[المجلد الأول]
بسم الله الرّحمن الرّحيم المقدمة 1- تعريف التاريخ وأهميته وفوائده وفروعه.
2- ترجمة وافية لابن الجوزي.
3- كتاب المنتظم: ومنهجه وأسلوبه ومصادره، وأهميته، ومختصراته والذيول عليه.
4- عرض للمخطوطات التي تم الاستعانة بها واعتمادها في تحقيق الكتاب.
5- منهج التحقيق.
6- ثبت المراجع والمصادر المعتمدة عليها في التحقيق.(1/3)
[مقدمة المحقق]
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، رَبِّ الْعالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ. 1: 1- 7 والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا، وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا الله. 7: 43 وصلى الله على خيرته المصطفى لوحيه، المنتخب لرسالته، المفضل على جميع خلقه، بفتح رحمته، وختم نبوته، وأعم ما أرسل به مرسل قبله، المرفوع ذكره مع ذكره في الأولى، والشافع المشفع في الأخرى، أفضل خلقه نفسا، وأجمعهم لكل خلق رضيه في دين ودنيا، وخيرهم نسبا ودارا: محمد عبده ورسوله، وعلى آل محمد وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: فإن الحمد للَّه تعالى أن أعاننا على إخراج هذا الكتاب الّذي يعدّ موسوعة تاريخية نادرة لم يسبق لها مثيل. وكيف لا وصاحبه هو واحد من أساطين المؤرخين الذين برعوا في هذا المجال وفي غيره من فروع العلم، ألا وهو مؤرخ القرن السادس الهجريّ الإمام عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
فقد عاش الإمام ابن الجوزي في فترة تميزت بتغيرات سياسية واجتماعية واسعة النطاق، تخللته أيضا تيارات فكرية مختلفة، فقد عاش ابن الجوزي في مركز الخلافة العباسية بغداد، وأدرك معظم القرن السادس الهجريّ، وبذلك يكون قد عايش ستة من الخلفاء العباسيين هم: المسترشد باللَّه والّذي تولى الخلافة العباسية من عام 512 هـ-(1/5)
وحتى 529 هـ-. ثم الراشد باللَّه في الفترة ما بين سنة 529 هـ- وحتى 532 هـ-. ثم المقتفي لأمر الله من 532 هـ- وحتى 555 هـ-. ثم المستنجد باللَّه من 555 هـ- وحتى 566 هـ-. ثم المستضيء بأمر الله من 566 وحتى 575 هـ-. ثم أخيرا الناصر لدين الله الّذي تولى الخلافة عام 575 هـ- وحتى عام 622 هـ- وتوفي ابن الجوزي أثناء خلافته في عام 597 هـ-. فقد تميزت هذه الفترة بعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والفكري فكانت مادة خصبة للتأريخ، فلم يضن على المكتبة العربية الإسلامية بالجهد، وشمّر عن ساعديه، وقدح زناد فكره، فقدّم لنا هذه الموسوعة التاريخية الهائلة التي هي بين أيدينا الآن بعد غياب قرون عديدة.
فقد بذل فيه ابن الجوزي جهدا كبيرا لم تظفر به بقية مصنفاته إلى حدّ جعله يقوم باختصاره في كتاب آخر سمّاه «شذور العقود» [1] .
وبعد جهد متواضع منّا دام سنوات ثلاثا في تحقيق هذا الكتاب أصبح الآن في متناول أيدي طلبة العلم، وأضيف إلى المكتبة الإسلامية درّة ثمينة غابت طويلا إلى أن كتب الله تعالى لها الظهور.
وبعد: فنحن إذ نقدم لكتاب موسوعي مثل هذا لا بد في البداية أن نعرض للنقاط الرئيسية التي تشتمل عليها المقدمة وهي:
1- تعريف التاريخ وأهميته وفوائده وفروعه.
2- ترجمة وافية للمؤلف.
3- كتاب المنتظم: منهجه، وأسلوبه، ومصادره، وأهميته، مختصراته والذيول عليه.
4- عرض للمخطوطات التي تم الاستعانة بها واعتمادها في تحقيق الكتاب.
5- منهج التحقيق.
6- ثبت المراجع والمصادر التي تم الاعتماد عليها في التحقيق.
هذا وسنفرد جزءا- إن شاء الله- مستقلا للفهارس العلمية التي أعددناها والتي سنعرض لها في مقدمة الجزء الخاص بالفهارس.
__________
[1] قمنا بتحقيقه وهو قيد الطبع الآن.(1/6)
نرجو من الله تعالى أن يتقبل منا هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، ويكون لنا لا علينا يوم القيامة، إنه قريب مجيب.
ونأمل أن يحظى عملنا قبول طلبة العلم، وأن يجعل الله تعالى لهم فيه ضالتهم المنشودة، كما نرجو ممن تقع يده على خطأ أو زلة قلم أن يصححه ويلتمس لنا العذر، ويدعو الله أن يغفر لنا، فقد أبى الله تعالى أن يكمل إلا كتابه.(1/7)
- 1- تعريف التاريخ وأهميته وفوائده وفروعه
تعريف التاريخ لغة:
قال السخاوي في «الإعلان بالتوبيخ» [1] : التاريخ لغة الإعلام بالوقت، يقال:
أرخت الكتاب، وورخته، أي: بينت وقت كتابته.
قال الجوهري: التاريخ تعريف الوقت، والتوريخ مثله، يقال: أرخت وورخت.
وقيل: اشتقاقه من الأرخ- بفتح الهمزة وكسرها- وهو صغار الأنثى من بقر الوحش، لأنه شيء حدث كما يحدث الولد.
قال أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب في كتاب «الخراج» له: تاريخ كل شيء آخره، فيؤرخون بالوقت الّذي فيه حوادث مشهورة.
تعريف التاريخ اصطلاحا:
قال السخاوي في «الإعلان بالتوبيخ» : [2] وفي الاصطلاح: التعريف بالوقت الّذي تضبط به الأحوال من مولد الرواة والأئمة، ووفاة، وصحة، وعقل، وبدن، ورحلة، وحج، وحفظ، وضبط، وتوثيق، وتجريح، وما أشبه هذا، مما مرجعه الفحص عن أحوالهم في ابتدائهم وحالهم واستقبالهم، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة، من ظهور ملمة، وتجديد فرض، وخليفة، ووزير، وغزوة، وملحمة، وحرب، وفتح بلد وانتزاعه من متغلب عليه، وانتقال دولة، وربما يتوسع فيه لبدء الخلق وقصص
__________
[1] الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، للسخاوي صفحة 14- 17 ط. دار الكتب العلمية.
[2] الإعلان بالتوبيخ، صفحة 17.(1/8)
الأنبياء، وغير ذلك من أمور الأمم الماضية، وأحوال القيامة ومقدماتها مما سيأتي. أو دونها: كبناء جامع، أو مدرسة، أو قنطرة، أو رصيف، أو نحوها، مما يعم الانتفاع به مما هو شائع ومشاهد، أو خفي: سماوي: كجراد وكسوف وخسوف، أو أرضي: كزلزلة وحريق وسيل وطوفان وقحط وطاعون وموتان وغيرها من الآيات العظام والعجائب الجسام.
والحاصل أنه فن يبحث فيه عن وقائع من حيثية التعيين والتوقيت، بل عما كان في العالم.
أهمية التاريخ وفائدته:
قال ابن الجوزي في مقدمة هذا الكتاب [1] : وللسير والتواريخ فوائد كثيرة أهمها فائدتان:
إحداهما: أَنَّهُ إِن ذكرت سيرة حازم ووصفت عاقبة حاله، أفادت حسن التدبير واستعمال الحرم، أو سيرة مفرط ووصفت عاقبته أفادت الخوف من التفريط، فيتأدب المتسلط، ويعتبر المتذكر، ويتضمن ذَلِكَ شحذ صوارم العقول، ويكون روضة للمتنزه فِي المنقول.
وَالثَّانِيَة: أَن يطلع بِذَلِكَ عَلَى عجائب الأمور وتقلبات الزمن وتصاريف القدر، وسماع الأخبار.
وقال المسعودي [2] : إنه علم يستمتع به العالم والجاهل، ويستعذب موقعه الأحمق والعاقل، فكل غريبة منه تعرف، وكل أعجوبة منه تستظرف، ومكارم الأخلاق ومعاليها منه تقتبس، وآداب سياسة الملوك وغيرها منه تلتمس، يجمع لك الأول والآخر، والناقص والوافر، والبادي والحاضر، والموجود والغابر، وعليه مدار كثير من الأحكام، وبه يتزين في كل محفل ومقام، وإنه حمله على التصنيف فيه وفي أخبار العالم محبة احتذاء المشاكلة التي قصدها العلماء وقفاها الحكماء، وأن يبقى في العالم ذكرا محمودا، وعلما منظوما عتيدا.
__________
[1] انظر مقدمة الكتاب.
[2] انظر مقدمة مروج الذهب 1/ 4 ط القاهرة.(1/9)
فروع علم التاريخ:
قال السخاوي [1] : وأما التصانيف في التاريخ فكثيرة جدا، لا تدخل تحت الحصر، بحيث قال الحافظ العلاء مغلطاي الحنفي في كتاب «إصلاح ابن الصلاح» له فيما قرأته بخطه: رأيت من ملك نحوا من ألف تصنيف فيه.
ثم قال السخاوي: ورأيت بخط المؤرخ العمدة أبي عبد الله الذهبي ما نصه:
فنون التواريخ التي تدخل في تاريخي الكبير المحيط، ولم أنهض له، ولو عملته لجاء في ستمائة مجلد:
1- سيرة نبينا صلّى الله عليه وسلم.
2- قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
3- تاريخ الصحابة رضي الله عنهم.
4- تاريخ الخلفاء من الصحابة، ومن بني أمية، وبني العباس، ومعهم المروانية بالأندلس والعبيدية بالمغرب ومصر.
5- تاريخ الملوك والدول والأكاسرة والقياصرة ومعهم ملوك الإسلام: كابن طولون، والإخشيد، وابن بويه، وابن سلجوق ونحوهم. وملوك خوارزم، والشام، وملوك التتار، ومن لقّب بالملك.
6- تاريخ الوزراء أولهم: هارون عليه السلام، وأبو بكر وعمر، وطائفة.
وبعضهم دخل في الأنبياء، وفي الخلفاء، وغير ذلك، وفي الملوك.
7- تاريخ الأمراء، والأكابر، ونواب المماليك، وكبار الكتاب. ومنهم من الموقعين، وبعضهم أدباء وشعراء.
8- تاريخ الفقهاء وأصحاب المذاهب، وأئمة الأزمنة، والفرضيين.
9- تاريخ القراء بالسبع.
10- تاريخ الحفاظ.
11- تاريخ مشيخة المحدثين وأئمتهم.
12- تاريخ المؤرخين.
__________
[1] الإعلان بالتوبيخ، للسخاوي ص 150- 154.(1/10)
13- تاريخ النحاة، والأدباء، واللغويين، والشعراء، والبلغاء، والعروضيين، والحسّاب.
14- تاريخ العباد، والزهاد، والأولياء، والصوفية، والنساك.
15- تاريخ القضاة، والولاة ومعهم تاريخ الشهود، والأمناء.
16- تاريخ المعلمين، والوراقين، والقصاص، والطرقية، والغرباء.
17- تاريخ الوعاظ، والخطباء، وقراء الأنغام، والندماء، والمطربين.
18- تاريخ الأشراف، والأجواد، والعقلاء، والأذكياء، والحكماء.
19- تاريخ الأطباء، والفلاسفة، والزنادقة، والمهندسين، ونحو ذلك.
20- تاريخ المتكلمين، والجهمية، والمعتزلة، والأشعرية، والكرامية، والمجسمة.
21- تاريخ أنواع الشيعة، من الغلاة، والرافضة، وغير ذلك.
22- تاريخ فنون الخوارج، والنواصب، وأنواع المبتدعة وأهل الأهواء.
23- تاريخ أهل السنة من علماء الأمة، وصوفيتها، وفقهائها، ومحدثيها.
24- تاريخ البخلاء، والطفيلية، والثقلاء، والأكلة، وذوي الحمق والخيلاء، والسفهاء.
25- تاريخ الأضراء، والزمنى، والصم، والخرس، والحدبان.
26- تاريخ المنجمين، والسحرة، والكيميائيين، والمطالبين والمشعوذين.
27- تاريخ النسابين، والأخباريين، والأعراب.
28- تاريخ الشجعان، والفرسان، والشطار، والسعاة.
29- تاريخ التجار، وعجائب الأسفار، والبحار، وغرباء البحرية، والمجردين.
30- تاريخ أولي الصنائع العجيبة، والرشقين في أشغالهم، واقتراحاتهم، وتوليدهم فنون الأعمال.
31- تاريخ الرهبان، وأولي الصوامع، والخلوات والأحوال الفاسدة.(1/11)
32- تاريخ الأئمة، والمؤذنين، والموقتين، والمعبرين، والعامة.
33- تاريخ قطاع الطريق، والغداوية، ولعّاب الشطرنج والنرد والقمار.
34- تاريخ الملاح، والعشاق، والمتيمين، والرقاصين، وشربة الخمور، والعرر، وأهل الخلاعة، والقيادة، والكذب، والأبنة.
35- تاريخ أولي الدهاء والحزم والتدبير والرأي والخداع والحيل.
36- تاريخ المنديين، والمخايلين، والصانعين، والفرشيين، والمخنثين، وأهل المجون، والمزاح، والتجر، والتلار، والكذب.
37- تاريخ عقلاء المجانين، والموسوسين، والمتمرين، والمدمغين، والمطعومين.
38- تاريخ السائلة، والشحاذين، والمتمنين، والحرافشة والجمرية.
39- تاريخ قتلى القرآن والحب والسماع والفرع والحال.
40- تاريخ الكهان، وأولي الخوارق والكشف الّذي كأنه كرامات، من الفسقة وغيرهم
.(1/12)
- 2- الإمام ابن الجوزي مؤلف الكتاب [1]
اسمه ولقبه ونسبه ومولده:
هو عبد الرحمن بن علي بن محمد بن جعفر الجوزي. ينتهي نسبه إلى خليفة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبي بكر الصديق رضي الله عنه [2] . فهو عربي أصيل، قرشي تيمي.
واختلف في نسبة تقديما وتأخيرا، إلا أن أصح نسبة هي ما ضبطها سبطه في «مرآة الزمان» وهي: عبد الرحمن بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر الجوزي بن عبد الله بن القاسم بن النصر بن القاسم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسم بْن مُحَمَّد بْن أبي بكر الصديق رضي الله عنه [3] .
يكنى ابن الجوزي بأبي الفرج، وكان يلقب وهو صغير بالمبارك، ثم لقب بجمال الدين، شيخ وقته، وإمام عصره، والحافظ المفسر، والفقيه الواعظ، والأديب [4] .
أما عن نسبة الجوزي- بفتح الجيم وسكون الواو وبعدها زاي- فقد اختلف فيها العلماء. فقيل: إن جد الأسرة قد عرف بهذه النسبة لسكناه في دار بواسط بها جوزة لم يكن بواسط جوزة سواها. وقيل: إن هذه النسبة ترجع إلى بيع الجوز، أو إلى مشرعة الجوز ببغداد، وقيل غير ذلك.
__________
[1] البداية والنهاية 13/ 8. ووفيات الأعيان 2/ 322. والجامع المختصر، لابن الساعي 9/ 65. والنجوم الزاهرة 6/ 175. طبقات الحنابلة 1/ 399. وتاريخ ابن الوردي 2/ 169. ومرآة الزمان 8/ 310 لسبط ابن الجوزي. دول الإسلام 1/ 106. وتذكرة الحفاظ 4/ 1342.
[2] لفتة الكبد ص 90.
[3] مرآة الزمان 8/ 310.
[4] مرآة الزمان 8/ 310. ودول الإسلام 1/ 106. والذيل على طبقات الحنابلة 3/ 399- 400.(1/13)
قال سبط ابن الجوزي في «مرآة الزمان» : ورأيت بخط ابن دحية المغربي قال:
وجعفر الجوزي منسوب إلى فرضة من فرض البصرة يقال لها: جوزة [1] .
ولد ابن الجوزي بدرب حبيب ببغداد [2] ، واختلف المؤرخون في تاريخ ميلاده:
فذهب البعض إلى أنه ولد في سنة ثمان وخمسمائة. وقيل: سنة تسع. وقيل: سنة عشر.
ولكن ذكر سبطه في «مرآة الزمان» في حوادث عام 510 هـ-، قال: وفيها ولد جدي رحمه الله على وجه الاستنباط لا على وجه التحقيق. وقال: سألته عن مولده غير مرة وفي كلها يقول: ما أحقق ولكنه يكون تقريبا في سنة 510 هـ-[3] .
وقال الدمياطيّ في «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» نقلا من خط ابن الجوزي قوله: لا أحقق مولدي، غير أنه مات والدي في سنة أربع عشرة، وقالت الوالدة: كان لك من العمر نحو ثلاث سنين [4] .
وكذلك وجد بخط ابن الجوزي في كتابه «لفتة الكبد في نصيحة الولد» إشارة إلى أنه صنّفه سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، وقال: ولي من العمر سبع عشرة سنة [5] .
وبذلك يتحقق لنا تحديد ميلاد ابن الجوزي في سنة إحدى عشرة وخمسمائة هجرية.
نشأته العلمية ونبوغه:
ينتمي ابن الجوزي إلى أسرة اشتغلت بالتجارة، فكان والده يتجر في النحاس، لأنه قد وجدت في بعض الأسماع لابن الجوزي لقب «الصفّار» نسبة إلى النحاس [6] .
ويقول ابن الجوزي في «نصيحة الولد» : واعلم يا بني أننا من أولاد أبي بكر الصديق، ثم تشاغل سلفنا بالتجارة والبيع والشراء [7] .
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 310.
[2] مرآة الزمان 8/ 310. والنجوم الزاهرة 6/ 175.
[3] مرآة الزمان 8/ 310.
[4] المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ص 418.
[5] لفتة الكبد في نصيحة الولد، لابن الجوزي.
[6] مرآة الزمان 8/ 310.
[7] لفتة الكبد في نصيحة الولد، ص 47.(1/14)
وقال أيضا: واعلم يا بني أن أبي كان موسرا، وخلف ألوفا من المال [1] .
ويوضح ابن الجوزي حاله منذ صغره فيقول: إن أبي مات وأنا لا أعقل، والأم لا تلتفت إليّ [2] .
فقد كان والده قد توفي، وله من العمر ثلاث سنين، وبقيت والدته على قيد الحياة، حيث سبقها إلى الموت بأيام في عام 597 هـ-.
ولما بلغ ابن الجوزي سن التمييز مضت به عمته [3] إلى الشيخ أبي الفضل محمد بن ناصر، الفقيه اللغوي، الّذي تولى تعليم وتثقيف ابن الجوزي، فأحفظه القرآن والحديث. وساعده في الوصول إلى العلماء المتخصصين في شتى العلوم.
ويقول ابن الجوزي عن هذه الفترة من حياته: إن أكثر الإنعام عليّ لم يكن بكسبي، وإنما هو تدبير اللطيف بي، فإنّي أذكر نفسي ولي همة عالية وأنا في المكتب ابن ست سنين، وأنا قرين الصبيان الكبار، وقد رزقت عقلا وافرا في الصغر. فما أذكر أني لعبت في الطريق مع الصبيان قط، ولاضحكت ضحكا خارجا، حتى إني كنت ولي سبع سنين أو نحوها أحضر رحبة الجامع، فلا أتخير حلقة مشبعة، بل أطلب المحدث، فيتحدث بالسير فأحفظ جميع ما أسمعه، وأذهب إلى البيت فأكتبه، ولقد وفق لي شيخنا أبو الفضل بن ناصر رحمه الله، وكان يحملني إلى الشيوخ، فأسمعني المسند وغيره من الكتب الكبار، وأنا لا أعلم ما يراد مني، وضبط لي مسموعاتي إلى أن بلغت، فناولني ثبتها، ولازمته إلى أن توفي رحمه الله، فنلت به معرفة الحديث والنقل، ولقد كان الصبيان ينزلون إلى دجلة ويتفرجون على الجسر، وأنا في زمن الصغر آخذ جزءا من القرآن وأقعد حجزة من الناس، فأتشاغل بالعلم [4] .
ولقد كان ابن الجوزي شغوفا محبا لطلب العلم مهما كلفه من عناء في طلبه، فهو يقول في ذلك: ولقد كنت في حلاوة طلبي للعلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى
__________
[1] لفتة الكبد، ص 38.
[2] صيد الخاصر، لابن الجوزي، ص 192.
[3] وقيل أن عمه هو حمله إلى الشيخ ابن ناصر. انظر: المستفاد من ذيل تاريخ بغداد، للدمياطي- 416- 417. وذيل طبقات الحنابلة 1/ 401 والبداية والنهاية 13/ 29.
[4] لفتة الكبد في نصيحة الولد، لابن الجوزي ص 23- 24.(1/15)
من العسل لأجل ما أطلب وأرجو. كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم. وأثمر ذلك عندي من المعاملة ما لا يدرك بالعلم، حتى انني أذكر في زمان الصبوة ووقت الغلمة والعزبة قدرتي على أشياء كانت النفس تتوق إليها توقان العطشان إلى الماء الزلال، ولم يمنعني عنها إلا ما أثمر عندي من العلم من خوف الله عز وجل، ولولا خطايا لا يخلو منها البشر لكنت أخاف على نفسي من العجب [1] .
وكانت مدينة بغداد يومئذ شأنها في كل عهودها العربية الإسلامية زاخرة بالمعاهد والعلماء، ولم تفتر فيها الحركة العلمية إطلاقا، فساعد ذلك ابن الجوزي على الاختلاف إلى شيوخه في وقت مبكر في حياته حدده بعضهم بعام 516 هـ-، وآخرون بعام 520 هـ-. بيد أن ابن الجوزي كان أكثر تطرفا في هذا الشأن إذ ذكر سماعه على محمد بن محمد الخزيمي (ت 514 هـ-) وقال: «ورأيت من مجالسه أشياء قد علقت عنه فيها كلمات ولكن أكثرها ليس بشيء فيها أحاديث موضوعة وهذيانات فارغة يطول ذكرها» وكان عمره يومئذ في أكثر تقدير خمسة أعوام إذا أخذنا بتحديد ميلاده عام 508 هـ-، وإلا فإن عمره- في هذا النص لو صح- لا يتجاوز الثلاث سنين، وهو أمر مستبعد. ولكنه من الثابت أنه أقبل على الدرس منذ نعومة أظفاره يدفعه إلى ذلك تشجيع ذويه وميوله الذاتية. وقد أكسبه حب العلم والإقبال عليه ثقافة واسعة مستمدة من معاهد العلم في بغداد، لأنه لم يخرج منها طيلة حياته إلا لأداء فريضة الحج وأخيرا نفيه إلى واسط، ومن ثم فإن ثقافته بغدادية خالصة، ولا يقدح بثقافته كونها لم تتجاوز حدود بغداد إلى غيرها من الحواضر الإسلامية، ذلك أن بغداد كانت ملتقى رجال العلم والفكر من شتى أنحاء العالم الإسلامي، ومن هنا فهي تمثل عالم الإسلام كله من أقصاه إلى أقصاه بلا استثناء [2] .
وليس أدلّ على أن ابن الجوزي يعد من أئمة عصره في شتى العلوم، من قول أئمة
__________
[1] صيد الخاصر. لابن الجوزي ص 191، 192.
[2] كتاب المنتظم، دراسة في منهجه وموارده وأهميته، للدكتور حسن عيسى علي الحكيم. ص 46، 47. ط عالم الكتب بيروت.(1/16)
النقد فيه فقد قال عنه الإمام الذهبي: وله في كل علم مشاركة، لكنه كان في التفسير من الأعيان، وفي الحديث من الحفاظ، وفي التاريخ من المتوسعين، ولديه فقه كاف، وأما السجع الوعظي فله فيه ملكة قوية [1] .
فلم يقتصر ابن الجوزي على فن واحد من فنون العلم، فهو نفسه يقول: «ولم أقنع بفن واحد، بل كنت أسمع الفقه والحديث، وأتبع الزهاد، ثم قرأت العربية، ولم أترك أحدا ممن يروي ويعظ، ولا غريبا يقدم، إلا وأحضره وأتخير الفضائل» [2] .
ففي علم التفسير كان من الأعيان كما قال عنه الذهبي، فقد فسّر القرآن كله في مجلس الوعظ، كما قال: «ما عرفت واعظا فسر القرآن كله في مجلس الوعظ منذ نزل القرآن، فالحمد للَّه المنعم» [3] وقد كان من أبرز ما ألّف ابن الجوزي في القرآن الكريم هو كتاب «زاد المسير في علم التفسير» ، و «المغني» .
وفي علم الحديث كان من الحفاظ، فقد كتب الحديث وله إحدى عشرة سنة، وسمع قبل ذلك على حدّ قوله [4] . قال أبو محمد الدبيثي: إليه معرفة الحديث وعلومه والوقوف على صحيحه وسقيمه، وله فيه المصنفات من المسانيد والأبواب والرجال ومعرفة ما يحتج به. وقال ابن الساعي في «الجامع المختصر» : روى الحديث عن خلق كثير وسمع الناس منه وانتفعوا به وكتب بخطه ما لا يدخل تحت الحصر، وخرج التخاريج، وجمع شيوخه، وأفرد المسانيد، وبيّن الأحاديث الواهية والضعيفة [5] . وقد كان من أبرز مؤلفاته في الحديث: «جامع المسانيد» ، و «الحدائق» ، و «الموضوعات» .
وفي الوعظ هو عالم العراق وواعظ الآفاق، فقد بدأ ابن الجوزي الوعظ في التاسعة من عمره، وهو سن مبكر يدل على ذاكرة واعية، وبديهة حاضرة، وذكاء حاد، ونبوغ مبكر، لأن وعظه في هذه السن كان له أثره، وكان يحضر مجلس وعظه الكثيرون، يسمعون له، ويتأثرون به، فيقول ابن الجوزي عن مدى تأثيره في الناس: «وضع الله لي
__________
[1] تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1347.
[2] صيد الخاصر ص 135. ولفتة الكبد ص 24. كلاهما لابن الجوزي.
[3] المنتظم 10/ 251 من طبعة الهند، الجزء الثامن عشر من هذه الطبعة.
[4] المنتظم 7/ 182 من طبعة الهند.
[5] الجامع المختصر لابن الساعي 9/ 66.(1/17)
القبول في قلوب الخلق فوق الحد، وأوقع كلامي في نفوسهم، فلا يرتابون بصحته، وقد أسلم على يدي نحو مائتين من أهل الذمة، ولقد تاب في مجالسي أكثر من مائة ألف، وقد قطعت أكثر من عشرين ألف سالف مما يتعاناه الجهال» [1] .
وفي حقيقة الأمر أن ابن الجوزي كواعظ يحتاج إلى دراسة متوسعة تتناول أسلوبه ومنهجه ونماذج من وعظه وأثر وعظه على المجتمع الّذي كان يعيش فيه، مما يجعلنا نقتصر في هذا المقام على مجرد الإشارة إلى ابن الجوزي الواعظ كجانب من جوانب نبوغه وعلمه فقط.
قال ابن رجب: «إن مجالسه الوعظية لم يكن لها نظير، ولم يسمع بمثلها، وكانت عظيمة النفع، يتذكر بها الغافلون، ويتعلم منها الجاهلون، ويتوب فيها المذنبون، ويسلم فيها المشركون» [2] .
ولعل من أبرز ما كتبه في الوعظ: «التبصرة» ، و «المنتخب» ، و «المدهش» ، و «بحر الدموع» .
أما في الفقه فلا بد وأن يكون فقيها، وكيف لا وهو الواعظ المفسر الحافظ، فهو حنبلي المذهب مجتهد في بعض الآراء، فمن أبرز ما ألّف في الفقه: «الإنصاف في مسائل الخلاف» و «عمدة الدلائل في مشهور المسائل» و «المذهب في المذهب» و «مسبوك الذهب» وغير ذلك.
وفي التاريخ هو من المتوسعين، وليس أدل على ذلك من كتاب «المنتظم» هذا الّذي نحن بصدد التقديم له. كما أن كتب المناقب التي كتبها تعد موسوعة تاريخية متخصصة كل في موضوعة، منها «مناقب أحمد بن حنبل» ، و «مناقب بغداد» ، و «مناقب الحسن البصري» ، و «مناقب عمر بن الخطاب» ، و «مناقب عمر بن عبد العزيز» ، و «مناقب سفيان الثوري» وغيرها.
هذا بالإضافة إلى نبوغه في الأدب واللغة والشعر، فقد قال الذهبي: «ونظم الشعر المليح وكتب بخطه ما لا يوصف، ورأى من القبول والاحترام ما لا مزيد عليه» [3] .
__________
[1] لفتة الكبد، لابن الجوزي ص 251.
[2] الذيل على طبقات الحنابلة، لابن رجب 3/ 41.
[3] العبر في خبر من غبر، للذهبي 4/ 297، 298.(1/18)
الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية في عصر ابن الجوزي:
عاش الإمام ابن الجوزي في القرن السادس الهجريّ، والّذي يعد من أهم القرون المؤثرة في الساحة العربية من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية، والّذي شهد اضطرابات سياسية واجتماعية وفكرية واسعة النطاق.
فمن الناحية الاجتماعية كانت هناك اضطرابات اجتماعية خطيرة، فقد كان هناك تفاوت في المجتمع من حيث المستوى الاجتماعي، يرجع ذلك إلى اختلاف الدخول، فقد كانت هناك طبقة الأثرياء الذين يمتلكون الأموال الطائلة، بينما هناك من لا يجد قوت يومه، أدى ذلك إلى ظهور طبقة العيارين والشطار، الذين عاثوا في البلاد فسادا، وقد زاد من انتشارهم ضعف السلطة وعدم الاستقرار السياسي.
وقد رأى ابن الجوزي بأم عينه اتساع الفتن الاجتماعية الناجمة من الصراعات الطائفية، ومن غارات البدو والقبائل على الآمنين، وهذه ناتجة من بعض ما أفرزه القلق والفوضى السائدان في القرن السادس الهجريّ الّذي سيطر فيه السلاجقة. وقد حفل كتاب «المنتظم» بأخبار الكثير من الحوادث المؤسفة والخطيرة التي كانت تتعرض إليها بغداد، بلا مبرر سوى الرضوخ الأهوج إلى بعض الرواسب التقليدية، كما كانت بعض المدن العراقية الأخرى عرضة لهجمات بعض القبائل المتمردة على النظام وتجرد قوافل الحجاج من الأموال والمتاع، وتعريض أرواحهم إلى الخطر [1] .
أما الناحية السياسية فقد شهد عصر ابن الجوزي سقوط الدولة الفاطمية سنة 567 هـ-، وقيام الدولة الأيوبية وتجديد شباب الخلافة العباسية في عهد الناصر لدين الله.
أما الناحية الاقتصادية فقد كان لسوء توزيع الثروة بين الناس أثره الشديد على تنعم بعض الطبقات بالأموال الطائلة والثروات الكبيرة وحرمان الآخرين، مما أثر على ترابط المجتمع وعدم تماسكه. وعلى الرغم من ذلك فلم يكن هناك توازن بين دخول الناس والضرائب المفروضة عليهم، فقد تعسفت السلطة في جمع الضرائب من الناس على الرغم من سوء الأحوال الاقتصادية.
__________
[1] كتاب المنتظم، دراسة في منهجه وموارده وأهميته، للدكتور حسن عيسى علي الحكيم، ص 31.(1/19)
أما الناحية الفكرية فقد تميز عصر ابن الجوزي بكثرة العلماء والمفكرين، كما اتسع تيار الصوفية الّذي كان له اتجاهان: أحدهما التزهد والبعد عن مباهج الحياة، والآخر الشعوذة والتمسك بالخرافات والأساطير.
وقد كان ابن الجوزي بحكم مذهبه الحنبلي المتشدد معاديا للمذاهب العقلية والفلسفية، مما أدى إلى وجود صراع بينهما.
شيوخ ابن الجوزي:
أخذ ابن الجوزي علومه من كبار علماء بغداد في عصره، وقد جمع شيوخه في «مشيخته» [1] ذكر منهم ستة وثمانين شيخا وثلاث شيخات. نذكر منهم ما يلي، مرتبة أسماؤهم على حروف المعجم:
1- إبراهيم بن دينار النهرواني، أبو حكيم.
كان من العلماء العاملين بالعلم، زاهدا، عابدا، متواضعا، عالما بالفرائض.
تولى المدرسة التي بناها عمرو بن الشمحل بالمأمونية، بعد وفاة شيخه. صنف كتاب «شرح النهاية» ولم يتمه.
قال ابن الجوزي: قرأت عليه القرآن والمذهب والفرائض.
توفي سنة 556 هـ-. [2] .
2- أحمد بن أحمد المتوكلي.
انفرد ابن الجوزي بالرواية عنه. قال ابن الجوزي: كان سماعه صحيحا، وسمعت منه الحديث، وكتب لي إجازة بخطه فذكر فيها نسبه الذي ذكرته.
توفي في سنة 521 هـ-. [3] 3- أحمد بن الحسين بن أحمد بن محمد البغدادي، أبو العباس، المعروف بالعراقي. نزيل دمشق.
__________
[1] مخطوط بالمكتبة الظاهرية بدمشق.
[2] انظر: الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 239. والمنتظم، الجزء 18 (انظر الفهرست) . والوافي بالوفيات 5/ 347. والمشيخة ق 14/ أ.
[3] المشيخة 1/ ب، 2/ أ. وذيل طبقات الحنابلة 1/ 401.(1/20)
عالم بالقراءات، وسمع الحديث على العديد من العلماء.
توفي في سنة 588 هـ-. [1] 4- أحمد بن عبيد الله بن محمد السلمي، أبو العز، المعروف بابن كادش العكبريّ.
كان محدثا مكثرا، واتهمه بعض العلماء بالخلط. وتوفي في سنة 526 هـ-. [2] 5- أحمد بن علي بن الحسن بن البناء، أبو غالب، البغدادي. المعروف بمسند العراق ومسند بغداد.
سمع منه ابن الجوزي الحديث، وقال عنه: كان ثقة.
توفي في عام 527 هـ-. [3] 6- أحمد بن علي بن محمد بن المجلي البزاز، أبو السعود، البغدادي.
سمع منه ابن الجوزي الحديث.
وتوفي في سنة 525 هـ-. [4] 7- أحمد بن محمد بن الحسن البغدادي، أبو سعد، البغدادي الأصبهاني.
قال ابن الجوزي: سمعت منه الكثير ورأيت أخلاقه اللطيفة ومحاسنه الجميلة.
توفي في سنة 540 هـ-. [5] 8- أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي الفتح الدينَوَريّ، أبو بكر، البغدادي.
كان من أئمة الحنابلة في بغداد، تفقه وسمع الحديث على جماعة من العلماء، وبرع في الفقه.
توفي في سنة 532 هـ-. [6]
__________
[1] انظر: شذرات الذهب 4/ 292.
[2] انظر: العبر 4/ 68. والمنتظم الجزء الثامن عشر (انظر الفهرست) .
[3] انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1288. ودول الإسلام 2/ 28. والعبر 4/ 27. وعيون التواريخ 12/ 274.
والمشيخة 2/ أ.
[4] انظر: المشيخة 5/ أ.
[5] انظر: شذرات الذهب 4/ 125. والمشيخة 4/ أ. ومرآة الجنان 3/ 273. والمنتظم، الجزء الثامن عشر (انظر الفهرست) .
[6] طبقات المفسرين 1/ 271. والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد، 418. والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 191.(1/21)
9- أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي، أبو نصر.
سمع منه ابن الجوزي، وابن ناصر. قال ابن الجوزي: سمعت منه الحديث وأجاز لي جميع رواياته وأنشدني أشعارا حسنة.
توفي في سنة 525 هـ-. [1] 10- أحمد بن منصور بن أحمد الصوفي، أبو نصر، الهمذاني.
قال ابن الجوزي: كان حسن الصورة، مليح الشيبة، لطيف الخلقة مائلا إلى أهل الحديث والسنة، كثير التهجد.
توفي في سنة 536 هـ-. [2] 11- إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي، أبو القاسم.
سمع من شيوخ بغداد ودمشق وغيرهم. قال ابن الجوزي: كان له يقظة ومعرفة بالحديث، وأملى بجامع المنصور زيادة على ثلاثمائة مجلس.
توفي في سنة 536 هـ-[3] .
12- إِسْمَاعِيل بن أحمد بن محمود بن دوست، أبو البركات، الصوفي، المعروف بشيخ الشيوخ.
كان جليل القدر مهيبا وقرا مصونا، سمع الحديث على جماعة من العلماء.
توفي في سنة 541 هـ-[4] .
13- الحسن بن أحمد بن محبوب، أبو علي القزاز.
المتوفى عام 550 هـ[5] .
14- الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْوَهَّاب الدباس، البغدادي، أبو عبد الله، المعروف بالبارع.
__________
[1] انظر: العبر 4/ 64. وعيون التواريخ 12/ 223. والمشيخة 5/ ب. وطبقات الشافعية 6/ 58- 59.
[2] انظر: المشيخة 11/ ب. والمنتظم، الجزء الثامن عشر (انظر الفهرست) .
[3] انظر: المشيخة 3/ أ. ودول الإسلام 2/ 55. والكامل لابن الأثير 11/ 90 والمنتظم، الجزء الثامن عشر (انظر الفهرست) .
[4] انظر: شذرات الذهب 4/ 128. ومرآة الجنان 3/ 274.
[5] انظر: المشيخة 11/ ب.(1/22)
كان فاضلا عارفا باللغة والأدب، وله شعر مليح. سمع منه ابن الجوزي الحديث.
توفي عام 543 هـ-[1] .
15- زاهر بن طاهر بن أبي عبد الرحمن الشحامي النيسابورىّ، أبو القاسم.
مسند خراسان ونيسابور، كان إماما في الحديث مكثرا عالي الإسناد، صدوقا في الرواية لكنه يخل في الصلوات.
توفي سنة 533 هـ-[2] .
16- سعد الله بن محمد بن علي بن أحمدي، البزاز، أبو البركات.
توفي عام 557 هـ-[3] .
17- سعد الله بن نصر بن سعيد الدجاجي البغدادي، أبو الحسن.
من أعيان الفقهاء الفضلاء وشيوخ الوعاظ النبلاء، كان لطيف الكلام حلو الإيراد، ملازما للمطالعة. كان يخالط الصوفية ويحضر معهم السماعات.
توفي عام 564 هـ-[4] .
18- سعد الخير بن محمد بن سعد المغربي الأندلسي الأنصاري.
كان فقيها عالما متقنا، وكان ثقة صحيح السماع.
توفي سنة 541 هـ-[5] .
19- سعيد بن أحمد بن الحسن بن عبد الله البناء، أبو القاسم.
كان عالما بالحديث، قرأ عليه ابن الجوزي كثيرا من حديثه.
__________
[1] انظر: المنتظم، الجزء الثامن عشر (انظر الفهرست) . والكامل، لابن الأثير.
[2] انظر: ميزان الاعتدال 2/ 64. ولسان الميزان 2/ 470. والمنتظم، الجزء الثامن عشر. والمغني للذهبي 1/ 236. والمستفاد للدمياطي ص 345.
[3] انظر: المشيخة 5/ أ. والمنتظم، الجزء الثامن عشر.
[4] انظر: المنتظم، الجزء الثامن عشر. وفوات الوفيات 2/ 46.
[5] المشيخة 9/ ب. والمنتظم، الجزء الثامن عشر. العبر للذهبي 4/ 112- 113. ومرآة الجنان 3/ 274، 275. والمستفاد ص 348.(1/23)
توفي سنة 550 هـ-[1] .
20- سلمان بن مسعود بن الحسين، القصّاب، الشحام، أبو محمد.
كان سماعه صحيحا، قرأ عليه ابن الجوزي الحديث.
توفي سنة 551 هـ-. [2] 21- شهدة بنت أحمد- أبو نصر- بن الفرج، الدينَوَريّ البغدادي، المعروفة بفخر النساء، ومسندة العراق، والكاتبة.
كانت من العلماء، وكتبت الخط الجيد، وسمع عليها خلق كثير، وكان لها السماع العالي، ألحقت فيه الأصاغر بالأكابر.
توفيت سنة 574 هـ-. [3] 22- صافي بن عبد الله الجمالي عتيق أبي عبد الله بن جردة.
قرأ ابن الجوزي عليه الحديث، وكان شيخًا مليح الشيبة، ملازمًا للصلوات في جماعة.
توفي سنة 545 هـ-. [4] 23- طاهر بن محمد بن طاهر، المقدسي الهمذاني، أبو زرعة.
كان من المشهورين بعلو الإسناد وكثرة السماع.
توفي سنة 566 هـ-. [5] 24- ظفر بن علي الهمذاني.
__________
[1] المشيخة 6/ ب. والمنتظم، الجزء الثامن عشر.
[2] انظر: المشيخة 13/ ب.
[3] انظر: الكامل. لابن الأثير 11/ 454. ومرآة الزمان 8/ 1، 352. والنجوم الزاهرة 6/ 84. ووفيات الأعيان 2/ 477. والمنتظم، الجزء الثامن عشر. ودول الإسلام 2/ 87.
[4] انظر: المشيخة 18/ أ، ب. والمنتظم الجزء الثامن عشر.
[5] انظر: وفيات الأعيان 4/ 288. والعبر 4/ 193. والمستفاد ص 372، والبداية والنهاية 12/ 264.
والمشيخة 10/ أ.(1/24)
لم يعلم سنة وفاته ولا ميلاده، وقد ذكر ابن الجوزي في المشيخة أنه سمع منه سنة 534 هـ-[1] .
25- عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الله، المقرئ البغدادي، أبو محمد.
شيخ المقرءين بالعراق أو مقرئ العراق. كان كثير التلاوة، لطيف الأخلاق، ظاهر الكياسة والظرافة، حسن المعاشرة للعوام والخواص [2] .
26- عبد الله بن محمد بن أبي بكر الشاشي، أبو محمد.
كان فاضلا ظريف الشمائل مليح المحاورة، حسن العبارة.
توفي سنة 528 هـ-. [3] 27- عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزيّ الهروي، أبو الوقت.
كان شيخا صالحا وصبورا على القراءة.
توفي سنة 553 هـ-. [4] 28- عبد الحق بن عبد الخالق.
صرّح ابن الجوزي بالسماع منه سنة 559 هـ-[5] .
29- عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر البغدادي، أبو الفرج، محدّث بغداد.
كان من المكثرين سماعا وكتابة وله فهم وضبط ومعرفة بالنقل.
توفي سنة 548 هـ-. [6]
__________
[1] المشيخة 10/ ب.
[2] انظر: العبر 2/ 58، 4/ 113. والكامل 11/ 118. وشذرات الذهب 4/ 129. والمنتظم، الجزء الثامن عشر.
[3] انظر: الكامل 11/ 18. والمنتظم، الجزء الثامن عشر.
[4] انظر: المشيخة 2/ أ. والعبر 4/ 152. ودول الإسلام 2/ 70. ومرآة الجنان 3/ 304. والمستفاد 406، 407.
[5] انظر: المشيخة 14/ أ.
[6] انظر: المشيخة 8/ ب. والمنتظم، الجزء الثامن عشر. والعبر 4/ 130، 131. وشذرات الذهب 4/ 148.(1/25)
30- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد القزاز، أبو منصور القزاز الشيبانيّ البغدادي، المعروف بابن زريق.
كان صالحا كثير الرواية، ساكتا قليل الكلام، خيرا سليما صبورا على العزلة، حسن الأخلاق.
توفي سنة 535 هـ-. [1] 31- عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل، أبو الفتح الكروخي.
كان خيّرا صالحا صدوقا، ورعا ثقة.
توفي سنة 548 هـ-. [2] 32- عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن، أبو البركات الأنماطي البغدادي. محدّث بغداد.
كان صحيح السماع ثقة ثبتا، جمع الفوائد وخرّج التخاريج.
توفي سنة 538 هـ-. [3] 33- علي بن أحمد بن الحسن بن عبد الباقي الموحد، أبو الحسن، المعروف بابن البقشلان.
المتوفى سنة 530 هـ-. [4] 34- علي بن الحسن الغزنوي الملقب بالبرهان، أبو الحسن.
المتوفى سنة 551 هـ-[5] .
35- علي بن عبد الواحد بن أحمد، أبو الحسن، الدينَوَريّ.
المتوفى سنة 521 هـ-[6] .
__________
[1] انظر: المشيخة 6/ ب. والعبر 4/ 96. وعيون التواريخ 12/ 366. ومرآة الزمان 8/ 178.
[2] انظر: المشيخة 3/ ب. والمنتظم، الجزء الثامن عشر. والعبر 4/ 131. وشذرات الذهب 4/ 148.
والكامل 11/ 190.
[3] انظر: المشيخة 3/ ب. والمنتظم، الجزء الثامن عشر. ودول الإسلام 2/ 56. وتذكرة الحفاظ 4/ 1282. وطبقات الحفاظ للسيوطي ص 465. وعيون التواريخ 12/ 384.
[4] انظر: المشيخة 2/ ب. والمنتظم الجزء الثامن عشر.
[5] انظر: المنتظم، الجزء الثامن عشر. والكامل 11/ 217. والبداية والنهاية 12/ 235. وعيون التواريخ 12/ 493.
[6] انظر: المشيخة 1/ ب. وعيون التواريخ 12/ 196. والعبر 4/ 50. ومرآة الجنان 3/ 228. وشذرات الذهب 4/ 64.(1/26)
36- علي بن عبيد الله بن نصر بن السري، أبو الحسن الزغواني. أحد أعيان شيوخ الحنابلة. صاحب التاريخ. المتوفى سنة 527 هـ-[1] .
37- علي بن المبارك المقرئ الزاهد، المعروف بابن الفاعوس، أبو الحسن.
المتوفى سنة 521 هـ-[2] .
38- علي بن محمد بن علي الزيتوني، أبو الحسن المعروف بالبراندسي، الحنبلي، المقرئ الفقيه، الضرير.
كان من أهل القرآن. توفي سنة 586 هـ-[3] .
39- علي بن محمد بن أبي عمر، البزاز الدباس، أبو الحسن.
المتوفى سنة 549 هـ-[4] .
40- علي بن محمد القزاز. ذكره ابن الجوزي في المشيخة [5] .
41- عمر بن أبي الحسن البسطامي، أبو شجاع.
كان حافظا مفسرا واعظا أديبا مفتيا. توفي سنة 542 هـ-[6] .
42- عمر بن ظفر المغازلي، أبو حفص البغدادي. المقرئ المحدث الصالح.
مفيد بغداد ومحدثها. المتوفى سنة 542 هـ-. [7] 43- محمد بن الحسن بن علي بن الحسن، أبو غالب، الماوردي البصري.
كان شيخا صالحا، سمع الحديث بالبصرة وبغداد وأصبهان.
وتوفي سنة 525 هـ-. [8] 44- محمد بن الحسين بن علي، أبو بكر المزوني الشيبانيّ.
__________
[1] انظر: المشيخة 3/ أ. والمنتظم الجزء الثامن عشر. والعبر 4/ 72. ومرآة الجنان 3/ 252. وشذرات الذهب 4/ 81.
[2] انظر: المشيخة 7/ أ. والمنتظم، الجزء الثامن عشر.
[3] انظر: شذرات الذهب 4/ 286. والمنتظم الجزء الثامن عشر.
[4] انظر: المشيخة 8/ ب. والمنتظم الجزء الثامن عشر.
[5] انظر: المشيخة 9/ ب.
[6] انظر: المشيخة 8/ ب. والمنتظم، الجزء الثامن عشر. وشذرات الذهب 4/ 206.
[7] انظر: المشيخة 8/ أ. والعبر 4/ 115. وطبقات الحفاظ 4/ 1294.
[8] انظر: المشيخة 2/ ب. وشذرات الذهب 4/ 75. والعبر 4/ 66.(1/27)
كان إماما في القرآن والفرائض، وسمع الحديث من مشايخ عدة [1] .
45- محمد بن أبي طاهر عبد الباقي الأنصاري، البصري البغدادي، أبو بكر.
كان ثبتا حجة متقنا في علوم كثيرة، وله الإسناد العالي. توفي سنة 535 هـ-. [2] 46- محمد بن عبد الله بن أحمد بن حبيب العامري، المعروف بابن الخبازة، أبو بكر.
كان متكلما على طريقة المتصوفة، وله معرفة بالحديث والفقه.
توفي سنة 530 هـ-. [3] 47- محمد بْن عبد الباقي بْن أحمد بْن سلمان، أبو الفتح، المعروف بابن البطي، مسند العراق، المتوفى سنة 561 هـ-. [4] 48- محمد بن عبد الملك بن الحسن بن إبراهيم بن حيرون، أبو منصور، مقرئ العراق.
كان ثقة وسماعه صحيح. وتوفي سنة 539 هـ-[5] .
49- محمد بن عمر بن يوسف الارموي، أبو الفضل، المتوفى سنة 547 هـ-[6] .
50- محمد بن ناصر بن محمد بن علي السلامي، البغدادي، أبو الفضل.
محدث العراق، وحافظ بغداد، ومسندها. كان حافظا ضابطا متقنا ثقة لا مغمز فيه.
توفي سنة 550 هـ-[7] .
__________
[1] انظر: المشيخة 1/ ب. وذيل طبقات الحنابلة 1/ 179. وشذرات الذهب 4/ 82. والمنتظم الجزء الثامن عشر.
[2] انظر: المشيخة 11/ أ. والكامل 11/ 80. والمنتظم الجزء الثامن عشر. ومرآة الزمان 8/ 178. والعبر 4/ 97.
[3] انظر: المشيخة 9/ أ. والكامل 11/ 46. والوافي 3/ 349.
[4] انظر: المشيخة 11/ أ. والعبر 4/ 188. والمنتظم الجزء الثامن عشر.
[5] انظر: المشيخة 3/ أ. والعبر 4/ 109. ومرآة الجنان 3/ 271.
[6] انظر: المشيخة 5/ ب. والعبر 4/ 127. ومرآة الجنان 3/ 285. والشذرات 4/ 145. والمستفاد ص 172.
[7] انظر: المشيخة 7/ ب. والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 228. وتذكرة الحفاظ 4/ 1292. والوافي 5/ 105. ومرآة الجنان 3/ 296.(1/28)
51- هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بن الحصين الشيبانيّ، أبو القاسم، الكاتب.
كان ثقة صحيح السماع، مسند العراقيين ومسند العراق.
توفي سنة 525 هـ-[1] .
52- يحيى بن ثابت بن بندار البغدادي البقال، أبو القاسم.
المتوفى سنة 566 هـ-[2] .
إلى غير هؤلاء من الشيوخ الذين ذكرهم ابن الجوزي في مشيخته.
مؤلفات ابن الجوزي:
بدأ ابن الجوزي في التصنيف في وقت مبكر من عمره، إذ أنه بدأ التصنيف وعمره ثلاثة عشر عاما في الوعظ.
وقد اختلف المؤرخون في عدد تصانيف ابن الجوزي، فقد قام الأستاذ عبد الحميد العلوجي ببليوغرافيا عن مؤلفات ابن الجوزي [3] . أحصى فيها بدليل نقدي مقارن مرتب على حروف الهجاء حوالي 519 كتابا مما أوردته المصادر منسوبا لابن الجوزي ذاكرا مظان ذكرها أو وجودها وأرقام المخطوطات الباقي منها في مكتبات العالم المختلفة. واستدرك عليه زملاؤه الأساتذة: محمد الباقر، وهلال ناجي، وناجية عبد الله بعض المؤلفات التي لم يذكرها.
وقد يرجع سبب الاختلاف في عدد مؤلفات ابن الجوزي إلى أن كثيرا من مؤلفاته تتضمن مختصرات لمؤلفات سابقة عليه أو تكميلها أو مختصرات لمؤلفات له. يتضح لنا ذلك من اختلاف أقوال ابن الجوزي نفسه في عدد مؤلفاته.
فنجده يذكر في كتاب «دفع شبهة التشبيه» أن مؤلفاته قد بلغت وقت تأليفه هذا الكتاب: مائتين وخمسين مصنفا.
وذكر في شعره أثناء سجنه في محنته أن مصنفاته قد بلغت ثلاثمائة مصنف [4] .
__________
[1] انظر: المشيخة 1/ أ. والبداية والنهاية 12/ 202. ومرآة الجنان 3/ 245. والمستفاد ص 612. ودول الإسلام 2/ 47. والمنتظم الجزء الثامن عشر.
[2] انظر: المشيخة 2/ أ. وشذرات الذهب 4/ 218. والعبر 4/ 194.
[3] مؤلفات ابن الجوزي، عبد الحميد العلوجي. ط بغداد 1965.
[4] مرآة الزمان، سبط ابن الجوزي 8/ 282.(1/29)
وقد سئل مرة عن عدد مؤلفاته فقال: زيادة على ثلاثمائة وأربعين مصنفا منها ما هو عشرون مجلدا ومنها ما هو كرأس واحد [1] .
وقد سئل الإمام ابن تيمية في الأجوبة المصرية عن الإمام ابن الجوزي فقال: كان الشيخ أبو الفرج مفتيا كثير التصنيف والتأليف، وله مصنّفات في أمور كثيرة حتى عددتها فرأيتها أكثر من ألف مصنّف، ورأيت بعد ذلك ما لم أره [2] .
وقد كانت كثرة تصانيفه سببا في نقد العلماء له وتصيّد أخطائه ووصفه بأنه كثير الغلط. ولكن نقل ابن رجب عنه قوله: «أنا مرتب ولست بمصنف» [3] في معرض الدفاع عنه.
وعلى أي حال فإنه لا ينتقص ذلك من حق ابن الجوزي ومن علمه، فلا يوجد مصنف بدون أخطاء.
أما عن مؤلفاته فنذكر منها أهمها على سبيل المثال، وعلى من رغب في معرفتها على وجه التحديد الرجوع إلى كتاب العلوجي.
1- المغني في التفسير.
2- تذكرة الأريب في تفسير الغريب.
3- نزهة العيون النواظر في الوجوه والنظائر.
4- فنون الأفنان في علوم عيون القرآن.
5- ورد الأغصان في فنون الأفنان.
6- عمدة الراسخ في معرفة المنسوخ والناسخ.
7- غريب الغريب.
8- زاد المسير في علم التفسير.
9- منتقد المعتقد.
10- منهاج الوصول إلى علم الأصول.
__________
[1] الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب 3/ 413.
[2] الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب 3/ 415.
[3] الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب 3/ 414.(1/30)
11- غوامض الإلهيات.
12- مسلك العقل.
13- منهاج أهل الإصابة.
14- الرد على المتعصب العنيد.
15- السر المصون.
16- دفع شبهة التشبيه.
17- جامع المسانيد بألخص الأسانيد.
18- الحدائق.
19- نفي النقل.
20- المجتبى.
21- عيون الحكايات.
22- إرشاد المريدين في حكايات السلف الصالحين.
23- ملتقط الحكايات.
24- التحقيق في أحاديث التعليق.
25- مناقب بغداد.
26- تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التواريخ والسير.
27- طرائف الظرائف في تاريخ السوالف.
28- شذور العقود في تاريخ العهود.
29- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (وهو كتابنا هذا) .
30- الإنصاف في مسائل الخلاف.
31- جنة النظر وجنة الفطر.
32- معتصر المختصر في مسائل النظر.
33- عمدة الدلائل في مشهور المسائل.
34- رد اللوم والضيم في صوم يوم الغيم.
35- المذهب في المذهب.
36- مسبوك الذهب.
37- العبادات الخمس.(1/31)
38- تبصرة المبتدئ.
39- اللطائف.
40- المنتخب في النوب.
41- واسطات العقود من شاهد ومشهود.
42- كنز المذكر.
43- كنوز الرموز.
44- لقط الجمان.
45- الياقوتة.
46- المدهش.
47- اليواقيت في الخطب.
48- القصاص والمذكرين.
49- احكام الأشعار بأحكام الأشعار.
50- الثبات عند الممات.
51- الطب الروحانيّ.
52- مناقب عمر بن الخطاب.
53- الشيب والخضاب.
54- المصباح المضيء في دولة المستضيء.
55- ذم الهوى.
56- بحر الدموع.
57- الحمقى والمغفلون.
58- الأذكياء.
59- تلبيس إبليس.
60- الشفا في مواعظ الملوك والخلفاء.
61- تقويم اللسان.
62- صيد الخاصر.
63- مناقب أحمد بن حنبل.
64- مناقب الحسن البصري.(1/32)
65- مناقب سفيان الثوري.
66- مناقب عمر بن عبد العزيز.
67- البازي الأشهب المنقض على مخالفي المذهب.
68- سلوة الأحزان بما روي عن ذوي العرفان.
69- نواسخ القرآن.
ثناء الأئمة على ابن الجوزي:
قال مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي: الواعظ المتفنن، صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة في أنواع العلم من التفسير والحديث والفقه والوعظ والأخبار والتاريخ وغير ذلك. وعظ من صغره، وفاق فيه الأقران، ونظم الشعر المليح، وكتب بخطه ما لا يوصف، ورأى من القبول والاحترام ما لا مزيد عليه [1] .
وقال ابن خلكان: علّامة عصره، وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ. صنف في فنون عديدة، وكتبه أكثر من أن تعدّ [2] .
وقال عماد الدين الأصبهاني: واعظ، صنيع العبارة، بديع الإشارة، مولع بالتجنيس في لفظه، والتأنيس في وعظه، وله من القلوب قبولها، حسن الشمائل، قد مزجت من اللطافة والكياسة شمولها [3] .
وقال أبو محمد الدبيثي: إليه انتهت معرفة الحديث وعلومه، والوقوف على صحيحه وسقيمه، وله فيه المصنفات من المسانيد والأبواب، والرجال ومعرفة ما يحتج به في أبواب الأحكام والفقه وما لا يحتج به من الأحاديث الواهية والموضوعة، والانقطاع والاتصال، وله في الوعظ العبارة الرائقة والإشارات الفائقة والمعاني الدقيقة والاستعارة الرشيقة [4] .
وقال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: كان زاهدا في الدنيا، متقللا منها، وكان
__________
[1] العبر في خبر من غبر 4/ 297، 298.
[2] وفيات الأعيان 2/ 321.
[3] خريدة القصر وجريدة العصر 2/ 261.
[4] مرآة الزمان 8/ 311. وذيل طبقات الحنابلة 3/ 418.(1/33)
يختم القرآن في كل سبعة أيام، ولا يخرج من بيته إلا إلى الجامع للجمعة وللمجلس، وما مازح أحدا قط، ولا لعب مع صبي، ولا أكل من جهة لا يتيقن حلها، وما زال على ذلك الأسلوب حتى توفاه الله [1] .
محنة ابن الجوزي ووفاته:
كعادة العلماء عند ما يصل الواحد منهم إلى درجة عالية من العلم تكثر حوله الوشايات والأحقاد، فقد تعرض ابن الجوزي إلى محنة كان لها الأثر في القضاء عليه.
فكانت محنته أن ابن يونس الحنبلي لما ولي الوزارة عقد مجلسا للركن عبد السلام بن عبد الوهاب، وأحرق كتبه لما فيها من الزندقة وعبادة النجوم ورأي الأوائل، وذلك بمشورة من ابن الجوزي وغيره من العلماء، كما انتزع الوزير مدرسة الركن عبد السلام وسلّمها إلى ابن الجوزي، فلما ولي الوزارة ابن القصاب- وكان رافضيا خبيثا- سعى في القبض على ابن يونس، وتتبع أصحابه، وأجج الركن عبد السلام نار الحقد في قلبه على ابن الجوزي مشيرا إلى انه ناصبي وانه من أولاد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وأنه من أكبر أصحاب ابن يونس، ثم وشى به إلى الخليفة الناصر، وكان له ميل إلى الشيعة.
واستطاع الركن عبد السلام أن يأخذ تفويضا بالتصرف بالشيخ فجاء إلى داره وقذفه وأهانه، وأخذه قبضا باليد، وختم على داره، وشتت أولاده، ثم أخذه وعليه غلالة بلا سراويل وعلى رأسه تخفيفة وأركبه سفينة بقي فيها خمسة أيام لم يتناول طعاما إلى أن أوصله إلى سجن في واسط، حيث دخله في سنة 590 هـ-، وبقي فيه إلى سنة 595 هـ-.
أي أن عمره خلال سجنه قد قارب الثمانين عاما، وظل في سجنه يغسل ثوبه، ويطبخ الشيء بنفسه دون أن تتاح له الفرصة لدخول الحمام خلال هذه السنوات الخمس، وبقي الشيخ على حاله تلك صابرا على ما أنزله الله عزّ وجلّ فيه من بلواه محتسبا عنده ثواب عمله، راضيا بقضاء الله وقدره، يسليه ربه عز وجل، فيدخل عليه بعض الناس ممن يستمعون منه العلم أو يملي عليهم مسائله، فيجد بذلك أنس قلبه، وسلوى نفسه، وفي تلك الأثناء برع ولده يوسف في الوعظ حتى وصل إلى مقامات عالية ساعدته معها
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 311.(1/34)
أم الخليفة التي كانت تتعضب للشيخ ابن الجوزي فشفعت فيه عند ابنها الناصر، الّذي أمر بإعادة الشيخ، وأتى إليه ولده يوسف، فخرج فنودي له بالجلوس للوعظ، ولم يعش ابن الجوزي بعدها أكثر من عامين حيث لقي ربه راضيا مطمئنا في يوم الجمعة 12 رمضان عام 597 هـ-، وكانت جنازته مهيبة، وأنزل الدفن والمؤذن يقول الله أكبر، وحزن الناس لفراقه، وباتوا عند قبره الباقي من شهر رمضان، يختمون الختمات القرآنية بالشموع والجماعات [1] .
رحم الله الإمام ابن الجوزي، وأسكنه فسيح جناته، ونفعنا بعلمه إلى يوم الدين، وجزاه عنا خير الجزاء.
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 281، 285، 328. والذيل على طبقات الحنابلة 3/ 426- 429. ومقدمة كتاب الشفا للدكتور فؤاد عبد المنعم أحمد، ص 19، 20. ط 3.(1/35)
- 3- كتاب المنتظم: منهجه، وأسلوبه، ومصادره، وأهميته، ومختصراته، والذيول عليه
الكتاب: منهجه وأسلوبه:
يتكون كتاب المنتظم من ثمانية عشر جزءا وذلك طبقا لنسخة أحمد الثالث، ومفقود من هذه النسخة الجزء الأول والثالث عشر، ولذلك قمنا بإكمالها من نسخة تراخانة ذات الخط الدقيق جدا وذلك لأنها هي النسخة الوحيدة التي تحتوي على الجزء الأول. أما الجزء الثالث عشر فقد اعتمدنا على نسخة تراخانة أيضا بالإضافة إلى النسخ الأخرى التي سنوضحها في عرضنا لمخطوطات الكتاب فيما بعد، إذ أننا بصدد عرض المحتوى العام للكتاب وعرض لأسلوبه ومنهجه.
فيتكون الجزء الأول من تسع وثلاثين ورقة من القطع الكبير من نسخة تراخانة تشمل مقدمة الكتاب وبداية الخلق حتى وفاة يحيى بن زكريا عليه السلام.
والجزء الثاني يتكون من تسع وأربعين ومائة ورقة من نسخة أحمد الثالث، تشمل الأحداث من وفاة يحيى بن زكريا عليه السلام حتى السنة الثامنة من النبوة.
والجزء الثالث يتكون من أربع وخمسين ومائة ورقة من نسخة أحمد الثالث، تشمل الأحداث من السنة العاشرة من النبوة حتى السنة العاشرة من الهجرة.
والجزء الرابع يتكون من سبع وأربعين ومائة ورقة من نسخة أحمد الثالث، تشمل الأحداث من السنة العاشرة من الهجرة حتى السنة الثامنة والعشرين.
والجزء الخامس يتكون من أربع وأربعين ومائة ورقة من نسخة أحمد الثالث، تشمل الأحداث من السنة التاسعة والعشرين حتى السنة الحادية والستين.(1/36)
والجزء السادس يتكون من تسع وأربعين ومائة ورقة من نسخة أحمد الثالث، وتشمل على الأحداث من السنة الحادية والستين حتى وفيات السنة الخامسة والتسعين.
والجزء السابع يتكون من خمس وخمسين ومائة ورقة من نسخة أحمد الثالث، تشمل على وفاة الحجاج حتى بداية السنة السابعة والثلاثون بعد المائة من الهجرة.
والجزء الثامن يتكون من سبع وخمسين ومائة ورقة من نسخة أحمد الثالث، تشمل حوادث السنة السابعة والثلاثين بعد المائة حتى السنة الرابعة والسبعين بعد المائة.
والجزء التاسع يتكون من تسع وعشرين ومائة ورقة من نسخة أحمد الثالث، تشمل حوادث السنة الخامسة والسبعين بعد المائة حتى حوادث السنة الثالثة والتسعين بعد المائة.
والجزء العاشر يتكون من اثنتين وأربعين ومائة ورقة من نسخة أحمد الثالث، تشمل على حوادث السنة الرابعة والتسعين بعد المائة إلى حوادث السنة السادسة عشرة بعد المائتين.
والجزء الحادي عشر ويتكون من ثلاث وخمسين ومائة ورقة من نسخة أحمد الثالث، وتشمل الحوادث من السنة السابعة عشرة بعد المائتين حتى السنة السابعة والأربعين بعد المائتين.
والجزء الثاني عشر ويتكون من خمس وخمسين ومائة ورقة من نسخة أحمد الثالث، وتشمل الحوادث من السنة الثامنة والأربعين بعد المائتين حتى ذكر خلافة المكتفي باللَّه تعالى.
والجزء الثالث عشر يتكون من حوالي سبع وثلاثين ورقة من القطع الكبير من نسخة تراخانة وتشمل الأحداث من سنة تسع وثمانين بعد المائتين حتى السنة الثالثة والثلاثين بعد الثلاثمائة.
والجزء الرابع عشر يتكون من أربع وخمسين ومائة ورقة من نسخة أحمد الثالث، وتشمل الحوادث من باب خلافة المتقي للَّه حتى السنة السابعة والثمانين بعد الثلاثمائة.
والجزء الخامس عشر يتكون من إحدى وستين ومائة ورقة من نسخة أحمد الثالث،(1/37)
وتشمل الحوادث من السنة الثامنة والثمانين بعد الثلاثمائة حتى السنة السابعة والأربعين وأربعمائة.
والجزء السادس عشر يتكون من اثنتين وخمسين ومائة ورقة، وتشمل الحوادث من السنة الثامنة والأربعين وأربعمائة حتى السنة التاسعة والسبعين وأربعمائة.
والجزء السابع عشر، يتكون من مائة وخمسين ورقة، وتشمل الحوادث من السنة الثمانين بعد الأربعمائة حتى السنة الثالثة والخمسين بعد الخمسمائة.
والجزء الثامن عشر يتكون من ثلاث وعشرين ومائة ورقة، وتشمل الحوادث من السنة الرابعة والخمسين بعد الخمسمائة حتى السنة الرابعة والسبعين بعد الخمسمائة.
أما عن منهج وأسلوب ابن الجوزي ومصادره في المنتظم فيحتاج ذلك إلى دراسة مستفيضة لكي تتناول جميع النقاط الرئيسية التحليلية لأسلوبه ومنهجيته في سرد الأحداث والتراجم والنقد والتعقيب إلى غير ذلك من نقاط الدراسة، وقد قام بالفعل بهذا المجهود الشاق الأستاذ الدكتور/ حسن عيسى علي الحكيم، ونال بهذه الدراسة درجة الدكتوراه من جامعة بغداد، وقد طبعت هذه الرسالة ببيروت، عالم الكتب سنة 1985.
ونحن في هذا المقام نسترشد بما قام به السيد الدكتور من دراسة بأسلوب مختصر بما يليق بكونها مقدمة للكتاب وليست دراسة مستفيضة.
بدأ ابن الجوزي كتابه بمقدمة أوضح فيها أهمية التاريخ ومناهج المؤرخين الذين سبقوه وتنوع مذاهبهم، وقد أراد ابن الجوزي أن يكون التاريخ عبرة وعظة لرجال الحكم والسياسة بقوله: «إن الشرع هُوَ السياسة، لا عمل السلطان برأيه وهواه» حيث ان للتاريخ فائدتين: هما دراسة الحازمين والمفرطين ومعرفة عواقب أحوالهم، والتطلع على عجائب الأمور وتقلبات الزمن.
ثم افتتح ابن الجوزي «المنتظم» بذكر الدليل على وجود الله، منتهجا منهج الكلاميين في إثبات وجوده عز وجل.
ثم تتبع قصة الخلق وما جرى فيها ناقلا وناقدا ومحللا، ثم انتقل من حديثه عن الخليقة وخلق الأرض إلى النبوات بدءا بآدم عليه السلام وانتهاء برفع عيسى عليه(1/38)
السلام. ثم خصص للأمم بعد النبوات جانبا، فهو مرة يفصّل، ومرة يوجز، فهو عند تناوله للحوادث المتعلقة بالعرب وبخاصة بين عرب الحيرة والزباء، ولكنه أغفل الحياة الاجتماعية والسياسية في الجزيرة العربية، ولم يذكر من أيام العرب سوى الفجار أثناء حديثه عن السيرة النبويّة، ولم يشر إلى شعراء العرب، وأصحاب المعلقات، سوى امرئ القيس الّذي ورد ذكره عند حديثه عن كسرى أنوشروان، وقد أوجز في حديثه عن عرب الأنبار وعلاقتهم بطسم وجديس، وذكر زرقاء اليمامة، ولم يغفل علاقة الزباء السياسية بعمرو بن عدي، معتمدا في ذلك على ابن الكلبي.
هذا وقد أطال ابن الجوزي في تاريخ الفرس وملوكهم حيث تناولهم الواحد بعد الآخر، موليا لكسرى أنوشروان أهمية بارزة.
أما دولة الروم فلم يعطها أهمية كبيرة، وإنما ذكر بعض حوادث الروم وعلاقاتهم مع الفرس، وبناء القسطنطينية.
ولم يذكر من ملوك اليونان سوى الإسكندر المقدوني وبطليموس، وجانب من الحياة العلمية عند اليونان.
وأغفل ابن الجوزي تاريخ الصين ومصر خلافا لسلفيه اليعقوبي والمسعودي، وقد تأثر في ذلك بالطبري.
وخصص بعد ذلك الإمام ابن الجوزي جانبا كبيرا من «المنتظم» للسيرة النبويّة تناول فيها مرحلة المولد وما كان فيها من أحداث، ثم مرحلة النبوة، وقد انتهج في مرحلة النبوة منهجا مختلفا ابتداء من السنة الأولى من النبوة ولمدة ثلاث عشرة سنة.
ثم بعد ذلك مرحلة الهجرة والّذي بدأ به منهجا آخر ابتداء بالسنة الأولى من الهجرة وحتى نهاية الكتاب، فهو يذكر حوادث كل سنة ويختمها بوفيات هذه السنة، فيقول عند الحوادث: (ثم دخلت سنة ... ) وعند ذكر الوفيات: (ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر) ويتخلل ذلك فصول وأبواب عن أشهر الحوادث.
وبعد الانتهاء من عصر الرسالة وتقصّي أحداثها بدقة واستفاضة تناول ابن الجوزي العصر الراشدي متناولا الحوادث السياسية والعسكرية التي حدثت خلال هذه الفترة، فتناول حركات الردة، وحوادث الجزيرة، وحركات التحرير في العراق وبلاد(1/39)
الشام ومصر، وحروب الجمل وصفين والنهروان إلى غير ذلك. وقد تعرض أيضا للحوادث الإدارية والاجتماعية والاقتصادية.
ثم بعد ذلك تناول العصر الأموي، وقد شغلت الحوادث السياسية في هذا العصر جانبا كبيرا، حيث تناول ثورة الحسين رضي الله عنه واستشهاده، وتناول أيضا حركة زيد بن علي، وحركات الخوارج، وحركة صالح بن مسرح الخارجي، والحركة الزبيرية وغيرها من الحركات السياسية.
ولم يغفل علاقة الدولة الأموية بالروم، ومواصلة الأمويين زحفهم لتحرير الأندلس، ومناطق كثيرة من المشرق الإسلامي.
وكذلك تعرض للحوادث الإدارية في العصر الأموي من تخطيط مدينة واسط، وكذلك تعرض للحوادث الطبيعية من حرائق وقحط وفيضانات وسيول وزلازل إلى غير ذلك من حوادث طبيعية.
ثم تناول بعد ذلك العصر العباسي وفق نفس المنهج الّذي انتهجه منذ السنة الأولى من الهجرة، وهذه الفترة تنحصر بين عام 132 هـ- إلى 574 هـ-. وقد تناول ابن الجوزي جميع النواحي السياسية بالتفصيل، وكذلك الجوانب الإدارية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، وكذلك الظواهر الطبيعية من رياح وحرارة وأمطار وثلوج وزلازل وشهب وحرائق وفيضانات وجفاف وآفات وأمراض وأوبئة. كما لم يغفل الجانب العمراني من بناء المساجد والقصور وغيرها.
مصادر كتاب المنتظم:
لقد استفاد الإمام ابن الجوزي من ابن إسحاق في «السيرة النبويّة» ، ومن ابن سعد في «الطبقات» ، ومن الطبري في «التاريخ» ، ومن الخطيب في «تاريخ بغداد» أكثر من غيرها من المصادر. فكان يشير إليها صراحة في بعض المواضع، ويهملها في مواضع أخرى، ويكون حرفيا في نقله منها حينا، ومختزلا في أحيان أخرى، وناقدا في بعضها، وقد تابع ابن إسحاق من بدء الخليقة حتى عام 95 هـ-، ولكن اقتباساته عنه في عصر الرسالة تشكل بذاتها دراسة مستقلة للسيرة النبويّة، وكان ابن سعد الّذي سايره ابن الجوزي من عصر الرسالة حتى عام 193 هـ-. وكان كتاب «الطبقات الكبرى» مصدرا(1/40)
أساسيا له، حيث أولاه ثقة كبيرة، ولم يبتعد عنه إلا من حيث عدم مسايرته في الحرص على سند الرواية، وكان الطبري في كتابه «تاريخ الرسل والملوك» مصدر المنتظم من الخليقة، وسايره وفق العصور التاريخية التالية، فقد كان تعويله عليه كليا، وبخاصة الحوادث السياسية، مكتفيا بذكر الرواية التي يعتبرها أسلم أو أصح من غيرها عند تعدد الروايات للحدث الواحد. وبما أن الطبري يهتم بحوادث العراق والمشرق الإسلامي أكثر من غيرهما، فإن ابن الجوزي يركز بدوره على هاتين المنطقتين أكثر من غيرهما [1] .
وكان ابن الجوزي قد استقى نصوصا من موارد الطبري كأبي مخنف لوط بن يحيى، وسيف بن عمر، وهشام الكلبي، ومحمد بن عمر الواقدي، والهيثم بن عدي، وعلي بن محمد المدائني، وغيرهم.
وكانت بعض النصوص متطابقة مع الطبري، وحيث ابن ابن الجوزي لم يذكر أنه نقل مباشرة عن أي واحد من هؤلاء فإن اعتماده على الطبري في نقله عنهم قد يبدو محتملا، إلا أن هذا الاحتمال لا ينفي احتمالا آخر هو أن كتب هؤلاء لم تكن قد ضاعت عند تدوين المنتظم، وأن نقله عنها كان مباشرا [2] .
ولا يقل «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي أهمية في تراجم المنتظم عن الطبري في حوادثه، فابن الجوزي قد أعتمده كثيرا، واعتمد على موارده أيضا، وإن لم يشر إليه في كثير من الأحيان، فهو حتى عام 458 هـ- يستظل بالخطيب البغدادي، سواء بالنقل الحرفي منه أو باختزال السند والمتن أو أحدهما، ولكنه في بعض الأحيان كان ناقدا لاذعا ومجرحا عنيفا للخطيب البغدادي [3] .
أما بالنسبة للحديث النبوي فقد اعتمد على الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، فهو في أكثر الأحيان يعتمدهما معا، وفي أحيان أخرى يعتمد على أحدهما، وأحيانا عليهما أو على أحدهما بمعيّة الإمام أحمد في «المسند» [4] .
__________
[1] انظر: الدكتور حسن عيسى علي الحكيم: كتاب المنتظم، دراسة في منهجه وموارده وأهميته، ص 13.
[2] انظر المصدر السابق، ص 13، 14.
[3] المصدر السابق، ص 14.
[4] المصدر السابق، ص 14.(1/41)
أما بالنسبة للمحدثين من تراجمه فقد اعتمد على يحيى بن معين في تاريخه حتى عام 248 هـ-. وما قيل في الرجال من مصطلحات الجرح والتعديل، وكان في معظم النصوص ناقلا حرفيا. والإمام البخاري في «تاريخه الكبير، والصغير» حتى عام 248 هـ- أيضا. وكان على غرار اقتباساته من يحيى بن معين ناقلا حرفيا. وابن أبي حاتم الرازيّ في كتابه «الجرح والتعديل» والدار الدّارقطنيّ. وقد كانت معظم النصوص المستقاة عنه في تراجمه للمحدثين مودعة في «تاريخ بغداد» وكذلك الحال اقتباساته من أبي بكر البرقاني، وأبي عبد الله الصوري، وأبي الحسن العتيقي، الذين هم من موارد الخطيب.
أما الفترة التاريخية التي أعقبت «تاريخ الطبري» فقد كان ابن الجوزي قد اعتمد على أبي بكر الصولي، وكان قد استقى مادته من كتاب «الأوراق» لأن بعضها جاء متطابقا مع كتاب «أخبار الراضي والمتقي» الّذي يشكل جزءا منه، ويبدو أنه قد أحاط الصولي بثقة كبيرة، فقد نقل عنه حرفيا دون أن يكون ناقدا لأحد النصوص في الفترة الواقعة بين 102 هـ- إلى 336 هـ-. وكذلك اعتمد على أبي علي التنوخي في كتابه «نشوار المحاضرة» حتى عام 354 هـ-. وهلال بن المحسن الصابي في «خطط بغداد وحضارتها» حتى عام 466 هـ-. وكان شيوخ ابن الجوزي مصادره الأساسية في الفترة التي أعقبت وفاة الخطيب البغدادي حتى العقد الثاني من القرن السادس الهجريّ حيث يصبح ابن الجوزي مصدر الحوادث ومؤرخ عصره [1] .
أهمية كتاب المنتظم:
تميز كتاب المنتظم عما سبقه من كتب، حيث إنه جميع بين كونه مسردا تاريخيا للأحداث على مدار السنوات، واحتوائه على ثلاثة آلاف وثلاثمائة وسبعين ترجمة لمختلف الشخصيات من خلفاء، وملوك، ووزراء، وفقهاء ومحدثين، ومورخين، وفلاسفة، وشعراء، ومصنفين وغيرهم. وهذا ما لم يسبقه أحد من المؤرخين إليه، ولكن قلّده من جاء بعده في طريقته.
فقد كان لابن الجوزي الفضل في تغيير أسلوب كتابة التاريخ، فأصبح من أسلوب السرد غير المنسق إلى أسلوب منسق ملتزم بمنهج يسير عليه، فلا يسهب في سرد الأحداث ويهمل التراجم، أو العكس، ولكن يعطي لكل من الجانبين ما يستحقه.
__________
[1] المصدر السابق، ص 14، 15.(1/42)
وقد كان من أهمية كتاب المنتظم حفظ النصوص من الضياع، فقد نقل لنا نصوصا من كتب مفقودة في عصرنا هذا، وليس كذلك فقط بل انه نقل لنا نصوصا من كتب مطبوعة الآن مثل كتاب «تاريخ بغداد» للخطيب هذه النصوص لا نجدها ضمن النسخة المطبوعة من هذا الكتاب، ويرجع ذلك إلى سقوط بعض النصوص من النسخة التي طبع عليه الكتاب.
وبالإضافة إلى ذلك فإن ابن الجوزي انفرد في «كتاب المنتظم» بنصوص تاريخية لم نجدها لدى أسلافه المتقدمين، ولكن يؤخذ عليه إهمال المصادر التي نقل عنها هذه النصوص التاريخية [1] .
وكذلك فإن كتاب «المنتظم» كان في حد ذاته مسردا تاريخيا ووثيقة تاريخية للعصر الّذي عاش فيه ابن الجوزي، حيث انه عاصر فترة من أهم الفترات التاريخية.
كما أن «المنتظم» أصبح مصدرا رئيسيا لتدوين التاريخ لمن جاء بعد ابن الجوزي، فقد استفاد منه سبطه في «مرآة الزمان» ، وابن كثير في «البداية والنهاية» ، والذهبي في «تاريخ الإسلام» وغيرهم من المؤرخين الذين جاءوا بعده.
مختصراته والذيول عليه:
لعل من أهم المختصرات هو كتاب «شذور العقود في تاريخ العهود» الّذي اختصر به ابن الجوزي نفسه كتاب «المنتظم» ، فكان بمثابة مختصر للمنتظم وذيلا عليه في نفس الوقت، حيث أضاف ابن الجوزي عليه حوادث أربع سنوات، ولكن بصورة مختصرة.
وقد اختصر أيضا كتاب «المنتظم» الشيخ علاء الدين علي بن محمد المعروف بمصنفك، وسماه: «مختصر المنتظم وملتقط الملتزم» وقد وجه إليه النقد بشدة حيث انه كان به أغلاط صريحة وأوهام.
وهناك مختصر آخر غير معلوم المؤلف يوجد منه نسخة بمعهد المخطوطات، وهو مختصر جدير بالذكر لجودته.
__________
[1] المصدر السابق ص 553.(1/43)
أما الذيول عليه فهي:
1- «الفاخر في ذكر حوادث أيام الإمام الناصر» لمحمد بن محمد القادسي، المتوفى سنة 634 هـ-. ويقع في ستة مجلدات [1] .
2- ذيل على كتاب المنتظم، للإمام العز أبو بكر محفوظ بن معتوف بن البزوري المتوفى سنة 694 هـ-[2] .
__________
[1] الإعلان بالتوبيخ، للسخاوي ص 304.
[2] الإعلان بالتوبيخ، للسخاوي ص 304.(1/44)
تحقيق عنوان الكتاب
اختلفت المصادر في إثبات عنوان الكتاب على النحو التالي:
1- أثبته الإمام الذهبي في «مختصر تاريخ الإسلام» 65/ ب باسم (المنتظم في أخبار الملوك والأمم) .
2- وأثبته الإمام ابن كثير في «البداية والنهاية» 13/ 28 باسم (المنتظم في تواريخ الأمم من العرب والعجم) .
3- وأثبته طاش كبرى زاده في «مفتاح السعادة» 1/ 254 باسم (المنتظم في تواريخ الأمم) .
4- وأثبته ابن أبي ألوفا الحنفي في «الجواهر المضية في طبقات الحنفية» 2/ 72 باسم (المنتظم في حوادث الأمم) .
5- وأثبته سبط ابن الجوزي في «مرآة الزمان» 8/ ق 2/ 484 باسم (المنتظم في تواريخ الملوك والأمم) .
6- أما ابن الجوزي نفسه أثبته في صيد الخاصر (من 379) بلفظ: (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) .
وأثبته كذلك في «شذور العقود» وهو مختصر المنتظم. وهذا هو الأساس الّذي قمنا باعتماده لعنوان الكتاب لأنه صادر من المؤلف نفسه.(1/45)
ومن الجدير بالذكر أن بعض المخطوطات قد عملت عناوين مختلفة منها:
«المنتظم في تاريخ المملكة الإسلامية» ، و «المنتظم في تاريخ الأمم» ، و «المنتظم في أخبار الأمم» ، وغير ذلك [1] .
__________
[1] انظر: نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا، لرمضان شثن 1/ 64. ومجلة المورد، العدد الأول، المجلد الثامن ص 313. وهدية العارفين 1/ 267. وفهرس المخطوطات المصورة، فؤاد السيد 2/ ق 159. ومخطوطات عربية في مكتبة صوفيا الوطنية البلغارية (كيرل وميتودي) ليوسف عز الدين ص 126.(1/46)
- 4- عرض للمخطوطات التي تم الاستعانة بها واعتمادها في تحقيق الكتاب
استطعنا- بعون الله تعالى- الحصول على عدة نسخ خطية من كتاب المنتظم نستعرضها فيما يلي: - 1- نسخة أحمد الثالث (الأصل) : - وتتكون من (18) جزءا قمنا بعرضها قبل ذلك، وهذه النسخة تنقص الجزء الأول والثالث عشر، وخطها معتدل. رقم (526 تاريخ) .
2- نسخة تراخانة (ت) . وهي تتكون من 635 ورقة من القطع الكبير. خطها دقيق جدا يصعب قراءتها. (رقم 835 تاريخ) .
3- نسخة كوبرلي. (ك) (رقم 1174) .
4- نسخة أياصوفيا. (ص) . (رقم 3096) .
5- نسخة برلين. (ل) .
6- نسخة الطوبخانة (ط) .
7- نسخة بلدية الإسكندرية (س) .
8- نسخة متحف الآثار بفلسطين (ف) .
9- نسخة الظاهرية (ظ) .
10- نسخة طهران (هـ-) .
11- نسخة المحمودية (ح) .
12- النسخة المطبوعة بالهند (المطبوعة) .(1/47)
ملاحظات هامة على النسخ:
1- نسخة مكتبة أحمد الثالث من أكمل النسخ حيث انها تنقص الجزء الأول والثالث عشر، بالإضافة إلى أنها واضحة الخط إلى حد ما، ولكن يؤخذ عليها كثرة السقط منها، وأن أغلب حروفها غير منقوطة. وقد حذف الناسخ من أسانيدها الكثير، ويستبدل كلمة (قال أخبرنا) في أكثر الأسانيد ب (نا، أو ثنا، أو أنا) مع حذف (قال) .
إلا أن هذه النسخة بوجه عام هي أحسنها وأصحها، ولذلك اعتبرناها أصلا.
2- نسخة تراخانة تبدو وكأنها كاملة وأن خطها جميل، وليس الأمر كذلك، حيث ان هذه النسخة سقط منها أجزاء كبيرة على الرغم من أن تسلسل الصفحات تام وغير ناقص، ولكن جاء هذا السقط عن طريق تكرار الناسخ لأجزاء أخرى قد سبق نسخها دون أن يدري. بالإضافة إلى أن خط هذه النسخة دقيق للغاية لدرجة أننا اضطررنا إلى تكبير صورة المخطوط أكثر من مرة مع قراءتها بعدسة مكبرة ولكن ظلت الصعوبة كما هي. وقد اعتبرنا هذه النسخة نسخة مساعدة في جميع الأجزاء ما عدا الجزء الأول حيث انها النسخة الوحيدة الموجود منها الجزء الأول.
3- نسخة بلدية إسكندرية: وتبدأ من أحداث سنة 324 هـ حتى نهاية سنة 464 هـ. وهذه النسخة بها نقص قليل مع خطأ في وضع بعض الأوراق في محلها. وقد اعتبرناها نسخة مساعدة. خطها واضح.
4- نسخة متحف الآثار بفلسطين. تبدأ من سنة 245 هـ- وتنتهي بوفيات سنة 279 هـ، هي عبارة عن 170 ورقة.
5- نسخة الظاهرية، وهي عبارة عن الجزء الواقع أحداثه من ولاية عمر بن الخطاب حتى ذكر خلافة علي بن أبي طالب. وخطها سيء للغاية، وهي نسخة قديمة.
6- نسخة طهران عبارة عن عشرة ورقات متفرقة تقع في السنوات 367 هـ حتى 564 هـ.(1/48)
- 5- منهج التحقيق
وأخيرا فقد قمنا بالخطوات الآتية في تحقيق هذه الموسوعة التاريخية: - 1- قمنا بنسخ الكتاب من نسخة أحمد الثالث والتي اعتبرناها أصلا، فيما عدا الجزء الأول، والثالث عشر، فقد قمنا بنسخها من نسخة تراخانة.
2- بعد تخليص النص من الأخطاء اللغوية وتحريره تحريرا دقيقا قمنا بمقارنة جميع النسخ المخطوطة على ما قد تم نسخه من نسخة الأصل، وإضافة الزيادات التي لم تكن مثبتة في الأصل وذلك بين معقوفتين هكذا [] ، وتم لنا بذلك الحصول على نص كامل سليم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أننا قد أثبتنا جميع الاختلافات بين النسخ المخطوطة فيما عدا بعض الاختلافات غير المؤكدة مثل الكلمات غير المنقوطة في نسخة الأصل فقد أهملنا إثباتها في الهوامش إلا إذا أدى هذا إلى تغيير المعنى، مع الأخذ في الاعتبار أنه إذا كانت الكلمة مثبتة في إحدى النسخ بشكل صحيح أهملنا إثبات الاختلاف أحيانا.
3- دأب ناسخ نسخة أحمد الثالث على إهمال لفظ (قال: حدثنا) أو (قال:
أخبرنا) أو (قال: أنبأنا) وإثباتها بصورة مختصرة كالتالي: (نا) ، أو (ثنا) ، أو (أنا) مع إسقاط (قال) . فكنا نثبتها كاملة دون الإشارة إلى ذلك في الهامش.
هذا وقد حدث ذلك في نسخة ت، والأصل معا في بعض الأحيان: فكنا نثبتها كاملة دون الإشارة إلى ذلك في الهامش.
4- قمنا بمراجعة جميع نصوص الكتاب على المصادر التي نقل منها المؤلف مع الإشارة إلى مكان النص في هذه الكتب.(1/67)
5- قمنا بتخريج الأحاديث النبويّة على كتب الحديث المعتمدة. وعزو الآيات القرآنية إلى مكانها في المصحف.
6- قمنا بتخريج التراجم التي أوردها ابن الجوزي على كتب الرجال مع بيان مكانها في هذه الكتب.
7- قمنا بتفسير بعض الكلمات الصعبة.
8- قمنا بإعداد الفهارس العلمية اللازمة والتي سنفرد تفصيلها في مقدمة الجزء الخاص بالفهارس إن شاء الله.
9- قمنا بإعداد مقدمة للكتاب تناولنا فيها تعريف التاريخ وأهميته وفوائده وفروعه. ثم ترجمة وافية لابن الجوزي. وتوضيح منهج وأسلوب الكتاب وأهميته، وذكر مختصراته وذيوله. ثم عرض للمخطوطات التي تم الاستعانة بها في التحقيق.
وبعد، فإنا نرجو من الله تعالى أن يتقبل منا هذا العمل خالصا لوجهه تعالى، وأن يجعله في صالح أعمالنا يوم القيامة، وآخر دعوانا ان الحمد للَّه رب العالمين.
المحققان محمد عبد القادر عطا مصطفى عبد القادر عطا الأهرام في: أول رجب 1411 هـ(1/68)
- 6- ثبت المراجع والمصادر المعتمد عليها في التحقيق
1- خير ما ابتدئ به القرآن الكريم.
أولا: المخطوطات:
2- الأسامي والكنى، لأبي أحمد محمد بن أحمد النيسابورىّ الحاكم، المتوفى 378 هـ. نسخة مكتبة الأزهر (228 مصطلح حديث) (138 مصطلح حديث) .
3- الاستدراك، لأبي بكر محمد بن عبد الغني بن نقطة، المتوفى 629 هـ. نسخة الظاهرية (429) ونسخة دار الكتب المصرية (10) .
4- تاريخ دمشق، لأبي القاسم علي بن الحسين بن هبة الله المعروف بابن عساكر، المتوفى 571 هـ، نسخة الظاهرية (تاريخ 1، 2) .
5- تهذيب الكمال، لأبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي، المتوفى 742 هـ.
النسخة المصورة بواسطة دار المأمون للتراث بدمشق، عن نسخة دار الكتب المصرية المخطوطة.
6- تهذيب مستمر الأوهام، لأبي نصر علي بن هبة الله بن جعفر الأمير ابن ماكولا، المتوفى 478 هـ، نسخة معهد المخطوطات بالقاهرة (تاريخ 190) عن نسخة تركيا.
7- شذور العقود في تاريخ العهود (مختصر المنتظم) ، لابن الجوزي، نسخة معهد المخطوطات (710 تاريخ) .(1/69)
8- فنون العجائب، للنقاش، نسخة دار الكتب المصرية.
9- مختصر المنتظم، (1990 تاريخ) نسخة معهد المخطوطات بالقاهرة وكذلك (1744 تاريخ) .
10- مرآة الزمان في تاريخ الأعيان، لسبط ابن الجوزي، شمس الدين أبي المظفر يوسف بن قزاوغلي، المتوفى 654 هـ، نسخة أحمد الثالث (برقم 2907) .
ثانيا: المطبوعات: - 11- آثار البلاد وأخبار العباد، لزكريا بن محمد القزويني المتوفى (628 هـ) . ط دار صادر ببيروت.
12- آداب الشافعيّ ومناقبه، لابن أبي حاتم أبي محمد عبد الرحمن المتوفى (327 هـ) . تحقيق عبد الغني عبد الخالق. نشر مكتبة التراث بحلب.
13- الآداب، للإمام البيهقي، المتوفى (458 هـ) تحقيق محمد عبد القادر عطا، ط دار الكتب العلمية، بيروت.
14- اتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشرة، لأحمد الدمياطيّ البناء، ط.
عبد الحميد حنفي بالقاهرة.
15- إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، للزبيدي.
16- الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان، لأبي الحسن علي بن بلبان الفارسيّ المتوفى (739 هـ) ، ط دار الكتب العلمية.
17- أحكام القرآن لابن العربيّ، تحقيق محمد عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية بيروت.
18- أحوال الرجال، لأبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني المتوفى سنة 259 هـ، تحقيق صبحي السامرائي مؤسسة الرسالة 1405 هـ، 1985 م.
19- أخبار أبي تمام، لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي المتوفى سنة 335 هـ، تحقيق خليل عساكر ورفيقيه، لجنة التأليف والترجمة القاهرة.(1/70)
20- أخبار أصبهان، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، المتوفى سنة 420 هـ. ليدن مطبعة بريل 1931 م.
21- أخبار القضاة، لوكيع محمد بن خلف، المتوفى سنة 306 هـ، تحقيق عبد العزيز مصطفى المراغي. عالم الكتب، بيروت.
22- أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، لأبي الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي، المتوفى سنة 250 هـ، تحقيق رشدي الصالح ملحس، الطبعة الثالثة 1398 هـ، مطابع دار الثقافة مكة المكرمة.
23- أخبار النحويين البصريين لأبي سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي، المتوفى سنة 368 هـ، نشره فريتس كرنكو، الجزائر 1936 هـ.
24- الإخوان. لأبي بكر بن أبي الدنيا. تحقيق مصطفى عبد القادر عطا. ط دار الكتب العلمية- بيروت.
25- أخلاق النبي وآدابه: لأبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصفهاني، المتوفى سنة 369 هـ، تحقيق أحمد محمد مرسي، مكتبة النهضة، القاهرة 1972 م.
26- الأدب المفرد، لمحمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة 256 هـ، طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، دولة الإمارات 1401 هـ.
27- الأدب المفرد، لمحمد بن إسماعيل البخاري. تحقيق عبد القادر عطا. ط. دار الكتب العلمية- بيروت.
28- الأذكار: لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، المتوفى سنة 676، تحقيق عبد القادر الأرنائوط، مطبعة الملاح دمشق 1391 هـ.
29- الأربعين حديثا: لصدر الدين أبي علي الحسن بن محمد البكري، المتوفى سنة 656 هـ، حققه محمد المحفوظ دار الغرب الإسلامي بيروت 1400 هـ 1980 م.
30- الاستغناء في الاستثناء، للقرافي. تحقيق محمد عبد القادر عطا. ط دار الكتب العلمية. بيروت.(1/71)
31- إرشاد الأريب، لياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، المتوفى سنة 626 هـ.
مكتبة عيسى البابي الحلبي بإشراف محمد فريد الرفاعيّ.
32- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1399 هـ، 1979 م.
33- أساس البلاغة، لمحمود بن عمر الزمخشريّ، المتوفى سنة 538 هـ، دار الكتب المصرية القاهرة.
34- أسباب نزول القرآن، لأبي الحسن علي بن الواحدي، تحقيق السيد أحمد صقر، دار القبلة للثقافة، جدة.
35- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لأبي عمر يوسف بْن عبد الله بْن محمد بْن عبد البر المتوفى سنة 463 هـ، تحقيق علي محمد البجاوي، مكتبة نهضة مصر.
36- أسد الغابة: لعز الدين أبي الحسن علي بن محمد الجزري ابن الأثير، المتوفى سنة 630 هـ. كتاب الشعب القاهرة.
37- الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، لملا على القاري، تحقيق محمد الصباغ، دار القلم بيروت 1391 هـ.
38- إسعاف المبطإ برجال الموطأ، للسيوطي، المتوفى سنة 911 هـ. طبع مع تنوير الحوالك، طبع مصر.
39- كتاب الأشربة: لأبي عبد الله أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241 هـ، تخريج عبد الله بن عجاج، مكتبة السلام العالمية.
40- الاشتقاق، لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد المتوفى سنة 321 هـ. تحقيق عبد السلام هارون، مؤسسة الخانجي، القاهرة.
41- الإصابة في تمييز الصحابة، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852 هـ، تحقيق علي محمد البجاوي، دار نهضة مصر.
42- أعيان الشيعة: لمحسن الأمين، طبع 35 جزءا في دمشق، ابتداء من سنة 1353 هـ، 1935 م.(1/72)
43- الأعلام: لخير الدين بن محمود بن محمد الزركلي، المتوفى سنة 1396 هـ، دار العلم للملايين، بيروت الطبعة الرابعة 1979 م.
44- أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام: لعمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة ببيروت الطبعة الثالثة.
45- الاعتبار في الناسخ والمنسوخ، لأبي بكر محمد بن موسى الحازمي، المتوفى سنة 584 هـ، حققه محمد أحمد عبد العزيز، مكتبة عاطف القاهرة.
46- الإعلان بالتوبيخ: علم التاريخ عند المسلمين.
47- الأغاني، لأبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني المتوفى سنة 356 هـ. دار الكتب المصرية، وطبعة الساسي بمصر.
48- الاقتضاب شرح أدب الكتاب: لابن السيد البطليوسي، المتوفى سنة 521 هـ.
بيروت 1901 م.
49- الإقناع في القراءات السبع: لأبي جعفر أحمد بن علي بن الباذشي المتوفى سنة 540 هـ. تحقيق عبد المجيد قطامش، مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى.
50- الاكتفاء في مغازي المصطفى والثلاثة الخلفاء، لسليمان بن موسى الكلاعي، المتوفى سنة 634 هـ، تحقيق مصطفى عبد الواحد، الخانجي القاهرة 1378 هـ.
51- الإكمال في رفع عارض الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب، لأبي نصر علي بن هبة الله المعروف بابن ماكولا، المتوفى سنة 475 هـ، تحقيق المعلمي اليماني عدا الجزء السابع باعتناء نايف العباس، الناشر محمد أمين دمج، بيروت لبنان.
52- الإلزامات، لأبي الحسن الدار الدّارقطنيّ المتوفى سنة 385 هـ. تحقيق مقبل بن هادي بن مقبل، طبع مع التتبع للدار للدّارقطنيّ، المكتبة السلفية المدينة المنورة.
53- الأم، للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المتوفى سنة 204 هـ، دار الشعب بمصر.
54- أمثال العرب للمفضل الضبي، الأستانة 1300 هـ.(1/73)
55- الأمثال، لأبي عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224 هـ، تحقيق عبد المجيد قطامش، مركز البحث العلمي جامعة أم القرى مكة المكرمة.
56- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأبي بكر الخلال. تحقيق عبد القادر أحمد عطا. ط، دار الكتب العلمية بيروت.
57- الأموال، لأبي عبيد القاسم بن سلام، المتوفى سنة 224 هـ، تحقيق محمد خليل هراس، مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية 1395 هـ، 1975 م.
58- إنباه الرواة على أنباء النحاة، لأبي الحسن علي بن يوسف القفطي، المتوفى سنة 646 هـ. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الكتب المصرية القاهرة.
59- الأنساب: للسمعاني أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي، المتوفى سنة 562 هـ. نشر أمين دمج بيروت حتى المجلد العاشر مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، بحيدرآباد الدكن الهند 1402 هـ 1982 م.
60- الأنساب المتفقة، لمحمد بن طاهر المقدسي، المتوفى سنة 517 هـ، تحقيق د. دي يونج، ليدن 1865.
61- أنساب الأشراف، للبلاذري أحمد بن يحيى بن جابر المتوفى سنة 279 هـ.
تحقيق محمد حميد الله، دار المعارف بمصر.
62- الأسامي والكنى، للإمام أحمد بن حنبل، المتوفى سنة 241 هـ تحقيق عبد الله بن يوسف الجديع مكتبة دار الأقصى، الكويت 1406 هـ، 1985 م.
63- إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، لإسماعيل باشا البغدادي، طبع إستانبول.
64- الإيناس بعلم الأنساب، للحسين بن علي بن المغربي المتوفى سنة 418 هـ.
تحقيق حمد الجاسر، منشورات النادي الأدبي في الرياض، الطبعة الأولى 1400 هـ، 1980 م.
65- البحر المحيط، لأبي عبد الله محمد بن يوسف بن حيان الأندلسي، المتوفى سنة 754 هـ. مطابع النصر الحديثة.(1/74)
66- بحوث في تاريخ السنة المشرفة، أكرم ضياء العمري مؤسسة الرسالة، بيروت الطبعة الثالثة 1395 هـ، 1975 م.
67- بدائع المنن في ترتيب مسند الشافعيّ والسنن مع شرحه القول الحسن لأحمد عبد الرحمن البناء، المطبعة المنيرية القاهرة.
68- البداية والنهاية، لإسماعيل بن عمر الدمشقيّ المعروف بابن كثير المتوفى سنة 774 هـ. مكتبة المعارف بيروت 1977 م.
69- برنامج الوادي آشي، لمحمد بن جابر الوادي آش، المتوفى سنة 749 هـ.
تحقيق محمد محفوظ، دار الغرب الإسلامي، بيروت الطبعة الأولى 1400 هـ 1980 م.
70- البرهان في توجيه متشابه القرآن، للكرماني. تحقيق عبد القادر عطا. ط دار الكتب العلمية بيروت.
71- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي، المتوفى سنة 11 هـ. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى البابي الحلبي.
72- البصائر والذخائر، لأبي حيان علي بن محمد التوحيدي المتوفى سنة 380 هـ.
طبع بمصر 1373 هـ 1953 م.
73- بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس، أحمد بن يحيى بن أحمد الضبي، المتوفى سنة 599 هـ، دار الكاتب العربيّ القاهرة 1967.
74- بلدان الخلافة الشرقية، تأليف كي لسترنج، نقله إلى العربية بشير فرنسيس وكوركيس عواد، طبع في بغداد 1373 هـ. 1954 م.
75- بلغة الظرفاء في ذكر تواريخ الخلفاء، لعلي بن محمد بن أبي السرور الرومي، طبع بمصر 1327 هـ.
76- بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، لمحمود شكري الألوسي البغدادي، الطبعة الثانية بمصر 1342 هـ 1924 م.(1/75)
77- البيان والتبيين، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفى 255 هـ. تحقيق عبد السلام هارون- لجنة التأليف، القاهرة.
78- بيان خطأ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في التاريخ الكبير، لابن أبي حاتم أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس، المتوفى سنة 327 هـ.
تحقيق عبد الرحمن المعلمي دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الهند 1961 م.
