
__________
[1] في الأصل: «فكل ما» .
[2] في أ: «فأوحى الله عز وجل إليه أن الله قد استجاب لك» . والخبر أورده المصنف في ألوفا 319.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 228.
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 229، وسيرة ابن هشام 1/ 487، وتاريخ الطبري 2/ 380.
[5] سيأتي بعد قليل تحت عنوان «ما جرى لهم في الطريق أنهم مروا بخيمتي أم معبد» .
[6] ألوفا 323.(3/53)
ذكر ما جرى في طريقه إلى المدينة
خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الغار ومعه أبو بكر رضي الله عنه، وعامر بن فهيرة ووليهم عَبْد اللَّه أريقط الليثي، وكان على دين قومه، فأخذ بهم طريق السواحل.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أحمد بن جعفر، أخبرنا عبد الله بن أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَرِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ سَرْجًا [بِثَلاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا. قَالَ:] [1] فَقَالَ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى مَنْزِلِي. قَالَ: لا، حَتَّى تَحَدَّثْنَا كَيْفَ [صَنَعْتَ حِينَ] [2] هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ مَعَهُ؟
قَالَ [فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ] [3] خَرَجْنَا فَأَدْلَجْنَا فَأَحْثَثْنَا يَوْمَنَا [4] وَلَيْلَتَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا، وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَضَرَبْتُ بِبَصَرِي، هَلْ أَرَى ظِلا نَأْوِي إِلَيْهِ؟ فَإِذَا أَنَا بِصَخْرَةٍ فَأَهْوَيْتُ إِلَيْهَا، فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلِّهَا، فَسَوَّيْتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَشْتُ لَهُ فَرْوَةً، وَقُلْتُ: اضْطَجِعْ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَاضْطَجَعَ، ثم خرجت انظر هَلْ أَرَى أَحَدًا مِنَ الطَّلَبِ، فَإِذَا بَرَاعِي غَنَمٍ فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلامُ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ. فَسَمَّاهُ فَعَرِفْتُهُ، فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ:
نَعَمْ. [قَالَ] [5] قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ. [قَالَ: فَأَمَرْتُهُ] [6] فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْهَا، ثُمَّ أَمَرْتُهُ فَنَفَضَ ضَرْعَهَا مِنَ الْغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ فَنَفَضَ كَفَّيْهِ مِنَ الْغُبَارِ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَحَلَبَ [لِي كُثْبَةً] [7] مِنَ اللَّبَنِ، فَصَبَبْتُهُ عَلَى الْقَدَحِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فَوَافَيْتُهُ وَقِد اسْتَيْقَظَ] [8] فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فشرب
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[4] في الأصل: «اختبأنا» وفي البخاري: «أحيينا» وما أوردناه من المسند، وهو المناسب للسياق.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.(3/54)
حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ أَتَى الرَّحِيلُ؟ [1] فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الطَّلَبُ/ قَدْ بَلَغَنَا [2] . فَقَالَ: «لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا» 9: 40 حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَّا فَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَدْرُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ- أَوْ قَالَ: رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ- قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الطَّلَبُ قَدْ بَلَغَنَا [3] . وَبَكَيْتُ.
قَالَ: «لِمَ تَبْكِي؟» قُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَيْكَ. قَالَ: فَدَعَا عليه رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم فَقَالَ: «اللَّهمّ أَكْفِنَا بِمَا شِئْتَ» فَسَاخَتْ قَوَائِمُ فَرَسِهِ إِلَى بَطْنِهَا فِي أَرْضٍ صَلْدٍ، وَوَثَبَ عَنْهَا وَقَالَ: يَا مُحَمَّدٌ، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلَكَ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنْجِيَنِي مِمَّا أنا فيه، فو الله لأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ، وَهَذِهِ كنانتي فخذ مِنْهَا سَهْمًا، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ بِإِبِلِي وَغَنَمِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ. فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا حَاجَةَ لِي فِيهَا» ، قَالَ: وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُطْلِقَ فَرَجِعَ إِلَى أَصْحَابِهِ [4] . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُظَفَّرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْبُخَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ [5] الْمُدْلَجِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ يَقُولُ:
جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رسول الله [صلى الله عليه وسلم] [6] وأبي بَكْرٍ دِيَةً كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيَّنَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا [وَنَحْنُ جُلُوسٌ] [7] ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، إِنَّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ، أَرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ. قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرِفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلانًا وفلانا، انطلقوا بأعيننا.
__________
[1] في الأصل: «هل حتى أتى الرحيل» .
[2] في المسند: «هذا الطلب قد لحقنا» .
[3] في المسند: «هذا الطلب قد لحقنا» .
[4] الخبر في المسند 1/ 2، وله بقية في المسند، ستأتي.
[5] في الأصل: «عبد الوهاب بن مالك» . خطأ، والتصحيح من البخاري.
[6] ما بين المعقوفتين: من أ.
[7] ما بين المعقوفتين: من البخاري.(3/55)
ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ، فَدَخَلْتُ [بَيْتِي] ، فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ، فَتَحْبِسُهَا عَلَيَّ، فَأَخَذْتُ رُمْحِي وَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَخَطَطْتُ بِزِجِّهِ [1] الأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَةَ [الرُّمْحِ] ، [2] حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَدَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ [3] بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ [مِنَها] [4] الأَزْلامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لا؟
فَخَرَجَ الَّذِي/ أَكْرَهُ [لا أَضُرُّهُمْ] [5] ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الأَزْلامَ، حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو [لا] [6] يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الالْتَفَاتَ سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا، فَنَهَضَتْ وَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً، إِذَا لأَثَرِ يَدَيْهَا غُبَارٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلامِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالأَمَانِ فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ [مَا لَقِيتُ] مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وَأَخْبَرْتُهُمْ [أَخْبَارَ] مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ. فَلَمْ يَرْزَآنِي وَلَمْ يَسْأَلانِي، إِلا أَنْ قَالا: أَخْفِ عَنَّا. فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [7]
. ومما جرى لهم أنه لقيهم بريدة بن الحصيب: [8]
أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بْن طَاهِرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوْرَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّكَّرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَهْرَانَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن بريدة، عن أبيه:
__________
[1] في أ: «برحة» بدون نقط.
[2] ما بين المعقوفتين: من البخاري.
[3] في أ: «تقرني» .
[4] ما بين المعقوفتين: من البخاري.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والبخاري.
[6] ما بين المعقوفتين: من أ، والبخاري.
[7] الخبر في صحيح البخاري (فتح الباري 7/ 238) وابن كثير 3/ 184، 185، وألوفا 326.
[8] ألوفا برقم 331.(3/56)
أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لا يَتَطَيَّرُ وَكَانَ يَتَفَاءَلُ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ جَعَلَتْ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ فِيمَنْ يَأْخُذُ نَبِيَّ اللَّهِ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِمْ حِينَ تَوَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَرَكَبَ بُرَيْدَةُ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ بَنِي سَهْمٍ فَتَلَقَّى نَبِيَّ اللَّهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: «مَنْ أَنْتَ؟» قَالَ:
أَنَا بُرَيْدَةُ. فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، بَرَدَ أَمْرُنَا وَصَلُحَ» ثُمَّ قَالَ:
«وَمِمَّنْ أَنْتَ؟» قَالَ: مِنْ بَنِي أَسْلَمَ، قَالَ رسول الله لأَبِي بَكْرٍ: «سَلِمْنَا» قَالَ: «مِمَّنْ أَنْتَ؟» قَالَ: مِنْ بَنِي سَهْمٍ. [قَالَ] [1] : «خَرَجَ سَهْمُكَ» . فَقَالَ بُرَيْدَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: «مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ» فَقَالَ بُرَيْدَةُ: أَشْهَدُ/ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَأَسْلَمَ بُرَيْدَةُ وَأَسْلَمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ جَمِيعًا.
فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ بُرَيْدَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تَدْخُلِ الْمَدِينَةَ إِلا وَمَعَكَ لِوَاءٌ. فَحَلَّ عِمَامَتَهُ، ثُمَّ شَدَّهَا فِي رُمْحٍ، ثُمَّ شَدَّهَا بَيْنَ يَدَيْهِ [2] ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، تَنْزِلُ عَلَيَّ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ نَاقَتِي هَذِهِ مَأْمُورَةٌ» قَالَ بُرَيْدَةُ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَسْلَمَتْ بَنُو سَهْمٍ طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ. وَقَالَ عُرْوَةُ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ كَانُوا تُجَّارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّامِ، فَكَسَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابًا بَيْضَاءَ
. ومما جرى لهم في الطريق أنهم مروا بخيمتي أم معبد:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَيَّوَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قال: أخبرنا الحارث ابْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا بَشِيرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ وَهْبٍ الْمَذْحِجِيُّ، عَنِ الْحُرِّ بْنِ الصَّيَّاحِ [3] ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ هُوَ وأبو بكر وعامر بن فهيرة،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] في أ: «ثم مشى» .
[3] في الأصول: «الحارث بن الصباح» . وما أوردناه من ابن سعد.(3/57)
وَدَلِيلُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ، فَمَرُّوا بِخَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَلْدَةً بَرْزَةً تحتبي وتقعد بفناء الخمية. ثُمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ، فَسَأَلُوهَا تَمْرًا أَوْ لَحْمًا يَشْتَرُونَ. فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا الْقَوْمُ مُرْمِلُونَ مُسْنِتُونَ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا شَيْءٌ مَا أَعْوَزَكُمُ الْقِرَى.
فَنَظَرَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم [إلى] [1] شَاةٍ فِي كِسْرِ الْخَيْمَةِ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ الشّاة يا أمّ معبد؟» قالت: هذه شاة خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ. قَالَ: «هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟» قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: «أَتَأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلِبَهَا؟» قَالَتْ: نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلَبًا.
فدعا رَسُول اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وسلم بِالشَّاةِ، فَمَسَحَ ضَرْعَهَا وَذكر اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ: «اللَّهمّ بَارِكْ لَهَا فِي شَاتِهَا» .
قَالَتْ: فَتَفاجَّتْ وَدَرَّتْ وَاجْتَرَّتْ وَأَحْلَبَتْ، فَدَعَا بِإِنَاءٍ لَهَا يُرْبِضُ الرَّهْطَ فَحَلَبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى غَلَبَهُ الثُّمَالُ، فَسَقَاهَا فَشَرِبَتْ حَتَّى رَوِيَتْ وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوُوا، وَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَهُمْ، وَقَالَ: «سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا» [2] فَشَرِبُوا جَمِيعًا عَلَلا بَعْدَ نَهَلٍ حَتَّى أَرَاضُوا، ثُمَّ حَلَبَ فِيهِ ثَانِيًا عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ، فَغَادَرَهُ عِنْدَهَا ثُمَّ ارْتَحَلُوا عَنْهَا، فَقَلَمَّا لَبِثَتْ أَنْ جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يَسُوقُ أعنزا حُيَّلا عِجَافًا هَزْلَى مَا تَسَاوَقُ، مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ لا نِقْيَ بِهِنَّ، فَلَمَّا رَأَى اللَّبَنَ عَجِبَ وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا، وَالشَّاةُ عَازِبَةٌ وَلا حَلُوبَةَ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَتْ: لا وَاللَّهِ [إِلا] [3] أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ كَانَ مِنْ حَدِيثِهِ كَيْتَ وَكَيْتَ. قَالَ:
وَاللَّهِ [إِنِّي] [4] لأَرَاهُ صَاحِبَ قُرَيْشٍ الَّذِي تَطْلُبُ، صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ.
قَالَتْ: رَأَيْتُ رَجُلا ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ مُتَبَلِّجَ الْوَجْهِ، حَسِنَ الْخَلْقِ، لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ، وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ [5] ، قَسِيمٌ وَسِيمٌ [6] ، فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ، وَفِي صوته
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناها من ابن سعد 1/ 230.
[2] «شربا» . غير موجودة في ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[5] كذا في أ، وطبقات ابن سعد. وفي الأصل، وألوفا 328: «ولم تزدره مقلة» .
[6] في أ، وابن سعد: «وسيم قسيم» .(3/58)
صَحَلٌ، أَحْوَرُ أَكْحَلُ أَزَجُّ، أَقْرَنُ شَدِيدَ سَوَادِ الشَّعْرِ، فِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَافَةٌ، إِذَا صَمَتَ فَعَلَيْهِ وَقَارٌ، وَإِذَا تَكَلَّمَ سَمَا وَعَلاهُ الْبَهَاءُ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خُرْزَاتُ نَظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ، حُلْوُ الْمَنْطِقُ، [فصل] [1] ، لا نِزْرٌ بِهِ وَلا هَذَرٌ [2] ، أَجْهَرُ النَّاسِ وَأَجْمَلُهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْلاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ، رَبْعَةٌ لا تَشْنَؤُهُ عَيْنٌ [3] مِنْ طُولٍ، وَلا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، وَهُوَ أَنْضَرُ [4] الثَّلاثَةِ مَنْظَرًا وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا [5] ، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِذَا قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأَمْرِهِ [6] ، مَحْفُودٌ مَحْمُودٌ مَحْشُودٌ [7] ، لا عَابِسٌ وَلا مُفْنِدٍ.
قَالَ: هَذَا وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي ذكر لَنَا مِنْ أَمْرِهِ مَا ذكر، وَلَوْ كُنْتُ وَافَقْتُهُ [يَا أُمَّ مَعْبَدٍ] [8] لالْتَمَسْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ، وَلأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلا. وَأَصْبَحَ صَوْتٌ [بِمَكَّةَ] [9] عَالِيًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، يَسْمَعُونَهُ وَلا يَرَوْنَ مَنْ يَقُولُهُ، وَهُوَ يَقُولُ:
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حَلا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلا بِالْبِرِّ وَارْتَحَلا بِهِ ... فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ
فَيَالَ قُصَيٍّ مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمُ ... بِهِ مِنَ فِعَالٍ لا تُجَازَى وَسُؤْدُدِ
سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا ... فَإِنَّكُمُ إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ
دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ ... لَهُ بِصَرِيحٍ ضرّة الشاة مزبد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من أ، وابن سعد.
[2] في ابن سعد: «لا نزر ولا هذر» .
[3] في أ، والأصل: «لا تشنأه» . والتصحيح من ابن سعد.
[4] في ألوفا: «أبهى» .
[5] في ألوفا: «قدا» .
[6] في ابن سعد: «تبادروا إلى أمره» .
[7] في الأصل، وابن سعد: «محفود محشود» بإسقاط: «محمود» .
[8] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.(3/59)
فَغَادَرَهُ رَهْنًا لَدِيهَا لِحَالِبٍ ... يَدِرُّ بِهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمَّ مَوْرِدِ
وَأَصْبَحَ الْقَوْمُ قَدْ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ وَأَخَذُوا [1] عَلَى خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ [حَتَّى لَحِقُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2] .
قَالَ [3] : فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ:
لَقْد خَابَ قَوْمٌ غَابَ عَنْهُمْ نَبِيُّهُمُ ... وَقُدِّسَ مَنْ يَسْرِي إِلَيْهِ وَيَغْتَدِي
تَرَحَّلَ عَنْ قَوْمٍ فَزَالَتْ عُقُولُهُمُ ... وَحَلَّ عَلَى قَوْمٍ بِنُورٍ مُجَدَّدِ
وَهَلْ يَسْتَوِي ضُلالُ قَوْمٍ تَسَفَّهُوا ... عَمًى [وَهُدَاةٌ] [4] يَهْتَدُونَ بُمُهْتَدِ؟
نَبِيٌّ يَرَى مَا لا يَرَى النَّاسُ حَوْلَهُ ... وَيَتْلُو كِتَابَ اللَّهِ فِي كُلِّ مَشْهَدِ
وَإِنْ قَالَ فِي يَوْمٍ [5] مَقَالَةَ غَائِبٍ ... فَتَصْدِيقُهَا فِي ضَحْوَةِ الْيَوْمِ أَوْ غَدِ
لِتَهْنِ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةُ جَدِّهِ ... بِصُحْبَتِهِ مَنْ يُسْعِدُ اللَّهُ يَسْعَدِ
وَيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَانَ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُسْلِمِينَ بِمَرْصَدِ
[6] قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ:
الْبَرَزَةُ: الْكَبِيرَةُ.
وَالْمُرَمَّلُونَ: الَّذِينَ قَدْ نَفِدَ زَادُهُمْ.
وَالْمُسْنِتُونَ: مِنَ السَّنَةِ، وَهِيَ الْجَدْبُ.
وَكَسْرُ الْخَيْمَةِ: جَانِبُهَا.
وَالْجَهْدُ: الْمَشَقَّةُ.
وَتَفَاجَتْ: فَتَحَتْ مَا بَيْنَ رجليها للحلب.
__________
[1] في ألوفا: «وأجدوا» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول وأوردناه من ابن سعد.
[3] في الأصل: «يقول» . وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: بياض في الأصل، وأوردناه من ابن سعد. وتسفهوا وردت في الأصل: «تسلعوا» والتصحيح من الوفاء والبداية والنهاية.
[5] في الأصل: «قوم» . وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 230 بطوله، وسيرة ابن هشام 1/ 487، وتاريخ الطبري 2/ 380 والوفاء 328. والبداية والنهاية 3/ 190- 192.(3/60)
وَيَرْبُضُ الرَّهْطُ: يُثْقِلُهُمْ فَيُرْبِضُوا.
وَالثُّمَالُ: الرَّغْوَةُ.
وَالْعِلَلُ: مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.
وَأَرَاضُوا: أَيْ رَوُوا.
وَالْحَيْلُ: الْلاتِي لَسْنَ بِحَوَامِلَ.
وَالْعَازِبُ: الْبَعِيدُ فِي الْمَرْعَى.
وَالْمُتَبَلِّجُ: الْمُشْرِقُ.
وَالثُّجْلَةُ: عِظَمُ الْبَطْنِ وَاسْتِرْخَاءُ أَسْفَلِهِ.
والصَّعْلَةُ: صِغَرُ الرَّأْسِ.
وَالْوَسِيمُ: الْحَسَنُ وَكَذَلِكَ الْقَسِيمُ.
وَالدَّعَجُ: سَوَادُ/ الْعَيْنِ.
وَالْوَطَفُ: الطُّولُ.
وَالصَّحْلُ: كَالْبَحَّةِ.
وَالأَحْوَرُ: الشَّدِيدُ سَوَادِ أُصُولِ الأَهْدَابِ خِلْقَةً.
وَالسَّطْعُ: الطُّولُ.
وَقَوْلُهَا: إِذَا تَكَلَّمَ سَمَا: أَيْ عَلا بِرَأْسِهِ وَيَدِهِ.
وَقَوْلُهَا: لا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ: أَيْ تَحْتَقِرُهُ.
[وَالْمُفَنَّدُ: الْهَرِمُ.
وَالصَّرِيحُ: الْخَالِصُ.
وَالضَّرَّةُ: لَحْمُ الضَّرْعِ] [1] .
وَأَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أَنْبَأَنَا الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن بن الفهم قال: أخبرنا محمد بن سعد قال:
أخبرنا محمد بن عمر، عن حَرَامِ بْنِ هِشَامٍ [2] ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ مَعْبَدٍ قَالَتْ: طَلَعَ عَلَيْنَا أَرْبَعَةٌ عَلَى رَاحِلَتَيْنِ فَنَزُلوا بِي، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ أُرِيدُ أَنْ أَذْبَحَهَا، فَإِذَا هِيَ ذَاتُ دَرٍّ، فَأَدْنَيْتُهَا مِنْهُ، فَلَمَسَ ضَرْعَهَا فقال: «لا تذبحيها» فأرسلتها
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[2] في أ: «عن حكيم بن هشام» .(3/61)
فَجِئْتُ بِأُخْرَى [1] فَذَبَحْتُهَا فَطَحَنْتُ لَهُمْ [2] ، فَأَكَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَتَغَدَّى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ [3] ، وَمَلأْتُ [4] سُفْرَتَهُمْ مِنْهَا مَا وَسِعَتْ سُفْرَتُهُمْ، وَبَقِيَ عِنْدَنَا لَحْمُهَا أَوْ أَكْثَرُهُ، وَبَقِيَتِ الشَّاةُ الَّتِي لَمَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرْعَهَا عِنْدَنَا حَتَّى كَانَ زَمَانُ الرَّمَادَةِ زَمَانَ عُمَرَ، وَهِيَ سَنَةُ ثَمَانِي عَشَرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ. قَالَتْ: وَكُنَّا نَحْلِبُهَا صَبُوحًا [5] وَغَبُوقًا وَمَا فِي الأَرْضِ قَلِيلٌ وَلا كَثِيرٌ. وَذَلِكَ بِبَرَكَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [6]
ذكر تلقي أهل المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخوله إياها
[7] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْفَرَبْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ بَكْرٍ قَالَ: أخبرنا الليث عن عقيل قال: قال ابن شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
سَمِعْتُ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ بِمَخْرَجِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ يَنْتَظِرُونَهُ حتى يردهم حرّ الظهيرة، فانقلبوا يوما بعد ما أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ، فَلَمَّا أَوُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى رَجُلٌ مِنَ/ الْيَهُودِ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مُبْيِضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ. فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ، هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ.
فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلاحِ، فَتَلَقُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فعدل بهم ذات
__________
[1] في أ: «وأخذت أخرى» .
[2] في الأصل: «وطبختها لهم» ، وفي أ: «وطبخها» بدون نقط. وما أوردناه من ابن سعد.
[3] العبارة: «فَتَغَدَّى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ» . ساقطة من أ.
[4] «سفرتهم» ساقطة من سعد.
[5] في الأصل: «صباحا» . وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 211، 212.
[7] في أ: «تلقي أهل المدينة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودخوله إليها» راجع: طبقات ابن سعد 1/ 232، وسيرة ابن هشام 1/ 492، وتاريخ الطبري 2/ 381، ودلائل النبوة للبيهقي 2/ 498، والاكتفاء 1/ 458، والكامل 2/ 7، والبداية والنهاية 3/ 196.(3/62)
الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامِتًا.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: بَنُو عَمْرٍو هُمْ أَهْلُ قُبَاءَ، وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: [1] فَنَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ أَخِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ.
وَقِيلَ: بَلْ نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَزَبًا لا أَهْلَ لَهُ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ [2] : فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [الْمَدِينَةَ] يَوْمَ الاثْنَيْنِ لاثْنَتَيْ عَشَرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ.
وروى حنش الصنعاني عن ابن عباس قال [3] : ولد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين، واستنبئ يوم الاثنين، ورفع الحجر يوم الاثنين [4] ، وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين [5] ، وقبض يوم الاثنين.
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أحمد قال: حدثني أبي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَرِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ، فَخَرَجُوا فِي الطَّرِيقِ [وَعَلَى الأَجَاجِيرِ] [6] فَاشْتَدَّ الْخَدَمُ وَالصِّبْيَانُ فِي الطَّرِيقِ يَقُولُونَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، جاء رسول الله، جَاءَ مُحَمَّدٌ.
قَالَ: وَتَنَازَعَ الْقَوْمُ أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْزِلُ اللَّيْلَةَ عَلَى بَنِيَ النَّجَّارِ أَخْوَالِ عبد المطلب لأكرمهم بذلك» .
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 493، وألوفا 336.
[2] تاريخ الطبري 2/ 393.
[3] تاريخ الطبري 2/ 393، وألوفا 334.
[4] «واستنبئ يوم، رفع الحجر يوم الإثنين» . ساقطة من أ.
[5] «وقدم المدينة يوم الإثنين» ، ساقطة من أ.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند.(3/63)
فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا حَيْثُ أُمِرَ [1] . أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ/ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أُنَيْسِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِجَوَارٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُنَّ يُغَنِّينَ:
نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ ... وَحَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكُنَّ» [2]
. ذكر المكان الذي نزل به حين قدم المدينة صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال مؤلف الكتاب: قد ذكرنا أنه بات عند بني النجار أخوال عبد المطلب.
وبيان الخؤولة: أن هاشما تزوج امرأة من بني عدي بن النجار، فولدت له عبد المطلب [3]
. [ذكر فرح أهل المدينة بقدومه صلى الله عليه وسلم]
[4] ومن الحوادث:
أنه لما قدم صلى الله عليه وسلم لعبت الحبشة بحرابهم فرحا.
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة بحرابهم لقدومه فرحا بذلك [5] .
__________
[1] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 1/ 3، وهو بقية الحديث الّذي أشرنا إليه.
[2] دلائل النبوة للبيهقي 2/ 508، وألوفا 340.
[3] وفاء ألوفا للمصنف 335.
[4] العنوان مضاف من ألوفا للمصنف 339.
[5] في المسند: «لعبت الحبشة لقدومه بحرابهم» . والخبر في المسند 3/ 161.(3/64)
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَذْكُروُنَ- عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ.
وَيُقَالُ: عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ.
وَنَزَلَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ بِالسُّنْحِ. وَقِيلَ:
نَزَلَ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ.
وَأَقَامَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه بِمَكَّةَ ثَلاثَ لَيَالٍ وَأَيَّامَهَا، حَتَّى أَدَّى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَدَائِعَ الَّتِي كَانِتْ عِنْدَهُ لِلنَّاسِ، ثُمَّ لَحِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ مَعَهُ عَلَى كُلْثُومٍ.
وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبَاءَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الثُّلاثَاءِ، / وَيَوْمَ الأَرْبِعَاءِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، وَأَسَّسَ مَسْجِدَهُمْ، ثُمَّ خَرَجَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
وَقِيلَ [1] : مَكَثَ فِيهِمْ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ الْقَاسِمِيُّ: قَدِمَ رسول الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم يوم الاثْنَيْنِ، فَنَزَلَ قُبَاءَ، وَكَانَ نُزُولُهُ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ، وَكَانَ يَتَحَدَّثُ فِي مَنْزِلِ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ. وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ قُبَاءَ قَدْ بَنُوا مَسْجِدًا يُصَلُّونَ فِيهِ، فصلى بِهِمْ فِيهِ، وَلَمْ يُحْدِثْ فِي الْمَسْجِدِ شَيْئًا، فَأَقَامَ صَلَّى الله عليه وسلّم الاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، وَالْخَمِيسَ، وَرَكِبَ مِنْ قُبَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَجَمَعَ فِي بَنِي سَالِمٍ، فَكَانَتْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جَمَعَهَا فِي الإِسْلامِ، وَخَطَبَ يَوْمَئِذٍ.
ذكر تلك الخطبة
[2] روى أبو جعفر ابن جَرِيرٍ [3] قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ: أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ خُطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ صَلاهَا بِالْمَدِينَةِ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عوف:
__________
[1] راجع ألوفا 338، وابن هشام 1/ 494، والطبري 3832.
[2] سيرة ابن هشام 1/ 501، وتاريخ الطبري 2/ 394 والبداية والنهاية 3/ 213، ودلائل النبوة للبيهقي 2/ 524، والاكتفاء 1/ 463.
[3] تاريخ الطبري 2/ 394.(3/65)
الْحَمْدُ للَّه، أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، وَأَسْتَغْفِرُهُ وَأَسْتَهْدِيهِ [وَأُومِنُ بِهِ وَلا أَكْفُرُهُ، وَأُعَادِي مَنْ يَكْفُرُهُ،] [1] وَأَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَالنُّورِ وَالْمَوْعِظَةِ، عَلَى فِتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَقِلَّةٍ مِنَ الْعِلْمِ، وَضَلالَةٍ مِنَ النَّاسِ، وَانْقِطَاعٍ عَنِ الزَّمَانِ، وَدُنُوٍّ مِنَ السَّاعَةِ، وَقُرْبٍ مِنَ الأَجَلِ، مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَىُ [2] وَفَرَّطَ، وَضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا، وَأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ خير ما أوصى به المسلم الْمُسْلِمُ أَنْ يَحُضَّهُ عَلَى الآَخِرَةِ، وَأَنْ يَأْمُرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمُ اللَّهُ مِنْ نَفْسِهِ، [وَلا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ نَصِيحَةٌ] [3] وَلا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ذِكْرًا، وَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ لِمَنْ عَمِلَ بِهِ عَلَى وَجَلٍ وَمَخَافَةٍ مِنْ رَبِّهِ، عَوْنُ صِدْقٍ عَلَى مَا تَبْغُونَ مِنْ أَمْرِ الآَخِرَةِ، وَمَنْ يُصْلِحِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الله مَنْ أَمَرَهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ، لا يَنْوِي بِذَلِكَ إِلا وَجْهَ اللَّهِ يَكُنْ لَهُ ذِكْرًا فِي عَاجِلِ أَمْرِهِ، وَذُخْرًا فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ حِينَ يَفْتَقِرُ الْمَرْءُ إِلَى/ مَا قَدَّمَ، وَمَا كَانَ مِنْ سِوَى [ذَلِكَ] [4] يَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ [5] أَمَدًا بَعِيدًا، وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ، والله رءوف بالعباد. والّذي صدّق قوله، وأنجز وَعْدَهُ، لا خُلْفَ لِذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ 50: 29 [6] فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي عَاجِلِ أَمْرِكُمْ وَآَجلِهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عن سَيِّئَاتِهِ، وَيُعَظِّمْ لَهُ أَجْرًا، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا، وَإِنَّ تقْوَى اللَّهِ [يُوقِي] [7] مَقْتَهُ، وَعُقُوبَتَهُ، وَسَخَطَهُ، وَيُبَيِّضُ الْوُجُوهَ [8] ، وَيُرْضِي الرَّبَّ، وَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ.
[خُذُوا] بِحَظِّكُمْ [9] ، وَلا تُفَرِّطُوا فِي جَنَبِ اللَّهِ، قَدْ عَلَّمَكُمُ اللَّهُ كِتَابَهُ وَنَهَجَ لَكُمْ سَبِيلَهُ، لِيَعْلَمَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلِيَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ. فَأَحْسِنُوا كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ، وَعَادُوا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من تاريخ الطبري 2/ 394.
[2] في الطبري: «ومن يعصهما فقد غوى» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناها من الطبري.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري.
[5] في الأصل: «لو أن بينه وبينه» . وما أوردناه من الطبري 2/ 395.
[6] سورة: ق، الآية: 29.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري.
[8] في تاريخ الطبري 2/ 395: «يوقي عقوبته ويوقي سخطه وإن تقوى الله ببيض الوجوه» .
[9] في الأصل: «وبحظكم» ، وما أوردناه من الطبري.(3/66)
أَعْدَاءَهُ، وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَسَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بيِّنَةٍ، وَيَحْيَاَ مَنْ حَيِ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه، فَأَكْثِرُوا ذكر اللَّهِ، وَاعْلَمُوا أنه خير الدنيا وما فيها [1] ، واعملوا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ [2] ، فَإِنَّهُ مَنْ يُصْلِحْ مَا بَيْنَهُ وَبْيَنَ اللَّهِ يكْفِهِ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقْضِي الْحَقَّ [3] عَلَى النَّاسِ وَلا يَقْضُونَ، وَيَمْلِكُ مِنَ النَّاسِ وَلا يَمْلِكُونَ مِنْهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [4] : وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته، وأرخى الزِّمَامَ، فَجَعَلَتْ لا تَمُرُّ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الأَنْصَارِ إِلا دَعَاهُ أَهْلُهَا إِلَى النُّزُولِ عِنْدَهُمْ، وَقَالُوا لَهُ: هَلُمَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالْمَنْعَةِ.
فَيَقُولُ لَهُمْ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [5] : «خَلُّوا زِمَامَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ» .
حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ الْيَوْمَ، فَبَرَكَتْ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مِرْبَدٌ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فِي حِجْرِ مُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا: سَهْلٌ، وَالآَخَرُ:
سُهَيْلُ ابْنَا عَمْرِو بْنِ عَبَّادٍ، فَلَمْ يَنْزِلْ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَثَبَتْ فَسَارَتْ غَيْرَ بَعِيدٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ لَهَا زِمَامَهَا لا يُثْنِيهَا [بِهِ] [6] ، ثُمَّ الْتَفَتَتْ [خَلْفَهَا] [7] ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْزِلِهَا [8] أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَبَرَكَتْ فِيهِ وَوَضَعَتْ جِرَانَهاَ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ عَنْهَا، فَاحْتَمَلَ أَبُو أَيُّوبَ رَحْلَهُ، فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ، فَدَعَتْهُ الأَنْصَارُ إِلَى النُّزُولِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ مَعَ رَحْلِهِ» .
فَنَزَلَ عَلَى أَبِي أَيُّوبَ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ، وَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمِرْبَدِ: لِمَنْ هُوَ؟
فَأَخْبَرَهُ مُعَاذٌ وقال: هو ليتيمين لي وسأرضيهما.
__________
[1] «واعلموا أنه خير الدنيا وما فيها» . ساقطة من تاريخ الطبري.
[2] في الطبري: «لما بعد الموت» .
[3] «الحق» : ساقطة من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 2/ 396، وألوفا 336، وابن هشام 1/ 495.
[5] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[8] في الطبري: «إلى مبركها» .(3/67)
فأمر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْنَى مَسْجِدًا، وَأَقَامَ عِنْدَ أَبِي أَيُّوبَ حَتَّى بَنَى مَسْجِدَهُ وَمَسَاكِنَهُ [1] . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشَرَة لَيْلَةً، وَأَسَّسَ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ غُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَرَكَتْ: «هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. الْمَنْزِلُ» ثُمَّ دَعَا الْغُلامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا. فَقَالا: بَلْ نَهِبُهُ لَكَ يا رسول الله، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ يَنْقِلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ وَيَقُولُ:
هَذَا الْحِمَالُ لا حِمَالُ خَيْبَرَ ... هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَظْهَرُ
وَيَقُولُ:
اللَّهمّ إِنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ الآخِرَةِ ... فَارْحَمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةِ
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ [2] .
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَسْجِدَ قُبَاءَ بُنِيَ قَبْلَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ [3]
. [تكلم الذئب خارج المدينة ينذر برسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
[4] .
وفِي هذه السنة: تكلم ذئب خارج المدينة ينذر برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
[1] فِي بناء المسجد راجع: طبقات ابن سعد 1/ 239، وسيرة ابن هشام 2/ 114، وصحيح البخاري 1/ 89، وتاريخ الطبري 2/ 395، والدرر لابن عبد البر 88، والبداية والنهاية 3/ 214، وعيون الأثر 1/ 235، والنويري 16/ 344، وسبل الهدى 3/ 485.
[2] صحيح البخاري (فتح الباري 7/ 239) ودلائل النبوة للبيهقي 2/ 539. وألوفا: 349، والبداية والنهاية 3/ 214.
[3] في أ: «قبل مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم» .
[4] العنوان غير موجود بالأصل.(3/68)
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَشْعَبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ/ قَالَ: جَاء ذِئْبٌ إِلَى رَاعِي غَنَمٍ، فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي حَتَّى انْتَزَعَهَا مِنْهُ، فَصَعَدَ الذِّئْبُ عَلَى تَلٍّ، فَأَقْعَى وَاسْتَذْفَرَ، فَقَالَ: عَمَدْتَ إِلَى رِزْقٍ رَزَقَنِيهِ اللَّهُ انْتَزَعْتَهُ مِنِّي. فَقَالَ الرَّجُلُ: تاللَّه إِنْ رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ ذِئْبًا يَتَكَلَّمُ. قَالَ الذِّئْبُ: أَعْجَبُ مِنْ هَذَا، رَجُلٌ فِي النَّخْلاتِ بين الحرتين يخبركم بما مَضَى وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ عِنْدَكُمْ.
وَكَانَ الرَّجُلُ يَهُودِيًّا، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ خَبْرَهُ، وَصَدَّقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «إنها أَمَارَةٌ مِنَ أَمَارَاتٍ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، أَوْشَكَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ فَلا يَرْجِعُ حَتَّى تُحَدِّثَهُ نَعْلاهُ وَسَوْطُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ» [1]
. [الزيادة في صلاة الحضر]
[2] وفي هذه السنة: زيد في صلاة الحضر- وكانت صلاة الحضر والسفر ركعتين- وذلك بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهر، في ربيع الآخر لمضي اثنتي عشرة ليلة.
قال الواقدي: لا يختلف أهل الحجاز في ذلك
. [بناؤه صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها]
[3] وفي هذه السنة: بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها في شوال.
وقد قيل: في السنة الثانية. والأول أصح.
__________
[1] الخبر في المسند 2/ 306.
[2] العنوان غير موجود بالأصول.
وانظر: تاريخ الطبري 2/ 400، والبداية والنهاية 3/ 231.
[3] العنوان غير موجود بالأصول.
وانظر: تاريخ الطبري 2/ 398، والبداية والنهاية 3/ 230.(3/69)
وكان تزوجها قبل الهجرة بثلاث سنين.
وقيل: كان البناء بها يوم الأربعاء في منزل أبي بكر رضي الله عنه بالسنح.
[بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى بناته وزوجته]
[1] وفي هذه السنة: بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى بناته وزوجته سودة بنت زمعة زيد بن حارثة وأبا رافع، فحملاهن من مكة إلى المدينة، ولما رجع عبد الله بن أريقط إلى مكة أخبر عبد الله بْن أبي بكر بمكان أبيه أبي بكر، فخرج عبد الله بعيال أبيه إليه، وصحبهم طلحة بن عبيد ومعهم أم رومان- أم عائشة- وعبد الرحمن حتى قدموا المدينة
. [المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار]
[2] وفي هذه السنة: آخى بين المهاجرين والأنصار.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حدثنا محمد بْنُ/ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَفَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ فِي دَارِ أَنَسٍ [3] .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [4] : وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، عن أشياخه قالوا: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار على الحق
__________
[1] العنوان غير موجود بالأصول.
وانظر: تاريخ الطبري 2/ 400.
[2] سيرة ابن هشام 1/ 504، وطبقات ابن سعد 1/ 238، والبداية والنهاية 3/ 224، والاكتفاء 1/ 464.
[3] الخبر في السيرة 1/ 504- 507، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 238، 239، ونقله ابن كثير في البداية والنهاية، وعزاه لأحمد بن حنبل والبخاري ومسلم وأبي داود.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 238.(3/70)
والمؤاساة، يتوارثون بعد الممات دون ذوي الأرحام، وكانوا تسعين رجلا: خمسة وأربعون رجلا من المهاجرين، [وخمسة وأربعون من الأنصار] [1] .
[ويقال: كانوا مائة، خمسون من المهاجرين، وخمسة وأربعون من الأنصار] [2] .
وكان ذلك قبل بدر، فلما كانت وقعة بدر، وأنزل الله عز وجل: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ 8: 75 [3] .
نسخت هذه الآية ما كان قبلها وانقطعت المؤاخاة في الميراث، ورجع كل إنسان إلى نسبه وورثه ذوو رحمه.
قال مؤلف الكتاب:
وهذه [4] تسمية الذين آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم [ذكرتها على حروف المعجم] [5] :
واعتبرت الاسم الأول فقط:
حرف الألف ( [6] :
آخى بين أبي بن كعب وطلحة بن عبيد الله. وقيل: بين أبي وسعيد بن زيد.
آخى بين إياس بن البكير والحارثة بن خزيمة.
آخى بين الأرقم بن أبي الأرقم، وأبي طلحة زيد بن سهل.
حرف الباء:
آخى بين بشر بن خالد بن البراء، وواقد بن عبد الله.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من طبقات ابن سعد وفي أ: «تسعين رجلا من المهاجرين وخمسة وأربعون رجلا من الأنصار» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من طبقات ابن سعد 1/ 238، وفي أ: «ويقال: كانوا خمسين ومائة من الأنصار، وخمسين ومائة من المهاجرين» .
[3] سورة: الأحزاب الآية: 6.
[4] «وهذه» : ساقطة من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في أ: «حرف الهمزة» .(3/71)
آخى بين بلال بن رباح، وبين عبيدة بن الحارث. وقيل: بين بلال، وأبي رويحة الخثعمي. وقيل: بين بلال، وأبي ذر.
حرف التاء:
آخى بين تميم مولى خداش بن الصمة، وحيان مولى عتبة بن غزوان.
حرف الثاء:
آخى بين ثابت بن قيس، وعامر بن البكير.
آخى بين ثعلبة بن حاطب، ومعتب بن الحمراء.
حرف الجيم:
آخى بين جعفر بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل.
آخى بين جرير بن عتيك، وخباب بن الأرت.
حرف الحاء:
آخى بين حاطب بن أبي بلتعة، ورحيلة بن خالد، وقيل: بين حاطب/ وعويمر بن ساعدة. وقيل: بين حاطب، وكعب بن مالك.
آخى بين حارثة بن سراقة، والسائب بن عثمان بن مظعون.
آخى بين الحصين بن الحارث، ورافع بن عنجدة. وقيل: بين الحصين، وعبد بن جبير.
حرف الخاء:
آخى بين خالد بن البكير، وزيد بن الدثنة. وقيل: بين خالد، وثابت بن قيس بن شماس.
آخى بين خنيس بن حذافة، وأبي حبيش بن جبير. وقيل: بين خنيس، والمنذر أبو محمد بن عقبة.
حرف الذال:
آخى بين ذي الشمالين، ويزيد بن الحارث بن فسحم. وقتلا جميعا بيدر.(3/72)
آخى بين ذكوان بن عبد قيس، ومصعب بن عمير.
[حرف الراء:
آخى بين رافع بن مالك، وسعيد بن زيد بن عمرو] [1] حرف الزاي:
آخى بين الزبير بن العوام، وعبد الله بن مسعود. [وقيل:] [2] بين الزبير، و [بين] [3] طلحة. [وقيل:] [4] بين الزبير، وكعب بن مالك. وقيل: بين الزبير، وسلمة بن سلامة بين وقش.
آخى بين زيد بن حارثة، وحمزة بن عبد المطلب. وقيل: بين زيد، وأسيد بن حضير.
آخى بين زيد بن الخطاب، ومعن بن عدي.
حرف السين:
آخى بين سعد بن أبي وقاص، ومصعب بن عمير. وقيل: بين سعد، وعبد الرحمن بن عوف. وقيل: بين سعد، وعمار بن ياسر. وقيل: بين سعد، ومحمد بن مسلمة.
آخى بين سالم مولى أبي حذيفة، [ومعاذ] بن ماعص.
آخى بين سعد بن عوف بن الربيع، وبين عبد الرحمن بن عوف.
آخى بين سعد بن خيثمة، وأبي سلمة.
آخى بين سلمة بن سلامة، وأبي سبرة بن أبي رهم.
آخى بين سلمان الفارسي، وأبي الدرداء. وقيل: بين سلمان، وحذيفة.
آخى بين سويبط بن سعد، وعابد بن ماعص.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.(3/73)
حرف الشين:
آخى بين شجاع بن وهب، وأوس بن خولي.
آخى بين شماس بن عثمان، وحنظلة بن الراهب.
حرف الصاد:
آخى بين صهيب، والحارث بن الصمة.
آخى بين صفوان بين بيضاء، وبين رافع بن المعلى/.
حرف الطاء:
آخى بين طلحة، وسعد بن زيد. وقيل: بين طلحة، وكعب بن مالك.
و [قيل] : [1] بين طلحة، وأبي أيوب.
وآخى بين الطفيل بن الحارث، والمنذر بن محمد. و [قيل:] [2] بين الطفيل، وسفيان بن بشر.
وآخى بين طليب بن عمرو، والمنذر بن عمرو.
حرف العين:
آخى بين أبي بكر الصديق واسمه: عبد الله، وبين عمر. وقيل: بين أبي بكر، وبين خارجة.
آخى بين عمر، وأبي بكر. وقيل: بين عمر وبين عويمر بن ساعدة. وقيل: بين عمر، وعتبان بن مالك.
آخى بين عثمان بن عفان، وبين عبد الرحمن بن عوف. وقيل: بين عثمان، وأوس بن ثابت.
آخى بين علي بن أبي طالب، وبين نفسه صلى الله عليه وسلم. وقيل: بين علي وبين الزبير.
وقيل: بين علي، وسهل بْن حنيف.
آخى بين العباس بن عبد المطلب، ونوفل بن الحارث.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.(3/74)
آخى بين أبي عبيدة، وبين سالم مولى أبي حذيفة. وقيل: بين أبي عبيدة، وسعد بن معاذ. وقيل: بين أبي عبيدة، ومحمد بن مسلمة.
آخى بين عبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل.
آخى بين عبد الله بن مظعون، وسهل بن عبيد بن المعلى.
آخى بين عبد الله بن جحش، وعاصم بن ثابت.
آخى بين عمير بن أبي وقاص، وعمرو بن معاذ.
آخى بين عمار، وحذيفة. وقيل: بين عمار [1] ، وثابت بن قيس.
آخى بين عثمان بن مظعون، وأبي الهيثم بن التيهان. وقيل: بين عثمان، والعباس بن عبادة بن نضلة. وقيل: بين عثمان، وأوس بن ثابت.
آخى بين عتبة بن غزوان، وأبي دجانة. وقيل: بين عتبة، ومعاذ بن ماعص.
آخى بين عكاشة، والمجذر بن زناد.
آخى بين عاقل بن أبي البكير، وبشر بن عبد المنذر، وقيل: بين عاقل، ومجذر بن زياد.
آخى بين عامر، والحارث بن الصمة.
آخى بين عمرو بن سراقة، وسعيد بن زيد.
آخى بين عبيدة بن الحارث، وعمير بن الحمام.
آخى بين عبادة، وعامر بن ربيعة.
آخى بين عوف/ بن مالك، وأبي الدرداء.
حرف الفاء:
آخى بين فروة بن عمرو البياضي، وعبد الله بن مخرمة.
حرف القاف:
آخى بين قطبة بن عامر، وعبد الله بن مظعون.
حرف الكاف:
آخى بين كناز بن الحصين، وعبادة بن الصامت.
__________
[1] في الأصل: «وقيل: بين عمار وحذيفة، وقيل بين عمار وثابت بن قيس» .(3/75)
حرف الميم:
آخى بين مصعب بن عمير، وأبي أيوب.
آخى بين مرثد بن أبي مرثد، وأوس بن الصامت.
آخى بين مسطح، وزيد بن المزين.
آخى بين معاذ بن عفراء، ومعمر بن الحارث.
آخى بين محرز بن نضلة [1] ، وعمارة بن جرير [2] .
آخى بين مسعود بن الربيع، وعبيد بن التيهان.
آخى بين المقداد، جبار بن صخر، وقيل: بين المقداد، وابن رواحة.
آخى بين المنذر بن عمرو، وأبي ذر.
آخى بين مهجع، والحارث بن سراقة. وقيل: بين مهجع، وسراقة.
حرف الهاء:
آخى بين هشيم بن عتبة، وعباد بن بشر.
حرف الواو:
آخى بين وهب بن سعد، وسويدا بن عمرو. وقيل: وهب، وسراقة.
حرف الياء:
آخى بين يزيد بن المنذر، وعامر بن ربيعة
. [أمره صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء]
وفي هذه السنة: وجد اليهود تصوم عاشوراء.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أبي سُفْيَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عاشوراء، فقال لهم: «ما
__________
[1] في أ: «محمد بن نضلة» .
[2] في أ: «عمارة بن حزم» .(3/76)
هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟» قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ مِنْ فِرْعَوْنَ، وَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ» فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1]
. [إسلام عبد الله بن سلام]
[2] وفي هذه السنة: أسلم [3] عبد الله بن سلام.
أَخْبَرَنَا مَوْهُوبُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السَّرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ [4] قَالَ:
[أَخْبَرَنَا] [5] مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ [إِلَيْهِ] فَكُنْتُ فِيمَنْ أَتَى، فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرِفْتُ أَنَّه وَجْهٌ غَيْرُ كَذَّابٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:
«أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تدَخْلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ» . قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: وَسَيَأْتِي شَرْحُ حَالِهِ فِي إِسْلامِهِ عِنْدَ ذكر وَفَاتِهِ
. [رؤية عبد الله بن زيد الآذان في منامه]
[6] وفيها رأى عبد الله بن زيد الآذان فعلمه بلالا.
__________
[1] صحيح البخاري في الصوم 96/ 5، وأحاديث الأنبياء 25/ 3، وصحيح مسلم، الصوم 9/ 22، 19/ 22.
[2] سيرة ابن هشام 1/ 516، والإكتفاء 1/ 471. والبداية والنهاية 3/ 208.
[3] «أسلم» . ساقطة من أ.
[4] «إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي» . ساقطة من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] العنوان غير موجود بالأصلين. وراجع: سيرة ابن هشام 1/ 508، وطبقات ابن سعد 1/ 246، والاكتفاء 1/ 465، والبداية والنهاية 3/ 231.(3/77)
أخبرنا هبة الله بن محمد قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِيّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن مالك قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الله بن أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ قال: أخبرنا أبي، عن ابن إسحاق قال: ذكر مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ: لَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَضْرِبَ بِالنَّاقُوسِ لِجَمْعِ النَّاسِ لِلصَّلاةِ [1]- وَهُوَ لَهُ كَارِهٌ لِمَوَافَقَةِ النَّصَارَى- طَافَ بِي مِنَ اللَّيْلِ طَائِفٌ وَأَنَا نَائِمٌ: رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ وَفِي يَدِهِ نَاقُوسٌ يَحْمِلُهُ.
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلاةِ. قَالَ: أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى. قَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ [2] ، لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. / قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ غَيْرَ بَعِيدٍ، قَالَ: ثُمَّ تَقُولُ إِذَا قُمْتَ لِلصَّلاةِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَشَّهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ [اللَّهِ] [3] ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ.
قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا حَقٍّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ثُمَّ أَمَرَ بِالتَّأْذِينِ، فَكَانَ بِلالٌ يُؤَذِّنُ بِذَلِكَ وَيَدْعُو رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلاةِ، فَجَاءَهُ ذَاتَ غَدَاةٍ إِلَى الْفَجْرِ [4] ، فَقِيلَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَائِمٌ، فَصَرَخَ بِلالٌ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: فَأُدْخِلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي التَّأْذِينِ [إِلَى صَلاةِ الْفَجْرِ] [5] ، فَكَانَ بِلالٌ يُؤَذِّنُ بِذَلِكَ [6] .
__________
[1] في المسند: «بالناقوس يجمع للصلاة الناس» .
[2] في المسند: «الله أكبر» ثلاث مرات.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من أ.
[4] «الفجر» . سقطت من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[6] «فكان بلال يؤذن بذلك» . غير موجود في المسند، والخبر في المسند 4/ 43.(3/78)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ قَالَ: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبرَنَا سُلَيْمَانُ الْقَارِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. قَالُوا [1] : كَانَ النَّاسُ فِي عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالآَذَانِ- يُنَادِي مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ. فَيَجْتَمِعَ النَّاسُ، فَلَمَّا صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ أمر بالآذان، وكأن رسول الله صلي الله عليه وسلم قَدْ أَهَمَّهُ أَمْرُ الآَذَانِ، وَأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَشْيَاءَ يَجْمَعُونَ بِهَا النَّاسَ لِلصَّلاةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْبُوقَ. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: النَّاقُوسُ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ بات [2] عبد الله بن زيد الخزرجي فأري فِي النَّوْمِ [أَنَّ] [3] رَجُلا عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ وَفِي يَدِهِ نَاقُوسٌ.
قَالَ: فَقُلْتُ: أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ فَقَالَ: مَاذَا تُرِيدُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: أُرِيدُ أَنْ أَبْتَاعَهُ لِكَيْ أَضْرِبَ/ بِهِ لِلصَّلاةِ لِجَمَاعَةِ النَّاسِ. قَالَ: أُحَدِّثُكُمْ بِخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ ذَلِكَ، تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ- فَذكر الآَذَانَ.
فَأَتَى عَبْدُ اللَّهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ: «قُمْ مَعَ بِلالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا قِيلَ لَكَ فَلْيُؤَذِّنْ بِذَلِكَ» فَفَعَلَ، وَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» . قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ [4] : فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ الآَذَانُ قَدْ وَقَعَ في السنة الثانية من
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 246، 247.
[2] في أ، وابن سعد: «إذ نام عبد الله» .
[3] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[4] في أ: «قال المصنف رضي الله عنه» .(3/79)
الْهِجَرْةِ، لأَنَّهُ ذكر ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ستة عشر شهرا
. [ذكر سراياه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ
سرية حمزة بن عبد المطلب:]
[1] وفي هذه السنة: عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عبد المطلب لواء أبيض- وهو أول لواء عقده- وكان [الذي] [2] يحمله أبو مرثد كناز بن الحصين حليف حمزة، وذلك في رمضان على رأس سبعة أشهر من مهاجره، وبعث معه ثلاثين رجلا من المهاجرين، ولم يبعث أحدا من الأنصار، وذلك أنهم شرطوا له أنهم يمنعونه في دارهم، فخرج حمزة ليعترض عيرا لقريش [3] ، فلقي حمزة أبا جهل في ثلاثمائة رجل، فالتقوا فاصطفوا للقتال، فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني، وكان حليفا للفريقين، فلم يقع قتال، ورجع أبو جهل إلى مكة وحمزة إلى المدينة
. [سرية عبيدة بن الحارث]
[4] ثم عقد في هذه السنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال على رأس ثمانية أشهر من مهاجره لواء أبيض لعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وأمره بالمسير إلى بطن رابغ، وكان لواؤه مع مسطح بن أثاثة، فخرج في ستين راكبا من المهاجرين، فالتقى بأبي سفيان على ماء، وكان بينهم الرمي ولم يسلوا السيوف، إلا أن سعد بن أبي وقاص رمى يومئذ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: إضافة من عندنا.
وانظر: المغازي للواقدي 1/ 9، 10، وطبقات ابن سعد 2/ 6، وتاريخ الطبري 2/ 402، وسيرة ابن هشام 1/ 595، والبداية والنهاية 3/ 234، ودلائل النبوة للبيهقي.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] في أ: «ليتعرض لعير قريش» .
[4] ما بين المعقوفتين: إضافة من عندنا.
وانظر: المغازي للواقدي 1/ 10، 11، وطبقات ابن سعد 2/ 7، وسيرة ابن هشام 1/ 591، وتاريخ الطبري 2/ 404، والبداية والنهاية 3/ 234، والإكتفاء 2/ 3، ودلائل النبوة للبيهقي.(3/80)
بسهم، فكان أول من رمى به في الإسلام. وانصرف الفريقان، وفر من المشركين [1] إلى المؤمنين- أو قال: المسلمين وهو الأصح- المقداد/، وعتبة بن غزوان، وكانا مسلمين، لكنهما خرجا ليتوصلا [2] بالكفار إلى المسلمين. هذا قول الواقدي.
وقال ابن إسحاق: إنما كانت هذه الغزاة في السنة الثانية
. [سرية سعد بن أبي وقاص:]
[3] بعث سعد بن أبي وقاص إلى الخزار [4] في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر من مهاجره، وعقد له لواء أبيض حمله المقداد بن عمرو، وبعثه في عشرين من المهاجرين يعترض عيرا لقريش، وعهد إليه أن لا يجاوز الخزار، وهي أبيات عن يسار الحجفة، حين تروح من الجحفة إلى مكة.
قال سعد [5] : فخرجنا على أقدامنا، فكنا نكمن النهار ونسير بالليل حتى صبحناها صبح خمس، فنجد العير قد مرت بالأمس، ثم انصرفنا
. ومما جرى في هذه السنة:
مَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ طاهر قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا عمر بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا علي بن محمد بن
__________
[1] في الأصل: وفد من المشركين، وفي أ،: «ففرض المشركين» . وما أوردناه من تاريخ الطبري 2/ 404.
[2] كذا في ابن هشام، وفي الطبري: «لكنهما خرجا يتوصلان» .
والمعنى: أنهما جعلا خروجهما مع الكفار وسيلة للوصول إلى المسلمين.
[3] العنوان غير موجود بالأصول.
وانظر: المغازي للواقدي 1/ 11، وطبقات ابن سعد 1/ 1/ 3، وسيرة ابن هشام 1/ 600، وتاريخ الطبري 2/ 403، والبداية والنهاية 3/ 234، والكامل 2/ 10، ودلائل النبوة للبيهقي.
[4] في المغازي بعدها: «والخرّار من الجحفة قريب من خمّ» .
وفي طبقات ابن سعد: «والخرار حين تروح من الجحفة إلى مكة أبار عن يسار المحجة قريب من خم» .
[5] طبقات ابن سعد 1/ 1/ 3.(3/81)
عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ:
كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ يُقَالُ لَهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ لَها تَابِعٌ مِنَ الْجِنِّ، فَكَانَ يَأْتِيهَا حِينَ هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْقَضَّ عَلَى الْحَائِطِ فَقَالَتْ: مَالَكَ لَمْ تَأْتِ كَمَا كنت؟ فقال:
قد جاء النبي الَّذِي حَرَّم الزِّنَا وَالْخَمْرَ [1] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
5- أسعد بن زرارة، أبو أمامة [2] :
خرج إلى مكة هو وذكوان بن عبد قيس يتنافران [3] إلى عتبة بن ربيعة، فسمعا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأتياه، فعرض عليهما الإسلام فأسلما، ولم يقربا عتبة ورجعا إلى المدينة، فكانا أول من قدم بالإسلام المدينة.
وكان أسعد أحد النقباء الاثني عشر، وهو الذي أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وقال: أيها الناس، هل تدرون على ما تبايعون/ محمدا؟ إنكم تبايعونه على أن تحاربوا العرب والعجم، والجن والإنس. فقالوا: نحن حرب لمن حارب، وسلم لمن سالم.
ولما خرج مصعب بن عُمَيْرٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ليهاجر معه كان أسعد يصلي بالناس الصلوات الخمس ويجمع بهم في موضع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مات أسعد بالذبحة قبل أن يفرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بناء مسجده، ودفن بالبقيع.
والأنصار يقولون: هو أول من دفن به. والمهاجرون يقولون: عثمان بن مظعون.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَالَّذِي حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ أَسْعَدُ [بْنُ زُرَارَةَ] [4] اجْتَمَعَتْ بنو النجار إلى رسول الله، وَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ نَقِيبُهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 167، وألوفا 177.
[2] انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 3/ 2/ 138، والبداية والنهاية 3/ 235، وسيرة ابن هشام 1/ 507، 508. وتاريخ الطبري 2/ 397، 398.
[3] في أ: «يتنافر» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(3/82)
اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ كَانَ مِنَّا بِحَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ، فَاجْعَلْ مِنَّا رَجُلا مَكَانَهُ يُقِيمُ مِنْ أُمُورِنَا مَا كَانَ يُقِيمُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتُمْ أَخْوَالِي وَأَنَا مِنْكُمْ، أَنَا نَقِيبُكُمْ» وَكَرِهَ أَنْ يَخُصَّ بِهَا بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ. فَكَانَ مِنْ فَضْلِ بَنِي النَّجَّارِ الَّذِي بَعْدَ قَوْمِهِمْ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نَقِيبُهُمْ [1] .
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ قَالَ: أنبأنا البرمكي قال: أخبرنا ابن حيوية قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قَالَ: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الرِّجَالِ قَالَ: مَاتَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ فِي شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَمَسْجُدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبْنَى، وَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ، فَجَاءَتْ بَنُو النَّجَّارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: قَدْ مَاتَ نَقِيبُنَا، فَنَقِّبْ عَلَيْنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا نَقِيبُكُمْ» [2]
. 6- البراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان [3] :
شهد العقبة، وكان أول من تكلم ليلة العقبة حين لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم السبعون من الأنصار فبايعوه وأخذ منهم النقباء، وكان هو أحد النقباء، فحمد الله، فقال: الحمد للَّه/ الذي أكرمنا بمحمد وحبانا به، وكنا أول من أجاب فأجبنا الله ورسوله، وسمعنا وأطعنا، يا معشر الأوس والخزرج، قد أكرمكم الله بدينه، فإن أخذتم السمع والطاعة والمؤازرة بالشكر، فأطيعوا الله ورسوله. ثم جلس، وقدم المدينة قبل أن يهاجر رسول الله، فتوفي قبل قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشهر، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق بأصحابه، فصلى على قبره، وقال: «اللَّهمّ اغفر له وارحمه وارض عنه» وقد فعلت.
وهو أول من مات من النقباء.
7- كلثوم بن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث [4] :
كان شريفا، كبير السن، أسلم قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلّم
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 398، وسيرة ابن هشام 1/ 507، 508.
[2] انظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 2/ 146) .
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 141.
[4] انظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 2/ 149.(3/83)
نزل عليه، ونزل عليه جماعة منهم: أبو عبيدة، والمقداد، وخباب في آخرين [1] .
وتوفي قبل [2] قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة بيسير، وكان رجلا صالحا
. [ذكر من توفي من المشركين]
[3] وفي هذه السنة مات من المشركين: العاص بن وائل السهمي، والوليد بن المغيرة.
أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن أَحْمَد السمرقندي قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن هبة الطبري قال:
أخبرنا أبو أعلى بن صفوان قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن محمد القرشي قال:
أخبرنا أبو كريب قال: أخبرنا محمد بن الصلت، عن ابن أبي زائدة، عن مجالد، عن الشعبي قال:
لما حضر الوليد بن المغيرة جزع، فقال له أبو جهل: يا عم، ما يجزعك؟ قال:
والله ما بي جزع من الموت، ولكني أخاف أن يظهر دين ابن أبي كبشة بمكة، فقال أبو سفيان: يا عم، لا تخف فأنا ضامن أن لا يظهر
. [ذكر ما جرى في السنة الثانية من الهجرة]
[4] ثم دخلت سنة اثنتين من الهجرة. فمن الحوادث فيها:
[زواج علي بن أبي طالب بفاطمة رضي الله عنهما]
[5] [أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه] [6] تزوج فاطمة رضي الله عنها في صفر لليال بقين منه، وبنى بها في ذي الحجة.
__________
[1] «وخباب في آخرين ... » حتى آخر الترجمة ساقطة من أ.
[2] في طبقات ابن سعد: «ثم لم يلبث كلثوم بن الهدم بَعْدَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم المدينة إلا يسيرا حتى توفي، وذلك قبل أن يَخْرُجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بدر بيسير، وكان غير مغموص عليه في إسلامه، وكان رجلا صالحا» .
[3] العنوان غير موجود بالأصل، وأضفناه من عندنا.
[4] ما بين المعقوفتين: عنوان مضاف من عندنا على نسق ما قبله
[5] ما بين المعقوفتين: مضاف من عندنا. وانظر (طبقات ابن سعد 8/ 11 (ط الشعب) .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(3/84)
وقد روي أنه تزوجها في رجب بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بخمسة أشهر، وبنى بها [بعد] [1] مرجعه من بدر [2] . والأول أصح.
وكانت فاطمة يوم بنى بها بنت/ ثمان عشرة سنة، وأهديت في بردين وعليها دملوجان من فضة، وكان معها حميلة ومرفقة من أدم حشوها ليف، ومنخل، وقدح، ورحى، وجرتان.
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيّ الجوهري قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو عمر بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قال: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سعد [3] قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُنْذِرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلْيَاءُ بْنُ أَحْمَرَ الْيَشْكُرِيُّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَطَبَ فَاطِمَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: «انْتَظِرْ بِهَا الْقَضَاءَ» فَجَاءَ عمر إلى أبي بكر وأخبره، فَقَالَ: للَّه دَرُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ. ثُمَّ إِنَّ أَبَا بْكَرٍ قَالَ لِعُمَرَ: اخْطِبْ فَاطِمَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَطَبَهَا فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: «انْتَظِرْ بِهَا الْقَضَاءَ» فَجَاءَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: للَّه دَرُّكَ يَا عُمَرُ. ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ عَلِيٍّ قَالُوا لِعَلِيٍّ: اخْطِبْ فَاطِمَةَ إلى رسول الله. فَقَالَ: بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟! فَذَكَرُوا لَهُ قَرَابَتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَطَبَهَا فَزَوَّجَهُ [4] النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، فباع عليّ بعيرا له وبعض متاعه، فبلغ أربعمائة وَثَمَانِينَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«اجعل ثلاثين فِي الطِّيبِ وَثُلُثًا فِي الْمَتَاعِ» [5] . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [6] : وَأَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: خَطَبَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عَلِيًّا يَذْكُرُكِ» فَسَكَتَتْ، فَزَوَّجَهَا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[2] «من» : ساقطة من أ.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 11، 12 (ط الشعب)
[4] في الأصل: «فزوجها» . والتصحيح من ابن سعد.
[5] في الأصول: «ثلاثين في الطيب وثلاثين في المتاع» . وما أوردناه عن ابن سعد 8/ 12.
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 12. (ط الشعب) .(3/85)
قَالَ [1] : وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ.
أَنَّ عَلِيًّا خَطَبَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَصْدُقُهَا؟» قَالَ: مَا عِنْدِي مَا أَصْدُقُهَا. قَالَ: «فَأَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ؟» [2] قَالَ: عِنْدِي. قَالَ: «أَصْدُقْهَا إِيَّاهَا وَتَزَوَّجْهَا» [3] .
قَالَ [4] : وَأَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ سَعِيدٍ النَّهْدِيُّ [5] قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ سليط ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ [6] : / أَتَى عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا حَاجَةُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ؟» قَالَ: ذَكَرْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ. قَالَ: «مَرْحَبًا وَأَهْلا» لَمْ يَزِدْهُ عليها.
فخرج عليّ عَلَى رِجَالٍ مِنَ الأَنْصَارِ [7] فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ لِي مَرْحَبًا وَأَهْلا. قَالَ: يَكْفِيكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَاهُمَا، أَعْطَاكَ الأَهْلَ وَأَعْطَاكَ الْمَرْحَبَ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَنْ زَوَّجَهُ [8] قَالَ: يَا عَلِيُّ إِنَّهُ لا بُدَّ لِلْعَرُوسِ مِنْ وَلِيمَةٍ. فَقَالَ سَعْدٌ:
عِنْدِي كَبْشَانِ [9] . وَجَمَعَ لَهُ رَهْطٌ مِنَ الأَنْصَارِ آَصُعًا [10] مِنْ ذُرَةٍ، فلما كان ليلة البناء،
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 12 (ط الشعب) .
[2] بعدها في ابن سعد: « ... التي كنت منحتك» .
[3] في ابن سعد: «قال: أصدقها إياها. قال: فأصدقها وتزوجها» .
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 12، 13 (ط الشعب) .
[5] كذا في الأصل، وفي الطبقات: «مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي» .
[6] في ابن سعد: «عن أبيه قال: قال نفر من الأنصار لعلي: عندك فاطمة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ... » .
[7] في أ: «فخرج على نفر من الأنصار» . وفي ابن سعد: «فخرج عليّ على أولئك الرهط من الأنصار ينتظرونه» .
[8] في ابن سعد: «فلما كان بعد ما زوجه» .
[9] كذا في الأصول. وفي ابن سعد: «كبش» .
[10] في الأصول: «أصوعا» .(3/86)
قَالَ: «لا تُحْدِثْ شَيْئًا حَتَّى تَلْقَانِي» . فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ فتوضأ فيه، ثم أفرغه على [عَلَيَّ] [1] ثُمَّ قَالَ: «اللَّهمّ بَارِكْ فِيهِمَا، وَبَارِكْ عَلَيْهِمَا، وَبَارِكْ لَهُمَا فِي نَسْلِهِمَا» . قَالَ [2] : وَأَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَن مُجَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لقد تزوجت فاطمة وما لي وَلَهَا فِرَاشٌ غَيْرَ جِلْدِ كَبْشٍ، نَنَامُ عَلَيْهِ بالليل، ونعلف عليه الناضح بالنهار، وما لي وَلَهَا خَادِمٌ غَيْرَهَا. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [3] : وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ شِبْلٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَبِي أَيُّوبَ [4] ، فَلَمَّا تَزَوَّجَ [عَلِيٌّ] [5] بِفَاطِمَةَ قَالَ لِعَلِيٍّ: اطْلُبْ مَنْزِلا. فَطَلَبَ عَلِيٌّ مَنْزِلا فَأَصَابَهُ مُسْتَأْخِرًا عن رسول الله قليلا، فبنى بها فيه، فجاء النبي صلّى الله عليه وسلّم إِلَيْهِمَا فَقَالَ: «إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحَوِّلَكَ إِلَيَّ» فَقَالَ [6] : يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَلِّمْ حَارِثَةَ بْنَ النُّعْمَانِ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنِّي [7] . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [قَدْ] تَحَوَّلَ حَارِثَةُ عنا [8] حتى قد استحييت [منه] » [9] فبلغ ذلك حارثة فَتَحَوَّلَ، وَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَوِّلُ فَاطِمَةَ إِلَيْكَ، وَهَذِهِ مَنَازِلِي [وَهِيَ أَسْقَبُ بُيُوتِ بَنِي النَّجَّارِ بِكَ] [10] ، وَإِنَّمَا أنا وَمَالِي للَّه وَلِرَسُولِهِ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ [المال] [11] الّذي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 13 (ط الشعب) .
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 14 (ط الشعب) .
[4] بعدها في الطبقات: « ... سنة أو نحوها» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناها من ابن سعد 8/ 14.
[6] في ابن سعد: «فقالت لرسول الله: فكلم» .
[7] في الأصل: «كلم حارثة بن النعمان أن يتحول علي» .
[8] في الأصل: «يحول حارثة عنا» . وما أوردناه من أ، بالموافقة مع ابن سعد.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.(3/87)
تَأْخُذُ [مِنِّي] [1] أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي تَدَعُ، فَقَالَ: «صَدَقْتَ، بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ» فَحَوَّلَهَا [2] رَسُولُ الله/ إِلَى بَيْتِ حَارِثَةَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طاهر البزار قَالَ: أخبرنا ابن حيويه قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سعد قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَبَّابُ بْنُ مُوسَى الْعَبْدِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
بِتْنَا لَيْلَةً بِغَيْرِ عَشَاءٍ، فَأَصْبَحْتُ فَخَرَجْتُ، ثُمَّ رَجِعْتُ إِلَى فَاطِمَةَ وَهِيَ مَحْزُونَةٌ، فَقُلْتُ: مَالَكِ؟ قَالَتْ: لَمْ نَتَعَشَّ الْبَارِحَةَ، وَلَمْ نَتَغَدَّ الْيَوْمَ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا عَشَاءٌ، فَخَرَجْتُ فَالْتَمَسْتُ فَأَصَبْتُ مَا اشْتَرَيْتُ طَعَامًا [وَلَحْمًا] [3] ، ثُمَّ أَتَيْتُهَا بِهِ، فَخَبَزَتْ وَطَحَنَتْ، فَلَمَّا فَرَغَتْ مِنْ إِنْضَاجِ الْقِدْرِ قَالَتْ: لَوْ أَتَيْتَ أَبِي فَدَعَوْتَهُ. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَقُولُ: «أَعُوذُ باللَّه مِنَ الْجُوعِ ضَجِيعًا» . قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدَنَا طَعَامٌ، فَهَلُمَّ. فَتَوَكَّأَ عَلَيَّ حَتَّى دَخَلَ وَالْقِدْرُ تَفُورُ، فَقَالَ: «اغْرُفِي لِعَائِشَةَ» فَغَرَفَتْ فِي صَحْفَةٍ، ثُمَّ قَالَ: «اغْرُفِي لِحَفْصَةَ» فَغَرَفَتْ فِي صَحْفَةٍ، حَتَّى غَرَفَتْ لِجَمِيعِ نِسَائِهِ التِّسْعِ، ثُمَّ قَالَ: «اغْرُفِي لابْنِكِ وَزَوْجِكِ» فَغَرَفَتْ، ثُمَّ رَفَعَتِ الْقِدْرَ وَإِنَّهَا لَتَفِيضُ، فَأَكَلْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ
. [غزوة الأبواء]
[4] وفي هذه السنة كانت غزاة الأبواء.
قال مؤلف الكتاب [5] : وهي أول غزاة غزاها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بنفسه، واستخلف
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[2] في أ: «فحوله» . وفي الطبقات: «فحولها» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] العنوان غير موجود بالأصول.
وانظر: المغازي للواقدي 1/ 11، 12، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 3، 4، وتاريخ الطبري 2/ 407، وسيرة ابن هشام 1/ 598، والبداية والنهاية 3/ 246، والإكتفاء 2/ 8، ودلائل النبوة.
[5] نقل المصنف قوله هذا من طبقات ابن سعد باختلاف يسير.(3/88)
على المدينة سعد بن عبادة، وخرج في المهاجرين فقط حتى بلغ «الأبواء» ، يعترض لعير قريش حتى بلغ «ودان» - ولذلك يقال لها أيضا غزاة «ودان» - ولم يلق كيدا، فوداع مخشي بن عمرو الضمري- وهو سيد بني ضمرة- على أن لا يغزو بني ضمرة ولا يغزوه، ولا يعينوا عليه، فكتب بذلك بينهم وبينه كتابا- وضمرة من بني كنانة- ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت غيبته خمس عشرة ليلة
. [غزاة بواط]
[1] وفيها كانت غزاة بواط.
خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم/ في شهر ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا من الهجرة، وحمل لواءه سعد بن معاذ، وخرج في مائتين من الصحابة يعترض عير قريش، وكان فيها أمية بن خلف ومائة رجل من قريش وألفان وخمسمائة بعير، فبلغ «بواط» [2]- وهي جبال «جهينة» من ناحية «رضوى» وهو قريب من «ذي خشب» مما يلي طريق الشام، وبين «بواط» و «المدينة» نحو من أربعة برد- فلم يلق كيدا، فرجع إلى المدينة [3]
. [غزوة طلب كرز بن جابر الفهري]
[4] فلم يمض إلا ليال حتى أغار كرز بن رجاء الفهري على سرح [5] المدينة، فخرج
__________
[1] العنوان: إضافة من عندنا.
وانظر: المغازي للواقدي 1/ 12، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 3، 4 وتاريخ الطبري 3/ 407، وسيرة ابن هشام 1/ 598، والبداية والنهاية 3/ 246، والاكتفاء 2/ 8، ودلائل النبوة
[2] في الأصل: «فبلغ بواطا» .
[3] نقل المصنف هذه الغزوة بأكملها بالنص من ابن سعد.
[4] العنوان إضافة من عندنا، وقد سقط ذكر هذه الغزوة من أ.
انظر: المغازي للواقدي 1/ 12، وسماها غزوة بدر الأولى، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 4، وتاريخ الطبري 2/ 407، وسيرة ابن هشام 1/ 601، وسماها غزوة صفوان وهي غزوة بدر الأولى، والاكتفاء 2/ 9، ودلائل النبوة للبيهقي 3/ 8.
[5] السرح: المال السارح، ولا يسمى من الأموال سرحا: إلا ما يغدى به ويراح، أي الإبل والمواشي التي تسرح للرعي بالغداة.(3/89)
رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه، واستخلف زيد بن حارثة على المدينة، ومضى حتى بلغ «سفوان» وهو واد، وفاته كرز، فرجع إلى المدينة.
وفيها: ولد النعمان بن بشير بعد الهجرة بأربعة عشر شهرا في ربيع الآخر
. [غزاة ذي العشيرة]
[1] وفي هذه السنة كانت غزاة ذي العشيرة في جمادى الآخرة على رأس ستة عشر شهرا من الهجرة، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خمسين ومائة راكب- وقيل: في مائتين- من المهاجرين، ولم يكره أحدا على الخروج، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، ومضى يعترض لعير قريش، وكانوا قد بعثوا فيها أموالهم، فبلغ «ذا العشيرة» - وهي لبني مدلج [2] بناحية «ينبع» ، وبينها وبين المدينة تسعة برد، ففاتته العير، وهي العير التي رجعت من الشام، فخرج لطلبها، وخرجت قريش تمنعها، فكانت وقعة «بدر» ، وبذي العشيرة كنى عليا: أبا تراب، لأنه رآه نائما على التراب فقال: «اجلس أبا تراب» . وقد روي أن ذلك كان بالمدينة، رآه نائما في المسجد على التراب [3] .
وفي غزاة [ذي] [4] العشيرة وادع مدلج [5] وحلفاءهم من بني ضمرة، ثم رجع ولم يلق كيدا.
__________
[1] العنوان إضافة من عندنا.
وانظر: المغازي للواقدي 1/ 12، 13، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 4، 5، وتاريخ الطبري 2/ 408، وسيرة ابن هشام 1/ 598، والبداية والنهاية 3/ 246، والإكتفاء 2/ 8، 9، ودلائل 3/ 8.
[2] في الأصل: «مدحج» .
[3] قال السهيليّ: «وأصح من ذلك ما رواه البخاري في جامعه، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجده في المسجد نائما وقد ترب جنبه، فجعل يحث التراب عن جبينه ويقول: قم أبا تراب، وكان قد خرج إلى المسجد مغاضبا لفاطمة. وما ذكره ابن إسحاق هو أنه صلّى الله عليه وسلّم كناه بذلك في الغزوة مخالف له، إلا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم كناه بها مرتين: مرة في المسجد، ومرة في هذه الغزوة» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «مدحج» .(3/90)
[سرية عبد الله بن جحش الأسدي]
[1] وفي هذه السنة كانت سرية عبد الله بن جحش الأسدي إلى نخلة، في رجب على رأس سبعة عشر شهرا/ من الهجرة، بعثه في اثني عشر رجلا من المهاجرين [2] ، كل اثنين يعتقبان بعيرا إلى بطن نخلة [3] ، وأمره أن يرصد بها عير قريش، فوردت عليه، فهابهم أهل العير، فحلق عكاشة بن محصن رأسه، فاطمأن القوم، وقالوا: هم عمار، وشكوا في ذلك اليوم، هل هو من الشهر الحرام أم لا؟ ثم قاتلوهم فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي فقتله، وشد المسلمون عليهم، [فاستأسر عثمان بن عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان، وأعجزهم نوفل بن عبد الله بن المغيرة] [4] ، واستاقوا العير، [وكان فيها خمر وأدم وزبيب جاءوا به من الطائف، فقدموا بذلك كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقفه وحبس الأسيرين، وكان الّذي أسر الحكم بن كيسان المقداد بن عمرو، فدعاه رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى الإسلام فأسلم وقتل ببئر معونة شهيدا.
وكان سعد بن أبي وقاص زميل عتبة بن غزوان على بعير لعتبة في هذه السرية، فضل البعير بحران- وهي ناحية معدن بني سليم- فأقاما عليه يومين يبغيانه، ومضى أصحابهم إلى نخلة فلم يشهدها سعد وعتبة، وقدما المدينة بعدهم بأيام.
__________
[1] العنوان مضاف من عندنا.
وانظر: المغازي للواقدي 1/ 13- 19، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 5، وتاريخ الطبري 2/ 410، وسيرة ابن هشام 1/ 601، والبداية والنهاية 3/ 248، والإكتفاء 2/ 9، ودلائل النبوة 3/ 17، والدرر لابن عبد البر 99، والنويري 17/ 6.
[2] هذا قول ابن سعد، وقال الواقدي 1/ 19: «ويقال كانوا اثني عشر، ويقال كانوا ثلاثة عشر، والثابت عندنا ثمانية» . وذكرهم، وهم: «عبد الله بن جحش، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وعامر بن ربيعة، وواقد بن عبد التميمي، وعكاشة بن محصن، وخالد بن أبي البكير، وسعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان» .
وقال الطبري عن ابن إسحاق أنهم كانوا ثمانية، ثم قال: وأما الواقدي فإنه زعم أنهم اثنا عشر رجلا من المهاجرين.
وذكرهم ابن هشام في السيرة كما ذكرهم الواقدي، وزاد: «سهيل بن بيضاء» .
[3] في ابن سعد 2/ 1/ 5: «وهو بستان ابن عامر الّذي قرب مكة» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.(3/91)
ويقال: إن عبد الله بن جحش لما رجع من نخلة خمس ما غنم، وقسم بين أصحابه سائر الغنائم، فكان أول خمس خمس في الإسلام.
ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم وقف غنائم نخلة حتى رجع من بدر، فقسمها مع غنائم بدر، وأعطى كل قوم حقهم.
وفي هذه السرية سمى عبد الله بن جحش أمير المؤمنين] [1] .
وقال عروة [2] : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن جحش كتابا، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه، ويمضي ولا يستكره أحدا من أصحابه فلما سار يومين نظر فيه، فإذا فِيهِ: «وإذا نظرت في كتابي هذا، فسر حتى تنزل بطن نخلة، فترصد بها قريشا [وتعلم لنا من أخبارهم] [3] » وأخبر أصحابه، فمضوا معه، ولم يتخلف منهم أحد، فنزل نخلة، فمرت بهم [4] عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة [من تجارة قريش] [5] فيها [منهم] [6] عمرو بن الحضرمي [7] ، وعثمان بن عَبْد اللَّه بن المغيرة، وأخوه نوفل، والحكم بن كيسان، فتشاور القوم فيهم، وذلك في آخر يوم من رجب.
وفي رواية عن جندب بن عبد الله قال [8] : لم يدروا ذلك اليوم من رجب أو جمادى الآخرة.
ثم اجمعوا [9] على الإقدام عليهم، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ.
وإلى هنا انتهى ما في الطبقات، ومن هنا إلى آخر خبر الغزوة ساقط من أ.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 410، وابن هشام 1/ 604، وتفسير الطبري 4/ 302- 305.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من تاريخ الطبري 2/ 411.
[4] في الطبري: «فمرت به» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل. وأوردناها من تاريخ الطبري.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من تاريخ الطبري.
[7] قال ابن هشام: «واسم الحضرميّ عبد الله بن عباد، أحد الصدف، واسم الصدف عمرو بن مالك، أحد السكون بن المغيرة بن أشرس بن كندة، ويقال الكندي» .
[8] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 415، وتفسير الطبري 4/ 306، 307.
[9] هنا رجع الحديث لعروة.(3/92)
الحضرمي [بسهم] [1] فقتله واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم، وأفلت نوفل، وقدموا بالأسيرين والعير على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام» فسقط في أيديهم، وعنفهم المسلمون، وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام. فأنزل الله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ ... 2: 217 [2] الآية.
[تحويل القبلة إلى الكعبة] [3]
ومن الحوادث في هذه السنة: تحويل القبلة إلى الكعبة.
قال محمد بن حبيب الهاشمي: حولت في الظهر يوم الثلاثاء للنصف من شعبان.
زَارَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة/ فتغدى وأصحابه وجاءت الظهر، فصلى بأصحابه في مجلس القبلتين بركعتين من الظهر إلى الشام، ثم أمر أن يستقبل القبلة وهو راكع في الركعة الثانية، فاستدار إلى الكعبة ودارت الصفوف خلفه، ثم أتموا الصلاة، فسمي مسجد القبلتين.
قَالَ الواقدي [4] : كان هذا يوم الاثنين للنصف من رجب، على رأس سبعة عشر شهرا.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال:
أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أو سبعة عشر شهرا،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[2] سورة: البقرة، الآية: 217.
[3] العنوان مضاف من عندنا.
وانظر: طبقات ابن سعد 1/ 2/ 3 (ط- الشعب) ، وتاريخ الطبري 2/ 415، وسيرة ابن هشام 1/ 606، والبداية والنهاية 3/ 252، ودلائل النبوة للبيهقي 2/ 571.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 4.(3/93)
وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ [1] مِمَّنْ كَانَ [صَلَّى] [2] مَعَهُ [فَمَرَّ] [3] عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ: أَشْهَدُ باللَّه لَقَدْ صَلَّيْتُ مع [4] رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل مكّة، فداروا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ [5] . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ حُوِّلَ إِلَى الْكَعْبَةِ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ. وروى السدي عن أشياخه: أن القبلة حولت على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجره.
وكذلك قال ابن إسحاق، والواقدي، والجمهور [6]
. [بناء مسجد قباء] [7]
ومن الحوادث: بناء مسجد قباء.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ قال:
أخبرنا ابن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْنُ مَعْرُوفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أسامة قَالَ:
حدثنا محمد بن سعد قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. / قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَلْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ الْمُسْتَوْرِدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بن حارثة. عن أبي غزيّة.
__________
[1] في أ: «فخرج قوم ممن» . وما أوردناه من الأصل وابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من طبقات ابن سعد.
[4] في أ: «أشهد باللَّه لصليت مع» .
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 2/ 4 (ط الشعب) .
[6] راجع تاريخ الطبري 2/ 416.
[7] العنوان إضافة من عندنا.
وانظر طبقات ابن سعد 1/ 2/ 5.(3/94)
قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَ قُبَاءَ فَقَدَّمَ جِدَارَ الْمَسْجِدِ إِلَى مَوْضِعِه الْيَوْمَ. وَأَسَّسَهُ بِيَدِهِ، وَنَقَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ الْحِجَارَةَ لِبِنَائِهِ، وَكَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا، وَقَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ جَاءَ مَسْجِدَ قُبَاءَ فصلى فِيهِ كَانَ لَهُ أَجْرُ عُمْرَةَ» . وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْتِيهِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ ويوم الخميس، وقال: لو كان بطرف من الأَطْرَافِ لَضَرَبْنَا إِلَيْهِ أَكْبَادَ الإِبِلِ.
وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ يَقُولُ: هُوَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى.
وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَغَيْرُهُ من أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1]
. [نزول فريضة رمضان وزكاة الفطرة]
[2] ومن الحوادث: نزول فريضة رمضان في شعبان من هذه السنة، والأمر بزكاة الفطر.
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي طاهر قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عمر بْن حيويه قَالَ: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ [3] ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمر.
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 2/ 5، 6.
[2] العنوان مضاف من عندنا.
وانظر: طبقات ابن سعد 1/ 2/ 8، 9، وتاريخ الطبري 2/ 417، والبداية والنهاية 3/ 254.
[3] في الأصل: «عبد الله بن عمر، وساقطة من أ، وما أثبتناه من ابن سعد.(3/95)
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ ربيح بن عبد الرحمن، عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيه، عَنْ جَدِّهِ، قالوا:
نزل فرض شهر رمضان بعد ما صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ بِشَهْرٍ، فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهَرًا مِنْ مُهَاجِرِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هَذِهِ السَّنَةِ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الزَّكَاةُ فِي الأَمْوَالِ، وَأَنَّ تُخْرَجَ عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ، / وَالذكر وَالأُنْثَى: صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ مُدَّانِ [مِنْ] [1] بُرٍّ، وَكَانَ يَخْطُبُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ فَيَأْمُرُ بِإْخِرَاجِهَا قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى [2] .
ومن الحوادث: أنه خرج صلى الله عليه وسلم يوم العيد، فصلى بالناس صلاة العيد، وحملت بين يديه العنزة [3] إلى المصلى، فصلى إليها، وكانت هذه الحربة للنجاشي، فوهبها للزبير بن العوام، وكانت تحمل بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في الأعياد [4] .
وفي هذه السنة: ولد عبد الله بن الزبير بن العوام بعد الهجرة بعشرين شهرا، وهو أول مولود ولد من المهاجرين بالمدينة، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المسلمون قد تحدثوا بينهم أن اليهود قد سحرتهم، فلا يولد لهم، وكان تكبيره [صلى الله عليه وسلم] سرورا بذلك.
وقيل: إن أسماء بنت أبي بكر هاجرت إلى المدينة وهي حامل به.
__________
[1] في الأصل: «أو مدّ من بر» ، وفي أ: «أو مدين من بر» . وما أثبتناه من ابن سعد.
[2] في الأصل: «يغدوا إلى المصلى» ، والتصحيح من ابن سعد والخبر في طبقات ابن سعد 1/ 2/ 8، 9.
[3] في شرح مواهب القسطلاني للزرقاني 3/ 437: «العنزة، بفتح المهملة والنون والزاي، قال الحافظ:
عصا أقصر من الرمح يقال لها سنان، وقيل: هي الحربة القصيرة، وفي رواية: عصا عليها زج. وفي طبقات ابن سعد أن النجاشي أهداها للنّبيّ صلّى الله عليه وسلم ... ، وروى أنها للزبير أخذها من مشرك يوم أحد. ونقل عن ابن سيد الناس أن الزبير قدم بها من الحبشة» .
[4] انظر: تاريخ الطبري 2/ 418.(3/96)
[غزوة بدر]
[1] ومن الحوادث في هذه السنة: غزاة بدر، وكانت في صبيحة سبعة عشر يوما من رمضان يوم الجمعة. وقيل: تسعة عشر. والأول أصح.
قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا ابْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن معروف قَالَ: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أَخْبَرَنَا زكريا، عن عامر:
أن بدرا إنما كانت لرجل يدعى بدرا، يعني: بئرا.
قال: وقال الواقدي وأصحابنا من أهل المدينة ومن يروي السيرة يقولون: بدر اسم الموضع [2] .
وكان الذي هاج هذه الوقعة وغيرها من الحروب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين قتل عمرو بن الحضرمي. فتحين رسول الله صلى الله عليه وسلم انصراف العير التي طلبها بذي العشيرة، فبعث طلحة، وسعيد بن زيد يتحسسان خبرها، فلما رجعا وجدا النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج، وكان قد ندب أصحابه وأخبرهم بما مع أبي سفيان من المال مع قلة عدده [3] / فخرج أقوام منهم لطلب الغنيمة، وقعد أخرون لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا فلم يلمهم، لأنه لم يخرج لقتال، وكان خروجه يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان- وقيل لثلاث خلون من رمضان- على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة، واستخلف على المدينة عمرو بن أم مكتوم، وخرجت معه الأنصار ولم يكن غزا بأحد منهم قبلها، وضرب عسكره ببئر أبي عتبة [4] على ميل من المدينة يعرض أصحابه، وردّ من
__________
[1] العنوان مضاف من عندنا.
وانظر المغازي 1/ 19، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 6 (ط الشعب) ، تاريخ الطبري 2/ 421، سيرة ابن هشام 1/ 606، والبداية والنهاية 3/ 256، والاكتفاء 2/ 14، والكامل لابن الأثير 2/ 14، ودلائل النبوة 3/ 25،
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 27 (بيروت) .
[3] في أ: «مع قلة عدوه» .
[4] في ابن سعد 2/ 12: «أبي عنبة» .(3/97)
استصغر، وخلف عثمان على رقية وكانت مريضة، وبعث طلحة وسعيدا على ما ذكر، فقدما وقد فاتت بدر، وخلف أبا لبابة بن عبد المنذر على المدينة، وعاصم بن عدي على أهل العالية، والحارث بن حاطب رده من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم، والحارث بن الصمة كسر بالروحاء. وخوات بن جبير كسر أيضا، وكل هؤلاء ضرب له سهمه وأجره، وكانت الإبل معه سبعين، يتعاقب النفير على البعير، وكانت الخيل فرسين: فرس للمقداد، وفرس لمرثد بن أبي مرثد. وفي رواية: وفرس للزبير.
وَقَدْ رَوَى زِرٌّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ [1] : كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ كُلُّ ثَلاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ، وَكَانَ أَبُو لُبَابَةَ وَعَلِيٌّ زَمِيلَيَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالا: ارْكَبْ حَتَّى نَمْشِي عَنْكَ. فَيَقُولُ: «مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي عَلَى الْمَشْيِ، وَمَا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الأَجْرِ مِنْكُمَا» . قال العلماء: وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عينين له إلى المشركين: بسبس بن عمرو، وعدي بن أبي الزغباء. وجعل على الساقة: قيس بن أبي صعصعة، فلما بلغ أبا سفيان خروج رسول الله ليأخذ ما معه استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري، فبعثه إلى مكة ليستنفر قريشا لأجل أموالهم، فخرج ضمضم سريعا.
وكانت [2] عاتكة بنت عبد المطلب قد رأت قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها، فأخبرت بها أخاها العباس/ وأمرته أن يكتم ذلك. قالت: رأيت راكبا على بعير له حتى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته: أن انفروا يا أهل غدر [3] لمصارعكم في ثلاث. فاجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه، فبينا هم حوله [4] مثل به بعيره [5] على ظهر الكعبة يصرخ [6] بأعلى صوته: انفروا يا أهل غدر [7]
__________
[1] البداية والنهاية 3/ 261.
[2] تاريخ الطبري 2/ 428، والبداية والنهاية 3/ 257
[3] «غدر» ساقطة من أ.
[4] «حوله» ساقطة من أ.
[5] «بعيره» ساقطة من أ.
[6] «يصرخ» ساقطة من أ.
[7] «غدر» ساقطة من أ.(3/98)
لمصارعكم في ثلاث، ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس، فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأرسلها، فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت، فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا دخلت منها فلقة.
فقال لها العباس: اكتميها. ثم لقي الوليد بن عتبة- وكان صديقا له- فذكرها له واستكتمه، فذكرها الوليد لأبيه عتبة، ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش.
فقال العباس: فلقيني أبو جهل فقال: يا أبا الفضل، متى حدثت فيكم هذه النبية؟
قلت: وما ذاك؟ قال: الرؤيا التي رأت عاتكة. قلت: وما رأت؟ قال: يا بني عبد المطلب، أما رضيتم أن تتنبى رجالكم حتى تتنبى نساؤكم؟! وقد زعمت عاتكة أنه قال: انفروا في ثلاث فنتربص بكم هذه الثلاث، فإن يكن ما قالت حقا فسيكون، وإن مضى الثلاث، ولم يكن من ذلك شيء فنكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب.
قال العباس: فجحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا، ثم تفرقنا، فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقالت: أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم، ثم قد تناول النساء وأنت تسمع، ثم لم يكن عندك غيرة لما قد سمعت؟
فقلت: قد والله فعلت ذَلكَ، وأيم الله لأتعرضن له، فإن عاد لأكفيتكموه.
قال: فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة، وأنا مغضب أرى أن قد فاتني منه أمر أحبّ أن أدركه، فدخلت المسجد فرأيته، فو الله إني لأمشي نحوه أتعرض له ليعود لبعض ما قال، فأقع فيه، إذ خرج نحو باب المسجد/ يشتد، فقلت في نفسي: ما له لعنه الله؟ أكل هذا فرقا من أن أشاتمه، وإذا هو قد سمع ما لم أسمع: صوت ضمضم بن عمرو الغفاري وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره قد جدع بعيره، وشق قميصه، وهو يقول: يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد وأصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث.
قال: فشغلني عنه، وشغله عني ما جاء من الأمر، فتجهز الناس سراعا وقالوا:
يظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟ كلا والله ليعلمن غير ذلك.
وكانوا بين رجلين: إما خارج، وإما باعث مكانه رجلا، وأوعبت قريش ولم(3/99)
يتخلف من أشرافها أحد، إلا أن أبا لهب بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة، وكان أمية بن خلف شيخا ثقيلا فأجمع القعود، فأتاه عقبة بن أبي معيط بمجمرة فيها نار، فوضعها بين يديه، ثم قال له: استجمر فإنما أنت من النساء، قال: قبحك الله وقبح ما جئت بِهِ. ثم تجهز وخرج [مع] [1] الناس، فلما أجمعوا السير ذكروا ما بينهم وبين كنانة، فقالوا: نخشى أن يأتونا من خلفنا. فتبدى لهم إبليس في صورة مالك بن جعشم، وكان من أشراف كنانة، فخرجوا سراعا معهم القيان والدفوف، وكانوا تسعمائة وخمسين مقاتلا، وكانت خيلهم مائة فرس.
وَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر فقال فأحسن، ثم قام عمر فقال فأحسن، ثم قام المقداد فقال: امض يا رسول الله لما أمرك الله، فنحن معك، والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ 5: 24 [2] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فو الّذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى «برك الغماد» - يعني مدينة الحبشة- لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خيرا.
قال ابن إسحاق: ثُمَّ قَالَ/ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أيها الناس، أشيروا علي» وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم قالوا حين بايعوه بالعقبة: إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا، نمنعك مما نمنع به نساءنا وأبناءنا.
وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو، فلما قال ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله. قال: «أجل» قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك عهودنا على السمع والطاعة، فامض لما أردت، فو الّذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله تعالى.
فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقول سعد ونشطه ذلك، ثم قال: «سيروا على بركة الله،
__________
[1] في الأصل: من.
[2] سورة المائدة، آية: 24.(3/100)
وأبشروا فإن الله عز وجل قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم» .
ثم سار حتى نزل قريبا من بدر، فنزل هو ورجل من أصحابه حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم؟ فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أخبرتنا أخبرناك» فقال:
وذاك بذاك؟ فقال: «نعم» . قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدقني الذي أخبرني فهو اليوم بمكان كذا وكذا- للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم- وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي حدثني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا- للمكان الذي به قريش- فلما خبره قال: ممن أنتما؟ فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نحن من ماء» وانصرف. قال مؤلف الكتاب: أوهمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من العراق، / وكان العراق يسمى:
ماء، وإنما أراد بِهِ: خلق من نطفة ماء.
قال ابن إسحاق: ثم رجع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أصحابه، فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون لَهُ الخبر، فأصابوا راوية لقريش فيها: أسلم غلام [بني] [1] الحجاج، وعرباص أبو سيار غلام [بني] [2] العاص بن سَعِيد، فأتوا بهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قائم يصلي فسألوهما، فقالوا: نحن سقاة قريش، بعثوا بنا لنسقيهم من الماء. فرجا القوم أن يكونا [3] لأبي سفيان، فضربوهما، فقالا: نحن لأبي سُفْيَان فتركوهما، فلما قضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاته قال: «إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا والله إنهما لقريش، أخبراني: أين قريش؟» قالوا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى، والكثيب العقنقل. قال: «كم القوم؟» قالا: كثير. قال: «كم عدتهم؟» قالا: لا ندري. قال: «كم ينحرون؟» قالا: يوما تسعا ويوما عشرا. قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل ابن.
[3] في الأصل: «أن يكونوا» .(3/101)
«القوم ما بين التسعمائة إلى الألف» قال: «فمن منهم من أشراف قريش؟» قالا: عتبة، وشيبة، وأبو البختري، وحكيم بن حزام، والحارث بن عامر، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث، وزمعة بْن الأسود، وأبو جهل، وأمية بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبد ود. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي الناس فقال:
«هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها» . وأما أبو سفيان [1] فإنه أسرع بالعير على طريق الساحل، وأقبلت قريش، فلما نزلوا الجحفة رَأَى جهم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رؤيا فقال: إني رأيت فيما يرى النائم، أو أني بين النائم [2] واليقظان، إذ نظرت إلى رجل أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له، ثم قال: قتل عتبة، وشيبة، وأبو الحكم بن هشام، وأمية، وفلان وفلان- فعد رجالا ممن قتل يومئذ من أشراف قريش- ورأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا/ أصابه نضح من دمه.
قال: فبلغت أبا جهل، فقال: وهذا [أيضا] [3] نبي آخر من بني عبد المطلب، سيعلم غدا من المقتول إن نحن التقينا.
ولما رأى أبو سفيان [أنه] [4] قد أحرز عيره أرسل إلى قريش: أنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم، وقد نجاها الله فارجعوا. فقال أبو جهل بن هشام: والله لا نرجع حتى نرد بدرا- وكان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام- فنقيم عليه ثلاثا، وننحر [5] الجزور، ونطعم الطعام، ونسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدا، فامضوا.
فقال الأخنس بن شريق: يا بني زهرة، قد نجا الله أموالكم فارجعوا ولا تسمعوا ما يقول هذا فرجعوا ولم يشهدها زهري.
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 439، والبداية والنهاية 3/ 265، 266.
[2] في أ: «وكأني بين النائم واليقظان» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «وننحرر» .(3/102)
وبلغ أبا سفيان قول أبي جهل فقال: وا قوماه، هذا عمل عمرو بن هشام- يعني أبا جهل- ثم لحق المشركين، فمضى معهم فجرح يوم بدر جراحات [1] ، وأفلت هاربا على قدميه، ومضت قريش حتى نزلت بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل، وبعث الله عز وجل السماء، وكان الوادي دهسا، فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم المسير، وأصاب قريش منها ماء لم يقدروا على أن يرتحلوا معه.
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبادرهم إلى الماء، حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزل به.
فحدثت [2] عن رجال من بني سلمة: أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره، أم هو الرأي في الحرب؟ قال: «بل هو الرأي [بالحرب] » [3] فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس لك بمنزل، فانهض بالناس [4] حتى نأتي أدنى ماء من القوم [فننزله، ثم نغور ما سواه من القلب [5] ، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون.
فنزل جبريل فقال: الرأي ما أشار به الحباب. فنهض ومن معه حتى أتى أدنى ماء من القوم] [6] فنزل عليه [7] ، وأمر بالقلب فغورت [8] ، وبنى حوضا على القليب الذي كان عليه، [ثم] [9] قذفوا فيه الأنية. فَحَّدَثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ/ مُعَاذٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْنِي لَكَ عَرِيشًا مِنْ جَرِيدٍ فَتَكُونُ فِيهِ، وَتُعِدُّ عِنْدَكَ رَكَائِبِكَ، ثم نلقى [عدونا] [10] ، فإن أعزنا الله
__________
[1] في الأصل: «يوم بدر جراحا» .
[2] يعني: ابن إسحاق، وفي الأصل: «فحدثت» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ابن كثير 3/ 267: «فامض بالناس» .
[5] في ابن كثير: «ما وراءه من القلب» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «ففعل ونزل عليه» .
[8] في أ: «فعقدت» .
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(3/103)
وَأَظْهَرَنَا كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا، وَإِنْ كَانَتِ الأُخْرَى جَلَسْتَ عَلَى رَكَائِبِكَ فَلَحِقْتَ بِمَنْ وَرَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا، فَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْكَ أَقْوَامٌ مَا نَحْنُ بِأَشَّدَ حُبًّا لَكَ مِنْهُمْ، وَلَوْ ظَنُّوا أَنَّكَ تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلَّفُوا عَنْكَ، يَمْنَعُكَ الله تعالى بهم، يناصحونك ويجاهدون معك.
فدعى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْرٍ، وَبُنِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِيشٌ فَكَانَ فِيهِ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلائِهَا وَفَخْرِهَا، تُحَارِبُكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهمّ فَنَصْرُكَ الَّذِي وَعَدْتَنِي» .
فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم حكيم بن حزام عَلَى فرس له، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دعوهم» . فما شرب منهم رجل إلا أسر أو قتل إلا حكيم بن حزام، فإنه نجا على فرس له، ثم أسلم، فكان يقول إذا حلف:
لا والذي نجاني يوم بدر.
فلما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب اللخمي فقالوا: أحرز لنا أصحاب محمد، فجال بفرسه نحو العسكر، ثم رجع فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين، فضرب في الوادي حتى أبعد، فلم ير شيئا، فرجع فقال: ما رأيت شيئا، ولكني قد رأيت يا معشر قريش الولايا [1] تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل منهم رجل حتى يقتل منكم رجالا، فإذا أصابوا أعدادهم فما خير في العيش بعد ذلك، فردوا رأيكم. فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى إلى عتبة فقال: يا أبا الوليد، إنك كبير قريش وسيدها، هل لك في أن لا تزال تذكر بخير [إلى آخر] [2] الدهر؟ قال:
وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس وتحمل دم حليفك [3] عمرو بن الحضرمي. قال:
قد فعلت. أنبأنا/ الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة
__________
[1] في أ: «رأيت معشر قريش الولايا» وفي ابن كثير «قريش البلايا» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ابن هشام: «وتحمل أمر حليفك» .(3/104)
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر المخلص قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي قال:
أَخْبَرَنَا الزُّبْيَرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عِمَامَةُ بْنُ عَمْرٍو [1] السَّهْمِيُّ، عَنْ مُسَوَّرِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْيَرْبُوعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ [2] قَالَ:
خَرَجْنَا حَتَّى إِذَا نَزَلْنَا الْجُحْفَةَ رَجِعَتْ قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ بِأَسْرِهَا، وَهِيَ: زُهْرَةُ، فَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ مِنْ مُشْرِكِيهِمْ بَدْرًا، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى نَزَلْنَا الْعُدْوَةَ، فَجِئْتُ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ، هَلْ لَكَ أَنْ تَذْهَبَ بِشَرَفِ هَذَا الْيَوْمِ مَا بَقِيتَ؟ قَالَ: أَفْعَلُ مَاذَا؟
قُلْتُ: إِنَّكُمْ لا تَطْلُبُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ إِلا دَمَ الْحَضْرَمِيَّ وَهُوَ حَلِيفُكَ، فَتَحَمَّلْ بِدَيَتِهِ، وَتَرْجِعُ بِالنَّاسِ.، فَقَالَ لِي: فَأَنْتَ وَذَاكَ، فَأَنَا أَتَحَمَّلُ بِدِيَةِ حَلِيفِي، فَاذْهَبْ إِلَى ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ- يَعْنِي: أَبَا جَهْلٍ- فَقُلْ لَهُ: هَلْ لَكَ أَنْ تَرْجِعَ الَيْوَم بِمَنْ مَعَكَ عَنِ ابْنِ عَمِّكَ؟
فَجِئْتُهُ فَإِذَا هُوَ بِجَمَاعَةٍ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ وَرَائِهِ، وَإِذَا ابْنُ الْحَضْرَمِيُّ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: فَسَخْتُ عَقْدِي مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَعَقْدِي إِلى بَنِي مَخْزُومٍ. فقلت له: يقول لك عُتْبَةُ: هَلْ لَكَ أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ عَنِ ابْنِ عَمِّكَ؟ قَالَ: أَمَا وَجَدَ رَسُولا غَيْرَكَ؟ فَخَرَجْتُ أُبَادِرُ إِلَى عُتْبَةَ، وَعُتْبَةُ مُتَّكِئٌ عَلَى إِيمَاءِ بْنِ رُخْصَةَ [3] ، وَقَدْ أَهْدَى إِلَى الْمُشْرِكِينَ عَشْرَ جَزَائِرَ، فَطَلَعَ أَبُو جَهْلٍ وَالشَّرُّ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ لِعُتْبَةَ: انْتَفَخَ سِحْرُكَ! فَقَالَ لَهْ عُتْبَةُ:
سَتَعْلَمُ! فَسَلَّ أَبُو جَهْلٍ سَيْفَهُ، فَضَرَبَ بِهِ مَتْنَ فَرْسَهُ، فَقَالَ إِيمَاءُ بْنُ رُخْصَةَ [3] : بِئْسَ الْفَأْلُ هَذَا! فَعِنْدَ ذَلِكَ قَامَتِ الْحَرْبُ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ قَالَ: أخبرنا أحمد بن جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قال: حدثني أبي قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عن أبي إسحاق قال: سمعت حَارِثَةُ بْنُ مُضَرِّبٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: [4] لَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ بَدْرٍ وَمَا مِنَّا [5] إِنْسَانٌ إِلا نَائِمٌ إِلا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ كَانَ يصلي إلى
__________
[1] في تاريخ الطبري 2/ 443: «عثامة» وفي الطبعة الأوربية «عمامة» .
[2] والخبر في تاريخ الطبري 2/ 442، 443، والبداية والنهاية 3/ 270، والأغاني 4/ 186، 187.
[3] في الأصل: «على أنمار رخصة» .
[4] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 427، ومسند أحمد بن حنبل 1/ 138.
[5] في الطبري: «وما فينا» .(3/105)
شَجَرَةٍ وَيَدْعُو حَتَّى أَصْبَحَ، وَمَا كَانَ مِنَّا فَارِسٌ يَوْم بَدْرٍ غَيْرَ الْمِقْدَادِ/ بْنِ الأَسْوَدِ.
قال ابن إسحاق [1] : وقام عتبة خطيبا فقال: يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا، فو الله لئن أصبتموه لا يزال رجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إِلَيْهِ، قتل ابن عمه أو ابن خاله، أو رجالا من عشيرته، فارجعوا أو خلوا بين محمد وسائر العرب، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم، فإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه لما تريدون.
قال حكيم: وجئت إلى أبي جهل فوجدته قد نثل [2] درعا له من جرابها، فهو يهيئها، فقلت: إن عتبة أرسلني بكذا وكذا، فقال: انتفخ والله سحره حين رأى محمدا، كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال، لكنه قد رأى محمدا وأصحابه أكلة جزور، وفيهم ابنه فقد تخوفكم عليه- يعني أبا حذيفة بن عتبة وكان قد أسلم- ثم بعث إلى عامر بْن الحضرمي فقال له: هذا حليفك، يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد مقتل أخيك.
فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ: وا عمراه! فحميت الحرب، وطلب عتبة بيضة يدخلها رأسه فما وجد في الجيش بيضة تمنعه من عظم رأسه [3] ، فاعتجز ببرد له [4] .
وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم الألوية، فكان لواء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأعظم، لواء المهاجرين مع مصعب بْن عمير، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ، وجعل شعار المهاجرين: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عُبَيْد اللَّه. وقيل: كان شعار الكل: يا منصور أمت.
وكان مع المشركين ثلاثة ألوية: لواء مع أبي عزيز بن عمير، ولواء مع النضر بن الحارث، ولواء مع طلحة بن أبي طلحة، كلهم من بني عبد الدار.
__________
[1] الخبر في سيرة ابن هشام 1/ 623، وتاريخ الطبري 2/ 444، والبداية 3/ 270.
[2] في الأصل، أ: «قد مثل» .
[3] في الأصل: «تمنعه من عظم رأسه» .
[4] الخبر إلى هنا في ابن هشام وابن كثير والطبري.(3/106)
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أدنى بدر عشاء ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان.
فخرج الأسود [1] بن/ عبد الأسد المخزومي، فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم، ولأهدمنه، أو لأموتن دونه. فلما خرج خرج له حمزة بن عبد المطلب، فضربه في ساقه فوقع على ظهره تشخب رجله دما، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم، يريد أن يبر يمينه، وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله.
ثم خرج بعده عتبة وأخوه شيبة، وابنه الوليد، فدعا إلى المبارزة [2] ، فخرج إليه فتية من الأنصار عوف [3] ومعوذ ابنا الحارث، وعبد الله بن رواحة، فقالوا: من أنتم؟
قالوا: رهط من الأنصار، فقالوا: ما لنا بكم من حاجة. ثم نادى مناديهم: يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا. فَقَالَ: رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قم يا حمزة، قم يا عبيدة، قم يا علي» فقالوا: أكفاء كرام، فبارز عبيدة- وهو أسن القوم- عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد بن عتبة، فقتل حمزة شيبة، وقتل علي الوليد، واختلف عبيدة وعتبة ضربتين، كلاهما أثبت صاحبه، وكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فقتلاه، واحتملا عبيدة، فجاءا به إلى أصحابه ( [4] ، وقد قطعت رجله، فمخها يسيل، فلما أتوا بعبيدة إلى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ألست شهيدا يا رسول الله؟ فقال: «بلى» فقال عبيدة: لو كان أبو طلحة حيا لعلم أني أحق بما قال منه حيث يقول:
ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
ثم تزاحف الناس، ودنا بعضهم من بعض، وقد أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم، وقال: «إن اكتنفكم القوم فانضحوهم بالنبل» وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي العريش معه أبو بكر لَيْسَ معه غيره. وذكر ابن إسحاق عن أشياخه: [5] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدّل صفوف أصحابه يوم بدر
__________
[1] من هنا في ابن هشام 1/ 624، والطبري 2/ 445،
[2] في الأصل: «فدعا إلى البراز» .
[3] في الأصل: «الأنصار عود» .
[4] الخبر إلى هنا في ابن هشام.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 446.(3/107)
وفي يده قدح [1] يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية وهو/ مستنتل [2] من الصف، فطعن في صدره بالقدح [3] ، وقال: «استويا سواد» فقال: يا رسول الله، أوجعتني وقد بعثك الله بالحق، فأقدني [4] . فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: «استقد» فاعتنقه وقبل بطنه فقال: «ما حملك على هذا يا سواد» . فقال: حضر ما ترى، فلم آمن القتل، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فدعا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم عدل الصفوف، ورجع إلى العريش يناشد ربه وما وعده من النصر، فخفق [5] رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش خفقة ثم انتبه فقال: «يا أبا بكر، أتاك نصر الله، هذا جبريل أخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع» [6] .
ثم خرج رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم [إلى الناس] [7] يحرضهم ونفل كل امرئ منهم ما أصاب، وقال: «والّذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة» .
فقال عمير بن الحمام- وفي يده تمرات يأكلهن: بخ بخ [8] ، فما بيني وبين [أن أدخل] [9] الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء! ثم قذف التمرات من يده، وأخذ سيفه، فقاتل القوم حتى قتل [10] ، وهو يقول:
ركضا إلى الله بغير زاد ... إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد ... وكل زاد عرضة النفاد
غير التقى والبرّ والرّشاد
__________
[1] القدح: السهم.
[2] في الأصل: «متبتل» ، وما أوردناه من أ، والطبري ومستنتل: متقدم. وقال ابن هشام: «يقال مستنصل»
[3] في الطبري: «فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطنه بالقدح» .
[4] أقدني: أي اقتص لي من نفسك.
[5] خفق: نام نوما عميقا.
[6] النقع: التراب.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري
[8] بخ، بكسر الخاء وإسكانها كلمة تقال للإعجاب.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري.
[10] الخبر إلى هنا في سيرة ابن هشام 1/ 627، وهو أيضا في الأغاني 4/ 192، 193(3/108)
فلما التقى الناس، قال أبو جهل [1] : اللَّهمّ أقطعنا للرحم، وآتنا بما لا يعرف، فأحنه [2] الغداة، فكان هو المستفتح [3] على نفسه.
ثم إن رسول الله أخذ حفنة من الحصباء، فاستقبل بها قريشا، ثم قال: «شاهت الوجوه» ثم نفخهم بها، وقال لأصحابه: شدوا، فكانت الهزيمة، فقتل الله من قتل من صناديد قريش، وأسر من أسر منهم، فلما وضع القوم أيديهم يأسرون، ورسول الله في العريش، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش [4] متوشحا السيف، في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله/ صلى الله عليه وسلم يخافون عليه كرة العدو، ورأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وجه سعد الكراهية لما يصنع النَّاسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لكأنك يا سعد تكره ما يصنع الناس» ، فقال: أجل والله يا رسول الله، كانت [أول] [5] وقعة أوقعها الله بالمشركين، فكان الإثخان في القتل أعجب إلي من استبقاء الرجال [6]
. [قتلى وأسرى المشركين]
[7] :
وقتل من المشركين سبعون، وأسر سبعون، فممن قتل: عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة، والعاص بن سعيد، وأبو جهل، وأبو البختري، وحنظلة بن أبي سفيان، والحارث ابن عامر، [وطعيمة بن عدي] [8] وزمعة بن الأسود، ونوفل بن خويلد [9] ، والنضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، والعاص بن هشام خال عمر، وأمية بن خلف، وعلي بن أمية، و [منبه] [10] بن الحجاج، ومعبد بن وهب.
__________
[1] الخبر من هنا في ابن هشام 1/ 628، والأغاني 4/ 193، 194.
[2] أحنه: أهلكه.
[3] يريد أنه حكم على نفسه بهذا الدعاء،
[4] بعدها في الطبري 2/ 449: «الّذي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من الطبري 2/ 449.
[6] إلى هنا الخبر في ابن هشام والطبري.
[7] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 11.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[9] في الأصل: «نوفل بن خالد» ، وكذا في أ، وما أوردناه من ابن سعد.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وفي أ: «ومنبه الحجاج» .(3/109)
وممن أسر: نوفل بن الحارث، وعقيل بن أبي طالب، وأبو العاص بن الربيع، وعدي بن الحباب، وأبو عزيز بن عمير، والوليد بن [الوليد بن] [1] المغيرة، وعبد الله بن أبي بن خلف، وأبو عزة عمرو [2] بن عبد الله الجمحي الشاعر، ووهب بن عمير، وأبو وداعة بن ضبيرة، وسهيل بن عمرو.
وكان فداء الأسارى [كل رجل منهم] [3] أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف إلى ألفين إلى ألف، إلا قوما لا مال لهم من عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو عزة [الجمحي] [4] .
أَخْبَرَنَا أبَوُ بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر بْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ [5] قَالَ:
أَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ [أَسِيرًا،] [6] فَكَانَ يُفَادِي بِهِمْ عَلَى قَدْرِ أَمْوَالِهِمْ، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَكْتُبُونَ، وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لا يَكْتُبُونَ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِدَاءٌ دُفِعَ إِلَيْهِ عَشْرَةٌ مِنْ/ غِلْمَانِ الْمَدِينَةِ فَعَلَّمَهُمْ، فَإِذَا حَذَقُوا فَهُوَ فِدَاؤُهُ.
وَفِي رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ [7] : وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِمَّن عُلِّمَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [8] : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ: «إِنِّي قَدْ عَرِفْتُ أَنَّ رِجَالا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَدْ أُخْرِجُوا كُرْهًا، لا حَاجَةَ لَهُمْ بِقَتَالِنَا، فمن لقي منكم أحدا من
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[2] في الأصل: «عمير» . والتصحيح من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 2/ 14.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[7] في أ: «قال الشعبي» . والخبر في طبقات ابن سعد 1/ 2/ 14.
[8] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 449، 450، والأغاني 4/ 194، 195 وسيرة ابن هشام 1/ 628.(3/110)
بَنِي هَاشِمٍ فَلا يَقْتُلْهُ، وَمَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ بْنَ هِشَامٍ فَلا يَقْتُلْهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أُخْرِجَ مُسْتَكْرَهًا» .
فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: أنقتل آباءنا [وأبناءنا] [1] وإخواننا وعشيرتنا، ونترك الْعَبَّاس، [والله] [2] لئن لقيته لألحمنه [3] السيف، فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول لعمر بن الخطاب يا أبا حفص، أما تسمع قول أبي حذيفة، [يقول] [4] أضرب وجه عم رسول الله بالسيف، فقال عمر: يا رسول الله، دعني فلأضربن عنقه بالسيف فو الله لقد نافق.
فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عني الشهادة، فقتل يوم اليمامة شهيدا.
وإنما [5] نهى رسول الله عن قتل أبي البختري، لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، كان لا يؤذيه، ولا يبلغه عنه شيء يكرهه، وكان فيمن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم وبني المطلب.
وقال ابن عباس: وكان الذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو، فقال رسول الله: «كيف أسرته» ؟ قال: أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده، قال: «لقد أعانك عليه ملك كريم» ، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساهرا أول ليلة، فقال أصحابه: ما لك لا تنام، فقال: «سمعت صوت تضور الْعَبَّاس في وثاقه» ، فقاموا إلى العباس، فأطلقوه، فنام رسول الله. وقد روى ابن إسحاق عن أشياخه [6] ، أن عبد الرحمن بن عوف قال: كان أمية بن خلف صديقا لي بمكة، فلما كان يوم بدر مررت به وهو واقف مع ابنه عليّ آخذا بيده،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري، أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] لألحمنه، أي لأطعنن لحمه بالسيف ولأخالطنه. وقال ابن هشام: «ويقال: لألحمنه بالسيف» . أي لأضربنه به في وجهه.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «قال مؤلف الكتاب: إنما نهى» وحذفناها لأن هذا قول ابن عباس.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 451، وسيرة ابن هشام 1/ 631، والأغاني 14/ 196، 197.(3/111)
ومعي ادراع قد استلبتها، فقال: يا عبد الله، هل لك في، فأنا خير لك من هذه الأدراع؟
فطرحت الأدراع من يدي/ وأخذت بيده وبيد ابنه وهو يمشي ويقول: ما رأيت كاليوم قط.
ثم قال لي: من الرجل المعلم بريشة نعامة في صدره؟ قلت: حمزة، قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل، قال عبد الرحمن: فو الله إني لأقودهما إذ رآه بلال، وهو الذي كان يعذب بلالا بمكة على أن يترك الإسلام يخرجه إلى رمضاء [1] مكة فيضجعه على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول: لا تزال هكذا حتى تفارق دين محمد، فيقول بلال: أحد أحد، فقال بلال حين رآه: رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا [2] ، [قلت: أي بلال، أسيري، قَالَ: لا نجوت إن نجوا] [3] فقلت تسمع [4] يا ابن السوداء، فقال: لا نجوت إن نجوا، ثم صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا فأحاطوا بنا [ثم جعلونا في المسكة] [5] وأنا أذب عنه [6] ، فضرب رجل ابنه فوقع، فصاح أمية صيحة ما سمعت بمثلها قطّ، فقلت: أنج بنفسك [7] ، فو الله ما أغني عنك شيئا. فضربوهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما.
فكان عبد الرحمن يقول: رحم الله بلالا، ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري [8] .
أَخْبَرَنَا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: حدّثنا أحمد بن جعفر،
__________
[1] الرمضاء: الرمل الحار من الشمس.
[2] كذا في الأصل، وابن هشام، وفي الطبري «لا نجوت إن نجوت» . وفي أكما في الطبري.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[4] التسميع: التشهير، وفي ابن هشام: «أتسمع» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري. وفي مثل المسكة، أي جعلونا في حلقة كالسوار وأحدقوا بنا.
[6] في ابن هشام بعدها: «قال فأخلف رجل السيف» ، ويقال: أخلف الرجل السيف، إذا سله من غمده.
[7] بعدها في الطبري 2/ 453: «ولا نجاء» .
[8] سيرة ابن هشام 1/ 632، والأغاني 4/ 197، 198.(3/112)
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُوحٍ قُرَادٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ أَبُو زُمَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ ثلاثمائة وَنَيِّفٌ، وَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِذَا هُمْ أَلْفٌ وَزِيَادَةٌ فَاسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ يَدْعُو [1] وَعَلَيْهِ رِدَاؤُهُ وَإِزَارُهُ، ثُمَّ قَالَ: « [اللَّهمّ أَيْنَ مَا وَعَدْتَنِي؟] [2] اللَّهمّ أَنْجِزْ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهمّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ أَبَدًا» ، قَالَ: فَمَا زَالَ يَسْتَغِيثُ رَبَّهُ وَيَدْعُوهُ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ. فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَرَدَّهُ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتَكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ 8: 9 [3] فلما [كان يومئذ و] [4] التقوا، هَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ، فَقُتِلَ/ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلا، وَأُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ [رَجُلا] [5] .
فَاسْتَشَارَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَعِلًّيا وَعُمَرَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ] ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَؤُلاءِ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةُ وَالإِخْوَانُ، فَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمُ الْفِدْيَةَ، فَيَكُونَ مَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ قُوَّةً لَنَا عَلَى الْكُفَّارِ، وَعَسَى أَنْ يَهْدِيَهُمُ اللَّهُ [6] ، فَيَكُونُوا لَنَا عَضُدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ» ؟ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ [7] مَا أَرَى مِثْلَ [8] مَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمِكِّنَنِي مِنْ فُلانٍ- قَرِيبٍ لِعُمَرَ- فَأَضْرِبُ عُنُقَهُ، وَأَرَى أَنْ تُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عُقَيْلٍ [9] [فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ] ، وَتُمَكِّنَ حَمْزَةَ مِنْ فُلانٍ ابْنِ أَخِيهِ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، حَتَّى يعلم
__________
[1] في المسند: «ثم مد يديه وعليه رداؤه» ، بإسقاط «يدعو» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[3] سورة: الأنفال، الآية: 9.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول. وأوردناه من المسند.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[6] في المسند، والطبري 2/ 474: «وعسى الله أن يهديهم» .
[7] كذا في الأصول، والمسند، وفي الطبري 2/ 474: «لا والله» .
[8] «مثل» : ساقطة من المسند.
[9] في المسند: «وتمكن عليا من عقيل» .(3/113)
اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَيْسَتْ فِي قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ [1] ، هَؤُلاءِ صَنَادِيدُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ وَقَادَتُهُمْ، فَهَوَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَأَخَذَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، قَالَ عُمَرُ: غَدَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم فإذا هو قاعد وأبو بكر و [إذا] [2] هُمَا يَبْكِيَانِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا يُبْكِيكَ أَنْتَ وَصَاحِبُكَ، فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنَ الْفِدَاءِ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ ( [3] أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ» . لِشَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ 8: 67 إِلَى قَوْلِهِ: لَوْلا كِتابٌ مِنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ 8: 68 من الفداء ثم أجل الله الغنائم عَذابٌ عَظِيمٌ 8: 68 [4] .
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ عُوقِبُوا بِمَا صَنَعُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ أَخْذِهِمْ من الفداء فقتل مِنْهُمْ سَبْعُونَ، وَفَرَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَّتُهُ، وَهُشِّمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ، وَسَالَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ من عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ 3: 165 [5] بِأَخْذِكُمُ الْفِدَاءَ انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ [6] . وَفِي إِفْرَادِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ وَهُوَ/ فِي قُبَّتِهِ يَوْمَ بَدْرٍ: اللَّهمّ أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهمّ إِنْ تَشَأْ لا تُعْبَدُ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ وَهُوَ ثَبِتٌ فِي الدِّرَاعِ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ 54: 45 [7]
. ذكر مقتل أبي جهل
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، قَالَ: أخبرنا ابن أعين، قال: أخبرنا
__________
[1] في الطبري: «للكفار» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول والطبري، وأوردناه من المسند.
[3] في أ «عذابهم» ، وما أوردناه من المسند والأصل، والطبري.
[4] سورة: الأنفال، الآية: 67.
[5] سورة: آل عمران، الآية: 165.
[6] الخبر في المسند 1/ 30، وصحيح مسلم 5/ 156، 157، 158، وتاريخ الطبري 2/ 447، 474، وتفسير الطبري 13/ 409، والأغاني 4/ 191، 192.
[7] سورة: القمر، الآية: 45. والخبر في تاريخ الطبري 2/ 447، والأغاني 4/ 192.(3/114)
الْفَرَبْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْمَاجِشُونَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ قَالَ: بَيَّنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ [1] ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي [2] ، فَإِذَا أَنَا بِغُلامَيْنِ [3] مِنَ الأَنْصَارِ. حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمَا [4] ، تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا [5] ، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بِيَدِهِ لِئَنْ رَأَيْتُهُ لَمْ يُفَارِقْ [6] سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا [7] ، قَالَ [8] : فَغَمَزَنِي الآخَرُ، فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ ثُمَّ لَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ [9] فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ [لَهُمَا] [10] : أَلا تَرَيَانِ هَذَا صاحبكما الّذي تسألان عنه [11] فابتداره فَاسْتَقْبَلَهُمَا فَضَرَبَاهُ [12] حَتَّى قَتَلاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: «أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟» [13] فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، قَالَ: «مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟» [14] قَالا: لا، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ:
«كِلاكُمَا قَتَلَهُ، وَقَضَى بِسِلْبِهِ لمعاذ [بن عمرو [15] بن الجموح.
__________
[1] في الأصل: «إني لواقف يوم بدر بالصف» وما أوردناه من البخاري 6/ 246.
[2] في البخاري: «فنظرت عن يميني وشمالي» .
[3] في الأصل: «فإذا أنا بين غلامين» وما أوردناه من أ، والبخاري.
[4] في الأصل: «حديثة انساخهما» وما أوردناه من أ، والبخاري.
[5] في البخاري: «تمنيت أن أكون بين أضلع منهما» .
[6] في الأصول: «لو رأيته لم يفارق» .
[7] في البخاري: «الأعجل منهما» .
[8] «قال» . ساقطة من البخاري.
[9] في الأصول: «يزول في الناس» .
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وغير موجود في البخاري.
[11] في البخاري: «ألا إن صاحبكما الّذي سألتماني» .
[12] في البخاري: «فافبتدراه بسيفهما فضرباه» .
[13] في الأصل: «أيكم» .
[14] في أ: «سحبتما سيفيكما» .
[15] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والبخاري.(3/115)
وَهُمَا [1] مُعَاذُ بْنُ عَمْرٍو، وَمُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ.
[قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ] [2] : أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [3] .
وفي رواية ابن مسعود ( [4] : أن [معاذ] [5] بن عفراء ضرب أبا جهل هو وأخوه عوف بن الحارث، حتى أثبتاه، فعطف عليهما فقتلهما، ثم وقع صريعا فوقف عليه معوذ [6] .
وفي رواية، عن معاذ بن عمرو بن الجموح، قال: / ضربت أبا جهل [بن هشام] [7] ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه، فو الله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى، وضربني ابنه عكرمة على عاتقي، فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي فقاتلت عليه يومي [8] ، وإني لأسحبها خلفي، فلما أذتني جعلت عليها رجلي ثم تمطيت [9] بها حتى طرحتها. وعاش معاذ إلى زمان عثمان. قال: [10] ثم مر بأبي جهل- وهو عقير- معوذ بن عفراء، فضربه حتى أثبته وتركه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل، فمر به عبد الله بن مسعود، فوضع رجله على عينيه، فقال: لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا، فقال: لمن الدائرة؟ فقال: للَّه ولرسوله، ثم اجتز رأسه، فأتى به رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم.
أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر،
__________
[1] في الأصل: «قال مؤلف الكتاب وهما معاذ» . وساقطة من أ، وهو الأصح لأنها من أصل الرواية.
[2] «قال مؤلف الكتاب» . جاءت في الأصل ترتيبها خطأ كما نبهنا عنها في الحاشية السابقة، ووضعناها هنا في الوضع الصحيح، وهي ساقطة في الموضعين من أ،
[3] الخبر في الطبري 2/ 455 صحيح البخاري في الخمس، الباب 18، حديث 1 (3141) (فتح الباري 6/ 246) ، وفي المغازي، الباب 8، حديث 6 (3964) ، والباب 10/ حديث 5 (3988) ، وصحيح مسلم في المغازي، الباب 15، حديث 4، عن يحيى، عن يوسف بن الماجشون به.
[4] «ابن مسعود» ساقطة من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «ابن مسعود» وما أوردناه من أ.
[7] ما بين المعقوفتين: من أ.
[8] «فتعلقت بجلدة من جنبي فقاتلت على يومي» : ساقطة من أ.
[9] في أ: «حتى تمطيت» .
والخبر في الطبري 2/ 36 ط. دار الكتب العلمية.
[10] في أ: «إلى زمن عثمان» .(3/116)
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: أخبرنا وكيع، قال: حدثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ [قَالَ] [1] : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ. انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ ضَرَبْتُ رِجْلَهُ، وَهُوَ صَرِيعٌ، وَهُوَ يَذُبُّ النَّاسَ عَنْهُ بِسَيْفٍ لَهُ، فَقُلْتُ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَخْزَاكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَقَالَ [2] : هَلْ هُوَ إِلا رَجُلٌ قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟ [قَالَ] [1] : فَجَعَلْتُ أَتَنَاوَلُهُ بِسَيْفٍ لِي غَيْرَ طَائِلٍ، فَأَصَبْتُ يَدَهُ، فَنَدَرَ سَيْفُهُ [3] ، فَأَخَذْتُهُ فَضَرَبْتُهُ بِهِ، حَتَّى قَتَلْتُهُ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ [4] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّمَا أُقَلُّ مِنَ الأَرْضِ [5] ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «الْحَمْدُ للَّه الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ [6] » فَرَدَّدَهَا ثَلاثًا قَالَ:
قُلْتُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، [قَالَ] فَخَرَجَ يَمْشِي مَعِي حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَخْزَاكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، هَذَا كَانَ فِرْعَوْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ» [7] . وَقُتِلَ أَبُو جَهْلٍ [لَعَنَهُ اللَّهُ] [8] وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً
. ذكر نزول الملائكة
قال علماء السير: جاءت يوم بدر ريح لم يروا مثلها ثم ذهبت، ثم جاءت [9] ريح أخرى، فكانت الأولى جبريل/ في ألف من الملائكة مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والثانية [10] ميكائيل في ألف من الملائكة عن ميمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، [والثالثة إسرافيل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم] [11] . وكان سماء الملائكة عمائم قد أرخوها بين أكتافهم خضر وصفر وحمر من نور، والصوف في نواصي خيلهم، وكانت خيلا بلقاء.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[2] في الأصل: قال.
[3] أي: سقط ووقع.
[4] في المسند: النبي.
[5] أقل من الأرض: أرفع من الأرض، دلالة على فرحه وسروره لقتله أبا جهل.
[6] في المسند «اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ» قَالَ.
[7] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 1/ 444.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[9] في أ: «فجاءت» .
[10] في الأصل: الثاني.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.(3/117)
وقاتلت الملائكة يوم بدر ولم تقاتل في غير ذلك اليوم، كانت تحضر ولا تقاتل.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [1] : حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي حَتَّى أَصْعَدْنَا الْجَبَلَ يُشْرِفُ بِنَا عَلَى بَدْرٍ، وَنَحْنُ مُشْرِكَانِ، نَنَتَظِرُ [الْوَقْعَةَ] [2] عَلَى مَنْ تَكُونُ الدَّائِرَةُ [3] ، فَنَنْهَبُ مَعَ مَنْ يَنْهَبُ [4] . فَبَيَّنَا [5] نَحْنُ فِي الْجَبَلِ إِذْ دَنَتْ مِنَّا سَحَابَةٌ فَسَمِعْنَا فِيهَا حَمْحَمَةَ الْخَيْلِ، فَسَمِعْتُ قَائِلا يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، فَأَمَّا ابْنُ عَمِّي فَرَاعَ قَلْبُهُ فَمَاتَ مَكَانَهُ، وَأَمَّا أَنَا فَكِدْتُ أَهْلِكُ ثُمَّ تَمَاسَكْتُ.
قال ابن حبيب الهاشمي: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل: «من القائل [أقدم] [6] حيزوم؟» فقال جبريل: ما كل أهل السماء أعرف. أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن المذهب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَازِنٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَ:
إِنِّي لأَتْبَعُ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ لأَضْرِبَهُ إِذْ وَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سَيْفِي، فَعَرِفْتُ أَنْ قَدْ قَتَلَهُ غَيْرِي [7] .
وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ لَقَدْ رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بِسَيْفِهِ إِلَى الْمُشْرِكِ فَيَقَعُ رَأْسُهُ عَنْ جَسَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ السَّيْفُ [8] .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كان يومئذ يبدر رَأْسُ الرَّجُلِ لا يَدْرِي مَنْ ضَرَبَهُ، [وَتُبْدَرُ يد الرجل لا يدرى من ضربه] [9] .
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 453.
[2] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[3] في الطبري: «الدبرة» .
[4] في الأصل: «فننبهت مع من ينتهب» وفي أ: مع من نهب. وما أوردناه من الطبري.
[5] في الأصل: «فبينما» . وما أوردناه من أ، والطبري.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] تاريخ الطبري 2/ 453.
[8] تاريخ الطبري 2/ 454.
[9] ما بين المعقوفتين: من أ.(3/118)
وقال عطية بن قيس: لما فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قتال بدر، جاءه جبريل عليه السلام على فرس أنثى حمراء عليه درعه ومعه رمحه قد عصم ثنيتيه الغبار، فقال: يا محمد إن الله تعالى بعثني إليك وأمرني أن/ لا أفارقك حتى ترضى، هل رضيت؟ قال:
«نعم قد رضيت» [فانصرف] [1]
. ذكر إلقاء رؤسائهم في القليب
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، قَالَ: أخبرنا الفربري، قال: أخبرنا البخاري، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عُرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذكر لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طُوًى مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخَبَّثٍ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرَصَةِ ثَلاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشَدَّ عَلَيْهَا رَحْلَهَا ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: مَا نَرَى يَنْطَلِقُ إِلا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، حَتَّى قَامَ عَلَى شفة الرّكيّ [2] ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: «يا فُلانِ بْنِ فُلانٍ، وَيَا فُلانَ بْنَ فُلانٍ [3] ، أَيَسُّرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا» ؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لا أَرْوَاحَ فِيهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» . قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ، تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنِقْمَةً وحسرة وندما.
أخرجاه في الصحيحين [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] في أ: «شفير الركي» . والمعنى طرف البئر.
[3] «ويا فلان بن فلان» : ساقطة من أ.
[4] الخبر أخرجه البخاري في الصحيح في الجهاد 184، وفي المغازي، الباب 8 حديث 18 (3976، فتح 7/ 300) ، ومسلم في الجنة والنار، الباب 18، حديث 14، وأبو داود في الجهاد، الباب 132، والترمذي في السير الباب 3، حديث 2.(3/119)
وروى ابن إسحاق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر [أن] [1] يلقوا في القليب، أخذ عتبة بن ربيعة فسحب إلى القليب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه أبي حذيفة بن عتبة فإذا هو كئيب قد تغير، فقال: «يا حذيفة لعلك دخلك من شأن أبيك شيء» قال: لا والله يا نبي الله، ولكن كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر أحزنني ذلك، فدعا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ بخير ثم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أمر بما في العسكر فجمع، فقال من جمعه:
هو لنا، قد كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفل كل امرئ ما أصاب، وقال الذين قاتلوا: لولا نحن ما أصبتموه [نحن أحق به] [2] ، وقال الذين يحرسون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما أنتم بأحق منا.
قال عبادة بن الصامت: فلما اختلفنا في النفل نزعه الله عز وجل من أيدينا، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين على السواء.
قال ابن حبيب: وتنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار، وكان لنبيه بن الحجاج، وغنم جمل أبي جهل، فكان يغزو عليه وكان يضرب في لقاحه
. فصل
ثم بعث [3] رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الفتح [4] عبد الله بن رواحة بشيرا إلى أهل العالية بما فتح الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم [وعلى المسلمين] [5] ، وبعث زيد بن حارثة إلى أهل السافلة.
قال أسامة بن زيد: فأتانا الخبر حين سوينا [التراب] على رقية بنت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم التي كانت عند عثمان بن عفان، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفني عليها مع عثمان.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
و «لولا نحن ما أصبتموه» ساقطة من أ.
[3] تاريخ الطبري 2/ 458، والأغاني 4/ 203.
[4] «عند الفتح» : ساقطة من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناها من الطبري 2/ 458.(3/120)
فأتيت أبي وهو واقف بالمصلى [1] قد غشيه الناس، وهو يقول: قتل عتبة، وشيبة، وأبو جهل، وأبو البختري [2] ، وأمية بن خلف، ونبيه، ومنبه ابنا الحجاج ( [3] ، فقلت: يا أبه [4] أحق هذا؟ قال: نعم والله يا بني.
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة: [فاحتمل معه النفل الذي أصيب من المشركين، وجعل على النفل عبد الله بن كعب بن زيد بن عوف ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا خرج من مضيق الصفراء] [5] ، نزل على كثيب في طريقه، فقسم النفل.
ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم [6] فلقيه المسلمون بالروحاء يهنئونه بما فتح الله عليه، فقال رَجُل [7] : وما الذي تهنئون به، فو الله إن لقينا إلا عجائز ضلعا كالبدن المعقلة، فنحرناها، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «لا يا ابن أخي أولئك الملأ» [8] . وكان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأسارى [من المشركين] [9] وهم أربعة وأربعون [10] .
فلما كان بالصفراء أمر عليا بقتل النضر بن الحارث، [11] حتى إذا كان بعرق الظبية [12] ، قتل عقبة بن أبي معيط، فقال حين أمر به أن يقتل: فمن للصبية يا محمد، قال: النار، قال: فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح.
__________
[1] في الطبري: «ثم قدم زيد بن حارثة فجئته وهو واقف بالمصلى» .
[2] في الطبري: «قتل عتبة بن ربيعة، وشعبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وزمعة بن الأسود، وأبو البختري بن هشام» .
[3] في الأصل: «وأمية بن خلف وفلان وفلان» . وما أوردناه من الطبري.
[4] في أوصل: «يا أبت» . وما أوردناه من أ. والطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[6] من قوله: «قافلا إلى المدينة» ، حتى قوله: «ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلّم» . ساقط من أ.
[7] في الطبري: «فقال: سلمة بن سلامة بن وقش» .
[8] الملأ: الأشراف.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول وأوردناه من الطبري 2/ 459.
[10] في الطبري: «وكانوا أربعة وأربعين أسيرا» .
[11] إلى هنا الخبر في الأغاني 4/ 203.
[12] في أ «فلما كان يعرق الطيب» .(3/121)
وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة قبل/ الأسرى بيوم، وقال: «استوصوا بالأسرى خيرا» . فكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم، أخو مصعب بن عمير، [فقال أبو عزيز: مر بي أخي مصعب بن عمير] [1] ورجل من الأنصار يأسرني، فقال له: شد يديك به، فإن أمه ذات متاع، لعلها أن تفتديه منك. وكنت فِي رهط من الأنصار، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز، وأكلوا التمر لوصية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياهم بنا، ما يقع في يد رجل منهم كسرة من الخبز إلا نفحني بها، فأستحي فأردها فيردها علي ما يمسها [2]
. فصل
قال ابن إسحاق [3] : وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبد الله بن إياس الخزاعي.
وقال أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [4] : كُنْتُ غُلامًا لِلْعَبَّاسِ [بْنِ عَبْدِ المطلب] [5] ، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وكان العباس يهاب قومه، ويكره أن يخالفهم، [وكان يكتم] إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرق. فلما جاء الخبر عن مصاب أهل بدر [من قريش] [6] وجدنا في أنفسنا قوة وعزّا، فو الله إني لجالس في حجرة زمزم أنحت القداح، وعندي أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر، فجلس، فأقبل أبو سفيان بن الحارث، فقال له أبو لهب: هلم إلي يا ابن أخي، فعندك الخبر، فأقبل فجلس إِلَيْهِ، فقال: أخبرني كيف كان أمر الناس، قال: لا شيء، والله إن كان إلا لقيناهم، فمنحناهم أكتافنا، يقتلون ويأسرون كيف شاءوا، وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[2] إلى هنا الخبر في الطبري 2/ 461.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 461، وسيرة ابن هشام 1/ 646. والبداية والنهاية.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 461، وسيرة ابن هشام 1/ 646، والأغاني 4/ 205، 206.
[5] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[6] في الأصل: فيكتم.(3/122)
بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض، ما [تليق شيئا، ولا] [1] يقوم لها شيء.
قال أبو رافع: فقلت: فتلك الملائكة، فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة، فثاورته، فاحتملني، فضرب بي الأرض ثم برك علي يضربني، فقامت أم الفضل إلى عمود فضربته به ضربة شجته، وقالت: تستضعفه إن/ غاب عنه سيده، فقام موليا ذليلا، فو الله ما عاش إلا سبع ليال حتى مات.
قال ابن إسحاق [2] : وحدثني يحيى بن عباد، عن أبيه، قال: ناحت قريش على قتلاهم، ثم قالوا: لا تفعلوا ذلك فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا [3] بنا، ولا تبعثوا في فداء الأسارى حتى تستأنوا [4] بهم لئلا يشتط عليكم في الفداء [5] .
وكان الأسود بن عبد يغوث [6] قد أصيب له ثلاثة من ولده: زمعة، وعقيل، والحارث [7] ، وكان يحب أن يبكي [على] [8] بنيه، فسمع نائحة في الليل، فقال لغلامه: انظر هل أحل النحيب؟ هل بكت قريش على قتلاها لعلي أبكي على زمعة، فإن جوفي قد احترق. فقال الغلام: إنما هي امرأة على بعير [9] لها قد أضلته.
وخرج مطلب بن وداعة بفداء أبيه، فأخذه بأربعة آلاف درهم [10] .
ثم خرج مكرز بن حفص في فداء سهيل بن عمرو، فلما انتهى إلى رضاهم في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناه من الطبري.
[2] ثاورته: وثبت إليه.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 463، وسيرة ابن هشام 1/ 647، والأغاني 4/ 206.
[4] كذا في ابن هشام والأغاني، وفي الطبري: «فيشمت بكم» .
[5] حتى تستأنوا بهم: أي تؤخروا فداءهم.
[6] في الطبري وابن هشام: «لا يتأرب عليكم محمد وأصحابه في الفداء» .
[7] كذا في الأصول، وفي أحد نسخ الطبري المخطوط. وقد اختار محقق المطبوعة ما في نسخة أخرى «الأسود بن عبد المطلب» ، وقال: كذا في السيرة، وهو الموافق لما في حماسة أبي تمام، والاشتقاق لابن دريد.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري، وابن هشام.
[9] في الأصل: «على غلام» ، والتصحيح من الطبري.
[10] مختصرا من رواية في الطبري 2/ 465.(3/123)
الفداء، قالوا: هات، قال: ضعوا رجلي مكانه وخلوا سبيله يبعث إليكم بالفداء [1] .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعباس [2] : افد نفسك وابني أخيك عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن عمرو، فإنك ذو مال. فقال: [يا رسول الله] [3] إني كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني، فقال: الله أعلم بإسلامك إن يكن ما ذكرت حقا فاللَّه يجزيك به، فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، وكان معه عشرون أوقية حين أخذ [4] ، فقال: احسبها لي في فدائي، قال: لا، ذاك شيء أعطاناه الله عز وجل منك، قال: فليس لي مال، قال: فأين المال الذي وضعته بمكة حيث خرجت من عند أم الفضل، ليس معكما [5] أحد. ثم قلت لها: إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا وكذا، ولعبد الله كذا وكذا، ولقثم كذا وكذا، ولعبيد الله كذا وكذا، قال: والذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد غيري وغيرها، وإني أعلم أنك رسول الله حقا، ففدى/ نفسه وابني أخيه [6] وحليفه.