79- تاج العروس من جواهر القاموس، لأبي الفيض محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، المتوفى سنة 1205 هـ، منشورات دار مكتبة الحياة بيروت.
80- تاريخ الأدب العربيّ، كارل بروكلمان، الطبعة الألمانية.
81- تاريخ الأدب العربيّ، كارل بروكلمان، الطبعة العربية دار المعارف مصر.
82- تاريخ الإسلام، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي المتوفى سنة 738 هـ، مكتبة القدسي القاهرة.
83- تاريخ أسماء الثقات، لأبي حفص عمر بن شاهين المتوفى سنة 385 هـ. تحقيق صبحي السامرائي، الدار السلفية الكويت، الطبعة الأولى 1404 هـ.
84- تاريخ بغداد، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، المتوفى سنة 463 هـ. دار الكتاب العربيّ بيروت.
85- تاريخ التراث العربيّ، فؤاد سزكين، إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1403 هـ. 1983 م.
86- تاريخ الثقات، ثقات العجليّ، لأبي الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجليّ،. المتوفى سنة 261 هـ. بترتيب نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، المتوفى سنة 807 هـ. تحقيق عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية بيروت 1405 هـ 1984 م.
87- تاريخ جرجان، لأبي القاسم حمزة بن يوسف السهمي، المتوفى سنة 427 هـ. تصحيح عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، عالم الكتب بيروت، الطبعة الثالثة 1401 هـ، 1981 م.(1/76)
88- تاريخ الحكماء، لجمال الدين القفطي، مكتبة المثنى بغداد، ومؤسسة الخانجي بمصر.
89- تاريخ خليفة بن خياط، لأبي عمرو خليفة بن خياط شباب العصفري، المتوفى سنة 240 هـ. تحقيق أكرم ضياء العمري.
90- تاريخ داريا ومن نزل بها من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، للقاضي عبد الجبار الخولانيّ، حققه وقدم له سعيد الأفغاني، دار الفكر سوريا.
91- تاريخ دمشق، لأبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله بن صفوان الدمشقيّ، المتوفى سنة 281 هـ. تحقيق شكر الله بن نعمة الله قوجاني، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق.
92- تاريخ مدينة دمشق، لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله المعروف بابن عساكر، المتوفى سنة 571 هـ تراجم عبد الله بن جابر عبد الله بن زيد، تحقيق شكري فيصل، وسكينة الشهابي، ومطاع الطرابيشي، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق.
93- تاريخ مدينة دمشق، لأبي القاسم بن عساكر، المتوفى سنة 571، (تراجم النساء) تحقيق سكينة الشهابي.
94- تاريخ مدينة دمشق، لأبي القاسم بن عساكر، المتوفى سنة 571 هـ. (ترجمة عثمان بن عفان) تحقيق سكينة الشهابي.
95- التاريخ الصغير، لأبي عبد الله البخاري، المتوفى سنة 256 هـ. تحقيق إبراهيم زائد، دار الوعي، حلب.
96- تاريخ الطبري المسمى، تاريخ الرسل والملوك، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، المتوفى سنة 310 هـ. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف بمصر، الطبعة الثانية.
97- تاريخ عثمان بن سعيد الدارميّ، المتوفى سنة 280 هـ. تحقيق أحمد محمد نور سيف، طبعة مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى.
98- تاريخ علماء الأندلس، لأبي الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي،(1/77)
المتوفى سنة 403 هـ. الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966 م.
99- تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم، للقاضي أبي المحاسن المفضل بن محمد بن مسعر التنوخي المعري، المتوفى سنة 442 هـ. تحقيق عبد الفتاح الحلو، المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود.
100- التاريخ الكبير، لمحمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة 256 هـ. دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن الهند.
101- تاريخ الموصل، لأبي زكريا يزيد بن محمد بن إياس، المتوفى سنة 334 هـ، تحقيق علي حبيبة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية القاهرة 1387 هـ، 1967 م.
102- تاريخ واسط، لأسلم من سهل الرزاز الواسطي المعروف ببحشل، المتوفى سنة 292 هـ. تحقيق كوركيس عواد مطبعة المعارف 1967 م.
103- تاريخ يحيى بن معين، المتوفى سنة 233 هـ. رواية عباس بن محمد الدوري، تحقيق أحمد محمد نور سيف مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى مكة المكرمة.
104- تاريخ يحيى بن معين رواية أبي خالد الدقاق، يزيد بن الهيثم، تحقيق أحمد محمد نور سيف، مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى، من كلام أبي زكريا يحيى بن معين في الرجال.
105- تأويل مختلف الحديث، لأبي محمد عَبْد اللَّهِ بن مسلم بن قتيبة الدينَوَريّ، المتوفى سنة 776 هـ. دار جيل بيروت.
106- تبصير المشتبه بتحرير المشتبه، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852 هـ. تحقيق علي محمد البجاوي، ومراجعة محمد علي النجار، الدار المصرية للتأليف.
107- التبيين في أنساب القرشيين، لموفق الدين أبي أحمد عبد الله بن محمد بن قدامة المقدسي، المتوفى سنة 260 هـ تحقيق محمد نايف الديلمي، الطبعة الأولى، المجمع العلمي العراقي 1402 هـ، 1982 م.(1/78)
108- التتبع، لأبي الحسن الدار الدّارقطنيّ، تحقيق مقبل بن هادي بن مقبل، طبع مع الاستدراك للدار للدّارقطنيّ، المكتبة السلفية.
109- تثقيف اللسان وتلقيح الجنان، لابن حفص عمر بن خلف، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا. ط دار الكتب العلمية بيروت- لبنان.
110- تجريد أسماء الصحابة، لمحمد بن أحمد الذهبي، المتوفى سنة 748 هـ.
الناشر دار المعرفة بيروت.
111- تجريد الأغاني، لأبي عبد الله محمد بن سالم بن واصل الحموي، المتوفى سنة 697 هـ. تحقيق طه حسين، وإبراهيم الأبياري، مطبعة مصر القاهرة.
112- تحذير الخواص من أكاذيب القصاص، لجلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 هـ، تحقيق محمد بن لطفي الصباغ، المكتب الإسلامي 1404 هـ، 1984 م.
113- تحفة الأحوذي، بشرح جامع الترمذي، لمحمد بن عبد الرحمن المباركفوري، المتوفى سنة 1353، ضبط عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.
114- تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، لأبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي، المتوفى سنة 742 هـ. تحقيق وتعليق عبد الصمد شرف الدين، الدار القيمة بومباي الهند.
115- التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، لأبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي، المتوفى سنة 902 هـ الناشر أسعد طرابزوني، دار نشر الثقافة، مصر.
116- تدريب الراويّ في شرح تقريب النواوي، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المتوفى سنة 911 هـ تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، الطبعة الثانية، دار الكتب الحديثة القاهرة.
117- تذكرة الحفاظ، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي المتوفى سنة 748 هـ.
تحقيق عبد الرحمن المعلمي اليماني، حيدرآباد، الدكن، الهند 1374.(1/79)
118- التذكرة في الأحاديث المشتهرة، للزركشي، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، ط دار الكتب العلمية.
119- تذكرة الموضوعات، لمحمد بن طاهر بن علي الهندي الفتني، المتوفى سنة 986 هـ، دار إحياء التراث العربيّ.
120- ترتيب القاموس المحيط، الطاهر أحمد الزاوي، دار الكتب العلمية بيروت 1399 هـ، 1979 م.
121- ترتيب المدارك وتقريب المسالك، للقاضي عياض اليحصبي، المتوفى سنة 544 هـ. تحقيق الدكتور أحمد بكير محمود، دار مكتبة الحياة ببيروت، دار مكتبة الفكر، طرابلس ليبيا.
122- ترغيب المشتاق في أحكام الطلاق، للسملاوي الشافعيّ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا. ط. دار الكتب العلمية. بيروت.
123- التسهيل لعلوم التنزيل، لأبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي، المتوفى سنة 741 هـ. تحقيق عبد المنعم اليونسي وإبراهيم عطوة عوض، دار الكتب الحديثة، القاهرة.
124- تصحيفات المحدثين، لأبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري، المتوفى سنة 382 هـ. تحقيق محمود أحمد الميرة.
125- تعجيل المنفعة بزوائد الأئمة الأربعة، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852 هـ، حيدرآباد الهند 1324.
126- تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس لابن حجر العسقلاني، تحقيق عبد الغفار سليمان البغدادي، ومحمد أحمد عبد العزيز، دار الكتب العلمية بيروت.
127- تفسير ابن كثير، لأبي الفداء إسماعيل بن كثير، المتوفى سنة 747 هـ. دار الشعب بالقاهرة 1390 هـ.
128- تقريب التهذيب، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852 هـ. تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، دار المعرفة. بيروت.(1/80)
129- تكملة إكمال الإكمال في الأسماء والأنساب والألقاب لأبي حامد محمد بن علي المعروف بابن الصابوني، المتوفى سنة 680 هـ. تحقيق مصطفى جواد، مطبعة المجمع العلمي العراقي 1957 م.
130- تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لأحمد بن علي بن حجر، المتوفى سنة 852 هـ. عني بتصحيحه عبد الله هاشم اليماني، شركة الطباعة الفنية المتحدة القاهرة.
131- تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم، لأحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 هـ، تحقيق سكينة الشهابي، دار طلاس دمشق 1405 هـ 1985 م.
132- تلخيص المستدرك، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي المتوفى سنة 748 هـ. مطبوع مع المستدرك، حيدرآباد الدكن.
133- تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير، لعبد الرحمن بن علي الجوزي، المتوفى سنة 597 هـ. مكتبة الآداب ومطبعتها القاهرة.
134- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لأبي عمر يوسف بْن عبد الله بْن محمد بْن عبد البر، المتوفى سنة 643 هـ. وزارة الأوقاف المغربية.
135- تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث، لعبد الرحمن بن علي بن الديبع، مطبعة صبيح بمصر 1382 هـ 1962 م.
136- تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة لأبي الحسن علي بن محمد بن عراق الكناني، المتوفى سنة 963 هـ تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، وعبد الله محمد الصديق، مكتبة القاهرة.
137- تهذيب الأسماء واللغات، لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي، المتوفى سنة 676 هـ، الطبعة المنيرية القاهرة، دار الكتب العلمية بيروت.
138- تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر، لعبد القادر بدران المتوفى سنة 1346 هـ.
تصوير دار المسيرة بيروت، الطبعة الثانية 1399 هـ 1979.(1/81)
139- تهذيب التهذيب، لأحمد بن علي بن حجر، المتوفى سنة 852 هـ. دائرة المعارف العثمانية حيدرآباد الدكن 1325 هـ.
140- تهذيب سنن أبي داود، مختصر سنن أبي داود، لعبد العظيم بن عبد القوى المنذري، المتوفى سنة 656 هـ. مطبوع مع معالم السنن، وتهذيب الإمام ابن قيم الجوزية. تحقيق أحمد شاكر، ومحمد حامد الفقي، مطبعة أنصار السنة المحمدية.
141- تهذيب الكمال: لأبي الحجاج المزي تصوير دار المأمون دمشق.
142- تهذيب الكمال: لأبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي، المتوفى سنة 472 هـ. تحقيق بشار عواد المجلد، دار الرسالة بيروت.
143- تهذيب اللغة: لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري المتوفى سنة 370 هـ، تحقيق عدد من العلماء. الدار المصرية للتأليف والترجمة القاهرة.
144- التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل، لمحمد بن إسحاق بن خزيمة، المتوفى سنة 311 هـ. تعليق محمد خليل هراس، توزيع دار الباز، مكة المكرمة 1398 هـ. 1978 م.
145- توضيح المشتبه، لمحمد بن عبد الله المعروف بابن ناصر الدين الدمشقيّ الجزء الأول حققه وعلق عليه محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى 1407 هـ. 1986 م.
146- تيسير مصطلح الحديث، لمحمود الطحان، دار القرآن الكريم بيروت.
147- الثقات، للإمام محمد بن حيان البستي، المتوفى سنة 354 هـ. دائرة المعارف العثمانية- حيدرآباد الهند.
148- جامع الأصول في أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلم لأبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري، المتوفى سنة 606 هـ. تحقيق عبد القادر الأرنائوط مكتبة الحلواني، ومكتبة دار البيان، ومطبعة الملاح، سوريا 1389 هـ. 1969 م.
149- جامع بيان العلم وفضله، لأبي عمر يوسف بْن عبد الله بْن محمد بْن عبد البر، المتوفى سنة 463 هـ. إدارة الطباعة المنيرية 1398 هـ. 1978 م.(1/82)
150- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، المتوفى سنة 310 هـ. دار المعرفة بيروت الطبعة الثانية 1392 هـ 1972 م.
151- جامع البيان عن تأويل القرآن، لأبي جعفر الطبري المتوفى سنة 310 هـ.
تحقيق محمود شاكر، مراجعة وتخريج أحمد محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة.
152- جامع التحصيل في أحكام المراسيل، للحافظ صلاح الدين أبي سعيد خليل ابن كيكلدي العلائي، المتوفى سنة 761 هـ. تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي الدار العربية للطباعة، بغداد 1398 هـ.
153- جامع الشمل، لأطفيش الجزائري، تحقيق محمد عبد القادر عطا. ط دار الكتب العلمية.
154- الجامع لأخلاق الراويّ وآداب السامع، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، المتوفى سنة 463 هـ. تحقيق محمود الطحان، دار المعارف الرياض.
155- الجامع الكبير، جمع الجوامع، للسيوطي، المتوفى سنة 911 هـ. الهيئة المصرية العامة للكتاب.
156- جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، لمحمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله الحميدي، المتوفى سنة 488 هـ. الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966 م.
157- الجرح والتعديل: لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازيّ المتوفى سنة 327 هـ.
تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي دائرة المعارف العثمانية- حيدرآباد الهند.
158- الجمع بن رجال الصحيحين، لأبي الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي المعروف بابن القيسراني، المتوفى سنة 507 هـ. دائرة المعارف العثمانية حيدرآباد الدكن 1323 هـ.
159- جمع الوسائل في شرح الشمائل، للترمذي،. تأليف ملا علي القاري المطبعة الأدبية بمصر 1317 هـ.(1/83)
160- جمهرة الأمثال، لأبي هلال العسكري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش، القاهرة 1964 م.
161- جمهرة اللغة، لأبى بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي المتوفى سنة 321 هـ. تحقيق كرنكو، دائرة المعارف العثمانية حيدرآباد 1344 هـ.
162- جمهرة أشعار العرب، لأبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي، المتوفى سنة 170 هـ. المطبعة الرحمانية بمصر.
163- جمهرة أنساب العرب، لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم الأندلسي، المتوفى سنة 456 هـ. تحقيق عبد السلام هارون مطبعة الخانجي، القاهرة.
164- جمهرة نسب قريش وأخبارها، للزبير بن بكار المتوفى سنة 256 هـ. تحقيق محمود محمد شاكر، مكتبة دار العروبة.
165- جوامع السيرة، وخمس رسائل، لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم الأندلسي، المتوفى سنة 456 هـ، طبع مصر.
166- الجواهر المضية في طبقات الحنفية، لأبي محمد عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله القرشي الحنفي، تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه 1398 هـ. 1978 م.
167- حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المتوفى سنة 911 هـ. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.
168- حلية الأولياء، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني المتوفى سنة 430 هـ.
مكتبة الخانجي القاهرة.
169- الحماسة، لابن الشجري، طبع في حيدرآباد 1345 هـ.
170- حياة الحيوان الكبرى، للدميري إلياس بن عبد الله المتوفى سنة 923 هـ.
المطبعة العامرة الشرقية القاهرة.
171- الحيوان، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، المتوفى سنة 255 هـ، تحقيق عبد السلام هارون، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة.(1/84)
172- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، لعبد القادر بن عمر البغدادي، المتوفى سنة 1093 هـ. أربعة مجلدات طبع مصر 1299 هـ.
173- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، لعبد القادر بن عمر البغدادي، المتوفى سنة 1093، تحقيق عبد السلام هارون، مطبعة الخانجي القاهرة.
174- الخصائص الكبرى، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفى سنة 911 هـ. تحقيق محمد خليل هراس، دار الكتب الحديثة القاهرة 1387 هـ.
175- خلاصة تذهيب الكمال في أسماء الرجال، لصفي الدين أحمد بن عبد الله الخزرجي، المتوفى سنة 923 هـ. تحقيق عبد الوهاب فايد، مكتبة القاهرة، مصر.
176- الخلاصة في أصول الحديث للطيبي، تحقيق صبحي السامرائي، دار مطبعة الإرشاد بغداد.
177- خلق أفعال العباد، لأبي عَبْد الله مُحَمَّد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة 256 هـ. مطبعة النهضة الحديثة.
178- الدراية في تخريج أحاديث الهداية، لابن حجر العسقلاني مطبعة الفجالة القاهرة 1384 هـ.
179- الدر المنثور، في طبقات ربات الخدور، لزينب فواز طبع بمصر 1312 هـ.
180- درة الغواص في أوهام الخواص، لأبي محمد القاسم بن علي الحريري، المتوفى سنة 516 هـ. طبع مصر.
181- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، لجلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 هـ. المطبعة الميمنية القاهرة.
182- الدرر في اختصار المغازي والسير، لابن عبد البر المتوفى سنة 463 هـ. دار الكتب العلمية بيروت.
183- الدر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة، للسيوطي، تحقيق محمد عبد القادر عطا. ط دار الاعتصام القاهرة.(1/85)
184- دلائل النبوة، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله، المتوفى سنة 430 هـ. دائرة المعارف بحيدرآباد 1320 هـ.
185- دلائل النبوة، للبيهقي أحمد بن الحسين، المتوفى سنة 458، تحقيق عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية بيروت 1405 هـ 1985 م.
186- دول الإسلام، لشمس الدين الذهبي، المتوفى سنة 748 هـ. تحقيق فهيم شلتوت، محمد مصطفى إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1974 م.
187- الديارات، لعلي بن محمد الشابشتي، المتوفى سنة 388 هـ. طبع في بغداد 1951 م.
188- ديوان حسان بن ثابت، تحقيق وليد عرفات، دار صادر بيروت 1974 م.
189- ديوان الضعفاء والمتروكين، للإمام الذهبي، المتوفى سنة 748 هـ. تحقيق حماد الأنصاري.
190- ذخائر العقبي، لمحب الدين الطبري، المتوفى سنة 694 هـ. دار المعرفة بيروت.
191- ذكر أخبار أصبهان، أخبار أصبهان لأبي نعيم.
192- الذيل على لب اللباب، لعباس محمد رضوان المدني، مطبعة المعاهد 1345 هـ.
193- ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد، لأبي عبد الله محمد بن سعيد المعروف بابن الدبيثي، حققه بشار عواد معروف، مطبعة دار السلام، بغداد 1974 م.
194- رجال الكشي، لمحمد بن عمر، المتوفى سنة 340 هـ. مؤسسة الأعلمي للمطبوعات كربلاء.
195- رجال الطوسي، لأبي جعفر محمد بن الحسن، المتوفى سنة 460 هـ. المكتبة الحيدرية، النجف 1381 هـ.
196- الرد على الجهمية، لعثمان بن سعيد الدارميّ، المتوفى سنة 280 هـ. تحقيق جوستا فانكستم، ليدن 1960 م.(1/86)
197- الرسالة المستطرفة، لمحمد بن جعفر الكناني، المتوفى سنة 1345 هـ. دار الكتب العلمية بيروت 1400 هـ.
198- الرعاية لحقوق الله تعالى، للمحاسبي، تحقيق عبد القادر عطا. ط دار الكتب العلمية. بيروت.
199- رغبة الأمل من كتاب الكامل، وهو شرح لكتاب الكامل للمبرد، لسيد بن علي المرصفي، طبع مصر 1346، 1348 هـ.
200- الروض الأنف في تفسير السيرة النبويّة لابن هشام لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيليّ، المتوفى سنة 581 هـ. تحقيق عبد الرحمن الوكيل، القاهرة 1387 هـ.
201- الروض المعطار في خبر الأقطار، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد المنعم الحميري، تحقيق إحسان عباس، مكتبة لبنان.
202- الرياض النضرة في فضائل العشرة، لمحب الدين الطبري المتوفى سنة 594 هـ. مكتبة الجندي القاهرة.
203- زاد المعاد في هدي خير العباد، لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية، المتوفى سنة 571 هـ. تحقيق شعيب وعبد القادر الأرنئوطيان، نشر مؤسسة الرسالة ومكتبة المنار الإسلامية 1399 هـ.
204- الزهد، للإمام أحمد بن حنبل، المتوفى سنة 241 هـ. دار الكتب العلمية، بيروت.
205- الزهد والرقائق، لعبد الله بن المبارك، المتوفى سنة 181 هـ. تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة بيروت.
206- زوائد ابن ماجة، مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة.
207- سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب، لمحمد أمين البغدادي السويدي طبع في بغداد 1280 هـ.
208- سبل السلام، للإمام الصنعاني، تحقيق محمد عبد القادر عطا. ط دار الكتب العلمية- بيروت.(1/87)
209- سلسلة الأحاديث الصحيحة، للألباني محمد بن ناصر الدين. المكتب الإسلامي بيروت.
210- سلسلة الأحاديث الضعيفة، للألباني محمد بن ناصر الدين- المكتب الإسلامي ببيروت.
211- السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين، لمحب الدين الطبري أحمد بن عبد الله، المتوفى سنة 694 هـ. المطبعة العلمية حلب 1346 هـ.
212- سمط اللآلئ (اللآلي في شرح أمالي القالي) ، لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري المتوفى 487 هـ- وشرح ذيل الأمالي وصلة ذيله والتنبيه على الأغلاط المعدودة فيهما) نسّقه وعلّق عليه عبد العزيز الميمني الراجكوتي، طبع في مصر 1354 هـ- 1936 م.
213- سنن ابن ماجة لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني المتوفى 275 هـ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. مطبعة عيسى البابي الحلبي القاهرة.
214- سنن أبي داود: لسليمان بن الأشعث السجستاني المتوفى سنة 275 هـ تحقيق عزت عبيد الدعاس- ط حمص سوريا 1388 هـ.
215- سنن الترمذي (جامع الترمذي) ، لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي المتوفى سنة 279 هـ. تحقيق أحمد محمد شاكر وآخرون- مطبعة البابي الحلبي القاهرة 1365 هـ.
216- سنن الدار الدّارقطنيّ، لأبي الحسن علي بن عمر الدار الدّارقطنيّ البغدادي، المتوفى سنة 385 هـ، وبذيله التعليق المغني لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، صححه عبد الله هاشم اليماني، دار المحاسن القاهرة 1386 هـ.
217- سنن الدارميّ، لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارميّ، المتوفى سنة 255 هـ. ترتيب عبد الله هاشم اليماني دار المحاسن القاهرة 1386 هـ.
218- السنن لسعيد بن منصور، المتوفى سنة 227 هـ. علمي بريس، الهند 1387 هـ.(1/88)
219- سنن الشافعيّ، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، المتوفى سنة 458 هـ، تحقيق خليل ملا خاطر- لم ينشر بعد.
220- السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى سنة 458 هـ.
دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الهند 1344 هـ.
221- سنن النسائي الصغرى (المجتبى) لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، المتوفى سنة 303 هـ. مع حاشية زهر الربى للسيوطي، وحاشية السندي، دار إحياء التراث العربيّ بيروت.
222- السنة، لأبي بكر عمرو بن أبي عاصم الشيبانيّ المتوفى سنة 287 هـ، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي دمشق 1400 هـ.
223- سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازيّ، الضعفاء لأبي زرعة.
224- سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني في الجرح والتعديل، دراسة وتحقيق محمد علي قاسم العمري، طبع المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. الجزء الثالث.
225- سؤالات البرقاني أحمد بن محمد المتوفى سنة 425 هـ للدار للدّارقطنيّ في الجرح والتعديل، دراسة وتحقيق خليل حسن حمادة رسالة ماجستير بجامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض.
226- سؤالات الحاكم النيسابورىّ، المتوفى سنة 405 هـ. للإمام الدار الدّارقطنيّ في الجرح والتعديل دراسة وتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر. مكتبة المعارف. الرياض.
227- سؤالات حمزة بن يوسف السهمي، المتوفى سنة 425 هـ، للدار للدّارقطنيّ وغيره من المشايخ في الجرح والتعديل دراسة وتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر مكتبة المعارف، الرياض 1404 هـ.
228- سؤالات السلمي محمد بن الحسين السلمي، المتوفى سنة 412 هـ.
للدار للدّارقطنيّ في الجرح والتعديل، دراسة وتحقيق خليل حسن حمادة، رسالة ماجستير بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.(1/89)
229- سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة، المتوفى سنة 297 هـ. لعلي بن المديني، المتوفى سنة 234 هـ. في الجرح والتعديل دراسة وتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، مكتبة المعارف الرياض 1404 هـ.
230- سير أعلام النبلاء، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، المتوفى سنة 748 هـ. بإشراف شعيب الأرنائوط، مؤسسة الرسالة بيروت.
231- السير والمغازي، لمحمد بن إسحاق، المتوفى سنة 151 هـ. تحقيق سهيل زكار، دار الفكر 1398 هـ ط 1.
232- سيرة عمر بن عبد العزيز، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي الحنبلي البغدادي المعروف بابن الجوزي، المتوفى سنة 597 هـ. دار الفكر بيروت.
233- السيرة النبويّة، لعبد الملك بن هشام، المتوفى سنة 218 هـ. تحقيق مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة 1375 هـ.
234- السيرة النبويّة: لأبي الفداء إسماعيل بن كثير المتوفى سنة 747 هـ تحقيق مصطفى عبد الواحد، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة 1384 هـ.
235- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد بن محمد بن مخلوف، طبع بمصر 1349 هـ.
236- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي، المتوفى سنة 1089 هـ. نشر مكتبة القدسي، القاهرة 1350 هـ.
237- شرح الزرقاني على المواهب اللدنية، لأحمد بن محمد بن عبد الملك القسطلاني، المتوفى سنة 923 هـ. مصورة بيروت 1393 هـ.
238- شرح شواهد المغني، للسيوطي، المتوفى سنة 911 هـ. طبع بمصر 1322 هـ.
239- شرح صحيح مسلم، لمحيي الدين يحيى بن شرف النووي، المتوفى سنة 676 هـ. الطبعة الثانية 1392 هـ.(1/90)
240- شرح علل الترمذي، لعبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، المتوفى سنة 795 هـ، حققه نور الدين عتر، دار الملاح سنة 1398 هـ.
241- شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف، لأبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري، المتوفى سنة 382 هـ. تحقيق عبد العزيز أحمد، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة.
242- شرح معاني الآثار، لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، المتوفى سنة 321 هـ. حققه وعلق عليه محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية بيروت.
الطبعة الأولى 1399 هـ.
243- الشعر والشعراء، لعبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينَوَريّ المتوفى سنة 3276 هـ، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار المعارف، مصر.
244- الشفا في أحوال المصطفى للقاضي عياض. تحقيق السقا. ط. دار الكتب العلمية.
245- الشمائل المحمدية، لأبي عيسى محمد بن سورة الترمذي المتوفى سنة 279 هـ، إخراج وتعليق محمد عفيف الزعبي، دار العلم للطباعة والنشر، المدينة المنورة.
246- صبح الأعشى، للقلقشندي، طبع بمصر 1331- 1338 هـ.
247- الصحاح، لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، المتوفى سنة 393 هـ، تحقيق عبد الغفور عطار، دار الكتاب العربيّ بمصر.
248- صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار، لمحمد بن عبد الله بن بليهد النجدي، طبع في مصر 1370- 1372 هـ.
249- صحيح البخاري، لمحمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة 256 هـ، فتح الباري.
250- صحيح ابن خزيمة، لأبي بكر محمد بن إسحاق السلمي المتوفى سنة 311 هـ. تحقيق مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي دمشق.
251- صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، المتوفى سنة(1/91)
261 هـ. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.
252- الصفات، لأبي الحسن علي بن عمر الدار الدّارقطنيّ، المتوفى سنة 385 هـ، تحقيق علي بن محمد بن ناصر الفقيهي 1403 هـ 1983 م.
253- صفة الصفوة لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ. تحقيق محمود فاخوري ومحمد رواس قلعجي دار الوعي بحلب سوريا 1389 هـ 1969 م.
254- الصلة، لأبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال المتوفى سنة 578 هـ، الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966 م.
255- صلة الخلف بموصول السلف. لمحمد بن سليمان الروداني المتوفى سنة 1094 هـ، تحقيق محمد الحجي نشرته مجلة معهد المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية، الكويت.
256- صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط لأبي عمر وعثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح المتوفى سنة 643 هـ، دراسة وتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر. دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان.
257- الضعفاء الصغير، لأبي عَبْد الله مُحَمَّد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة 256 هـ. تحقيق بوران الضناوي، عالم الكتب 1404 م 1984 م. الطبعة الأولى.
258- الضعفاء والكذابون والمتروكون من أصحاب الحديث، عن أبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم، وأبي حاتم محمد بن إدريس الرازيين، مما سألهما وجمعه وألفه وأبو عثمان سعيد بن عمرو بن عمار البرذعي، دراسة وتحقيق سعدي الهاشمي المجلس العلمي، الجامعة الإسلامية 1402 هـ 1982 م.
259- الضعفاء الكبير، لأبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي، المتوفى سنة 322 هـ. حققه عبد المعطي أمين قلعجي، دار الكتب العلمية بيروت 1404 هـ 1984.(1/92)
260- الضعفاء والمتروكون، لأبي الحسن علي بن عمر الدار الدّارقطنيّ المتوفى سنة 385 هـ. دراسة وتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، مكتبة المعارف الرياض 1404 هـ.
261- الضعفاء والمتروكون، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، المتوفى سنة 303 هـ، بوران الضناوي وكمال يوسف الحوت مؤسسة الكتب الثقافية الطبعة الأولى، 1405 هـ 1985 م.
262- ضعيف الجامع الصغير وزيادته، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي دمشق.
263- الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد، لأبي الفضل جعفر بن ثعلب الأدفوي، المتوفى سنة 748 هـ، تحقيق سعد محمد حسن، الدار المصرية 1966 م.
264- طبقات الأولياء، لعمر بن علي بن أحمد بن الملقن المتوفى سنة 804 هـ، تحقيق نور الدين شريبة، مكتبة الخانجي القاهرة، الطبعة الأولى 1393 هـ 1973 م.
265- طبقات الحفاظ، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المتوفى سنة 911 هـ تحقيق علي محمد عمر، مكتبة وهبة القاهرة.
266- طبقات الحنابلة، لأبي الحسين محمد بن أبي يعلى المتوفى سنة 527 هـ مطبعة السنة المحمدية 1371 هـ.
267- طبقات خليفة، لأبي عمرو خليفة بن خياط شباب العصفري المتوفى سنة 240 هـ تحقيق أكرم ضياء العمري، الطبعة الثانية دار طيبة الرياض 1402 هـ.
268- الطبقات السنية في تراجم الحنفية، تقي الدين بن عبد القادر الحنفي، المتوفى سنة 1005 هـ. تحقيق عبد الفتاح الحلو، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية القاهرة 1970 م.
269- طبقات الشافعية الكبرى، لأبي نصر عبد الوهاب بن علي السبكي، المتوفى سنة 771 هـ، تحقيق محمود محمد الطناحي، وعبد الفتاح الحلو، مطبعة عيسى البابي الحلبي.(1/93)
270- طبقات الشافعية، لجمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي، المتوفى سنة 772 هـ، تحقيق عبد الله الجبوري بغداد 1391 هـ.
271- طبقات الشافعية، لأبي بكر بن هداية الله الحسيني، المتوفى سنة 1014 هـ.
حققه عادل نويهض، دار الآفاق الجديدة بيروت، الطبعة الثانية 1979 م.
272- طبقات الشعراء، لعبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد، المتوفى سنة 296 هـ. تحقيق عبد الستار فراج، دار المعارف بمصر الطبعة الثالثة.
273- طبقات الشعراني، المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار، وتعرف بالطبقات الكبرى، لعبد الوهاب بن أحمد الشعراني، المتوفى سنة 973 هـ.
طبع بمصر.
274- طبقات الصوفية، لأبي عبد الرحمن محمد بن الحسين النيسابورىّ السلمي، المتوفى سنة 412 هـ. تحقيق نور الدين شريبة، جماعة الأزهر للتأليف والترجمة والنشر القاهرة.
275- طبقات فحول الشعراء، لأبي عبد الله محمد بن سلام الجمحيّ، المتوفى سنة 232 هـ. تحقيق محمود محمد شاكر، دار المعارف بمصر.
276- طبقات الفقهاء الشافعية، لأبي عاصم محمد بن أحمد العبادي، المتوفى سنة 458 هـ تحقيق غوستافيتام، لندن 1964 م.
277- الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد، كاتب الواقدي المتوفى سنة 230 هـ.
دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت 1398 هـ 1978 م.
278- الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد المتوفى سنة 230 هـ. تحقيق إدوارد سخو لندن 1904 هـ، 1940 م.
279- الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد (القسم المتمم لتابعي أهل المدينة من بعدهم) دراسة وتحقيق زياد منصور، المجلس العلمي، الجامعة الإسلامية، دائرة المعارف العثمانية- حيدرآباد الهند 1384 هـ.
280- الطبقات الكبير لابن سعد، الطبعة الأولى وتشمل الجزء المتمم، تحقيق(1/94)
محمد عبد القادر عطا دار الكتب العلمية.
281- غريب الحديث، لأبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي، المتوفى سنة 388 هـ. تحقيق عبد الكريم الغرباوي مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى مكة المكرمة 1402 هـ 1982 م.
282- الغماز على اللماز في الموضوعات المشهورات، للسمهودي، تحقيق محمد عبد القادر عطا، ط دار الكتب العلمية بيروت.
283- غنية الملتمس بغية الملتمس، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، المتوفى سنة 463 هـ. تحقيق عبد الرحمن محمد شريف، رسالة ماجستير بجامعة الإمام- كلية أصول الدين. لم ينشر بعد.
284- الفائق في غريب الحديث، لمحمود بن عمر الزمخشريّ المتوفى سنة 538 هـ. تحقيق علي البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى البابي الحلبي القاهرة.
285- الفاخر، لأبي طالب المفضل بن سلمة بن عاصم، تحقيق عبد العليم الطحاوي، القاهرة 1960 م.
286- الفتاوى الحديثية، لأحمد بن محمد بن حجر الهيثمي المتوفى سنة 974 هـ، المطبعة الميمنية بمصر 1307 هـ.
287- الفتاوى الكبرى، لابن تيمية، تحقيق محمد عبد القادر عطا. مصطفى عبد القادر عطا. ط دار الكتب العلمية.
288- فتح الباري شرح صحيح البخاري، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852 هـ. طبع الرئاسة العامة للإفتاء، المملكة العربية السعودية الرياض.
289- الفتح الرباني لترتيب مسند أحمد بن حنبل الشيبانيّ لأحمد عبد الرحمن البناء الشهير بالساعاتي، المتوفى سنة 1378 هـ. دار الحديث القاهرة.
290- الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير، لجلال الدين السيوطي مزجهما يوسف النبهاني، المتوفى سنة 1350 هـ دار الكتب العربيّ، بيروت(1/95)
268. فتح المغيث شرح ألفية الحديث، لأبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي المتوفى سنة 902 هـ. تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية، المدينة المنورة 1388 هـ.
291- فتوح البلدان، لأحمد بن يحيى بن جابر المعروف بالبلاذري، المتوفى سنة 279 هـ، تحقيق صلاح الدين المنجد، النهضة المصرية القاهرة.
292- فتوح مصر وأخبارها، لأبي القاسم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحكيم، المتوفى سنة 257 هـ. تحقيق شارل توري، مطبعة جامعة لييل 1922 م.
293- فصل المقال في شرح كتاب الأمثال، لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري، المتوفى سنة 487 هـ. تحقيق إحسان عباس وعبد المجيد قطامش بيروت 1971 م.
294- فضائل الصحابة، لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، المتوفى سنة 241 هـ. تحقيق وحي الله بن محمد عباس، مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى مكة المكرمة.
295- فضائل الصحابة، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، المتوفى سنة 303 هـ. دار الكتب العلمية 1405 هـ. 1984 م.
296- فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد، لفضل الله الجيلاني، المطبعة السلفية ومكتبتها القاهرة.
297- فهرس ابن عطية، لأبي محمد عبد الحق بن عطية المحاربي الأندلسي، المتوفى سنة 541 هـ. تحقيق محمد أبو الأجفان دار الغرب الإسلامي 1400 هـ. 1980 م.
298- فهرس المخطوطات المصورة في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية- فؤاد السيد ولطفي عبد البديع.
299- فهرس المخطوطات دار الكتب الظاهرية، قسم الحديث محمد ناصر الدين الألباني، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1390 هـ. 1970 م.
300- فهرس المخطوطات بدار الكتب المصرية من المدة 1936- 1955 م.(1/96)
301- طبقات المعتزلة، لأحمد بن يحيى بن المرتضى، تحقيق السيدة سوسنة ديفلد فلذر، بيروت 1961 م.
302- طبقات المفسرين، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المتوفى سنة 911 هـ. دار الكتب العلمية، بيروت. 1403 هـ. 1983 م.
303- طبقات المفسرين، لشمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداوديّ، المتوفى سنة 945 هـ. دار الكتب العلمية بيروت.
304- طبقات النحويين واللغويين، لأبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي الإشبيلي، المتوفى سنة 379 هـ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة السعادة القاهرة.
305- عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي، لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربيّ، المتوفى سنة 543 هـ. مكتبة المعارف بيروت.
306- العبر في خبر من غبر. لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، المتوفى سنة 748 هـ. تحقيق صلاح الدين المنجد وفؤاد السيد، الكويت 1960.
307- العبر وديوان المبتدإ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر (تاريخ ابن خلدون) لعبد الرحمن بن محمد المتوفى سنة 808 هـ. طبع بولاق 1284 هـ.
308- عجالة المبتدي، وفضالة المنتهي في النسب، لأبي بكر محمد بن أبي عثمان الحازمي الهمدانيّ، المتوفى سنة 584 هـ تحقيق عبد الله كنون، مجمع اللغة العربية القاهرة.
309- العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، لتقي الدين أبي الطيب محمد بن أحمد الحسني المكيّ الفاسي، المتوفى سنة 832 هـ. تحقيق فؤاد السيد، ومحمود الطناحي، القاهرة 1959- 1969 م.
310- العقد الفريد، لابن عبد ربه أحمد بن محمد الأندلسي المتوفى سنة 328 هـ، تحقيق أحمد أمين، وأحمد الزين، وإبراهيم الأبياري، لجنة التأليف القاهرة.
311- العلل ومعرفة الرجال، لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، المتوفى سنة(1/97)
241 هـ. تحقيق طلعت قوج بيكت، وإسماعيل جراح أوغلي انقرة تركيا 1963 م.
312- العلل، لعبد الرحمن بن أبي حاتم، المتوفى سنة 427 هـ. الطبعة الأولى السلفية مصر.
313- علل الحديث ومعرفة الرجال، لعلي بن عبد الله المديني المتوفى سنة 234 هـ، تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي، دار الوعي حلب، الطبعة الأولى ربيع الأول 1400 هـ 1980 م.
314- العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، لعبد الرحمن بن علي الجوزي، حققه إرشاد الحق الأثري، دار الكتب الإسلامية لاهور باكستان.
315- علم التاريخ عند المسلمين، لفرانز روزنثال، ترجمة أحمد العلي، مؤسسة الرسالة، بيروت 1403 هـ. 1983 م (ومن ضمنه كتاب الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ/ لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، المتوفى 902 هـ.
316- علوم الحديث، لأبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوريّ المعروف بابن الصلاح، المتوفى سنة 643 هـ، تحقيق نور الدين عتر، المكتبة العلمية بيروت 1401 هـ، 1981 م.
317- عمل اليوم والليلة، لأبي بكر أحمد بن محمد المعروف بابن السني، المتوفى سنة 463 هـ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا دار المعرفة بيروت 1399 هـ 1979 م.
318- عون المعبود حاشية سنن أبي داود، لمحمد أشرف بن أمير بن علي الصديقي العظيم آبادي، ضبط وتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية، المدينة المنورة الطبعة الثانية 1389 هـ 1969 م.
319- عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، لمحمد بن محمد سيد الناس المتوفى سنة 734 هـ. القاهرة 1352.- 320- عيون الأخبار، لأبي محمد عبد الله بن مسلم قتيبة الدينَوَريّ، المتوفى سنة 276 هـ. طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب القاهرة 1963.(1/98)
321- غاية النهاية في طبقات القراء، لأبي الخير محمد بن محمد الجزري، المتوفى سنة 833 هـ. تحقيق ج. براجشتر اسر، دار الكتب العلمية بيروت. الطبعة الثانية 1400 هـ 1980 م.
322- غرر أخبار ملوك الفرس، للثعالبي، باريس 1900 م.
323- غريب الحديث، لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي المتوفى سنة 224 هـ، مطبعة فؤاد السيد، مطبعة دار الكتب القاهرة، 1380 هـ 1960 م.
324- الفهرس في رجال الشيعة، لأبي جعفر الطوسي محمد بن الحسن، المتوفى سنة 460 هـ.
325- الفهرست، لابن النديم محمد بن إسحاق، المتوفى سنة 438 هـ. تحقيق فلوجل طبع ليبسك 1871 م، وطبعة طهران.
326- فهرست ما رواه عن شيوخه من الدواوين المصنفة في خروب العلم وأنواع المعارف لأبي بكر محمد بن خير الإشبيلي المتوفى سنة 575 هـ. تحقيق فرنستكة قداره زين وتلميذه خليان زبارة طرغوه، دار الآفاق بيروت.
327- فوات الوفيات، لمحمد بن شاكر الكتبي، المتوفى سنة 764 هـ، تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة بيروت.
328- الفوائد البهية في تراجم الحنفية، لمحمد بن عبد الحي اللكنوي دار المعرفة، بيروت لبنان.
329- الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، لمحمد بن علي الشوكاني، المتوفى سنة 1250 هـ. تحقيق عبد الرحمن المعلمي اليماني، مطبعة السنة المحمدية بمصر 1380 هـ 1960 م.
330- الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة، للكرمي تحقيق محمد الصباغ، دار العربية بيروت 1397 هـ.
331- القاموس المحيط، لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي المتوفى سنة 817 هـ، تعليق نصر الهوريني الطبعة الثالثة المطبعة الأميرية بولاق، القاهرة.(1/99)
332- قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان، القلقشندي أبو العباس أحمد بن علي، المتوفى سنة 821 هـ، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتب الحديثة، القاهرة، الطبعة الأولى 1383 هـ 1963 م.
333- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب السنة لمحمد بن أحمد الذهبي، المتوفى سنة 748 هـ. تحقيق عزت عطية، وموسى الموشى، دار الكتب الحديثة القاهرة.
334- الكامل، لابن الأثير أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الشيبانيّ، المتوفى سنة 630 هـ.
طبعة دار الكتب العلمية بيروت.
335- الكامل في ضعفاء الرجال، لأحمد عبد الله بن عدي الجرجاني، المتوفى سنة 365 هـ، دار الفكر بيروت، الطبعة الأولى 1404 هـ 1984 م.
336- الكامل في اللغة والأدب، لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد، المتوفى سنة 285 هـ. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم دار النهضة القاهرة.
337- كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، المتوفى سنة 807 هـ تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة بيروت.
338- الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث، أبو الوفاء إبراهيم بن محمد بن خليل الطرابلسي الحلبي المعروف بسبط ابن العجمي، المتوفى سنة 841 هـ.
تحقيق صبحي السامرائي البدري، وزارة الأوقاف بغداد العراق.
339- كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس لإسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي، المتوفى سنة 1162 هـ. مكتبة القدسي القاهرة.
340- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لمصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة، وبكاتب جلبي، وكالة المعارف 1941، 1943 م.
341- الكفاية في علم الرواية، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي،(1/100)
المتوفى سنة 463 هـ. تقديم محمد الحافظ التيجاني دار الكتب الحديثة القاهرة.
342- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، لعلاء الدين علي المتقي بن حسان الدين الهندي، المتوفى سنة 975 هـ مؤسسة الرسالة بيروت.
343- الكنز المدفون والفلك المشحون، ينسب لجلال الدين السيوطي، المتوفى سنة 911 هـ، طبع بمصر 1288 هـ.
344- الكنى، لمحمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة 256 هـ التاريخ الكبير للبخاريّ.
345- الكنى والأسماء، لأبي بشر محمد بن أحمد الدولابي المتوفى سنة 310 هـ، دائرة المعارف العثمانية حيدرآباد الهند 1322 هـ.
346- الكنى والأسماء، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج، المتوفى سنة 261 هـ. دار الفكر بيروت، تقديم مطاع الطرابلسي.
347- كنى الشعراء ومن غلبت كنيته على اسمه، لأبي جعفر محمد بن حبيب، المتوفى سنة 245 هـ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي القاهرة.
348- الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات لأبي البركات محمد بن أحمد المعروف بابن الكيال، المتوفى سنة 939 هـ. تحقيق عبد القيوم عبد رب النبي- مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1401 هـ 1981 م.
349- لب اللباب في تحرير الأنساب، للسيوطي المتوفى سنة 911 هـ. طبع ليدن 1860- 1862 م وصوره بالأوفست محمد قاسم رجب مكتبة المثنى بغداد.
350- اللباب في تهذيب الأنساب، لعز الدين أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن الأثير، المتوفى سنة 630 هـ. دار صادر بيروت.
351- لسان الميزان، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر المتوفى سنة 852 هـ، حيدرآباد الهند 1329 هـ.(1/101)
352- لسان العرب لابن منظور الإفريقي، محمد بن مكرم المتوفى سنة 711 هـ، مصور عن بولاق.
353- لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتناثرة، للزبيدي، تحقيق محمد عبد القادر عطا دار الكتب العلمية.
354- اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، لجلال الدين أبي الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المتوفى سنة 911 هـ. المكتبة التجارية بمصر.
355- المجروحين من المحدثين والضعفاء، والمتروكين. لمحمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي، المتوفى سنة 354 هـ تحقيق محمود إبراهيم زائد دار الوعي حلب، الطبعة الأولى 1396 هـ.
356- مجمع الأمثال، لأحمد بن محمد الميداني، المتوفى سنة 518 هـ. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة القاهرة.
357- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لعلي بن أبي بكر الهيثمي، المتوفى سنة 807 هـ. مكتبة القدسي، القاهرة 1352 هـ.
358- المجموع شرح المهذب، لأبي زكريا محيي الدين النووي المتوفى سنة 676 هـ. الناشر: زكريا علي يوسف. القاهرة.
359- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحرائي، المعروف بابن تيمية المتوفى سنة 728 هـ. جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي وابنه محمد- تصوير الطبعة الأولى سنة 1398 هـ دار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية- الرياض.
360- محاسن الاصطلاح، لعمر بن رسلان البلقيني المتوفى 805 هـ، ط: دار الكتب المصرية سنة 1974 م مع مقدمة ابن الصلاح.
361- محاضرات الأدباء، للراغب الأصفهاني حسين بن محمد المتوفى 502 هـ، ط دار مكتبة الحياة بيروت.
362- المحبر، لأبي جعفر محمد بن حبيب المتوفى 245 هـ، بعناية إيلزة ليختن(1/102)
الأمريكية- دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الهند سنة 1942 هـ.
363- المحلى، لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم المتوفى 456 هـ بإشراف زيدان أبو المكارم حسن، مكتبة الجمهورية العربية، القاهرة 1387- 1967 م.
364- المحمدون من الشعراء، لعلي بن يوسف القفطي، المتوفى 646 هـ، تحقيق حسن معمري، الرياض 1970 م.
365- مختار الأغاني في الأخبار والتهاني، لابن منظور محمد بن مكارم المتوفى 711 هـ. تحقيق إبراهيم الأبياري، الدار المصرية للتأليف والترجمة بالقاهرة.
366- مختار الصحاح، لمحمد بن أبي بكر الرازيّ المتوفى 666 هـ. ترتيب محمود خاطر، المطبعة الأميرية ببولاق، الطبعة الرابعة، القاهرة.
367- المختصر المحتاج إليه من تاريخ أبي عبد الله محمد بن سعيد الدبيثي، للذهبي المتوفى 748 هـ، تحقيق مصطفى جواد، المجمع العلمي العراقي، بغداد 1977 م.
368- المختصر في أخبار البشر، لأبي الفداء إسماعيل بن محمد المتوفى 732 هـ، القاهرة 132 هـ.
369- مختصر سنن أبي داود، للمنذري، ومعالم السنن، لأبي سليمان الخطابي، وتهذيب الإمام ابن القيم. تحقيق محمد حامد الفقي. مكتبة السنة المحمدية، القاهرة.
370- مختلف القبائل، ومؤتلفها، لأبي جعفر محمد بن حبيب المتوفى سنة 245 هـ.
أعده للنشر حمد الجاسر. النادي الأدبي في الرياض 1400 هـ- 1980 م.
371- مرآة الجنان وعبرة اليقظان، لعبد الله بن أسعد اليافعي المتوفى 768 هـ، حيدرآباد الهند.
372- مرآة الزمان في تاريخ الأعيان، لسبط ابن الجوزي يوسف بن قزاوغلو أبو المظفر المتوفى 654 هـ، حيدرآباد الدكن 1951 هـ 1952 م.(1/103)
373- مراتب النحويين واللغويين، لأبي الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي، المتوفى 351 هـ. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، 1955 م.
374- المراسيل، لابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد، المتوفى سنة 327 هـ.
تحقيق شكر الله بن نعمة الله قوجاني. مؤسسة الرسالة بيروت. الطبعة الأولى 1397 هـ.
375- مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، لصفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي المتوفى 739 هـ، تحقيق علي محمد البجاوي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.
376- مروج الذهب ومعادن الجوهر، لأبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي المتوفى 346 هـ، تصوير دار الفكر بالقاهرة- تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.
377- المزهر في علوم اللغة وأنواعها: لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المتوفى 911 هـ، تحقيق محمد أحمد جاد المولى، وعلي البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم. دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة.
378- المستدرك على الصحيحين، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابورىّ، المتوفى 405 هـ. دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الهند.
379- المستطرف في كل فن مستظرف، لمحمد بن أحمد الأبشيهي، المتوفى 852 هـ. طبع بمصر 1272.
380- المستقصى في أمثال العرب، لمحمود بن عمر الزمخشريّ المتوفى 538 هـ، دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الهند، 1962 هـ.
381- مسند أبي داود الطيالسي، لسليمان بن داود بن الجارود الطيالسي، المتوفى 204 هـ، دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الهند 1321 هـ.
382- مسند الإمام أحمد بن حنبل، لأبي عبد الله أحمد بن حنبل، المتوفى سنة 241 هـ. تصوير المكتب الإسلامي ودار صادر بيروت 1398 هـ.
383- مسند الإمام أحمد بن حنبل، لأبي عبد الله أحمد بن حنبل المتوفى 241 هـ،(1/104)
تحقيق أحمد شاكر وآخرون. ط دار المعارف بالقاهرة.
384- مسند الإمام أحمد بن حنبل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل المتوفى 241 هـ.
تحقيق عبد القادر أحمد عطا. ومحمد عاشور، ط. دار الاعتصام بالقاهرة.
385- مسند الحميدي، لأبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي المتوفى 219 هـ.
تحقيق حبيب الأعظمي، ط عالم الكتب بيروت ومكتبة المتنبي بالقاهرة.
386- مسند الشافعيّ، لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المتوفى 204 هـ دار الكتب العلمية بيروت 1400 هـ.
387- مسند الشهاب، لأبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي المتوفى 454 هـ تحقيق حمدي السلفي، دار الرسالة بيروت 1405 هـ 1985 م.
388- مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لأبي بكر أحمد بن علي بن سعيد الأموي المروزي المتوفى 292 هـ. تحقيق شعيب الأرنائوط، المكتب الإسلامي الطبعة الثانية 1393 هـ.
389- مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضي عياض بن موسى اليحصبي المتوفى 544 هـ. طبع دار التراث والمكتبة العتيقة.
390- مشاهير علماء الأمصار، لمحمد بن حبان البستي، المتوفى 354 هـ. بتصحيح م. فلا يشهمر- مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة.
391- المشتبه في الرجال أسمائهم وأنسابهم، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي المتوفى 748 هـ، تحقيق علي البجاوي، دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة.
392- مشتبه النسبة، لأبي محمد عبد الغني بن سعيد الأزدي المتوفى 409 هـ، ط الهند 1327 هـ. (مع كتاب المؤتلف والمختلف) بعناية محمد محيي الدين الجعفري.
393- المشترك وصفا والمفترق صقعا، لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي البغدادي المتوفى 626 هـ. تحقيق وستنفلد جوتنجن 1846 م.
394- مشكاة المصابيح، لمحمد بن عبد الله المعروف بالخطيب التبريزي المتوفى(1/105)
بعد 837 هـ. تحقيق محمد ناصر الدين الألباني- المكتب الإسلامي 1380 هـ.
395- مشكل الآثار، لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة، المتوفى 321 هـ. دائرة المعارف، حيدرآباد 1333 هـ.
396- مشيخة ابن الجوزي، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي المتوفى 597 هـ، تحقيق محفوظ، الشركة التونسية للتوزيع 1977 م.
397- المشوق المعلم في ترتيب الإصلاح على حروف المعجم، لأبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبريّ المتوفى 616 هـ. تحقيق ياسين السواس، مركز البحث العلمي جامعة أم القرى.
398- مصارع العشاق، لأبي محمد جعفر بن أحمد بن الحسين السراج القارئ المتوفى 500 هـ، ط دار صادر بيروت 1958 م.
399- مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة، لأبي العباس أحمد بن إسماعيل بن سليم المعروف بالشهاب، البوصيري المتوفى 840 هـ، مطبوع مع سنن ابن ماجة.
400- مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة للشهاب البوصيري، تحقيق محمد المنتقي الكشناوي- دار العربية بيروت لبنان.
401- المصنف، لابن أبي شيبة أبي بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن أبي شيبة المتوفى 235 هـ، تحقيق عبد الخالق الأفغاني، الدار السلفية، الهند الطبعة الثانية 1399 هـ- 1979 م.
402- المصنف، لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني المتوفى 211 هـ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي- المجلس العلمي، الطبعة الأولى 1390 هـ.
403- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر المتوفى 852 هـ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي- المطبعة العصرية- الكويت 1390 هـ.
404- المعارف، لأبي محمد عَبْد اللَّهِ بن مسلم بن قتيبة الدينَوَريّ المتوفى 276 هـ.
تحقيق ثروت عكاشة، دار المعارف بمصر.(1/106)
405- معالم السنن، لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي المتوفى 388 هـ. مطبوع مع تهذيب سنن أبي داود وسنن أبي داود.
406- المعاني الكبير، في أبيات المعاني، لابن قتيبة الدينَوَريّ، المتوفى 276 هـ، طبع في حيدرآباد 1368 هـ 1949 م.
407- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص، لعبد الرحيم بن عبد الرحمن بن أحمد العباسي، المتوفى 963 هـ المطبعة البهية القاهرة 1367 هـ.
408- معجم البلدان، لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي البغدادي المتوفى 626 هـ، دار صادر بيروت 1399 هـ.
409- معجم الشعراء، لمحمد بن عمران المرزباني المتوفى 384 هـ، تحقيق كرنكو، مطبعة القدسي 1354 هـ (ومعه المؤتلف والمختلف للآمدي) .
410- معجم شواهد العربية لعبد السلام هارون، مطبعة الدجوي، القاهرة.
411- المعجم الصغير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى 360 هـ، دار الكتب العلمية بيروت 1403 هـ. 1983 هـ. مصور من المكتبة السلفية المدينة المنورة.
412- المعجم في شيوخ أبي علي الصدفي، لمحمد بن عبد الله بن الأبار القضاعي المتوفى 658 هـ مجريط 1885 م.
413- معجم قبائل العرب القديمة والحديثة لعمر كحالة ط. مصر 1364- 1371 هـ.
414- المعجم الكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، المتوفى 360 هـ.
تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي- الدار العربية للطباعة، بغداد.
415- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي المتوفى 487 هـ تحقيق مصطفى السقا، مطبعة لجنة التأليف والترجمة، القاهرة 1945- 1949 م.
416- المعجم المشتمل على ذكر أسماء شيوخ الأئمة النبل، لأبي القاسم علي بن(1/107)
الحسن بن هبة الله الشافعيّ المعروف بابن عساكر، المتوفى 571 هـ. تحقيق سكينة الشهابي، دار الفكر، الطبعة الأولى. 1400 هـ- 1980 م.
417- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث الشريف لفيف من المستشرقين، نشره أبي ونسنك مكتبة بريل، ليدن 1936 م.
418- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ط. مكتبة التراث الإسلامي.
419- معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، مكتبة المثنى ببيروت ودار إحياء التراث العربيّ بيروت.
420- معرفة علوم الحديث، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابورىّ المتوفى 405 هـ. تحقيق معظم حسين. منشورات المكتب التجاري للطباعة والنشر، بيروت.
421- معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار، لأبي عبد الله الذهبي، تحقيق بشار عواد، وشعيب الأرنائوط، وصالح مهدي عباس. مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1404 هـ- 1984 م.
422- المعرفة والتاريخ، لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي، المتوفى 277 هـ.
تحقيق أكرم ضياء العمري، مؤسسة الرسالة بيروت.
423- المعمرين والوصايا، لأبي حاتم محمد بن سهل السجستاني، المتوفى 248 هـ. تحقيق عبد المنعم عامر، مطبعة عيسى الحلبي 1961 م.
424- المغازي، لمحمد بن عمر الواقدي، المتوفى 207 هـ. تحقيق مارسدن جونس، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
425- المغني، لأبي محمد عَبْد اللَّهِ بن أَحْمَد بن مُحَمَّد بن قدامة المقدسي، المتوفى 620 هـ، مكتبة الرياض الحديثة الرياض.
426- المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، لأبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي، المتوفى 806 هـ، مطبوع بهامش إحياء علوم الدين، مطبعة دار الشعب بالقاهرة.(1/108)
427- المغني في ضبط أسماء الرجال ومعرفة كنى الرواة وألقابهم وأنسابهم لمحمد بن طاهر بن علي الهندي، المتوفى 986 هـ. دار الكتاب العربيّ بيروت 1399 هـ- 1979 م.
428- المغني في الضعفاء لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، المتوفى 748 هـ.
تحقيق نور الدين عتر، دار المعارف، حلب. سوريا.
429- مفتاح السعادة، ومصباح السيادة، لطاش كبرى زاده، ط. في حيدرآباد الهند 1329 هـ.
430- المفردات في غريب القرآن، لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، المتوفى 502 هـ. دار المعرفة، بيروت.
431- المفضليات، لأبي العباس المفضل بن محمد الضبي المتوفى 168 هـ.
تحقيق أحمد محمد شاكر، وعبد السلام هارون، دار المعارف بمصر، الطبعة الثانية.
432- مفيد العلوم ومبيد الهموم، تحقيق محمد عبد القادر عطا. ط. دار الكتب العلمية.
433- مقاتل الطالبين، لأبي الفرج الأصبهاني، المتوفى 356 هـ تحقيق السيد أحمد صقر، القاهرة 1949 م.
434- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة لأبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي، المتوفى 902 هـ. صححه عبد الله محمد الصديق وعبد الوهاب عبد اللطيف دار الكتب العلمية. بيروت.
435- المقتبس من أنباء أهل الأندلس، لأبي مروان حيان بن خلف بن حسين القرطبي، المتوفى 469 هـ. حققه وقدم له محمود علي مكي، دار الكتاب العربيّ بيروت 1393 هـ 1973 م.
436- المقتضب، لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد، المتوفى 285 هـ. تحقيق محمد عبد الخالق عظيمة لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة.
437- المقتنى في سرد الكنى، لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي،(1/109)
المتوفى 748 هـ. تحقيق محمد صالح عبد العزيز المراد. رسالة ماجستير بجامعة الإمام محمد بن سعود كلية أصول الدين.
438- مكارم الأخلاق، لابن أبي الدنيا، تحقيق محمد عبد القادر عطا. ط. دار الكتب العلمية.
439- من كلام أبي زكريا يحيى بن معين في العلل والرجال رواية أبي خالد الدقاق.
انظر: تاريخ يحيى بن معين.
440- المنار المنيف في الصحيح والضعيف، لشمس الدين ابن قيم الجوزية، المتوفى 751 هـ. تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية 1390 هـ.
441- منتخبات في أخبار اليمن من كتاب شمس العلوم. لنشوان بن سعيد الحميري المتوفى 573 هـ ط. ليدن 1317 هـ.
442- المنتقي من السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي محمد عبد الله بن علي بن الجارود النيسابورىّ المتوفى 307 هـ، تحقيق عبد الله هاشم اليماني المدني. مطبعة الفجالة 1963 م.
443- المنتقي من منهاج الاعتدال، لأبي عبد الله محمد بن عثمان الذهبي المتوفى 748 هـ.
444- منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي دواد، لأحمد عبد الرحمن البناء- المطبعة المنيرية بالأزهر.
445- منتهى الآمال شرح حديث إنماء الأعمال، للسيوطي، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا. ط. دار الكتب العلمية.
446- المنفردات والوحدان، لأبي حسين مسلم بن الحجاج النيسابورىّ المتوفى 261 هـ. تحقيق حسين علي بطي. رسالة ماجستير بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية أصول الدين.
447- المنمق في أخبار قريش، لمحمد بن حبيب، المتوفى 245 هـ. تحقيق خورشيد أحمد فاروق، دائرة المعارف العثمانية الهند، 1964 م.(1/110)
448- المنهاج، شرح صحيح مسلم بن الحجاج- وهو شرح النووي لصحيح مسلم.
449- المهذب في اختصار السنن الكبير للإمام البيهقي، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى 748 هـ. تحقيق حامد إبراهيم أحمد، ومحمد حسين العقبي، مطبعة الإمام بمصر.
450- موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، المتوفى 807 هـ. تحقيق محمد عبد الرزاق حمزة، دار الكتب العلمية- بيروت.
451- المؤتلف، والمختلف للإمام الحافظ أبي الحسن علي بن عمر الدار الدّارقطنيّ البغدادي، المتوفى 385 هـ دراسة وتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر- دار العرب الإسلامي بيروت 1986 م.
452- المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء وكناهم وألقابهم وأنسابهم وبعض شعرهم، لأبي القاسم الحسن بن بشر الآمدي، المتوفى 370 هـ. بتصحيح كرنكو، مكتبة القدسي بالقاهرة.
453- المؤتلف والمختلف في أسماء نقلة الحديث، لأبي محمد عبد الغني بن سعيد الأزدي، المتوفى 409 هـ. عني بطبعة محمد محيي الدين الجعفري بالهند.
454- موضح أوهام الجمع والتفريق، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، المتوفى 463 هـ. تحقيق المعلمي اليماني، دائرة المعارف العثمانية- الهند.
455- الموضوعات، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، المتوفى 597 هـ. مطبعة المجد بمصر 1386 هـ.
456- موضوعات الصغاني، لأبي الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن الصغاني المتوفى 650 هـ. تحقيق نجم عبد الرحمن خلق، الطبعة الأولى 1401 هـ/ 1980 م.
457- الموضوعات الصغرى لملا علي بن محمد القاري، المتوفى 1014 هـ. ط بيروت 1389 هـ.(1/111)
458- الموطأ. للإمام مالك بن أنس، المتوفى 179 هـ. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة.
459- ميزان الاعتدال في نقد الرجال، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، المتوفى 748 هـ. تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة بيروت.
460- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لأبي المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي، المتوفى 784 هـ دار الكتب المصرية بالقاهرة.
461- نزهة الألباء في طبقات الأدباء، لكمال الدين عبد الرحمن بن محمد الأنباري، المتوفى 577 هـ. تحقيق إبراهيم السامرائي، بغداد 1959.
462- نزهة النظر شرح نخبة الفكر، لأحمد بن علي بن حجر، المتوفى 852 هـ.
المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، الطبعة الثالثة.
463- نسب عدنان وقحطان، لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد، المتوفى 285 هـ.
لجنة التأليف، القاهرة 1354 هـ.
464- نسب قريش، لمصعب بن عبد الله الزبيري المتوفى 236 هـ، تحقيق أ. لفي بروفنسال. دار المعارف بمصر 1953 م.
465- النشر في القراءات العشر، لمحمد بن محمد بن الجزري المتوفى 833 هـ.
تحقيق سالم محيسن، مكتبة القاهرة بمصر.
466- نصب الراية لأحاديث الهداية، لجمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي، المتوفى 762 هـ. إدارة المجلس العلمي، ودار المأمون. القاهرة.
467- نظم المتناثر في الحديث المتواتر، لأبي عبد الله محمد بن جعفر الإدريسي الكتاني، المتوفى 1345 هـ. دار الكتب العلمية. بيروت 1400 هـ.
468- النكت الظراف على تحفة الأشراف، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى 853 هـ. تحقيق عبد الصمد شرف الدين (مع تحفة الأشراف) الدار القيمة، بومباي الهند.
469- نهاية الأرب في فنون الأدب. لأحمد بن عبد الوهاب النويري المتوفى 733 هـ. طبع منه بمصر 29 جزء.(1/112)
470- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، لأحمد بن علي القلقشندي المتوفى 821 هـ. ط. في بغداد.
471- النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير، المتوفى 606 هـ. تحقيق طاهر الزاوي، ومحمود الطناحي. دار إحياء الكتب العربية القاهرة.
472- نوادر الأصول لمعرفة أحاديث الرسول، للحكيم الترمذي. دار صادر.
473- نوادر المخطوطات لعبد السلام محمد هارون- لجنة التأليف والترجمة- القاهرة.
474- هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، لإسماعيل باشا البغدادي الباباني، المتوفى 1339 هـ. دار الفكر 1982 م.
475- هدي الساري مقدمة فتح الباري، لأحمد بن علي بن حجر، المتوفى 852 هـ ط. دار الإفتاء.
476- هذا حلال وهذا حرام، تأليف عبد القادر عطا. ط. دار الكتب العلمية بيروت 477- الوافي بالوفيات، لخليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي. المتوفى 764 هـ باعتناء هلموت ديتروس، ديدرينغ، سلسلة النشرات الإسلامية لجمعية المستشرقين الألمانية.
478- ألوفا بأحوال المصطفى لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي المتوفى 597. تحقيق مصطفى عبد القادر عطا. ط. دار الكتب العلمية بيروت.
479- الوفيات، لأبي العباس أحمد بن حسن بن علي بن الخطيب الشهير بابن قنفذ، المتوفى 807 هـ. تحقيق عادل نويهض، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت الطبعة الثانية 1978 م.
480- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لأبي العباس شمس الدين أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أبي بكر بْن خلكان، المتوفى 681 هـ. حققه إحسان عباس، دار صادر بيروت 1977 م.(1/113)
481- ولاة مصر، لأبي عمر محمد بن يوسف الكندي، المتوفى بعد 355 هـ. تحقيق حسين نصار دار صادر بيروت.
482- الولاة والقضاة، لأبي عمر محمد بن يوسف الكندي، المتوفى بعد 355 هـ.
ط. بيروت 1908 م.
483- يتيمة الدهر من محاسن أهل العصر، لأبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي، المتوفى 429 هـ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت- الطبعة الثانية 1393 هـ- 1973.
484- اليقين، لابن أبي الدنيا، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، ط. دار الكتب العلمية بيروت
.(1/114)
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
مقدمة المصنف
الحمد للَّه الَّذِي سبق الأزمان وابتدعها، والأكوان واخترعها والجواهر وجمعها، والأجسام وصنعها، والسماء ورفعها، والأنوار وشعشعها، والشمس واطلعها، والمياه وأنبعها، والأقوات وزرعها، منع آلات الحس عَن إدراكه وقطعها، ووهب لنفس الآدمي نفائس المعارف وأقطعها وخصها دُونَ الخلائق بمعاني أودعها، فعلمت أَنَّهَا أين كانت وكيف كانت فَهُوَ معها.
أحمده عَلَى نعم أكثرها وأوسعها، وأشهد بوحدانيته من براهين أكدت مَا أودعها إِلَى نفس تقر أَنَّهُ يعلم مستقرها ومستودعها.
وأصلي عَلَى رسوله مُحَمَّد أشرف من جاء بملة وشرعها، وألطف من ضاقت حاله عَلَى أمته فوسعها، وعلى أَصْحَابه وأتباعه إِلَى أَن تسكن كُل نفس من الْجَنَّة والنار موضعها، أما بَعْد:
فإني رأيت النفوس تشرئب إِلَى معرفة بدايات الأشياء، وتحب سماع أخبار الأنبياء، وتحن إِلَى مطالعة سير الملوك والحكماء، وترتاح إِلَى ذكر مَا جرى للقدماء.
ورأيت المؤرخين يختلف مقادهم فِي هذه الأنباء، فمنهم من يقتصر عَلَى ذكر الأنبياء الابتداء، وَمِنْهُم من يقتصر عَلَى ذكر الملوك والخلفاء، وأهل الأثر يؤثرون ذكر العلماء، والزهاد يحبون أحاديث الصلحاء، وأرباب الأرب يميلون إِلَى أهل الأدب والشعراء. ومعلوم أن الكل مطلوب، والمحذوف من ذَلِكَ مرغوب، فآتيتك بِهَذَا الكتاب الجامع لغرض كُل سامع، يحوي عيون المراد من جميع ذَلِكَ، والله المرشد إِلَى أصوب المسالك.(1/115)
ذكر ترتيب هَذَا الكتاب
وأبتدئ بعون اللَّه وتوفيقه وأذكر الدليل عَلَى وجود الصانع سبحانه وتعالى، ثم أردف ذلك بذكر أول المخلوقات، ثُمَّ مَا يلي ذَلِكَ من الموجودات عَلَى ترتيب الوجود فِي الحادثات إلا أَن يخفى زمان حادث فيذكر فِي الجملة، ثُمَّ أتبع ذَلِكَ بذكر آدَم عَلَيْهِ السَّلام وأحواله وَمَا جرى لَهُ، ثُمَّ أذكر عظائم الحوادث الَّتِي كانت فِي زمانه ومن كَانَ فِي مدة ولايته من أَهْل الخير، ورءوس أَهْل الشر. ثُمَّ أذكر من خلفه من أولاده، وَمَا حدث فِي زمان ذَلِكَ الخالف من الأحداث، ومن كَانَ فِي وقته من أَهْل الخير والشر، ثُمَّ من يخلف ذَلِكَ كَذَلِكَ إِلَى زمان نبينا مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيندرج فِي ذَلِكَ ذكر الأنبياء والملوك وَالْعُلَمَاء والزهاد والحكماء والفراعنة والنماردة ومن لَهُ خبر يصلح إيراده من العوام، وَمَا يحسن ذكره من الأمور والحوادث فِي كُل زمن.
فَإِذَا آل الأمر إِلَى نبينا عَلَيْهِ الصلاة والسلام، أبتدأ بذكر مولده ونسبه، وذكر عيون مَا جرى فِي سَنَة مولده من الحوادث، ثُمَّ مَا جرى فِي سنته الثَّانِيَة من مولده كَذَلِكَ إِلَى زمان نبوته، ثُمَّ بذكر مَا جرى فِي كُل سَنَة من سني النبوة إِلَى سَنَة هجرته إِلَى المدينة.
فَإِذَا انتهينا إِلَى مفتتح سني الهجرة، وَهِيَ الَّتِي عَلَيْهَا التاريخ إِلَى اليوم ذَكَرْنَا مَا كَانَ فِي [كُل [1]] سَنَة من الحوادث المستحسنة والمهمة وَمَا لا بأس بذكره، ونضرب عَن مَا لا طائل فِي الإطالة بِهِ تحته مِمَّا يضيع الزمان بكتابته، إِمَّا لعدم صحته أَوْ لفقد فائدته.
فَإِن خلفا من المؤرخين ملئوا كتبهم بِمَا يرغب عَن ذكره، تارة من المبتدءات البعيدة الصحة، المستهجن ذكرها عِنْدَ ذوي العقول كَمَا قَدْ ذكر فِي مبتدأ وهب بْن منبه وغيره من الأخبار الَّتِي تجري مجرى الخرافات، وتارة يذكر حوادث لا معنى لها ولا فائدة، وتارة يذكر أحوال ملوك يذكر عَنْهُم شرب الخمر، وفعل الفواحش، وتصحيح ذَلِكَ عَنْهُم عزيز، فَإِن صح كان ذَلِكَ إشاعة الفواحش، وإن لَمْ يصح كَانَ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: أضيفت لاستقامة المعنى.(1/116)
فِي مرتبة القذف، وَهُوَ فِي العاجل يهون عَلَى أبناء الجنس مَا هُمْ فِيهِ من الزلل عَلَى أَن الأخبار لا تسلم من بَعْض هَذَا.
ومن أَعْظَم خطأ السلاطين والأمراء نظرهم فِي سياسات متقدميهم وعملهم بمقتضاها من غير نظر، فيما ورد بِهِ الشرع، ومن خطأهم تسمية أفعالهم الخارجة عن الشرع سياسة بأن الشرع هُوَ السياسة لا عمل السلطان برأيه وهواه، ووجه خطأهم فِي ذَلِكَ أَن مضمون قولهم يقتضي أَن الشرع لَمْ يرد بِمَا يكفي فِي السياسة فاحتجنا إِلَى تتمة من رأينا، فَهُمْ يَقْتُلُونَ من لا يَجُوز قتله، ويفعلون مَا لا يحل فعله، ويسمون ذَلِكَ سياسة.
فصل
واعلم أَن فِي ذكر السير والتواريخ فوائد كثيرة، أهمها فائدتان، أحدهما: أَنَّهُ إِن ذكرت سيرة حازم ووصفت عاقبة حاله علمت حسن التدبير واستعمال الحزم، وإن ذكرت سيرته مفرط ووصفت عاقبته خويت من التفريط فيتأدب المسلط، ويعتبر المتذكر، ويتضمن ذَلِكَ شحذ صوارم العقول، ويكون روضة للمتنزه فِي المنقول.
وَالثَّانِيَة: أَن يطلع بِذَلِكَ عَلَى عجائب الأمور وتقلبات الزمن، وتصاريف القدر، والنفس تجد راحة بسماع الأخبار.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو بْن العلاء لرجل من بَكْر بْن وائل قَدْ كبر حَتَّى ذهب منه لذة المأكل والمشرب والنكاح: أتحب أَن تموت؟ قَالَ: لا، قيل: فَمَا بقي من لذتك فِي الدنيا، قَالَ: أسمع بالعجائب.
فصل
فَإِذَا أنهينا ذكر المهم من الحوادث والحالات فِي كُل سَنَة ذَكَرْنَا من مَات فِي تلك السنة من الأكابر، ويتعرض بذكر الجرح والتعديل. وَقَدْ يختلف فِي سَنَة موته فنذكر الأصح، وذكر هَذَا من الحوادث أَيْضًا، وترتب أسماؤهم فِي كُل سَنَة عَلَى الحروف فنقدم من اسمه عَلَى حرف الألف عَلَى الباء، فَإِن خفي زمان موت ذاك الشخص ذكرناه مَعَ أقرانه.(1/117)
فَقَدِ اجتمع فِي كتابنا هَذَا ذكر الأنبياء، والسلاطين، والأحداث والمحدثين/ وَالْفُقَهَاء والمحدثين، والزهاد، والمتعبدين، والشعراء، والمتأدبين، وَفِي الجملة جميع المتميزين من أَهْل الخير والشر أجمعين، فيحصل بِمَا يذكره مراد المسامر والمحدث، ومقصود الناقل المحدث، فكان هَذَا الكتاب مرآة يرى فِيهَا العالم كُلهُ والحوادث بأسرها إلا أَن يَكُون من لا وقع لَهُ فليس لِذَلِكَ ذكر أَوْ حادثة لا يغنى تحتها ولا وجه لذكرها، وَقَدِ انتقى كتابنا نقي التواريخ كلها، وأغنى من يعنى بالمهم منها عنها، وجمع محاسن الأحاديث والأخبار اللائقة بالتواريخ، وانتخب أَحْسَن الأشعار عِنْدَ ذكر قائلها، وسلم من فضول الحشو ومرذول الْحَدِيث، ومن لَمْ يدخل فِيهِ مَا يصلح حذفه.
وَقَدْ كنت عزمت عَلَى مد النفس فِيهِ بزيادة الأسانيد، وجمع وشرح أخبار الشخص كلها ثُمَّ رأيت أن تخير الأوساط خير من الانبساط، فأخذت فِي كف الكف عَن التطويل، وحذف أَكْثَر الأسانيد لئلا يوجب الطول بحر الكتاب، عَلَى أَنَّهُ كثير بالإضافة إلى قلة الهمم، والله تعالى ملهم الإصابة، ومسعف الإجابة بمنه.
ذكر الدليل عَلَى وجود الخالق سبحانه وتعالى [1]
قَدْ ثبت عِنْدَ العقول السليمة أَن العالم كُلهُ حادث، وكل حادث فلحدوثه سبب، والدليل عَلَى أَن العالم حادث أَن العالم كُل موجود سِوَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ والموجود إِذَا كَانَ متحيزا غَيْر مؤتلف سمي جوهرا فردا فَإِن ائتلف إِلَى غيره سمي جسما. والعرض مَا قام بغيره: كاللون، والطعم، وَهَذِهِ الموجودات لا تخلو من الحوادث، كالحركة والسكون، وكل مَا يخلو من الحوادث حادث.
ومعنى قولنا «حادث» أَنَّهُ وجد بَعْد عدمه، فلا يخلو وجوده قبل أَن يَكُون محالا أَوْ ممكنا، ولا يَجُوز أَن يَكُون محالا، لأن المحال لا يوجد أبدا.
فثبت أَنَّهُ ممكن، والممكن مَا يَجُوز أَن يوجد ويجوز أن لا يوجد، فلا بد
__________
[1] راجع: كنز الدرر للدواداري 14، ومرأة الزمان لسبط ابن الجوزي 1/ 45.(1/118)
لوجوده من مرجح لَهُ عَلَى العدم، وَهَذَا أمر ضروري فِي العقل لا نزاع فِيهِ، فظهر منه أَنَّهُ لا بد للموجودات من موجد أوجده.
فَإِن قيل: يبطل هَذَا بالخالق فَإِنَّهُ موجود لا بموجد.
قلنا: الخالق واجب الوجود لَمْ يزل، وَهَذِهِ الأشياء جائزة الوجود وبدت بَعْد عدم فافتقر إِلَى موجد.
ويزيد مَا قلنا إيضاحا فنقول: اعلم أَن الأدلة عَلَى إثبات الصانع بعدد أجزاء أعيان الموجودات كلها، إذ مَا من شَيْء إلا وفيه دليل عَلَى صانعه، وَفِي كُل شَيْء لَهُ آية تَدُل عَلَى أَنَّهُ واحد، وَقَدْ ثبت فِي الأزمان أَنَّهُ لا كتابة إلا بكاتب، ولا بناء إلا ببان.
ومن الدليل عَلَيْهِ نظم العالم وتركيبه وترتيبه وإحكام صنعته، فَإِن تفكرت فِي هذه عَلَى لطف جرمها، كَيْفَ كونت وركبت أعضاؤها، ثم قد ركبت فِيهَا علم مصالحها، واجتناب مضارها، ومناقد أغذيتها، وسمعها وبصرها.
ومن أعجب الأدلة عَلَيْهِ تفاوت الهمم والطباع والصور، فَإِن تكونت بالطبع لتساوت. وَقَدْ أشار عَزَّ وَجَلَّ إِلَى ذَلِكَ، بقوله: يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ في الْأُكُلِ 13: 4 [1] .
فَإِن قَالَ قائل جاهل: منها ومن فعل الطبيعة.
قلنا: إِن كانت حية عالمة قادرة حكيمة فليس خلافنا إلا فِي الاسم، وإن لَمْ يكن عَلَى هذه الأوصاف لَمْ يتصور عَنْهَا فعل محكم.
ومن ألطف الأدلة عَلَى وجوده: وَلَهُ النفوس، وقرع القلوب إِذَا نابت نائبة إِلَيْهِ، والكلام فِي هَذَا المعنى قَدِ استوفي فِي مسائل الأصول، ولما كَانَ هَذَا الكتاب لَمْ يوضع لِذَلِكَ اقتصرنا عَلَى هذه النبذة، وَقَدْ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ... 57: 3 الآية [2] .
وَأَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
__________
[1] سورة الرعد، الآية: 4
[2] سورة: الحديد، الآية: 3(1/119)
المذهب، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بْنِ مَالِكٍ الْقَطِيْعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، عَن جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مِحْرِزٍ، عَنِ عِمْرَانَ بن الحصين، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ» ، قَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا فَاعْطِنَا، فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ» ، قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا فَأَخْبِرْنَا عَن أَوَّلِ هَذَا الأَمْرِ كَيْفَ كَانَ، فَقَالَ: «كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي اللِّوْحِ الْمَحْفُوظِ ذِكْرَ كُلِّ شَيْءٍ» [1] .
ذِكْرُ بِدَايَةِ الْخَلْقِ
[2] أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن جعفر، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سِوَارٍ، أَخْبَرَنَا لَيْثٌ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنِ أيوب بن زياد، قال: حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عُبَادَةِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْقَلَمَ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ، فَجَرَى فِي تِلْكَ السَّاعَةِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» [3] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بْن ثابت الْخَطِيبِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ النَّدَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْكَاتِبُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْقَاضِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الزُّرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، قَالَ:
حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ شَدَّادِ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهَا، عَنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ ثُمَّ خَلَقَ الدَّوَاةَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ن وَالْقَلَمِ ... 68: 1 [4] ثم قال للقلم:
__________
[1] الحديث أخرجه البخاري 4/ 128، وأحمد بن حنبل في المسند 4/ 431، وابن كثير في التفسير 4/ 240، والقرطبي في التفسير 9/ 8، والسيوطي في الدر المنثور 3/ 321.
[2] تاريخ الطبري 1/ 32، ومرآة الزمان 1/ 47.
[3] أخرجه الطبري في تاريخه 1/ 32، وفي تفسيره 29/ 11، وأخرجه أبو داود 4700، وأحمد بن حنبل 5/ 317، والبيهقي في السنن 10/ 204، والقرطبي في التفسير 18/ 225، والطبراني في المعجم الكبير 11/ 433، وابن كثير في البداية 1/ 8، وفي التفسير 7/ 460، 8/ 211.
[4] سورة: القلم، الآية: 1.(1/120)
خُطَّ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ» [1] .
قَالَ المصنف: وَهَذَا هُوَ المراد بالحَدِيث الَّذِي أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْقَاسِمُ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا أبو علي الحسن بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قال: حدثني أبي، قال:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو هَانِي الْخَوْلانِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجِيَلِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَدَّرَ اللَّهُ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ» .
أَخْرَجَهُ أَبُو مَسْلَمَةَ [2] .
وإنما قُلْت: المراد بالقدر مَا كتب مِمَّا يَكُون، لأنه لا يَجُوز أَن يَكُون المراد بالتقدير علم مَا يَكُون من جهة أَن علم الحق عَزَّ وَجَلَّ قديم لا يستند إِلَى سنين معدودة، فعلم أن المراد بالقدر كتابة المقدور، وفائدة إظهار المعلوم بمكتوب أن يعلم ان المخلوقات إنما وجدت عَن تدبير تقدم وجودها.
وَقَدْ زعم مُحَمَّد بْن إِسْحَاق أَن أول مَا خلق اللَّه النور والظلمة [3] ، ولا يقبل هَذَا مَعَ الْحَدِيث المرفوع، والقياس يقتضي أَن يَكُون مَعَ القلم اللوح، لأنه يكتب فِيهِ، والدواة عَلَى مَا ذكرناه.
وَمَا رأيتهم ذكروا هَذَا، وإن كَانَ من الممكن خلق اللوح متأخرا، وأن تكون الكتابة متأخرة بَعْد المخلوقات.
قَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن جَرِير الطبري: [4] ثُمَّ ثنى خلق القلم الغمام، وهو السحاب الرقيق.
__________
[1] انظر الحديث في: تفسير ابن كثير 5/ 448، وحلية الأولياء 7/ 318، والتاريخ الكبير للبخاريّ 6/ 92، وتاريخ بغداد 13/ 40، وتهذيب تاريخ ابن عساكر 5/ 300، وكشف الخفا 1/ 275، 306، وميزان الاعتدال 8298.
[2] أخرجه الترمذي 2156، وأحمد بن حنبل 2/ 169، والقرطبي في التفسير 9/ 52، والأسماء والصفات للبيهقي 374، وانظر: كشف الخفا 2/ 38، والدرر المنتثرة للسيوطي 314.
[3] انظر: تاريخ الطبري 1/ 34.
[4] تاريخ الطبري 1/ 37.(1/121)
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مَرْوَانَ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنِ وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رُزَيْنٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ كَانَ رَبِّنُا قَبْلَ أَنْ يَخْلِقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ: «كَانَ عَمَاءً [1] ، مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ، وَمَا فَوْقَهُ/ سَمَاءٌ [2] ، ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ» [3] .
قَالَ مُؤَلِفُهُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ الْفَوْقَ وَالتَّحْتَ وَالْهَوَاءَ عَائِدٌ إِلَى السَّحَابِ، لأَنَّ الْحَقَّ سُبْحَانَهُ لا يَعْلُوهُ شَيْءٌ وَلا يُحْمَلُ فِي شَيْءٍ. وَإِجْمَاعُ الأُمَّةِ عَلَى هَذَا، وبه يدفع توهم من يتوهم أَنَّ ذَلِكَ عَائِدٌ إِلَى الْحَقِّ سُبْحَانَهُ.
وَقَالَ أرطأة بْن المنذر: لما خلق اللَّه تَعَالَى القلم فكتب مَا هُوَ كائن سبحه، ذَلِكَ الكتاب ومجده القلم قبل أَن يخلق شَيْئًا من الخلق.
فصل
واختلفوا فِي الَّذِي خلق بَعْد الغمام [4] ، فَقَالَ قوم: العرش [5] ، وَقَالَ قوم:
الماء [6] ، وَهُوَ الصحيح [7] ، لقوله فِي حَدِيث أَبِي رزين: ثُمَّ خلق عرشه عَلَى الماء.
وَقَدْ روى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كان الماء عَلَى متن الريح.
فصل
قَالَ أَبُو جَعْفَر الطبري: [8] فلما أراد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خلق السموات والأرض خلق
__________
[1] في إحدى نسخ الطبري الخطية: «كان في غمام» . والعماء بالفتح والمد: السحاب. قال أبو عبيد: لا يدرى كيف كان ذلك العماء. وراجع النهاية لابن الأثير 1/ 12، 3/ 130.
[2] في الطبري: «ما تحته هواء، وما فوقه هواء» .
[3] الحديث أخرجه الطبري في التاريخ 1/ 37، وفي التفسير 12/ 4، وابن كثير في تفسيره 4/ 240، والترمذي في السنن 3109، وأحمد بن حنبل 4/ 11، والطبراني في الكبير 19/ 207، وأورده السيوطي في الدر المنثور 3/ 322، والألباني في الأحاديث الضعيفة 2/ 284.
[4] في المختصر: «بعد العماء» .
[5] تاريخ الطبري 1/ 39، والكامل 1/ 18، ومرآة الزمان 1/ 50.
[6] تاريخ الطبري 1/ 39، والكامل 1/ 19، ومرآة الزمان 1/ 50.
[7] هذا أيضا رأي الطبري في تاريخه 1/ 40.
[8] تاريخ الطبري 1/ 41.(1/122)
فيما ذكر أياما ستة، فسمى كُل يَوْم منها باسم. وَقَدْ ذكر الضَّحَّاك بْن مزاحم أسماءها، فَقَالَ: أَبُو جاد [1] ، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت [2] .
وَقَدْ حكاه الضَّحَّاك عَن زَيْد بْن أرقم. وَقَدْ يسمى بِهَذِهِ الأسماء ملوك سيأتي ذكرهم فِي قصة شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلام.
وَرَوَى عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ يَوْمًا وَاحِدًا فسماه الأحد، [ثم خلق ثَانِيًا فَسَمَّاهُ الاثْنَيْنِ] [3] . ثُمَّ خَلَقَ ثَالِثًا فَسَمَّاهُ الثُّلاثَاءَ، ثُمَّ خَلَقَ رَابِعًا فَسَمَّاهُ الأَرْبِعَاءَ، ثُمَّ خَلَقَ خَامِسًا فَسَمَّاهُ الْخَمِيسُ» [4] .
قَالَ الطبري [5] : وهذان القولان غَيْر مختلفين، إذ كَانَ جائزا أَن يَكُون مَا رواه عَطَاء بلسان العرب، وَمَا ذكره الضَّحَّاك بلسان الآخرين.
فصل
واختلف الْعُلَمَاء فِي أول يَوْم ابتدأ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خلق السموات وَالأَرْض عَلَى ثلاثة أقوال [6] :
أحدها: السبت.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِ سَلَمَةَ، عن أبي هريرة، قال: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي، فَقَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ فِيهَا يَوْمَ الأَحَدِ، وَخَلَقَ فِيهَا الشَّجَرَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهِ فِيهَا يَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبَعَاءِ، وبث فيها الدواب يوم الخميس،
__________
[1] في الطبري: «أبجد» .
[2] راجع: تاريخ الطبري 1/ 41، ومرآة الزمان 1/ 52، والآثار الباقية 64، والأزمنة والأمكنة 1/ 268.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أضفناه من الطبري [1/ 42] .
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 42.
[5] تاريخ الطبري 1/ 43، ونقلة هنا المصنف بتصرف.
[6] انظر: تاريخ الطبري 1/ 43، ومرآة الزمان 1/ 52، وكنز الدرر 26.(1/123)
وَخَلَقَ آَدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ [فَكَانَ] [1] آَخِرَ الْخَلْقِ فِي آَخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ» [2] .
فصل
[والقول الثَّانِي] : يَوْم الأحد [3] .
قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن سلام: إِن اللَّه تَعَالَى ابتدأ الخلق فخلق الأَرْض يَوْم الأحد ويوم الاثنين.
وَقَالَ كعب: بدأ اللَّه تَعَالَى خلق السموات وَالأَرْض يَوْم الأحد والاثنين [4] ، فَقَالَ مجاهد والضَّحَّاك: ابتدأ الخلق يَوْم الأحد [5] .
قَالَ أَبُو جَعْفَر الطبري: وَهَذَا أولى الأقوال [6] .
والقول الثالث: يَوْم الاثنين.
قَالَ ابْن إِسْحَاق [7] : وَهُوَ قَوْل أَهْل الإنجيل.
قَالَ المصنف: وَالأَوَّل هُوَ الصحيح لمكان الْحَدِيث الَّذِي رويناه، وكيف يقدم عَلَى حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْل غيره.
فصل
وَقَدِ اختلفوا فِي الأَرْض والسماء، أيتهما خلق أولا عَلَى قولين: [8] رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَلَقَ الله عز وجل الأرض بأقواتها
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، والمختصر.
[2] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 2/ 327، والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 3، والحاكم في المستدرك 2/ 450، 543، وابن الجوزي في زاد المسير 3/ 211، 6/ 94، 7/ 243، وابن كثير في التفسير 1/ 99، 3/ 422، والقرطبي في التفسير 6/ 384، والبخاري في التاريخ الكبير 1/ 413، والبيهقي في الأسماء والصفات 26، 383، وابن كثير في البداية والنهاية 1/ 15، 17.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] راجع تاريخ الطبري 1/ 43، ومرآة الزمان 1/ 53.
[5] تاريخ الطبري 1/ 44.
[6] تاريخ الطبري 1/ 44.
[7] تاريخ الطبري 1/ 45 بتصرف.
[8] تاريخ الطبري 1/ 44.(1/124)
مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْحُوهَا قَبْلَ السَّمَاءِ، ثُمَّ دَحَا الأَرْضَ بَعْد ذَلِكَ [1] .
وَقَدْ رَوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «خلق الله النجوم والشمس والقمر والملائكة يوم الجمعة إلى ثلاث ساعات منه» . وروى عطاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الشَّجَرَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ وَالطَّيْرَ وَالْوُحُوشَ وَالسِّبَاعَ يَوْمَ الْخَمِيسِ.
وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس: خلق اللَّه الْمَلائِكَة يَوْم الأربعاء، وخلق الجن يَوْم الخميس.
وَقَدِ اختلف هل خلق الليل قبل النهار عَلَى قولين، أصحهما أَن الليل أسبق لأن النهار من ضوء الشمس.
فصل
ولا يختلف الناقلون أَن كُل يَوْم من هذه الأيام الستة المذكورة بمقدار السنة، وَرَوَى عكرمة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الستة الأيام الَّتِي خلق اللَّه فِيهَا السموات وَالأَرْض كُل يَوْم منها كألف سَنَة [2] . وَكَذَلِكَ قَالَ كعب والضحاك.
فعلى هَذَا يَكُون مبتدأ الخلق إِلَى حِينَ تكامله سبعة آلاف سَنَة تنقص شَيْئًا، هَذَا مقدار لبث آدَم فِي الْجَنَّة، فَإِن آدَم عَلَيْهِ السَّلام آخر المخلوقات، وَقَدْ لبث فِي الْجَنَّة بَعْض يَوْم.
قَالَ المصنف: ولا أرى من ذهب إِلَى أَن كُل يَوْم مقداره ألف سَنَة أخذه إلا من قَوْله تَعَالَى: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ 22: 47 [3] . وَهَذَا المراد بِهِ أَيَّام الآخرة، وليس يقوم ذَلِكَ دليلا عَلَى أَن الأيام المتقدمة مثل المتأخرة. والذي أراه [أَن] [4] الستة أَيَّام الَّتِي خلقت فيها الأشياء عَلَى مثال أيامنا بدليل النقل والمعنى.
__________
[1] الخبر في الطبري 1/ 48، وهو هنا مختصر، وفي الطبري: «عن ابن عباس» : قوله عز وجل حيث ذكر خلق الأرض قبل السماء قبل الأرض، وذلك أن الله خلق الأَرْضَ بِأَقْوَاتِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْحُوهَا قَبْلَ السماء، ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سماوات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فذلك قوله تعالى: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها 79: 30.
[2] تاريخ الطبري 1/ 59.
[3] سورة: الحج، الآية: 47.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(1/125)
أما النقل: فقد صح عَنْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَنَّهُ قَالَ: «خلق التربة يَوْم السبت وبث فِيهَا الجبال يَوْم الأحد» [1] . ونحن نعرف مقدار الأحد والسبت.
فأما المعنى: فَإِن المراد الأخبار بسرعة الإيجاد، فَإِذَا كَانَ اليوم كألف سَنَة لَمْ يحصل المقصود. وكنت أرى أني خالفت بِهَذَا الرأي أَهْل التفسير حَتَّى رأيت الْحَسَن البصري قَدْ قَالَ: هذه الأيام مثل أَيَّام الدنيا.
وإذا قيل: لو كَانَ المراد سرعة الإيجاد لقال لكل كن فكان فِي الحال، فَمَا فائدة الأيام؟
فالجواب: إِن إيجاد الشيء عَلَى تمهل يمنع قَوْل من قَالَ كَانَ بالإنتاق، ثُمَّ قَدْ رأت الْمَلائِكَة كثيرا من المخلوقات، فعرفت قدرة الخالق بإيجاده من لَمْ يكن [2] .
فصل
وَأَمَّا مدة بقاء الدنيا، فروى سَعِيد بْن جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما أنه قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سَنَة [3] .
وَقَالَ كعب، ووهب: الدنيا ستة آلاف [4] .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ» [5] ، وَفِي لَفْظٍ: «مَا بَقِيَ لأُمَّتِي مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ كَمِقْدَارِ الشَّمْسِ إِذَا صَلَّيْتَ الْعَصْرَ» [6] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن جعفر، أخبرنا عبد الله بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
__________
[1] سبق تخريجه.
[2] كذا في الأصل، وفي المختصر: «بإيجاده شيئا لم يكن» .
[3] تاريخ الطبري 1/ 10، وبقية الخبر: «فقد مضى ستة آلاف سنة ومائتا سنة، وليأتين عليها مئون من سنين، ليس عليها موحد» .
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 10.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 11، وأحمد بن حنبل في المسند 2/ 112.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 11، والترغيب والترهيب للأصبهاني 1808، وتاريخ بغداد 12/ 252، وفتح الباري 11/ 350.(1/126)
مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ» ، وَأَشَارَ بِالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1] .
وَرَوَى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ، قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَصْبُعَيِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشَارَ بِالْمُسَبِّحَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا، وَهُوَ يَقُولُ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ أَوْ كَهِذِهِ مِنْ هَذِهِ» [2] .
قَالَ أَبُو جَعْفَر الطبري: [3] وقدر مَا بَيْنَ صلاة العصر فِي أوسط أوقاتها بالإضافة إِلَى باقي النهار نصف سبع اليوم تقريبا، وَكَذَلِكَ فصل مَا بَيْنَ الوسطى والسبابة. فَإذَا كانت الدنيا سبعة آلاف سنة، فنصف يوم خمسمائة سَنَة.
والذي مال إِلَيْهِ الطبري ونصره: أَنَّهُ قَدْ بقي من الدنيا من حِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا خمسمائة سَنَة، فَقَدْ ظهر بطلان هَذَا القول بِمَا قَدْ غبر من السنين.
وَقَدْ رَوَى الطبري حَدِيثا فِي صحته نظر، أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أنا فِي آخرها ألفا» . قَالَ المصنف: وَهَذَا وإن لَمْ يثبت صحة الرواية فَهُوَ الظاهر، والله أعلم.
ويتقوى هَذَا بِمَا تقدم من أَن عُمَر الدنيا سبعة آلاف سَنَة، وَقَدْ ذهبت اليونانية من النصارى إِلَى أَنَّهُ من لدن خلق آدَم عليه السلام إلى وقت هجرة نبينا صلّى الله عليه وسلم ستة آلاف سنة/ ينقص ثمان سنين، وقد مضى قريب من ستمائة فيبقى أربعمائة، والعلم بقدر الإيمان [5] ظاهر.
قَالَ الطبري: [4] وَقَدْ زعمت الْيَهُود أَن جميع مَا ثبت عندهم عَلَى مَا فِي التوراة مِمَّا بَيْنَ فِيهَا من لدن خلق آدَم إِلَى وقت الهجرة أربعة آلاف وستمائة واثنان وأربعون سنة وأشهر. والله أعلم.
__________
[1] الحديث: في الطبري 1/ 13، وصحيح البخاري 7/ 68، 8/ 131، 132، وصحيح مسلم الفتن 132، 133، 134، 135، والجمعة 34، وسنن النسائي 3/ 189، وسنن الترمذي 2214، وسنن ابن ماجة 45، 4040، ومسند أحمد بن حنبل 3/ 124، 130، 131، 193، 222، 237، 275، 278، 283، 311، 319، 4/ 309، 5/ 92، 335، والسنن الكبرى 3/ 206، وزاد المسير 3/ 129، وتهذيب تاريخ ابن عساكر 4/ 199، 5/ 433، 7/ 121.
[2] الحديث أخرجه الطبري 1/ 12.
[3] تاريخ الطبري 1/ 16.
[4] تاريخ الطبري 1/ 18، وراجع أيضا مرآة الزمان 1/ 44.(1/127)
أبواب ذكر المخلوقات
ذكر خلق الأَرْض [1]
لما روينا أَن اللَّه تَعَالَى خلق الأَرْض قبل السماء ابتدأنا بذكر مَا رَوَى أَبُو الضحى، عن ابن عَبَّاس، قَالَ: خلق اللَّه النون فَوْقَ الماء ثُمَّ كبس الأَرْض عَلَيْهِ [2] .
وَرَوَى عَنْهُ أَبُو ظَبْيَانَ: دَحَا الأَرْضَ عَلَى ظَهْرِ النُّونِ، فَاضْطَرَبَ النُّونُ فَمَادَتِ الأَرْضُ فَأُثْبِتَتِ بِالْجِبَالِ فَإِنَّهَا لَتَفْتَخِرُ عَلَى الأَرْضِ [3] :
وَرَوَى السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ، قَالَ: أَخْرَجَ مِنَ الْمَاءِ دُخَانًا فَسَمَّى عَلَيْهِ فَسَمَّاهُ سَمَاءٌ، ثُمَّ أَيْبَسَ الْمَاءُ فَجَعَلَهُ أَرْضًا وَاحِدَةً، ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعَ أَرَضِينَ فَخَلَقَ الأَرْضَ عَلَى حُوتٍ- وَهُوَ النُّونُ- وَالْحُوتُ فِي الْمَاءِ، وَالْمَاءُ عَلَى ظَهْرِ صَفَاةٍ، وَالصَّفَاةُ عَلَى ظَهْرِ مَلَكٍ، وَالْمَلَكِ عَلَى صَخْرَةٍ، وَالصَّخْرَةُ فِي الرِّيحِ [4] .
وَرُوِّينَا أَنَّ الْكَعْبَةَ خُلِقَتْ قَبْلَ الأَرْضِ. رَوَى عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وُضِعَ الْبَيْتُ عَلَى الْمَاءِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَخْلِقَ اللَّهُ الدُّنْيَا بِأَلْفَي عَامٍ، ثُمَّ دُحِيَتِ الأَرْضُ مِنْ تَحْتِ الْبَيْتِ [5] .
وَرَوَى عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَخْلِقَ الْخَلْقَ خَلَقَ الرِّيحِ فَأَرْسَلَهَا فَنَسَجَتِ الْمَاءَ حَتَّى حَوَتْ عَلَى خَشَفَةٍ وَهِيَ الَّتِي تحت الكعبة، ثم مد الله
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 47، وما بعدها، وكنز الدرر 71، ومرآة الزمان 1/ 57، وعرائس المجالس للثعلبي 4.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 52.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 51.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 52، ومرآة الزمان 1/ 57.
[5] الخبر في الطبري 1/ 49، ومرآة الزمان 1/ 60.(1/128)
الأَرْضَ مِنْهَا حَتَّى بَلَغَتْ حَيْثُ شَاءَ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: خَلَقَ اللَّهُ الْبَيْتَ قَبْلَ الأَرْضِ بِأَلْفَي سَنَةٍ، وَمِنْهُ دُحِيَتِ الأَرْضُ [1] .
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كَانَتِ الْكَعْبَةُ خَشَفَةٌ عَلَى الْمَاءِ قَبْلَ الأَرْضِ بِأَلْفَي سَنَةٍ، وَعَلَيْهَا مَلَكَانِ يُسَبِّحَانِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ- وَالْخَشَفَةُ الأَكَمَةُ الْحَمْرَاءُ [2] .
قَالَ خَالِدُ بْنُ مِضْرَسٍ، وَهُوَ أخو حارثة: الأرض [مسيرة] [3] خمسمائة سنة، فثلاثمائة مِنْهَا عَمْرَانُ، وَمِائَتَانِ خَرَابٌ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ.
وَقَالَ حسان بْن عطية: سعة الأَرْض مائة سَنَة، والبحار مائة سَنَة، ومائة سَنَة عمران [4] .