وكان في الأسارى أبو العاص بن الربيع، زوج زينب، وكانت زينب قد آمنت برسول الله، فأقام أبو العاص على شركه معها، فخرج يوم بدر فأسر، فبعثت زينب في فدائه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص، حين بنى بها، فلما رآها رسول الله رق لها رقة شديدة، وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها فافعلوا، فقالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه، وردوا عليها ذلك. وكان قد شرط لرسول الله أن يخلي سبيل زينب إليه، فقدم أبو العاص مكة، وأمر زينب باللحوق برسول الله، فتجهزت وقدم إليها حموها كنانة بن الربيع وزوجها بعيرا فركبته، وأخذ قوسه وكنانته، وخرج بها نهارا يقود بها، وهي في الهودج، فتحدث بذلك رجال قريش، فخرجوا في طلبها فأدركوها بذي طوى، فأول من سبق إليها هبّار بن
__________
[1] مختصرا من رواية في الطبري نفس الموضع.
[2] أخرج الخبر الطبري في التاريخ 2/ 465، والأغاني 4/ 207، عن ابن عباس.
[3] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[4] في الطبري: «وكأن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد أخذ منه عشرين أوقية من ذهب» .
[5] في الأصب: «معكم» .
[6] في الطبري: «وابني أخيه» .(3/124)
الأسود بالرمح، وكانت حاملا، فألقت حملها، ونزل حموها فنثر كنانته، وقال، والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما، فرجع الناس عنه، فجاء أبو سفيان، فقال ويحك قد عرفت مصيبتنا ثم خرجت بالمرأة علانية، فيظن الناس إن ذلك عن ذل منا، ولعمري ما لنا حاجة فِي حبسها عن أبيها، ولكن ردها، فإذا هدأ الصوت، وتحدث الناس أنا قد رددناها، فسلها سرا فألحقها بأبيها، ففعل وأقام أبو العاص بن الربيع بمكة، وزينب عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، قد فرق بينهما الإسلام، حتى إذا كان قبيل الفتح، خرج أبو العاص تاجرا، فلما لحقته سرية لرسول الله، فأصابوا ما معه وهرب، فأقبل تحت الليل حتى دخل على زينب فاستجار بها، فلما خرج رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى الصبح صاحت زينب: أيها الناس إني قد/ أجرت أبا العاص بن الربيع، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، أقبل عليهم، فقال: هل سمعتم ما سمعت، قالوا: نعم، قَالَ: والذي نفسي بيده ما علمت بشيء كان حتى سمعت منه ما سمعتم، إنه يجير على المسلمين أدناهم. ثم دخل على ابنته، فقال: أي بنية أكرمي مثواه، ولا يخلص إليك، فإنك لا تحلين له.
وقال للسرية التي أصابت ماله: إن تحسنوا تردوا عليه، وإن أبيتم فهو فيء، وأنتم أحق بِهِ، قالوا: بل نرده فردوه.
ثم ذهب إلى مكة فرد ما للناس عنده من مال، ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم عندي مال، قالوا: لا، قال: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وأن محمدا عبده ورسوله، والله ما منعني من الإسلام إلا خوفا أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم، ثم خرج فقدم عَلَى رسول الله [1] .
قال ابن عباس: فرد رسول الله زينب بالنكاح الأول، لم يحدث شيئا بعد ست سنين ( [2] .
وفي رواية أخرى ردها بنكاح جديد.
قال ابن إسحاق [3] : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، قال: جلس
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 469.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 472، وسيرة ابن هشام 1/ 658، 659.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 472، وسيرة ابن هشام 1/ 661.(3/125)
عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش بيسير، وهو في الحجر، وكان عمير شيطانا من شياطين قريش، وكان يؤذي رسول الله وأصحابه، وكان ابنه وهيب بن عمير في أسارى بدر، فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: والله إن ليس في العيش خير بعدهم، فقال له عمير: صدقت والله أما والله لولا دين علي ليس عندي قضاؤه، وعيال أخشى عليهن الضيعة لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي قبلهم علة ابني أسير في أيديهم.
فقال صفوان: فعلي دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أسوتهم ما بقوا، قال عمير: فاكتم علي شأني وشأنك، قال افعل.
ثم إن عميرا أمر بسيفه فشحذ له وسم، ثم انطلق حتى قدم المدينة، فرآه/ عمر قد أناخ بعيره على باب المسجد متوشحا السيف، فقال: هذا عدو الله عمير ما جاء إلا لشر، وهو الَّذِي حرش بيننا، وحزرنا للقوم يوم بدر، ثم دخل عمر على رسول الله، فقال: يا نبي الله، هذا عدو الله عمير، قد جاء متوشحا، قال: فأدخله علي.
قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه، قال: أرسله يا عمر، أدن يا عمير، فدنا ثم قَالَ: أنعموا صباحا، وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قد أكرمنا الله بتحية خيرا من تحيتك يا عمير، بالسلام، تحية أهل الجنة، ما جاء بك يا عمير» ؟ قال: جئت لفداء الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه، قال: فما بال السيف في عنقك قال: قبحها اللَّه من سيوف، وهل أغنت عنا شيئا، قال: أصدقني بالذي جئت له، قال: ما جئت له، قال: ما جئت إلا لذلك، قال: بلى، قعدت أنت وصاحبك صفوان بن أمية في الحجر، فذكرت ما أصاب أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعلي عيال لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني، والله عز وجل حائل بيني وبينك.
فقال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا نكذبك، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فو الله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد للَّه الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق. ثم تشهد شهادة الحق، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقهوا أخاكم في دينه، وعلموه القرآن، واطلقوا له أسيره.(3/126)
ففعلوا، ثم قال يا رسول الله، إني كنت جاهدا في إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وإني أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، لعل الله أن يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم.
فأذن لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلحق بمكة، وكان صفوان حين خرج عمير بن وهب يقول لقريش: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام/ تنسيكم وقعة بدر. وكان صفوان يسأل عنه الركبان حتى قدم راكب فأخبره بإسلامه، فحلف أن لا يكلمه أبدا، ولا ينفعه بنفع أبدا، فلما قدم مكة أقام بها يدعو إلى الإسلام، ويؤذي من خالفه، فأسلم على يديه ناس كثير
. ذكر فضل من شهد بدرا
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا السَّرْخَسِيُّ، قَالَ: أخبرنا الفربري، قال: أخبرنا البخاري، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَّدَثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ-[وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ] [1] ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا تَعُدُّونَ أَهْلُ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قَالُوا:
«مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ» أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلائِكَةِ.
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ [2] .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»
. ذكر عدد أهل بدر
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من البخاري.
[2] صحيح البخاري (فتح الباري 7/ 312، رقم (3992) .(3/127)
جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، وَسُفْيَانُ، وَإِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ:
كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ على عدة أصحاب طالوت يوم جالوت ثلاثمائة وَبِضْعَةَ عَشَرَ، الَّذِينَ جَازُوا مَعَهُ النَّهْرَ، وَلَمْ يُجَاوِزْ مَعَهُ النَّهْرَ إِلا مُؤْمِنٌ.
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ [1] .
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ دِيَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ، عَنِ الْحَكَمِ، عِنْ مُقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ:
أَهْلُ بَدْرٍ كانوا ثلاثمائة وَثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ سِتَّةً وَسَبْعِينَ، وَكَانَ هَزِيمَةُ يَوْمِ بَدْرٍ لِسَبْعَ عَشَرَةَ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ [2] .
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ مُقْسَمٍ/، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعَةَ وَسَبْعِينَ رَجُلا، وَالأَنْصَارُ مَائَتَيْ وسِتَّةٍ وَثَلاثِينَ.
[وكان صاحب راية رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي بن أبي طالب،] [3] وكان صاحب راية الأنصار سعد بن عبادة [4] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدٌ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو محمد بْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ، قَالَ:
كَانَ عدة أصحاب بدر ثلاثمائة وَثَلاثَةَ عَشَرَ أَوْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: سَبْعُونَ وَمِائَتَانِ من الأنصار، وبقيتهم من سائر الناس [5] .
__________
[1] مسند أحمد بن حنبل 4/ 290، وتاريخ الطبري 2/ 431، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 10، والبداية والنهاية 3/ 314.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 431، وطبقات ابن سعد 1/ 2/ 11.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 431، والأغاني 4/ 175.
[5] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 10.(3/128)
قال محمد بن سعد: جميع من شهد بدرا من المهاجرين الأولين من قريش وحلفائهم ومواليهم في عدد ابن إسحاق ثلاثة وثمانون، وفي عدد الواقدي: خمسة وثمانون.
وجميع من شهد بدرا من الأوس ومن ضرب له بسهمه وأجره في عدد موسى بن عقبة والواقدي ثلاثة وستون، وفي عدد ابن إسحاق وأبي معشر أحد وستون. وجميع من شهدها من الخزرج في عدد الواقدي مائة وخمسة وسبعون. [وفي عدد ابن إسحاق وأبي معشر مائة وسبعون] [1] .
فجميع من شهدها من المهاجرين والأنصار ومن ضرب لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه وأجره في عدد ابن إسحاق ثلاثمائة وأربعة عشر، وفي عدد أبي معشر والواقدي ثلاثمائة وثلاثة عشر، وفي عدد موسى بن عقبة ثلاثمائة وستة عشر.
[قال المصنف رحمه الله: وقد ذكر قوم زيادة على هذا العدد] [2] ، وأنا أذكر ما صح من ذلك عَلَى حروف المعجم، وقد استقصيت أنسابهم والخلاف فيهم في كتاب «التلقيح» ، والله الموفق.
حرف الألف:
أبي بن كعب، أبي بن ثابت، الأرقم بن أبي الأرقم، أربد بن حمير، أسعد بن يزيد بْن الفاكة، أسير بن عمرو، أنس بن قتادة، أنس بن معاذ، أنسة [مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [3] ، أوس بْن الصامت، أوس بن ثابت، أوس بن خولي، إياس بن البكير.
حرف الباء:
بجير، بحاث، بسبس، بشر بن البراء، بشير بن سعد، بلال بن رباح.
حرف التاء:
تميمى بن يعار، تميمى مولى خداش، تميمى مولى بني غنم.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(3/129)
حرف الثاء:
ثابت بن أقرم [1] ، ثابت بن ثعلبة، [ثابت بن خالد، ثابت بن هزال، ثعلبة بن حاطب، ثعلبة بن عمرو] [2] ، ثعلبة بن غنمة، ثقيف بن عمرو.
حرف الجيم:
جابر بن خالد، جابر بن عبد الله بن رئاب، جبار بن صخر [3] ، جبر بن عتيك، جبير بن إياس.
حرف الحاء:
الحارث بن أنس، الحارث بن أوس، الحارث بن حرمة، الحارث بن ظالم، الحارث بن قيس بن خالد، الحارث بن النعمان بن أمية، حارثة بن النعمان بن رافع، حارثة بن النعمان بن نفيع، حارثة بن سراقة، حاطب بن أبي بلتعة، حاطب بن عمرو، الحباب بن المنذر، حبيب بن الأسود، حرام بن ملحان، حريث بن زيد [4] ، حصين ابن الحارث، حمزة بْن عبد المطلب، حارثة بن الحمير، وقيل: حمرة.
حرف الخاء:
خالد بن البكير، خالد أبو أيوب الأنصاري، خالد بن قيس، خارجة بن زيد، خباب بن الأرت، خباب مولى عتبة بن غزوان، خبيب بن يسار، خداش بن الصمة، خلاد [5] بن رافع، خلاد بن سويد، خلاد بن عمرو، خليد بن قيس بن نعمان، خليفة بن عدي، خنيس بن حذافة، خولي بن أبي خولي.
حرف الدال:
وليس في حرف الدال أحد.
حرف الذال:
ذكوان بن عبد قيس، ذو الشمالين.
__________
[1] في أ: «أرقم» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل. وأوردناه من أ.
[3] في أ: «جابر بن صخر» .
[4] في أ: «حريث بن يزيد» .
[5] في الأصل: خالد والتصحيح من الطبقات.(3/130)
حرف الراء:
رافع بن الحارث، رافع بن عنجدة، رافع بن المعلى، الربيع بن إياس، ربيعة بن أكثم، ربعي بن رافع، رجيلة بن ثعلبة، رفاعة بن رافع رفاعة بن عبد المنذر، رفاعة بن عمرو.
حرف الزاي:
الزبير بن العوام، زيد بن أسلم، زيد بن حارثة، زيد بن الخطاب، زيد بن سهل أبو طلحة، زيد بن وديعة، زياد بن كعب، زياد بن لبيد.
حرف السين:
سالم بن عمير، سالم مولى أبي حذيفة، السائب بن عثمان بن مظعون، سبيع بن قيس، سراقة بن عمرو، سراقة بن كعب، سعد بن خولة، سعد بن خيثمة، سعد بن الربيع، سعد بْن سهيل، سعد بن عثمان الزرقي، سعد بن عمير أبو زيد، سعد بن أبي وقاص، سعد بن معاذ، سعيد بن قيس، سفيان بن بشر، سلمة بن أسلم، سلمة بن ثابت، سلمة بن سلامة، سليم بن الحارث، سليم بن عمرو، سليم بن قيس، سليم بن ملحان، سليم أبو كبشة، سليط بن قيس، سماك أبو دجانة، سماك بن سعد، سنان بن صيفي، سنان بن أبي سنان، سواد بن رزن، سواد بن غزية، سويبط، سهل بن حنيف، سهل بن عتيك، سهل بن عدي، سهل بن قيس، سهل بن رافع، سهيل بن بيضاء.
حرف الشين:
شجاع بن وهب، شماس بن عثمان.
حرف الصاد:
صالح وهو شقران، صفوان بن بيضاء.
حرف الضاد:
الضحاك بن عبد عمرو، ضمرة بن عمرو.(3/131)
حرف الطاء:
الطفيل بن الحارث، الطفيل بن مالك، الطفيل بن النعمان.
حرف العين:
عاصم بن ثابت، عاصم بن البكير، عاصم بن قيس، عاقل بن البكير، عامر بن أمية، عامر بن ربيعة، عامر بن سلمة، عامر أبو عبيدة الجراح، عامر بن فهيرة، عامر بن مخلد، عائذ بن ماعص، عباد بن بشر، عباد بن قيس، عبادة بن الخشخاش، عبادة بن قيس بن عبسة، عبد الله بن أنيس، عبد الله بن ثعلبة، عبد الله بن جبير، عبد الله بن جحش، عبد الله بن الجد بن قيس، عبد الله بن الربيع، عبد الله بن رواحة، [عبد الله بن زيد] [1] ، عبد الله بن سراقة، عبد الله بن سلمة، [عبد الله بن سهل، عبد الله بن سهيل بْن عمرو، عبد الله بن طارق، عبد الله بن عبد الله بن أبي، عبد الله هو أبو سلمة] [2] ، عَبْد اللَّه بن عبد مناف، عبد الله بن عبس، عبد الله أبو بكر الصديق، عبد الله بن عرفطة، عبد الله بن عمرو بن حرام، عبد الله بن عمر، عبد الله بن قيس بن صخر، عَبْد اللَّه بن قيس بن خالد، عبد الله بن مخرمة، عبد الله بن مسعود، عبد الله بن مظعون، عبد الله بن النعمان، عبد الرحمن بن جبير، عبد الرحمن بن عبد الله، عبد الرحمن بن عوف، عبد رب الأنصاري، عبيد بن أوس، عبد بن زيد، عتبة بن غزوان، عتبة بن عَبْد الله، عتيك بن التيهان، عثمان بن مظعون، عدي بن أبي الزغباء، عصمة حليف الأنصار من بني أسد، عصيمة حليف لهم من أشجع، عقبة بن عامر، عقبة بن وهب بن كلدة، عقبة بن وهب بن ربيعة، عكاشة بن محصن، علي بن أبي طالب، عمارة بن حزم، عمار بن ياسر، عمر بن الخطاب، عمرو بن إياس، عمرو بن ثعلبة، عمرو بن سراقة، عمرو بن طلق، عمرو بن معاذ، عمرو بن أبي سرح ويقال معمر، عمير بن الحارث، عمير بن الحمام، عمير بن عامر، عمير بن عوف ويقال عمرو، عمير بن أبي وقاص، عمير بن معبد وقيل
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.(3/132)
عُمَر، عمرة بن عمرو، عوف بن أثاثة وهو مسطح، عوف بن عفراء، عويمر بن ساعدة، عياض بن زهير/.
حرف الغين:
غنام بن أوس.
حرف الفاء:
الفاكه بن بشر، فروة بن عمرو.
حرف الكاف:
كعب بن جماز، كعب بن زيد، كعب أبو اليسر، كناز بن الحصين.
حرف الميم:
مالك بن التيهان، مالك بن نميلة، مالك بن الدخشم، مالك بن ربيعة أبو أسيد، مالك أخو ... ، مالك أبو حبة، مالك بن أبي خولي، مالك بن قدامة، مالك بن مسعود، ميسرة بن عبد المنذر، المجذر [بن زياد] [1] ، محرز بن عامر، محرز بن نضلة، مُحَمَّد بْن مسلمة، مدلاج، مرثد، مسعود بن أوس، مسعود بن خالد، مسعود بن الربيع، مسعود بن سعد الحارثي، مسعود بن سعد الزرقي، مصعب بن عمير، معاذ بن جبل، معاذ بن عفراء، معاذ بن عمرو، معاذ بن ماعص، معبد بن عبادة، معبد بن قيس، معتب بن عبدة، معتب بن حمراء، معتب بن قشير، معقل بن المنذر، معمر بن الحارث، معن بن عدي، معوذ بن عفراء، معوذ بن عمرو، المقداد، مليك بن وبره، المنذر بن عمرو، المنذر بْن قدامة، المنذر بن محمد، مهجع.
حرف النون:
نصر بن الحارث، النعمان بن ثابت، النعمان بن سنان، النعمان بن عبد عمرو، النعمان بن عمرو، النعمان بن عصر، النعمان بن مالك، النعمان بن أبي حلقة، نوفل بن عبد الله.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن هشام.(3/133)
حرف الهاء:
هاني بن نيار، هشام بن عتبة، هلال بن المعلى.
حرف الواو:
واقد بن عبد الله، وديعة بن عمرو، وذفة، وهب بن سعد، وهب بن محصن.
حرف الياء:
يزيد بن الحارث، يزيد بن رقيش، يزيد بن عامر، يزيد بن/ المنذر يزيد بن المزين.
وممن يعرف بكنيته ممن شهدها:
أبو الحمراء، أبو خزيمة، أبو سبرة، أبو مليك.
وامتنع من شهودها ثمانية لأعذار، فضرب لهم النبي صلى الله عليه وسلم بسهامهم وأجورهم، فكانوا كمن شهدها، وهم:
عثمان بن عفان، وطلحة، وسعيد، والحارث بن حاطب، والحارث بن الصمة، وخوات، وعاصم بن عدي، وأبو لبابة
. فصل
ولما التقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشركين يوم بدر، فنصر عليهم، وافق ذلك اليوم التقاء فارس بالروم، فنصرت الروم، ففرح [1] المسلمون بالفتحين.
قال مؤلف الكتاب [2] : وإنما فرحوا لأن الروم أصحاب كتاب، وفارس لا كتاب لهم.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خيرون، قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان، قال: أخبرنا أحمد بن كامل، قال: حدثني مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله:
__________
[1] في الأصل: ففرحت.
[2] «قال مؤلف الكتاب» : ساقط من أ.(3/134)
يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ الله 30: 4- 5 [1] ، كَانَ ذَلِكَ فِي أَهْلِ فَارِسَ وَالرُّومِ، كَانَتْ فَارِسُ قَدْ غَلَبَتْهُمْ- يَعْنِي الرُّومَ- بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَقِيَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ يَوْمَ الْتَقَتِ الرُّومُ وَفَارِسُ، فَنَصَرَ اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَنَصَرَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى مُشْرِكِي الْعَجَمِ، [فَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ أَتَاهُمْ] [2] ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ الله 30: 4- 5
. [سرية عمير بن عدي]
[3] ومن الحوادث في هذه السنة: سرية عمير بن عدي بن خرشة إلى عصماء بنت مروان، لخمس ليال بقين من رمضان على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة.
وكانت عصماء تعيب الإسلام وتؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول الشعر. فجاءها عمير [في جوف الليل] [4] حتى دخل عليها بيتها وحولها/ نفر من ولدها نيام، منهم من ترضعه في صدرها، فنحى الصبي عنها ووضع سيفه في صدرها حتى أنفذه [5] من ظهرها. وصلى الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أقتلت ابنة مروان؟» ، قال:
نعم [6] قال: «لا ينتطح فيها عنزان» . فكانت هذه الكلمة أول مَا سمعت من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
. [سرية سالم بن عمير]
[7] ومن الحوادث: سرية سالم بن عمير إلى أبي عفك اليهودي في شوال [على رأس
__________
[1] سورة: الروم، الآية: 4، 5.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[3] المغازي للواقدي 1/ 172، وسماها: «سرية قتل عصماء بنت مروان» ، طبقات ابن سعد 1/ 2/ 18.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[5] في الأصل: «أنفذها» .
[6] في ابن سعد بعدها: «فهل علي في ذلك شيء» .
[7] المغازي للواقدي 1/ 174، وسماها: «سرية قتل أبي عفك، وطبقات ابن سعد 1/ 2/ 19.
والبداية والنهاية 4/ 5.(3/135)
عشرين شهرا من الهجرة] [1] . وكان أبو عفك شيخا كبيرا يهوديا قد بلغ مائة وعشرين سنة، وكان يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول الشعر. فقتله سالم بن عمير
. [غزوة بني قينقاع]
[2] ومن الحوادث: غزوة [3] بني قينقاع، وكأن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد وادع حين قدم المدينة يهودها على أن لا يعينوا عليه أحدا، وأنه إذا دهمه بها عدو نصروه. فلما انصرف من بدر أظهروا له الحسد والبغي، وقالوا: لم يلق محمدا من يحسن القتال، ولو لاقيناه لاقى عندنا قتالا لا يشبهه قتال أحد، ثم أظهروا له نقض العهد.
قال ابن إسحاق [4] : فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قينقاع، وكانوا [5] أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال لهم: «يا معشر اليهود، احذروا من الله عز وجل [مثل] [6] ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل» ، فقالوا:
يا محمد، إنك ترى أنا كقومك، لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب، [فأصبت منهم فرصة، إنا والله لئن حاربتنا لتعلمن أنا نحن الناس] [7] .
فخرج للنصف من شوال، وحمل لواءه يومئذ حمزة، واستخلف على المدينة أبا لبابة، فتحصنوا في حصونهم، فحاصرهم خمسة عشر ليلة، فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتفوا وهو يريد قتلهم، فكلمه فيهم عبد الله بن أبي، فقال: يا محمد، أحسن في موالي- وكانوا حلفاء الخزرج- فأعرض عنه فأعاد السؤال، فأعرض عنه فأدخل يده
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[2] المغازي للواقدي 1/ 176، طبقات ابن سعد 1/ 2/ 19، وتاريخ الطبري 2/ 479، والبداية والنهاية 4/ 3، والكامل لابن الأثير 2/ 33، وابن سيد الناس 1/ 294، والاكتفاء 2/ 79، وسيرة ابن هشام 2/ 47، والدلائل 3/ 173، وابن حزم 154، والسيرة الحلبية 2/ 272، والسيرة الشامية 4/ 265.
[3] في الأصل: «غزاة» .
[4] تاريخ الطبري 2/ 479، وسيرة ابن هشام 2/ 47.
[5] في الأصل: وكان.
[6] ما بين المعقوفتين: من أ.
[7] ما بين المعقوفتين: من الطبري.(3/136)
في جيب/ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: يا رسول الله، أحسن [1] ، قال: «ويحك أرسلني» ، قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن إلى موالي، أربع مائة حاسر، وثلاث مائة دارع وقد منعوني من الأسود والأحمر، تحصدهم في غداة واحدة، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هم لك» [2] .
ثم أمر بإجلائهم، وغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ما كان لهم من مال، فكان أول مال خمس في الإسلام بعد بدر، ثم انصرف إلى المدينة.
وبعض العلماء يرى أن غزاة بني قينقاع كانت في سنة ثلاث، وكانت قبلها غزوات.
ومن الحوادث في هذه السنة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فصلى صلاة العيد وضحى هو والأغنياء من أصحابه، وهو أول عيد أضحى رآه المسلمون يومئذ، وكان ذلك في سنة ثلاث من هجرته صلى الله عليه وسلم
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
8- حارثة بن سراقة
[3] :
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، أَخْبَرَنَا الْفَرَبْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ أُمَّ الرَّبِيعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ، وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَلا تُحَدَّثَنِي عَنْ حَارِثَةَ- وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرِبٌ [4]- فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَأَحْسَنْتُ [5] ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ. فَقَالَ: «يَا أم حارثة
__________
[1] في تاريخ الطبري: «فأدخل يده في جيب رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلني» .
[2] تاريخ الطبري 2/ 480.
[3] انظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 2/ 68) .
[4] سهم غرب: لا يعرف راميه، أو لا يعرف من أين أتى.
[5] «وأحسنت» ساقطة من البخاري.(3/137)
إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى» . [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ] [1] .
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: قَتَلَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ حِبَّانَ بْنَ الْعَرَقَةِ [2] ، رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ حَنْجَرَتَهُ، فَقَتَلَهُ
. 9- رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن زيد [3] :
شهد بدرا، فقتله عكرمة بن أبي جهل
. 10-/ رقية بنت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم [4] :
كان تزوجها عتبة بن أبي لهب قبل النبوة، فلما بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وأنزل الله عليه: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ 111: 1 [5] ، قال له أبوه: رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته. ففارقها ولم يكن دخل بها.
قال مؤلف الكتاب [6] : وهذا وأخوه معتب ابنا أبي لهب أسلما [وثبتا] [7] مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [في] [8] غزوة خيبر، وبايعت رقية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها عثمان، وهاجرت معه الهجرتين إحداهما إلى أرض الحبشة [9] ، وكانت قد أسقطت من عثمان سقطا، ثم ولدت له بعد ذلك ابنا فسماه عبد الله، وكان يكنى به في الإسلام، ومرضت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى بدر، فخلف عليها عثمان، فتوفيت في رمضان ورسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر، فدخل المدينة وقد سوي عليها التراب.
__________
[1] فتح الباري 6/ 25، 26، حديث رقم (2809) وراجع أيضا (3982، 6550، 6567) .
[2] في أ: «حبان بن العرقة على ما سبق بيانه» .
[3] هذه الترجمة ساقطة من أ، وانظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 2/ 133) .
[4] طبقات ابن سعد 8/ 24.
[5] سورة: المسد، الآية: 1.
[6] «قال مؤلف الكتاب» : ساقطة من أ.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[9] في أ: «وهاجرت معه إلى أرض الحبشة الهجرتين» .(3/138)
11- سعد بن خيثمة [1]
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن معروف، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، [أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
كَانَ سَعْدُ] [2] بْنُ خَيْثَمَةَ أَحَدَ نُقَبَاءِ الأَنْصَارِ الاثْنَيْ عَشَرَ، شَهِدَ الْعَقَبَةَ الأَخِيرَةَ مَعَ السَّبْعِينَ وَلَمَّا نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم الناس إلى غزاة بدر، قال له أبو خَيْثَمَةُ: إِنَّهُ لا بُدَّ لأَحَدِنَا مِنْ أَنْ يُقِيمَ فَآَثِرْنِي بِالْخُرُوجِ وَأَقِمْ مَعَ نِسَائِكَ، فَأَبَى سَعْدٌ وَقَالَ: لَوْ كَانَ غَيْرَ الْجَنَّةِ لآَثَرْتُكَ بِهَا، إِنِّي لأَرْجُو الشَّهَادَةَ فِي وَجْهِي. فَاسْتَهَمَا فَخَرَجَ سَهْمُ سَعْدٍ، فَخَرَجَ فَقُتِلَ بِبَدْرٍ [3]
. 12- سعد بن مالك بن خلف بن ثعلبة بن حارثة [4] :
تجهز ليخرج إلى بدر فمرض فمات، فضرب لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه وأجره [5]
. 13- صفوان بن بيضاء [6] :
قتل يوم بدر، قال الواقدي [7] : وقد روي لنا أنه لم يقتل ببدر، وأنه شهد المشاهد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوفي/ في سنة ثمان وثلاثين [8]
. 14- عاقل بن أبي البكير بن عبد يا ليل بن ناشب [9] :
كذلك كان يقول أبو معشر، والواقدي [10] . وقال موسى بن عقبة: عاقل بن البكير [11] .
__________
[1] في الأصل: «سعد بن أبي خيثمة» . وانظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 2/ 47) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 47.
[4] انظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 2/ 150) .
[5] جاء في أبعد هذه الترجمة ترجمة سعيد بن العاص أبو أحيحة، وهذا ليس موضعها، وستأتي في من مات من الكفار بعد قليل.
[6] انظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 1/ 303) .
[7] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 303.
[8] وهذه الترجمة ساقطة من أ، وجاء مكانها ترجمة سعيد بن العاص أبو أحيحة.
[9] في الأصل ثابت، وانظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 1/ 282) .
[10] في الأصل: «كان يقول أبو معشر كذلك والواقدي» ، وما أوردنا من ألوضوحه.
[11] ساقطة من أ، وفي الطبقات ما يفيد أنه قول ابن إسحاق والكلبي أيضا.(3/139)
أسلم في دار الأرقم، وخرج بنو البكير كلهم من مكة للهجرة، فأوعبوا رجالهم ونساؤهم، حتى غلقت أبوابهم.
قال مؤلف الكتاب [1] : قتل عاقل يوم بدر شهيدا، وهو ابن أربع وثلاثين سنة. قتله مالك بن زهير الجشمي
. 15- عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، ويكنى أبا الحارث [2] :
كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر سنين، وأسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وآخى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين بلال.
وأول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم المدينة لحمزة ثم لعبيدة. وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستين راكبا، فلقوا أبا سفيان، ولم يكن بينهم إلا الرمي.
وقتل عبيدة يوم بدر، قتله شيبة بن ربيعة، فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء، وكان ابن ثلاث وستين سنة
. 16- عمير بن الحمام [3] :
آخى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين عبيدة بن الحارث، وقتلا جميعا ببدر.
وكان عمير أول من قتل من الأنصار يومئذ. قتله خالد بن الأعلم.
أَخْبَرَنَا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا عَفَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي قُبَّةٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ: «قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» . فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحَمَّامِ: بَخٍ بَخٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لم
__________
[1] «قال مؤلف الكتاب» ساقطة من أ.
[2] انظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 1/ 34) .
[3] هذه الترجمة ساقطة من أ. وانظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 2/ 108) .(3/140)
تُبَخْبِخُ» / قَالَ: رَجَاءً أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا [1] ، [قَالَ: «فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا» ] [2] ، قَالَ: فَانْتَثَلَ تَمْرَاتٍ مِنْ قْرَنِهِ فَجَعَلَ يَلُوكُهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ بَقِيتُ حَتَّى أَلُوكَهُنَّ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ.
فَنَبَذَهُنَّ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ [3]
. 17- عمير بن عبد عمرو بن نضلة، ذو الشمالين من خزاعة، يكنى أبا محمد [4] :
كان يعمل بعمل يديه، ويقال فيه: ذو الشمالين، وذو اليدين، إلا أن الصحيح أنهما اثنان.
قدم إلى مكة، قتل يوم بدر وهو ابن بضع وثلاثين سنة
. 18- عمير بن أبي وقاص، أخو سعد [5] :
وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية.
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن فَهْمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَخِي عُمَيْرَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَبْلَ أَنْ يَعْرِضَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخُرُوجِ إِلَى بَدْرٍ يَتَوَارَى، فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا أَخِي؟ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَرَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْتَصْغِرُنِي فَيَرُدُّنِي، وَأَنَا أُحِبُّ الْخُرُوجَ لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقَنِي الشَّهَادَةَ. قَالَ: فَعُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَصْغَرَهُ، فَقَالَ: «ارْجِعْ» ، فَبَكَى عُمَيْرٌ فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ سَعْدٌ: وَكُنْتُ أَعْقِدُ لَهُ حَمَائِلَ سَيْفِهِ مِنْ صِغَرِهِ، فَقُتِلَ بِبَدْرٍ وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً، قَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ عبد ودّ [6] .
__________
[1] في ابن سعد: «أرجو أن أكون من أهلها» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقطت من الأصل، وأوردناها من ابن سعد.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 108. والطبري 2/ 33 ط دار الكتب العلمية.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 118.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 106.
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 106.(3/141)
19- عوف بن عفراء:
استشهد يوم بدر
. 20- معوذ بن عفراء:
قتل ببدر
. 21- مبشر بن عبد المنذر بن رفاعة [1] :
شهد بدرا، وقتل يومئذ شهيدا
. 22- مهجع مولى عمر بن الخطاب [2] :
كان من المهاجرين، وهو أول قتيل قتل يوم بدر، قتله عامر بن الحضرمي
. 23- هلال بن المعلى [3] :
قتل ببدر
. 24- يزيد بن الحارث بن قيس بن مالك:
شهد بدرا وقتل يومئذ
. فصل وفي هذه السنة مات/ جماعة من رؤساء الكفار منهم
25- أمية بن أبي الصلت: [4]
واسم أبي الصلت ربيعة بن عوف، كان أمية قد قرأ الكتب المتقدمة، ورغب عن عبادة الأوثان، وأخبر أن نبيا قد أظل زمانه، [وأنه سيخرج] ، وكان يؤمل أن يكون هو ذلك النبي، فلما بلغه خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر به حسدا له، ولما أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره، قال: «آمن لسانه وكفر قلبه» . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الَّلِه، هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يحيى بن ثعلب، قال: أخبرنا
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 28.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 285.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 33.
[4] أخبار أمية بن أبي الصلت في البداية والنهاية 2/ 205 وما بعد.(3/142)
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ الطَّرِيحِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ:
خَرَجْتُ أَنَا وَأُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ تُجَّارًا إِلَى الشَّامِ، قَالَ: فَكُلَّمَا نَزَلْنَا مَنْزِلا أَخْرَجَ أُمَيَّةُ سِفْرًا يَقْرَأُهُ عَلَيْنَا، فَكُنَّا [1] كَذَلِكَ حَتَّى نَزَلْنَا بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى النَّصَارَى فَرَأَوْهُ [وَعَرِفُوهُ] [2] وَأَهْدُوا لَهُ وَذَهَبَ مَعَهُمْ إِلَى بِيَعِهِمْ، ثُمَّ رَجِعَ فِي وَسَطِ النَّهَارِ فَطَرَحَ ثَوْبَيْهِ وَاسْتَخْرَجَ ثَوْبَيْنِ أَسْوَدَيْنِ فَلَبِسَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، هَلْ لَكَ فِي عَالِمٍ مِنْ عُلَمَاءِ النَّصَارَى إِلَيْهِ تَنَاهَى عِلْمُ الْكُتُبِ تَسْأَلُهُ عَمَّا بَدَا لَكَ؟ قُلْتُ: لا، فَمَضَى هُوَ وَجَاءَنَا بَعْدَ هَدْأَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَطَرَحَ ثَوْبَيْهِ ثُمَّ انجدل على فراشه، فو الله مَا نَامَ وَلا قَامَ حَتَّى أَصْبَحَ، فَأَصْبَحَ كَئِيبًا حَزِينًا مَا يُكَلِّمُنَا وَلا نُكَلِّمُهُ، فَسِرْنَا لَيْلَتَيْنِ عَلَى مَا بِهِ مِنَ الْهَمِّ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا رَأَيْتَ مِثْلَ الَّذِي رَجِعْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِكَ؟ قَالَ: لِمُنْقَلَبِي، قُلْتُ: هَلْ لَكَ مِنْ مُنْقَلَبٍ؟
قَالَ: أَيْ وَاللَّهِ لأَمُوتَنَّ وَلأُحَاسَبَنَّ، قُلْتُ: فَهَلْ أَنْتَ قَابِلٌ أَمَانِي عَلَى، مَا قُلْتَ عَلَى أَنَّكَ لا تُبْعَثُ وَلا تُحَاسَبُ، فَضَحِكَ، وَقَالَ: بَلَى وَاللَّهِ/ لَتُبْعَثُنَّ وَلَتُحَاسَبُنَّ وَلَيَدْخُلَنَّ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي النَّارِ، قُلْتُ: فَفِي أَيِّهِمَا أَنْتَ أَخْبَرَكَ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: لا عِلْمَ لِصَاحِبِي بِذَلِكَ فِيَّ وَلا فِي نَفْسِهِ، فَكُنَّا فِي ذَلِكَ لَيْلَنَا يَعْجَبُ مِنَّا وَنَضْحَكُ مِنْهُ حَتَّى قَدِمْنَا غُوطَةَ دِمْشَقَ.
فَبِعْنَا مَتَاعَنَا وَأَقَمْنَا شَهْرَيْنِ ثُمَّ ارْتَحَلْنَا حَتَّى نَزَلْنَا قَرْيَةً مِنْ قُرَى النَّصَارَى، فَلَّمَا رَأَوْهُ جَاءُوهُ، وَأَهْدُوا لَهُ، وَذَهَبَ مَعَهُمْ إِلَى بِيَعِهِمْ حَتَّى جَاءَنَا مَعَ نِصْفِ اللَّيْلِ [3] ، فَلَبِسَ ثَوْبَيْهِ الأَسْوَدَيْنِ، فَذَهَبَ حَتَّى جَاءَنَا بَعْدَ هَدْأَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَطَرَحَ ثَوْبَهُ ثُمَّ رَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فو الله مَا نَامَ وَلا قَامَ فَأَصْبَحَ مَبْثُوثًا حَزِينًا لا يُكَلِّمُنَا وَلا نُكَلِّمُهُ.
فَرَحَلْنَا فَسِرْنَا لَيَالِيَ [4] ، ثُمَّ قَالَ: يَا صَخْرُ حَدِّثْنِي عَنْ عُتْبَةَ بن ربيعة، أيجتنب
__________
[1] في أ: «وكان كذلك» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[3] في أ: «مع نصف النهار» .
[4] في أ: «فسرنا ليلتنا» .(3/143)
الْمَحَارِمَ وَالْمَظَالِمَ؟ قُلْتُ [1] : إِيْ وَاللَّهِ، قَالَ: وَيَصِلُ الرَّحِمَ وَيَأْمُرُ بِصِلَتِهَا؟ قُلْتُ: إِيْ وَاللَّهِ، قَالَ: فَهَلْ تَعْلُمُ قُرَيْشًا أَشْرَفَ مِنْهُ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: أَوُ مُحْوَجٌ هُوَ؟ قُلْتُ: لا بَلْ هُوَ ذُو مَالٍ كَثِيرٍ، قَالَ: كَمْ أَتَى عَلَيْهِ مِنَ السِّنِّ؟ قُلْتُ: هُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً قَدْ قَارَبَهَا، قَالَ: وَالسِّنُّ وَالشَّرَفُ أَزْرَيَا بِهِ؟ قُلْتُ: لا وَاللَّهِ بَلْ زَادَهُ خَيْرًا، قَالَ: هُوَ ذَاكَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الَّذِي رَأَيْتَ بِي [الْبَارِحَةَ] [2] ، إِنِّي جِئْتُ هَذَا الْعَالِمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الَّذِي نَنْتَظِرُ، فَقَالَ: هُوَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ تَحُجُّهُ الْعَرَبُ، قَالَ: هُوَ مِنْ إِخْوَانِكُمْ وَمِنْ جِيرَانِكُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَصَابَنِي شَيْءٌ مَا أَصَابَنِي مِثْلُهُ، إِذْ خَرَجَ مِنْ يَدِي فَوْزُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَقُلْتُ: فَصِفْهُ لِي، فَقَالَ: رَجُلٌ شَابٌّ حِينَ دَخَلَ فِي الْكُهُولَةِ بَدَوَ أَمْرُهُ، إِنَّهُ [يَجْتَنِبُ الْمَحَارِمَ وَالْمَظَالِمَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ وَيَأْمُرِ بِصِلَتِهَا، وَهُوَ مُحْوَجٌ] [3] كَرِيمُ الطَّرَفَيْنِ مُتَوَسِّطٌ فِي الْعَشِيرَةِ، وَأَكْثَرُ جُنْدِهِ مِنَ الْمَلائِكَةِ، قُلْتُ: وَمَا آيَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: رَجَفَتِ الشَّامُ مُنْذُ هَلَكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ثَمَانِينَ رَجْفَةً، كُلُّهَا فِيهَا مُصِيبَةٌ، وَبَقِيَتْ رَجْفَةٌ عَامَّةٌ فِيهَا مُصِيبَةٌ يَخْرُجُ عَلَى أَثَرِهَا، فَقُلْتُ: هَذَا هُوَ الْبَاطِلُ، لَئِنْ بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا لا يَأْخُذُهُ إِلا/ مِنَّا شَرِيفًا.
قَالَ أُمَيَّةُ: وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ إِنَّهُ لَهَكَذَا، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَكَّةَ لَيْلَتَانِ أَدْرَكَنَا رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِنَا، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: أَصَابَتِ الشَّامُ بَعْدَكُمْ [رَجْفَةٌ] دَمَّرَتْ [4] أَهْلَهَا فِيهَا وَأَصَابَهُمْ مَصَائِبُ عَظِيمَةٌ، فَقَالَ أُمَيَّةُ: كَيْفَ تَرَى يَا أَبَا سُفْيَانَ؟ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَظُنُّ صَاحِبَكَ إِلا صَادِقًا.
وَقَدِمْنَا مَكَّةَ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى جِئْتُ أَرْضَ الْحَبَشَةِ تَاجِرًا، فَمَكَثْتُ بِهَا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ قَدِمْتُ مَكَّةَ [5] فَجَاءَنِي النَّاسُ يُسَلِّمُونَ [عَلَيَّ] [6] وَفِي آخِرِهِمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِنْدً تُلاعِبُ صِبْيَانَهَا، فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَرَحَّبَ بِي وَسَأَلَنِي عَنْ سَفَرِي وَمَقْدِمِي ثُمَّ انْطَلَقَ.
فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا الْفَتَى لَعَجَبٌ، مَا جَاءَنِي أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ لَهُ مَعِي بِضَاعَةٌ إلا سألني
__________
[1] في الأصل: قال.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ.
[4] في الأصل: بعدكم دمر، والتصحيح من البداية والنهاية.
[5] في أ: «ثم جئت مكة» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.(3/144)
عَنْهَا وَمَا بَلَغْتُ، 9 وَاللَّهِ إِنَّ لَهُ مَعِي بِضَاعَةً مَا هُوَ أَغْنَاهُمْ عَنْهَا وَمَا سَأَلَنِي عنها، فقالت هند: أو مَا عَلِمْتَ شَأْنَهُ، فَقُلْتُ وَقَدْ فَزِعْتُ: وَمَا شَأْنُهُ؟ قَالَتْ: يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ النَّصْرَانِيُّ وَوَجِمْتُ، فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ بِضَاعَتَكَ قَدْ بَلَغَتْ كَذَا وَكَذَا، فَأَرْسِلْ فَخُذْهَا فَلَسْتُ آخُذُ مِنْكَ مَا آخُذُ مِنْ قَوْمِكَ. فَأَبَى وَأَرْسَلَ فَأَخَذَهَا وَأَخَذْتُ مِنْهُ مَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجْتُ تَاجِرًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَدِمْتُ الطَّائِفَ فَنَزَلْتُ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عُثْمَانَ، هَلْ تَذكر حَدِيثَ النَّصْرَانِيِّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَقَدْ كَانَ [مَا قَالَ] [1] ، قَالَ: وَمَنْ؟ قُلْتُ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ قُلْتُ: ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَتَصَبَّبَ عَرَقًا، [قَالَ:] [2] وَقَالَ: إِنْ ظَهَرَ وَأَنَا حَيٌّ [لأَطْلُبَنَّ مِنَ] [3] اللَّهِ فِي نَصْرِهِ عُذْرًا، فَعُدْتُ مِنَ الْيَمَنِ [4] فَنَزَلْتُ عَلَى أُمَيَّةَ بِالطَّائِفِ، فَقُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ الرَّجُلِ مَا بَلَغَكَ فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْهُ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ لأُومِنَ بِرَسُولٍ مِنْ غَيْرِ ثَقِيفٍ أَبَدًا، فَأَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ فَوَجَدْتُ أَصْحَابَهُ يُضْرَبُونَ وَيُقْهَرُونَ، فَقُلْتُ: فَأَيْنَ جُنْدُهُ مِنَ الْمَلائِكَةِ وَدَخَلَنِي مَا يَدْخُلُ النَّاسَ مِنَ النَّفَاسَةِ.
/ وروى الزهري أن أمية بن أبي الصلت كان يقول [5] :
ألا رسول لنا منا يخبرنا ... ما بعد غايتنا من رأس مجرانا
قال: ثم خرج أمية إلى البحرين، فأقام بالبحرين ثمان سنين، ثم قدم الطائف فقال لهم: ما يَقُولُ محمد بن عبد الله؟ قالوا: يزعم أنه نبي، فهو الذي كنت تتمنى، فخرج حتى قدم عليه مكة فلقيه، فقال: يا ابن عبد المطلب، ما هذا الذي تقول؟ قال:
«أقول إني رسول الله، وأن لا إله إلا الله» ، قال: فإني أريد أن أكلمك، فعدني غدا، قال: «فوعدك غدا» ، قال: أفتحب أن آتيك وحدي أو في جماعة من أصحابي، وتأتي وحدك أو في جماعة من أصحابك؟ فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أي ذلك شئت» ، قال:
إني آتيك في جماعة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] في الأصل «لا يلين الله» ، والتصحيح من البداية والنهاية.
[4] في أ: «فقدمت من اليمن» .
[5] بعدها في الأصل: «شعر بيت» .(3/145)
قال: فلما كان من الغد غدا أمية في جماعة من قريش، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه حتى جلسوا في ظل البيت، قال: فبدأ أمية فخطب ثم سجع ثم أنشد الشعر حتى إذا فرغ، قال: أجبني يا ابن عبد المطلب، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ 36: 1- 3 [1] حتى إذا فرغ منها وثب أمية [يجر برجليه] [2] إلى راحلته. قال: وتبعته قريش تقول: ما تقول يا أمية؟ قال: أشهد أنه على الحق، قالوا: فهل تتبعه؟ قال: حتى أنظر في أمره. ثم خرج أمية إلى الشام، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلما قتل أهل بدر، أقبل من الشام حتى نزل بدرا. ثم ترجل يريد [3] رسول الله، فتصور له إبليس، فقال له: يا أبا الصلت ما تريد؟ قَالَ: أريد محمدا، قال: تدري من في القليب؟ قال: فيه عتبة بن ربيعة وشيبة، ابنا الخالة [4] ، فجدع أذني ناقته وقطع ذنبها، ثم وقف على القليب يقول:
ماذا ببدر فالعقنقل ... من مرازبة جحاجح
[5] قال: / ورجع إلى مكة وترك الإسلام، فخرج حتى قدم الطائف فقدم على أخته، فقال: دعيني أنام، فوضع رأسه، قالت أخته: فإني أنظر فانشقت ناحية من سقف البيت، فإذا طائران أبيضان، فوقع أحدهما على بطن أمية فنقر صدره نقرة فشقته، فأخرج قلبه، فقال له الطائر الأعلى: أوعى، قال: وعى، قال: أقبل، قال: أبى، قال:
ثم رد قلبه وطار، فاتبعهما أمية ببصره، فقال:
__________
[1] سورة: يس، الآية: 1- 3.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] في أ: «ترجل يدنو» .
[4] في أ: «ابنا خالك» .
[5] العقنقل: الكثيب من الرمل المنعقد.
المرازبة: الرؤساء، الواحد مرزبان، وهي كلمة أعجمية.
الجحاجح: السادة، وأحدهم جحجاح.
والبيت ذكره ابن هشام في السيرة في عدة أبيات، (سيرة ابن هشام 2/ 30) .(3/146)
لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما لا مال يغنيني ولا عشيرة تحميني.
فأقبل الطائران حتى وقع أحدهما على بطنه فنقر صدره فأخرج قلبه ثم شق قلبه، فقال الطائر الأعلى: أوعى، قال: وعى، قال: أقبل، قال: أبى، قال: فرده ثم طار، فاتبعهما أمية ببصره، فقال:
لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما لا بريء فأعتذر ولا ذو عشيرة فأنتصر.
فأقبل الطائر فوقع على صدره فنقر نقرة فأخرج قلبه فشقه، فقال الطائر الأعلى:
أوعى، قال: وعى، قال: أفقبل، قال: أبى، فرده ثم طار، فاتبعهما أمية ببصره، فقال:
لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما بالنعم محمود وبالذنب محصود.
فأقبل الطائر فوقع على صدره فنقر [1] صدره نقرة شقته ثم أخرج قلبه، فقال الطائر الأعلى: أوعى، قال: وعى، قال: أقبل، قال: أبى، فرده ثم طار، فاتبعهما أمية ببصره، فقال:
لبيكما لبيكما ... ها أنا ذا لديكما
إن تغفر اللَّهمّ تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما
واستوى السقف، فاستوى أمية جالسا، فقالت أخته: يا أخي هل تجد شيئا، قال: لا إلا حرا في صدري، وجعل يمسح صدره، وأنشأ يقول:
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في قلال الجبال أرعى الوعولا
/ فاجعل الموت بين عينيك واحذر ... غولة الدهر إن للدهر غولا
ثم خرج من عندها حتى إذا كان بين بيتها وبيته أدركه الموت. قال: ففيه نزل قوله تعالى [2] : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها 7: 175 [3] .
__________
[1] في أ: «فوقع على بطنه فنقر» .
[2] في أ: «ففيه أنزل الله عز وجل» .
[3] سورة: الأعراف، الآية: 175.(3/147)
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ [1] عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنْ وَازِعَةَ بِنْتَ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيَّ جَاءَتْهُ فَسَأَلَهَا عِنْ قِصَّةِ أَخِيهَا أُمَيَّةَ، فَقَالَتْ: قَدِمَ أَخِي مِنْ سَفَرٍ، فَوَثَبَ عَلَى سَرِيرِي، فَأْقَبَلَ طَائِرَانِ فَسَقَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَدْرِهِ، فَشَقَّ مَا بَيْنَ صَدْرِهِ إِلَى ثَنِيَّتِهِ فَانْتَبَهَ، فَقُلْتُ: يَا أَخِي هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ إِلا تَوْصِيبًا.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: وَمَعْنَى قَوْلِهَا: «وَثَبَ عَلَى سَرِيرِي» اتكئ، أَيْ نَامَ، وَهِيَ لُغَةٌ حِمْيَرِيَّةٌ، يُقَالَ: وَثَبَ الرَّجُلُ إِذَا قَعَدَ. وَالتَّوْصِيبُ يَجِدُهُ الإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ.
أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا أبو عبد الله الموصلي، قال: أخبرنا أبو القاسم بن بشران، قَالَ: حدثنا أبو سهل بن زيد، قال: أخبرنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، قال:
حدثنا العلاء بن الفضل بن عبد الملك، قال: حدثني محمد بن إسماعيل بن الطريح بن إسماعيل الثقفي، عن أبيه، عن جد أبيه قال: [2] شهدت أمية بن أبي الصلت حين حضرته الوفاة فأغمي عليه طويلا، فرفع رأسه ونظر إلى باب البيت فقال:
لبيكما [3] لبيكما ها أنا ذا لديكما لا قوي فأنفر ولا بريء فأعتذر.
ثم أغمي عليه طويلا ثم أفاق، فرفع رأسه ونظر إلى باب البيت فقال:
لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما لا عشيرتي تحميني ولا ذو [4] مال يفديني.
ثم أغمي عليه طويلا ثم أفاق فرفع رأسه، فقال:
كل حي وإن تطاول دهر ... صائر مرة إلى أن يزولا
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في قلال الجبال أرعى الوعولا
ثم فاضت نفسه.
__________
[1] من هنا ساقط من أ.
[2] إلى هنا ساقط من أ.
[3] من هنا ساقط من أ.
[4] في الأصل غير موجودة.(3/148)
/ أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أحمد بْن عَلي بْن ثَابِت، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسين بن مُحَمَّد الخلال، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عمران، قال: حدثني خالي إبراهيم بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن فرج المقرئ، قال [1] : حدثني يعقوب بن السائب [2] ، قال:
كان أمية بن أبي الصلت جالسا [يشرب] [3] ، فجاء غراب فنعب [نعبة] [4] ، فقال له أمية: لفيك التراب، ثم نغب أخرى، فقال له: بفيك التراب، ثم أقبل على أصحابه، فقال: تدرون ما قال هذا الغراب، زعم أني أشرب هذا الكاس [ثم أتكئ] فأموت، ثم نعب النعبة الأخرى، فقال: يقول: وآية ذلك أني أقع على هذه المزبلة، فأبتلع عظما ثم أقع فأموت. قال: فوقع الغراب على المزبلة فابتلع عظما فمات. فقال أمية: أما هذا فقد صدقني عن نفسه، ولكن لا نظرت أيصدقني عن نفسي، قال: ثم شرب الكأس، ثم اتكأ فمات.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ [5] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّاغُونِيُّ، قَالَ: أخبرنا عَبْدِ اللَّهِ الزَّاغُونِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْمَأْمُونِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُبَانَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ صَاعِدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَعِيرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ نَافِعٍ، عَنِ الشَّرِيدِ الْهَمَذَانِيِّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَبَيْنَمَا أنا أَمْشِي ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ وَقْعُ نَاقَةٍ خَلْفِي، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «الشَّرِيدُ» ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «أَلا أَحْمِلُكَ» ، قُلْتُ: بَلَى، وَمَا فِيَّ إِعْيَاءٌ وَلا لُغُوبٍ وَلَكِنِّي أَرَدْتُ الْبَرَكَةَ فِي رُكُوبِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنَاخَ فَحَمَلَنِي، فَقَالَ: أَمَعَكَ مِنْ سِفْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:
«هَاتِ» ، فَأَنْشَدْتُهُ، قَالَ: أَظُنُّهُ مِائَةَ بَيْتٍ، قَالَ: وَقَالَ: عِنْدَ اللَّهِ عِلْمُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ، عِنْدَ اللَّهِ عِلْمُ أُمَيَّةَ بْنِ أبي الصلت.
__________
[1] إلى هنا ساقط من أ.
[2] في أ: «يعقوب بن السكيت» . والخبر في البداية والنهاية 2/ 211.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ.
[5] من هنا ساقط من أ.(3/149)
وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْمَنْصُورِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ/ بْنُ كُلَيْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطائفي [1] ، عن عمر بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ، كُلَّمَا أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا قَالَ: «هِيهْ» حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةً- يَعْنِي بَيْتًا- فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ كَادَ لَيُسْلِمُ» . انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.
وذكر أبو الحسين بن المنادي في كتاب «صفايا حكم الأشعار» [2] ، قال: قد صح بين علماء الناس بالشعر وأيام العرب، أن مما أسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شعر أمية بن أبي الصلت قوله:
لك الحمد والنعماء والملك ربنا
وقوله:
سبحان من سبحت طير السماء له
وقوله:
إله محمد حقا إلهي
وغير ذلك، قال: وكان أمية يحكي آثار قدرة الله تعالى وما ينتهي إليه أمر الدنيا من الزوال والمعاد، وإلى الخلود في الجنة والنار، وتسخير الشمس والقمر وغير ذلك على ما كَانَ قد قرأه في الكتب المتقدمة، وكان يتوهم أن نبيا سيبعث فيكون هو ذلك، فلما بلغه خروج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم انقمع وحسده.
قال أبو الحسين: فأخبرني جماعة منهم: أبو عبد الله محمد بن موسى الفراء، وجعفر بن مُوسَى النحوي، وغيرهما عمن حدثهما عن أبي عبيدة معمر بن المثنى والأصمعي وغيرهما قالوا:
__________
[1] إلى هنا ساقط من أ.
[2] في أ: «كلم الأشعار» .(3/150)
إن أمية بن أبي الصلت، قال هذه القصيدة في أول المبعث يذكر فيها دين الإسلام ونبوة نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهي:
لك الحمد والنعماء والملك ربنا ... ولا شيء [1] أعلى منك جدا وأمجد
مليك على عرش السماء مهيمن ... لعزته تضوي الوجوه [2] وتسجد
عليه حجاب النور والنور حوله ... وأنهار نور فوقه [3] تتوقد
/ فلا بصر يسمو إليه بطرفه ... ودون حجاب النور خلق مؤيد
[ملائكة أقدامهم تحت أرضه ... وأعناقهم فوق السماوات تسجد] [4]
فمن حامل إحدى قوائم عرشه ... بكفيه لولا الله كلوا وبلدوا
قيام على الأقدام عانون [5] تحته ... فرائصهم من شدة الخوف ترعد
وبسط صفوف [6] ينظرون قضاءه ... مصيخون بالأسماع للوحي ركد
أميناه روح القدس جبريل فيهم ... وميكال ذو الروح القوي المسدد
وحراس أبواب السموات دونهم ... قيام عليها بالمقاليد رصد
فنعم العباد [7] المصطفون لأمره ... ومن دونهم جند كثيف مجند
[ملائكة لا يفتروا عن عبادة ... كروبية منهم ركوع وسجد] [8]
فساجدهم لا يرفع الدهر رأسه ... يعظم ربا فوقه ويمجد
وراكعهم يحنو له الظهر خاشعا ... يردد آلاء الإله ويحمد
[ومنهم ملف في جناحيه رأسه ... يكاد بذكر ربه يتفصد] [9]
من الخوف لا ذو سامة من عبادة ... ولا هو من طول التعبد يحمد
__________
[1] في أ: «فلا شيء» .
[2] في الأصل: «تعني الوجوه» .
[3] في الأصل: «نور حوله» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[5] في الأصل: غاشين والتصحيح من البداية والنهاية 2/ 211.
[6] في الأصل: وسبط صفوف» .
[7] في أ: «فعم العباد» .
[8] هذا البيت كتب على هامش الأصل.
[9] هذا البيت ساقط من الأصل، أوردناه من أ.(3/151)
وساكن أقطار بأرجاء مصعد ... وذو الغيب والأرواح كل معبد
ودون كثيف الماء في غامض الهوا ... ملائكة تنحط فيها وتقصد
وبين طباق الأرض تحت بطونها ... ملائكة بالأمر فيها تردد
فسبحان من لا يقدر الخلق قدره ... ومن هو فوق العرش فرد موحد
ومن لم ينازعه الخلائق ملكه ... وإن لم يفرده العباد يفرد
مليك السموات الشداد وأرضها ... وليس بشيء عن هواه تأود
وسبحان ربي خالق النور لم يلد ... ولم يك مولودا بذلك أشهد
وسبحانه من كل إفك وباطل ... ولا والد ذو العرش أم كيف يولد
هو الله باري الخلق والخلق كلهم ... إماء له طوعا جميعا وأعبد [1]
هو الصمد الحي الذي [2] لم يكن له ... من الخلق كفؤ قد يضاهيه مضدد
وأنى يكون الخلق كالخالق الذي ... يدوم ويبقى والخليقة تنفد
/ وليس بمخلوق على الدهر جده ... ومن ذا على مر الحوادث يخلد
ويفنى ولا يبقى سوى القاهر الذي ... يميت ويحيى دائبا ليس يمهد
تسبحه الطير الحوائج في الخفا ... وإذ هي في جو السماء تصعد
ومن خوف ربي سبح الرعد فوقنا ... وسبحه الأشجار والوحش أبد
وسبحه البنيان والبحر زاخر ... وما ضم من شيء وما هو متلد
ألا أيها القلب المقيم على الهوى ... إلى أي حين منك هذا التمرد
عن الحق كالأعمى المحيط عن الهوى ... وقد جاءك النجد النبي محمد
بنور على نور من الحق واضح ... دليل على طرق الهدى ليس يخمد
ترى فيه أبناء القرون التي خلت ... وأخبار غيب في القيامة توجد
وحالات دنيا لا تدوم لأهلها ... وفيها منون ريبها متردد
ألا إنما الدنيا بلاغ وبلغة ... وبينا الفتى فيها مهيب مسود
إذ انقلبت عنه وزال نعيمها ... فأصبح من ترب القبور يوسد
وفارق روحا كان بين حياته ... وجاور موتى ما لهم متبدد
فأي فتى قبلي رأيت مخلدا ... له في قديم الدهر ما يتورد
__________
[1] هذا البيت ساقط من أ.
[2] في الأصل: «هو الصمد الله الّذي» .(3/152)
ومن يبتليه الدهر منه بعثرة ... فيكبو لها والنائبات تردد
لمن تسلم الدنيا وإن ظن أهلها ... نصيحتها والدهر قد يتجدد
ليوم وأقوام قد انكفأت بهم ... دهور وأيام ترافد عود
ألست ترى فيما مضى لك عبرة ... فمه لا تكن يا قلب أعمى تلدد
وقد جاء ما لا شك فيه من الهدى ... وليس يرد الحق إلا مفند
وكن خائفا للموت والبعث بعده ... ولا تك ممن غره اليوم والغد
فإنك في الدنيا غرور لأهلها ... وفيها عدو كاشح الصدر يوقد
/ من الحقد نيران العداوة بيننا ... لئن قال ربي للملائكة اسجدوا
لآدم لما أكمل الله خلقه ... فخروا له طوعا سجودا وركد
فقال عدو الله للكبر والشقا ... أطين على نار السموم يسود
فأخرجه العصيان من خير منزل ... فذاك الذي في سالف الدهر يحقد
علينا ولا يألو خبالا وحيلة ... ليوردنا منها الذي يتورد
جحيما تلظى لا تفتر ساعة ... ولا الحر منها آخر الدهر يبرد
فما لك في الشيطان والناس أسوة ... إذا ما صليت النار بل أنت أبعد
هو القائد الداعي إلى النار جاهدا ... ليوردنا منها الّذي يتورد
ومالك من عذر بطاعة فاسق ... ولا بلظى نار عملت لها يد
وقال أيضا أمية:
إله محمد حقا إلهي ... وديني دينه غير انتحال
إله العالمين وكل أرض ... ورب الراسيات من الجبال
بناها وابتنى سبعا شدادا ... بلا عمد يزين ولا دجال
وسواها وزينها بنور ... من الشمس المضيئة والهلال
ومن شهب تلألأ في دجاها ... مراميها أشد من النصال
وأنشأ المزن تدلج بالروايا ... خلال الرعد مرسلة الغوال
ليسقي الحرث والأنعام منها ... سجال الماء حالا بعد حال
وشق الأرض فانبجست عيونا ... وأنهارا من العذب الزلال
وبارك في نواحيها وزكّى ... بها ما كان من حرث ومال
وأجرى الفلك في تيار موج ... تفيض على المداليج الثقال(3/153)
وكل معمر لا بد يوما ... وذي دنيا يصير إلى زوال
/ ويفنى بعد جدته ويبلى ... سوى الباقي المقدس ذي الجلال
كأنا لم نعش إلا قليلا ... إذا كنا من الهام البوالي
وصرنا في مضاجعنا رميما ... إلى يوم القيامة ذي الوبال
ونادى مسمع الموتى فجئنا ... من الأجداث كالشنن العجال
وأعطى كل إنسان كتابا ... مبينا باليمين وبالشمال
ليقرأ ما تقارف ثم يكفا ... حسابا نفسه قبل السؤال
وقام القسط بالميزان عدلا ... كما بان الخصيم من الجدال
فلا إنسان بين الناس يرجى ... [ولا رحم تمت إلى وصال
سوى التقوى ولا موت يرجى] [1] ... سوى الرب الرحيم من الموالي
وسيق المجرمون وهم عراة ... إلى دار المقامع والنكال
إلى نار تحش بصم صخر ... وما الأوصال من أهل الضلال
إذا نضجت جلودهم أعيدت ... كما كانت وعادا في سفال
ونادوا ويلنا ويلا طويلا ... على ما فاتنا أخرى الليالي
فهم متلاعنون إذا تلاقوا ... بها لعنا أشد من القتال
ونادوا مالكا ودعوا ثبورا ... وعجوا من سلاسلها الطوال
إذا استسقوا هناك سقوا حميما ... على ما في البطون من الأكال
شرابهم مع الزقوم فيها ... ضريع يجتلي عقد الخبال
فليسوا ميتين فيستريحوا ... وكلهم لحر النار صالي
وحل المتقون بدار صدق ... وعيش ناعم تحت الظلال
ظلال بين أعناب ونخل ... وبنيان من الفردوس عالي
لهم ما يشتهون وما تمنوا ... من اللذات فيها والجمال
ومن إستبرق يكسون فيها ... عطايا جمة من ذي المعالي
/ ومن خدم بها يسقون منها ... كدر خالص الألوان غالي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.(3/154)
وأشربة من العسل المصفى ... ومن لبن ومن ماء السجال
وكأس لذة لا غول فيها ... من الخمر المشعشعة الحلال
على سرر مقابلة عوال ... معارجها أذل من البغال
صفوف متكون لدى عظيم ... بكفيه الجزيل من النوال
قال مؤلف الكتاب: وله أشعار كثيرة اقتصرنا على هذا منها، وكان له ولد يقال له القاسم، وتعاطى الشعر الجيد
. ومن مات في هذه السنة من الكفار
26- المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، أبو وهب:
وكان من أشراف قريش، وكان أقلهم أذى لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الذي أجار رَسُول اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وسلم حين رجع من الطائف، وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم خرج إلى الطائف، فلما عاد منعوه دخول مكة، فبعث إلى المطعم: «أدخل في جوارك» قال: نعم، فأجاره فدخل.
ومات المطعم بمكة في صفر هذه السنة كافرا، ودفن بالحجون وهو ابن بضع وتسعين سنة، [أقيم النوح سنة عليه] [1] .
فلما كانت غزاة بدر، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أسارى بدر: «لو كان المطعم حيا لوهبت له هَؤُلّاءِ السبي»
. 27- وفي هذه السنة مات أبو أحيحة سعيد بن العاص بن أمية:
وكان حين ظهر رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إنه ليكلم من السماء، حتى أتاه النضر بن الحارث، فقال: بلغني أنك تحسن القول في محمد، فكيف ذاك وهو يسب الآلهة، ويزعم أن آباءنا في النار، ويتوعد من لا يتبعه بالعذاب؟ فأظهر أبو أحيحة عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذمه وعيب ما جاء به، فقويت بذلك نفوس المشركين.
وكان أبو أحيحة/ كبيرا في القوم عظيم الشرف، كان إذا اعتم لم يعتم أحد بمكة، أو يعتم عَلَى غير لون عمامته، إعظاما له، وكان يدعى ذا التاج، ومات بالطائف في هذه السنة وله تسعون سنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.(3/155)
ثم دخلت سنة ثلاث من الهجرة
[غزوة قرقرة الكدر]
[1] فمن الحوادث فيها: غزوة قرقرة الكدر، والكدر ماء من مياه بني سليم [2] ، وكانت للنصف من المحرم.
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل لواءه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وكان بلغه أن بهذا الموضع جمعا من سليم وغطفان، فسار إليهم فلم يجد أحدا، فوجد رعاء فيهم غلام يقال له يسار، فسأله عن الناس، فقال: لا علم لي بهم، فانصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد ظفر بالنعم، وكانت خمسمائة بعير، وصار يسار في سهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأعتقه وكانت غيبته خمس عشرة ليلة. هذا قول الواقدي.
وأما ابن إسحاق، فإنه يقول: هذه الغزاة كانت في شوال سنة اثنتين من الهجرة
. [غزوة السويق]
[3] ومن الحوادث في هذه السنة: غزوة السويق. وذلك أن أبا سفيان حرم الدهن بعد
__________
[1] المغازي للواقدي 1/ 182، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 21، تاريخ الطبري 2/ 482، وابن هشام، ودلائل النبوة، والكامل لابن الأثير 2/ 35، وابن سيد الناس 1/ 297.
[2] في ابن سعد: «وهي بناحية معدن بني سليم قريب من الأرخصية وراء سد معونة، وبين المعدن وبين المدينة ثمانية برد» .
[3] المغازي للواقدي 1/ 181، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 20، تاريخ الطبري 2/ 483، وسيرة ابن هشام، والكامل لابن الأثير 2/ 36، والاكتفاء 2/ 77، والبداية والنهاية 3/ 344، وابن سيد الناس 1/ 296، دلائل النبوة 3/ 164، الدرر 139، وابن حزم 152، وعيون الأثر 1/ 354، والنويري 17/ 70، والسيرة الحلبية 2/ 277.(3/156)
بدر حتى يثأر من محمد وأصحابه، فخرج في مائتي راكب إلى أن بقي بينه وبين المدينة ثلاثة أميال، فقتل رجلا من الأنصار وأجيرا له، وحرق أبياتا هناك وتبنا، ورأى أن يمينه قد حلت ثم ولى هاربا.
فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فخرج في أثره في مائتي رجل من [المهاجرين والأنصار] [1] ، واستخلف أبا لبابة بن عبد المنذر على المدينة، فجعل أبو سفيان، وأصحابه يتخففون للهرب فيلقون جرب السويق، وكانت عامة أزوادهم، فأخذها المسلمون، فسميت غزاة السويق فلم يلحقهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وانصرف إلى المدينة، وكانت غيبته خمسة أيام
. [غزوة غطفان بذي أمر]
[2] ومن الحوادث في هذه السنة: غزوة غطفان، / وهي ذو أمر، ويقال لها: غزوة أنمار.
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم لما بلغه أن جمعا من بني ثعلبة ومحارب بذي أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا شيئا من أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، فندب المسلمين وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول في أربعمائة وخمسين رجلا، واستخلف عثمان بن عفان، فأصابوا رجلا من المشركين بذي القصة يقال له حبار، من بني ثعلبة، فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهم، وقال: لن يلاقوك إذ سمعوا بمسيرك هربوا في رءوس الجبال، فأسلم حبار، ولم يلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا غير أنه ينظر إليهم في رءوس الجبال، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبيه وألقاهما على شجرة ليجفا واضطجع، فجاء رجل من العدو، يقال له دعثور بن الحارث [ومعه سيفه] [3] حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من يمنعك مني اليوم، قال
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[2] المغازي للواقدي 1/ 193، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 23، وتاريخ الطبري 2/ 487، وسيرة ابن هشام 2/ 45 والكامل لابن الأثير 2/ 38، والاكتفاء 2/ 78، ودلائل النبوة 3/ 167، والبداية والنهاية 4/ 2، والنويري 17/ 77 والسيرة الحلبية 2/ 279، وعيون الأثر 1/ 362.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.(3/157)
[رسول الله صلى الله عليه وسلم] [1] : «الله» ، ودفع جبريل عليه السلام في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «من يمنعك مني» ؟ قال: لا أحد، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ثم أتى قومه، فجعل يدعوهم إلى الإسلام، ونزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ 5: 11 [2] ورجعوا إلى المدينة، ولم يلقوا كيدا وكانت غيبتهم إحدى عشرة ليلة.
قال مؤلف الكتاب: هكذا ذكر ابن سعد [3] وغيره أن هذا كان في هذه السنة.
وذكروا أن اسم الرجل دعثور، وقد روي في الصحيح أن اسمه عورب، وروي أن هذا كان في سنة خمس من الهجرة
. [سرية قتل كعب بن الأشرف]
[4] ومن الحوادث في هذا الشهر من هذه السنة: سرية قتل كعب بن الأشرف/ وذلك لأربع عشرة ليلة مضت من ربيع الأول، وكان سبب قتله أنه كان شاعرا، فهجا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وشبب بنسائهم، [وبكى] [5] على قتلى بدر، وحرض المشركين بالشعر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من لي بابن الأشرف [6] ؟ فقال له محمد بن مسلمة: أنا فاجتمع هو وأبو نائلة سلكان بن سلامة، والحارث بن أوس، وأبو عبس، وكان أبو نائلة أخا كعب من الرضاعة، فجاءه، فقال له: إن قدوم هذا الرجل
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] سورة: المائدة، الآية: 11.
[3] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 23، 24.