وَقَالَ غيره: ثلث الأَرْض عمران، وثلثها خراب، وثلثها بحار.
وَقَالَ وهب بْن منبه: مَا العمارة فِي الخراب، إلا فسطاط فِي صحراء [5] .
وَقَالَ قَتَادَة: عمران الأَرْض المقسم أربعة وعشرون ألف فرسخ فِي مثلها، فالسند والهند من ذَلِكَ اثنا عشر ألف فرسخ فِي مثلها، وَهُمْ ولد حام بْن نوح، والصين من ذَلِكَ ثمانية آلاف فرسخ فِي مثلها، وَهُمْ ولد يافث، والروم من ذَلِكَ ثلاثة آلاف فرسخ فِي مثلها، والعرب ألف فرسخ فِي مثلها، وَهُمْ والروم جميعا من ولد سام بْن نوح.
والخراب أَكْثَر.
وَرَوَى قَتَادَة عَن أَبِي الجلد، قَالَ: الدنيا أربعة وعشرون ألف فرسخ، اثنا عشر منها للسودان، وثمانية للروم، وثلاثة لأهل فارس، وألف للعرب [6] .
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 49.
[2] في المرآة 1/ 60: قال الجوهري: الخشفة: الحس والحركة، ومعناه على هذا أنها كانت تضطرب وتتحرك على الماء.
[3] ما بين المعقوفتين: أضيفت من المرآة: 1/ 61.
[4] الخبر في المرآة 1/ 61 هكذا: إن طولها وعرضها مسيرة ثلاثمائة سنة، العمران منها مائة سنة، والخراب مائة سنة، والبحار مائة سنة.
[5] مرآة الزمان 1/ 61.
[6] الخبر في مرآة الزمان 1/ 60.(1/129)
وَقَالَ غيره: أرض الحبشة مسيرة سبعة فراسخ، والفرسخ عشرة ألف ذراع.
وَقَالَ معتب بْن سمي: الأَرْض ثلاثة أثلاث، فثلث لِلنَّاسِ والشجر والدواب، وثلث هواء، وثلث بحار [1] .
قَالَ أَبُو الوفاء بْن عقيل: [2] ونقلت من كتاب الهندسة: ذكر علماء الهندسة أَن الأَرْض عَلَى هيئة الكرة عَلَى تدوير الفلك، موضعه فِي جوف الفلك كالمحة، فِي جوف البيضة، وإن النسيم يحيط بها كالبياض من البيضة حول المحة، وان الفلك يحيط بالنسيم كاحاطة القشرة البيضاء بالبياض المحيط بالمحة، وَالأَرْض مقسومة نصفين بينهما خط الاستواء، وَهُوَ من المشرق إِلَى المغرب، وَهُوَ طول الأَرْض، وَهُوَ أكبر خط فِي كرة الأَرْض كَمَا أَن منطقة البروج أكبر خط فِي الفلك، وعرض الأَرْض من القطب الجنوبي [3] الَّذِي تدور حوله بنات نعش. واستدارة الأرض في موضع خط الاستواء ثلاثمائة وستون درجة، والدرجة خمسة وعشرون فرسخا، والفرسخ اثنا [4] عشر ألف ذراع، والذراع أربعة وعشرون إصبعا، والإصبع ست حبات من شعير مضمومة، فتكون جميع ذَلِكَ تسعة آلاف فرسخ، وبين خط الاستواء وبين كُل واحد من القطبين تسعون درجة، واستدارتها عرضا مثل ذَلِكَ، إلا أَن العمارة بَعْد خط الاستواء أربع وعشرون درجة، ثُمَّ الباقي قَدْ غمره البحر الكبير، فنحن عَلَى الربع الشمالي من الأَرْض. والربع الجنوبي خراب لشدة الحر والنصف الَّذِي تحتنا لا ساكن فِيهِ، وكل ربع من الشمالي والجنوبي سبعة أقاليم، والإقليم هُوَ البلدان الَّتِي يتفق عرضها فِي مسير الشمس وارتفاع درجها.
وَقَالَ بَعْضهم فِي تقدير مَا غمر من الأَرْض بالبحار: أَن موضع البر منها كسواد القمر من القمر، ومعمورها كسرا منه.
وذكر بَعْض الْعُلَمَاء أَن غاية مَا يمكن ارتفاع البنيان فِي الجو مقدار ميلين، فَإِنَّهُ مبلغ أعالي الجبال عَلَى استقامتها بغير تقريح ولا تدريج.
__________
[1] الخبر في المرآة 1/ 61.
[2] قارن بابن خرداذبه 4، والادريسي 1/ 7، وابن الفقيه 4، ومعجم البلدان 1/ 14.
[3] من المرآة 61: «من القطب الشمالي»
[4] ما بين المعقوفتين: من المرآة.(1/130)
باب ذكر البلاد
قال كعب الأخبار: تجد فِي كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ معنى التوراة أَن الأَرْض عَلَى صفة النسر، فالرأس الشام، والجناحان المشرق والمغرب، والذنب اليمن، ولا يزال النَّاس بخير مَا لَمْ يقرع الرأس، فَإِذَا قرع الرأس هلك النَّاس [1] .
وَقَالَ غيره من الْعُلَمَاء: الأَرْض كلها سبعة أقاليم، فالإقليم الأَوَّل الهند، وَالثَّانِي الحجاز، والثالث مصر، والرابع بابل، والخامس الروم، والسادس الترك ويأجوج ومأجوج، والسابع الصين، ومقدار كل إقليم سبعمائة فرسخ في سبعمائة فرسخ من غَيْر أَن يدخل فِي ذَلِكَ جبل ولا واد، والبحر الأعظم محيط بِذَلِكَ، كُلهُ يحيط بِهِ جبل قاف.
قَالَ أَبُو الْحَسَن أَحْمَد بْن جَعْفَر:
أما الإقليم الأَوَّل: [2]
فَإِنَّهُ يبتدئ من المشرق من أقاصي بلاد الصين، فيمر عَلَى بلاد الصين عَلَى ساحل البحر مِمَّا يلي الجنوب، وفيه مدينة ملك الصين، ثُمَّ يمر عَلَى ساحل البحر فِي جنوب بلاد الهند، ثُمَّ بلاد السند، ثُمَّ يقطع البحر إِلَى جزيرة العرب وأرض اليمن، فيكون فيهم من المدائن المعروفة مدينة ظفار وعمان وحضرموت وصنعاء وعدن والتبالة وجرش وسبأ، ثُمَّ يقطع الإقليم بحر القلزم فيمر فِي بلاد الحبشة ويقطع نيل مصر، وفيه مدينة مملكة الحبشة، وتسمى جرمي [وتسمى] دونقلة مدينة النوبة، ثُمَّ يمر الإقليم فِي أرض المغرب عَلَى جنوب بلاد البربر إِلَى أَن ينتهي إلى بحر المغرب.
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 61.
[2] راجع مرآة الزمان 1/ 62، كنز الدرر 85، ومعجم ما استعجم 1/ 6.(1/131)
والإقليم الثَّانِي: [1]
يبتدئ من المشرق، فيمر عَلَى بلاد الصين، ثُمَّ يمر عَلَى بلاد الهند، ثم ببلاد السند، وفيه مدينة المنصورة، والديبل، ثُمَّ يمر لملتقى البحر الأخضر وبحر البصرة، ويقطع جزيرة العرب في أرض نجد وأرض تهامة، وفيه من المدائن: اليمامة، والبحرين، وهجر، ويثرب، ومكة، والطائف، وجدة، ثُمَّ يقطع بحر القلزم، ويمر بصعيد مصر، فيقطع النيل فِيهِ من المدائن تومن، وأخميم، وأسوان، ثُمَّ يمر فِي أرض المغرب عَلَى وسط بلاد أفريقية، ثُمَّ يمر عَلَى بلاد البربر، وينتهي إلى بحر المغرب.
والإقليم الثالث: [2]
يبتدئ من المشرق، فيمر عَلَى شمال بلاد الصين، ثُمَّ عَلَى بلاد الهند، ثُمَّ عَلَى شمال بلاد السند، ثُمَّ عَلَى بلاد كابل وكرمان، وسجستان، والسيرجان، ثُمَّ يمر عَلَى سواحل بحر البصرة، وفيه مدينة/ اصطخر، ونسا، [3] وسابور، وشيراز، وسيراف، مهروبان [4] ، ثُمَّ يمر بكور الأهواز، والعراق، وفيه البصرة، وواسط، وبغداد، والكوفة، والأنبار، وهيت، ثُمَّ يمر عَلَى بلاد الشام، وفيه حمص ودمشق، والصور، وعكا، والطبرية، وقيسارية، وَبَيْت المقدس، والرملة، وعسقلان، وغزة، ثُمَّ يقطع أسفل أرض مصر، وفيه من المدن هنالك تنيس، ودمياط، وفسطاط مصر، والفيوم، والاسكندرية، ثم يمر عَلَى بلاد إفريقية، وينتهي إِلَى بحر المغرب.
والإقليم الرابع: [5]
يبتدئ من المشرق فيمر ببلاد التبت، ثُمَّ عَلَى خراسان، وفيه: فرغانة، وسمرقند، وبلخ، وبخارى، وهراة، ومرو، وسرخس، وطوس، ونيسابور، وجرجان، وقومس، وطبرستان، وقزوين، والري، وأصفهان، وقم، وهمذان ونهاوند، والدينور، وحلوان، وشهرزور، وسر من رأى، والموصل، وبلد، ونصيبين، وآمد، ورأس عين،
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 63.
[2] مرآة الزمان 1/ 63، وكنز الدرر 1/ 87.
[3] كذا في الأصل، وفي معجم البلدان 1/ 30، 4/ 260: «فسا» بالفاء.
[4] في الأصل: «مهرويان» ، والتصحيح من معجم البلدان 1/ 30، 5/ 233.
[5] مرآة الزمان 1/ 64، كنز الدرر 1/ 88.(1/132)
وقاليقا، وسميساط [1] ، وحران، والرقة، وقرقيسيا، ثُمَّ يمر عَلَى شمال الشام، وفيه من المدن: بالسر، ومنبج، وملطية، وحلب، وقنسرين، وأنطاكية، وطرابلس، والمصيصة، وصيدا، وأزنة، وطرسوس، وعمورية. ثُمَّ يمر فِي بحر الشام عَلَى جزيرة قبرس، ثُمَّ فِي أرض المغرب على بلاد طنجة، وينتهي إلى بحر المغرب.
والإقليم الخامس: [2]
يبتدئ من المشرق من بلاد يأجوج ومأجوج، ثُمَّ يمر عَلَى شمال خراسان، وفيه:
خوارزم، وشاش، وأذربيجان، وسنجار، وأخلاط، ثُمَّ يمر فِي بلاد الروم عَلَى خرشة، ورومية، ويمر عَلَى بلاد الأندلس حَتَّى ينتهي إِلَى بحر المغرب.
والإقليم السادس: [3]
يبتدئ من المشرق، فيمر عَلَى بلاد يأجوج ومأجوج، ثُمَّ عَلَى بلاد الخزر، ويمر عَلَى القسطنطينية، وينتهي إِلَى بحر المغرب.
والإقليم السابع: [4]
يبتدئ من المشرق من شمال بلاد يأجوج ومأجوج، ثُمَّ عَلَى بلاد الترك ثُمَّ عَلَى سواحل بحر جرجان، ثُمَّ يقطع بحر الروم، فيمر عَلَى الصقالبة، وينتهي إِلَى بحر المغرب.
وذكر غيره: [5] أَن المسكون من الأَرْض عَلَى تفاوت أقطاره مقسوم بَيْنَ سبع أمم، وَهُمْ: الصين، والهند، والسودان، والبربر، والروم، والترك، والفرس، والفرس فِي وسط هذه الممالك.
قَالَ الأزهري: وإنما سمي الإقليم إقليما لأنه مقلوم من الأقاليم الَّتِي بنى ناحيته، أي مقطوع عَنْهُ.
وَقَالَ الْحَسَن: الأَمْصَار المدينة، والشام، ومصر، والجزيرة، والكوفة، والبصرة، والبحرين.
__________
[1] في الأصل: «شمشاط» . والتصحيح من معجم البلدان 3/ 258.
[2] مرآة 1/ 64، كنز الدرر 1/ 88.
[3] مرآة الزمان 1/ 65، كنز الدرر 1/ 89.
[4] مرآة الزمان 1/ 65.
[5] مرآة الزمان 1/ 66، كنز الدرر 1/ 90.(1/133)
وَقَالَ قَتَادَة: هِيَ عشرة، فزاد: دمشق، وحمص، والأردن، وفلسطين، وقنسرين.
وَقَالَ الأصمعي: العراقان البصرة، والكوفة. وسواد البصرة: الأهواز، وفارس.
وسواد الكوفة من كسكر إِلَى حلوان.
وَقَدْ ذكر عَن بطليموس الْمَلِك أَنَّهُ أحصى مدن الدنيا فِي زمانه، فَإِذَا هِيَ أربعة آلاف ومائتا مدينة.
ويقال: بلاد الأندلس مسيرة شَهْر فِي مثله يحتوي أربعين مدينة، وبلاد سرنديب مسيرة ثمانين فرسخا فِي مثلها، وَفِي بلاد رومية ألف ومائتا كنيسة، وأربعون ألف حمام، وبها سوق للطير فرسخ، ولا يقدر غريب أَن يدخلها إلا بدليل، لأن مدخلها دف تقريح، ولا يقف عليها إلا أصلهان، وَكَذَلِكَ عمورية عظيمة، زعموا أَن حول سورها ألف عمود ومائتي عمود، وعشرين عمودا فِيهَا رهابين.
وَفِي القسطنطينية من العجائب سبعة أسوار [1] سمك سورها الكبير إحدى وعشرون ذراعا، وسمك سور الفصيل عشرة أذرع، وسمك الفصيل مِمَّا يلي البحر خمسة أذرع، وبينها وبين البحر وجه يَكُون نَحْو خمسين ذراعا، فِي سورها مائة بَاب.
ومملكة الروم يدخل فِيهَا حدود الصقالبة، ومن جاورهم، والسرير بينه وبين الحزر مسيرة فرسخين. ويقال: كَانَ هَذَا السرير لبعض الأكاسرة، وديوان ملك الروم موسوم عَلَى مائة ألف رجل، عَلَى كُل عشرة آلاف بطريق، جزائر الروم خمس: جزيرة قبرص، ودورها مسيرة ستة عشر يوم، وجزيرة أقريطش، ودورها مسيرة خمسة عشر يوما وجزيرة الراهب، وبها يخص الخدم، وجزيرة الفِضَّة، وجزيرة الصقلية، ودورها مسيرة خمسة عشرة يوما، وَهِيَ بإزاء أفريقية، والحبشية عَلَى بحر القلزم، وبينها وبين المصر مفازة فِيهَا معدن الذهب، ومدينة أَصْحَاب الكهف من عمل الروم، والكهف فِي جبل بابجلوس، وَأَمَّا أَصْحَاب الرقيم فبحرية، وَهِيَ رستاق بَيْنَ عمورية وبنتية.
وَأَمَّا طول بلاد الصين عَلَى البحر فمسيرة شهرين بها، وبها ثلاثمائة مدينة كلها عامرة. وَيُقَال مَا دَخَلَ الصين أحد واشتهى أَن يخرج منها سيما بلاد من الصين يدعى الأشبيلا، يَكُون بها الذهب الكثير.
والهند سبعة أجناس، وَهُمْ اثنتان وأربعون ملة، منهم البراهمة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأضيفت من المرآة 1/ 78.(1/134)
ومدينة الإسكندر عَلَى ساحل البحر، بينها وبين مصر أربعون فرسخا، بناها الإسكندر الأَوَّل، وَهُوَ ذو القرنين، في ثلاثمائة سَنَة.
وبلغنا أَن أهلها مكثوا سبعين سَنَة لا يمشون فِيهَا بالنهار إلا بخرق سود حيال أعينهم، مخافة عَلَى أبصارهم من شدة بياض حيطانها. وفيها المنارة الَّتِي هِيَ أحد عجائب الدنيا، يصعد عَلَى أعلاها مشيا ولا يبين لمن يصعدها أَنَّهُ يرتقي، لأنه يدور ولا ينقل قدميه عَلَى درج، إِنَّمَا يمشي كأنه عَلَى الأَرْض، وكان فيها سوى أهلها ستمائة ألف من الْيَهُود خولا لأهلها.
ومدينة فرعون التي كان ينزلها، كان لها سبعون بابا، وجعل حيطانها بالحديد، والصفر مبنية، وأجرى فِيهَا الأنهار، ونصب سريره فِي وسط الأنهار، فكان الماء يجري تحت سريره بمقدار يستحسن ولا يضر.
ويقال: إِن أنزه الأَرْض وأجمعها طيبا وحسن مستشرف سمرقند. قَالُوا: وأحسن الأَرْض مصنوعة الري، وأحسنها مفروقة جرجان وطبرستان، وأحسنها مستخرجة نيسابور، وأحسنها قديما وحديثا جنديسابور، وَلَهَا حسن الأنهار، وَأَعْظَم بلاد اللَّه بركة الشام، وأكثرها أنهارا البصرة، وأعدلها هواء اليمن وأغناها من الدواب والبرس أصفهان، وأرشها العراق.
وذكر أَبُو مَنْصُور الأزهري: أَن جابلق وجابلس مدينتان، إحداهما بالمشرق، والأخرى بالمغرب، ليس وراهما.
وَقَالَ بَعْضهم: بفتح اللام فيهما.
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أَحْمَدُ بْن عَلِي بْن ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طالب ابن عُمَر بْن إِبْرَاهِيمَ الفقيه، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن زنجي الكاتب، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، أَخْبَرَنَا عسيل بْن ذكوان، قَالَ: قَالَ الأصمعي:
أَحْسَن الدنيا ثلاثة أنهار، نهر الأيلة، وغوطة دمشق، وسمرقند، وحشوش الدنيا ثلاثة:
عمان، وأردبيل، وهيت.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد البارع، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر بْن الْمُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطاهر الْمُخَلِّصُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن سُلَيْمَان بْن دَاوُد الطوسي، أَخْبَرَنَا الزُّبَيْر بْن بكار، قَالَ:(1/135)
حَدَّثَنِي عَلِي بْن صَالِح، عَن عامر بْن صَالِح، عَن هِشَام بْن عروة، عَن أَبِيهِ عروة: أَن الفرع أول قرية مارت لأم إِسْمَاعِيل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثمر بمكة، وكانت من عمل عاد، شقت لَهَا بَيْنَ جبلين ثُمَّ كملت السبيل فِيهِ.
قَالَ بعض العلماء: سميت خراسان بخر اسم الشمس، أي مطلع الشمس. وحد خراسان من الدامغان إِلَى شط نهر بلخ، وعرضها من حد زرنج إِلَى حد جرجان، ومدنها الكبار أربعة: نيسابور [1] ، ومرو، وهراة، وبلخ. وأولها من ناحية العراق/ نيسابور، بناها سابور ذو الأكتاف.
وتفسير خوارزم: أرض الهوان، لأن أهلها لا يطيعون إلى عَلَى هوان. بلخ بناها لهراسب. هراة بناها الضَّحَّاك. مرو بناها مرو الشاهجان، تفسير مرو: مرج، والشاه:
الْمَلِك، والجان: الروح، وكأنه يقال: مرج نفس الْمَلِك.
موقان، وأردبيل، والبيلقان، وجرجان، وحوران سميت بأسماء أَصْحَابها. حلوان بحلوان بْن عمر بن السحار بْن قضاعة. رامهرمز بناها هرمز بْن شابور، والمذ والهند إخوان من أولاد سام. الصين سميت بصين بْن يعبر بحد مَا بَيْنَ الحجاز والشام إِلَى الطائف. تهامة مَا سائر البحر بمكة. الموصل سميت لأنها وصلت مَا بَيْنَ دجلة والفرات.
واعلم أَن مملكة الإِسْلام شرقها أرض الهند، وغربها مملكة الروم، وشمالها مملكة الصين، وجنوبها بحر فارس. وَأَمَّا مملكة فارس فشرقها بلاد الإِسْلام، وغربها وجنوبها البحر المحيط.
أَخْبَرَنَا ابْن ناصر، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الْمَلِك النيسابوري، أَخْبَرَنَا عبد القاهر بْن طاهر، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد البزاري، أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن المفلس، أَخْبَرَنَا عُمَر بْن عَبْد اللَّه الأودي، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن حماد، عَن القاسم بْن معن، عَن بيان، عَن حَكِيم بْن جَابِر، قَالَ: قَالَتْ الصحة أنا لاحقة بأرض العرب، قَالَ الجوع: أنا معك، قَالَ الإيمان: أنا لاحق بأرض الشَّام، قَالَ الْمَوْت: أنا معك، قَالَ الْمَلِك. أنا لاحق بأرض العراق، قَالَ القتل: أنا معك.
__________
[1] في المخطوطة: «نيسار» .(1/136)
ذكر الجبال
قَالَ ابْن عَبَّاس: كانت الأَرْض تميد حَتَّى ألقيت فِيهَا الجبال، وَكَانَ أَبُو قبيس أول جبل وضع فِي الأَرْض، وإن الجبال لتفخر على الأَرْضِ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حدثني أَبِي، أَخْبَرَنَا يَزِيد بْن هَارُون، أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَان، عن أنس بن مالك، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الأَرْضَ جَعَلَتْ تَمِيدُ، فَخَلَقَ الْجِبَالَ فَأَلْقَاهَا عَلَيْهَا، فَاسْتَقَرَّتْ، فَتَعَجَّبَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خَلْقِ الْجِبَالِ، فَقَالَتْ: يَا رَبُّ هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الْجِبَالِ؟ قَالَ: نَعَمْ، الْحَدِيدُ، قَالَتْ: يَا رَبُّ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ أَشَدُّ مِنَ الْحَدِيدِ؟ قَالَ: نَعَمْ، النَّارُ، قَالَتْ: يَا رَبُّ، فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: نَعَمْ، الْمَاءُ، قَالَتْ: يَا رَبُّ، فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الْمَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، الريح، قَالَتْ: يَا رَبُّ فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الرِّيحِ؟ قَالَ: نَعَمْ، ابْنُ آَدَمَ، يَتَصَدَّقُ بِيَمِينِهِ وَيُخْفِيهَا مِنْ شِمَالِهِ» [1] .
قَالَ قيس بْن عباد: إِن اللَّه تَعَالَى لما خلق الأَرْض جعلت تمور، فَقَالَتِ الْمَلائِكَة:
مَا هذه تموه عَلَى ظهرها أحدا، فأصبحت الْمَلائِكَة صبحا وفيها رواسيها لَمْ يدروا من أين خلقت، قَالُوا: يا ربنا، هل من فعلك شَيْء أشد من هَذَا؟ قَالَ: نعم الحديد ...
فذكر نَحْو مَا تقدم إِلَى أَن قَالُوا: هل من خلقك شيء أشد من الريح؟ قال: نعم الرجل، قَالُوا: ربنا فهل من خلقك شيء أشد من الرجل؟ قال: المرأة.
__________
[1] حديث: أخرجه الترمذي 3369، وأحمد بن حنبل في المسند 3/ 124، وابن كثير في التفسير 1/ 477، 8/ 339، وأورده السيوطي في الدر المنثور 1/ 354، والقرطبي في التفسير 10/ 90، وابن كثير في البداية والنهاية 1/ 21.(1/137)
من مشاهير الجبال
قَالَ الْعُلَمَاء بالسير: أَبُو قبيس [1] ، هُوَ الجبل المشرف عَلَى الصفا، سمي برجل من مذحج كَانَ يكنى أبا قبيس، لأنه أول من بنى فِيهِ. وَكَانَ يسمى فِي الجاهلية الأمين، لأن الركن كَانَ مستودعا فِيهِ عام الطوفان، وَهُوَ أحد الأخشبين.
وأحد [2] ، من جبال المدينة. وثور [3] ، من جبال مَكَّة، والأحمر جبل، وجهد جهينة، مشرف عَلَى قينقاع كَانَ يسمى الأعرف فِي الجاهلية. الحجون [4] ، الجبل المشرف، الَّذِي بحذاء مَسْجِد البيعة الَّذِي يلي شعب الجزارين. المحصب [5] ، جبل مشرف عَلَى ذي طوى، وحضن نجد [6] . ذباب [7] ، جبل بالمدينة. يذبل [8] ، جبل بَيْنَ اليمامة وطريق البصرة. جبل ذو خيش شمام [9] ، جبل شبام جبل باليمن. الظهران [10] ، جبل عسيب [11] جبل لبني هذيل [12] وعشيب [13] جبل لقريش، حبود جبل، المناقب جبل.
__________
[1] انظر: معجم ما استعجم 1040، الروض المعطار 452، والاستبصار: 5 ومعجم البلدان «أبو قبيس» ، والصحاح 2: 957، ويقال له أيضا: أبو قابوس.
[2] مرآة 1/ 84.
[3] مرآة 1/ 84.
[4] مرآة 1/ 85، والصحاح 5/ 2097، وقال: وهو مقبرة أهل مكة.
[5] انظر: معجم البلدان 4/ 426، والصحاح 1/ 112، وقال: هو موضع الجمار بمعنى، ويقال له قوس قدح بالدال، وهو خطأ.
[6] في المرآة 1/ 85: هو بأعلى نجو، وفي الصحاح 5/ 2102: وفي المثل: أنجد من رأى حضنا، ومعناه، من عاين هذا الجبل فقد دخل في ناحية نجد أي ارتفع.
[7] في المرآة 1/ 85: «دمان» ، وعلق محقق المرآة قائلا: اسمه غير صحيح، ولعله «دماخ» .
[8] راجع: مرآة الزمان 1/ 93، والصحاح 4/ 1701.
[9] راجع المرآة 1/ 87، قال: «شمام من جبال الحجاز» .
[10] في المرآة 1/ 87: جبل بين مكة والمدينة وهو أقرب إلى مكة وقد نزله رسول الله صلّى الله عليه وسلم عام الحديبيّة والفتح. وراجع أيضا: معجم البلدان 3/ 581.
[11] قال في المرآة 1/ 88: من جبال الحجاز، وقال الجوهري (الصحاح 1/ 181) : هو جبل لبني هذيل.
قال في المرآة: وقد رأيت ببلد الروم عند قيسارية جبلا يقال له عسيب، وعليه قبر يقال إنه قبر امرئ القيس، وهو أقرب إلى الصحة لأن امرأ القيس مات بالروم.
[12] في الأصل: هذيب.
[13] ذكره في المرآة عند ترجمة «عسيب» 1/ 88.(1/138)
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي: جبلا طي عظيمان طويلا المسير.
جبل العرج [1] الَّذِي بَيْنَ مَكَّة والمدينة، يمضي إِلَى الشام حَتَّى يتصل بلبنان من حمص، ثُمَّ يسير من دمشق فيمضي حَتَّى يتصل بجبال أنطاكية والمصيصة، ويسمى هنالك الإكام، ثم يتصل بجبال ملطية، وشميشاط، وقاليقلا أبدا إِلَى بحر الخزر. وَأَمَّا ساتيد وتبل فحيطان.
وَأَمَّا جبال سرنديب فشامخات أَيْضًا ومنها الجبل الَّذِي أهبط عَلَيْهِ آدَم من الجنة، واسمه واش، وقيل: واشم [2] . وزعموا أَن فِيهِ أثر قدم آدَم عَلَيْهِ السَّلام، وَهُوَ جبل عال يرى فِي مراكب البَحْر من مسيرة أَيَّام، وزعموا أَنَّهُ مسحوا أثر قدم آدَم، فَإِذَا هُوَ مقدار سبعين ذراعا، قالوا: وعلى هَذَا الجبل شبيه البرق شتاء وصيفا طول السنة لا يذهب، وحول هذا الجبل ياقوت وألوانه كثيرة. وَفِي وادي هَذَا الجبل الماس الّذي يقطع الزجاج والصخور، ويثقب اللؤلؤ، وغيره.
وعلى هَذَا الجبل العود، والفلفل والآفاوية وفيه دابة الزباد، ودواب المسك، ثُمَّ يعدل إِلَى جبال الصين، وفيها ألوان من النبات والطيب والمنَافِع الكثيرة.
جبال الأندلس وجبال القمر، فموصوفات بالعظم طولا، وسعة الشقة مسيرا.
وَأَمَّا جبال بلاد أرمينية فعظام كثيرة، جبال بلاد الروم، ومنها جبل قيسارية، وذو الكلاع، وحصير، وجبل الرقيم، وجبل الروم الّذي اعتمله [3] ذر القرنين، وجعل وراه يأجوج ومأجوج، طوله سبعمائة فرسخ، بدوه خارج العمران فِي الإقليم السابع، وطرف مبدئه مستقبل المشرق، وينعطف هَذَا الجبل فِي موضع مبدؤه إِلَى ناحية الجنوب، ثُمَّ يستقيم فيمر طولا إِلَى أَن ينتهي طولا إِلَى البحر المظلم، فيتصل بِهِ والروم المعمول سدا دُونَ يأجوج ومأجوج هُوَ فِي واد متوسط هَذَا الجبل [4] .
وببلاد اليمن جبلان عظيمان مسيرة مَا بينهما في السهل ثلاثة أيام، ورأسهما
__________
[1] انظر: مرآة الزمان 1/ 88، ومعجم البلدان 3/ 637، والصحاح 1/ 339.
[2] انظر: معجم ما استعجم 4/ 1364، ومعجم البلدان 3/ 891، والروض المعطار 600، ومرآة الزمان 1/ 93.
[3] لسان العرب 3108 (عمل) دار المعارف، اعتمل الرجل: عمل بنفسه.
[4] كذا في الأصل.(1/139)
متقاربان، يناول الرجل صاحبه مَا يريد من أحدهما إِلَى الآخر [1] .
وباليمن جبل يقال لَهُ المصانع، طويل ممتنع، ووراءه جبل آخر، وبينهما فضل متقارب. وجبال فرنجة من جبال الأندلس، وهناك جبل فِيهِ نار تتقد فِي تراب وحجارة، مَا طفئت قط وجبال الصقالبة، وبلاد خراسان، ونواحي المشرق كثيرة.
وبمكة أَبُو قبيس، وحراء [2] ، وثبير وبعرفات جبل يقال لَهُ كبكبا، وبالمدينة أحد، ودرقان [3] ، وعينين [4] ، واليسقون، وذباب، وسلع، ورانج، وجبل بَنِي عبيد، وهمدان بَيْنَ الجحفة وقديد، وببلاد الجزيرة فِي نفس باقردي الجودي الَّذِي أرسلت عَلَيْهِ السفينة، وطور زيتا برأس عين، وببلاد نجد جبيل منيف يقال لَهُ حصن، بخيبر جبل يقال لَهُ: ذو الرقبة، وبين قديد وعسفان جبل يسمى المشلل بالكديد، وَفِي الأَرْض جبال كثيرة لا تحصى. تَعَالَى من يثبتها اليوم ويسيرها غدا.
قَالَ المصنف: وباليمن جبل يقال لَهُ شعبان [5] .
أَخْبَرَنَا محمد بن عبد الباقي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا/ أَبُو عُمَرَ بْن حيويه الخراز، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحسين بن الفهم، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّد الشعباني، حَدَّثَنَا أشياخ من شعبان، مِنْهُم مُحَمَّد بْن أَبِي أمية، وَكَانَ عالما: أَن مطرا أصاب اليمن فجحفت السيل موضعا فأبدى عَن أزج عَلَيْهِ بَاب من حجارة، فكسر الغلق ودخل، فَإِذَا بهو عظيم فِيهِ سرير من ذهب، فَإِذَا عَلَيْهِ رجل مسجى فشبرناه فإذا طوله اثنا عشر شبرا، وإذا عَلَيْهِ حباب من وشي منسوجة بالذهب، وإلى جنبه محجن من ذهب وعلى رأسه [تاج من ذهب عَلَيْهِ] [6] ياقوتة حمراء، وإذا رجل أبيض الرأس واللحية لَهُ ضفيرتان، وإلى جنبه [لوح من ذهب] مكتوب فِيهِ
__________
[1] نقله سبط ابن الجوزي في المرآة 1/ 94.
[2] مرآة الزمان 1/ 85، والصحاح 6/ 2312.
[3] ذكره في مرآة الزمان 1/ 85 «ورقان» . وذكره البكري في معجم ما استعجم 4/ 1377. ومن أحد نسخ المرآة «دورقان» .
[4] وهو من جبال المدينة، بات به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة وقعة أحد. راجع: مرآة الزمان 1/ 88، ومعجم البلدان 3/ 765.
[5] طبقات ابن سعد 6/ 247 في ترجمة عامر الشعبي، والصحاح 1/ 156، ومرآة الزمان 1/ 86.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل واستدركناه من طبقات ابن سعد 6/ 246.(1/140)
بالحميرية: «باسمك اللَّهمّ رب حمير، أنا حسان بْن عَمْرو القيل، إذ لا قيل إلا الله، عشت بأمل ومت بأجل أَيَّام الطاعون هلك فِيهِ اثنا عشر ألف قيل، فكنت آخرهم قيلا، فأتيت جبل ذي شعبين ليجيرني من الْمَوْت، فأخفرني، [1] قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد: هُوَ حسان بْن عُمَر بن قيس بن معاوية بْن جشم بْن عَبْد شمس بْن وائل بْن عون، وحسان هُوَ ذو الشعبين، وَهُوَ جبل باليمن نزله هُوَ وولده، فنسبوا إِلَيْهِ، فمن كَانَ بالكوفة قيل: هُمْ شعبيون، مِنْهُم عامر الشغبي، ومن كَانَ بالشام قيل لَهُمْ: شعبانيون، ومن كَانَ باليمن قيل لَهُمْ: آل شعبين ومن كَانَ بمصر والمغرب، قِيلَ لَهُمْ: الأشعوب، وَهُمْ جميعا بنو حسان بْن عَمْرو ذي شعبين.
أَنْبَأَنَا عَلِي بْن عبيد الله الزعفراني، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن المسلمة، أَخْبَرَنَا ابْن العباس مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ المخلص، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد عبيد الله بْن عَبْد الرَّحْمَن السكري، أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عَبْد الرَّحْمَنِ المعروف بابن أَبِي سَعْد الوَرَّاق، أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك أَبُو الأشعث الكندي، قَالَ: أملى عَلِي عرام بْن الأصبغ السلمي [2] ، قَالَ:
أسماء جبال تهامة وسكانها وَمَا فِيهَا من القرى وَمَا ينبت عَلَيْهَا من الأشجار، وَمَا فِيهَا من المياه. أولها رضوى [3] ، من ينبع عَلَى يَوْم، ومن المدينة عَلَى سبع [4] مراحل، ميامنه طريق مكة [5] ، مياسره طريق البريراء [6] لمن كَانَ مصعدا إِلَى مَكَّة، وعلى ليلتين من البحر، وبحذائها عزور [7] ، وبينها وبين رضوى طريق المعرقة [8] ، تختصره العرب إِلَى الشام وإلى مَكَّة.
والمدينة بَيْنَ جبلين، قدر شوط الفرس، وهما جبلان شاهقان منيعان لا يروقهما
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 6/ 246.
[2] في الأصل: «عوام بن الأصبغ السملي» ، وهو خطأ.
[3] راجع معجم ما استعجم 2/ 656، ومعجم البلدان 3/ 51، ومرآة الزمان.
[4] في الروض المعطار: «تسع» .
[5] في الأصل: «المدينة» والتصحيح من معجم البلدان، عن عرام بن الأصبغ.
[6] في الأصل: «طريق البربر» ، والتصحيح من معجم البلدان عن عرام.
[7] في الأصل: «عزوز» ، تصحيف، والتصحيح من معجم البلدان 4/ 119، 3/ 51، ومرآة الزمان 1/ 86.
[8] في الأصل: «المعرة» ، والتصحيح من معجم البلدان، عن عرام.(1/141)
أحدينا، بهما الشوحة، والنبع والزنق، وَهُوَ شجر شبه الضهياء، والضهياء شجر شبه العناب تأكله الإبل والغنم، لا ثمر لَهُ، وللضهياء ثمر شبه العصفر لا يؤكل، [و] لا ريح لَهُ ولا طعم. وَفِي الجبلين جميع مياه وأوشال، والوشل [1] ماء يخرج من لا يطورها أحد، ولا يعرف متفجرها، ويسكن وراءها وأجوازها نهد وجهينة فِي الوبر خاصة دُونَ المدر، وَلَهُمْ هناك يسار ظاهر. ويصب الجبلان فِي وادي غيقة [2] ، وغيقة تصب فِي البحر، ولها مساك، وهو موضع يمسك الماء.
ومن عَن يمين رضوى لمن كَانَ منحدرا من المدينة إِلَى البحر على ليلة من رضوى ينبع [3] . وفيها مغبر، وَهِيَ قرية كبيرة غناء، سكانها الأنصار وجهينة وليث أَيْضًا. وفيها عيون عذاب غزيرة، وواديها يليل يصب فِي غيقة.
والصفراء قرية كثيرة النخل والمزارع، وماؤها عيون كلها، وَهُوَ فَوْقَ ينبع مِمَّا يلي المدينة، وماؤها يجري إِلَى ينبع، وَهِيَ لجهينة والأنصار، ولبنى فهر ونهد. ورضوى منها من ناحية مغيب الشمس عَلَى يَوْم، وحواليها قنان- واحدها قنة- وضعضاع- وجمعها ضعاضع- و [في] والقنان والضعاضع جبل صغار لا يسمى.
وَفِي يليل هَذَا عين كبيرة تخرج من جوف رمل من أغزر مَا يَكُون من العيون، وأكثرها يجري فِي الرمل، فلا يمكن للزارعين عَلَيْهَا [أَن يزرعوا] [4] عَلَيْهَا إلا فِي مواضع يسيرة بَيْنَ أحناء الرمل [5] ، فِيهَا نخيل، ويتخذ فِيهَا البقول والبطيخ، وتسمى هذه [6] العين بحير.
__________
[1] في المخطوطة كتب تحتها: «محركة: الماء القليل» . قاموس.
وفي لسان العرب: الوشل بالتحريك: الماء القليل يتحلب من جبل أو صخرة يقطر منه قليلا قليلا، لا يتصل قطره. وقيل: لا يكون ذلك إلا من أعلى الجبل.
[2] غيقة: موضع، وهو موضع بين مكة والمدينة من بلاد غفار. وقيل: هو ماء لبني ثعلبة.
[3] على هامش المخطوطة: «رضوى كسرى جبل بالمدينة» . ينبع: «حصن له عيون وزرع بطريق حاج مصر» .
قاموس.
وفي لسان العرب 4327: «ينبع موضع بين مكة والمدينة» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من معجم البلدان 1/ 349، عن عرام.
[5] في الأصل: «أخا الرمل» . والتصحيح من معجم البلدان.
[6] في الأصل: «ويسمى هذا العين» .(1/142)
ويتلوها الجار عَلَى شاطئ البحر، ترفأ إِلَيْهَا السفن [1] من أرض الحبشة ومصر، ومن البحرين والصين [2] . وبها منبر [3] ، وَهِيَ قرية كبيرة آهلة، يشرب أهلها من البحيرة [4] .
وبالجار قصور كثيرة، ونصف الجار فِي جزيرة من بحر العرب، ونصفها على الساحل. [و] بحذاء الجار قرية فِي جزيرة من البحر تكون ميلا فِي ميل، لا يعبر إِلَيْهَا إلا فِي سفن، وَهِيَ مرسا الحبشة خاصة، يقال لَهَا: قراقف [5] ، وسكانها تجار كنحو أَهْل الجار، ويؤتون بالماء من فرسخين. ووادي يليل يصب فِي البحر.
ثُمَّ من عِنْدَ عنقه [6] اليسرى مِمَّا يلي المدينة- عَن يمين المصعد إِلَى مكة من المدينة، وعن يسار المصعدين من الشام إِلَى مَكَّة- جبلان يقال لأحدهما: ثافل [7] الأصغر، وثافل الأكبر، وهما لضمرة [8] خاصة، وَهُمْ أَصْحَاب حلال [9] ودعة [10] ويسار. وبينهما ثنية لا تكون رمية سهم [11] . وبينهما وبين رضوى وعزور ليلتان، نباتهما العرعر، والقرظ، والظيان، والأيدع، والشبيام [12] ، والظيان [13] [لَهُ] ساق غليظة، وَهُوَ كثير الشوك والحطب، وَلَهُ سنفة كسنفة العشرق [14] ، والسنفة مَا تدلى كَمَا من ثمر وخرج من
__________
[1] في الأصل: «يرقأ إليه السفن» والتصحيح من معجم البلدان.
[2] في معجم البلدان عن عرام: «من أرض الحبشة ومصر وعدن والصين» .
[3] في معجم البلدان 1/ 93، عن عرام: «ولها منبر» . وفي الأصل: «منير» .
[4] في الأصل: «من البحير» والتصحيح من معجم البلدان.
[5] كذا في الأصل، وفي معجم البلدان 4/ 317، عن عرام: «يقال لها: قراف» .
[6] في الأصل: «ثم من عدة عنقه» . خطأ.
[7] في الأصل: «ثاقل» والتصحيح من معجم البلدان 2/ 71، عن عرام.
[8] في معجم البلدان: «وهما لبني ضمرة» .
[9] في الأصل: «أصحاب حال» .
[10] في معجم البلدان: «ورغبة» .
[11] في الأصل: «رمية بينهم» . والتصحيح من معجم البلدان.
[12] كذا في الأصل، وفي معجم البلدان عن عرام: «البشام» .
[13] في الأصل: «والطبيان» خطأ.
[14] السنفة: ورقة المرخ، وقيل: وعاء ثمرة المرخ. وقيل: وعاء كل ثمر، ويقال لأكمة الباقلاء واللوبياء والعدس وما أشبهها سنوف، واحدها سنف.
والعشرق: نبات أحمر طيب الريح، ورقة شيبة بورق الغار.(1/143)
أغصانه، والعشرق ورق يشبه الحندقوق [1] منتنة الريح، والأيدع شجر شبه الدلب إلا أن أغصانه أشد تقاربا من أغصان الدلب، لَهَا وردة حمراء طيبة الريح [2] وليس لها ثمر، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسر شيء من أغصانها [و] عن السدر والتنطب [3] والسرح والشهانة، لأن هَؤُلاءِ جميعا ذوات ظلال يسكن النَّاس فِيهَا من البرد والحر، وللسدر ثمر، وللتنطب ثمر [4] ويقال لَهُ الهمقع يشبه المشمش، يؤكل طيبا.
وَفِي ثافل الأصغر ماء فِي دوار فِي جوقة يقال لَهَا القاحة، عذبتان غزيرتان وهما جبلان كبيران شامخان، وكل جبال تهامة تنبت الغضور، وبينهما وبين عزور [5] ورضوى سبع مراحل [6] ، وبين هذه الجبال جبال صغار وقرادد [7] .
ولمن صدر من المدينة مصعدا أول جبل يلقاه من عَن يساره ورقان [8] ، وَهُوَ جبل أسود عظيم كأعظم مَا يَكُون من الجبال ينقاد من سيالة إِلَى المتعشى [9] بَيْنَ العرج والرويثة، وَفِي ورقان أنواع الشجر المثمر كُلهُ وغير المثمر، وفيه القرظ والسماق، والرمان، والخزم [10] ، وَهُوَ شجر يشبه ورقه ورق البردى، وَلَهُ ساق كساق النخلة تتخذ منه الأرشية الجياد [11] . وقيل: [بِهِ] أوشال وعيون عذاب، سكانه بنو أوس من مزينة، أَهْل عمود وَلَهُمْ يسار. وَهُمْ أَهْل صدق. وبسفحه من عن يمينه سيالة [12] ، ثم الروحاء، ثم
__________
[1] الحندقوق، والخندق، والحندقوقي: بقلة أو حشيشة كالغث الرطب، نبطية معربة، ويقال لها بالعربية الذرق، قال: ولا تقل الحندقوقي.
[2] في معجم البلدان 2/ 71، عن عرام: «ليس بطيب الريح» .
[3] في معجم البلدان: «التنضب» .
[4] في الأصل: «من البرد والخردل لسدر ثمر والتنطب ثمر» . والتصحيح من معجم البلدان.
[5] في الأصل: «عزوز» ، والتصحيح من معجم البلدان عن عرام.
[6] في الأصل: «سبع مناحل» .
[7] في الأصل: «جبال صغار وقرادو» .
[8] معجم البلدان 5/ 372 عن عرام.
[9] في معجم البلدان 5/ 372: «ويقال للمتعشى الجيّ» .
[10] في الأصل: «الخزام» . والتصحيح من المعجم.
[11] في الأصل: «يتخذه منه الأرشنة الجبال» والتصحيح من معجم البلدان، عن عرام.
[12] معجم البلدان 3/ 292.(1/144)
الروثية، ويفلق [1] بينه وبين القدس الأبيض ثنية بَنِي عقبة، يقال لَهَا وكزبة، ثُمَّ يقطع بينه وبين القدس الأسود عقبة يقال لَهَا: حمت. ونبات القدسين جميع العرعر، والقرظ، والشوحط. والقدسان جميعا لمزينة، وأموالهم ماشية من الشاء والبعير، [وَهُمْ] أَهْل عمود، وفيه أوشال كثيرة [2] .
ويقابلها من عَن يمين الطريق المصعد جبلان يقال لهما نهبان، نهب [3] الأسفل ونهب الأعلى مَا فِي دوار من الأَرْض بئر واحدة كبيرة غزيرة الماء مثلها، عَلَيْهَا مباطخ وبقول نخلات، وَفِي نهب الأسفل أوشال.
وفيه العرج، ووادي العرج يقال لَهُ مسيحة، بناتها المرخ والأراك والثمام، ومن عن يسار الطريق مقابلا قدس الأبيض والأسود جبل من أشمخ مَا يَكُون من الجبال يقال لَهَا آرة [4] ، وَهُوَ جبل أحمر تخرج [5] من جوانبه عيون، عَلَى كُل عين من جانبه قرية، فمنها قرية غناء كبيرة يقال لَهَا: الفرع، وَهِيَ لقريش والأنصار ومزينة ومنها أم العيال [6] قرية صدقة فاطمة بْنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومنها قرية غناء كبيرة يقال لَهَا المضيق [7] . ومنها قرية يقال لها/ العمرة، وقرية يقال لَهَا: خضرة، وقرية يقال لَهَا: الفغوة [8] ، وَفِي كُل هذه القرى نخيل وزرع، وَهِيَ من السقيا عَلَى ثَلاث مراحل، وواديها يصب فِي الأبواء وَفِي ودان، وَهِيَ قرية من أمهات القرى.
والستارة [9] قرية تتصل بجبلة واديها واحد، ويزعمون أن جبلة أول قرية اتخذت
__________
[1] في معجم البلدان 4/ 311، عن عرام: «فيقطع» .
[2] معجم البلدان عن عرام 4/ 311.
[3] في الأصل: «نهبنان، نهبن الأسفل ونهبن الأعلى» . والتصحيح من معجم البلدان.
[4] معجم البلدان 1/ 52.
[5] في الأصل: «نحر» . والتصحيح من معجم البلدان عن عرام 1/ 52.
[6] معجم البلدان 1/ 254، عن عرام.
[7] معجم البلدان 5/ 146.
[8] معجم البلدان 5/ 63.
[9] يبدو هنا سقط، ففي معجم البلدان 3/ 6، عن عرام: «ثم يتصل بخلص آرة ذرة، وهي جبال كثيرة متصلة، ضعاضع ليست بشوامخ، في ذراها المزارع والقرى، وهي لبني الحارث بن بهشة بن سليم، وزروعها أعذاء، ويسمون الأعذاء العثريّ، وهو الّذي لا يسقى، وفيها مدر، وأكثرها عمود، ولهم عيون في صخور(1/145)
بتهامة، وبجبلة حصون منكرة مبنية بالصخر، لا يرومها أحد.
وشمنصير جبل ململم لَمْ يعله قط أحد، [ولا أدري مَا عَلَى ذروته] [1] وبأعلاها القرود [2] ، وبغربيه قرية بحذائها جبل صَغِير يقال لَهُ ضعاضع [3] ، وَهَذِهِ القرية لسعيد وَبَنِي سروح، وَهُمْ الَّذِينَ نشأ فيهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولهذيل فِيهَا شَيْء، ولفهم أَيْضًا.
وعن يمين الطريق جبل الأبواء، ثُمَّ هرشي [4] ، وَهُوَ عَلَى ملتقى الشام وطريق المدينة، وهرشي فِي أرض مستوية، وَهِيَ هضبة ململمة لا ينبت اللَّه فِيهَا شَيْئًا، وأسفل منه ودان عَلَى ميلين مِمَّا يلي مغيب الشمس من عَن يمينها بينها وبين البحر يقطعها المصعدُونَ من حجاج المدينة وينصبون منها منصرفين من مَكَّة، ويتصل بها مِمَّا يلي مغيب الشمس من عَن يمينها بينها وبين البحر خبت، والخبت الرمل الَّذِي لا ينبت فِيهِ غَيْر الأرطي، وَهُوَ حطب، وفيها متوسط الخبت جبيل صَغِير أسود شديد السواد يقال لَهُ:
طفيل، ثُمَّ ينقطع عِنْدَ الجبال ثلاثة أودية ينبت فِيهَا الأراك، والمرخ، والدوم- وَهُوَ المقل- والنخل.
ومنها واد يقال لَهُ كلية [5] ، بأعلاه ثلاثة أجبل صغار متفرقات من الجبال، ودون الجحفة على ميل وادي غدير خم، وواديه يصب فِي البحر، لا ينبت إلا المرخ والثمام والأراك، وغدير خم لا يفارقه أبدا ماء من ماء المطر، وَبِهِ ناس من خزاعة وكنانة.
ثُمَّ الشراة [6] ، وَهُوَ جبل مرتفع شامخ يأريه الفرد، وينبت النبع والشوحط والقرظ.
ثُمَّ عسفان [7] ، وَهُوَ عَلَى ظهر الطريق لخزاعة خاصة، ثُمَّ البحر، وتنقطع عنك الجبال.
لا يمكنهم أن يجروها إلى حيث ينتفعون بها، ولهم من الشجر العفار والقرظ والطلح، والسدر بها كثير.
وتطيف بذرة قرية من القرى يقال لها جبلة في غربية، والستارة تتصل بجبلة ... » .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من معجم البلدان 3/ 464 عن عرام.
[2] في الأصل: «القرو» . والتصحيح من المعجم.
[3] معجم البلدان 3/ 459.
[4] معجم البلدان 5/ 397، عن عرام.
[5] معجم البلدان 4/ 479.
[6] في الأصل: «السراة» . والتصحيح من معجم البلدان 3/ 330.
[7] معجم البلدان 4/ 122.(1/146)
ثُمَّ مر الظهران [1] ، ومر هِيَ القرية، والظهران الوادي، وبمر عيون [2] كثيرة، ونخيل كثيرة.
ثُمَّ تؤم [3] مكة منحدرا من برية [4] يقال لَهَا جفجف. وتنحدر فِي حد مَكَّة فِي واد يقال لَهُ وادي تربه [5] ، تنصب إِلَى بستان بَنِي عامر [6] ، وحواليه [بين الجبال السراة ويسوم وفرقدو] [7] معدن البرم [8] ، وجبلان يقال لهما شوانان، واحدها شوان. وَهَذِهِ البلاد كلها لغامد. وَفِي جبال السراة [9] الأعناب وقصب السكر.
ومن جبال مَكَّة: أَبُو قبيس، والصفا، والجبل الأحمر، والجبل الأسود، ومرتفع يقال لَهُ الهيلاء [10] ، يقطع منه الحجارة للبناء وللأرحاء.
والمروة جبل [مائل] إِلَى الحمرة، وثبير [11] جبل شامخ يقابله حراء، وَهُوَ أرفع من ثبير، فِي أعلاه قلة شاهقة [12] ، وليس فِي جبل مَكَّة نبات إلا شَيْء من الضهياء يَكُون فِي الجبل الأحمر، وَلَيْسَ فِي شَيْء منها ماء [13] .
ثُمَّ جبال عرفات تتصل بها جبال الطائف، وفيها مياه كثيرة الأوشال [14] .
__________
[1] معجم البلدان.
[2] في الأصل: «وثم عيون» والتصحيح من معجم البلدان عن عرام.
[3] في الأصل: «ثم قوام مكة» . والتصحيح من معجم البلدان 2/ 146.
[4] في معجم البلدان: «من ثنية» .
[5] معجم البلدان 2/ 21.
[6] في معجم البلدان 2/ 21، عن عرام: «وادي تربة يصب في بستان ابن عامر» .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من معجم البلدان عن عرام.
[8] في الأصل: «البرام» ، وما أوردناه من معجم البلدان 3/ 204 عن عرام.
[9] في الأصل: «السراة» ، وما أوردناه من معجم البلدان عن عرام.
[10] معجم البلدان 5/ 422.
[11] معجم البلدان 2/ 233.
[12] في معجم البلدان: «شامخة» .
[13] هنا في الأصل تكرار حذفناه.
[14] في الأصل: «كثيرة الأوشاك» .(1/147)
والأخشبان جبلان بعرفات بينهما يعرف النَّاس، وقعيقعان [1] قرية بها مياه كثيرة وزرع ونخيل وفواكه، وَهِيَ اليمانية.
والطائف ذَات مزارع ونخيل وأعناب [وموز] [2] وسائر الفواكه، وفيها مياه جارية وأودية تنصب منها إِلَى تبالة [3] ، وَهِيَ قرية.
وحد الحجاز من معدن النقرة إِلَى المدينة، [فنصف المدينة] [4] حجازي ونصفها تهامي، ومن القرى الحجازي بطن نخل، وبحذاء نخل جبل يقال لَهُ الأسود [5] ، نصفه نجدي ونصفه حجازي، وهو جبل أسود شامخ.
ثُمَّ الطرف [6] لمن أم المدينة يكتنف ثلاثة أجبل أحدها ظلم، وَهُوَ جبل أسود شامخ لا ينبت [فيه] شَيْئًا. والشوران [7] جبل مطل عَلَى السد كبير مرتفع.
ومن قبل المدينة جبل يقال لَهُ الصاري، وأحد، وجبل حذاء شوران يقال لَهُ سن، وجبال كبار شواهق لا ينبت [فِيهَا] شَيْئًا، بَل يقطع منها الأرحاء والصخور للبناء، تنقل إِلَى المدينة وَمَا حواليها. وحذاها جبيل لَيْسَ بالشامخ يقال لَهُ قنة الحجر [8] ، وهناك واد.
ثُمَّ تمضي مصعدا نَحْو مَكَّة، فتميل إِلَى واد يقال لَهُ عريفطان [9] ، لَيْسَ بها ماء ولا رعي، وحذاءه جبل يقال لَهُ أبلى [10] ، وَفِي أبلى مياه، منها بئر معونة، وحذاء أبلى جبل يقال لَهُ ذو الموقعة [11] من شرقيها [12] ، وَهُوَ جبل معدن بَنِي سليم، يكون به اللازورد [13]
__________
[1] معجم البلدان 4/ 379.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من معجم البلدان 4/ 9، عن عرام.
[3] في الأصل: «مياه جارية وواديه ينصب منها إلى تبالة» . وما أوردناه من معجم البلدان.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من معجم البلدان 2/ 219.
[5] معجم البلدان 1/ 192.
[6] معجم البلدان 4/ 62.
[7] معجم البلدان 3/ 371.
[8] معجم البلدان 2/ 221.
[9] معجم البلدان 4/ 115.
[10] في معجم البلدان: «وحذاءه جبال يقال لها أبلى» .
[11] معجم البلدان 5/ 226.
[12] في الأصل: «من شرقها» . وما أوردناه من معجم البلدان.
[13] في الأصل: «يكون بها الأروك» ، وما أوردناه من معجم البلدان.(1/148)
كثيرا، وحذاؤه من عَن يمينه جبل يقال لَهُ أحامر [1] لَيْسَ فِيهِ ماء. وجبل يقال لَهُ برثم [2] ، [وجبل] [3] يقال لَهُ تعار، وهما جبلان عاليان لا ينبتان شَيْئًا، فيهما النمران كثيرة.
والخرب جبل بينه وبين القبلة، لا ينبت [فِيهِ] شَيْئًا، وجبل يقال لَهُ أقزاح شامخ مرتفع أجرد، لا ينبت [فِيهِ] شَيْئًا، كثيرة النمور والأراوي. ثُمَّ جبل يقال لَهُ صفار، وجبل يقال لَهُ شواحط [4] ، وجبل لصفينة يقال لَهُ الستار [5] ، وبصفينة مزارع ونخيل كثيرة، يعدل إِلَيْهَا أَهْل الحجاز إِذَا عطشوا، وجبل يقال لَهُ هكران [6] ، وجبل يقال لَهُ عَن [7] والوفقا جبل لبني طال، حذاه جبل يقال لَهُ: بس.
وذكر أَبُو مَنْصُور الأزهري عَن قعيقعان موضع بمكة اقتتل عنده قبيلان من قريش فسمي قعيقعان بتقعقع السلاح فِيهِ. قَالَ: وَقَالَ السدي: إِنَّمَا سمي قعيقعان لان حربهما كانت تجعل فيه قسيها وجعابها ودرقها فكانت تقعقع وتصوت. قَالَ: وقعيقعان جبل بالأهواز ومنه نحت أساطين مَسْجِد البصرة.
قَالَ السدي: الجبل الَّذِي تطلع الشمس من ورائه طوله ثمانون فرسخا.
فصل
ذكر قدامة بْن جَعْفَر الكاتب قَالَ: الَّذِي وجد فِي الإقليم الأَوَّل من الجبال تسعة عشر جبلا منها جبل سرنديب، وطوله مائتان ونيف وستون ميلا. والإقليم الثَّانِي فِيهِ سبعة وعشرون جبلا منها جبل كرمان، وطوله ثلاثمائة ونيف وثلاثون ميلا. والإقليم الثالث فِيهِ أحد وثلاثون جبلا، والإقليم الرابع فِيهِ من الجبال أربعة وعشرون جبلا، ومنها جبل الثلج بدمشق طوله ثلاثمائة وثلاثون ميلا، وجبل اللكام لهذه الناحية وطوله مائة ميل،
__________
[1] في الأصل: «أحامن» ، وأما أوردناه من معجم البلدان.
[2] معجم البلدان 1/ 372.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه لاستقامة المعنى.
[4] معجم البلدان 3/ 369.
[5] معجم البلدان 3/ 415.
[6] معجم البلدان 5/ 408.
[7] معجم البلدان 4/ 162.(1/149)
وجبل متصل بحوان وطوله مائة وخمسة وعشرون ميلا. والإقليم الخامس فِيهِ تسعة وعشرون جبلا. وَفِي الإقليم السادس أربعة وعشرون جبلا [1] ، فجميع مَا عرف من الجبال مائة وثمانية وتسعون جبلا [2]
. ذكر التلاع والعقاب والتلال [3]
والتلاع والعقاب اسم لما هُوَ دُونَ الجبل فِي الرفعة، وكذلك الضراب والصوى [4] ، وذلك لا يحصى عدده إلا من أعظمها عقبة همذان من بلاد المشرق، بالحجاز عقبة هرشى، وبطريق مَكَّة من وجه العراق عقبة واقصة، فَإِذَا علوت نَحْو الحجاز فعقبة كراع.
ذكر الرمال
الرمال تتلاقى وتنتقل بَعْضهَا إِلَى بَعْض إلا أَن من الرمال ما يوطئ من القدم، ومنها مَا يوفض [5] فِيهِ الرجل لوقته وربما ابتلع الشخص فمن الرمال مَا بَيْنَ العراق والمدينة والرجل يثبت عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الرمل الَّتِي فِي تيه بَنِي إسرائيل فيما بَيْنَ مصر ومكة وبلاد اليمن فِي أماكن القردة، رمالها لينة يتاه فِيهَا لطول المسافة، وتنقلها الريح من مكان إلى مكان فيصير الوادي هضبة والهضبة واديا فتشتبه المسالك. وببلاد الصمد في البحر الشرقي الكثير الأحمر، وأهله عظام الأجسام سود الألوان ورمل عالج طويل المسافة.
ذكر القلاع [6]
إِنَّمَا اتخذ الملوك والجبارون القلاع لتعصمهم من الأعداء، وَهِيَ أكثر من أن تحصى.
__________
[1] في المرآة: ستة وثلاثون جبلا. وزاد: «وفي السابع اثنان وثلاثون جبلا» .
[2] انظر: مرآة الزمان 1/ 83، كنز الدرر 113.
[3] مرآة الزمان 1/ 94، كنز الدرر 1/ 133.
[4] الصوى: الحجارة المجموعة.
[5] يوفض: يسرع.
[6] مرآة الزمان 1/ 95.(1/150)
قال أبو الحسين ابن المنادي: ومن أعجبها بنيانا وأمنعها قلعة ماردين، فإنّها أسست على مصابرة الطالب [1] / أربعين عاما فلو نزل عَلَيْهَا ملك بجيشه هذا المقدار لما افتتحها لأنه يدخر فِيهَا قوت أربعين سَنَة ولا يتغير، وتسع بيوتها ومناراتها من المدخر هُوَ أَكْثَر مقدارا من ذَلِكَ، وفيها من العيون العذبة عشرات كثيرة. وقلعة بعلبك، وقلعة تدمر، وقلعة فامية، وقلعة الشوش [2] بالأهواز، وهما قلعتان إحداهما فَوْقَ الأخرى، ومثلها قلعة السوس الأقصى عَلَى بنائها، وببلاد الروم حصون وقلاع كثيرة، وببلاد أرمينية من القلاع والحصون ألوف أحصنها قلعة مليح الكبير، وبخراسان وسجستان وبلاد المشرق قلاع على جبال شوامخ كثيرة العدد، وهنالك قلعة سُلَيْمَان.
قَالَ الْحَسَن: كَانَ سُلَيْمَان يغدو من جبال بَيْت المقدس فيقيل باصطخر ثُمَّ يروح من اصطخر فيبيت بقلعة خراسان يقال لَهَا قلعة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلام.
ذكر الأبنية الحصينة
هِيَ كثيرة العدد إلا أَن المشتهر المنتهى منها مدينة فرعون التي كان ينزلها، وصرحه الّذي بناه لَهُ هامان، ومدائن كسرى وخورنق بهرام صور بالكوفة، ومدينة الإسكندر عَلَى ساحل البحر، ورومية وقسطنطينية، وعمورية.
ذكر المعادن [3]
قَدْ أحصى بعض القدماء المعادن المعروفة كالجص والنورة فوجدوها سبعمائة معدن.
قَالُوا: ولا ينعقد الملح إلا فِي السبخة، والجص [إلا] [4] في الرمل والحصى.
__________
[1] في المرآة: «على مثابرة العدو» .
[2] في المرآة 1/ 95: «قلعة الشوبك» .
[3] مرآة الزمان 1/ 95.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(1/151)
ذكر البحار [1]
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، [أَخْبَرَنَا يَزِيدُ] [2] أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ كَانَ مُرَابِطًا بِالسَّاحِلِ، قَالَ: لَقِيتُ أبا صَالِحَ مَوْلى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بن الخطاب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ مِنْ لَيْلَةٍ إِلا وَالْبَحْرُ يُشْرِفُ عَلَى الأَرْضِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ يَسْتَأْذِنُ اللَّهَ فِي أَنْ يَتَنَصَّحَ [3] عَلَيْهِمْ فَيَكُفُّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» [4] .
وَرَوَى مُحَمَّد بْن شُعَيْب بْن شابور، عَن عُمَر بْن يَزِيد المنقري: أَن بحرنا هَذَا خليج من قنطس، وقنطس خلفه محيط بالأرض كلها، فَهُوَ عنده كعين عَلَى سَيْف البحر، ومن خلفه الأصم محيط بالأرض كلها فقنطس وَمَا دُونَه كعين عَلَى سَيْف البحر، ومن خلفه البحر المظلم محيط بالأرض كلها فالأصم وَمَا دُونَه كعين عَلَى سَيْف البحر، ومن خلفه الماس محيط بالأرض كلها، فالمظلم وَمَا دُونَه عنده كعين عَلَى سَيْف البحر، ومن خلفه الباكي، وَهُوَ ماء عذب، أمره اللَّه تَعَالَى أَن يرتفع، فأراد أَن يستجمع فزجره فَهُوَ باكي يستغفر اللَّه محيط بالأرض كلها، فالماس وَمَا دُونَه عنده كعين عَلَى سَيْف البحر، ومن خلفه العرش محيط بالدنيا فالباكي وَمَا دُونَه عنده كعين عَلَى سَيْف البحر.
__________
[1] كشف الدرر 1/ 139، مرآة الزمان 1/ 96.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من العلل.
[3] في العلل: «أن ينفضخ عليهم» .
[4] الحديث: أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 1/ 43، وابن كثير في البداية 1/ 23، وفي التفسير 7/ 405، وأورده ابن حجر في المطالب العالية 1988، وابن الجوزي في العلل 1/ 41، وقال: ابن الجوزي في العلل: «العوام- وهو ابن حوشب- ضعيف، والشيخ مجهول» .(1/152)
قال أبو الحسين ابن المنادي: ثُمَّ بلغنا أَن البحر المعروف بالقنطس [1] من وراء قسطنطينية يجيء من بحر الخزر، وعرض فوهته ستة أميال، فَإِذَا بلغ أندس [2] صار بَيْنَ جبلين وضاق حَتَّى يَكُون عرضه علوه مِنْهُم بَيْنَ أندس هذه وبين قسطنطينية مائة ميل فِي مستوى من الأَرْض، ثُمَّ يمر الخليج حَتَّى يصب فِي أرض الشام، وعرضه عِنْدَ مصبه ذَلِكَ مقدار علوه مِنْهُم، وهنالك زعموا صخرة عَلَيْهَا برج فِيهِ سلسلة تمنع الْمُسْلِمِينَ من دخول الخليج، وطول الخليج من بحر الخزر إِلَى بحر الشام ثَلاث وعشرون ميلا، ينحدر الراكب فِيهِ من بحر الخزر وتلك النواحي، ويصعد فِيهِ من بحر الشام إِلَى القسطنطينية.
قَالُوا: وَأَمَّا البحر الَّذِي خلف الصقالبة فلا يجري فِيهِ الفلك ولا القوارب، ولا يجيء منه خبر.
وَأَمَّا البحر الغربي فممنوع من الخير، وَفِي ركوبه خطر، وليس من البحر أَعْظَم بركة من البَحْر الشرقي، وطوله من القلزم إِلَى العد قواق [3] وَذَلِكَ مقدار أربعة آلاف وخمسمائة فرسخ فيجيء من السند الخيزران [4] والقثاء والقسط، ويجيء من سندان الساج والقثاء أَيْضًا، ويجيء من مل الفلفل، وعلى كُل عنقود من عناقيد الفلفل ورقة تكنه من المطر، فَإِذَا انقطع حِينَ المطر ارتفعت العدق عَنْهُ، فَإِذَا عاد المطر عادق عَلَيْهِ [5] ، ويجيء من سرنديب الماس، وهناك الياقوت، ويجيء من جزيرة الرامي البقم، ويقال أَن عروق البقم نَافِع من سم سباعة [الأفاعي] [5] وَقَدْ جربه البحريون من لدغ أفعى، ويجيء من هناك الخيزران أيضا، ويجيء من جزيرة لبكيالوس النارجيل، ومن جزيرة كُلهُ، وَهِيَ معدن الرصاص، ومن جزيرة الخيزران أيضا ومن جزيرة صالوس الكافور، ومن جزيرة جابه وشلامط السنبل والصندل والقرنفل، ومن الصين المسك والعود، والجولنجان، والدارسيني، ومن الوقواق الذهب والأبنوس، ومن الهند العود والكافور وجوزبوا، ومن اليمين العنبر والورس.
__________
[1] في المرآة 1/ 101: «المعروف بنيطش» . وفي المعجم «بنطس» .
[2] في المرآة 1/ 101: «الأندلس» .
[3] في المرآة 1/ 98: «الواق واق» .
[4] على هامش المخطوط: «الخيزران بضم الزاي: شجر هندي ممتد في الأرض» . قاموس.
[5] في المرآة 1/ 99: «عادت عليه» .(1/153)
وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: أَعْظَم البحار بحر فارس، وبحر الروم، وهما خليجان متقابلان يأخذان من البحر المحيط، وأعظمها طولا وعرضا بحر فارس، وبحر القلزم، وَهُوَ الَّذِي انفلق لموسى عَلَيْهِ السَّلام وغرق فِيهِ فرعون. وَالأَرْض كلها مستديرة، والبحر المحيط مختف بها كالطوق.
وَفِي البحار مَا لا يعيش فِيهَا حيوان أصلا إِمَّا لشدة حرارة مائة أَوْ لشدة برده. والبحر الغربي لا يجري فِيهِ السفن لأن فِيهِ جبالا من حجارة المغناطيس إِذَا انتهت السفن إِلَيْهَا جذبت مَا فِيهَا من المسامير فأسقطت، وفيه سمك عَلَى صورة النَّاس. وَفِي بحر الهند حيتان تبلع القارب، وفيه سمك طيارة. وَفِي بحر الشرقي سمك طول السمكة مائة باع، ومائتا باع، وسمك بمقدار الذراع، وجوهها كوجوه البوم، وسمك عَلَى خلقة البقر يعمل من جلودها الدرق، وسمك على خلقة الجمال، وسمك طول السمكة عشرون ذراعا فِي جوفها مثلها وَفِي الأخرى مثلها إِلَى أربع سمكات، وسلاحف دوران السلحفاة عشرون ذراعا وَفِي بطنها مقدار ألف بيضة.
وذكر أَبُو عَبْد اللَّهِ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الفقيه فِي كتاب البلدان [1] فَقَالَ:
قَالَ ابْن عَبَّاس الزرقي: البحار أربعة: البحر الكبير الَّذِي لَيْسَ فِي العالم أكبر منه هُوَ يأخذ من المغرب إِلَى القلزم، وَهُوَ مر مالح لا يستمد من غيره، وَهُوَ يمر من القلزم عَلَى وادي القرى، ثُمَّ يمر إِلَى جدة ثُمَّ يبلغ عدن ثُمَّ الشحر ثُمَّ إِلَى بربر ثُمَّ إِلَى عمان، فيمر بالديل، وفيه جزائر لا يحصى، وفيه أربعة آلاف فرسخ وخمسمائة فرسخ، وعرضه مثل ذَلِكَ.
ويخرج من هَذَا البحر خليج من ناحية القبلة حَتَّى بلغ أيلة البصرة.
ثُمَّ البحر الغربي الرومي من أنطاكية إِلَى قسطنطينية، ثُمَّ يدور آخذا إِلَى ناحية الدبور حَتَّى يخرج خلف بَاب الأبواب من ناحية الخزر وعليه المدن، وفيه جزيرة فِيهَا اثنا عشر مدينة، وعليه من ناحية مصر ودمياط، وعليه جزائر ثلاثمائة، وعليه بلاد أسقلية، وَفِي هذه الجزائر والسواحل ملوك متوجون لا يردُونَ الطاعة إِلَى صاحب قسطنطينية.
__________
[1] مختصر كتاب البلدان مطبوع ولم أعثر عليه. انظر: مرآة الزمان 1/ 98.(1/154)
والبحر الثالث: الخراساني عَلَيْهِ جبال موقان وطبرستان وري وجرجان حَتَّى يبلغ خوارزم، وَفِي الجانب الشمالي أربعة آلاف ومائة مدينة، وَفِي يد ملك النوبة ألف مدينة من العين، وفي ناحية الشمال ثلاثة بحور، ويقال إِن بحر الهند طوله من المغرب إِلَى المشرق، ألف ميل، وعرضه الفا ميل وسبعمائة ميل، وبجانبه جزيرة يستوي فِيهَا الليل والنهار، وفيه من الجزائر ألف وثلاثمائة وستون جزيرة فِيهَا جبال، ومبلغ الأقاليم السبعة ثمانية وثلاثون ألف فرسخ، وعرضها ألف وتسعمائة وخمس وتسعون فرسخا.
وذكروا أن الفلك ثلاثمائة وستون/ درجة، محيط بالأرض كالمحة فِي جوف البيضة، ويحيط بالبحر من أسفل وَفَوْقَ. وَالأَرْض فِي وسط الفلك.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الفقيه: قَدْ جعل اللَّه سبحانه وتعالى لكل بحر جزرا ومدا، وَفِي بحر فارس الماء ثلاثون باعا إِلَى سبعين باعا، وفيه اللؤلؤ الجيد، ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ بحر فِيهِ ملوك من العرب يَكُون عَلَى الزنج والصقالبة، وَفِي هذه الجزيرة عنبر كثيرة فيله لا يحصى، وجزائر الواق ألف وسبعمائة جزيرة ملكتها امرأة.
قَالَ موسى بْن الْمُبَارَك السيرافي: دخلت مملكتها فرأيتها تقعد لأهل مملكتها عريانة عَلَى السرير وعليها تاج، وعلى رأسها أربعة آلاف وصيفة عراة أبكار [1] .
وَفِي بلادها من السمك مَا يَكُون مائة ذراع، ومائتي ذراع يخاف عَلَى السفر منها أَن يضربها بأجنحتها فتغرق المركب، فَإِذَا سلك المركب هناك ضربوا بالخبث بالليل كله مخافة من هَذَا السمك، وفيه سلاحف السلحفاة استدارت عشرون ذراعا، يخرج من بطن الواحدة ألف بيضة، وفيه طين يجمع عَلَى رأس الماء أشياء، وتبيض عَلَيْهَا وتحضنه. وفيه سمك عَلَى خلقة البقر.
وثم جزيرة سرنديب [2] ، فَإِذَا مَات الميت هناك قطع أربعة أرباع وأحرق بالنار، وأهله ونساؤه يتهافتون حوله حتى يحرقوا أنفسهم معه.
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 102.
[2] مرآة الزمان 1/ 102، ونزهة المشتاق 72، وابن الوردي 65، ونخبة الدهر 160، والروض المعطار 312، ومروج الذهب 1/ 93.(1/155)
وثم الكركورن [1] ، وناس حفاة عراة لا يفهم كلامهم مأواهم رءوس الشجر، وطعامهم ثمر الشجر، ويستوحشون من النَّاس، وهناك أشجار الكافور، تظل الشجرة مائة رجل ومائتين، ويسيل الكافور كَمَا يسيل الصمغ، ومن ورائهم قوم يأكلون الناس مأواهم رءوس الجبال، ثُمَّ هناك جزيرتان فيهما قوم سود يأكلون الرجال دُونَ النِّسَاء، وبعد ذَلِكَ يخرج فيه حيات يبتلع الرجال، وثم قردة بيض كالجواميس، وسنانير لَهَا أجنحة، والبد صنم بالهند يحجون إليه من مسيرة سَنَة وأكثر، ويتقربون إِلَيْهِ وطوله أرجح من عشرين ذراعا عَلَى صورة رجل، ويزعمون أَنَّهُ نزل من السماء، وَهُوَ من حجر ألبس صفائح من ذهب وَلَهُ سدنة ويمار [2] فِي الرجل وَقَدْ لف عَلَى أَصَابِعه قطنا وصب عَلَيْهَا دهنا ويشعل فِيهَا النار، فلا يزال واقفا حَتَّى يحترق، وبين الهند والصين ثلاثون ملكا أصغر ملك بها يملك مَا يملكه العرب، ومن ذبح ببلاد الهند بقرة يذبح.
بَاب المياه الَّتِي تسمى بالبحيرات [3] :
تشبيها بالبحر ولانبساطها وخروجها عَن حدود الأنهار كبطائح البصرة المتصلة بدجلة، وبحيرة طبرية بدمشق [3] ، وبحيرة بنواس، والماء المستطيل بعمق أنطاكية، ومياه الأودية الَّتِي يسكن فِيهَا، وماء المطر ومذاوب الثلوج، ولا يقف أحد على عددها.
__________
[1] نزهة المشتاق 72، ومروج الذهب 1/ 204، وابن خرداذبه 67.
[2] مرآة الزمان 1/ 115.
[3] قال سبط المصنف في المرآة 1/ 115: وذكر جدي رحمه الله في المنتظم أن بحيرة طبرية تصب في نهر أنطاكية، والظاهر أنه قلد من لا يعرف، وأين بحيرة طبرية في الشام الأعلى، وأنطاكية في الشام الأسفل، وإنما يصب في نهر أنطاكية بحيرة فامية.(1/156)
ذكر الأنهار والعيون [1]
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التميمي، قال:
أخبرنا أحمد بْن جَعْفَر، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أحمد، قال: حدثني أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بن أحمد، قال: أخبرنا الدّراوردي، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْينَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، قَالا: حَدَّثَنَا هَمَّامُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ مَالِكَ بْنَ صَعْصَعَةَ حَدَّثَهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثِ الْمِعْرَاجِ، قَالَ: «ثُمَّ رُفِعْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ الْيَزِيدِ، قُلْتُ لَهُ: حَدَّثَكُمْ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِدْرِيسَ الأَوِدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «نهروان مِنَ الْجَنَّةُ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ» . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا أبو الفتح ابن أَبِي الْفَوَارِسِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحارث بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي
__________
[1] نخبة الدهر 88- 120، ومرآة الزمان 1/ 107.
[2] الحديث أخرجه البخاري في الصحيح 5/ 68، ومسلم، الإيمان 264، ومسند أحمد 4/ 208، 209.(1/157)
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فُجِّرَتْ أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنَ الْجَنَّةِ: النِّيلُ، وَالْفُرَاتُ، وَسَيْحَانُ وَجَيْحَانُ» [1] .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قَالَ: «يَنْزِلُ فِي الْفُرَاتِ كُلَّ يَوْمٍ مَثَاقِيلُ مِنْ بَرَكَةِ الْجَنَّةِ» [2] .
وَرَوَى أَبُو عميس، عَن القاسم، قَالَ: مد الفرات فجاء برهانه مثل البصير وكانوا يتحدثون أَنَّهَا من الْجَنَّة.
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَبُو بَكْر بْن ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد الواعظ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد الصفار، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن إدريس الشَّعْرَانِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا موسى بْن إِبْرَاهِيمَ الأَنْصَارِي، عَن إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر المدني، عن عثمان بن عَطَاء، عَن أَبِيهِ، قَالَ: أوصى اللَّه تَعَالَى إِلَى دانيال أَن احفر لي سيبين نهرين بالعراق، قَالَ دانيال: إلهي بأي مكاتل وبأي مساحي، وبأي رجال وبأي قوة أحفر لَكَ هذين النهرين، فأوحى اللَّه إِلَيْهِ أَن أعد سكة من حديد واجعلها فِي خشبة والقها خلف ظهرك فإنّي باعث إليك الملائكة يعينونك عَلَى حفر هذين السيبين. فحفر، وَكَانَ إِذَا انتهى إلى أرض أرملة أو يتيم حاد عَنْهَا حَتَّى حفر دجلة والفرات [3] .
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِي بْن مُحَمَّد بْن عَلِي بْن يعقوب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف بْنِ خَلادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحارث بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيد بْن شُرَحْبِيل، عَن ليث، عَن يَزِيد بْن أَبِي حبيب، عَن أَبِي الخير، قَالَ: قَالَ كعب: نهر النيل نهر العسل فِي الْجَنَّة، ونهر دجلة نهر اللبن فِي الْجَنَّة، ونهر الفرات نهر الخمر فِي الْجَنَّة، ونهر سيحان نهر الماء فِي الْجَنَّة، قَالَ: قَالَ اللَّه: نورهن ليصيرهن إِلَى الْجَنَّة.
__________
[1] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 2/ 240، 261 و 289، والخطيب في تاريخ بغداد 1/ 54، 8/ 185.
[2] الحديث أورده في كنز العمال 35339 باللفظ المذكور، وأورده المصنف في العلل بلفظ: «ما من يوم إلا تنزل ... » . وقال: هذا حديث لا يصلح.
[3] تاريخ بغداد 1/ 56، مرآة الزمان 1/ 112.(1/158)
أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السَّلَمَيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بْنُ سَابِقٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُقَابِلُ بْنُ حِبَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الأَرْضِ خَمْسَةَ أَنْهَارٍ: سَيْحُونَ وَهُوَ نَهْرُ الْهِنْدِ، وَجَيْحُونَ وَهُوَ نَهْرُ بَلْخَ، وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتَ وَهُمَا نَهْرَا الْعِرَاقِ، وَالنِّيلَ، وَهُوَ نَهْرُ مِصْرَ. أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ وَاحِدَةٍ مِنْ عُيُونِ الْجَنَّةِ مِنْ أَسْفَلِ دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِهَا عَلَى جَنَاحَيِّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَاسْتَوْدَعَهَا الْجِبَالُ وَأَجْرَاهَا فِي الأَرْضِ، وَجَعَلَ فِيهَا منَافِعَ لِلنَّاسِ فِي أَصْنَافِ مَعَايِشِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ في الْأَرْضِ 23: 18 [1] .
فَإِذَا كَانَ عِنْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ فَرَفَعَ مِنَ الأَرْضِ الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ كُلَّهُ وَالْحَجَرَ مِنْ رُكْنِ الْبَيْتِ وَمَقَامَ إِبْرَاهِيمَ وَتَابُوتَ مُوسَى بِمَا فِيهِ. وَهَذِهِ الأَنْهَارَ الخمسة، فرفع كُلَّ ذَلِكَ إِلَى السَّمَاءَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ به لَقادِرُونَ 23: 18 [2] .
فَإِذَا رُفِعَتْ هَذِهِ الأَشْيَاءِ مِنَ الأَرْضِ فُقِدَ خَيْرُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آَخَرَ: «نَهْرَانِ مُؤْمِنَانِ وَنَهْرَانِ كَافِرَانِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، وَأَمَّا الْكَافِرَانُ فَدِجْلَةُ وَنَهْرُ بَلْخَ» . قَالَ ابْن قُتَيْبَةَ: قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّشْبِيهِ لأَنَّ النِّيلَ وَالْفُرَاتَ يُعْرَضَانِ عَلَى الأَرْضِ وَيَسْقِيَانِ بِلا تَعَبٍ وَلا مَئُونَةٍ، وَدِجْلَةُ وَنَهْرُ بلخ لا يسقيان إلا قليلا بتعب مئونة، فَهَذَانِ فِي قِلَّةِ النَّفْعِ كَالْكَافِرِينَ، وَهَذَانِ فِي كثرة/ النفع كالمؤمنين.
__________
[1] سورة: المؤمنون، الآية: 18. والحديث: أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد 1/ 57، وابن حبان في المجروحين 3/ 323، والسيوطي في الدر المنثور 5/ 8، والقرطبي في التفسير 12/ 113.
[2] سورة: المؤمنون، الآية: 18.(1/159)
مخارج الأنهار
قَالَ أَبُو العالية: كُل ماء عذب فِي الأَرْض من أصل الصخرة الَّتِي فِي بَيْت المقدس يهبط من السماء ثُمَّ يتصرف فِي الأَرْض.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي: مخرج نهر بلخ، واسمه جيحون [1] من جبال التبت، ثم يمر ببلخ والترمذ وخوارزم حَتَّى يصب فِي بحر جرجان.
ومخرج مهران، وَهُوَ نهر السند من جبال سندان [2] ثُمَّ يمر بالبصرة، ويصب فِي بحر الشرقي الكبير بَعْد أَن يحمل منه أنهار بلاد الهند.
ومخرج الفرات [3] من قاليقلا حَتَّى يمر بأرض الروم ويستمد من عيون حَتَّى يخرج عَلَى ميلين من ملطية، ثُمَّ يبلغ إِلَى شمشاط [4] فتحمل من هناك السفن ثُمَّ تبلغ إِلَى الكوفة من فَوْقَ دقما وإلى حلة من هناك أَيْضًا وتصب فِي دجلة.
ومخرج دجلة [5] من جبال آمد، ثُمَّ يستمد من عيون كثيرة من نواحي أرمينية ثُمَّ يمر ببلد ومن هناك تحمل السفن وتستمد من الزاب الأعلى والزاب الأسفل، وتصب فِي البطائح، ثُمَّ يصب البطائح فِي البحر الشرقي.
وَفِي بَعْض الكتب السالفة أَن الشياطين حفرت دجيل لسليمان بْن دَاوُد، واحتفر هُوَ فِي نهر الْمَلِك، فَإِن الشياطين لما حفرت دجيل ألقت ترابه بَيْنَ خانقين وقصر شيرين.
ومخرج الراسي نهر أرمينية من قاليقلا، ومنتهاه بحر جرجان.
ومخرج الزابين من جبال أرمينية، ثُمَّ يصبان فِي دجلة، يصب الكبير بالحديثة، والصغير بالسن.
__________
[1] نخبة الدهر 94، والروض المعطار 185، وابن رستة 91، وكنز الدرر 1/ 176.
[2] في الروض المعطار 562: «يخرج من جبال شقنان» .
[3] مروج الذهب 1/ 117، ونخبة الدهر 92، وابن رستة 93، وكنز الدرر 173.
[4] كذا في الأصل، وفي مرآة الزمان 1/ 111: صميصات، وتكتب أيضا سميساط، وفي كنز الدرر:
شميصات. وفي معجم البلدان: «سميساط» .
[5] مروج الذهب 1/ 122، ونخبة الدهر 95، وابن رستة 94، وكنز الدرر 1/ 175، ومرآة الزمان 1/ 112، والصحاح 4/ 1695.(1/160)
ومخرج النهروان من جبال أرمينية ثُمَّ يمر بباب الصلولي [ويسمى] هناك تامرا ويستمد من القواضل فَإِذَا مر بباب كسرى سمي النهروان، ثُمَّ يصب فِي دجلة أسفل جبل.
ومخرج الخابور من رأس عين، ويستمد من الهرماس ثُمَّ يصب في الفرات بقرقيسياء.
ومخرج نيل مصر [1] من جبال القمر ثُمَّ يصب خلف بحرين خلف خط الاستواء، ويطيف بأرض النوبة، ويجيء إِلَى مصر فيصير بعضه بدمياط فِي البحر الرومي، ويسقي باقيه القسطنطينية حَتَّى يصب أَيْضًا في البحر الرومي.
ومخرج الهيدميذ من جبال سجستان، وَلَهُ من ورائها مفيض عظيم إِلَى صراة فِي فضاء من الأَرْض وحول ذَلِكَ البساتين والمزارع يسير عَلَى سمت مستقيم ثُمَّ يعوج حَتَّى يحاذي مجاذب تؤديه إِلَى البحر الشرقي.
ويخرج سيحان نهر أذنه من بلاد الروم، ثُمَّ يمر عَلَى موضع من بلاد أرمينية ثُمَّ يمتد إِلَى أذنه، وهناك يدعى سيحان، ثُمَّ يسير حَتَّى يصب فِي البحر الشامي.
ومخرج جيحان نهر المصيصة من بلاد الروم عَلَى مراحل منها، ثُمَّ يصب فِي البحر اللبناني ويستمد من وادي الزنج ثُمَّ يصب فِي البحر الشامي.
ومخرج الأرند نهر أنطاكية من أرض دمشق مِمَّا يلي طريق البربر، وَهُوَ يجري مَعَ الجنوب، ولذلك يدعى المقلوب، ثُمَّ يصير فِي البحر الرومي.
ومخرج نهر دمشق من ذَلِكَ الموضع، ويسقي الغوطة ثُمَّ يصب فِي بحيرة دمشق.
ومخرج قويق نهر حلب من قرية تدعى سبتات عَلَى سبعة أميال من دابق، ثُمَّ يمر إِلَى حلب ثمانية عشر ميلا، ثُمَّ إِلَى مدينة قنسرين اثني عشر ميلا، ثُمَّ يفيض فِي الأجمة هذه المشتهرة بالذكر، وَقَدْ تذكر كثيرا مِمَّا لَمْ يشتهر ذكره.
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: ذكر
__________
[1] مروج الذهب 1/ 112، ومرآة الزمان 1/ 108، وكنز الدرر 1/ 167، والصحاح 5/ 1838.(1/161)
بعض من تقدم من الْعُلَمَاء بأخبار الأوائل أَن ملك الأردوان وَهُمْ النبط كَانَ فِي السواد، قبل ملك فارس، وأن النبط هُمُ الَّذِينَ استنبطوا الأَرْض وعمروا السواد، وحفروا الأنهار العظام، ويقال لَهُمْ ملوك الطوائف، قَالَ: وحكى الهيثم بْن عدي، عَن عَبْد اللَّهِ بْن عياش، قَالَ: ملك النبط سواد العراق ألف سَنَة، وَكَانَ حد ملك النبط الأنبار إِلَى عانات كسكر إِلَى مَا والاها من كور دجلة إِلَى جوخي. وكانت سرة الدنيا فِي أيد النبط، واعتبر ذلك أن الفرات ودجلة ينصبان من الشام والجزيرة، ولا ينتفع بهما حَتَّى يأتيا بلادهم، فيفجرونها فِي كُل موضع، ثُمَّ يسوقون بقيتهما إِلَى البحر، وَكَانَ ملكهم ألف سَنَة، وإنما سموا نبطا، لأنهم انبطوا الأَرْض وحفروا الأنهار العظام، منها الصراة العظمى.
ونهر آبا، ونهر سورا ونهر الْمَلِك، وحفروا الصراة العظمى فيروز حشش، وحفر نهر آبا أبا ابْن الصامغان، وحفر نهر الْمَلِك أفقورشة، وَكَانَ آخر ملوك النبط ملك مائتي سَنَة، ثُمَّ وليت ملك فارس فحفروا أنهار كوثى والصراة الصغرى الَّتِي عَلَيْهَا ابْن هبيرة وكل سيب بالعراق. ثُمَّ حفروا النهروان. [1] وَقَالَ غيره: حفر الصراة العظمى أفريدُونَ، وحفر أقفور بْن بلاش نهر الْمَلِك، وحفر آبا ابْن الصمغان نهر الأنبار، وبنى قناطر هَذَا النهر قباد بن فيرون، وحفرت خماني بنت بهمن أردشير تامرا، وَهُوَ القاطول الأَوَّل، وشقت منه أنهارا، وحفر أردشير دجيل، وحفر الزاب زو بْن الطهماسب، وحفر برازالروز رجل من فارس اسمه بران، وحفر الْحَجَّاج النيل، وحفر خالد بن عبد الله القسري نهر الصلح، ونهر الْمُبَارَك، وحفر الرشيد قاطول نهر السَّلام، وَهُوَ عمود نهرين، واستخرج منه الخالص.
فصل
وذكر الْقَاضِي أَبُو العباس أَحْمَد بْن بختيار، قَالَ: أول العيون عين تخرج من جبل القمر وراء خط الاستواء، ثُمَّ ينبعث منها عشرة أنهار، ويخرج منها بحر هُوَ نيل مصر حَتَّى يمر بمدينة النوبة، ويقطع الإقليم الأَوَّل حَتَّى يجاوره إِلَى الإقليم الثَّانِي، ثُمَّ يمد إِلَى مصر ثُمَّ ينقسم النيل سبعة أقسام يمر الغربي منها إِلَى الإسكندرية. ومسير النيل من ابتدائه إِلَى انتهائه ألفا ميل، ونيفا.
__________
[1] تاريخ بغداد 1/ 57.(1/162)
وعين أُخْرَى مركزها تَحْتَ خط الاستواء يخرج منها نهر يمر إِلَى النيل حَتَّى يصب فيه عند مدينة النوبة.
وعين أُخْرَى فِي جزيرة الفضة الَّتِي فِي بحر الصين يخرج منها ثلاثة أنهار تصب فِي البحر.
وعين أُخْرَى من وراء خط الاستواء يخرج منها نهران يصبان فِي البحر.
قَالَ: وَفِي الإقليم الأَوَّل من الأنهار والعيون ثلاثة وعشرون كلها جارية إلا عينا واحدة.
وَفِي الإقليم الثَّانِي من الأنهار والعيون أربعة وعشرون، والبحيرة المعروفة بطبرية وهي مدورة مقدارها ثلاثة وثلاثون ميلا، ويخرج منها نهر يمر عَلَى قرب أنطاكية حَتَّى يصب فِي البحر.
وَفِي الإقليم الرابع أنهار وعيون لَمْ يذكر عددها.
وَفِي الإقليم الخامس خمسة وعشرون نهرا منها دجلة تخرج من بَيْنَ جبلين عِنْدَ مدينة آمل، وتصير إِلَى بلد، ثُمَّ الموصل، ثُمَّ المدينة، ويصب إِلَى بغداد ثُمَّ إِلَى واسط ثُمَّ البطائح، ثُمَّ يفترق فرقتين، فرقة تمر إِلَى البصرة، وفرقة إِلَى المدار، ويصب الجميع إِلَى بحر فارس ومسافتها ثمانمائة ميل ونصف.
وَفِي الإقليم السادس ستة وعشرون نهرا منها الفرات أولها من عين فِي بلد الروم وطولها عِنْدَ طلوعها فِي بلد الإسلام سبعمائة وخمسة وثلاثون ميلا.
وَفِي الإقليم السابع ثمانية وعشرون نهرا منها جيحان يصب فِي بحر الشامي، وطوله سبعمائة ونيف وثلاثون ميلا، وفيه نهر بلخ.
أَخْبَرَنَا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الصُّبَاحِ بْنِ أَشْرَسَ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْمَدِّ وَالْجَزْرِ، فَقَالَ: إِنْ مَلَكًا مُوَكَّلٌ بِقَامُوسِ الْبَحْرِ، فَإِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فَاضَتِ وَإِذَا رفعها غاضت [1] .
__________
[1] راجع مروج الذهب 1/ 131، وكنز الدرر 1/ 158، ومرآة الزمان 1/ 106.(1/163)
بَاب ذكر طرف من عجائب مَا فِي الأَرْض
[1] أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن أَحْمَد الْكِسَائِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو نصر عبد الوهاب بْنُ عَبْدِ اللَّهِ/ الْمُرِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الْوَهَّاب بْن الْحَسَن الْكِلابِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِي بْن مُحَمَّد بْن كَاسَ النَّخَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَضِرُ بْنُ أَبَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُور بْن عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ شَفِيِّ بْنِ مَاتِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: مِنَ الْعَجَائِبِ الَّتِي وُصِفَتْ فِي الدُّنْيَا أَرْبَعُ: مَنَارَةُ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، عَلَيْهَا مِرْآَةٌ مِنْ حَدِيدٍ يَقْعُدُ الْقَاعِدُ تَحْتَهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَيَرَى مَنْ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَبَيْنَهَا عَرْضُ الْبَحْرِ، وَسَوْدَانِيٌّ مِنْ نُحَاسٍ عَلَى قَضِيبٍ مِنْ نُحَاسٍ عَلَى الْبَابِ الشَّرْقِيِّ بِرُومِيَّةَ، فَإِذَا كَانَ أَوَانُ الزَّيْتُونِ صَفَّرَ ذَلِكَ السَّوْدَانِيُّ صَفْرَةً فَلا تَبْقَى سَوْدَانِيَّةٌ تَطِيرُ إِلا جَاءَتْ مَعَهَا بِثَلاثِ زَيْتُونَاتٍ فِي رِجْلَيْهَا، وَزَيْتُونَةٍ فِي مِنْقَارِهَا فَأَلْقَتْهُ عَلَى ذَلِكَ السَّوْدَانِيِّ فَيَحْمِلُهُ أَهْلُ رُومِيَّةَ فَيَعْصِرُونَ مَا يَكْفِيهِمْ لِسِرْجِهِمْ وَإِدَامِهِمْ إِلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ.
وَرَجُلٌ مِنْ نُحَاسٍ بِأَرْضِ الْيَمَنِ مَا بَيْنَ الشَّجَرِ مَادًّا يَدَهُ إِلَى وَرَاءٍ كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَيْسَ وَرَائِي مَذْهَبٌ وَلا مَسْلَكٌ، وَهُوَ أَرْضٌ رَجْرَاجَةٌ لا تَسْتَقِرُّ عَلَيْهَا الأَقْدَامُ، غَزَاهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ نَمْلٌ كنجاتيٌّ، وَكَانَتِ النَّمْلَةُ تَخْطَفُ الْفَارِسَ عَنْ سَرْجِهِ.
وَبَطَّةٌ مِنْ نُحَاسٍ بَيْنَ عَمُودٍ مِنْ نُحَاسٍ فِيمَا بَيْنَ الْهِنْدِ وَالصِّينِ بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا كُثَارٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، شَرِبَتِ الْبَطَّةُ مِنَ الْمَاءِ حَاجَتَهَا، ومدت منقارها فيفيض من فيها
__________
[1] راجع: مروج الذهب 1/ 97، 1/ 222، 2/ 396، 409، والروض المعطار 79، وكنز الدرر 1/ 183، وصورة الأرض لابن حوقل 330/ 331، ونخبة الدهر 33، 37، وابن خرداذبه 68، والاستبصار 53، 94، وخطط المقريزي 1/ 30- 40.(1/164)
الْمَاءُ مَا يَكْفِيهِمْ لِزُرُوعِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ إِلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ.
وَقَدْ روي لنا هَذَا الْخَبَر عَلَى وجه آخر، فَأَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْمُحْسِنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَد عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد الدَّهَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر أَحْمَد بْن الْحُسَيْن الْبَرْدَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَة أَحْمَد بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي الْعِصَامِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَزْرَقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْن أَبِي لَهِيعَةَ، عَن أَبِي قُسَيْلٍ، عَن عَبْد الله بن عمرو عن العجائب التي وُضِعَتْ فِي الدُّنْيَا أَرْبَعُ: مِرْآَةٌ كَانَتْ مُعَلَّقَةً بِمَنَارَةِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَكَانَ الْجَالِسُ يَجْلِسُ تَحْتَهَا فَيَرَى [مَنْ] بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَبَيْنَهَا عَرْضُ الْبَحْرِ، وَعَمُودٌ مِنْ نُحَاسٍ بِأَرْضِ رُومِيَّةَ فَإِذَا كَانَ لِقَاطُ الزَّيْتُونِ لم يبق سودانية إلا جاءت إليه بِثَلاثِ زَيْتُونَاتٍ فَيَعْصِرُهَا أَهْلُ رُومِيَّةَ لإِدَامِهِمْ وَمَصَابِيحِهِمْ، وَفَرَسٌ مُنْ نُحَاسٍ عَلَيْهِ رَاكِبٌ مِنْ نُحَاسٍ بأرض طليلة قَرِيبَةٌ مِنْ قُرَى الأَنْدَلُسِ مِنْ خَلْفِهَا بِأَرْضِ رجراجة لا يَطَأُ عَلَيْهَا أَحَدٌ إِلا ابْتَلَعَهُ، وَالْفَرَسُ قَافِلٌ بِيَدِهِ هَكَذَا مَكْتُوبٌ فِي جَبْهَتِهِ لَيْسَ وَرَائِي مَسْلَكٌ، وَعَمُودٌ مِنْ نُحَاسٍ عَلَيْهِ شَجَرَةٌ مِنْ نُحَاسٍ تَمْثَالُ عَادٍ، فَإِذَا كَانَ أَشْهُرُ الْحُرُمِ هَطَلَ مِنْهَا الْمَاءُ فَمُلِئَ مِنْهُ الْحِيَاضُ ويشرب الناس منه وسقطوا ظُهُورَهُمْ فَإِذَا تَصَرَّمَتْ أَشْهُرُ الْحُرُمِ انْقَطَعَ ذَلِكَ عنهم.
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قَالَ:
أخبرنا أَحْمَد بْن الْحَسَن بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَلَفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جدي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ بْن حاتم، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرو بْن شبة، قَالَ: حَدَّثَنَا سليم بْن مَنْصُور بْن عمار، عَن أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْد ربه، عَن نَافِع، عَن أَبِي مدرك السعدي، قَالَ: أتيت طليلة من وراء الأندلس فرأيت صنمين من نحاس رءوسهما فِي الهواء قائمين عَلَى رجل واحدة كُل واحدة منها واضع كفه اليسرى بَيْنَ عينيه مكتوب: لَيْسَ خلفي مسلك.
قَالَ: وَقَدْ أَخْبَرَنِي أناس من أَهْل تلك الناحية أَن ذا سرح [1] الْمَلِك سار فِي الجموع حَتَّى وصل إِلَى تلك الناحية، فخرج عَلَيْهِ خلق يشبه النمل، وإن كانت الدابة من تلك الدواب لتخطف برجليها رجلين وتأخذ الرجل مَعَ بقرة معه فتحمله فما يقدر
__________
[1] في المرآة 1/ 120: «أن ذا القرنين» .(1/165)
عَلَى نَفْسه، فلما رأى ذَلِكَ ذو سرح الْمَلِك انصرف بالجمع.
وَقَدْ ذكر بَعْض الْعُلَمَاء فِي العجائب: أَنَّهُ بأرض مصر أسطوانتان من بقايا أساطين كانت هناك فِي رأس كُل أسطوانة طوق من نحاس يقطر من إحداهما ماء من تحت الطوق إلى نصف الاسطوانة لا يجاوزه ولا ينقطع قطره ليلا ونهارا وموضعه من الأسطوانة أخضر رطب.
والهرمتان [1] بمصر سمك كل واحد منهما أربعمائة ذراع [2] طولا في أربعمائة ذراع عرضا كلما ارتفع البناء دق [3] ، وهما من رخام ومرمر مكتوب عَلَيْهَا طب وسحر وتحت ذَلِكَ مكتوب: «إني بنيتها بملكي فمن يدعي قوة فِي ملكه فليهدمها فَإِن الهدم أيسر من البناء» .
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن جَعْفَر: وبلغنا أنهم قدروا فَإِذَا خراج الدنيا مرارا كثيرة لا يقوم بهدمها [4] .
ويقال إنه مَا من بناء بالحجارة أبهى من كنيسة حمص، ولا بناء بالآجر والجص أبهى من إيوان كسرى بالمدائن، ولا منارة أعجب من منارة الإسكندرية، ولا بناء بالحجارة أحكم ولا أبهى من شاذروان تستر لأنها بالصخر وأعمدة الحديد وطاط الرصاص. وأعجب من هَذَا كُلهُ سد ذي الْقَرْنَيْنِ الَّذِي أمده اللَّه لبنائه، وسيأتي ذكره فِي أخبار ذي الْقَرْنَيْنِ إِن شاء اللَّه.
ومن العجائب: [5] نار بصقلية تجيء بالهند وبالأندلس تشعل فِي حجارة ولا يمكن أَن يوقد منها. وأهل اليمن يمطرون فِي الصيف، وليس بصقلية نمل.
ومن العجائب: [6] بيتان وجدا بالأندلس عِنْدَ فتحها فِي مدينة الملوك، ففتح أحد
__________
[1] في المرآة 15/ 121: «والهرمان» .
[2] في المرآة: «خمسمائة ذراع» .
[3] في المرآة: «ارتفع البناء دق رأسها حتى يصير مثل مغرس حصير» .
[4] في المرآة 1/ 121: إنهم قد حسبوا خراج الدنيا مرارا كثيرة لم يف بهدمها.
[5] مرآة الزمان 1/ 123.