[4] المغازي للواقدي 1/ 184، وطبقات ابن سعد 1/ 2/ 21، تاريخ الطبري 2/ 487، وسيرة ابن هشام 2/ 51، والكامل لابن الأثير 2/ 38، الإكتفاء 2/ 82، والبداية والنهاية 4/ 5، ودلائل النبوة للبيهقي 3/ 187، والمحبر لابن حبيب 282، والدرر في اختصار المغازي والسير 142، وابن حزم 154، وعيون الأثر 1/ 356، والنويري 17/ 72.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] في ابن سعد: « ... ثم قدم المدينة، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهمّ اكفني ابن الأشرف بما شئت في إعلانه الشر، وقوله الأشعار، وقال أيضا: من لي بابن الأشرف» .(3/158)
كَانَ علينا من البلاء، حاربتنا العرب فرمتنا عن قوس واحدة، ونحن نريد التنحي عنه، ومعي رجال من قومي على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم، فنبتاع منك طعاما وتمرا، ونرهنك ما يكون لك [فيه] [1] ثقة، فقال: جيء بهم متى شئت، فاجتمعوا وأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشى معهم حتى أتى البقيع، ثم وجههم وقال: امضوا على بركة الله، فمضوا حتى انتهوا إلى حصنه، فخرج إليهم فقتلوه، وأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
. [زواج عثمان بن عفان أم كلثوم]
[2] ومن الحوادث في هذا الشهر من هذه السنة: تزوج عثمان بن عفان أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدخلت عليه في جمادى الآخرة
. [غزوة بني سليم]
[3] وفي هذه السنة: غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني سليم، وذلك لست ليال خلون من جمادى الأولى. [على رأس سبع وعشرين شهرا من مهاجرته] [4] ، ببحران، وهو بناحية [الفرع] [5] وبين الفرع والمدينة ثمانية برد [6] .
وذلك أنه بلغه أن بها جمعا من بني سليم، فخرج في ثلاثمائة واستخلف ابن أم مكتوم فوجدهم تفرقوا، فرجع ولم يلق كيدا، وكانت غيبته عشر ليال.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[2] تاريخ الطبري 2/ 491، 492، والكامل 2/ 40.
[3] المغازي للواقدي 1/ 196، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 24، تاريخ الطبري 20/ 487، ابن هشام 2/ 445، وابن حزم 153، وعيون الأثر 1/ 363، والبداية والنهاية 4/ 3، ودلائل النبوة 3/ 172، والنويري 17/ 79، والسيرة الحلبية 2/ 280.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من أ.
[6] في الأصل: «وبينه وبين المدينة ثمانية برد» .(3/159)
[سرية زيد بن الحارث]
[1] وفيها: كانت سرية زيد بن حارثة إلى القردة، لهلال جمادى الآخرة، وهي أول سرية خرج فيها زيد أميرا.
والقردة ماء من مياه نجد بين الربذة/ وغمرة. [بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2] يعترض عيرا لقريش، فمضى زيد في مائة راكب، فأصابوا العير وأفلت أعيان القوم، وقدموا بالعير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبلغ الخمس قيمة عشرين ألف درهم، وأسر فرات بن حيان، وأسلم
. [زواجه صلى الله عليه وسلم حفصة]
[3] وفيها: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حفصة في شعبان، وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمي في الجاهلية، فتوفي عنها مقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بدر، فعرضها عمر على أبي بكر فلم يجبه بشيء، ثم على عثمان فلم يجبه بشيء، فشكى إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: يا رسول الله عرضت على عثمان حفصة فأعرض عني، فقال: إن الله قد زوج عثمان خيرا من ابنتك، وزوج ابنتك خيرا من عثمان، وكان [ذلك] [4] متوفى رقية، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان، على رأس ثلاثين شهرا من الهجرة قبل أحد، ثم طلقها فأتاها خلالها عثمان وقدامة، فبكت وقالت: والله ما طلقني رسول الله عن شبع، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها، فجلست، فقال: إن جبريل أتاني فقال لي: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة، وهي زوجتك في الجنة. قال مؤلف الكتاب [5] : وفي رواية إنه هم بطلاقها.
__________
[1] المغازي للواقدي 1/ 197، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 24، وتاريخ الطبري 2/ 492، والاكتفاء 2/ 81، وسيرة ابن هشام 2/ 50. والبداية والنهاية 4/ 5.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] تاريخ الطبري 2/ 499، والكامل 2/ 43، وابن سعد 8/ 56.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقطة من الأصل، وأوردناها من أ.
[5] «قال مؤلف الكتاب» : ساقطة من أ.(3/160)
[زواجه صلى الله عليه وسلم من زينب بنت خزيمة] [1]
وفيها: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب بنت خزيمة، وكانت تسمى في الجاهلية أم المساكين، وكانت عند الطفيل بن الحارث بن المطلب فطلقها، فتزوجها أخوه عبيدة ابن الحارث فقتل عنها يوم بدر شهيدا، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في رمضان هذه السنة.
وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشا، فمكثت عنده ثمانية أشهر وتوفيت.
وفيها: ولد الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنهما.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ، قَالَ/: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو علي أحمد بن علي ابن الْحَسَنِ بْنِ شُعَيْبٍ الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدَّرَقِيُّ قَالَ:
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُقَالُ إِنَّهُ وُلِدَ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ.
وَفِيهَا: حَمَلَتْ جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ فِي شَوَّالٍ.
وَفِيهَا وُلِدَ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَائِلَةَ، وَمَاتَ بَعْدَ الْمِائَةِ
. [غزوة أحد] [2]
ومن الحوادث في هذه السنة: غزاة أحد. وكانت يوم السبت لسبع خلون من شوال، وكان سببها أنه لما رجع من حضر بدرا من المشركين إلى مكة وجدوا العير التي قدم بها أبو سُفْيَان موقوفة في دار الندوة، فمشت أشراف قريش إلى أبي سفيان، فقالوا:
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 82.
[2] المغازي للواقدي 1/ 199، طبقات ابن سعد 1/ 2/ 25، تاريخ الطبري 2/ 499، والكامل لابن الأثير 2/ 44، وابن سيد الناس 2/ 2، والبداية والنهاية 4/ 9، والاكتفاء 2/ 87، وسيرة ابن هشام 2/ 60، ودلائل النبوة البيهقي 3/ 201، والأغاني 15/ 179- 207، وصحيح البخاري 5/ 93، ومسلم بشرح النووي 12/ 147، وأنساب الأشراف 1/ 148، وابن حزم 156، والدرر في اختصار المغازي والسير 145، والنويري 17/ 8، والسيرة الحلبية 2/ 284، والسيرة الشامية 4/ 271.(3/161)
نحن طيبوا الأنفس بأن تجهز بربح هذه العير جيشا إلى محمد، فقال أبو سفيان: أنا أول من أجاب إلى ذلك، وبنو عبد مناف معي، فباعوها فصارت ذهبا، وكانت ألف بعير، وكان المال خمسين ألف دينار، فسلم إلى أهل العير رءوس أموالهم، وعزلت الأرباح، وبعثوا الرسل إلى العرب يستنصرونهم، وأجمعوا على إخراج الظعن [1] معهم ليذكرنهم قتلى بدر [فيحفظنهم] [2] فيكون أجد لهم في القتال.
وكتب العباس بن عبد المطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم، فخرجت قريش ومعهم أبو عامر الراهب، وكان عددهم ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع، ومعهم مائتا فرس وثلاثة آلاف بعير، وكانت الظعن خمسة عشرة امرأة، فساروا حتى نزلوا ذا الحليفة فأقاموا يوم الأربعاء والخميس والجمعة، وبات سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير بباب رسول/ الله صلى الله عليه وسلم فِي عدة من الناس، وحرست المدينة، ورأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه في درع حصينة، وكأن سيفه ذا الفقار قد انفصم، وكأن بقرا تذبح، وكأنه مردف كبشا، [فأولها] [3] فقال: أما الدرع فالمدينة، والبقر قتل في أصحابي، وانقصام سيفي مصيبة في نفسي، والكبش كبش الكتيبة نقتله إن شاء اللَّه، وكان رأيه صلى الله عليه وسلم أن لا يخرج من المدينة، وكان ذلك رأي الأكابر من أصحابه، وطلب فتيان أحداث لم يشهدوا بدرا أن يخرجوا حرصا على الشهادة فغلبوا على الأمر، فصلى الجمعة ثم وعظهم وأمرهم بالجد والجهاد، ثم صلى العصر، ثم دخل بيته ومعه أبو بكر، وعمر فعمماه ولبساه وصف الناس له، فخرج صلى الله عليه وسلم قد لبس لأمته وأظهر الدرع، وحزم وسطها بمنطقة من أدم واعتم، وتقلد السيف، وألقى الترس في ظهره، فندموا جميعا على ما صنعوا، وقالوا: ما كَانَ لنا أن نخالفك فاصنع ما بدا لك، فقال: صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه فامضوا على اسم الله، فلكم النصر إن صبرتم [4] .
__________
[1] الظعن: جمع ظعينة، وهي المرأة ما دامت في الهودج.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من أ، وابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من ابن سعد 1/ 2/ 26.
[4] في ابن سعد: «ما صبرتم» .(3/162)
فعقد ثلاثة ألوية، فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ولواء الخزرج إلى الحباب، وقيل: إلى سعد بن عبادة، ولواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقيل: إلى مصعب بْن عمير، واستخلف عبد الله بن أم مكتوم على المدينة، ثم ركب صلى الله عليه وسلم فرسه، وتقلد قوسه، وأخذ قناة في يده، وفي المسلمين مائة دارع، وخرج السعدان أمامه: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، والناس على يمينه وشماله، وعرض من عرض، ورد من رد، وكان فيمن رد: ابن عمر، وزيد بن ثابت [1] ، وأسيد بن ظهير، والبراء بن عازب، وعرابة بن أوس [2] ، وهو [3] الذي قال فيه الشماخ حيث يقول/: [4]
رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين
وأذن بلال المغرب، فصلى بأصحابه واستعمل على الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين [رجلا] [5] يطوفون بالعسكر. وبات بالشيخين اطمأن في طرق المدينة، وكان يهودي ويهودية أعميان يقومان عليهما فسميا بالشيخين لذلك، وأدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر، فصلى بأصحابه الصبح وانخزل ابن أبيّ في ثلاثمائة [6] وكان رأيه أن لا يخرج من المدينة فقال: عصاني وأطاع الولدان، فبقي رسول الله في سبعمائة، وأقبل يسوي الصفوف، وجعل أحدا وراء ظهره واستقبل المدينة، وجعل عينين- جبلا بقناة- عن يساره، وجعل عليه خمسين من الرماة، عليهم ابن جبير، واستعمل المشركون [على ميمنتهم] [7] خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بْن أبي جهل، وعلى الخيل صفوان بن أمية، وقيل عمرو بن العاص، وعلى الرماة عبد الله بن
__________
[1] في أ: «وأبا سعيد الخدريّ» وهو صحيح.
[2] في أ: «عرابة بن أبي أوس» .
[3] من هنا إلى آخر الأبيات ساقط من أ.
[4] ديوان الشماخ 96، 97.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] في الأصل: «مائة» ، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(3/163)
أَبِي ربيعة، وكانوا مائة رام، وقال أبو سفيان بن حرب لبني عبد الدار يومئذ: إنكم أضعتم اللواء يوم بدر، فأصابنا ما رأيتم، فادفعوا إلينا اللواء نكفيكم، وإنما أراد تحريضهم عَلَى الثبات، فغضبوا وأغلظوا له القول، ودفعوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة، وحضرت الملائكة ولم تقاتل، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا، وقال: من يأخذ هذا السيف بحقه، قال أبو دجانه: وما حقه؟ قال: أن تضرب به في العدو حتى ينحني، قال: أنا. فأخذه وجعل يتبختر في الصفين، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن» . وكان أول من أنشب الحرب أبو عامر الراهب، طلع في خمسين من قومه، فنادى: أنا أبو عامر/ فقال المسلمون: لا مرحبا بك، فتراموا بالحجارة حتى ولى أبو عامر، وجعل نساء المشركين يضربن بالدفوف والأكبار، ويحرضن ويقلن:
نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق
إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق [1]
فصاح طلحة من يبارز، فبرز إليه علي بن أبي طالب فضربه على رأسه [حتى] [2] فلق هامته- وهو كبش الكتيبة- فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون، ثم شدوا على المشركين، وحمل لواءهم أخوه عثمان بن أبي طلحة، فضربه حمزة بالسيف، فقطع يده [3] ، ثم حمله أبو سعد بن أبي طلحة [فرماه سعد بن أبي وقاص فقتله، فحمله مسافع بن طلحة] [4] فرماه عاصم فقتله، [ثم حمله الحارث بْن طلحة فرماه عاصم فقتله] [5] ثم حمله كلاب بن طلحة فقتله الزبير، ثم حمله الجلاس بن طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله، ثم حمله أرطأة بن شرحبيل فقتله علي رضي الله عنه، ثم حمله
__________
[1] «الوامق» المحب، يقال: إن هذا الرجز لهند بنت طارق بن بياضة الإيادية في حرب الفرس- (الروض الأنف 2/ 129) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] «وكنفه حتى انتهى إلى مؤتزره وبدا سحره، ثم رجع وهو يقول أنا ابن ساق الحجيج» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.(3/164)
شريح بن فارط، فقتله بعض المسلمين، ثم حمله صؤاب غلام لهم، فقتله بعض المسلمين [1] .
فلما قتل أصحاب اللواء انكشف المشركون منهزمين ونساؤهم يدعون بالويل، وتبعهم المسلمون يضعون فيهم السلاح، ووقعوا ينتهبون العسكر ويأخذون الغنائم.
فلما رأى الرماة ذلك أقبل جماعة منهم وخلوا الجبل، فنظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل وقلة أهله فكر بالخيل، وتبعه عكرمة فحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم، وقتلوا أميرهم عَبْد اللَّه بن جبير وانتقضت صفوف المسلمين، ونادى إبليس: قتل محمد، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصابة من الصحابة أربعة عشر فيهم أبو بكر فأصيبت رباعيته وكلم في وجهه.
وفي الّذي فعل به ذلك قولان: أحدها أنه عتبة بن أبي وقاص، قال سعد بن أبي وقاص: كنت حريصا على قتل عتبة، فكفاني منه قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اشتد غضب الله على من دمى وجه رسوله» . الثاني: أنه ابن قميئة فإنه علا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف، فضربه على شقة الأيمن فاتقاها طلحة بيده فشلت يده.
قال السدي [2] : وابن قميئة هو الذي رمى وجه رسول الله بحجر، فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجهه.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ حَيْوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سعيد، عن أبي بشر الْمَازِنِيُّ، قَالَ:
حَضَرْتُ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا غُلامٌ فَرَأَيْتُ ابْنَ قَمِيئَةٍ عَلا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم بالسيف، فرأيت
__________
[1] في ابن سعد: «قال قائل: قتله سعد بن أبي وقاص، وقال قائل قتله علي بن أبي طالب، وقال قائل: قتله قزمان، وهو أثبت القول» .
[2] تاريخ الطبري 2/ 519.(3/165)
رسول الله وَقَعَ عَلَى كَتِفَيْهِ فِي حُفْرَةٍ أَمَامَهُ حَتَّى توارى، فجعلت أَصِيحُ وَأَنَا غُلامٌ حِينَ رَأَيْتُ النَّاسَ ثَابُوا إِلَيْهِ، فَأَنْظُرُ إِلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَخَذَ يَحْضُنُهُ حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] .
أخبرنا أبو منصور عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْنُ مخلد، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم الحكيمي، قال: حدّثنا الفتح ابن شخرف، قال: سَمِعْتُ محمد بن خلف العسقلاني، قال: سمعت محمد بن يوسف الفريابي يقول:
لقد بلغني أن الذين كسروا رباعية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يولد لهم صبي فثبت له رباعية.
قال علماء السير: وترس أبو دجانة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وكانت النبل تقع في ظهره وهو منحن عليه.
ومر أنس بن النضر على عمر وطلحة في رجال من المهاجرين والأنصار وهم جلوس، فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: أقتل رسول الله، قال: فما تصنعون بالحياة قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم تقدم فقاتل حتى قتل.
[قال المصنف رحمه الله] [2] وكان أربعة نفر قد تحالفوا وتعاقدوا يوم أحد: لئن رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلنه أو ليقتلن دونه عمرو بن قميئة، وأبي بن خلف، وعبد الله بن شهاب، وعتبة/ بْن أبي وقاص.
وكان أبي قد قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّمَ: لأقتلنك، فلما طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صاح الشيطان: قتل محمد، رآه أبي، فقال: لا نجوت إن نجوت، فقالت الصحابة: أيعطف عليه أحدنا، فقال: دعوه، فرماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحربة، فكسرت ضلعا من أضلاعه.
أَنْبَأَنَا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٌ الْمُخَلِّصُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنُ دَاوِدَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بكار، قال:
__________
[1] المغازي للواقدي 1/ 244، 245 ألوفا 1375.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناه من أ.(3/166)
قُتِلَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ بِبَدْرٍ، وَكَانَ أَخُوهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ قَدْ أُسِرَ يَوْمَئِذٍ، فَلَمَّا فُدِيَ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عِنْدِي فَرَسًا أَعْلِفُهُ كُلَّ يَوْمٍ فِرَقًا مِنْ ذُرَةٍ أَقْتُلُكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أنا أقتلك عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْحَازُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى شِعْبِ أُحُدٍ بَصُرَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَشَدَّ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَمَعَ الزُّبَيْرِ الْحَرْبَةُ، فَأَخَذَهَا مِنْهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لِلزُّبَيْرِ: دَعْهُ وَشَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَعَنَهُ بِهَا، فَدَقَّ تَرْقُوَتَهُ، وَخَرَّ صَرِيعًا، وَأَدْرَكَهُ الْمُشْرِكُونَ، فَارْتَثَوْهُ وَلَهُ خُوَارٌ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَا بِكَ بَأْسٌ، فَيَقُولُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ: أنا أَقْتُلُكَ، فَحَمَلُوهُ حَتَّى مَاتَ بِمَرِّ الظُّهْرَانِ عَلَى أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ أَهْلِ التَّارِيخِ أَنَّ الَّذِي قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وَأَنَّ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ لأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنه قَاتِلُكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا سَارَ النَّاسُ إِلَى بَدْرٍ أَرَادَ أَنْ لا يَخْرُجَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الْوَادِي فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، فَسَارَ حَتَّى قَتَلَهُ اللَّهُ بِبَدْرٍ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ أُمَيَّةَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَتَلَ أُبَيًّا يَوْمَ أُحُدٍ، وَيُحْتَمَلُ/ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ: «إِنَّهُ قَاتِلُكَ» أَيْ بِقَتْلِكَ أَصْحَابِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا كَيْفَ قَتَلَهُ الصَّحَابَةُ.
قال علماء السير: كان اللواء مع مصعب بن عمير، فقتل فأخذ اللواء ملك في صورته.
فَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ سَعْدٍ النَّوْفَلِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْن ربيعة بْن الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ اللِّوَاءَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقُتِلَ مُصْعَبٌ، فَأَخَذَهُ مَلَكٌ فِي صُورَةِ مُصْعَبٍ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ فِي آخر النهار: « [تقدّم] [1] يا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.(3/167)
مُصْعَبٌ» ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الْمَلَكُ، فَقَالَ: لَسْتُ بِمُصْعَبٍ، فَعَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَلَكٌ أُيِّدَ بِهِ [1] . قال علماء السير: قتل يومئذ حمزة، وأصيبت عين قتادة بن النعمان، فوقعت على وجنته، فجاء بها إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فردها بيده، فكانت أحسن عينيه.
قال مؤلف الكتاب: وكان ممن جرح فقاتل حميئة، ومات وهو معدود من المنافقين.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عازب، قال [2] : جعل رسول الله عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ- وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلا- عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: وَوَضَعَهُمْ مَوْضِعًا وَقَالَ: إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَى الْقَوْمِ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، قَالَ:
فَهَزَمُوهُمْ، قَالَ: وَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ عَلَى الْخَيْلِ وَقَدْ بَدَتْ أَسْوَاقُهُنَّ وَخَلاخِيلُهُنَّ، رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ، فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْغَنِيمَةَ أَيْ قَوْمٌ الْغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنْظِرُونَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: إِنَّا وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ/ وُجُوهُهُمْ، فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ في أُخْراكُمْ 3: 153 [3] . فَلَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلا، فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ رَجُلا.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَصَابَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً وَسَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ [4] : أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلاثًا، قَالَ: فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَفِي الَقْوُمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلاءِ فَقَدْ قُتِلُوا وَقَدْ كُفِيتُمُوهُمْ، فما ملك عمر نفسه أن
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 85.
[2] تاريخ الطبري 2/ 507، 508. وفي الأصل: أبو إسحاق بن البراء.
[3] سورة: آل عمران، الآية: 153.
[4] تاريخ الطبري 2/ 526، 527.(3/168)
قَالَ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَهُمْ لأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُؤُكَ، فَقَالَ: يَوْمُ أُحُدٍ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مَثَلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: اعْلُ هُبَلُ، اعْلُ هُبَلُ.
فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ألا تُجِيبُوهُ» ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ» قَالَ: لَنَا الْعُزَّى وَلا عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا تُجِيبُوهُ» ، قَالُوا: يا رسول الله وما نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُ مَوْلانَا وَلا مَوْلَى لَكُمْ» [1] .
قال علماء السير: وقامت هند في نسوة معها يمثلن بالقتلى، يجدعن الأنوف والأذان حتى اتخذت هند من ذلك خدما [2] وقلائد، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها [3] فلفظتها.
فلما أراد أبو سفيان أن ينصرف، نادى: موعدكم بدر العام، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل من أصحابه: «قل نعم بيننا موعد» ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي: «أخرج في آثار القوم، فإن اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل: فإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنّهم يريدون المدينة، فو الّذي نفسي بيده لئن أرادوها لأناجزنهم» .
قال علي رضي الله عنه: فخرجت في آثار القوم، فاجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل وتوجهوا إلى مكة [4] .
فصل
ثم أقبل المسلمون/ على قتلاهم، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟ فمضى رجل فوجده جريحا بين القتلى وبه رمق، فَقَالَ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت، أم في الأموات؟ فقال: أنا في الأموات، أبلغ رسول الله عني السلام، وقل له: يقول لك سعد بن الربيع: جزاك الله خير ما جزى نبيا
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 507، 508، 526، 527.
[2] الخدم: جمع خدمة، بالتحريك، وهي الخلخال.
[3] تاريخ الطبري 2/ 527.
[4] تاريخ الطبري 2/ 527، 528.(3/169)
عن أمته، وأبلغ قومك السلام عني، وقل لهم لا عذر لكم عند الله، إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف» ثم مات [1] .
وخرج رسول الله يلتمس حمزة فوجده ببطن الوادي، وقد بقر بطنه عن كبده ومثل به، فقال: لولا أن تحزن صفية أو تكون سنة من بعدي، لتركته حتى يكون في أجواف السباع وحواصل الطير، ولئن أنا أظهرني الله على قريش، لأمثلن بثلاثين رجلا منهم، فقال المسلمون: والله لئن أظهرنا الله عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب، فأنزل الله عز وجل: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ به 16: 126 [2] . وأقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى حمزة، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابنها الزبير: القها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها، فلقيها، فقال لها: يا أمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي، فقالت: ولم، وقد بلغني أنه مثل بأخي، وذلك في الله قليل، فلأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله، فجاءت إليه واستغفرت له [3]
. فصل
قال مؤلف الكتاب [4] : قتل من المسلمين يوم أحد حمزة قتله وحشي، وعبد الله بن جحش قتله أَبُو الحكم بن الأخنس، ومصعب بن عمير قتله ابن قميئة، وشماس بن عثمان قتله أبي بن خلف، وعبد اللَّه وعبد الرحمن ابنا الهبيب، ووهب بن قابوس، وابن أخيه الحارث بن عقبة.
وقتل من الأنصار سبعون، وقتل من المشركين ثلاثة/ وعشرون منهم [5] .
ولما أراد المسلمون دفن قتلاهم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احفروا وأعمقوا وقدموا أكثرهم قرآنا» .
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 528.
[2] سورة: النحل، الآية: 126.
[3] تاريخ الطبري 2/ 528، 529.
[4] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 30.
[5] هكذا في الأصل، وفي ابن سعد: «ثلاثة وعشرين فيهم حملة اللواء» وعدهم.(3/170)
قال المؤلف للكتاب: واختلف الناس، هل صلى على شهداء أحد أم لا على قولين.
وممن دفن في قبر واحد، عبد الله بن عمرو، وعمرو بن الجموح، وسعد بن الربيع، وخارجة بن زيد، والنعمان بن مالك، وعبدة بن الحسحاس، وكان الناس قد حملوا قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم في نواحيها، فنادى منادي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ردوا القتلى إلى مضاجعهم» ، فأدرك المنادي رجلا لم يكن دفن، وهو شماس بن عثمان المخزومي.
أَخْبَرَنَا أَبُو غَلابٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَرَابِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْزُبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ الْحَرُورِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا لُوَيْنٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قُتِلَ أَبِي وَخَالِي يَوْمَ أُحُدٍ فَحَمَلَتْهُمَا أُمِّي عَلَى بَعِيرٍ فَأَتَتْ بِهِمَا الْمَدِينَةَ، فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُدُّوا الْقَتْلَى إِلَى مَصَارِعِهِمْ» .
قَالَ ابن إسحاق [1] : ولما أمر رسول الله بِدَفْنِ الْقَتْلَى، قَالَ: «انْظُرُوا عْمَرَو بْنَ الْجَمُوحِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ. فَإِنَّهُمَا كَانَا مُتَصَافِيَيْنِ فِي الدُّنْيَا فَاجْعَلُوهُمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا احْتَفَرَ مُعَاوِيَةُ الْقَنَاةَ أُخْرِجَا وَهُمَا يَنْثَيَانِ كَأَنَّمَا دُفِنَا بِالأَمْسِ.
ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَقِيَتْهُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ [فَنُعِيَ لَهَا أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ] [2] فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمَّ نُعِيَ لَهَا خَالُهَا حَمْزَةُ بْنُ عبد المطلب، فاسترجعت واستغفرت له، ثُمَّ نُعِيَ لَهَا زَوْجُهَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَصَاحَتْ وَوَلْوَلَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ زوج المرأة مِنْهَا لَبِمَكَانٍ» ، لِمَا رَأَى مِنْ تَثَبُّتِهَا عِنْدَ أَخِيهَا وَخَالِهَا، وَصِيَاحِهَا عَلَى زَوْجِهَا. أَخْبَرَنَا الْمُحَمَّدَانِ: ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا/ أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: أخبرنا
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 532.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(3/171)
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بن فضالة، عن ليث، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ حَاصَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَيْصَةً وَقَالُوا: قُتِلَ مُحَمَّدٌ حَتَّى كَبَّرَتِ الصَّوَارِخُ فِي نَوَاحِي الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَاسْتُقْبِلَتْ بِأَخِيهَا وَأَبِيهَا وَزَوْجِهَا، لا أَدْرِي بِأَيِّهِمُ اسْتُقْبِلَتْ أَوَّلا، فَلَمَّا مَرَّتْ عَلَى آخِرِهِمْ قَالَتْ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا:
أَخُوكِ وَأَبُوكِ وَزَوْجُكِ وَابْنُكِ، قَالَتْ: فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ: أَمَامَكِ، حَتَّى ذَهَبَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْ بِنَاحِيَةِ ثَوْبِهِ، ثُمَّ قَالَتْ: بأبي أنت وأمي يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُبَالِي إِذْ سَلِمْتَ مِنْ عَطْبٍ.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: وَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ نَاوَلَ سَيْفَهُ فَاطِمَةَ، فَقَالَ:
«اغْسِلِي عَنْ هَذَا دَمَهُ يَا بُنَيَّةٌ»
. [غزوة حمراء الأسد] [1]
وفي هذه السنة: كان غزاة حمراء الأسد.
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم رجع إلى المدينة يوم السبت يوم الوقعة، فلما كان الغد وهو يوم الأحد لست عشرة ليلة خلت من شوال أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو، وأذن مؤذنه أن لا يخرج معنا إلا من حضر يومنا بالأمس، وبات المسلمون يداوون جراحاتهم، فكلمه جابر بن عبد الله، فقال: يا رسول الله: إن أبي كان خلفني على أخوات لي، فاذن لي بالخروج معك ولم يخرج معه ممن لم يشهد القتال غيره.
وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو ليبلغهم أنه قد خرج في طلبهم ليظنوا به قوة وإن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم، فخرج حتى انتهى إلى حمراء الأسد، ودفع لواءه وهو معقود لم يحل إلى علي بن أبي طالب، وقيل:
إلى أبي بكر رضي الله عنهما، واستخلف عَلَى المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وخرج
__________
[1] المغازي للواقدي 1/ 334، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 34، وتاريخ الطبري 2/ 534، والكامل 2/ 57، والاكتفاء 2/ 112، والبداية والنهاية 4/ 48، وسيرة ابن هشام 3/ 44، ودلائل النبوة 30/ 312، وابن حزم 175، وعيون الأثر 2/ 52، والنويري 17/ 126، والسيرة الحلبية 2/ 336، والسيرة الشامية 4/ 438.(3/172)
وهو مجروح مشجوج مكسور الرباعية وشفته العليا [1] قد كلمت في باطنها وهو متوهن المنكب/ الأيمن من ضربة ابن قميئة، ونزل إليه أهل العوالي، فبعث ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الأسد، وهي من المدينة على عشرة أميال، وقيل: ثمانية وللقوم زجل وهم يأتمرون بالرجوع وصفوان بن أمية ينهاهم، فبصروا بالرجلين، فرجعوا إليهما فقتلوهما، ومضى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حتى عسكروا بحمراء الأسد، فدفن الرجلان في قبر واحد، وأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء، وكان [2] المسلمون يوقدون تلك الليالي خمسمائة نار فذهب صوت معسكرهم ونارهم في كل وجه فكبت اللَّه بذلك عدوهم، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عزة فقتله صبرا، وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة فدخلها يوم الجمعة، وكانت غيبته خمس ليال.
أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن سليمان بن داود، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال:
أَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ أَبَا عَزَّةَ الشَّاعِرَ وَاسْمُهُ عَمْرٌو، وكان ذا بنات، فقال له:
دعني لبناتي، فَرَحِمَهُ فَأَطْلَقَهُ وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ لا يُكْثِرَ عَلَيْهِ بَعْدَهَا، فَلَمَّا جَمَعَتْ قُرْيَشٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلُوا إِلَيْهِ وَكَلَّمَهُ صَفْوُانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةِ بْنِ كِنَانَةِ وَهُمْ حُلَفَاءُ قُرَيْشٍ يَسْأَلُهُمُ النَّصْرَ فَأَبَى، وَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أَمِنَ عَلَيَّ وَأَعْطَيْتُهُ أَنْ لا أُكْثِرَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ صَفْوَانُ يُكَلِّمُهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَى بَنِي الْحَارِثِ، فَحَرَّضَهُمْ عَلَى الخروج مع قريش والنصر لَهُمْ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ:
أَنْتُمْ بَنُو الْحَارِثِ وَالنَّاسُ الْهَامٌ ... أَنْتُمْ بَنُو عَبْدِ مَنَاةِ الرِّدَامُ
أَنْتُمْ حُمَاةٌ وَأَبُوكُمْ حَامٍ ... لا تَعِدُوا نَاصِرَكُمْ بَعْدَ الْعَامِ
لا تُسْلِمُونَا لا يَحِلُّ إِسْلامٌ
فَلَمَّا انْصَرَفَتْ قُرَيْشٌ عَنْ أُحُدٍ تَبِعَهُمْ رَسُولُ الله حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاءَ الأَسَدِ فَأَصَابَ بِهَا عُمَرَا فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ عَفْوَكَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/: «لا تَمْسَحْ لِحْيَتَكَ بِمَكَّةَ وتقول، خدعت محمدا مرتين» .
__________
[1] في ابن سعد 1/ 2/ 34: «شفته السفلى» .
[2] في الأصل: وكانوا.(3/173)
قَالَ الزُّبَيْرُ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الضَّحَّاكِ، عَنْ أَبِيهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ، عَنْ أَبِي جَعْدِيَةَ وَالأَبْرَصُ أَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ فَكَانَتْ قُرَيْشٌ لا تُوَاكِلُهُ وَلا تُجَالِسُهُ، فَقَالَ: الْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ هَذَا، فَأَخَذَ حَدِيدَةً وَدَخَلَ بَعْضَ شِعَابِ مَكَّةَ، فَطَعَنَ بِهَا فِي مَوْضِعِ مَغَدِهِ وَالْمَغَدُ مَوْضِعُ عِقْصِ الرَّاكِبِ مِنَ الدَّابَّةِ فَمَادَتْ الْحَدِيدَةُ بَيْنَ الجلد والصفاق فسال منه ماء أصفر وبريء فَقَالَ:
اللَّهمّ رَبَّ وَائِلٍ وَنَهْدِ ... وَالتَّهِمَاتِ وَالْجِبَالِ الْجُرْدِ
وَرَبَّ مَنْ يُوعَى بَيَاضَ نَجْدِ ... أَصْبَحْتُ عَبْدًا لَكَ وَابْنَ عَبْدِ
أَبْرَأْتَنِي مِنْ وَضَحٍ بجلدي ... من بعد ما طَعَنْتُ فِي مَغْدِي
وفي ذي القعدة من هذه السنة: علقت فاطمة بابنها الحسين رضي الله عنهما، وكان بين ولادتها الحسن وعلوقها بالحسين خمسين ليلة.
وفي هذه السنة: ولد السائب بن يزيد ابن أخت النمر
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
28- أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام، عم أنس بن مالك:
شهد أحدا، ورأى جولة المسلمين فقاتل حتى قتل.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَرَبْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْبُخَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ عَمَّهُ غَابَ عَنْ بَدْرٍ، فَقَالَ:
غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِئَنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [مَشْهَدًا] [1] لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَفْعَلُ، فَلَقِيَ يَوْمَ أُحِدٍ [2] فَهُزِمَ النَّاسُ، فَقَالَ: اللَّهمّ إِنِّي أَعْتِذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاءِ- يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ- وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ. فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ فَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ يَا سَعْدٌ؟ فَقَالَ: إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دون
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] في أ: «ما أضع، فتشهد يوم أحد» .(3/174)
أُحُدٍ. فَمَضَى فَقُتِلَ، فَمَا عُرِفَ حَتَّى عَرِفَتْهُ [أُخْتُهُ] ( [1] بِشَامَةٍ أَوْ/ بِبِنَانَةٍ وَبِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ بَيْنِ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ وَرَمْيَةِ سَهْمٍ
. 29- أنيس بن قتادة بن ربيعة:
قال مؤلف الكتاب: كذا سماه ابن إسحاق والواقدي. وقال أبو معشر: أنس، وقال ابن عقبة: إلياس. وهو زوج خنساء بنت خذام، شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ
. 30- ثابت بن الدحداح- قال مؤلفه: ويقال: ابن الدحداحة- بن نعيم بن غنم بن إياس [2] ، ويكنى أبا الدحداح:
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْمُدَبِّرُ، [قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُهْتَدِي] [3] ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَاتِبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبُ أَبِي صَخْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنِ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ 2: 245 [4] . قَالَ أَبُو الدَّحْدَاحِ الأَنْصَارِيُّ: [يَا رَسُولَ اللَّهِ] ، وإن اللَّهُ لَيُرِيدُ مِنَّا الْقَرْضَ؟ قَالَ: «نَعَمْ يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ» قَالَ: أَرِنِي يَدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَنَاوَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَّ يَدَهُ، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ أَقْرَضْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ حَائِطِي، قَالَ: وَحَائِطُهُ لَهُ فيه ستمائة نَخْلَةٍ، وَأُمُّ الدَّحْدَاحِ فِيهِ وَعِيَالُهَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَنَادَى: يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ، قَالَتْ: لَبَّيْكَ، قَالَ: اخْرُجِي فَقَدْ أَقْرَضْتُهُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ- وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَعَمَدَتْ إِلَى صِبْيَانِهَا تُخْرِجُ مَا فِي أَفْوَاهِهِمْ وَتَنْفُضُ مَا فِي أَكْمَامِهِمْ.
وَحَضَرَ ثَابِتٌ يَوْمَ أُحُدٍ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فَصَاحَ: إِلَيَّ يَا مَعْشَر الأَنْصَارِ. إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، فَقَاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ. فَنَهَضَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَقَدْ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] في أ: «ابن نعيم بن إياس» . والترجمة في الاستيعاب ص 203 برقم 251 والإصابة 1/ 199 تحت رقم 874.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[4] سورة: البقرة، الآية: 245.
وسورة: الحديد، الآية: 11.(3/175)
وَقَفَتْ لَهُ كَتِيبَةٌ خَشْنَاءُ فِيهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَعِكْرِمَةُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِالرُّمْحِ فَأَنْفَذَهُ فَوَقَعَ مَيِّتًا وَقُتِلَ مَنْ كَانَ مَعَهُ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ بَرَأَ مِنْ جِرَاحَاتِهِ وَمَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ، مَرْجِعَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَ جِنَازَتَهُ
. 31- ثابت بن عمرو بن زيد بن عدي:
شهد بدرا وأحدا، وقتل/ يومئذ شهيدا [1]
. 32- جندع بن ضمرة الضمري:
أنبأنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، [قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْفَهْمِ] [2] قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سعد، قال:
أخبرنا عَفَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أخبرنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط:
أن جندع بن ضمرة كان بمكة فمرض فقال لبنيه: أخرجوني من مكة فإنه قد قتلني [غمها] [3] ، فقالوا: إلى أين؟ فأومأ بيده: إلى ها هنا، [نحو المدينة] [4] ، يريد الهجرة، فخرجوا به فلما بلغوا أضاة بني عفان [5] مات، فأنزل الله تعالى فيه: وَمن يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً 4: 100 [6]
. 33- الحارث بن أوس بن معاذ بن النعمان، أبو أوس [7] :
شهد بدرا، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف، وأصابه بعض أصحابه تلك الليلة
__________
[1] «شهيدا» : ساقطة من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ.
[5] في الأصل: «عفار» .
[6] سورة: النساء، الآية: 100.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 14.(3/176)
[بسيفه] [1] وهم يضربون كعبا فجرحه فنزف الدم، فاحتمله أصحابه حتى أتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد بعد ذلك أحدا، وقتل يومئذ، [وهو ابن ثمان وعشرين سنة] [2]
. 34- الحارث بن أنس [3]- قال مؤلف الكتاب: وأنس هو أبو الحسن بن رافع [4] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ [5]
. 35- الحارث بن سويد بن الصامت بن خالد بن عطية:
شهد أحدا، وروى محمد بن سعد، عن أشياخه، قالوا: كان سويد [6] قد قتل زيادا أبا مجذر في وقعة التقوا فيها، فلما كان بعد ذلك لقي [مجذر] [7] سويدا خاليا في مكان وهو سكران ولا سلاح معه، فقال له: قد أمكن الله منك، قال: وما تريد؟ قال:
قتلك، قال: فارفع عن الطغام، واخفض عن الدماغ وإذا رجعت إلى أمك فقل: قد قتلت سويد بن الصامت، فقتله. فهيج قتله وقعة بعاث- وذلك قبل الإسلام- فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم الحارث بن سويد، ومجذر بْن زياد، فجعل الحارث يطلب مجذرا ليقتله بأبيه فلا يقدر عليه- فلما كان يوم أحد وجال الناس الجولة أتاه الحارث من خلفه فضرب/ عنقه، فلما رجع [8] النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فأخبره أن الحارث قتل مجذرا غيلة، وأمره أن يقتله به، فركب رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى قباء في ذلك اليوم وهو يوم حار، فدخل مسجد قباء فصلى فيه، وسمعت به الأنصار فجاءت تسلم عليه، وأنكروا إتيانه في [تلك] [9] الساعة حتى طلع الحارث بن سويد في ملحفة مورسة، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم دعي عويم بن ساعدة، فقال: قدم الحارث بن سويد إلى باب المسجد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] في الأصل: «الحارث بن أوس» .
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 14، 15.
[5] في الأصول: «وهو ابن ثمان وعشرين سنة» وهذه العبارة خاصة بالترجمة السابقة.
[6] «شهر أحدا.. كان سويد» العبارة ساقطة من أ.
[7] ما بين المعقوفتين: من أ.
[8] في أ: «فلما قدم» .
[9] ما بين المعقوفتين: من أ.(3/177)
فاضرب عنقه بمجذر بن زياد فإنه قتله غيلة، فقال الحارث: قد والله قتلته وما كان قتلي إياه رجوعا عن الإسلام ولا ارتيابا فيه، ولكنه حمية الشيطان، وأمر وكلت فيه إلى نفسي، فإني أتوب إلى الله وإلى رسوله، وجعل يمسك بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركاب ورجل في الأرض، وبنو مجذر حضور لا يقول لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا، فلما استوعب كلامه، قال: «قدمه يا عويم فاضرب عنقه» ، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدمه عويم فضرب عنقه، فقال حسان بن ثابت:
يا حار في سنة من يوم أولكم ... أم كنت ويحك مغترا بجبريل
36- حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف [1] :
أمه هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وكان له من الولد يعلى، وبه كان يكنى، وعامر، وعمارة [وقد كان يكنى به] [2] أيضا، وأمامة التي اختصم فيها علي وجعفر وزيد، وكان ليعلى أولاد درجوا فلم يبق لحمزة عقب.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ [3] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أخبرنا أبو عمر بْن حيويه، قَالَ: أخبرنا أحمد بن معروف، قال:
أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ [4] ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ [5] : أَنَّ حَمْزَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي صُورَتِهِ، فَقَالَ: «إِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ [أَنْ تَرَاهُ] [6] » قَالَ: بَلَى، قَالَ: «فَاقْعُدْ [مَكَانَكَ] » [7] ، فَنَزَلَ/ جِبْرِيلُ عَلَى خَشَبَةٍ فِي الْكَعْبَةِ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَضَعُونَ ثِيَابَهُمْ عَلَيْهَا إِذَا طَافُوا فِي البيت، فقال: ارفع
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 3.
[2] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[3] في أ: «أبو بكر بن عبد الباقي» .
[4] في أ: «أخبرنا إسماعيل بن سلمة» .
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 6.
[6] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.(3/178)
طَرْفَكَ فَانْظُرْ، فَنَظَرَ فَإِذَا قَدَمَاهُ مِثْلَ الزَّبْرْجَدِ الأَخْضَرِ، فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ. قال علماء السير: أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة، وآخى بينه وبين زيد بن حارثة، وإليه أوصى حمزة حين حضر القتال يوم أحد وقتله وحشي يومئذ وشق بطنه وأخذ كبده وجاء بها إلى هند بنت عتبة، فمضغتها ثم لفظتها، ثم جاءت فمثلت بحمزة، وجعلت من ذلك مسكتين ومعضدتين وخدمتين حتى قدمت بذلك مكة.
ودفن حمزة وعبد الله بن جحش في قبر واحد، وحمزة خال عبد الله، ونزل في قبر حمزة أبو بَكْر وعمر وعلي والزبير، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على حفرته.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْمُدَبِّرُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْمَأْمُونِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الدار الدَّارَقُطْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْدُونٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَىَ الأَزْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَحْشُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرٍو الضَّمْرِيِّ، قَالَ:
خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخَيَّارِ إِلَى الشَّامِ فَلَمَّا قَدِمْنَا حِمْصَ، قَالَ لِي عُبَيْدُ اللَّهِ: هَلْ لَكَ فِي وَحْشِيٍّ نَسْأَلُهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَكَانَ وَحْشِيٌّ يَسْكُنُ حِمْصَ، فَجِئْنَا حَتَّى وَقَفْنَا عَلَيْهِ فَسَلَّمْنَا فرد السلام وعبيد الله معتمر بِعِمَامَتِهِ مَا يُرَى مِنْهُ إِلا عَيْنَاهُ وَرِجْلاهُ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: يَا وَحْشِيُّ أَتَعْرِفُنِي؟ فَنَظَرَ إليه ثم قَالَ: لا وَاللَّهِ إِلا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ الْخَيَّارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَلَدَتْ لَهُ غُلامًا فَاسْتَرْضَعَتْهُ فَحَمَلَتْ ذَلِكَ الْغُلامَ مَعَ أُمِّهِ فَنَاوَلَتْهَا إِيَّاهُ فَكَأَنِّي نَظَرْتُ إِلَى قَدَمَيْهِ، فَكَشَفَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَجْهَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلا تُخْبِرُنَا بِقَتْلِِ حَمْزَةَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ [1] ، إِنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيٍّ بِبَدْرٍ، فَقَالَ لِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعَمٍ: إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي فَأَنْتَ حُرٌّ، فَلَمَّا خَرَجَ النَّاسُ عَامَ عَيْنَيْنِ- قَالَ: وَعَيْنَيْنُ جَبَلٌ تَحْتَ أُحُدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَادٍ- فَخَرَجْتُ/ مَعَ النَّاسِ إِلَى الْقِتَالِ، فَلَمَّا أَنِ اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ خَرَجَ سُبَاعٌ، فَقَالَ: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ، فَقَالَ: يَا سُبَاعُ يَا ابْنَ [أُمِّ] [2] أَنْمَارٍ مُقَطَّعَةِ الْبُظُورِ، أَتُحَارِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ وَكَانَ كَأَمْسٍ الذَّاهِبِ، وَكَمُنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ حَتَّى مَرَّ عَلَيَّ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَأَضَعْتُهَا في ثنيته حتى دخلت
__________
[1] في أ: «بلى» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.(3/179)
بَيْنَ وِرْكَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ آَخِرَ الْعَهْدِ بِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ [إِلَى مَكَّةَ] [1] رَجَعْتُ مَعَهُمْ، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الطَّائِفِ، فَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا، فَقَالُوا: إِنَّهُ لا يَهِيجُ الرُّسُلَ. قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآَنِي قَالَ: «أَنْتَ وَحْشِيٌّ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ؟» قُلْتُ:
قَدْ كَانَ مِنَ الأَمْرِ مَا بَلَغَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي» . قَالَ: فَرَجَعْتُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُسَيْلَمَةُ الْكَذَّابُ، قُلْتُ: لأَخْرُجَنَّ إِلَى مُسَيْلَمَةَ لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئُ بِهِ حَمْزَةَ، فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا كَانَ.
قَالَ: وَإذَِا رَجُلٌ قائم في ثلمة جِدَارٍ كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرٌ رَأْسُهُ. [قَالَ] : فَأَرْمِيهِ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ من بَيْنَ كَتِفَيْهِ [2] ، قَالَ: وَدَبَّ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ.
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ، فَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: فَقَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ: وَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَتَلَهُ الْعَبْدُ الأَسْوَدُ.
[انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَاتِبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي الزُّبَيْرُ:
أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ تَسْعَى حَتَّى إِذَا كَادَتْ أَنْ تُشْرِفَ عَلَى الْقَتْلَى قَالَ:
فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرَاهُمْ، فَقَالَ: الْمَرْأَةَ الْمَرْأَةَ، قَالَ الزُّبَيْرُ: فَتَوَسَّمْتُ أَنَّهَا أُمِّي صَفِيَّةُ، فَخَرَجْتُ أَسْعَى إِلَيْهَا، فَأَدْرَكْتُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى الْقَتْلَى، قَالَ: فَلَزِمَتْ فِي صَدْرِي، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَلْدَةً، قَالَتْ: إِلَيْكَ لا أُمَّ لَكَ [3] ، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَمَ عَلَيْكِ، قَالَ: فَوَقَفَتْ وَأَخْرَجَتْ ثَوْبَيْنِ مَعَهَا، فَقَالَتْ: هَذَانِ ثَوْبَانِ جِئْتُ بِهِمَا لأخي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] في أ: «بين منكبيه» .
[3] في المسند: «لا أرض لك» .(3/180)
حَمْزَةَ، فَقَدْ بَلَغَنِي مَقْتَلُهُ، فَكَفِّنُوهُ فِيهِمَا، قَالَ: فَجِئْتُ بِالثَّوْبَيْنِ لِنُكَفِّنَ فِيهِمَا حَمْزَةَ، فَإِذَا إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ قَتِيلٌ قَدْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِحَمْزَةَ، قَالَ: فَوَجَدْنَا غَضَاضَةً وَحَيَاءً أَنْ نُكَفِّنَ حَمْزَةَ فِي ثَوْبَيْنِ، وَالأَنْصَارِيُّ لا كَفَنَ لَهُ، فَقُلْنَا: لِحَمْزَةَ ثَوْبٌ وَلِلأَنْصَارِيِّ ثَوْبٌ، فَقَدَّرْنَاهُمَا فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا فَكَفَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الثَّوْبِ الَّذِي صَارَ لَهُ] [1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ [2] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُبَارِكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو الحسن بْنُ الْمُهْتَدِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضِل بْنِ الْمَأْمُونِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَنْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُهْتَدِي، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ:
لَمَّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاحِيَةَ [الْقَتْلَى] فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ تَؤُمُّ الْقَتْلَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْأَةَ الْمَرْأَةَ، فَدَنَوْتُ مِنْهَا/ فتوسمتها فإذا هي صفية، فقلت لها: يا أُمَّاهُ ارْجِعِي فَلَزِمَتْ صَدْرِي وَقَالَتْ: لا أُمَّ لَكَ، فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْزِمُ عَلَيْكِ، فَأَخْرَجَتْ ثَوْبَيْنِ وَقَالَتْ: كَفِّنُوا أَخِي فِي هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ، فَنَظَرْنَا إِلى جَانِبِ حَمْزَةَ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ وَلَيْسَ لَهُ كَفَنٌ، فَرَأَيْنَا غَضَاضَةً عَلَيْنَا أَنْ نُكَفِّنَ حَمْزَةَ فِي ثَوْبَيْنَ وَالأَنْصَارِيُّ لَيْسَ لَهُ كَفَنٌ، وَكَانَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ أَوْسَعُ مِنَ الآخَرِ، فَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا وَكَفَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ فِي الثَّوْبِ الَّذِي صَارَ لَهُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ [3] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا ابن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ أَقْبَلَتْ صَفِيَّةُ تَطْلُبُهُ لا تَدْرِي مَا صَنَعَ، فَلَقِيَتْ عَلِيًّا والزبير،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والخبر في مسند أحمد 1/ 165.
[2] هذا الخبر ساقط كله من أ.
[3] الخبر ساقط من أ.(3/181)
فَقَالَ عَلِيٌّ لِلزُّبَيْرِ [1] : اذكر لأُمِّكَ، قَالَ الزُّبَيْرُ: لا بَلِ اذكر أَنْتَ لِعَمَّتِكَ، قَالَتْ: مَا فَعَلَ حَمْزَةُ؟ قَالَ: فَأَرَيَاهَا أَنَّهُمَا لا يَدْرِيَانِ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنِّي أَخَافُ عَلَى عَقْلِهَا» فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهَا وَدَعَا لَهَا فَاسْتَرْجَعَتْ وَبَكَتْ، ثُمَّ جَاءَ فَقَامَ عَلَيْهِ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ، فَقَالَ: «لَوْلا جَزَعُ النِّسَاءِ لَتَرَكْتُهُ حَتَّى يُحْشَرَ مِنْ حَوَاصِلِ الطَّيْرِ وَبُطُونِ السِّبَاعِ» قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِالْقَتْلَى فَجَعَلَ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَيَضَعُ تِسْعَةً وَحَمْزَةَ فَيُكَبِّرُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يُرْفَعُونُ وَيَتْرُكُ حَمْزَةَ، ثُمَّ يُجَاءُ بِغَيْرِهِمْ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُمْ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] : وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِي جعفر، قال: كانت فَاطِمَةُ تَأْتِي قَبْرَ حَمْزَةَ فَتَرُمُّهُ وَتُصْلِحُهُ.
[أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ [3] بْنُ أَحْمَدَ، وَيَحْيَى بْنُ الْحَسَنِ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ فِي آَخَرِينَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ النَّقُّورِ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَرْكَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ كَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، وَإِنَّهُ كَبَّرَ عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ تَكْبِيرَةً. أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُخْلِصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيَ عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [4] : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وَقَفَ عَلَى حَمْزَةَ حِينَ اسْتُشْهِدَ فَنَظَرَ إِلَى شَيْءٍ لَمْ يَنْظُرْ إِلَى شَيْءٍ قَطُّ كَانَ أَوْجَعَ لِقَلْبِهِ مِنْهُ، وَنَظَرَ إِلَيْهِ قَدْ مُثِّلَ بِهِ، فَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، فَإِنَّكَ كُنْتَ مَا عَلِمْتُ فَعُولا لِلْخَيْرَاتِ وَصُولا لِلرَّحِمِ، وَلَوْلا حُزْنُ مَنْ بَعْدَكَ عَلَيْكَ لَسَرَّنِي أَنْ أَدَعَكَ حَتَّى تُحْشَرَ مِنْ أَفْوَاهٍ شَتَّى، أَمَا وَاللَّهِ مَعَ ذَلِكَ لأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ مَكَانَكَ، فَنَزَلَ جبريل
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 7، 8.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 11.
[3] من هنا ساقط من الأصل، وسننبه عن نهاية السقط.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 7.(3/182)
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ يَعُدُّ خَوَاتِيمَ النَّحْلِ: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ به ... 16: 126 [1] إِلَى آخِرِ السُّوَرَةِ، فَصَبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْسَكَ عَمَّا أَرَادَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الحسين بْن الفهم، حَدَّثَنَا محمد بْن سعد، أَخْبَرَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَرْدٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
لَمَّا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يُجْرِيَ عَيْنَهُ الَّتِي بِأُحُدٍ كَتَبُوا إِلَيْهِ: إِنَّا لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُجْرِيَهَا إِلا عَلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ، فَكَتَبَ: انْبِشُوهُمْ، فَقَالَ: فَرَأَيْتُهُمْ يُحْمَلُونَ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ كَأَنَّهُمْ قَوْمٌ نِيَامٌ، وَأَصَابَتِ الْمِسْحَاةُ طَرَفَ رِجْلِ حَمْزَة، فَانْبَعَثَتْ دَمًا] [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي، قال: أَخْبَرَنَا الْمُخْلِصُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْبَغَوِيُّ [3] ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْوَرْدِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ/ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَامِلِهِ بِالْمَدِينَةِ أَنْ يُجْرِيَ عَيْنًا إِلَى أُحُدٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَامِلُهُ: إِنَّهَا لا تَجْرِي إِلا عَلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ أَنْفِذْهَا، قَالَ: فَسَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهَ يَقُولُ: فَرَأَيْتُهُمْ يَخْرُجُونَ عَلَى رِقَابِ الرِّجَالِ كَأَنَّهُمْ رِجَالٌ نُوَّمٌ حَتَّى أَصَابَتِ الْمِسْحَاةُ قَدَمَ حَمْزَةَ فَانْبَعَثَ دَمًا
. 37- حسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جروة:
وجروة هو الذي يقال له اليمان، لأنه حالف اليمانية، وحسيل أبو حذيفة، خرج هو وحذيفة يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل غزاة بدر فلقيهما المشركون فقالوا: إنكما تريدان مُحَمَّدًا، فقالا: ما نريد إلا المدينة، فأخذوا عليهما عهد الله وميثاقه أن لا يقاتلا مع محمد، فأتيا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبراه [4] ، وقالا: إن شئت قاتلنا معك، فقال: بل نفي
__________
[1] سورة: النحل، الآية: 126.
[2] إلى هنا انتهى السقط من الأصل، والخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 5.
[3] السند هكذا في أ: «أخبرنا عاليا يحيى بن علي الطراح، أخبرنا أحمد بن محمد بن النقور، أَخْبَرَنَا أحْمَد بْن مُحَمَّد بن عمران، حَدَّثَنَا البغوي» .
[4] «فأخبراه» ساقط من أ.(3/183)
بعهدهم ونستعين [1] الله عليهم، وشهدا غزاة أحد، فالتقت سيوف المسلمين على حسيل وهم لا يعرفونه، فجعل حذيفة يقول: أبي أبي، فلم يفهموا حتى قتل، فتصدق حذيفة بدمه على المسلمين
. 38- حنظلة بن [أبي] [2] عامر، واسمه عبد عمرو، وهو الراهب ابن صيفي بن النعمان بن مالك:
قال خزيمة بن ثابت: ما كان في الأوس والخزرج رجل أوصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم منه، كان يألف اليهود ويسألهم عن الدين فيخبرونه بصفة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن هذه دار هجرته، ثم خرج إلى يهود تيماء فأخبروه بمثل ذلك، ثم خرج إلى الشام فسأل النصارى فأخبروه بصفته فرجع وهو يَقُولُ: أنا على دين الحنيفية، فأقام مترهبا ولبس المسوح، وزعم أنه على دين إبراهيم يتوكف خروج النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة حينئذ حسده وبغى ونافق، وقال: يا محمد أنت تخلط الحنيفية بغيرها، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أتيت بها/ بيضاء نقية، أين ما كان يخبرك الأحبار من صفتي؟» قال:
لست بالذي وصفوا لي، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «كذبت» ، قال: ما كذبت، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الكاذب أماته الله طريدا وحيدا» فقال: آمين.
ثم خرج إلى مكة فكان مع قريش يتبع دينهم، وترك الترهب، ثم حضر أحدا معهم كافرا ثم انصرف معهم كافرا، فلما كان يوم الفتح ورأى الإسلام قد ضرب بجرانه خرج هاربا إلى قيصر فمات هناك طريدا. فقضى قيصر بميراثه لكنانة بن عبد يا ليل، وقال: أنت وهو من أهل المدر، وكان ابنه حنظلة لما أسلم قال: يا رسول الله أقتل أبي؟
قال: لا.
وتزوج حنظلة جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول، فأدخلت عليه في الليلة فلما صلى الصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمال إليها فأجنب وأراد الخروج، فأرسلت إلى أربعة من قومها فأشهدت عليه أنه دخل بها، فقيل لها بعد: لم أشهدت عليه؟ قالت:
رأيت كأن السماء قد فرجت له فدخل فيها ثم أطبقت، فقلت: هذه الشهادة وعلقت بعبد الله.
__________
[1] في الأصل: نعني ونعين والتصحيح من مسند أحمد 5/ 395.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.(3/184)
وخرج حنظلة فقاتل واعترض أبا سفيان بن حرب فضرب عرقوب فرسه، فوقع أبو سفيان وجعل يصيح: يا معشر قريش أنا أبو سفيان بن حرب، فعاد الأسود بن عبد يغوث فحمل على حنظلة بالرمح فأنفذه، فمر عليه أبوه وهو إلى جانب حمزة وعبد الله بن جحش، فقال:
إن كنت لأحذرك هذا الرجل من قبل هذا المصرع، والله إن كنت لبرا بالوالد، شريف الخلق، وإن مماتك لمع سراة أصحابك، فإن جزى الله هذا القتيل- يعني حمزة- أو أحدا من أصحاب محمد خيرا فجزاك الله خيرا. ثم نادى: يا معشر قريش، حنظلة لا بمثل به، وإن كان خالفني فإنه لم يأل بنفسه فيما يرى خيرا/ فقال أبو سفيان: حنظلة بحنظلة- يعني حنظلة بن أبي سفيان. وكان قتل يوم بدر.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء المزن» ، فأرسل إلى امرأته فأخبرته أنه خرج وهو جنب، فولده يقال لهم بنو غسيل [الملائكة] [1]
. 39- خارجة بن زيد بن أبي زهير، يكنى أبا زيد [2] :
وله من الولد زيد، وهو الذي تكلم بعد موته في زمن عثمان، وحبيبة بنت خارجة، تزوجها أبو بكر الصديق وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين خارجة وأبي بكر وشهد بدرا وأحدا وقتل يومئذ
. 40- خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد، يكنى أبا حذافة [3] :
أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وكان زوج حفصة بنت عمر بن الخطاب، فتوفي ودفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع إلى جانب قبر عثمان بن مظعون
. 41- خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب، أبو سعد بن خيثمة [4] :
كان أراد الخروج إلى بدر، فقال لابنه سعد: لا بد لي أو لك من أن يقيم أحدنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 78.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 285. وفي الأصل: يكنى أبا حذيفة.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 47.(3/185)
في أهله ونسائه، فقال ابنه: يا أبه لو كان غير الجنة لآثرتك به، ولكن ساهمني، فأينا خرج سهمه خرج مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بدر، وأقام الآخر. فاستهما فخرج سهم سعد فخرج فاستشهد يومئذ، وكان أحد النقباء.
وأقام خيثمة فلما كان يوم أحد خرج مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقتل شهيدا
. 42- ذكوان بن قيس بن خلدة
[1] :
كان قد خرج إلى مكة هو وأسعد بن زرارة يتنافران فسمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما ورجعا إلى المدينة، وكان مهاجريا أنصاريا، وكذلك زياد بن لبيد جرى له مثل هذا.
وشهد ذكوان بدرا وأحدا وقتل يومئذ، قتله أبو/ الحكم بن الأخنس، فشد علي بن أبي طالب عَلَى أبي [الحكم بن] ( [2] الأخنس فقتله
. 43- رافع بن مالك بن العجلان أبو مالك [3] :
وقيل إنه هو ومعاذ بن عفراء أول من لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة من الأنصار، فأسلما وقدما بالإسلام المدينة، وشهد العقبة مَعَ السبعين، وَهُوَ أحد النقباء الاثني عشر، ولم يشهد بدرا وشهد أحدا فقتل يومئذ
. 44- رافع بن يزيد بن كرز [4] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ
. 45- رفاعة بن [عبد] [5] المنذر [6] :
شهد العقبة مع السبعين، وبدرا وأحدا وقتل يومئذ.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 127.
[2] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 149.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 18.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 28.(3/186)
46- رفاعة بن عمرو بن زيد، أبو الوليد [1] :
شهد العقبة أيضا مع السبعين وبدرا واحدا، وقتل يومئذ
. 47- سهيل بن قيس بن أبي كعب بن القين [2] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ، وقبره معروف بأحد
. 48- سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير [3] :
شهد العقبة، وهو أحد النقباء الاثني عشر، وشهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ
. 49- سلمة بن ثابت بن وقش بن زغبة [4] :
أمه ليلى بنت اليمان أخت حذيفة، شهد بدرا وأحدا، وقتله يومئذ أبو سفيان
. 50- سليم بن الحارث بن ثعلبة [5] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ
. 51- سليم بن عمرو بن حديدة [6] :
شهد العقبة مع السبعين، وشهد بدرا وأحدا وقتل يومئذ
. 52- شماس بن عثمان بن الشريد [7] :
كان اسم شماس عثمان، فسمي شماسا لوضاءته، يقول: كأنه شمس، فغلب على اسمه، هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية في بعض الأقوال.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيويه،
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 92.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 119، وفي الأصل: «سهيل بن قيس» .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 77.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 17.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 76.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 118.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 174، وهذه الترجمة ساقطة من أ.(3/187)
قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ/ بْنِ يَرْبُوعَ، قَالا ( [1] :
شَهِدَ شَمَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بَدْرًا وَأُحُدًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا وَجَدْتُ لِشَمَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ شَبِيهًا إِلا الْجَنَّةَ» . مِمَّا يُقَاتِلُ عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَرْمِي بِبَصَرِهِ يَمِينًا وَلا شِمَالا إِلا رَأَى شَمَّاسًا فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ يَذُبُّ بِسَيْفِهِ حَتَّى غَشِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَرَسَ بِنَفْسِهِ دُونَهُ حَتَّى قُتِلَ. فَحُمِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبِهِ رَمَقٌ، فَأُدْخِلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: ابْنُ عَمِّي يَدْخُلُ عَلَى غَيْرِي؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْمِلُوهُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ» فَحُمِلَ إِلَيْهَا فَمَاتَ عِنْدَهَا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يرد إِلَى أُحُدٍ فَيُدْفَنَ هُنَاكَ كَمَا هُوَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا. وَقَدْ مَكَثَ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ يَذُقْ شَيْئًا، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يُغَسِّلْهُ، وَكَانَ يَوْمَ قُتِلَ ابْنَ أَرْبَعٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً، وَلَيْسَ لَهُ عَقِبٌ. رَحِمَهُ اللَّهُ
. 53- عبد الله بن جبير بن النعمان بن أمية [2] :
شهد العقبة مع السبعين، وبدرا وأحدا، واستعمله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ على الرماة، فلما انكشفوا يطلبون الغنيمة لم يبق معه إلا نحو من عشرة فرمى حتى نفذ نبله، ثم طاعن بالرمح حتى انكسر وقاتل حتى قتل، ومثلوا به أقبح المثل.
قال خوات بن جبير: أخذت بضبعيه وأخذ أبو حية برجليه وقد شددت جرحه بعمامتي، فبينا نَحْنُ نحمله والمشركون ناحية [إلى أن] [3] سقطت عمامتي من جرحه فخرجت حشوته، ففزع صاحبي وجعل يتلفت وراءه يظن أنه العدو، فضحكت في مكان ما ضحك فيه عدو. وكان الذي قتله عكرمة بن أبي جهل
. 54- عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة، ويكنى أبا محمد:
وأمه أميمة بنت عَبْد المطلب [بْن هاشم بْن عَبْد مناف] . أسلم قبل دخول رسول
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 170.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 42.
[3] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.(3/188)
الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، وبعثه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلم إلى نخلة، وفيها تسمى بأمير المؤمنين، وهو أول من دعي/ بذلك، وأول لواء عقد في الإسلام لواؤه. وأول مغنم قسم في الإسلام ما جاء به.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال:
حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا عفان [بْنُ مُسْلِمٍ] [1] ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالا:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَجُلا سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ يَقُولُ قَبْلَ أحد بيوم:
اللَّهمّ إنّا لاقو هَؤُلاءِ غَدًا فَإِنِّي أُقْسِمُ عَلَيْكَ لَمَّا يَقْتُلُونِي وَيَبْقُرُونَ بَطْنِيَ وَيَجْدَعُونَ أَنْفِيَ، فَإِذَا قُلْتَ لِي: لِمَ فُعِلَ بِكَ هَذَا؟ فَأَقُولُ: اللَّهمّ فِيكَ.
فَلَمَّا الْتَقَوُا فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ الّذي سمعه: أما هذا فقد اسْتُجِيبَ لَهُ وَأَعْطَاهُ اللَّهُ مَا سَأَلَ فِي جَسَدِهِ فِي الدَّنْيَا، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أُعْطَى مَا سَأَلَ فِي الآَخِرَةِ [2]
. 55- عبد الله بن عمرو بن حزام، أبو جابر [3] :
شهد العقبة مَعَ السبعين، وَهُوَ أحد النقباء الاثني عشر، وشهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن أبي طاهر البزاز، قَالَ: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال:
أخبرنا ابن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف، قَالَ: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ [بْنِ عَبْدِ اللَّهِ] ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ وَأَبْكِي، وَجَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَوْنَنِي وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَنْهَانِي، وَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرٍو تبكي عليه،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 63.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 105.(3/189)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَكِّيهِ أَوْ لا تَبْكِيهِ» ، مَا زَالَتِ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ» [1]
. 56- عبد الله بن سلمة بن مالك [بن الحارث] [2] :
شهد بدرا وأحدا، وقتله عبد الله بن الزبعري
. 57- عبيد بن التيهان أخو أبي الهيثم ربما سماه بعضهم عتيكا [3] :
شهد العقبة مع السبعين، وبدرا/ وأحدا، وقتله يومئذ عكرمة بن أبي جهل
. 58- عامر بن مخلد بن الحارث [4] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ
. 59- عمرو بن قيس بن زيد بن سواد [5] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ
. 60- عمرو بن ثابت بن وقش بن زغبة:
أمه ليلى أخت حذيفة بن اليمان، عن له أن يسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، فأسلم وأخذ سيفه ثم خرج حتى دخل في القوم فقاتل حتى أثبت فدنوا منه وهو في آخر رمق، فقالوا: ما جاء بك يا عمرو؟ قال: الإسلام، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنك من أهل الجنة» . وكان أبو هريرة يقول: أخبروني برجل يدخل الجنة لم يصل للَّه تعالى سجدة قط، فسكتوا، فقال: عمرو بن ثابت
. 61- عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة، يكنى أبا السائب [6] :
كان قد حرم الخمر في الجاهلية، وقال: لا أشرب شيئا يذهب عقلي ويضحك
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 105.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 37، وما بين المعقوفتين: من أ.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 23، وفي الأصل عبد الله بن التيهان.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 56.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 57، وفي الأصول «بن قيس بن زياد» .
[6] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 286.(3/190)
بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي من لا أريد.
وحضر عند رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نزل عليه الوحي قبل أن يسلم، وأسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم.
وكان كثير التعبد، ولما هاجر إلى المدينة هاجر آل مظعون كلهم رجالهم ونساؤهم حتى غلقت دورهم.
وشهد عثمان بن مظعون بدرا وتوفي في شعبان من هذه السنة، وهو أول من دفن بالبقيع، والأنصار تقول: بل أسعد بن زرارة.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن عَلِيّ المدبر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُهْتَدِي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ شَاهِينَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْبَغَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاهِبِ الْحَارِثُّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ [1] ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ [2] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ بَكَى طَوِيلا، فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى السَّرِيرِ/ قَالَ: طُوبَى لَكَ يَا عُثْمَانُ لَمْ تَلْبَسْكَ الدُّنْيَا وَلَمْ تَلْبَسْهَا»
. 62- عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام:
كان له صنم اسمه مناف، فأخذوه فكسروه ثم ربطوه مع كلب في بئر، فأسلم وجعل يرتجز ويقول:
الحمد للَّه العلي ذي المنن ... الواهب الرازق ديان الدين
هو الذي أنقذني من قبل أن ... أكون في ظلمة قبر مرتهن
والله لو كنت إلها لم تكن ... أنت وكلب وسط بئر في القرن
والآن فتشناك عن شر الغبن
وكان عمرو أعرج فلم يشهد بدرا، فلما حضر أحدا أراد الخروج فمنعه بنوه،
__________
[1] في الأصل «بن عبيد بن عمير» .
[2] في أ: «يحيى بن سعيد القاسم» خطأ.(3/191)
وقالوا: قد عذرك الله، فأتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: إن بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج، والله إني أرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال: «أما أنت فقد عذرك الله» وقال لبنيه: «لا عليكم أن تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة» ، فتركوه. قالت امرأته هند: كأني أنظر إليه موليا قد أخذ رقبته، وهو يقول: اللَّهمّ لا تردني إلى أهل حزبي وهي منازل بني سلمة.
فقتل هو وابنه خلاد جميعا، ودفن هو وعبد الله بن عمر وأبو جابر في قبر واحد
. 63- عمرو بن معاذ بن النعمان، أخو سعد [1] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة
. 64- قرمان بن الحارث بن بني عبس:
كان من المنافقين، فلما كانت غزاة أحد عيره نساء بني ظفر، وقلن: قد خرج الرجال وبقيت، استحي مما صنعت، ما أنت إلا امرأة، فخرج في الصف الأول، وكان أول من رمى بسهم، ثم استل السيف ففعل الأفاعيل، فلما انكشف المسلمون كسر جفن السيف وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار يا آل أوس، قاتلوا على الأحساب واصنعوا مثل ما أصنع، وجعل يدخل وسط المشركين حتى يقال قد قتل، ثم يطلع وهو يقول: أنا الغلام الظفري حتى قتل سبعة، وكثرت/ جراحاته، فمر به قتادة بن النعمان، فقال: هنيئا لك الشهادة، فقال: أي والله ما قاتلت على دين ما قاتلت إلا على الحفاظ لئلا تشير قريش إلينا حتى تطأ سعفنا، وآذته الجراحة فقتل نفسه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»
. 65- قيس بن مخلد بن ثعلبة بن صخر:
شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ
. 66- مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد بن الأبحر، أبو أبي سعيد الخدري:
شهد أحدا، فلما نزعت حلقتا المغفر من وجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد جعل
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 13.(3/192)
الدم يسرب، فجعل يأخذه بفيه ويزدرده، وقتل مالك يومئذ، قتله غراب بن سفيان الكناني، ولما رجع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أحد تلقاه أبو سعيد الخدري، فعزاه النبي صلى الله عليه وسلم بأبيه
. 67- مالك بن نميلة [1] :
وهي أمه، وأبوه ثابت، وهو من مزينة، شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ
. 68- مالك بن عمرو النجاري [2] :
توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الخروج إلى أحد، فصلى عليه، ثم ركب إلى أحد
. 69- مالك ونعمان ابنا خلف بن عوف [3] :
كانا طليعتين لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد، فقتلا جميعا يومئذ ودفنا في قبر واحد
. 70- مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، ويكنى أبا محمد [4] :
تزوج حمنة بنت جحش فولدت له زينب. وكان شابا جميلا عطرا حسن الكسوة، وكانا أبواه ينعمانه، فبلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس في دار الأرقم، فدخل فأسلم وكتم إسلامه من قومه وأمه، وكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرا، فبصر به عثمان بن طلحة يصلي فأخبر أمه وقومه، فأخذوه فحبسوه فلم يزل محبوسا حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى، ثم رجع مع المسلمين/، وأقبل يوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه قطعة من نمرة قد وصلها بإهاب، فنكس أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رءوسهم رحمة له، وليس عندهم ما يغيرون عليه، فسلم فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، وقال: «لقد رأيت هذا وما بمكة فتى [من قريش] [5] أنعم عند أبويه منه، ثم أخرجه من ذلك الرغبة [في الخير] [6] في حب الله ورسوله» .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 38.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 151.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 179.
[4] حدث خطأ في الترتيب هنا في أ، جاءت ترجمة وهب بن قابوس هنا وجاءت بعدها هذه الترجمة.
[5] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.(3/193)
ثم هاجر إلى المدينة أول من هاجر، وذلك أن الأنصار كتبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ابعث لنا رجلا يفقهنا في الدين ويقرئنا القرآن، فبعث إليهم مصعب بن عمير، فنزل على أسعد بن زرارة وكان يأتي الأنصار في دورهم وقبائلهم فيدعوهم إلى الإسلام، وأظهر الإسلام فِي دور الأنصار، وكتب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يستأذن أن يجمع بهم في دار ابن خيثمة، وكانوا يومئذ اثني عشر رجلا، وهو أول من جمع في الإسلام يوم الجمعة.
وقد قيل: إن أول من جمع بهم أبو أمامة أسعد بن زرارة.
ثم خرج مصعب بن عمير من المدينة مع السبعين الذين وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة الثانية، فقدم مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقرب منزله، فجعل يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسراع الأنصار إلى الإسلام فسر بذلك.. وبعثت إليه أمه: يا عاق، أتقدم بلدا أنا به ولا تبدأ بي، فقال: ما كنت لأبدأ بأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى أمه فأرادت حبسه [1] ، فقال: إن حبستني لأحرضن على قتل من يتعرض لي، فبكت وقالت: اذهب لشأنك، فقال: يا أماه، إني لك ناصح وعليك شفيق، فأسلمي، قالت: والثواقب لا أدخل في دينك.
وأقام مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة بقية ذي الحجة والمحرم وصفر، وقدم قبل رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى المدينة مهاجرا لهلال ربيع الأول قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم باثنتي عشرة ليلة.
وكان لواء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأعظم لواء المهاجرين يوم بدر معه ويوم أحد.
ولما جال/ المسلمون ثبت به وأقبل ابن قميئة وهو فارس فضرب يده اليمنى فقطعها، ومصعب يَقُولُ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ... 3: 144 [2] .
فأخذ اللواء بيده اليسرى، وحنا عَلَيْهِ فضرب يده اليسرى فقطعها، فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره، وهو يقول: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ 3: 144 الآية. ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه واندق الرمح ووقع مصعب وسقط
__________
[1] في الأصل: «أن تحبسه» وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[2] سورة: آل عمران، الآية: 144.(3/194)
اللواء، فابتدره رجلان من بني عبد الدار: سويبط بن سعد، وأبو الروم بن عمير، فأخذه أبو الروم ولم يزل في يديه حتى دخل به المدينة.
قال محمد بن عمر [1] : قال إبراهيم بن محمد، عن أبيه: ما نزلت هذه الآية:
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ من قَبْلِهِ الرُّسُلُ 3: 144 [2] يومئذ حتى نزلت بعد ذلك.
ووقف رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي مصعب بن عمير، فقرأ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ من يَنْتَظِرُ 33: 23 [3] .
وقتل وهو ابن أربعين سنة أو يزيد شيئا.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد [4] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ [قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ] [5] ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إِلا نَمِرَةٌ، فَكُنَّا إِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رَأْسِهِ خَرَجَتْ رِجْلاهُ، وَإِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رِجْلَيْهِ خرج رأسه، فقال لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوهَا فِيمَا يَلِي رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ» . وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فهو يهد بها.
71- النعمان بن مالك بن ثعلبة [6] :
قال مؤلف الكتاب: وثعلبة/ هو الذي يسمى قوقل، كان يقول للخائف [7] : قوقل حيث شئت فإنك آمن.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 85.
[2] سورة: آل عمران، الآية: 144.
[3] سورة: الأحزاب، الآية: 23.
[4] الخبر في ابن سعد 3/ 1/ 85، والسند ساقط من أإلى ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 95.
[7] في أ: «كان يقول للقاتل» .(3/195)
شهد بدرا وأحدا وقتل يومئذ، قتله صفوان بن أمية
. 72- نوفل بن عبد الله بن نضلة [1] بن مالك بن العجلان:
شهد بدرا وأحدا وقتل يومئذ
. 73- وهب بن قابوس المزني [2] :
أنبأنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أنبأنا البرمكي، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن حيوية، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهْمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَقْبَلَ وَهْبُ بْنُ قَابُوسٍ وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ عُقْبَةَ بِغَنَمٍ لَهُمَا مِنْ جَبَلِ مُزَيْنَةَ، فَوَجَدَا الْمَدِينَةَ خَالِيَةً، فَسَأَلا: أَيْنَ النَّاسُ؟ فَقَالُوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالا: لا نَسْأَلُ أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ، فَأَسْلَمَا، ثُمَّ خَرَجَا فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُحُدٍ، فَإِذَا الدُّولَةُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَأَغَارَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي النَّهْبِ، وَقَاتَلا أَشَدَّ الْقِتَالِ. وَكَاَنَتْ قَدِ افْتَرَقَتْ فِرْقَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لِهَذِهِ الْفِرْقَةِ؟» فَقَالَ وَهْبٌ: أنا، فَرَمَاهُمْ بِالنِّبْلِ حَتَّى انْصَرَفُوا، ثُمَّ رَجَعَ فَانْفَرَقَتْ أُخْرَى، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لِهَذِهِ؟» فَقَالَ الْمُزَنِيُّ: أنا، [فَذَبَّهَا بِالسَّيْفِ حَتَّى وَلَّوْا وَرَجَعَ الْمُزَنِيُّ، ثُمَّ طَلَعَتْ كَتِيبَةٌ أُخْرَى، فَقَالَ: «مَنْ يَقُومُ لَهَا؟» ، فَقَالَ الْمُزَنِيُّ: أنا] [3] ، فَقَالَ: «قُمْ وَأَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ» ، فَقَامَ الْمُزَنِيُّ مَسْرُورًا يَقُولُ:
وَاللَّهِ لا أَقِيلُ وَلا أَسْتَقِيلُ، فَجَعَلَ يَدْخُلُ فِيهِمْ فَيَضْرِبُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ أَقْصَاهُمْ حَتَّى قَتَلُوهُ وَمَثَّلُوا بِهِ، ثُمَّ قَامَ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ فَقَاتَلَ نَحْوَ قِتَالِهِ حَتَّى قُتِلَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلْيَهِ وَسَلَّمَ وَهُمَا مَقْتُولانِ فَقَالَ: «رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ فَإِنِّي عَنْكَ رَاضٍ» . ثُمَّ قَامَ عَلَى قَدَمَيْهِ وَقَدْ نَالَ مَا نَالَ مِنَ الْجِرَاحِ، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى وُضِعَ الْمُزَنِيُّ فِي لَحْدِهِ. وَكَانَ عُمَرُ وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ يَقُولانِ: مَا حَاٌل نَمُوتُ عَلَيْهَا أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ نَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى حَالِ الْمُزَنِيِّ.
__________
[1] في الأصول: «بن ثعلبة» .
[2] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 181.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ.(3/196)
ثم دخلت سنة أربع من الهجرة
فمن الحوادث فيها:
سرية أبي سلمة بن عبد الأسد [1]
إلى قطن [2]- وهو جبل- في هلال المحرم، وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسلم أن طليحة [3] ، وسلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعوانهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا أبا سلمة، وعقد له لواء وبعث معه مائة وخمسين رجلا، وقال: سر حتى تنزل أرض بني أسد، فأغر عليهم قبل أن تلاقى عليك خيولهم [4] ، فخرج فأغذ السير عن سنن الطريق وانتهى إلى أدنى قطن، فأغار على سرح لهم، وأخذوا رعاء ثلاثة، وأفلت سائرهم، فجاءوا فحذروا أصحابهم، فتفرقوا في كل ناحية، ففرق أبو سلمة أصحابه ثلاث فرق في طلب النعم والشاء، فآبوا سالمين قد أصابوا إبلا وشاء ولم يلقوا أحدا، فانحدر أبو سلمة بذلك كله إلى المدينة
. ثم كانت:
سرية عبد الله بن أنيس [5]
في يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم إلى سفيان بن خالد [بن نبيح الهذلي
__________
[1] المغازي للواقدي 1/ 340، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 35، ودلائل النبوة 3/ 319.
[2] وهو جبل بناحية فيد به ماء لبني أسد بن خزيمة.
[3] في الأصل: طلحة.
[4] في ابن سعد: «عليك جمعوعهم» .
[5] المغازي للواقدي 301 وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 35.(3/197)
بعرنة، وذلك أنه بلغ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ سفيان بن خالد] [1] قد جمع الجموع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث عَبْد اللَّه بن أنيس ليقتله، فقال: صفه لي يا رسول الله، فقال: «إذا رأيته هبته وفرقت منه وذكرت الشيطان» ، قال: وكنت لا أهاب الرجال، واستأذنت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أقول فأذن لي، فأخذت سيفي وخرجت أعتزي إلى خزاعة حتى إذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشي ووراءه الأحابيش، فعرفته بنعت رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: من الرجل؟ فقلت: رجل من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك، قال:
أجل إني لأجمع له، فمشيت معه وحدثته فاستحلى حديثي حتى انتهى إلى خبائه، وتفرق عنه أصحابه حتى إذا نام الناس اغتررته فقتلته وأخذت/ رأسه، ثم دخلت غارا في الجبل فضربت العنكبوت [علي] [2] ، وجاء الطلب فلم يجدوا شيئا فرجعوا، ثم خرجت فكنت أسير الليل وأتوارى بالنهار حتى قدمت المدينة، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما رآني قال: «أفلح الوجه» ، قلت: أفلح وجهك يا رسول الله، فوضعت رأسه بين يديه، وأخبرته خبري، فدفع إلي عصا، وقال «تخصر بهذه في الجنة» ، فكانت عنده فلما حضرته الوفاة أوصى إلى أهله أن يدرجوها في كفنه ففعلوا. وكانت غيبته ثماني عشرة ليلة، وقدم يوم السبت لسبع بقين من المحرم.
قال مؤلف الكتاب وقد ذكر محمد بن حبيب أن هذا كان في سنة خمس
. ثم كانت:
سرية المنذر بن عمرو الساعدي [3] إلى بئر معونة
في صفر، وذلك أنه لما قدم عامر بن مالك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهدى له فلم يقبل منه، وعرض عليه الإسلام فلم يسلم، وقال: لو بعثت معي رجالا من أصحابك [4]
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[2] الزيادة من الطبقات.
[3] المغازي للواقدي 1/ 346، تاريخ الطبري 2/ 545، وسيرة ابن هشام 2/ 183، والكامل 2/ 63، والاكتفاء 2/ 142، والبداية والنهاية 4/ 71، دلائل النبوة 3/ 338، والنويري 17/ 130، وعيون الأثر 2/ 61، وابن حزم 178 والطبقات 2/ 1/ 39.
[4] في ابن سعد: «نفرا من أصحابك» .(3/198)
لرجوت أن يجيب قومي دعوتك، فقال: إني أخاف عليهم أهل نجد، فقال: أنا لهم جار إن يعرض لهم أحد، فبعث معه صلّى الله عليه وسلّم سبعين رجلا من الأنصار شببة يسمون القراء، وأمر عليهم المنذر، فلما نزلوا ببئر معونة- وهو ماء من مياه بني سليم- نزلوا بها وقدموا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عامر بن الطفيل، فوثب على حرام فقتله واستصرخ عليهم بني عامر فأبوا، وقالوا: لا يخفر جوار أبي براء فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم عصية ورعلا وذكوان، فنفروا معه، واستبطأ المسلمون حراما، فأقبلوا في إثره فلقيهم القوم، فأحاطوا بهم فكاثروهم، فلما أحيط بهم، خبرنا [فأخبره قالوا: اللَّهمّ إنا لا نجد من يبلغ رسولك منا السلام غيرك، فأقرئه منا السلام، وأخبره جبريل عليه السلام] [1] ، فقال: «وعليهم السلام» وكان معهم عمرو بن أمية/ الضمريّ، فقال عامر ابن الطفيل قد كان على أمي نسمة فأنت حر عَنْهَا ثم جز ناصيته.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ الله بن محمد، قال: أخبرنا الحسن بن علي التميمي، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ حَرَامًا خَالَهُ [2] أَخَا أُمِّ أَنَسٍ، وَهِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ [3] فِي سَبْعِينَ رَجُلا فَقُتِلُوا يَوْم بِئْرِ مَعْونَةَ، وَكَانَ رَئِيسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، وَكَانَ هُوَ قَدْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اخْتَرْ مِنِّي ثَلاثَ خِصَالٍ يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ [4] ، وَيَكُونُ لِي أَهْلُ الْوَبَرِ [5] ، أَوْ أَكُونُ خَلِيفَةً مِنْ بَعْدِكَ، أَوْ أَغْزُوكَ بِغَطَفَانَ أَلْفِ أَشْقَرَ وَأَلْفِ شَقْرَاءَ، قَالَ: فَطُعِنَ [6] فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي فُلانٍ، فَقَالَ [غدة كغدة البعير [7] في بيت
__________
[1] ما بين المعقوفتين من الطبقات.
[2] أي بعث خال أنس، وهو حرام بن ملحان، شهد بدرا مع أخيه سليم بن ملحان، وشهد أحدا.
[3] اختلف في اسم أم سليم، فقيل: سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: ملكية.
[4] أهل السهل: أهل البوادي.
[5] في البخاري والدلائل: «أهل المدر» ، وهم أهل البلاد.
[6] أي أصابه الطاعون.
[7] في البخاري والدلائل: «غدة كغدة البكر» ، وفي أثر عن عائشة أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 6/ 145، أنها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الطعن قد عرفناه، فما الطاعون: قال: غدة كغدة البعير يخرج في المراق والإبط» .(3/199)
امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي فُلانٍ] [1] ائْتُونِي بِفَرَسِي، فَأُتِيَ بِهِ فَرَكِبَهُ فَمَاتَ وَهُوَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَانْطَلَقَ حَرَامٌ [أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ] [2] وَرَجُلانِ مَعَهُ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ [3] ، وَرَجُلٌ أَعْرَجُ [4] ، فَقَالَ:
كُونُوا قَرِيبًا مِنِّي حَتَّى آتِيهِمْ، فَإِنْ أَمِنُونِي وَإِلا كُنْتُمْ قَرِيبًا فَإِنْ قَتَلُونِي أَعْلَمْتُمْ أَصْحَابِي بِكُمْ قال: فأتاهم حرام فقال: أتؤمنوني أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: نَعَمْ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ، فَأَوْمَئُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ خَلْفِهِ، فَطَعَنَهُ حَتَّى أَنْفَذَهُ بِالرُّمْحِ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ فَزْتُ وَرَبُّ الْكَعْبَةِ، قَالَ: ثُمَّ قَتَلُوهُمْ كُلَّهُمْ غَيْرَ الأَعْرَجِ، كَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ، قَالَ أَنَسٌ: وَأُنْزِلَ عَلَيْنَا وَكَانَ مِمَّا يُقْرَأُ فَنُسِخَ أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ وَعُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [5] .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
. ثم كانت:
سرية مرثد بن أبي مرثد الغنوي إلى الرجيع في صفر [6]
روى ابن إسحاق عن أشياخه [7] : أن قوما من المشركين [8] قدموا على رسول
__________
[1] وقيل: امرأة من آل سلول، وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والمسند.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والمسند.
[3] اسم الرجل: المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح الخزرجي.
[4] والأعرج، هو: كعب بن زيد من بني دينار بن النجار، وقال الذهبي: بدري قائل مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق.
[5] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل 3/ 210، وأعاده في 3/ 289 مع اختلاف يسير في اللفظ، والبخاري في 64، كتاب المغازي (28) باب غزوة الرجيع، حديث (4091، وفتح الباري 3/ 210 7/ 385- 386) .
[6] المغازي للواقدي 1/ 354، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 29، وتاريخ الطبري 2/ 238، وسيرة ابن هشام 2/ 169، والكامل 2/ 59، والاكتفاء 2/ 134، والبداية والنهاية 4/ 62، ودلائل النبوة للبيهقي 3/ 323، وصحيح البخاري 4/ 67، وابن حزم 176، وعيون الأثر 2/ 56، والنويري 17/ 133، والأغاني 4/ 225.
[7] ابن سعد 2/ 1/ 29، وتاريخ الطبري 2/ 538، وابن هشام 2/ 169.
[8] في الطبري، وابن هشام، وباقي المراجع أنهم عضل والقارة.(3/200)
اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهونا/ ويقرئونا القرآن، ويعلمونا شرائع الإسلام، فبعث صلى الله عليه وسلم معهم عشرة [1] ، منهم: عاصم بن ثابت، ومرثد بن أبي مرثد، وعبد اللَّه بن طارق، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وخالد بن أبي البكير، ومعتب بن عبيد.
وفيمن أمره عليهم، قولان: أحدهما: مرثد، والآخر عاصم.
فخرجوا حتى إذا كانوا على الرجيع وهو ماء لهذيل، غدروا بالقوم واستصرخوا عليهم هذيلا، فخرجوا بني لحيان فلم يرع القوم إلا الرجال بأيديهم السيوف، فأخذ أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السيوف بأيديهم، فقالوا للمشركين: إنا والله ما نريد إلا أن نصيب بكم ثمنا من أهل مكة، ولكم العهد والميثاق ألا نقتلكم.
فأما عاصم، ومرثد، وخالد، ومعتب فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهدا، فقاتلوهم حتى قتلوا.
وأما زيد، وخبيب، وابن طارق فاستأسروا [وأعطوا بأيديهم] وأرادوا رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد- وكانت نذرت أن تشرب في قحفه الخمر- لأنه قتل ابنيها يوم أحد فحمته الدبر [2] ، فلم يقدروا عليه، فقال: أمهلوه حتى يمسي فتذهب عنه، فبعث الله الوادي فاحتملته وخرجوا بالنفر الثلاثة، حتى إذا كانوا بمر الظهران انتزع عبد الله بن طارق يده منهم، وأخذ سيفه، واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه، فقبره بمر الظهران، وقدموا بخبيب وزيد إلى مكة فابتاع حجير بن أبي أهاب خبيبا لابن أخته عقبة بن الحارث ليقتله بابنه وابتاع صفوان بن أمية زيدا ليقتله بأبيه، فحبسوهما حتى خرجت الأشهر الحرم، ثم أخرجوهما إلى التنعيم فقتلوهما.
وقال قائل لزيد عند قتله: أتحب أنك الآن في أهلك وأن محمدا [عندنا] مكانك، فقال: والله ما أحب أن محمدا يشاك في مكانه بشوكة وإني جالس في أهلي، فقال أبو سفيان: والله ما رأيت من قوم قط أشد حبا لصاحبهم من أصحاب محمد [له] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَقْتِ، قَالَ: / أَخْبَرَنَا ابْنُ طَلْحَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، قال: أخبرنا
__________
[1] في الطبري، وابن هشام: «ستة» ، والأصح كما ورد هنا.
[2] الدبر: الزنابير والنحل.(3/201)
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْبُخَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أُسَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَةَ عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَّةِ بَيْنَ عَسَفَانَ وَمَكَّةَ، ذَكَرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ، فَنَفَرُوا لَهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمُ التَّمْرَ فِي مَنْزِلٍ نَزَلُوهُ، فَقَالُوا: تَمْرُ يَثْرِبَ فَاتَّبِعُوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ عاصم وأصحابه، لجئوا إِلَى مَوْضِعٍ، فَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ، فَقَالُوا لَهُمْ: انْزِلُوا فَأَعْطُوا بِأَيْدِيكُمْ، وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيَثاقُ أَنْ لا نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: أَيُّهَا الْقَوْمُ، أَمَّا أَنَا فَلا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهمّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَمُوهُمْ بِالنِّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلاثَةُ نَفَرٍ عَلَى الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ، وَزَيْدُ بْنُ الدُّثُنَّةِ، وَرَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ، أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ، فَرَبَطُوهُمْ بِهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ وَاللَّهِ لا أَصْحَبُكُمْ إِنَّ لي بهؤلاء أسوة يريد الْقَتْلَى، فَجَرُّوهُ وَعَالَجُوهُ فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَقَتَلُوهُ.
وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ، وَزَيْدٍ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ بن نوفل خُبَيْبًا، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ الَّذِي قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ، فَاسْتَعَارَ مِنْ بعض بنات الحارث موسى يستحدّ بها للقتل فَأَعَارَتْهُ، فَدَرَجَ بُنَيٌّ لَهَا وَهِيَ غَافِلَةٌ حَتَّى أَتَاهُ، فَوَجَدَتْهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخْذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ، فَفَزِعَتْ فَزْعَةً عَرِفَهَا خُبَيْبٌ، فَقَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ، قَالَتْ:
وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسَيِرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ قَطْفًا مِنْ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وَأَنَّهُ لَمُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ، فَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّهُ لَرِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ خُبَيْبًا فَلَمَّا/ خَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْجَبَلِ، قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَتَرَكُوهُ فصلى رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْلا أَنْ تَحْسَبُوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ. لَزِدْتُ، اللَّهمّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَقَالَ:
فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ فِي اللَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ فِي أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ(3/202)
ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ أَبُو سِرْوعَةِ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ الَّذِي سَنَّ لِكُلُّ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا الصَّلاةَ [1] .
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُو سِرْوعَةَ، وَرَوَى الْحَدِيثَ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وَأَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ ثَلاثَةَ أَحَادِيثَ
. ثم كانت:
غزاة بني النضير في ربيع الأول [2]
وكانت منازلهم بناحية الغرس وما والاها، وكان سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم السبت، فصلى في مسجد قباء، ومعه نفر من أصحابه، ثم أتى بني النضير فكلمهم أن يعينوه في دية رجلين، كان قد أمنهما، فقتلهما عمرو بن أمية وهو لا يعلم، فقالوا:
نفعل، وهموا بالغدر بِهِ، فقال عمرو بن جحاش: أنا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرة، فقال سلام بن مشكم: لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فنهض سريعا فتوجه إلى المدينة فلحقه أصحابه فقالوا: أقمت ولم نشعر؟ فقال: «همت يهود بالغدر فأخبرني الله عز وجل بذلك فقمت» ، وبعث إليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدي ولا تساكنوني وقد هممتم بما هممتم به، وقد أجلتكم عشرا فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه، فمكثوا أياما يتجهزون، وتكاروا من ناس إبلا فأرسل إليهم ابن أبي لا تخرجوا وأقيموا فإن معي ألفين وغيرهم يدخلون حصونكم فيموتون عن آخرهم، وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان، فطمع/ حيي فيما قال ابن أبي، فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا نخرج، فاصنع ما بدا لك،
__________
[1] أخرجه البخاري في صحيحه 64- كتاب المغازي، باب (10) ، حديث رقم 3989، وأبو داود في الجهاد، باب في الرجل يستأسر.
[2] المغازي للواقدي 1/ 363، وطبقات ابن سعد 1/ 2/ 40، وطبقات ابن هشام 2/ 190، وتاريخ الطبري 2/ 550، والكامل 2/ 64، والاكتفاء 2/ 146، وصحيح البخاري 5/ 88، وفتح الباري 7/ 329، وأنساب الأشراف 1/ 163، وابن حزم 181، وعيون الأثر 2/ 61، والدرر لابن عبد البر 164، والبداية والنهاية 4/ 74، والنويري 17/ 137، والسيرة الحلبية 2/ 344، والسيرة الشامية 4/ 9، ودلائل النبوة للبيهقي 3/ 176، 354.(3/203)
فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكبر المسلمون لتكبيره، وقال: «حاربتنا اليهود» ، فسار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فِي أصحابه، فصلى العصر بفناء بني النضير، وعلي رضي الله عنه يحمل رايته، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، فلما رأوا رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي حصونهم معهم النبل والحجارة، واعتزلهم قريظة، وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطع نخلهم، فقالوا: نحن نخرج عن بلادكم، فأجلاهم عن المدينة، وولى إخراجهم محمد بن مسلمة، وحملوا النساء والصبيان، وتحملوا على ستمائة بعير، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اخرجوا ولكم دماؤكم، وما حملت الإبل إلا الحلقة» فقبض رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ الأموال والحلقة، فوجد من الحلقة خمسين درعا وخمسين بيضة وثلاثمائة وأربعين سيفا، وكان بنو النضير صفيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة له حبسا لنوائبه، ولم يخمسها ولم يسهم منها لأحد، وقد أعطى ناسا منها.
وفي هذه السنة: ولد الحسين بن علي، لثلاث ليال خلون من شعبان.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب، قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن المظفر، قال: حدثنا أحمد بن علي بن شعيب المدائني، قال:
أخبرنا أبو بكر البرقي، قال:
ولد الحسين بن علي رضي الله عنهما في ليال خلون من شعبان من سنة أربع من الهجرة
. ثم كانت غزاة بدر الموعد لهلال ذي القعدة [1]
وذلك أن أبا سفيان لما أراد أن ينصرف يوم أحد: نادى الموعد بينا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول نلتقي بها فنقتتل، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر: «قل نعم إن شاء الله» . فافترق الناس على ذلك، وتهيأت قريش للخروج، فلما دنا الموعد كره أبو سفيان
__________
[1] المغازي للواقدي 1/ 384، وطبقات ابن سعد 1/ 2/ 42، وتاريخ الطبري 2/ 559، وسيرة ابن هشام 2/ 209، والكامل 2/ 68، والاكتفاء 2/ 155، والبداية والنهاية 4/ 87، وأنساب الأشراف 1/ 163، وابن حزم 184، وعيون الأثر 2/ 74، والسيرة الحلبية 2/ 360، والسيرة الشامية 4/ 478، ودلائل النبوة 3/ 384.(3/204)
الخروج وقدم نعيم بن مسعود الأشجعي مكة، فقال له أبو/ سفيان: إني قد واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقي ببدر، وقد جاء ذلك الوقت، وهذا عام جدب، وإنما يصلحنا عام خصب، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج فيجترئ علينا فنجعل لك عشرين فريضة يضمنها لك سهيل بن عمرو عَلَى أن تقدم المدينة فتخذل أصحاب محمد، قال:
نعم. ففعلوا وحملوه على بعير، فأسرع السير، وقدم المدينة فأخبرهم بجمع أبي سفيان لهم وما معه من العدة والسلاح.
فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد» .
واستخلف رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي المدينة عبد الله بن رواحة، وحمل لواءه، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وسار معه ألف وخمسمائة، والخيل عشرة أفراس، وخرجوا ببضائع لهم وتجارات، وكانت بدر الصغرى [1] مجتمعا يجتمع فيه العرب وسوقا تقوم لهلال ذي القعدة إلى ثمان تخلو منه، ثم يتفرق الناس إلى بلادهم، فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة، وقامت السوق صبيحة الهلال، فأقاموا بها ثمانية أيام وباعوا تجاراتهم وربحوا للدرهم درهما، وانصرفوا وقد سمع الناس بمسيرهم، وخرج أبو سفيان من مكة في قريش وهم ألفان ومعه خمسون فرسا، حتى انتهوا إلى مجنة- وهي وراء الظهران- ثم قال: ارجعوا فإنه لا يصلحنا إلا عام خصب نرعى فِيهِ الشجر ونشرب فيه اللبن، وهذا عام جدب، فسمى أهل مكة ذلك الجيش جيش السويق، يقولون: خرجوا يشربون السويق، فقال صفوان بن أمية لأبي سفيان: قد نهيتك أن تعد القوم، وقد اجترأوا علينا ورأونا قد أخلفناهم، ثم أخذوا في الكيد والتهيؤ لغزاة الخندق.
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسين بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف الخشاب، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا حجاج بن محمد، عن ابن/ جريح، عن مجاهد: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً 3: 173 [2] . قال: هذا أبو سفيان قال يوم أحد: يا محمد موعدكم بدر
__________
[1] في طبقات ابن سعد: «وكانت بدر الصفراء» .
[2] سورة: آل عمران، الآية: 173.(3/205)
حيث قتلتم أصحابنا، فقال محمد صلى الله عليه وسلم عسى! فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم لموعده حتى نزلوا بدرا، فوافقوا السوق فذلك قوله تعالى: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ 3: 174 [1] والفضل ما أصابوا من التجارة، وهي غزاة بدر الصغرى.
وفي هذه السنة: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود، وَقَالَ:
«إِنِّي لا آمَنُهُمْ أَنْ يُبَدِّلُوا كِتَابِي» ، فتعلمه في خمس عشرة ليلة [2] .
وفيها: رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهودي واليهودية في ذي القعدة، ونزل قوله تعالى:
وَمن لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ 5: 47 [3]
. وفيها: ذكر ما فعل ابن أبيرق
وذلك أن طعمة بن أبيرق سرق درعا لعبادة بن النعمان، وكان الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق يتنثر من خرق في الجراب، ثم خبأها عند رجل من اليهود، فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد عنده وحلف ما لي بها علم، فنظروا في أثر الدقيق، فانتهوا إلى منزل اليهودي، فقالوا له، فقال: دفعها إلي طعمة، فقال قوم طعمة: انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنجادل عن صاحبنا، فهم أن يفعل وأن يعاقب اليهودي، فنزل قوله: وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً 4: 105 [4]
. [زواجه صلى الله عليه وسلم أم سلمة]
وفي هذه السنة: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم سلمة في شوال.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن محمد القاضي، ويحيى بن علي
__________
[1] سورة: آل عمران، الآية: 174.
[2] تاريخ الطبري 2/ 516.
[3] سورة: المائدة، الآية: 47.
[4] سورة: النساء، الآية: 105.(3/206)
الْمُدَبِّرُ قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ النَّقُّورِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حَبَابَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اْبُن أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ جَاءَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ حَدِيثًا أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا لا أَدْرِي مَا عِدْلٌ به، سمعت رسول الله يَقُولُ: لا يُصِيبُ أَحَدًا مُصِيبَةٌ فَيَسْتَرْجِعُ عِنْدَ ذلك ويقول: اللَّهمّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِي، اللَّهمّ اخْلُفْنِي فِيهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَلَمَّا أُصِبْتُ بِأَبِي سَلَمَةَ، قُلْتُ اللَّهمّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِي هَذِهِ، وَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَقُولَ اللَّهمّ اخْلُفْنِي فِيهَا خَيْرًا مِنْهَا ثُمَّ قَالَتْ:
مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، ثُمَّ قَالَتْ ذَلِكَ، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَرْسَلَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ يَخْطُبُهَا فَأَبَتْ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهَا عُمَرُ يَخْطُبُهَا، فَأَبَتْ، ثُمَّ أَرْسَلَ إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها، فقالت:
مرحبا برسول الله، إِنَّ فِيَّ خِلالا ثَلاثًا، أَنَا امْرَأَةٌ شَدِيدَةُ الْغَيْرَةِ، وَأَنَا امْرَأَةٌ مُصْبِيَةٌ، وَأَنَا امْرَأَةٌ لَيْسَ لي ها هنا أحد من أولياي يُزَوِّجُنِي، فَغَضِبَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ لِنَفْسِهِ حِينَ رَدَّتْهُ، فَأَتَاهَا عُمَرُ فَقَالَ: أَنْتِ الَّتِي تَرُدِّينَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما تَرُدِّينَهُ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فِيَّ كَذَا وَكَذَا، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنْ غَيْرَتِكِ، فَأَنَا أَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُذْهِبُهَا عَنْكِ، وأما ما ذكرت من صِبْيَتَكِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَيَكْفِيكِهِمْ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِكِ شَاهِدٌ فَلَيْسَ مَنْ أَوْلِيَائِكِ شَاهِدٌ وَلا غَائِبٌ يَكْرَهُنِي، وَقَالَ: لابْنِهَا زَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَوَّجَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَمَا أَنِّي لا أَنْقُصُكَ مِمَّا أَعْطَيْتَ فُلانَةً، قَالَ ثَابِتٌ: قُلْتُ لابْنِ أُمِّ سَلَمَةَ: مَا أَعْطَى فُلانَةً، قَالَ:
أَعْطَاهَا جَرَّتَيْنِ تَضَعُ فِيهِمَا حَاجَتَهَا، وَرَحَاءَ، وَوِسَادَةٌ مِنْ أُدْمٌ حَشْوُهَا لِيفٌ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا رَأَتْهُ وَضَعَتْ زَيْنَبُ أَصْغَرَ وَلَدِهَا فِي حِجْرِهَا، فَلَمَّا رَآهَا انْصَرَفَ، وَأَقْبَلَ عَمَّارٌ مُسْرِعًا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْتَزَعَهَا مِنْ حِجْرِهَا، وَقَالَ: هَاتِي هَذِهِ الْمَشُومَةَ الَّتِي قَدْ مَنَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ، فَجَاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما لَمْ يَرَهَا فِي حِجْرِهَا قَالَ/ أَيْنَ زَنَابُ؟ قَالَتْ: أَخَذَهَا عَمَّارٌ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِهِ، قَالَ: وَكَانَتْ فِي النِّسَاءِ كَأَنَّهَا لَيْسَتْ فِيهِنَّ لا تَجِدُ مَا تَجِدْنَ مِنَ الْغَيْرَةِ.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: وَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقَلَهَا إِلَى بَيْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا، فَدَخَلَتْ فَرَأَتْ جَرَّةً فِيهَا شَعِيرٌ، وَرَحَاءُ، وَبُرْمَةٌ، فَطَحَنَتْهُ ثُمَّ عَقَدَتْهُ فِي الْبُرْمَةِ، وَأَدْمَتْهُ بِإِهَالَةٍ، فَكَانَ ذَلِكَ طَعَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَعَامَ أَهْلِهِ لَيْلَةَ عُرْسِهِ،(3/207)
فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَدُورَ، فَأَخَذَتْ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتِ أَنْ أَزِيدَكِ ثُمَّ قَاصَصْتُكِ بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ.
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدِ بِنْتِ الْحَارِثِ الْفِرَاسِيَّةِ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِعَائِشَةَ مِنِّي شُعْبَةٌ مَا نَزَلَهَا [مِنِّي] [1] أَحَدٌ» ، فَلَمَّا تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ سُئِلَ، فَقِيلَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلَتِ الشُّعْبَةُ؟ فَسَكَتَ، فَعُرِفَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَدْ نَزَلَتْ عِنْدَهُ [2] . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ حَزِنْتُ حُزْنًا شَدِيدًا لَمَّا ذكر النَّاسُ جَمَالَهَا، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى رَأَيْتُهَا فَرَأَيْتُهَا وَاللَّهِ أَضْعَافَ مَا وُصِفَتْ لِي فِي الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ، وَكَانَتَا يَدًا وَاحِدَةً، فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ إِنْ هَذِهِ إِلا الْغَيْرَةَ، مَا هِيَ كَمَا تَقُولِينَ، فَتَلَطَّفَتْ لَهَا حَفْصَةُ حَتَّى رَأَتْهَا، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا هِيَ كَمَا تَقُولِينَ وَلا قَرِيبٌ، وَإِنَّهَا لَجَمِيلَةٌ، قَالَتْ: فَرَأَيْتُهَا بَعْدُ فَكَانَتْ كَمَا قَالَتْ حَفْصَةُ، وَلَكِنْ كُنْتُ غَيْرَى [3]
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
74- الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك، أبو سعد [4] :
خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فلما كان بالروحاء كسر فرده النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، وضرب له بسهمه وأجره، فكان كمن شهدها. وشهد أحدا فثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم وبايعه على الموت، وقتل يوم بئر معونة شهيدا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد 8/ 66.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 66.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 66.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 67.(3/208)
75- حرام بن ملحان، واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد [1] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة شهيدا
. 76- الحكم بن كيسان، مولى لبني مخزوم [2] :
وكان في عير قريش التي أصابها عبد الله بن جحش بنخلة، فأسره المقداد، وأراد عبد الله بْن جحش ضرب عنقه، فقال له المقداد: دعه حتى نقدم بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فلما قدموا به جعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوه إلى الإسلام وأطال دعاءه، فقال عمر:
علام تكلم هذا يا رسول اللَّه؟ والله لا يسلم هذا آخر الأبد، دعني أضرب عنقه [3] ، ويقدم إلى أمه الهاوية، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلتفت إلى عمر وأسلم الحكم، وجاهد وقتل ببئر معونة ورسول الله صلى الله عليه وسلم راض عنه
. 77- خبيب بن عدي بن مالك بن عامر بن مجدعة بن حججبا:
شهد أحدا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان فيمن بعثه مع بني لحيان فأسروه هو وزيد بن الدثنة، فنال من قريش فحبسوه عند رجل يقال له موهب، فقال: يا موهب، أطلب إليك ثلاثا: أن تسقيني العذب، وأن تجنبني ما ذبح على النصب [4] ، وأن تؤذني إذا أرادوا قتلي. ثم أخرجوه ليقتلوه، فصلى ركعتين عند القتل ودعا عليهم، فقال: اللَّهمّ احصهم عددا واقتلهم بددا» .
قال معاوية بن أبي سفيان: فلقد رأيت أبا سفيان يلقيني إلى الأرض فرقا/ من دعوة خبيب. وكانوا يقولون إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع زالت عنه الدعوة.
قال مؤلف الكتاب: وقد ذكرنا كيفية قتل خبيب في الحوادث.
أخبرنا ابن الحصين [5] ، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا ابن جعفر،
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 71.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 101.
[3] في الأصل: «دعني أقدم عنقه» وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[4] في أ: «أن لا تخصني ما ذبح على النصب» .
[5] هذا الخبر ساقط كله من أ.(3/209)
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ [بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ] [1] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ وَحْدَهُ عَيْنًا إِلَى قُرَيْشٍ. قَالَ: فَجِئْتُ إِلَى خَشَبَةِ خُبَيْبٍ وَأَنَا أَتَخَوَّفُ مِنَ [2] الْعُيُونِ فَرَقَيْتُ فِيهَا فَحَلَلْتُ خُبَيْبًا فَوَقَعَ إِلَى الأَرْضِ، فَانْتَبَذْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ الْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ خُبَيْبًا وَلَكَأَنَّمَا ابْتَلَعَتْهُ الأَرْضَ، فَلَمْ يُرَ لِخُبَيْبٍ أَثَرٌ حَتَّى السَّاعَةِ [3]
. 78-[خالد بن أبي البكير [4] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يوم الرجيع في صفر هذه السنة، وكان له يوم قتل أربع وثلاثون
. 79- زينب بنت خزيمة [5] :
تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان سنة ثلاث، وتوفيت آخر ربيع الآخر من هذه السنة، وكان لها من العمر نحوا من ثلاثين سنة
. 80- سليم بن ملحان [6] :
شهد بدرا وأحدا وقتل يوم بئر معونة
. 81- عبد الله [بن عثمان] بن عفان من رقية بنت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
ولد في الإسلام فاكتنى به عثمان، فبلغ ست سنين، فنقره ديك في عينيه فمرض فمات في جمادى الأولى فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل في حفرته عثمان.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[2] «من» ساقطة من المسند.
[3] الخبر في المسند 4/ 139.
[4] من هنا حتى ترجمة عاصم بن ثابت بن قيس ساقط من الأصل. وراجع طبقات ابن سعد 3/ 1/ 283.
[5] طبقات ابن سعد 8/ 82.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 72.(3/210)
82- عَبْد اللَّه بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو سلمة [1] :
وأمه برة بنت عبد المطلب بن هاشم، وكان له من الولد سلمة، وعمر، وزينب، ودرة. وأمهم أم سلمة.
أسلم أبو سلمة قبل أن يدخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرتين ومعه امرأته أم سلمة، وقدم إلى المدينة [مهاجرا] [2] قبل جميع من هاجر.
وشهد بدرا وأحدا، وجرحه أبو أسامة الجشمي في عضده، فمكث شهرا يداويه فبرأ واندمل على فساد، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ثم عاد فانتقض الجرح فمات في جمادى الآخرة من هذه السنة وأغمضه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
. 83- عَبْد الله بن طارق بن عمرو:
شهد بدرا وكان فيمن خرج في غزاة الرجيع، وقد ذكرنا كيف قتل بمر الظهران
. 84- عامر بن فهيرة مولى أَبِي بَكْر الصديق رضي اللَّه عَنْهُ، يكنى أبا عمرو [3] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة [وهو ابن أربعين سنة] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الجوهري، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَهِمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ لِلطُّفَيْلِ بْنِ الْحَارِثِ أَخِي عَائِشَةَ لأُمِّهَا أُمِّ رُومَانَ، فَأَسْلَمَ عَامِرٌ فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْتَقَهُ، وَكَانَ يَرْعَى مَنِيحَةً مِنْ غَنَمٍ لَهُ [4] .
قال محمد بن سعد [5] : أسلم عامر بن فهيرة قبل أن يدخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم، وقبل أن يدعو فيها.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 170.
[2] ما بين المعقوفتين: من على هامش أ.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 164.
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 164.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 164.(3/211)
وقال عروة بن الزبير [1] : كان عامر بن فهيرة من المستضعفين من المؤمنين، وكان ممن يعذب بمكة ليرجع عن دينه.
قال محمد بن عمر، عمن سمى من رجاله [2] : إن جبار بن سلمى الكلبي طعن عامر بن فهيرة يوم بئر معونة فأنفذه، فقال عامر: فزت ورب الكعبة. قال: وذهب بعامر علوا في السماء حتى ما أراه، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فإن الملائكة وارت جثته وأنزل عليين» وسأل جبار بن سلمى لما رَأَى من أمر عامر: ما قوله فزت والله؟ قالوا: الجنة.
وأسلم جبار لما رأى من أمر عامر، وحسن إسلامه.
قال أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء، عن الطفيل، قال: كان يقول من رجل منهم لما قتل رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه، قالوا: هو عامر بن فهيرة] [3]
. 85- عاصم بن ثابت بن قيس، يكنى أبا سليمان [4] :
شهد بدرا وأحدا وثبت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ حين ولى الناس، وبايعه على الموت، وكان من الرماة المذكورين، وقتل يوم أحد من أصحاب ألوية المشركين:
مسافعا، والحارث. فنذرت أمهما سلافة بنت سعد أن تشرب في قحف [رأس] [5] عاصم الخمر، وجعلت لمن جاءها برأسه مائة ناقة، فقدم ناس من بني هذيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يوجه معهم من يعلمهم، فوجه عاصما في جماعة، فقال لهم المشركون: استأسروا فإنا لا نريد قتلكم وإنما نريد أن ندخلكم مكة فنصيب بكم ثمنا، فقال عاصم: لا أقبل جوار مشرك، فجعل يقاتلهم حتى فنيت نبله، ثم طاعنهم حتى انكسر رمحه، فقال: اللَّهمّ إني حميت دينك أول النهار فاحم لي لحمي آخره، فجرح رجلين وقتل واحدا، فقتلوه وأرادوا أن يحتزوا رأسه، فبعث الله الدبر فحمته، ثم بعث الله سيلا في الليل فحمله، وذلك يوم الرجيع.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 164.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 165.
[3] إلى هنا انتهى السقوط من الأصل.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 33.
[5] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.(3/212)
86- فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أم علي بن [1] أبي طالب رضي الله عنه:
أسلمت وكانت صالحة، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويقيل في بيتها.
توفيت هذه السنة، فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فألبسها إياه.
قال علي بن أبي طالب: قلت لأمي فاطمة بنت أسد: اكفي فاطمة بْنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سقاية الماء والذهاب في الحاجة، وتكفيك خدمة الداخل، الطحن والعجين
. 87- مرثد بن أبي مرثد الغنوي [2] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يوم الرجيع- وكان أمير هذه السرية- وذلك في صفر من هذه السنة
. 88- معاذ بن ماعص بن قيس بن خلدة [3] :
شهد بدرا وأحدا وقتل يوم بئر معونة شهيدا، رضي الله عنه
. 89- معتب بن عبيد بن إياس [4] :
وقيل: معتب بن عبدة، شهد بدرا وأحدا وقتل يوم الرجيع بمر الظهران
. 90- المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح، ويكنى أبا عبده [5] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة شهيدا
. 91- المنذر بن عمرو بن خنيس [بن لوذان] [6] :
شهد العقبة مَعَ السبعين، وَهُوَ أحد النقباء الاثني عشر، شهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة.
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 161.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 32.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 129.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 28.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 41.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 100، وما بين المعقوفتين من أ.(3/213)
ثم دخلت سنة خمس من الهجرة
فمن الحوادث فيها: غزاة ذات الرقاع [1]
وكانت في المحرم [2] ، وإنما سميت ذات الرقاع، لأنها كانت عند جبل فيه سواد وبياض وحمرة، فسميت بذلك [3] .
__________
[1] المغازي للواقدي 1/ 395، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 43، وسيرة ابن هشام 2/ 203، وتاريخ الطبري 2/ 55، والاكتفاء 2/ 152، والكامل 2/ 66، ودلائل النبوة 3/ 369، وأنساب الأشراف 1/ 163، وصحح مسلم بشرح النووي 12/ 17، وصحيح البخاري 5/ 113، وابن حزم 182، وعيون الأثر 2/ 72، والبداية والنهاية 4/ 83، والنويري 17/ 158، والسيرة الحلبية 2/ 353.
[2] قال ابن إسحاق إنها بعد غزوة بني النضير شهر ربيع الآخر، وبعض جمادى، وجزم أبو معشر أنها بعد بني قريظة.
[3] قال ابن هشام: «إنها قيل لها غزوة ذات الرقاع لأنهم رقعوا فيها راياتهم، ويقال: ذات الرقاع: شجرة بذلك الموضع يقال لها ذات الرقاع» .
وقال أبو ذر: «إنما قيل لها ذات الرقاع لأنهم نزلوا بجبل يقال له ذات الرقاع، وقيل أيضا: إنما قيل لها ذلك لأن الحجارة أوهنت أقدامهم، فشدوا رقاعا، فقيل لها ذات الرقاع» .
وقال السهيليّ بعد عرض رأي ابن هشام: «وذكر غيره أنها أرض بها بقع سود وبقع بيض، كلها مرقعة برقاع مختلفة قد سميت ذات الرقاع لذلك، وكانوا قد نزلوا فيها في تلك الغزاة.
وأصح هذه الأقوال كلها ما رواه البخاري من طريق أبي موسى الأشعري، قال: خرجنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في غزاة، ونحن ستة بيننا بعير نتعقبه، فنقب أقدامنا، ونقبت قدماي وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الحرق، فسميت الرقاع، لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا.
قال الزرقاني في شرح المواهب: «وهي غزوة محارب، وغزوة بني ثعلبة، وغزوة بني أنمار، وغزوة صلاة الخوف لوقوعها بها، وغزوة الأعاجيب لما وقع فيها من الأمور العجيبة» .(3/214)
وكان سببها، أن قادما قدم المدينة بجلب له، فأخبر أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ان أنمارا وثعلبة قد جمعوا لهم الجموع، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم واستخلف على المدينة عثمان بن عفان، وخرج ليلة السبت لعشر خلون/ من المحرم في أربعمائة، وقيل: في سبعمائة، فمضى حتى أتى محالهم بذات الرقاع- وهو جبل- فلم يجد إلا نسوة فأخذهن وفيهن جارية وضيئة، فهربت الأعراب إلى رءوس الجبال، فخاف المسلمون أن يغيروا عليهم فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، وكان أول ما صلاها.
وانصرف راجعا إلى المدينة، فابتاع من جابر بن عبد الله جمله وناقته، وشرط له ظهره إلى المدينة وسأله عن دين أبيه فأخبره، فقال: إذا قدمت المدينة فأردت أن تجذ نخلك فأذني، واستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جابر في تلك الليلة خمسا وعشرين مرة، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة، وبعث جعال بن سراقة بشيرا إلى المدينة بالسلامة.
ومن الحوادث في هذه السنة: غزاة دومة الجندل ( [1]
في ربيع الأول، وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بلغه أن بدومة الجندل جمعا كثيرا، وأنّهم يظلمون من مر بهم، وكان بين دومة الجندل وبين المدينة مسيرة خمس عشرة ليلة، أو ست عشرة، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، واستخلف ابن عرفطة، وخرج لخمس ليال بقين من ربيع الأول في ألف من المسلمين، وكان يسير الليل ويكمن النهار، ودليله يقال له مذكور، فهجم على ماشيتهم ورعاتهم وأصاب من أصاب وهرب من هرب، وتفرق أهل دومة الجندل، ولم يجد بساحتهم أحدا، وأخذ منهم رجلا فسأله عنهم، فقال: هربوا حين سمعوا أنك أخذت نعمهم، فعرض عليه الإسلام فأسلم ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر ليال بقين من ربيع الآخر، ولم يلق كيدا.
__________
[1] المغازي للواقدي 1/ 402، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 44، وسيرة ابن هشام 2/ 213، وتاريخ الطبري 2/ 564، والبداية والنهاية 4/ 92، دلائل النبوة 3/ 389، وأنساب الأشراف 1/ 164، وابن حزم 184، وعيون الأثر 2/ 75، والنويري 17/ 162، والسيرة الحلبية 2/ 362، والسيرة الشامية 4/ 484.(3/215)
وفي هذه السنة: وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن، وذلك أن بلاد عيينة أجدبت فوادع رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي أن يرعى في أماكن معلومة.
وفي جمادى/ الأخرة من هذه السنة: بعث رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى مشركي قريش بمال، وكان قد بلغه أن سنة شديدة قد أصابتهم.
[وفد سعد بن بكر]
[1] وفي هذه السنة وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد سعد بن بكر.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ضِمَامَ [2] بْنَ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ وَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ [3] ، فَقَالَ: أَيُّكُمُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمَّا عَرَفَهُ، قَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ وَمُغْلِظٌ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلا تَجِدَنَّ فِي نَفْسِكَ. قَالَ: «لا أَجِدُ فِي نَفْسِي، فَسَلْ عَنْ مَا بَدَا لَكَ» قَالَ:
أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَهَكَ، وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ، آَللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْمُرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا [4] ، وَأَنْ نَخْلَعَ هَذِهِ الأَنْدَادَ الَّتِي كَانَتْ آَبَاؤُنَا تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، قَالَ: «اللَّهمّ نَعَمْ» ، قَالَ: وَأَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَهَكَ وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ آَللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، قَالَ: «اللَّهمّ نَعَمْ» ، قَالَ: ثُمَّ جَعَلَ يَذكر فَرَائِضَ الإِسْلامِ فَرِيضَةً فَرِيضَةً: الزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَشَرَائِعَ الإسلام كلها،
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 43.
[2] في الأصل: «عاصم» ، وأوردناه عن المسند، أ.
[3] بعدها في المسند: «وكان ضمام رجلا جلدا أشعر ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه» (المسند 1/ 264) .
[4] في الأصل: شريك له شيئا.(3/216)
يناشده عِنْدَ كُلِّ فَرِيضَةٍ، كَمَا يُنَاشِدُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، حَتَّى إِذَا فَرَغَ، قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وأشهد أن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَسَأُؤَدِّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ، وَأَجْتَنِبُ مَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ، ثُمَّ لا أَزِيدُ وَلا أَنْقُصُ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى بَعِيرِهِ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين وَلَّى: «إِنْ يَصْدُقْ ذُو الْعَقِيصَتَيْنِ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ» . قَالَ: فََأَتَى إِلَى بَعِيرِهِ وَأَطْلَقَ عُقَالَهُ، ثُمَّ خَرَجَ/ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: بِئْسَتِ الْلاتُ وَالْعُزَّى، فَقَالُوا: مَهٍ يَا ضِمَامُ اتّق الْبَرَصَ اتَّقِ الْجُذَامَ اتَّقِ الْجُنُونَ، قَالَ: وَيْلَكُمْ إِنَّهُمَا وَاللَّهِ مَا يَضُرَّانِ وَلا يَنْفَعَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَعَثَ رَسُولا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا اسْتَنْقَذَكُمْ مِمَّا كُنْتُمْ فِيهِ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عنه، قال: فو الله مَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي حَاضِرِهِ رَجُلٌ وَلا امْرَأَةٌ إِلا مُسْلِمًا، قَالَ: يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا: مَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ [1] .
قال مؤلف الكتاب: وقد روى هذا الحديث شريك بن عبد الله، عن كريب، فقال فيه: «بعثت بنو سعد بن بكر ضماما في رجب سنة خمس» ، أخرجه البخاري في صحيحه مختصرا من حديث شريك، عن أنس. وأخرجه مسلم من حديث ثابت، عن أنس على اختصار واختلاف ألفاظ
. وفي هذه السنة وفد وفد مزينة [2]
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ البَاقِي الْبَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ علي الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا كُثَيْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُضَرَ أربعمائة من مزينة، وذلك في رجب
__________
[1] الخبر في مسند أحمد 1/ 264.
[2] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 38.(3/217)
سَنَةَ خَمْسٍ، فَجَعَلَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهِجْرَةَ فِي دَارِهِمْ، وَقَالَ: «أَنْتُمْ مُهَاجِرُونَ حَيْثُ كُنْتُمْ فَارْجِعُوا إِلَى أَمْوَالِكُمْ» فَرَجَعُوا إِلَى بِلادِهِمْ [1] . وروى ابن سعد، عن أشياخه أنه كان فيهم خزاعي بن عبد نهم، وأنه بايع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي قومه من مزينة، فلما مضى إليهم لم يجدهم كما ظن، / فأقام ثم أنهم أسلموا، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء مزينة يوم الفتح إلى خزاعي، وكانوا ألف رجل وهو أخو المغفل بن عبد الله بن المغفل، وأخو عبد الله ذي البجادين [2]
. [غزوة المريسيع]
[3] وفي هذه السنة كانت غزوة المريسيع في شعبان، وذلك أن بني المصطلق كانوا ينزلون على بئر لهم يقال لها: المريسيع، وكان سيدهم الحارث بن أبي ضرار، فسار في قومه ومن قدر عَلَيْهِ فدعاهم إلى حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأجابوه، وتهيأوا للمسير معه، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فبعث بريدة بن الحصيب ليعلم علم ذلك، فأتاهم ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليهم فأسرعوا الخروج ومعهم ثلاثون فرسا، وخرج معهم جماعة من المنافقين، واستخلف رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم [علي المدينة] زيد بن حارثة، وخرج يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان [4] ، وبلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قد قتل عينه
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 2/ 38.
[2] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 38، 39.
[3] المغازي للواقدي 1/ 404، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 45، وسيرة ابن هشام 2/ 289، وتاريخ الطبري 2/ 593، والكامل 2/ 81، والاكتفاء 2/ 217، والبداية والنهاية 4/ 156.
[4] قال ابن إسحاق انها كانت في شعبان سنة ست.
وفي وقت هذه الغزوة خلاف ذكر الزرقاني وعقب عليه بقوله: «وقال الحاكم في الإكليل: قول عروة وغيره إنها كانت سنة خمس أشبه من قول ابن إسحاق، قلت: ويؤيده ما ثبت في حديث الإفك أن سعد بن معاذ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الإفك، فلو كانت المريسيع في شعبان سنة ست مع كون الإفك منها، لكان ما وقع في الصحيح من ذكر سعد بن معاذ غلطا، لأنه مات أيام قريظة، وكانت في سنة خمس على الصحيح، وإن كانت كما قيل سنة أربع، فهو أشد غلطا، فظهر أن المريسيع كانت(3/218)
الَّذِي كان يأتيه بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيء بذلك فخاف وتفرق من معه من العرب، وانتهى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى المريسيع [1] ، فضرب عليه قبته ومعه عائشة وأم سلمة، فتهيئوا للقتال، وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر الصديق وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة، فتراموا بالنبل ساعة، ثم أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه، فحملوا حملة رجل واحد، فقتل من العدو عشرة وأسر الباقون، وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء والذرية والنعم والشاء، فكانت الإبل ألفي بعير، والشاء خمسة آلاف، والسبي مائتي أهل بيت، ولم يقتل من المسلمين سوى رجل/ واحد.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ حَدَّث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ غَارُّونَ وَنِعَمُهُمْ يُسْقَى عَلَى الْمَاءِ.
قال مؤلف الكتاب: والأول أصح.
ولما رجع المسلمون بالسبي قدم أهاليهم فافتدوهم، وجعلت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار في سهم ثابت بن قيس وابن عم له فكاتباها، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها فأدى عَنْهَا وتزوجها وسماها برة، وقيل: إنه جعل صداقها عتق أربعين من قومها.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا نضلة الطائي بشيرا إلى المدينة بفتح المريسيع.
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ، قَالَ: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَصَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَخْرَجَ الْخُمْسَ مِنْهُ، ثُمَّ قَسَمَهُ بَيْنَ النَّاسِ، فَأَعْطَى الْفَرَسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّجُلَ سَهْمًا، فَوَقَعَتْ جُوَيْرِيَّةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وَكَاتَبَهَا ثَابِتُ بْنُ قبس عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، وَكَانَتِ امْرَأَةً حُلْوَةً لا يكاد أحد
__________
[ () ] في سنة خمس في شعبان قبل الخندق، لأنها كانت في شوال سنة خمس أيضا، فيكون سعد بن معاذ موجودا في المريسيع ورمى بها بعد ذلك بسهم في الخندق، ومات من جراحته في قريظة.
[1] وهو ماء لخزاعة، بينه وبين الفرع مسير يوم. (وفاء ألوفا 2/ 373) .(3/219)
يَرَاهَا إِلا أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ، فَبَيَّنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدِي إِذْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ جويرية، فسألته في كتابتها فو الله مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُهَا، فَكَرِهْتُ دُخُولَهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَرِفْتُ أَنَّهُ سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي رَأَيْتُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا جُوَيْرِيَّةُ بِنْتُ الْحَارِثِ سَيِّدِ قَوْمِهِ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنَ الأَمْرِ مَا قَدْ عَلَمِتَ، فَوَقَعْتُ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، فَكَاتَبَنِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فَأَعِنِّي فِي فِكَاكِي، فَقَالَ: «أَوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ» قَالَتْ: مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أُودِي عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ» قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: / «قَدْ فَعَلْتُ» وَخَرَجَ الْخَبَرُ إِلَى النَّاسِ فَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْتَرَقُّونَ، فَأَعْتَقُوا مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ نِسَاءِ الْمُصْطَلِقِ، فَبَلَغَ عِتْقُهُمْ إِلَى مِائَةِ بَيْتٍ بِتَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا، فَلا أَعْلَمُ امْرَأَةً أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا [1]
. [نزول آية التيمم]
وفي هذه الغزاة: سقط عقد عائشة رضي الله عنها فنزلت آية التيمم.
أَنْبَأَنَا زَاهِرٌ، وَأَخْبَرَنَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِيرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عبد العزيز، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
خَرَجْنَا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ وَبِذَاتِ الْجَيْشِ، انْقَطَعَ عِقْدِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بكر وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رسول الله والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعَنُ فِي خَاصِرَتِي فَلا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي فَنَامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَتَيَمَّمُوا.
فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ: مَا هَذَا بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ بَكْرٍ، قَالَتْ:
فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الّذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته.
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 83.(3/220)
وفي هذه الغزاة كان حديث الإفك [1]
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ/ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتَ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، ذَكَرُوا: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ:
كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا، أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ.
قَالَتْ عَائِشَةُ فَأْقَرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ نَزَلَ الْحِجَابُ، وَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي، وَأُنْزَلُ فِيهِ مَسِيرَنَا، حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ آذَنَ بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ أَذِنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ مِنْ جَزْعِ ظُفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجِعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي [2] ابْتِغَاؤُهُ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ بِي، فَحَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَّلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ.
قَالَتْ: وَكَانَتِ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُهَبِّلْهُنَّ وَلَمْ يَغَشَهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعَلَقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَحَّلُوهُ وَرَفَعُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةٌ حَدِيثَةَ السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت بها منازلهم
__________
[1] في الأصل: جاءت هنا العبارة الآتية: «وغاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزاة ثمانية وعشرين يوما، وقدم لهلال رمضان» . وهذه العبارة مكانها في آخر الغزوة. وحذفناها من هنا لورودها في مكانها» .
[2] في المسند: «فاحتبسني» .(3/221)
وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلا مُجِيبٍ فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الّذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدونني فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ.
فَبَيَّنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي/ فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ، ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي فَعَرِفَنِي حِينَ رَآنِي، وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيَّ الْحِجَابُ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرِفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي فو الله مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً، وَلا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الجيش بعد ما نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْنَا شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ الإِفْكِ، وَلا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يُرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنَّي لا أَرَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَعْرِفُ مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ فَيَقُولُ: كَيْفَ تِيكُمْ، فَذَاكَ يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نَقَهْتُ، وَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، وَهُوَ مُبَرَّزُنَا، وَلا نَخْرُجُ إِلا لَيْلا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُتَّخَذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي التَّنَزُّهِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ، وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدَ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامُرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَبِنْتُ أَبِي رُهْمٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَمَا قُلْتِ تَسُبِّينَ رَجُلا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا؟ قَالَتْ: أي هنتاه أو لم تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قُلْتُ: وَمَاذَا قَالَ؟ قَالَتْ: فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجِعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قَالَ: «كَيْفَ تِيكُمْ» ؟ قُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَيَّقَن الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهَا، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لأُمِّي: / يَا أُمَّاهُ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ، فقالت: أي بنية هوّني عليك، فو الله لَقَلَّ مَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوَ قَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا، قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ(3/222)
حَتَّى أَصْبَحْتُ لا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، وَدَعَا رَسُولُ الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي بن أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ لِيَسْتَشِيرَهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَبِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ لَهُمْ مِنَ الْوُدِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُمْ أَهْلُكَ، وَلا نَعْلَمُ إِلا خَيْرًا وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ.
قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ، فَقَالَ: «أَيْ بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ مِنْ عَائِشَةَ» ؟ فَقَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطَّ أُغْمِضُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَيَأْكُلُهُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَقَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بيتي، فو الله مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا لِي رَجُلا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلا خَيْرًا وَكَانَ لا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلا مَعِي» ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: أَعْذُرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ رَجُلا صَالِحًا، وَلَكِنَّهُ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَقَالَ [لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ] : لَعَمْرُكَ لا تَقْتُلُه وَلا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَتَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ/ عَنِ الْمُنَافِقِينَ.
فَثَارَ الْحَيَّانُ: الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ.
قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ثُمَّ بَكَيْتُ لَيْلَتِي الْمُقْبَلَةَ لا يَرْقَأُ دَمْعٌ وَلا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي.
قَالَتْ: فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عندي وأنا أبكي استأذن عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعَيِ، فَبَيَّنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ إِذْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قَالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ لِي مَا قِيلَ، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شيء. قالت: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةَ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ(3/223)
فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّه عَلَيْهِ.
قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ، فَاضَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت لأمي: أجيبي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ يَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، لا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ عَرِفْتُ أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ، وَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، فَلا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ تُصَدِّقُونِي، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدْ لِي وَلَكُمْ مَثَلا إِلا كَمَا قَالَ أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ 12: 18 [1] .
قَالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَأَنَا وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يَنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ/ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يبرئني الله عز وجل بها، قالت: فو الله ما رام رسول الله مَجْلِسَهُ، وَلا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ حَتَّى أَنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَّانِ مِنَ الْعَرَقِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: «أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، أَمَا وَاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ بَرَّأَكِ» ، فَقَالَتْ أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: لا وَاللَّهِ لا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلا أَحْمَدُ إِلا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ 24: 11 [2] عَشْرَ آيَاتٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الآيَاتِ بَرَاءَتِي.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللَّهِ لا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا، بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ 24: 22 [3] إِلَى قَوْلِهِ: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ الله لَكُمْ 24: 22.
__________
[1] سورة يوسف، الآية 18.
[2] سورة: النور، الآية: 11.
[3] سورة: النور، الآية: 22.(3/224)
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةُ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لا أَنْزَعُهَا مِنْهُ أَبَدًا.
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، وَمَا عَلِمْتِ أَوْ مَا رَأَيْتِ أَوْ مَا سَمِعْتِ أَوْ مَا بَلَغَكِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلا خَيْرًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْوَرَعِ، وَطَفِقَتْ أُخُّتَها حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ تُحَارِبُ لَهَا، فهلكت فيمن هلكت. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَهَذَا مَا انْتَهَى إِلَيْنَا من أمر هؤلاء الرهط.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1] .
وغاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزاة/ ثمانية عشر يوما، وقدم لهلال رمضان
. [زواجه صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش] [2]
وفي هذه السنة: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب بنت جحش بن رئاب، أمها أميمة بنت عبد المطلب، وكانت فيمن هاجر مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت امرأة جميلة، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد، فقالت: لا أرضاه لنفسي، قال: «فإني قد رضيته لك» ، فتزوجها زيد بن حارثة، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهلال ذي القعدة سنة خمس من الهجرة، وهي يومئذ بنت خمس وثلاثين سنة.
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بن عبد الباقي، قَالَ: أنبأنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرو بْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الأَسْلَمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَيَّانَ، قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ يَطْلُبُهُ، وَكَانَ زَيْدٌ إِنَّمَا يُقَالُ له زيد بن
__________
[1] والحديث في مسند أحمد 6/ 194- 197.
[2] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 71، ودلائل النبوة 3/ 465.(3/225)
مُحَمَّدٍ، فَرُبَّمَا فَقَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّاعَةَ، فَيَقُولُ: «أَيْنَ زَيْدٌ» ؟ فَجَاءَ مَنْزِلَهُ يَطْلُبُه فَلَمْ يَجِدْهُ، وَتَقُومُ إِلَيْهِ زَوْجَتُهُ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، فُضُلٌ، فَأَعْرَضَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْهَا، فَقَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ هُوَ هَا هُنَا فَادْخُلْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يَدْخُلَ، وَإِنَّمَا عَجَلَتْ زَيْنَبُ أَنْ تَلْبَسَ لَمَّا قِيلَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَابِ، فَوَثَبَتْ عَجْلَى، فَأَعْجَبَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَلَّى وَهُوَ يُهَمْهِمُ بِشَيْءٍ، لا يَكَادُ يُفْهَمُ مِنْهُ إِلا رُبَّمَا أَعْلَنَ مِنْهُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ مُصَرِّفِ الْقُلُوبِ» ، فَجَاءَ زَيْدٌ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَتَى مَنْزِلَهُ، فَقَالَ زَيْدٌ: أَلا قُلْتِ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ؟ قَالَتْ: قَدْ عَرَضْتُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَأَبَى، قَالَ:
فَسَمِعْتِ مِنْهُ شَيْئًا؟ قَالَتْ: سَمِعْتُهُ حِينَ وَلَّى تَكَلَّمَ بِكَلامٍ لا أَفْهَمُهُ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:
«سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ/ مُصَرِّفِ الْقُلُوبِ» .
فَجَاءَ زَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَنِي أَنَّكَ جِئْتَ مَنْزِلِي فَهَلا دَخَلْتَ؟ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَعَلَّ زَيْنَبَ أَعْجَبَتْكَ فَأُفَارِقَهَا؟ فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ» ، فَمَا اسْتَطَاعَ زَيْدٌ إِلَيْهَا سَبِيلا بَعْدَ ذلك اليوم فيأتي إلى رسول الله فَيُخْبِرَهُ، فَيَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «أمسك عليك زَوْجَكَ» ، فَيَقُولَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُفَارِقُهَا. فَيَقُولَ:
«احْبِسْ عَلَيْكَ زْوَجَكَ» ، فَفَارَقَهَا زَيْدٌ وَاعْتَزَلَهَا وَحَلَّتْ.
فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَدَّثُ مَعَ عَائِشَةَ أَخَذَتْهُ غَشْيَةٌ فَسُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَبْتَسِمُ وَيَقُولُ:
«مَنْ يَذْهَبُ إِلَى زَيْنَبَ يُبَشِّرُهَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ زَوَّجَنِيهَا مِنَ السَّمَاءِ؟ وَتَلا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ الله 33: 37 [1] .
الْقِصَّةُ كُلُّهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ لِمَا يُبَلِّغُنَا ِمْن جَمَالِهَا، وَأُخْرَى هي أعظم الأمور وَأَشْرَفَهَا مَا صَنَعَ اللَّهُ لَهَا زَوَّجَهَا اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَتْ: هِيَ تَفْخَرُ عَلَيْنَا بِهَذَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَتْ سَلْمَى خَادِمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْتَدُّ، فَحَدَّثَتْهَا بِذَلِكَ فَأَعْطَتْهَا أَوْضَاحًا عَلَيْهَا [2] .
وَفِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ اذْهَبْ فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ، فَانْطَلَقَ زَيْدٌ حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
__________
[1] سورة: الأحزاب، الآية: 37.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 1/ 71، 72.(3/226)
ذَكَرَهَا فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبِي [1] وَقُلْتُ: يَا زَيْنَبُ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُكِ، قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانَعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُؤَامِرَ رَبِّي، فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدَها وَنَزَلَ الْقُرْآَنُ، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِلا إِذْنٍ فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا أَطْعَمْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ حَتَّى امْتَدَّ النَّهَارُ
. وفي سبب زينب نزلت آية الحجاب
/ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَرَبْرِيُّ، قَالَ: أخبرنا الْبُخَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ.
أَنَّهُ كَانَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ يَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنَّ أُمَّهَاتِي يُوَاطِئْنَنِي عَلَى خِدْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِينَ، فَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الْحِجَابِ حِينَ أُنْزِلَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا أُنْزِلَ فِي مُبْتَنَى رَسُولِ الله صلّى الله عليه وسلّم بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا عَرِيسًا، فَدَعَا الْقَوْمَ فَأَصَابُوا مِنَ الطَّعَامِ ثُمَّ خَرَجُوا وَبَقِيَ رَهْطٌ مِنْهُمْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطَالُوا الْمُكْثَ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، فخرج وخرجت معه لِكَيْ يَخْرُجُوا، فَمَشَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَشَيْتُ حَتَّى جَاءَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ حَتّى إِذَا دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ إِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَقُومُوا، فَرَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ السِّتْرَ، وَأُنْزِلَ الْحِجَابُ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ
. وفي هذه السنة كانت غزوة الخندق وهي غزوة الأحزاب [2]
قال مؤلف الكتاب: كانت في ذي القعدة [3] ، وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم لما أجلى
__________
[1] في الأصل: قلبي، والتصحيح من صحيح مسلم (باب زواج النبي صلى الله عليه وسلم) زينب بنت جحش 1/ 600 ط. الدار.
[2] المغازي للواقدي 2/ 440، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 47، وسيرة ابن هشام 2/ 214، وإمتاع الأسماع 1/ 217، والاكتفاء 2/ 158، وتاريخ الطبري 2/ 564 والكامل 2/ 70، والبداية والنهاية 4/ 92، وأنساب الأشراف 1/ 165، وصحيح البخاري 5/ 107، وصحيح مسلم 12/ 145، وابن حزم 184، وعيون الأثر 2/ 76، والنويري 17/ 166، والسيرة الحلبية 2/ 401، والسيرة الشامية 4/ 512 ودلائل النبوة 13/ 392.