[6] مرآة الزمان 1/ 124.(1/166)
البيتين وَهُوَ بَيْت المال، فوجد فِيهِ أربعة وعشرون تاجا عدة ملوكهم، لا يدري مَا قيمة التاج منها، وعلى كُل تاج اسم صاحبه ومبلغ سنه وكم ملك من السنين ووجد فِيهِ مائدة سُلَيْمَان بْن دَاوُد. ووجد عَلَى الْبَيْت الآخر أربعة وعشرون قفلا، كَانَ كلما ملك ملك مِنْهُم زاد قفلا، ولا يدرون مَا فِي الْبَيْت، فلما ملك آخر ملوكهم قَالَ: لا بد لي من أَن أعرف مَا فِي هَذَا الْبَيْت، وتوهم أَن فِيهِ مالا، فاجتمعت إِلَيْهِ الأساقفة والشمامسة وأعظموا ذَلِكَ وسألوه أَن يأخذ بِمَا فعله الملوك قبله فأبى، وَقَالَ: انظر مَا تحطب عَلَى مالك من مال يظن أنه فيه فنحن ندفعه إليك من أموالنا فلا تفتحه. فعصاهم وفتح الباب، فإذا فيه تصاوير العرب على خيولهم بعمائمهم ونعالهم وقسيهم ونبلهم، فدخلت العرب جزيرة الأندلس [1] فِي السنة الَّتِي فتح فِيهَا الباب.
ووجد قتيبة بْن مُسْلِم بمدينة تدعى بيكند قدورا عظاما يصعد إِلَيْهَا بسلاليم.
أَنْبَأَنَا محمد بن ناصر الحافظ، قَالَ: أنبأنا جعفر بْن أحمد السراج، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو القاسم عُبَيْدُ اللَّه بْن عُمَر بْن شَاهِينَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِي بْن مُحَمَّد بن أحمد المصري، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن عيسى المدني، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن المنذر، قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَام بْن مُحَمَّد بْن السائب، قَالَ: حَدَّثَنِي حفص بْن عُمَر بْن النعمان الْبُخَارِي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَن جدي، قَالَ: سمعت حميدا دهقان الفلوجة السفلى، وَكَانَ عُمَر قَدْ فرض لَهُ فِي ألفي مَعَ عدة من الدهاقين، قَالَ: كَانَ ببابل سبع مدائن فِي كُل مدينة أعجوبة ليست فِي الأخرى، وَكَانَ فِي المدينة الأولى الَّتِي منها ملكها تمثال الأَرْض جميعا فَإِذَا أتوى عَلَيْهِ بعين أَهْل مملكته بخراجها خرق أنهارها عَلَيْهِم فعرفت حيث كانت فلا يستطيعون لَهَا سدا حَتَّى يؤدُونَ مَا عَلَيْهِم فَإِذَا سدها عَلَيْهِم فِي تماثيلهم انسدت فِي بلادهم.
وَفِي المدينة الثَّانِيَة حوض فَإِذَا أراد الْمَلِك أَن يجمعهم لطعامهم إِلَى من أحب مِنْهُم بِمَا لا أحب من الأشربة نصبه فِي ذَلِكَ الحوض، فاختلط جميعا، ثُمَّ تقدم السقاة فأخذوا الآنية، فمن صب فِي إنائه تنينا صار فِي شرابه الَّذِي جاريه.
وَفِي المدينة الثالثة طبل إِذَا غاب من أهلها غائب فأرادوا أَن يعلموا أحي هُوَ أم
__________
[1] في الأصل بلدهم، وما أوردته من المرآة 1/ 124.(1/167)
ميت أتوا الطبل فضربوه، فَإِن كَانَ حيا صوت الطبل، وإن كَانَ ميتا/ لَمْ يسمع لَهُ صوت.
وَفِي المدينة الرابعة: مرآة من حديد [1] ، إِذَا غاب الرجل عَن أهله فأحبوا أَن يعلموا حاله كَيْفَ هُوَ، أتوا المرآة فنظروا فِيهَا فأبصروه عَلَى حاله الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا.
وَفِي المدينة الخامسة: أوزة من نحاس إِذَا دَخَلَ المدينة غريب صوتت صوتا فسمعه جميع أَهْل المدن فيعلم أَنَّهُ دخلها غريب.
وَفِي المدينة السادسة: قاضيان جالسان عَلَى الماء فيجيء المحق والمبطل، فيمشي المحق عَلَى الماء حَتَّى يجلس مَعَ الْقَاضِي ويغمس المبطل فِي الماء.
وَفِي المدينة السابعة: شجرة لا تظل إلا ساقها فَإِن جلس تحتها رجل إِلَى ألف أظلتهم، وإن زاد واحد جعلوا كلهم في الشمس.
__________
[1] في الأصل: «مرآة من حديث» .(1/168)
بَاب ذكر أول من سكن الأَرْض [1]
أول من سكن الأَرْض الجن، وَمَا زالوا يعمرون الأَرْض ويعبدُونَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى طال عَلَيْهِم الأمد، فيتناول بَعْضهم بَعْضًا، فنهاهم بَعْض ملوكهم، واسمه يُوسُف، ويقال إنه كَانَ نبيا، ولا يثبت مثل هَذَا، فأرسل اللَّه عَلَيْهِم جندا من الْمَلائِكَة فيهم إِبْلِيس، فأجلوهم عَن الأَرْض.
وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْجِنُّ سُكَّانَ الأَرْضِ، وَالْمَلائِكَةُ سُكَّانَ السَّمَاءِ، وَهُمْ عُمَّارُهَا، لِكُلِّ سَمَاءٍ مَلائِكَةٌ، وَلِكُلِّ أَهْلِ سَمَاءٍ صَلاةٌ وَتَسْبِيحٌ وَدُعَاءٌ، فَكُلُّ أَهْلِ سَمَاءٍ أَشَدُّ عِبَادَةً وَأَكْثَرُ دُعَاءً وَصَلاةً وَتَسْبِيحًا مِنَ الَّذِينَ تَحْتهُمْ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءُ: عَمَّرُوا الأَرْضَ أَلْفَي سَنَةٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرْبَعِينَ سَنَةً.
وَرَوَى سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ قُحَيْفٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ الْكِلابَ مِنَ الْجِنِّ، وَهِيَ مِنْ ضُعَفَاءِ الْجِنِّ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ شَيْطَانَ الْجِنِّ فَمَسَخَهُمْ دَوَابَّ فِي الأَرْضِ فَهِيَ هذه الكلاب السود، وهي الجن» .
__________
[1] كنز الدرر 1/ 205، ومرآة الزمان 1/ 125.(1/169)
بَاب ذكر سكان الأَرْض
رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تعالى خلق ألف أمة، ستمائة منها في البحر وأربعمائة فِي الْبَرِّ» [1] .
وَقَدْ روينا نحوَ هَذَا عَن يَحْيَى بْن أَبِي كثير موقوفا. وَقَالَ وهب بْن منبه: إِن للَّه تَعَالَى ثمانية عشر ألف عالم الدنيا من ذَلِكَ واحد.
وَقَالَ أَبُو العالية: الجن عالم والإنس عالم، وَسِوَى ذَلِكَ ثمانية عشر ألف عالم من الْمَلائِكَة عَلَى الأَرْض، وَالأَرْض أربع زوايا كُل زاوية منها أربعة آلاف وخمسمائة عالم خلقهم اللَّه لعبادته.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أحمد، قال: أخبرنا عاصم بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بشران، قال: حدثنا أَبُو صَفْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ حَاتِمٌ الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلِيمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أبي دهرس، قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ بِهَذَا الْمَغْرِبِ أَرْضًا بَيْضَاءَ مَسِيرَةً لِلشَّمْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ بِهَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لَمْ يَعْصُوا اللَّهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ» ، قَالُوا: فَأَيْنَ الشَّيْطَانُ عَنْهُمْ؟ قَالَ:
«مَا تَدْرُونَ خُلِقَ الشَّيْطَانُ أَمْ لَمْ يُخْلَقْ» ، قَالُوا: وَمِنْ وَرَاءِ آَدَمَ هُمْ؟ قَالَ: «وَمَا تَدْرُونَ خُلِقَ آدم أم لم يخلق» [2] .
__________
[1] الحديث في تفسير القرطبي 7/ 279، والكامل لابن عدي 6/ 2249، وشكاه المصابيح 5463، والدر المنثور 1/ 13، والمطالب العالية 2339، ومجمع الزوائد 7/ 322، وتفسير ابن كثير 1/ 39، 3/ 249، والبداية والنهاية 1/ 29، وتاريخ بغداد 11/ 218، وتنزيه الشريعة 1/ 190، والموضوعات 3/ 14.
[2] الحديث أخرجه أبو الشيخ في كتاب العظمة من حديث بن هريرة، بلفظ: «إن للَّه تعالى أرضا من وراء أرضكم هذه، بيضاء نورها مسيرة شمسكم هذه أربعين يوما فيها عباد للَّه ... » . وقال السخاوي بعد ذكر ألفاظ هذا الحديث: «وهذه الأخبار أسانيدها ضعيفة لكن باجتماعها يكسب قوة» . انظر الحديث في: تفسير ابن كثير 8/ 184 وكنز العمال 29843.(1/170)
بَاب ذكر من ملك الأَرْض كلها [1]
قَدْ روينا فِي الْحَدِيث عَن مجاهد أَنَّهُ قَالَ: ملك الأَرْض أربعة أنفس: مؤمنان وكافران، فأما المؤمنان فسليمان بْن دَاوُد، وذُو الْقَرْنَيْنِ، وَأَمَّا الكافران فبخت نصر، ونمرود [2] .
وَقَدْ حكى أَبُو الْحُسَيْن بْن جَعْفَر المنادي، أَن هِشَام بْن مُحَمَّد، والشرقي بْن قطامي، قَالا: ملك الدُّنْيَا كلها من الجن والإنس ثمانية: فثلاثة مِنْهُم من ولد جان:
جيومرث، وبعضهم يَقُول جيومرب بالباء [3] ، ثُمَّ ملكها بعده طهمورث، ثُمَّ ملكها من بعده ابنه أوشنج، فخلق اللَّه تَعَالَى آدَم عَلَى عهد أوشنج [4] ، وَكَانَ أول من ملك الدنيا من أولاد آدَم جمشاد بْن بونجهان من ولد قابيل، وكان يقطع الدنيا كُل يَوْم كَمَا تقطعها الشمس، يضحي بالمشرق ويمسي بالمغرب، ملكها بَيْنَ آدَم ونوح. وَالثَّانِي: نمرود بْن كنعان بْن حام بن نوح. والثالث: بوارسب [5] ، وهو الضحاك بن الآهبوب [6] . والرابع سُلَيْمَان. والخامس ذو الْقَرْنَيْنِ.
قُلْت: وإذا أضيف نصر صاروا ستة إلا أَن هَذَا القول لا أراه ثابتا. وسنذكر جيومرث، وطهمورث في أولاد آدم.
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 125، وكنز الدرر 1/ 206.
[2] بقية الخبر كما في المرآة: «وسيملكها خامس من أهل بيتي» .
[3] في المرآة: «كيومرت» .
[4] كذا في الأصول المخطوطة والمختصر، وفي المرآة «أوشهبخ» .
[5] في المرآة 1/ 126: «بيوراسف» .
[6] هكذا في الأصل، وفي المختصر: «الضحاك» فقط. وورد في المرآة 1/ 250: «الضحاك بن الأهيوب» ، وفي موضع آخر: «الأهيوب» . 1/ 235 مرآة الزمان.(1/171)
بَاب ذكر مَا تَحْتَ الأَرْض
اعلم أَن الأَرْض كَانَ طبقا واحدا، فشقها سبحانه سبعا، وَكَذَلِكَ السماء.
قَالَ كعب: هذه الأَرْض عَلَى صخرة خضراء فِي كف ملك، وَذَلِكَ الْمَلِك قائم على ظهر الحوت، وذلك الحوت منطو بالسماوات السبع من تَحْتَ الأَرْض.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: الصخرة عَلَى منكبي ملك والملك عَلَى الثور والثور عَلَى الماء، والماء متن الريح.
وَقَالَ وهب: اسم الحوت بهموت
.(1/172)
بَاب ذكر سكان الأرضين السبع [1]
رَوَى عَطَاء بْن يسار أَنَّهُ سأل كعب الأحبار، فَقَالَ لَهُ: من ساكن الأَرْض الثَّانِيَة؟
فَقَالَ: الريح العقيم، لما أراد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هلك قوم عاد أوحى إِلَى خزنتها أَن افتحوا منها بابا، قَالُوا: يا ربنا مثل منخر الثور، قَالَ: إذن تتلف الأَرْض بمن عَلَيْهَا، فاستأذنوا ربهم فضيق ذلك حَتَّى جعله مثل حلقة الخاتم، قَالَ: فَقُلْتُ: من ساكن الأَرْض الثالثة؟ قَالَ حجارة جهنم، قال: قلت: فمن ساكن الرابعة؟ قَالَ: كبريت جهنم، قُلْت: فمن ساكن الأَرْض الخامسة؟ قَالَ: حيات جهنم، قال: قُلْت: وإن لَهَا لحيات؟ قَالَ: نعم، والذي نفسي بيده كأمثال الأودية، قُلْت: فمن ساكن السادسة؟ فَقَالَ: عقارب جهنم كأمثال البغال، وَلَهَا أذناب كالرماح يلقى إحداهن الكافر فيلسعه اللسعة فيتناثر لحمه عَلَى قدمه، قُلْت: فمن ساكن السابعة؟ قَالَ: تلك سجين، وفيها إِبْلِيس موثق يد أمامه ويد خلفه، ورجل أمامه ورجل خلفه، فيأتيه جنوده بالأجنان فِي مكانه ذَلِكَ.
وَقَدْ رَوَى الضَّحَّاك، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فِي كُل أرض آدَم كآدمكم، ونوح كنوحكم [2] .
ومعنى هَذَا أَن لكل الأَرْض سادة يقوم كبيرهم ومتقدمهم مقام آدَم ونوح فينا.
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 126، وكنز الدرر 1/ 240.
[2] مرآة الزمان 1/ 126.(1/173)
بَاب ذكر الجن والشياطين [1]
هَذَا الجن ثلاثة أنواع: جان، وجن، وشياطين، ولا خلاف أَن الكل خلقوا قبل آدَم.
فأما الجان: ففيه ثلاثة أقوال، أحدها: أَنَّهُ أَبُو الجن، رواه أَبُو صَالِح، والضحاك عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مخلوق من نار.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بْن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ 55: 15، وَخُلِقَتِ الْمَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ» . وَرَوَى الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْمَارِجُ لِسَانُ النَّارِ الَّذِي يَكُونُ فِي طَرَفِهَا إِذَا الْتَهَبَتْ.
وَرَوَى عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو الْجِنِّ اسْمُهُ سوما [2] ، فَقَالَ اللَّه لَهُ:
تَمَنَّ، فَقَالَ: أَتَمَنَّى أَنْ نَرَى وَلا نُرَى، وَأَنْ نَغِيبَ فِي الثَّرَى، وَأَنْ يَصِيرَ كَهْلَنَا شَابًا، فَأُعْطِيَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الدَّهْرَ لَيَمُرُّ عَلَى إِبْلِيسَ فَيُهْرِمُهُ ثُمَّ يُصْبِحُ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثِينَ سَنَةً.
وَالثَّانِي: أَن الجان هُوَ الاثنين، قاله الْحَسَن، وعطاء، وَقَتَادَة، ومقاتل. [3] والثالث: أَن الجان مسيخ الجن.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَاكِمُ، وَيَحْيَى بْنُ محمد المدبر، قالوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ النَّقُورِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبيد الله بن جشامة،
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 128، وكنز الدرر 1/ 221.
[2] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 6/ 153، 168، والبيهقي في الأسماء والصفات 3860.
[3] في المرآة 1/ 129: «سومان» ، وفي كنز الدرر 1/ 221: «شومان» .(1/174)
قَالَ: حَدَّثَنَا الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عباس، قال: الْجَانُ مَسِيخُ الْجِنِّ، كَمَا أَنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ مَسِيخُ الإِنْسِ.
وَأَمَّا الشياطين: فَكُل متجبر عات من الجن. وَهُوَ مأخوذ من شطن أي بَعْد عَن الخير وقيل بَعْد غوره فِي الشر. وَكَذَلِكَ المارد والعفريت.
وَقَدْ رَوَى الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الشَّيَاطِينُ وِلْدَانُ إِبْلِيسَ لا يَمُوتُونَ إِلا مَعَ إِبْلِيسَ.
وَالْجِنُّ: يَمُوتُونَ، وَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ وَمِنْهُمُ الْكَافِرُ.
وَقَالَ السدي: فِي الجن شيعة وقدرية ومرجئة.
قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن العاص: خلق اللَّه الجن قبل آدَم بألفي سَنَة.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الْغِيلانِ، فَقَالَ: «هِيَ شَجَرَةُ الْجِنِّ» . وَقِيلَ عِنْدَ عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ الْغِيلانَ تَتَحَوَّلُ عَنْ خَلْقِهَا، فَقَالَ:
إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يَتَحَوَّلُ عَنْ خَلْقِهِ، وَلَكِنْ لَهُمْ سَحَرَةٌ كَسَحَرَتِكُمْ، فَإِذَا أَحْسَسْتُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأَذِّنُوا.
وروى أبو الدرداء، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الْجِنَّ عَلَى ثَلاثَةِ أَصْنَافٍ، صنف حيات وعقارب وَخَشَاشِ الأَرْضِ، وَصِنْفٍ كَالرِّيحِ فِي الْهَوَاءِ، وَصِنْفٍ عَلَيْهِم الْحِسَابُ وَالْعِقَابُ.
وَخَلَقَ الإِنْسَ عَلَى ثَلاثَةِ أَصْنَافٍ: صِنْفٍ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَعْقِلُونَ بِهَا، وَصِنْفٌ أَجْسَادُهُمْ أَجْسَادُ بَنِي آَدَمَ وَأَرْوَاحَهُمْ أَرْوَاحُ الشَّيَاطِينَ، وَصِنْفٍ فِي ظِلِّ اللَّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهِ» [1] .
واختلف النَّاس هل يدخل مسلمو الجن الْجَنَّة؟ فَقَالَ الضَّحَّاك: يدخلون الْجَنَّة ويأكلون ويشربون.
وَقَالَ مجاهد: يدخلونها ولكن لا يأكلون فِيهَا ولا يشربون، يلهمون من التسبيح والتقديس مَا يجد أَهْل الْجَنَّة من لذيذ الطعام والشراب.
وَقَالَ ليث بْن أَبِي سليم: ثوابهم أَن يجاروا من النار، ويقال لَهُمْ: كونوا ترابا.
__________
[1] الحديث أخرجه ابن كثير في التفسير 7/ 467، والقرطبي في التفسير 1/ 318، 10/ 24.(1/175)
بَاب ذكر إِبْلِيس لعنه اللَّه [1]
اختلف الْعُلَمَاء، هل كَانَ من الجن أَوْ من الْمَلائِكَة عَلَى قولين [2] .
أحدهما: أَنَّهُ كَانَ من الْمَلائِكَة وأعظمهم قبيلة. وإن من الْمَلائِكَة قبيلة يقال لَهُمْ الجن، وكَانَ مِنْهُم، وَكَانَ [لَهُ] [3] سلطان سماء الدنيا، وَكَانَ لَهُ سلطان الأَرْض يسوس مَا بَيْنَ السماء وَالأَرْض، فعصى فمسخه اللَّه شيطانا رجيما [4] .
وَرَوَى الضَّحَّاك، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ من حي من أحياء الْمَلائِكَة يقال لَهُ الجن خلق من نار السموم من بَيْنَ الْمَلائِكَة، وخلق الْمَلائِكَة كلهم من نور غَيْر هَذَا الحي، وخلق الجن الَّذِين ذكروا فِي الْقُرْآن من مارج من نار، وأول من سكن الأَرْض الجن فأفسدوا فِيهَا وسفكوا الدماء، وقتل بَعْضهم بَعْضًا، فبعث اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إليهم إِبْلِيس فِي جند من الْمَلائِكَة يقال لَهُمْ الجن، فقتلهم إِبْلِيس ومن مَعَهُ حَتَّى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، فلما فعل ذَلِكَ اغتر فِي نَفْسه، فَقَالَ: لَقَدْ صنعت شَيْئًا لَمْ يصنعه أحد [5] .
وَقَالَ السدي، عَن أشياخه: كَانَ إِبْلِيسُ عَلَى ملك السماء الدنيا، وَكَانَ [مَعَ] ملكه خازنا، فوقع فِي صدره كبر، وَقَالَ: مَا أعطانا الله هذا إلا لمزية على الملائكة [6] .
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 130، وكنز الدرر 1/ 217.
[2] انظر: تفسير الطبري 1/ 502- 507.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] راجع تاريخ الطبري 1/ 81، ومرآة الزمان 1/ 131.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 84، وتفسير الطبري 1/ 455، طبقة المعارف وراجع حواشيه.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 85، والبداية والنهاية 1/ 55.(1/176)
وحكى أَبُو جَعْفَر الطبري أَن إِبْلِيس بعث حكما يقضي بَيْنَ الجن فِي الأَرْض فقضى بينهم بالحق ألف سَنَة فسمي حكما، فدخله الكبر فألقى بَيْنَ الَّذِينَ كَانَ حكم بينهم العداوة والبغضاء حَتَّى اقتتلوا، فبعث اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِم [نارا] فأحرقتهم، فعرج السماء، وأقام عِنْدَ الْمَلائِكَة يعَبْد اللَّهِ إِلَى أَن خلق آدَم. [1] والقول الثَّانِي: إنه كَانَ من الجن. قَالَ الْحَسَن: لَمْ يكن إِبْلِيس من الْمَلائِكَة قط.
وَقَالَ شَهْر بْن حوشب: كَانَ إِبْلِيسُ من الجن الَّذِينَ طردتهم الْمَلائِكَة، فأسره بَعْض الْمَلائِكَة فَذَهَبَ بِهِ إِلَى السماء [2] .
وَقَالَ سَعْد بْن مَسْعُود: كانت الْمَلائِكَة تقاتل الجن فسبي إِبْلِيس، وَكَانَ صغيرا، وَكَانَ مَعَ الْمَلائِكَة يتعبد معها، فلما أمروا أَن يسجدوا سجدوا وأبى إِبْلِيس [3] .
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ اسْمُهُ عَزَازِيلَ، ثُمَّ إِبْلِيسُ بَعْدُ.
وَقَالَ ابْن جريج: كَانَ اسم إِبْلِيس فِي السماء الْحَارِث.
وَقَدْ رَوَى ثور بْن يَزِيد، عَن خَالِد بْن معدان، قَالَ: خلق اللَّه إِبْلِيس من مارج من نار، فلما خلق علق فِي الهواء، فَقَالَ: يا هواء إِن كنت فوقي فارفعني إليك، وإن كنت أسفل مني فأهبطني إليك. فنودي: إِن اللَّه بكل مكان ومع كُل إنس وجان، فاصطكت أسنانه، وخرج من فِيهِ شرر خلق من كُل شررة شَيْطَان مخلد.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَان، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ الحداد، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ إِنَّ أَوَّلُ مَنْ مَاتَ إِبْلِيسَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ عَصَانِي، وَأَنَا أُعِدُّ مَنْ عَصَانِي من الموتى.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 88.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 87، في شرح قوله تعالى: كانَ من الْجِنِّ 18: 50 [الكهف 50] .
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 87.(1/177)
أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِم بن الحسن، قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن صفوان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر القرشي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يحيى العبديّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَن قَتَادَة، قَالَ: لما أهبط إِبْلِيس، قَالَ: يا رب قَدْ لعنته فَمَا عمله؟ قَالَ: السحر، قَالَ: فَمَا قرآنه، قَالَ: الشعر، قَالَ: فَمَا كتابه؟ قَالَ: الوشم، قَالَ: فَمَا طعامه؟ قَالَ: كُل ميتة وَمَا لَمْ يذكر اسم اللَّه، قَالَ: فَمَا شرابه؟ قَالَ: كُل مسكر، قَالَ: فأين مسكنه؟ قَالَ: الحمام، قَالَ:
فأين مجلسه؟ قَالَ: الأسواق، قَالَ: فَمَا مؤذنه؟ قَالَ: المزمار، قَالَ: فَمَا مصائده؟ قَالَ:
النِّسَاء.
قَالَ القرشي: وحدثنا بشير بْن الْوَلِيد الكندي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن طَلْحَة، عَن زبيد، عَن مجاهد، قَالَ: لإبليس خمسة من ولده [1] قَدْ جعل كُل واحد مِنْهُم عَلَى شَيْء من أمره، ثُمَّ سماهم فذكر بترو [2] ، والأعور، ومسوط، وداسم [3] ، وزلنبور.
فأما بتر فَهُوَ صاحب المصيبات الَّذِي يأمر بشق الجيوب، ولطم الخدود، ودعوى الجاهلية.
وَأَمَّا الأعور فَهُوَ صاحب الزنا [4] ، يأمر بِهِ ويزينه.
وَأَمَّا مسوط فَهُوَ صاحب الكذب الَّذِي يسمع فيلقي فيخبره بالخبر فيذهب الرجل إِلَى الْقَوْم فَيَقُول لَهُمْ: قَدْ رأيت رجلا أعرف وجهه، وَمَا أدري مَا اسمه حَدَّثَنِي بكذا وكذا، وما هو الأمر.
وَأَمَّا داسم فَهُوَ الَّذِي يدخل إِلَى أهله يريه العيب فيهم ويبغضه عَلَيْهِم [5] .
وَأَمَّا زلنبور فَهُوَ صاحب السرقي الَّذِي يركز رايته فِي السوق، ولا يزالون ملتطمين.
__________
[1] راجع زاد المسير للمصنف 5/ 154، والتبصرة 2/ 190، ومرآة الزمان 1/ 133.
[2] في المرآة 1/ 133: «ثبر» .
[3] في الأصل: اضطراب في العبارة.
[4] في زاد المسير: «صاحب الرياء» .
[5] في المرآة: «فيري الرجل عيوب أهله فيبغضهم إليه» .(1/178)
وَقَالَ حوشب بْن سَيْف، قَالَ: اسم الشَّيْطَان الَّذِي يفتن النَّاس فِي الأسواق فنحواص.
وَقَدْ رَوَى سَيْف، عَن مجاهد أَن إِبْلِيس نكح نَفْسه فباض خمس بيضات، فَهُمْ أولاده. وَهَذَا من أبعد الأقوال.
وَقَالَ عكرمة: من أولاد إِبْلِيس القعقاع.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني محمد بن المثنى، قال: حدثنا أبو دَاوُدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ/ عَنْ يونس بن عبد، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ عَتَّى، عَنْ أُبَيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لِلْوُضُوءِ شَيْطَانُ يُقَالُ لَهُ الْوَلْهَانُ، فَاتَّقُوهُ- أَوْ قَالَ: فَاحْذَرُوهُ» [1] .
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي: وَقَدْ قيل إِن أحد الشياطين يجيء فِي صورة طائر يقال لَهُ القرقصية يخفق بجناحه عَلَى عين الرجل الَّذِي يقرأ عَلَى أهله الفاحشة فلا ينكر بعد ذلك عليها.
__________
[1] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 5/ 136، والترمذي 1/ 61، وابن ماجة 34، والطيالسي 547، والحاكم في المستدرك 1/ 162، والبيهقي في السنن 1/ 197، وابن خزيمة في صحيحه 122.
وأورده المصنف في العلل، وقال: «قال الترمذي: حديث أبي غريب وليس إسناده بالقوي عند أهل الحديث، لا يعلم أحد بسنده غير خارجة، وخارجة ليس بالقوي عند أصحابنا، ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلّى الله عليه وسلم شيء قلت: خارجة ضعفه ابن المبارك والدار الدّارقطنيّ، وقال يحيى بن معين: ليس بثقة، وقال أحمد لابنه: لا تكتب عنه، وقال ابن حبان لا يحل الاحتجاج بغيره.
وقال ابن أبي حاتم في العلل 1/ 53: «رفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلم منكر» .(1/179)
بَاب ذكر أجناس الطير وحيوان البر والبحر
جميع أجناس الطير وجميع دواب الأَرْض كانت منتشرة فِي الأَرْض والهواء والبحار قبل آدَم عَلَيْهِ السَّلام.
قَالَ وهب بْن منبه: فأري حمل البحر النسر، قَالَ: يا خطيب الطير أحدث حدث، قال: نعم، خلق خلق من أمره كَذَا من صفته كَذَا يضعفه- يَعْنِي آدَم- غَيْر أَنَّهُ أعطي الرفق، فَقَالَ: ويحك إنه من أعطي الرفق استتر لَكَ من السماء واستخرجني من البحر.
قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر: لما أهبط آدَم إِلَى الأَرْض كَانَ فِيهَا نسر فِي البر، وحوت فِي البحر، وسيأتي هَذَا الْحَدِيث فِي انهباط آدم
.(1/180)
بَاب ذكر جهنم
قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن سلام: النار فِي الأَرْض.
وَمَا يدل عَلَى أَن النار فِي الأَرْض مَا أَخْبَرَنَاهُ هِبَةُ الله بن محمد، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفٌ- يَعْنِي ابْنَ خَلِيفَةَ- عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي خَازِمٍ، عن أبي هريرة، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَسَمِعْنَا وَجَبَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟» ، قلنا: الله ورسوله أَعْلَمُ، قَالَ: «هَذَا حَجَرٌ أُرْسِلَ فِي جَهَنَّمَ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَالآنَ انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا» . انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ [1] .
فَإِن [قيل] : كَيْفَ تكون جهنم في الأرض، وقد رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج؟
فجوابه من وجهين، أحدهما: أَنَّهُ رآها فِي الأَرْض فِي طريقه إِلَى بَيْت المقدس. وَقَدْ روينا عَن عُبَادَة بْن الصامت أنه رئي عَلَى سور بَيْت المقدس الشرقي يبكي، فقيل له في ذلك، فقال: هاهنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى [2] جهنم.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لا يمتنع فِي القدرة أَن يرى جهنم فِي الأَرْض وَهُوَ فِي السماء وَقَدْ بكى لَهُ بَيْت المقدس وَهُوَ بمكة فوصفه للقوم.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ الكروخي، قال: أخبرنا أبو عامر الأزدي، وأبو بَكْرٍ الْغُورْجِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَرَاحِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا المحبوبي، قال: حدثنا الترمذي، قال: حدثنا
__________
[1] الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، الجنة 31، وأحمد بن حنبل في المسند 2/ 371، والآجري في الشريعة 394.
[2] في الأصل (رأى) وصححت لاستقامة المعنى.(1/181)
عباس الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْف سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أُلْف سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ» [1] .
أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أحمد، قَالَ: حدثني أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عباس، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قَطَرَتْ فِي الأَرْضِ لأَمَّرَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعِيشَتَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ طَعَامُهُ وَلَيْسَ لَهُ طَعَامٌ غَيْرُهُ» [2] .
أنبأنا أحمد بن الحسين البناء، أَخْبَرَنَا عَنْهُ ابْن ناصر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الأبنوسي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن بْن أَخِي هما: قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن صفوان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر القرشي، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن سَعِيد الجوهري، قَالَ:
حَدَّثَنَا حجاج، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن جريج في قوله تعالى: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ 15: 44 [3] : أولها جهنم، ثُمَّ لظى، ثُمَّ الحطمة، ثُمَّ السعير، ثُمَّ السقر، ثُمَّ الجحيم، وفيها أَبُو جهل، ثُمَّ الهاوية.
قَالَ الْقُرَشِيُّ: وَحَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرِي مَا سعَةُ جَهَنَّمَ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: إِنَّ بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِ أَحَدِهِمْ وَبَيْنَ عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ سبعين خريفا يجري فيها أودية القيح والدم، قلت له: أنها، قَالَ: لا بَلْ أَوْدِيَةٌ.
قَالَ كعب: الفلق بَيْت فِي النار إِذَا فتح صاح منه جميع أَهْل النار.
وَقَالَ أَبُو المثنى الأملوكي: إِن فِي النار أقواما يربطون بنواعير من نار يدور بهم ملك النواعير، مَا لَهُمْ فيها راحة ولا فترة.
__________
[1] الحديث أخرجه الترمذي 2591، وابن ماجة 4320، والبيهقي في البعث 555، والطبراني في المعجم الكبير 19/ 235، وابن كثير في التفسير 4/ 129، 8/ 491، والسيوطي في الدر المنثور 1/ 36.
[2] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 1/ 338، وابن ماجة 4325، والمستدرك 2/ 294، والطبراني في المعجم الصغير 2/ 51، وابن كثير في التفسير 2/ 72، 7/ 17، والسيوطي في الدر المنثور 2/ 60.
[3] سورة: الحجر، الآية: 44.(1/182)
بَاب ذكر السماء والسموات [1]
قَالَ: لما خلق عَزَّ وَجَلَّ الماء ثار منه دخان فبنى منه السموات، وتمت وَمَا فِيهَا من الشمس والقمر والنجوم والأفلاك والملائكة فِي يومين بَعْد خلق الأرضين وَمَا فيهن فِي أربعة أَيَّام.
وَقَالَ أبو الخلد: والسماء موج مكفوف.
وَقَالَ كعب: السماء أشد بياضا من اللبن.
قَالَ القاسم بْن أَبِي برة: السماء بيضاء، ولكن من بَعْد ترى خضراء.
وَقَالَ إياس بْن مُعَاوِيَة: السماء عَلَى الأَرْض مثل القبة.
وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس [2] : السموات أولها موج مكفوف، وَالثَّانِيَة من صخر، والثالثة من حديد، والرابعة من صفر ونحاس، والخامسة من فضة، والسادسة من ذهب، والسابعة من ياقوتة حمراء.
وذكر أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن جَعْفَر [3] : أَن لا اخْتِلاف بَيْنَ الْعُلَمَاء فِي أَن السماء مثال الكرة، وأنها تدور بجميع مَا فِيهَا من الكواكب كدور الكرة عَلَى قطبين ثابتين غَيْر متحركين أحدهما فِي ناحية الشمال، والآخر فِي ناحية الجنوب.
ويدل عَلَى ذَلِكَ أَن الكواكب جميعا تبدو من المشرق فترتفع قليلا عَلَى ترتيب
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 134، وكنز الدرر 1/ 28.
[2] الخبر في التبصرة للمصنف 2/ 173، وعرائس المجالس 12، ومرآة الزمان 1/ 136.
[3] ذكره المصنف في التبصرة 2/ 173.(1/183)
واحد فِي حركاتها وتقادير أجرامها إِلَى أَن تتوسط السماء ثُمَّ تنحدر عَلَى ذَلِكَ الترتيب كأنها ثابتة فِي كرة تديرها جميعا دورا واحدا.
وَكَذَلِكَ أجمعوا عَلَى أَن الأَرْض بجميع أجرامها من البرد مثل الكرة، ويدل عَلَيْهِ أَن الشمس والقمر والكواكب لا يوحد طلوعها وغروبها عَلَى جميع من فِي نواحي الأَرْض فِي وقت واحد بَل عَلَى المشرق قبل المغرب، وكرة الأَرْض مثبتة فِي وسط كرة السماء كالنقطة من الدائرة يدل عَلَى ذَلِكَ أَن جرم كُل كوكب يرى فِي جميع نواحي السماء عَلَى قدر واحد، فيدل عَلَى ذَلِكَ أَن مَا بَيْنَ السماء وَالأَرْض من جميع الجهات بقدر واحد كاضطرار أَن تكون الأَرْض وسط السماء.
ذكر مَا بَيْنَ السماء والسماء [1]
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْقَاسِمِ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن جعفر، أخبرنا عبد الله بن أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ الْعَلاءِ، عَنْ عَمِّهِ شُعَيْبٍ بن خالد، قال: حدثني سماك بن حرب، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرَةَ، عَنْ عَبَّاسِ بن المطلب قال: كنا جلوسا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ، فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ، فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟» . قُلْنَا: السَّحَابُ، قَالَ: «وَالْمُزْنُ» قُلْنَا:
وَالْمُزْنُ، قَالَ: «وَالْعَنَانُ» . قَالَ: فَسَكَتْنَا، قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ؟» قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: «بينهما مسيرة خمسمائة سَنَةٍ، وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ/ مَسِيرَةُ خمسمائة سنة، وكثف كل سماء [2] خمسمائة سَنَةٍ، وَفَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِه وَأَعْلاه كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، ثُمَّ فَوْقَ ذلك ثمانية أو عال بَيْنَ ركبِهِنَّ وَأَظْلافِهِنَّ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آَدَمَ شَيْءٌ» [3] .
قَالَ الْعُلَمَاء: وَكَذَلِكَ الأرضون السبع فِي كثافتها وبعد مَا بين الواحدة والأخرى
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 142، وكنز الدرر 1/ 309.
[2] في المسند 1/ 206: «وكيف كل سماء» . وفي المرآة 1/ 142 والمختصر: «وكنف كل سماء» .
[3] الحديث فيه يحيى بن العلاء، كذاب، كذبه أحمد، ويحيى وغيره. قال في المرآة: فيه لفظ الفوقية، وقد فسرها أبو سليمان الخطابي، فقال: معنى الفوقية القهر والغلبة.(1/184)
فذلك مسيرة أربعة عشر ألف سِوَى مَا تَحْتَ الأَرْض من الظلمة والنور وَمَا فَوْقَ السموات من الحجب والظلمة إِلَى العرش، وَهَذَا عَلَى قدر سير الآدمي الضعيف، فأما الْمَلِك فَإِنَّهُ يجرد ذَلِكَ فِي ساعة.
وَقَدْ سأل ابن الكواء علي بن أبي طالب رضي الله عنه عَن مسافة ذَلِكَ، فَقَالَ: دعوة عَبْد صَالِح.
ذكر الشمس والقمر والنجوم [1]
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سِوَارٍ، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر بن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمُنَادِي، قَالَ: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن عبد العزيز بن مرداس، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ القرشي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ الصّلْتِ، حَدَّثَنَا جَارِيَةُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَمَّا أَبْرَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَلْقَهُ فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ آَدَمَ خَلَقَ شَمْسَيْنِ مِنْ نُورِ عَرْشِهِ فَأَمَّا مَا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنْ يَطْمسَهَا وَيُحَوِّلَهَا قَمَرًا فَإِنَّهُ خَلَقَهَا دُونَ الشَّمْسِ فِي الضَّوْءِ، وَلَوْ تَرَكَهَا شَمْسَيْنِ لَمْ يُعْرَفِ اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ، وَلَكَانَ الصَّائِمُ لا يَدْرِي إِلَى مَتَى يَصُومُ، فَأَرْسَلَ جِبْرِيلَ فَأَمَرَ جِنَاحَهُ عَلَى وَجْهِ الْقَمَرِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فَمَحَا عَنْهُ الضَّوْءَ، وَبَقِيَ فِيهِ النُّورُ، وَخَلَقَ لِلشَّمْسِ عَجَلَةً لَهَا ثَلاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ عروة، ووكل بها ثلاثمائة وَسِتِّينَ مَلَكًا قَدْ يَعْلقُ كُلُّ مَلَكٍ بِعُرْوَةٍ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُرِيَ الْعِبَادِ آَيَةً خَرَّتِ الشَّمْسُ عَنْ عجلتِهَا فَوَقَعَتْ فِي بَحْرٍ وَتَسْجُدُ الشَّمْسُ تَحْتَ الْعَرْشِ بِمِقْدَارِ اللَّيْلِ، ثُمَّ تُؤْمَرُ بِالطُّلُوعِ، فَإِذَا مَا دَنَتِ الْقِيَامَةُ جُعِلَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَتْبَعُهَا الْقَمَرُ ثُمَّ يَطْلُعَانِ مِنَ الْمَغْرِبِ ثُمَّ يُعُودُ إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ» [2] .
وَرَوَى طاووس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلسَّمَاءِ: «أَخْرِجِي شَمْسَكِ وَقَمَرَكِ وَنُجُومَكَ» ، وَقَالَ لِلأَرْضِ: «شَقِّقِي أَنْهَارَكِ وَأَخْرِجِي ثِمَارَكِ» فَقَالَتَا: أتينا طائعين.
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 143، وكنز الدرر 1/ 40.
[2] الحديث أخرجه القرطبي في تفسيره 10/ 228.(1/185)
وَقَدْ أشكل هَذَا قوم غلبت عَلَيْهِم الظواهر، وقل فهمهم، وظنوا أَنَّهُ قَوْل السماء حقيقة، وأنها أخرجت شمسها بفعل، وَهَذَا سوقهم، لأن قَوْله أتيا طوعا معناه كونا بتكويننا، وَهُوَ تقريب إِلَى الأفهام تقريره لا بد من فعل مَا يريده لو قدرنا أَن السماء موجودة أَن يوافق أَوْ يخالف، ويوضح هَذَا أنهما إِن كانتا حالة الْخَطَّاب معدومتين، فالمعدوم لا يخاطب، وإن كانتا موجودتين استغنتا بوجودهما عَن التكوين، ثُمَّ أي قدرة لهما فِي إخراج شمس أَوْ قمر، وهل خالق إلا اللَّه، وإنما المراد كوني بتكويني إياك، ومثله [قَوْله] [1] تَعَالَى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 16: 40 [2] . وقوله:
كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ 2: 65 [3] . كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً 17: 50 [4] ، وَهَذَا من توسع العرب فِي الْخَطَّاب يقصدُونَ بِهِ إعلام المخاطب بسرعة التكوين.
قَالَ مجاهد [فِي] [5] قَوْله تَعَالَى: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ 55: 17 [6] قَالَ:
مشرق الشتاء ومشرق الصيف، ومغرب الشتاء ومغرب الصيف.
قَالَ ابْن عَبَّاس: يطلع كُل سنة في ثلاثمائة وستين كوة، كُل يَوْم فِي كوة فلا يرجع إِلَى تلك الكوة فِي ذَلِكَ اليوم من العام للمقبل.
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى الشَّمْسَ حِينَ غَابَتْ فَقَالَ:
«فِي نَارِ اللَّهِ الْحَامِيةَ لَوْلا مَا يَزِعَّهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لأَهْلَكَتْ مَا عَلَى الأَرْضِ» [7] .
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن جَعْفَر: قَدْ نظر بَعْض النَّاس أَن ذَلِكَ دعاء على الشمس، وليس كذلك، إنما هُوَ وصف للعين الَّتِي تواري الشمس فِي قوله تعالى:
تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ 18: 86 [8] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] سورة: النحل، الآية: 40.
[3] سورة: البقرة، الآية: 65، سورة: الأعراف، الآية: 166.
[4] سورة الإسراء، الآية: 50.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] سورة: الرحمن، الآية: 38.
[7] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 2/ 207، وابن كثير في البداية 2/ 107، وفي التفسير 5/ 188، والطبري في التفسير 16/ 10.
[8] سورة: الكهف، الآية: 86.(1/186)
قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب: إِن الشمس إِذَا أرادت أَن تطلع تقاعست كرامة أَن تعبد من دون الله فيدفعها ثلاثمائة وستون ملكا.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لا تطلع إلا وَهِيَ كارهة، تقول: يا رب لا تطلعني عَلَى عبادك فإني أراهم يعصونك.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْخَطَّابِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ بِشْرَانِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ خُرَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حدثنا أبو الْيَمَانُ، حَدَّثَنَا عُمَيْرُ بْنُ الْمَعْدَانِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وُكِّلَ بِالشَّمْسِ سَبْعَةُ أَمْلاكٍ يَرْمُونَهَا بِالثَّلْجِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْلا ذَلِكَ مَا أَتَتْ عَلَى شَيْءٍ إِلا أَحْرَقَتْهُ» [1] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أعين، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد حِينَ وجبَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ الشَّمْسُ؟» قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ بَيْنَ يَدِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَسْتَأْذِنُ فِي الرِّجُوعِ فيؤذن لَهَا وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا: ارْجِعِي حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلعُ مِنْ مَغْرِبِهَا» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [2] .
قَالَ ابْن عقيل: قَدْ ذكر أَصْحَاب علوم الهندسة أَن بَعْد الشمس من الأَرْض أربعة آلاف وثمانمائة وعشرون ألف ميل ونصف. وذكروا أَن جرم القمر جزء من تسعة وثلاثين جزءا من الأَرْض، وأن المشتري أَعْظَم من الأَرْض، يَزِيد جرمه عَلَى جرم الأَرْض مائتين وثمانين مرة ونصف وربع. وزحل أَعْظَم من الأَرْض تسعة وسبعين مرة ونصف. وأما
__________
[1] حديث أورده المصنف في العلل المتناهية 1/ 46 والموضوعات 1/ 140، وابن حبان في المجروحين 1/ 288، والخطيب 2/ 151، 315، وانظر أيضا: كشف الخفا 2/ 475.
[2] الحديث في صحيح البخاري، توحيد 22، وصحيح مسلم، ايمان 250، ومسند أحمد بن حنبل 5/ 152، 177، والأسماء والصفات للبيهقي 393، وتفسير الطبري 6/ 352، 562، 8/ 71، 23/ 5، وتفسير ابن كثير 5/ 398، وسنن الترمذي 2186، وزاد المسير 4/ 454، والدر المنثور 5/ 263.(1/187)
الكواكب الثابتة فأعظمها الخمسة عشر العظام نيرة مثل الشعرى والسماك، وقلب الأسد، يكون جرم كُل كوكب منها أَعْظَم من الأَرْض بأربع وسبعين مرة ونصف.
ذكر الْبَيْت المعمور [1]
اختلف العلماء في أي سما، وَهُوَ عَلَى ثلاثة أقوال:
أحدها: فِي السماء السابعة. رواه أَنَس عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يدل عَلَيْهِ مَا.
أَخْبَرَنَا بِهِ عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا همام، عن قتادة، عن أنس بن مالك بن صعصعة، أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم عن لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ فَذكر صُعُودَهُ مِنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، قَالَ: ثم رفع إلى بيت المعمور، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يَعُودُونَ فِيهِ [2] . القول الثَّانِي: إنه فِي السماء الدنيا، رواه أَبُو هُرَيْرَة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابن عباس: هُوَ حيال الكعبة، ويسمى الصراح.
وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس: كَانَ الْبَيْت المعمور مكان الكعبة فِي زمان آدَم، فلما كَانَ/ زمن نوح أمر النَّاس بحجه فعصوه، فلما طفى الماء رفع فجعل بحذاء الْبَيْت فِي السماء الدنيا.
والقول الثالث: إنه فِي السماء السادسة، قاله عَلِي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
ذكر مَا بَعْد السموات السبع
من ذَلِكَ سدرة المنتهى، وَهِيَ بَعْد السماء السابعة، وَقَدْ قيل أَنَّهَا فِي السادسة، والأول أصح.
__________
[1] تفسير الطبري 27/ 17، وزاد المسير 46- 47، والبداية والنهاية 1/ 41، ومرآة الزمان 1/ 166، وكنز الدرر 1/ 54.
[2] الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 4/ 133 وما بعدها، وأحمد بن حنبل في المسند 3/ 153.(1/188)
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أحمد، قال: حدثني أَبِي، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هُدْبَةَ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، أن النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر مِعْرَاجَهُ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةَ، ثم قَالَ: «ثُمَّ رُفِعْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْتُهَا مِثْلُ قلالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آَذَانِ الْفِيَلَةِ» . قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عدي، عن طلحة، عن مرة، عن عبد الله، قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا، فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُوْرَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لا يُشْرِكُ باللَّه مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا الْمُقْحِمَاتُ» [1] .
هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ، وَالَّذِي قَبْلَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ثُمَّ الكرسي [2] .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا السَّمَوَاتِ السَّبْعِ فِي الْكُرْسِيِّ إِلا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي أَرْضِ فَلاةٍ» [3] .
ثُمَّ العرش [4]
رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ سَعْدٍ الطَّائِيِّ، قَالَ: الْعَرْشُ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ.
ذكر الْمَلائِكَة
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا عبد
__________
[1] الحديث أخرجه مسلم في الإيمان، الباب 75، حديث 1، والترمذي في التفسير، سورة النجم، حديث 1، والنسائي في الصلاة، الباب 1، حديث 4.
[2] تفسير الطبري 5/ 397، والبدء والتاريخ 1/ 164، والبداية والنهاية 1/ 9- 14، ومرآة الزمان 1/ 169، وكنز الدرر 1/ 57.
[3] الحديث أخرجه ابن حبان (موارد الظمآن 94) ، وابن عساكر 6/ 356، وابن الجوزي في زاد المسير 1/ 304، والسيوطي في الدر المنثور 3/ 298.
[4] راجع البدء والتاريخ 1/ 165، وتهذيب تاريخ ابن عساكر 3/ 123.(1/189)
اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُلَقِتِ الْمَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ» . انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ.
ذكر حملة العرش
من أَعْظَم الْمَلائِكَة خلقا. حملة العرش، وعددهم اليوم أربعة، أحدهم عَلَى صورة البشر قَدْ وكل بالدعاء لنسل الآدمي، والآخر عَلَى صورة النسر وَقَدْ وكل بالدعاء لأجناس الطير، والآخر عَلَى صورة الثور قَدْ وكل بالدعاء لنسل البهيمي، والآخر عَلَى صورة السبع قَدْ وكل بالدعاء لأجناس السباع، فَإِذَا جاءت الْقِيَامَة صاروا ثمانية، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ 69: 17 [1] .
وَقَدْ قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر: ثمانية صفوف من الْمَلائِكَة.
وَقَدْ رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وَصَفَ أَحَدُ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، فَقَالَ:
«قَدَمَاهُ عَلَى الأَرْضِ السَّابِعَةِ مِنَ الأَرْضِينِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ الطَّيْرَ سُخِّرَتْ مَا بَيْنَ أَصْلِ عُنُقِهِ إِلَى مُنْتَهَاهَا مِنْ رَأْسِهِ لَحَفَّفَتْ فيه سبعمائة عَامٍ قَبْلَ أَنْ تَقْطَعَهُ» . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنِ عِيسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ عَبْدِ اللَّهِ بن محمد الأنصاري، أخبرنا إسحاق بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَارِثِ عَلِيُّ بْنِ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد بن الْحَسَنُ الشَّرْقِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُتْبةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ مَا بين شحمة اذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سَنَةٍ» [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْن إِبْرَاهِيمَ النَّيْسَابُورِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إبراهيم بن إسحاق الأنماطي، حدثنا
__________
[1] سورة: الحاقة، الآية: 17.
[2] الحديث في سنن أبي داود 4727، والأحاديث الصحيحة 151، وحلية الأولياء 15813، والمطالب العالية 3449، وتاريخ بغداد 10/ 195، ومجمع الزوائد 1/ 80، 8/ 135، والبداية والنهاية 1/ 13، 43، وتفسير ابن كثير 8/ 239، والدر المنثور 5/ 346.(1/190)
أَبُو الْفَضْلِ سَهْلٌ الأَعْرَجُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيْدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ، عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ قَدْ لَزِقَتْ رِجْلاهُ الأَرْضَ وَعُنُقُهُ مَثْنِيَّةٌ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَكَ رَبَّنَا، قَالَ: فَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا يعلمُ ذَلِكَ الَّذِي يخلفُ بِهِ كَاذِبًا» .
ذكر الْمَلِك المسمى بالروح
قَدْ روينا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ ملك من الْمَلائِكَة لَهُ سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لغة يسبح اللَّه بتلك اللغات كلها ويخلق من كُل تسبيحة ملك يطير مَعَ الْمَلائِكَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
ذكر جبريل عَلَيْهِ السَّلام [1]
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ الْبَطِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رِزْقَوَيْهِ، حَدَّثَنَا عثمان بن أحمد الدَّقَّاقِ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْبَلِيُّ، حَدَّثَنَا الْعَلاءُ بْنُ عَمْرٍو الْخُرَاسَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْحَكَمِ الْعَرَبِيُّ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ فَيَهْبِطُ فِي وَكِيلِهِ مِنَ الْمَلائِكَةِ وَلَهُ ستّمِائَةُ جَنَاحٍ مِنْهَا جَنَاحَانِ لا يَنْشُرُهُمَا إِلا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَيَنْشُرُهُمَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَيُجَاوِزَانِ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ» .
ذكر إسرافيل [2]
رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «إِنَّ مَلَكًا مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى يُقَالُ لَهُ إِسْرَافِيلُ يَحْمِلُ زَاوِيَةً مِنْ زَوَايَا الْعَرْشِ عَلَى كَاهِلِهِ، وَقَدَمَاهُ فِي الأَرْضِ السُّفْلَى قَدْ رَنقَ رَأْسَهُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ» [3] .
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن جَعْفَر: والملائكة خلقت من نور، وَقَدْ قيل إِن المستأنف منها يخلق من دموع إسرافيل.
__________
[1] البداية والنهاية 1/ 43، وكنز الدرر 1/ 60، ومرآة الزمان 1/ 60.
[2] البداية والنهاية 1/ 45، وكنز الدرر 1/ 62، ومرآة الزمان 1/ 174.
[3] حديث: أخرجه أبو نعيم في الحلية 6/ 66، والسيوطي في الدر المنثور 5/ 347.(1/191)
ذكر أصناف الْمَلائِكَة [1]
رَوَى معدان بْن أَبِي طَلْحَة، عَن عُمَر البكالي قَالَ: قَالَ عَبْد الله بن عمرو بن العاص: الملائكة عشرة أجزاء، الكروبيون الَّذِينَ يسبحون الليل والنهار لا يفترون تسعة أجزاء وجزء واحد الَّذِين وكلوا بخزانة كُل شَيْء، والملائكة والجن عشرة أجزاء تسعة أجزاء الملائكة وجزء واحد الجن، والجن والإنس عشرة أجزاء، فتسعة أجزاء الجن وجزء واحد الإنس، فإذا ولد واحد من الإنس ولد تسعة من الجن، والإنس عشرة أجزاء، يأجوج ومأجوج وجزء واحد سائر الإنس، وَمَا من السماء موضع إهاب إلا عَلَيْهِ ملك ساجد أَوْ قائم.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْقَنْوَجِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ المازني، حدثنا أبو علي الحسين بن القاسم الْكَوْكَبِيُّ، / حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَة الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، عَنْ أبيه، قال: لما خلق الله عَزَّ وَجَلَّ الْمَلائِكَةَ وَاسْتَووا عَلَى أَقْدَامِهِمْ رَفَعُوا رءوسهم إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالُوا: رَبَّنَا مَعَ [مَنْ] أَنْتَ؟ قَالَ: مَعَ الْمَظْلُومِ حَتَّى يُؤَدَّى إِلَيْهِ حُقُهُ.
ذكر أعمال الْمَلائِكَة
جمهور الْمَلائِكَة مشغولون بالتعبد، كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ 21: 20 [2] . فمنهم قيام فِي التعبد، وَمِنْهُم ركوع وَمِنْهُم سجود، وكل من رتب لعبادة فَهُوَ مقيم عَلَيْهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حدثني أَبِي، حَدَّثَنَا أَسْوَدُ، عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَن مُجَاهِدٍ، عَنْ مُوَرِّقٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَونَ وَأَسْمَعُ
__________
[1] البداية والنهاية 1/ 49- 54، ومرآة الزمان 1/ 175- 179.
[2] سورة: الأنبياء، الآية: 20.(1/192)
مَا لا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ فَمَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعٍ- يَعْنِي أَصَابِعَ- إِلا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ، وَمِنَ الْمَلائِكَةِ مُوَكَّلٌ بِعَمَلٍ فَمِنْهُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ قَدْ وُكِّلُوا لِحَمْلِهِ، جِبْرِيلُ هُوَ صَاحِبُ الْوَحِي وَالْغِلْظَةِ، فَهُوَ يَنْزِلُ بِالْوَحْي وَيَتَوَلَّى إِهْلاكِ الْمُكَذِّبِينَ، وَمِيكَائِيلُ صَاحِبُ الرِّزْقِ وَالرَّحْمَةِ وَإِسْرَافِيلُ صَاحِبُ اللَّوْحِ وَالصُّورِ، وَعَزْرَائِيلُ قَابِضُ الأَرْوَاحِ وَلَهُ أَعْوَانٌ وَهَؤُلاءِ الأَرْبَعَةُ هُمُ الْمُقَسَّمَاتُ أَمْرًا. وَمِنْهُمْ كُتَّابٌ عَلَى بَنِي آَدَمَ، وَهُم الْمُعَقِّبَاتُ مَلَكَانِ فِي اللَّيْلِ وَمَلَكَانِ فِي النَّهَارِ» [1] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ. قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاق، حدثنا معمر بن هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «وَالْمَلائِكَةُ يَتَعَاقُبُونَ فِيكُمْ، مَلائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلائِكَةُ النَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرِجُ إِلَيْهِ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ: كَيْفَ تركتم عبادي؟ فقالوا: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
رَوَى أَبُو أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ كَاتِبُ الْحَسَنَاتِ عَلَى يَمِينِ الرَّجُلِ وَكَاتِبُ السَّيِّئَاتِ عَلَى يَسَارِهِ، وَكَاتِبُ الْحَسَنَاتِ أَمِيرٌ عَلَى كَاتِبِ السَّيِّئَاتِ، فَإِذَا عَمَلَ حَسَنَةً كتبها له صاحب اليمين عشرا، وَإِذَا عَمَلَ سَيِّئَةً فَأَرَادَ صَاحِبُ الشِّمَالِ أَنْ يَكْتُبَهَا، قَالَ صَاحِبُ الْيَمِينِ: أَمْسِكْ فَيُمْسِكْ عَنْهُ سبع سَاعَاتٍ، فَإِنِ اسْتَغْفَرَ مِنْهَا لَمْ تُكْتَبْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْفِرْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ» [1] .
وَفِي حَدِيث عَلِي عَلَيْهِ السَّلام إِن مقعد الملكين عَلَى الثنيتين. وَقَالَ الْحَسَن: إِن مجلسيهما تَحْتَ الشعر عَلَى الحنك.
ومن الْمَلائِكَة من قَدْ وكل بالشمس وَمِنْهُم موكل بالقطر، والرعد صوت ملك يزجر
__________
[1] الحديث أخرجه الترمذي 2312، وابن ماجة 4190، وأحمد بن حنبل 5/ 173، والحاكم في المستدرك 2/ 510، 4/ 544، 579، وابن كثير في التفسير 8/ 295، وأبو نعيم في الحلية 2/ 238، والسيوطي في الدر المنثور 3/ 265، 5/ 293، 6/ 297، وابن كثير في البداية 1/ 42.(1/193)
والسحاب والبرق ضربه إياه بمخاريق، وَمِنْهُم موكل بالرياح والأشجار.
رَوَى مُجَاهِدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ خَلْقِ اللَّهِ أَكْثَرَ من الملائكة ليس من شجرة إلا معها مُوَكَّلٌ بِهَا.
وَمِنْهُم ملكان يَقُول أحدهما: اللَّهمّ اعط منفقا مالا خلفا، وَيَقُول الآخر: اللَّهمّ اعط ممسكا تلفا. وملكان يَقُول أحدهما: يا باغي الخير أبشر، وَيَقُول الآخر: يا باغي الشر أقصر.
وَمِنْهُم مَلائِكَة يساحون فِي الأَرْض يتبعون مجالس الذكر، وملائكة يبلغون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أمته السَّلام. وملائكة موكلون بمكة والمدينة ليمنعوا عَنْهَا الدجال إِذَا خرج.
ومن الْمَلائِكَة من هُوَ مشغول بغرس شجر الْجَنَّة.
قَالَ الْحَسَن [1] : إن أحدهم ليفتر، فيقال له: مالك، فَيَقُول: فتر صاحبي من العمل.
وَكَانَ الْحَسَن يَقُول: أمدوهم رحمكم اللَّه.
وَمِنْهُم موكل بصياغة حلي الْجَنَّة.
رَوَى شمر بْن عطية، عَن كعب، قَالَ: إِن فِي الْجَنَّة ملكا يصوغ حلية أَهْل الْجَنَّة منذ خلق إِلَى أَن تقوم الساعة، لو شئت أَن أسميه لسميته، ولو أَن قلبا منها خرج لرد شعاع الشمس [2] .
قَالَ مؤلف الكتاب: فلو ذهبنا نكتب كُل شَيْء من هَذَا طال ذَلِكَ.
ذكر تسبيح الْمَلائِكَة
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر، أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن مُحَمَّد، أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن مالك، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، أخبرنا أبو
__________
[1] الخبر في التبصرة 2/ 176، ومرآة الزمان 1/ 178 أتم من ذلك، ونصه: «روي عن الحسن أنه قال: «إن في الجنة قيعانا تغرسها الملائكة حتى إنّ أحدهم ليفتر من الغرس، فيقول له صاحبه: مالك فترت؟
فيقول: فتر صاحبي من العمل. فكان الحسن يقول: أمدوهم بالبذر فهذا أوان الزرع» .
[2] الخبر في التبصرة 2/ 176، والمرآة 1/ 179(1/194)
المغيرة، حَدَّثَنَا صفوان بْن عَمْرو، قَالَ: سمعت خَالِد بْن معدان، يَقُول: إِن للَّه عَزَّ وجل ملائكة أربعة يسبحون تَحْتَ العرش يسبح بتسبيحهم أَهْل السموات، يقول الأول:
سبحان ذي الملك والملكوت، وَيَقُول الثَّانِي: سبحان ذي العزة والجبروت، وَيَقُول الثالث: سبحان الحي الَّذِي لا يموت، وَيَقُول الرابع: سبحان الذي يميت الخلق ولا يموت.
وقال هارون بن رباب: حملة العرش ثمانية يتجاوبون بصوت رخيم، يَقُول أربعة: سبحانك وبحمدك عَلَى حلمك بَعْد علمك، وَيَقُول الأربعة الأخرى: سبحانك ويحمدك عَلَى عفوك بَعْد قدرتك.
قَالَ سَعِيد بْن جبير [1] : أتى جبريل رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: إِن أَهْل السماء الدنيا سجود إِلَى يَوْم القيامة، يقولون: سبحان ذي الْمَلِك والملكوت، وأهل السماء الثَّانِيَة ركوع إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يقولون سبحان ذي العزة والجبروت، وأهل السماء الثالثة قيام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يقولون: سبحان الحي الَّذِي لا يموت.
وَقَدْ روينا أَن فِي الْمَلائِكَة ملكا نصفه من نار ونصفه من ثلج، وَهُوَ يَقُول: يا من ألف بَيْنَ الثلج والنار فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفئ النار ألف بين عبادك المؤمنين.
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 175، والبداية والنهاية 1/ 49- 54.(1/195)
بَاب ذكر الْجَنَّة [1]
الْجَنَّة والنار مخلوقتان قبل آدَم. قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن سلام: والجنة فِي السماء.
ويدل عَلَيْهِ قَوْله: عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى () عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى 53: 14- 15 [2] .
وقال مجاهد: وَفي السَّماءِ رِزْقُكُمْ 51: 22 [3] ، قال: المطر، وَما تُوعَدُونَ 51: 22 [4] قَالَ: الْجَنَّة.
ويدل عَلَى أَن الْجَنَّة قَدْ خلقت قَوْله تَعَالَى: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ 2: 35 [5] .
وقد روى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ عَرْشُ اللَّهِ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ اتَّخَذَ جَنَّةً، ثُمَّ اتَّخَذَ دُونَهَا أُخْرَى ثُمَّ أَطْبَقَهَا/ بِلُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ: وَمن دُونِهِما جَنَّتانِ 55: 62 [6] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيُنَ، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا رَوحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظلها مائة عام لا يقطعها» [7] .
__________
[1] كنز الدرر 1/ 65، ومرآة الزمان 1/ 180.
[2] سورة: النجم، الآية: 14- 15.
[3] سورة: الذاريات، الآية: 22.
[4] سورة: الذاريات، الآية: 22.
[5] سورة: البقرة، الآية: 35، وسورة: الأعراف، الآية: 19.
[6] سورة: الرحمن، الآية: 62.
[7] الحديث أخرجه البخاري 4/ 144، 6/ 183، 8/ 142، ومسلم، الجنة 6، 7، 8، والترمذي 2523،(1/196)
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ مَالِكٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو قُدَامَةَ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ أَرْبَعٌ: ثِنْتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آَنِيَتُهُمَا وَحِلْيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَثِنْتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آَنِيَتُهُمَا وَحِلْيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَلَيْسَ بَيْنَ الْقَوْمِ أَنْ يَنْظُروا إلى ربهم عز وجل إلى رداء الكبرياء على وجهه عز وجل فِي جَنَّةِ عَدْنٍ» [1] .
قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ، حَدَّثَنَا سَعْدُ أَبُو مُجَاهِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُدَلَّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَة يقول: قلنا: يا رسول الله حَدَّثَنَا عَنِ الْجَنَّة مَا بِنَاؤُهَا؟ قَالَ: لَبِنَتُهَا فِضَّةٌ، وَمَلاطُهَا الْمِسْكُ الأَذْخَرُ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ، مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ لا يَبْؤُسُ، وَيَخْلُدُ لا يَمُوتُ، لا يُبْلَى ثِيَابَهُ وَلا يُفْنَى شَبَابَهُ» [2] .
هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ، وَاللَّذَانِ قَبْلَهُ في الصحيحين.
__________
[ () ] 3293، وأحمد بن حنبل 1/ 56، 2/ 404، وابن كثير في التفسير 7/ 483، 8/ 6، والسيوطي في الدر المنثور 6/ 157.
[1] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل 4/ 416 والبيهقي في البعث 239، وابن الجوزي في زاد المسير 5/ 199، والطبري في تفسيره 16/ 30، والهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 397.
[2] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 3/ 152، 247.(1/197)
بَاب ذكر آدَم عَلَيْهِ السَّلام [1]
رَوَى السدي عَنْ أشياخه، قَالَ: بعث اللَّه عَزَّ وَجَلَّ جبرئيل إِلَى الأَرْض ليأتيه بطين منها، قَالَتْ الأرض: إني أعوذ باللَّه منك أَن تنقص مني أَوْ تشينني، فرجع وَلَمْ يأخذ، وَقَالَ: رب إنها عاذت بك فأعذتها. فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها، فبعث ملك الْمَوْت فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذ باللَّه أَن أرجع، وَلَمْ أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأَرْض وخلط، فلم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدَم مختلفين. فصعد بِهِ، فبل التراب حتى عاد طينا، ثُمَّ ترك حَتَّى تغير وأنتن، وهو قوله: من حَمَإٍ مَسْنُونٍ 15: 26 [2] ، قَالَ: منتن [3] .
وَقَدْ رَوَى سَعِيد بْن جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بعث رب العزة إِبْلِيس فأخذ من أديم الأَرْض، ومن عذبها ومن ملحها، فخلق آدَم، فمن ثُمَّ سمي آدَم، لأنه خلق من أديم الأَرْض، ومن ثم قال إبليس: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً 17: 61 [4] ، أي هذه الطينة أنا جئت بها [5] .
وَقَدْ رواه ابْن جُبَيْر عَنْ ابْن مَسْعُود.
فَأَخْبَرَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو محمد الجوهري، أخبرنا أبو عمر بْن حيوية، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، أخبرنا
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 89 وما بعدها، وتهذيب تاريخ ابن عساكر 2/ 241، والكسائي 23، وعرائس المجالس 24، والبداية والنهاية 1/ 68، ومروج الذهب للمسعوديّ، والكامل في التاريخ لابن الأثير 1/ 26 وما بعدها.
[2] سورة: الحجر، الآية: 26.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 90، وقارن بالثعلبي في عرائس المجالس 26، ومرآة الزمان 1/ 188.
[4] سورة: الإسراء، الآية: 61.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 90، 91، وفي تفسير الطبري 15/ 80.(1/198)
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الأَشْقَرُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقميُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ إِبْلِيسَ فَأَخَذَ مِنْ أَدِيمِ الأَرْضِ مَنْ عَذْبِهَا وَمَالِحِهَا، فَخَلَقَ مِنْهُ آَدَمَ، فَكُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ عَذْبِهَا فَهُوَ صَائِرٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ ابْنَ كَافِرٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ مَالِحِهَا فَهُوَ صَائِرٌ إِلَى النَّارِ وَإِنْ كَانَ ابْنَ نَبِيٍّ. قَالَ: فَمِنْ ثُمَّ قَالَ إِبْلِيسُ: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً 17: 61 [1] ، لأَنَّهُ جَاءِ بِالطِّينَةِ، وَسُمِّيَ آَدَمُ لأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الأَرْضِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِّ، أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيُنَ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ قَسَّامِ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَم مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آَدَمَ عَلَى قدر الأرض، جاء مِنْهُمْ الأَبْيَضُ، وَالأَحْمَرُ، وَالأَسْوَدُ، وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالْخَبِيثُ، وَالطَّيِّبُ، وَالسَّهْلُ، وَالْحَزَنُ وَبَيْنَ ذَلِكَ» [2] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، حدثني أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي لُبَابَةَ الْبَدْرِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«سَيِّدُ الأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَأَعْظَمُهَا عِنْدَهُ، وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الأَضْحَى [3] ، وَفِيهِ خَمْسُ خِلالٍ: خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ آَدَمَ، وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آَدَمَ إِلَى الأَرْضِ، وَفِيهِ تُوفِّيَ آَدَمُ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَسْأَلُ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إِلا أَتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ ما لم
__________
[1] سورة: الإسراء، الآية: 61.
[2] الحديث: أخرجه الطبري في تاريخه 1/ 91، 92، والترمذي في سننه وقال: هذا حديث حسن صحيح 2955، وابن سعد في الطبقات 1/ 26، والطبري في التفسير 1/ 481، أحمد بن حنبل في المسند 4/ 400، 406، وأورده الثعلبي في العرائس 27، وسبط ابن الجوزي في المرآة 1/ 188، وأخرجه أبو داود 4693، والحاكم في المستدرك 2/ 61، وابن الجوزي في زاد المسير 1/ 62، وابن عساكر 2/ 341.
[3] في الطبري: «ويوم النحر» .(1/199)
يَسْأَلْ حَرَامًا [1] ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلا رِيَاحٍ وَلا جِبَالٍ وَلا بَحْرٍ إِلا وَهُنَّ يَسْتَغْفِرُونَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» [2] .
قَالَ أَحْمَد: وَحَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد، عَنْ عَمْرو بْن شُرَحْبِيل بْن سَعْد بْن عُبَادَة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَن رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، مَاذَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ؟ قَالَ: «فِيهِ خَمْسُ خِلالٍ:
فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ آَدَمُ، وَفِيهِ تُوُفِّيَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَسْأَلُ عَبْدٌ فِيهَا شَيْئًا إِلا أَتَاهُ اللَّهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ مَأْثَمًا أَوْ قَطِيعَةَ رَحِمٍ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلا سَمَاءٍ وَلا أَرْضٍ وَلا جِبَالٍ وَلا حَجَرٍ إِلا وَهُوَ يُشْفِقُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» [3] .
فصل
فلما صور اللَّه تَعَالَى آدَم تركه أربعين ليلة جسدا ملقى لا روح فِيهِ، هكذا رواه الضَّحَّاك عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [4] .
وقال السدي عن أشياخه: بقي جسدا بَيْنَ طين وماء أربعين سَنَة. والمراد بِذَلِكَ من أعوامنا [5] .
وَقَدْ رَوَى أَبُو عُثْمَان النهدي، عَنْ سلمان الفارسي، قَالَ: خمر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ طينة آدَم أربعين يوما. فعلى هَذَا يَكُون التخمير قبل التصوير [6] .
وَقَدْ روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «في يوم الجمعة خلق آدم» [7] .
__________
[1] في الطبري: «ما لم يكن حراما» .
[2] في الطبري: «ولا بحر إلا وهو مشفق من يوم الجمعة، أن تقوم فيه الساعة» .
والحديث في تاريخ الطبري 1/ 113، ومرآة الزمان 1/ 188، وأحمد بن حنبل في المسند 3/ 430، والحاكم في المستدرك 1/ 277، وابن أبي شيبة 2/ 149، وابن خزيمة 1/ 172، والدر المنثور 6/ 216، 218، ومجمع الزوائد 2/ 163، 164.
[3] الحديث في تاريخ الطبري 1/ 114.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 92، وفي تفسيره 27/ 73.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 93.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 93.
[7] سبق تخريج الخبر في الفصل السابق.(1/200)
وَقَالَ مجاهد: خلق بَعْد كُل شَيْء آخر النهار من يَوْم الجمعة.
فصل
رَوَى السدي عَنْ أشياخه، قَالَ: لما أراد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَن ينفخ فِيهِ الروح، قَالَ للملائكة: فَإِذَا نفخت فِيهِ من روحي فقعوا لَهُ ساجدين. فنفخ فِيهِ الروح فدخل فِيهِ الروح من رأسه فعطس، فَقَالَتْ لَهُ الْمَلائِكَة: قل الحمد للَّه، فَقَالَ: الحمد للَّه، فَقَالَ اللَّه: رحمك ربك، فلما دخل الروح فِي عينيه نظر إِلَى ثمار الْجَنَّة، فلما دَخَلَ فِي جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أَن تبلغ الروح رجليه عجلان، فذلك قَوْله: خُلِقَ الْإِنْسانُ من عَجَلٍ 21: 37 [1] . فسجد الْمَلائِكَة كلهم أجمعون إلا إِبْلِيس [2] .
وَرَوَى الضَّحَّاك، فَقَالَ: أتته النفخة من قبل رأسه، فجعل لا يجري فِي شَيْء من جسده إلا صار لحما ودما، فلما انتهت النفخة إِلَى سرته فنظر إِلَى جسده فأعجبه، فَذَهَبَ لينهض فلم يقدر، فَلَمَّا تمت النفخة عطس، فَقَالَ: الحمد للَّه، فَقَالَ لَهُ ربه:
يرحمك ربك [3] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ/ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بن حنبل، قال: حدثني أبي، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، وَعَفَّانُ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سلمة، أخبرنا ثابت البناني، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا صَوَّرَ آَدَمَ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يَطِيفُ بِهِ فَلَمَّا رَآَهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خلقٌ لا يَتَمَالَكُ» [4] .
قَالَ أَحْمَد: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا معمر، عن همام بن منبه، حدثنا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آَدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خلقه قال له: اذهب فسلم عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ- وَهُمْ نَفَرٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام
__________
[1] سورة: الأنبياء، الآية: 37.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 94.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 95.
[4] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل 3/ 240، وابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 60.(1/201)
عليك وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةِ عَلَى صُورَةِ آَدَمَ وَطُولِهِ فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ» [1] . هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالَّذِي قَبْلَهُ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ.
أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرِ النَّيْسَابُورِيُّ، أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أخبرنا مكي بن عبدان، حدثنا أحمد ابن الأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا روحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَانَ طُولُ آَدَمَ سِتِّينَ ذِرَاعًا فِي سَبْعَةِ أَذْرُعٍ عَرْضًا» [2] .
وَقَدْ روي عَنْ مجاهد: أَن نفس آدَم كَانَ يؤذي أَهْل السماء فحط إِلَى ستين ذراعا.
وليس هَذَا بشيء.
قَالَ أَبُو الْحَسَن: هَذَا من كتب السريانيين لَيْسَ للإسلاميين فِيهِ أَكْثَر من الرواية عَنْهُم.
ذكر الحوادث الَّتِي فِي زمان آدَم عَلَيْهِ السَّلام
هذه الحوادث تنقسم ثلاثة أقسام: فالقسم الأَوَّل مَا حدث وآدم فِي السماء، وَالثَّانِي مَا حدث وَهُوَ فِي الْجَنَّة، والثالث مَا حدث وآدم فِي الأَرْض.
ذكر القسم الأَوَّل [مَا حدث وآدم فِي السماء]
من ذَلِكَ أَن اللَّه تَعَالَى لما أكمل خلق آدَم ونفخ فِيهِ الروح علمه الأسماء كلها.
قَالَ ابْن عَبَّاس: علمه أسماء كل شيء [3] .
__________
[1] الحديث أخرجه البخاري 4/ 160، 8/ 62، ومسلم، الجنة الباب 11، رقم 28، وأحمد بن حنبل 2/ 315، والسيوطي في الدر المنثور 1/ 48، والقرطبي في التفسير 1/ 319، 5/ 300، وابن كثير في البداية 1/ 88.
[2] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل 2/ 535، وابن كثير في البداية 1/ 88.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 97.(1/202)
قَالَ الْحَسَن: علمه اسم كُل شَيْء: هذه الْخَيْل، وَهَذِهِ [البغال] والإبل، والجن، والوحوش [1] .
وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس: علمه أسماء الْمَلائِكَة [2] .
والصحيح العموم، وَقَدْ شرحنا هَذَا فِي التفسير، وهناك أليق بسط هَذَا [3] .
ثُمَّ أمر الْمَلائِكَة بالسجود لَهُ فسجدوا إلا إِبْلِيس.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر الأوحدي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن علي بن المهتدي، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاهِينَ، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن سُلَيْمَان، حَدَّثَنَا هَارُون بْن زَيْد بْن أَبِي الزرقاء، حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن ربيعة، عَنْ قادم بْن المسور، قَالَ: قَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز: لما أمر اللَّه عز وجل الْمَلائِكَة بالسجود لآدم عَلَيْهِ السَّلام أول من سجد لَهُ إسرافيل، فأثابه اللَّه بأن كتب الْقُرْآن فِي جبهته [4] .
ومن أَعْظَم ذكر الحوادث السماوية فِي زمان آدَم امتناع إِبْلِيس من السجود لَهُ تكبرا، وَقَدْ سبق بيانه فِي ذكر أخبار إِبْلِيس.
ذكر القسم الثَّانِي [مَا حدث وآدم فِي الْجَنَّة]
وَهُوَ مَا حدث وآدم فِي الْجَنَّة لما سجدت الْمَلائِكَة لآدم وأبعد اللَّه إِبْلِيس أسكن آدَم الْجَنَّة، فَمَا حدث أباح آدَم جميع أشجار الْجَنَّة سِوَى شجرة واحدة، اختلفوا فِيهَا، فقيل: هِيَ الحنطة، وقيل: الكرمة إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا قَدْ شرحناه فِي التفسير [5] .
ومما حدث: مَا رَوَى السدي عَنْ أشياخه: لما أسكن آدَم الْجَنَّة كَانَ يمشي فِيهَا وحشا لَيْسَ لَهُ زوج، فنام نومة فاستيقظ فَإِذَا عِنْدَ رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه،
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 98، وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناها من الطبري.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 99.
[3] راجع زاد المسير 1/ 62، وتفسير الطبري 1/ 482، والكسائي 28، ومرآة الزمان 1/ 192، 193.
[4] نقل سبط ابن الجوزي هذا الخبر في المرآة 1/ 194.
[5] انظر: زاد المسير 1/ 66، وتفسير الطبري 1/ 516، وعرائس المجالس 30.(1/203)
فسألها: مَا أَنْتَ؟ قَالَتْ امرأة، قَالَ: وَلَمْ خلقت؟ قَالَتْ: تسكن إلي، قَالَتْ لَهُ الْمَلائِكَة ينظرون مَا بلغ علمه: مَا اسمها يا آدَم؟ قَالَ: حواء، قَالُوا: وَلَمْ سمت حواء؟ قَالَ: لأنها خلقت من شَيْء حي، فَقَالَ اللَّه: يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ. 2: 35 قَالَ قَتَادَة: خلق حواء من ضلع من أضلاعه.
قَالَ مجاهد: خلقت من قصيرى آدَم [1] .
ومما حدث: احتيال إِبْلِيس فِي الدخول إِلَى الْجَنَّة لاستذلال آدَم.
رَوَى السدي عَنْ أشياخه، قَالَ: لما أراد إِبْلِيس أَن يدخل الْجَنَّة إِلَى آدَم فمنعه الخزنة، فأتى الحية، وَهِيَ دابة لَهَا أربع قوائم، كأنها البعير، وَهِيَ كأحسن الدواب فكلمها أَن تدخله فِي فمها فأدخلته فِي فمها فَقَالَ: يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ 20: 120 [2] ، فأبى أَن يأكل، فقدمت حواء فأكلت، ثُمّ قَالَتْ: يا آدَم قَدْ أكلت وَلَمْ يضرني، فلما أكل بدت لهما سوءاتهما [3] .
وروى طاووس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ إِبْلِيسَ عَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى الدَّوَابِّ لِتَحْمِلَهُ حَتَّى تُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ حَتَّى يُكَلِّمَ آَدَمَ، وَكُلُّ الدَّوَابَّ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ، حَتَّى كَلَّمَ الْحَيَّةَ، فَجَعَلَتْهُ بَيْنَ نَابَيْنِ من أنيابها ثم دَخَلَتْ بِهِ، وَكَانَتْ كَاسِيَةً [عَلَى أَرْبَعِ قَوَائِمٍ، فَأَعْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَهَا تَمْشِي عَلَى] [4] بَطْنِهَا [5] .
وَقَالَ وهب بْن منبه: لما دخلت الحية [الْجَنَّة] خرج من جوفها، فأخذ من الشجرة، وجاء بها إِلَى حواء، فَقَالَ: انظري إِلَى هذه الشجرة، مَا أطيب ريحها وطعمها وأحسن لونها، فأكلت منها وذهبت بها إِلَى آدَم، فقالت: انظر إلى هذه ما
__________
[1] راجع: تاريخ الطبري 1/ 104، 105، وابن عساكر 2/ 349، وابن سعد 1/ 39، والكسائي 31، وعرائس المجالس 29، ومرآة الزمان 1/ 195.
والقصيرى: الضلع التي تلي الشاكلة، وتسمى الواهنة في أسفل الأضلاع (الصحاح 2/ 793) .
[2] سورة: طه، الآية: 120
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 107، وتفسير الطبري 1/ 527.
[4] ما بين المعقوفتين: من هامش المخطوطة.
[5] والخبر في تاريخ الطبري 1/ 107، وتفسير الطبري 1/ 530.(1/204)
أطيب ريحها وطعمها، فأكل فبدت لهما سوءاتهما، فدخل آدَم فِي جوف الشجرة، فناداه ربه: يا آدَم أين أَنْتَ؟ قَالَ: أنا هَذَا يا رب، قَالَ: يا حواء، أَنْتَ غررت عبدي، فلا تحملين حملا إلا حملته كرها، فَإِذَا أردت أَن تضعي مَا فِي بطنك أشرفت عَلَى الْمَوْت مرارا. وَقَالَ للحية: أَنْتَ الَّذِي دَخَلَ الملعون فِي جوفك حَتَّى غر عبدي، ملعونة أَنْتَ لعنة تتحول قوائمك فِي بطنك، ولا يكن لَكَ رزق إلا التراب، أَنْتَ عدوة بَنِي آدَم وَهُمْ أعداؤك، حيث لقيت مِنْهُم أحدا أخذت تسميه [1] ، وحيث لقيك شدخ رأسك [2] .
وَرَوَى مُحَمَّد بْن إِسْحَاق، عَنْ بَعْض أَهْل العلم: أَن آدَم لما رأى نعم الْجَنَّة قَالَ:
لو أَن خالدا، فاغتنمها إِبْلِيس فأتاه من قبل الخلد [3] .
قَالَ ابْن إِسْحَاق: وحَدِيث أَن أول مَا ابتدأهما بِهِ من كيده أَنَّهُ ناح عليهما نياحة أحزنتهما حِينَ سمعاها، فقالا لَهُ: مَا يبكيك؟ قَالَ: أبكي عليكما، إنكما تموتان فتفارقان مَا أنتما فِيهِ من النعمة والغبط [4] ، فوقع ذَلِكَ فِي أنفسهما، ثُمَّ أتاهما فوسوس إليهما، وَقَالَ: يا آدَم هل أدلك عَلَى شجرة الخلد [5] .
وَقَالَ ابْن زَيْد [6] : وسوس الشَّيْطَان إِلَى حواء فِي الشجرة حَتَّى أتى بها إِلَيْهَا، ثُمَّ حسنها فِي نَفْسه [7] ، قَالَ: فدعاها آدَم لحاجته، فَقَالَتْ: لا، إلا أَن تأتي هَذَا، قَالَ: مَا آتي؟ قَالَتْ: تأكل من هذه الشجرة، فأكلا منها، فبدت سوءاتهما، وذهب آدَم هاربا إِلَى الْجَنَّة، فناداه ربه يا آدَم أمني تفر؟ قَالَ: لا يا رب، ولكن حياء منك، وَقَالَ: يا آدَم أني أتيت؟ قَالَ: من قبل هَذَا أي رب، قَالَ: فَقَالَ اللَّه: إِن لَهَا عَلِي أَن أدميها فِي كل شهر
__________
[1] في الطبري: «أخذت بعقبه» .
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 108، وتفسيره 1/ 525.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 110، وفي تفسيره 1/ 528، وقد ورد في المخطوطة كما أوردناه مضطربا، وفي الطبري: «أن آدم عليه السلام حين دخل الجنة ورأى ما فيها من الكرامة، وما أعطاه الله منها، قال:
لو أنّا خلدنا! فاغتمز فيها منه الشيطان لما سمعها منه، فأتاه من قبل الخلد» .
[4] في الطبري: «النعمة والكرامة» .
[5] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 110، 111، وتفسيره 1/ 529.
[6] هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
[7] في الطبري: ثم حسنها في عين آدم» .(1/205)
مرة، كَمَا أدمت هذه الشجرة، وأن أجعلها سفيهة فَقَدْ كنت خلقتها حليمة، وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها [1] .
وَكَانَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب يحلف باللَّه مَا يستثني: مَا أكل آدَم من الشجرة وهو يعقل، ولكن حواء سقته الخمر حَتَّى إِذَا سكر قادته إِلَيْهَا فأكل [2] .
قَالَ المؤلف [3] : وَفِي هَذَا بَعْد من جهتين، أحدهما: أَن خمر الْجَنَّة لا يسكر، لقوله تعالى: لا فِيها غَوْلٌ 37: 47 [4] .
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لا يخلو أَن يَكُون شربه مباحا لَهُ أَوْ محظورا وَقَدْ حظره لأن الظاهر إباحته جميع مَا فِي الْجَنَّة لَهُ سِوَى تلك الشجرة ومن فعل المباح لَمْ يؤاخذ بِمَا يؤثره، عَلَى أَن راوي هَذَا الْحَدِيث مُحَمَّد بْن إِسْحَاق وفيه مقال [5] .
ومما حدث إخراج آدَم من الْجَنَّة:
قَالَ الْعُلَمَاء: لما واقع آدَم وحواء الخطيئة أخرجهما اللَّه تَعَالَى من الْجَنَّة وسلبهما مَا كانا فِيهِ من النعمة، وأهبطهما وعدويهما إِبْلِيس والحية إِلَى الأَرْض.
قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ 2: 36 [6] قال: آدم وحواء وإبليس والحية [7] .
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 111، وفي تفسيره 1/ 529.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 111، 112، وفي تفسيره 1/ 530، وسنده ضعيف. ففيه محمد بن إسحاق، صدوق يدلس، وقد عنعن، وفيه أيضا سلمة بن الفضل الأبرش صدوق كثير الخطأ.
[3] في الأصل: «قلت» . وما أوردناه من الهامش.
[4] سورة: الصافات، الآية: 47.
[5] في المختصر: «إن تنزيه كان مباحا له لأن الظاهر إباحته جميع مَا فِي الْجَنَّة لَهُ سِوَى تلك الشجرة، ومن فعل المباح لَمْ يؤاخذ بِمَا يؤثره، عَلَى أَن راوي هَذَا الْحَدِيث مُحَمَّد بْن إِسْحَاق وفيه مقال.
[6] سورة: البقرة، الآية: 36.
[7] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 112، وتفسيره 1/ 536.(1/206)
ذكر مقدار مكثه فِي الْجَنَّة [1]
رَوَى أَبُو صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ آَدَمَ مَكَثَ فِي الْجَنَّةِ نِصْفَ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الآَخِرَةِ، وهو خمسمائة سَنَةٍ [2] .
وَقَالَ أَبُو العالية: مكث فِي الْجَنَّة خمس ساعة.
وَقَدْ روينا أَنَّهُ خلق آخر النهار من يَوْم الجمعة، فعلى هذه يَكُون فِي الساعة الأخيرة فمكث جسدا أربعين سَنَة من سنيها، كَانَ مكثه فِي السماء بَعْد تصويره فِي الْجَنَّة إِلَى أَن أصاب الخطيئة وأهبط، ثلاثا وأربعين سَنَة وأربعة أشهر.
وَقَالَ الْحَسَن البصري: كَانَ الساعة الَّتِي لبثها آدَم فِي الْجَنَّة مقدار أربعين ومائة [من] [3] سنينكم.
ذكر الوقت الَّذِي أخرج فِيهِ
رَوَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، أنه قال: «في يوم الجمعة خلق آَدَمُ وَفِيهِ أُهْبِطَ» [4] .
وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ آَدَمَ أُخْرِجَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ، صَلاةِ الظُّهْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ [5] .
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ أسكن وأخرج فِي ساعة واحدة من ساعات ذلك اليوم.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 113، ومرآة الزمان 1/ 201.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 120.
[3] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.
[4] سبق تخريجه.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 120.(1/207)
قَالَ ابْن جَرِير: فأهبط قبل/ غروب الشمس [1] .
ذكر المكان الَّذِي أهبط إِلَيْهِ [2]
قَالَ عَلِي بْن أَبِي طالب، وابن عَبَّاس، وَقَتَادَة، وأبو العالية: أهبط بالهند [3] . وَرَوَى أَبُو صَالِح، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أهبط عَلَى جبل بالهند يقال لَهُ نود.
وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: أَهْل التوراة يقولون: أهبط بالهند عَلَى جبل يقال لَهُ واسم [4] ، عِنْدَ واد يُقَال لَهُ بهيل بَيْنَ الدهنج والمندل: بلدين بأرض الهند [5] .
فَقَالَ قوم: بَل أهبط بسرنديب عَلَى جبل يقال لَهُ: نوذ [6] ، وأهبطت حواء بجدة من أرض مكة، وإبليس بميسان [7] ، والحية بأصفهان [8] .
وَقَالَ آخرون: أهبطت الحية بالبرية، وإبليس بالساحل من بحر الأبلة [9] .
وقيل: كَانَ الجبل الَّذِي أهبط عَلَيْهِ أقرب من جميع الجبال إلى السماء [10] .
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 121.
[2] تاريخ الطبري 1/ 121، والبداية والنهاية 1/ 80، ومرآة الزمان 1/ 200.
[3] أخبارهم في تاريخ الطبري 1/ 120، 121.
[4] ذكر ياقوت «واسم» . وقال: جبل بين الدهنج والمندل في أرض الهند.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 122.
[6] في تاريخ الطبري: «بوذ» . وفي الكامل: «نود، بضم النون وسكون الواو وآخره دال مهملة» . وفي أحد نسخ الطبري: «قال الطبري: الّذي حدثنا به في أمر الجبل إن اسمه نون، بالنون. قال: ولكن اسم الموضع بالباء، وهو بوذ» .
وفي معجم البلدان: «نوذ بالفتح ثم السكون وذال معجمة: جبل بسرنديب عنده مهبط آدم عليه السلام، وهو أخصب جبل في الأرض، ويقال: أمرع في الأرض، ويقال: أمرع من نوذ» .
[7] «ميسان» . بالفتح ثم السكون: اسم لكورة واسعة بين البصرة وواسط. معجم البلدان 8/ 224.
[8] تاريخ الطبري 1/ 122.
[9] «الأبلة» : بضم أوله وتشديد اللام وفتحها، بلد على شاطئ دجلة بالبصرة. معجم البلدان 1/ 89. وانظر تاريخ الطبري 1/ 122.
[10] تاريخ الطبري 1/ 122.(1/208)
ذكر مَا هبط مَعَهُ من الْجَنَّة [1]
قَالَ أَبُو موسى الأشعري: لما أخرجه اللَّه من الْجَنَّة زوده من ثمارها، فثماركم هذه من ثمارها [2] .
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ حِينَ أخرج لا يمر بشيء إلا عبث بِهِ، فقيل للملائكة: دعوه فليتزود منها مَا شاء، فنزل بالهند، وإن هَذَا الطيب الَّذِي يجاء بِهِ من الهند مِمَّا خرج بِهِ آدَم [3] .
وَرَوَى أَبُو صَالِح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نزل آدَم مَعَهُ ريح الْجَنَّة فعلق بشجرها وأوديتها- يَعْنِي الهند- وأنزل مَعَهُ الحجر الأسود، وَكَانَ أشد بياضا من الثلج، وعصا موسى، وكانت من آس الْجَنَّة، طولها عشرة أذرع، ومر [4] ، ولبان [5] .
وَقَالَ أَبُو العالية: أخرج ومعه غصن من شجر الْجَنَّة، وعلى رأسه تاج أو إكليل من شجر الجنة.
وَقَالَ قَتَادَة: أهبط آدَم عَلَى جبل بالهند وعلى رأسه إكليل من [شجر] [6] الْجَنَّة فعبق ريح ذَلِكَ الإكليل بشجر ذَلِكَ الجبل فصار طيبا [7] .
أَخْبَرَنَا عَبْد الْوَهَّاب بْن الْمُبَارَك، أَخْبَرَنَا عَاصِم بْن الْحَسَن، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَد الدَّقَّاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن بْن البر، قال: أهبط آدم بالهند في جزيرة سرنديب عَلَى جبل يدعى نوذ، وعلى آدَم الورق الَّذِي خصفه فيبس فتحات فنبت منه أنواع الطيب والثمار، فعلى ذَلِكَ الجبل: العود، والسنبل، والقرنفل، والأفاويه، ودابة
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 125، ومرآة الزمان 1/ 202.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 127 بأتم من ذلك.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 126.
[4] المر: صمغ شجرة تكون ببلاد العرب، شبيهة بالشوكة المصرية، تشرط فتخرج منها هذه الصمغة.
(المعتمد في الأدوية 300) .
[5] اللبان: هو العلك الّذي يمضغ، وشجرته تسمى الكندر، طولها قدر ذراعين، تعقر بالفأس فيظهر في مواضع العقر اللبان فيجتنى. (المعتمد في الأدوية 340) .
[6] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري، وساقطة من المخطوط.
[7] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 126.(1/209)
المسك، ودابة الزباد، وحول الجبل الياقوت، وَفِي واديه الماس، وَفِي أرض تلك الجزيرة السفاذج، وَفِي أنهارها البلور، وَفِي بحرها اللؤلؤ.
وأخرج آدَم من الْجَنَّة مَعَهُ صرة حنطة، وثلاثين نصيبا من ثمر الْجَنَّة، عشرة فِي القشور: الجوز، واللوز، والفستق، والبندق، والخشخاش، والبلّوط، والشاهبلوط، والجوز الهندي، والرمان، والموز.
وعشرة لَهَا نوى: الخوخ، والمشمش والإجاص، والرطب، والغبيراء، والنبق، والزعرور، والعناب، والمقل والشاملوك.
وعشرة لا قشور لَهَا ولا نوى: التفاح، والسفرجل، والكمثرى، والعنب، والتوت، والتين، والأترج، والخروب، والخيار، والبطيخ [1] .
وأنزل عَلَى آدَم من الصحف إحدى وعشرون صحيفة، وحرم عَلَيْهِ الميتة والدم ولحم الخنزير، وفرض عَلَيْهِ صلاة خمسين ركعة.
أَخْبَرَنَا مَوْهُوبُ بْنُ أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالا أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بيان، قال: أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو الْعَلاءِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ السَّقَّا الْحَافِظُ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَم مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الأَرْضِ حَزنَ عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ جَاوَرَهُ إِلا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِمَا: جَاوَرْتُكُمَا بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِي، ثُمَّ أُهْبِطُهُ مِنْ جِوَارِكُمَا، فَحَزِنَ عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ إِلا أَنْتُمَا، قَالا: إِلَهَنَا وَسَيِّدَنَا، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ جَاوَرْتَنَا بِهِ وَهُوَ لَكَ مُطِيعٌ، فَلَمَّا عَصَاكَ لَمْ نُحِبْ أَنْ نَحْزَنَ عَلَيْهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهُمَا: وَعِزَّتِي وَجَلالِي لأَعِزَّنَّكُمَا حَتَّى لا يَنَالُ كُلَّ شَيْءٍ إِلا بِكُمَا» . هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَمَتْنُهُ غَرِيبٌ.
أَخْبَرَنَا ابْن ناصر، أَنْبَأَنَا عبد المحسن بْن مُحَمَّد، أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بن
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 128، وعرائس المجالس 36، ومرآة الزمان 1/ 202.(1/210)
شاهين، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عنبر، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن عامر الأصبهاني، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يعقوب بْن جَعْفَر، عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر، قَالَ: أهبط آدَم عَلَيْهِ السَّلام إِلَى الأرض وليس فِي الأَرْض إلا حوت ونسر، فكان النسر إِذَا أمسى آوى إِلَى الحوت فيبيت عنده، فلما رأى النسر آدَم أتى إِلَى الحوت، فَقَالَ: يا حوت قَدْ أهبط إِلَى الأَرْض شَيْء يمشي عَلَى رجليه ويبطش بيده، فَقَالَتْ: إِن كنت صادقا فَمَا لي فِي البحر مهرب، ولا لَكَ فِي البر مهرب. يريد أَنَّهُ يحتال عليهما [1] .
ذكر القسم الثالث وَهُوَ مَا حدث وآدم فِي الآرض
فمن ذَلِكَ أَن آدَم حِينَ نزل شكى حاله:
فروى أَبُو صَالِح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لما رأى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عري آدَم وحواء أمره أَن يذبح كبشا من الضان [من] [2] الأزواج الثمانية، فذبحه ثُمَّ أخذ صوفه فغزلته حواء فنسج آدم جبّة لنفسه، وجعل لحواء درعا وخمارا، فلبسا ذَلِكَ [3] .
ثُمَّ أنزل عَلَيْهِ بَعْد العلاوة [4] ، والمطرقة [5] ، والكلبتان [6] ، فنظر إِلَى قضيب نابت من حديد، وأخذه، فجعل يكسر أشجارا قَدْ يبست بالمطرقة، ثُمَّ أوقد عَلَى ذَلِكَ الغصن حَتَّى ذاب، [فكان أول شَيْء] [7] ضربه مدية، فكان يعمل بها، ثُمَّ ضرب التنور الَّذِي ورثه نوح، ونفرت منه الوحوش إِلَى البر [8] ، وَكَانَ لباسهما من جلود الضأن والسباع.
__________
[1] الخبر عند الكسائي 52، وفي مرآة الزمان 1/ 202، 203.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] الخبر إلى هنا في تاريخ الطبري 1/ 124.
[4] هكذا في الأصل، وفي الكامل 1/ 35، والطبري 1/ 127. «العلاة» . وهي: السندان، حجرا كان أو حديدا.
[5] المطرقة: من أدوات الحداد يطرق بها.
[6] الكلبتان: ما يأخذ به الحداد الحديد المحمي.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل. وأوردناه من الطبري 1/ 128.
[8] الخبر إلى هنا في تاريخ الطبري 1/ 127، 128.(1/211)
وَرَوَى الضَّحَّاك، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِن جبريل أتى آدَم بالجلم، وأمره أَن يجز الشاة، ففعل فغزلته حواء وحاكه آدَم فاتخذ منه عباءة لنفسه وَأُخْرَى لحواء.
وَرَوَى عَطَاء، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَن جبريل أتى آدَم بالثورين وصمدهما لَهُ وأمره بالزراعة.
وَرَوَى سَعِيد بْن جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: علم آدَم صنعة الحديد، وأمر الحرث فحرث وزرع ثُمَّ سقى حَتَّى إِذَا بلغ حصده، ثُمَّ داسه، ثُمَّ طحنه. ثُمَّ عجنه، ثُمَّ خبزه، ثُمَّ أكله، فلم يبلغ منه حَتَّى بلغ منه مَا شاء اللَّه أَن يبلغ [1] .
قَالَ سَعِيد: وأهبط إِلَى آدَم ثور أحمر فكان يحرث عَلَيْهِ [2] ، ويمسح العرق عَنْ جبينه [3] .
وحكى أَبُو جَعْفَر الطبري عَنْ آخرين، قَالُوا: جاع آدَم فاستطعم ربه، فجاءه جبريل بسبع حبات من حنطة فوضعها فِي يده، فَقَالَ: مَا أصنع بِهَذَا، قَالَ: تتركه فِي الأَرْض [4] ، ففعل فأنبته اللَّه من ساعته، ثُمَّ أمره فحصده، ثُمَّ أمره فجمعه وفركه بيده، ثُمَّ أمره أَن يذريه، ثُمَّ أتاه بحجرين فطحنه، ثُمَّ أمره أَن يخبزه ملة [5] . [إِن عجنه] [6] ، وجمع لَهُ جبريل الحجر والحديد فقدحه، فخرجت النار، فَهُوَ أول من خبز الملة [7] .
ومن الأحداث أَن آدَم أخذ فِي البكاء إِلَى أَن نزلت عَلَيْهِ التوبة:
قَالَ ابْن عَبَّاس: بكى آدَم وحواء عَلَى مَا فاتهما من نعم الْجَنَّة مائتي سَنَة، لَمْ يأكلا وَلَمْ يشربا أربعين يوما، وَلَمْ يقرب آدَم حواء مائة سَنَة [8] .
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 129، وتفسيره 1/ 352- 353.
[2] في الطبري: «كان يحدث عليه» .
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 130.
[4] في الطبري 1/ 128: «انثره في الأرض» .
[5] يريد بخبز الملة ما يصنع في الرماد أو الحجر من الخبز.
[6] في الطبري: «ثم أمره أن يعجنه، ثم أمره أن يخبزه ملة» . وكذا في المختصر. والزيادة بين المعقوفتين من هامش الأصل.
[7] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 129، وقارن الكامل 1/ 36.
[8] راجع تاريخ الطبري 1/ 133.(1/212)
أَخْبَرَنَا عَبْد الْوَهَّاب بْن الْمُبَارَك، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن بْن عَبْد الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا عَلِي بْن أَحْمَد الملطي، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن دوست، حَدَّثَنَا ابْن صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن، حَدَّثَنَا روح بْن عُبَادَة، حَدَّثَنَا هِشَام، عَنْ الْحَسَن، قال: أهبط آدم [من] [1] الجنة فبكى ثلاثمائة سَنَة لا يرفع رأسه إِلَى السماء ولا يلتفت إِلَى المرأة ولا يضع يده عَلَيْهَا [2] .
قَالَ القرشي: وحدثنا مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن أَبِي حاتم، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعْد بْن يُونُس، عَنْ أَبِي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ، عَنْ أَبِي الهذيل، عَنْ وهب بْن منبه، قَالَ: أوحى اللَّه إِلَى آدَم: يا آدَم مَا هذه الكآبة الَّتِي بوجهك والبلية الَّتِي قَدْ أحاطت بك؟ قَالَ: خروجي من دار البقاء إِلَى دار الفناء، من دار النعم إِلَى دار الشقاء. قَالَ: ثُمَّ إِن آدَم سجد سجدة عَلَى جبل الهند مائة عام يبكي حَتَّى جرت دموعه فِي وادي سرنديب، فأنبت اللَّه لِذَلِكَ الوادي من دموع آدَم الدار صيني والقرنفل، وجعل طير ذَلِكَ الوادي الطواويس، ثُمَّ إِن جبريل أتاه فَقَالَ: يا آدَم ارفع رأسك فَقَدْ غفر لَكَ، فرفع رأسه ثُمَّ أتى الْبَيْت فطاف أسبوعا فَمَا أتمه حَتَّى خاض فِي دموعه إِلَى ركبتيه ثُمَّ أتى موضع المقام وصلى فِيهِ ركعتين، وبكى حَتَّى جرت دموعه عَلَى الأَرْض.
قُلْت: وَكَانَ السبب فِي قبول توبة آدَم أَنَّهُ تلقى كلمات فقالها فتيب عليه، وذلك قوله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ 2: 37 [3] .