[3] في الأصل: «ذي الحجة» ، وما أوردناه من أ، وابن سعد، والواقدي. وفي باقي المراجع أنها في شوال.(3/227)
بني النضير ساروا إلى خيبر، فخرج نفر من أشرافهم ووجوههم إلى مكة، فالتقوا [1] قريشا ودعوهم إلى الخروج، واجتمعوا معهم على قتاله، وواعدوهم لذلك موعدا، ثم خرجوا من عندهم فأتوا غطفان وسليم ففارقوهم على مثل ذلك، وتجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من العرب، فكانوا أربعة آلاف، وعقدوا اللواء في دار الندوة، وحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، وقادوا معهم ثلاثمائة فرس، وألف وخمسمائة بعير، وخرجوا يقودهم/ أبو سفيان ووافتهم بنو سليم بمرّ الظهران، وهم سبعمائة يقودهم سفيان بن عبد شمس، وخرجت معهم بنو أسد يقودهم طلحة بن خويلد وخرجت فزارة وهم ألف، يقودهم عقبة بن حصين، وخرجت أشجع وهم أربعمائة يقودهم مسعود بن رخيلة، وخرجت بنو مرة، وهم أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف.
وروى الزهري أن الحارث رجع ببني مرة، فلم يشهد الخندق منهم أحد، والأول أثبت.
وكان جميع من وافوا الخندق [ممن ذكر] [2] من القبائل عشرة آلاف، وهم الأحزاب، وكانوا ثلاثة عساكر، والجملة بيد أبي سفيان فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فصولهم من مكة، ندب الناس، وأخبرهم خبرهم وشاورهم، فأشار سلمان الفارسي بالخندق، فأعجب ذلك المسلمين وعسكر بهم رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى سفح سلع [3] ، وجعل سلعا خلف ظهره، وكان المسلمون يومئذ ثلاثة آلاف واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم. ثم خندق على المدينة، وجعل المسلمون يعملون مستعجلين يبادرون قدوم عدوهم، وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلّم معهم بيده لينشطوا، ففرغوا منه في ستة أيام [4] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
__________
[ () ] قَالَ الزرقاني: «واختلف في تاريخها، فقال موسى بن عقبة في مغازيه التي شهد مالك والشافعيّ بأنها أصح المغازي، كانت سنة أربع، قال الحافظ: وتابعه على ذلك الإمام مالك» .
[1] في الأصل: فالتقوا، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[3] الجبل المعروف الّذي بسوق المدينة. (وفاء ألوفا 2/ 324) .
[4] إلى هنا انتهى النقل من ابن سعد 2/ 1/ 48.(3/228)
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُوذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنْ مَيْمُونٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ حِينَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ، عَرَضَتْ [1] لَنَا فِي بَعْضِ الْخَنْدَقِ صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ شَدِيدَةٌ لا تَأْخُذُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ، قَالَ: فَشَكَيْنَا ذَلِكَ [2] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَآهَا أَلْقَى ثَوْبَهُ وَأَخَذَ الْمِعْوَلَ/ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً، فَكَسَرَ ثُلُثَهَا، وقال: الله أكبر أعطيت مَفَاتِيحُ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ قصُورَهَا الْحُمْرَ السَّاعَةَ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ فَقَطَعَ ثُلُثًا آخَرَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرَ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ الأَبْيَضِ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ، وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ فَقَطَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ، وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا السَّاعَةَ [3] . قَالَ عُلَمَاءُ السِّيَرِ [4] : وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِثَمَانِي لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ، وَكَانَ لِوَاءُ الْمُهَاجِرِينَ مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَلِوَاءُ الأَنْصَارِ مَعَ سَعْدً بْنِ عُبَادَةَ، وَدَسَّ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ يَسْأَلُهُمْ أَنْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وَيَكُونُوا مَعَهُمْ عَلَيْهِ، فَامْتَنَعُوا ثُمَّ أَجَابُوا، وَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَفَشِلَ النَّاسُ وَعَظُمَ الْبَلاءُ وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ وَخِيفَ عَلَى الذَّرُارِي وَالنِّسَاءِ، وَكَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمن أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ 33: 10 [5] .
__________
[1] في الدلائل 3/ 421: «عرض» . وكذا في البداية 4/ 101.
[2] في الدلائل وابن كثير: «فشكوا ذلك» .
[3] الخبر أخرجه النسائي في سننه الكبرى وتحفة الأشراف 2/ 65، والبيهقي في الدلائل 3/ 421، وابن كثير في البداية 4/ 101.
قال ابن كثير عقب الحديث: هذا حديث غريب، تفرد به ميمون وهو بصري، روى عن البراء وعبد الله بن عمرو وعنه حميد الطويل والجريريّ، وعوف الأعرابي، قال أبو حاتم عن ابن معين: كان ثقة. وقال علي بن المديني: كان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه.
[4] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 48.
[5] سورة: الأحزاب، الآية: 10.(3/229)
وبعث رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَوْفٍ، وَهُمَا قَائِدَا غَطْفَانَ، فَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا عَنْهُ، وَكَتَبُوا الْكِتَابَ وَلَمْ تَقَعِ الشَّهَادَةُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مُرَاوَضَةً وَمُرَاجَعَةً، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَابْنِ عُبَادَةَ فَأْخَبَرَهُمَا بِذَلِكَ فَقَالا: هَذَا شَيْءٌ تُحِبُّهُ أَوْ [شَيْءٌ] أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ، قَالَ: لا بَلْ أَصْنَعُهُ لأَجْلِكُمْ، فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عْنَ قْوَسٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالا: قَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهُمْ عَلَى الشِّرْكِ، وَهُمْ لا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا تْمَرَةً، فَحِينَ أَذِنَ اللَّهُ بِالإِسْلامِ نَفْعَلُ هَذَا [1] مَا لَنَا إِلَى هَذَا حَاجَةٌ وَاللَّهِ لا نُعْطِيهِمْ إِلا السَّيْفَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا/ قَالَ: فَأَنْتُمْ وَذَاكَ، فَتَنَاوَلَ سَعْدٌ الصَّحِيفَةَ الَّتِي كَتَبُوهَا فَمَحَاهَا، وَقَالَ لِيَجْهَدُوا عَلَيْنَا، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ وُجَاهَ الْعَدُوِّ لا يَزُولُونَ غَيْرَ أَنَّهُمْ يعتقبون خَنْدَقَهُمْ وَيَحْرُسُونَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ سَلَمَةَ بْنَ أَسْلَمَ فِي مائتي رجل، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رَجُلٍ يَحْرُسُونَ الْمَدِينَةَ وَيُظْهِرُونَ التَّكْبِيرَ، وَكَانُوا يَخَافُونَ عَلَى الذَّرَارِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَكَانَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ عَلَى حَرَسِ قُبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَشْرَةٍ مِنَ الأنصار يحرسونه كُلَّ لَيْلَةٍ، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَنَاوَبُونَ بَيْنَهُمْ فَيَغْدُو أَبُو سُفْيَانَ يَوْمًا، وَيَغْدُو خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَوْمًا وَيَغْدُو عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَوْمًا، وَيَغْدُو هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ يَوْمًا، وَيَغْدُو عِكْرِمَةُ ِبْنُ أَبِي جَهْلٍ يَوْمًا، وَيَغْدُو ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا، فَلا يَزَالُونَ يُجِيلُونَ خَيْلَهُمْ وَيَتَفَرَّقُونَ مَرَّةً وَيَجْتَمِعُونَ أُخْرَى، وَيُنَاوِشُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقَدِّمُونَ رُمَاتَهُمْ فَيَرْمُونَ، فَرَمَى حِبَّانُ بْنُ الْعَرَقَةِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ بِسَهْمٍ، فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ، فَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرَقَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَرَّقَ اللَّهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ» ، وَيُقَالُ: الَّذِي رَمَاهُ أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيُّ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْن أبي طاهر البزاز، قَالَ: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال:
أخبرنا ابن حيوية، قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهِمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [أَخْبَرَنَا يزيد بن هارون] [2] .
__________
[1] كذا في الأصل، وفي أ: «ثمرة، فكيف وقد أكرمنا الله بالإسلام نفعل هذا» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وفي أ: أخبرنا ابن أبي طاهر بإسناده عن محمد بن سعد، ورواه الإمام أحمد أيضا قال: «أخبرنا يزيد بن هارون، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عن جده، عن عائشة» .
وما أوردناه لإيضاح السند.(3/230)
وأخبرنا عاليا بن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَقْفُو آثَارَ النَّاسِ، فَسَمِعْتُ وَئِيدَ الأَرْضِ مِنْ وَرَائِي- يَعْنِي حِسَّ الأَرْضِ- فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ يَحْمِلُ رُمْحَهُ [1] ، فَجَلَسْتُ إِلَى الأَرْضِ، فَمَرَّ سعد وَهُوَ يَرْتَجِزُ [2] ، وَيَقُولُ:
لَبِّثْ قَلِيلا يُدْرِكِ الْهَيَجَا حَمَلْ ... مَا أَحْسَنَ الْمَوْتَ إِذَا حَانَ الأَجَلْ
/ قَالَتْ: وَعَلَيْهِ دِرْعٌ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ أَطْرَافُهُ، فَأَنَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أَطْرَافِ سَعْدٍ، وَكَانَ سَعْدٌ مِنْ أَطْوَلِ النَّاسِ وَأَعْظَمِهِمْ قَالَتْ: فَقُمْتُ فَاقْتَحَمْتُ حَدِيقَةً، فَإِذَا فِيهَا نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ تَسْبِغَةٌ [3] لَهُ- تَعْنِي الْمِغْفَرَ- قَالَتْ فَقَالَ لِي عُمَرُ: مَا جَاءَ بِكِ؟ وَاللَّهِ إِنَّكِ لَجَرِيئَةٌ، وَمَا يُؤْمِنْكِ أَنْ يَكُونَ تَحَوُّزٌ أَوْ بَلاءٌ؟ قَالَتْ:
فَمَا زَالَ يَلُومُنِي حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنَّ الأَرْضَ انْشَقَّتْ [سَاعَتَئِذٍ] [4] فَدَخَلْتُ فِيهَا، قَالَتْ:
فَرَفَعَ الرَّجُلُ التَّسْبِغَةَ [3] عَنْ وَجْهِهِ، فَإِذَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا عُمَرُ إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ مُنْذُ الْيَوْمِ، وَأَيْنَ التَّحَوُّزُ وَأَيْنَ الْفِرَارُ [5] إِلا إِلَى اللَّهِ؟ قَالَتْ: وَيَرْمِي سَعْدًا رَجُلٌ [6] مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرَقَةِ [بِسَهْمٍ، فَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرَقَةِ] [7] فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ، فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَعْدٌ، فقال: اللَّهمّ لا تمتني حتى تشفيني من قُرَيْظَ [8]- وَكَانُوا مَوَالِيهِ وَحُلَفَاءَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ- قَالَتْ: فرقأ كلمه ( [9] وبعث الله تعالى
__________
[1] في أ، وابن سعد، والمسند. «مجنّة» .
[2] كذا في أ، والأصل، والطبقات وفي المسند: «فجلست إلى الأرض، فمر سعد وعليه درع من حديد وقد خرجت منها أطرافه، فأنا أتخوف على أطراف سعد، قالت: وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم، قالت فمر وهو يرتجز ويقول» .
[3] في الأصل: «مسبغة» و «المسبغة» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد والمسند.
[5] في الأصل: ورمى سعد رجلا، والتصحيح من الطبقات والمسند.
[6] في المسند، وابن سعد: «وأين التحوز أو الفرار» .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد والمسند.
[8] كذا في الأصول، وابن سعد، وفي مسند أحمد: «لا تمتني حتى تقر عيني من قريظة» .
[9] في الطبقات بعدها: «تعني جرحه» .(3/231)
الريح على المشركين، ف كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ، وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً 33: 25 [1] .
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ [2] : الْعَرَقَةُ أُمُّ حِبَّانَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ مُنْقَدِ بْنِ عُمَرَ وَسُمِّيَتِ الْعَرَقَةُ لِطِيبِ رِيحِهَا.
قَالَ عُلَمَاءُ السِّيَرِ [3] : لَمَّا حَامَ الأَحْزَابُ حَوْلَ الْخَنْدَقِ أَيَّامًا أَجْمَعَ رُؤَسَاؤُهُمْ أَنْ يَغْدُوا يَوْمًا، فَغَدَوْا جَمِيعًا، وَطَلَبُوا مَضِيقًا مِنَ الْخَنْدَقِ يُقْحِمُونَ فِيهِ خَيْلَهُمْ فَلَمْ يَجِدُوا، فَقَالُوا: إِنَّ هَذِهِ لَمَكِيدَةٌ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَصْنَعُهَا، فَقِيلَ لَهُمْ: إِنَّ مَعَهُ رَجُلا فَارِسِيًّا فَهُوَ أَشَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَصَارُوا إِلَى مَكَانٍ ضَيِّقٍ فَعَبَرَ عِكْرِمَةُ وَنَوْفَلٌ وَضِرَارٌ وَهُبَيْرَةُ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ وَدٍّ، فَجَعَلَ عَمْرٌو يَدْعُو إِلَى الْبِرَازِ، وَهُوَ ابْنُ تِسْعِينَ سَنَةً، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أنا أُبَارِزُهِ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلْيَهِ وَسَلَّمَ سَيْفَهُ وَعَمَّمَهُ، وَقَالَ: «اللَّهمّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ» ، فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ، وَوَلَّى أَصْحَابُهُ هَارِبِينَ، وَحَمَلَ الزُّبَيْرُ عَلَى نَوْفَلٍ فَقَتَلَهُ [4] . أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا ابن المسلمة، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر/ المخلص، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن سلمان بن داود، قال: أخبرنا الزبير بن بكار، قال:
عمرو بن عبد ود، وضرار بن الخطاب، وعكرمة بن أبي جهل، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة هُمُ الذين طفروا الخندق يوم الأحزاب، وفي ذلك يقول الشاعر [5] :
عمرو بن ود كان أول فارس ... جزع [6] المزاد وكان فارس يليل
قال مؤلف الكتاب: المزاد، موضع من الخندق فيه حفر، ويليل، واد قريب من بدر.
__________
[1] سورة الأحزاب الآية: 25 الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2، 3، ومسند أحمد بن حنبل 6/ 141.
[2] في أ: «وقال علماء السير» .
[3] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 48، 49.
[4] إلى هنا طبقات ابن سعد 2/ 1/ 49.
[5] في سيرة ابن هشام 2/ 266: هو مسافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح.
[6] جزع: قطع.(3/232)
ولما جزع عمرو بن عبد المزاد دعي البراز، وقال يرتجز: [1]
ولقد بحجت [2] من النداء ... بجمعكم [3] : هل من مبارز
ووقفت إذ جبن الشجا ... ع بموقف البطل المناجز [4]
إني كذلك لم أزل ... متسرعا نحو الهزاهز [5]
إن الشجاعة والسماحة ... في الفتى خير الغرائز [6]
فبرز له علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم أجابه يقول:
لا تعجلن فقد أتاك ... مجيب صوتك غير عاجز
ذو نية وبصيرة ... والصدق منجي كل فائز
إني لأرجو أن أقيم ... م عليك نائحة الجنائز
من ضربة فوهاء [7] يبقى ... ذكرها عند الهزاهز
ثم دعاه أن يبارزه، فقال له علي: يا عمرو إنك كنت عاهدت الله لقريش لا يدعوك رجل إلى خلتين إلا أخذت إحداهما، قال عمرو: نعم [8] ، قال علي رضي الله عنه:
فإني أدعوك إلى اللَّه وإلى رسوله وإلى الإسلام، فقال: لا حاجة لي بذلك، قال: فإني أدعوك إلى المبارزة. قال: يا ابن أخي، والله ما أحب أن أقتلك، فقال له علي: لكني والله أنا أحب أن أقتلك فحمي عمرو واقتحم عن فرسه وعرقبه/، ثم أقبل فتناورا وتجاولا وثارت عليهما غبرة سترتهما عن المسلمين، فلم يرع المسلمين إلا التكبير، فعرفوا أن عليا رضي الله عنه قتله، فانجلت الغبرة وعليّ على صدره يذبحه.
__________
[1] الأبيات ليست من بحر الرجز وإنما من البحر الكامل.
[2] في الأصل: «ولقد ملكت» ، وما أوردناه من أ، ابن كثير، والدلائل.
[3] في ابن كثير: «بجمعهم» .
[4] في الدلائل وابن كثير: «.. إذا جبن المشجع موقف القرن المناجز» . وفي الاكتفاء: «وقفه الرجل المناجز» .
[5] في الدلائل وابن كثير: «ولذاك إني لم أزل متسرعا قبل الهزاهز» ، والهزاهز: الدواهي والشدائد» .
[6] في الدلائل، وابن كثير، والاكتفاء: «إن الشجاعة في الفتى والجود في خير الغرائز» .
[7] في الدلائل، وابن كثير، والاكتفاء: «ضربة نجلاء» .
[8] في أ: «قال عمرو: أجل» .(3/233)
قال علماء السير: لما قتل عمرو رثته أمه، فقالت:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله. ... ما زلت أبكي عليه دائم الأبد
لكن قاتله من لا يقاد به ... من كان يدعى أبوه بيضة البلد
ثم تواعدا أن يأتوا من الغد، فباتوا يعبئون أصحابهم ونحوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة غليظة فيها خالد بن الوليد، فقاتلوهم يومهم ذلك إلى هوي من الليل ما يقدرون أن يزولوا عن مكانهم، ولا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ظهرا ولا عصرا حتى كشفهم الله عز وجل، فرجعوا منهزمين، فلم يكن لهم بعد ذلك قتال- يعني انصرفوا- إلا أنهم لا يدعون الطلائع بالليل يطمعون في الغارة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم الذي فاتته الصلاة فيه: «شغلونا عن الصلاة الوسطى» . أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الأَحْزَابِ: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى [صَلاةَ] الْعَصْرِ، مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا» ، ثُمَّ صَلاهَا بَيْنَ [الْعِشَاءَيْنِ] ، الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1] .
وحصر [2] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بضع عشرة ليلة، وقيل: أربعا وعشرين ليلة، حتى خلص إلى كل أمر منهم الكرب. ودعي رسول/ الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الأحزاب.
ويروى في مسجد الفتح.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ المذهب، قال: أخبرنا أحمد بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحمد، قال: حدثني أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قال:
حدّثني جابر:
__________
[1] أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 1/ 82، 113، 122، 126، 135، 137، 146، 150، 152، ومسلم 2/ 111، والبخاري 6/ 37، 38، وابن ماجة 1/ 224، الدرامي 1/ 280، وأبو داود 1/ 43.
[2] في الأصل: وحصروا.(3/234)
أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا فِي مَسْجِدِ الْفَتْحِ ثَلاثًا: يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وَيَوْمَ الأَرْبِعَاءِ [فَاسْتُجِيبَ لَهُ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ] [1] بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ، فَعُرِفَ الْبِشْرُ فِي وَجْهِهِ. قَالَ جَابِرٌ: فَلَمْ يَنْزِلْ بِي أَمْرٌ مُهِمٌّ [غَلِيظٌ] [2] إِلا تَوَخَّيْتُ تِلْكَ السَّاعَةَ، فَأَدْعُو فِيهَا فَأَعْرِفُ الإِجَابَةَ [3] .
قالوا: وكان نعيم بن مسعود الأشجعي قد أسلم وحسن إسلامه، فمشى بين قريش وقريظة وغطفان فخذل بينهم.
فَأْنَبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسن بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ.
وَبِهِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَاصِمٍ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ: لَمَّا سَارَتِ الأَحْزَابُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سِرْتُ مَعَ قَوْمِي وَأَنَا عَلَى دِينِي، فَقَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِي الإِسْلامَ، فَكَتَمْتُ ذَلِكَ قَوْمِي، وَأَخْرُجُ حَتَّى آتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَأَجِدُهُ يُصَلِّي، فَلَمَّا رَآنِي جَلَسَ، وَقَالَ: «مَا جَاءَ بِكَ يَا نُعَيْمٌ» ؟ وَكَانَ بِي عَارِفًا، قُلْتُ: إِنِّي جِئْتُ أُصَدِّقُكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ حَقٌّ، فَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ، قَالَ: «مَا اسَتَطَعْتُ أَنْ تَخْذِلَ عَنَّا النَّاسَ [فَخَذِّلْ] ، قُلْتُ: أَفْعَلْ، وَلَكِنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقُولُ، قَالَ: «قُلْ مَا بَدَا لَكَ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ» ، قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى قُرَيْظَةَ، فَقُلْتُ: اكْتُمُوا عَلَيَّ، قَالُوا:
نَفْعَلُ، فَقُلْتُ: إِنَّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ عَلَى الانْصِرَافِ عَنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ أَصَابُوا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا وَإِلا انْصَرَفُوا إِلَى بِلادِهِمْ، فَلا تُقَاتِلُوا مَعَهُمْ حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رُهَنَاءً، قَالُوا:
أَشَرْتَ عَلَيْنَا وَالنُّصْحُ لَنَا، ثُمَّ خَرَجْتُ/ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، فَقُلْتُ قَدْ جِئْتُكَ بِنَصِيحَةٍ فَاكْتُمْ عَلَيَّ، قَالَ: أَفْعَلُ، قُلْتُ: تَعْلَمْ أَنَّ قُرَيظَةَ قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا فَعَلُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَادُوا إِصْلاحَهُ وَمُرَاجَعَتَهُ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ وَأَنَا عِنْدَهُمْ إِنَّا سَنَأْخُذُ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ سَبْعِينَ رَجُلا مِنْ أَشْرَافِهِمْ نُسَلِّمُهُمْ إِلَيْكَ، تَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ وَنَكُونُ مَعَكَ عَلَى قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ حَتَّى نَرُدَّهُمْ عَنْكَ، وَتَرُدَّ جَنَاحَنَا الَّذِي كَسَرْتَ إِلَى
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والمسند.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والمسند.
[3] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 3/ 332.(3/235)
دِيَارِهِمْ- يَعْنِي بَنِي النَّضِيرِ- فَإِنْ بَعَثُوا إِلَيْكُمْ يَسْأَلُونَكُمْ رَهْنًا فَلا تَدْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَحَدًا وَاحْذَرُوهُمْ، ثُمَّ أَتَى غَطَفَانَ، فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ رَجُلا مِنْهُمْ فَصَدَّقُوهُ، وَأَرْسَلَتْ قُرَيْظَةُ إِلَى قُرَيْشٍ: إِنَّا وَاللَّهِ مَا نَخْرُجُ فَنُقَاتِلُ مُحَمَّدًا صلّى الله عليه وسلّم حَتَّى تُعْطُونَا رَهْنًا مِنْكُمْ [يَكُونُونَ] عِنْدَنَا، فَإِنَّا نَتَخَوَّفُ أَنْ تَنْكَشِفُوا وَتَدَعُونَا وَمُحَمَّدًا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: صَدَقَ نُعَيْمٌ.
وَأَرْسَلُوا إِلَى غَطَفَانَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُوا إِلَى قُرَيْشٍ، فَقَالُوا لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالُوا جَمِيعًا: إِنَّا وَاللَّهِ مَا نُعْطِيكُمْ رَهْنًا وَلَكِنِ اخْرُجُوا فَقَاتِلُوا مَعَنَا. فَقَالَتِ الْيَهُودُ: نَحْلِفُ بِالتَّوْرَاةِ أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي قَالَ نُعَيْمٌ لَحَقٌّ، وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ يَقُولُونَ: الْخَبَرُ مَا قَالَ نُعَيْمٌ، وَيَئِسَ هَؤُلاءِ مَنْ نَصْرِ هَؤُلاءِ، وَهَؤُلاءِ مِنْ نَصْرِ هَؤُلاءِ. وَاخْتَلَفَ أَمْرُهُمْ وَتَفَرَّقُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَكَانَ نُعَيْمٌ يَقُولُ: أَنَا خَذَلْتُ بَيْنَ الأَحْزَابِ حَتَّى تَفَرَّقُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَأَنَا أَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سِرِّهِ [1] .
قَالَ عُلَمَاءُ السِّيَرِ: فَلَمَّا اسْتَوْحَشَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ صَاحِبِهِ، اعْتَلَّتْ قُرَيْظَةُ بِالسَّبْتِ، فَقَالُوا: لا نُقَاتِلُ، وَهَبَّتْ لَيْلَةَ السَّبْتِ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ وَاللَّهِ لَسْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ، لَقَدْ هَلَكَ الْخَفُّ وَالْحَافِرُ، وَأَجْدَبَ الْجُنَابُ وَأَخْلَفَتْنَا بنو قريظة، و [لقد] لَقِينَا مِنَ الرِّيحِ مَا تَرَوْنَ فَارْتَحِلُوا فَإِنِّي مُرْتَحِلٌ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعَسَاكِرِ قَدِ انْقَشَعُوا، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُذَيْفَةَ لِيَنْظُرَ مَا فَعَلَ الْقَوْمُ.
فروى/ مسلم في أفراده من حديث إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي، عن أبيه، قال: كنا عند حذيفة، فقال رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت [2] ، فقال حذيفة: أنت كنت تفعل ذَلكَ، لقد رأيتنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر [3] ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة» فسكتنا فلم يجبه أحد، ثم قَالَ: «ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة» فسكتنا ولم يقم قائم، فقال: «قم يا حذيفة» فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي إلا أن أقوم، قال: «اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي» [4] ، فلما وليت من عنده جعلت
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 2/ 20، 21.
[2] أي: بالغت في نصرته.
[3] القر: البرد.
[4] أي لا تحركهم عليك، فإنّهم إن أخذوك كان ضررا عليّ لأنك رسولي وصاحبي.(3/236)
كأنما أمشي في حمام [1] حتى أتيتهم، فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره [2] بالنار فوضعت سهمي في كبد القوس فأردت أن أرميه فذكرت قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تذعرهم علي» فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام، فلما أتيته أخبرته خبر القوم وفرعت وقررت [3] ، فألبسني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائما حتى أصبحت، قال صلّى الله عليه وسلّم: «قم يا نومان» [4] .
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: قَالَ فَتًى مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ [5] لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، رَأَيْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وصحبتموه، قال: نعم يا ابن أَخِي، قَالَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَجْهَدُ، فَقَالَ الْفَتَى:
وَاللَّهِ لَوْ أَدْرَكْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ وَلَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَعْنَاقِنَا، فَقَالَ حُذَيْفَةُ:
يَا ابْنَ أَخِي، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَنْدَقِ يُصَلِّي هَوِيًّا [6] مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: «مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ [ثُمَّ يَرْجِعُ] » [7] وَشَرَطَ لَهُ أَنَّهُ إِذَا رَجِعَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَةَ، فَمَا قَامَ رَجُلٌ، ثُمَّ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: «أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» . / فَمَا قَامَ أَحَدٌ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَالْبَرْدِ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدٌّ مِنَ الْقِيَامِ، فَقَالَ: يَا حُذَيْفَةُ اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ فَانْظُرْ مَا يَفْعَلُونَ. فَذَهَبْتُ فَدَخَلْتُ فِي الْقَوْمِ وَالرِّيحُ [وَجُنُودُ اللَّهِ] تَفْعَلُ بِهِمْ مَا تَفْعَلُ فَلا تَتَرْكُ قِدْرًا وَلا نَارًا، وَلا بِنَاءً. فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لِيَنْظُرَ امْرِؤٌ جَلِيسَهُ، فَأَخَذْتُ بِيَدِ الرَّجُلِ الّذي كان إلى
__________
[1] أي: أنه لم يجد من البرد الّذي يجده الناس ولا من تلك الريح الشديدة شيئا، بل عافاه الله ببركة إجابته فيما وجه إليه.
[2] يدفئه.
[3] قررت: بردت.
[4] أي: يا كثير النوم.
والحديث أخرجه مسلم في 32، كتاب الجهاد والسير، 36، باب غزوة الأحزاب، حديث 99، ص 1414، والبيهقي في الدلائل 3/ 449، 450، وعزاه لمسلم.
[5] في الأصل: «من أهل مكة» . والتصحيح من أ، وابن هشام 2/ 231، والطبري 2/ 580.
[6] الهوي: الهزيع من الليل.
[7] ما بين المعقوفتين: من سيرة ابن هشام.(3/237)
جَنْبِي، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ، ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ، وَاللَّهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ، [لَقَدْ] هَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفُّ وَلَقِينَا مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ مَا تَرَوْنَ، فَارْتَحِلُوا [فَإِنِّي مُرْتَحِلٌ] . فَرَجِعْتُ، فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] :
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمْ يُقْتَلْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلا سِتَّةُ نَفَرٍ، وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثَلاثَةٌ
. ومن الحوادث في هذه السنة كانت غزاة بني قريظة [2]
وذلك في ذي القعدة، وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم لما انصرف من الخندق جاءه جبريل عليه السلام فقال: إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل حصونهم.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَالِكٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
أَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فَرَغَ مِنَ الأَحْزَابِ دَخَلَ الْمُغْتَسَلَ لِيَغْتَسِلَ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: أَوَقَدْ وَضَعْتُمُ السِّلاحَ مَا وَضَعْنَا أَسْلِحَتَنَا بَعْدُ انْهَضْ [3] إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى جِبْرِيلَ مِنْ خَلالِ الْبَابِ قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ [مِنَ] [4] الْغُبَارِ [5] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُطَرِّزُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا/ بِشْرُ بن الْمَعْمَرِيِّ، عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت:
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 580، وتفسير الطبري 21/ 80، وسيرة ابن هشام 2/ 231، 232.
[2] في أ: «وفي هذه السنة كانت غزوة بني قريظة» .
وانظر: المغازي للواقدي 2/ 496، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 53، وسيرة ابن هشام 2/ 233، وتاريخ الطبري 2/ 581، والاكتفاء 2/ 176، والبداية والنهاية 4/ 116، والكامل 2/ 75.
[3] في المسند: «انهد» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[5] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 6/ 131، 280.(3/238)
لما رجع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَبَيَّنَا هُوَ عِنْدِي إِذْ دَقَّ الْبَابُ فَارْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَثَبَ وَثْبَةً مُنْكَرَةً، وَخَرَجَ [النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فَخَرَجْتُ فِي أَثَرِهِ فَإِذَا رَجُلٌ عَلَى دَابَّةٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئٌ عَلَى مَعْرَفَةِ الدَّابَّةِ يَكُلِّمُهُ، فَرَجِعْتُ فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: مَنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي كُنْتَ تُكَلِّمُهُ؟ قَالَ: وَرَأَيْتِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «وَمَنْ تُشَبِّهِينَهُ» ؟ قُلْتُ:
بِدِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ، قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَمَرَنِي أَنْ أَمْضِيَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ.
قال علماء السير [1] : فدعا رَسُول اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وسلم عليا رضي الله عنه، فدفع إليه لواءه، وبعث بلالا فنادى في النَّاسُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يأمركم أن لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة، واستخلف [رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي المدينة عبد الله] [2] بن أم مكتوم، ثم سار في ثلاثة آلاف، وكانت الخيل ستة وثلاثين فرسا، وذلك في يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة، فحاصرهم خمسة عشر يوما، وقيل: خمسا وعشرين ليلة أشد الحصار ورموا بالنبل والحجر، فلم يطلع منهم أحد.
فلما اشتد الحصار عليهم أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر، فأرسله إليهم فشاوروه في أمرهم، فأشار إليهم بيده أنه الذبح، ثم ندم فاسترجع فقال: خنت الله ورسوله، فانصرف فارتبط في المسجد ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنزل الله توبته، ثم نزلوا على حكم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمر بهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد بن مسلمة فكتفوا ونحوا ناحية. وأخرج النساء والذرية فكانوا ناحية، وجمع أمتعتهم فكانوا [ألفا] [2] وخمسمائة سيف، وثلاثمائة درع، وألفي رمح، [وألفا] [3] وخمسمائة ترس وحجفة، وجمالا كانت نواضح وماشية كثيرة. وكان لهم خمر فأريق، وكلمت الأوس رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يهبهم لهم، وكانوا حلفاءهم/ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحكم فيهم إلى سعد بن معاد، فحكم فيهم أن يقتل كل من جرت عليه الموسى [4] ، وتسبى النساء والذراري، وتقسم الأموال. فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لقد حكمت فيهم بحكم اللَّه من فوق سبعة أرقعة» .
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 53.
[2] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[3] في الأصل: ألفين.
[4] في الأصل: المواشي.(3/239)
ونزل ثعلبة وأسيد ابنا شعبة، وأسد بن عبيد ابن عمهم، فقالوا: إنكم لتعلمون أنه نبي، وأن صفته عندنا فأسلموا، فدفع إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أهليهم وأموالهم.
وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الخميس لتسع خلون من ذي الحجة، وأمر بهم فأدخلوا المدينة، وحفر لهم أخدودا في السوق وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه أصحابه، وأخرجوا إليه فضرب أعناقهم، وكانوا ما بين ستمائة إلى سبعمائة، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة بنت عمرو لنفسه، فأسلمت وبقيت في ماله حتى توفي عنها، وأمر بالغنائم فجمعت فأخرج الخمس، وأمر بالباقي فبيع فيمن يزيد، وقسمه بين المسلمين وكانت السهمان على ثلاثة آلاف واثنين وسبعين سهما، للفرس سهمان ولصاحبه سهم
. وفي هذه الغزاة [1] : نهى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يفرق بين الأم وولدها. وفي ذي الحجة: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا إلى الغابة فسقط عنه، فخدش فخذه الأيمن فأقام في البيت خمسا يصلي قاعدا.
وفي هذا الشهر: رجفت المدينة، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الله مستعتبكم فاعتبوا» . وفيها: دفت دافّة من بني عامر بن صعصعة، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يبقى من ضحاياكم بعد ثالثة شيء» .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
92- ثعلبة بن غنمة بن عدي بن سنان بن نابئ:
شهد العقبة مع السبعين، وبدرا والخندق، وقتل يومئذ.
__________
[1] من هنا حتى آخر أحداث السنة ساقط من أ.(3/240)
93- جليبيب [1] :
/ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بْن جعفر القَطِيعيّ، قَالَ:
أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ [بْنِ حَنْبَلٍ] ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، [قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ] [2] .
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي- وَاللَّفْظُ لَهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجوهري، قال: أخبرنا أَبُو عَمْرو بْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بن الفهم، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ ( [3] : أَنَّ جليبيبا كان امرأ من الأنصار، وكان أصحاب النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ لأَحَدِهِمْ أَيِّمٌ لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا حَاجَةٌ أَمْ لا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ: «يَا فُلانُ زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ» قَالَ: نَعَمْ وَنِعْمَ عَيْنٌ، قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ أُرِيدُهَا لِنَفْسِي» ، قَالَ: فَلِمَنْ، قَالَ: «لِجُلَيْبِيبٍ» ، قَالَ: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ أُمَّهَا، فَلَمَّا أَتَاهَا، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ابْنَتَكِ، قَالَتْ: نَعَمْ وَنِعْمَةُ عَيْنٍ زَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ لِنَفْسِهِ يُرِيدُهَا، قَالَتْ: فَلِمَنْ؟ قَالَ: لِجُلَيْبِيبٍ، قَالَتْ: لا نَعَمْ، وَاللَّهِ لا أُزَوِّجُ جُلَيْبِيبًا.
فَلَمَّا قَامَ أَبُوهَا لِيَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتِ الْفَتَاةُ مِنْ خِدْرِهَا لأَبَوَيْهَا: مَنْ خَطَبَنِي إِلَيْكُمَا؟ قَالا: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: أَوَ تَرُدُّونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ، ادْفَعُونِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْنِي. فَذَهَبَ أَبُوهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: شَأْنُكَ بِهَا. فَزَوِّجْهَا جُلَيْبِيبًا.
قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لِثَابِتٍ: أَتَدْرِي مَا دَعَا لَهَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ: وَمَا دَعَا لَهَا بِهِ؟ قَالَ: قَالَ: «اللَّهمّ صُبَّ عَلَيْهَا الْخَيْرَ صَبًّا صَبَّا وَلا تَجْعَلْ عَيْشَهَا كَدًّا كَدًّا» .
قَالَ ثَابِتٌ: فَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ، فَبَيَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مغزى له، قال:
__________
[1] جاءت هذه الترجمة في أقبل الأخيرة، وفي متن أ «طبيب» وكتب على الهامش: «جلبيب كذا في جميع الأصول» . وقد وردت في الأصل: حليتيت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[3] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 4/ 422.(3/241)
«هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَفْقِدُ فُلانًا وَنَفْقِدُ فَلانًا، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا نَفْقِدُ فُلانًا ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ/ أَحَدٍ؟» قَالُوا:
لا، قَالَ: لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا فَاطْلُبُوهُ فِي الْقَتْلَى، فَنَظَرُوا فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، أَقْتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ أَقْتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، أَقْتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» . فَوَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي ساعديه [1] ، ثم حفروا له ما له سَرِيرٌ إِلا سَاعِدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ. قَالَ ثَابِتٌ: فَمَا فِي الأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقُ مِنْهَا
. 94- خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة [2] :
شهد بدرا والعقبة والخندق ويوم بني قريظة، وقتل يومئذ شهيدا، دلت عليه بنانة امرأة من بني قريظة رحى فشدخت رأسه، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «له أجر شهيدين» ، وقتلها [رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] بِهِ.
قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِنَّها لَعِنْدِي تَتَحَدَّثُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ رجالهم إذ هتف هَاتَفْ بِاسْمِهَا، قَالَتْ: أَنَا وَاللَّهِ، قُلْتُ: وَيْلَكِ مَا لَكِ، أُقْتَلُ، قُلْتُ: وَلِمَ قَالَتْ: حَدَثٌ أَحْدَثْتُهُ فَانْطَلَقَ بِهَا فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا فَمَا أَنْسَى مِنْهَا أَطْيَبَ نَفْسٍ وَكَثْرَةَ ضَحِكٍ وَقَدْ عَرِفْتُ أَنَّهَا تُقْتَلُ.
وَجَاءَتْ أُمُّ خَلادٍ وَقَدْ قِيلَ لَهَا: قُتِلَ خَلادٌ وَهِيَ مُنَقَّبَةٌ، فَقِيلَ لَهَا: قُتِلَ خَلادٌ وَأَنْتَ مُنَقَّبَةٌ، قَالَتْ: إِنْ كُنْتُ رُزِئْتُ خَلادًا فَلا أَرْزَأُ حَيَاتِي
. 95- سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس [بن زيد] [3] بن عبد الأشهل، ويكنى أبا عمرو [4] :
وأمه كبشة بنت رافع، وهي من المبايعات، وكان لسعد من الولد، عمرو، وعبد الله وأمهما [قيل:] [5] كبشة، وليس ذلك، وإنما الأصح [6] أنها هند بنت سماك بن
__________
[1] في الأصل: ساعده.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 82. وهذه الترجمة جاءت في أفي آخر من توفي هذه السنة.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أوابن سعد.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 3/ 3.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] كبشة وليس ذلك وإنما الأصح» : الجملة ساقطة من أ.(3/242)
عتيك من المبايعات خلف عليها سعد بعد أخيه أوس، وهي عمة أسيد بن حضير.
وكان إسلام سعد على يدي مصعب بن عمير، وكان مصعب قد قدم المدينة قبل العقبة الآخرة/ يدعو الناس إلى الإسلام، ويقرئهم القرآن، فلما أسلم سعد لم يبق أحد في بني عبد الأشهل إلا أسلم يومئذ، وكانت دار بني عبد الأشهل أول دار من دور الأنصار أسلموا جميعا رجالهم ونساؤهم، وحول سعد بن معاذ مصعب بن عمير، وأسعد بن زرارة إلى داره، فكانا يدعوان الناس إلى الإسلام في داره، وكان سعد وأسعد ابني خالة، وكان سعد وأسيد بْن حضير يكسران أصنام بني عبد الأشهل، وكان لواء الأوس يوم بدر مع سعد بن معاذ، وشهد يوم أحد وثبت مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ولى الناس. وأصيب يوم الخندق في أكحله.
وكأن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد ذكر الحمى، فقال: «من كانت به فهو حظه من النار» ، فسألها سعد بن معاذ فلم تفارقه حتى فارق الدنيا [1] .
وأصيب يوم الخندق في أكحله، فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة في المسجد ليعوده من قريب.
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو مُحَمَّد الجوهري، قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه، قال: حدثنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، [قال: أخبرنا يزيد بن هارون] [2] .
وأخبرناه عاليا بن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا القطيعي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا محمد بن عمرو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ [3] :
رَمَى سَعْدًا رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ [بِسَهْمٍ لَهُ] [4] يَوْمَ الخندق [5]
__________
[1] الخبر ساقط من أ. وراجع طبقات ابن سعد 3/ 32.
[2] السند ساقط كله من أ. ومكانه: «أخبرنا محمد بن أبي طاهر بإسناده عن محمد بن سعد» ولم يذكر إسناده لأحمد، وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 6/ 141، وطبقات ابن سعد 3/ 2/ 4.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد.
[5] «يوم الخندق» : ساقط من المسند وابن سعد.(3/243)
[فَقَالَ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرَقَةِ] [1] ، فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ [2] ، فَدَعَا اللَّهَ سَعْدٌ فَقَالَ: اللَّهمّ لا تُمْتِنْيِ حَتَّى تَشْفِيَنِي مِنْ قُرَيْظَةَ [3]- وَكَانُوا مَوَالِيهِ وَحُلَفَاءَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ- قَالَتْ: فَرَقَأَ كَلْمُهُ [4] ، فَبَعَثَ اللَّهُ [عز وجل] الريح على المشركين ف كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ [وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً 33: 25 [5] ، فَلَحِقْ أَبُو سُفْيَانَ بِمَنْ مَعَهُ بِتِهَامَةَ، وَلَحِقَ عُيَيْنَةُ بِمَنْ مَعَهُ بِنَجْدٍ، وَرَجِعَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ فَتَحَصَّنُوا فِي صَيَاصِيهِمْ، وَرَجِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَمَرَ بِقُبَّةٍ [6] فَضُرِبَتْ عَلَى سَعْدِ بْنِ/ مُعَاذٍ فِي الْمَسِجِد، [قَالَتْ] [7] : فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ وَعَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ [8] ، فَقَالَ: أوقد وضعت السلاح [فو الله مَا وَضَعَتِ الْمَلائِكَةُ السِّلاحَ] [9] بَعْدُ، اخْرُجْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَاتِلْهُمْ. [قَالَتْ] [10] : فَلَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لأمته، وأذن في النَّاسَ بِالرَّحِيلِ. [قَالَتْ: فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي غَنْمٍ وَهُمْ جِيرَانُ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُمْ:
«مَن مَرَّ بِكُمْ؟» قَالُوا: مَرَّ بِنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ- وَكَانَ دِحْيَةُ تُشْبِهُ لِحْيَتُهُ وَسُنَّةُ وَجْهِهِ بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَتْ] [11] : فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَاصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَلَمَّا اشْتَدَّ حَصْرُهُمْ [وَاشْتَدَّ الْبَلاءُ عَلَيْهِمْ] [12] ، قِيلَ لَهُمُ: انْزِلُوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَاسْتَشَارُوا أَبَا لُبَابَةَ [بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ] [13] ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ الذَّبْحُ، فَقَالُوا: نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سعد بن معاذ» ، فنزلوا على
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد، وأ.
[2] في المسند: فأصاب أكحله فقطعه» .
[3] في المسند: حتى تقر عيني من قريظة» .
[4] كلمه، أي: جرحه.
[5] سورة: النور، الآية: 25، ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد والمسند.
[6] في المسند: «فوضع السلاح وأمر بقبة» .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد.
[8] في المسند: «وعلى ثناياه نقع الغبار» .
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد.
[12] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد.
[13] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد.(3/244)
حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ] [1] ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَحُمِلَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ إِكَافٌ مِنْ لِيفٍ، وَحَفَّ بِهِ قَوْمُهُ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، حُلَفَاؤُكَ وَمَوَالِيكَ [وَأَهْلُ النِّكَايَةِ] [2] وَمَنْ قَدْ عَلِمْتَ، وَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، حَتَّى إذا دنا مِنْ دُورِهِمْ الْتَفَتَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: قَدْ أَنَى لِي أَنْ لا أُبَالِيَ [3] فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ، فَلَمَّا طَلَعَ [4] عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ [5] :
«قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ» . فَأَنْزَلُوهُ، فَقَالَ [6] لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللِّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْكُمْ فِيهِمْ» ، فَقَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمْ فِيهِمْ بِقَتْلِ مُقَاتِلِيهِمْ، وَسَبْيِ ذَرَارِيهِمْ، وَتَقْسِيمِ أَمْوَالِهِمْ [7] ، فَقَالَ [رسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] : «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ رسوله» . قالت: ثم دعا الله سَعْدٌ، فَقَالَ: اللَّهمّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ عَلَى نَبِيِّكَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا، وَإِنْ كُنْتَ قَطَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ. قَالَتْ: فَانْفَجَرَ كَلْمُهُ، وَقَدْ كَانَ بَرِأَ حَتَّى مَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ إِلا مِثْلُ الْخَرْمِ، وَرَجَعَ إِلَى قُبَّتِهِ الَّتِي ضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَحَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر، قالت: فو الّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأَعْرِفُ بُكَاءَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بُكَاءِ عُمَرَ وَأَنَا فِي حُجْرَتِي، وَكَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: رُحَماءُ بَيْنَهُمْ 48: 29 [8] . قَالَ:
فَقَلْتُ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ. فَقَالَتْ: كَانَتْ عَيْنُهُ لا تَدْمَعُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ فَإِنَّمَا هُوَ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [9] : حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كَوَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ مِنْ رَمْيَتِهِ.
قَالَ [مُحَّمَدُ] بْنُ سَعْدٍ [10] : / وَأَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ:
سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد.
[3] في الأصل: «قد آن أن أبالي» ؟
[4] في ابن سعد وفي المسند: «قال ابن سعد: فلما طلع» .
[5] في الأصل: فلما طلع قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[6] في المسند وابن سعد: «فأنزلوه، قال عمر: سيدنا الله عز وجل، قال أنزلوه، فقال له» .
[7] في المسند: «وتسبي ذراريهم، وقال يزيد ببغداد ويقسم أموالهم» .
[8] سورة: الفتح، الآية: 29.
[9] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 8.
[10] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 9.(3/245)
لَمَّا مَاتَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ- وَكَانَ رَجُلا جَسِيمًا جَزْلا- جَعْلَ الْمُنَافِقُونَ وَهُمْ يَمْشُونَ خَلْفَ سَرِيرِهِ يَقُولُونَ [1] : لَمْ نَرَ كَالْيَوْمِ رَجُلا أَخَفَّ، وَقَالُوا: أَتَدْرُونَ لِمَ ذَاكَ؟ [ذَاكَ] لِحُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَذَكَرْتُ ذَلكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ كَانَتِ الْمَلائِكَةُ تَحْمِلُ سَرِيرَهُ» . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُظَفَّرِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْبُخَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا فَضْلُ بْنُ مُسَاوِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وفيهما من حديث البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بثوب حرير فجعل يتعجب من حسنه ولينه، فقال: «لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أفضل- أو خير- من هذا» . وقد روى سلمة بن أسلم الأشهلي، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم البيت وما فيه إلا سعد مسجى، فرأيته يتخطاه، فوقف فأومأ إلي: «قف» ، فوقفت ورددت من ورائي، وجلس ساعة ثم خرج، فقلت: يا رسول الله، ما رأيت أحدا وقد رأيتك تتخطاه، فقال:
«ما قدرت على مجلس حتى قبض لي ملك من الملائكة أحد جناحيه» فجلست ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هنيئا لك يا أبا عمرو» ثلاث مرات. قال سعد بن إبراهيم: حضرة رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ وهو يغسل، فقبض ركبتيه، وقال:
دخل ملك فلم يكن لَهُ مكان فأوسعت له. وغسله أسيد بن حضير وسلمة بن سلام بن وقش ونزلا في قبره ومعهما الحارث بن أوس وأبو نائلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على القبر [3] . وكانت أمه تبكي وتقول:
__________
[1] في الأصل: جعل المنافقون يقولون وهم يمشون خلف سريره، يقولون» .
[2] في الأصل: رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) .
[3] «وغسله أسيد ... قائم على القبر» : العبارة كلها ساقطة من أ.(3/246)
ويل أم سعد سعدا ... براعة ونجدا
[1] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/: «كُلُّ البواكي يكذبن إلا أم سعد» . وجاءت أم سعد تنظر إليه [في اللحد] [2] فردها النَّاسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دعوها» . فنظرت إليه قبل أن يبنى عليه اللبن، فقالت: «احتسبك عند الله» وعزاها رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي قبره، وتنحى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سوي على قبره ورش عليه الماء، ثم جاء فوقف عليه فدعا له وانصرف. وكان سعد رجلا أبيض طوالا جميلا، وتوفي ابن سبع وثلاثين سنة، ودفن بالبقيع، وأخذ من تراب قبره فإذا هو مسك.
وَرَوَى [ابْنُ] [3] عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «هَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ، وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلائِكَةِ لَمْ يَنْزِلُوا الأَرْضَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَقْد ضُمِّ ضَمَّةً ثُمَّ أُفْرِجَ عَنْهُ» يَعْنِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ [4] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهِمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ بْنِ غَزَوَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ [5] : دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَبْرَ سَعْدٍ فَاحْتَبَسَ، فَلَمَّا خَرَجَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَبَسَكَ؟
[قَالَ: «ضُمَّ سَعْدٌ فِي الْقَبْرِ ضَمَّةً] [6] فَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفُ عَنْهُ»
. 96- عبد الله بن سهل بن زيد بن عامر بن عمرو بن جشم [7] :
أمه الصعبة [8] بنت التيهان، أخت أبي الهيثم بن التيهان، وهو أخو رافع بن سهل،
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 9.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[4] من هنا ساقط من أإلى آخر وفيات هذه السنة.
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 12.
[6] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 21.
[8] في الأصل: صعصعة.(3/247)
وهما اللذان خرجا إلى حمراء الأسد، وهما جريحان يحمل أحدهما صاحبه ولم يكن لهما ظهر.
شهد عبد الله بدرا وأحدا والخندق، وقتل يومئذ شهيدا
. 97- عمرة بنت مسعود، أم سعد بن عبادة [1] :
توفيت بالمدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب في دومة الجندل ومعه سعد، فلما قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتي قبرها فصلى عليها/ وسأله سعد عن نذر كان عليها فقال: «اقضه عنها» . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أخبرنا ابن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى أَنَّه سَمِعَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: أَنْبَأَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ. أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ مَاتَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فأتى رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَفَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِي الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَنْهَا [2]
. 98- كعب بن مالك بن قيس بن مالك:
شهد بدرا وأحدا والخندق وقتل يومئذ.
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 330، وهي عمرة الرابعة.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 144.(3/248)
ثم دخلت سنة ست من الهجرة
فمما حدث فيها:
سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء [1]
بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعشر خلون من المحرم سنة ست في ثلاثين راكبا إلى القرطاء، وهم بطن من بني بكر بن كلاب، وأمره أن يشن عليهم الغارة، فسار الليل وكمن النهار وأغار عليهم فقتل نفرا منهم وأخذ ثمامة بن أثال الحنفي وهرب سائرهم واستاق نعما وشاء ولم يعرض للظعن، وانحدر إلى المدينة، فخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به وفض على أصحابه ما بقي، وكانت النعم مائة وخمسين بعيرا، والغنم ثلاثة آلاف شاة، وغاب تسع عشرة ليلة، وقدم لليلة بقيت من المحرم.
وفيها: قدم مسعود بن رخيلة الأشجعي في سبعمائة من قومه، فنزلوا بسلع في صفر فوادعوا رسول الله ووادعهم وفيهم نزلت: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا 4: 90 [2]
. ثم كانت غزاة بني لحيان [3]
/ وكانوا بناحية عسفان في ربيع الأول سنة ست، وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم وجد
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 56، والمغازي للواقدي 2/ 543، والكامل 2/ 92، والبداية والنهاية 4/ 149 شرح الزرقاني على المواهب 2/ 173.
[2] سورة: النساء، الآية: 90.
[3] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 56، والمغازي للواقدي 2/ 535، وسيرة ابن هشام 2/ 279، وتاريخ الطبري 2/ 595، والاكتفاء 2/ 206، والبداية والنهاية 4/ 81، والكامل 2/ 78، ودلائل النبوة 3/ 364.(3/249)
عَلَى عاصم بن ثابت وأصحابه وجدا شديدا- وكانوا قتلوا في غزاة الرجيع- فأظهر أنه يريد الشأم، وعسكر لغرة هلال ربيع الأول في مائتي رجل، ومعهم عشرون رجلا، واستخلف عبد الله بْن أم مكتوم، ثم أسرع السير حتى انتهى إلى بطن غران [1]- وبينها وبين عسفان [2] خمسة أميال- حيث كان مصاب أصحابه، فترحم عليهم ودعا لهم، فسمعت بهم بنو لحيان، فهربوا في رءوس الجبال، فلم يقدروا منهم على أحد، ثم خرج حتى أتى عسفان، فبعث أبا بكر في عشرة فوارس لتسمع به قريش فيذعرهم، فأتوا الغميم [3] ، ثم رجعوا ولم يلقوا أحدا، ثم انصرف صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وغاب أربع عشرة ليلة، وقال في رجوعه: «آئبون تائبون [لربنا حامدون] » [4] فكان أول من قالها.
وفي هذه الغزاة جاز على قبر أمه صلى الله عليه وسلم:
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلافُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْحِمَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَرِيرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ التُّرْجُمَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُشَمْعِلُ بْنُ مِلْحَانَ [5] ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ وَقَفَ عَلَى عَسَفَانَ، فَنَظَرَ يَمِينًا وَشِمَالا فَأَبْصَرَ قَبْرَ أُمِّهِ آمِنَةَ فَوَرَدَ الْمَاءَ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَلَمْ يُفَاجِئْنَا إِلا بِبُكَائِهِ، فَبَكَيْنَا لِبُكَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ثُمَّ انْصَرَفَ إلينا
__________
[1] في سيرة ابن هشام 2/ 280: «وغزان واد بين أمج وعسفان إلى بلد يقال له: ساية» . وفي وفاء ألوفا 2/ 353: «وغران اسم وادي الأزرق خلف أمج بميل» .
[2] «عسفان قرية جامعة بين مكة والمدينة على نحو يومين من مكة» . (وفاء ألوفا 2/ 353، 345) .
[3] في ابن هشام: «كراع الغميم» ، وفي معجم البلدان: «موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد، وفي سيرة ابن هشام: «آئبون تائبون إن شاء الله لربنا حامدون، أعوذ باللَّه من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال.
وفي المغازي: «آئبون تائبون عابدون، لربنا حامدون، اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة على الأهل، اللَّهمّ أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال، اللَّهمّ بلغنا بلاغا صالحا يبلغ إلى الخير، مغفرة منك ورضوانا» .
[5] في الأصل: «إسماعيل بن ملحان» .(3/250)
فَقَالَ: «مَا الَّذِي أَبْكَاكُمْ؟» قَالُوا: بَكَيْتَ فَبَكَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ] [1] وَقَالَ «وَمَا ظَنَنْتُمْ؟» قَالُوا:
ظَنَنَّا أَنَّ الْعَذَابَ نَازِلٌ عَلَيْنَا، قَالَ: «لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ» ، قَالُوا: فَظَنَنَّا أَنَّ أُمَّتَكَ كُلِّفُوا [2] مِنَ الأَعْمَالِ مَا لا يُطِيقُونَ، قَالَ: «لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَلَكِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرِ أُمِّي، فصليْتُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَنُهِيتُ فَبَكَيْتُ ثُمَّ عُدْتُ فصليْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَاسْتَأْذَنْتُ/ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لها، فزجرت زجرا، فعلا بكائي» ثم دعي بِرَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا فَمَا سَارَتْ إِلا هَيْنَةَ حَتَّى قَامَتِ النَّاقَةُ بِثِقَلِ الْوَحْيِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ... 9: 113 [3] إِلَى آخِرِ الآيَتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ آمِنَةَ كَمَا تَبَرَّأَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ أَبِيهِ
. ثم كانت غزاة الغابة [4]
وهي على بريد من المدينة على طريق الشام في ربيع الأول.
قالوا: كانت لقاح [5] رسول الله صلى الله عليه وسلم-[وهي] [6] عشرون لقحة- ترعى بالغابة [وكان أبو ذر فيها] [7] فأغار عليها عيينة بن حصن ليلة الأربعاء في أربعين [فارسا] [8] فاستاقوها وقتلوا راعيها [9] ، وجاء الصريخ فنادى: « [الفزع الفزع، فنودي:] [10] يا خيل الله اركبي» ، فكان أول ما نودي بها، وركب رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَخَرَجَ غداة الأربعاء في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] في الأصل: «كلفت» .
[3] سورة: التوبة، الآية: 113.
[4] وتسمى أيضا «غزوة ذي قرد» . وذو قرد: ماء على نحو بريد من المدينة مما يلي بلاد غطفان، وقيل على مسافة يوم منها.
والغابة: موضع قرب المدينة من ناحية الشام، فيه أموال لأهل المدينة، (راجع معجم البلدان) . (ووفاء ألوفا 2/ 360) .
[5] اللقاح: الإبل الحوامل ذوات الألبان، (شرح أبي ذر 329) .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ، وابن سعد.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ابن سعد.
[9] كذا في الأصل، وفي أ، وابن سعد: «وقتلوا أبو ذر» . وكلاهما صحيح.
[10] في الأصل: «فقال: «يا خيل الله اركبي» . فكان أول» . وما أوردناه من ابن سعد، أ.(3/251)
الحديد مقنعا، [فوقف، فكان أول من أقبل إليه المقداد بن عمرو، وعليه الدرع والمغفر، شاهرًا سيفه، فعقد لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لواء في رمحه، وقال: «امض حتى تلحقك الخيول، إنا على أثرك» ] [1] ، واستخلف [رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي المدينة] [2] عبد الله بن أم مكتوم، وخلّف سعد بن عبادة في ثلاثمائة [من قومه] [3] يحرسون المدينة [4] .
قال المقداد: فخرجت فأدركت أخريات العدو وقد قتل أبو قتادة مسعدة، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرسه وسلاحه، وقتل عكاشة [بن محصن أثار بن عمرو بن أثار] [5] ، وقتل المقداد [بن عمرو: حبيب بن عيينة بن حصن، وقرفة بن مالك بن حذيفة بن بدر] [6] .
وقتل من المسلمين محرز بن نضلة، قتله مسعدة. وأدرك سلمة بن الأكوع القوم وهو على رجليه، فجعل يراميهم بالنبل، ويقول [7] :
«خذها وأنا ابن الأكوع ... اليوم يوم الرضع» [8]
حتى انتهى بهم إلى ذي قرد ناحية خيبر [مما يلي المستناخ] [9] .
قال سلمة: فلحقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم [والناس] [10] والخيول عشاء، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْقَوْمَ عِطَاشٌ فلو بعثتني في مائة رجل استنقذت ما في أيديهم من السرح وأخذت بأعناق القوم [11] ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ملكت فأسجح» [12] ، [ثم قال: «إنهم الآن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من طبقات ابن سعد، وأ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[4] بعدها في الأصل: «وعقد لواء المقداد، وقال: «أمض فنحن على أثرك» . وحذفناها لأنها في غير موضعها، وسبقت.
[5] ما بين المعقوفتين: في الأصل هكذا: «عكاشة رجلا» . وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: في الأصل هكذا: «وقتل المقداد رجلين» .
[7] في الأصل: «وجعل سلمة بن الأكوع يرامي القوم بالنبل ويقول» . وما أوردناه عن أ، وابن سعد.
[8] الرضع: جمع راضع، وهو اللئيم، والمعنى أن هذا اليوم هو يوم هلاك اللئام. (شرح أبي ذر 329) .
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[11] في الأصل: «وأخذت بأعناقهم» . وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[12] أي: قدرت فسهل وأحسن العفو، وهو مثل سائر. (النهاية 2/ 146) .(3/252)
ليقرون في غطفان» . وذهب الصريخ إلى بني عمرو بن عوف، فجاءت الأمداد، فلم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم وعلى الإبل حتى انتهوا] [1] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد [2] ، فاستنقذوا عشر لقائح، وأفلت القوم بما بقي وهي عشر [3] ، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد صلاة الخوف، وأقام به يوما وليلة [يتحسس الخبر، وقسم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها- وكانوا خمسمائة، ويقال سبعمائة- وبعث إليه سعد بن عبادة بأحمال تمر وبعشر جزائر، فوافت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد، والثبت عندنا] [4] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر على/ هذه السرية سعد بن زيد الأشهلي، ولكن الناس نسبوها إلى المقداد [لقول حسان بن ثابت:
غداة فوارس المقداد
[5] فعاتبه سعد بن زيد، فقال: اضطرني الروي إلى المقداد] [6] .
ورجع رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى المدينة يوم الاثنين، وقد غاب خمس ليال [7]
. ثم كانت سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الغمر، غمر مرزوق [8] .
وهو ماء لبني أسد على ليلتين من فيد [طريق الأول إلى المدينة وكانت] [9] في [شهر] [10] ربيع الأول [سنة ست من مهاجرة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم] [11] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وطبقات ابن سعد.
[2] في الأصل: «وَانْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم جماعة لحقوه» . وما أوردناه من أ، والأصل.
[3] في الأصل: «وأفلت القوم بعشر» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ، وابن سعد.
[5] انظر ديوان حسان ص 60، وصدر البيت:
ولسر أولاد اللقيطة أننا ... سلّم غداة فوارس المقداد
وقد أورد ابن هشام أبيات حسان في السيرة 2/ 285، 286.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[7] إلى هنا من أول الغزوة انتهى النقل من ابن سعد 2/ 1/ 58، 59.
[8] المغازي للواقدي 2/ 550، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 61، وتاريخ الطبري 2/ 640، والكامل 2/ 92، والبداية والنهاية 4/ 178.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.(3/253)
[قال ابن سعد] [1] : وجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عكاشة [بن محصن] [2] إلى الغمر في أربعين رجلا، فخرج سريعا يغذ السير، ونذر به القوم فهربوا فنزلوا علياء بلادهم ووجدوا دارهم خالية، [فبعث شجاع بن وهب طليعة فرأى أثر النعم فتحملوا فأصابوا ربيئة لهم، فأمنوه فدلهم على نعم لبني عم له، فأغاروا عليها] [3] فاستاقوا مائتي بعير، [فأرسلوا الرجل وحدروا النعم] [4] إلى المدينة. وقدموا [على رسول الله صلى الله عليه وسلم] [5] ، ولم يلقوا كيدا
. ثم كانت سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة [6] .
في [شهر] [7] ربيع الآخر [سنة ست من مهاجر رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [8] .
[قَالَ ابن سعد] [9] : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة [10] إلى بني [ثعلبة، وبني عوال من ثعلبة- وهم] [11] بذي القصة وبينها وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا [طريق الرَّبَذَة] [12]- في عشرة نفر، فوردوا [عليهم] [13] ليلا فأحدق به القوم، وهم مائة رجل [14] ، فتراموا ساعة [من الليل] [15] ، ثم حملت الأعراب عليهم بالرماح
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] المغازي للواقدي 2/ 551، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 61، 62، وتاريخ الطبري 2/ 641، والكامل 2/ 92، والبداية والنهاية 4/ 178.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[10] في الأصل: «وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعث محمد بن مسلمة» . وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[12] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[13] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[14] في الأصل: «ليلا فأحدق بهم العدو وكانوا مائة رجل» .
[15] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.(3/254)
فقتلوهم [1] ، فوقع محمد بن مسلمة جريحا [فضرب كعبه فلا يتحرك، وجردوهم من الثياب. ومر بمحمد بن مسلمة رجل من المسلمين] [2] فحمله حتى ورد به المدينة [3] ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا إلى مصارعهم فلم يجدوا أحدا ووجدوا نعما وشاء فساقه ورجع
. ثم كانت سرية أبي عبيدة إلى ذي القصة أيضا [4] .
في [شهر] [5] ربيع الآخر [سنة ست من مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم] [6] .
[قالوا] [7] : أجدبت بلاد بني ثعلبة وأنمار [8] ، ووقعت سحابة بالمراض [إلى تغلمين [9]- والمراض على ستة وثلاثين ميلا من المدينة] [10]- فسارت بنو محاربة وثعلبة وأنمار إلى تلك السحابة، وأجمعوا أن يغيروا على سرح المدينة [وهو يرعى بهيفا- موضع على سبعة أميال من المدينة] [11] فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا من المسلمين] [12] حين صلوا المغرب، فمشوا ليلتهم حتى وافوا ذا القصة مع [عماية الصبح، فأغاروا عليهم فأعجزوهم هربا في الجبال، وأصاب رجلا واحدا فأسلم فتركه، وأخذ نعما من نعمهم، فاستاقه ورثة [13] من متاعهم، وقدم [بذلك] المدينة فخمسه رسول الله/ صلى الله عليه وسلم وقسم ما بقي عليهم [14] .
__________
[1] في الأصل: «ثم حمل العدو عليهم فقتلوهم» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[3] في الأصل «وحمله رجل من المسلمين إلى المدينة» .
[4] المغازي للواقدي 2/ 552، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 62، وتاريخ الطبري 2/ 641، والكامل 2/ 92، والبداية والنهاية 4/ 178.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[8] في الأصل: «وذلك أن بلاد بني ثعلبة وأنمار أجدبت» . وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[9] تغلمين: موضع من بلاد بني فزارة قبل ريم (معجم ما استعجم 203) .
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[12] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[13] في الأصل: وشيئا.
[14] في الأصل: «وقسم باقيه عليهم» .(3/255)
ثم كانت سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم [1]
في [شهر] [2] ربيع الآخر [سنة ست من مهاجر رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [3] .
[قَالَ ابن سعد] [4] : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى بني سليم [5] فسار حتى ورد الجموم ناحية بطن نخل [عن يسارها- وبطن نخل من المدينة على أربعة برد] [6]- فأصابوا عليه امرأة [من مزينة] يقال لها حليمة، فدلتهم على محلة من محال بني سليم، فأصابوا في تلك المحلة نعما [7] وشاء وأسرى. وكان فيهم زوج حليمة [المزنية] [8] ، فلما قفل زيد [بن حارثة] بما أصاب وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة نفسها وزوجها، [فقال بلال بن الحارث المزني في ذلك شعرا:
لعمرك ما أخنى المسول ولا ونت ... حليمة حتى راح ركبهما معا]
[9]
ثم كانت سرية زيد [بن حارثة] [10] أيضا إلى العيص [11] .
وبينها وبين المدينة أربع ليال [12] في جمادى الأولى [سنة ست من مهاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 62، وتاريخ الطبري 2/ 641، والكامل 2/ 92، والبداية والنهاية 4/ 178.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[5] في الأصل: «وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعث زيد إلى بني سليم» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[7] في الأصل: «فأصابوا منها نعما» .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[11] المغازي للواقدي 2/ 553، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 63، وتاريخ الطبري 2/ 641، والكامل 2/ 92، والبداية والنهاية 4/ 178.
[12] في أ: «ليلة» .(3/256)
قال ابن سعد [1]] : لما بلغ [2] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عيرا لقريش قد أقبلت من الشام فبعث زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكبا يتعرض لها، فأخذوها وما فيها، وأخذوا يومئذ [فضة] [3] كثيرة [وكانت] [4] لصفوان بن أمية، وأسروا ناسا ممن كان في العير، منهم أبو العاص بن الربيع، [وقدم بهم إلى المدينة] [5] ، فاستجار أبو العاص بن الربيع بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجارته [ونادت في الناس حين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر: إني أجرت أبا العاص] [6] ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «وما علمت بشيء من هذا و] [7] قد أجرنا من أجرت» . ورد عليه ما أخذ منه
. ثم كانت سرية زيد [بن حارثة] [8] أيضا إلى الطرف [9]
[في جمادى الآخرة سنة ست من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى ابن سعد] [10] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث زيد بن حارثة إلى الطرف- وهو ماء [11] قريب من المراض دون النخيل على ستة وثلاثين ميلا من المدينة طريق النقرة [على المحجة] ، فخرج إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا، فأصاب نعما وشاء، وهربت الأعراب، وصبح زيد بالنعم المدينة، وهي عشرون بعيرا، ولم يلق كيدا، وغاب أربع ليال، وكان شعارهم: «أمت أمت» .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[2] في الأصل: «وذلك انه بلغ» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[9] المغازي للواقدي 2/ 552، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 63، وتاريخ الطبري 2/ 164، والكامل لابن الأثير 2/ 92، والبداية والنهاية 4/ 178.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[11] في الأصل: «بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جمادى الآخرة، والطرف ماء قريب» .(3/257)
ثم كانت سرية زيد [بن حارثة] [1] أيضا في هذا الشهر إلى حسمى [2]
وهي وراء وادي/ القرى [في جمادى الآخرة سنة ست من مهاجر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذكر ابن سعد] [3] أن دحية بن خليفة الكلبي [4] أقبل من عند قيصر وقد أجازه وكساه، فلقيه الهنيد بن عارض وابنه عارض [بن الهنيد] في ناس من جذام بحسمى، فقطعوا عليه الطريق فلم يتركوا عليه إلا سمل ثوب، فسمع بذلك نفر من بني الضبيب فنفروا إليهم فاستنقذوا لدحية متاعه، وقدم دحية على النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره [بذلك] [5] ، فبعث زيد [بن حارثة] [6] في خمسمائة [رجل] [7] ورد معه دحية، وكان زيد يسير الليل ويكمن النهار ومعه دليل [له] [8] من بني عذرة، فأقبل بهم حتى هجم بهم مع الصبح على القوم، فأغاروا عليهم فقتلوا فيهم فأوجعوا وقتلوا الهنيد وابنه، وأغاروا على ماشيتهم ونعمهم ونسائهم، فأخذوا [من النعم] [9] ألف بعير، و [من الشاء] [10] خمسة آلاف شاة، و [من السبي] [11] مائة من النساء والصبيان. فرحل زيد بن رفاعة [الجذامي فِي نفر من قومه] [12] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابه الذي كتب له ولقومه [13] ليالي قدم عليه فأسلم، [وقال: يا رسول الله، لا تحرم علينا حلالا ولا تحل لنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] المغازي للواقدي 2/ 555، وطبقات ابن سعد. 2/ 1/ 63، 64، وتاريخ الطبري 2/ 641، 642 والكامل 2/ 92، والبداية والنهاية 4/ 178، 179.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[4] في الأصل: «وذلك أن دحية الكلبي» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[12] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[13] في الأصل: «فدفع إليه كتابا كان كتبه به ولقومه» .(3/258)
حراما] [1] ، فقال: كيف أصنع بالقتلى؟ فقال [أبو يزيد بن عمرو] [2] : أطلق لنا [يا رسول] [3] من كان حيا [ومن قتل فهو تحت قدمي هاتين، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صدق أبو يزيد» ] [4] فبعث معهم عليا رضي اللَّه عنه إلى زيد بن حارثة يأمره أن يخلي بينهم وبين حرمهم وأموالهم، [فتوجه علي رَضِيَ اللَّهُ عنه فلقي رافع بن مكيث الجهني بشير زيد بن حارثة على ناقة من إبل القوم، فردها علي على القوم، ولقي زيدا بالفحلتين، وهي بين المدينة، وذي المروة، فأبلغه أمر رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [5]] فردوا إلى الناس كل ما كان أخذ منهم
. ثم كانت سرية زيد [بن الحارث] [6] أيضا إلى وادي القرى [7]
في رجب سنة ست [من مهاجر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذكر ابن سعد أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ زيدا أميرا سنة ست] [8]
. ثم كانت سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل [9]
في شعبان [سنة ست من مهاجر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذكر ابن سعد] [10] أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عبد الرحمن بن عوف، فأقعده بين يديه وعممه بيده، وقال: «اغز بسم الله وفي سبيل الله، فقاتل من كفر باللَّه، لا تغل ولا تغدر ولا تقتل
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[7] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 64، وتاريخ الطبري 2/ 642، والكامل 2/ 93.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[9] المغازي للواقدي 2/ 560، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 64، وتاريخ الطبري 2/ 642، والكامل 2/ 93.
[10] في الأصل: «قالوا ان» .(3/259)
وليدا» وبعثه إلى كلب بدومة الجندل، فقال: إن استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم. فسار عَبْد الرحمن حتى قدم دومة الجندل فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، فأسلم الأصبغ بْن عمرو الكلبي، وكان نصرانيا/ وكان رأسهم، وأسلم معه ناس كثير من قومه، وأقام من أقام عَلَى إعطاء الجزية [1] ، وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ، فقدم بها إلى المدينة، وهي أم أَبِي سلمة بن عبد الرحمن
. ثم كانت سرية علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى بني سعد بن بكر بفدك [2]
في شعبان [سنة ست من مهاجر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذكر ابن سعد] [3] أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن لهم جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر، فبعث إليهم عليا رضي الله عنه في مائة رجل، فسار الليل وكمن النهار حتى انتهى إلى الهمج- وهو ما بين خيبر وفدك، وبين فدك والمدينة ست ليال- فوجدوا به رجلا فسألوه [عن القوم] [4] ، فقال: أخبركم على أنكم تؤمنوني فآمنوه فدلهم فأغاروا عليهم فأخذوا خمسمائة بعير وألفي شاة، وهربت بنو سعد بالظعن ورأسهم وبر بن عليم، فعزل [علي رضي الله عنه صفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم لقوحا تدعى الحفذة، ثم عزل] [5] الخمس وقسم سائر الغنائم على أصحابه، وقدم المدينة ولم يلق كيدا
. ثم كانت سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة بوادي القرى [6]
على سبع ليال من المدينة في شهر رمضان [سنة ست من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
[1] في الأصل: «على أداء الجزية» .
[2] فدك: قرية قريبة من خيبر، بينها وبين المدينة ست ليال. (وفاء ألوفا 2/ 255) .
المغازي للواقدي 2/ 562، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 65، وتاريخ الطبري 2/ 642، والكامل 2/ 93، والبداية والنهاية 4/ 178.
[3] ما بين المعقوفتين: في الأصل مكانها: «وذلك أن» وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[6] المغازي للواقدي 2/ 564، وابن سعد 2/ 1/ 65، وتاريخ الطبري 2/ 642، والكامل 2/ 94. وهي في الأصل: «إلى أم مروة» وكذلك في نص الأصل.(3/260)
ذكر ابن سعد] أن زيد بن حارثة [1] خرج في تجارة إلى الشام ومعه بضائع لأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما كان دون وادي القرى لقيه قوم [2] من فزارة من بني بدر فضربوه وضربوا أصحابه، وأخذوا ما كان معهم. [ثم استبل] [3] زيد وقدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فأخبره فبعثه [رسول الله صلى الله عليه وسلّم] إليهم، فكمنوا النهار وساروا الليل [ونذرت بهم بنو بدر] [4] ، ثم صبحهم [زيد وأصحابه فكبروا وأحاطوا بالحاضر] [5] وأخذوا أم قرفة، وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر، وابنتها جارية [بنت مالك بن حذيفة بن بدر، وكان الذي أخذ الجارية مسلمة بن الأكوع، فوهبها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لحزن بن أبي وهب.
وعمد قيس بن المحسر إلى أم قرفة- وهي عجوز كبيرة- فقتلها قتلا عنيفا، ربط بين رجليها حبلا ثم ربطها بين بعيرين ثم زجرهما فذهبا فقطعاها. وقتل النعمان وعبيد الله ابني مسعدة بن حكمة بن مالك بن بدر] [6] . وقدم زيد [بن حارثة من وجهه ذلك] [7] ، فقرع باب النبي صلى الله عليه وسلم، فقام إليه عريانا يجر ثوبه حتى اعتنقه وقبله [وسايله فأخبره بما ظفره الله عز وجل به] [8]
. ثم كانت سرية عبد الله بن عتيك إلى أبي رافع سلام بن أبي الحقيق النضري [9] .
بخيبر في شهر رمضان [سنة ست من مهاجر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذكر ابن سعد أنه] [10] كان أبو رافع [بن أبي الحقيق] [11] قد أجلب في غطفان ومن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: مكانها في الأصل: «وذلك أن زيدا» وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[2] في الأصل: «لقيه ناس» وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل واستبل: برأ (الصحاح 1640) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[9] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 66.
[10] ما بين المعقوفتين: مكانها في الأصل: «وكان» وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.(3/261)
حوله من مشركي العرب، وجعل لهم/ الجعل العظيم لحرب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبعث النبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّهِ بْن عتيك، وعبد الله بن أنيس، وأبا قتادة، والأسود بن خزاعي، ومسعود بن سنان. وأمرهم بقتله.
فذهبوا إلى خيبر، فكمنوا، فلما هدأت الرجل جاءوا إلى محله [1] فصعدوا درجة له، فقدموا عَبْد اللَّه بن عتيك لأنه كان يرطن باليهودية، فاستفتح وقال: جئت أبا رافع بهدية، ففتحت لَهُ امرأته، فلما رأت السلاح أرادت أن تصيح، فأشار إليها بالسيف، فسكتت فدخلوا عليه فما عرفوه إلا ببياضه كأنه قبطية، فعلوه بأسيافهم.
قال ابن أنيس: وكنت رجلا أعشى لا أبصر، فاتكأت بسيفي على بطنه حتى سمعت خسه في الفراش، [وعرفت أنه قد قضى عليه] [2] ، وجعل القوم يضربونه جميعا، ثم نزلوا فصاحت امرأته فتصايح أهل الدار، واختبأ القوم [في بعض مناهر خيبر] [3] ، وخرج الحارث أبو زينب في ثلاثة آلاف في آثارهم يطلبونهم بالنيران، فلم يروهم فرجعوا.
ومكث القوم في مكانهم يومين حتى سكن الطلب، ثم خرجوا مقبلين إلى المدينة كلهم يدعي قتله، فقدموا على رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم فقال: «أفلحت الوجوه» فقالوا: أفلح وجهك يا رسول اللَّه، وأخبروه خبرهم فأخذ أسيافهم فنظر إليها فإذا أثر الطعام في ذباب سيف عبد الله بن أنيس، فقال عليه الصلاة والسلام: «هذا قتله»
. ثم كانت سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير بن زارم اليهودي بخيبر [4]
في شوال [سنة ست من مهاجر رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابن سعد] [5] : لما قتل أبو رافع سلام بن أبي الحقيق، أمرت يهود عليهم أسير بن زارم، فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبلغ ذلك
__________
[1] في الطبقات: منزله.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أ، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[4] مغازي الواقدي 2/ 566، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 66 وفي الأصل: أسيد
[5] في الأصل: في شوال، وذلك أنه.(3/262)
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فوجه عبد الله بن رواحة في ثلاثة نفر في [شهر] [1] رمضان سرا فسأل عن خبره وغرته، فأخبر بذلك، فقدم على رسول/ الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بذلك، فندب [رسول الله صلى الله عليه وسلم] [2] الناس، فانتدب له ثلاثون رجلا، فبعث عليهم عبد الله بن رواحة، فقدموا على أسير، فقالوا: نحن آمنون حتى نعرض عليك ما جئنا له، قال: نعم، ولي منكم مثل ذلك؟ فقالوا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا إليك لتخرج إليه، فيستعملك على خيبر، ويحسن إليك، فطمع في ذلك، فخرج وخرج معه ثلاثون من يهود مع كل رجل رديف من المسلمين، حتى إذا كنا بقرقرة ثبار [3] ندم أسير، فقال عبد الله بْن أنيس وكان في السرية: وأهوى بيده إلى سيفي ففطنت [له ودفعت بعيري] [4] وقلت: غدرا أي عدو الله [فعل ذلك مرتين] [5] فنزلت فسقت بالقوم حتى انفرد لي أسير، فضربته بالسيف فأندرت [6] عامة فخذه وساقه، وسقط عن بعيره [وبيده مخرش من شوحط] [7] فضربني فشجني مأمومة، وملنا على أصحابه، فقتلناهم كلهم غير رجل واحد [أعجزنا شدا ولم يصب من المسلمين أحد] [8] ثم أقبلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثناه [الحديث] [9] فقال:
«قد نجاكم الله من القوم الظالمين»
. ثم كانت سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين في شوال [10]
قالوا: قدم نفر من عرينة [ثمانية] [11] على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلموا واستوبئوا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[3] «في مغازي موسى بن عقبة: قرقرة تيار» . (وفاء ألوفا 2/ 361) وثبار: موضع على ستة أميال من خيبر.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[6] أندره: أسقطه، ويقال: ضرب يده بالسيف فأندرها. (الصحاح 835) .
[7] المخرشة: عصا معوجة الرأس (النهاية 1/ 388) . الشوحط: ضرب من شجر الجبال (الصحاح 1136) .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[10] المغازي للواقدي 2/ 568، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 67، وتاريخ الطبري 2/ 644، والكامل 2/ 94.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.(3/263)
المدينة [1] ، فأمر بهم رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى لقاحه [2] [وكانت على ستة أميال من المدينة، وكانوا فيها حتى صحوا وسمنوا] [3] فاستاقوها وقتلوا الراعي [4] وقطعوا يده ورجله، وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فبعث في أثرهم عشرين فارسا، واستعمل عليهم كرزا فأدركوهم، وأحاطوا بهم وأسروهم وربطوهم حتى قدموا بهم المدينة، وكأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالغابة، فخرجوا بهم نحوه، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وصلبوا هناك، وكانت اللقاح خمس عشرة لقحة فردوها إلا واحدة [نحروها] [5] أَخْبَرَنَا/ هِبَةُ الله بن محمد، قال: أخبرنا الحسن بن عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مالك، قَالَ: حدثنا عبد الله بن أحمد، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ [أَبِي] [6] عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَسْلَمَ نَاسٌ مِنْ عُرَيْنَةَ، فَاجْتَوُوا الْمَدِينَةَ، فَقَالَ لَهُمْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لو خَرَجْتُمْ إِلَى ذَوْدٍ لَنَا فَشَرِبْتُمْ مِنْ أَلْبَانِهَا» ، قَالَ حُمَيْدٌ: وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ: «وَأَبْوَالِهَا» ، فَفَعَلُوا، فَلَمَّا صَحُّوا كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [مُؤْمِنًا أَوْ مُسْلِمًا] [7] وَسَاقُوا ذَوْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَرِبُوا مُحَارِبِينَ، فَأَرْسَلَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آثَارِهِمْ فَأُخِذُوا فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأْرَجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا. أَخْرَجَاهُ فِي الصحيحين [8] .
__________
[1] استوبئوا المدينة: أي وجدوها وبئة. (الصحاح 79) .
[2] في أ: «إلى ذود له» ، وما أوردناه موافق لابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[4] الراعي كما في ابن سعد «يسار مولى رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناه من المسند، وفي أ: اختصر الناسخ السند.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.
[8] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 3/ 107، 205.(3/264)
ثم كانت سرية عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم إلى أبي سفيان بمكة [1]
وكان سبب ذلك أن أبا سفيان قال لنفر من قريش: ألا رجل يغتال محمدا فإنه يمشي في الأسواق، فقال له رجل من العرب [2] : إن قويتني خرجت إليه حتى أغتاله ومعي خنجر مثل خافية النسر، فأعطاه بعيرا ونفقة، فخرج ليلا، فسار على راحلته خمسا وصبح [ظهر] [3] الحرّة صبح سادسة، وأقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دل عليه، فعقل راحلته، ثم أقبل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قاعد في مسجد بني عبد الأشهل، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إن هذا ليريد غدرا» ، فذهب ليجني على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجذبه أسيد بن الحضير بداخلة إزاره، فإذا بالخنجر فسقط في يديه، وقال: دمي دمي، فأخذ أسيد بلبته فدعته فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أصدقني» ، فأخبره الخبر وأسلم، فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن أمية الضمري، وسلمة بن أسلم إلى أبي سفيان وقال: «إن أصبتما منه غرة فاقتلاه، فدخلا مكة فمضى عمرو يطوف بمكة [4] ليلا فرآه معاوية فعرفه، فأخبر قريشا بمكانه/ فطلبوه وكان فاتكا في الجاهلية- فهرب هو وسلمة، فلقي عمرو بن عُبَيْد اللَّه بن مالك فقتله، وقتل آخر من بني الديل سمعه يقول:
ولست بمسلم ما دمت حيا ... ولست أدين دين المسلمينا
ولقي رسولين لقريش بعثتهما [5] يتحسسان الخبر، فقتل أحدهما، وأسر الآخر فقدم به [المدينة] [6] وجعل يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك.
هذا قول محمد بن سعد، كاتب الواقدي [7] .
وذكر ابن إسحاق عن أشياخه [8] : إن هذا كان في سنة أربع، وأن عمرو بن أمية
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 68، وتاريخ الطبري 2/ 542، والكامل 2/ 60، والبداية والنهاية 4/ 69.
السيرة 2/ 633- 635.
[2] في أ، وابن سعد: «فأتاه رجل من الأعراب فقال» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في أ، وابن سعد: «يطوف بالبيت ليلا» .
[5] في الأصل: ولقي رسول الله لقريش رجلين» والتصحيح من الطبقات.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[7] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 68.
[8] تاريخ الطبري 2/ 542.)(3/265)
قَالَ: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل خبيب وأصحابه، وبعث معي رجلا من الأنصار، فقال: ائتيا أبا سفيان فاقتلاه فخرجنا وليس مع صاحبي بعير، فلما وصلنا عقلت بعيري، وقلت لصاحبي إني أريد أن أقتل أبا سفيان فإن أصبت شيئا فالحق ببعيري فاركبه والحق بالمدينة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما دخلنا مكة قال لي صاحبي هل لك أن تطوف، فقلت: أنا أعلم بأهل مكة منك، فلم يزل بي حتى طفنا، فمررنا بمجلس فعرفني رجل منهم، فصاح بأعلى صوته: هذا عمرو بن أمية الضمري، فتبادر أهل مكة، قالوا:
والله ما جاء عمرو لخير، فقاموا فِي طلبي، فقلت لصاحبي: «النجاء، فهذا الذي كنت أخاف، وليس إلى الرجل سبيل فانج بنفسك» ، فخرجنا نشتد حتى أصعدنا في الجبل، فدخلنا غارا فبتنا فيه ليلتنا فأعجزناهم فرجعوا، فإذا عثمان بن مالك التميمي قد وقف بباب الغار، فخرجت إليه فوجأته بخنجر معي فصاح صيحة أسمع أهل مكة، فأتوا إليه، ورجعت إلى مكاني، فجاءوه وبه رمق، فقالوا: ويلك من؟ قال: عمرو بن أمية، ثم مات ولم يستطع أن يخبرهم بمكاننا، فقالوا: والله لقد علمنا أنه ما جاء لخير، فاشتغلوا بصاحبهم، فأقمنا في الغار يومين، ثم خرجنا إلى التنعيم فإذا خشبة خبيب/ وحوله من يحرسه، فقلت للأنصاري: إن خشيت فخذ الطريق إلى جملي فاركبه، والحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر واشتددت إلى خشبته فاحتللته واحتملته على ظهري، فو الله ما مشيت به إلا نحو ذراعين [1] [حتى نذروا بي فطرحته] [2] فما أنسى وجبته حين سقط فاشتدوا في أثري فأخذت طريق الصفراء، فرجعوا وانطلق صاحبي فركب بعيري ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر، وأقبلت أمشي حتى أشرفت على ضجنان، فدخلت غارا، فدخل علي رجل من بني الديل، فقال: من الرجل؟ فقلت: من بني بكر، قال:
وأنا من بني بكر، ثم اضطجع معي، ثم رفع عقيرته يتغنى، ويقول:
ولست بمسلم ما دمت حيا ... ولست أدين دين المسلمينا
فقلت: سوف تعلم، فنام فقمت فقتلته شر قتلة، وخرجت فلقيت رجلين من قريش يتحسسان أمر رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: استأسرا، فقالا: أنحن نستأسر لك،
__________
[1] في أ، والطبري: «نحو أربعين ذراعا» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.(3/266)
فرميت أحدهما بسهم فقتلته، ثم قلت للآخر: استأسر، فاستأسر فأوثقته، فقدمت بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وقد شددت إبهامه بوتر قوسي، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ودعا لي بخير
. وفي هذه السنة كانت غزوة الحديبية [1]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم خرج للعمرة في ذي القعدة سنة ست، فاستنفر [رسول الله صلى الله عليه وسلم] [2] أصحابه للخروج معه، فأسرعوا وتهيأوا، وَدَخَلَ [رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2] بيته فاغتسل ولبس ثوبين، وركب راحلته القصواء، وخرج في يوم الاثنين لهلال ذي القعدة، واستخلف على المدينة [عبد الله] بن أم مكتوم، ولم يخرج بسلاح إلا السيوف في القرب، وساق بدنا، وساق أصحابه أيضا بدنا، فصلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بالبدن التي ساق فجللت [3] ثم أشعرها [4] في الشق الأيمن وقلدها وأشعر أصحابه أيضا، وهي سبعون بدنة فيها جمل أبي جهل الذي غنمه يوم بدر ليغيظ المشركين/ بذلك، وأحرم ولبى، وقدم عباد بن بشر أمامه طليعة في عشرين فرسا من خيل المسلمين، وفيهم رجال من المهاجرين والأنصار، وخرج معه [من المسلمين] [5] ألف وستمائة، ويقال: ألف وأربعمائة، ويقال: ألف وخمسمائة وخمسة وعشرون رجلا، وأخرج معه زوجته أم سلمة رضي الله عنها، وبلغ المشركين خروجه فأجمعوا رأيهم على
__________
[1] مغازي الواقدي 2/ 517، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 69، وسيرة ابن هشام 2/ 308، وتاريخ الطبري 2/ 620، والكامل في التاريخ 2/ 86، والاكتفاء 2/ 233، والبداية والنهاية 4/ 164.
والحديبيّة (بضم الحاء وفتح الدال وياء ساكنة وباء موحدة مكسورة وياء، وقد اختلف فيها فمنهم من شدد ومنهم من خفف) : قرية متوسطة ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحتها، وبينها وبين مكة مرحلة، وبينها وبين المدينة تسع مراحل. (معجم البلدان، وشرح الزرقاني على المواهب 2/ 216) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] تجليل الفرس: أن تلبسه الجل، أي الغطاء.
[4] أشعر: ضرب صفحة السنام اليمنى بحديدة فلطخها بدمها إشعارا بأنه هدي (شرح الزرقاني على المواهب 2/ 218) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.(3/267)
صده عن المسجد الحرام، وعسكروا ببلدح وقدموا مائتي فارس إلى كراع الغميم [1] ، وعليهم خَالِد بن الوليد، ويقال: عكرمة بن أبي جهل، ودخل بسر [2] بن سفيان الخزاعي مكة فسمع كلامهم وعرف رأيهم، فَرَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلقيه بغدير الأشطاط من وراء عسفان [3] فأخبره بذلك.
ودنا خالد [بن الوليد في خيله] [4] حتى نظر إلى أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر [رسول الله صلى الله عليه وسلم] [4] عباد بن بشر فتقدم في خيله فأقام بإزائه وصف أصحابه، وحانت صلاة الظهر، وصلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [بأصحابه] [4] صلاة الخوف، وسار حتى دنا من الحديبية- وهي طرف الحرم على تسعة أميال من مكة- فوقفت به [5] راحلته على ثنية تهبط على غائط القوم فبركت. فقال المسلمون: حل حل، يزجرونها، فأبت، فقالوا:
خلأت [6] القصواء، فقال [النبي صلى الله عليه وسلم] [4] : «ما خلأت، ولكن حبسها حابس الفيل، أما والله لا يسألوني اليوم خطة فيها تعظيم حرمة الله إلا أعطيتهم إياها» ، ثم زجرها، فقامت فولى راجعا عوده على بدئه حتى نزل بالناس على ثمد من أثماد الحديبية قليل الماء، فانتزع سهما من كنانته فغرزه فيها فجاشت [7] لهم بالرواء [8] حتى اغترفوا بآنيتهم جلوسا على شفير البئر.
ومطر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحديبية مرارا، وكثرت المياه. وجاءه بديل بن ورقاء وركب معه فسلموا وقالوا: [9] جئناك من عند قومك: كعب بن لؤي، وعامر بن لؤيّ قد استنفروا
__________
[1] كراع الغميم: موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة، وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال.
[2] في الأصل: بشر، والتصحيح من الطبقات، والإصابة 1/ 154.
[3] عسفان: منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة، وقيل: هي بين المسجدين، وهي من مكة على مرحلتين، وقيل غير ذلك.
[4] كل ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[5] في الطبقات: فوقعت يدا.
[6] خلأت: بركت، قال أبو ذر: الخلاء في الإبل بمنزلة الحران في الدواب، وقال بعضهم: لا يقال: لا للناقة خاصة.
[7] جاشت: ارتفعت.
[8] الرواء، بفتح الراء: الكثير.
[9] في ابن سعد: قال بديل.(3/268)
لك الأحابيش ومن أطاعهم، معهم العوذ والمطافيل والنساء والصبيان/ يقسمون باللَّه لا يخلون بينه وبين البيت حتى تبيد خضراؤهم، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لم نأت لقتال أحد، وإنما جئنا لنطوف بهذا البيت، فمن صدنا عنه قتلناه. فرجع بديل فأخبر [بذلك] [1] قريشا، فبعثوا عروة بن مسعود [الثقفي] [2] فكلمه [رسول الله صلى الله عليه وسلم] [2] بنحو ذَلكَ، فأخبر قريشا، فقالوا: نرده عن البيت في عامنا هذا ويرجع من قابل فيدخل مكة ويطوف بالبيت.
وبعث رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى قريش خراش بن أمية ليخبرهم بما جاء له [3] فأرادوا قتله، فمنعه من هناك من قومه، فأرسل عثمان بن عفان، فقال: اذهب إلى قريش فأخبرهم أنا لم نأت لقتال أحد، وإنما جئنا زوارا لهذا البيت معظمين لحرمته، معنا الهدي ننحره وننصرف، فأتاهم وأخبرهم، فقالوا: لا كان هذا أبدا ولا يدخلها العام.
وبلغ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عثمان قد قتل، فذلك حين دعا المسلمين إلى بيعة الرضوان فبايعهم تحت الشجرة وبايع لعثمان فضرب بشماله على يمينه لعثمان، وقال:
إنه ذهب في حاجة الله ورسوله. وجعلت الرسل تختلف بينهم، فأجمعوا على الصلح، فبعثوا سهيل بن عمرو فِي عدة رجالهم فصالحه على ذلك، وكتبوا بينهم:
«وهذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو، واصطلحا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه لا إسلال ولا إغلال وأن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدهم فعل، وأنه من أتى محمدا منهم بغير إذن وليه رده إليه، وأنه من أتى قريشا من أصحاب محمد لم يردوه، وأن محمدا يرجع عنا عامه هذا بأصحابه، ويدخل علينا قابلا في أصحابه فيقيم بها ثلاثا، لا يدخل علينا بسلاح إلا سلاح المسافر السيوف في القرب» .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[3] في الأصل: «ليخبرهم بحاله» .(3/269)
شهد أبو بكر [وعمر بن الخطاب] [1] وعبد الرحمن بن عوف، وابن أبي وقاص وعثمان/ وأبو عبيدة، وابن مسلمة [2] ، وحويطب، ومكرز.
وكتب علي [صدر هذا الكتاب] [3] فكان هذا الكتاب عند النبي صلى الله عليه وسلم، ونسخته عند سهيل بن عمرو.
وخرج أبو جندل بن سهيل من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يرسف في الحديد، فَقَالَ سهيل: هَذَا أول مَا أقاضيك عَلَيْهِ، فرده النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا أبا جندل، قد تم الصلح بيننا فاصبر حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا. ووثبت خزاعة فقالوا: نحن ندخل في عهد محمد وعقده، ووثبت بنو بكر، فقالوا: نحن ندخل في عهد قريش وعقدها، فلما فرغوا من الكتاب انطلق سهيل وأصحابه ونحر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هدية وحلق رأسه، حلقه خراش بن أمية الخزاعي [ونحر أصحابه] [4] ، وحلق عامتهم وقصر الآخرون.
فقال [النبي صلى الله عليه وسلم] «رحم الله المحلقين» ثلاثا. قيل: [يا رسول الله والمقصرين؟
قال:] [5] والمقصرين فأقام صلّى الله عليه وسلّم بالحديبية بضعة وعشرين يوما، وقيل: عشرين ليلة، ثم انصرف صلى الله عليه وسلم، فلما كان بضجنان نزل عليه: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً 48: 1 [6] . فقال: جبريل عليه السلام يهنئك يا رسول الله، وهنأه المسلمون [7] . فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة جاءه أبو بصير [8] ، رجل من قريش وقد أسلم، فبعثوا رجلين في طلبه فرده معهما، فقتل أحدهما في الطريق، وهرب الآخر، فقدم أبو بصير على
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] في الأصل: وأبو عتبة وأبو سلمة.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ، وابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ، وابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[6] سورة: الفتح، الآية: 1.
[7] إلى هنا انتهى النقل من ابن سعد.
[8] هو عتبة بن أسيد، كما في مغازي الواقدي.(3/270)
رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم فقال: وفيت بذمتك يا رسول الله، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «ويل أمه مسعر حرب» [1] ، ففهم أنه سيرده، فذهب إلى ساحل البحر فجلس في طريق قريش، وخرج إليه جماعة ممن كان محبوسا بمكة، منهم: أبو جندل. فصاروا نحوا من سبعين، وكانوا يعترضون أموال قريش [2] ، فأرسلت قريش إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يناشدونه أن يرسل إليهم، فمن أتاه منهم فهو آمن، فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدموا المدينة.
وفي هذه الهدنة [3] : هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط- وكانت قد أسلمت وبايعت بمكة- فخرجت في زمن الهدنة، وهي أول من هاجر من النساء، فخرجت وحدها وصاحبت رجلا من خزاعة حتى قدمت المدينة. فخرج في أثرها أخواها: / الوليد، وعمارة [ابنا عقبة] حتى قدما المدينة، فقالا: يا محمد ف لنا بشرطنا، فقالت أم كلثوم: يا رسول الله، أنا امرأة وحال النساء في الضعف ما قد علمت، فتردني إلى الكفار فيفتنوني عن ديني ولا صبر لي؟ فنقض الله العهد في النساء في صلح الحديبية وأنزل فيهن المحنة وحكم في ذلك بحكم رضوه كلهم، ونزل في أم كلثوم:
فَامْتَحِنُوهُنَّ الله [أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ] 60: 10 [4] . فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وامتحن النساء بعدها، يقول: «والله ما أخرجكن إلا حب الله ورسوله [والإسلام] [5] ، ما خرجتن لزوج ولا مال» فإذا قلن ذلك تركن ولم يرددن إلى أهليهن [6] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أبي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو مُحَمَّد الجوهري، قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه، قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أسامة، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ:
__________
[1] في الطبري، والواقدي: «محشّ حرب» . ومعناها واحد. أي: هيج الحرب، ويقال: حششت النار، وأرثتها، وأذكيتها، وأثقبتها وسعرتها بمعنى واحد، وفي الصحيح: «ويل أمه مسعر حرب» .
[2] في الأصل: «فكانوا يتعرضون بأموال قريش» .
[3] في أ: «وفي هذه السنة» . وراجع هجرة أم كلثوم في ابن هشام 2/ 325.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، والآية رقم: 10 من سورة: الممتحنة.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] سيرة ابن هشام 2/ 325، وطبقات ابن سعد 8/ 167، وتاريخ الطبري 2/ 460.(3/271)
«كنا يوم الحديبيّة ألفا وأربعمائة» [1] .
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ [2] : وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، وَجَابِرٍ فِي الْعَدَدِ. وَقَالَ جَابِرٌ فِي رواية: «كنا ألفا وخمسمائة» . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى: «كُنَّا يومئذ ألفا وثلاثمائة» .
وَفِي إِفْرَادِ مُسْلِمٍ حَدِيثُ ابْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: «قَدِمْتُ الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ أَرْبَعُ عَشْرَةَ مِائَةٍ، وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاةً مَا نَرْوِيهَا، فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جُبَاهَا فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَزَقَ، فَجَاشَتْ، فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا [3] .
أَخْبَرَنَا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا الجوهري، قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سعد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ طَارِقٍ، قَالَ:
انْطَلَقْتُ حَاجًّا فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا الْمَسْجِدُ؟ قَالُوا: هَذِهِ الشَّجَرَةُ حَيْثُ بَايَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيِه وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ/ فِيمَنْ بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ نَسِينَاهَا فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهَا [4] .
قَالَ سَعِيدٌ: إِنْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمُوهَا وَعَلِمْتُمُوهَا أَنْتُمْ، فَأَنْتُمْ أَعْلَمْ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [5] : وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ:
كَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ الشَّجَرَةَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا: شَجَرَةُ الرِّضْوَانِ، فيصلون عندها، فبلغ
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 71.
[2] من هنا ساقط من أ: إلى: «فسقينا واستقينا» وسنشير إلى نهاية السقط.
[3] إلى هنا السقط في أ.
[4] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 72.
[5] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 73.(3/272)
ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَوْعَدَهُمْ فِيهَا، وَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ.
وفي عمرة الحديبية: أصاب كعب بن عجرة الأذى في رأسه، وأمر رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ صاحب هديه واسمه ناجية بما عطب من الهدي أن ينحره، وأن يغمس نعله في دمه.
وفيها: صاد أبو قتادة حمار وحش.
وفيها: مطر النَّاسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أصبح الناس رجلان: مؤمن باللَّه كافر بالكواكب، وكافر باللَّه مؤمن بالكواكب» [1] .
وفيها: هبط قوم ليغتالوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وفِي إفراد مسلم من حديث أنس، قال: لما كان [2] يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون من أهل مكة في السلاح من قبل التنعيم يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عليهم فأخذوا، ونزلت: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ 48: 24 [3] .
[وفي هذه السنة] : ذبح عويم بن أشقر أضحيته قبل أن يغدو، فأمره رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يعيد.
قال أبو الحسن المدائني: ووقع في هذه السنة طاعون، وهو أول طاعون كان] [4] .
وفي هذه السنة [5] : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسل، ستة نفر، فخرجوا مصطحبين
__________
[1] فِي الأصل: «أصبح الناس مؤمن باللَّه وكافر بالكواكب» .
[2] في أ: «قال: أراد قوم يوم الحديبيّة أن يغتالوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه ثمانون» .
[3] سورة: الفتح، الآية: 24.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[5] تاريخ الطبري 2/ 644.(3/273)
فِي ذي الحجة: حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس، ودحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر، وعبد الله بن حذافة إلى كسرى، وعمرو بن أمية إلى النجاشي، وشجاع بن وهب [1] إلى الحارث بن أَبِي شمر الغساني، وسليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي.
وفي هذه السنة اتخذ الخاتم، وذلك أنه قيل له: إن الملوك لا تقرأ كتابا إلا مختوما [فاتخذ الخاتم] [2]
. ذكر ما جرى من هؤلاء الملوك حين/ بعث إليهم [3]
قال مؤلف الكتاب [4] :
أما المقوقس [5] فإنه لما وصل إليه حاطب بن أبي بلتعة أكرمه وأخذ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب في جوابه:
«قد علمت أن نبيا قد بقي، وقد أكرمت رسولك» ، وأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع جوار، منهن مارية أم إبراهيم [ابْن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ] [6] ، وحمارا يقال له: عفير [7] ، وبلغة يقال لها: الدلدل، ولم يسلم.
فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هديته، وقال: «ضن الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه» .
واصطفى مارية لنفسه، وأما الحمار فنفق في منصرفه من حجة الوداع، وأما البغلة فبقيت إلى زمن معاوية.
__________
[1] في الأصل: «مجدع بن وهب» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 16، وتاريخ الطبري 2/ 645، والبداية والنهاية 4/ 255، 268، والكامل 2/ 95.
[4] «قال مؤلف الكتاب» : ساقط من أ.
[5] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 16، 17، وتاريخ الطبري 2/ 645. (6) في الطبري أربعة جوار، وفي ابن سعد: «جاريتان» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] لم يذكر ابن سعد «عفير» .(3/274)
أخبرنا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قَالَ: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: أخبرنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
لما رجع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ بَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِسِ الْقِبْطِيِّ صَاحِبِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَكَتَبَ إليه معه كتابا يدعوه إلى الإسلام، فلما قَرَأَ الْكِتَابَ قَالَ لَهُ خَيْرًا، وَأَخَذَ الْكِتَابَ- وَكَانَ مَخْتُومًا- فَجَعَلَهُ فِي حُقٍّ مِنْ عَاجٍ وَخَتَمَ عَلَيْهِ وَدَفَعَهُ إِلَى جَارِيَةٍ لَهُ، وَكَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابَ كِتَابِهِ وَلَمْ يُسْلِمْ وَأَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ مؤلف الكتاب [1] : إِلا أَنَّ هَذِهِ الْهَدِيَّةَ وَصَلَتْ فِي سَنَةِ سَبْعٍ، وَسَنَذكر هَذَا.
وأما قيصر وهو هرقل ملك الروم [2] فإنه كان قد ظهر على من كان بأرضه من فارس، وأخرجهم منها، وانتزع [له منهم] [3] صليبه الأعظم، وكانوا قد استلبوه إياه، فخرج من حمص يمشي على قدميه شكرا للَّه حين رد عليه ما رد تبسط له البسط، وتلقى عليها الرياحين حتى انتهى إلى إيلياء وقضى فيها صلاته، وأنه أصبح يوما مهموما يقلب طرفه في السماء، فقالت له بطارقته:
لقد أصبحت أيها الملك مهموما، قال: / أجل أريت في هذه الليلة أن ملك الختان ظاهر، قالوا: ما تعلم أمة تختتن إلا يهود، وهم في سلطانك وتحت يدك، فابعث إلى من لك عليه سلطان في بلادك، فمره أن يضرب أعناق من تحت يده من يهود، واسترح من هذا الهم، فبينما هم في ذلك من رأيهم أتاه رسول صاحب بصرى برجل من العرب يقوده، فقال: أيها الملك إن هذا من العرب يحدث عن أمر يحدث ببلاده عجب، قال هرقل لترجمانه: سله ما هذا الحدث الذي كان ببلاده؟ فسأله فقال: خرج من بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبي فاتبعه ناس وخالفه آخرون، وكانت بينهم ملاحم فتركتهم على ذلك،
__________
[1] «قال مؤلف الكتاب ... وسنذكر هذا» : ساقط من أ.
[2] تاريخ الطبري 2/ 646.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري.(3/275)
فقال: جردوه، فجردوه، فإذا هو مختون، فقال هرقل: هذا والله الذي رأيت، أعطوه ثوبه، انطلق عنا ثم دعي صاحب شرطته، فقال: قلب لي الشام ظهرا وبطنا حتى تأتيني برجل من قوم هذا الرجل- يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو سفيان: وكنت قد خرجت في تجارة في زمان الهدنة، فهجم علينا صاحب شرطته، فقال: أنتم قوم هذا الرجل؟ قلنا: نعم فدعانا.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ علي التميمي، قَالَ: أخبرنا أحمد بن جعفر بْنُ حَمْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ [بْنِ مَسْعُودٍ] [1] ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ:
أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلامِ، وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ [2] مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيُّ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى [لِيَدْفَعَهُ] [3] إِلَى قَيْصَرَ، [فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى] [4] ، وَكَانَ قَيْصَرَ لَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَا [5] ، عَلَى الزَّرَابِيِّ [6] تُبْسَطُ لَهُ.
قَالَ [عَبْدُ اللَّهِ] بْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ قَرَأَهُ:
الْتَمِسُوا لِي مِنْ قَوْمِهِ مَنْ/ أَسْأَلُهُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا تُجَّارًا وَذَلِكَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وبين كفار [قريش] [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند (1/ 262) .
[2] في المسند: «وبعث كتابه مع دحية» .
[3] بصرى: مدينة بالشام وهي التي وصل إليها النبي صلّى الله عليه وسلّم للتجارة. وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناه من المسند.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.
[5] إيلياء: مدينة بيت المقدس، وهي كلمة عبرية قيل معناها: بيت الله.
[6] الزرابي جمع زريبة- بفتح الزاي وسكون الراء- وهي الوسادة تبسط للجلوس عليها.
[7] ما بين المعقوفتين: من المسند.(3/276)
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَأَتَى رَسُولُ قَيْصَرَ، فَانْطَلَقَ بِي وَبِأَصْحَابِي، حَتَّى قَدِمْنَا إِيلْيَا، فَأَدْلَجْنَا عَلَيْهِ [1] فَإِذَا هَوُ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ، عَلَيْهِ التَّاجُ، وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذَيِ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ [إِلَيْهِ] [2] نَسَبًا، قَالَ: مَا قَرَابَتُكَ مِنْهُ؟ [قَالَ] [3] : قُلْتُ: هُوَ ابْنُ عَمِّي.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي. [قَالَ:] [4] فَقَالَ قَيْصَرُ: أَدْنُوهُ [مِنِّي] [5] ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَصْحَابِي فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي [عِنْدَ كَتِفِي] [6] ، ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لأَصْحَابِهِ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُم أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ.
قَالَ أبو سفيان: فو الله لولا استحيائي يومئذ يَأْثِرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي، وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثِرُوا عَنِّي الْكَذِبَ، فَصَدَقْتُهُ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ:
قُلْ لَهُ كَيْفَ نَسَبُ هَذَا الرَّجُلِ فِيكُمْ؟ [قَالَ] [7] قَلْتُ: هَوُ فِينَا ذُو نَسَبٍ، قَالَ: فَهَلْ [قَالَ] [8] هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ [قَطُّ] [9] قَبْلَهُ؟ قَالَ: قَلُتْ: لا، قَالَ: [فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا، قَالَ:] [10] فَأَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ:
بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، قَالَ: فَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: [بَلْ] [11] يَزِيدُونَ، قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدَّ أَحَدٌ سَخَطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ [قَالَ:] [12] قُلْتُ:
لا، وَنَحْنُ الآنَ منه في مدة، ونحن نخاف ذلك.
__________
[1] في المسند: «فأدخلنا عليه» .
[2] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[3] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[4] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[5] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[6] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[7] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[8] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[9] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[10] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[11] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[12] ما بين المعقوفتين: من المسند.(3/277)
قَالَ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَنْتَقِصُهُ بِهِ غَيْرَهَا، لا أَخَافُ أَنْ يَأْثِرُوا عَنِّي. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ أَوْ قَاتَلَكُمْ؟ [قَالَ] : [1] قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ كَانَتْ حَرْبُكُمْ وَحَرْبُهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: كَانَتْ دُوَلا سِجَالا نُدَالُ عَلَيْهِ الْمَرَّةَ، وَيُدَالُ عَلَيْنَا الأُخْرَى، قَالَ: فَبِمَ يَأْمُرُكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَيْنَهَانَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاةِ/ وَالصِّدْقِ، وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ.
قَالَ: فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ حِينَ قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ: قُلْ [2] لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ هَذَا الَقْوَلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَطُّ قَبْلَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لا. فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ قُلْتُ: رَجُلٌ يَأْتَمُّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لا، فَقَدْ عَرِفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكْذِب عَلَى اللهَ تَعَالَى، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ مَنْ آبائه ملك قُلْتُ:
رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرَّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ يُخَالِطُ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ لا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ فَعَلَ، وَأَنَّ حَرْبَكَمُ وَحَرْبَهُ يَكُونُ دُوَلا يُدَالُ عَلَيْكُمُ الْمَرَّةَ وَتُدَالُونَ عَلَيْهِ الأُخْرَى، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وَيَكُونُ لَهَا الْعَاقِبَةُ، وَسَأَلْتُكَ بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟
فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [3] وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصِّدْقِ وَالصَّلاةِ، وَالْعَفَافِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَكِنْ لَمْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَإِنْ يَكْنُ مَا قُلْتَ فِيهِ [4] حَقًّا فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَاللَّهِ لَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لُقْيَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِ، فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ ورسوله إلى هرقل عظيم الروم،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[2] في الأصل: حين قلت ذلك قال: قل.
[3] في الأصل: «وحده لا شريك له» .
[4] في الأصل: ما قلته.(3/278)
سلام على من اتبع الهدى أما بعد. فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ الإِسْلامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ/ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إثم الأريسيّين [1]- يعني الأكّارة يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ 3: 64 [2] . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَضَى مَقَالَتَهُ عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُلَمَاءِ الرُّومِ، وَكَثُرَ لَغَطُهُمْ فَلا أَدْرِي مَاذَا قَالُوا. وَأَمَرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَصْتُ قُلْتُ لَهُمْ: أُمِرَ أَمْرُ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ [3] ، هَذَا مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ [4] يَخَافُهُ.
قال أبو سفيان: فو الله مَا زِلْتُ ذَلِيلا مُسْتَيْقِنًا أَنَّ أَمْرَهُ سَيَظْهَرُ، حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَلْبِي الإِسْلامَ وَأَنَا كَارِهٌ [5] .
قال مؤلف الكتاب: وروينا عن الزهري، قال [6] : حدثني أسقف النصارى: أن هرقل قدم عليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعله بين فخذيه وخاصرته. ثم كتب إلى رجل برومية كان يقرأ من العبرانية ما يقرءونه يخبره بما جاء إليه صاحب رومية: إنه للنبي الذي كنا ننتظر، لا شك فيه، فاتبعه وصدقه.
__________
[1] الأريسيون: أي أتباعك من الفلاحين والأجراء.
[2] سورة: آل عمران، الآية: 64.
[3] أمر امر ابن أبي كبشة: أي عظم شأنه، وأراد بذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم. وقد ذكر النووي أن أبا كبشة رجل من خزاعة خالف قريشا في عبادة الأوثان فعبد الشعري فنسبوه إليه للاشتراك في مطلق المخالفة في دينهم.
[4] بنو الأصفر: هم الروم.
[5] أخرجه أحمد بن حنبل في المسند واللفظ له 1/ 262، والبخاري في فضل الجهاد والسير 4/ 54- 57، وفي التفسير سورة آل عمران 6/ 43- 46، ومسلم في الجهاد والسير 5/ 163- 166، وعبد الرزاق في المصنف في المغازي 5/ 344- 347، وأبو داود مختصرا في الأدب 14/ 45، 46، والترمذي في أبواب الاستئذان، والآداب 7/ 500، 501، والطبري في التاريخ 2/ 646، والأصبهاني في الأغاني 6/ 345- 349.
[6] تاريخ الطبري 2/ 649، والأغاني 6/ 348، 349.(3/279)
فأمر ببطارقة الروم، فجمعوا له في دسكرة [1] ، فأشرجت [2] أبوابها [عليهم] [3] ، ثم اطلع عليهم من عَلَيْهِ له، وقد خافهم على نفسه، وقال: يا معشر الروم، إنه قد أتاني هذا الرجل يدعوني إلى دينه، وإنه والله للنبي الذي كنا ننتظره ونجده في كتبنا، فهلموا فلنتبعه فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا.
فنخروا نخرة رجل واحد، ثم ابتدروا أبواب الدسكرة فوجدوها قد أغلقت، فقال:
ردوهم، ثم قَالَ: يا معشر الروم، إنما قلت لكم [ما قلت] [4] لأنظر كيف صلابتكم على دينكم، وقد رأيت منكم الَّذِي أسر به، فوقعوا له سجودا؟ وانطلقوا.
وروى ابن إسحاق عن بعض أهل العلم [5] ، أن هرقل قال لدحية: والله إني لأعلم أن صاحبك نبي مرسل، وإنه الذي كنا ننتظره، ولكني أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لا تبعته، فاذهب إلى فلان الأسقف فاذكر له أمر صاحبك، فهو والله أعظم في الروم/ مني.
فجاءه دحية، فأخبره، فقال له: صاحبك والله نبي مرسل نعرفه. ثم دخل فألقى ثيابا سودا كانت عليه، ولبس ثيابا بيضاء، ثم خرج، فقال: قد جاءنا كتاب من أحمد يدعونا فيه إلى اللَّه عز وجل، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن أحمد عبده ورسوله.
فوثبوا عليه [وثبة رجل واحد] [6] ، فضربوه حتى قتلوه. فرجع دحية فأخبر هرقل، فقال: قد قلت ذَلكَ، إنا نخافهم على أنفسنا.
وذكر ابن إسحاق، عن خالد بن يسار [7] ، عن رجل من قدماء أهل الروم [8] ، قال: لما أراد هرقل الخروج من أرض الشام إلى القسطنطينية، لما بلغه من أمر رسول
__________
[1] الدسكرة: القرية، والصومعة، والأرض المستوية، وبيوت الأعاجم والملاهي، وبناء بالقصر حوله بيوت، وهو المراد هنا.
[2] أشرجت: سدت. وفي الأصل: «واسترخت» .
[3] ، (4) ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] تاريخ الطبري 2/ 650.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، تاريخ الطبري.
[7] في الأصول: «خالد بن سنان» والتصحيح من الطبري.
[8] في الطبري: «من قدماء أهل الشام» .(3/280)
اللَّه صلى الله عليه وسلم جمع الروم، وقال: إني عارض عليكم أمورا، فانظروا [فيم قد أردتها] [1] قالوا: وما هي؟ قَالَ: تعلمون والله أن هذا الرجل لنبي مرسل نجده في كتبنا ونعرفه بصفته، فهلم نتبعه. فقَالُوا: نكون تحت أيدي العرب، قال: فأعطيه الجزية كل سنة، اكسروا عني شوكته وأستريح من حربه، قالوا: نعطي العرب الذل والصغار، لا والله، قال: فأعطيه أرض سورية- وهي فلسطين، والأردن، ودمشق، وحمص، وما دون الدرب- قالوا: لا نفعل، قال: أما والله لترون أنكم قد ظفرتم إذا امتنعتم منه في مدينتكم. ثم جلس على بغل له، [فانطلق] [2] حتى إذا أشرف على الدرب استقبل أرض الشام، فقال: السلام عليك أرض سورية سلام الوداع، ثم ركض يطلب القسطنطينية.
وأما كسرى فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث إليه بكتاب مع عبد الله بن حذافة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، [قَالَ: أخبرنا أحمد بن جَعْفَرٍ] [3] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حدثني أبي، قال: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ حَدَّثَنِي صَالِحُ [بْنُ كَيْسَانَ] ، [4] وَابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الله/ بن حُذَافَةَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى، [فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى] [5] ، فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى خَرَّقَهُ [6] . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَحَسِبْتُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بِأَنْ] يُمَزَّقُوا كُلَّ ممزق [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: في هامش الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والمسند.
[6] هكذا في جميع الأصول المخطوطة، وفي المسند: «مرقة» .
[7] الخبر أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 1/ 243، والبخاري بنحوه في المغازي 6/ 10، وفي الجهاد 4/ 54. وقد ورد في الأصل: فمزّقوا كل ممزق.(3/281)
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ الأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ فُهَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ فَارِسٍ الْغُورِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي قُبَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَّمَدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الله بْنَ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسٍ إِلَى كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ مَلِكِ فَارِسٍ، وَكَتَبَ:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم، من محمد رسول الله إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسٍ، سَلامُ اللَّهِ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى وَآَمَنَ باللَّه وَرَسُولِهِ، وَشَهِدَ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنِّي أنا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً لأُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيِحِقُّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ، فَأَسْلِم تَسْلَمْ، فَإِنْ أَبَيْتَ، فَإِنَّ إِثْمَ الْمَجُوسِ عَلَيْكَ» .
فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَقَّقَهُ [1] ، وَقَالَ: يَكْتُبُ إِلَيَّ بِهَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ عَبْدِي. فَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مُزِّقَ مُلْكُهُ» حِينَ بَلَغَهُ أَنَّهُ شَقَّقَ كِتَابَهُ [2] .
ثُمَّ كَتَبَ كِسْرَى إِلَى بَاذَانَ، وَهُوَ عَلَى الْيَمَنِ، أَنِ ابْعَثْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بِالْحِجَازِ رَجُلَيْنِ مِنْ عِنْدِكَ جَلْدَيْنِ، فَلْيَأْتِيَانِي بِهِ، فَبَعَثَ بَاذَانُ قَهْرَمَانَهُ، وَهُوَ ابْنُ بَابَوَيْهِ- وَكَانَ كَاتِبًا حَاسِبًا- وَبَعَثَ معه بِرَجُلٍ مِنَ الْفُرْسِ يُقَالَ لَهُ: خَرَخْسَرَه، وَكَتَبَ مَعُهَما إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مَعَهُمَا إِلَى كِسْرَى، وَقَالَ لِبَابَوَيْهِ: وَيْلَكَ انْظُرْ مَا الرَّجُلُ؟ وَكَلِّمْهُ وَاتِنِي بِخَبَرِهِ، فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا الطَّائِفَ، فَسَأَلا عَنْهُ، فَقَالُوا هُوَ بِالْمَدِينَةِ/ وَاسْتَبْشَرُوا، وَقَالُوا: قَدْ نَصَبَ [3] لَهُ كِسْرَى مَلِكُ الْمُلُوكِ، كَفَيْتُمُ الرَّجُلَ، فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ بَابَوَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّ شَاهَانْشَاهَ مَلِكَ الْمُلُوكِ كِسْرَى قَدْ كَتَبَ إِلَى الْمَلِكِ بَاذَانَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْكَ بِأَمْرِهِ أَنْ يَأْتِيَهُ بِكَ، وَقَدْ بَعَثَنِي إِلَيْكَ لتنطلق معي، فإن
__________
[1] في الطبري: «شقة» .
[2] في الطبري: «شق الكتاب» .
[3] نصب: جد واهتم.(3/282)
فَعَلْتَ كُتِبَ فِيكَ إِلَى مَلِكِ الْمُلُوكِ بِِكِتَابٍ يَنْفَعُكَ وَيُكُفُّ عَنْكَ بِهِ، وَإِنْ أَبَيْتَ فَهُوَ مَنْ قَدْ عَلِمْتَ، فَهُوَ مُهْلِكُكَ وَمُهْلِكُ قَوْمِكَ، وَمُخْرِبُ دِيَارِكَ. وَكَانَا قَدْ دَخَلا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ حَلَقَا لِحَاهُمَا وَأَعْفَيَا شَوَارِبَهُمَا، فَكَرِهَ النَّظَرَ إِلَيْهِمَا، وَقَالَ: «وَيْلَكُمَا، مَنْ أَمَرَكُمَا بِهَذَا؟» قَالا: أَمَرَنَا بِهَذَا رَبُّنَا- يَعْنِيَانِ كِسْرَى- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ِصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَكِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي بِإِعْفَاءِ لِحْيَتِي وَقَصِّ شَارِبِي» . ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: «ارْجِعَا حَتَّى تَأْتِيَانِي غَدًا» . وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ [مِنَ السَّمَاءِ] [1] : أَنَّ اللَّهَ قَدْ سَلَّطَ عَلَى كِسْرَى ابْنَهُ شِيرَوَيْهِ، فَقَتَلَهُ فِي شَهْرِ كَذَا وَكَذَا مِنْ لَيْلَةِ كَذَا وَكَذَا مِنَ اللَّيْلِ.
فَلَمَّا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمَا: «إِنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ رَبَّكُمَا لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا وَكَذَا بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ، سَلَّطَ عَلَيْهِ ابْنَهُ شِيرَوَيْهِ فَقَتَلَهُ، فَقَالا: هَلْ تَدْرِي مَا تَقُوِلُ، إِنَّا قَدْ نَقَمْنَا مِنْكَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ هَذَا، أَفَنَكْتُبُ بِهَا عَنْكَ، وَنُخْبِرُ الْمَلِكَ. قَالَ:
نَعَمْ أَخْبِرَاهُ ذَلِكَ عَنِّي، وَقُولا لَهُ: إِنَّ دِينِي وَسُلْطَانِي سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى، وَيَنْتَهِي إِلَى مُنْتَهَى الْخُفِّ وَالْحَافِرِ، قُولا لَهُ: إِنَّكَ إِنْ أَسْلَمْتَ أَعْطَيْتُكَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ وَمَلَّكْتُكَ عَلَى قَوْمِكَ مِنَ الأَبْنَاءِ، ثم أعطى خرّ خسره مِنْطَقَةً فِيهَا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ كَانَ أَهْدَاهَا لَهُ بَعْضُ الْمُلُوكِ. فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى قَدِمَا عَلَى بَاذَانَ، فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا هَذَا بِكَلامِ مَلِكٍ وَإِنِّي لأَرَى الرَّجُلَ نَبِيًّا/ كَمَا يَقُولُ وَلْتَنْظُرَنَّ مَا قَدْ قَالَ وَلَئِنْ كَانَ مَا قَدْ قَالَ حَقًّا مَا فِيهِ كَلامٌ إِنَّهُ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَسَنَرَى فِيهِ رَأْيَنَا. فَلَمْ يَلْبَثْ بَاذَانُ أَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ كِتَابُ شِيرَوَيْهِ:
«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ أَبِي كِسْرَى، وَلَمْ أَقْتُلْهُ إِلا غَضَبًا لًفاَرسً لِمَا كَانَ اسْتَحَلَّ مِنْ قَتْلِ أَشْرَافِهِمْ وَتَجْمِيرِهِمْ فِي ثُغُورِهِمْ [2] ، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَخُذْ لِي الطَّاعَةَ مِمَّنْ قِبَلَكَ، وَانْظُرِ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ كِسْرَى كَتَبَ إِلَيْكَ فِيهِ فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه.
فلما انْتَهَى كِتَابُ شِيرَوَيْهِ إِلَى بَاذَانَ، قَالَ: إِنَّ هذا الرجل لرسول الله، فأسلم الأبناء من فارس من كان منهم باليمن [3]
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: وتجهيزهم في بعوثهم وما أوردناه من الطبري.
[3] تاريخ الطبري 2/ 654.(3/283)
قَالَ الْقُرَشِيُّ: وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنِ الْمَقْبَرِيِّ، قَالَ:
جَاءَ فَيْرُوزُ الدَّيْلَمِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ كِسْرَى كَتَبَ إِلَى بَاذَانَ: بَلَغَنِي أَنَّ فِي أَرْضِكَ رَجُلا نَبِيًّا فَارْبُطْهُ وَابْعَثْهُ إِلَيَّ، فَقَالَ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ عَلَى رَبِّكَ فَقَتَلَهُ وَدَمُهُ يَثْخِنُ السَّاعَةَ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَسَمِعَ الْخَبَرَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلامُهُ.
قال علماء السير [1] : كان أبرويز قد جمع من الأموال ما لم يجمعه أحد، ومن الجواهر والأمتعة والكراع، وافتتح من بلاد أعدائه، وبلغت خيله القسطنطينية وإفريقية، وكان شديد الفطنة، قوي الذكاء، بعث الإصبهبذ مرة إلى الروم فأخذ خزائن الروم وبعثها إلى كسرى، فخاف كسرى أن يتغير عليه الإصبهبذ لما قد نال من الظفر، فبعث من يقتله، فجاء إِلَيْهِ الرجل، فرأى من عقله وتدبيره، فقال: مثل هذا لا يقتل، فأخبره بما جاء لأجله، فبعث إلى قيصر: إني أريد أن ألقاك.
فالتقيا فقال له: إن الخبيث قد هم بقتلي، وإني أريد إهلاكه، فاجعل لي من نفسك ما أطمأن إِلَيْهِ، وأعطيك من بيوت أمواله مثل ما أصبت منك. فأعطاه المواثيق.
فسار قيصر في أربعين ألفا فنزل بكسرى، / فعلم كسرى كيف جرت الحال، فدعا قسا نصرانيا، فقال: إني كاتب معك كتابا لطيفا لتبلغه إلى الإصبهبذ ولا تطلعن على ذلك أحدا، فأعطاه ألف دينار، وقد علم كسرى أن القس يوصل كتابه إلى قيصر لأنه لا يحب هلاك الروم، وكان في الكتاب: إن الله قد أمكن منهم بتدبيرك فلا عدمت صواب الرأي، وأنا ممهل قيصر حتى يقرب من المدائن، ثم أغافصه في يوم كذا فأغير على من قبلك فإنه استئصالهم، فخرج القس بالكتاب فأوصله إلى قيصر، فقال قيصر:
ما أراد إلا هلاكنا. فانهزم واتبعه كسرى فنجى في شرذمة، وبلغ من فطنة كسرى أن منجميه قالوا: إنك ستقتل، فقال: لا قتلن من يقتلني [2] .
فلما بعث ابنه إليه ليقتله قال للرجل: إني أدلك على شيء فيه غناك الصندوق
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 215.
[2] في أ: «لأقتلن قاتلي» .(3/284)
الفلاني. فذهب إلى شيرويه فأخبره، فأخرج الصندوق وفيه حق وفي الحق حب، وهناك مكتوب: من أخذ منه حبة افتض عشرة أبكار، فأخذه شيرويه وأعطى الرجل مالا، ثم أخذ منه حبة، فكان فيها هلاكه.
فكان كسرى أول ميت أخذ بثأره من حي.
قالوا: كان كسرى يشتي بالمدائن، ويصيف ما بينها وبين همذان، وكانت له اثنا عشر ألف امْرَأَة وجارية.
وقال بعض العلماء: كان في قصره ثلاثة آلاف امرأة يطؤهن، وألوف جواري [اتخذهن] للخدمة والغناء، وثلاثة آلاف رجل يقومون بخدمته، وثمانية آلاف وخمسمائة دابة لمراكبه، واثني عشر ألف بغلا لثقله، وكان له خمسون ألف دابة، وألف فيل إلا واحدا.
وبعضهم يقول: سبعمائة وستون فيلا، وبنى بيوت النيران، وأقام فيها اثني عشر ألف موبذ للزمزمة، وأحصي ما جبي من خراج بلاده وغير ذلك من المال المرتفع في سنة ثمان عشرة من ملكه، فكان/ أربعمائة ألف ألف مثقال وعشرين ألف ألف مثقال من الورق.
ثم حسد الناس على ما في أيديهم من المال وولي جباية الخراج من يظلم، واحتقر الأشراف، وأمر بقتل من في السجون وكانوا ستة وثلاثين ألفا، فتعلل المأمور وذهب الناس من العظماء إلى بابل وفيه شيرويه ابنه فأقبلوا به فلزموه ودخلوا به المدائن ليلا، فأطلق الأشراف، ودخل دار المملكة، واجتمع إليه الوجوه فملكوه، وأرسل إلى أبيه يقرعه بما كان منه.
واسم شيرويه [1] قباذ بن أبرويز، فلما ملك وحبس أباه دخل عليه عظماء الفرس، فقالوا له: إنه لا يستقيم أن يكون لنا ملكان، فإما أن تقتل كسرى ونحن راجعون لك [2] بالطاعة، وإما أن نخلعك ونعطيه الطاعة على ما كنا عليه، فكسرته هذه المعادلة، وأمر
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 218.
[2] في الطبري: «الباخعون لك» .(3/285)
بتحويل كسرى من دار المملكة إلى دار رجل يقال له مارسفند، فحمل كسرى على برذون، وقنع رأسه، وسير به إلى تلك الدار ومعه ناس من الجند، فمروا به على إسكاف [جالس] [1] في حانوت عَلَى الطريق، فعرفه فحذفه بقالب، فعطف إليه رجل من الجند فضرب عنقه.
وقال شيرويه لرجل [2] : انطلق إلى الملك أبينا فقل له: إنا لم نكن للبلية التي أصبحت فيها ولا أحد من رعيتنا سببا، ولكن الله قضاها عليك جزاء لسيئ عملك وفتكك بأبيك هرمز، وإزالتك الملك عنه، وسملك عينيه، وقتلك إياه شر قتلة، ومنها سوء صنيعك إلى أبنائك، ولقد حظرت علينا مجالسة الأخيار، وكل من لنا فيه دعة وغبطة. ومنها إساءتك إلى أهل السجون فلقوا الشدائد، ومنها حبسك النساء لنفسك مكرهات مع ترك العطف عليهن، ومنها ما انتهكت من رعيتك في أمر الخراج وجمعك الأموال من وجوه المضار، وعدد عَلَيْهِ من هذا الفن، ثم قال: فإن كانت لك حجة فاذكرها، وإلا فتب إلى الله تعالى حتى نأمر فيك بأمرنا.
فمضى الرجل، فاستأذن عليه/ الحاجب، فقال كسرى: إن كان له إذن فليس لشيرويه ملك، وإن كَانَ لشيرويه ملك فلا إذن لنا معه. فدخل الرجل فبلغ الرسالة، وكانت بيد أبرويز سفرجلة فتدحرجت وتلوثت بالتراب، فقال كسرى: الأمر إذا أدبر فاتت الحيلة في إقباله، وإذا أقبل أعيت الحيلة في إدباره، فإن هذه السفر جلة سقطت من علو ثم لم تلبث أن تلطخت بالتراب، وفي ذلك دليل على سلب الملك، فإنه لا يلبث في أيدي عقبنا حتى يصير إلى من ليس من أهل المملكة.
فلما سمع الرسالة، قال: بلغ عني شيرويه القصير العمر أنه لا ينبغي [لذي عقل أن يبث من أحد الصغير من الذنب، ولا اليسير من السيئة] [3] إلا بعد تحقق ذلك عنده، ثم أخذ يعتذر عن ما نسب إليه.
فعاد بالجواب، فعاد عظماء الفرس تقول: لا يستقيم لنا ملكان، فأمر شيرويه بقتل
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في أ: «فقال شيرويه لبعض أصحابه» .
[3] في الأصل: «لا ينبغي أن يذكر أحد لأحد سيئة» .(3/286)
كسرى، فانتدب لقتله رجال كان وترهم كسرى، فلما دخلوا عليه شتمهم فلم يقدموا على قتله، فتقدم منهم شاب كان كسرى قد قطع يد أبيه، فضربه بطبرزين على عاتقه فلم يحك فيه، ففتش كسرى، فإذا به قد شد على عضده خرزة لا يحبك السيف في من علقت عليه، فنحيت عنه، ثم ضربه أخرى فهلك.
وبلغ شيرويه فخرق جيبه وبكى منتحبا، وأمر بحمل جثته إلى الناووس، وشيعها العظماء، وأمر بقتل قاتل كسرى.
وكان ملك كسرى ثمانيا وثلاثين سنة، وخلف في بيت المال يوم قتل من الورق أربعمائة ألف بدرة، سوى الكنوز والذخائر والجواهر وآلات الملوك، فلما ملك شيرويه لم يتمتع بشيء من اللذات، بل جزع وبكى وعاش مهموما حزينا، ثم مات بعد ثمانية أشهر، ويقال: ستة أشهر.
أنبأنا مُحَمَّد بْن ناصر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن الْحَسَن بْن خيرون، قال: أخبرنا الحسن بن الحسين بن دوما، قال: أخبرنا جدي لأبي إسحاق بن محمد الثعالبي، قال:
أخبرنا عبد الله بن إِسْحَاق المدائني، قال: أخبرنا/ قعنب بن المحور قال أخبرنا بكار، قال حدثنا عوف، عن غالب بْن عجرد، قال:
وجدنا صرة من حنطة في كنوز كسرى بن هرمز بن زياد، فإذا كل حبة مثل النواة، ووجدنا فيها كتابا: هذا ما كانت تنبت الأرض حين كان يعمل فيها بالصلاح زمن سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام.
وأما النجاشي فقال ابن إسحاق [1] : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي في شأن جعفر بن أَبِي طالب وأصحابه، وكتب معه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى النجاشي ملك الحبشة، فإني أحمد إليك اللَّه الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 652. الكامل 2/ 96.(3/287)
مريم روح الله وكلمته، ألقاها إلى مريم البتول الطيبة، فحملت بعيسى، وإني أدعوك إلى اللَّه وحده لا شريك له، [والموالاة على طاعته] [1] ، وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول اللَّه، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفرا ومعه نفر من المسلمين، والسلام على من اتبع الهدى» .
فكتب النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمد رسول الله، من النجاشي، سلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته الذي لا إله إلا هو الذي هداني إلى الإسلام.
أما بعد، فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى عليه السلام، فو ربّ السماء والأرض إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت ثفروقا [2] ، إنه كما قلت، وقد عرفنا ما بعثت بِهِ إلينا، وقد قرينا [3] ابن عمك وأصحابه، وأشهد أنك رسول الله، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه للَّه رب العالمين، وقد بعثت إليك يا نبي الله فإن شئت أن آتيك يا رسول الله فعلت، وإني أشهد أن ما تقول حق، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
قال ابن إسحاق: وذكر أنه بعث ابنه في ستين من الحبشة في سفينة حتى إذا توسطوا البحر غرقتهم سفينتهم فهلكوا.
وقال الواقدي عن أشياخه [4] : إن أول/ [رسول] [5] بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن أمية إلى النجاشي، وكتب إليه كتابين يدعوه في أحدهما إلى الإسلام، ويتلو عليه القرآن، فأخذ كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فوضعه على عينيه، ونزل عن سريره وجلس على الأرض متواضعا ثم أسلم وشهد شهادة الحق، وقال: لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته، وكتب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بإجابته وتصديقه وإسلامه على يدي جعفر بن أبي طالب.
وفي الكتاب الآخر [يأمره] أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، وكانت
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[2] يقال: ما له ثفروق، أي شيء، وأصله قمع التمر، أو ما يلتزق به قمعها.
[3] في الأصل: «وقدم» والتصحيح من الطبري.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 15، 16.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، والإضافة من ابن سعد.(3/288)
قد هاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش الأسدي، فتنصر هناك ومات، وأمره صلى الله عليه وسلم في الكتاب أن يبعث لمن قبله من أصحابه وعلمهم، ففعل ذلك.
قال مؤلف الكتاب: وهذه الأخبار دالة على أن النجاشي هو الذي كانت الهجرة إلى أرضه.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ الْحَسَنِ، قال: أخبرنا عبد الغفار بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَد الْجَلْوَدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، قال: حدّثنا مسلم بْنُ الْحَجَّاجِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ، وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَتَبَ إِلَى آَخَرٍ مِنْ مُلُوكِ الْحَبَشَةِ بَعْدَ أَنْ كَتَبَ إِلَى ذَاكَ.
وأما الحارث بن أبي شمر الغساني فروى الواقدي عن أشياخه [1] ، قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أَبِي شمر الغساني يدعوه إلى الإسلام، وكتب معه كتابا، قال شجاع: فأتيت إليه وهو بغوطة دمشق، وهو مشغول بتهيئة الإنزال والإلطاف لقيصر، وهو جاء من حمص إلى إيلياء، فأقمت/ على بابه يومين أو ثلاثة، فقلت [لحاجبه] [2] : إني رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [إليه] ، فقال [3] : لا تصل إليه حيث يخرج يوم كذا وكذا، وجعل حاجبه- وكان روميا- يسألني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدعو إليه، فكنت أحدثه عن صفة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يدعو إليه، فيرق حتى يغلبه البكاء، ويقول: إني قرأت الإنجيل فأجد صفة هذا النبي بعينه، فأنا أومن به وأصدقه، وأخاف من الحارث أن يقتلني، وكان يكرمني ويحسن ضيافتي. وخرج الحارث يوما فجلس ووضع التاج على رأسه، فأذن لي،
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 17.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «فقالوا» .(3/289)
فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأه ثم رمى به، وقال: من ينتزع مني ملكي، أنا سائر إِلَيْهِ ولو كان باليمن جئته. علي بالناس. فلم يزل يعرض حتى قام، وأمر بالخيول تنعل، ثم قَالَ: أخبر صاحبك ما ترى.
وكتب إلى قيصر يخبره خبري وما عزم عليه، فكتب إليه قيصر ألا تسير إليه وأله عنه ووافني بإيلياء، فلما جاءه جواب كتابه دعاني فقال: متى تريد أن تخرج إلى صاحبك؟ فقلت: غدا، فأمر لي بمائة مثقال ذهب، ووصلني حاجبه بنفقة وكسوة، وقال: أقرئ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته فقال: «باد ملكه» . ومات الحارث بن أبي شمر عام الفتح.
وأما هوذة بن علي الحنفي قال مؤلف الكتاب: كان من الملوك العقلاء، إلا أن التوفيق عزيز، دخل على كسرى أبرويز، فقال له: أي أولادك أحب إليك، قال: الصغير حتى يكبر، والغائب حتى يقدم، والمريض حتى يبرأ، فقال: ما غذاؤك؟ قال: الخبز، فقال كسرى: هذا عقل الخبز لا عقل اللبن والتمر. وكان من يأكل الخبز عندهم ممدوحا.
وروى الواقدي عن أشياخه، قال [1] : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي يدعوه إلى الإسلام، وكتب معه كتابا فقدم عليه فأنزله وحباه، وقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، [وكتب إليه] وقال: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، وأنا شاعر قومي/ وخطيبهم، والعرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر أتبعك، وأجاز سليط بن عمرو جائزة، وكساه أثوابا من نسج هجر، فقدم بذلك كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره عنه بما كان وما قال، وقرأ كتابه، وقال: «لو سألني سيابة من الأرض ما فعلت، باد وباد ما في يديه» . فلما انصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح جاءه جبريل عليه السلام، وأخبره أنه قد مات.
وفي هذه السنة: أهدى ابن أخي عيينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة يقال لها «السمراء» ،
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 18.(3/290)
فأثابه ثلاثا، فسخط وقال: «لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشي، أو ثقفي، أو دوسي» . وفي هذه السنة: أجدبت الأرض فاستسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس في رمضان.
وفيها: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الإبل، فسبقت القصواء، وسبق بالخيل فسبق فرس أبي بكر.
وفيها: استجار أبو العاص بن الربيع بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجارته.
قال مؤلف الكتاب: وردها إليه على ما أشرنا إليه في ذكر غزوة بدر، وقد ذكرنا فيما تقدم أنه استجار بها، فلعله أشير إلى هذه الحالة.
وفيها: جاءت خولة بنت ثعلبة، وكان زوجها أوس بن الصامت، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه ظاهر منها.
وفيها: تزوج عمر بن الخطاب رضي الله عنه جميلة بنت ثابت، فولدت له عاصما، وطلقها عمر.
وفيها: وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمواله بثمغ
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
99- أم رومان بنت عامر بن عويمر [1] :
تزوجها الحارث بن سخبرة، فولدت له الطفيل ثم مات فتزوجها أبو بكر، وأسلمت بمكة قديما، وبايعت. وولدت لأبي بكر/ رضي الله عنه: عبد الرحمن، وعائشة، وهاجرت إلى المدينة، وكانت صالحة، وتوفيت في ذي الحجة من هذه السنة.
أَنْبَأَنَا أَبُو بكر بن عبد الباقي، قَالَ: أنبأنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 202.(3/291)
عَمْرو بْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ [1] : لَمَّا دُلِّيَتْ أُمُّ رُومَانَ فِي قَبْرِهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى امْرَأَةٍ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى أُمِّ رُومَانَ» ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهَا.
100- عتبة بن أسيد بن جابر، أبو بصير:
وكان حليفا لبني زهرة، أسلم بمكة قديما فحبسه المشركون عن الهجرة، وذلك قبل عام الحديبية، فلما نزل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الحديبية، وقاضى قريشا على ما قاضاهم عليه وقدم المدينة أفلت أبو بصير من قومه فسار على قدميه سعيا حَتَّى أتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فكتب الأخنس بن شريق، وأزهر بن عبد عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فيه أن يرده إليهم على ما اصطلحوا عليه، وبعثاه مع خنيس بن جابر، فخرج خنيس ومعه مولاه كوثر فدفعه إليهما فخرجا به، فلما كانا بذي الحليفة عدى أبو بصير على خنيس فقتله، [وهرب كوثر حتى قدم المدينة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فرجع أبو بصير] [2] فقال: وفت ذمتك يا رسول اللَّه، دفعتني إليهم فخشيت أن يفتنوني عن ديني فامتنعت، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكوثر: «خذه فاذهب به» فقال: إني أخاف أن يقتلني، فتركه ورجع إلى مكة، فأخبر قريشا بما كان. وخرج أبو بصير إلى العيص فنزل ناحية على طريق قريش إلى الشام، فجعل من بمكة من المحتبسين يتسللون إلى أبي بصير، فاجتمع عنده منهم قريب من سبعين، فجعلوا لا يظفرون بأحد من قريش إلا قتلوه، ولا بعير لهم إلا اقتطعوها/ فكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم ألا أدخل أبا بصير وأصحابه إليه فلا حاجة لنا بهم، فكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بصير أن يقدم عليه مع أصحابه، فجاءه الكتاب وهو يموت، فجعل يقرأه ويقبله ويضعه على عينيه، فمات وهو في يديه، فغسله أصحابه وصلوا عليه ودفنوه هناك وبنوا عند قبره مسجدا، ثم قدموا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فأخبروه فترحم عليه.