واختلف المفسرون فِي تلك الكلمات عَلَى وجوه قَدْ ذكرناها فِي التفسير [4] ، والذي نختاره من الأقوال.
مَا أَخْبَرَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن حنيف، أَخْبَرَنَا عَلِي بْن الفضل، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الصَّمَد، أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَد. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن خريم، حدثنا عبد الحميد بن حميد، حدثنا أَبُو غسان، حَدَّثَنَا مَالِك بْن إِسْمَاعِيل النهدي، عن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناه من هامش المخطوطة.
[2] الخبر أورده في المرآة 1/ 204، وعرائس المجالس 35.
[3] سورة: البقرة، الآية: 37.
[4] انظر: زاد المسير للمصنف في تفسير الآية 37 من سورة البقرة. وراجع أيضا بقية التفاسير ومنها تفسير الطبري 1/ 541.(1/213)
زهير بْن مُعَاوِيَة الجشمي، عَنْ خصيف، عَنْ مجاهد: فَتَلَقَّى آدَمُ من رَبِّهِ كَلِماتٍ 2: 37 [1] . قَالَ: هُوَ قَوْله: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا ... 7: 23 [2] إِلَى آخر الآية [3] .
قَالَ قَتَادَة: تاب اللَّه عَلَى آدَم يَوْم عاشوراء.
ومن الأحداث:
إِن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أنزل ياقوتة من ياقوت الْجَنَّة، فجعلها فِي موضع الكعبة، وأمر آدَم أَن يتوجه إِلَى مَكَّة فيطوف.
قَالَ قَتَادَة: قَالَ اللَّه: يا آدَم إني أهبطت لَكَ بيتا تطوف بِهِ كَمَا يطاف حول عرشي، وتصلي عنده/ كَمَا يصلى عِنْدَ عرشي، فانطلق إِلَيْهِ آدَم فمد لَهُ فِي خطوه وَكَانَ بَيْنَ خطوه مفازة، فلم تزل تلك المفاوز بَعْد ذَلِكَ، فأتى الْبَيْت فطاف بِهِ.
وَفِي حَدِيث أَبِي صَالِح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَن آدَم بنى الْبَيْت من خمسة أجبل من طور سيناء، وطور زيتا ولبنان والجودي، وبنى قواعده من حراء، فلما فرغ من بنائه خرج بِهِ الْمَلِك إِلَى عرفات، فأراه المناسك الَّتِي يفعلها النَّاس، ثُمَّ قدم بِهِ مَكَّة فطاف بالبيت أسبوعا.
قَالَ ابْن عَبَّاس: حج من الهند أربعين حجة عَلَى رجليه.
وقيل: إِن آدَم التقى بحواء عَلَى عرفات فتفارقا ثُمَّ رجع بها إِلَى الهند فاتخذا مغارة يأويان إِلَيْهَا.
ومن الأحداث:
إِن اللَّه تَعَالَى مسح ظهر آدَم بنعمان، وأخرج ذريته.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ، أخبرنا الحسن بن عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ
__________
[1] سورة: البقرة، الآية: 37.
[2] سورة: الأعراف، الآية: 23.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 132، 133.(1/214)
مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ، عَنْ كَلْثُومَ بْنِ جَبْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آَدَمَ بِنُعْمَانَ- يَعْنِي عَرَفَةَ- فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَةٍ ذَرَأَهَا فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذُّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قَبْلا، قَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ 7: 172 [1] . أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ الرُّمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبُيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلّ: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ من ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ 7: 172، قَالَ: جَمَعَهُمْ فَجَعَلَهُمْ أَزْوَاجًا ثُمَّ صَوَّرَهُمْ وَاسْتَنْطَقَهُمْ فَتَكَلَّمُوا ثُمَّ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ 7: 172 قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ السَّمَواتِ السَّبْعَ وَالأَرْضِينَ السَّبْعِ وَأُشْهِدُ عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آَدَمَ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ نَعْلَمْ بِهَذَا، اعْلَمُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ غَيْرِي، وَلا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، سَأُرْسِلُ إِلَيْكُمْ رُسُلِي يَذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي، وَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كُتُبِي، قَالُوا: شَهِدْنَا بِأَنَّكَ رَبَّنَا وَإِلَهَنَا لا رب لنا غيرك، فرفع عليهم آَدَمُ يَنْظُرُ إِلَيْهُمْ فَرَأَى الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَالْحَسَنَ الصُّورَةَ وَدُونَ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أَلا سَوَّيْتَ بَيْنَ عِبَادِكَ، فَقَالَ: إِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُشْكَرَ، وَرَأَى [آدَم] [2] الأَنْبِيَاءَ فِيهِمْ مِثْلَ السِّرَجِ عليهم النور، خصوا بميثاق أخرى فِي الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذْنا من النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ ... 33: 7 إلى قوله ... عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ 2: 87 [3] وَكَانَ فِي تِلْكَ الأَرْوَاحِ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أخبرنا ابن المذهب، أخبرنا أَبُو بَكْر بْن مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا مَالِكُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَهُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ:
__________
[1] سورة: الأعراف، الآية 172، والحديث: أخرجه الطبري في التاريخ 1/ 134، وفي التفسير 13/ 223.
[2] ما بين المعقوفتين: من المختصر.
[3] سورة: الأحزاب، الآية: 7.(1/215)
«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آَدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرَّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى ظَهْرِهِ فَاسْتَخْرَجَ [مِنْهُ] [1] ذُرَّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ [يعملون] » [2] . فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال: «إن الله عز وجل إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّة، فَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدُ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلُهُ بِهِ النَّارَ» [3] .
قَالَ أَحْمَد: وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن [ابن] [4] عباس، قال: لما نزلت آية الدّين، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ أَوَّلَ مَنْ جَحَدَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَا هُوَ ذَارٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَجَعَلَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ ذُرِّيَتَهُ، فَرَأَى فيهم رجل يُزْهِرُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: ابْنُكَ دَاوُدُ، قَالَ: أَيْ رَبِّ كَمْ عُمْرُهُ؟ قَالَ: سِتُّونَ عَامًا، قَالَ: أَيْ رَبِّ زِدْ فِي عُمْرِهِ، قَالَ: لا إِلا أَنْ أَزِيدَهُ مِنْ عُمْرِكَ [5]- وَكَانَ عُمْرُ آدَمَ أَلْفَ عَامٍ- فَزَادَهُ [مِنْ عُمْرِهِ] [6] أَرْبَعِينَ عَامًا فَكَتَبَ اللَّهُ عليه بِذَلِكَ كِتَابًا، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةَ، فَلَمَّا احْتُضِرَ آدم وأتته الملائكة لتقبضه، قال: إنه قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعُونَ عَامًا، فَقِيلَ: إِنَّكَ وَهَبْتَهَا لابْنِكَ دَاوُدَ، قَالَ: مَا فَعَلْتُ، فَأَبْرَزَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةَ» . وَقَدْ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ الأَشِيبِ، عَنْ حَمَّادٍ فَزَادَ فِيهِ: « ... ثُمَّ أَكْمَلَ اللَّهُ لآَدَمَ أَلْفَ سنة، وأكمل لداود مائة سنة» [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من هامش المخطوطة.
[2] ما بين المعقوفتين: من هامش المخطوطة.
[3] الحديث أخرجه الطبري في التاريخ 1/ 135، وفي التفسير 3/ 223، وأحمد بن حنبل 1/ 44، وأبو داود 4693، والترمذي 3075، والحاكم في المستدرك 1/ 27، 2/ 544.
[4] ما بين المعقوفتين: من هامش المخطوطة.
[5] في الطبري: «لا أن تزيده أنت من عمرك» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من المخطوط.
[7] الحديث في تاريخ الطبري 1/ 156، وابن سعد في طبقاته 1/ 27- 29، وأحمد بن حنبل 1/ 251،(1/216)
ومن الأحداث وجود أولاد آدَم عَلَيْهِ السَّلام
ولدت حواء لآدم أربعين ولدا من ذكر وأنثى فِي عشرين بطنا، قَالُوا: وكانت لا تلد إلا توأمين ذكرا وأنثى. وأول الأولاد: قابيل وتوأمته قليما، ويقال قيثما [1] ، وآخرهم عبد المغيث وتوأمته أمة المغيث.
وعد مِنْهُم ابْن إِسْحَاق: قين وتوأمته، وهابيل وليوذا، وآشوث بنت آدَم وتوأمها، وشيث، وتوأمته وحزورة وتوأمها، ثُمَّ إياد وتوأمته، ثُمَّ بالغ. ويقال: باتح وتوأمته، ثُمَّ أثاثي وتوأمته، ثُمَّ توبة وتوأمته، ثُمَّ بنان وتوأمته، ثُمَّ شبوبة وتوأمته، ثُمَّ حيان وتوأمته، ثُمَّ ضرابيس وتوأمته، هدز وتوأمته، ثُمَّ نجود وتوأمته، ثُمَّ سندل وتوأمته، ثُمَّ بارق وتوأمته.
وَكَانَ الرجل مِنْهُم ينكح أي أخواته شاء إلا الَّتِي ولدت مَعَهُ، فإنها لا تحل لَهُ [2] .
وَقَدْ روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَن أول ولد ولدته حواء سمته عَبْد الرَّحْمَنِ، ثُمَّ سمت الثَّانِي صالحا، ثُمَّ الثالث عبد الحارث [3] .
قَالَ أَبُو جَعْفَر الطبري: ولد لآدم بَعْد قتل هابيل بخمس سنين شيث، وزعم أهل التوراة أنه لم يولد مَعَهُ توأم، وتفسير شيث عندهم «هبة الله» ، ومعناه أنه خلف هابيل [4] .
__________
[371،) ] والبيهقي في السنن 10/ 146، والطبراني في الكبير 18/ 214، وابن عساكر 2/ 345، والسيوطي في الدر المنثور 1/ 370، وابن كثير في التفسير 1/ 495، والقرطبي في التفسير 3/ 382.
وقد ذكره سبط بن الجوزي في المرآة 1/ 210، وقال عقبة: «قال جدي في المنتظم» : الحديث محمول على أن آدم نسي لطول المدة لا أنه كان ذاكرا لذلك ثم جحد، لأنه يكون كذبا، والأنبياء منزهون عن الكذب. ولم نجد هذه المقولة في النسخ التي بين أيدينا. وقال سبط بن الجوزي ردا عليه:
«إلا أن النبي صلّى الله عليه وسلم نص على أنه جحد، والجحد يحتمل على أن يكون معه نسيان فهو معذور، وإن لم يكن فيحتمل أن يكون الله ألهمه أن يكمل له ألف سنة ويتم لداود مائة سنة ولا ينقص من ملكه شيئا» .
[1] في المختصر: قليمار، ويقال: «قيثمار» .
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 145.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 148.
[4] تاريخ الطبري 1/ 152.(1/217)
وَقَالَ أَبُو صَالِح، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ولد شيث وأخته عزورا، وَهُوَ بالعربية شث، وبالسريانية شاث، وبالعبرانية شيث، وإليه أوصى آدَم، وَكَانَ آدَم [يَوْم] [1] ولد لَهُ شيث ابْن ثلاثين ومائة سَنَة [2] .
وَقَدْ زعم أَكْثَر علماء الفرس أَن جيومرت هُوَ آدَم. وزعم بَعْضهم أَنَّهُ ابْن آدَم لصلبه [من حواء] [3] .
وَقَالَ آخرون: هُوَ حام بْن يافث [4] بْن نوح. وأكثر الْعُلَمَاء عَلَى أَن جيومرت هُوَ أَبُو الفرس من العجم، وإنما اختلفوا هل هُوَ آدَم أم غيره؟ [5] وَقَالَ قوم: إنه ملك وتجبر وتزوج ثلاثين امرأة وكثر نسله وتسمى بآدم، وَمَا زال ملكه وملك أولاده منتظما بأرض المشرق إِلَى أَن قتل يزدجرد بْن شهريار أَيَّام عُثْمَان بْن عَفَّان.
وَقَدْ ذكر أَبُو الْحَسَن بْن البراء: أَن جيومرت ملك ثلاثين سَنَة، ثُمَّ كان من سوى الملك هوشنك من أولاد أولاده ملك أربعين سَنَة، ثُمَّ ملك طهمورث من أولاد أولاد هوشنك، ودان بدين الصابئين ثلاثين سنة، ثم ملك أخوه جمشيد ستمائة وست عشرة سنة، ثم ملك هوارسب ألف سَنَة، ومن قبله كَانَ نمرود صاحب إِبْرَاهِيم، ثُمَّ ملك فريدُونَ مائتي سَنَة، وقسم الْمَلِك بَيْنَ أولاده فِي حياته، ثُمَّ ملك ابنه إيرج ست سنين، ثُمَّ انتقل الْمَلِك إلى منوشهر ثمانين سنة إلى أَن غلبه التركي اثنتي عشرة سَنَة، ثُمَّ غلبه منوشهر فملك ثمانيا وعشرين سَنَة.
وَقَدْ حكينا آنفا عَنْ أَبِي الْحُسَيْن بْن المنادي أَن جيومرث وطهمورث من أولاد الجان، والله أعلم.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 152.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناه من الطبري وهذا القول أيضا في تاريخ الطبري 1/ 146.
[4] في الطبري: «جامر بن ياقث» 1/ 147.
[5] راجع تاريخ الطبري أيضا 1/ 147.(1/218)
وَقَدْ رَوَى ابْن إِسْحَاق، عَنْ بَعْض أَهْل الكتاب: أَن حواء حملت بقين بْن آدَم- وَهُوَ الَّذِي يقال لَهُ: قابيل- فِي الْجَنَّة وتوأمته فلم تجد وحما ولا وصبا وولدتهما وَلَمْ تر معهما دما لطهر الْجَنَّة، فلما نزلت إلى الأرض حملت بهابيل وتوأمته [1] .
وَفِي هَذَا بَعْد وليس مِمَّا يوثق بنقله.
ومن الأحداث احتيال إِبْلِيس عَلَى آدَم وحواء فِي تسمية عبد الحارث
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَك بْن عَبْد الْجَبَّارِ، قَالَ: أخبرنا أبو بكر المنكدري، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن بْن الصَّلْتِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَنْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الحسن بْنُ مُوسَى الأَشِيبُ، حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ الْخَزْرَجِيِّ، عَنْ خَصِيفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ وعكرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ حَوَّاءَ لَمَّا حَمَلَتْ جَاءَهَا إِبْلِيسُ فَقَالَ: إِنِّي أَخْرَجْتُكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ لئن لم تُطِيعِينِي لأَجْعَلَنَّ لِوَلَدِكِ قَرْنَيْنِ يَشُقَّانِ بَطْنَكِ أَوْ لأَخْرَجْتُهُ مَيِّتًا، فَقَضَى اللَّهُ أَنْ خَرَجَ مَيِّتًا، فلما حَمَلَتْ بِالثَّانِي جَاءَهَا فَقَالَ لَهَا مِثْلَ مَقَالَتِهِ الأُولَى فَقَضَى اللَّهُ أَنَّ الْوَلَدَ خَرَجَ مَيِّتًا، فلما حَمَلَتِ الثَّالِثَ جَاءَهَا فَقَالَ لَهَا مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَقَالَتْ: وَمَا الَّذِي تُرِيدُ أَنْ نُطِيعَكَ فِيهِ، قال: سمياه عَبْد الْحَارِثِ، فَفَعَلَتْ فَقَالَ اللَّهُ:
جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما 7: 190 [2] .
قَالَ عُثْمَان: وحدثنا يعلى بْن عَبْد، حَدَّثَنَا عَبْد الْمَلِك، قَالَ: قيل لسعيد بْن جُبَيْر: يا أبا عَبْد اللَّه أشرك آدَم؟ قَالَ: معاذ اللَّه أَن تقول أشرك آدَم، إِن حواء لما حملت وأثقلت أتاها إبليس فَقَالَ لَهَا: أرأيت هَذَا الَّذِي فِي بطنك من أين يخرج؟ أمن/ فيك، أم من منخرك، أم من أذنيك؟ أرأيت إِن خرج سويا صحيحا لَمْ يضرك، أتطيعيني فِي اسمه؟ قالت: نعم فلما ولدت، قال: سمياه عَبْد الْحَارِث [3] . فسمياه عَبْد الْحَارِث.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جعفر، حدثنا
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 139.
[2] سورة: الأعراف، الآية: 189 والخبر أخرجه الطبري في التاريخ 1/ 148، 149، 150، 151، وفي التفسير 13/ 309، وما بعدها.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 149، 150، وفي التفسير 13/ 313.(1/219)
عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، حدثنا عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عُمَر بْن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا قَتَادَة، عَنْ الْحَسَن، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَمَّا حَمَلَتْ حَوَّاءُ وَطَافَ بِهَا إِبْلِيسُ فَكَانَ لا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، فَقَالَ: سَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ فَإِنَّهُ يَعِيشُ، فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الْحَارِثِ فَعَاشَ» [1] .
ومن الأحداث
إِن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لما أعطى آدَم ملك الأَرْض نبأه وجعله رسولا إِلَى ولده، وأنزل عَلَيْهِ إحدى وعشرين صحيفة كتبها بخطه وعلمه جبريل إياها [2] .
ذكره أَبُو جَعْفَر الطبري، قَالَ: وقيل: إِن مِمَّا أنزل عَلَيْهِ حروف المعجم فِي إحدى وعشرين ورقة، وتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير [3] .
وَقَدْ رَوَى أَبُو أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّه، أَنَبِيًّا كَانَ آَدَمُ؟ قَالَ:
«نَعَمْ مُكَلَّمًا» [4] .
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «أَوَّلُ الْمُرْسَلِينِ آَدَمُ» . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْن حَيَّوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن معروف، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سعد، حدثنا عمرو بْنُ الْهَيْثَمِ، وَهَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالا: حَدَّثَنَا المسعودي، عن ابن عُمَرَ الشَّامِّي، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْحَشَّاشِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَنْبِيَاءِ أَوَّلٌ؟ قَالَ: «آَدَمُ» ، قلت: أنبيّا كان؟ قال: «نعم نبيا مُكَلَّمًا» [5] .
ومن ذَلِكَ وعظ بنيه [6]
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُور عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أبو بكر أحمد بن علي بن
__________
[1] الحديث أخرجه الطبري في التاريخ 1/ 148، والتفسير 13/ 190.
[2] تاريخ الطبري 1/ 150.
[3] تاريخ الطبري 1/ 151.
[4] الحديث أخرجه الطبري في التاريخ 1/ 151.
[5] الحديث أخرجه الطبري في التاريخ 1/ 150، 151. وابن سعد في الطبقات 1/ 32.
[6] تاريخ الطبري 1/ 158- 159، والبداية والنهاية 1/ 98، وعرائس المجالس 47، والكسائي 73.(1/220)
ثابت الْخَطِيبِ، أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِي الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْد الْعَزِيز بْن جَعْفَر الْخَرْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن إِسْمَاعِيل، حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ كثرت ذريته فاجتمع إليه ذات يَوْمٌ وَلَدُهُ، وَوَلَدُ وَلَدِهِ، وَوَلَدُ وَلَدِ وَلَدِهِ، فَجَعَلُوا يَتَحَدَّثُونَ حَوْلَهُ وَآَدَمُ سَاكِتٌ لا يَتَكَلَّمُ، فقالوا: يا أبانا ما لنا نَحْنُ نَتَكَلَّمُ وَأَنْتَ سَاكِتٌ لا تَتَكَلَّمُ؟ قَالَ: يا بني ان الله عز وجل لما أَهْبَطَنِي إِلَى الأَرْضِ مِنْ جِوَارِهِ عَهِدَ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا آدَمُ أَقِلِّ الْكَلامَ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى جِوَارِي [1]
. ومن الأحداث مَا روي أَنَّهُ ضرب الدنانير
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ الصَّوَّافِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْنُ خَلَفٍ وكيع، حدثنا المشرف بن سعد أبو زيد الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبًا يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ ضرب الدنانير والدراهم آدم صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: لا تَصْلُحُ الْمَعِيشَةُ إِلا بِهَا.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نَاصِرٍ الْحَافِظ، أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن أَحْمَد السرج، أَخْبَرَنَا عَبْد الْعَزِيز بْن الْحَسَن بن إِسْمَاعِيل الضراب، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَرْوَان، حَدَّثَنَا عبد المنعم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وهب بن منبه، قَالَ: لما ضربت [الدراهم] [2] والدنانير حملهما إِبْلِيس فقبلهما، وَقَالَ: سلاحي وقرة عيني وثمرة قلبي، بكما أغري وبكما أطغي، وبكما أكفر ابن آدم، وبكما تستوجب [3] النار ابن آدم.
ومن الأحداث قتل قابيل أخاه هابيل [4]
اختلفوا في السبب الذي قتله لأجله:
فروى السدي عَنْ أشياخه، قَالَ: كَانَ لا يولد لآدم مولود إلا ومعه جارية، وكان
__________
[1] راجع مرآة الزمان 1/ 220، 221.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وكتبت على هامشها.
[3] على الهامش: «وبكما توجب» .
[4] تاريخ الطبري 1/ 137، وتفسيره 10/ 201، والبداية والنهاية 1/ 92، وعرائس المجالس 43، والكسائي 72، ومرآة الزمان 1/ 213.(1/221)
يزوج غلام هَذَا البطن جارية هَذَا البطن الآخر، وجارية هَذَا البطن غلام هَذَا البطن الآخر. حتى ولد لَهُ قابيل وهابيل، وَكَانَ قابيل صاحب زرع، وهابيل صاحب ضرع، وَكَانَ قابيل الأكبر، وكانت لَهُ أخت أَحْسَن من أخت هابيل، وطلب هابيل أَن ينكح أخت قابيل، فأبى عَلَيْهِ، وَقَالَ: هِيَ أَحْسَن من أختك [1] ، وأنا أحق أَن أتزوجها، فأمره آدَم أَن يزوجه إياها [2] ، فأبى.
فقربا قربانا، وَكَانَ آدَم قَدْ ذهب إِلَى مَكَّة، فَقَالَ آدَم للسماء: احفظي ولدي بالأمانة، فأبت، وقال للأرض، فأبت، وَقَالَ للجبال فأبت، فَقَالَ لقابيل، فَقَالَ: نعم، ترجع فتجد أهلك كَمَا يسرك.
فلما انطلق [آدم] [3) ق] ربا قربانا، قرب هابيل جذعة سمينة، وقرب قابيل حزمة سنبل، فنزلت فأكلت قربان [هابيل] [4] وتركت قربان قابيل، فغضب وَقَالَ: لأقتلنك حَتَّى لا تنكح أختي فطلبه ليقتله، فذهب إلى رءوس الجبال، فأتاه يوما وَهُوَ نائم فِي الجبل، فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات وتركه بالعراء، [لا يدري] [5] كَيْفَ يدفن، إِلَى أَن بعث اللَّه غرابين فاقتتلا، فقتل أحدهما الآخر ثُمَّ حفر لَهُ ثُمَّ حثا عَلَيْهِ، فقال حينئذ: أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ 5: 31 [6] .
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيْوَيَةَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سعد، حدثنا موسى بن إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: كان لآدم أربعة أولاد توأم ذكر وَأُنْثَى مِنْ بَطْنٍ [وَذكر وَأُنْثَى مِنْ بطن] [7] ، فكانت أخت صاحب الحرث
__________
[1] في الطبري: «هي أختي ولدت معي، وهي أحسن من أختك» .
[2] في الطبري: «فأمره أبوه أن يزوجه» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من الطبري.
[4] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.
[6] سورة: المائدة: الآية: 31.
والخبر في تاريخ الطبري 1/ 137- 138، وفي التفسير 10/ 206.
[7] ما بين المعقوفتين: من هامش المخطوطة.(1/222)
وَضِيئَةً، وَكَانَتْ أُخْتُ صَاحِبِ الْغَنَمِ قَبِيحَةً، فَقَالَ صَاحِبُ الْحَرْثِ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا، وَقَالَ صَاحِبُ الغنم: ويحك أتريد أن تستأثر بوضاءتها عليّ، تعالى حَتَّى نُقَرِّبَ قُرْبَانًا، فَإِنْ تُقُبِّلَ قُرْبَانُكَ كُنْتَ أحق بها، وَإِنْ تُقُبِّلَ قُرْبَانِي كُنْتُ أَحَقَّ بِهَا. قَالَ: فَقَرَّبَا قُرْبَانَيْهِمَا، فَجَاءَ صَاحِبُ الْغَنَمِ بِكَبْشٍ أَعَنَّ أَقْرَنَ أَبْيَضَ، وَجَاءَ صَاحِبُ الْحَرْثِ بَصُبُرَةٍ مِنْ طَعَامِهِ، فَقُبِلَ الْكَبْشُ فَجَعَلَهُ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، وَهُوَ الْكَبْشُ الَّذِي ذَبَحَهُ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ صَاحِبُ الْحَرْثِ: لأَقْتُلَنَّكَ، فَقَتَلَهُ، فَوَلَدُ آَدَمَ كلهم من ذلك الْكَافِرِ [1] .
قَالَ موسى: وحدثنا حماد، عَنْ عَلِي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ آدَم يزوج ذكر هَذَا البطن بأنثى هَذَا البطن، وأنثى هَذَا البطن بذكر هَذَا البطن.
وَقَدْ ذكر ابْن إِسْحَاق عَنْ بَعْض أَهْل الكتاب: أَن قابيل كان يفتخر على هابيل ويقول: أنا وأختي من ولادة الْجَنَّة، فامتنع من تزويجه فقتله بَعْد هَذَا [2] .
وَرَوَى العوفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أنهما قربا قربانا تطوعا لأجل المرأة فلم يتقبل قربان قابيل، فغضب وقتل أخاه، وَقَالَ: لا ينظر النَّاس إلي وإليك وأنت خير مني.
وَقَدْ روينا عَنِ الْحَسَن أَن ابني آدَم هذين من بَنِي إسرائيل وَلَمْ يكونا من صلب آدم، وان أول من مَات آدَم.
وَفِي هَذَا بَعْد، فإنا قَدْ ذَكَرْنَا أَن حواء لَمْ يكن لَهَا ولد، فسمت ولدها عبد الحارث، ويقال ان أول من مَات آدَم.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بن محمد، أخبرنا الحسن بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلا كَانَ عَلَى ابْنِ آَدَمَ الأَوَّلَ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا» ، لأَنَّهُ كَانَ أول من سن القتل [3] .
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 139، وفي تفسيره 10/ 223.
[2] تاريخ الطبري 1/ 140.
[3] الخبر أخرجه الطبري في التاريخ 1/ 144، وفي التفسير 10/ 214.(1/223)
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وذكر فِي التوراة: أَن هابيل قتل وَلَهُ عشرون سَنَة، وَكَانَ لقابيل يَوْمَئِذٍ خمس وعشرون سَنَة.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُور عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَلِي بْن ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا الأَزْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِي بْن عُمَر الْحَافِظ. حَدَّثَنَا إسماعيل بن العباس الوراق، حدثنا أبو الْبَخْتَرِيُّ عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْمَخْرَمِيُّ، عَنْ عَبْد العزيز بن الرَّيَّاحِ، عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة، عَنِ ابْن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا قَتَلَ ابْنُ آدَمَ أَخَاهُ، قَالَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ:
تَغَيَّرَتِ الْبِلادُ وَمَنْ عَلَيْهَا ... فَوَجْهُ الأَرْضِ مُغْبَرٌ قَبِيحٌ
تَغَيَّرَ كُلُّ ذِي طَعْمٍ وَلَوْنٍ ... وَقَلَّ بَشَاشَةُ الْوَجْهِ الصَّبِيحِ [1]
قَتَلَ قابيل هابيلا أخاه ... فوا حزنا مَضَى [2] الْوَجْهُ الْمَلِيحُ
فَأَجَابَهُ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ:
تَنَحَّ عَنِ الْبِلادِ [3] وَسَاكِنِيهَا ... بَنى فِي الْخُلْدِ ضَاقَ لَكَ الْفَسِيحُ [4]
وَكُنْتَ بِهَا وَزَوْجَكَ فِي رَخَاءٍ [5] ... وَقَلْبَكُ مِنْ أَذَى الدُّنْيَا مُرِيحٌ
فَمَا انْفَكَّتْ مُكَايَدَتِي وَمَكْرِي [6] ... إِلَى أَنْ فَاتَكَ الثَّمَنُ الرَّبِيحُ [7]
فَلَوْلا رَحْمَةُ الْجَبَّارِ أَضْحَى ... بِكَفِّكَ مِنْ جنان الخلد ريح [8]
__________
[1] في الطبري «الوجه المليح» .
[2] ما بين المعقوفتين: من هامش المخطوط.
[3] في المختصر: «تنح سجن البلاد» .
[4] في المرآة: «فقد في الخلد ضاق بك القبيح» .
[5] في المختصر والمرآة: «في رخاء» .
[6] في المرآة: «فما زالت مكايدتي» .
[7] في المرآة: «إلى أن فاتك الخلد المريح» .
[8] هذا الشعر أورده الطبري في التاريخ عن آدم برواية علي 1/ 145، وانظر أيضا:
مروج الذهب 1/ 39، وتفسير الطبري 10/ 209، ومرآة الزمان 1/ 217، 218، وقال:
«وقد أنكر ابن عباس هذا الشعر، وقال: من قال إن آدم قال شعرا فقد كذب(1/224)
ومن الأحداث [1]
إِن قابيل [بَعْد أَن] [2] قتل أخاه هرب إِلَى اليمن وشاع فِي أولاده الزنا وشرب الخمر والفساد، فأوصى آدَم أَن لا ينكح بنو شيث بَنِي قابيل، فجعل بنو شيث آدَم فِي مغارة وجعلوا عَلَيْهِ حافظا لا يقربه أحد من بَنِي قابيل. وَكَانَ الَّذِينَ يأتونه ويستغفر لَهُمْ بنو شيث، فَقَالَ مائة من بَنِي شيث صباح: لو نظرنا مَا فعل عمنا. يعنون بَنِي قابيل، فهبطت المائة إِلَى نساء من بَنِي قابيل فاحتبسوهن، ثُمَّ قَالَ مائة أُخْرَى: لو نظرنا مَا فعل/ إخوتنا فهبطوا فاحتبسهم النساء ثُمَّ هبط بنو شيث كلهم فجاءت المعصية، فكثر بنو قابيل حتى ملئوا الأرض، وهم الذين غرقوا أَيَّام نوح.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد القزاز، أخبرنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمَأْمُونِ، أَخْبَرَنَا عبد الله بن محمد بْن حَنَانَهْ، حَدَّثَنَا الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِي بْن زَيْد، عَنْ أَبِي عُثْمَان، عَنْ ابْن مَسْعُود، وَابْنُ عَبَّاسٍ قَالا:
لَمَّا كَثُرَ بَنُو آدم دعت عليهم السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَالْمَلائِكَةُ: رَبَّنَا أَهْلِكْهُمْ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْمَلائِكَةِ: أَنِّي لَوْ أَنْزَلْتُ الشَّيْطَانَ وَالشَّهْوَةَ فِيكُمْ مَنْزِلَتَهُمَا مِنْ بَنِي آدَمَ لفعلتم كما يفعلون، فحدثوا أنفسهم بِأَنَّهُمْ إِنِ ابْتُلُوا سَيَعْتَصِمُونَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ أن اختاروا من أفضلكم ملكين، فاختاروا هَارُوتَ وَمَارُوتَ فَاهْبِطَا إِلَى الأَرْضِ حَكَمَيْنِ، وَهَبَطَتِ الزَّهْرَةُ فِي صُورَةِ امْرَأَةٍ. وَأَهْلُ فَارِسٍ يُسَمُّونَهُ بَيْدَخْتَ، وَكَانَ الْمَلائِكَةُ قَبْلَ ذَلِكَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا، فَلَمَّا وَقَعَا فِي الْخَطِيئَةِ اسْتَغْفَرُوا لِمَنْ فِي الأَرْضِ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن جعفر، حدثنا
__________
[ () ] على الله ورسوله، ورمى آدم بالمآثم، إن محمدا صلّى الله عليه وسلم والأنبياء كلهم في النهي عن الشعر سواء. ولكن لما قتل قابيل هابيل رثاه آدم، وهو سرياني، وإنما يقول الشعر من يتكلم العربية. فلما قال آدم مرثيته في ابنه هابيل، وهو أول شهيد كان على وجه الأرض، قال آدم لشيث: يا بني إنك وصيّي فاحفظ هذا الكلام ليتوارث فيرق الناس عليه، فلم يزل ينتقل حتى وصل إلى يعرب بن قحطان، وكان يتكلم بالعربية والسريانية، وهو أول من خط العربية، وكان يقول الشعر، فنظر في المرثية فإذا هي سجع، فقال: إن هذا ليقوم شعرا، فرد المؤخر إلى المقدم والمقدم إلى المؤخر فوزنه شعرا، وما زاد فيه ولا نقص منه تحريا في ذلك فقال الأبيات» .
[1] راجع: تفسير الطبري 2/ 419 وسائر كتب التفسير عند الآية 102 من سورة البقرة.
[2] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.(1/225)
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مَوْسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِنَّ آَدَمَ لَمَّا أَهْبَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الأَرْضِ، قَالَتِ الْمَلائِكَةُ: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا، نَحْنُ أَطْوَعُ لَكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ، فَقَالَ تَعَالَى لِلْمَلائِكَةِ: هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأَرْضَ، نَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلان، قَالُوا: هَارُوتُ وَمَارُوتُ. وأهبطا إلى الأرض، ومثلت لهما الزهرة امرأة مِنْ أَحْسَنَ النِّسَاءِ، فَجَاءَتْهُمَا فَسَأَلاهَا نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ حَتَّى تَتَكَلَّمَا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنَ الشِّرْكِ، فَقَالا: وَاللَّهِ لا نُشْرِكُ باللَّه شَيْئًا، فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي فسألاها نفسها، فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ حَتَّى تَقْتُلا هَذَا الصَّبِيَّ، فَقَالا: لا وَاللَّهِ لا نَقْتُلُهُ أَبَدًا، ثُمَّ رَجَعَتْ بِقَدَحِ خَمْرٍ [تَحْمِلُهُ] [1] ، فَسَأَلاهَا نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ حَتَّى تَشْرَبَا هَذِهِ الْخَمْرَ، فَشَرِبَا فَسَكِرَا فَوَقَعَا عَلَيْهَا وَقَتَلا الصَّبِيَّ، فَلَمَّا أَفَاقَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ: وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُمَا شَيْئًا مِمَّا أبيتما علي إِلا قَدْ فَعَلْتُمَا حِينَ سَكِرْتُمَا، فَخُيِّرَا بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا [2] وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ بَعْدَ رَفْعِ إِدْرِيسَ.
ومن الأحداث نزول الْمَوْت بآدم عَلَيْهِ السَّلام [3]
قَدْ روينا أَن ملك الْمَوْت جاء ليقبض آدَم وَقَدْ مضى من عمره ألف سَنَة سِوَى أربعين وهبها لابنه دَاوُد، فَقَالَ: قَدْ بقي لي أربعون سَنَة، فقيل لَهُ: إنك وهبتها لداود، قَالَ: مَا فعلت. وأن اللَّه تَعَالَى أتم لَهُ ألف سَنَة.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق: لما حضرت آدَم الوفاة دعا ابنه شيثا فعهد إليه عهده وعلّمه ساعات الليل والنهار وعلمه عُبَادَة الحق فِي كُل ساعة منهن وكتب وصيته. وَكَانَ شيث وصي آدم.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.
[2] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 2/ 134، والبيهقي في السنن 10/ 5، والأصبهاني في الترغيب والترهيب 1211، وابن السني في اليوم والليلة 651.
[3] تاريخ الطبري 1/ 155، والبداية والنهاية 1/ 98، وعرائس المجالس 47، والكسائي 73. ومرآة الزمان 1/ 220.(1/226)
قَالَ أَبُو جَعْفَر الطبري: إِن آدَم مرض أحد عشر يوما، ودفع إِلَى شيث كتاب وصيته، وأمره أَن يخفيه من قابيل، فاستخفى شيث وولده بِمَا عندهم من العلم، وَلَمْ يكن عند قابيل وولده علم ينتفعون [بِهِ] [1] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: رَأَيْتُ شيخا بالمدينة يَتَكَلَّمُ فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقَالُوا هَذَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَقَالَ: إِنَّ آَدَمَ [عَلَيْهِ السَّلامُ] لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ: أَيْ بَنِيَّ إِنِّي أَشْتَهِي مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَذَهَبُوا يَطْلُبُونَ لَهُ مِنْهَا فَاسْتَقْبَلَتْهُمُ الْمَلائِكَةُ وَمَعَهُمْ أَكْفَانُهُ وَحَنُوطٌ، وَمَعَهُمُ الفؤوس وَالْمَسَاحِي وَالْمَكَاتِلَ، فَقَالُوا لَهُمْ: يَا بَنِي آدَمَ مَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: أَبُونَا مَرِيضٌ وَاشْتَهَى مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، قَالُوا لَهُمُ: ارْجِعُوا قَدْ قَضَى أَبُوكُمْ. فَجَاءُوا فَلَمَّا رَأَتْهُمْ حَوَّاءُ عَرَفَتْهُمْ، فَلاذَتْ بِآدَمَ، فَقَالَ: إِلَيْكِ عَنِّي إِنَّمَا أُتِيتُ مِنْ قبلك، خلي بَيْنِي وَبَيْنَ مَلائِكَةِ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَقَبَضُوهُ وغسّلوه وكفنوه وحنطوه وحفروا له وألحدوا لَهُ، وَصَلَّوْا عَلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلُوا قَبْرَهُ فَوَضَعُوهُ فِي قَبْرِهِ وَوَضَعُوا عَلَيْهِ اللَّبِنَ، ثُمَّ خَرَجُوا من القبر ثم حثوا عليه، ثُمَّ قَالُوا: يَا بَنِي آدَمَ هَذِهِ سُنَّتُكُمْ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الملك، حدثنا الدار الدَّارَقُطْنِيُّ، حَدَّثَنَا الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الصُّبَاحِ، حدثنا أبو عبيده الحداد، عن عثمان بْنِ سَعْدٍ، عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُبَيِّ [بْنِ] [2] كعب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْمَلائِكَةَ صَلَّتْ عَلَى آَدَمَ وَكَبَّرَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، وَقَالُوا: هَذِهِ سُنَّتُكُمْ يَا بَنِي آدم» [3] .
قال الدار الدَّارَقُطْنِيُّ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْعَلَّافُ، حَدَّثَنَا صَبَاحُ بْنُ مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكِ بن مغول، عن
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 158، وما بين المعقوفتين من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.
[3] الحديث في تاريخ الطبري بأثم من ذلك 1/ 160.(1/227)
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: صلى جبريل على آدم، كبر عليه أَرْبَعًا وَصَلَّى جِبْرِيلُ بِالْمَلَائِكَةِ يَوْمَئِذٍ، وَدُفِنَ فِي مسجد الخيف واحد مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ وَلُحِدَ لَهُ وَكُتِمَ قَبْرُهُ.
وَقَالَ عروة بْن الزُّبَيْر: أتاه جبريل بثياب من الْجَنَّة وحنوط من حنوطها، فكفنه وحنطه وحملته الْمَلائِكَة حَتَّى وضعته بباب الكعبة وصلى عليه جبريل ثم حملته الملائكة حتى دفنته فِي مَسْجِد الخيف.
وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: قبر عِنْدَ منى أول قرية كانت فِي الأَرْض، قَالَ: وبلغني أَنَّهُ مَات بمكة، وَقَالَ قوم: قبر فِي غار أَبِي قبيس [1] .
وَرَوَى أَبُو صَالِح، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَات آدَم عَلَى نود [2] ، الجبل الَّذِي أهبط عَلَيْهِ، فَقَالَ شيث لجبريل: صل عَلَى آدَم، فَقَالَ: تقدم أَنْتَ وكبر عَلَيْهِ ثلاثين تكبيرة.
ولما ركب نوح حمل معه آدم فلما خرج من السفينة دفن آدَم ببيت المقدس، وَلَمْ يمت آدَم حَتَّى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا، ورأى فيهم الزنا وشرب الخمر والفساد [3] .
وقد ذكرنا أنه توفي يوم الجمعة.
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 161، ومرآة الزمان 1/ 222.
[2] في الطبري: «بوذ» .
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 161.(1/228)
بَاب ذكر خلافة شيث أباه آدَم عَلَيْهِ السَّلام [1]
قَدْ ذكر أَن شيث بْن آدَم كَانَ وصي أَبِيهِ.
وروينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أنزل عَلَى شيث خمسون صحيفة وأنه كَانَ نبيا وإلى شيث أنساب بَنِي آدَم كلهم اليوم، وَذَلِكَ أَن نسل سائر بَنِي آدَم غَيْر نسل شيث انقرضوا. ولم يزل شيث مقيما بمكة يحج ويعتمر، وجمع مَا أنزل عَلَيْهِ من الصحف إِلَى صحف أَبِيهِ آدَم فعمل بها.
ذكر الأحداث الَّتِي جرت فِي ولاية شيث
من ذَلِكَ موت أمه حواء، فإنهم ذكروا أَنَّهَا عاشت بَعْد آدَم سَنَة ثُمَّ ماتت فدفنت مع آدم، وأنهما لَمْ يزالا هنالك حَتَّى استخرجهما نوح وجعلهما فِي تابوت ثُمَّ حملهما مَعَهُ فِي السفينة، فلما ذهب الطوفان ردهما إِلَى أماكنهما.
ومن ذَلِكَ أَن شيث بْن آدَم بنى الكعبة بالحجارة والطين. وَقَدْ زعم قوم أَنَّهُ لَمْ تزل القبة التي جعلت لآدم فِي مكان الْبَيْت إِلَى أَيَّام الطوفان
. ومن الأحداث الَّتِي كَانَ ابتداؤها فِي زمن آدَم وامتدت بعده
أَن قابيل لما قتل أخاه هرب إِلَى اليمن، فأتاه إِبْلِيس، فَقَالَ: إِنَّمَا قبل قربان أخيك لأنه كَانَ يخدم النار ويعبدها فانصب أَنْتَ نارا تكون لَكَ ولعقبك. فبنى بَيْت نار فَهُوَ أول من نصب النار وعبدها [2] .
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 152- 154، 162 وما بعدها، ومروج الذهب 1/ 41، وتاريخ اليعقوبي 1/ 8، والكسائي 79، والبداية والنهاية 1/ 99، ومرآة الزمان 1/ 223.
[2] تاريخ الطبري 1/ 165.(1/229)
وجاء من أولاده جبابرة وفراعنة، ثُمَّ انقرض ولده، وَكَذَلِكَ أولاد آدَم انقطع نسلهم إلا مَا كَانَ من شيث.
وقيل: إِن بَعْض أولاد قابيل [1] اتخذ آلات اللهو من المزامير والطبول والعيدان والطنابير والمعازف، فانهمك ولد قابيل فِي اللهو، فَذَهَبَ إليهم قوم من أولاد شيث، ثُمَّ نزل آخرون، وفشت الفواحش وشرب الخمر [2] .
فأما مَا يتعلق بشيث
فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ ولد لَهُ أنوش فِي زمن أَبِيهِ آدَم، وأوصى شيث إِلَى أنوش بَعْد موت أَبِيهِ بسياسة الْمَلِك وتدبير الرعايا عَلَى منهاج أَبِيهِ من غَيْر تغير ولا تبديل، وَهُوَ أول من غرس النخل وزرع الحب ونطق بالحكمة وعاش تسعمائة وخمس سنين.
وولد لأنوش قينان فِي زمن آدَم أَيْضًا، وأوصى أنوش إِلَى قينان [3] .
وولد لقينان مهلائيل [4] فِي زمن آدَم أَيْضًا فوصى قينان إِلَيْهِ، وَكَانَ مهلائيل عَلَى منهاج أَبِيهِ.
وولد لمهلائيل يرد [5] ، فأوصى إِلَيْهِ، وقيل إِن يرد ولد فِي زمان آدَم أَيْضًا.
وولد ليرد خنوخ [6] ، وهو إدريس النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
[1] ذكر الطبري أن اسمه «توبال» .
[2] تاريخ الطبري 1/ 66.
[3] تاريخ الطبري 1/ 163.
وقينان كذا ضبطه صاحب اللسان، بفتح القاف أو مدّ النون الأولى. وفي سفر التكوين 5: 12 ضبط بكسر القاف. ويقال أيضا «قينين» . بإسقاط الألف، كما نقله صاحب التاج.
وأنوش: كصبور، كذا ضبطه صاحب تاج العروس 4/ 280، وقال: ويقال: يانش كصاحب وآدم، ويقال: إنوش بكسر الهمزة بمعنى إنسان.
[4] في سفر التكوين 5: 15 «مهللئيل» .
[5] كذا ضبطه المصنف والطبري وحكى أبو الفداء 1/ 9 بإعجام الذال، وكذا ضبطه صاحب المرآة 1/ 224. وضبطه ابن الأثير في الكامل 1/ 50 «يارذ» . بياء معجمة باثنتين من تحتها وراء مهملة وذال معجمة.
[6] ضبطه ابن الأثير في الكامل 1/ 50: بحاء مهملة مفتوحة ونون بعدها واو وخاء معجمة.(1/230)
وَهَذِهِ الأسماء لا يكاد الرواة يتوافقون عَلَيْهَا، فإني رأيت أبا الْحَسَن بْن المنادي، قَدْ ضبط بخطه لمك [1] بتسكين الميم، وحنوح بالحاء غَيْر معجمة.
وَقَدْ ذكر قوم [2] أَن أوشهنج هُوَ ابْن آدَم لصلبه، وأنه أول ملك/ ملك الأرض، وقوم يزعمون أنه من ولد نوح، فَقَالَ قوم: أوشهنج، وَهُوَ مهلائيل بْن قينان، وأن أوشهنج كَانَ فِي زمان آدم رجلا وأنه خلف جده خيومرث، وملك الأقاليم السبعة، وَكَانَ فاضلا محمودا وَهُوَ أول من استنبط الحديد فِي ملكه، فاتخذ منه الأدوات للصناعات، واستخرج المعادن، ورتب الممالك، وحضّ الناس عَلَى الزراعة، واتخذ الملابس من جلود السباع، وأمر بذبح البهائم والأكل من لحومها، ووضع الحدود فِي الأَحْكَام، وَكَانَ ملكه أربعين سَنَة، وأنه بنى مدينة الريّ، وأنها أول مدينة بنيت بَعْد مدينة جيومرث الَّتِي كَانَ يسكنها بدنباوند من طبرستان، وبنى مدينة بابل والسوس. بَعْد فِي البلاد، وجلس عَلَى السرير، وأنه نزل الهند وعقد عَلَى رأسه تاجا ونفى أَهْل الفساد والذعار من البلدان إِلَى البراري وجزائر البحار، وألجأهم إلى رءوس الجبال، وقرب أَهْل الصلاح وانتهى ملكه إِلَى طهمورث، وَهُوَ من ولده إلا أَن بينهما عدة آباء [3] .
فصل
فأما يرد أَبُو إدريس، فإنه عاش تسعمائة سَنَة.
وَرَوَى أَبُو صَالِح، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فِي زمان يرد عبدت الأصنام [4] .
أَنْبَأَنَا عَبْد الْوَهَّاب بْنُ الْمُبَارَكِ الْحَافِظِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحسن بن عبد الجبار، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الْمَسْلَمَةِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ الْمَرْزَبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أبو علي الحسن بن عليل الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ الْفُرَاتِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: أَوَّلُ مَا عَبَدَتِ الأصنام ان آدم عليه
__________
[1] في أبي الفداء: «لامخ» . ويقال: لامك ولمك أيضا» .
[2] تاريخ الطبري 1/ 168، 169.
[3] في الأصل: «إلا أن بينهما جدا وأبا» . وما أوردناه من الهامش.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 170.(1/231)
السَّلاَمُ لَمَّا مَاتَ جَعَلَهُ بَنُو شِيثٍ فِي مَغَارَةٍ فِي الْجَبَلِ الَّذِي أُهْبِطَ عَلَيْهِ بِأَرْضِ الْهِنْدِ، وَيُقَالُ لِلْجَبَلِ نَوْدٌ.
وَقَالَ هِشَامٌ: وَأَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَكَانَ بَنُو شِيثٍ يَأْتُونَ جَنْبَ آَدَمَ في الْمَغَارَةَ فَيُعَظِّمُونَهُ وَيَتَرَحَّمُونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بني قابيل: إن لبني شيث دوارا يدورون حَوْلَهُ وَيُعَظِّمُونَهُ وَلَيْسَ لَكُمْ شَيْءٌ فَنَحَتَ لَهُمْ صَنَمًا فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَهَا [1] .
وأَخْبَرَنِي أَبِي، قال: كان ودّ، وسواء، وبغوث، ويعوق، ونمر، قوما صالحين، فماتوا فِي شهر فجزع عليهم أهاليهم وأقاربهم، فَقَالَ رجل من بَنِي قابيل: يا قوم هل لكم أَن أعمل لكم خمسة أصنام عَلَى صورهم، غَيْر أني لا أقدر أَن أجعل فِيهَا أرواحا، قَالُوا: نعم، فنحت لَهُمْ خمسة أصنام عَلَى صورهم ونصبها لَهُمْ، وَكَانَ الرجل يَأْتِي أخاه وعمه وابن عمه ليعظمه ويسعى حوله حتى ذهب ذَلِكَ القرن الأَوَّل، وعملت عَلَى عهد يرد بْن مهلائيل، ثُمَّ جاء قرن آخر فعظموهم أشد من تعظيم القرن الأَوَّل، ثُمَّ جاء من بعدهم القرن الثالث، فَقَالُوا: مَا عظم أولونا هَؤُلاءِ إلا وَهُمْ يرجون شفاعتهم عِنْدَ اللَّه، فعبدوهم وعظم أمرهم واشتد كفرهم، فبعث اللَّه إليهم إدريس، فدعاهم، وَلَمْ يزل أمرهم يشتد حَتَّى بعث نوحا وجاء الطوفان، فأهبط الماء هذه الأصنام من أرض إِلَى أرض حَتَّى قذفها إِلَى أرض جدة [2] .
والصحيح أَن هذه الأصنام الخمسة عملت بَعْد نوح عَلَى مَا سنذكره، فيجوز أن يكونوا عملوها أتباعا لفعل قدمائهم.
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 225.
[2] مرآة الزمان 1/ 225.(1/232)
بَاب ذكر إدريس عَلَيْهِ السَّلام [1]
واسمه خنوخ بْن يرد بْن مهلائيل بْن قينان بْن أنوش بْن شيث بْن آدَم.
قَالَ الزُّبَيْر بْن بكار: وَهُوَ إدريس بْن اليارد بْن مهلائيل بْن قينان بْن الطاهر بْن هبه، وَهُوَ شيث بْن آدَم، وإنما قيل لَهُ إدريس لأنه أول من درس الوحي المكتوب.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ الْخَشَّابُ، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ نَبِيٍّ بَعْدَ آدَمَ إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَهُوَ حَنُوخُ بْنُ يَرْذَ، وَكَانَ يَصْعَدُ لَهُ فِي الْيَوْمِ من العمل ما لا يَصْعَدُ لِبَنِي آدَمَ فِي السَّنَةِ، فَحَسَدَهُ إِبْلِيسُ وَعَصَاهُ قَوْمُهُ، فَرَفَعَهُ اللَّهُ مَكَانًا عَلِيًّا وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ [2] .
قُلْت: كَذَا فِي هذه الرواية «حنوخ» بالحاء المهملة ثم بالخاء المعجمة، و «يرذ» بالذال المعجمة. ورويت الكلمة الأولى بخاءين معجمتين، و «يرد» بدال مهملة.
وزعم ابْن إِسْحَاق أَن إدريس أول نبي أعطي النبوة.
وَقَدْ رَوَى أَبُو ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «أَرْبَعٌ مِنَ الرُّسُلِ سِرْيَانِيِّونَ: آَدَمُ، وشيث، وأخنوخ وهو إدريس، ونوح» .
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 172، ومروج الذهب 1/ 42، وعرائس المجالس 49، والكسائي 81، وتاريخ اليعقوبي 1/ 11، ونهاية الأرب 13/ 38، والبداية والنهاية 1/ 99، ومرآة الزمان 1/ 226، والكامل في التاريخ 1/ 51.
[2] طبقات ابن سعد 1/ 40.(1/233)
وَقَالَ علماء السير: نبأ اللَّه تَعَالَى إدريس فِي حياة آدَم، وَقَدْ مضى من عُمَر آدم ستمائة واثنتان وعشرون سَنَة، وأنزل عَلَيْهِ ثلاثون صحيفة فدعا قومه ووعظهم وأمرهم بطاعة الله ومخالفة الشيطان، وأن لا يلامسوا أولاد قابيل، فخالفوا، فجاهدهم وسبى مِنْهُم واسترق.
وَهُوَ أول نبي خط بالقلم وقطع الثياب وخاطها، ورفع إدريس وهو ابن ثلاثمائة وخمس وستين سَنَة، وأبوه حي، فعاش أبوه بَعْد ارتفاعه مائة وخمسا وثلاثين سَنَة.
قَالَ زَيْد بْن أسلم [1] : كَانَ يصعد لإدريس من العمل مثل مَا يصعد لجميع بَنِي آدَم، فجاءه ملك فاستأذن اللَّه فِي جلسة، فأذن لَهُ فهبط إِلَيْهِ فِي صورة آدمي، وَكَانَ يسجد، فلما عرفه، قَالَ: إني أسألك حاجة، قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: تذيقني الْمَوْت فلعلي أعلم مَا شدته فأكون لَهُ أشد استعدادا، فأوحى اللَّه إِلَيْهِ أَن اقبض روحه ساعة ثُمَّ أرسله، ففعل، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ رأيت؟ قَالَ: أشد ما بلغني عَنْهُ، وإني أحب أَن تريني النار، قَالَ:
فحمله وأراه إياها، قَالَ: إني أحب أَن تريني الْجَنَّة، فأراه إياها، فلما دخلها وطاف فِيهَا، قَالَ لَهُ ملك الْمَوْت: اخرج، فَقَالَ: والله لا أخرج حَتَّى يَكُون اللَّه تَعَالَى يخرجني، فبعث اللَّه ملكا يحكم بينهما، فَقَالَ: مَا تقول يا ملك الْمَوْت، فقص عَلَيْهِ مَا جرى، فَقَالَ: مَا تقول يا إدريس، قَالَ: إِن اللَّه تَعَالَى قَالَ: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ 3: 185 [2] وَقَدْ ذقته، وَقَالَ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها 19: 71 [3] وَقَدْ وردتها. وَقَالَ لأهل الْجَنَّة وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ 15: 48 [4] . فو الله لا أخرج حَتَّى يَكُون اللَّه يخرجني، فسمع هاتفا من فوقه يَقُول:
بإذني دَخَلَ وبأمري فعل، فخل سبيله.
فَإِن قيل: أين هذه الآيات لإدريس؟
فالجواب: إِن اللَّه أعلم بوجوب الورود، وامتناع الخروج من الْجَنَّة وغير ذَلِكَ فقاله [5] .
__________
[1] قارن بزاد المسير 5/ 241، ونهاية الأرب 13/ 38- 42، والكسائي 82- 85، وعرائس المجالس 49- 50، ومرآة الزمان 1/ 227.
[2] سورة: آل عمران، الآية: 185، وسورة: الأنبياء، الآية: 35، وسورة: العنكبوت، الآية: 57.
[3] سورة: مريم، الآية: 71.
[4] سورة: الحجر، الآية: 48.
[5] نسب المصنف هذا الرأي لابن الأنباري نقلا عن بعض العلماء، وفي زاد المسير 5/ 241.(1/234)
ذكر الأحداث الَّتِي كانت فِي زمن إدريس عَلَيْهِ السَّلام
منها أَنَّهُ ملك الدنيا كلها فِي عهد إدريس بيوراسب، ويقال: بوراسب، وَهُوَ الضحاك بن الأهبوب [1] ، وَهُوَ صديق إِبْلِيس، قبل إدريس ظهره، وظهرت فِي منكبه حيتان، وَكَانَ دينه دين البراهمة، فبقي ملكا للأقاليم جميعا ألف سَنَة إلا نصف يَوْم.
ذكر الأحداث بَعْد إدريس
استخلف إدريس ولده متوشلخ عَلَى أمر اللَّه، وأوصاه قبل أَن يرفع، وَكَانَ أول من ركب البحر، وملك بطريق الطاعة للَّه سبحانه [2] .
ثُمَّ ولد لمتوشلخ لمك فِي حياة آدَم، ثُمَّ ولد للمك نوح عَلَيْهِ السَّلام [3] .
وقيل: كَانَ لمتوشلخ ولد يقال لَهُ: صابئ، وَبِهِ سمي الصابئون [4] .
رَوَى عكرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى 33: 33 [5] ، قال: كان فيما بَيْنَ نوح وإدريس، وكانت ألف سَنَة، وإن بطنين من ولد آدَم، كَانَ أحدهما يسكن السهل، والآخر يسكن الجبال، وَكَانَ رجال الجبال صباحا وَفِي النِّسَاء دمامة، وَكَانَ نساء السهل صباحا وَفِي الرجال دمامة، وأتى إِبْلِيس رجلا من أَهْل السهل فِي صورة غلام، فآجر نَفْسه منه، وَكَانَ إِبْلِيسُ يخدمه، فأخذ إِبْلِيس مثل هَذَا الَّذِي يزمر فِيهِ الرعاء، فجاء فيه بصوت لم يسمع الناس مثله، [فبلغ ذَلِكَ من حولهم] [6] ، فانتابوهم يَسْمَعُونَ إِلَيْهِ، [واتخذوا عيدا يجتمعون إِلَيْهِ فِي السنة] [7] ، فتتبرج النِّسَاء للرجال [8] .
[قَالَ: وينزل الرجال لهن. وإن رجلا من أَهْل الجبل هجم عَلَيْهِم وَهُمْ فِي عيدهم ذَلِكَ، فرأى النِّسَاء وصباحتهن، فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك] [9] ، ثم تحولوا
__________
[1] وردت في موضع آخر: «الأرينوب» .
[2] تاريخ الطبري 1/ 173.
[3] تاريخ الطبري 1/ 174.
[4] تاريخ الطبري 1/ 174.
[5] سورة: الأحزاب، الآية: 33.
[6] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[7] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[8] في الأصل: «فتتبرج الرجال للنساء» .
[9] ما بين المعقوفتين: من الطبري.(1/235)
[إليهن] [1] ، فنزلوا معهن، فظهرت الفاحشة [فيهن] [2] ، فَهُوَ قَوْله تَعَالَى: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى 33: 33 [3] .
وَقَدْ كانت أحداث كثيرة وقرون بَيْنَ آدَم ونوح لا يعلم أكثرها.
وَرَوَى أَبُو أمامة أن رجلا سأل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَمْ كَانَ بَيْنَ آدَم ونوح؟ قَالَ: «عشرة قرون» . قَالَ الشيخ الإمام أَبُو الفرج: وَقَدِ اختلف فِي ترتيب هذه القرون والأحداث الكائنة فِيهَا.
فمن ذَلِكَ: أَن قوما قَالُوا: ملك طهمرث، ويقال: طهمورب، بالباء، كَذَلِكَ ضبط أبو الحسين ابن المنادى. ويقال: طهومرت، وَهُوَ من ولد أوشنج [4] ، وبينهما عدة آباء، فسلك طريق جده، وملك الأقاليم كلها، وبنى الموضع الَّذِي جدده بَعْد ذَلِكَ شابور ملك فارس، ونزله، ونفى الأشرار، وَهُوَ أول من كتب بالفارسية، واتخذ الْخَيْل والبغال والحمير، والكلاب لحفظ المواشي، واستمرت أحواله عَلَى الصلاح.
ثُمَّ ملك أخوه جم الشيذ [5] ، وتفسيره سد الشعاع، سمي بِذَلِكَ لأنه كَانَ جميلا وضيئا، فملك الأقاليم، وسلك السيرة الجميلة/ وزاد فِي الْمَلِك بأن ابتدع عمل السيوف والسلاح ودل عَلَى صنعة الإبريسم والقز وغيره ومما يغزل. وأمر بنسج الثياب وصبغها، و [نحت] [6] السروج والأكف، [وتذليل الدواب بها] [7] .
وصنف النَّاس أربع طبقات: طبقة مقاتلة، وطبقة كتابا، وطبقة صنّاعا وحراثين، وطبقة خدما [8] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[3] الخبر أخرجه الطبري في التاريخ 1/ 167، وفي التفسير 22/ 4.
[4] في تاريخ الطبري: «أوشهنج» . وراجع تاريخ الطبري 1/ 171، 174، 175.
[5] في الأصل: «جمشيد» ، وما أوردناه من تاريخ الطبري. وفي المرآة: «جمشيد» . بالدال. وراجع سيرته في تاريخ الطبري 1/ 175.
[6] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[7] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[8] في تاريخ الطبري: «طبقة مقاتلة، وطبقة فقهاء، وطبقة كتابا وصناعا وحراثين، واتخذ طبقة منهم خدما» .(1/236)
وعمل أربعة خواتم: خاتما للحرث والشرط، وكتب عَلَيْهِ الأناة، وخاتما للخراج وجباية الأَمْوَال، وكتب عَلَيْهِ العمارة. وخاتما للبريد، وكتب عَلَيْهِ الرخاء. وخاتما للمظالم، وكتب عَلَيْهِ العدل، فبقيت هذه الرسوم فِي ملوك الفرس إِلَى أَن جاء الإِسْلام.
وألزم من غلبه من أَهْل الفساد بالأعمال الصعبة من قطع الصخور من الجبال، وعمل الرخام والجص والبناء والكلس والحمامات.
وأخرج من البحار والجبال والمعادن والفلوات كُل مَا ينتفع به الناس من الذهب والفضة وَمَا يذاب من الجواهر وأنواع الطيب والأدوية، وأحدث النوروز فجعله عيدا.
ثُمَّ إنه بطر وجمع الخلق فأخبرهم أَنَّهُ مالكهم والدافع عَنْهُم بقوته الهرم والسقم والموت، وجحد إحسان اللَّه إِلَيْهِ، وادعى الربوبية.
فأحس بِذَلِكَ الْمَلِك بيوراسب الَّذِي يسمى الضَّحَّاك، وَهُوَ من ولد جيومرث، ويزعم قوم أَن جم الشيذ زوج أخته بَعْض أشراف أَهْل بَيْت، فولدت لَهُ الحكم [1] فانتدب إِلَى جم بنفسه، فهرب منه، ثُمَّ ظفر بِهِ الضَّحَّاك فامتلخ أمعاءه ونشره بمنشار.
وَقَدْ روينا عَنْ وهب بْن منبه قصة تشبه أَن تكون قصة جم لولا أَن فيها ذكر نصر، وبين جم ونصر بون بعيد [2] ، إلا أَن يَكُون الضَّحَّاك سمي بذلك الزمان نصر.
فأخبرنا عبد الخالق بْن أَحْمَد بْن يُوسُف، أَخْبَرَنَا عَلِي بْن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق اليزدي، أخبرنا عبد الرحمن بن أَحْمَد الرازي، أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن عَبْد اللَّهِ الروياني، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن هَارُون، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف، حَدَّثَنَا خلف، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل، حَدَّثَنَا عبد الصمد بْن معقل، قَالَ: سَمِعْتُ وهبا يَقُول:
إِن رجلا ملك وَهُوَ شاب، فقال: إني لأجد للملك لذة، ولا أدري أكذلك يجد النَّاس الْمَلِك أم أَنَا أجده من بينهم؟ فقيل: بَل الْمَلِك كَذَلِكَ، فَقَالَ: مَا الَّذِي يقيمه لي؟
__________
[1] كذا في الأصل، وفي المرآة «الضحاك» .
[2] في الطبري 1/ 176: «دهر طويل» .(1/237)
فَقِيلَ لَهُ: يقيمه أَن تطيع الله ولا تعصيه، فدعا ناسا من خيار من [كَانَ] [1] فِي ملكه، فَقَالَ لَهُمْ: كونوا بحضرتي وَفِي مجلسي، فما رأيتم أَنَّهُ طاعة اللَّه فمروني أَن أعمل بِهِ، وَمَا رأيتم أَنَّهُ معصية اللَّه فازجروني عَنْهُ أنزجر [2] ، ففعل ذَلِكَ هُوَ وَهُمْ، فاستقام ملكه أربعمائة سَنَة مطيعا للَّه.
ثُمَّ إِن إِبْلِيس انتبه لِذَلِكَ، فَقَالَ: تركت رجلا [3] يعَبْد اللَّهِ ملكا أربعمائة [سَنَة] [4] ، فجاء فدخل عَلَيْهِ وتمثل لَهُ برجل، ففزع منه الْمَلِك فَقَالَ: من أَنْتَ؟ فَقَالَ إِبْلِيس: لا ترع [5] ، ولكن أَخْبَرَنِي من أَنْتَ؟ فَقَالَ الْمَلِك: أنا رجل من بَنِي آدَم، فَقَالَ لَهُ إِبْلِيس: لو كنت من بَنِي آدَم لَقَدْ مت كَمَا يموت بنو آدَم، ألم تركم قَدْ مَات من النَّاس وذهب [من] [6] القرون، ولكنك إله، فادع النَّاس إِلَى عبادتك.
فدخل ذَلِكَ فِي قلبه، ثُمَّ صعد المنبر، فخطب النَّاس، فَقَالَ: يا أيها النَّاس إني [قَدْ كنت] [7] أخفيت عليكم أمرا بان لي إظهاره لكم، أتعلمون أني ملكتكم أربعمائة سنة، فلو كنت من بَنِي آدَم لَقَدْ مت كَمَا مَاتُوا، ولكني إله فاعبدُونَي فأرعش مكانه، فأوحى اللَّه تَعَالَى إِلَى بَعْض من كَانَ مَعَهُ، فَقَالَ: أخبره أني [قَدِ] [8] استقمت [لَهُ] [9] مَا استقام لي، فارعوى [10] من طاعتي إِلَى معصيتي فلم يستقم لي، فبعزتي حلفت لأسلطن عَلَيْهِ نصر فليضربن عنقه، وليأخذن مَا فِي خزانته، وكان في ذَلِكَ الزمان لا يسخط اللَّه عَلَى أحد إلا سلط عليه نصر فضرب عنقه وأوقر من خزانته سبعين سفينة [ذهبا] [11] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناه من الهامش.
[2] في الأصل: «أزدجر» . والتصحيح من الطبري.
[3] في الأصل: «نترك رجلا» . والتصحيح من الهامش.
[4] ما بين المعقوفتين: من الهامش.
[5] في الأصل: «لن تراع» .
[6] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[7] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[8] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[9] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[10] في الطبري: «فإذا تحول» .
[11] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 177. وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(1/238)
بَاب ذكر نوح عَلَيْهِ السَّلام [1]
وَهُوَ نوح بْن لمك بْن متوشلخ بْن إدريس.
وَقَالَ الزُّبَيْر بْن بكار: نوح بْن ملكان بْن مثوب بْن إدريس، وَكَانَ بَيْنَ آدَم ونوح ألف سَنَة، وولد نوح عَلَيْهِ السَّلام بَعْد وفاة آدم بثمانمائة وست وعشرين سَنَة، فلما بلغ قَالَ لَهُ أبوه: قد علمت أَنَّهُ لَمْ يبق فِي هَذَا الموضع غيرنا فلا تستوحش ولا تتبع الأمة الخاطئة، فَمَا زال عَلَى حاله حَتَّى بعثه اللَّه تَعَالَى بَعْد أَن تكامل لَهُ خمسون سَنَة، وقيل:
ثلاثمائة وخمسون، وقيل: كان ابن أربعمائة وثمانين سَنَة، فبعث وليس فِي الزمان من يأمر بالمعروف، وكانوا يعبدُونَ الأوثان، فدعاهم وكانوا يضربونه حَتَّى يغشى عَلَيْهِ [1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيْوَيَةَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبُ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ لِلَمَكٍ يَوْمُ وَلَدَ نُوحًا اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ، فَبَعَثَ اللَّهُ نُوحًا إليهم وهو ابن أربعمائة وثمانين سنة، ودعاهم مائة وعشرون سنة، وركب السفينة وهو ابن ستمائة سنة، ثم مكث بعد ذلك ثلاثمائة وَخَمْسِينُ سَنَةً [2] .
أَخْبَرَنَا أَبُو المعمر الأَنْصَارِي، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن عَبْد الْوَهَّاب بْن منده، أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر بْن عَبْد الرَّحِيم، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد بْن حبان، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن معدان، حدثنا أبو عمير، حدثنا أبو ضمرة، عن سعيد بن حسن، قال: كان قوم نوح
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 179، ومروج الذهب 1/ 43، ونهاية الأرب 13/ 42، وعرائس المجالس 54، والكسائي 85، والبداية والنهاية 1/ 100، ومرآة الزمان 1/ 236.
[2] مرآة الزمان 1/ 236، 237.(1/239)
يزرعون فِي الشهر مرتين، وكانت المرأة تلد أول النهار فيتبعها ولدها فِي آخره.
قَالَ علماء السير: فرض اللَّه عَلَى نوح الصلاة والحلال والحرام، وأمره اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بصنعه السفينة، فغرس شجرة فعظمت ثُمَّ قطعها، وجعل يعمل سفينة فيمرون عَلَيْهِ فيسخرون منه.
قَالَ سلمان الفارسي: أنبت الساج أربعين سَنَة، وعملها في أربعمائة سَنَة [1] .
قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَن طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسون، وارتفاعها فِي السماء ثلاثون [2] .
وقيل: طولها ألف ذراع، وكانت ثَلاث طبقات، فطبقة فِيهَا الدواب والوحش، وطبقة فِيهَا الإنس، وطبقة فِيهَا الطير، فلما كثرت أرواث الدواب أوحى اللَّه تَعَالَى إِلَى نوح أَن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة، فأقبلا عَلَى الروث، فلما وقع الفأر بخرز السفينة يقرضه أوحى اللَّه إِلَى نوح أَن اضرب بَيْنَ عيني الأسد فخرج من منخره سنور وسنورة، فأقبلا عَلَى الفأر [3] .
وَرَوَى يُوسُف بْن مهران، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أول مَا حمل فِي الفلك من الدواب الذرة، وآخر مَا حمل الحمار [4] .
قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانُوا ثمانين رجلا مِنْهُم سام، وحام، ويافث. وكنائنه، نساء بنيه هؤلاء، وثلاثة وسبعون من ولد شيث [5] .
وَقَالَ قَتَادَة: كَانُوا ثمانية: نوح وامرأته، وبنوه الثلاثة ونساؤهم [6] .
وَقَالَ الأَعْمَش: كَانُوا سبعة، وَلَمْ يذكر امرأة نوح [7] .
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 179، 180. وقارن بزاد المسير 4/ 102.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 181.
[3] تاريخ الطبري 1/ 181.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 184.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 187، وزاد المسير 4/ 106- 107.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 188.
[7] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 188.(1/240)
وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: كَانُوا عشرة [1] .
قَالَ ابْن جريج: حدثت أَن حاما أصاب امرأته فِي السفينة فدعا عَلَيْهِ نوح فتغير نطفته فجاء بالسودان [2] .
وَقَالَ الْحَسَن: كَانَ التنور الَّذِي فار منه الماء حجارة [3] .
واختلفوا أين فار التنور؟
فروى عكرمة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فار بالهند [4] . وَقَالَ الشَّعْبِي ومجاهد بالكوفة [5] .
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ عَلِيٍّ الطَّنَاجِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاهِينَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُوخٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا رَكِبَ نُوحٌ السَّفِينَةَ جَاءَ إِبْلِيسُ فَتَعَلَّقَ بِالسَّفِينَةِ وَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: إِبْلِيسُ، قَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جِئْتُ لِتَسْأَلَ لِي رَبَّكَ، هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ تَوْبَتَهُ أَنْ يَأْتِيَ قَبْرَ آَدَمَ فَيَسْجُدُ لَهُ، فَقَالَ: أَنَا لَمْ أَسْجُدْ لَهُ حَيًّا وَأَسْجُدُ لَهُ مَيِّتًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ من الْكافِرِينَ 2: 34 [6] .
قَالَ علماء السير: فلما استقر نوح بمن مَعَهُ فتحت أبواب السماء بماء منهمر، فغطى السفينة وَكَانَ بَيْنَ أَن أرسل اللَّه الماء [7] ، وبين أَن احتمل السفينة أربعون يوما [8] ، ثُمَّ ارتفع الماء فَوْقَ الجبال فهلك كُل مَا عَلَى وجه الأَرْض من ذي روح وشجر، فلم يبق سوى نوح ومن معه.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 189.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 188.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 186.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 186.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 187.
[6] سورة: البقرة، الآية: 34.
[7] في الأصل: «وكان بين أن يرسل الله الماء» . وما أوردناه من الهامش والطبري 1/ 184.
[8] في الأصل: «أربعون عاما» والتصحيح من الهامش والطبري.(1/241)
ويزعم أَهْل الكتاب أَنَّهُ بقي عوج بْن عناق أَيْضًا [1] .
رَوَى أَبُو صَالِح، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أرسل اللَّه المطر أربعين يوما وأربعين ليلة، فأقبلت الوحش والدواب كلها إِلَى نوح، وسخرت لَهُ، فحمل لَهُ منها من كل زوجين اثنين، وحمل جسد آدم، فجعله حاجزا بَيْنَ النِّسَاء والرجال، فركبوا [فِيهَا] [2] لعشر ليال مضين من رجب، وخرجوا منها يَوْم عاشوراء، فسارت بهم السفينة وطافت بهم الأَرْض كلها فِي ستة أشهر لا تستقر، حَتَّى أتت الحرم فلم تدخله، ودارت بالحرم أسبوعا، ورفع الْبَيْت الَّذِي بناه آدَم، رفع من الغرق- وَهُوَ الْبَيْت المعمور والحجر الأسود- عَلَى أَبِي قبيس، ثُمَّ انتهت بهم/ إِلَى الجودي، وَهُوَ جبل فِي أرض المَوْصِل، فاستقرت عَلَيْهِ، وقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي 11: 44 [3] . فصار ما نزل من السماء هذه البحور الَّتِي ترون فِي الأَرْض، فآخر مَا بقي من الطوفان فِي الأَرْض [ماء] [4] بحسمى [5] بقى فِي الأَرْض أربعين سَنَة بَعْد الطوفان ثُمَّ ذهب [6] .
قَالَ الْعُلَمَاء: أرسل اللَّه الطوفان [لمضي] [7] ستمائة سَنَة من عُمَر نوح [8] ، ولتتمة ألفي سَنَة ومائتي سَنَة وست وخمسين سَنَة من لدن هبوط آدَم، وَكَانَ ذَلِكَ لثلاث عشرة خلت من آب، وأقام نوح فِي السفينة إِلَى أَن غاض الماء، فلما خرج اتخذ بناحية بقردى [9] من أرض الجزيرة موضعا، وابتنى هناك قرية سموها ثمانين [10] ، لأنه كان فيها
__________
[1] في تاريخ الطبري 1/ 185: «عوج بن عنق» .
[2] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 185.
[3] سورة: هود، الآية: 44.
[4] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[5] حسمى: أرض ببادية الشام، ذكرها ياقوت في معجم البلدان، وقال: «آخر ما نضب من ماء الطوفان حسمى، فبقيت منه هذه البقية إلى اليوم فلذلك هي أخبث ماء» .
[6] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 185، 186.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، واستدركناها من تاريخ الطبري 1/ 189.
[8] في الأصل: «لستمائة سنة» وما أوردناه من الطبري 1/ 189.
[9] قردى، بالفتح ثم دال مهملة. ياقوت. وفي الأصل: باقردى.
[10] في معجم البلدان 3/ 23، قال ياقوت: «ثمانين بليدة عند جبل الجودي، قرب جزيرة ابن عمر التغلبي فوق الموصل. كان أول من نزله نوح عليه السلام لما خرج من السفينة ومعه ثمانون إنسانا، فبنوا لهم(1/242)
لكل إِنْسَان مَعَهُ بَيْت، فَهِيَ إِلَى اليوم تسمى سوق ثمانين [1] .
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ المبارك، أَخْبَرَنَا أبو الحسين بن عبد الجبار، أَخْبَرَنَا الحسين بن علي الطَّنَاجِيرِيُّ، [أَخْبَرَنَا] عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاهِينَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حدثني عبد اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ، حَدَّثَنِي أَبُو يَعْقُوبَ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنِ ابْن صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ مُجْتَمَعُ النَّاسِ حَيْثُ خَرَجُوا مِنَ السَّفِينَةِ بِبَابِلَ، فَنَزَلُوا سُوقَ ثَمَانِينَ بِالْجَزِيرَةِ، فَابْتَنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْتًا، وَكَانُوا ثَمَانِينَ رَجُلا فَسُمِّيَ سُوقَ ثَمَانِينَ، ثُمَّ ضَاقَتْ بِهِمْ حَتَّى خَرَجُوا فَنَزَلُوا مَوْضِعَ بَابِلَ، وَكَانَ طولُ بَابِلَ اثْنَي عَشْرَ فَرْسَخًا فِي اثْنَي عَشْرَ فَرْسَخًا، وَكَانَ سُورُهَا عِنْدَ النِّيلِ وَبَابُهَا عِنْدَ دَاوَرْدَانَ، [2] فَمَكَثُوا بِهَا حَتَّى كَثِرُوا [3] ، وَمَلِكُهُمْ يَوْمَئِذٍ نَمْرُودُ بْنُ كَنْعَانَ [4] بْنِ حَامِ بْنِ نُوحٍ، فَلَمَّا كَفَرُوا بَلْبَلَ اللَّهُ أَلْسِنَتَهُمْ فَفُرِّقُوا عَلَى اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لِسَانًا، وَفَهَّمَ اللَّهُ الْعَرَبِيَّةَ عَمْلِيقَ، وَأُمَيْمَ، وَطَسمَ بْنَ لُوطِ بْنِ سَامٍ، وَعَادَ وَعبيلَ ابْنَي عَوْصِ بْنِ إِرَمَ بْنِ سَامٍ، وَثَمُودَ، وَجديسَ بْنَ جَاثِمِ بن إرم بن سام، وقنطور بن عابر بْن شالخ بْن أرفخشد بْن سام.
فَخَرَجَتْ عَادٌ وَعبيلُ، فَنَزَلَتْ عَادٌ الشِّحْرَ، وَنَزَلَتْ عَبِيلُ يَثْرِبَ، وَنَزَلَتْ عَمَالِيقُ صَنْعَاءَ وَمَا حَوْلَهَا، وَنَزَلَتْ أُمَيْمُ أَبَارَ وَمَضَى بَعْضُهُمْ مَعَ عَادٍ، وَمَضَتْ طسمُ وَجديسُ فَنَزَلُوا الْيَمَامَةَ، وَنَزَلَتْ ثَمُودُ الْحَجَرَ وَمَا وَالاهَا.
فَهَلَكَتْ عَادٌ وَالْعَمَالِيقُ بِصَنْعَاءَ، وَتَحَوَّلَتِ الْعَمَالِيقُ فَنَزَلَتْ مَكَّةَ ثُمَّ مَضَى بَعْضُهُمْ إِلَى يَثْرِبَ، وَيَثْرِبَ اسْمُ رَجُلٍ مِنْهُمْ.
قَالَ ابْنُ شَاهِينَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ علي، حدثنا القعنبي، حدثنا أبو مساكن بهذا الموضع، وأقاموا به، فسمى الموضع بهم، ثم أصابهم وباء، فمات الثمانون غير نوح وولده، فهو أبو البشر كلهم» .
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 189.
[2] داوردان: هكذا ضبطها المصنف. وفي الطبري «دوران» .
[3] الخبر إلى هنا في تاريخ الطبري 1/ 203.
[4] في الطبري 1/ 205: «نمرود بن كوش» .(1/243)
ضَمْرَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي زَمَانِ نُوحٍ يَنْتَسِبُ إِلَى خَمْسَةَ عَشْرَ أَبًا كُلُّهُمْ حَيٌّ.
قَالَ الْعُلَمَاء: عاش نوح بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سَنَة عَلَى خلاف فِي عدد السنين [1] ، وكان جميع عُمَر نوح ألف سَنَة إلا خمسين عاما، ويقال أَكْثَر، وإنما ذَلِكَ مقدار لبثه فِي الإنذار والله أعلم.
وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَلَدَ نُوحُ سَامًا وَفِي وَلَدِهِ بَيَاضٌ وَأَدَمَةٌ، وَحَامًا وَفِي وَلَدِهِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ قَلِيلٌ، وَيَافِثَ وَفِيهِمُ [الشُّقْرَةُ] [2] وَالْحُمْرَةُ، وَكَنْعَانَ وَهُوَ الَّذِي غَرِقَ، وَالْعَرَبَ تُسَمِّيهِ يَامًا [3] .
قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ 37: 77 [4] ، قَالَ: لَمْ يبق إلا ذرية نوح [5] .
وَقَالَ قَتَادَة: النَّاس كلهم من ذرية نوح [6] .
ذكر خبر الْمَلِك المسمى بالضحاك [7]
وَهُوَ بيوراسب. لما قهر جما الْمَلِك ملك مكانه، وسار فِي الناس بجور شديد.
وذكر بعض المؤرخين أَن نوحا بعث فِي زمان هَذَا الرجل إِلَيْهِ وإلى أَهْل مملكته مِمَّن تمرد وعصى، وأنهم هلكوا بمخالفته، فلذلك ذَكَرْنَا خبره هاهنا.
كَانَ الضَّحَّاك عظيم المملكة. ويقال: أَن جما الْمَلِك زوج أخته من بعض أشراف أهل بيته، وملكه على اليمن، فولدت له الضحاك [8] .
__________
[1] راجع في ذلك: سفر التكوين 9/ 28.
[2] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 191.
[4] سورة: الصافات، الآية: 77.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 192.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 129.
[7] تاريخ الطبري 1/ 194، وغرر السير 17، ومرآة الزمان 1/ 250، والكامل في التاريخ 1/ 58.
[8] تاريخ الطبري 1/ 194 عن هشام بن محمد بن السائب.(1/244)
واليمن تدعيه وتزعم أَنَّهُ من أنفسها، وأنه الضَّحَّاك بْن علوان بْن عبيد بْن عويج، وأنه ملك على مصر أخاه سنان [1] بْن علوان، وَهُوَ أول الفراعنة، وأنه ملك مصر [حِينَ] [2] قدمها الخليل.
والفرس تنسب الضَّحَّاك غَيْر هَذَا النسب، فترفع نسبه إِلَى جيومرث، وقيل: كَانَ كثير الإقامة ببابل.
وعامة المؤرخين ذكروا أَنَّهُ ملك الأقاليم السبعة كلها، وأنه كَانَ ساحرا فاجرا.
قَالَ هِشَام بْن مُحَمَّد: ملك الضَّحَّاك بَعْد جم- فيما يزعمون- ألف سَنَة، وسار بالجور والقتل، وَكَانَ أَوَّل من سن الصلب والقطع، وأول من وضع العشور وضرب الدراهم، وأول من تغنى وغني لَهُ.
ويقال أَنَّهُ خرج فِي منكبه سلعتان [3] كانتا تضربان عَلَيْهِ حَتَّى يطليهما بدماغ إِنْسَان، وَكَانَ يقتل لِذَلِكَ فِي كُل يَوْم رجلين، ويطلي سلعتيه بدماغيهما، فَإِذَا فعل ذَلِكَ سكن مَا يجد [4] .
قَالَ الشيخ الإمام أَبُو الفرج: وَهَذَا الضَّحَّاك هُوَ الَّذِي غناه حبيب بْن أوس بقوله:
بَل كَانَ كالضحاك فِي سطواته ... بالعالمين وأنت أفريدُونَ
[5] وأفريدُونَ من نسل جم الْمَلِك الَّذِي كَانَ [من] [6] قبل الضَّحَّاك، ثم قدم إلى منزل الضحاك فاحتوى عليه وأوثق الضَّحَّاك، وسمي ذَلِكَ اليوم مهرجانا، وعلا أفريدُونَ سرير الْمَلِك. وَكَانَ عرض صدر الْمَلِك أفريدون أربعة أرماح [7] .
__________
[1] في الأصل: «شيبان» والتصحيح من الطبري 1/ 194.
[2] ما بين المعقوفتين: من الهامش.
[3] السلعة، بالكسر: زيادة تحدث في الجسم مثل الغدة، تمور بين الجلد واللحم إذا حركتها.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 196، ومرآة الزمان 1/ 250، 251، وغرر السير 20.
[5] ديوان حبيب بن أوس 3: 321، من قصيدة يمدح فيها الأفشين. وأخرجه أيضا الطبري في تاريخه 1/ 194، وأورده صاحب غرر السير 35، ومرآة الزمان 1/ 250.
[6] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[7] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 197.(1/245)
والفرس تزعم أَن الْمَلِك لَمْ يكن إلا للبطن الَّذِي منه أوشهنج وجم وطهمورث، وأن الضَّحَّاك كَانَ غاصبا، غصب أَهْل الأَرْض بسحره [وخبثه] [1] . وَكَانَ عَلَى منكبيه ناتئتان، كُل واحدة كرأس الثعبان، فكان يسترهما ويزعم أنهما حيتان يقتضيانه الطعام، وكانتا تتحركان إِذَا جاع، وزعم أَنَّهُ نبي [2] .
وقيل: مَا زال النَّاس مَعَهُ فِي جهد حَتَّى وثب رجل اسمه كابي من أَهْل أصبهان كَانَ قَدْ قتل لَهُ ابنين، فجمع النَّاس لقتاله، فهرب الضَّحَّاك وولى مكانه أفريدُونَ فاحتوى عَلَى ملك الضَّحَّاك [3] .
وملك أفريدُونَ خمسمائة سنة، وكان عمر الضحاك ألف سنة، وملكه ستمائة سَنَة، وَقَدْ زعم بَعْض نسابي الفرس أَن أفريدُونَ هُوَ نوح الَّذِي قهر الضَّحَّاك وغلبه وسلبه ملكه.
وَقَالَ قوم: أفريدُونَ هُوَ ذو الْقَرْنَيْنِ. وَقَالَ بَعْضهم: هُوَ سُلَيْمَان بْن دَاوُد، وقال الفرس: أفريدون من ولد جم الْمَلِك، وَهُوَ التاسع من ولده [4] .
وَكَانَ أفريدُونَ قَدْ أمر بالعدل ورد المظالم، وَهُوَ أول من نظر فِي النجوم والطب، وأول من ذلل الفيلة وامتطاها وقاتل بها الأعداء، واتخذ الأوز والحمام [5] .
وَكَانَ شديد القوة حسن الصورة، وعالج الدرياق، وَهُوَ أول من سمي بكي، وَكَانَ يقال لَهُ «كي أفريدُونَ» وَهِيَ كلمة معناها التنزيه، أي: هُوَ منزه متصل بالروحانية [6] .
وأنه ملك الأَرْض فقسمها بَيْنَ أولاد لَهُ ثلاثة، فوثب اثنان مِنْهُم عَلَى الثالث فقتلاه واقتسما الأرض فملكاها ثلاثمائة سَنَة. ثُمَّ بغى مِنْهُم طوج بْن أفريدُونَ، ثُمَّ نشأ لَهُ أفراسياب بْن ترك الَّذِي تنسب إليه الترك من ولد طوج.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[2] تاريخ الطبري 1/ 197، 198.
[3] تاريخ الطبري 1/ 198، وغرر السير 32، ومرآة الزمان 1/ 251.
[4] تاريخ الطبري 1/ 211.
[5] تاريخ الطبري 1/ 214، ومرآة الزمان 1/ 252.
[6] تاريخ الطبري 1/ 213.(1/246)
ويقال: الضَّحَّاك هُوَ نمرود الخليل وأن الخليل ولد فِي زمانه، وأنه صاحبه الَّذِي أراد إحراقه. والله أعلم.
ذكر أولاد نوح عَلَيْهِ السَّلام [1]
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، أَن نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سَامٌ أَبُو التُّرْكِ، وَحَامٌ أَبُو الْحُبْشِ، وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ» [2] .
وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب: ولد نوح ثلاثة أولاد: سام، وحام، ويافث. فولد سام العرب وفارس والروم، وولد حام السودان والبربر والقبط، وولد يافث الترك والصقالبة، ويأجوج ومأجوج [3] .
وَقَالَ وهب بْن منبه: سام أَبُو العرب وفارس والروم، وحام أبو السود، ويافث أبو الترك وأبو يأجوج ومأجوج وَهُمْ بنو عم الترك [4] .
ويزعم أَهْل التوراة أَن نوحا نام فانكشفت عورته ورآها حام فلم يغطها، ورآها سام ويافث وألقيا عَلَيْهَا ثوبا، فلما انتبه علم بالحال، فدعا عَلَى أولاد حام أَن يكونوا عبيدا لإخوته [5] .
وَرَوَى أَبُو صَالِح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لما ضاقت بولد نوح سوق ثمانين تحولوا
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 201- 215، والكسائي 98- 102، والمعارف 24 وما بعدها، ومرآة الزمان 1/ 245.
[2] الحديث أخرجه الترمذي 3231، 3931، وأحمد بن حنبل في المسند 5/ 9، 11، والطبراني في المعجم الكبير 7/ 254، 18/ 146، والطبري في التاريخ 1/ 209، وابن سعد في الطبقات 1/ 42، وابن كثير في التفسير 7/ 19، وفي البداية 1/ 115، والديلميّ في الفردوس 7177.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 210.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 201.
[5] الخبر في تاريخ الطبري عن ابن إسحاق 1/ 202. وانظر أيضا: سفر التكوين 9: 20- 27، وقارن بالمعارف 25.(1/247)
إِلَى بابل، فبنوها وَهِيَ بَيْنَ الفرات والصراة، وكانت اثني عشر فرسخا فِي اثني عشر فرسخا، وكثروا بها حَتَّى صاروا مائة ألف [1] .
ذكر أولاد سام [2]
من أولاد سام: فارس وطسم/ وعمليق وَهُوَ أَبُو العماليق كلهم وإرم وأرفخشد، وأولاد أرفخشد الأنبياء والرسل وخيار النَّاس، والعرب كلها والفراعنة. ومن أولاد إرم:
عابر وعوص، ومن ولد عابر ثمود وجديس، وكانوا عربا، وولد عوص عاد [3] .
وكانت طسم والعماليق وهاشم يتكلمون بالعربية، وفارس يتكلمون باللسان الفارسي وكانت العرب تقول لهذه الأمم العرب العاربة، لأنه لسانهم الَّذِي جبلوا عَلَيْهِ، وتقول لبني إِسْمَاعِيل العرب المتعربة، لأنهم كَانُوا يتكلمون بلسان هذه الأمم حَتَّى سكنوا بَيْنَ أظهرهم [4] .
وولد لعابر فالغ، ومعناه بالعربية قاسم، وإنما سمي بِذَلِكَ لأنه قسم الأَرْض بَيْنَ بَنِي نوح. وولد لعابر أَيْضًا أرغوا، وولد لأرغو ساروغ، وولد لساروغ ناخور، وولد لناخور تارخ أَبُو إِبْرَاهِيم الخليل [5] .
وولد لعابر أَيْضًا قحطان، وقحطان أول من ملك اليمن وأول من سلم عَلَيْهِ «أبيت اللعن» .
وولد لقحطان يعرب، وولد ليعرب شجب سبأ، وسبأ هُوَ الَّذِي ينسب القبيلة الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ سبأ إِلَيْهِ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عبد الرحمن، حدثنا ابن لهيعة، عن
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 203.
[2] تاريخ الطبري 1/ 203، والأخبار الطوال 3، والمعارف 26- 28، ومرآة الزمان 1/ 246.
[3] تاريخ الطبري 1/ 204.
[4] تاريخ الطبري 1/ 205.
[5] تاريخ الطبري 1/ 205.(1/248)
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسرةَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ:
أَنَّ رَجُلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبَأٍ مَا هُوَ؟ أَرْجُلٌ أَمُ امْرِأَةٌ أَمْ أَرْضٌ؟ قَالَ: «بَلْ هُوَ رَجُلٌ وُلِدَ لَهُ عَشْرَةٌ فَسَكَنَ الْيَمَنُ مِنْهُمْ سِتَّةً، وَبِالشَّامِ مِنْهُمْ أَرَبَعَةٌ، فَأَمَّا الْيَمَانِيِّونَ فمذحج وكندة والأزد والأشعرون وَأَنْمَارُ وَحِمْيَرُ. وَأَمَّا الشَّامِيَّةُ فَلَخْمٌ وَجُذَامٌ وَعَامِلَةُ وَغَسَّانُ» [1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيْوَيَةَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الحكم النخعي، أَخْبَرَنَا أَبُو سَبْرَةَ النَّخْعِيِّ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مسيك المرادي، قال: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا أُقَاتِلُ مَنْ أَدْبَرَ مِنْ قَوْمِي بِمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُم، قَالَ: «بَلَى» ، قَالَ: ثُمَّ بَدا لِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لا بَلْ أَهْلُ سَبَأٍ هُمْ أَعَزُّ وَأَشَدُّ قُوَّةً، فَأَذَنْ لِي فِي قِتَالِ سَبَأٍ، فَلَمَّا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ أَنْزَلَ اللَّهُ في سبإ ما أنزل، فأرسل رسول الله إِلَى مَنْزِلِي فَوَجَدَنِي قَدْ سِرْتُ، فَرَدَّنِي، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ وَجَدْتُهُ قَاعِدًا وَحَوْلَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: «ادْعُ الْقَوْمَ فَمَنْ أَجَابَكَ مِنْهُمْ فَاقْبَلْ وَمَنْ أَبَى وَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِ حَتَّى تُحَدِّثَ إِلِيَّ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّه، وَمَا سَبَأُ أَرْضٌ أَوِ امْرَأَةٌ؟ قَالَ: «لَيْسَتْ بِأَرْضٍ وَلا امْرَأَةٍ، وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ وَلَدَ عَشْرَةً مِنَ الْعَرَبِ، فَأَمَّا سِتَّةٌ فَتَيَامَنُوا، أَمَّا أَرْبَعَةٌ فَتَشَامُوا.
فَأَمَّا الَّذِينَ تَشَامُوا: فَلَخْمٌ، وَجُذَامٌ، وَغَسَّانُ، وَعَامِلَةُ.
وَأَمَّا الَّذِينَ تَيَامَنُوا: فَالأَزْدُ، وَكِنْدَةُ، وَحِمْيَرُ، وَالأَشْعَرُونَ، وَأَنْهَارُ، وَمُذْحَجٍ» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا أَنْمَارُ؟ قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ مِنْهُم خَثْعَمٌ وَبَجِيلَةُ، وَالْفرسُ، وَالنَّبْطُ مِنْ أَوْلادِ سَامٍ أَيْضًا» [2] .
ذكر أولاد يافث [3]
من أولاده يونان، وولد ليونان نبطي ومن أولاده الروم. ومن أولاد يافث ملوك العجم كُلّهَا من الترك والخزر والفرس.
__________
[1] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 1/ 316، وابن كثير في التفسير 6/ 491، وأورده السيوطي في الدر المنثور 5/ 531، والهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 193، 7/ 94.
[2] الحديث أخرجه الطبراتي في الكبير 1/ 325، وانظر: مشكل الآثار 4/ 331.
[3] تاريخ الطبري 1/ 206، والأخبار الطوال 2، ومرآة الزمان 1/ 249.(1/249)
ذكر أولاد حام [1]
مِنْهُم كوش، وولد لكوش نمرود المتجبر، وَهُوَ أول ملك ملك بَعْد الطوفان بثلاثمائة عام. وَعَلَى عهده قسمت الأَرْض وتفرق النَّاس والألسن.
ونمرود الأخير من أولاد نمرود، هَذَا هُوَ الَّذِي ولد فِي زمن إِبْرَاهِيم الخليل.
ومن أولاد حام تيرش، ومن أولاده الترك والخزر. وَمِنْهُم موعج، ومن أولاده يأجوج ومأجوج. وَمِنْهُم نوار [2] ومن أولاده الصقالبة والنوبة والحبشة وأهل السواحل والهند والسند.
ذكر الأحداث الَّتِي كانت بَيْنَ نوح وإبراهيم عليهما السَّلام
فمن الأحداث: اقتسام أولاد نوح الأَرْض [3] :
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَن يالغ بْن عامر قسم الأَرْض، فنزل بنو سام سرة الأَرْض [4] ، وَهُوَ مَا بَيْنَ ساتيدما [5] إلى البحر، وَمَا بَيْنَ اليمن إِلَى الشام، وجعل الله سبحانه فيهم النبوة والكتاب والجمال والأدمة والبياض، ونزل بنو حام مجرى الجنوب والدبور، وجعل اللَّه فيهم أدمة وبياضا قليلا ورفع عَنْهُم الطاعون. ونزل بنو يافث مجرى الشمال والصبا، وفيهم الحمرة والشقرة، وأخلى اللَّه أرضهم فاشتد بردها، وأخلى سماءهم، فليس يجري فوقهم شَيْء من النجوم السبعة الجارية، لأنهم صاروا تَحْتَ «بنات نعش» والجدي والفرقدين، وابتلوا بالطاعون. ثم لحقت عاد بالشّحر، فعليه هلكوا بواد يقال له «مغيث» .
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 206، ومرآة الزمان 1/ 247، والأخبار الطوال 2، ومروج الذهب 2/ 110.
[2] في الطبري: «ومنهم بوان» .
[3] تاريخ الطبري 1/ 208.
[4] في الطبري 1/ 208: «فنزل بنو سام المجدل سرّة الأرض» .
[5] ساتيدما، ضبطها ياقوت: «بعد الألف تاء مثناة من فوق مكسورة، وياء مثناة من تحت، ودال مهملة مفتوحة ثم ميم وألف مقصورة» .(1/250)
ولحقت عبل، وَهُوَ عبل بْن عوص بْن آدَم صنعاء قبل أَن تسمى صنعاء، ثُمَّ انحدر بَعْضهم إِلَى يثرب فأخرجوا منها عبل فنزلوا موضع الجحفة، فأقبل سيل فاحتجفهم، فَذَهَبَ بهم فسميت الحجفة.
ولحقت ثمود بالحجر، ولحقت طسم وجديس باليمامة، ولحقت بنو يقطن بْن عامر باليمن فسميت اليمن حيث تيامنوا إِلَيْهَا. ولحق قوم من بَنِي كنعان بالشام فسميت الشام حيث تشاموا، وكانت الشام يقال لَهَا أرض كنعان [1] .
وكانت العماليق فِي بلدان شتى، وَكَانَ مِنْهُم بالمشرق إِلَى عمان، وبالبحرين طائفة، وكان بالشام ومصر ومكة والمدينة والحجاز ونجد مِنْهُم طائفة. والطائفة الَّتِي كانت مِنْهُم بالشام يقال لَهُمْ «الكنعانيون» وكانوا أَصْحَاب أوثان يعبدُونَها، وَهُمُ الجبابرة المعروفون.
والطائفة الَّتِي كانت [2] بمصر يقال لَهُمْ «الفراعنة» ، وَمِنْهُم فرعون يُوسُف، وَكَانَ اسمه الريان بْن الْوَلِيد، وفرعون موسى وَكَانَ اسمه وائل بْن مُصْعَب.
وَكَانَ بمكة أَيْضًا طائفة مِنْهُم، وَكَانَ سيدهم بَكْر بْن مُعَاوِيَة، وَهُوَ الَّذِي نزل عَلَيْهِ وفد عاد حِينَ ذهبوا يستسقون لعاد، وَكَانَ مُعَاوِيَة هَذَا نازلا بظاهر مَكَّة خارجا من الحرم، وَكَانَ يتخذ مِنْهُم ناس يقال لَهُمْ: «بديل وراجل» . فكان بالمدينة مِنْهُم بنو حف وسعد بْن هزان وبنو مطر وبنو الأرزن، وَكَانَ ملك الحجاز مِنْهُم الْمَلِك الَّذِي يدعى الأرقم، وَكَانَ منزله تيماء، وكانت منازلهم المدينة إِلَى تيماء وإلى فدك.
ومن الأحداث الَّتِي كانت بَعْد نوح عُبَادَة الأصنام:
رَوَى الْبُخَارِي فِي أفراده من حَدِيث ابْن عَبَّاس، قَالَ: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر أسماء قوم صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشَّيْطَان إِلَى قومهم أَن انصبوا في مجالسهم أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد حَتَّى هلك أولئك، ونسخ العلم فعبدت، وصارت تلك الأوثان فِي العرب بَعْد. أما ود فكان لكلب بدومة الجندل، وَأَمَّا سواع فكان لهذيل، وَأَمَّا يغوث فكان لمراد بَنِي غطيف بالجرف، وَأَمَّا
__________
[1] إلى هنا الخبر في تاريخ الطبري 1/ 208، 209. وراجع مرآة الزمان 1/ 246.
[2] في الأصل: كان، والتغيير لاستقامة المعنى.(1/251)
يعوق فكان لهمدان، وَأَمَّا نسر فكان لحمير لآل ذي الكلاع [1] .
ومن الأحداث بَيْنَ نوح وإبراهيم طغيان جَنِين من أولاد إرم:
وهما: عاد بْن عوص بْن إرم بْن سام بْن نوح، وَهِيَ عاد الأولى، وثمود بْن جاثر ابن إرم، وَهُمْ كَانُوا العرب العاربة [2] .
ذكر قصة قوم عاد وكفرانهم [3]
لما تجبروا وعتوا وعبدوا الأوثان أرسل اللَّه تَعَالَى إليهم هود بْن عَبْد اللَّهِ بْن رباح بْن الخلود بْن عاد بْن عوص بْن إرم [بْن سام بْن نوح] [4] . ومن النسابين من يَقُول:
الخلود بضم الخاء واللام، كَذَلِكَ رأيته بخط المنادي، قال: ويقال بالجيم المكسورة، واللام المفتوحة. ومنهم من يَقُول هود هُوَ: عابر بْن شالخ بْن أرفخشد بْن سام بْن نوح. فدعاهم إِلَى التوحيد/ وترك الظلم، فكذبوه وَقَالُوا: من أشد منا قوة! فلم يؤمن مِنْهُم بهود إلا القليل، فبالغ فِي وعظهم فزادوا فِي طغيانهم إِلَى أَن قَالُوا:
سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ من الْواعِظِينَ 26: 136 [5] .
فحبس اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُم المطر ثَلاث سنين حَتَّى جهدوا فبعثوا إِلَى مَكَّة وفدا حتى يستسقي لهم مِنْهُم: قيل، ولقيم وجلهم، ومرثد بْن سَعْد، وَكَانَ يكتم إيمانه، ولقمان بْن عاد [6] ، فنزلوا عَلَى بَكْر بْن مُعَاوِيَة فجعل يسقيهم الخمر وتغنيهم الجرادتان [7] شهرا، ثُمَّ بعثوا آخر، فدعا فقال: اللَّهمّ إني لم أجئك لأسير
__________
[1] راجع مرآة الزمان 1/ 225.
[2] تاريخ الطبري 1/ 216.
[3] تاريخ الطبري 1/ 216، وتفسير الطبري 12/ 503، والبداية والنهاية 1/ 120، وعرائس المجالس 61، والكسائي 103.
[4] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 216، ومرآة الزمان 1/ 254.
[5] سورة: الشعراء، الآية: 136.
وراجع الطبري 1/ 216، ومرآة الزمان 1/ 255.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 219، والمرآة 1/ 255.