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 7/ 202.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.(3/292)
ثم دخلت سنة سبع من الهجرة
فمن الحوادث فيها: غزوة خيبر [1]
في جمادى الأولى، وخيبر على ثمانية برد من المدينة. وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم أمر بالتهيؤ لغزوة خيبر، [وخرج] [2] واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة، وأخرج معه أم سلمة زوجته، فلما نزل بساحتهم أصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم، وغدوا إلى أعمالهم معهم المساحي [والكرازين] والمكاتل، فلما نظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد والخميس-[يعنون بالخميس الجيش] [3]- فولوا هاربين إلى حصونهم، وجعل رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ 37: 177» . ووعظ الناس وفرق عليهم الرايات [4] ، ولم تكن الرايات إلا يوم خيبر إنما كانت الألوية، فكانت راية النبي صلى الله عليه وسلم السوداء من بحرد لعائشة رضي الله عنها تدعى العقاب، ولواؤه أبيض ودفعه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة، وكان شعارهم: «يا منصور أمت» .
وكان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائتا فرس، فقاتل المشركين وقاتلوه أشد قتال، وقتلوا من أصحابه، وقتل منهم، وفتحها حصنا حصنا، وهي حصون ذوات/ عدد، منها: النطاة،
__________
[1] مغازي الواقدي 2/ 633، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 77، تاريخ الطبري 3/ 9، الكامل 2/ 99، والبداية والنهاية 4/ 181، والاكتفاء 2/ 251، وسيرة ابن هشام 2/ 328.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[4] في طبقات ابن سعد 2/ 1/ 77: «وفرق فيهم الرايات» .(3/293)
ومنها حصن الصعب بن معاذ، وحصن ناعم، وحصن قلعة الزبير، والشق [وبه] [1] حصون، منها: حصن أبي، وحصن النزار، وحصون الكتيبة، منها: القموص والوطيح وسلالم، وهو حصن ابن أبي الحقيق، وأخذ كنز آل أبي الحقيق- وكانوا قد غيبوه في خربة- فدله الله عليه فاستخرجه وقتل منهم ثلاثة وتسعين رجلا من يهود، منهم:
الحارث أبو زينب، ومرحب، وأسير، وياسر، وعامر، وكنانة بْن أبي الحقيق، وأخوه.
واستشهد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر أبو ضياح بن النعمان في خمسة عشر رجلا، وأمر بالغنائم فجمعت واستعمل عليها فروة بن عمر البياضي، ثم أمر [بذلك] [2] فجزئ خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها للَّه، وأمر ببيع الأربعة أخماس في من يزيد، فباعها فروة وقسم ذلك بين أصحابه. وكان الذي ولي إحصاء الناس زيد بن ثابت فأحصاهم ألفا وأربعمائة، والخيل مائتي فرس، وقدم الدوسيون فيهم أبو هريرة، وقدم الأشعريون ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، [فلحقوه بها] [3] ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه [4] أن يشركوهم في الغنيمة ففعلوا، وقدم جعفر بن أبي طالب وأهل السفينتين من عند النجاشي بعد فتح خيبر، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما أدري بأيهما أسر: بقدوم جعفر، أو بفتح خيبر» ؟ وكانت صفية بنت حيي ممن سبى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر فأعتقها وتزوجها.
قال ابن عمر: قاتلهم حتى ألجأهم إلى قصرهم وغلبهم على الأرض والنخل، فصالحهم على أن تحقن دماءهم ولهم ما حملت ركابهم، وللنبي صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والسلاح ويخرجهم، وشرطوا للنبي صلى الله عليه وسلم أن لا يكتموه شيئا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد، فلما وجد المال الَّذِي غيبوه في مسك/ الجمل سبى نساءهم، وغلبهم على الأرض والنخل ودفعها إليهم على الشطر، فكان ابن رواحة يخرصها عليهم ويضمنهم الشطر.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[4] في الأصل: فيكلم أصحابه.(3/294)
عَمْرو بْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مَعْرُوفٍ الْخَشَّابُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أسامة، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بن الأكوع، قال: أخبرني أبي، قال: بارز عَمِّي يَوْمَ خَيْبَرَ مَرْحَبَ الْيَهُودِيَّ، فَقَالَ مَرْحَبُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبٌ ... شَاكِي السِّلاحِ [1] بَطَلٌ مُجَرَّبٌ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تُلْهِبُ
[2] فَقَالَ عَمِّي:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرٌ ... شَاكِ السِّلاحَ بَطَلٌ مُغَاوِرٌ
فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تِرْسِ عَامِرٍ، وَذَهَبَ عَامِرٌ يُسْفِلُ لَهُ، فَوَقَعَ السَّيْفُ عَلَى سَاقِهِ فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ فَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ، فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَطُلَ عَمَلُ عَامِرٍ قَتَلَ نَفْسَهُ. قَالَ سَلَمَةُ: فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم [أَبْكِي] [3] ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبَطُلَ عَمَلُ عَامِرٍ؟ قَالَ: «وَمَنْ قَالَ ذَاكَ» ، قُلْتُ: نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِكَ، قَالَ: «كَذِبَ مَنْ قَالَ ذَاكَ، بل له أَجْرُهِ [ُمَرَّتَيْنِ] [4] » ، إِنَّهُ حِينَ خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ جَعَلَ يَرْتَجِزُ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [وَفِيهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [5] يَسُوقُ الرِّكَابَ وَهُوَ يَقُولُ:
تاللَّه لَوْلا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا
وَالْكَافِرُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا ... فَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا
وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
[6] فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ «من هَذَا» ؟ قَالُوا: عَامِرٌ، قَالَ: «غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ» ، قال: وما
__________
[1] شاكي السلاح: حاده.
[2] في الطبري، وابن هشام: «إذا الليوث أقبلت تحرب» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ذكر الطبري، وابن هشام والزرقاني هذا الرجز باختلاف يسير في الألفاظ.(3/295)
اسْتَغْفَرَ لإِنْسَانٍ قَطُّ يَخُصُّهُ إِلا اسْتُشْهِدَ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْلا مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ، فَتَقَدَّمَ فَاسْتُشْهِدَ.
قَالَ سَلَمَةُ: ثُمَّ إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَى عَلِيٍّ، وَقَالَ: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ الْيَوْمَ رَجُلا يُحِبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ أَرْمَدَ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ، ثُمَّ أَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَخَرَجَ مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ، فَقَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبٌ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبٌ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تُلْهِبُ
فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُجِيبًا:
أنا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ ... كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَةِ
أُوفِيهُمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَةِ
فَفَلَقَ رَأْسَ مَرْحَبٍ، وَكَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ [1] . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [2] : وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ خَيَبَرَ، قَالَ الْقَوْمُ: الآنَ نَعْلَمُ أَسُرِّيَةٌ صَفِيَّةٌ أَمِ امْرَأَةٌ، فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً فَإِنَّهُ سَيَحْجِبُهَا، وَإِلا فَهِيَ سُرِّيَةٌ، فَلَمَّا خَرَجَ أَمَرَ بِسِتْرٍ يُسْتَرُ دُونَهَا، فَعَلِمَ النَّاسُ أَنَّهَا امْرَأَةٌ، فَلَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَرْكَبَ أَدْنَى فَخْذَهُ [مِنْهَا لِتَرْكَبَ عَلَيْهَا، فَأَبَتْ وَوَضَعَتْ رُكْبَتَهَا عَلَى فَخْذِهِ] [3] ثُمَّ حَمَلَهَا، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ نَزَلَ فَدَخَلَ الْفُسْطَاطَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ، وَجَاءَ أَبُو أَيُّوبَ فَبَاتَ عِنْدَ الْفُسْطَاطِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ الْحَرَكَةَ، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا» ؟ فَقَالَ: أَنَا أَبُو أَيُّوبَ، فَقَالَ:
«مَا شَأْنُكَ» ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَارِيَةٌ شَابَّةٌ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، وَقَدْ صَنَعَتْ بِزَوْجِهَا مَا صَنَعَتْ، فَلَمْ آمَنْهَا، قُلْتُ إِنْ تَحَرَّكَتْ كُنْتُ قَرِيبًا مِنْكَ. فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا أيوب» مرتين.
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 1/ 80، 81.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 1/ 84، عن بكر بن عبد الرحمن قاضي أهل الكوفة، عن عِيسَى بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عِنْ مُقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.(3/296)
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [1] : وَأَخْبَرَنَا عَفَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا/ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
وَقَعَتْ صَفِيَّةُ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ- وَكَانَتْ جَارِيَةً جَمِيلَةً- فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ وَدَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَصْنَعُهَا وَتُهَيِّئُهَا، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالأَقْطَ [وَالسَّمْنَ] [2] ، قَالَ: فَفُحِصَتِ الأَرِضُ أَفَاحِيصَ وَجِيءَ بِالأَنْطَاعِ فَوُضِعَتْ فِيهَا ثُمَّ جِيءَ بِالأَقْطِ وَالسَّمْنِ وَالتَّمْرِ، فَشَبِعَ النَّاسُ.
قال ابن سعد [3] : قال أنس: كان في ذلك السبي صفية بنت حيي، فصارت إلى دحية الكلبي، ثم صارت بعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها ثم تزوجها، وجعل عتقها صداقها.
قال محمد بن حبيب: في هذه الغزاة أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء والصبيان سهما، وأسهم لمن غزا معه من اليهود.
وفيها: سم رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمته زينب امرأة [سلام] [4] بن مشكم، أهدت له شاة مسمومة، فأكل منها، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعترفت فقتلها، ويقال: بل عفى عنها
. [غزوة وادي القرى]
[5] ولما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر ذهب إلى وادي القرى، وهي غزاة أيضا.
وبعضهم يعدها مع خيبر واحدة، لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعد إلى منزله، ولما نزل بوادي القرى حط رحله غلام له أهداه له رفاعة بن زيد الجذامي، فأتاه سهم غرب [6] ، فقتله، فقالت الصحابة: هنيئا له الجنة، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كلا والّذي نفسي بيده إنّ
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 84.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 85.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] تاريخ الطبري 3/ 16، سيرة ابن هشام 2/ 338 الاكتفاء 2/ 261، والبداية والنهاية 4/ 218.
[6] سهم غرب: هو الّذي لا يعلم من رماه، أو من أين الشاه.(3/297)
شملته الآن لتلتهب عليه نارا» . وكان غلها [1] يوم خيبر.
وفيها: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس حين أحد على وادي القرى.
وعن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم [حين] [2] قفل من غزاة خيبر سار ليلة حتى إذا أدركه الكرى أعرس، وقال لبلال: أكلأنا الليلة، فصلى بلال ما قد رآه، ونام رَسُولُ/ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته فلم يستيقظ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظا، ففزع رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: أي بلال ما هذا؟ قال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: اقتادوا، فاقتادوا رواحلهم شيئا، ثم توضأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح، فلما قضى الصلاة، قال: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله عز وجل قال: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي 20: 14 [3]
. ومن الحوادث في هذه السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي أن يزوجه أم حبيبة، وكانت قد خرجت مهاجرة إلى الحبشة، وأن يبعث إليه من بقي من أصحابه من الذين هاجروا إلى الحبشة، ففعل فقدموا المدينة، فوجدوا رسول الله صلي الله عليه وسلم قد فتح خيبر، فكلم المسلمون أن يدخلوهم في سهامهم، ففعلوا.
ومن الحوادث في هذه السنة
[قتل شيرويه أباه كسرى] [4]
أن شيرويه قتل أباه كسرى على ما سبق ذكره. قال الواقدي: كان ذلك في ليلة
__________
[1] غلها: أختانها من المغنم.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] سورة: طه، الآية: 14.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(3/298)
الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الآخرة، سنة سبع لست ساعات مضت من الليل
. ومن الحوادث [في هذه السنة] هلاك شيرويه [1] فإنه لما أمر بقتل أبيه قتل معه سبعة عشر أخا له ذوي أدب وشجاعة، فابتلي بالأسقام، وجزع بعد قتلهم جزعا شديدا، [إذ] دخلت عليه أختاه: بوران، وآزرميدخت، فأغلظتا له، وقالتا: حملك الحرص على ملك لا يتم لك على قتل أبيك وجميع أخوتك، فبكى بكاء شديدا، ورمى بالتاج عن رأسه، ولم يزل مدنفا، وفشا الطاعون في أيامه، فهلك أكثر الناس.
ومن الحوادث [في هذه السنة]
وصول هدية المقوقس
فإنها وصلت في سنة سبع، وهي: مارية، وسيرين، ويعفور، والدلدل. وكانت بيضاء، فاتخذ لنفسه مارية، ووهب سيرين/ لحسان بن ثابت.
أَخْبَرَنَاَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، قَالَ:
بَعَثَ الْمُقَوْقِسُ صَاحِبُ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ مَارِيَةَ وَأُخْتَهَا سِيرِينَ، وَأَلْفَ مِثْقَالٍ ذَهَبًِا، وَعِشْرِينَ ثَوْبِاً [لَيِّنًا] [2] ، وَبَغْلَتَهُ الدُّلْدُلَ، وَحِمَارَهُ يَعْفُورَ: وَقَالَ يَعْقُوبُ: وَمَعُهْم خَصِيٌّ يُقَالُ لَهُ: مَابُورُ [3] شَيْخٌ كَبِيرٌ كَانَ أَخَا مَارِيَةَ، وَبَعَثَ بِذَلِكَ كُلِّهِ مَعَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، فَعَرَضَ حَاطِبٌ عَلَى مَارِيَةَ الإِسْلامَ وَرَغَّبَهَا فِيهِ، فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَتْ أُخْتُهَا وَأَقَامَ الْخَصِيُّ عَلَى دِينِهِ حَتَّى أَسْلَمَ بِالْمَدِينَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْجَبًا بِأُمِّ إِبْرَاهِيمَ وكانت بيضاء جميلة، فانزلها
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 229.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] في الأصل: أبو.(3/299)
[رسول الله صلى الله عليه وسلم] [1] فِي الْعَالِيَةِ فِي الْمَالِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ [الْيَوْمَ] [2] مَشْرَبَةُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهَا هُنَاكَ وَضَرَبَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ، وَكَانَ يَطَأُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَلَمَّا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ [هُنَاكَ] [2] وَقَبَّلَتْهَا سَلْمَى مَوْلاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ أَبُو رَافِعٍ زَوْجُ سَلْمَى فَبَشَّرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِبْرَاهِيمَ فَوَهَبَ لَهُ عَبْدًا، وَذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَتَنَافَسَتِ الأَنْصَارُ فِي إِبْرَاهِيمَ، وَأَحَبُّوا أَنْ يُفْرِغُوا [3] مارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ هَوَاهُ فِيهَا [4] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [5] : وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ، [عَنِ الزُّهْرِيِّ] ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ فِي مَشْرَبَتِهَا، وَكَانَ قِبْطِيٌّ يَأْوِي إِلَيْهَا وَيَأْتِيهَا بِالْمَاءِ وَالْحَطَبِ، فَقَالَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ: عِلْجٌ يَدْخُلُ عَلَى عِلْجَةٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَجَدَهُ عَلَى نَخْلَةٍ، فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ فَأَلْقَى الْكِسَاءَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَتَكَشَّفَ فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ/، فَرَجِعَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عنه [إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [6] فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ [أَرَأَيْتَ] [7] إِذَا أَمَرْتَ أَحَدَنَا بِالأَمْرِ ثُمَّ رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ أَيُرَاجِعُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا رَأَى مِنَ الْقِبْطِيِّ. قال مؤلف هذا الكتاب [8] : [فإن قال قائل:] [9] ظاهر هذا الحديث يدل على أن عليا رضي الله عنه أراد قتله، وقد روي في حديث آخر صريحا، وأن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ له: «يا علي، خذ السيف فإن وجدته عندها فأقتله» . فكيف يجوز القتل على التهمة؟
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] في الأصل: يدعوا.
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 153.
[5] طبقات ابن سعد 8/ 154- 155.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[8] في أ: «قال المصنف» .
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.(3/300)
فقد أجاب عنه ابن جرير الطبري، وقال: من الجائز أن يكون قد كان من أهل العهد وأنه لم يسلم، وقد كان تقدم إليه بالنهي عن الدخول إلى مارية، فلم يقبل فأمر بقتله لنقض العهد
. ومن الحوادث سرية عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى تربة في شعبان [1]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعث عمر رضي الله عنه في ثلاثين رجلا إلى عجز هوازن [2] بتربة- وهي بناحية العبلاء على أربع ليال من مكة [طريق صنعاء ونجران] [3]- وخرج معه دليل من بني هلال، فكان يسير الليل ويكمن النهار، فأتى الخبر هوازن فهربوا، وجاء عمر رضي الله عنه محالهم فلم يلق كيدا، فانصرف راجعا إلى مكة
. ومن الحوادث
سرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى بني كلاب بنجد ناحية ضرية [4]
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ يَرْفَعُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ الأَكْوَعُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر إِلَى فَزَارَةَ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا [مَا] دَنَوْنَا مِنَ الْمَاءِ عَرَّسَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى إِذَا مَا صَلَّيْنَا الصُّبْحَ [أَمَرَنَا فَشَنَنَّا الْغَارَةَ فَوَرَدْنَا الْمَاءَ، فَقَتَلَ أَبُو بَكْرٍ مَنْ قَتَلَ وَنَحْنُ مَعَهُ] [5]- وَكَانَ شِعَارُنَا أَمِتْ أَمِتْ- فَقَتَلْتُ بيدي سبعة [أهل] [6] أبيات من
__________
[1] المغازي للواقدي 2/ 722، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 85، وتاريخ الطبري 3/ 22، والكامل 2/ 106.
[2] عجز هوازن: بنو نصر بن معاوية، وبنو جشم بن بكر (القاموس المحيط 2/ 281) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[4] مغازي الواقدي 2/ 722، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 85، وتاريخ الطبري 3/ 22، والبداية والنهاية 4/ 220.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.(3/301)
الْمُشْرِكِينَ، وَرَأَيْتُ عُنُقًا مِنَ النَّاسِ فِيهِمُ الذَّرَارِيُّ، فَخَشِيتُ أَنْ يَسْبِقُونِي إِلَى الْجَبَلِ، فَأَدْرَكْتُهُمْ [فَرَمَيْتُ] [1] بِسَهْمٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْجَبَلِ، فَلَمَّا رَأُوا السَّهْمَ قَامُوا، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ فَزَارَةَ فِيهِمْ عَلَيْهَا قَشْعٌ مِنْ أُدْمٍ، مَعَهَا ابْنَتُهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَبِ، فَجِئْتُ أَسُوقُهُمْ إِلَى/ أَبِي بَكْرٍ فَنَفَلَنِي ابْنَتَهَا فَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا [حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، ثُمَّ بَاتَتْ عِنْدِي فَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا حَتَّى لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّوقِ، فَقَالَ: «يَا سَلَمَةُ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ» فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْجَبَتْنِي وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا] [2] فَسَكَتَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السُّوقِ وَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا، فَقَالَ: «يَا سَلَمَةُ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ للَّه أَبُوكَ» قَالَ: فَقُلْتُ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَبَعَثَ بها رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَفَدَى بِهَا أَسْرَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ [3]
. [ومن الحوادث
سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى فدك في شعبان [4]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعث بشير بن سعد في ثلاثين رجلا إلى بني مرة بفدك، فخرج يلقى رعاء الشاة، فسأل عن الناس، فقيل: في بواديهم، فاستاق النعم والشاء وانحدر إلى المدينة، فخرج الصريخ فأخبرهم فأدركه الدهم منهم عند الليل، فأتوا يرامونهم بالنبل حتى فنيت نبل أصحاب بشير وأصبحوا، فحمل المريون عليهم فأصابوا أصحاب بشير، وقاتل بشير حتى ارتث وضرب كعبه فقيل قد مات، ورجعوا بنعمهم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول كلها، وأوردناه من ابن سعد.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 1/ 85، 86، وعزاه ابن كثير في البداية 4/ 221: لمسلم، والبيهقي.
[4] في كل الأصول المخطوطة جاء مكان هذه السرية «سرية علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى بني سعد ابن بكر بفدك في شعبان» .
ولم تذكر الأصول سرية بشير بن سعد، وسرية علي بن أبي طالب كانت سنة ست باتفاق المؤرخين، بل أوردها المصنف سنة ست وتكررت هنا كما هي، لذلك رأينا أن تحذفها ونورد مكانها سرية بشير بن سعد من طبقات ابن سعد 2/ 1/ 86.
وراجع هذه السرية في المغازي للواقدي 2/ 723، والبداية والنهاية 4/ 221، والكامل 2/ 106.(3/302)
وشائهم. وقدم علبة بن زيد الحارثي بخبرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قدم من بعده بشير بن سعد]
. ومن الحوادث
سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة في رمضان [1]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعثه إلى الميفعة- وهي وراء بطن نخل إلى النقرة قليلا بناحية نجد وبينها وبين المدينة ثمانية برد- في مائة وثلاثين رجلا، ودليلهم يسار مولى رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهجموا عليهم [جميعا ووقعوا وسط [2] مجالهم] فقتلوا من أشرف لهم واستاقوا نعما وشاء فحذروه إلى المدينة ولم يأسروا أحدا.
ومن الحوادث [في هذه السرية] [3] : قتل أسامة بن زيد الرجل الذي قال لا إله إلا الله، فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «ألا شققت عن قلبه فتعلم صادق هو أم كاذب» ؟ فقال أسامة: لا أقاتل أحدا يشهد أن لا إله إلا الله. ويروى أن قتل أسامة هذا الرجل كان في غير هذه السرية/
. [ومن الحوادث
سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يمن وجبار في شوال [4]
وذلك أنه بلغ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ جمعا من غطفان بالجناب قد واعدهم عيينة بن حصن ليكون معهم ليزحفوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رَسُول اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وسلم بشير بن سعد فعقد له لواء وبعث معه ثلاثمائة رجل، فساروا الليل وكمنوا النهار حتى أتوا إلى يمن وجبار [5] ، فدنوا من القوم فأصابوا لهم نعما كثيرا وتفرق الرعاء، فحذروا الجمع فتفرقوا ولحقوا بعلياء بلادهم، وخرج بشير في أصحابه حتى أتى محالهم فيجدها وليس فيها أحد، فرجع بالنعم وأصاب منهم رجلين فأسروهما وقدم بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلما فأرسلهما] .
__________
[1] المغازي للواقدي 726، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 86، والكامل 2/ 106.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[4] هذه السرية ساقطة كلها من الأصل، وأوردناه من أ.
راجع: مغازي الواقدي 2/ 727، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 87، والكامل 2/ 106.
[5] «جبار» ساقطة من أ.(3/303)
[وفي هذه السنة
قدم وفد الأشعريين [1]
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سَعْدٍ [عَنْ أَشْيَاخِهِ] [2] ، قَالُوا: قَدِمَ وَفْدُ الأَشْعَرِيِّينَ على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وَهُمْ خَمْسُونَ رَجُلا فِيهِمْ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، وَأُخْوَةٌ لَهُمْ وَمَعَهُمْ رَجُلانِ مِنْ عَكٍّ، وَقَدِمُوا فِي سُفُنٍ [فِي الْبَحْرِ] وَخَرَجُوا بِجَدَّةَ، فَلَمَّا دَنَوْا فِي الْمَدِينَةِ جَعَلُوا يَقُولُونَ: غَدًا نَلْقَى الأَحِبَّةَ، مُحَمَّدًا وَحِزْبَهُ، ثُمَّ قَدِمُوا فَوَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فِي سَفَرِهِ] بِخَيْبَرَ، [ثُمَّ لَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فَبَايَعُوا وَأَسْلَمُوا، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [3] : [ «الأَشْعَرُونَ فِي النَّاسِ كَصُرَّةٍ فِيهَا مِسْكٌ» ]
. [وفي هذه السنة
قدم الدوسيون [4]
قالوا: ولما أسلم الطفيل بن عمرو الدوسي دعا قومه فأسلموا، وقدم معه منهم المدينة سبعون أو ثمانون أهل بيت، وفيهم: أبو هريرة، وعبد الله بن أزيهر الدوسي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فساروا إليه فلقوه هناك، ثم قدموا معه المدينة، فقال أبو هريرة في هجرته حين خرج من دار قومه:
يا طولها من ليلة وعناءها ... على أنها من بلدة الكفر نجت]
ومن الحوادث
عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم القضية [5]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم أمر أصحابه حين رأوا هلال ذي القعدة أن يعتمروا قضاء
__________
[1] خبر وفد الأشعريين كله ساقط من الأصل وأوردناه من أ. وراجع: طبقات ابن سعد 1/ 2/ 79.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: من هامش أ.
[4] وخبر وفد الدوسيين ساقط أيضا من الأصل، وأوردناه من أ.
وراجع: طبقات ابن سعد 1/ 2/ 81.
[5] مغازي الواقدي 2/ 731، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 87، وسيرة ابن هشام 2/ 370، والاكتفاء 2/ 272، والكامل 2/ 106، والبداية والنهاية 4/ 226 وتسمى أيضا عمرة القضاء، وعمرة الصلح، وغزوة القضية(3/304)
لعمرتهم التي صدهم المشركون عنها بالحديبية، وأن لا يتخلف أحد شهد الحديبية، فلم يتخلف منهم أحد إلا من استشهد بخيبر ومن مات.
وخرج مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوم من المسلمين عمارا، فكانوا في عمرة القضية ألفين، واستخلف عَلَى المدينة أبا رهم الغفاري، وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين بدنة، وجعل على هديه ناجية بن جندب الأسلمي، وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح [البيض] [1] والدروع والرماح، وقاد مائة فرس، وخرجت قريش من مكة إلى رءوس الجبال وأخلوا مكة، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الثنية التي تطلعه على الحجون وعبد الله بن رواحة آخذ بزمام راحلته، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يلبي حتى استلم الركن بمحجنه وعبد الله بن رواحة يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... خلوا فكل الخير مع رسوله
نحن ضربناكم على تأويله ... كما ضربناكم على تنزيله [2]
ضربا يزيا الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله
يا رب إني مؤمن بقيله [3]
[أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي حَسَنٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى] [4] التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ وَابْنُ رَوَاحَةَ يَمْشِي بَيْنَ يديه وهو يقول:
__________
[ () ] وعمرة القصاص، وهذا الاسم أولى بها لقوله تعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ 2: 194. (الروض الأنف 2/ 87.
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[2] في ابن هشام 2/ 371: «كما قتلناكم على تنزيله» والمعنى أي: نحن نقاتلكم على تأويله، كما قتلناكم على إنكار تنزيله.
[3] قيله: قوله.
[4] في الأصل: «وعن الترمذي» والسند: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ.(3/305)
خَلَّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ على تنزيله
/ ضربا يزيل الهام عن مقيله ... وَيُذْهِلُ الْخَلِيلِ عَنْ خَلِيلِهِ
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ وَفِي حَرَمِ اللَّهِ تَقُولُ شِعْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ، فَلَهِيَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النِّبْلِ [1] . وَأَمَر النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالا فَأَذَّنَ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلاثًا، فَلَّمَا كَانَ عِنْدَ الظُّهْرِ مِنَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ أَتَاهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَحَاطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، فَقَالا: قَدِ انْقَضَى أَجَلُكَ فَاخْرُجْ عَنَّا، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ فَنَادَى بِالرَّحِيلِ، وَقَالَ: «لا يُمْسِيَنَّ بِهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» . وَخَرَجَتْ بِنْتُ حَمْزَةَ فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ وَزَيْدٌ، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَعْفَرٍ لأَنَّ خَالَتَهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ عِنْدَهُ. وَرَكِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نَزَلَ بِسَرَفٍ- وَهِيَ عَلَى عَشْرَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ- فَتَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، زَوَّجَهُ إِيَّاهَا الْعَبَّاسُ وَكَانَ يَلِي أَمْرَهَا، وَهِيَ أُخْتُ أُمِّ وَلَدِهِ، وَكَانَتْ آخِرَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا وَبَنَى بِهَا فِي سَرَفٍ
. [ومن الحوادث في هذه السنة
سرية ابن أبي العوجاء إلى بني سليم في ذي الحجة [2] .
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعث ابن أبي العوجاء السلمي في خمسين رجلا إلى بني سليم، فخرج وتقدمه عين لهم كان معه فحذرهم فجمعوا، فأتاهم وهم معدون له، فدعاهم إلى الإسلام، فأبوا فتراموا بالنبل، وأصيب ابن أبي العوجاء جريحا، وقدموا المدينة في أول يوم من صفر سنة ثمان]
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
101- بشر بن البراء بن معرور بن صخر [3] :
شهد العقبة وكان من الرماة المذكورين، وشهد بدرا وأحدا والخندق والحديبيّة
__________
[1] في الأصل: الليل.
[2] هذه السرية ساقطة من الأصل كلها. وراجع طبقات ابن سعد 2/ 1/ 89.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 111.(3/306)
وخيبر. وأكل مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشاة المسمومة فمات مكانه، ويقال: بل بقي سنة مريضا ومات.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سيدكم [يا بني سلمة] ؟» [1] . قالوا: الجد بن قيس على أنه رجل فيه بخل. قال: «وأي داء أدوأ من البخل؟ بل سيدكم بشر بن البراء بن معرور» [2]
. 102-[ثقيف بن عمر، ويقال: بقاف:
شهد بدرا وتوفي في هذه السنة] [3]
. 103- ثويبة، مولاة أبي لهب [4] :
أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حليمة. وذكر أبو نعيم الأصفهاني أن بعض العلماء اختلف في إسلامها.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الباقي، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا أبو عمرو بْنُ حَيْوَيَةَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، أَخْبَرَنَا] [5] مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عمر، عن غير واحد من أهل العلم، قالوا: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصِلُ ثُوَيْبَةَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا/ تُكْرِمُهَا وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مَمْلُوكَةٌ، وَطَلَبَتْ إِلَى أَبِي لَهَبٍ أَنْ تَبْتَاعَهَا مِنْهُ لِتُعْتِقَهَا فَأَبَى أَبُو لَهَبٍ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَعْتَقَهَا أَبُو لَهَبٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ إِلَيْهَا بِصِلَةٍ وَكُسْوَةٍ، حَتَّى جَاءَهُ خَبَرُهَا أَنَّهَا قَدْ تُوُفِّيَتْ سَنَةَ سَبْعٍ مَرْجِعَهُ مِنْ خَيْبَرَ، فَقَالَ: «مَا فَعَلَ ابْنُهَا مَسْرُوحٌ؟» فَقِيلَ: مَاتَ قَبْلَهَا وَلَمْ يَبْقَ مِنْ قَرَابِتِهَا أَحَدٌ [6]
. 104-[الحارث بن حاطب بن عمرو [7] :
رده رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الروحاء حين توجه إلى بدر إلى بني عمرو بن عوف في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 112.
[3] الترجمة ساقطة كلها من أ.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 1/ 67.
[5] ما بين المعقوفتين: مكانها في الأصل: «قال محمد بن سعد» ، وما أوردناه من أ.
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 1/ 267، 268.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 32، وهذه الترجمة حتى آخر ترجمة محمود بن مسلمة بن سلمة ساقط من الأصل.(3/307)
حاجة له، فضرب له بسهمه وأجره، وكان كمن شهدها، وشهد أحدا والخندق والحديبية وخيبر، وقتل يومئذ شهيدا، رماه رجل من فوق الحصن فدمغه
. 105- ربيعة بن أكثم [بن سخبرة] [1] بن عمرو بن لكيز، يكنى أبا يزيد [2] :
شهد بدرا وهو ابن ثلاثين سنة، وشهد أحدا والخندق والحديبية، وقتل بخيبر شهيدا
. 106- رفاعة بن مسروج:
قتل بخيبر
. 107- سليم بن ثابت بن وقش:
أمه ليلى أخت حذيفة بن اليمان، شهد أحدا والخندق والحديبية وخيبر، وقتل يومئذ شهيدا
. 108- عامر بن الأكوع:
أصاب نفسه بسيفه فمات على ما سبق ذكره
. 109- عبد الله بن أبي لهب بن وهب:
قتل بخيبر
. 110- عدي بن مرة بن سراقة:
قتل بخيبر
. 111- عمارة بن عقبة:
قتل بخيبر
. 112- قباذ بن كسرى:
وهو الذي يقال له: شيرويه، قتل أباه، فأخذته الأسقام والحزن، فبقي بعده ثمانية أشهر، ويقال: ستة أشهر ثم مات.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ، وأوردناه من ابن سعد.
[2] في الترجمة في الطبقات 3/ 1/ 67.(3/308)
113- محمود بن مسلمة بن سلمة بن خالد:
شهد أحدا والخندق والحديبية وخيبر، ودليت عليه يومئذ رحى فأصابت رأسه، فمكث ثلاثا ثم مات، وقبر هو وعامر بن الأكوع في قبر واحد في غار هناك] [1]
. 114- الوليد بْن الْوَلِيد بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بن عمر بن مخزوم [2] :
خرج مع قومه إلى بدر وهو على دينهم، فأسره عبد الله بن جحش، فقدم في فدائه أخواه: خَالِد، وهشام، فافتكّاه بأربعة آلاف، وأبى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يفديه إلا بشكة أبيه، وكانت درعا فضفاضة وسيفا وبيضة، فأقيم ذلك مائة دينار. فلما قبض ذلك خرجا بالوليد حتى بلغا ذا الحليفة فأفلت [منهما] [3] فَرَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له خالد: هلا كان هذا قبل أن تفتدي وتخرج مأثرة أبينا [من أيدينا] [3] ، قال: ما كنت لأسلم حتى أفتدى، ولا تقول قريش: إنما اتبع مُحَمَّدا فرارا من الفداء.
فلما دخل مكة حبسوه، وكأن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة» ، ثم أفلت الوليد فقدم المدينة، وبها توفي في هذه السنة، فقالت أم سلمة:
يا عين بكي للوليد ... بن الوليد بن المغيرة
كان الوليد بن الوليد [4] ... أبو الوليد فتى العشيرة
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تقولي هكذا، ولكن قولي: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ 50: 19 [5]
. 115- يسار الحبشي:
[أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
__________
[1] إلى هنا انتهى السقط من الأصل من ترجمة «الحارث بن حاطب» .
[2] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 97، وفي أ: «الوليد بن الوليد بن عبد الرحمن بن عمرو بن مخزوم» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل من ابن سعد.
[4] في ابن سعد «فكل الوليد بن الوليد» .
[5] سورة: ق الآية: 19.(3/309)
عَمْرِو بْنُ حَيْوَيْهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا ابن الفهم، حدثنا] [1] محمد بن سعد، قال: كَانَ يَسَارُ عَبْدًا لِعَامِرٍ الْيَهُودِيِّ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم خيبر وقع الإسلام بقلبه فَأَقْبَلَ بِغَنَمِهِ يَسُوقُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِلَى مَا تَدْعُو؟
قَالَ: / «إِلَى الإِسْلامِ، تَشْهَدُ أَنْ لا إله إلا الله وأني رسول الله» قَالَ: فَمَا لِي؟ قَالَ:
«الْجَنَّةُ إِنْ ثَبِتَ عَلَيَّ ذَلِكَ» . فَأَسْلَمَ وَقَالَ: إِنَّ غَنَمِي وَدِيعَةٌ، فَقَالَ: «أَخْرِجْهَا مِنَ الْعَسْكَرِ ثُمَّ صِحْ بِهَا وَارْمِيهَا بِحَصَيَاتٍ فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي عَنْكَ أَمَانَتَكَ» ، فَفَعَلَ فَخَرَجَتِ الْغَنَمُ إِلَى سَيِّدِهَا، فَعَلِمَ الْيَهُودِيُّ أَنَّ غُلامَهُ قَدْ أَسْلَمَ. وَخَرَجَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالرَّايَةِ، وَتَبِعَهُ الْعَبْدُ الأَسْوَدُ فَقَاتَلَ حتى قتل. فاحتمل فادخل خِبَاءً مِنْ أَخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ، فَاطَّلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخِبَاءِ، فَقَالَ: «لَقَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ هَذَا الْعَبْدَ الأَسْوَدَ وَسَاقَهُ إِلَى خَيْرٍ، قَدْ رَأَيْتُ زَوْجَتَيْنِ مِنَ الْحُورِ العين عند رأسه» .
__________
[1] في الأصل: قال ابن سعد، والسند ساقط وقد أوردناه من أ.(3/310)
ثم دخلت سنة ثمان [من الهجرة [1]]
فمن الحوادث فيها:
ملك أردشير بن شيرويه [2]
وكان له سبع سنين لأنه لم يكن هناك محتنك من [أهل] [3] بيت المملكة، وكان شهربراز [4] الذي ذكرنا أن أبرويز استعمله في قتال هرقل قد احتقر أردشير، فأقبل إليه فحاصره وخدع بعض حرسه، ففتح له المدينة فقتل خلقا من الرؤساء واستصفى أموالهم وفضح نساءهم، وقتل أردشير، وملك. وامتعض قوم من قتله أردشير فتحالفوا على قتله، فقتلوه وجروه بحبل
. ومن الحوادث
[ملك بوران بنت كسرى أبرويز] [5]
أنهم ملكوا بعده بوران بنت كسرى، فقالت يوم ملكت: البر أوثر، وبالعدل آمر، واستوزرت فسفروخ وأحسنت السيرة وبسطت العدل، ورممت [القناطر] ، ووضعت بقايا من الخراج، وكتبت إلى الناس تعلمهم ما هي عليه من الإحسان إليهم، وأنهم سيعرفون بمكايدها أنه ليس ببطش الرجال تدوخ البلاد، ولا بمكايدهم ينال الظفر، وإنما ذلك بعون
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 2/ 230.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصول: «شهريار» وما أوردناه من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: غير موجود. بالأصول.(3/311)
اللَّه، وردت خشبة الصليب على ملك الروم، وكان ملكها سنة وأربعة أشهر. ولما بلغ الخبر رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لن يفلح قوم يملكهم امرأة»
. [ملك جشنسدة]
[1] ثم ملك من بعد بوران رجل يقال له جشنسدة [2] من بني عم أبرويز، وكان ملكه أقل من شهر
. [ملك آزر ميدخت بنت كسرى]
[3] ثم ملك آزر ميدخت بنت كسرى قالت: حين ملكت: منهاجنا منهاج أبينا كسرى، وكان عظيم فارس يومئذ فرّخهرمز [4] فأرسل إليها فسألها أن يتزوجها، فأرسلت إليه: إن التزويج للملكة غير جائز، ولكن صر إلي ليلة ذا وكذا، فإن مرادك قضاء الشهوة، وتقدمت إلى صاحب حرسها بقتله، فجاء فقتل ورمي في رحبة المملكة، فبلغ الخبر إلى ولده رستم، فأقبل في جند عظيم وسمل عيني إزر ميدخت، ثم قتلها، وكان ملكها ستة أشهر
. [كسرى بن مهراجشنس]
[5] ثم أتي برجل من عقب أردشير بن بابك، فملكوه ثم قتل بعد أيام، ثم ولوا غيره وقتل.
[ملك يزدجرد بن شهريار بن أبرويز]
[6] ثم ولي يزدجرد بن شهريار بن أبرويز وكان المنجمون قد قالوا [7] : سيولد لبعض
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «خشيشدة» والتصحيح من الطبري.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصول: «يرزجمهر» . وما أوردناه من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] تاريخ الطبري 2/ 217.(3/312)
ولدك غلام يكون ذهاب هذا الملك على يديه، وعلامته نقص في [بعض] [1] بدنه، فمنع ولده من النساء، فمكثوا حينا لا يصلون إلى امرأة فشكى شهريار إلى شيرين الشبق وسألها أن تدخل إليه امرأة وإلا قتل نفسه، وكانت شيرين قد تبنت شهريار، فأرسلت إليه:
إني لا أقدر على إدخال امرأة إليك إلا أن تكون لا يؤبه لها، ولا يجمل بك أن تمسها، فقال: أنا لست أبالي ما كانت، فأرسلت إليه بجارية كانت تحجم، وكانت فيما يزعمون من بنات أشرافهم إلا أن شيرين [كانت] [2] غضبت عليها، فأسلمتها في الحجامين، فلما دخلت عليه وثب عليها، فحملت بيزدجرد، فأمرت بها شيرين فقصرت [3] حتى ولدت، وكتمت أمر الولد خمس سنين، ثم أنها رأت من كسرى رقة للصبيان حين كبر، فقالت له: هل يسرك أيها الملك [أن] ترى ولدا لبعض بنيك على ما كان فيه من المكروه، فقال لا أبالي، فأمرت بيزدجرد فطيب وحلي وأدخلته عليه، وقالت: هذا يزدجرد بن شهريار. فأجلسه في حجره وقبله وعطف عليه وأحبه/ حبا شديدا، وكان يبيته معه، فبينما هو يلعب ذات يوم بين يديه، إذ ذكر ما قيل له، فعراه عن ثيابه فاستبان النقص في إحدى وركيه، فاستشاط غضبا وحمله ليجلد به الأرض، فتعلقت به شيرين وناشدته الله ألا يقتله، وقالت له: إن يكن أمر قد حضر في هذا الملك فليس له مرد. فقال: إن هذا المشئوم الذي أخبرت عنه المنجمون فأخرجيه فلا أنظر إليه، فأمرت به فحمل إلى سجستان.
وقيل: بل كان في السواد عند ظؤورته. وقيل: لما قتل شيرويه أخوته هرب يزدجرد إلى اصطخر ثم آل الأمر إلى أن ملك، وقتل في زمان خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وانقضى ملك الفرس.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[3] قصرت: حبست.(3/313)
ومن الحوادث في هذه السنة
إسلام عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة [1]
فقدموا المدينة في صفر، وكان عمرو لما رأى ظهور رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج إلى النجاشي، فرأى النجاشي يدعو إلى اتباع رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ قاصدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه خالد بن الوليد وهو على تلك النية فأسلموا.
قال مؤلف الكتاب: وقصتهم ستأتي في أخبار عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد رضي الله عَنْهُمَا
. وفي هذه السنة
تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فاطمة بنت الضحاك] [2] الكلابية فاستعاذت منه
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدّثنا علي بن عمر الدار الدَّارَقُطْنِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الأَشْعَثِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ] [2] ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ [3] وَسَأَلْتُهُ: أَيُّ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ الْكِلابِيَّةِ لَمَّا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَنَا مِنْهَا فقالت: أعوذ باللَّه مِنْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُذْتِ بِعَظِيمٍ الْحَقِي بِأَهْلِكِ»
. ومن الحوادث
سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح بالكديد في صفر [4]
قال جندب بن مكيث الجهني: بعث رسول/ الله صلى الله عليه وسلم غالب [بن عبد الله] [5] الليثي في سرية وكنت فيهم، فأمرهم أن يشنوا الغارة على بني الملوح. فخرجنا حتى إذا
__________
[1] المغازي للواقدي 2/ 741، وسيرة ابن هشام 2/ 276، والبداية والنهاية 4/ 236، وتاريخ بغداد 3/ 29، والكامل 2/ 109.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] وفي الأصل: روى الأوزاعي عن الزهري.
[4] المغازي للواقدي 2/ 750، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 79. وتاريخ الطبري 3/ 27، والاكتفاء 2/ 412.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(3/314)
كُنَّا بالكديد لقينا الحارث بن البرصاء [الليثي] ، فأخذناه فقال: إنما جئت أريد الإسلام، قُلْنَا: إن تكن مسلما فلا يضرك رباطنا يوما وليلة. فشددناه وثاقا وخلفنا عليه رويجلا [منا أسود] [1] وقلنا: إن ناوشك [2] فجز رأسه، فسرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس، وكمنا في ناحية الوادي، وبعثني أصحابي ربيئة لهم، فخرجت حتى آتي مشرفا على الحاضر يطلعني عليهم إذ خرج رجل فقال لامرأته: إني لأرى على هذا الجبل سوادا ما رأيته أول من يومي هذا فانظري إلى أوعيتك لا تكون الكلاب جرت منها شيئا، فنظرت فقالت: لا، فقال: فناوليني قوسي وسهمي، فأرسل سهما فو الله ما أخطأ بين عيني، فانتزعته وثبت مكاني، ثم أرسل آخر فوضعه في منكبي فانتزعته ووضعته وثبت مكاني، فقال: والله لو كان ربيئة لقد تحرك. ثم دخل وراحت الماشية، فلما احتلبوا وعطنوا واطمأنوا فناموا شننا عليهم الغارة واستقنا النعم. فخرج صريخ القوم في قومهم فجاء ما لا قبل لنا به، فخرجنا بها نحدرها حتى مررنا بابن البرصاء فاحتملناه وأدركنا القوم ما بيننا وبينهم إلا الوادي، إذ جاء اللَّه بالوادي من حيث شاء، والله ما رأينا سحابا يومئذ فامتلأ جنباه ماء، ولقد رأيتهم وقوفا ينظرون إلينا
. وفيها
سرية غالب أيضا إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك في صفر [3]
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَيُّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن معروف الخشاب، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، أَخْبَرَنَا] [4] مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: هَيَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيَّر بْنَ الْعَوَّامِ، وَقَالَ لَهُ: «سِرْ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُصَابِ [أَصْحَابِ] [5] / بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ فَإِنْ أَظْفَرَكَ اللَّهُ بِهِمْ فَلا تُبْقِ فِيهِمْ» [وَهَيَّأَ مَعَهُمْ مائتي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في أ، وابن سعد: «إن نازعك» .
[3] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 91.
[4] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل: قال محمد بن سعد، وأوردناه من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.(3/315)
رَجُلٍ] [1] ، وَعَقَدَ لِوَاءً، فَقَدِمَ غَالِبُ [بْنُ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيُّ] [2] مِنْ سَرِيَّتِهِ مِنَ الْكَدِيدِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ: «اجْلِسْ» ، وَبَعَثَ غَالِبَ فِي مَائَتَيْ رَجُلٍ، وَخَرَجَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ [فِيَها حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُصَابِ أَصْحَابِ بَشِيرٌ وَخَرَجَ مَعَهُ عُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ فِيهَا] [3] ، فَأَصَابُوا نِعَمًا وَقَتَلُوا [مِنْهُمْ] [3] قَتْلَى
. وفيها
سرية شجاع بن وهب [إلى بني عامر في ربيع الأول [4]
قال عمر بن الحكم: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب] [5] في أربعة وعشرين رجلا إلى جمع [من] [6] هوازن، فكان يسير الليل ويكمن النهار حتى صبحهم وهم غارون، فأصابوا نعما كثيرا وشاء، واستاقوا [7] ذلك، وغابوا خمس عشرة ليلة
: [ومن الحوادث
سرية كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح [8]
[وهي من وراء وادي القرى- في شهر ربيع الأول. قال الزهري: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الغفاري في خمسة عشر رجلا حتى انتهوا إلى ذات أطلاح] [9] من أرض الشام، فوجدوا جمعا فدعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا ورموهم بالنبل [10] فقاتل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى قتلوا وأفلت منهم رجل جريح في القتلى، فتحامل حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلّم فأخبره، فشق عليه] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد وفي الأصل: وخرج منها أسامة بن زيد فأصابوا.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 91- 92.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[7] في الأصل وساقوا والتصحيح من أوالطبقات.
[8] هذه السرية ساقطة كلها من الأصل، وأوردناه من أ.
وراجع: المغازي للواقدي 2/ 752، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 92.
[9] ما بين المعقوفتين: من هامش أ، وابن سعد.
[10] في ابن سعد: «ورشقوهم بالنبل» .(3/316)
ومن الحوادث
اتخاذ المنبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وقيل: في سنة سبع، والأول أصح.
[أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا الحسن بن عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أحمد، قال: حدثني أبي] [1] ، قال: أخبرنا وكيع، قال:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ، قَالَ: فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ لَهَا غُلامٌ نَجَّارٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي غُلامًا نَجَّارًا أَفَلا آمُرُهُ [2] أَنْ يَتَّخِذَ لَكَ مِنْبَرًا تَخْطُبُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: بَلَى. [قَالَ] [3] : فَاتَّخَذَ لَهُ مِنْبَرًا، [قَالَ] [4] : فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ، [قَالَ] [5] : فَأَنَّ الْجِذْعُ [6] الَّذِي كَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ كَمَا يَئِنُّ الصَّبِيُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذَا بَكَى لِمَا فَقَدَ مِنَ الذكر» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ [7] ، وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. [أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا] [8] محمد بن سعد، قال: أخبرنا عبد الله بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عُقَيْلٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ إِذْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا، فَكَانَ يَخْطُبُ إِلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَكَ أن أعمل لك منبرا تقوم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: في الأصل: قال احمد وأخبرنا، وما أوردناه من أ.
[2] في المسند: «أفآمره» .
[3] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[4] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[5] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[6] في الأصل: «فحن الجذع» وما أوردناه من أ، والمسند.
[7] مسند أحمد بن حنبل 3/ 300، عن جابر، 1/ 249، 267 عن أنس، 1/ 263، 267 عن ابن عباس.
[8] ما بين المعقوفتين: في الأصل: قال محمد بن سعد وأخبرنا ... وما أوردناه من أ.(3/317)
عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَرَاكَ النَّاسُ وَتُسْمِعُهُمْ خُطْبَتَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَصَنَعَ لَهُ ثَلاثَ دَرَجَاتٍ [هُنَّ اللاتِي عَلَى الْمِنْبَرِ أَعْلَى الْمِنْبَرِ [1] ، فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ وَوُضِعَ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُومَ عَلَى/ الْمِنْبَرِ فَمَرَّ إِلَيْهِ، خَارَ الْجِذْعُ حَتَّى تَصَدَّع وَانْشَقَّ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ حَتَّى سَكَنَ، ثُمَّ رَجِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، [وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَّى إِلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ] [2] ، فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ وَغُيِّرَ، أَخَذَ ذَلِكَ الْجِذْعَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَكَانَ عِنْدَهُ فِي دَارِهِ حَتَّى بَلِيَ وَأَكَلَتْهُ الأَرَضَةُ وَعَادَ رُفَاتًا [3]
. وفي هذه السنة
سرية مؤتة وهي بأدنى البلقاء دون دمشق في جمادى الأولى سنة ثمان [4] .
قَالَ علماء السير: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمرو الأزدي [أحد بني لهب] [5] إلى ملك بصرى بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقتله ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وندب الناس فأسرعوا وعسكروا بالجرف، وهم ثلاثة آلاف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمير الناس زيد بن حارثة، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، فإن قتل فليرتض المسلمون منهم رجلا، وعقد لهم صلى الله عليه وسلم لواء أبيض، وخرج مشيعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع، فوقف وودعهم، وأمرهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا قاتلوهم.
فلما فصلوا [من المدينة] [5] سمع العدو بمسيرهم [6] ، فجمعوا لهم وقام [فيهم]
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 2/ 11.
[4] المغازي للواقدي 2/ 755، وطبقات ابن سعد 1/ 2/ 92 وتاريخ الطبري 3/ 36، وسيرة ابن هشام 2/ 373، والاكتفاء 2/ 275، والبداية والنهاية 4/ 241.
ومؤتة (مهموز الواو، وحكي فيه غير الهمز) : قرية من أرض البلقاء من الشام، وتسمى أيضا غزوة جيش الأمراء، وذلك لكثرة المسلمين فيها وما لاقوه من الحرب الشديد مع الكفار.
[5] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[6] في الأصل: سمع العدو بهم.(3/318)
شرحبيل فجمع أكثر من مائة ألف، فمضوا إلى مؤتة ووافاهم المشركون بما لا قبل لهم به، فأخذ اللواء زيد [بن حارثة] [1] فقاتل حتى قتل، ثم أخذه جعفر فقاتل حتى قتل، ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين، فوجد في أحد نصفيه أحد وثلاثون جرحا، ثم أخذه عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد فأخذ اللواء، وانكشف الناس [فكانت الهزيمة] [2] فتبعهم المشركون [3] فقتل ثمانية ممن يعرف من المسلمين، ورفعت الأرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظر إلى معترك القوم. فلما أخذ اللواء خالد/ [بن الوليد] [4] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآن حمي الوطيس» . فلما سمع أهل المدينة بجيش مؤتة قادمين تلقوهم [بالجرف] [5] ، فجعل [الناس] [5] يحثون في وجوههم التراب، ويقولون: يا فرار، أفررتم في سبيل الله؟ فَقَالَ رسول الله [6] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليسوا بفرار ولكنهم كرار إن شاء الله تعالى» . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ، [أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ] [7] ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ:
لَمَّا تَجَهَّزَ الناس وتهيأوا لِلْخُرُوجِ إِلَى مُؤْتَةَ، قَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمُ اللَّهُ وَدَفَعَ عَنْكُمِْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
لَكِنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وضربة ذات فرغ [8] تقذف الزّبدا [9]
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] في الأصل: «فتبعهم المرهب» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[6] في الأصل: النبي صلّى الله عليه وسلّم.
[7] ما بين المعقوفتين: في الأصل: أخبرنا محمد بن أبي القاسم بإسناده عن عروة.
[8] ذات فرغ: ذات سعة.
[9] الزبد: الرغوة.(3/319)
أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرَّانَ مُجْهِزَةً [1] ... بِحَرْبَةٍ تَنْفُذُ الأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا
حَتَّى يَقُولُوا إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي ... أَرْشَدَكَ اللَّهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا
ثُمَّ مَضَوْا حَتَّى نَزَلُوا أَرْضَ الشَّامِ، فَبَلَغَهُمْ أَنَّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ [مَآَبَ] [2] مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ [فِي] [2] مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الرُّومِ، وَانْضَمَّتْ إِلَيْهِ الْمُسْتَعْرِبَةُ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ وَبَلْقِينَ وَبَهْرَاءَ وَبَلِي فِي مِائَةِ أَلْفٍ [مِنْهُمْ] [2] ، فَأَقَامُوا لَيْلَتَيْنِ يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ، وَقَالُوا: نَكْتُبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُخْبِرُهُ بِعَدَدِ عَدُوِّنَا، فَسَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا قَوْمِ إِنَّ الَّذِي تَكْرَهُونَ لَلَّذِي خَرَجْتُمْ لَهُ تَطْلُبُونَ الشَّهَادَةَ، وَمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ بِعِدَّةٍ وَلا قُوَّةٍ وَلا كَثْرَةٍ، وَمَا نُقَاتِلُهُمْ إِلا بِهَذَا الدِّينِ الَّذِي أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِهِ، فَانْطَلِقُوا، فَإِنَّمَا هِيَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، إِمَّا ظُهُورٌ، وَإِمَّا شَهَادَةٌ، فَقَالَ النَّاسُ: وَاللَّهِ صَدَقَ ابْنُ رَوَاحَةَ. فَمَضَى النَّاسُ [3] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، [وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا رِزْقُ اللَّهِ وَطِرَادٌ، قَالا:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ رَشْدَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ] [4] عَبْدِ الْوَاحِدِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ:
أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ قتل، دعي النَّاسَ: يَا عَبْدَ/ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، وَهُوَ فِي جَانِبِ الْعَسْكَرِ وَمَعَهُ ضِلْعُ جَمَلٍ يَنْهَشُهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَاقَ طَعَامًا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلاثٍ، فَرَمَى بِالضِّلْعِ ثُمّ قَالَ: وَأَنْتَ مَعَ الدُّنْيَا ثُمَّ تَقَدَمَّ فَقَاتَلَ ثُمَّ أُصِيبَتْ أُصْبُعُهُ، فَارْتَجَزَ وَجَعَلَ يَقُولُ [5] :
هَلْ أَنْتِ إِلا أُصْبُعٌ دَمِيَتْ ... وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ
يَا نَفْسُ إِنْ لَمْ تُقْتَلِي تَمُوتِي ... هَذِي حِيَاضُ الْمَوْتِ قد صليت
__________
[1] مجهزة سريعة القتل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 3/ 36، 37.
[4] ما بين المعقوفتين: في الأصل: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر بإسناد لَهُ عَنْ أبي بكر القرشي باسناده له عن عبد الواحد وأوردناه من أ.
[5] تاريخ الطبري 3/ 40، وسيرة ابن هشام 2/ 379، طبقات ابن سعد 3/ 2/ 84.(3/320)
وَمَا تَمَّنَيْتِ فَقَدْ لَقِيتِ ... إِنْ تَفْعَلِي فِعْلَهَا هُدِيتِ
وَإِنْ تَأَخَّرْتِ فَقَدْ شَقِيتِ
ثُمَّ قَالَ: يَا نَفْسُ أَيُّ شَيْءٍ تَتُوقِينَ؟ إِلَى فُلانَةٍ؟ فَهِيَ طَالِقٌ [ثَلاثًا] [1] ، وَإِلَى فُلانٍ وَفُلانٍ- عَبِيدٌ لَهُ- فَهُمْ أَحْرَارٌ، وَإِلَى مِعْجَفٍ- حَائِطٌ لَهُ- فَهِيَ للَّه وَرَسُولِهِ، ثُمَّ ارْتَجَزَ وَقَالَ:
يَا نَفْسُ مَالَكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّةْ ... أَقْسَمْتُ باللَّه لَتَنْزِلِنَّهْ
طَائِعَةً أَوْ لَتُكْرَهِنَّهْ ... قَدْ طَالَ مَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّهْ
هَلْ أَنْتِ إِلا نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ ... قَدْ أَجْلَبَ النَّاسُ شَدُّو الرَّنَّةْ
وَمِنَ الْحَوَادِثِ
سَرِيَّةُ عْمَرِو بْنِ الْعَاصِ إِلَى ذَاتِ السَّلاسِلِ وَهِيَ وَرَاءَ وَادِي الْقُرَى، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ فِي جُمَادَى الآخَرِةِ سَنَةَ ثَمَانٍ [2] .
قال علماء السير: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن جماعة من قضاعة قد تجمعوا يريدون أن يدنوا إلى أطراف النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] عمرو بن العاص فعقد له لواء أبيض وجعل معه راية سوداء، وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار ومعهم ثلاثون فرسا، فسار الليل وكمن النهار، فلما قرب من القوم بلغه أن لهم جمعا كبيرا، فبعث [رافع بن مكيث الجهني] [3] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مائتين، وعقد له/ لواء، [وبعث] [4] معه سراة المهاجرين والأنصار، فيهم أبو بكر وعمر، فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس، فقال عمرو: إنما قدمت علي مددا وأنا الأمير، فأطاعه ثم لقي جمعا فهربوا ثم قفل.
وفي هذه السرية [5] : أجنب عمرو فصلّى بأصحابه وهو جنب.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 95.
[3] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[5] في أ: «وفي هذه الغزاة» .(3/321)
أخبرنا ابن الحصين، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِيٍّ [1] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أحمد، قال: حدثني أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: لما بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام ذات السلاسل، قال: احتملت فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ [2] أَنْ أَهْلِكَ. فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي صَلاةَ الصُّبْحِ، [قَالَ:] [3] فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ» قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إني احتملت فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ [2] ، أَنْ أَهْلِكَ، وَذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً 4: 29 [4] [فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ] فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا [5]
. ومن الحوادث
سرية الخبط
[6] قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أبا عبيدة بن الجراح في ثلاثمائة رجل من المهاجرين والأنصار، وفيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رجب إلى حي من جهينة بالقبلية مما يلي ساحل البحر، وبينها وبين المدينة خمس ليال، فأصابهم [في الطريق] [7] جوع شديد، فأكلوا الخبط، وألقى لهم البحر حوتا عظيما، فأكلوا منه وانصرفوا ولم يلقوا كيدا.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْمُدَبِّرُ، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ محمد
__________
[1] في الأصل: «أخبرنا المذهب» .
[2] في الأصل: أغتسل.
[3] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[4] سورة: النساء، الآية: 29.
[5] الخبر في المسند 4/ 203، 204.
[6] السرية كلها ساقطة من الأصل، وأوردناه من أ. راجع ابن سعد 2/ 1/ 95. وانظر الطبري 2/ 147- 148 ط. الدار.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.(3/322)
السمناني، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شيبان، حدّثنا سفيان، سمع عمر، وجابر ابن عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
بَعَثَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم في ثلاثمائة رَاكِبٍ، وَأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي طَلَبِ عِيرِ قُرَيْشٍ، فَأَقَمْنَا عَلَى السَّاحِلِ حَتَّى فَنِيَ زَادُنَا وَأَكَلْنَا الْخَبَطَ، ثُمَّ أَنَّ الْبَحْرَ أَلْقَى إِلَيْنَا دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا نِصْفَ شَهْرٍ حَتَّى صَلُحَتْ أَجْسَامُنَا، وَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلاعِهَا فَنَصَبَهَا وَنَظَرَ إِلَى أَطْوَلِ بَعِيرٍ فِي الْجَيْشِ وَأَطْوَلِ رَجُلٍ، فَحَمَلُه عَلَيْهِ فَجَازَ تَحْتَهُ.
وَقَدَ كَانَ رَجُلٌ يَجُرُّ ثَلاثَ حَرَائِرَ، ثُمَّ نَهَاهُ عَنْهُ أَبُو عُبَيْدَةَ. وَكَانُوا يَرَوْنَهُ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ.
قال المصنف: هو قيس بن سعد بلا شك، وله في ذلك قصة قد ذكرتها في ترجمته]
. ومن الحوادث
سرية أبي قتادة بن ربعي الأنصاري إلى خضرة، وهي أرض محارب بنجد في شعبان
[1] وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعث أبا قتادة ومعه خمسة عشر رجلا إلى غطفان، وأمره أن يشن عليهم الغارة، فسار الليل وكمن النهار، فهجم على حاضر منهم عظيم فأحاط بهم وقاتل منهم رجال، فقتلوا [2] من أشرف لهم واستاقوا [النعم، فكانت] الإبل مائتي بعير، والغنم ألفي شاة، وسبوا سبيا كثيرا، وجمعوا الغنائم، فأخرجوا الخمس فعزلوه، وقسموا ما بقي على أهل السرية، فأصاب كل رجل اثنا عشر بعيرا، فصار في سهم أبي/ قتادة جارية وضيئة فاستوهبها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوهبها له، فوهبها النبي صلى الله عليه وسلم لمحمية بن جزء. وكانت غيبتهم خمس عشرة ليلة
. ومن الحوادث
سرية أبي قتادة الأنصاري إلى بطن أضم في رمضان
[3] .
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم لما هم بغزو أهل مكة بعث أبا قتادة في ثمانية نفر سرية
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 95. تاريخ الطبري 2/ 148 ط. الدار.
[2] في الأصل: «وقتل» والتصحيح من ابن سعد.
[3] طبقات ابن سعد 2/ 10/ 96 تاريخ الطبري 2/ 148- 149. وردت في الأصل «أطم» .(3/323)
إلى بطن إضم- وبينها وبين المدينة ثلاثة برد- ليظن ظان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه إلى تلك الناحية وتذهب بذلك الأخبار، وكان في السرية محلم بن جثامة، فمر عامر بن الأضبط فسلم بتحية الإسلام، فأمسك عنه القوم، وحمل عليه مسلم، فقتله وأخذ سلبه، فلما لحقوا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نزل فيهم القرآن: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ [لَسْتَ مُؤْمِناً] 4: 94 [1] . ولم يلقوا جمعا فانصرفوا فبلغهم أن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَجَّهَ إلى مكة فلقوه بالسقيا
. ومن الحوادث
غزاة الفتح وكانت في رمضان
[2] قال علماء السير: لما دخل شعبان على رأس اثنين وعشرين شهرا من صلح الحديبية كلمت بنو نفاثة- وهم من بني [بكر] [3]- أشراف قريش أن يعينوهم على خزاعة بالرجال والسلاح، فوعدوهم ووافوهم [بالوتير] متنكرين فيهم صفوان بن أمية، وحويطب، ومكرز فبيتوا خزاعة ليلا وهم غارون، فقتلوا منهم عشرين [رجلا] . ثم ندمت قريش على ما صنعت وعلموا أن هذا نقض للعهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج عمرو بن سالم الخزاعي في أربعين راكبا من خزاعة، فقدموا على رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم يخبرونه بالذي أصابهم ويستنصرونه، فقام وهو يجر رداءه، ويقول: «لا نصرت إن لم أنصر بني كعب [مما أنصر منه نفسي» ] [4] . وقدم أبو سفيان بن حرب، فسأله أن يجدد العهد فأبى فانصرف/ فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخفى أمره، وقال: «اللَّهمّ خذ على أبصارهم فلا يروني إلا بغتة» ، فلما أجمع السير كتب حاطب بن أبي بلتعة [إلى قريش] [5] يخبرهم بذلك، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليا والمقداد فأخذوا كتابه ورسوله [6] .
__________
[1] سورة: النساء، الآية: 94.
[2] المغازي للواقدي 2/ 780، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 96 وتاريخ الطبري 3/ 38، وسيرة ابن هشام 2/ 389، والاكتفاء 2/ 287، والكامل 2/ 116، والبداية والنهاية 4/ 278.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناه من ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[6] إلى هنا انتهى النقل من ابن سعد.(3/324)
أخبرنا هبة الله بن محمد، [أخبرنا الحسن بن عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أحمد، قال: حدثني أَبِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ:
أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، وَقَالَ مرة: إِنَُّ عبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ] [1] عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ، فَقَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ [2] ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً [3] مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا» . فَانْطَلَقْنَا تَتَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ. فَقُلْنَا:
لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ. قَالَ: فَأَخْرَجَتِ الْكِتَابَ مِنْ عِقَاصِهَا [4] ، فَأَخَذْنَا الْكِتَابَ فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [بِمَكَّةَ] [5] ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟» قَالَ: لا تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ مَنْ [كَانَ] مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٍ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ بِمَكَّةَ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا وَلا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلا أَرْضَى بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ» . فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقَ، فَقَالَ: «إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ:
اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» . رواه أحمد وأخرجاه في الصحيحين [6] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وهو في الأصل: «أخبرنا هبة الله بن محمد بإسناد له عن علي» .
[2] روضة خاخ: موضع بقرب حمراء الأسد من المدينة (معجم البلدان 2/ 335) .
[3] الظعينة: المرأة في هودجها.
[4] العقاص: خيط تشد به أطراف الذوائب (المعجم 2/ 621) .
[5] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[6] الحديث أخرجه أحمد في المسند 1/ 79، والبخاري في فضل الجهاد والسير 4/ 72، ومسلم 7/ 168، وأبو داود في الجهاد 1/ 262، والترمذي في التفسير 9/ 198 بتحفة الأحوذي.(3/325)
قال العلماء في السير [1] : وبعث رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى من حوله من العرب فجلهم أسلم وغفار ومزينة، وجهينة وأشجع [وسليم] ، فمنهم من وافاه بالمدينة ومنهم من لحقه في الطريق/ وكان المسلمون في غزاة الفتح عشرة آلاف، واستخلف رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وخرج يوم الأربعاء لعشر ليال خلون من شهر رمضان بعد العصر، وقد أقام الزبير فِي مائتين وعقد الألوية والرايات بقديد، ونزل مر الظهران عشاء، فأمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نارا، ولم يبلغ قريشا مسيره وهم مغتمون لما يخافون من غزوه إياهم، فبعثوا أَبَا سفيان يتحسس الأخبار، وقالوا: إن لقيت محمدا فخذ لنا منه أمانا.
فخرج أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء، فلما رأوا العسكر أفزعهم، وقد استعمل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على الحرس تلك الليلة عمر بن الخطاب، فسمع العباس [بن عبد المطلب] [2] صوت أبي سُفْيَان، فقال: أبا حنظلة، فقال: لبيك. قال: فما وراءك؟ قال:
هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عشرة آلاف، فأسلم ثكلتك أمك وعشيرتك، فأجاره وخرج به وبصاحبيه حتى أدخلهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلموا وجعل لأبي سفيان أن من دخل داره فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن.
ثم دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة في كتيبته [الخضراء] [3] وهو على ناقته القصواء بين أبي بكر وأسيد بن حضير، فقال أبو سفيان للعباس: لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما، فقال: ويحك إنه لَيْسَ بملك ولكنها نبوة، قال: نعم.
وأمر رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ سعد بن عبادة أن يدخل لمن كداء، والزبير أن يدخل من كدى، وخالد بن الوليد من الليط، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أذاخر، ونهى عن القتال غير أنه أمر بقتل ستة نفر وأربع نسوة: عكرمة بن أبي جهل فهرب ثم استأمنت له امرأته أم حكيم بنت الحارث فأمنه رسول/ الله صلى الله عليه وسلم، وهبار بن الأسود، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح فاستأمن له عثمان وكان أخاه من الرضاعة، ومقيس بن ضبابة قتله نميلة بن عبد الله
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 97.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.(3/326)
الليثي، والحويرث بن نفيل بن قصي قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعبد الله ابن هلال بن خطل قتله أبو برزة وقيل سعيد بن حريث، وهند بنت عتبة فأسلمت، وسارة مولاة عمرو بن هاشم [1] قتلت، وقريبة قتلت، [وفرتنا] [2] أومنت حتى ماتت في خلافة عثمان. وكل الجنود لم يلقوا جمعا غير خالد فإنه لقيه صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو، وعكرمة في جمع من قريش بالخندمة، فمنعوه من الدخول وشهروا السلاح ورموه بالنبل، فصاح خالد في أصحابه وقاتلهم فقتل أربعة وعشرين [رجلا] من قريش وأربعة [نفر] [3] من هذيل، فلما ظهر رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم [علي ثنية أذاخر رأى البارقة] [4] فقال: «ألم أنه عَن القتال؟» فقيل: خَالِد قوتل فقاتل. وقتل من المسلمين رجلان أخطئا الطريق:
كرز بن جابر، وخالد الأشقر.
وضربت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبة بالحجون، ودخل مكة عنوة، فأسلم الناس طائعين وكارهين، وطاف بالبيت على راحلته، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما فجعل كلما مر بصنم منها يشير إليه بقضيب في يده ويقول: «جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ» 17: 81 فيقع الصنم لوجهه، وكان أعظمها هبل وهو وجاه الكعبة، فجاء إلى المقام وهو لاصق بالكعبة فصلى خلفه ركعتين ثم جلس ناحية [من المسجد] [5] وأرسل بلالا إلى عثمان بن طلحة أن يأتي بمفتاح الكعبة فجاء به عثمان فقبضه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتح الباب ودخل الكعبة فصلّى فيها ركعتين، وخرج يدعى عثمان/ بن طلحة فدفع إليه المفتاح، وقال: «خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم» . ودفع السقاية إلى العباس [بن عبد المطلب] [6] ، وأذن بلال بالظهر فوق الكعبة، وكسرت الأصنام، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحى يومئذ ثمان ركعات.
__________
[1] في الأصل: «وسارة بنت عمرو» وما أوردناه من ابن سعد، وفي أ: «وسارة امرأة عمرو بن هاشم» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.(3/327)
أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: مَا أَخْبَرَنِي أَحَدٌ أَنَّهُ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى غَيْرَ أُمِّ هَانِئٍ، فَإِنَّهَا حَدَّثَتْهُ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَاغْتَسَلَ وَصَلَّى ثَمَانِ رَكْعَاتٍ مَا رَأَتْهُ صَلَّى صَلاةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1] .
وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني، فقال: « [إن الله قد] [2] حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ... » . وخطب على الصفا، وجلس رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي الصفا يبايع الناس على الإسلام، ثم بايع النساء، فجاءت هند متنكرة فبايعت، وجعلت تكسر صنمها وتقول:
كنا منك في غرور.
وما صافح امرأة في البيعة، وإنما كان يقول بلسانه، وقال يوم الفتح: «لا هجرة ولكن جهاد ونية» . أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنِ ابن عباس، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «لا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» وَجَلَسَ عَلَى الصَّفَا. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَقِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا علي بن عمر الدار الدَّارَقُطْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا سَلامُ بْنُ مِسْكِينٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ] [3] ، عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَارَ إِلَى مَكَّةَ ليفتحها صعد الصفا، فخطب الناس، فقالت
__________
[1] الخبر في المسند 6/ 342،
[2] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: «حرم الله مكة» ، وأوردناه من ابن سعد 2/ 1/ 99.
[3] في الأصل: «أخبرنا عبد الحق بإسناد له عن الدار الدّارقطنيّ، عن أبي هريرة» والسند أوردناه من أ.(3/328)