[7] من المرآة: «الجرادتان» مغنيتان كانتا لبكر» . 1/ 255.(1/252)
فأفاديه، ولا لمريض فأشفيه، فاسق عادا مَا كنت مسقيه. فرفعت لَهُ سحابة فنودي منها:
اختر، فجعل يَقُول: اذهبي إِلَى بَنِي فُلان، واذهبي إِلَى بَنِي فُلان. فمرت سحابة سوداء، فقال: اذهبي إِلَى بَنِي فُلان، واذهبي إِلَى بَنِي فُلان. فمرت سحابة سوداء، فَقَالَ: اذهبي إِلَى عاد، فنودي منها: خذها رمادا، رمددا لا تدع من عاد أحدا. قَالَ:
وكتمهم والقوم عِنْدَ بَكْر بْن مُعَاوِيَة يشربون.
وَفِي رواية [1] : أَن بَكْر بْن مُعَاوِيَة لما رأى طول مقامهم عنده، قَالَ: هلك أخوالي وأصهاري، وَهَؤُلاَءِ ضيفي، وَمَا أدري مَا أصنع، واستحى أَن يأمرهم بالخروج [2] ، فشكى ذَلِكَ إِلَى قينتيه الجرادتين، فقالتا لَهُ: قل شعرا نغنيهم بِهِ. قَالَ: [3] :
ألا يا قيل، ويحك قم فهينم ... لعل اللَّه يصبحنا [4] غماما
فيسقي أرض عاد، إِن عادا ... قَدْ أمسوا لا يبينون الكلاما
من العطش الشديد، فليس نرجو ... بِهِ الشيخ الكبير ولا الغلاما
وَقَدْ كانت نساؤهم بخير ... فَقَدْ أمست نساؤهم عياما
وإن الوحش تأتيهم جهارا ... ولا تخشى لعادي سهاما
وأنتم ها هنا فيما اشتهيتم ... نهاركم وليلكم التماما
فقبح وفدكم من وفد قوم ... ولا لقوا التحية والسلاما!
فلما سمعوا هَذَا قَالُوا: ويلكم ادخلوا الحرم فاستسقوا لقومكم، فَقَالَ مرثد: إنكم والله لا تسقون بدعائكم، ولكن إِن أطعتم نبيكم سقيتم. فَقَالَ جلهم: احبسوا هَذَا عنا ولا يقدمن معنا مكة، فَإِنَّهُ قَدِ اتبع دين هود.
ثُمَّ خرجوا يستسقون، فنشأت سحابة وقيل لَهُ: اختر، فاختار سحابة سوداء، فساقها اللَّه تَعَالَى إِلَى عاد حَتَّى خرج عَلَيْهِم من واد لَهُمْ يقال له «مغيث» فلما رأوها
__________
[1] هذه الرواية في تاريخ الطبري 1/ 220، ومرآة الزمان 1/ 256.
[2] في الطبري: «يأمرهم بالخروج إلى ما بعثوا إليه (طبري 1/ 220) وفي المرآة 1/ 255: «يأمرهم بالدخول إلى الحرم ليستسقوا» .
[3] في تاريخ الطبري 1/ 220: «قال معاوية بن بكر» .
[4] كذا في تفسير الطبري، وفي تاريخه 1/ 220: «لعل الله يسقينا» ، وفي مرآة الزمان 1/ 255: «لعل الله يمنحنا» .(1/253)
استبشروا بها، فقالوا: هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا 46: 24 [1] . فكان أول من رأى مَا فِيهَا امرأة مِنْهُم فصاحت وصعقت، فقيل لَهَا: مَا رأيت؟ قَالَتْ: ريحا فِيهَا كشهب النار، أمامها رجال يقودُونَها، فسخرها اللَّه عَلَيْهِم سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً 69: 7 [2] .
فاعتزل هود ومن مَعَهُ من الْمُؤْمِنيِنَ فِي حظيرة مَا يصيبه منها إلا مَا تلين الجلود، وتلتذ عَلَيْهِ النفوس، فكانت تقلع الشجر وتهدم البيوت، فمن لَمْ يكن فِي بيته هبت الريح حَتَّى تقطعه بالجبال، وكانت ترفع الظعينة مَا بَيْنَ السماء وَالأَرْض وترميهم بالحجارة. فوصل الخبر إِلَى الوفد، وكانوا قَدْ قيل لَهُمْ: قَدْ أعطيتم مناكم لدعائكم فاختاروا. فَقَالَ مرثد: يا رب، أعطني برا وصدقا، فأعطي ذَلِكَ. وقيل لقيل: مَا تريد؟
فَقَالَ: أَن يصيبني مَا أصاب قومي [3] .
وَقَالَ لقمان بْن عاد: أعطني عُمَر سبعة أنسر، فعمر عُمَر سبعة أنسر، يأخذ الفرخ حِينَ يخرج من البيضة، فيأخذ الذكر لقوته حَتَّى إِذَا مَات أخذ غيره، فلما لَمْ يبق غَيْر واحد، قَالَ لَهُ ابْن أخيه: يا عم مَا بقي من عمرك إلا عُمَر هَذَا النسر، فَقَالَ لقمان: هَذَا لبد- ولبد بلسانهم الدَّهْر- فلما انقضى عُمَر النسر طارت النسور، وَلَمْ ينهض فمات لقمان.
ذكر قصة عجيبة للقمان بْن عاد [4]
أخبرتنا شهدة بنت أَحْمَد، قَالَتْ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد بْن السراج، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْد الله بن مُحَمَّد بْن سلامة القضاعي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِم الكاتب، أَخْبَرَنَا ابْن دريد، حَدَّثَنَا العكلي، عَنْ ابن أَبِي خَالِد، عَنِ الهيثم، عَنْ مجاهد، عَنْ الشَّعْبِي، قَالَ:
كَانَ لقمان بْن عاد عاديا الَّذِي عُمر عُمر سبعة أنسر مبتلى بالنساء، فكان يتزوج المرأة فتخونه حَتَّى تزوج جارية صغيرة لَمْ تعرف الرجال، ثُمَّ نقر لَهَا بيتا فِي صفح جبل، وجعل لَهُ درجة بسلاسل ينزل بها ويصعد، فَإِذَا خرج رفعت السلاسل، حتى
__________
[1] سورة: الأحقاف، الآية: 24.
[2] سورة: الحاقة، الآية: 7.
[3] تاريخ الطبري 1/ 223.
[4] التيجان 69، وجمهرة العسكري 2/ 261، ومرآة الزمان 1/ 261.(1/254)
عرض لَهَا فتى من العماليق فوقعت فِي نَفْسه، فأتى بَنِي أَبِيهِ فَقَالَ: والله لأجتنين عليكم حربا لا تقومون بها، قَالُوا: وَمَا ذاك؟ قَالَ: امرأة لقمان بْن عاد، هِيَ أحب الناس إليّ.
قالوا: فكيف نحتال لَهَا، قَالَ: اجمعوا سيوفكم ثُمَّ اجعلوني فيها وشدوها حزمة عظيمة، ثم ائتوا لقمان فقولوا: إنا أردنا أَن نسافر ونحن نستودع سيوفنا حتى نرجع، وسمّوا له يوما، ففعلوا وأقبلوا بالسيوف فدفعوها إِلَى لقمان، فوضعها فِي بيته وخرج لقمان وتحرك الرجل فحلت الجارية عَنْهُ، وَكَانَ يأتيها فَإِذَا أحست بلقمان جعلته بَيْنَ السيوف وحتى انقضت الأيام، ثُمَّ جاءوا إِلَى لقمان فاسترجعوا سيوفهم فرفع لقمان رأسه بعد ذلك، فإذا بنخامة يبوس فِي سقف الْبَيْت، فَقَالَ لامرأته: من نخم هذه؟ قَالَتْ: أنا، قَالَ:
فتنخمي، ففعلت فلم تصنع شَيْئًا، فَقَالَ: يا ويلتاه السيوف دهتني، ثُمَّ رمى بها من ذروة الجبل، فتقطعت قطعا وانحدر مغضبا، فَإِذَا ابنة لَهُ يقال لَهَا «صحر» ، فَقَالَتْ لَهُ: يا أبتاه مَا شأنك؟ قَالَ: فأنت أَيْضًا من النِّسَاء، فضرب رأسها بصخرة فقتلها، فَقَالَتِ العرب:
«مَا أذنبت إلا ذنب صحر» . فصار مثلا.
قَالَ الْعُلَمَاء بالسير: كَانَ عُمَر هود مائة وخمسين سَنَة. وَقَدْ ذَكَرْنَا قصة عاد فِي تفسير الْقُرْآن العزيز [1] مستوفاة فاختصرناها هاهنا.
ذكر قصة ثمود [2]
وكانوا قَدْ عتوا وكفروا باللَّه وأفسدوا فِي الأَرْض، وكانوا قَدْ مدت أعمارهم، وكانوا يسكنون الحجر إِلَى وادي القرى من الحجاز والشام، فكان أحدهم يبني المساكن من المدر فتنهدم والرجل مِنْهُم حي، فلما رأوا ذَلِكَ اتخذوا من الجبال بيوتا فنحتوها وجابوها وجوفوها.
فبعث اللَّه تَعَالَى إليهم بَعْد هلاك قوم عاد صَالِح بْن عبيد بْن جاذر بْن جَابِر بن ثمود، ويقال: ابن جاثر بالثاء، فدعاهم إِلَى التوحيد فلم يزدهم دعاؤه إلا طغيانا،
__________
[1] زاد المسير 9/ 109.
[2] تاريخ الطبري 1/ 226، وتفسير الطبري 12/ 524، وزاد المسير 3/ 223، وعرائس المجالس 66، والبداية والنهاية 1/ 130، ونهاية الأرب 13/ 71، والكسائي 110، والمعارف 29.(1/255)
فَقَالُوا: ائتنا بآية فَقَالَ اخرجوا إِلَى هضبة من الأرض، فخرجوا فإذ هِيَ تمخض تمخض الحامل، ثُمَّ انفرجت فخرجت من وسطها ناقة فَقَالَ. هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ (لَكُمْ آيَةً) فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ 7: 73 [1] . وكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون يوما، ويحتلبونها فِي يَوْم شربها عوض مَا شربت. وَكَان صالح لا يبيت عندهم بَل فِي مَسْجِد لَهُ، فهموا بقتله فكمنوا لَهُ تَحْتَ صخرة يرصدُونَه فرضختهم الصخرة فأصبح النَّاس يقولون قتلهم صَالِح، فاجتمعوا عَلَى عقر الناقة، فذهبوا إِلَيْهَا وَهِيَ عَلَى حوضها قائمة، فضرب أحدهم- واسمه قدار بْن سالم- عرقوبها فوقعت تركض، فجاء الْخَبَر إِلَى صَالِح، فأقبل فأخذوا يعتذرون إِلَيْهِ ويقولون: إِنَّمَا عقرها فُلان.
فَقَالَ: انظروا هل تدركون فصيلها فَإِن أدركتموه فعسى يرفع عنكم العذاب، فخرجوا وقد صعد إلى رأس الجبل، فلم يقدروا عَلَيْهِ فرغا ثلاثا، فَقَالَ صَالِح: لكل رغوة أجل يَوْم تمتعوا في داركم ثلاثة أَيَّام. ألا إِن آية العذاب أَن اليوم الأَوَّل تصبح وجوهكم مصفرة، [واليوم الثَّانِي محمرة واليوم] [2] الثالث مسودة، فأصبحوا كأنما طليت وجوههم بالخلوق، صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم. فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم:
ألا قَدْ مضى يَوْم من الأجل وحضركم العذاب.
فلما أصبحوا إِذَا وجوههم محمرة كأنما خضبت بالدماء، فضجوا وبكوا وعرفوا آية العذاب/ فَلَمَّا أمسوا صاحوا: ألا قَدْ مضى يومان، فلما أصبحوا اليوم الثالث إِذَا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار، فتحنطوا بالصبر وتكفنوا بالأنطاع، ثُمَّ ألقوا نفوسهم بالأرض لا يدرون من أين يأتيهم العذاب، فلما أصبحوا فِي اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فِيهَا صوت كُل صاعقة، فتقطعت قلوبهم فِي صدورهم وهلكوا.
وَكَانَ مِنْهُم رجل بالحرم يقال لَهُ «أَبُو رغال» ، منعه الحرم من العذاب.
وذكر أَن صالحا أقام فِي قومه عشرين سَنَة، وتوفي بمكة وَهُوَ ابْن ثمان وخمسين سنة. وقيل: بل عاش مائتي سَنَة وسبعين، ثُمَّ بعث اللَّه تَعَالَى بعده إِبْرَاهِيم الخليل.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الأَنْصَارِي [3] ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَك بْن عَبْد الجبار، أخبرنا
__________
[1] سورة: الأعراف، الآية 73.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناها من هامشها.
[3] في الأصل: «البيضاوي» ، والتصحيح من هامش المخطوطة.(1/256)
مُحَمَّد بْن عَلِي بْن الفتح، أَخْبَرَنَا عَلِي بْن الْحُسَيْن بْن سُكَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي الْقَاسِمِ بْن مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَلِي بْن أَحْمَد بْن أَبِي قيس حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد القرشي حَدَّثَنَا عَلِي بْن الْجَعْد، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَة، عَنِ الأَعْمَشُ، عَنْ سالم بْن أَبِي الجعد، قَالَ:
كَانَ رجل فِي قوم صالح قد أذاهم، فقالوا: يا بني اللَّه ادع اللَّه عَلَيْهِ، فَقَالَ: اذهبوا فَقَدْ كفيتموه. وَكَانَ يخرج كُل يَوْم فيحتطب، فخرج يومئذ ومعه رغيفان فأكل أحدهما وتصدق بالآخرة فاحتطب ثُمَّ جاء بحطبه سالما، فجاءوا إِلَى صَالِح فَقَالُوا: لَقَدْ جاء بحطبه سالما لَمْ يصبه شَيْء. فدعاه صَالِح فَقَالَ: أي شَيْء صنعت اليوم؟ قَالَ: خرجت ومعي قرصتان فتصدقت بإحداهما وأكلت الأخرى، فَقَالَ لَهُ صَالِح: حل حطبك، فحله فَإِذَا فِيهِ أسود مثل الجذع عاض عَلَى جزل من الحطب، فَقَالَ لَهُ صَالِح: فهذا دفع عنك. يعني بصدقتك عَنِ الرغيف.
وَكَانَ بَيْنَ نوح وإبراهيم دانيال الأكبر [1]
فأما دانيال الأصغر فكان فِي زمان نصر.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أحمد ابن البراء، قال: أخبرنا الفضل بن غانم، قال: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عباس، قال: أَوْحَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى دَانِيَالِ الأَكْبَرَ أَنْ يُجْرِي لِعِبَادِي نَهْرَيْنِ وَاجْعَلْ مَفِيضَهُمَا الْبَحْرَ، فقد أَمَرْتُ الأَرْضَ أَنْ تُعْطِيَكَ، قَالَ: فَأَخَذَ قَنَاةً أَوْ قَصَبَةً فَجَعَلَ يَخُدُّ فِي الأَرْضِ وَيُتْبِعُهُ الْمَاءَ، وَإِذَا مَرَّ بِأَرْضِ شَيْخٍ كَبِيرٍ أَوْ يَتِيمٍ نَاشَدَهُ اللَّهَ فَيَحِيدُ عَنْ أَرْضِهِ، فَعَوَاقِيلُ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا مثل هَذَا الْحَدِيث فِي أول الكتاب [2] .
أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بن ناصر الحافظ، قَالَ: أنبأنا جَعْفَر بْن أَحْمَد السراج، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن شاهين، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن زَكَرِيَّا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن زَيْد، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْد بْن الحباب، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عمران الحوفي، قَالَ: كَانَ أنف دانيال ذراعا.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 56، وتاريخ بغداد 1/ 56، ومرآة الزمان 1/ 112، 113.
[2] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 56، وتاريخ الطبري 1/ 56.(1/257)
بَاب ذكر إِبْرَاهِيم الخليل عَلَيْهِ السَّلام [1]
هُوَ: إِبْرَاهِيم بْن تارخ بْن ناحور بْن ساروغ بْن أرغو بْن فالغ بْن عابر بْن شالخ بن قينان بن أرفخشد بْن سام بْن نوح.
قَالَ الزُّبَيْر بْن بكار: ويقولون إِبْرَاهِيم بْن آزر بْن الناحور بْن الشارغ بْن الْقَاسِمِ، الَّذِي قسم الأَرْض بَيْنَ أهلها، ابْن يعبر بْن السالح بْن سنحاريب.
واسم أمه نونا [2] بنت كرنبا بْن كوثا من بَنِي أرفخشد بْن سام.
وكرنبا هُوَ الَّذِي كرى نهر كوثا. وَكَانَ بَيْنَ الطوفان وإبراهيم ألف سَنَة وتسع وتسعون سَنَة. وَقِيلَ: ألف ومائتا سَنَة وثلاث وستون، وَذَلِكَ بَعْد خلق آدَم بثلاثة آلاف سَنَة وثلاثمائة وثلاثين سَنَة.
وَقَدْ رَوَى أَبُو أُمَامَةُ أَنَّ رجلا سأل رسول الله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَمْ بَيْنَ نُوحٍ وِإْبَرَاهِيمَ؟
فَقَالَ: عَشْرَةُ قُرُونٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله الأسدي، حدثنا سُفْيَان بْن سَعْد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عكرمة، قال: كان إبراهيم الخليل يكنى أبا الأضياف [3] .
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 232، وتفسير الطبري 11/ 465، وطبقات ابن سعد 1/ 46، ومروج الذهب 1/ 44، وتهذيب تاريخ ابن عساكر 2/ 136، وعرائس المجالس 72، والبداية والنهاية 1/ 139، ونهاية الأرب 13/ 96، والكسائي 121، والمعارف 30، وزاد المسير 3/ 70، والكامل في التاريخ 1/ 72.
[2] في ابن سعد: «نونا» ، وفي رواية: «أبيونا» . وفي المرآة «نوتا» . في البداية: «بونا» وقيل: «أميلة» .
[3] طبقات ابن سعد 1/ 47.(1/258)
واختلفوا فِي المكان الَّذِي ولد فِيهِ، فَقَالَ بَعْضهم: ولد فِي بابل من أرض السواد، وَقَالَ بَعْضهم: بالسواد بناحية كوثى، وَقَالَ بَعْضهم: ولد [بالسوس] [1] من أرض الأهواز. وقيل: كَانَ بناحية كسكر ثُمَّ نقله أبوه إِلَى ناحية كوثى، وَهِيَ المكان الَّذِي كَانَ بِهِ نمرود. وقيل: كَانَ مولده بحرّان، ولكن أباه نقله إِلَى أرض بابل [2] .
وعامة العلماء على أَن الخليل ولد فِي عهد نمرود بْن كنعان بْن سنحاريب بْن نمرود بْن كوش بْن حام. وَكَانَ نمرود هَذَا قَدْ ملك الشرق والغرب. وَبَعْض المؤرخين يَقُول: نمرود هَذَا هُوَ الضَّحَّاك، وَهُوَ الَّذِي أراد إحراق الخليل، وَقَدْ سبق ذكره.
قَالَ السدي عَنْ أشياخه: أول ملك ملك الأَرْض شرقها وغربها نمرود بن كنعان.
وكانت الملوك الذين ملكوا الأَرْض كلها [أربعة:] نمرود، وسليمان بْن داود، وذو القرنين، ونصر [3] .
قَالَ الْعُلَمَاء بالسير [4] : لَمْ يكن بَيْنَ نوح وإبراهيم نبي إلا هود وصالح، فلما أراد الله تعالى إظهار إِبْرَاهِيم قَالَ المنجمون لنمرود: إنا نجد فِي علمنا أَن غلاما يولد فِي قريتك هذه يقال لَهُ إِبْرَاهِيم يفارق دينكم ويكسر أوثانكم فِي شَهْر كَذَا وكذا من سَنَة كَذَا وكذا، فَلَمَّا دخلت السنة المذكورة بعث نمرود إِلَى كُل امرأة حاملة بقريته فحبسها عنده وَلَمْ يعلم بحمل أم إِبْرَاهِيم، فجعل لا يولد غلام فِي ذَلِكَ الشهر إلا ذبحه.
فلما وجدت أم إِبْرَاهِيم الطلق خرجت ليلا إِلَى مغارة ثُمَّ ولدت إِبْرَاهِيم فِيهَا وأصلحت من شأنه ثُمَّ سدت عَلَيْهِ المغارة ثُمَّ رجعت إِلَى بيتها وكانت تطالعه فِي المغارة لتنظر مَا فعل، فتجده يمص إبهامه- قَدْ جعل اللَّه رزقه فِي ذَلِكَ، وَكَانَ آزر قد سألها عن حملها، فقالت: ولدت غلاما فمات فسكت عَنْهَا. فكان إِبْرَاهِيم يشب فِي شَهْر شباب سَنَة.
فلما تكلم قَالَ لأمه: أخرجيني أنظر، فنظر وَقَالَ: إِن الَّذِي رزقني وأطعمني ما لي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من الهامش.
[2] تاريخ الطبري 1/ 233، ومرآة الزمان 1/ 269.
[3] تاريخ الطبري 1/ 234. وما بين المعقوفتين من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 1/ 234، ومرآة الزمان 1/ 269.(1/259)
رب غيره، ثُمَّ رأى كوكبا ثُمَّ رأى الشمس فَقَالَ مَا قصه اللَّه تَعَالَى عَلَيْنَا.
ثُمَّ ذهبت بِهِ أمه إِلَى أَبِيهِ فأخبرته مَا صنعت بِهِ فسر بسلامته.
وَكَانَ آزر يصنع الأصنام وَيَقُول لإبراهيم: بعها، فَيَقُول إِبْرَاهِيم: من يشتري مَا يضره ولا ينفعه؟ فشاع بَيْنَ النَّاس استهزاؤه بالأصنام، ثُمَّ أراد أَن يادي إِبْرَاهِيم قومه بالمخالفة، فخرجوا إِلَى عيد لَهُمْ فقال: إِنِّي سَقِيمٌ 37: 89 [1] فلما ذهبوا، قال: لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ 21: 57 [2] . فسمعها بَعْضهم، ثُمَّ دَخَلَ إِبْرَاهِيم إِلَى بَيْت الآلهة وَقَدْ جعلوا بَيْنَ يديها طعاما، فَقَالَ: ألا تأكلون؟ فلما لَمْ يجبه أحد، قَالَ: مَا لكم لا تنطقون! فراغ عَلَيْهِم ضربا باليمين، ثُمَّ علق الفأس في عنق الصنم الأكبر ثُمَّ خرج. فلما رجع الْقَوْم قالوا:
من فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا 21: 59 ثم ذكروا فقالوا: سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ 21: 60 [3] أي: يسبهم، فجاءوا بِهِ إِلَى ملكهم نمرود، فقال: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا 21: 62 ... يَا إِبْراهِيمُ. قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا 21: 62- 63 [4] غضب أَن تعبد مَعَهُ هذه الصغار وَهُوَ أكبر منها، فكسرهن، فَقَالُوا: مَا نراه إلا كَمَا قَالَ، فَقَالَ لَهُ نمرود: فَمَا إلهك الَّذِي تعبد؟ قَالَ: ربي الَّذِي يَحْيَى ويميت، قَالَ نمرود: أنا أحيي وأميت، آخذ رجلين قد استوجبا القتل في حكمي فأقتل أحدهما فأكون قد أمته، وأعفو عَنِ الآخر فأكون قَدْ أحييته، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم/: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ 2: 258 [5] فبهت عِنْدَ ذَلِكَ نمرود وحبسه سبع سنين [6] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أبو أَحْمَدُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سِيبَوَيْهِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: جُوِّعَ لإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَسَدَانِ ثُمَّ أُرْسِلا عَلَيْهِ، فَجَعَلا يَلَحَسَانِهِ وَيَسْجُدَانِ لَهُ.
قَالَ عُلَمَاَءُ السَّيْرِ: ثُمَّ أَجْمَعَ نَمْرُودُ وقومه على تحريقه، فقالوا: أحرقوه.
__________
[1] سورة: الصافات، الآية: 90.
[2] سورة: الأنبياء، الآية: 57.
[3] سورة: الأنبياء، الآية: 59، 60.
[4] سورة: الأنبياء، الآية: 60
[5] سورة: البقرة، الآية: 258.
[6] راجع الخبر في تاريخ الطبري 234- 240.(1/260)
ذكر قصة إلقائه فِي النار [1]
قَالَ شُعَيْب بْن الجبائي: إِن الَّذِي قَالَ حرقوه خسف بِهِ الأَرْض فَهُوَ يتجلجل فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. وألقي إِبْرَاهِيم فِي النار وَهُوَ ابْن ست عشرة سَنَة [2] .
قَالَ علماء السير: أمر نمرود بجمع الحطب فجمعوا، حَتَّى إِن كانت المرأة [لتنذر] [3] فِي بَعْض مَا تطلب مِمَّا تحب إِن قَالَتْ كَذَا، لتحتطبن عَلَى نار إِبْرَاهِيم احتسابا فِي دينها، فلما أوقدوا النار أجمعوا عَلَى قذفه فِيهَا، قَالَتِ الخلائق: أي ربنا! إِبْرَاهِيم لَيْسَ فِي أرضك أحد يعبدك غيره يحرق بالنار فيك! فأذن لنا فِي نصرته.
قَالَ: فَإِن استغاث بشيء منكم فأغيثوه، وإن لَمْ يدع غيري فأنا وليه، فلما ألقي فِي النار قَالَ: يَا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ 21: 69 [4] .
وجاء جبرئيل وإبراهيم موثق، قَالَ: ألك حاجة؟ قَالَ: أما إليك فلا [5] .
قَالَ كعب: مَا أحرقت النار إلا وثاقه [6] .
قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو: أول كلمة قالها إِبْرَاهِيم حِينَ طرح فِي النار: حسبي اللَّه ونعم الوكيل.
قَالَ السدي عَنْ أشياخه [7] : رفع إِبْرَاهِيم رأسه إِلَى السماء، وَقَالَ: اللَّهمّ أَنْتَ الْوَاحِد فِي السماء، وأنا الْوَاحِد فِي الأَرْض، لَيْسَ [فِي الأَرْض أحد] [8] يعبدك غيري، حسبي اللَّه ونعم الوكيل، فقذفوه [فِي النار] [9] ، فَقَالَ: يَا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ 21: 69 [10] .
__________
[1] راجع تاريخ ابن عساكر (تهذيب) 2/ 144 وما بعدها، مرآة الزمان 1/ 275.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 241، ومرآة الزمان 1/ 275.
[3] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 241، 242.
[4] سورة: الأنبياء، الآية: 69.
[5] تاريخ الطبري 1/ 243.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 243 عن قتادة، عن أبي سليمان.
[7] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 241، 242.
[8] ما بين المعقوفتين: من الهامش والطبري.
[9] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[10] سورة: الأنبياء، الآية: 69.(1/261)
قَالَ ابْن عَبَّاس: لو لَمْ يتبع بردها سلاما لمات إِبْرَاهِيم من بردها وَلَمْ تبق نار يَوْمَئِذٍ فِي الأَرْض إلا طفئت، ظنت أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تعنى.
فلما طفئت النار نظروا إِلَى إِبْرَاهِيم فَإِذَا هُوَ ورجل آخر مَعَهُ، فَإِذَا رأس إِبْرَاهِيم فِي حجره يمسح عَنْ وجهه العرق وذكروا أَن ذَلِكَ الرجل هُوَ ملك الظل، فأخرجوا إِبْرَاهِيم وأدخلوه عَلَى الْمَلِك [1] .
وَقَالَ ابْن إِسْحَاق [2] : بعث اللَّه ملك الظل فقعد مَعَ إِبْرَاهِيم يؤنسه، فمكث نمرود أياما لا يشك أَن النار قَدْ أكلت إِبْرَاهِيم [ثُمَّ ركب فنظر فَإِذَا إِبْرَاهِيم] [3] وإلى جنبه رجل جالس، فناداه نمرود: يا إِبْرَاهِيم، كبير إلهك الَّذِي بلغت قدرته أَن حال بَيْنَ مَا أرى وبينك، هل تستطيع أَن تخرج منها؟
فقام إِبْرَاهِيم يمشي حَتَّى خرج، فَقَالَ لَهُ: يا إِبْرَاهِيم، من الرجل الَّذِي رأيت معك؟ قال: ملك الظل، أرسله ربي ليؤنسني. فَقَالَ: إني مقرب إِلَى إلهك قربانا لما رأيت من قدرته، فَقَالَ: إنه لا يقبل منك مَا كنت عَلَى دينك، فَقَالَ: لا أستطيع ترك ملكي، ولكن سوف أذبحها لَهُ، فذبح أربعة آلاف بقرة [4] ، وكف عَنْ إِبْرَاهِيم.
واستجاب لإبراهيم رجال من قومه لما رأوا من تلك الآية عَلَى خوف من نمرود، فأمن لَهُ لوط- وَكَانَ ابْن أخيه- وَهُوَ لوط بْن هاران بْن تارخ، وهاران أَخُو إِبْرَاهِيم، وَهُوَ الَّذِي بنى مدينة حران وإليه تنسب. وآمنت بِهِ سارة وَهِيَ ابنة عمه فتزوجها [5] .
قَالَ السدي عَنْ أشياخه [6] : لما انطلق إِبْرَاهِيم ولوط إِلَى الشام لقي إِبْرَاهِيم سارة وَهِيَ بنت ملك حران وَقَدْ طعنت عَلَى قومها فِي دينهم، فتزوجها عَلَى أن لا يغيرها.
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 241، 242، وتفسيره 17/ 33.
[2] تاريخ الطبري 1/ 242.
[3] ما بين المعقوفتين: من الهامش.
[4] في الهامش: «ألف بقرة» . وهو خطأ، فالمثبت موافق لرواية ابن إسحاق في الطبري 1/ 243.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 243، 244. وراجع مرآة الزمان 1/ 277.
[6] تاريخ الطبري 1/ 244.(1/262)
ومن الأحداث فِي زمن الخليل عَلَيْهِ السَّلام [1]
أَنَّهُ دعا أباه آزر إِلَى الإيمان، فَقَالَ: يا أبت لَمْ تعبد مَا لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شَيْئًا، فأبى أبوه أَن يطيعه، فأعرض عَنْهُ إِبْرَاهِيم، وَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيم يجاهده.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَن بْن البراء: كان لإبراهيم ثلاثمائة يقاتلون بالعصي. وَلَمْ يحارب من الأنبياء إلا هُوَ، وموسى، وَدَاوُد، ومحمد عَلَيْهِم السَّلام [2] .
ومن الأحداث هجرة الخليل عَلَيْهِ السَّلام [3]
وَذَلِكَ أَن إِبْرَاهِيم ومن مَعَهُ من أَصْحَابه الْمُؤْمِنيِنَ أجمعوا عَلَى فراق قومهم، فخرج إِبْرَاهِيم مهاجرا إِلَى ربه عَزَّ وَجَلَّ، وخرج مَعَهُ لوط مهاجرا، وسارة زوجته. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ تزوجها فِي طريق هجرته بحران، وخرج بها من حران حَتَّى قدم مصر وبها فرعون من الفراعنة الأَوَّل. وكانت سارة أَحْسَن النَّاس، فلما وصف لفرعون حسنها بعث يطلبها [4] .
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بن الحصين، أخبرنا الحسن بن عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَخَلَ إِبْرَاهِيم قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ- أَوْ جبار مِنَ الْجَبَابِرَةِ، فَقِيلَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ اللَّيْلَةُ بِامْرَأَةٍ مِنْ أَحْسَنَ النَّاسِ. قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: مَنْ هَذِهِ مَعَكَ؟ قَالَ: أُخْتِي، قَالَ: أَرْسِلْ بِهَا، قَالَ: فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، وَقَالَ: لا تُكَذِّبِي قَوْلِي، فَإِنِّي قَدْ أَخْبَرْتُ أَنَّكِ أُخْتِي، أَنْ لَيْسَ عَلَى الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ، قَالَ: فلما دخلت إليه قام إليها. قال: فَأَقَبْلَتْ تُصَلِّي وَتَقُولُ: اللَّهمّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أني آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجي إلا عَلَى زَوْجِي فَلا تُسَلِّطُ عَلِيَّ الْكَافِرَ. قَالَ: فغطّ حتى ركض برجله [5] .
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 244، ومرآة الزمان 1/ 278.
[2] الخبر أورده صاحب المرآة 1/ 279، وذكر أنهم خمس أنبياء، وزاد عما هو مذكور هنا سليمان بن داود.
[3] تاريخ الطبري 1/ 244، ومرآة الزمان 1/ 279.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 244.
[5] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل 2/ 403، 404، والطبري في تاريخه 1/ 244، 245.(1/263)
قَالَ أَبُو الزناد: قَالَ أَبُو سلمة، عَنْ أبي هريرة: أنها قَالَتْ: اللَّهمّ إِن يمت قيل هِيَ قتلته. قال: فأرسل ثُمَّ قام إِلَيْهَا فقامت تصلي وتقول: اللَّهمّ إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط عَلِي هَذَا الكافر. قَالَ: فغط حَتَّى ركض برجله.
قال أبو الزناد: قال أبو سلمة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة: قَالَتْ: اللَّهمّ إِن يمت قيل هِيَ قتلته، فأرسل. قَالَ: فَقَالَ فِي الثالثة أَوِ الرابعة: مَا أرسلتم إلا شيطانا، أرجعوها إِلَى إِبْرَاهِيم وأعطوها هاجر. قَالَ: فرجعت إِلَى إِبْرَاهِيم فَقَالَتْ لإبراهيم: أشعرت أَن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ رد كيد الكافر وأحذم وليدة.
قَالَ ابْن إِسْحَاق: وكانت هاجر جارية ذَات هيئة فوهبتها سارة لإبراهيم، وَقَالَتْ:
إني أراها [امرأة] [1] وضيئة فخذها لعل اللَّه أَن يرزقك منها ولدا، وكانت سارة قَدْ منعت الولد، فوقع عَلَيْهَا فولدت لَهُ إِسْمَاعِيل.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا فتحتم مصر فاستوصوا بأهلها فَإِن لَهُمْ ذمة ورحما» . قَالَ الزهري: الرحم أَن أم إِسْمَاعِيل كانت مِنْهُم.
ثُمَّ إِن إِبْرَاهِيم خرج من مصر إِلَى الشام فنزل السبع من أرض فلسطين، ونزل لوط بالمؤتفكة، وهي من السبع عَلَى مسيرة يَوْم وليلة أَوْ أقرب. فبعثه اللَّه نبيا. وأقام إِبْرَاهِيم بِذَلِكَ المقام فاحتفر بِهِ بئرا فكانت غنمه تردها، واتخذ بِهِ مسجدا، ثُمَّ إِن أهلها آذوه فخرج حَتَّى نزل بناحية فلسطين فنضب ماء تلك البئر الَّتِي احتفرها، فندم أَهْل ذَلِكَ المكان عَلَى مَا صنعوا وَقَالُوا: أخرجنا من بَيْنَ أظهرنا رجلا صالحا ولحقوه فسألوه أَن يرجع، قَالَ: مَا أنا براجع إِلَى بلد أخرجت منه، قَالُوا: فَإِن الماء الَّذِي كنت تشرب منه ونحن معك قَدْ نضب، فأعطاهم سبع أعنز من غنمه، وَقَالَ: أوردوها الماء تظهر ولا تغرفن منها حائض. [فخرجوا بالأعنز فلما وقفت عَلَى البئر] [2] ظهر إِلَيْهَا الماء.
وَكَانَ اللَّه تَعَالَى قَدْ أوسع عَلَى إِبْرَاهِيم وبسط لَهُ فِي الرزق والخدم، وَكَانَ يضيف
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 247.
[2] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 248.(1/264)
كُل من نزل بِهِ، وَهُوَ أول من أضاف الضيف وأول من ثرد الثريد وأول من رأى الشيب.
وَرَوَى عيسى بْن يُونُس، عَنْ....، عَنْ سَعْد بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أول من خطب عَلَى المنابر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام. [1]
ومن الحوادث
أَن سارة لما وهبت هاجر لإبراهيم ليتسرى بها ولدت إِسْمَاعِيل وَهُوَ أكبر ولد إِبْرَاهِيم فغارت سارة فأخرجتها وحلفت لتقطعن منها بضعة فخفضتها [2] ، ثُمَّ قَالَتْ: لا تساكنّي فِي بلد. فأوحى اللَّه تَعَالَى إِلَى إِبْرَاهِيم أَن يَأْتِي مَكَّة، فَذَهَبَ بها وبابنها إِلَى مَكَّة [3] .
وزعم السدي عَنْ أشياخه: أَن سارة حملت بَعْد هاجر وأنهما ولدتا وكبر الولدان فاقتتلا. وَلَيْسَ هَذَا بصحيح، لأن إِسْمَاعِيل إِنَّمَا خرج وَهُوَ مرضع [4] .
ومن الحوادث خروج إِبْرَاهِيم إِلَى مَكَّة بإسماعيل وهاجر [5]
وَرَوَى ابْن إِسْحَاق عَنْ أشياخه: أَن إِبْرَاهِيم [خرج] [6] ومعه جبرئيل، فكان لا يمر بقرية إلا قال: بهذه أمرت يا جبرئيل؟ فَيَقُول جبرئيل: امضه، حَتَّى قدم بِهِ مَكَّة وَهِيَ ذَات عضاء وسلم وسمر، وبها أناس يقال لَهُمْ العماليق خارج مَكَّة وحولها، والبيت يومئذ ربوة حمراء، فقال لجبرئيل: أهاهنا [أمرت] [7] أَن أضعهما؟ قَالَ: نعم، فعمد بهما إلى موضع الحجر فأنزلهما فيه، وأمر هاجر أَن تتخذ فِيهِ عريشا، ثُمَّ انصرف إلى الشام فتركهما [8] .
__________
[1] الخبر أورده السيوطي في الأوائل 35.
[2] الخفض للجارية مثل الختان للصبي.
[3] تاريخ الطبري 1/ 253، ومرآة الزمان 1/ 281.
[4] تاريخ الطبري 1/ 253، 254.
[5] تاريخ الطبري 1/ 254، ومرآة الزمان 1/ 281.
[6] ما بين المعقوفتين: من الهامش
[7] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري
[8] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 254.(1/265)
أخبرنا عبد الأول، أخبرنا ابن طلحة الدراوردي، أخبرنا ابن أعين السرخسي، حدثنا أبو عبد الله الفربري، حدثنا البخاري، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَكَثِيرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ. ابن أبي وداعة- يزيد أحدهما على الآخر- عن سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
أَوَّلُ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمَنْطِقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مَنْطِقًا لِتُعْفِيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أَنِيسٌ ولا شيء، فقالت له ذلك مرارا وَجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: اللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذًا لا يُضَيِّعُنَا.
ثُمَّ رَجَعَتْ فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنْيَةِ حَتَّى لا يَرَوْهُ، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، دَعَا بِهَؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:
رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ 14: 37 حتى بلغ يَشْكُرُونَ 14: 37 [1] .
وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ [تُرْضِعُ ابْنَهَا] [2] وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي ماء السقاء عطشت وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى- أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ- فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرْ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرْفَ درعها ثم سعت سعي الإنسان الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ وَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا [فَلَمْ تر أحدا] [3] ، ففعلت ذلك سبع مرات.
__________
[1] سورة: إبراهيم، الآية: 37.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: من صحيح البخاري.(1/266)
قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلِذَلِكَ سَعَى النَّاسُ بَيْنَهُمَا» . فلما أشرفت عَلَى المروة سمعت صوتا، فَقَالَتْ: صه- تريد نفسها- ثُمَّ تسمعت فسمعت أَيْضًا، فَقَالَتْ: قد أسمعت إِن كَانَ عندك غواث، فَإِذَا هِيَ بالملك عِنْدَ موضع زمزم فبحث بعقبه- أَوْ قال: بجناحه- حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت، تغرف من الماء فِي سقائهما وَهُوَ يفور بعد ما تغرف.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا» . قَالَ: فشربت وأرضعت ولدها، فَقَالَ لها الملك: لا تخافوا الضيعة فإن هاهنا بيتا للَّه يبنيه هَذَا الغلام وأبوه، وإن اللَّه لا يضيع أهله، وَكَانَ الْبَيْت مرتفعا من الأَرْض كالرابية، وتأتيه السيول فيأخذ عَنْ يمينه وعن شماله، فكانت كَذَلِكَ حَتَّى مرت بهم رفقة من جرهم مقبلين من طريق كداء، فنزلوا فِي أسفل مَكَّة، فرأوا طائرا عائفا، فقالوا ان هذا الطائر ليدور عَلَى ماء لعهدنا بِهَذَا الوادي وَمَا فِيهِ ماء.
فأرسلوا جريا أَوْ جريين فَإِذَا هُمْ بالماء، فَقَالَ: أتأذنين لنا أَن ننزل عندك؟ فَقَالَتْ:
نعم، ولكن لا حق لكم فِي الماء. قَالُوا: نعم.
قَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فألفى ذَلِكَ أم إِسْمَاعِيل وَهِيَ تحب الإنس، فنزلوا وأرسلوا إِلَى أهاليهم [فجاءوا] [1] فنزلوا معهم حَتَّى إِذَا كَانَ بها أَهْل أبيات مِنْهُم، وشب الغلام وتعلم العربية مِنْهُم وأنسهم وأعجبهم حِينَ شب، فلما أدرك زوجوه امرأة مِنْهُم. وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إِسْمَاعِيل يطالع تركته فلم يجد إِسْمَاعِيل، فسأل امرأته عَنْهُ، فَقَالَتْ: خرج يبتغي لنا، ثُمَّ سألها عَنْ عيشهم وهيئتهم، فَقَالَتْ: نحن بشر، [نحن] [2] فِي ضيق وشدة، فشكت إِلَيْهِ. فَقَالَ: إِذَا جاء زوجك فاقرئي عَلَيْهِ السَّلام وقولي لَهُ يغير عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا، فقال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: من المرآة 1/ 283.(1/267)
هَلْ جاءكم من أحد؟ قَالَتْ: نعم جاءنا شيخ [من صفته] [1] كَذَا وكذا فسألني عنك فأخبرته، فسألني كَيْفَ عيشنا فأخبرته أنا فِي جهد وشدة، قَالَ: فهل أوصاك بشيء؟
قَالَتْ: نعم أمرني أَن أقرأ عليك السَّلام وَيَقُول لَكَ: غَيْر عتبة بابك. قَالَ: ذَلِكَ أَبِي وقد أمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك، فطلقها، وتزوج مِنْهُم أُخْرَى. فلبث عَنْهُ إِبْرَاهِيم مَا شاء اللَّه، ثُمَّ أتاهم فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عَنْهُ، فَقَالَتْ خرج يبتغي لنا، قَالَ: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت: نحن بخير وسعة وأثنت عَلَى اللَّه، فَقَالَ: مَا طعامكم؟ قَالَتْ: اللحم، قَالَ: فَمَا شرابكم؟ قَالَتْ: الماء، قَالَ: اللَّهمّ بارك لَهُمْ فِي اللحم والماء.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَمْ يكن لَهُمْ يَوْمَئِذٍ الحب، ولو كَانَ لدعا لَهُمْ فِيهِ بالبركة» . قَالَ: فهما لا يخلوا عليهما أحد بغير ملة إلا يوافقاه. قَالَ: فَإِذَا جاء زوجك فاقرئي عَلَيْهِ السَّلام ومريه أَن يثبت عتبة بابه. فلما جاء إِسْمَاعِيل، قَالَ: هل أتاكم من أحد؟
قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عَلَيْهِ فسألني كَيْفَ عيشنا فأخبرته أنا بخير، قَالَ: أفأوصاك بشيء؟ قَالَتْ: نعم، هُوَ يقرأ عليك السَّلام، ويأمرك أَن تثبت عتبة بابك، فَقَالَ: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أَن أمسكك.
ثُمَّ جاء بَعْد ذَلِكَ وإسماعيل يبري نبلا تَحْتَ دوحة قريبا من زمزم، فلما رآه قام إِلَيْهِ وصنعا كَمَا يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثُمَّ قَالَ: يا إِسْمَاعِيل إِن اللَّه قَدْ أمرني بأمر، قَالَ: فاصنع مَا أمرك [ربك] [2] ، قَالَ: أوتعينني؟ قَالَ: وأعينك، قَالَ: فَإِن اللَّه أمرني أن أبني ها هنا بيتا، وأشار إِلَى أكمة مرتفعة عَلَى مَا حولها. قَالَ: فعند ذَلِكَ رفعا القواعد من الْبَيْت، فجعل إِسْمَاعِيل يَأْتِي بالحجارة وإبراهيم يبني حَتَّى إِذَا ارتفع البناء جاء بِهَذَا الحجر فوضعه، وقام عَلَيْهِ يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان:
رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 2: 127 [3] .
انفرد بإخراجه البخاري [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: من الهامش.
[3] سورة: البقرة، الآية: 127.
[4] صحيح البخاري 4/ 172، 176.(1/268)
وَقَدْ رَوَى عَطَاء بْن السائب، عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيث: أَن زوجة إِسْمَاعِيل الثَّانِيَة قَالَتْ لإبراهيم لما قدم: انزل رحمك اللَّه حَتَّى أغسل رأسك [فقد شعث] [1] ، فلم ينزل بِهِ فجاءته بالمقام فوضعته عَنْ شقه الأيمن فوضع قدمه عَلَيْهِ [فبقي أثر قدمه عَلَيْهِ] [2] فغسلت شق رأسه الأيمن، ثُمَّ حولت المقام إِلَى شقه الأيسر [فغسلت شقه الأيسر] [3] . فَقَالَ لها: إذا جاء زوجك فاقرئيه السَّلام وقولي لَهُ: قَدِ استقامت عتبة بابك.
ومن الحوادث أمر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الخليل ببناء الْبَيْت [4]
قَدْ ذَكَرْنَا أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام قدم مَكَّة بهاجر وإسماعيل، فوضعهما هنالك، ثم قدم لزيارة ابنه/ ثَلاث مرات، فلقيه فِي الثالثة، وَقَالَ لَهُ: إِن اللَّه قَدْ أمرني أَن أبني بيتا هاهنا.
وَقَدْ رَوَى خَالِد بْن عرعرة، عَنْ عَلِي عَلَيْهِ السَّلام، قَالَ: أوحى اللَّه تَعَالَى إِلَى إِبْرَاهِيم أَن ابْن لي بيتا فِي الأَرْض، فضاق إِبْرَاهِيم بِذَلِكَ ذرعا، فأرسل عَزَّ وَجَلَّ السكينة وهي ريح خجوج [5] ولها رأسان، فانتهت بِهِ إِلَى مَكَّة فتطوقت [6] عَلَى موضع الْبَيْت كتطوي الجحفة [7] ، وأمر إِبْرَاهِيم أَن يبني حيث تستقر السكينة، فبنى إِبْرَاهِيم وبقي حجر، فانطلق الغلام يلتمس له حجرا فأتاه فوجده قَدْ ركب الحجر الأسود فِي مكانه،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: من الهامش.
[3] ما بين المعقوفتين: من الهامش.
[4] تاريخ الطبري 1/ 251، وزاد المسير 1/ 129، 424، والأزرقي 1/ 25، والبداية والنهاية 1/ 163، وطبقات ابن سعد 1/ 52، ومرآة الزمان 1/ 285.
[5] الخجوج: الريح الشديدة الحر.
[6] في تاريخ الطبري: «فتطوّت» . وما أوردناه عن الأصل والمرآة.
[7] كذا في الأصل وفي المرآة، وبعدها في المرآة: «وهي على مثال الحية.» وفي الطبري: «كتطوي الحية» .(1/269)
فَقَالَ: يا أبت من أتاك بِهَذَا الحجر، قَالَ: أتاني بِهِ من لَمْ يتكل عَلَى بنائك، جاء بِهِ جبرئيل من السماء [1] . وَرَوَى حارثة بْن مضرب، عَنْ عَلِي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: لما قدم إِبْرَاهِيم مَكَّة رأى على رأسه في موضع الْبَيْت مثل الغمامة فِيهِ مثل الرأس، فكلمه، فَقَالَ: يا إِبْرَاهِيم ابْن عَلِي ظلي ولا تزد ولا تنقص [2] . حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عمر، حَدَّثَنَا موسى بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي الجهم، عَنْ أَبِي بَكْر سُلَيْمَان بْن أَبِي خيثمة، عَنْ أَبِي جهم بْن حذيفة بْن غانم، قَالَ: أوحى اللَّه إِلَى إِبْرَاهِيم أَن يبني الْبَيْت وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْن مائة سَنَة، وإسماعيل يَوْمَئِذٍ ابْن ثلاثين سَنَة فبناه مَعَهُ [3] .
فَإِن قيل: هل بَنِي الْبَيْت قبل إِبْرَاهِيم؟
قلنا: ذَكَرْنَا فِي قصة آدَم أَن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أنزل ياقوتة فجعلها مكان البيت، وأمر آدم بالطواف حولها. وَفِي رواية: أَن آدَم بناه ثُمَّ بناه بعده بنوه إلا أَن الغرق عفى أثره وبقي مكانه أكمة إِلَى أَن بناه الخليل.
فأما حدود الحرم: [4] فأول من وضعها الخليل عَلَيْهِ السَّلام، وَكَانَ جبرئيل يأمر بِهِ، ثُمَّ لَمْ يتحرك حَتَّى كَانَ قصي [بْن كلاب] [5] فجددها، فقلعتها قريش فِي زمن نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاشتد ذَلِكَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاءه جبريل، فَقَالَ: إنهم سيعيدُونَها، فرأى رجال مِنْهُم فِي المنام قائلا يَقُول: حرم أعزكم اللَّه بِهِ نزعتم أنصابه، الآن يتخطفكم العرب، فأعادوها، فَقَالَ جبريل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا مُحَمَّد أعادوها، فقال: فأصابوا؟ قال:
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 251، وفي تفسيره 3/ 70.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 252، والتفسير 3/ 68.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 52، وقارن بالأزرقي 1/ 30، والقرى لقاصد أم القرى 602- 603.
[4] مرآة الزمان 1/ 288.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(1/270)
ما وضعوا منها نصبا إلا بيد الْمَلِك. ثُمَّ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام الفتح تميم بن راشد [1] فجددها، ثُمَّ جددها عُمَر بْن الْخَطَّاب، ثُمَّ جددها مُعَاوِيَة، ثُمَّ عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان.
[فَإِن] قَالَ قائل: مَا السبب فِي بَعْد بَعْض الحدود وقرب بَعْضهَا؟ [2] ففيه ثلاثة أجوبة: أحدها: أَنَّهُ لما أهبط اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى آدم بيتا من ياقوت أضاء ما بين المشرق والمغرب ففرت الجن والشيطان وأقبلوا ينظرون، فجاءت مَلائِكَة تردهم فوقفوا مكان حدود الحرم. رواه سَعِيد بْن جُبَيْر عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْبَيْت قناديل فِيهَا نور فانتهى ضوء ذَلِكَ النور إِلَى مواضع الحرم. قاله وهب بْن منبه.
والثالث: أَنَّهُ لما وضع الخليل الركن أضاء فالحرم إِلَى موضع انتهاء نوره.
ومن الأحداث: أَنَّهُ لما فرغ إِبْرَاهِيم من بناء الْبَيْت أمره اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَن يؤذن فِي النَّاس بالحج [3]
قَالَ ابْن عَبَّاس: لما بَنِي الْبَيْت أوحى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ: أَن أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ 22: 27 [4] فَقَالَ: يا رب وَمَا يبلغ صوتي؟ قَالَ: أذن وعلي البلاغ. فقام عَلَى الحجر فنادى: أيها النَّاس إِن ربكم قَدِ اتخذ بيتا وأمركم أَن تحجوه، فسمعه من بَيْنَ السماء وَالأَرْض وأسمع من فِي أصلاب الرجال وأرحام النِّسَاء، فأجابه من سبق فِي علم اللَّه أَنَّهُ يحج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة: لبيك اللَّهمّ لبيك، فاستجاب لَهُ مَا سمعه من حجر أَوْ شجر أَوْ أكمة [أَوْ تراب] [5] أَوْ شَيْء: لبيك اللَّهمّ لبيك [6] .
وَقَالَ عَبْد بْن عُمَر [7] : استقبل إِبْرَاهِيم اليمن فدعا إِلَى اللَّه وإلى حج بيته، فأجيب:
__________
[1] في المرآة 1/ 288: تميم بن أسد.
[2] نقله سبط بن الجوزي في المرآة 1/ 289، وما بين المعقوفتين من هامش المخطوط.
[3] تاريخ الطبري 1/ 260، والتفسير 17/ 106، وزاد المسير 5/ 423، ومرآة الزمان 1/ 290.
[4] سورة: البقرة، الآية: 127.
[5] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 260، وتفسيره 17/ 106.
[7] في الأصل: عبيد بن عمر، والتصحيح من الطبري 1/ 261.(1/271)
لبيك لبيك، ثُمَّ إِلَى الشام فأجيب لبيك لبيك.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْن حَيَوَيْهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن سَعْد، أَخْبَرَنَا هِشَام بْن مُحَمَّد، عَنْ أبيه قال: خرج إِبْرَاهِيم إِلَى مَكَّة ثَلاث مرات دعا النَّاس إِلَى الحج فِي آخرهن فأجابه كُل شَيْء سمعه، فأول من أجابه جرهم قبل العماليق ثُمَّ أسلموا ورجع إِبْرَاهِيم إِلَى بلد الشام فمات به وهو ابْن مائتي سَنَة.
ومن الحوادث أَنَّهُ ابتدأ بفعل الحج بَعْد فراغه من الْبَيْت
فرَوَى ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَتَى جِبْرَئِيلُ إِبْرَاهِيمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَرَاحَ بِهِ إِلَى مِنًى، فصلى بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ [الآَخِرَةَ] [1] وَالْفَجْرَ بِمِنًى، ثُمَّ غَدَى بِهِ إِلَى عَرَفَاتٍ فَأَنْزَلَهُ حَيْثُ يَنْزِلُ النَّاسَّ، فصلى بِهِ الصَّلاتَيْنِ جَمِيعًا: الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، ثُمَّ وَقَفَ بِهِ حَتَّى إِذَا كَانَ كَأَعْجَلَ مَا يصلّي أحد من الناس المغرب، أَفَاضَ حَتَّى أَتَى جَمْعًا فصلى بِهِ الصَّلاتَيْنِ جَمِيعًا: الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، ثُمَّ أَفَاضَ حَتَّى إِذَا كان كأبطأ ما يصلي أحد من المسلمين الْفَجْرَ أَفَاضَ بِهِ مِنْ مِنًى [2] فَرَمَى الْجَمْرَةَ ثُمَّ ذَبَحَ وَحَلَقَ، ثُمَّ أَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ، ثُمَّ أَوْحَى إِلَى مُحَمَّدٍ: أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ ... 16: 123 [3] .
ومن الحوادث أَن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أنزل عَلَى الخليل عشر صحائف [4]
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُهْتَدِي، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ [قَالَ] [5] : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كم كتاب أنزله الله؟ قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[2] في تاريخ الطبري: «أفاض به إلى منى» .
[3] سورة: النحل، الآية: 123. والخبر في تاريخ الطبري 1/ 262.
[4] عرائس المجالس 100، والدر المنثور 6/ 341، ومرآة الزمان 1/ 292.
[5] ما بين المعقوفتين: من المرآة 1/ 292.(1/272)
مِائَةُ كِتَابٍ وَأَرْبَعَةُ كُتُبٍ، أَنْزَلَ عَلَى آَدَمَ عَشْرَ صَحَائِفَ، وَعَلَى شِيثٍ خَمْسِينَ صَحِيفَةً، وَعَلَى خنوخ ثلاثين صَحِيفَةً، وَأَنْزَلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَشْرَ صَحَائِفَ، وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْفُرْقَانَ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، فَمَا كَانَ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ؟
قَالَ: كَانَتْ أَمْثَالا كُلُّهَا: أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمُسَلَّطُ الْمُبْتَلَى الْمَغْرُورُ إِنِّي لَمْ أَبْعَثْكَ لِتَجْمَعَ الدُّنْيَا بَعْضهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَكِنِّي بَعَثْتُكَ لِتَرُدَّ عَنِّي دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنِّي لا أَرُدُّهَا وِإِنْ كَانَتْ من كافر [1] . وكان فيها أمثال: [وعلى العاقل مَا لَمْ يَكَنُ مَغْلُوبًا] [2] عَلَى عَقْلِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَاعَاتٌ سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وساع يُفَكِّرُ فِيهَا فِي صُنْعِ اللَّهِ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ فِيمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ مِنَ الْحَلالِ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ. وَعَلَى الْعَاقِلِ [أَنْ لا يَكُونَ طَاغِيًا إِلا فِي ثَلاثٍ: تَزَوُّدٍ لِمَعادٍ، وَمَرمَّةٍ لِمَعَاشٍ، وَلَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ، وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ] [3] يَكُونَ بَصِيرًا بِزَمَانِهِ، مُقْبِلا عَلَى شَأْنِهِ، حَافِظًا لِلِسَانِهِ. وَمَنْ حَسِبَ كَلامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلامُهُ إِلا فِيمَا يَعْنِيهِ، [وَسَلامٌ عَلَى مَنْ أَكْرَمَ الضَّيْفَ، وَمَنْ أَهَانَهُ فَهُوَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ. قَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَلِهَذَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ لا يَأْكُلُ إِلا مَعَ الضَّيْفِ] [4] .
من الحوادث اتخاذ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِبْرَاهِيم خليلا [5]
اختلف الْعُلَمَاء فِي سبب ذَلِكَ عَلَى ثلاثة أقوال:
أحدها: لإطعامه الطعام فكان لا يأكل إلا مَعَ ضيف لسعة كرمه. وَفِي حَدِيثِ عَبْد اللَّهِ بن عمرو بن العاص، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَا جِبْرِيلُ لِمَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا؟ قَالَ: لإِطْعَامِهِ الطَّعَامَ يَا مُحَمَّدُ» . وَالثَّانِي: أَن النَّاس أصابتهم سَنَة فأقبلوا إِلَى بَاب إِبْرَاهِيم يطلبون الطعام وكانت له
__________
[1] في المرآة: «أردها ولو كانت من كافر» .
[2] ما بين المعقوفتين: من المرآة.
[3] ما بين المعقوفتين: من هامش المخطوط.
[4] ما بين المعقوفتين: من المرآة 1/ 292.
[5] تفسير الطبري 9/ 251، وزاد المسير 2/ 211، وعرائس المجالس 980، ومرآة الزمان 1/ 292.(1/273)
ميرة من صديق لَهُ بمصر من كُل سَنَة، فبعث غلمانه بالإبل إِلَى صديقه فلم يعطهم شَيْئًا، فَقَالُوا: لو احتملنا من هذه البطحاء ليرى النَّاس أنا قَدْ [جئنا بشيء] [1] فملئوا الغرائر رملا ثُمَّ أتوا إِبْرَاهِيم فأعلموه، فاغتم إِبْرَاهِيم لأجل الخلق فنام، وجاءت سارة وَهِيَ لا تعلم مَا كَانَ، ففتحت الغرائر فَإِذَا دقيق حواري، فأمرت الخبازين فخبزوا وأطعموا النَّاس، فاستيقظ إِبْرَاهِيم، فَقَالَ: من أين هَذَا الطعام، فَقَالَتْ: من عِنْدَ خليلك المصري/ قَالَ: بَل من عِنْدَ خليلي اللَّه. فَيَوْمَئِذٍ اتخذه اللَّه خليلا. رواه أَبُو صَالِح، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
والثالث: أَنَّهُ اتخذه خليلا لكسره الأصنام وجداله قومه. قاله مقاتل.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّد، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا اتَّخَذَ اللَّهُ [إِبْرَاهِيمَ] [2] خَلِيلا وَنَبِيًّا كَانَ له يومئذ ثلاثمائة عَبْدٍ أَعْتَقَهُمْ، وَأَسْلَمُوا وَكَانُوا يُقَاتِلُونَ مَعَهُ بِالْعِصِيِّ [3] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورِ بْنُ خَيْرُونَ، عَنْ أَبِي محمد الجوهري، عن الدار الدّارقطنيّ، حدثنا عمر بن الحسن بن عَلِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا يمان بن سعيد، حدثنا خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي، حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ الْقِسِيَّ الْعَرَبِيَّةَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَمِلَ لإِسْمَاعِيلَ قَوْسًا وَلإِسْحَاقَ قَوْسًا وَكَانُوا يَرْمُونَ بِهَا وَعَلَّمَهُمَا الرَّمْيَ. وَأَوَّلُ مَنِ اتخذ القسيّ الفارسية [4] نمرود.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: مكانها في الأصل خرم.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناها من هامشها.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 47.
[4] في المرآة: «القسي الأعجمية» .(1/274)
ومن الحوادث سؤاله ربه عَزَّ وَجَلَّ أَن يريه كَيْفَ يحيي الموتى [1]
واختلف الْعُلَمَاء فِي سؤاله ذَلِكَ عَلَى أربعة أقوال:
أحدها: أَنَّهُ رأى ميتة تمزقها الهوام والسباع، فسأل ذَلِكَ.
قَالَ ابْن عَبَّاس: مر إِبْرَاهِيم برجل ميت عَلَى ساحل البحر فرأى دواب البحر وسباع الأَرْض تأكل منه، وَقَالَ قَتَادَة: مر عَلَى دابة ميتة. وَقَالَ ابْن جريج: مر عَلَى جيفة حمار.
وَقَالَ ابْن يَزِيد: مر عَلَى حوت ميتة.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لما بشر بأن اللَّه تَعَالَى قَدِ اتخذه خليلا سأل ذَلِكَ ليعلم بإجابته صحة البشارة. رواه السدي عَنْ أشياخه.
والثالث: أَنَّهُ أحب أَن يزيل عوارض الوساوس. وَهُوَ مذهب عطا بْن أَبِي رباح.
والرابع: أَنَّهُ لما قَالَ: ربي الَّذِي يحيي ويميت أحب أَن يرى مَا أخبر بِهِ عَنْ ربه.
ذكره ابْن إِسْحَاق.
وزعم مقاتل بْن سُلَيْمَان أَن هذه القصة جرت لإبراهيم بالشام قبل أَن يَكُون لَهُ ولد وقبل نزول الصحف عَلَيْهِ، وَهُوَ ابْن خمس وسبعين سَنَة.
ومن الحوادث أَن اللَّه تَعَالَى أمر بكلمات فأتمهن [2]
وَقَدِ اختلفوا فِي الكلمات عَلَى ستة أقوال:
أحدها: أَنَّهُ ابتلاه بالإسلام فأتمه. رواه عكرمة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [3] .
وَالثَّانِي: ابتلاه بالطهارة، خمس فِي الرأس، وخمس فِي الجسد، في الرأس:
__________
[1] تفسير الطبري 5/ 485، وزاد المسير 1/ 313، وتفسير ابن كثير 1/ 559، ومرآة الزمان 1/ 293.
[2] تاريخ الطبري 1/ 278، وتفسير الطبري 3/ 7، وزاد المسير 1/ 139، وعرائس المجالس 98، ومرآة الزمان 1/ 295.
[3] تاريخ الطبري 1/ 279، 280.(1/275)
قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس. وَفِي الجسد:
تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء.
رواه طاووس عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [1] .
والثالث: أَنَّهَا ست فِي الإِنْسَان: حلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب، والغسل يَوْم الجمعة. وأربع فِي المشاعر: الطواف، والسعي بَيْنَ الصفا والمروة، ورمي الجمار، والإفاضة. رواه حنش عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [2] .
والرابع: أَنَّهَا مناسك الحج خاصة. رواه قَتَادَة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [3] .
والخامس: أَنَّهَا قَوْله تَعَالَى: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً 2: 124 [4] وآيات النسك [5] .
قاله أَبُو صَالِح [6] .
والسادس: أَنَّهُ ابتلاه بالكواكب والقمر وبالشمس وبالنار وبالهجرة وبالختان [7] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، أَخْبَرَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرحمن عز وجل بعد ما أَتَتْ لَهُ ثَمَانُونَ سَنَةً، وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُّومِ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا ذكر سِنِّهِ يَوْمَئِذٍ. وَالْقَدُّومِ: مَوْضِعٌ [7] .
وَقَدْ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الدينَوَريّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْقَزْوِينِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَهْلٍ الْجَرِيرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ حَوْصَا، حدثنا محمد بن
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 280.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 281.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 283، 284.
[4] سورة: بقرة، الآية: 124
[5] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 281، 282.
[6] تاريخ الطبري 1/ 284، 285، 286.
[7] الحديث أخرجه الطبري في تاريخ 1/ 286، والبخاري 4/ 170، 8/ 81، ومسلم، الفضائل 151، وأحمد بن حنبل 2/ 418، 435، والبيهقي في السنن 8/ 225.(1/276)
الْوَزِيرِ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنَا الأوزاعي، عن يحيى بن سعيد بن المسيب، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ، ثُمَّ عَاشَ بَعْد ذَلِكَ ثَمَانِينَ سَنَةً» . وَرَوَى الضَّحَّاك، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِبْرَاهِيم أول من أضاف الضيف، وأول من ثرد الثريد، وأول من لبس النعلين، وأول من قاتل بالسَّيْف والسن، وأول من قسم الفيء، وأول من اختتن فِي موضع يقال لَهُ القدوم، وَهُوَ ختن نَفْسه.
[وَرَوَى] [1] أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي من حَدِيث ابْن عَبَّاس، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيم بزازا يبيع الثياب فدعا ربه أَن يستره إِذَا قام يصلي، فأهبط اللَّه إِلَيْهِ جبريل فقطع لَهُ السراويل وخاطته سارة، فَهُوَ أول سراويل لبس فِي الأَرْض.
ومن الحوادث أَن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ابتلى الخليل بذبح ولده بَعْد فراغه من الحج [2]
وَقَدِ اختلف الْعُلَمَاء فِي الذبيح، هل هُوَ إِسْمَاعِيل أَوْ إِسْحَاق؟
فَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ 37: 107 [3] قَالَ:
«إِسْحَاقُ» [4] .
وَقَدْ رَوَاهُ مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ فَوَقَفَهُ عَلَى الْعَبَّاسِ، وَهُوَ أَصَحُّ [5] .
وَكَذَلِكَ رَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الذَّبِيحُ إِسْحَاقُ [6] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 1/ 263، وتفسيره، وزاد المسير 7/ 73، وتهذيب ابن عساكر 2/ 149، والبداية والنهاية 1/ 157، وعرائس المجالس 93، ومرآة الزمان 1/ 296.
[3] ، سورة: الصافات، الآية: 107.
[4] الخبر أخرجه الطبري في التاريخ 1/ 263، وفي التفسير 23/ 51.
[5] الخبر أخرجه الطبري في المواضع السابقة.
[6] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 264.(1/277)
وَبِهِ قَالَ ابْن مَسْعُود، وكعب، وعبد بْن عمير ومسروق، وأبو ميسرة فِي خلق كثير.
وَقَدْ رَوَى مُعَاوِيَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلا جَاءَهُ، فَقَالَ: يَا ابْنَ الذَّبِيحَيْنِ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] . يُشِيرُ إِلَى إِسْمَاعِيلَ وَعَبْدِ اللَّهِ والد رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، فإن عَبْدَ الْمُطَّلِبِ نَذَرَ أَنْ يَذْبَحَهُ، وَهَذَا الْحَدِيث لا يثبت، ثم أن رسول الله لَمْ يقر بِهِ، وجائز أَن يَكُون العم أبا، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ 2: 133 [2] فأدخل إسماعيل في الآباء، وهو عم يعقوب.
وَقَدْ رَوَى الشَّعْبِي، وسعيد بْن جُبَيْر، ومجاهد، وعطاء بْن أَبِي رباح، ويوسف بْن مهران، عن ابن عباس أَنَّهُ إِسْمَاعِيل [3] .
وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِي، وَقَالَ: رأيت قرني الكبش فِي الكعبة. وإليه يذهب الْحَسَن ومجاهد والقرظي، واحتج بأن اللَّه تَعَالَى لما فرغ من قصة الذبيح، قال: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ 37: 112 [4] .
والقول الأَوَّل أصح، فَإِن الخليل لما هاجر عن قومه، قال: هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ 37: 100- 101 [5] . والبشارة كانت لسارة، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ 37: 102 [6] ، أي كبر، وبلغ أَنَّهُ سعى مَعَ ابنه. فأما إِسْمَاعِيل فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ أسكنه مَكَّة وَلَمْ يره حَتَّى تزوج امرأتين.
والاحتجاج بقرني الكبش لَيْسَ بشيء، لأنه من الجائز أَن يكونا حملا من الشام، واحتجاج المحتج [7] بقوله: وَبَشَّرْناهُ 37: 112 يدل عَلَى أَنَّهُ إِسْحَاق لأن الواو لا تقتضي الترتيب.
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 264، وفي التفسير 23/ 54.
[2] سورة: البقرة، الآية: 133.
[3] تاريخ الطبري 1/ 267، 268، 269.
[4] سورة: الصافات، الآية: 112. والخبر في تاريخ الطبري 1/ 269.
[5] سورة: الصافات، الآية: 101.
[6] سورة: الصافات، الآية: 102.
[7] في الأصل: «واحتج المحتج» ، والتصحيح من الهامش.(1/278)
الإشارة إِلَى قصة الذبح سبب أمر اللَّه خليله بذبح ولده:
مَا رَوَى السدي عَنْ أشياخه [1] . أَن جبريل لما بشر سارة بإسحاق، قَالَتْ: وَمَا آية ذَلِكَ؟ فأخذ عودا يابسا فِي يده فلواه بَيْنَ أَصَابِعه فاهتز أخضر، فَقَالَ إِبْرَاهِيم: هُوَ للَّه إِذَا ذبيح، فلما كبر إِسْحَاق أتى إِبْرَاهِيم فِي النوم فقيل لَهُ: أوف بنذرك الَّذِي نذرت، فَقَالَ لإسحاق: انطلق نقرب قربانا إِلَى اللَّه، فأخذ سكينا وحبلا ثُمَّ انطلق مَعَهُ حَتَّى إِذَا ذهب بِهِ بَيْنَ الجبال قال له الغلام: يا أبتاه، أين قربانك؟ قَالَ: يا بَنِي إني أرى فِي المنام أني أذبحك، فَقَالَ إسحاق: اشدد رباطي حَتَّى لا اضطرب، واكفف عني ثيابك [حَتَّى] [2] لا ينتضح عَلَيْهَا/ من دمي فتراه سارة فتحزن، وأسرع مر السكين عَلَى حلقي ليكون أهون للموت عَلِي، وإذا أتيت سارة فاقرأ عَلَيْهَا السَّلاَم.
فأقبل عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم يقبله، وَقَدْ ربطه وَهُوَ يبكي وإسحاق يبكي، ثُمَّ إنه جرّ السكين على حلقه فلم يحك السكين، فأضجعه عَلَى جبينه فنودي: يا إِبْرَاهِيم قَدْ صدقت الرؤيا. فَإِذَا بكبش فأخذه، وخلى عَنِ ابنه، وأكب عَلَى ابنه يقبله وَيَقُول: اليوم يا بَنِي وهبت لي. فرجع إلى سارة فأخبرها الْخَبَر فجزعت سارة، وَقَالَتْ: يا إِبْرَاهِيم أردت أَن تذبح ابني ولا تعلمني.
قَالَ شُعَيْب الجبائي: لما علمت بِذَلِكَ ماتت يَوْم الثالث.
وروى ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم: [3] إِن إِبْرَاهِيم لما خرج بابنه ليذبحه اعترضه إبليس، فقال: أين تريد أيها الشيخ؟ فَقَالَ: أريد هَذَا الشعب لحاجة لي فِيهِ، فَقَالَ: والله إني لأرى الشَّيْطَان قَدْ جاءك فِي منامك فأمرك بذبح ابنك. فعرفه إِبْرَاهِيم، فَقَالَ: إليك عني عدو الله، فو اللَّه لأمضين لأمر ربي فِيهِ، فلما يئس عدو اللَّه إِبْلِيس من إِبْرَاهِيم اعترض الولد، فَقَالَ: يا غلام هل تدري أين يذهب بك أبوك؟ قَالَ: يحتطب لأهلنا من هَذَا الشعب، قال: والله ما يريد إلا أَن يذبحك، قَالَ: لَمْ؟ قَالَ: زعم أَن ربه أمره بِذَلِكَ، قَالَ: فليفعل مَا أمره ربه، فسمعا وطاعة، فلما امتنع منه الغلام ذهب إلى
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 272، 273، وتفسيره 23/ 49.
[2] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[3] تاريخ الطبري 1/ 274، وابن عساكر 2/ 149، وعرائس المجالس 1/ 94، ومرآة الزمان 1/ 296.(1/279)
أمه، فَقَالَ: هل تدرين أين ذهب إِبْرَاهِيم بابنه؟ فَقَالَتْ: ذهب بِهِ يحتطبان من هَذَا الشعب، قَالَ: مَا ذهب بِهِ إلا ليذبحه، قَالَتْ: هُوَ أرحم بِهِ وأشد حبا من ذَلِكَ، قَالَ: إنه يزعم أَن اللَّه يأمره بِذَلِكَ، قَالَتْ: فَإِن كَانَ ربه أمره بِذَلِكَ فتسليما لأمر اللَّه. فرجع عدو اللَّه لَمْ يصب من آل إِبْرَاهِيم شَيْئًا مِمَّا أراد.
فَقَالَ: يا أبت إِذَا أردت ذبحي فاشدد رباطي، فَإِن الْمَوْت شديد، واشحذ شفرتك حَتَّى تجهز عَلِي فتريحني. فَإِذَا أَنْتَ أضجعتني فعلى وجهي فإني أخشى إِن نظرت فِي وجهي أَن تدركك رقة تحول بينك وبين أمر اللَّه فِي، وإن رأيت أَن ترد قميصي إِلَى أمي فَإِنَّهُ عسى أَن يَكُون أسلى لها عنّي. فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: نعم العون أَنْتَ يا بَنِي عَلَى أمر اللَّه. فربطه كَمَا أمره، ثم شحذ شفرته ثُمَّ تله للجبين، واتقى النظر فِي وجهه، ثُمَّ أدخل الشفرة، فقبلها اللَّه تَعَالَى ونودي: قد صدقت الرؤيا.
قَالَ ابْن عَبَّاس: خرج عَلَيْهِ كبش من الْجَنَّة قَدْ رعاها قبل ذَلِكَ أربعين خريفا، وَهُوَ الكبش الَّذِي قربه هابيل فنحره فِي منى [1] .
وَقَالَ عَلِي بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: كَانَ كبشا أبيض أقرن أعين مربوطا بسمر فِي ثبير [2] .
وَقَالَ عَبْد بْن عمير: ذبح بالمقام.
وَقَالَ الْحَسَن: أهبط عَلَيْهِ من ثبير.
قَالَ وهب بْن منبه، وشعيب الجبائي، وغيرهما: كَانَ ذَلِكَ بإيليا من أرض الشام.
ومن الأحداث فِي زمن الخليل عَلَيْهِ السَّلام احتيال نمرود فِي صعود السماء وبنيان الصرح [3]
رأى نمرود سلامة إِبْرَاهِيم من النار وَمَا آمن، ثُمَّ زاد عتوه وتمرده فبقي أربعمائة
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 277.
[2] تاريخ الطبري 1/ 276.
[3] تاريخ الطبري 1/ 289، وتفسير الطبري 13/ 161، ومرآة الزمان 1/ 307.(1/280)
عام لا تزيده الحجج إلا تماديا. ثُمَّ إنه حلف ليطلبن إله إِبْرَاهِيم.
قَالَ السدي عَنْ أشياخه: أخذ نمرود أربعة أفرخ من فراخ النسور فرباهن باللحم والخمر حَتَّى إِذَا كبرن وغلظن واستعلجن، قرنهن بتابوت، وقعد فِي ذَلِكَ التابوت، ثُمَّ رفع رجلا من لحم لهنّ، فطرن بِهِ، حَتَّى إِذَا ذهبن فِي السماء أشرف ينظر إِلَى الأَرْض فرأى الأَرْض تحته كأنها فلكة فِي ماء، ثُمَّ صعد فوقع فِي ظلمة، فلم ير مَا فوقه ولا مَا تحته، ففزع فألقى اللحم فاتبعته منقضات، فلما رأت الجبال ذَلِكَ كادت تزول، فذلك قَوْله تَعَالَى: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ 14: 46 [1] .
فلما رأى أَنَّهُ لَمْ يطق شَيْئًا أخذ فِي بنيان الصرح، فبناه، ثُمَّ ارتقى ينظر وسقط الصرح، وتبلبلت ألسن النَّاس يَوْمَئِذٍ من الفزع [2] .
ومن الأحداث فِي زمن الخليل عَلَيْهِ السَّلام هلاك نمرود
قَالَ زَيْد بْن أسلم: بعث اللَّه إِلَى نمرود ملكا أَن آمن بي وأتركك عَلَى ملكك.
قَالَ: فهل رب غيري؟ فأتاه الثَّانِيَة فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فأبى عَلَيْهِ، ثُمَّ أتاه الثالثة، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فأبى عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِك: اجمع جموعك إِلَى ثلاثة أَيَّام، فجمع جموعه، فأمر اللَّه الملك ففتح عليه بابا من البعوض، وطلعت الشمس فلم يروها من كثرتها، فبعثها اللَّه عَلَيْهِم فأكلت لحومهم وشربت دماءهم فلم يبق إلا العظام والجبار كَمَا هُوَ لَمْ يصبه من ذَلِكَ شَيْء، فبعث اللَّه عليه بعوضة فدخلت في منخره فمكث أربعمائة سَنَة يضرب رأسه بالمطارق، وأرحم النَّاس بِهِ من جمع يديه ثُمَّ ضرب بهما رأسه فعذبه الله أربعمائة عام كَمَا ملكه وأماته اللَّه. وَهُوَ الَّذِي بنى صرحا إِلَى السماء، [فأتى اللَّه بنيانه من القواعد، وَهُوَ قَالَ اللَّه] [3] : فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ من الْقَواعِدِ 16: 26 [4] .
__________
[1] سورة: إبراهيم، الآية: 46.
[2] في تبلبل ألسن الناس، قال في المرآة: هذا وهم لأنها تبلبلت في زمان نوح (مرآة الزمان 1/ 308) .
[3] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[4] سورة: النحل، الآية: 26. والخبر في تاريخ الطبري 1/ 288، وتفسيره 5/ 433- 434.(1/281)
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَن قوما يقولون نمرود هُوَ الضَّحَّاك الَّذِي سبق ذكره، وليس كَذَلِكَ، لأن نسب نمرود في النبط، ونسب الضَّحَّاك فِي عجم الفرس [1] .
وذكر قوم أَن الضَّحَّاك ضم إِلَى نمرود السواد وَمَا اتصل بها، وَكَانَ عاملا لَهُ، وكانت ولايته بابل من قبل الضَّحَّاك، فلما ملك أفريدُونَ وقهر الضَّحَّاك قتل نمرود وشرد النبط. والله أعلم.
ومن الأحداث فِي زمن الخليل عَلَيْهِ السَّلام إرسال ابنه إِسْحَاق إِلَى أرض الشام
وَكَانَ إِبْرَاهِيم بفلسطين وإسماعيل إِلَى جرهم ولوط إِلَى سدوم، ويعقوب إلى أرض كنعان، فهؤلاء كلهم أرسلوا فِي زمانه.
ومن الأحداث فِي أَيَّام الخليل عَلَيْهِ السَّلام هلاك قوم لوط [2]
قَدْ ذَكَرْنَا أَن لوطا عَلَيْهِ السَّلام هاجر مَعَ عمه إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام مؤمنا بِهِ متبعا لَهُ عَلَى دينه إِلَى الشام معهما سارة. وَقَدْ قيل: كَانَ معهم تارخ أَبُو إِبْرَاهِيم وَهُوَ عَلَى غَيْر دينه حَتَّى صاروا إلى حرّان، فمات تاريخ بحران عَلَى كفره. وشخص إِبْرَاهِيم ولوط وسارة إِلَى الشَّام، واختتن لوط مَعَ إِبْرَاهِيم ولوط ابْن ثَلاث وخمسين سَنَة، ثُمَّ مضوا إِلَى مصر فصادفوا هناك فرعونا من فراعنتها، ويقال لَهُ أَخُو الضَّحَّاك، وجهه الضَّحَّاك عاملا عَلَيْهَا من قبله، فرجعوا عودا عَلَى بدئهم إِلَى الشام، فنزل إِبْرَاهِيم فلسطين ونزل لوط الأردن، فأرسل الله تعالى لوطا وَذَلِكَ فِي وسط عُمَر إِبْرَاهِيم.
وَهُوَ: لوط بْن هاران بْن تارخ، ورأيت بخط أَبِي الْحُسَيْن بْن المنادي: «هازن» ، بالزاء المعجمة من غير ألف.
__________
[1] راجع تاريخ الطبري 291.
[2] تاريخ الطبري 1/ 292، ونهاية الأدب 13/ 115، وشفاء الغرام 2/ 3، وعرائس المجالس 100، والبداية والنهاية 1/ 191، ومرآة الزمان 1/ 309.(1/282)
بعث إِلَى أَهْل سدوم، فكانوا أَهْل كفر باللَّه وركوب الفاحشة.
قَالَ مجاهد: كَانَ بَعْضهم يجامع بَعْضًا فِي المجالس.
قَالَ الْعُلَمَاء بالسير: كَانَ لوط يدعوهم إِلَى عُبَادَة اللَّه وينهاهم عَنِ الفاحشة ولا يزجرهم وعيده ولا يزيدهم إلا عتوا، فسأل اللَّه تَعَالَى أَن ينصره عَلَيْهِم، فبعث اللَّه تَعَالَى جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، فأقبلوا مشاة فِي صورة رجال شباب فنزلوا عَلَى إِبْرَاهِيم، وَكَانَ قَدِ احتبس عَنْهُ الضيف أياما ففرح بهم ورآهم فِي غاية الْحَسَن والجمال، فقام يخدمهم فجاء بعجل سمين، فأمسكوا، فَقَالَ: ألا تأكلون؟ فَقَالُوا: لا نأكل طعاما إلا بثمنه، قَالَ: فَإِن لَهُ ثمنا، قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تذكرون اسم اللَّه عَلَى أوله وتحمدُونَه عَلَى آخره، فنظر جبرئيل إِلَى ميكائيل وَقَالَ: حق لِهَذَا أَن يتخذه اللَّه خليلا، ثُمَّ رأى إمساكهم ففزع مِنْهُم وظنهم لصوصا، قَالُوا: لا تخف إنا أرسلنا إِلَى قوم لوط فضحكت سارة تعجبا وَقَالَتْ: لحقتم بابنا ولا تأكلون طعامنا؟ / فَقَالَ جبرئيل: أيتها الضاحكة أبشري بإسحاق ومن وراء إِسْحَاق يعقوب، وكانت بنت تسعين سَنَة وإبراهيم ابْن مائة وعشرين سَنَة.
فلما سكن روعه، وأعلموا لماذا أرسلوا فناظرهم فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ:
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا في قَوْمِ لُوطٍ 11: 74 [1] .
وَكَانَ جداله إياهم أَن الْمَلائِكَة قَالُوا: إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ 29: 31 [2] . فقال لهم: أتهلكون قرية فيها أربعمائة مؤمنون؟ قالوا: لا، قال: ثلاثمائة؟ قَالُوا: لا، قَالَ مائتان، قَالُوا: لا، قَالَ: مائة، قَالُوا لا، قَالَ: أربعون، قَالُوا لا، قال: أربعة عشر، قالوا: لا. وكان يعدهم أربعة عشر مَعَ امرأة لوط. فسكت واطمأنت نَفْسه. هَذَا قَوْل سَعِيد بْن جُبَيْر.
قَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ الْمَلِك لإبراهيم: إِن كَانَ فِيهَا خمسة يصلون رفع عَنْهُم العذاب.
قَالَ حذيفة: جاءت الرسل لوطا وَهُوَ فِي أرض لَهُ يعمل فِيهَا، وَقَدْ قيل لَهُمْ والله
__________
[1] سورة: هود، الآية: 74. والخبر في تاريخ الطبري 1/ 297.
[2] سورة: العنكبوت، الآية: 31.(1/283)
أعلم: لا تهلكوهم حَتَّى يشهد عَلَيْهِم لوط، فأتوه فَقَالُوا: إنا مضيفوك الليلة. فانطلق بهم فلما مشى ساعة التفت فَقَالَ: أما تعلمون مَا يعمل أَهْل هذه القرية؟ والله مَا أعلم على ظهر الأَرْض ناسا أخبث مِنْهُم. فانطلق بهم فلما بصرت عجوز السوء امرأته بهم انطلقت وأنذرتهم [1] .
وَقَالَ السدي، عَنْ أشياخه [2] : لما خرجت الْمَلائِكَة من عِنْدَ إِبْرَاهِيم نَحْو قرية لوط أتوهم نصف النهار، فلما بلغوا نهر سدوم لقوا ابنة لوط تستقي الماء لأهلها، وكانت لَهُ ابنتان، اسم الْكُبْرَى ريثا، والصغرى رعرثا، فَقَالُوا لَهَا: يا جارية هل من منزل؟
قَالَتْ: نعم، مكانكم لا تدخلوا حَتَّى آتيكم فزعت عَلَيْهِم [3] من قومها فأتت أباها فَقَالَتْ يا أبتاه أدركت فتيانا على باب المدينة مَا رأيت وجوه قوم هِيَ أَحْسَن من وجوههم، لا يأخذهم قومك فيفضحوهم، وَقَدْ كان قومه نهوه أَن يضيف رجلا، فجاء بهم فلم يعلم أحد إلا أَهْل بَيْت لوط، فخرجت امرأته فاخبرت قومها وَقَالَتْ: إِن فِي [بَيْت] [4] لوط رجالا مَا رأيت مثل وجوههم قط. فجاء قومه يهرعون إِلَيْهِ.
قَالَ علماء السير: فلما أتاه قومه جعل يلطف بهم وَيَقُول: اتقوا اللَّه ولا تخزوني فِي ضيفي. وَيَقُول: هَؤُلاءِ بناتي [هن أطهر لكم مِمَّا تريدُونَ] [5] .
فلما لَمْ يلتفتوا إِلَى قَوْله قَالَ: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً 11: 80 [6] أي: لو أَن لي أنصارا ينصرونني عليكم أَوْ عشيرة يمنعونني منكم لحلت بينكم وبين مَا جئتم. فلما اشتد الأمر عَلَيْهِ، قَالَتِ له الرسل: إنا رسل ربك لَنْ يصلوا إليك، فَقَالَ: أهلكوهم الساعة.
فَقَالَ جبرئيل: إِن موعدهم الصبح. فطمس جبرئيل أعينهم، فَقَالُوا: يا لوط جئتنا بقوم سحرة كَمَا أَنْتَ حَتَّى تصبح. فأمر أَن يسري بأهله، فخرج وقت سحر، ثم أدخل جبرئيل جناحه في أرضهم فرفعها، وكانت خمس قريات أعظمها سدوم حَتَّى سمع أهل
__________
[1] الخبر في التاريخ 1/ 298.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 299.
[3] في تاريخ الطبري: «فرقت عليهم» .
[4] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 300.
[6] سورة: هود، الآية: 80.(1/284)
السماء صياح الديكة ونباح الكلاب، فجعل عاليها سافلها، ورموا بالحجارة فكانوا أربعة آلاف ألف، وتبعت الحجارة شذاذ الْقَوْم، وسمعت امرأة لوط الهدة، فقالت: وا قوماه، فأدركها حجر فقتلها.
وتوفي لوط وَهُوَ ابْن ثمانين سَنَة، وعلى مقتضى الحساب يَكُون وفاة لوط قبل إِبْرَاهِيم بسنين كثيرة.
ومن الحوادث فِي أَيَّام الخليل عَلَيْهِ السَّلام موت سارة [1]
فإنها توفيت بالشام، وقيل: ماتت بأرض كنعان، وَهِيَ بنت مائة وسبع وعشرين سَنَة، فدفنت بمزرعة اشتراها إِبْرَاهِيم.
وَأَمَّا هاجر فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْحَدِيث الصحيح أَنَّهَا ماتت بمكة قبل بناء الْبَيْت.
ومن الحوادث تزوج الخليل بَعْد سارة [2]
قَالَ ابْن إِسْحَاق: لما ماتت سارة تزوج بعدها من الكنعانيين من العرب العاربة، واسمها قنطورا بنت يقطان. ويقال: بنت مقطور، وَقَدْ قَالَ حذيفة: يوشك بنو قنطورا أَن يخرجوا أَهْل البصرة منها.
قَالَ شيخنا أَبُو مَنْصُور اللغوي: يقال أَن قنطورا كانت جارية لإبراهيم، فولدت لَهُ أولادا، والترك من نسلها.
قَالَ ابْن إِسْحَاق: ولدت لَهُ قنطورا ستة نفر: مِنْهُم مدين وأولاده الَّذِينَ أرسل إليهم شُعَيْب.
وقيل: تزوج أُخْرَى اسمها حجون [3] ، فولدت لَهُ خمس بنين.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 308، والبداية والنهاية 1/ 174، وعرائس المجالس 97، ومرآة الزمان 1/ 304.
[2] تاريخ الطبري 1/ 309، 311، والمعرب للجواليقي 262.
[3] في الطبري: «حجور بنت أرهير» .(1/285)
وَكَانَ مِمَّن يتبع فِي زمن إِبْرَاهِيم الخليل عَلَيْهِ السَّلام ذو الْقَرْنَيْنِ [1]
وإن كَانُوا قَدِ اختلفوا فِي زمان كونه.
فروي عَنْ عَلِي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ من القرون الأَوَّل من ولد يافث بْن نوح. وقيل: إنه من ولد عيلم بْن سام. وأنه ولد بأرض الروم حِينَ نزلها ولد سام.
وَقَالَ الْحَسَن البصري: كَانَ بَعْد ثمود.
وذكر أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي أَنَّهُ كَانَ فِي زمان الخليل، ومات فِي ذَلِكَ الزمان.
وَهَذَا الأشبه.
فَقَدْ رَوَى الفضل بْن عطية، عَنْ عَطَاء، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَن ذا الْقَرْنَيْنِ لقي إِبْرَاهِيم الخليل بمَكَّة فسلم عَلَيْهِ وصافحه واعتنقه.
وجاء فِي حَدِيث آخر: أَن إِبْرَاهِيم الخليل كَانَ جالسا فِي مكان فسمع صوتا، فقال: ما هذا الصوت؟ قيل لَهُ: هَذَا ذو الْقَرْنَيْنِ فِي جنوده. فَقَالَ لرجل عنده: ائت ذا الْقَرْنَيْنِ وأقرئه مني السَّلاَم، فأتاه، فَقَالَ: إِن إِبْرَاهِيم يقرأ عليك السَّلام، قَالَ: ومن إِبْرَاهِيم؟ قَالَ: خليل الرحمن، قال: وَإِنَّهُ لَهَا هنا؟ قَالَ: نعم، فنزل [عَنْ فرسه ومشى] [2] ، فقيل لَهُ: إِن بينك وبينه مسافة، فقال: ما كنت أركب فِي بلد فِيهِ إِبْرَاهِيم، فمشى إِلَيْهِ فسلم عَلَيْهِ، وأوصاه، وأهدى إِلَيْهِ إِبْرَاهِيم بقرا وغنما.
واختلف الْعُلَمَاء فِي اسم ذي الْقَرْنَيْنِ عَلَى أربعة أقوال: أحدها: عَبْد اللَّهِ. قاله علي رضي الله عَنْهُ. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: اسمه عَبْد اللَّهِ بْن الضَّحَّاك.
وَالثَّانِي: الإسكندر، قاله وهب. وقيل: هُوَ الإسكندر بْن قيصر. قاله أَبُو الْحُسَيْن
__________
[1] كتب التفسير في الآيات 83- 98 من سورة الكهف، ونهاية الأرب 14/ 298، وتهذيب تاريخ ابن عساكر 5/ 254- 261، وعرائس المجالس 359، والبداية والنهاية 2/ 102، ومرآة الزمان 1/ 321.
[2] ما بين المعقوفتين: من المرآة.(1/286)
ابن المنادي، وَكَانَ قيصر هَذَا أول القياصرة وأقدمهم، وإنما سمي بذي القرنين بعد ذلك بزمان طويل.
والثالث: عياش، قاله مُحَمَّد بْن عَلِي بْن الْحُسَيْن. والرابع: الصعب بْن جاثر بْن القلمس. ذكره أبو بكر بن أبي خثيمة.
واختلفوا هل كَانَ نبيا أم لا.
فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو، وسعيد بْن الْمُسَيِّب، والضحاك بْن مزاحم: كَانَ نبيا.
وخالفهم الأكثرون فِي هَذَا، فروينا عَنْ عَلِي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عبدا صالحا أمر قومه بتقوى اللَّه، لَمْ يكن نبيا ولا ملكا. وَقَالَ وهب: كَانَ ملكا وَلَمْ يوح إِلَيْهِ.
وقال أحمد بن جعفر المنادي: كَانَ عَلَى دين إِبْرَاهِيم.
واختلفوا فِي سبب تسميته بذي الْقَرْنَيْنِ. عَلَى عشرة أقوال:
أحدها: أَنَّهُ دعا قومه إِلَى اللَّه تَعَالَى فضربوه عَلَى قرنه فهلك فغبر زمانا ثُمَّ بعثه الله تعالى فدعاهم إِلَى اللَّه فضربوه عَلَى قرنه الآخر فهلك فذلك قرناه. قاله عَلِي بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي رواية. وَالثَّانِي: أَنَّهُ سمي بذي الْقَرْنَيْنِ لأنه سار إِلَى مغرب الشمس وإلى مطلعها، رواه أَبُو صَالِح، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأَرْمُويِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُهْتَدِي، أَخْبَرَنَا عمر بن شاهين، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَائِدَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ جَادِمٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَيْفَ بَلَغَ ذُو الْقَرْنَيْنِ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: سُخِّرَ لَهُ السَّحَابُ وَمُدَّتْ لَهُ الأَسْبَابُ وَبُسِطَ لَهُ النُّورُ. وَفِي رواية أُخْرَى عَنْ عَلِي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عبدا صالحا ناصح للَّه وأطاعه فسخر له السحاب فحمله عَلَيْهِ/ وبسط النور. والثالث: لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس.(1/287)
والرابع: لأنه رأى فِي النوم كأنه امتد من السماء إِلَى الأَرْض، فأخذ بقرني الشمس، فقص ذلك عَلَى قومه فسمي بذي الْقَرْنَيْنِ.
والخامس: لأنه ملك فارس والروم.
والسادس: لأنه كَانَ فِي رأسه شبه القرنين. رويت هذه الأقوال الأربعة عن وهب ابن منبه.
والسابع: لأنه كانت لَهُ غديرتان من شعر. قاله الْحَسَن.
قَالَ أَبُو بَكْر بْن الأنباري: والعرب تسمى الضفيرتين من الشعر غديرتين وضفيرتين وقرنين. ومن قَالَ سمي بِذَلِكَ لأنه ملك فارس والروم قَالَ: لأنهما عاليان عَلَى جانبين من الأَرْض، فقال لهما قرنان.
والثامن: لأنه كَانَ كريم الطرفين من أَهْل بَيْت ذوي شرف.
والتاسع: لأنه انقرض فِي زمانه قرنان من النَّاس وَهُوَ حي.
والعاشر: لأنه سلك الظلمة والنور. ذكر هذه الأقوال [الأربعة] [1] أَبُو إِسْحَاق الثعلبي [2] .
قَالَ مجاهد: ملك الأَرْض أربعة، مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سُلَيْمَان بْن دَاوُد، وذو الْقَرْنَيْنِ، والكافران: نمرود، ونصر.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن جَعْفَر: زعموا أَن ذا الْقَرْنَيْنِ أحد عظماء ملوك الأَرْض إلا أن الله أعطاه مَعَ ذَلِكَ التوحيد والطاعة واصطناع الخير، ومد لَهُ فِي الأسباب وأعانه عَلَى أعدائه، وفتح المدائن والحصون، وغلب الرجال وعمر عمرا طويلا بلغ فِيهِ المشارق والمغارب وبنى السد فيما بَيْنَ النَّاس وبين يأجوج ومأجوج، وَكَانَ في ذلك رحمة للمؤمنين، وحرزا منيعا من البلاء الَّذِي لا طاقة لَهُمْ به.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: مطموس في الأصل.
[2] عرائس المجالس 1/ 360.(1/288)
ذكر طرف من أخباره
رَوَى أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُنَادَى بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ [1] ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر ذَا الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ أَمْرُهُ أَنَّهُ كَانَ غُلامًا مِنَ الرُّومِ أُعْطِيَ مُلْكًا حَتَّى أَتَى أَرْضَ مِصْرَ، فَابْتَنَى عِنْدَهَا مَدِينَةً يُقَالُ لَهَا الإِسْكَنْدَرِيَّةُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَائِهَا أَتَاهُ مَلَكٌ فَعَرَجَ بِهِ فَقَالَ لَهُ: انْظُرْ مَا تَحْتَكَ، قَالَ: مَا أَرَى مَدِينَتِي وَأَرَى مَدَائِنَ مَعَهَا، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ، فَقَالَ له: انظر، فقال: قد اخْتَلَطَتِ الْمَدَائِنُ، ثُمَّ زَادَ فَقَالَ لَهُ: انْظُرْ، فَقَالَ: أَرَى مَدِينَتِي وَحْدَهَا لا أَرى غَيْرَهَا، فقال له الْمَلِكُ: إِنَّمَا تِلْكَ الأَرْضُ كُلُّهَا وَهَذَا السَّوَادُ الَّذِي تَرَى مُحِيطًا بِهِ الْبَحْرَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الله أَنْ يُرِيَكَ الأَرْضَ وَقَدْ جَعَلَ لَكَ سُلْطَانًا فِيهَا، فَسِرْ فِي الأَرْضِ عَلِّمِ الْجَاهِلَ وَثَبِّتِ الْعَالِمَ.
[فَسَارَ] [2] حَتَّى بَلَغَ مَغَرْبَ الشَّمْسِ ثُمَّ أَتَى السَّدَّيْنِ، وَهُمَا جَبَلانِ لَيِّنَانِ يَنْزِلُ عَنْهُمَا كُلُّ شَيْءٍ، فَبَنَى السَّدُّ، ثُمَّ سَارَ فَوَجَدَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يُقَاتِلُونَ قَوْمًا وُجُوهَهُمْ كَوُجُوهِ الْكِلابِ ثُمَّ قَطَعَهُمْ، فَوَجَدَ أُمَّةً قِصَارًا يُقَاتِلُونَ الَّذِينَ وُجُوهَهُمْ كَوُجُوهِ الْكِلاب، ثُمَّ مَضَى فَوَجَدَ أُمَّةً من الغرانيق يقاتلون القوم الْقِصَارَ، ثُمَّ مَضَى فَوَجَدَ أُمَّةً مِنَ الْحَيَّاتِ تَلْتَقِمُ الْحَيَّةُ مِنْهَا الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ، ثُمَّ أَفْضَى إِلَى الْبَحْرِ الْمَدِيرِ بِالأَرْضِ» . وَرَوَى أَبُو الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ [، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ] [3] بْنِ أَبِي [طَالِبٍ] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ عَبْدًا صَالِحًا، وَكَانَ قَدْ مَلَكَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَكَانَ لَهُ خَلْيلٌ مِنَ الْمَلائِكَة اسْمُهُ رَفَائِيلُ [4] يَأْتِي ذَا الْقَرْنَيْنِ وَيَزُورُهُ، فَبَيْنَمَا هُمَا [5] يَوْمًا يَتَحَدَّثَانِ، قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: يَا رَفَائِيلُ، حَدَّثَنِي كَيْفَ عِبَادَتُكُمْ فِي السَّمَاءِ، فَبَكَى رَفَائِيلُ وَقَالَ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ وَمَا عِبَادَتُكُمْ عِنْدَ عِبَادَتِنَا، إِنَّ فِي السموات من الملائكة هُوَ قَائِمٌ أَبَدًا لا يَجْلِسُ، وَمِنْهُم السَّاجِدُ لا يَرْفَعُ رَأْسَهُ أَبَدًا، وَمِنْهُمُ الرَّاكِعُ لا يَسْتَوِي قَائِمًا أَبَدًا، وَمِنْهُم الرَّافِعُ وَجْهَهُ لا يجلس أبدا، وهم يقولون: سبحان
__________
[1] الخبر في تهذيب تاريخ ابن عساكر 5/ 256، ومرآة الزمان 5/ 256.
[2] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: من مرآة الزمان، وقد نقل هذا الخبر من المنتظم. (مرآة الزمان 1/ 329) . وراجع أيضا عرائس المجالس 1/ 329.
[4] في المرآة: «اسمه ربائيل» .
[5] في الأصل: «هو» .(1/289)
الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ رِبِّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ رَبَّنَا مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادِتَكَ. فَبَكَى ذُو الْقَرْنَيْنِ بُكَاءً شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَفَائِيلُ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ أَعِيشَ فَأَبْلُغُ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّي حَقَّ طاعته. فقال رفائيل: أو تحبّ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ للَّه عَيْنَا فِي الأَرْضِ تُسَمَّى عَيْنُ الْحَيَاةِ فِيهَا عَزِيمَةٌ أَنَّهُ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا شَرْبَةً إِنَّهُ لَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ الْمَوْتَ. قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: فَهَلْ تَعْلَمُونَ أَنْتُمْ مَوْضِعَ تِلْكَ الْعَيْنِ، فَقَالَ رَفَائِيلُ: لا، غَيْرُ أَنَّنَا نَتَحَدَّثُ فِي السَّمَاءِ أَنَّ للَّه فِي الأَرْضِ ظُلْمَةٌ لا يَطَؤُهَا إِنْسٌ وَلا جَانٌّ، فَنَحْنُ نَظُنُّ أَنَّ تِلْكَ الْعَيْنَ هِيَ الَّتِي فِي تِلْكَ الظُّلْمَةِ، فَجَمَعَ ذُو الْقَرْنَيْنِ حُكَمَاءَ أَهْلِ الأَرْضِ، وَأَهْلِ دِرَاسَةِ الْكُتُبِ وَآَثَارِ النُّبُوَّةِ، وَقَالَ: أَخْبِرُونِي هَلْ وَجَدْتُمْ فِيمَا قَرَأْتُمْ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ وَمَا جَاءَكُمْ مِنْ أَحَادِيثَ الأَنْبِيَاءِ، وَحَدِيثِ مِنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ اللَّهَ وَضَعَ فِي الأَرْضِ عَيْنًا سَمَّاهُ عَيْنَ الْحَياةِ؟ فَقَالَتِ الْعُلَمَاءُ: لا، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: فَهَلْ وَجَدْتُمْ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ وَضَعَ فِي الأَرْضِ ظُلْمَةً لا يَطَؤُهَا إِنْسٌ وَلا جَانٌّ؟ قَالُوا: لا، فَقَالَ عَالِمٌ [مِنَ] [1] الْعُلَمَاءِ وَاسْمُهُ أَفْشَنْجِيرُ:
أَيُّهَا الْمَلِكُ لِمَ تَسْأَلُ عَنْ هَذَا؟ فَأَخْبَرَهُ بالحَدِيثِ وَمَا قَالَ لَهُ رَفَائِيلُ فِي الْعَيْنِ وَالظُّلْمَةِ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنِّي قَرَأْتُ وَصِيَّةَ آَدَمَ فَوَجَدْتُ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ وَضَعَ فِي الأرض ظلمة لا يطؤها إنس ولا جان، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: فَأَيُّ أَرْضٍ وَجَدْتَهَا فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: وَجَدْتَهَا عَلَى قَرْنِ الشَّمْسِ.
فَبَعَثَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فِي الأَرْضِ فَحُشِرَ النَّاسُ إِلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَالأَشْرَافُ وَالْمُلُوكُ، ثُمَّ سَارَ يَطْلُبُ مَطْلعَ الشَّمْسِ، فَسَارَ إِلَى أَنْ بَلَغَ طَرَفَ الظُّلْمَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، فَإِذَا الظُّلْمَةُ لَيْسَتْ بِلَيْلٍ وَظُلْمَةٌ تَفُورُ مِثْلَ الدُّخَانِ، فَعَسْكَرَ ثُمَّ جَمَعَ عُلَمَاءَ عَسْكَرِهِ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْلُكَ هَذِهِ الظُّلْمَةَ، فَقَالَتِ الْعُلَمَاءُ: أَيُّهَا الْمَلِك، إِنَّهُ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَنْبِياءِ لَمْ يَطْلُبُوا هَذِهِ الظُّلْمَةَ فَلا تَطْلُبْهَا، فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَتَّفِقَ عَلَيْكَ مِنْهَا [أَمْرٌ] [2] تَكْرَهُهُ، وَيَكُونُ فِيهَا فَسَادُ الأَرْضِ، فَقَالَ: مَا بُدٌّ مِنْ أَنْ أَسْلُكَهَا، فَخَرَّتِ الْعُلَمَاءُ سُجَّدًا، وَقَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ كُفَّ عَنْ هَذِهِ الظُّلْمَةِ وَلا تَطْلُبْهَا فَإِنَّا لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ إِنْ طَلَبْتَهَا ظَفَرَتَ بِمَا تُرِيدُ وَلَكِنَا نَخَافُ الْعتبَ مِنَ اللَّهِ، وَيَتَّفِقُ عَلَيْكَ أَمْرٌ يَكُونُ فِيهِ فَسَادُ الأَرْضِ وَمَا عَلَيْهَا، فَقَالَ: مَا بُدٌّ مِنْ أَنْ أَسْلُكَهَا، فقالت العلماء: شأنك بها، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: أَيُّ الدَّوَابِ بِاللَّيْلِ أَبْصَرُ؟
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناها من المرآة 1/ 330.
[2] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.(1/290)
قَالُوا: الْخَيْلُ، قَالَ: فَأَيُّهَا أَبْصَرُ؟ قَالُوا: الإِنَاثُ أَبْصَرُ، قَالَ: فَأَيُّ الإِنَاثِ؟ قَالُوا:
الْبَكَارَةُ.
فَأَرْسَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فَجُمِعَ لَهُ سِتَّةُ آَلافِ فَرَسٍ أُنْثَى بَكَارَةً، ثُمَّ انْتَخَبَ مِنْ أَهْلِ عَسْكَرِهِ. أهل الجلد وَالْعَقْلِ سِتَّةَ آَلافِ رَجُلٍ، فَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ فَرَسًا، وَعَقَدَ لِلْخَضْرِ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ عَلَى أَلْفَيْنِ، وَكَانَ الْخَضْرُ وَزِيرَ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَهُوَ ابْنُ خَالَتِهِ. وَبَقِيَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فِي أَرْبَعَةِ آَلافٍ، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ لِلنَّاسِ: لا تَبْرَحُوا مِنْ عَسْكَرِكُمْ هَذَا اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَةً فَإِنْ نَحْنُ رَجَعْنَا إِلَيْكُمْ فَذَلِكَ وَإِلا فَارْجعُوا إِلَى بِلادِكُمْ، فَقَالَ الْخَضْرُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّا نَسْلُكُ ظُلَّمَةً لا نَدْرِي كَمُ السَّيْر فِيهَا وَلا يُبْصِرُ بَعْضُنَا بَعْضًا، فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِالضَّلالِ إِذَا أَصَابَنَا؟
فَدَفَعَ ذُو الْقَرْنَيْنِ إِلَى الْخَضْرِ خَرَزَةً حَمْرَاءَ، فَقَالَ: حَيْثُ يُصِيبُكَ الضَّلالُ فَاطْرَحْ هَذِهِ الْخَرَزَةِ إِلَى الأَرْضِ فَإِذَا صَاحَتْ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهَا أَهْلُ الضَّلالِ. فَسَارَ الْخَضْرُ بَيْنَ يَدَي ذِي الْقَرْنَيْنِ يَرْتَحِلُ وَنَزَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ وَقَدْ عَرَفَ الخضر مَا يَطْلُبُ ذُو الْقَرْنَيْنِ، وَذُو الْقَرْنَيْنِ يَكْتُمُ الْخَضْرَ.
فَبَيْنَمَا الْخَضْرُ يَسِيرُ إِذْ عَارَضَهُ وَادٍ، فَظَنَّ الْخَضْرُ أَنَّ الْعَيْنَ فِي الْوَادِي، فَلَّمَا قَامَ عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي قَالَ لأَصْحَابِهِ: قِفُوا وَلا يَبْرَحَنَّ رَجُلٌ مِنْ مَوْقِفِهِ، وَرَمَى بِالْخَرَزَةِ في الوادي، فمكث طويلا ثم أضاءته الْخَرَزَةَ وَطَلَبَ صَوْتَهَا، فَانْتَهَى إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ على حافة العين، فنزع الخضر ثِيَابَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْعَيْنَ، فَإِذَا مَاءٌ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى/ مِنَ الشَّهْدِ فَشَرِبَ وَاغْتَسَلَ وَتَوَّضَّأَ ثُمَّ خَرَجَ فَلَبِسَ ثِيَابَهُ ثُمَّ رَمَى بِالْخَرَزَةِ نَحْو أَصْحَابِهِ فَصَاحَتْ، فَرَجَعَ الْخَضْرُ إِلَى صَوْتِهَا وَإِلَى أَصْحَابِهِ، فَأَخَذَهَا وَرَكِبَ فَسَارَ. وَمَرَّ ذُو الْقَرْنَيْنِ فَأَخْطَأَ الْوَادِي فَسَلَكُوا تِلْكَ الظلمة أربعين يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَخَرَجُوا إِلَى ضَوْءٍ لَيْسَ بِضَوْءِ شَمْسٍ وَلا قَمَرٍ، وَأَرْضٍ حَمْرَاءَ، وَرَمْلَةٍ. وَإِذَا قَصْرٌ مَبْنِيٌّ فِي تِلْكَ الأَرْضِ طَوْلُهُ فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ مُسَوَّرٌ لَيْسَ عَلَيْهِ بَابٌ، فَنَزَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ بِعَسْكَرِهِ ثُمَّ خَرَجَ وَحْدَهُ حَتَّى دَخَلَ الْقَصْرَ، فَإِذَا حَدِيدَةٌ طَرَفَاهَا عَلَى حَافَّتَي الْقَصْرِ، وَإِذَا طَائِرٌ أَسْوَدٌ كَأَنَّهُ الْخُطَّافُ أَوْ شُبِّهَ بِالْخُطَّافِ، مَذْمُومٌ بِأَنْفِهِ إِلَى الْحَدِيدَةِ، مُعَلَّقٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْض فَلَمَّا سَمِعَ الطَّائِرُ خَشْخَشَةَ ذِي الْقَرْنَيْنِ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا ذُو الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ الطَّائِرُ: يَا ذَا القرنين أما كفاك ما وراءك حتى وصلت إِلَيَّ، يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ حَدَّثَنِي هَلْ كَثُرَ الْبِنَاءُ بِالأجُرِ وَالْجُصِّ؟(1/291)
قَالَ: نَعَمْ. فَانْتَفَضَ الطَّائِرُ انْتِفَاضَةً ثُمَّ انْتَفَخَ فَبَلَغَ ثُلُثَ الْحَدِيدَةِ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ كَثُرَتْ شَهَادَاتِ الزُّورِ فِي الأَرْض؟ قَالَ: نَعَمْ. فَانْتَفَضَ الطَّائِرُ ثُمَّ انْتَفَخَ فَبَلَغَ ثُلُثَي الْحَدِيدَةِ، ثُمَّ قَالَ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ: حَدَّثَنِي هَلْ كَثُرَتِ الْمَعَازِفُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَانْتَفَضَ ثُمَّ انتفخ فملأ الحديدة وسد ما بَيْنَ جِدَارَيِّ الْقَصْرِ، فَاجْتثَّ [1] ذُو الْقَرْنَيْنِ فرحًا، فَقَالَ الطَّائِرُ: هَلْ تَرَكَ النَّاسُ شَهَادَةَ أَنَّ لا إله إِلا اللَّهُ؟ قَالَ: لا، فَانْضَمَّ الطَّائِرُ ثُلُثًا ثُمَّ قَالَ: هَلْ تُرِكَتِ الصَّلاةُ الْمَفْرُوضَةُ؟ قَالَ: لا، فَانْضَمَّ الطَّائِرُ ثُلُثًا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَرَكَ النَّاسُ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، قَالَ: لا، فَعَاد الطَّائِرُ كَمَا كَانَ ثُمَّ قَالَ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ اسْلُكْ هَذِهِ الدَّرَجَةَ إِلَى أَعْلَى الْقَصْرِ، فَسَلَكَهَا فَإِذَا سَطْحٌ وَعَلَيْهِ رَجُلٌ قَائِمٌ، فَلَمَّا سَمِعَ خَشْخَشَةَ ذِي الْقَرْنَيْنِ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا ذُو الْقَرْنَيْنِ، قَالَ: يَا ذَا القرنين أما كفاك ما وراءك حتى وصلت إِلَيَّ؟ قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا صَاحِبُ الصُّورِ، وَإِنَّ السَّاعَةَ اقْتَرَبَتْ وَأَنَا أَنْتَظِرُ أَمْرَ رَبِّي أَنِ انْفُخْ فَأَنْفُخُ. ثُمَّ نَاوَلَهُ حَجَرًا، فَقَالَ: خُذْهَا فَإِنْ شَبِعَ شَبِعْتَ وَإِنْ جَاعَ جُعْتَ، فَرَجَعَ بِهِ إِلَى أَصْحَابِهِ فَوَضَعُوا الْحَجَرَ فِي كَفِّهِ وَوَضَعُوا حَجَرًا آَخَرَ مُقَابِلهُ، فَإِذَا بِهِ يَمِيلُ، فَتَرَكُوا آَخَرَ كَذَلِكَ إِلَى أَلْفِ حَجَرٍ، فَمَالَ ذَلِكَ الْحَجَرُ بِالْكُلِّ. فَأَخَذَ الْخَضْرُ [كفا من تراب] [2] وتركه فِي إِحْدَى الْكِفَّتَيْنِ وَأَخَذَ حَجَرًا مِنْ تِلْكَ الْحِجَارَةِ فَوَضَعَهُ فِي الْكِفَّةِ الأُخْرَى وَتَرَكَ مَعَهُ كَفًا مِنْ تُرَابٍ فَوَضَعَهُ عَلَى الْحَجَرِ الَّذِي جَاءَ بِهِ ذُو الْقَرْنَيْنِ، فَاسْتَوَى فِي الْمِيزَانِ، فَقَالَ الْخَضْرُ: هَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ لَكُمْ إِنَّ ابْنَ آَدَمَ لا يَشْبَعُ أَبَدًا دُونَ أَنْ يُحْثَى عَلَيْهِ التُّرَابُ كَمَا لَمْ يَشْبَعْ هَذَا الحجر حَتَّى وَضَعْتُ عَلَيْهِ التُّرَابَ. قَالَ: صَدَقْتَ يَا خَضْرُ لا جَرَمَ، لا طَلَبْتُ أَثَرًا فِي الْبِلادِ بَعْدِ مَسِيرِي هَذَا، فَارْتَحَلَ رَاجِعًا حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَسْطِ الظُّلْمَةِ وَطِئَ الْوَادِي الَّذِي فِيهِ زَبَرْجَدُ، فَقَالَ مَنْ مَعَهُ: مَا هَذَا الَّذِي تَحْتَنَا؟ فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: خُذُوا مِنْهُ، فَإِنَّهُ مَنْ أَخَذَ نَدِمَ وَمَنْ تَرَكَ نَدِمَ. فَأَخَذَ قَوْمٌ وَتَرَكَ قَوْمٌ، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الظُّلْمَةِ إِذَا هُوَ بِزَبَرْجَدٍ، فَنَدِمَ الآَخِذُ وَالتَّارِكُ. ثُمَّ رَجَعَ ذُو الْقَرْنَيْنِ إِلَى دُومَةِ الْجَنْدَلِ وَكَانَتْ مَنْزِلُهُ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَاتَ [3] .
__________
[1] في المرآة: «ففزع» .
[2] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.
[3] بعد أن نقل سبط بن الجوزي هذا الخبر في المرآة 1/ 331، قال: «ومن العجائب أن جدي رحمه الله ما ذكر في الموضوعات هذه الحكاية، فإنه قد ذكر في الموضوعات والواهية أسماء جماعة فيها مثل(1/292)
قَالَ الْحَسَن البصري: إِن ذا الْقَرْنَيْنِ كَانَ يركب وعلى مقدمته ستمائة ألف، وعلى ساقته ستمائة ألف.
كتاب أم الإسكندر إِلَيْهِ [1]
قَالَ كعب الأحبار: إِن أم ذي الْقَرْنَيْنِ كانت حازمة عاقلة، فلما بلغها أَن ابنها قَدْ فتح المدائن واستعبد الرجال، ودانت لَهُ الملوك كتبت إِلَيْهِ.
بسم اللَّه الرحمن الرحيم. من روقية أم الإسكندر إِلَى الإسكندر الموتى لَهُ، الضعيف الّذي بقوة ربه قوي، وبقدرته قهر، وبعزته استعلى، يا بَنِي لا تدع للعجب فيك مساغا فَإِن ذَلِكَ يرديك، ولا تدع للعظمة فيك مطمعا فَإِن ذَلِكَ يضعفك، يا بَنِي ذلل نفسك [للذي رفعك] [2] . واعلم أنك عَنْ قليل محول عما أَنْتَ فِيهِ، يا بَنِي إياك والشح فَإِن الشح يرديك ويزري بك، وانظر هذه الكنوز الَّتِي جمعتها أَن تعجل حملها إلي كلها مَعَ رجل مفرد عَلَى فرس أجرد.
فلما ورد عَلَيْهِ الكتاب جمع النَّاس، فَقَالَ: انظروا فيما كتبت أمي وسألتني فِيهِ:
أَن أرسل بهذه الأموال، فقالوا: وكيف السبيل إِلَى حملها عَلَى فرس؟ فَقَالَ: هل عندكم غير هذا؟ قالوا: لا، فدعا كاتبه فَقَالَ: اكتب كُل مال جمعته فاحصه واجعله فِي كتاب وبين مواضعها وعدتها، ففعل الكاتب ثُمَّ ختم الكتاب، وحمل رجل عَلَى فرس، ثُمَّ قَالَ لَهُ: امض بِهَذَا الكتاب إِلَى أمي، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: إِنَّمَا سألتني أمي أن أبعث إليها بعلم ما لي أجمع ومواضعها. قَالَ: إِن ذَلِكَ إِلَى اليوم معروف بالروم فِي بَيْت مملكتهم وبيوت أموالهم يجدُونَ علم ذَلِكَ فِي أرض كَذَا وكورة كَذَا، وموضع كَذَا وكذا، ومن المال كَذَا
__________
[ () ] إبراهيم بن سعيد الجوزقي، وإسماعيل بن مسعدة، وإسحاق الفروي، وفي متنها ألفاظ ركيكة جدا، منها: الخرزة، وقد كان الإسكندر أحوج إلى الخضر منها. وكذا كون الخضر وقع على عين الحياة ولم يخبر بها الإسكندر وقد علم مقصوده، فكان الخضر خائنا له، وكذا الطائر فإنه الدجال، وهو في جزائر الهند، وكذا سؤاله عن الصلوات الخمس وغسل الجنابة ونحوها، فإن هذه الأشياء لم تكن مشروعة في ذلك الوقت.
[1] مختار الحكم 233، ومرآة الزمان 1/ 333.
[2] ما بين المعقوفتين: من مرآة الزمان 1/ 333.(1/293)
وكذا مِمَّا كنزه الإسكندر، وَكَانَ اللَّه لَمْ يجعل فِيهِ من الحرص شَيْئًا، وَلَمْ يجمع الدنيا إلا مَا كَانَ يسر بمن مَعَهُ فيقويهم عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ مسيرة ذَلِكَ رحمة للمؤمنين.
صفة بناء السد [1]
ذكر أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي عَنِ الموجود فِي أيدي الفرس عَنْ كتبهم الموروثة: أَن ذا الْقَرْنَيْنِ لما عزم عَلَى المسير إِلَى مطلع الشمس أخذ عَلَى طريق كابل في الهند وتبت، فتلقته [2] الملوك بالهدايا العظيمة والتحايا الكريمة والطاعة والأموال إِلَى أَن صار إِلَى الأَرْض المنتنة السوداء، فقطعها سيرا فِي شَهْر، ثُمَّ جاءته الأدلاء فانتهوا به إلى الحصون الشامخة والمدن المعطلة من أهلها وَقَدْ بقيت مِنْهُم فِيهَا بقايا سألوه بأجمعهم أَن يسد عَنْهُمْ الفج الَّذِي بينهم وبين يأجوج ومأجوج، فسار إِلَيْهِ ونزل بجيشه العظيم الهائل ومعه الفلاسفة والصناع والحدادُونَ، فاتخذ قدور الحديد الكبار والمغارف الحديدية، وأمر أن يجعل كُل أربعة من تلك القدور عَلَى ديكدان طول كُل واحد خمسين ذراعا أَوْ نحوها، وأمر الصناع أَن يضربوا اللبن الحديد، فاتخذوا النحاس والحديد وأضرموا عليه النار فصارت حجارة لَمْ ير النَّاس مثلها كأنها تشبه جبل السد. طول كُل لبنة ذراع ونصف بالذراع الأعظم، وسمكها شبر.
فَمَا زالوا يبنون السد من جانب الجبل، وجعل فِي وسطه بابا عظيما طوله أقل من عرضه، فالعرض مائة ذراع، كُل مصراع خمسين ذراعا، والطول خمسين ذراعا، وعليه قفل عظيم نَحْو عشرة أذرع، وفوقه بأذرع غلق أطول من ذَلِكَ القفل. وكل ذَلِكَ أملس كملاسة الجبل وبلونه.
فذكروا أَنَّهُ لما فرغ من بناء السد أمر بالنار فأضرمت عَلَيْهِ من أسفله إِلَى أعلاه، فصار معجونا كأنه حجر واحد مثل الجبل سواء، فلما فرغ من بناءه مال راجعا بَعْد أَن لقي الأمم الَّتِي خلف يأجوج ومأجوج.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن: وبلغني عَنْ خرداذبه، قَالَ: [3] حَدَّثَنِي سلام الترجمان: أَن
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 326، والمسالك والممالك لابن خرداذبه 162- 70.
[2] في الأصل: «فتلقتها» .
[3] المسالك والممالك 162- 170، ومرآة الزمان 1/ 327.(1/294)
الواثق لما رأى فِي المنام أَن السد الَّذِي سده ذو الْقَرْنَيْنِ ببناء بَيْنَ يأجوج ومأجوج انفتح وجهني فَقَالَ: عاينه واتني بخبره، وضم إلي خمسين رجلا ووصلني بخمسة آلاف دينار وأعطاني ديتي عشرة آلاف درهم، وأمر بإعطاء كُل رجل معي ألف درهم ورزق ستة أشهر، وأعطاني مائتي بغل يحمل الزاد والماء. فشخصنا من سرمن رأى بكتاب من الواثق إِلَى إِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل صاحب أرمينية وَهُوَ بتفليس، فِي إنفاذنا فكتب لنا إِلَى إِسْحَاق صاحب السرير، وكتب لنا ذاك إِلَى ملك الدان، فكتب لنا إِلَى قلانشاه، فكتب لنا إِلَى ملك الخرز، [وسرنا من عِنْدَ ملك الخرز] ، يوما وليلة، ثُمَّ وجه معنا خمسين رجلا أدلاء، فسرنا من عنده خمسة وعشرين يوما، ثُمَّ سرنا إِلَى أرض سوداء منتنة الريح وَقَدْ كنا تزودنا قبل دخولها طيبا/ نشمه للرائحة المكروهة، فسرنا فِيهَا عشرة أَيَّام، ثُمَّ صرنا إِلَى مدن خراب فسرنا فِيهَا سبعة وعشرين يوما فسألنا عَنْ تلك المدن الَّتِي كَانَ يأجوج ومأجوج طرقوها فخربوها، ثم صرنا إِلَى حصون بالقرب من جبل السد فِي شعب منه.
وَفِي تلك الحصون قوم يتكلمون بالعربية والفارسية مسلمون يقرءون الْقُرْآن، لَهُمْ كتاتيب ومساجد، فسألوا: من أين أقبلتم؟ فأخبرناهم أنا رسل أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، فأقبلوا يتعجبون ويقولون: أمِير الْمُؤْمِنيِنَ!! قلنا: نعم، فَقَالُوا: أشيخ هُوَ أم شاب؟ فقلنا:
شاب، فتعجبوا وَقَالُوا: أَيْنَ يَكُون؟ قلنا: بالعراق فِي مدينة يقال لها سرمن رأى، فَقَالُوا:
مَا سمعنا بِهَذَا قط.
ثُمَّ سرنا إِلَى جبل أملس لَيْسَ عَلَيْهِ خضراء، وإذا جبل مقطوع بواد عرضه مائة وخمسون ذراعا [1] ، [وفيه السد] [2] ، وإذا عضادتان مبنيتان للمشي مِمَّا يلي الجبل من جنبتي الوادي، عرض كُل عضادة خمسة وعشرون ذراعا الظاهر من تحتها عشرة أذرع خارج الباب، وعليه بناء مكين من حديد مغيب فِي نحاس فِي سمك خمسين ذراعا. وإذا دروند حديد طرفاه عَلَى العضادتين، طوله مائة وعشرون ذراعا، قَدْ ركب عَلَى العضادتين، عَلَى كُل واحد بمقدار عشرة أذرع فِي عرض خمسة أذرع، وَفَوْقَ الدروند
__________
[1] في المرآة: «خمسمائة ذراع وأكثر» .
[2] ما بين المعقوفتين: من المرآة.(1/295)
بناء بِذَلِكَ الحديد المغيب فِي النحاس إِلَى رأس الجبل فِي ارتفاعه مد البصر، وَفَوْقَ ذَلِكَ شرف حديد فِي كُل شرفة قرنان يشير كُل [1] واحد منهما إِلَى صاحبه وإذا بَاب حديد مصراعين معلقين، عرض كُل مصراع خمسون ذراعا فِي ارتفاع خمسين ذراعا فِي ثخن خمسة أذرع، وقائمتاهما فِي دوارة فِي قدر، وعلى الباب قفل طوله سبعة أذرع فِي غلظ ذراع فِي الاستدارة، وارتفاع القفل من الأَرْض خمس وعشرون ذراعا، وَفَوْقَ القفل بقدر خمس أذرع غلق طوله أَكْثَر من طول القفل، وقعر، كُل واحد منهما ذراعان، وعلى الغلق مفتاح مغلق طوله ذراع ونصف، وَلَهُ اثنتا عشرة دندانجة كُل واحد كدستج أكبر مَا يَكُون من هاوون معلق فِي سلسلة طولها ثمانية أذرع فِي استدارة أربعة أشبار، والحلقة الَّتِي فِيهَا السلسلة مثل حلقة المنجنيق، وعتبة الباب عشرة أذرع بسط مائة ذراع سِوَى مَا تَحْتَ العضادتين، والظاهر منها خمس أذرع، وَهَذَا الذراع كُلهُ بالذراع السوداء.
ورئيس تلك الحصون يركب فِي كُل جمعة فِي عشرة فوارس مَعَ كُل فارس مرزبة حديد، في كل واحدة خمسون ومائة من، فيضرب القفل بتلك المرزبات فِي كُل يَوْم مرات ليسمع من نقباء الباب الصوت، فيعلموا أَن هنالك حفظة، ويعلم هَؤُلاءِ أَن أولئك لَمْ يحدثوا فِي الباب حدثا، وإذا ضرب أَصْحَابنا القفل وضعوا آذانهم فيسمعون بمن داخل دويا.
وبالقرب من هَذَا الموضع حصن كبير يَكُون وعشرة فراسخ فِي عشر فراسخ بكسر مائة فرسخ ومع الباب حصنان يَكُون كُل واحد منهما بمائتي ذراع فِي مائتي ذراع، وعلى بَاب هذين الحصنين شجرتان، وبين الحصنين عين عذبة، فِي أحد الحصنين آلة البناء الَّذِي كَانَ بَنِي بِهِ السد من القدور والحديد والمغارف الحديد، عَلَى كُل أنصبة أربع قدور مثل قدور الصابون، وهنالك بقية من اللبن قَدِ التزق بَعْضهَا ببعض من الصداء، واللبنة ذراع ونصف فِي سمك شبر.
وسألوا من هنالك: هل رأوا أحدا من يأجوج ومأجوج، فذكروا أنهم رأوا مرة عددا فَوْقَ الشرف، فهبت ريح سوداء فألقتهم إِلَى جانبهم، فكان مقدار الرجل مِنْهُم فِي رأي العين شبرا ونصفا.
__________
[1] في الأصل: «قرنان ينثني» . وما أوردناه من الهامش.(1/296)
قَالَ سلام الترجمان: فلما انصرفنا أخذتنا الأدلاء إِلَى ناحية خراسان فسرنا إِلَيْهَا حَتَّى خرجنا خلف سمرقند سبع فراسخ، وَقَدْ كَانَ أَصْحَاب الحصون زودُونَا مَا كفانا، ثُمَّ صرنا إِلَى عَبْد اللَّه بْن طاهر.
قَالَ سلام: فوصلني بمائة ألف درهم، ووصل كُل رجل معي بخمسمائة درهم.
وأجرى للفارس خمسة دراهم وللراجل ثلاثة دراهم فِي كُل يَوْم إِلَى الَّذِي. فرجعنا إلى سرمن رأى بعد خروجنا بثمانية وعشرين شهرا.
قَالَ ابْن خرداذبه: فحدثني سلام الترجمان بجملة هَذَا الْخَبَر ثُمَّ أتليته من كتاب كتبه الواثق.
وَقَدْ رَوَى أَن يأجوج ومأجوج يحفرون السد كُل يَوْم.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن جعفر، أخبرنا عبد الله بن أحمد، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو رافع، عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لَيَحْفُرُونَ السَّدَّ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى إِذَا كَادُوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدَا، فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ فَيَرَوْنَهُ أَشَدَّ مَا كَانَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتَهُمْ وَأَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى النَّاس حَفَرُوا حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ، فَيَحْفِرُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ، فَيُنَشِّفُونَ الْمِيَاهَ وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي حُصُونِهِمْ، فَيَرْمُونَ بِسَهَامِهِمْ نَحْوَ السَّمَاءِ فَتَرْجِعُ وَعَلَيْهَا كَهَيْئَةِ الدَّمِ، فَيَقُولُونَ: قَهَرْنَا أَهْلَ الأَرْض وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ. فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَغْفًا فِي أَقْفَائِهِمْ فَيَقْتُلُهُمْ بِهَا» . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ دَوَابَّ الأَرْضِ لَتَسْمَنُ وَتَشْكُرُ مِنْ لُحُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ» [1] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو
__________
[1] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 2/ 510، 511، وابن كثير في التفسير 5/ 193، وفي البداية 2/ 112، وابن ماجة 4080، والطبري في التفسير 16/ 18،(1/297)
الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبُحْتِرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ بِشْرٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الكلابي، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، فَقَالَ: «لَيَسْتَوْقِدُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ جُعَابِهِمْ وَثِيَابِهِمْ وَتَرَاسِيهِمْ وَقِسِيِّهِمْ سَبْعَ سِنِينَ» .
ذكر أشياء جرت لذي الْقَرْنَيْنِ فِي المسير
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الْحَافِظ، أَخْبَرَنَا محفوظ بْن أَحْمَد الفقيه، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِي مُحَمَّد بْن الحسين الجازري، حَدَّثَنَا المعافى بْن زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر الأزدي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي الدنيا، حَدَّثَنَا القاسم بْن هاشم، حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا صفوان بْن عَمْرو بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ الخزاعي: أَن ذا الْقَرْنَيْنِ أتى عَلَى أمة من الأمم لَيْسَ فِي أيديهم شَيْء مِمَّا يستمتع بِهِ النَّاس من دنياهم وَقَدِ احتفروا قبورا، فَإِذَا أصبحوا تعهدوا تلك القبور وكنسوها وصلوا عندها، ورعوا البقل كَمَا ترعى البهائم، وَقَدْ قيض لَهُمْ فِي ذَلِكَ معاش من نبات الأَرْض، فأرسل ذو الْقَرْنَيْنِ إِلَى ملكهم، فَقَالَ الرسول: أجب الْمَلِك، فَقَالَ: مَا لي إِلَيْهِ حاجة، فأقبل إِلَيْهِ ذو الْقَرْنَيْنِ فَقَالَ: إني أرسلت إليك لتأتيني، فَمَا أتيت، فها أنا ذا قَدْ جئتك، فَقَالَ: لو كانت لي إليك حاجة لأتيتك، فَقَالَ لَهُ ذو الْقَرْنَيْنِ: مَا لي أراكم عَلَى الحال الَّتِي رأيت، لَمْ أر أحدا من الأمم عَلَيْهَا. قَالُوا: وَمَا ذاك؟ قال: ليس لكم دنيا ولا شَيْء، أفلا اتخذتم الذهب والفضة واستمتعتم بها، فقال: إنما كرهنا لأن أحدا لم يعط منها شَيْئًا إلا تاقت نَفْسه إِلَى أفضل منه، فَقَالَ: مَا بالكم قَدِ احتفرتم قبورا فإذا أصبحتم تعهدتموها وكنستموها وصليتم عندها، قَالُوا: أردنا: إِذَا نظرنا إِلَيْهَا وألهتنا الدُّنْيَا منعت قبورنا من الأمل، قَالَ:
وأراكم لا طعام لكم إلا البقل من الأرض، أفلا اتخذتم البهائم من الأنعام فاحتلبتموها وذبحتموها واستمتعتم بها، فَقَالُوا: رأينا أَن فِي نبات الأَرْض بلاغا، ثُمَّ/ بسط ملك تلك الأَرْض يده خلف ذي الْقَرْنَيْنِ، فتناول جمجمة، فَقَالَ: يا ذا الْقَرْنَيْنِ أتدري من هَذَا؟(1/298)
قَالَ: لا، من هُوَ؟ قَالَ: ملك من ملوك الأَرْض أعطاه اللَّه سلطانا عَلَى أَهْل الأَرْض فغشم وظلم وعتى، فلما رأى [اللَّه] [1] ذَلِكَ منه حسمه بالموت فصار كالحجر الملقى، قد أحصى الله عليه عمله حَتَّى يجازيه بِهِ فِي آخرته. ثُمَّ تناول جمجمة أُخْرَى إِلَيْهِ، فَقَالَ: يا ذا الْقَرْنَيْنِ، هل تدري من هَذَا؟ قَالَ: لا من هَذَا؟ قَالَ: ملك ملكه اللَّه بعده قَدْ كَانَ يرى مَا يصنع الَّذِي قبله بِالنَّاس من الظلم والغشم التجبر، فتواضع وخشع للَّه عَزَّ وَجَلَّ وعمل بالعدل فِي أَهْل مملكته، فصار كَمَا ترى قَدْ أحصى اللَّه عَلَيْهِ عمله حَتَّى يجزيه بِهِ فِي آخرته، ثُمَّ أهوى إِلَى جمجمة ذي الْقَرْنَيْنِ، [وَقَالَ: وَهَذِهِ الجمجمة تصير إِلَى مَا صارت إِلَيْهِ هذه الجماجم، فانظر يا عَبْد اللَّهِ مَا أَنْتَ صانع] [2] ، فَقَالَ لَهُ ذو الْقَرْنَيْنِ: هل لَكَ فِي صحبتي فأتخذك وزيرا وشريكا فيما أنا فِيهِ من هَذَا المال، فَقَالَ:
مَا أصلح أنا وأنت فِي مكان، قَالَ: وَلَمْ؟ قَالَ: من أجل أَن النَّاس كلهم لَكَ عدو ولي صديق، قَالَ: وَلَمْ ذَلِكَ؟ قَالَ: يعادُونَك لما فِي يدك من الْمَلِك ولا أجد أحدا يعاديني لرفضي ذَلِكَ فانصرف عَنْهُ ذو الْقَرْنَيْنِ [3] .
وذكروا أَن ذا الْقَرْنَيْنِ لما رجع عَنْ سلوك الظلمة قصد بلاد خراسان، فلما صار إِلَى نهر بَلْخ هاله أمره، فأمرهم بشق الخشب الغلاظ وترقيقها، ثُمَّ أمر الحدادين فضربوا المسامير ثم أمر بثلاثمائة سفينة فصنعت، وأمر بحبال من ليف وبحبال من قنب فنصعت غلاظا طوالا، فأمر ببناء [جسر] [4] من جانبي النهر وشدت تلك الحبال منهما ممدودا عَلَى الماء عرضا، وجعلت السفن جسرا بَيْنَ الحبال فِي صدور السفن وَفِي إعجازها لتمسكها، ثُمَّ أمر بالخشب فقطع بمقدار عرض السفن، وقصدت سقفا، وهيل عَلَيْهِ التراب ولب بالماء حَتَّى اطمأن ونشف، فلما أمكن العبور عَلَيْهِ عبره بجيوشه سائرا إِلَى قومس، فاشتكى فأخذه الرعاف حَتَّى مَات فِي طريقه، وَقَدْ كَانَ حِينَ بلغ الصين أمر بمدن كثيرة فبنيت هنالك، فمنها: الدبواسية، وحمدان، وشيرك، وبرج الحجارة، وَكَذَلِكَ أمر حِينَ بلغ الهند فبنى هنالك مدينة سرنديب، وَلَهُ غَيْر هذه الأبنية فِي النواحي التي طافها.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من المرآة.
[2] ما بين المعقوفتين: من المرآة.
[3] الخبر في مرآة الزمان 1/ 332، ومختار الحكم 238- 239.
[4] ما بين المعقوفتين: من مرآة الزمان 1/ 334.(1/299)
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِي بْن الْمُذَهَّبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى مِنْ أَهْلِ مَرْوٍ، حَدَّثَنَا أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَخِي سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أبيه، عن جده بريدة، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«سَيَكُونُ بَعْدِي بُعُوثٌ كَثِيرَةٌ فَكُونُوا فِي بَعْثِ خُرَاسَانَ، ثُمَّ أنْزِلُوا مَدِينَةَ مَرْوٍ، فَإِنَّهُ بَنَاهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ وَدَعَا لَهَا بِالْبَرَكَةِ وَلا يُضَرُّ أَهْلَهَا بِسُوءٍ» [1]
. ذكر وفاته
قَدْ روينا أَن الخضر شرب من عين الحياة، وفاتت ذا الْقَرْنَيْنِ فزعم أقوام أَنَّهَا لما فاتته اغتم، فَقَالَ لَهُ الحساب: لا تحزن إنا نرى لَكَ مدة وإنك لا تموت إلا عَلَى أرض من حديد، وسماء من خشب، فانصرف راجعا يريد الروم، فأقبل يدفن كنوز كُل أرض بها، ويكتب ذكر ذَلِكَ ومبلغ مَا دفن وموضعه وحمل الكتاب مَعَهُ حَتَّى بلغ بابل فرعف وَهُوَ فِي مسير فسقط عن دابته، فبسط له درع، وكانت الدرع إذ ذاك صفائح، فنام عَلَى تلك الدرع، فآذته الشمس، فدعوا ترسا فأظلوه تطرفا، فَإِذَا هُوَ مضطجع عَلَى حديد وفوقه خشب، فَقَالَ: هذه أرض من حديد وسماء من خشب، فأيقن الْمَوْت.
ذكر كتابه إِلَى أمه يعزيها عَنْ نَفْسه [2]
أَنْبَأَنَا ثابت بْن يَحْيَى بْن بندار، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِي الحسن بن الحسين بن دوما، أخبرنا مخلد بْن جَعْفَر بْن مخلد الباقرجي، أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْنُ عَلِيٍّ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى العطار، أَخْبَرَنَا أَبُو حذيفة إِسْحَاق بْن بشر القرشي، عن عبد الله بن زياد، قال: حَدَّثَنِي بَعْض من قرأ الكتب: أَن ذا القرنين لما رجع من
__________
[1] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 5/ 357، وأبو نعيم في دلائل النبوة 196، وابن حبان في المجروحين 1/ 345، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 64، وأورده المصنف في العلل 1/ 308، 309.
[2] مرآة الزمان 1/ 335، ومختار الحكم 239.(1/300)
مشارق الأَرْض ومغاربها بلغ أرض بابل فمرض مرضا شديدا أشفق من مرضه أَن يموت بعد ما دوخ البلاد وجمع الأَمْوَال، فنزل بابل فدعا كاتبه، فَقَالَ: خفف عَلِي فِي الموتة بكتاب تكتبه إِلَى أمي تعزيها بي، واستعن ببعض علماء أَهْل فارس، ثُمَّ اقرأه [عَلِي] [1] . فكتب الكتاب.
بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من الإسكندر بْن قيصر رفيق أَهْل الأَرْض بجسده قليلا، ورفيق أَهْل السماء بروحه طويلا إِلَى أمه روقية ذَات الصفاء الَّتِي لَمْ تمتع بثمرتها فِي دار القرب، وَهِيَ مجاورته عما قليل فِي دار البعد، يا أمتاه، يا ذَات الحكمة [2] أسألك برحمتي وودي وولادتك إياي، هل وجدت لشيء قرارا باقيا وخيالا دائما، ألم تري إلى الشجرة كيف تنضر أغصانها وتخرج ثمرتها وتلتف أوراقها ثُمَّ لا يلبث الغصن أَن يتهشم والثمر أَن يتساقط، والورق أَن يتباين؟! ألم تري النبت الأزهر يصبح نضيرا ثُمَّ يمسي هشيما؟! ألم تري إِلَى النهار المضيء ثُمَّ يخلفه الليل المظلم؟! ألم تري إِلَى القمر الزاهر ليلة بدره كَيْفَ يغشاه الكسوف؟! ألم تري إِلَى شهب النار الموقدة مَا أوشك مَا تخمد؟! ألم تري إِلَى عذب المياه الصافية مَا أسرعها إِلَى البحور المتغيرة؟! ألم تري إِلَى هَذَا الخلق كَيْفَ يعيش فِي الدُّنْيَا قَدِ امتلأت منه الآفاق، واستعلت بِهِ الأشياء، وولهت بِهِ الأبصار والقلوب؟! إِنَّمَا هما شيئان: إِمَّا مولود وإما ميت، كلاهما مقرون بالفناء، ألم تري أَنَّهُ قيل لهذه الدار روحي بأهلك فإنك لست لَهُمْ بدار؟! يا واهبة الْمَوْت [3] ، ويا موروثة الأحزان، ويا مفرقة بَيْنَ الأحبة، ويا مخربة العمران، ألم تري إِلَى كُل مخلوق يجري عَلَى مَا لا يدري؟ هل رأيت يا أماه معطيا لا يأخذ، ومقرضا لا يتقاضى، ومستودعا لا يسترد وديعته؟! يا أماه إِن كَانَ أحد بالبكاء حقيقا فلتبك السماء عَلَى نجومها، ولتبك الحيتان عَلَى بحورها وليبك الجو عَلَى طائره، ولتبك الأَرْض عَلَى أولادها والنبت الَّذِي يخرج منها، وليبك الإِنْسَان عَلَى نَفْسه الَّتِي تموت فِي كُل ساعة وعند كُل طرفة. يا أمتاه إِن الْمَوْت لا يعتقني [4] من أجل أني كنت عارفا أَنَّهُ نازل بي، فلا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من الهامش.
[2] في المرآة: «يا ذات الحلم» .
[3] في المرآة: «يا والدة الموت» .
[4] في المرآة: «الموت لا يدعني من أجل» .(1/301)
يتعبك الحزن فإنك لَمْ تكوني جاهلة بأني من الَّذِينَ يموتون. يا أمتاه إني كتبت كتابي هَذَا وأنا أرجو أَن تعتبري بِهِ ويحسن موقعه منك، فلا تخلفي ظني ولا تحزني روحي، يا أمتاه إني قَدْ علمت يقينا أَن الَّذِي أذهب إِلَيْهِ خير من مكاني الّذي أنا فيه، وأطهر من الهموم والأحزان والأسقام والنصب والأمراض فاغتبطي لي بمذهبي، واستعدي لاتباعي، يا أمتاه إِن ذكري قَدِ انقطع من الدنيا وَمَا كنت أذكر بِهِ من الْمَلِك والرأي، فاجعلي لي من بعدي ذكرا أذكر بِهِ فِي حلمك وصبرك والرضا [بِمَا يَقُول الحكماء، يا أمتاه إِن النَّاس سينظرون إِلَى هَذَا منك وَهُمْ راض وكاره ومستمع وقائل، فأحسني إلي وإلى نفسك فِي ذَلِكَ، يا أمتاه السَّلام فِي هَذَا الدار قليل زائل فليكن عليك] [1] وَعَلَيْنَا فِي دار الأزل السَّلام الدائم. فتفكري بفهم وديعة نفسك أَن تكوني شبه النِّسَاء فِي الجزع كَمَا كنت لا أرضى شبه الرجال فِي الاستكانة والضعف، وَلَمْ يكن ذَلِكَ يرضيك فِي.
ثُمَّ مَات رحمه اللَّه.
وَفِي رواية أَنَّهُ كَانَ فِي كتابه إِلَيْهَا: [يا أماه] [2] اصنعي طعاما واجمعي من قدرت عَلَيْهِ من نساء أَهْل المملكة، ولا يأكل طعامك من أصيب بمصيبة. فصنعت طعاما وجمعت النَّاس وَقَالَتْ: لا يأكل من أصيب بمصيبة قط، فلم يأكل أحد، فعلمت مَا أراد [3] .
فلما حمل تابوته إِلَيْهَا تلفتت بعظماء أَهْل المملكة، فلما رأته قَالَتْ: يا ذا الَّذِي بلغ السماء حلمه وجاز أقطار الأَرْض ملكه، ودانت الملوك عنوة لَهُ، مَالِك/ اليوم نائما لا تستيقظ، وساكتا لا تتكلم، من بلغك عني بأنك وعظتني فاتعظت، وعزيتني فتعزيت، فعليك السَّلاَم حيا وميتا. ثُمَّ أمرت بدفنه [4] .
واختلف فِي قدر عمره، فذكر عَنْ أَهْل الكتاب أَنَّهُ عاش ثلاثة آلاف سنة. وذكر أبو بكر بن أبي خيثمة أنه عاش ألفا وستمائة سنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناه من المرآة.
[2] ما بين المعقوفتين: من المرآة.
[3] مرآة الزمان 1/ 336، ومختار الحكم 242.
[4] مرآة الزمان 1/ 336، ومختار الحكم 241.(1/302)
فأما من يَقُول عاش نحوا من أربعين سَنَة فإنما اشتبه عَلَيْهِ بالإسكندر اليوناني، وَذَلِكَ يَأْتِي ذكره بَعْد يُونُس عَلَيْهِ السَّلام.
ومن الحوادث وفاة الخليل صلوات اللَّه عَلَيْهِ وسلامه [1]
لما أراد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قبض إِبْرَاهِيم أمر ملك الْمَوْت أَن يتلطف لَهُ.
فروى السدي عَنْ أشياخه، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيم يطعم النَّاس ويضيفهم، فبينا هُوَ يطعم النَّاس إِذَا هُوَ بشيخ كبير يمشي فِي الحر، فبعث إِلَيْهِ بحصان فركبه حَتَّى إِذَا أتاه أطعمه، فجعل الشيخ يأخذ اللقمة يريد أَن يدخلها فاه فيدخلها فِي عينه وأذنه ثُمَّ يدخلها فاه، فَإِذَا دخلت جوفه خرجت من دبره، وَكَانَ إِبْرَاهِيم قَدْ سأل ربه أَن لا يقبض روحه حَتَّى يَكُون هُوَ الَّذِي يسأله الْمَوْت. فَقَالَ إِبْرَاهِيم للشيخ: مَا بالك يا شيخ تصنع هَذَا؟
قَالَ: يا إِبْرَاهِيم الكبر، قَالَ: ابْن كم أَنْتَ؟ قَالَ: فزاد عَلَى عُمَر إِبْرَاهِيم سنتين، فَقَالَ إِبْرَاهِيم: إِنَّمَا بيني وبينك سنتان، فإذا بلغت ذَلِكَ صرت مثلك، قَالَ: نعم، قَالَ إِبْرَاهِيم: اللَّهمّ أقبضني إليك، فقام الشيخ فقبض نَفْسه [2] .
واختلفوا فِي قدر عُمَر إِبْرَاهِيم، فَقَالَ قوم: مائتا سَنَة. وَقَالَ آخرون: مائة وخمس وسبعون. ودفن عِنْدَ قبر سارة فِي مزرعة حبرون.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 312، وعرائس المجالس 97، وتهذيب تاريخ ابن عساكر 2/ 160، والبداية والنهاية 1/ 173 ومثير الغرام 176، ومرآة الزمان 1/ 305.
[2] في الأصل: «فقبض نفسه» والتصحيح من الهامش والطبري.
والخبر في تاريخ الطبري 1/ 312.(1/303)
بَاب ذكر إِسْمَاعِيل صلوات اللَّه عَلَيْهِ وسلامه [1]
إِسْمَاعِيل أكبر بنيه، ولد لَهُ وَهُوَ ابْن تسعين سَنَة وولد إِسْحَاق بعده بثلاثين سَنَة، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَن سارة وهبت هاجر لإبراهيم، وأنه ولد لَهُ منها إِسْمَاعِيل، وأن الخليل هاجر به وبأمه إِلَى مَكَّة وأنه زوج إِسْمَاعِيل امرأة من جرهم، ثُمَّ أُخْرَى.
قَالَ ابْن إِسْحَاق: [2] ولد لإسماعيل اثنا عشر ولدا، مِنْهُم: [3] نابت، وقيدر، ويقال قيذار الّذي نشر الله منه العرب، ويقال: بَل العرب من نابت ومن قيدر. وقيل: سميت العرب العاربة لأن إسماعيل نشأ بعربة وَهِيَ من تهامة. وقيل: بَل لأن أول من نطق بلسان العرب يعرب بْن قحطان، وَهُوَ أَبُو اليمن فَهُمُ العرب العاربة.
واتخذ اللَّه إِسْمَاعِيل نبيا بَعْد إِبْرَاهِيم، وبعث إِلَى العماليق وجرهم وقبائل اليمن فنهاهم عَنْ عُبَادَة الأوثان، فآمنت لَهُ طائفة مِنْهُم وكفر الأكثرون.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي البزار، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيُّوَيْهِ، أخبرنا أحمد بن معروف، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر، قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أسلم، عن أبيه، قال: لما بلغ إِسْمَاعِيل عشرين سَنَة توفيت هاجر وَهِيَ بنت تسعين سَنَة فدفنها إِسْمَاعِيل فِي الحجر.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 314، وعرائس المجالس 100، والبداية والنهاية 1/ 191، والكسائي 142، ونهاية الأرب 13/ 115، وشفاء الغرام 2/ 3، ومرآة الزمان 1/ 309.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 314، وشفاء الغرام 2/ 47، والأزرقي 1/ 44، ومرآة الزمان 1/ 310.
[3] في سفر التكوين أسماؤهم 25: 13: ينابوت، وقيدار، وأثبيل، ومبسام، ومشماع، ودومة، ومسا، وحدار، وتيما، وبطور، ونافيس، وقدمة.(1/304)
أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْوَهَّاب الدباس، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر بْن الْمُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ المخلص، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل بْن دَاوُد الطوسي، حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بْن بكار، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن أَبِي أويس، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيع بْن قريع الغطفاني، عَنْ عقبة بْن بشير، قَالَ: سألت محمد بن علي بن الحسين، قلت: يا أبا جَعْفَر من أول من تكلم بالعربية؟ قَالَ:
إِسْمَاعِيل وَهُوَ يومئذ ابْن ثَلاث عشرة سَنَة، قُلْتُ: فَمَا كَانَ كَلام النَّاس قبل ذَلِكَ؟ قَالَ:
العبرانية. وَفِي رواية عَنْ أَبِي جَعْفَر، قَالَ: ألهم اللَّه إِسْمَاعِيل العربية فنطق بها. قَالَ علماء السير: لما حضرت إِسْمَاعِيل الوفاة أوصى إِلَى أخيه إِسْحَاق، وزوج ابنته من العيص بْن إِسْحَاق، وعاش إِسْمَاعِيل مائة وسبعا وثلاثين سَنَة، ودفن فِي الحجر عِنْدَ قبر أمه هاجر.
قَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز: شكا إِسْمَاعِيل إِلَى ربه عَزَّ وَجَلَّ حر مَكَّة فأوحى اللَّه إِلَيْهِ:
أني أفتح لَكَ بابا من الْجَنَّة فِي الحجر يجري عليك منه الروح إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. وَفِي ذَلِكَ الموضع توفي.
قَالَ خَالِد المخزومي: فيرون أَن ذَلِكَ الموضع مَا بَيْنَ الميزاب إِلَى بَاب الحجر الغربي فِيهِ قبره.
وَقَالَ صفوان بْن عَبْد اللَّهِ الجمحي: حفر ابْن الزُّبَيْر الحجر فوجد فِيهِ سفطا من حجارة أخضر، فسأل قريشا عَنْهُ فلم يجد عِنْدَ أحد مِنْهُم فِيهِ علما، فأرسل إِلَى أَبِي فسأله فَقَالَ: هَذَا قبر إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلام.
وَفِي رواية: أَنَّهُ وجد حجارة خضراء منطبقا بها، فقيل له: هذا قبر إسماعيل.
وقيل: بَل قبره مقابل الحجر الأسود. وَقَالَ ابْن الزُّبَيْر: هَذَا المحدودب يشير إِلَى مَا يلي الركن الشامي من الْمَسْجِد الحرام، فقبور عذارى بنات إِسْمَاعِيل. قَالَ: وَذَلِكَ الموضع سوي مَعَ الْمَسْجِد ولا يثبت أَن يعود محدودبا كَمَا كَانَ.
قَالَ علماء السير: لما توفي إِسْمَاعِيل دبر أمر الحرم بعده ابنه نابت بن إسماعيل،(1/305)
وَقِيلَ: اسمه نبت، وأمه الجرهمية، ثُمَّ مَات نبت وَلَمْ يكن ولد إِسْمَاعِيل فغلبت جرهم عَلَى ولاية الْبَيْت.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْن عُمَر، حَدَّثَنَا موسى بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي الجهم، عَنْ أَبِي بَكْر بْن سُلَيْمَان بْن أبي خيثمة، عن أبي الجهم بْن حذيفة بْن غانم، قَالَ: توفي إِسْمَاعِيل بَعْد إِسْحَاق فدفن داخل الحجر مِمَّا يلي الكعبة مَعَ أمه هاجر. وولي نابت بْن إِسْمَاعِيل الْبَيْت بَعْد أَبِيهِ مَعَ أخواله جرهم [1] .
قَالَ ابْن سَعْد: وَأَخْبَرَنَا خَالِد بْن خداش، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن وهب المعبري، قال: حدثني حرملة بن عمران، عَنْ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي فروة، أَنَّهُ قَالَ: مَا يعلم موضع قبر نبي من الأنبياء إلا ثلاثة: قبر إِسْمَاعِيل، فَإِنَّهُ تَحْتَ الميزاب بَيْنَ الركن والبيت، وقبر هود فإنه في خصف تَحْتَ جبال اليمن عَلَيْهِ شجرة نداء وموضعه أشد الأَرْض [حرا] [2] ، وقبر رَسُول اللَّه صلّى الله عليه وسلم [3] .
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 52.
[2] ما بين المعقوفتين: من الهامش وطبقات ابن سعد.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 52.(1/306)
بَاب ذكر إِسْحَاق عَلَيْهِ الصلاة والسلام [1]
زعم الضَّحَّاك بْن مزاحم أَن إِسْحَاق أول مرسل بَعْد إِبْرَاهِيم، قَالَ: وَلَمْ يمت إِبْرَاهِيم حَتَّى بعث إِسْحَاق إِلَى أرض الشام، وبعث يعقوب بْن إِسْحَاق إِلَى كنعان، وبعث إِسْمَاعِيل إِلَى جرهم، وبعث لوط إِلَى سدوم.
قَالَ: وَكَانَ هَؤُلاءِ كلهم أحياء عَلَى عهد إِبْرَاهِيم [وَكَانَ إِبْرَاهِيم] [2] قَدْ زوج ابنه إِسْحَاق أروقة بنت بتاويل بْن ناحور بْن آزر [3] ، فولدت لإسحاق العيص ويعقوب وَهُوَ ابْن ستين سَنَة.
فأما العيص فَإِنَّهُ تزوج بنت عمه إِسْمَاعِيل، وولدت لَهُ الروم، وكل بَنِي الأصفر من ولده. وإنما سمي ولد ولده الأصفر لأنه كَانَ فِيهِ أدمة. وكثر أولاده حَتَّى غلبوا الكنعانيين بالشام، وصاروا إِلَى البحر والسواحل وناحية الإسكندرية، وصار الملوك من ولده، وَهُمُ اليونانية، وسيأتي ذكر يعقوب إِن شاء اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ ذكر السدي وغيره: أَن عيصا ويعقوب اعترضا فِي بطن أمهما وكانا توأما، فَقَالَ العيص: أنا أخرج قبلك، فخرج فسمي عيصا، وسمي يعقوب لأنه تبعه [4] .
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 316، والبداية والنهاية 1/ 193، والكسائي 150، ونهاية الأرب 13/ 128، ومرآة الزمان 1/ 313.
[2] ما بين المعقوفتين: من الهامش.
[3] في سفر التكوين 25: 20: «رفقة بنت بتوثيل الأرامي» .
راجع أيضا تاريخ الطبري 1/ 317، ومرآة الزمان 314، والمعارف 38.
[4] في الهامش: «لأنه خرج آخرا» .(1/307)
قَالَ المصنف: ومثل هَذَا قبيح أَن يذكر، لأن يعقوب اسم أعجمي لَيْسَ بمشتق من العقب، ولا عيصا من المعصية، وإثبات خصومة بَيْنَ حملين من أبعد الأشياء، قَدْ نزهت كتابنا عَنْ مثل هذه الأشياء الَّتِي تملأ مثلها التواريخ والمبتدءات.
قَالَ علماء السير: عاش إِسْحَاق مائة وستين سَنَة، وتوفي بفلسطين، ودفن عِنْدَ قبر أَبِيهِ إِبْرَاهِيم/ وانتقل الْمَلِك إِلَى ولد إِسْحَاق، فملك مِنْهُم ملوك. وَكَانَ من زمن كيومرت إِلَى انتقال الْمَلِك إِلَى ولد إسحاق ألف سنة وتسعمائة واثنتان وعشرون سَنَة
.(1/308)
بَاب ذكر يعقوب عَلَيْهِ السَّلام [1]
قَدْ ذَكَرْنَا أَن يعقوب ولد فِي زمن إِبْرَاهِيم، ونبئ فِي زمانه أَيْضًا.
قَالَ علماء السير: كَانَ إِسْحَاق يميل [إِلَى يعقوب] [2] ويدعو لَهُ. ويقال: إنه [قَالَ] [3] للعيص أطعمني لحم صيد أدع لَكَ، فسمع يعقوب فجاءه بلحم فدعا لَهُ فظنه العيص، فتوعد العيص يعقوب بالقتل فخرج هاربا إِلَى خاله لابان فزوجه ليا، فولدت لَهُ روبيل، وشمعون، ولاوي، ويشحب [4] ، وزبالون، وقيل: زيلون. ثُمَّ توفيت فتزوج أختها راحيل فولدت لَهُ يُوسُف، وابن يامين، ومعناه: ابْن الوجع، لأنها ماتت فِي نفاسه.
وذكر الطبري [5] أَنَّهُ بنيامين، وَهُوَ بالعربية شداد، وولد لَهُ من غيرهما أربعة نفر، وَكَانَ بنو يَعْقُوب اثني عشر ولدا.
وَكَانَ أحب الخلق إِلَيْهِ يُوسُف، وَهَؤُلاءِ الأسباط.
وأهل الكتاب يقولون: كَانُوا أنبياء، ومختلف فِي ألفاظ أسمائهم، فأما روبيل [6] فَهُوَ أكبر ولد يعقوب، ثُمَّ شمعون [7] ويقال سمعان، ثم يهوذا وهو في الرئاسة أعلاهم،
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 317، ونهاية الأرب 13/ 129، والكسائي 153، والمعارف 39.
[2] ما بين المعقوفتين: من الهامش.
[3] ما بين المعقوفتين: من الهامش.
[4] في تاريخ الطبري 1/ 317: «يسحر» وقد قيل في يسحر إن اسمه يشحر» . وفي مرآة الزمان 1/ 317:
«يسخر» .
[5] تاريخ الطبري 1/ 317.
[6] «روبيل» : في العهد القديم: «رءوبين» .
[7] في ترتيب العهد القديم يقع «لاوي» بعد شمعون.(1/309)
وَكَانَ دَاوُد وعيسى جميعا من ولد يهوذا، ثُمَّ لاوي وَكَانَ موسى وهارون من ولده، ثُمَّ يساخر ثُمَّ زيلون ويقال: زيالون، ويقال: زيولون، وَقَدْ يقال بالراء والباء «ربولون» ، ثُمَّ جادر، ثُمَّ أشيز، ثُمَّ ودان ثُمَّ نفثالي، ويقال: نفثال، ويقال: نفثول، ثُمَّ بنيامين ويوسف، وكانت أم روبيل وسمعون ويهوذا ولاوي ويساخر وزيلون اسمها ليا بنت لايان خال يعقوب، ولهؤلاء أخت منها ومن يعقوب أبيهم يقال لَهَا دنيا، وكانت امرأة أيوب، وكانت أم جاذر وأشيرا اسمها بلها، وكانت أمها راحيل كانت أم يُوسُف وبنيامين اسمها راحيل، وَهِيَ أخت ليا بنت لايان.
ومن الحوادث فِي زمان يعقوب [1] مَا جرى ليوسف عليهما السَّلام
فَإِن أمه راحيل لما ولدته دفعه يعقوب إِلَى أخته تحضنه.
قَالَ مجاهد [2] : أول مَا دَخَلَ عَلَى يُوسُف من البلاء فيما بلغنا أَن عمته ابنة إِسْحَاق، وكانت أكبر ولد إِسْحَاق، وكانت إِلَيْهَا منطقة إِسْحَاق وكانوا يتوارثونها بالكبر وَكَانَ من أختانها مِمَّن وليها كَانَ لَهُ سلما [3] لا ينازع فِيهِ يصنع فِيهِ مَا شاء، فلما حضنت يُوسُف أحبته حبا شديدا حَتَّى إِذَا ترعرع طلبه يعقوب، فَقَالَتْ: مَا أصبر عَنْهُ، فَقَالَ:
وَكَذَلِكَ أنا. قَالَتْ: فدعه عندي أياما، فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إِلَى منطقة إِسْحَاق، فشدتها عَلَى يُوسُف من تَحْتَ ثيابه، ثُمَّ قَالَتْ: قَدْ فقدت منطقة إِسْحَاق فانظروا من أخذها، فوجدت مَعَ يُوسُف، فَقَالَتْ: إنه يسلم لي أصنع بِهِ مَا شئت، فَقَالَ يعقوب: أَنْتَ وذاك، فأمسكته فلم يقدر عَلَيْهِ يعقوب حَتَّى ماتت، وبذلك عيره أخوته فِي قولهم: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ من قَبْلُ 12: 77 [4] .
قَالَ علماء السير [5] : لما رأى أخوة يُوسُف شدة محبة يعقوب له، وعلموا المنام
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 330، وعرائس المجالس 107، والكسائي 156، وتفسير الطبري 15/ 549، 16/ 1، 315، وزاد المسير 4/ 180- 298، ونهاية الأرب 13/ 130، ومرآة الزمان 1/ 339.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 330، والتفسير 13/ 21.
[3] السلم هنا: الأسير.
[4] سورة: يوسف، الآية: 77.
[5] تاريخ الطبري 1/ 332.(1/310)
الَّذِي رآه، وأن الشمس والقمر والنجوم سجدوا لَهُ دخلهم الحسد، فاحتالوا عَلَيْهِ بقولهم: أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ 12: 12 [1] فلما خرجوا بِهِ إِلَى البرية أظهروا لَهُ العداوة وجعل هَذَا يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه، فجعل يصيح: يا أبتاه، يا يعقوب لو تعلم مَا يصنع بابنك، فألقوه فِي الجب، فجعلوا يدلونه فيتعلق بشفير البئر، فربطوا يديه ونزعوا قميصه، فَقَالَ: يا أخوتاه ردوا عَلِي قميصي أتوارى بِهِ فِي الجب، فَقَالُوا: ادع الشمس والقمر والكواكب [تؤنسك] [2] . فألقوه فِي الماء، فآوى إِلَى الصخرة فِي الجب، ثُمَّ أرادوا أَن يرضخوه بصخرة [3] ، فمنعهم يهوذا، وَقَالَ: قَدْ أعطيتموني موثقا أَن لا تقتلوه، وَكَانَ يهوذا يأتيه بالطعام، فأوحى اللَّه تَعَالَى لينبئنهم بأمرهم هَذَا، ثُمَّ جاءوا أباهم عشاء يبكون، فَقَالَ: أين يُوسُف؟ قَالُوا: أكله الذئب، وكانوا قَدْ ذبحوا جديا فلطخوا بدمه القميص، فجاءت سيارة بَعْد ثلاثة أَيَّام، فورد واردهم فتعلق بِهِ فصعد، فقال: يا بُشْرى هذا غُلامٌ 12: 19 [4] . فَقَالَ إخوته: هَذَا غلام آبق منا. واشتروه مِنْهُم بعشرين درهما، ثُمَّ باعوه بمصر، فاشتراه قطفير [5] ، وَكَانَ عَلَى خزائن مصر، وفرعون مصر يَوْمَئِذٍ الريان بْن الْوَلِيد من أولاد سام بْن نوح. ويقال: إِن هَذَا الْمَلِك لَمْ يمت حَتَّى آمن بيوسف، ثُمَّ مَات ويوسف حي، ثُمَّ ملك بعده قابوس بْن مُصْعَب، فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى.
فلما اشتراه قطفير أتى بِهِ منزله، فَقَالَ لامرأته واسمها راعيل: أكرمي مثواه، وَكَانَ لا يأتي النساء، فراودته عن نفسه، وَقالَتْ: هَيْتَ لَكَ 12: 23، أي: تهيأت لك، قال:
مَعاذَ الله 12: 23 [6] .
فأما قوله: وَهَمَّ بِها 12: 24 [7] ، فَإِنَّهُ حَدِيث الطبع وتمنيه نيل الشهوة لو كانت مباحة فَإِن الإِنْسَان إِذَا صام اشتهى شرب الماء، غَيْر أَن الصوم مانع، فرأى البرهان وهو علمه
__________
[1] سورة: يوسف، الآية: 12.
[2] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[3] في إحدى نسخ الطبري: «يرضخوه بالحجارة» .
[4] سورة: يوسف، الآية: 19.
[5] كذا في الطبري وابن الأثير، وفي سفر التكوين 39: 1 «فوطيفار» .
[6] سورة: يوسف، الآية: 23.
[7] سورة: يوسف، الآية: 24.(1/311)
بأن اللَّه تَعَالَى حرم الزنا ولا يلتفت إِلَى مَا يروى فِي التواريخ والتفاسير من أَنَّهُ رأى يَعْقُوب عاضا عَلَى يده فَإِن مرتبة يُوسُف كانت أعلى من هَذَا. وَقَدْ شرحنا هَذَا فِي التفسير.
والشاهد الَّذِي [شهد] [1] كَانَ طفلا صغيرا تكلم هكذا.
قَالَ علماء السير: فَلَمَّا رَأى 12: 28 زوج المرأة قَمِيصُهُ قُدَّ من دُبُرٍ 12: 27، قال لزوجته إِنَّهُ من كَيْدِكُنَّ 12: 28، ثم قال ليوسف: أَعْرِضْ عَنْ هذا 12: 29، أي لا تذكره لأحد وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ 12: 29 [2] . فشاع الحديث، وجعل النسوة يقلن: امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ 12: 30 [3] ، فلما سمعت بِذَلِكَ أعدت لهن طعاما وَمَا يتكئن عَلَيْهِ من الوسائد، وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً 12: 31 [4] لقطع الأترج، ثُمَّ قَالَتْ ليوسف: اخرج، فخرج عليهن فقطعن أيديهن بالسكاكين، وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترج، فَقَالَتْ لهن:
فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ 12: 32 فاستغاث يُوسُف بربه عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ 12: 33 [5] قَالَتْ لزوجها: إِن هَذَا العبد العبراني قَدْ فضحني بَيْنَ النَّاس يعتذر إِلَى النَّاس، ولا يطيق أَن أعتذر، فإما أَن تأذن لي فأعتذر، وإما إِن تحبسه فحبسه، فأدخل مَعَهُ السجن فتيان من فتيان الْمَلِك، وَكَانَ أحدهما صاحب طعامه فبلغه أَنَّهُ يريد أَن يسمه فحبسه وحبس صاحب شرابه ظنا أَنَّهُ مالأه عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ يُوسُف قَدْ قَالَ فِي السجن: إني أعبر الرؤيا، فسألاه عَنْ مناميهما المذكورين فِي الْقُرْآن، وَقَدْ قيل: إنهما لَمْ يريا شَيْئًا وإنما جربا عَلَيْهِ فدعاهما إِلَى التوحيد أولا بقوله أرباب متفرقون.
ثُمَّ فسر مناميهما، فقالا: مَا رأينا شَيْئًا، فَقَالَ: قُضِيَ الْأَمْرُ 2: 210 [6] ثُمَّ قَالَ للذي ظن أَنَّهُ ناج منهما: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ 12: 42 [7] . وأخبره أَنَّهُ محبوس ظلما. فأوحى إِلَيْهِ: يا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من الهامش.
[2] سورة: يوسف، الآية: 28، 29.
[3] سورة: يوسف، الآية: 30.
[4] سورة: يوسف، الآية: 31.
[5] سورة: يوسف، الآية: 32.
[6] سورة: يوسف، الآية: 41.
[7] سورة: يوسف، الآية: 42.(1/312)
يُوسُف اتخذت من دُونَي وكيلا! لأطيلن حبسك، فبكى وَقَالَ: يا رب أنسى قلبي كثرة البلوى فَقُلْتُ كلمه، فويل لإخوتي! فلبث فِي السجن سبع سنين، ثُمَّ رأى الْمَلِك مناما، وَهُوَ قَوْله: إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ 12: 43 [1] فقصها على أصحابه، فقالوا: أَضْغاثُ أَحْلامٍ 12: 44 فَقَالَ الَّذِي نجا من الفتيين [2] ، وَهُوَ الساقي وَادَّكَرَ 12: 45 أي: ذكر حاجة يُوسُف أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ 12: 45 [3] فأرسلوه، فأتى يُوسُف فأخبره وَقَالَ: تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ 12: 47 [4] . ومعناه:
ازرعوا. فعاد إِلَى الْمَلِك، فأخبره. فَقَالَ الملك: ائْتُونِي به 12: 50 [5] فأبى يُوسُف أَن يخرج حِينَ رابه مِمَّا قرب/ به، فقال: ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ 12: 50 [6] فجمع الْمَلِك النسوة، وَقَالَ: مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ 12: 51 [7] . ولكن امرأة الْعَزِيز أخبرتنا أَنَّهَا راودته فَقَالَتِ امرأة العزيز: أَنَا راوَدْتُهُ 12: 51 [8] ، فَقَالَ يُوسُف: ذَلِكَ الفعل الَّذِي فعلت من ترديدي رَسُول الْمَلِك ليعلم قطفير سيدي أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ 12: 52.
فلما تبين للملك عذر يُوسُف ورأى أمانته، قال: ائْتُونِي به أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا 12: 54 أتي بِهِ فكلمه قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ 12: 54 فقال: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ 12: 55 أي على حفظ الطعام إِنِّي حَفِيظٌ 12: 55 لما استودعتني عَلِيمٌ 12: 55 [9] بسني المجاعة، فولاه عمل قطفير [10] ، وعزل قطفير، فهلك قطفير فِي تلك الأيام، وزوج الْمَلِك يُوسُف امرأة قطفير [11] ، فلما دخلت عَلَيْهِ قَالَ: أليس هذا خيرا مما كنت تريدين،
__________
[1] سورة: يوسف، الآية: 43.
[2] في الطبري 1/ 345: «وهو نبو» .
[3] سورة: يوسف، الآية: 44- 46.
[4] سورة: يوسف، الآية: 47.
[5] سورة: يوسف، الآية: 50.
[6] سورة: يوسف، الآية: 50.
[7] سورة: يوسف، الآية: 51.
[8] سورة: يوسف، الآية: 52.
[9] سورة: يوسف، الآية: 54- 55.
[10] على هامش المخطوط: «في بعض النسخ أطفير» . وكذا في الطبري 1/ 347.
[11] امرأة قطفير في الطبري: «راعيل» . 1/ 347.(1/313)
فَقَالَتْ: أيها الصادق لا تلمني فإني كنت امرأة حسناء فِي ملك ودنيا، وَكَانَ صاحبي لا يَأْتِي النِّسَاء، وكنت فيما أعطاك ربك من الْحَسَن فغلبتني نفسي، فيزعمون أَنَّهُ وجدها عذراء فأصابها فولدت لَهُ أفراييم [1] وميشا [2] ، فولد لأفراييم نون، وولد لنون يوشع فتى موسى، وولد لميشا موسى، وَهُوَ نبي قبل موسى بْن عمران. وَقَدْ روي فِي حقها غَيْر هَذَا عَلَى مَا سيأتي.
فلما ولي يُوسُف أمر النَّاس بالزرع فزرعوا، فأمر بترك الزرع فِي سنبله، ودخلت السنون المجدبة، وقحط النَّاس وأجدبت بلاد فلسطين، وباع يُوسُف الطعام بالدنانير والدراهم والحلي والجلل، ثُمَّ باعهم فِي السنة الأخرى بالعبيد والإماء، ثُمَّ باعهم بَعْد ذَلِكَ بالْخَيْل والدواب، ثُمَّ بالمواشي والبقر والطير، ثُمَّ بالقرى والضياع والمنازل، ثُمَّ باعهم بأنفسهم، فلم يبق بمصر رجل ولا امرأة ولا صَغِير ولا كبير إلا صار فِي ملك يُوسُف.
أَخْبَرَنَا أَبُو المعمر الأَنْصَارِي، أَخْبَرَنَا صاعد بْن سيار، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن أَبِي سهل الغورجي، أَخْبَرَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ الْحَافِظ إجازة، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حمزة، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن المنذر، قَالَ: حَدَّثَنِي مطروح بْن شاكر، حَدَّثَنَا عَلِي بْن معبد العبدي، حَدَّثَنَا عُمَر بْن عَبْد اللَّهِ القُرَشِيّ، قَالَ: [3] جاء سيل [بمصر] [4] فحسر عَنْ بَيْت من ذهب فِي أصل جبل عَلَيْهِ مصراعان وفيه امرأة عَلَيْهَا سبعة عقود وسبعة أسورة وإلى جانبها صخرة مكتوب فِيهَا: أنا شادة بنت فُلان الْمَلِك، أصابتنا مجاعة عَلَى عهد يُوسُف، فبذلت صاعا من درهم بصاع من طعام، فلم أقدر عَلَيْهِ، ثُمَّ بذلت صاعا من دنانير بصاع من طعام فلم أقدر عَلَيْهِ، ثُمَّ بذلت صاعا من لؤلؤ بصاع من طعام فلم أقدر عَلَيْهِ، فعمدت إِلَى اللؤلؤ فسحقته ثُمَّ شربته فزادني جوعا، فمت جوعا، فأيما امرأة طلبت الدُّنْيَا بَعْد فأماتها الله موتي فإنّي إنما مت جوعا.
__________
[1] في المرآة 1/ 360: «افرائيم» .
[2] في الطبري 1/ 347: «منشا» .
[3] الخبر أورده في مرآة الزمان 1/ 361.
[4] ما بين المعقوفتين: من المرآة.(1/314)
وَقَدْ روي أَن زليخا صارت فِي ملك يُوسُف لأنها اشترت منه بجميع ملكها، ثُمَّ بنفسها فأخرجها يُوسُف من مدينته فابتنت لنفسها مسكنا عَلَى قارعة طريق يُوسُف، فغيرتها السنون ونسيها يُوسُف واشتغل بملكه عَلَيْهِ السَّلام، وكبرت وعميت وانحنى صلبها. وَكَانَ يُوسُف يركب فِي كل شهر ركبة في ثمانمائة ألف، وَفِي ألف لواء وألفي سَيْف يدور فِي عمله وينتصب لأهل مملكته، وينصف للمظلوم من الظَّالِم. وكانت زليخا تلبس جبة صوف وتشد حقويها بحبل من ليف وتقف عَلَى قارعة الطريق فَإِذَا حاذاها يُوسُف نادته فلا يسمع نداءها، ففعلت ذَلِكَ مرارا، فركب يوما فنادته: أيها الْعَزِيز سبحان من جعل العبيد بالطاعة ملوكا. وجعل الملوك بالمعصية عبيدا، فسمعها فبكى والتفت إِلَى فتاه، فَقَالَ: انطلق بهذا العجوز معك إِلَى دار الْمَلِك، واقض لَهَا كُل حاجة، فَقَالَ لَهَا الغلام: مَا حاجتك يا عجوز؟ فَقَالَتْ لَهُ: إِن حاجتي محرمة أن يقضيها غَيْر يُوسُف، فأقبل يُوسُف من موكبه فدعا بها، وَقَالَ: من أَنْتَ يا عجوز؟ قَالَتْ: أنا معتقتك ومذللتك، أنا زليخا، فبكى وَقَالَ: مَا فعل حسبك وجمالك، قَالَتْ: ذهب بِهِ الَّذِي ذهب بذلتك ومسكنتك وأعطاك هَذَا الْمَلِك، فَقَالَ: يا زليخا إِن لَكَ عندي قضاء ثلاث حوائج فسلي، فو حقّ شيبة إِبْرَاهِيم لأقضينها، فَقَالَتْ: حاجتي الأولى أَن تدعو اللَّه أَن يرد عَلِي بصري وشبابي، فدعا اللَّه لَهَا فرد بصرها وشبابها، فلما نظر إِلَى حسنها وجمالها لَمْ يتمالك أَن ضحك، ثُمّ قَالَتْ: ادع اللَّه أَن يرد عَلِي حسني كَمَا كَانَ، فدعا اللَّه فرد حسنها وجمالها وزادها كرامة ليوسف، فصارت كأنها بنت ثماني عشرة سَنَة، وَكَانَ لَهَا يَوْمَئِذٍ مائة وعشرون سَنَة، فَقَالَتْ: حاجتي الثالثة ... قَالَ مَا هِيَ؟ قَالَتْ:
ليست حاجتي إليك، قَالَ: فَمَا حاجتك؟ قَالَتْ: أَن تتزوج بي، فأوحى اللَّه إِلَيْهِ أَن تزوج بها وزينها بكل زينة، ثُمَّ دَخَلَ بها فأصابها بكرا، وأولدها اثني عشر ولدا.
ذكر هذه القصة أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي من حَدِيث وهب بْن منبه، وغيره.
قَالَ الْعُلَمَاء: وبلغ الجدب أرض كنعان وهلكت ماشية يعقوب ودوابه وجاع هو وأولاده، فقال لهم: انطلقوا فاشتروا لنا من عزيز مصر طعاما. وكان يوسف قد أقعد صاحب جوازه عَلَى الطريق، وأمره أَن لا يترك أحدا من أَهْل الشام يدخل مصر إلا سأله عَنْ حاله وقصته، فلما قدم ولد يعقوب سألهم من أين هم؟ فقالوا: نحن كنعانيون من بني يعقوب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلاَم، وكتب إِلَى يُوسُف بِذَلِكَ، وأنهم يريدُونَ اشتراء طعام، فورد(1/315)
الكتاب عَلَى يُوسُف فبكى بكاء شديدا، ثُمَّ قَالَ: عز عَلِي يا نبي اللَّه بِمَا قاسيت من فقراء الشَّام وجوعها وأنا ملك مصر، ثُمَّ أدخلهم عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ 12: 58 [1] فجعته العبرة ثُمَّ قَالَ: من أين أنتم؟ قَالُوا: من وادي كنعان، قَالَ: ومن أنتم؟ قَالُوا: بنو يعقوب النَّبِي ابْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ الخليل، فَقَالَ: حياكم اللَّه يا ولد يعقوب، ألكم حاجة؟
قَالُوا: نعم أصابتنا خصاصة، فوجهنا يعقوب إليك نمتار منك طعاما، فأمر بصرارهم فأخذت، ثُمَّ دعا فتاه من حيث لا يشعرون، فأمره أَن يجعل كُل صرة فِي حمل من الأحمال الَّتِي يكيل فِيهَا الطعام لَهُمْ، وَكَانَ هُوَ يتولى الكيل بنفسه ويخيط الحمل بنفسه، فلما أرادوا الرحيل، قَالَ: كَيْفَ رأيتم سيرتي وحسن ضيفي؟ قَالُوا: جزاك اللَّه خيرا، فَقَالَ: إِن لي إليكم حاجة، قَالُوا: وَمَا حاجتك؟ قَالَ: تخبروني كم ولد يعقوب؟ قَالُوا:
اثنا عشر، قَالَ: فَمَا أرى إلا عشرة، قَالُوا: أما أحدهما وَكَانَ يقال لَهُ يُوسُف وَكَانَ أجملنا فأكله الذئب، قَالَ: فالآخر، قَالُوا: موكل بخدمة يَعْقُوب يتسلى بِهِ، قَالَ: فآتوني بأخيكم هَذَا، فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي، وَلا تَقْرَبُونِ 12: 60 [2] .
فرجعوا إِلَى يعقوب فقصوا عَلَيْهِ قصتهم، فبكى يعقوب، وَقَالَ: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ من قَبْلُ 12: 64 [3] ثُمَّ فتحوا متاعهم فوجدوا الصرار، فَقَالُوا: يَا أَبانا مَا نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا 12: 65 [4] . ثُمَّ مَا زالوا بيعقوب حَتَّى بعث معهما ابْن يامين، ثُمَّ أَنَّهُ كره أَن تصيبهم العين، فَقَالَ: لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا من أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ 12: 67 [5] .
فلما وصلوا إِلَيْهِ فرأى يُوسُف ابْن يامين خنقته العبرة، فلما جلسوا نصب لَهُمْ موائد ستة، وأمر كُل واحد مِنْهُم أَن يأخذ بيد أخيه من أمه وأبيه فيجلسان عَلَى مائدة، وأخذ كُل واحد بيد أخيه، فبقيت مائدة خالية وابن يامين قائم وحده، فَقَالَ يُوسُف: يا غلام مَا لَكَ لا تقعد مَعَ إخوتك؟ قَالَ: لَيْسَ لي قرين، ولقد كَانَ لي أخ فأكله الذئب، فَقَالَ: أتحب يا غلام
__________
[1] سورة: يوسف، الآية: 58.
[2] سورة: يوسف، الآية: 60.
[3] سورة: يوسف، الآية: 64.
[4] سورة: يوسف، الآية: 65.
[5] سورة: يوسف، الآية: 67.(1/316)
أَن أجلس أنا معك؟ قَالَ: نعم، فجلس مَعَهُ فجعل ابْن يامين يبكي، قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ:
أري فِي وجهك علامات طال مَا كنت أراها فِي وجه أَخِي يُوسُف.
فلما كَانَ لَهُمْ أمر فتاه أَن يجعل الصواع فِي رحل ابْن يامين/ فلما خرجوا نادى مناد: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ 12: 70 [1] .
فجرى لَهُمْ مَا قص فِي الْقُرْآن إِلَى أَن ظهر الصواع فِي رحل ابْن يامين، فأقبلوا يلطمون وجه ابْن يامين، وَهُوَ يَقُول: وحق شيبة إِبْرَاهِيم مَا سرقت ولا علمت كَمَا لَمْ تعلموا أنتم بصراركم قبل ذَلِكَ، فلما رجعوا إِلَى أبيهم، تخلف روبيل، وَقَالَ: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي 12: 80 [2] .
فلما أخبروا يعقوب، قَالَ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً 12: 83 [3] ، ثُمَّ أعرض عَنْهُم، وَقال يَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ 12: 84 [4] ، فَقَالُوا لَهُ: لا تزال تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً 12: 85 [5] . فقال: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله 12: 86 لا إليكم وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ 12: 86 [6] من صدق رؤيا يُوسُف.
وقيل: إِن يعقوب سأل ملك الْمَوْت: هل قبضت روح يُوسُف؟ قَالَ: لا، فَقَالَ لأَصْحَابه: اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ 12: 87 [7] .
فرجعوا إِلَى مصر، فدخلوا عَلَى يُوسُف فَقَالُوا: مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ 12: 88 [8] وكانت سمنا وصوفا، فسألوا التجاوز عَنْهُم، وَقَالُوا له: وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا 12: 88 [9] أي: بفضل مَا بَيْنَ الرديء والجيد، وقيل: ترد أخانا. فبكى وَقَالَ: هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ 12: 89
__________
[1] سورة: يوسف، الآية: 70.
[2] سورة: يوسف، الآية: 80.
[3] سورة: يوسف، الآية: 83.
[4] سورة: يوسف، الآية: 84.
[5] سورة: يوسف، الآية: 85.
[6] سورة: يوسف، الآية: 86.
[7] سورة: يوسف، الآية: 87.
[8] سورة: يوسف، الآية: 88.
[9] سورة: يوسف، الآية: 88.(1/317)
بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ 12: 89 [1] فقالوا: إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي 12: 90 [2] فقالوا:
لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنا 12: 91 [3] فَقَالَ: مَا فعل أَبِي؟ قَالُوا: عمي من الحزن، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا [فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ] 12: 93 [4] .
فلما فصلوا بالقميص قَالَ يعقوب: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ 12: 94 [5] فكان بينهما مسيرة ثمانية أَيَّام.
قَالَ الْعُلَمَاء: واستأذنت الريح ربها أن تأتي ربيح القميص يعقوب قبل البشر، فأذن لَهَا.
فلما وصل وَهُوَ يهوذا، وَكَانَ قَدْ قَالَ: أنا ذهبت بالقميص ملطخا بالدم فأخبرته أَنَّهُ أكله الذئب وأنا أذهب اليوم بالقميص فأخبره أَنَّهُ حي فأفرحه كَمَا أحزنته، فألقاه عَلَى وجه يَعْقُوب فارتد بصيرا، فَقَالَ أولاده: يَا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا 12: 97 [6] . قال سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ 12: 98 [7] . فأخر ذَلِكَ إِلَى ليلة الجمعة وقت السحر.
ثُمَّ دَخَلَ يعقوب وأولاده وأهله إِلَى مصر، فلما بلغوا خرج يُوسُف يتلقاه فِي ألوف كثيرة، فنظر يعقوب إِلَى الْخَيْل، فَقَالَ لابنه يهوذا وَهُوَ يتوكأ عَلَيْهِ: هَذَا فرعون [مصر] [8] ، فقال: لا هذا ابنك يُوسُف. فلما التقيا قَالَ يعقوب: السَّلام عليك يا مذهب الأحزان، فلما دخلوا مصر رفع أبويه عَلَى العرش، وَهُوَ السرير.
والمراد بأبويه: أبوه وأمه، وقيل: بَل خالته وكانت أمه قَدْ ماتت. وخروا لَهُ- الوالدان والأخوة- سجدا. وكانت تحية الناس قديما.
__________
[1] سورة: يوسف، الآية: 89.
[2] سورة: يوسف، الآية: 90.
[3] سورة: يوسف، الآية: 91.
[4] سورة: يوسف، الآية: 93.
[5] سورة: يوسف، الآية: 94.
[6] سورة: يوسف، الآية: 97.
[7] سورة: يوسف، الآية: 98.
[8] ما بين المعقوفتين: من الهامش.(1/318)
فقال يوسف: يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ 12: 100 [1] الَّتِي رأيتها، وَكَانَ بَيْنَ الرؤيا وتأويلها أربعون سَنَة. قاله سلمان وَقَالَ الْحَسَن: ثمانون. قَالَ الْحَسَن: ألقي يُوسُف فِي الجب وَهُوَ ابْن سبع عشرة سَنَة، وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ وبين لقاء يعقوب ثمانين سَنَة، وعاش بَعْد ذَلِكَ ثلاثا وعشرين سَنَة، ومات وَهُوَ ابْن عشرين ومائة سَنَة.
وَقَدْ زعم بَعْض أَهْل الكتاب أَن يُوسُف دَخَلَ مصر وَلَهُ سبع عشرة سَنَة، وأقام فِي منزل الْعَزِيز ثَلاث عشر سَنَة، فلما تمت لَهُ ثلاثون سَنَة استوزره فرعون ملك مصر واسمه الريان بْن الْوَلِيد، وأن هَذَا الْمَلِك آمن بِهِ ثُمَّ مَات.
وَقَالَ بَعْض علماء السير: أقام يعقوب عِنْدَ يُوسُف [بمصر] [2] أربعا وعشرين سَنَة، وقيل: سبع عشرة، ومات وَهُوَ ابْن مائة وسبع وأربعين سَنَة، وعاش يُوسُف بَعْد يعقوب ثلاثا وعشرين سَنَة، وأوصى إِلَى يُوسُف أَن يدفنه عِنْدَ أَبِيهِ إِسْحَاق، فحمله إِلَى هناك، وأوصى يُوسُف إِلَى أخيه يهوذا [أَن يدفن إِلَى جنب آبائه] [3] . ومات.
__________
[1] سورة: يوسف، الآية: 100.
[2] ما بين المعقوفتين: من الهامش.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.(1/319)
بَاب ذكر أيوب عَلَيْهِ الصلاة والسلام [1]
وَهُوَ أيوب بْن أموص بْن رازح بْن عيص بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ. نسبه ابْن إِسْحَاق.
وَقَالَ هِشَام بْن مُحَمَّد، عَنْ أَبِيهِ: أيوب بْن رازح بْن أموص بْن العيرز بْن العيص [2] .
قَالَ وهب بْن منبه: كَانَ أيوب فِي زمن يعقوب عَلَيْهِ السَّلام، وكانت تحته بنت يعقوب، وَكَانَ أبُوهُ مِمَّن آمن لإبراهيم يَوْم إحراقه. وأم أيوب بنت لوط النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِما فلوط جد أيوب لأمه.
وبعضهم يجعل أيوب بَعْد سُلَيْمَان، وبعضهم يَقُول: هُوَ بَعْد يُونُس. والذي يقتضيه الصواب تقديمه عَلَى مَا قَدِ اخترنا.
ونبينا أيوب فِي زمن يعقوب، وَكَانَ ينزل بالبثنية [3] من أرض الشام، وَكَانَ غنيا كثير الضيافة والصدقة، وَكَانَ إبليس يومئذ لا يحجب من السماوات فسمع تجاوب الْمَلائِكَة بالصلاة عَلَى أيوب، فأدركه الحسد، فَقَالَ: يا رب لو صدمت أيوب بالبلاء لكفرك، فَقَالَ: اذهب فَقَدْ سلطتك عَلَى ماله، ثُمَّ سلطه عَلَى أولاده، ثُمَّ عَلَى جسده،
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 322، وتهذيب تاريخ ابن عساكر 3/ 193، وعرائس المجالس 153، والكسائي 179، وزاد المسير 5/ 375- 380، والبداية والنهاية 1/ 220، ونهاية الأرب 13/ 157، والزهد لأحمد 41، 89، وسفر أيوب في العهد القديم 613- 644، ومرآة الزمان 1/ 376.
[2] تاريخ الطبري 1/ 322.
[3] البثنية، ويقال البثنة، ذكرها ياقوت، وقال: «اسم ناحية من نواحي دمشق، وقال: وقيل هي قرية بين دمشق وأذرعات. وكان أيوب النبي عليه السلام منها» .(1/320)
وصبرت مَعَهُ زوجته [رحمة] [1] بنت إفراييم بْن يُوسُف بْن يعقوب.
قَالَ مجاهد: أول من أصابه الجدري أيوب.
وَقَالَ وهب: كَانَ يخرج عَلَيْهِ مثل ثدايا النِّسَاء ثُمَّ يتفقأ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَّاجُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
عَرَجَ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ سَلِّطْنِي عَلَى أَيُّوبَ، قَالَ: سَلَّطْتُكَ عَلَى مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَلَمْ أُسَلِّطْكَ عَلَى جَسَدِهِ، قَالَ: فَنَزَلَ فَجَمَعَ جُنُودَهُ، فَقَالَ: إِنِّي سُلِّطْتُ عَلَى أَيُّوبَ فَأَرُونِي سُلْطَانَكُمْ، قَالَ: فَصَارُوا نِيرَانًا ثُمَّ صاروا ماء.
قال: وبيناهم بِالْمَغْرِبِ إِذَا هُمْ بِالْمَشْرِقِ، فَأَرْسَلَ طَائِفَةً إِلَى زَرْعِهِ وَطَائِفَةً إِلَى إِبِلِهِ وَطَائِفَةً إِلَى غَنَمِهِ، وَقَالُوا: اعْلَمُوا أَنَّهُ لا يَعْتَصِمُ مِنْكُمْ إِلا بِمَعْرِفَةٍ، فَأْتُوهُ بِالْمَصَائِبِ بَعْضِهَا عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ.
قَالَ: فَجَاءَ صَاحِبُ الزَّرْعِ، فَقَالَ: يَا أَيُّوبُ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ أَرْسَلَ عَلَى زَرْعِكَ نَارًا فَأَحْرَقَهُ. وَجَاءَ رَاعِي الإِبِلِ، فَقَالَ: يَا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل إلى إِبِلِكَ عَدُوًّا فَذَهَبَ بِهَا. وَجَاءَ صَاحِبُ الْبَقَرِ، فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أَرْسَلَ إِلَى بَقَرِكَ عَدُوًّا فَذَهَبَ بِهَا. ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُ الْغَنَمِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَقَالَ: وَجَاءَ لِبَنِيهِ فَجَمَعَهُمْ فِي بَيْتِ أَكْبَرِهِمْ، فَبَيْنَا هُمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ فَجَمَعَ أَرْكَانَ الْبَيْتِ فَهَدَمَ عَلَيْهِمُ الْبَيْتَ. قَالَ: فَجَاءَ إِلَى أَيُّوبَ فِي هَيْئَةِ الْغُلامِ وَفِي أُذُنَيْهِ قُرْطَانِ، فَقَالَ: يَا أَيُّوبُ أَلَمْ تَرَ إِلَى بَنِيكَ اجْتَمَعُوا فِي بَيْتِ أَكْبَرِهِمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَتْ رِيحٌ فَأَخَذَتْ بِأَرْكَانِ الْبَيْتِ فَأَلْقَتْهُ عَلَيْهِمْ، فَلَوْ رَأَيْتَهُمْ حِينَ اخْتَلَطَتْ دِمَاؤُهُمْ وَلُحُومُهُمْ وَطَعَامُهُمْ وَشَرَابُهُمْ، فَقَالَ لَهُ أَيُّوبُ: أَيْنَ كُنْتَ أَنْتَ؟ قَالَ: كُنْتُ مَعَهُمْ، قَالَ: فَكَيْفَ أَفْلَتَّ، قَالَ: أَفْلَتُّ، قَالَ: أَنْتَ الشَّيْطَانُ، قَالَ: أَنَا الآن مثلي يوم خرجت
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من الهامش.(1/321)
مِنْ بَطْنِ أُمِّي، فَقَامَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَأَرَنَّ الشَّيْطَانُ رَنَّةً سَمِعَهَا أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَأَهْلُ الأَرْضِ، ثُمَّ عَرَجَ فَقَالَ: أَيْ رَبُّ قَدِ اعْتَصَمَ وَإِنِّي لا أَسْتَطِيعُهُ إِلا بِتَسْلِيطِكَ فَسَلِّطْنِي عَلَيْهِ، قَالَ: قَدْ سَلَّطْتُكَ عَلَى جَسَدِهِ وَلَمْ أُسَلِّطْكَ عَلَى قَلْبِهِ. قَالَ: فَنَفَخَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ نَفْخَةً فَصَرَخَ مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ حَتَّى بَدَا حِجَابُ بَطْنِهِ، وَأُلْقِيَ عَلَيْهِ الرُّقَادُ.
قَالَ: فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ: يَا أَيُّوبُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِي مِنَ الْجُهْدِ وَالْفَاقَةِ، فَابْعَثْ قَرْنًا مِنْ قُرُونِي بِرَغِيفٍ فَأُطْعِمَكَ، فَادْعُ رَبَّكَ فَلْيَشْفِيَكَ، قَالَ: وَيْحَكِ كُنَّا فِي النَّعْمَاءِ سَبْعِينَ عَامًا، فَاصْبِرِي حَتَّى نَكُونَ فِي الضَّرَّاءِ سَبْعِينَ عَامًا.
قَالَ: فَكَانَ فِي ذَلِكَ الْبَلاءِ سَبْعِينَ، قَالَ: فَقَعَدَ الشَّيْطَانُ فِي الطَّرِيقِ، فَأَخَذَ تَابُوتًا يَتَطَيَّبُ فَأَتَتْهُ امْرَأَةُ أَيُّوبَ، فَقَالَتْ: يا عبد الله إن ها هنا إِنْسَانًا مُبْتَلًى فَهَلْ لَكَ أَنْ تُدَاوِيَهُ؟
قَالَ: إِنْ شَاءَ فَعَلْتُ عَلَى أَنْ يَقُولَ لِي كَلِمَةً وَاحِدَةً إِذَا بَرَأَ، يَقُولُ: أَنْتَ شَفَيْتَنِي، قال:
فأتته فقالت: يا أيوب إن ها هنا رَجُلا يَزْعُمُ أَنَّهُ يُدَاوِيكَ عَلَى أَنْ تَقُولَ لَهُ كَلِمَةً وَاحِدَةً:
أَنْتَ شَفَيْتَنِي، قَالَ: وَيْلَكِ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ، للَّه عَلَيَّ إِنْ شَفَانِي اللَّهُ أَنْ أَجْلِدَكِ مِائَةَ جَلْدَةٍ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إذ جاءه/ جبرئيل فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ: قُمْ، فَقَامَ، فَقَالَ: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ فَرَكَضَ فَنَبَعَتْ عَيْنٌ، فَقَالَ: اشْرَبْ فَشَرِبَ.
قَالَ: ثُمَّ أَلْبَسَهُ حُلَّةً مِنَ الْجَنَّةِ وَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَيْنَ الْمُبْتَلَى الَّذِي كَانَ هَاهُنَا لَعَلَّ الذِّئَابَ ذَهَبَتْ بِهِ أَوِ الْكِلابُ، قَالَ: فَقَالَ: وَيْحَكِ لأَنَا أَيُّوبُ قَدْ رَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ نَفْسِي، قَالَ: فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لا تَسْخَرْ بِي، قَالَ: وَيْحَكِ أَنَا أَيُّوبُ، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ مَالَهُ وَوَلَدَهُ بِأَعْيَانِهِمْ وِمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ، وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ جَرَادًا مِنْ ذَهَبٍ.
قَالَ: فَجَعَلَ يَأْخُذُ الْجَرَادَ بِيَدِهِ ثُمَّ يَجْعَلُهُ فِي ثَوْبِهِ ... [1] فَيَأْخُذُ فَيَجْعَلُ فِيهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا أَيُّوبُ أَمَا شَبِعْتَ، قَالَ أَيُّوبُ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْبَعُ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ.
قَالَ: فَأَخَذَ ضِغْثًا بِيَدِهِ فَجَلَدَهَا بِهِ. قَالَ وَكَانَ الضِّغْثُ مِائَةَ [شِمْرَاخٍ] [2] ، فَجَلَدَهَا به جلدة واحدة.
__________
[1] مكان النقط كلمة مطموسة في الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: من الهامش.(1/322)
وبالإسناد حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَزِيد، أَخْبَرَنَا جَرِير بْن حازم، قَالَ:
سمعت عَبْد اللَّه بْن عَبْد بْن عمير يَقُول: كَانَ لأيوب أخوان فأتياه ذَات يَوْم فوجدا لَهُ ريحا، فقالا: لو كَانَ اللَّه علم من أيوب خيرا مَا بلغ بِهِ كُل هَذَا، قَالَ: فَمَا سمع شَيْئًا كَانَ أشد عَلَيْهِ من ذَلِكَ، فَقَالَ: اللَّهمّ إِن كنت تعلم أني لَمْ أبت ليلة شبعانا وأنا أعلم مكان جائع فصدقني. قَالَ: فصدق وهما يسمعان، ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ إِن كنت تعلم أني لَمْ ألبس قميصا قط وأنا أعلم مكان عار فصدقني. قَالَ: فصدق وهما يسمعان، ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ خر ساجدا ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ لا أرفع رأسي حَتَّى تكشف مَا بي، فكشف اللَّه مَا بِهِ. وَقَالَ يَزِيد مرة أُخْرَى: لو كَانَ لأيوب عِنْدَ اللَّه خير مَا بلغ بِهِ كُل هَذَا.
وَقَالَ وهب بْن منبه: كانت زوجته تختلف إِلَيْهِ بِمَا يصلحه، وَكَانَ قَدِ اتبعه ثلاثة نفر عَلَى دينه، فلما رأوا مَا نزل بِهِ من البلاء بعدوا عَنْهُ.
قَالَ الْحَسَن: مكث أيوب مطروحا عَلَى كناسة سبع سنين وأشهرا مَا يسأل اللَّه أَن يكشف مَا بِهِ وَمَا عَلَى وجه الأَرْض أكرم عَلَى اللَّه من أيوب.
وَرَوَى ابْن جريج عَنْ عَطَاء، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَن أيوب عَلَيْهِ السَّلام مكث فِي البلاء سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أَيَّام وسبع ساعات لَمْ يتضعضع وَلَمْ يسأل العافية، وَكَانَ يَقُول: يا رب إِن كَانَ هَذَا لَكَ رضى فشدد، وإن كَانَ من سخط فاغفر.
قرأت عَلَى ابْن ناصر، عَنْ سُلَيْمَان بْن إِبْرَاهِيمَ [الأصبهاني] [1] ، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الرقي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر بْن حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الخليل القومسي، حَدَّثَنَا هَارُون بْن معروف، حَدَّثَنَا ضمرة بْن ربيعة، عَنْ بشير بْن طَلْحَة، عَنْ خَالِد بْن الدريك قَالَ: لما ابتلي أيوب قَالَ لنفسه: قَدْ نعمت سبعين سَنَة فاصبري عَلَى البلاء سبعين سَنَة.
قال علماء السير: كان عمر أيوب ثلاثا وسبعين سَنَة. وَقَالَ قوم: ثلاثا وتسعين سَنَة. وقيل: بل عاش مائة وستا وأربعين، وأوصى عِنْدَ موته إِلَى ابنه حومل.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: مطموسة في الأصل.(1/323)
بَاب ذكر شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلام [1]
وَهُوَ شُعَيْب بْن عيفا بْن نويب بْن مدين بْن إِبْرَاهِيمَ. هكذا يَقُول الأكثرون. وقرأته بخط أَبِي الحسين بْن المنادي عَلَى خلاف هَذَا النسب وَهَذَا الاسم، قال: هو شعيب ابن نوبب- بباءين مَعَ سكون الواو- بْن رعيل بْن عيفا بْن مدين بْن إِبْرَاهِيمَ.
وبعضهم يَقُول: لَيْسَ من ولد إِبْرَاهِيم، إِنَّمَا هُوَ من ولد بَعْض من آمن بِهِ، ولكنه ابْن بنت لوط.
أرسل إِلَى أمتين: أَهْل مدين، وأَصْحَاب الأيكة. وكانت مدين دار شُعَيْب والأيكة خلف مدين.
وَكَانَ اسمه القديم يبرون [2] ، هذا نقلته من خط ابن المنادي. وَقَالَ قوم: يثرون بياء وبعدها ثاء.
وَقَالَ الشرقي بْن القطامي- وَكَانَ عالما بالأنساب-: هُوَ يثرون بالعبرانية، وشعيب بالعربية.
قَالَ الْعُلَمَاء: بعثه اللَّه تَعَالَى إِلَى مدين، وَهُوَ ابْن عشرين سَنَة، وكانوا أَهْل بخس فِي المكاييل والموازين، فدعاهم إِلَى التوحيد ونهاهم عَنِ التطفيف، فكان يقال لَهُ:
خطيب الأنبياء، لحسن مراجعته لقومه، فلما طال تماديهم بعث اللَّه عَلَيْهِم حرا شديدا
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 325، وتفسير الطبري 12/ 554، 561- 572، 15/ 443- 465، وزاد المسير 3/ 228- 233، 4/ 148- 154، 6/ 141- 145، والكسائي 190، وعرائس المجالس 164، ونهاية الأرب 13/ 167، والبداية والنهاية 1/ 183، وتهذيب ابن عساكر 6/ 319، وتفسير ابن كثير 1/ 162- 178، 3/ 203- 228، 4/ 410- 417، 4/ 497- 536، 5/ 177- 187، 263- 297.
[2] في تاريخ الطبري: «يزون» وفي نسخة أخرى «بيروز» ، وفي أخرى: «يترون» .(1/324)
فأخذ بأنفاسهم، فدخلوا أجواف البيوت، فدخل عَلَيْهِم فخرجوا إِلَى البرية، فبعث اللَّه عَلَيْهِم سحابة فأظلتهم من الشمس، فوجدوا بردا ولذة، فنادى بعضهم بعضا حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل اللَّه عَلَيْهِم نارا فأحرقتهم، فذلك عذاب يَوْم الظلة.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي [1] : وَكَانَ أَبُو جاد، وهواز، وحطي، وكلمون، وسعفص، وقريشات بني الأمحض بْن جندل بْن يعصب بْن مدين بْن إِبْرَاهِيمَ ملوكا.
وَكَانَ أَبُو جاد ملك مَكَّة وَمَا والاها من تهامة، وَكَانَ هواز وحطي ملكي وج، وَهُوَ الطائف. وكان سعفص وقريشات ملكي مدين، ثم خلفهم كلمون، وكان عذاب يوم الظلة في ملكه، فقالت حالفة بنت كلمون- وفي رواية: أخت كلمون- ترثيه [2] :
كلمون هد ركني ... هلكه وسط المحلة
سيد القوم أتاه ... الحتف نارا وسط ظله
كويت نارا فأضحت ... دارهم كالمضمحلة
ثم إن شعيبا مكث في أصحاب الأيكة باقي عمره يدعوهم إلى الله سبحانه ويأمرهم بطاعته وتوحيده والإيمان بكتابه ورسله، فما زادهم دعاؤه إلا طغيانا، ثم سلط عليهم الحر. فجائز أَن تكون الأمتان اتفقتا فِي التعذيب.
وَقَدْ قَالَ قَتَادَة: أما أَهْل مدين فأخذتهم الصيحة، وَأَمَّا أَصْحَاب الأيكة، فسلط عليهم الحرّ سبعة أَيَّام، ثُمَّ بعث اللَّه عَلَيْهِم نارا فأكلتهم، فذلك عذاب يَوْم الظلة.
فأما قَوْله تَعَالَى: وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً 11: 91 [3] . فَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر: كَانَ أعمى [4] . وَهَذَا إن ثبت فَقَدْ كَانَ فِي آخر عمره.
قَالَ أَبُو روق: لَمْ يبعث اللَّه نبيا أعمى ولا بِهِ زمانة.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي: وَهَذَا القول أليط بالقلوب من قول سعيد بن جبير.
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 387.
[2] الأبيات في عرائس المجالس 166، ومرآة الزمان 1/ 387.
[3] سورة: هود، الآية: 91.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 325.(1/325)
قَالَ أَبُو المنذر: ثُمَّ إِن شعيبا زوج موسى ابنته، ثُمَّ خرج إِلَى مَكَّة فتوفي بها، وأوصى إِلَى موسى، وَكَانَ عمره كُلهُ مائة وأربعين سَنَة، ودفن فِي الْمَسْجِد الحرام حيال الحجر الأسود.
ومن الحوادث الَّتِي كانت فِي زمن شُعَيْب ملك منوشهر [1]
ورأيته بخط أَبِي الْحُسَيْن بْن المنادي «ميوشهر» قَدْ ضبط بالياء، وهو من ولد إيرج ابن أفريدُونَ، ولما كبر صار إِلَى جده أفريدُونَ فتوجه. وبعث موسى عَلَيْهِ السَّلام وَقَدْ مضى من ملك منوشهر ستون سَنَة، فعاش فِي الْمَلِك ستين [سَنَة] [2] أُخْرَى، ثُمَّ وثب بِهِ عدو [3] فنفاه عن بلده اثني عشر سَنَة، ثُمَّ أديل منه منوشهر فنفاه وعاد إِلَى ملكه، فملكه بَعْد ذَلِكَ ثمانيا وعشرين سَنَة.
وَكَانَ منوشهر يوصف بالعدل والإحسان، وَهُوَ أول من خندق الخنادق وجمع آلة الحرب وزاد في مهنة المقاتلة الرمي، وأول من وضع الدهقنة فجعل لكل قرية دهقانا، وجعل أهلها لَهُ خولا وعبيدا.
وسار إِلَى بلاد الترك مطالبا بدم جده إيرج، فقتل طوخ بْن أفريدُونَ فانصرف.
واصطلح هُوَ وقريشات عَلَى أَن يجعلا حد مَا بَيْنَ مملكتيهما منتهى رمية سهم رجل من أَصْحَاب منوشهر، فحيث مَا وقع سهمه من موضع رميته تلك مِمَّا يلي الترك فهو الحدّ بينهما. فرمى ذلك فبلغت رميته نهر بلخ، فصار حد مَا بَيْنَ الترك وولد طوخ وولد إيرج.
واشتق منوشهر من الصراة ودجلة ونهر بلخ أنهارا عظاما، وقيل: إنه هُوَ الَّذِي كرى الفرات الأكبر، وأمر النَّاس بحراثة الأَرْض وعمارتها.
قَالُوا: ولما مضى من ملك منوشهر خمس وثلاثون سَنَة تناولت الترك من أطراف
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 377، وغرر السير 65، ومرآة الزمان 1/ 389، والكامل 1/ 126.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في تاريخ الطبري 1/ 379: «هو ابن لابن طوج التركي» .(1/326)
رعيته فقام خطيبا فوبخ رعيته- ويقال: هِيَ أول خطبة سمعت من خطيب- وَقَالَ [1] :
إِنَّمَا النَّاس ناس مَا دفعوا العدو عَنْهُم، وَقَدْ نالت الترك من أطرفكم، وليس ذَلِكَ إلا من ترككم جهاد عدوكم، وقلة المبالاة، وإن اللَّه أعطانا هَذَا الْمَلِك ليبلونا أنشكر فيزيدنا أم نكفر فيعاقبنا، فَإِذَا كَانَ غدا فاحضروا.
وأرسل إِلَى أشراف الأساورة فدعاهم وأدخل الرؤساء، ودعى موبذ موبذان، فأقعد عَلَى كرسي مِمَّا يلي سريره، ثُمَّ قام عَلَى سريره، فقام أشراف أَهْل مملكته، فَقَالَ:
اجلسوا فإني إِنَّمَا قمت لأسمعكم كلامي، فجلسوا، فَقَالَ: أيها النَّاس، إِنَّمَا الخلق للخالق، والشكر للمنعم، والتسليم للقادر، ولا بد مِمَّا هُوَ كائن، وَإِنَّهُ لا أضعف من مخلوق طالبا كَانَ أَوْ مطلوبا، ولا أقوى من خالق، ولا أقدر مِمَّن طلبته فِي يده، ولا أعجز مِمَّن هُوَ فِي يد طالبه، وإن التفكر نور، والغفلة ظلمة، والجهالة ضلالة، وَقَدْ ورد الأَوَّل ولا بد للآخر من اللحوق بالأول، وَقَدْ مضت قبلنا أصول نحن فروعها، فَمَا بقاء فرع بَعْد ذهاب أصله! وإن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أعطانا هَذَا الْمَلِك فله الحمد، ونسأله إلهام الرشد والصدق واليقين، وإن للملك عَلَى أَهْل مملكته [حقا، ولأهل مملكته عَلَيْهِ حقا، فحق الْمَلِك على أهل المملكة] [2] أن يطيعوه ويناصحوه ويقاتلوا عدوه، وحقهم عَلَى الْمَلِك أَن يعطيهم أرزاقهم في أوقاتها، إذ لا معتمد لهم على غيرها و [أنها تجارتهم، وحق الرعية عَلَى الْمَلِك] [3] أَن ينظر لَهُمْ، ويرفق بهم، ولا يحملهم مَا لا يطيقون، وإن أصابتهم مصيبة تنقص من ثمارهم من آفة من السماء أَوِ الأَرْض أَن يسقط عَنْهُم خراج مَا نقص، وإن اجتاحتهم مصيبة أَن يعوضهم مَا يقويهم عَلَى عمارتها، ثم يأخذ مِنْهُم بَعْد ذَلِكَ عَلَى قدر مَا لا يجحف بهم، والجند للملك بمنزلة جناحي الطائر، فَمَتَى قص من الجناح ريشه كَانَ ذَلِكَ نقصانا منه، فَكَذَلِكَ الْمَلِك إِنَّمَا هُوَ بجناحه وريشه.
ألا وإن الْمَلِك ينبغي أَن يَكُون فِيهِ ثَلاث خصال: أولها أَن يَكُون صدوقا لا يكذب، وأن يَكُون سخيا لا يبخل، وأن يملك نَفْسه عِنْدَ الغضب، فَإِنَّهُ مسلط ويده
__________
[1] الخطبة في تاريخ الطبري 1/ 380، وغرر السير 66، ومرآة الزمان 1/ 389.
[2] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[3] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.(1/327)
مبسوطة، والخراج يأتيه، فينبغي ألا يستأثر عَنْ جنده ورعيته بِمَا هُمْ أهله، وأن يكثر العفو، فَإِنَّهُ لا ملك أبقى من ملك فِيهِ العفو، ولا أهلك من ملك فِيهِ العقوبة، ولأن يخطئ في العفو فيعفو، خير من أَن يخطئ فِي العقوبة.
فينبغي للملك أَن يتثبت فِي الأمر الَّذِي فِيهِ قتل النفس [وبواها] [1] ، وإذا رفع إِلَيْهِ من عامل من عماله مَا يستوجب بِهِ العقوبة فلا ينبغي لَهُ أَن يحابيه، وليجمع بينه وبين المتظلم، فإن صح عليه للمظلوم حق خرج إليه منه، وإن عجز عنه آدمي أدى عنه الملك [ورده إلى موضعه] [2] ، وأخذه بإصلاح ما أفسد، فهذا لكم علينا.
ألا من سفك دما بغير حق أو قطع يدا بغير حق، فإني لا أعفو عَنْ ذَلِكَ إلا أَن يعفو عَنْهُ صاحبه، فخذوا هَذَا عني.
وإن الترك قَدْ طمعت فيكم فاكفوها بِمَا تكفون أنفسكم بِهِ، وَقَدْ أمرت لكم بالسلاح والعدة وَأَنَا شريككم فِي الرأي، وإنما لي من هَذَا الْمَلِك اسمه مَعَ الطاعة منكم.
ألا وإن الْمَلِك ملك إِذَا أطيع، فَإِذَا خولف فذلك مملوك لَيْسَ بملك. فمهما بلغنا من الخلاف فإنا لا نقبله من المبلغ لَهُ حَتَّى نتيقنه منه، فَإِذَا صحت معرفة ذَلِكَ أنزلناه منزل المخالف.
ألا وإن أكمل الأداة عِنْدَ المصيبات الأخذ بالصبر والراحة إِلَى اليقين، فمن قتل فِي مجاهدة العدو رجوت لَهُ الفوز برضوان اللَّه.
وأفضل الأمور التسليم لأمر اللَّه والراحة إِلَى اليقين والرضا بقضائه، أين المهرب مِمَّا هُوَ كائن! وإنما يتقلب فِي كف الطالب، وإنما أَهْل هذه الدنيا سفر لا يحلون عقد الرحال إلا فِي غيرها، وإنما بلغتهم فِيهَا بالعواري، فَمَا أَحْسَن الشكر للمنعم والتسليم لمن الْقَضَاء لَهُ! ومن أحق بالتسليم لمن فوقه مِمَّن لا يجد مهربا إلا إِلَيْهِ، ولا معوّلا إلا عليه!
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.(1/328)
فثقوا أَن النصر من اللَّه تَعَالَى، وكونوا عَلَى ثقة من درك الطلبة إِذَا صحت نياتكم، واعلموا أَن هَذَا الْمَلِك لا يقوم إلا بالاستقامة وحسن الطاعة، وقمع العدو وسد الثغور والعدل للرعية وإنصاف المظلوم، فشفاؤكم عندكم، والدواء الَّذِي لا داء فِيهِ الاستقامة، والأمر بالخير والنهي عَنِ الشر، ولا قوة إلا باللَّه.
انظروا للرعية فإنها مطعمكم ومشربكم، ومتى عدلتم فِيهَا رغبوا فِي العمارة، فزاد ذَلِكَ في خراجكم، وتبين فِي زيادة أرزاقكم، وإذا خفتم عَلَى الرعية زهدوا فِي العمارة، وعطلوا أَكْثَر الأَرْض فنقص ذَلِكَ من خراجكم، وتبين فِي نقص أرزاقكم، فتعاهدوا الرعية بالإنصاف.
هَذَا قولي وأمري يا موبذ موبذان، الزم هَذَا القول وجد [1] فِي هَذَا الَّذِي سمعت فِي يومك، أسمعتم أيها النَّاس! فَقَالُوا: نعم، قَدْ قُلْت فأحسنت، ونحن فاعلون إِن شاء اللَّه.
ثُمَّ أمر بالطعام فوضع فأكلوا وشربوا، ثُمَّ خرجوا وَهُمْ لَهُ شاكرون.
وَكَانَ ملكه مائة وعشرين سَنَة، فلما هلك قريشات، وتغلب عَلَى مملكة فارس، وصار إِلَى أرض بابل، وأقام بأذربيجان، وأكثر الفساد فبقي اثنتي عشرة سَنَة إِلَى أَن ظهر زو.
وَكَانَ من الملوك فِي هَذَا الزمان
الرائش بْن قيس بْن صيفي بْن سبأ بْن يشجب بْن يعرب بْن قحطان، كَانَ من ملوك اليمن بَعْد يعرب بْن قحطان وإخوته. وَكَانَ [ملكه باليمن أَيَّام] ملك [منوشهر، وإنما سمي] [2] الرائش- واسمه الْحَارِث- لغنيمة غنمها من قوم غزاهم فأدخلها اليمن، فسمي لِذَلِكَ الرائش.
وأنه غزا الهند فقتل بها وسبى وغنم الأَمْوَال ورجع إِلَى اليمن، ثم سار منها على
__________
[1] في أحدى نسخ الطبري: «هذا القول وخذ» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه عن تاريخ الطبري 1/ 383.(1/329)
جبل طيِّئ، ثُمَّ عَلَى الأنبار، ثُمَّ عَلَى الموصل، وأنه وجه منها خيله وعليها رجل من أَصْحَابه، يُقَال لَهُ: شمر بْن العطاف، فدخل عَلَى الترك أرض أذربيجان وَهِيَ فِي أيديهم يَوْمَئِذٍ، فقتل المقاتلة وسبى الذرية، وزبر مَا كَانَ من مسيره فِي حجرين، فهما معروفان ببلاد آذربيجان.
وملك بَعْد الرائش ابنه أبرهة، ويقال لَهُ: ذو منار. وإنما قيل ذَلِكَ لأنه غزا بلاد المغرب فأوغل فِيهَا فخاف عَلَى جيشه الضلال عِنْدَ قفوله، فبنى المنار ليهتدوا بِهِ.
وَهُوَ أحد الملوك الَّذِينَ توغلوا فِي الأَرْض، وَكَانَ لَهُ ولد يقال لَهُ: «العبد» فبعثه إِلَى ناحية من أقاصي بلاد المغرب، فغنم وأصاب مالا، وقدم عَلَيْهِ بسبي لَهُمْ خلق منكرة. فذعر النَّاس مِنْهُم، فسموه ذا الأذعار.
ويقال: إِن ملوك اليمن كَانُوا عمالا لملوك الفرس بها ومن قبلهم كانت ولايتهم بها
.(1/330)
بَاب ذكر موسى عَلَيْهِ السَّلام [1]
كَانَ بَيْنَ موسى وإبراهيم ألف سَنَة، وبين إِبْرَاهِيم ونوح ألف سَنَة، وبين نوح وآدم ألف سَنَة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سعد، أَخْبَرَنَا قُبَيْصَة بْن عقبة، أَخْبَرَنَا سُفْيَان بْن سَعْد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عكرمة، قَالَ: كَانَ بَيْنَ آدَم ونوح عشرة قرون كلهم عَلَى الإِسْلام.
قَالَ ابْن سَعْد: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عمر، عن غير واحد من أهل العلم، قَالُوا: كَانَ بَيْنَ آدَم ونوح عشرة قرون، القرن مائة سَنَة، وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون، والقرن مائة سَنَة، وبين إِبْرَاهِيم وموسى عشرة قرون، والقرن مائة سَنَة.
وَهُوَ موسى بْن عمران بْن قاهث بْن لاوي بْن يعقوب كَذَلِكَ قَالَ هِشَام بْن مُحَمَّد، عَنْ أَبِيهِ.
وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: موسى بْن عمران بْن يصهر بْن قاهث بْن لاوي.
ورأيته بخط أَبِي الْحُسَيْن بْن المنادي: «ناهب» بالنون والباء.
واسم أم موسى يوخابذ [2] .
__________
[1] تاريخ الطبري 1 م 385، وتفسير الطبري، الآية 51 من سورة البقرة، وعرائس المجالس 43- 187، والبداية والنهاية 1/ 237، والكسائي 194، وابن وثيمة 33، ونهاية الأرب 13/ 173، وزاد المسير 3/ 237- 269، 5/ 271- 320، 6/ 201، 230.
[2] في تاريخ الطبري 1/ 385: «يوخابد» ، وفي بعض نسخه: «يوخايذ» وفي أخرى: «بوخايد» .(1/331)
وَكَانَ الكهان قَدْ قَالُوا لفرعون- واسمه الْوَلِيد بن مصعب بن معاوية بن أبي نمير بن الهلواش بن ليث بن هاران بن عمرو بن عملاق. وكان فرعون يوسف لا يؤذي بَنِي إسرائيل بَل يحسن إليهم، فلما مَات ولي بعده فرعون من فراعنتهم فلم يؤذي بَنِي إسرائيل، ثُمَّ ملك فرعون موسى، وَهُوَ الرابع من الفراعنة، وَكَانَ أخبثهم، وعاش ثلاثمائة سَنَة، واستعبد بَنِي إسرائيل وعذبهم، [وصنفهم فِي أعماله] [1] ، فصنف يبنون لَهُ، وقوم يحرثون لَهُ، ومن لا عمل لَهُ فَعَلَيْهِ الجزية.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الحافظ، أَخْبَرَنَا المبارك بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَلَمَ/ إجازة، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عبد الخالق، حدثنا أبو بَكْر المروزي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ المروزي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد، حَدَّثَنَا مَعْمَر بْن بِشْر، قَالَ: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن الْمُبَارَك، يَقُول:
كَانَ فرعون عطارا، وَكَانَ من أَهْل أصبهان فأفلس وركبه دين فخرج يلتمس ما يقضي دينه فلم تزل ترفعه أرض وتضعه أُخْرَى حَتَّى دَخَلَ مصر، ورأى عِنْدَ بَاب المدينة وقر بطيخ بدرهم، وَفِي المدينة بطيخة بدرهم.
قَالَ فرعون: قَدْ صرت إِلَى موضع أقضي ديني وأستغني فأشتري وقرا بدرهم.
ومضى ليدخله المدينة فتناول كُل إِنْسَان بطيخة حَتَّى بقي مَعَهُ واحدة وباعها بدرهم، فضجر، فَقَالُوا لَهُ: هكذا سنتنا، فَقَالَ: أما ها هنا أحد [2] يعدل [3] أَوْ نصير؟ فَقَالُوا: لا ها هنا ملك، قَدْ خلا بلذاته، وسلط وزيره عَلَى النَّاس لَيْسَ ينظر فِي شَيْء، فبسط لبدا عَلَى المقابر، فجعل يأخذ من كُل جنازة أربعة دراهم، فصبر بِذَلِكَ مَا شاء اللَّه [4] حَتَّى ماتت بنت الْمَلِك، فمروا بها عَلَيْهِ، فَقَالَ: هاتوا أربعة دراهم، فَقَالُوا: هذه بنت الْمَلِك، فَقَالَ: هاتوا ثمانية، فما زال وزالوا يتنازعون حَتَّى أضعف عَلَيْهِم مرات، فلما رجعوا قَالُوا للملك: عمل بنا عامل الموتى كَذَا وكذا، قال: ومن عامل الموتى، فوصفوا له.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 387.
[2] في المختصر: «أليس هاهنا أحد» .
[3] في الأصل: «بعدي» ، وفي المرآة 1/ 392: «ينظر» . وما أوردناه من المختصر.
[4] في المختصر: «ومضى على ذلك ما شاء الله» .(1/332)
فبعث إِلَى وزيره، فدعاه فَقَالَ: أَنْتَ استعملت هَذَا؟ قَالَ: لا، فدعاه، فَقَالَ: من استعملك، فقص عَلَيْهِ القصة، وأخبره بأمر البطيخ وأنهم قَالُوا لَهُ إنه لَيْسَ ها هنا أحد يعدل، فلما رأيت ذلك صنعت مَا ترى لينتهي إليك، فتغير وتنتبه لملكك [1] . قَالَ:
فمذ كم أَنْتَ عَلَى حالك [2] ، فَقَالَ: سنين كثيرة حَتَّى صرت إِلَى الأَمْوَال الكثيرة [3] ، فأمر بوزيره فضربت عنقه، واستوزر فرعون فسار فيهم بسيرة حسنة وأذاقهم فِيهَا طعم العيش لما كَانُوا فِيهِ قبل. يقضي [بالحق ولو عَلَى نَفْسه.
ثُمَّ] إِن الْمَلِك مَات، فَقَالُوا: من نستخلف؟ فاجتمع رأيهم فَقَالُوا: لا نستعمل غَيْر هَذَا الَّذِي أذاقنا طعم العيش، فملكوه عَلَى أنفسهم، فلم يزل عَلَيْهِم يموت قرن ويخلفهم آخرون، وتراخى به السن وطال ملكه حَتَّى ادعى مَا علمتم.
قَالَ علماء السير: قَالَتِ الكهنة لفرعون: يولد مولود فِي بَنِي إسرائيل يَكُون هلاكك عَلَى يده، فأمر بذبح أبنائهم، ثُمَّ اشتكت القبط إِلَى فرعون وَقَالَتْ: إِن دمت عَلَى الذبح فلم يبق من بَنِي إسرائيل من يخدمنا، فصار يذبح سَنَة ويترك سَنَة.
فولد هَارُون فِي السنة الَّتِي لا يذبح فِيهَا، وولد موسى بعده بسنة.
وَقَالَ قوم: بينهما ثَلاث سنين.
قال وهب: بلغني أَنَّهُ ذبح سبعين ألف وليد فلما حملت أم موسى بموسى لَمْ يتبين حملها وَلَمْ تعلم بولادتها إلا أخته مريم، فكتمته ثلاثة أشهر.
فلما ولد موسى دَخَلَ الطلب إِلَيْهَا فرمته فِي التنور فسلم، ثُمَّ خافت عَلَيْهِ، فصنعت لَهُ تابوتا وألقته فِي البحر فحمله الماء إِلَى أَن ألقاه بَيْنَ يدي فرعون.
فلما فتح التابوت فنظر إِلَيْهِ، قَالَ: عبراني من الأعداء، كَيْفَ أخطأه الذبح؟
فَقَالَتْ آسية: هَذَا أكبر من ابْن سَنَة، وإنما أمرت بذبح أولاد هذه السنة فدعه يَكُون قرة عين لي ولك.
__________
[1] في المختصر: «ليس هاهنا أحد يعدل وينصف المظلوم من المظالم، فلما رأيت أن الأمر على هذا المنوال فعلت ذلك لعله ينتهي إليك لتعلم أحوال ملكك، فتغير وتنبه لأمره» .
[2] في المختصر: «فمذ كم أنت تفعل هكذا» .
[3] في الأصل: «فذكر سنين حتى صار إلى الأموال واتسع» . وما أوردناه من المختصر.(1/333)
وَكَانَ فرعون لا يولد لَهُ إلا البنات، فتركه وأحبه.
ولما رمته أمه فِي اليم بكت وجزعت، فربط اللَّه عَلَى قلبها فسكنت وكانت تتوكف الأخبار، حتى سمعت أَن فرعون أخذ صبيا فِي تابوت فعرفت القصة، فَقَالَتْ لأخته- واسمها مريم، وَكَانَ لَهُ أختان: مريم وكلثوم: قصيه فانظري ماذا يفعلون بِهِ.
فدخلت أخته عَلَى آسية مَعَ النِّسَاء، وَقَدْ عرضت عَلَيْهِ المرضعات، فلم يقبل ثديا، فقالت أخته: هل أدلكم عَلَى أَهْل بَيْت يكفلونه لكم؟ قَالُوا: نعم، من هُمْ؟
قَالَتْ: حنة امرأة عمران، فبعثوا إليها، فأخذ ثديها فشرب ونام.
فلما انتهى رضاعه ردته إِلَى فرعون، فاتخذه يوما فِي حجره فمد بلحيته، فَقَالَ:
عَلِي بالذابح، فَقَالَتْ آسية: إِنَّمَا هُوَ صبي لا يعقل. وأخرجت لَهُ ياقوتا وجمرا فوضع يده عَلَى جمرة فطرحها فِي فِيهِ فأحرقت لسانه، فذلك قَوْله: وَاحْلُلْ عُقْدَةً من لِسانِي 20: 27 [1] .
وكبر موسى فكان يركب مراكب فرعون، ويلبس مثل مَا يلبس، وَكَانَ يدعى موسى بْن فرعون.
وإن فرعون ركب يوما وليس عنده موسى، فلما جاء موسى ركب فِي أثره، فوجد فِي المدينة رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ 28: 15 أي: من بَنِي إسرائيل وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ 28: 15 [2] يَعْنِي القبط. فاستغاثه الإسرائيلي عَلَى القبطي، فوكزه موسى فمات.
فندم موسى عَلَى قتله، وأصبح خائفا أَن يؤخذ [بِهِ] [3] .
فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) 28: 18 [4] . أي: يستغيثه عَلَى آخر. وَكَانَ القبط قَدْ أخبروا فرعون بالقتل، فَقَالَ: إِن عرفتم قاتله فأخبروني، فلم يعرفوه، فلما أراد موسى أَن ينصر الإسرائيلي فِي هَذَا اليوم الثَّانِي ظن الإسرائيلي أَنَّهُ يقصده بالأذى، فَقَالَ: أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ 28: 19 [5] .
__________
[1] سورة: طه، الآية: 27.
[2] سورة: القصص، الآية: 15.
[3] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[4] سورة: القصص، الآية: 18.
[5] سورة: القصص، الآية: 19.(1/334)
فعلم النَّاس أَنَّهُ هُوَ القاتل، فطلبوه فخرج خائفا فهداه اللَّه إِلَى مدين.
قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر: خرج إِلَى مدين وبينه وبينها مسيرة ثمان، وَلَمْ يكن لَهُ طعام إلا ورق الشَّجَر فخرج حافيا [1] .
قَالَ السدي [2] : وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ 28: 23 أي: تحبسان غنمهما، فسألهما: مَا خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ 28: 23 [3] . فرحمهما موسى فأتى البئر فاقتلع صخرة عَلَى البئر، كَانَ يجتمع عَلَيْهَا نفر حَتَّى يرفعوها، فسقى لهما ورجعتا، وإنما كانتا تسقيان من فضول الحياض، ثُمَّ تولى موسى إِلَى ظل شجرة، فَقَالَ: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ من خَيْرٍ فَقِيرٌ 28: 24 [4] .
قَالَ ابْن عَبَّاس: ورد ماء مدين وَإِنَّهُ ليتراءى خضرة البقل فِي بطنه [من الهزال] [5] .
قَالَ السدي [6] : فلما رجعت الجاريتان إِلَى أبيهما سريعا سألهما، فأخبرتاه خبر موسى، فأرسل إلَيْهِ إحداهما فأتته تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ 28: 25 [7] .
فقام معها فمشت بَيْنَ يديه، [فضربتها الرياح فنظر إِلَى عجيزتها] [8] ، فَقَالَ:
امشي خلفي ودليني الطريق.
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَّافُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بن عمر بن بِشْرَانُ، أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّهْقَانُ، حَدَّثَنَا عباس
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 397.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 396، 397.
[3] سورة: القصص، الآية: 23.
[4] سورة: القصص، الآية: 24.
[5] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
والخبر في تاريخ الطبري 1/ 397، 398.
[6] تاريخ الطبري 1/ 398.
[7] سورة: القصص، الآية: 25.
[8] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 398.(1/335)
الدُّوْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ، فَلَمَّا فَرَغُوا أَعَادُوا الصَّخْرَةَ عَلَى الْبِئْرِ، فَلا يُطِيقُ رَفْعَهَا إِلا عَشَرَةُ رِجَالٍ، فَإِذَا هُوَ بِامْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ، قَالَ: مَا خَطْبُكُمَا؟ فَحَدَّثَتَاهُ، فَأَتَى الْحَجَرَ فَرَفَعَهُ، ثُمَّ لَمْ تُسْقَ إِلا ذَنُوبًا وَاحِدًا حَتَّى رُوِيَتِ الْغَنَمُ، وَرَجَعَتِ الْمَرْأَتَانِ إِلَى أَبِيهِمَا، فَحَدَّثَتَاهُ، وَتَوَلَّى مُوسَى الظِّلَّ، فَقَالَ:
رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ من خَيْرٍ فَقِيرٌ 28: 24 [1] .
فجاءته إحداهما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ 28: 25 وَاضِعَةً ثَوْبَهَا عَلَى ثَغْرِهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا 28: 25 [2] فَقَالَ لَهَا: امْشِي خَلْفِي وَدُلِّينِي الطَّرِيقَ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُصِيبَ الرِّيحُ ثِيَابَكِ فَيَصِفَ لِي جَسَدَكِ.
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى أَبِيهَا: وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ 28: 25 [3] . قالَتْ إِحْداهُما يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ من اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ 28: 26 [4] : قَالَ: يَا بُنَيَّةُ، مَا عِلْمُكِ بِأَمَانَتِهِ وَقُوَّتِهِ؟ قالت: أما قوته فرفعه الحجر ولا يطبقه إِلا عَشَرَةٌ، وَأَمَّا أَمَانَتُهُ، فَقَالَ لِي: امْشِي خَلْفِي وَصِفِي الطَّرِيقَ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُصِيبَ الرِّيحُ ثَوْبَكِ فَيَصِفَ لِي جَسَدَكِ.
قَالَ السدي: لما سمع شُعَيْب قولها قَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ 28: 27 [5] .
فزوج الَّتِي دعته، وقضى أيما الأجلين.
فأما اسم المرأة الَّتِي تزوجها فَهُوَ صفورا، والأخرى ليا.
وَقَدْ روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَن الّذي استأجره صاحب مدين، واسمه يثربي [6] .
__________
[1] سورة: القصص، الآية: 24.
[2] سورة: القصص، الآية: 25.
[3] سورة: القصص، الآية: 25.
[4] سورة: القصص، الآية: 26.
[5] سورة: القصص، الآية: 27.
[6] تاريخ الطبري 1/ 400.(1/336)
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود: وَهُوَ ابْن أَخِي شُعَيْب.
ذكر مَا جرى لَهُ بَعْد انفصاله عَنْ مدين شُعَيْب
قَالَ السدي [1] : فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ 28: 29 ضل الطريق فرأى نارا- وَكَانَ شتاء- ف قال لِأَهْلِهِ امْكُثُوا 28: 29 [2] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي مَنْصُور الْحَافِظ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَّاجُ، أَخْبَرَنَا الحسن بن عَلِي التميمي/ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الكريم بْن معقل بْن منبه، حَدَّثَنَا عَبْد الصمد بْن معقل، قَالَ: سمعت وهب بْن منبه قَالَ [3] :
لما رأى موسى النار انطلق يسير حَتَّى وقف منها قريبا، فَإِذَا هُوَ بنار عظيمة تفور من فروع شجرة خضراء شديدة الخضرة، لا تزداد النار فيما يرى إلا عظما وتضرما، ولا تزداد الشجرة عَلَى شدة الحريق إلا خضرة وحسنا.
فوقف ينظر لا يدري عَلَى مَا يضع أمرها، إلا أَنَّهُ قَدْ ظن أَنَّهَا شجرة تحترق أوقد إِلَيْهَا موقد نالها فاحترقت، وَإِنَّهُ إِنَّمَا تمنع النار شدة خضرتها وكثرة مائها وكثافة ورقها وعظم جزعها. فوضع أمرها عَلَى هَذَا، فوقف يطمع أَن يسقط منها شَيْء فيقتبسه.
فلما طال عَلَيْهِ ذَلِكَ أهوى إِلَيْهَا بضغث فِي يده وَهُوَ يريد أَن يقتبس من لهبها. فلما فعل ذلك موسى مالت نحوه كأنما تريده، فأستأخر عَنْهَا وهاب، ثُمَّ عاد فطاف بها فلم تزل تطمعه ويطمع فِيهَا. وَلَمْ تكن بأوشك من خمودها، فاشتد عِنْدَ ذَلِكَ عجبه وفكر فِي أمرها، وَقَالَ: هِيَ نار ممتنعة لا يقتبس منها ولكنها تضرم فِي جوف شجرة ولا تحرقها، ثُمَّ خمودها عَلَى قدر عظمها فِي أوشك من طرفة عين، فلما رأى ذَلِكَ موسى، قَالَ: إِن لهذه النار لشأنا. ثُمَّ وضع أمرها عَلَى أَنَّهَا مأمورة أَوْ مصنوعة لا
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 400.
[2] سورة: القصص، الآية: 29.
[3] الخبر في كتاب الزهد لأحمد 61، ومرآة الزمان 1/ 399.(1/337)
يدري من أمرها ولا بِمَا أمرت ولا من صنعها ولا لَمْ صنعت، فوقف متحيرا لا يدري أيرجع أم يقيم.
فبينا هُوَ عَلَى ذَلِكَ إذ رمى بطرفه نَحْو فرعها فَإِذَا هُوَ أشد مَا كَانَ خضرة، وإذا الخضرة ساطعة فِي السماء، ثُمَّ لَمْ تزل الخضرة تنور وتصفر وتبياض حَتَّى صارت نورا ساطعا عمودا مَا بَيْنَ السماء وَالأَرْض عَلَيْهِ مثل شعاع الشمس تكل دُونَه الأبصار، كلما نظر إِلَيْهِ كاد يخطف بصره.
فعند ذَلِكَ اشتد خوفه وحزنه، فرد يده عَلَى عينيه ولصق بالأرض وسمع الحنين والوجس إلا أَنَّهُ يسمع حينئذ شَيْئًا لَمْ يسمع السامعون مثله. عظما الحنين.
فلما بلغ موسى الكرب واشتد عَلَيْهِ الهول وكاد أَن يخالط فِي عقله من شدة الخوف لما يسمع ويرى نودي من الشجرة، فقيل: يا موسى، فأجاب سريعا وَمَا يدري من دعا، وَمَا كَانَ سرعة إجابته إلا استئناسا بالإنس، فَقَالَ: لبيك مرارا، أسمع صوتك وأحس رحبك ولا أرى مكانك، فأين أَنْتَ؟ قَالَ: أنا فوقك ومعك وأمامك وأقرب إليك منك.
فلما سمع هَذَا موسى علم أَنَّهُ لا ينبغي ذَلِكَ إلا لربه تعالى، وأيقن به، فقال:
كذلك أنت يا إلهي، أكلامك أسمع أم لرسولك؟ قَالَ: أنا الَّذِي أكلمك فادن مني، فجمع موسى يديه فِي العصا ثُمَّ تحامل حَتَّى استقل قائما فرعدت فرائصه حَتَّى اختلفت واضطربت رجلاه وانقطع لسانه وانكسر قلبه وَلَمْ يبق منه عظم يحمل آخر، فَهُوَ بمنزلة الميت إلا أَن روح الحياة تجري فِيهِ، ثُمَّ زحف عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مرعوب حَتَّى وقف قريبا من الشجرة الَّتِي نودي منها، فَقَالَ لَهُ الرب تبارك وتعالى: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسى قال هِيَ عَصايَ 20: 17- 18 قَالَ: وَمَا تصنع بها ولا أحد أعلم بذلك منه، قال موسى: أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى 20: 18. وكان لموسى عليه السلام في العصي مآرب. وكانت لَهَا شعبتان ومحجن تَحْتَ الشعبتين.
قَالَ لَهُ الرب تبارك وتعالى: أَلْقِها يَا مُوسى 20: 19 [1] . فظن موسى أَنَّهُ يَقُول لَهُ ارفضها فألقاها عَلَى وجه [الأَرْض لا عَلَى وجه] [2] الرفض، ثم حانت منه نظرة فإذا هي
__________
[1] سورة: طه، الآية: 17 وما بعدها.
[2] ما بين المعقوفتين: من مرآة الزمان 1/ 401.(1/338)
بأعظم ثعبان نظر إِلَيْهِ الناظرون يدب ليمس كأنه يبتغي شَيْئًا يريد أخذه يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيقبلها، ويطعن بالناب فِي أصل الشجرة العظيمة فيجتثها، عيناه توقدان نارا، وَقَدْ عاد المحجن عرفا فِيهِ شعر مثل النيازك، وعادت الشعبتان فَمَا مثل القليب الواسع، وفيه أضراس وأنياب لَهَا صريف.
فلما عاين ذَلِكَ موسى عَلَيْهِ السَّلام ولى مدبرا، فَذَهَبَ حَتَّى أمعن [فِي البرية] [1] ، ورأى أَنَّهُ قَدْ أعجز الحية، ثُمَّ ذكر ربه عَزَّ وَجَلَّ فوقف استحياء منه.
ثُمَّ نودي: يا موسى، ارجع حيث كنت، فرجع وهو شديد الخوف، قال:
خُذْها 20: 21 بيمينك وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى 20: 21 [2] وعلى موسى حينئذ مدرعة من صوف، فدخلها بخلال من عيدان، فلما أمره بأخذها ثنى طرف المدرعة عَلَى يده، فَقَالَ لَهُ ملك: أرأيت يا موسى لو أذن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لما تحاذر، أكانت المدرعة تغني عنك شَيْئًا؟ قَالَ: لا ولكني ضعيف، ومن ضعف خلقت، فكشف عن يده ثم وضعها في فِي الحية حَتَّى سمع حس [الأضراس] [3] والأنياب، ثُمَّ قبض فَإِذَا هِيَ عصاه الَّتِي عهدها، فَإِذَا يده فِي الموضع الَّذِي كَانَ يضعها فِيهِ إِذَا توكأ بَيْنَ الشعبتين.
فَقَالَ لَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: ادن، فلم يزل يدنيه حَتَّى أَسْنَدَ ظهره بجذع الشجرة فاستقر وذهبت عنه الرعدة، وجمع يديه فِي العصا وخضع برأسه وعنقه، ثُمَّ قَالَ: إني قَدْ أتيتك اليوم مقاما لا ينبغي لبشر بعدك أَن يقوم مقامك أدنيتك وقربتك حَتَّى سمعت كلامي، وكنت بأقرب الأمكنة مني، فانطلق برسالتي فإنك بعيني وسمعي، فَإِن معك يدي وبصري، وإني قَدْ ألبستك جبة من سلطاني تستكمل بها القوة فِي أمري، فأنت جند عظيم من جنودي بعثتك إِلَى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي، وأمن مكري، وغرته الدنيا عني، حَتَّى جحد حقي وأنكر ربوبيتي، وَعَبْد [غيري] [4] ، وزعم أَنَّهُ لا يعرفني، وإني أقسم بعزتي لولا العذر والحجة اللذان وضعت بيني وبين خلقي لبطشت بطشة جبار يغضب لغضبه السموات وَالأَرْض والجبال والبحار، فإن أمرت السماء حصبته،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من المرآة.
[2] سورة: طه، الآية: 21.
[3] ما بين المعقوفتين: من مرآة الزمان 1/ 401.
[4] ما بين المعقوفتين: من المرآة 1/ 403.(1/339)
وإن أمرت الأَرْض ابتلعته، وإن أمرت [الجبال] [1] دمرته، وإن أمرت البحار غرقته، ولكنه هان عَلِي وسقط من عيني، ووسعه حلمي، واستغنيت بِمَا عندي، وحق لي أني أنا الغني لا غني غيري.
فبلغه رسالاتي [2] ، وادعه إِلَى عبادتي وتوحيدي، وإخلاص اسمي، وذكره بآياتي وحذره نقمتي وبأسي، وأخبره أني إِلَى العفو والمغفرة أسرع مني إِلَى الغضب والعقوبة، ولا يرعبك مَا أُلْبِسَهُ من لباس الدنيا، فَإِن ناصيته بيدي لَيْسَ يطرف ولا ينطق ولا يتنفس إلا بإذني.
قل لَهُ: أجب ربك عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ واسع المغفرة، فَإِنَّهُ قَدْ أمهلك أربعمائة سَنَة وَفِي كلها أَنْتَ مبارز لمحاربته، تشبه وتمثل وتصد عباده عَنْ سبله، وَهُوَ يمطر عليك السماء، وينبت لَكَ الأَرْض، لَمْ تسقم وَلَمْ تهرم وَلَمْ تفتقر [3] وَلَمْ تغلب. ولو شاء أَن يعجل ذَلِكَ لَكَ أَوْ يسلبكه فعل، ولكنه ذو أناة، وحلم عظيم.
وجاهده بنفسك وأخيك، وأنتما محتسبان بجهاده، فإني لو شئت أَن آتيه بجنود لا قبل لَهُ بها لفعلت، ولكن ليعلم هَذَا العبد الضعيف الَّذِي قَدْ أعجبته نَفْسه وجموعه أَن الفئة القليلة- ولا قليل مني- تغلب الفئة الكثيرة بإذني.
ولا تعجبنكما زينته، ولا مَا يتمتع بِهِ، ولا تمدا إِلَى ذَلِكَ أعينكما، فإنها زهرة الحياة الدُّنْيَا، وزينة المترفين، وإني لو شئت أَن أزينكما من الدنيا بزينة يعلم فرعون حِينَ ينظر إِلَيْهَا أَن مقدرته تعجز عَنْ مثل مَا أوتيتما فعلت، ولكني أرغب بكما عَنْ ذَلِكَ وأزويه عنكما، وَكَذَلِكَ أفعل بأوليائي قديما فأخرت لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فإني لأذودهم عَنْ نعيمها ورخائها كَمَا يذود الراعي الشفيق غنمه من مراتع الهلكة، وإني لأجنبهم سلوتها وعيشها كَمَا يجنب الراعي الشفيق عَنْ مبارك الغرة.
وَمَا ذاك لهوانهم عَلِي ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا لَمْ تكلمه الدُّنْيَا وَلَمْ يطع الهوى.
واعلم أَنَّهُ لَمْ يتزين الْعِبَاد بزينة هِيَ أبلغ من الزهد فِي الدنيا، فإنها زينة المتقين، عَلَيْهِم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من مرآة الزمان 1/ 403.
[2] في مرآة الزمان 1/ 403 «فبلغه رسالتي» .
[3] في المرآة 1/ 404: «ولم تقشعر» .(1/340)
منها لباس يعرفون بِهِ من السكينة والخشوع، سِيماهُمْ في وُجُوهِهِمْ من أَثَرِ السُّجُودِ 48: 29 [1] .
أولئك أوليائي حقا حقا، فَإِذَا لقيتهم فاخفض لَهُمْ جناحك وذلل لَهُمْ قلبك ولسانك.
واعلم أَنَّهُ من أهان لي وليا إِذَا خافه فَقَدْ بارزني بالمحاربة وَمَا رآني، وعرض نَفْسه [للهلكة] [2] ودعاني إِلَيْهَا، وأنا أسرع شَيْء إِلَى نصرة أوليائي، أفيظن الَّذِي يحاربني أَن يقوم لي؟ أَوْ يظن الَّذِي يعاديني أَن يعجزني؟ أم يظن الَّذِي بارزني أَن يسبقني أَوْ يفوتني؟ فكيف وأنا الثائر لَهُمْ فِي الدنيا والآخرة لا أكل نصرتهم إِلَى غيري.
قَالَ [3] : فأقبل موسى صلى الله عليه وسلم إِلَى فرعون فِي مدينته، قَدْ جعل حولها الأسد فِي غيضة قَدْ غرسها، فالأسد فِيهَا مَعَ ساستها، إِذَا آسدتها عَلَى أحد أكل. وللمدينة أربعة أبواب فِي الغيضة، فأقبل موسى عَلَيْهِ السَّلام من الطريق الأعظم الَّذِي يراه منه فرعون، فلما رأته الأسد صاحت صياح الثعالب فأنكر ذَلِكَ الساسة وفرقوا من فرعون.
وأقبل موسى حَتَّى انتهى إِلَى الباب إِلَى قبة فرعون فقرعه بعصاه، وعليه جبة صوف وسراويل صوف، فلما رآه البواب عجب من جرأته فتركه وَلَمْ يأذن لَهُ، وَقَالَ: هل تدري من تضرب؟ إِنَّمَا تضرب بَاب سيدك، قَالَ: أَنْتَ وأنا وفرعون عبيد لربي عَزَّ وَجَلَّ فأنا آمره، فأخبر البواب الَّذِي يليه والبوابين حَتَّى بلغ ذَلِكَ أدناهم ودُونَهم سبعون حاجبا كُل حاجب مِنْهُم تَحْتَ يده من الجنود مَا شاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كأعظم أمِير اليوم إمارة، حَتَّى خلص الْخَبَر إِلَى فرعون، فَقَالَ: أدخلوه عَلِي [فأدخلوه] [4] ، فلما أتاه قَالَ لَهُ فرعون: أأعرفك، قَالَ: نعم، قَالَ: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً 26: 18 [5] . فرد موسى عَلَيْهِ الَّذِي ذكره اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ فرعون: خذوه، فبادرهم موسى فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ 26: 32 [6] فحملت عَلَى النَّاس فانهزموا منها فمات مِنْهُم خمسة وعشرون ألفا، قتل بَعْضهم بَعْضًا.
وقام فرعون منهزما حَتَّى دَخَلَ الْبَيْت، فَقَالَ لموسى: اجعل بيننا وبينك أجلا ننظر
__________
[1] سورة: الفتح، الآية: 29.
[2] ما بين المعقوفتين: من المرآة 15/ 404.
[3] الزهد لأحمد 65- 66، وعرائس المجالس 181.
[4] ما بين المعقوفتين: من الهامش.
[5] سورة: الشعراء، الآية: 18.
[6] سورة: الشعراء، الآية: 32.(1/341)
فِيهِ، فَقَالَ لَهُ موسى: لَمْ أومر [1] بِذَلِكَ وأنا أمرت بمناجزتك، وإن أَنْتَ لَمْ تخرج إلي دخلت إليك.
فأوحى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى موسى: أَن اجعل بينك وبينه أجلا، واجعل ذَلِكَ إِلَيْهِ، قَالَ فرعون: أجعله إِلَى أربعين يوما، ففعل. وَكَانَ فرعون لا يَأْتِي الخلاء إلا فِي أربعين يوما مرة، فاختلف ذَلِكَ اليوم أربعين مرة.
قَالَ: وخرج موسى من المدينة، فلما مر بالأسد بصبصت بأذنابها، وسارت مَعَ موسى تشيعه ولا تهيجه ولا أحد من بَنِي إسرائيل.
ومن مَا كلم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ موسى عَلَيْهِ السَّلام
مَا أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بْنِ بِنْدَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا ابْن دُومَا، أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى الْعَطَّارُ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بن بشر القرشي، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ:
إِنَّ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلّ قَالَ لِمُوسَى: يَا مُوسَى إِذَا رَأَيْتَ الْغَنِيَّ مُقْبِلا فَقُلْ ذَنْبٌ عُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْفَقْرَ مُقْبِلا فَقُلْ مَرْحَبًا بِشِعَارِ الصَّالِحِينَ.
يَا مُوسَى، إِنَّكَ لَنْ تَقَرَّبَ عَلِيَّ بِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ خَيْرٍ لَكَ مِنَ الرِّضَا بِقَضَائِي، وَلَنْ تَأْتِيَ بِعْمَلٍ أحَبطَ لِحَسَنَاتِكَ مِنَ الْبَطَرِ، وَإِيَّاكَ وَالتَّضَرُّعَ لأَبْنَاءِ الدُّنْيَا، إِذَنْ أُعْرِضُ عَنْكَ، وَإِيَّاكَ أَن تَجُودَ بِدِينِكَ لِدُنْيَاهُمْ إِذِنْ آَمُرَ أَبْوَابَ رَحْمَتِي أَن تُغْلَقَ دُونَكَ.
ادْنِ الْفُقَرَاءَ وَقَرِّبْ مَجْلِسَهُمْ مِنْكَ، وَلا تَرْكِنْ إِلَى حُبِّ الدُّنْيَا، فَإِنَّكَ لَنْ تَلْقَانِي بِكَبِيرَةٍ مِنَ الْكَبَائِرِ أَضَرَّ عَلَيْكَ مِنَ الرُّكُونِ إِلَى الدُّنْيَا.
يَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، قُلْ لِلْمُذْنِبِينَ النَّادِمِينَ أَبْشِرُوا، وَقُلْ لِلْعَالِمِينَ الْمُعْجَبِينِ اخْسَئُوا.
قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: كَانَ موسى إِذَا كَلَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَرَى النُّورَ عَلَى وَجْهِهِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلنِّسَاءِ مذ كلمه.
__________
[1] في الأصل: أومن.(1/342)
وَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدِرِيُّ قَالَ: افْتَخَرَ أهل الإبل والغنم عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالْخُيَلاءُ فِي أَهْلِ الإِبِلِ» . وَقَالَ: «بُعِثَ مُوسَى وَهُوَ يَرْعَى غَنَمًا لأَهْلِهِ، وَبُعِثْتُ وَأَنَا أَرْعَى غَنَمًا لأَهْلِي بِجِيَادٍ» . وزعم السدي: أَن موسى رجع من تكليم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فسار بأهله نَحْو مصر فأتاها ليلا فتضيف عَلَى أمه وَهُوَ لا يعرفها، فجاء هَارُون فقيل لَهُ: ضيف، فقعد معه، فسأله:
من أنت؟ فقال: أنا موسى، فقام كُل واحد منهما إِلَى صاحبه فاعتنقه، فلما تعارفا، قَالَ لَهُ: يا هَارُون انطلق معي إِلَى فرعون، إِن اللَّه تَعَالَى قَدْ أرسلنا إِلَيْهِ، قَالَ هَارُون: سمعا وطاعة، فانطلقا إِلَيْهِ ليلاً، فأتيا الباب فضرباه، ففزع فرعون وفزع البواب فكلمهما فَقَالَ موسى: أنا رَسُول رب العالمين.
فأتى فرعون، فَقَالَ: إِن ها هنا إِنْسَانا مجنونا، يزعم أَنَّهُ رَسُول رب العالمين، فَقَالَ:
أدخله، فدخل فعرفه فرعون.
فَقَالَ: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً 26: 18 [1] ، ثم قال له: وَما رَبُّ الْعالَمِينَ 26: 23 [2] ، قَالَ مَا قصه اللَّه تَعَالَى عَلَيْنَا. فَقَالَ لَهُ: إِن كنت جئت بآية فأت بها، فألقى عصاه، فَإِذَا هِيَ ثعبان مبين قَدْ فتحت فاها ووضعت لحيها الأسفل فِي الأَرْض، والأعلى عَلَى سور القصر، ثُمَّ توجهت إِلَى فرعون فذعر منها ووثب وصاح: يا موسى خذها فأنا أومن، فعادت عصا، ثُمَّ نزع يده فَإِذَا هِيَ بيضاء، فخرج من عندها.
فأبى فرعون أَن يؤمن، وبنى الصرح ورقي عَلَيْهِ وأمر بنشابه فرمى بها نَحْو السماء فردت إليه ملطخة بالدم، فَقَالَ: قَدْ قتلت إله موسى.
قَالَ وهب: بعث إِلَى السحرة [فجمعهم] [3] وَقَالَ: قَدْ جاءنا ساحر مَا رأينا مثله قط، فَإِن غلبتموه أكرمكم. وَكَانَ يرأس السحرة ساتور، وعازور، وحطحط، ومصفى، وَهُمُ الَّذِينَ آمنوا لما رأوا سلطان اللَّه فتبعتهم السحرة فِي الإيمان.
__________
[1] سورة: الشعراء، الآية: 18.
[2] سورة: الشعراء، الآية: 23.
[3] ما بين المعقوفتين: من الطبري.(1/343)
وَفِي عدد السحرة أقوال كثيرة مذكورة فِي التفسير، فمن قائل يَقُول: كَانُوا سبعين ألفا، ومن قائل يقول: كانوا سبعمائة ألف. إِلَى غَيْر ذَلِكَ.
وإنهم جمعوا حبالهم وعصيهم، وَكَانَ موعدهم يَوْم الزينة [وَهُوَ عيد كَانَ لَهُمْ] [1] ، فلما اجتمعوا ألقوا مَا فِي أيديهم فَإِذَا حيات كأمثال الجبال قَدْ ملأت الوادي تركب بَعْضهَا بَعْضًا، فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى 20: 67 [2] . فأوحى إِلَيْهِ: أَن ألق عصاك، فألقاها فتلقفت جميع مَا صنعوا حَتَّى مَا يرى فِي الوادي شَيْء، ثُمَّ أخذها موسى فَإِذَا هِيَ عصاه، فخرت السحرة سجدا، فواعدهم فرعون بالقتل، فقالوا: فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ 20: 72 [3] . فرجع مغلوبا، وأبى إلا التمادي فِي الكفر.
قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانُوا فِي أول النهار سحرة وَفِي آخره شهداء [4] .
ذكر الآيات الَّتِي أرسلت عَلَى قوم فرعون [5]
لما فرغ من أمر السحرة وَلَمْ يؤمن فرعون أرسلت عَلَيْهِ الآيات.
وَقَدْ زعم السدي أَن الآيات أرسلت قبل لقاء السحرة.
فأما الأولى الطوفان [6] :
وَهُوَ المطر، أغرق كُل شَيْء لَهُمْ. وقيل: بَل ماء فاض عَلَى وجه الأَرْض ثُمَّ ركد فلم يقدروا أَن يعملوا شَيْئًا، فَقَالُوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشفه عنا ونحن نؤمن بك فدعا فكشفه فنبتت زروعهم، فَقَالُوا: مَا يسرنا أننا لَمْ نمطر، فبعث اللَّه عَلَيْهِم الجراد فأكل حروثهم وزروعهم حَتَّى أكل مسامير الأبواب، فسألوا موسى أَن يدعو ربه، فدعا فكشفه فلم يؤمنوا، فبعث الله عليهم القمل والدبا فلحس الأَرْض كلها وَكَانَ يأكل لحومهم وطعامهم ومنعهم النوم والقرار، فسألوا موسى أَن يدعو ربه أَن يكشفه، وَقَالُوا: نؤمن، فدعا فكشفه فلم يؤمنوا، فأرسل اللَّه عَلَيْهِم الضفادع فملأت البيوت
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من هامش المخطوط.
[2] سورة: طه، الآية: 67.
[3] سورة: طه، الآية: 72.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 413.
[5] مرآة الزمان 1/ 408.
[6] المرجع السابق والصفحة.(1/344)
والأطعمة والأواني، فَقَالُوا: اكشف ذَلِكَ فكشفه فلم يؤمنوا، فأرسل عَلَيْهِم الدم، وَكَانَ الإسرائيلي يَأْتِي والقبطي يستقيان من ماء واحد فيخرج ماء هَذَا القبطي دما، ويخرج للإسرائيلي ماء، فسألوا موسى، فدعا فكشف فلم يؤمنوا.
قَالَ ابْن عَبَّاس: مكث موسى فِي آل فرعون بَعْد مَا غلب السحرة عشرين سَنَة يريهم الآيات: الجراد، والقمل، والضفادع، والدم.
قَالَ علماء السير: ثُمَّ إِن اللَّه تَعَالَى أوحى إِلَى موسى وأخيه أَن يقولا قولا لينا، فقال له موسى: هل لَكَ فِي أَن أعطيك شبابك/ ولا تهرم وملكك فلا ينزع منك، فَإِذَا مت دخلت الْجَنَّة وتؤمن بي، فَقَالَ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى يَأْتِي هامان، فلما جاء أخبره فعجزه، وَقَالَ: تعبد بَعْد مَا كنت ربا، فخرج فقال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى 79: 24 [1] .
قَالَ السدي [2] : بَيْنَ هذه الكلمة وبين قَوْله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ من إِلهٍ غَيْرِي 28: 38 [3] .
أربعون سَنَة.
ثُمَّ قَالَ لَهُ قومه [4] : أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ 7: 127 [5] . فقال: سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ 7: 127 [6] . فأعاد القتل عَلَى الأبناء وحتما إذ علم أَنَّهُ لا يقدر عَلَى قتل موسى.
ذكر مؤمن آل فرعون [7]
كَانَ هَذَا المؤمن يكتم إيمانه، فَإِذَا هموا بقتل موسى جادل عَنْهُ، وَقَالَ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ 40: 28 [8] .
__________
[1] سورة: النازعات، الآية: 24.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 411، 412.
[3] سورة: القصص، الآية: 38.
[4] الطبري 1/ 413.
[5] سورة: الأعراف، الآية: 127.
[6] سورة: الأعراف، الآية: 127.
[7] هو حزقيل عند الثعلبي ومعظم المصادر. راجع: عرائس المجالس 187، ومرآة الزمان 1/ 411.
[8] سورة: غافر، الآية: 28.(1/345)
قَالَ قَتَادَة: كَانَ قبطيا من قوم فرعون فنجى مَعَ موسى.
قَالَ شُعَيْب الجبائي: إنه سمعان، وقيل: سمعون، وقيل شمعان وشمعون بالشين المعجمة.
وَقَالَ مقاتل: حزقيل.
وممن آمنت بموسى آسية [1]
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: ضرب فرعون لامرأته أوتارا فِي يديها ورجليها، وكانوا إِذَا تفرقوا عَنْهَا أظلتها الْمَلائِكَة، فَقَالَتْ: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً في الْجَنَّةِ 66: 11 [2] فكشف اللَّه لَهَا عَنْ بيتها فِي الْجَنَّة حَتَّى رأته قبل موتها.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ عَلِياٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بُنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ ابْنَةُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنِ» [3] .
وممن آمن ماشطة ابنة فرعون [4]
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ محمد القزاز، أخبرنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمَأْمُونِ، أَخْبَرَنَا عبد الله بن محمد، بْنِ حِبَّانَ أَخْبَرَنَا الْبَغَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السائب، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ مَرَّتْ بِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٍ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الرائحة؟
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 410.
[2] سورة: التحريم، الآية: 11.
[3] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 1/ 316، 393، والطبراني في الكبير 11/ 366، والحاكم في المستدرك 3/ 160، 185.
[4] عرائس المجالس 187، ومرآة الزمان 1/ 410.(1/346)
قَالَ: مَاشِطَةُ ابْنَةَ فَرْعَوْنَ كَانَتْ تُمَشِّطُهَا فَوَقَعَ الْمِشْطُ مِنْ يَدِهِا، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَقَالَتْ بِنْتُ فِرْعَوْنَ: أَبِي، قَالَتْ: بَلْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ، قَالَتْ: أُخْبِرُ بِذَلِكَ أَبِي، قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَتْهُ فَدَعَا بِهَا، فَقَالَ: مَنْ رَبُّكِ؟ قَالَتْ: رَبِّيَ وَرَبُّكَ اللَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ نَقْرَةً مِنْ نُحَاسٍ [1] فَأُحْمَتْ وَدَعَا بِهَا وَبِوَلَدِهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَتْ: تَجْمَعُ بِعِظَامِي وَعِظَامِ وَلَدِي فتدقها جَمِيعًا، قَالَ:
ذَلِكَ لَكَ عَلَيْنَا مِنَ الْحَقِّ، قَالَ: فَأَلْقى وَلَدَهَا وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى إِذَا كَانَ آَخِرُ وَلَدِهَا كَانَ صَبِيًا مُرْضَعًا قَالَ: اصْبِرِي يَا أُمَّاهُ فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ، قَالَ: ثُمَّ أُلْقِيَتْ مَعَ وَلَدِهَا.
قصة الغرق [2]
ثُمَّ أَن اللَّه تَعَالَى أمر موسى أَن يخرج ببني إسرائيل، وأوحى إِلَيْهِ: أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي 20: 77 [3] .
فأمر موسى بَنِي إسرائيل أَن يستعيروا الحلي من القبط، فخرجوا ليلا وهم ستمائة ألف وعشرون ألفا، وخرج موسى ومعه تابوت يُوسُف عَلَيْهِ السَّلام لما خرج ليدفنه مَعَ آبائه فِي الأَرْض المقدسة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ زَكَرِيَّا، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْغَوْثِ طَيِّبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ العجليّ، حدثنا أحمد بن عمران الأَخْنَسِيِّ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِأَعْرَابِيٍّ فَأَكْرَمَهُ، فَقَالَ: «يَا أَعْرَابِيّ تُعَاهِدُنَا» ، قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ: اسْأَلْ حَاجَتَكَ، قَالَ: نَاقَةٌ بِرَحْلِهَا وَأَجِيرٌ يَحْمِلُهَا عَلِيَّ. قَالَهَا مَرَّتَيْنِ. قَالَ: «يَا أَعْرَابِيُّ، أَعجزتَ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ عَجْوزِ بَنِي إِسْرَائِيلَ» . فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: وَمَا عَجُوزُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ لَهُ:
«إِنَّ مُوسَى لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ ضَلَّ عَنِ الطريق، فقال لعلماء بني
__________
[1] في المرآة 1/ 410: «نقرة من نحاس» . وفي المسند 1/ 309: «بقرة من نحاس» .
[2] تاريخ الطبري 1/ 414، وعرائس المجالس 196، ومرآة الزمان 1/ 412.
[3] سورة: الشعراء، الآية: 52.(1/347)
إِسِرَائِيلَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: نَحْنُ نُخْبِرُكَ: إِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ مَوَاثِيقَ مِنَ اللَّهِ أَنْ لا نَخْرُجَ مِنْ مِصْرَ حَتَّى نُخْرِجَ عِظَامَهُ مَعَنَا، فَقَالَ مُوسَى: وَأَيُّكُمْ يَدْرِي أَيْنَ قَبْرُ يُوسُفَ؟ قَالُوا: مَا تَدْرِي إِلا عَجُوزٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَرْسِلْ إِلَيْهَا فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لا أَقُولُ حَتَّى تُعْطِينِي حُكْمِي، قَالَ: وَمَا حُكْمُكِ؟ قَالَتْ: حُكْمِي أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ، فَقِيلَ لَهُ: أَعْطِهَا، فَأَتَتْ مُسْتَنْقَعَ مَاءٍ، فَقَالَتْ: انْضُبُوا هَذَا الْمَاءُ، فَلَمَّا أَنْضَبُوهُ قَالَتْ:
احْفُرُوا هَا هُنَا فَاحْتَفَرُوا، فَبَدَتْ عِظَامُ يُوسُفَ، فَلَمَّا أَقَلَّوْهَا مِنَ الأَرْضِ بَانَ لَهُمُ الطَّرِيقُ مِثْلَ ضَوْءِ النَّهَارِ. قَالَ علماء السير: وَكَانَ لموسى حِينَ خرج من مصر ثمانون سَنَة، ويقال: إِن بَيْنَ مولد إبراهيم إِلَى خروج موسى ببني إسرائيل من مصر خمسمائة وخمس سنين، وأن من هبوط آدَم إِلَى خروج موسى ببني إسرائيل من مصر ثلاثة آلاف سنة وثمانمائة وأربعين سَنَة.
ودعا موسى حِينَ خرج، فَقَالَ: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ 10: 88 [1] فجعلت دراهمهم ودنانيرهم حجارة، حَتَّى الحمص والعدس والجوز، فلما خرجوا ألقي عَلَى القبط الْمَوْت فأصبحوا يدفنونهم فشغلوا عَنْ طلب بَنِي إسرائيل.
وقيل: بَل علموا فِي الليل بخروجهم، فَقَالَ فرعون: لا نتبعهم حَتَّى يصيح الديك، فَمَا صاح ديك بلد بالليل.
وَكَانَ موسى عَلَى الساقة، وهارون يقدمهم، وتبعهم فرعون عَلَى مقدمته هامان فِي ألف ألف وستمائة ألف حصان.
فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قال أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ 26: 61 [2] هَذَا البحر بَيْنَ أيدينا وَهَذَا فرعون خلفنا، قَالَ موسى: كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ 26: 62 [3] .
قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَن مؤمن آل فرعون كَانَ بَيْنَ يدي موسى، وَكَانَ يَقُول: أين أمرت يا نبي اللَّه [أَن تنزل] [4] ؟ فَيَقُول: أمامك، فَيَقُول: وهل أمامي إلا البحر؟ فيقول:
__________
[1] سورة: يونس، الآية: 88.
[2] سورة: الشعراء، الآية: 61.
[3] سورة: الشعراء، الآية: 62.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من المرآة.(1/348)
مَا كذبت ولا كذبت. فأوحى اللَّه إِلَى موسى: اضرب بعصاك البحر، فأوحى إِلَى البحر:
إِذَا ضربك موسى فانفلق لَهُ، فبات البحر يضرب بعضه بَعْضًا فزعا من اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وانتظارا لأمره، فضربه فانفلق اثنا عشر طريقا عَلَى عدد الأسباط، فسار موسى وأَصْحَابه على طريق يابس والماء قائم بَيْنَ كُل فريقين، فلما دَخَلَ بنو إسرائيل وَلَمْ يبق مِنْهُم أحد، أقبل فرعون عَلَى حصان لَهُ حَتَّى وقف عَلَى شفير البحر، فهاب الحصان أَن ينفذ فعرض لَهُ جبرئيل عَلَى فرس أنثى وديق فشمها الفرس فدخل فرعون فدخل قومه وجبرئيل أمامه وميكائيل عَلَى فرس خلف القوم يحثهم يَقُول: الحقوا بصاحبكم، فلما أراد أولهم أَن يصعدوا تكامل نزول آخرهم انطبق البحر عليهم، فنادى فرعون:
آمَنْتُ 10: 90.
قَالَ ابْن عَبَّاس: جاء جبرئيل إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا محمد، لو رأيتني وأنا أدس من حمأة البَحْر فِي فِي فرعون مخافة أَن تدركه الرحمة [1] .
قَالَ الْعُلَمَاء: فَقَالَ قوم: إِن فرعون لَمْ يغرق، فقذفه البحر حَتَّى رأوه فعرفوه، فذلك قوله تعالى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ 10: 92.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيُنَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«كَانَ أَصْحَابُ مُوسَى الَّذِينَ جَاوَزُوا الْبَحْرَ اثْنَي عَشْرَ سَبْطًا، وَكَانَ فِي كُلِّ طَرِيقٍ اثْنَا عَشْرَ أَلْفًا كُلُّهُمْ وَلَدُ يَعْقُوبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» [2]
. ومن الحوادث [3]
إِن بَنِي إسرائيل مروا عَلَى قوم يعكفون عَلَى أصنامهم، فَقَالُوا: يا موسى اجعل لنا إلها، فأجابهم بِمَا قص اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي القرآن.
__________
[1] مسند أحمد بن حنبل 1/ 240، 245، 309، 340، ومرآة الزمان 1/ 414.
[2] الحديث أورده السيوطي في الدر المنثور 5/ 85.
[3] مرآة الزمان 1/ 416.(1/349)
ذكر طلبهم للتوبة [1]
لما ندموا سألوا قبول التوبة فقيل لَهُمْ: فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ 2: 54 [2] .
فروى عكرمة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لما أمروا بقتل أنفسهم، قَالُوا: يا نبي اللَّه كَيْفَ نقتل الأبناء [3] والأخوة، فأنزل اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِم ظلمة لا يرى بَعْضهم بَعْضًا، فقتلوا وَقَالُوا: مَا آية توبتنا؟ قَالَ: أَن يقوم السلاح والسَّيْف فلا يقتل، فقتلوا حَتَّى خاضوا فِي الدماء، وصاح الصبيان: يا موسى العفو العفو، فبكى موسى فأنزل اللَّه تَعَالَى التوبة، وقام السلاح وانكشفت الظلمة عَنْ سبعين ألفا.
قيل: قَالَ قَتَادَة: فجعل اللَّه القتل للمقتول شهادة وللحي توبة. هَذَا يدل عَلَى أَن الكل ابتلوا.
وَقَالَ ابْن السائب: والمقاتل إِنَّمَا أمر من لَمْ يعبد أَن يقتل العابدين وأن لا يمتنع العابدُونَ من ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الدمشقي: إِنَّمَا الْخَطَّاب لعبدة العجل وحدهم أمروا أَن يقتل بَعْضهم بَعْضًا.
ومن الحوادث [ذهاب السبعين إِلَى الطور يعتذرون من عبَادَة العجل] [4]
إِن موسى أخذ من أَصْحَابه جَمَاعَة ومضى إِلَى الطور يعتذرون من عُبَادَة العجل.
قَالَ ابْن إِسْحَاق [5] : اختار سبعين، وَقَالَ: انطلقوا فتوبوا مِمَّا صنعتم وسلوه التوبة عَلَى من خلفتم من قومكم صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم، فخرج إلى طور سيناء
__________
[1] عرائس المجالس 211، وكتاب التوابين 57، ومرآة الزمان 1/ 427.
[2] سورة: البقرة، الآية: 54.
[3] على هامش المخطوط: «كيف نقتل الآباء» .
[4] عرائس المجالس 212، وتاريخ الطبري 1/ 427، ومرآة الزمان 1/ 427، وما بين المعقوفتين من المرآة.
[5] تاريخ الطبري 1/ 427.(1/350)
لميقات وقته لَهُ ربه، فلما وصلوا قَالَ لموسى: اطلب لنا أَن نسمع كَلام ربنا، فذكر قوم من علماء السير أنهم سمعوا كَلام اللَّه من اللَّه وليس هَذَا بصحيح، وأي خير يبقى لموسى، وإنما هلك الْقَوْم لأنهم قَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى الله جَهْرَةً 2: 55 [1] فصعقوا وماتوا، فقام موسى يسأل ربه، وَيَقُول: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ من قَبْلُ وَإِيَّايَ 7: 155 [2] ، فرد اللَّه إليهم أرواحهم، فسألوا التوبة لبني إسرائيل من عُبَادَة العجل، فقيل: لا إلا أَن تقتلوا أنفسكم.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَن السبعين إِنَّمَا اعتذروا بَعْد توبة من تاب وقتلهم أنفسهم، وَهَذَا قَوْل السدي [3] .
ومن الحوادث [قصة أريحا] [4]
إِن اللَّه تَعَالَى أمر موسى وقومه إِلَى أريحا، وَهِيَ أرض بَيْت المقدس.
قَالَ السدي [5] : ساروا حَتَّى إِذَا كَانُوا قريبا منها بعث موسى اثني عشر نقيبا من جميع أسباط بَنِي إسرائيل ليأتوه بخبر الجبارين، فلقيهم رجل من الجبارين يقال لَهُ: عاج، فأخذ الاثني عشر فجعلهم فِي حجزته [6] ، وعلى رأسه حمل حطب، فانطلق بهم إِلَى امرأته، فَقَالَ: انظري إلى هؤلاء الَّذِينَ يزعمون أنهم يريدُونَ قتالنا، فطرحهم بَيْنَ يديها وَقَالَ:
لأطحنهم برجلي، قَالَتْ: بَل خل عَنْهُم حَتَّى يخبروا قومهم بِمَا رأوا، ففعل ذَلِكَ.
فلما خرج الْقَوْم قَالَ بَعْضهم لبعض: يا قوم، إنكم إِن أخبرتم بَنِي إسرائيل خبر الْقَوْم رجعوا عَنْ نبي اللَّه، ولكن اكتموا وأخبروا نبي اللَّه، فانطلق عشرة مِنْهُم فأخبروا أهاليهم وكتم رجلان، فَقَالَ النَّاس: إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا 5: 22
__________
[1] سورة: البقرة، الآية: 55.
[2] سورة: الأعراف، الآية: 155.
[3] تاريخ الطبري 1/ 428.
[4] عرائس المجالس 236- 243، ومرآة الزمان 1/ 428، وتاريخ الطبري 1/ 429، وما بين المعقوفتين:
ساقط من الأصل.
[5] تاريخ الطبري 1/ 429.
[6] في الأصل: «فجعلهم في حجرته» . وفي العرائس: «حزمته» . وما أوردناه من الطبري 1/ 429.(1/351)
ومن الحوادث [حَدِيث الحجر] [1]
أنهم لما خرجوا من البحر احتاجوا فِي طريقهم إِلَى الماء فاستسقى موسى فأمر أَن يضرب/ بعصاه الحجر، وَكَانَ حجرا خفيفا بقدر رأس الإِنْسَان قاله ابْن عَبَّاس.
وعنه أَنَّهُ كَانَ كذراعين فِي ذراع.
وَقَالَ مجاهد: كَانَ ذَلِكَ فِي تيههم.
ومن الحوادث [إنزال التوراة] [2]
إنهم طلبوا من موسى أَن يأتيهم بكتاب من عِنْدَ اللَّه، فوعده اللَّه تَعَالَى ثلاثين ليلة وأتمها بعشر وأعطاه التوراة، وأنزل عَلَيْهِ عشر صحائف أَيْضًا.
وفرض اللَّه عَلَى موسى صلاتين كُل يَوْم والحج.
ومن الأحداث نتق الجبل
قَالَ قَتَادَة: تدلوا فِي أصل الجبل فوقع فوقهم، فَقَالَ: لتأخذن أمري أَوْ لأرمينكم بِهِ. وَكَانَ السبب أنهم رأوا تكاليف التوراة ثقيلة، فأبوا قبولها فنتق الجبل.
ومن الحوادث قصة العجل [3]
وَذَلِكَ أَن جبرئيل جاء إِلَى موسى عَلَى فرس ليذهب بِهِ إِلَى مناجاة ربه، فرآه السامري فأنكره [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: اضافة من عندنا.
[2] ما بين المعقوفتين: اضافة من عندنا.
[3] تاريخ الطبري 1/ 421، 422، عرائس المجالس 208، ومرآة الزمان 1/ 424.
[4] تاريخ الطبري 1/ 421، 422.(1/352)
واسم السامري منجا، كَذَلِكَ ضبطه ابْن المنادي.
وَقَالَ: إِن لِهَذَا لشأنا، فأخذ من تربة حافر الفرس، فانطلق موسى واستخلف هَارُون وواعدهم ثلاثين ليلة وأتمها اللَّه تَعَالَى لَهُ بعشر، فوقع فِي تلك الزيادة زللهم بعبادة العجل.
وَكَانَ السبب فِي اتخاذه أَن هَارُون قَالَ لَهُمْ: يا بَنِي إسرائيل إِن الغنيمة لا تحل لكم وإن حلي القبط غنيمة، فاجمعوا واحفروا لَهُ فادفنوه فَإِن جاء موسى فأحلها فأخذتموها وإلا كَانَ شَيْئًا لَمْ تأكلوه. فجمعوه فِي حفرة، فجاء السامري تلك الصفة فألقاها، وَقَالَ: كن عجلا، فصار عجلا جسدا لَهُ خوار، وَكَانَ السامري من قوم يعبدُونَ البقر، وَكَانَ حب ذَلِكَ فِي قلبه، فَقَالَ لَهُمْ: هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ 20: 88 [1] .
يَقُول: ترك موسى إلهه وذهب يطلبه، فعكفوا عَلَيْهِ يعبدُونَه، فَقَالَ لَهُمْ هَارُون: إِنَّما فُتِنْتُمْ به 20: 90 [2] .
وإن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أخبر موسى بالقصة بقوله: فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ 20: 85 [3] .
ثُمَّ إِن موسى طلب الرؤية بقوله: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ 7: 143 [4] . فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ:
سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ 7: 143 [5] .
فأخذ الألواح ورجع إِلَى قومه غَضْبانَ أَسِفاً 7: 150 [6] لما صنعوا، فألقى الألواح وأخذ برأس أخيه فاعتذر كَمَا قص اللَّه، ثُمَّ التفت إِلَى السامري، فقال: فَما خَطْبُكَ يَا سامِرِيُّ 20: 95 [7] . قَالَ: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا به 20: 96.
فأخذ موسى العجل فذبحه، ثُمَّ برده بالمبرد وذراه فِي البحر وندم من عَبْد العجل.
__________
[1] سورة: طه، الآية: 88.
[2] سورة: طه، الآية: 90.
[3] سورة: طه، الآية: 85.
[4] سورة: الأعراف، الآية: 143.
[5] سورة: طه، الآية: 86.
[6] سورة: طه، الآية: 95.
[7] سورة: طه، الآية: 96.(1/353)
مِنْهَا [1] قال رَجُلانِ 5: 23 وهما اللذان كتما، وهما يوشع بْن نون، وكالب بْن يوفنه: يا قوم ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ 5: 23 [2] فَقَالُوا: إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً مَا دامُوا فِيها 5: 24 [3] فغضب موسى [فدعا عَلَيْهِم] ، فَقَالَ: رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ 5: 25 [4] فَقَالَ اللَّه تَعَالَى: فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ في الْأَرْضِ 5: 26 [5] . فلما ضرب عَلَيْهِم التيه ندم موسى، فَقَالُوا: يا موسى كَيْفَ لنا ها هنا بالطعام، فأنزل اللَّه عَلَيْهِم المن والسلوى، وَكَانَ المن يسقط عَلَى الشجرة، والسلوى طائر، فَقَالُوا: أين الشراب؟ فضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، فشرب كُل سبط من عين، قالوا: فأين الظلّ؟ فظلل الله عليهم الغمام، قَالُوا: فأين اللباس؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كَمَا تطول الصبيان ولا يتخرق لَهُمْ ثوب، فأجمعوا ذَلِكَ فَقَالُوا: لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ 2: 61 [6] . فلما خرجوا من التيه أكلوا البقول.
ومن الحوادث قتل موسى عَلَيْهِ السَّلام عوج بْن عناق [7]
حكى أَبُو جَعْفَر الطبري أَن عوجا عاش ألف سَنَة [8] ، وَإِنَّهُ التقى بموسى، فضرب موسى كعب عوج فقتله.
وعناق اسم أَبِيهِ، وَقَالَ وهب بْن منبه: بَل اسم أمه، وكانت من بنات آدَم.
قَالَ: وولد عوج فِي زمن آدَم، وَكَانَ جبارا لا يوصف عظما، وعمره ثلاثة آلاف سنة
__________
[1] سورة: المائدة، الآية: 22.
[2] سورة: المائدة، الآية: 23.
[3] سورة: المائدة، الآية: 24.
[4] سورة: المائدة، الآية: 25.
[5] سورة: المائدة، الآية: 26.
[6] سورة: البقرة، الآية: 61.
[7] تاريخ الطبري 1/ 431، عرائس المجالس 241، ومرآة الزمان 1/ 429.
[8] في تاريخ الطبري 1/ 431: «وقيل إن عوجا عاش ثلاثة آلاف سنة» .(1/354)
وستمائة سَنَة حَتَّى أدرك موسى، وَكَانَ الماء فِي زمان الغرق إِلَى حجزته، وَكَانَ يتناول الحوت من البحر فيرفعه بيده فِي الهواء فيفور فِي حر الشمس ثُمَّ يأكله.
وَكَانَ سبب هلاكه أَنَّهُ قطع حجرا من جبل فجاء بِهِ عَلَى رأسه ليقلبه عَلَى عسكر موسى، فبعث اللَّه طائرا فنقر الحجر فنزل فِي عنقه، فجاء موسى فضربه بالعصا فِي كعبه فقتله
. ومن الحوادث مَا جرى لبلعام من دعائه عَلَى موسى [1]
رَوَى مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ سالم بْن أَبِي النضر، أَنَّهُ حدث: أَن موسى لما نزل فِي أرض كنعان من أرض الشام، وَكَانَ بلعام بقرية من قرى البلقاء، فأتى قوم بلعم إِلَى بلعم، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا موسى بْن عمران فِي بَنِي إسرائيل/ قَدْ جاء يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويحلها بَنِي إسرائيل ويسكنها، وإنا قومك وليس لنا منزل وأنت رجل مجاب الدعوة فادع اللَّه عَلَيْهِم. فَقَالَ: ويلكم، نبي اللَّه مَعَهُ الْمَلائِكَة والمؤمنون فكيف أدعو عَلَيْهِم وأنا أعلم من اللَّه [مَا أعلم] [2] .
قَالُوا: مَا لنا من منزل، فلم يزالوا بِهِ يرققونه ويتضرعون إِلَيْهِ حَتَّى فتنوه فافتتن فركب حماره متوجها إِلَى الجبل الَّذِي يطلعه عَلَى عسكر بَنِي إسرائيل، فَمَا سار عَلَيْهَا غَيْر قليل حَتَّى ربضت بِهِ، فنزل عَنْهَا فضربها حَتَّى أذلقها وأذن اللَّه لَهَا فكلمته، فَقَالَتْ:
ويحك يا بلعم! أَيْنَ تذهب؟! ألا ترى الْمَلائِكَة أمامي تردني [عَنْ] [3] وجهي هَذَا، أتذهب إِلَى نبي اللَّه والمؤمنين تدعو عَلَيْهِم! فلم ينزع عَنْهَا يضربها، فخلى اللَّه سبيلها حين فعل بها ذلك.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 437، وتفسير الطبري 13/ 252- 268، وعرائس المجالس 237، وتفسير ابن كثير 3/ 250، والدر المنثور 3/ 145، وزاد المسير 3/ 286، والكسائي 227، وتهذيب تاريخ ابن عساكر 3/ 294.
[2] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 437.
[3] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 437.(1/355)
فانطلقت حَتَّى إِذَا أشرفت بِهِ عَلَى عسكر موسى وبنى إسرائيل جعل لا يدعو لقومه بخير إلا صرف لسانه إِلَى بَنِي إسرائيل.
قَالَ: فَقَالَ قومه: أتدري يا بلعم مَا تصنع إِنَّمَا تدعو لَهُمْ وتدعو عَلَيْنَا، قَالَ: فهذا مَا لا أملك، هَذَا شَيْء قَدْ غلب اللَّه عَلَيْهِ، فاندلع لسانه فوقع عَلَى صدره، فقال لهم: قد ذهبت الآن مني الدنيا والآخرة، فلم يبق إلا المكر والحيلة، فسأحتال لكم. جملوا النِّسَاء وأعطوهن السلع، ثُمَّ أرسلوهن إِلَى العسكر يبعنها فِيهِ وأمروهن أَن لا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها، فَإِنَّهُ إِن زنى رجل واحد مِنْهُم كفيتموهم.
ففعلوا فوقع رجل مِنْهُم عَلَى امرأة، فأرسل اللَّه الطاعون عَلَى بَنِي إسرائيل حينئذ، فهلك منهم سبعون ألفا فِي ساعة، وَكَانَ فنحاص بْن العيزار بْن هَارُون صاحب أمر موسى، وَكَانَ قَدْ أعطي بسطة فِي الخلق وقوة فِي البطش، فأخبر خبر الرجل والمرأة، فأخذ حربته ثم دخل عليهما القبة وهما مضطجعان، فانتظمهما بحربته ثُمَّ خرج بهما رافعهما إِلَى السماء والحربة قَدْ أخذها بذراعه، واعتمد بمرفقه عَلَى خاصرته، وَهُوَ يَقُول: اللَّهمّ هكذا نفعل بمن يعصيك.
وَقَدْ قيل: إِن بلعام لما دعى عَلَى قوم موسى تاهوا، وإن موسى دعا عَلَيْهِ ثُمَّ حارب أَهْل بلده بَعْد خروجه من التيه، فأسره وقتله، وحارب الكنعانيين، وقتل عوج، وحارب موسى اليونانيين والمديانيين والأمم الكافرة.
وَقَدْ حكى أَحْمَد بْن جَعْفَر المنادي: أَن موسى بَعْد هلاك فرعون وطئ الشام، فأهلك مَا بها من الكُفَّار، وبعث بعثا إِلَى الحجاز وأمرهم أَن لا يستبقوا مِنْهُم أحدا، فقدموها فرزقهم اللَّه الظفر فقتلوا العمالقة، وكانوا بيثرب حَتَّى انتهوا إِلَى ملكهم الَّذِي كَانَ يقال لَهُ: الأرقم قيما فقتلوه، وأصابوا ابنا لَهُ شابا لَمْ ير أَحْسَن منه، فضنوا بِهِ عَنِ القتل [1] ، وأجمع رأيهم على أَن يسحبوه حَتَّى يقدموا بِهِ عَلَى موسى فيرى فِيهِ رأيه.
فأقبلوا قادمين بِهِ، وقبض موسى قبل قدومهم فتلقاهم النَّاس فأخبروهم الْخَبَر، فقالت بنو إسرائيل: خالفتم نبيكم حين استبقيتم هَذَا، لا تدخلوا عَلَيْنَا، فحالوا بينهم وبين الشام، فرجعوا إلى الحجاز، فكان ذلك أول سكنى يَهُود الحجاز، فنزلوا المدينة واتخذوا فِيهَا
__________
[1] في المختصر: «فلم يقتلوه» .(1/356)
المزارع، فمنهم بنو قريظة وبنو النضير الكاهنان، نسبة إِلَى جدهم الكاهن بْن هَارُون بْن عمران.
ذكر الخضر عَلَيْهِ السَّلام [1]
الخضر قَدْ كَانَ قبل موسى، قَالَ الطبري [2] : كَانَ فِي أَيَّام أفريدُونَ الْمَلِك بْن أثفيان. قَالَ: وقيل: إنه كَانَ عَلَى مقدمة ذي الْقَرْنَيْنِ الأكبر، الَّذِي كَانَ أَيَّام إِبْرَاهِيم.
وذي الْقَرْنَيْنِ عِنْدَ قوم هُوَ أفريدُونَ، وزعم بَعْضهم أَنَّهُ من ولد من كَانَ آمن بالخليل عَلَيْهِ السَّلام، وهاجر مَعَهُ من أرض بابل.
وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن شوذب: الخضر من ولد فارس [3] .
وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: هُوَ من سبط هَارُون بْن عمران.
وقول من قَالَ: إنه كَانَ فِي زمان أفريدُونَ أَكْثَر من ألف سَنَة، والخضر قديم إلا أَنَّهُ لما كَانَ ذكره لَمْ ينبغ إلا في زمان موسى ذكرناه هاهنا.
فصل [فِي اسم الخضر] [4]
فأما اسم الخضر، فَقَالَ كعب الأحبار: هُوَ الخضر بْن عاميل. وقال ابن إسحاق:
اسمه أرمياء بن خلقيا.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الطبري: إِن هَذَا لَيْسَ بصحيح لأن أرمياء كَانَ فِي أَيَّام نصر، وبين عهد موسى ونصر [زمن] [5] طويل.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 365، وكتب التفسير، الآيات 60- 82 من سورة الكهف، وعرائس المجالس 217، والكسائي 230، وتهذيب ابن عساكر 5/ 144، ومرآة الزمان 1/ 434، 456.
[2] تاريخ الطبري 1/ 365.
[3] تاريخ الطبري 1/ 365.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: زيادة يقتضيها السياق.(1/357)
وقيل: هُوَ الخضر بْن ملكان بْن فالغ بْن عابر بْن شالح بْن أرفخشد بْن سام بْن نوح.
وَقَالَ بَعْض أَهْل الكتاب: هُوَ خضرون بْن عاميل بْن أليفرن بْن العيص بن إسحاق، وإنه ابن خالة ذي الْقَرْنَيْنِ ووزيره.
قَالَ الطبري: إِن الخضر هُوَ الولد الرابع من أولاد آدَم.
فصل [لَمْ سمي الخضر] [1]
وَقَدِ اختلف الْعُلَمَاء لَمْ سمي الخضر عَلَى قولين: أحدهما: أَنَّهُ جلس عَلَى فروة بيضاء فاخضرت، والفروة الأَرْض اليابسة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ حُصَيْنٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آَدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضْرُ خَضْرًا لأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ تَحْتَهُ خَضْرَاءُ» [2] .
وَالثَّانِي: إنه كَانَ إِذَا جلس اخضر مَا حوله. قاله عكرمة.
وَقَالَ مجاهد: كَانَ إِذَا صلى اخضر مَا حوله.
واختلفوا هل كَانَ نبيا أم لا على قولين ذكرهما ابن الأنباري.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: غير موجود بالأصل.
[2] الحديث: أخرجه البخاري 4/ 190، والترمذي 3151، وابن حبان (موارد 2092) ، والطبري في التفسير 15/ 183، وابن عساكر 5/ 145، والسيوطي في الدر المنثور 4/ 234، وابن كثير في البداية 1/ 327.(1/358)
ذكر لقاء موسى الخضر عليهما السَّلام
كَانَ سبب طلب موسى الخضر أَن موسى سئل من أعلم أَهْل الأَرْض؟ فَقَالَ: أنا، قيل له: لنا عبد هو أعلم منك يَعْنِي الخضر.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ حَمّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا الْفَرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «قَامَ مُوسَى خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي عِنْدَ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ لِي بِهِ، قِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فَتَجْعَلْهُ فِي مِكْتَلٍ فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ.
فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَحَمَلا حُوتًا فِي مِكْتَلٍ حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَوَضَعَا رُءُوسَهُمَا فَنَامَا، فَانْسَلَّ الْحُوتُ مِنَ الْمِكْتَلِ، فاتخذ سبيله في البحر وكان لموسى ولفتاه عَجَبًا، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمِهِمَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا من سَفَرِنا هذا نَصَباً 18: 62 [1] . وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى مِنَ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ 18: 63 [2] قَالَ مُوسَى:
ذلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً 18: 64 [3] حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجَّى بِثَوْبٍ- أَوْ قَالَ بَثَوْبَيْهِ- فَسَلَّمَ مُوسَى عَلَيْهِ، فَقَالَ الْخَضِرُ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلامُ؟
فَقَالَ: أَنَا موسى، فقال: موسى بني إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً 18: 66 [4] ، فقال: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً 18: 67 [5] يا موسى إني على علم
__________
[1] سورة: الكهف، الآية: 62.
[2] سورة: الكهف، الآية: 63.
[3] سورة: الكهف، الآية: 64.
[4] سورة: الكهف، الآية: 66.
[5] سورة: الكهف، الآية: 67.(1/359)
مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لا تَعْلَمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لا أَعْلَمُهُ، قَالَ:
سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا/ أَعْصِي لَكَ أَمْراً 18: 69 [1] .
فَانْطَلَقَا يَمْشِيانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ فَكَلَّمَاهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا، فَعَرَفُوا الْخَضْرَ، فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ. فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفٍ فَنَقَرَ نَقْرَةً وَنَقْرَتَيْنِ مِنَ الْبَحْرِ، فَقَالَ الْخَضْرُ: يَا مُوسَى مَا نَقُصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلا كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ فِي الْبَحْرِ، فَعَمَدَ الْخَضْرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ، فَقَالَ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا، قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً 18: 72 [2] ، قال: لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ 18: 73 [3] . وَكَانَ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا.
فَانْطَلَقَا فَإِذَا غُلامٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الْخَضْرُ بِرَأْسِهِ مِنْ أَعْلاهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ مُوسَى: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ 18: 74 [4] ، قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً 18: 75 [5] .
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ 18: 77، قال الخضر بيده فَأَقامَهُ 18: 77، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً 18: 77 [6] ، قال: هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ 18: 78 [7] .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَوَدَدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ علينا من أمرهما» .
أخرجاه في الصحيحين [8] .
__________
[1] سورة: الكهف، الآية: 69.
[2] سورة: الكهف، الآية: 72.
[3] سورة: الكهف، الآية: 73.
[4] سورة: الكهف، الآية: 74.
[5] سورة: الكهف، الآية: 75.
[6] سورة: الكهف، الآية: 77.
[7] سورة: الكهف، الآية: 78.
[8] الحديث أخرجه البخاري 1/ 42، 4/ 190، ومسلم، وأحمد بن حنبل 5/ 118.(1/360)
فصل [فِي اخْتِلاف الْعُلَمَاء فِي حياة الخضر وموته] [1]
وَقَدْ زعم قوم أَن الخضر حي إِلَى الآن، واحتجوا بأحاديث لا تثبت وحكايات عَنْ أقوام سليمي الصدور، وَيَقُول أحدهم: لقيت الخضر.
فأما الأحاديث:
فمنها مَا يروى عَنْ أَهْل الكتاب: أَن الخضر كَانَ مَعَ ذي الْقَرْنَيْنِ، وأنه سبق إِلَى العين الَّتِي قصدها ذو الْقَرْنَيْنِ لما وصف لَهُ أَن من شرب منها خلد فِي الدنيا، فشرب منها فأعطي الخلد لِذَلِكَ.
وَمِنْهَا مَا أَخْبَرَنَا بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي عُمَرَ الدَّبَّاسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَكِّي، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُرَيْمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ رَزِينٍ، عَنِ ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قَالَ: لا أَعْلَمُهُ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«يَلْتَقِي الْخَضِرُ وَإِلْيَاسُ فِي كُلِّ عَامٍ فِي الْمَوْسِمِ، فَيَحْلِقُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى رَأْسِ صَاحِبِهِ وَيَتَفَرَّقَانِ عَنْ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ: «بِسْمِ اللَّهِ، مَا شَاءَ اللَّهُ لا يَسُوقُ الْخَيْرَ إِلا اللَّهُ، بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ لا يَصْرِفُ السُّوءَ إِلا اللَّهُ، مَا شَاءَ اللَّهُ مَا كَانَ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ، مَا شَاءَ اللَّهُ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه» [2] .
ومنها مَا روي عَنِ الْحَسَن البصري، أَنَّهُ، قَالَ: وكل إلياس بالفيافي، ووكل
__________
[1] ما بين المعقوفتين: بياض في الأصل، وأوردناه من المرآة، وفي المختصر: «فصل في أن الخضر ما زال حي حتى الآن أم لا» .
[2] الحديث أورده الزركشي في التذكرة، وقال: في جزء المزكي من حديث ابن عباس، وهو ضعيف، وتابعه السيوطي في الدرر المنتثرة، وقال: قلت: ورد أيضا من حديث أنس، أخرجه ابن أبي أسامة في مسندة بسند ضعيف.
انظر: الموضوعات لابن الجوزي 1/ 196، واللآلئ للسيوطي 1/ 167، والدرر المنتثرة للسيوطي 490، والغماز على اللماز 8.(1/361)
الخضر بالبحور، وَقَدْ أعطيا الخلد فِي الدنيا إلى الصيحة الأولى وأنهما يجتمعان في كل موسم فِي كُل عام.
ومنها مَا أَخْبَرَنَا بِهِ إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ الختلي، قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَان بْن سَعِيد الأنطاكي قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِي بْن الهيثم المصيصي، عَنْ عَبْد الحميد بْن بحر، عَنْ سلام الطويل، عَنْ دَاوُد بْن يَحْيَى مولى عون الطفاوي، عَنْ رجل كَانَ مرابطا فِي بَيْت المقدس وبعسقلان، قَالَ:
بينا أنا أسير فِي وادي الأردن إذا أنا برجل فِي ناحية الوادي قائم يصلي، فَإِذَا سحابة تظله من الشمس فوقع فِي قلبي إنه إلياس النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته فسلمت عَلَيْهِ فانفتل من صلاته فرد عَلِي السَّلام، فَقُلْتُ: من أَنْتَ رحمك اللَّه؟ فلم يرد عَلِي شَيْئًا، فأعدت القول مرتين، فَقَالَ: أَنَا إلياس النَّبِي، فأخذتني رعدة شديدة خشيت عَلَى عقلي أَن يذهب، فَقُلْتُ لَهُ: إِن رأيت رحمك اللَّه أَن تدعو لي أَن يذهب عني مَا أجد حَتَّى أفهم حَدِيثك، فدعا لي بثمان دعوات، فَقَالَ: يا بر يا رحيم، يا حي يا قيوم، يا حنان يا منان،...... [1] ، فَذَهَبَ عني مَا كنت أجد، فَقُلْتُ: إِلَى من بعثت؟ قَالَ: إِلَى أَهْل بعلبك، قُلْت: فهل يوحى إليك اليوم، فَقَالَ: منذ بعث مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم النبيين فلا.
قُلْتُ: فكم من الأنبياء فِي الحياة؟ قَالَ: أربعة أنا والخضر فِي الأَرْض، وإدريس وعيسى فِي السماء، قُلْت: فهل تلتقي أَنْتَ والخضر؟ قَالَ: نعم فِي كُل عام بعرفات، قُلْت: فَمَا حَدِيثكما؟ قَالَ: يأخذ من شعري وآخذ من شعره، قُلْت: فكم الأبدال؟ قَالَ: هُمْ ستون رجلا، خمسون مَا بَيْنَ عريش مِصْر إِلَى شاطئ الفرات، ورجلان بالمصيصة، ورجلان بأنطاكية، وسبعة فِي سائر الأَمْصَار تسقون بهم الغيث، وبهم ينصرون عَلَى عدوهم، وبهم يقيم اللَّه أمر الدنيا حَتَّى إِذَا أراد أَن يهلك الدنيا أماتهم جميعا.
وَقَدْ روي أَنَّهُ كَانَ فِي زمن نبينا صلّى الله عليه وسلم، ورووا من حَدِيث عَلِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إثبات حياة الخضر.
ومن حَدِيث أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بعثه إِلَى الخضر، وَقَالَ: ادع لرسول اللَّه. وإن أبا بَكْر، وَعُمَر، وعثمان، وعليا، وابن عُمَر أثبتوا وجوده، وَإِنَّهُ رآه عُمَر بن عبد العزيز، ورواه مسلمة، ورباح بْن عُبَيْدَة كلاهما عَنْ عُمَر بْن عَبْد العزيز.
__________
[1] في الأصل كلمتان غير واضحتين.(1/362)
قَالُوا: ورآه إِبْرَاهِيم التيمي، وإبراهيم بْن أدهم، وَأَحْمَد بْن حَنْبَل.
وكل هذه الأحاديث لا تثبت والحَدِيث الَّذِي ذكرناه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فيه الحسن بن زيد، قال العقيلي: هُوَ مجهول.
وَفِي الْحَدِيث الثَّانِي السَّلام بْن الطويل، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بشيء. وَقَالَ الْبُخَارِي، والرازيّ، والنسائي، والدار الدّارقطنيّ: هُوَ متروك الْحَدِيث.
وَقَالَ ابْن حيان: يروي الموضوعات كأنه المعتمد لَهَا.
قَالَ: وعبد الحميد بْن بحر لا يحل الاحتجاج بِهِ بحال، وَدَاوُد مجهول، والرجل المرابط لا يدري من هُوَ.
وَقَدْ رَوَى مسلمة بْن مصقلة، أَنَّهُ رأى إلياس وجرى لَهُ مَعَهُ نَحْو مَا سبق.
وربما ظهر الشَّيْطَان لشخص فكلمه، وربما قَالَ بَعْض المتهمين لبعض أنا الخضر، وأعجب الأشياء أَن يصدق القائل أنا الخضر وليس لنا فِيهِ علامة نعرفه بها، وَقَدْ جمعت كتابا سميته عجالة المنتظر بشرح حال الخضر، وذكرت فِيهِ هذه الأحاديث والحكايات ونظائرها وبينت خطأها فلم أر الإطالة بِذَلِكَ هاهنا.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي ونقلته من خطه. [1] ، عَنْ تعمير الخضر وهل هُوَ باق فِي الدنيا أم لا، فَإِذَا أَكْثَر المغفلين مغرورون بأنه باق من أجل مَا قَدْ روي، وساق بَعْض مَا قَدْ ذَكَرْنَا، ثُمَّ قَالَ: أما حَدِيث أَنَس فواه بالوضاع، وَأَمَّا خبر ابْن عَبَّاس فضعيف بالحسن بْن رزين، وَأَمَّا قَوْل الحُسَيْن فمأخوذ عَنْ غَيْر أَهْل ملتنا مربوط بقول بَعْضهم أَن الخضر شرب من العين التي قصدها ذي الْقَرْنَيْنِ موصول بِمَا قيل إنه الرجل الَّذِي يقتله الدجال والمسند من ذلك إلى أهل الذمة فساقط لعدم ثقتهم.
وخبر مسلمة فكلا شَيْء، وخبر رياح كالرياح، ثُمَّ مد اللَّه عَلَى السري وضمرة عفى اللَّه عَنْهُمَا.
وأين كَانَ الخضر عَنْ تبشير أَبِي بَكْر وعمر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا بالخلافة.
وَهَذِهِ الأخبار واهية الصدور والأعجاز لا تخلو فِي حالها من أحد أمرين: إما
__________
[1] في الأصل كلمة مطموسة.(1/363)
أَن تكون أدخلت من حَدِيث بَعْض الرواة المتأخرين استغفالا. وإما أَن يَكُون الْقَوْم عرفوا/ حالها فرووها عَلَى وجه التعجب، فنسبت إليهم عَلَى سبيل التحقيق.
قَالَ: والتخليد لا يَكُون لبشر لقول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لنبيه مُحَمَّد صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ 21: 34 [1] .
وأهل الْحَدِيث يتفقون عَلَى أَن حَدِيث أَنَس منكر الإسناد، سقيم المتن، بَيْنَ فِيهِ أثر الصنعة، وأن الخضر لَمْ يراسل نبينا وَلَمْ يلقه وَلَمْ يكن مِمَّن عرض عَلَيْهِ ليلة الإسراء، وَلَمْ يدركه ذكر فِي عهده بالبقاء، ولو أَنَّهُ كَانَ فِي عدد الأحياء حينئذ لما وسعه التخلف عَنْ لقاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والهجرة إِلَيْهِ.
قَالَ: وَمَا أعجب إغراء أَهْل الضعف بذكر الخضر وإلياس، والمعنى مِنْهُم بِذَلِكَ المنتسبون إِلَى رؤية الأبدال ومشاهدة الآيات.
قَالَ: وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْض أَصْحَابنا أَن إِبْرَاهِيم الحربي بْن إِسْحَاق سئل عَنْ تعمير الخضر فأنكر ذَلِكَ، وَقَالَ: هُوَ متقادم الْمَوْت.
قَالَ وروجع غيره فِي تعميره، وأن طائفة من أَهْل زماننا يرونه ويروون عنه، فقال: من أحال على غائب حي أو مفقود ميت لَمْ ينتصف منه، وَمَا ألقى ذكر هَذَا بَيْنَ النَّاس إلا الشَّيْطَان.
قَالَ: فَإِن قيل: هَذَا هامة بْن الهيم وزريب بْن برثملا معمران، قيل: ومن صحح لهما وجادة حتى يَكُون لهما تعمير، ولو أنهما معروفان لكان سبيلهما في التخليد سبيل سائر البشر، بل هذان حَدِيثان دسا إِلَى مغفلين فرووهما بلا تفقد ولا تمييز.
فَإِن قيل: هَذَا هاروت وماروت وإبليس باقون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
قيل: لَيْسَ هَؤُلاءِ بشرا، ولو كَانُوا بشرا لما نص الْقُرْآن عَلَى تخليدهم ولما أنكر ذَلِكَ مؤمن. وتخليد إِبْلِيس ثابت بقوله: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ 15: 37- 38 [2] .
__________
[1] سورة: الأنبياء، الآية: 34.
[2] سورة: الحجر، الآية: 15، وسورة: ص، الآية: 81.(1/364)
وتخليد الملكين بقوله: وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ 2: 102 [1] . وَهَذَا لا يَكُون إلا عَلَى مستقبل الأيام.
قَالَ: وجاء فِي التفسير إنهما مصلوبان منكسان فِي بئر ببابل لأنهما اختارا عذاب الدُّنْيَا عَلَى عذاب الآخرة فأعطيا مَا سألا.
فأما بقاء الدجال الأعور فليس ذَلِكَ بالطويل لأنه ولد بِالْمَدِينَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يحيا إِلَى نزول المسيح عيسى فيقتله.
قَالَ: فَقَدْ صح لما بينا أَن الخضر عَبْد من عباد اللَّه نصب لموسى لأمر أراده اللَّه، وَقَدْ مضى لسبيله فليعرف ذَلِكَ، وإن سمع من جاهل خلاف ذَلِكَ فلا يمارين لأن المراء فِي ذَلِكَ نقص، زادنا اللَّه وإياكم فهما.
هَذَا آخر كَلام أَبِي الْحُسَيْن المنادي، ومن خطه نقلته.
وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْر النقاش: أَن مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْبُخَارِي سئل عَنِ الخضر وإلياس هل هما فِي الأحياء؟ فَقَالَ: كَيْفَ يَكُون ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يبقى عَلَى رأس مائة سَنَة مِمَّن هُوَ اليوم عَلَى ظهر الأَرْض أحد» .
[فصل فِي ذكر قارون وسلبه كُل مكنون ومخزون] [2]
قَالَ ابْن جريج: كَانَ قارون ابْن عم موسى أَخِي أَبِيهِ، فَهُوَ قارون بْن يصهر بْن قاهث، وموسى بْن عمران بْن قاهث [3] .
__________
[1] سورة: البقرة، الآية: 102.
[2] مكان العنوان بياض في الأصل، وأوردناه من المرآة، وفي المختصر: «ذكر قارون» .
وراجع: تاريخ الطبري 1/ 443، وتفسير الطبري 20/ 67، وعرائس المجالس 213، والبداية والنهاية 1/ 309، ونهاية الأرب 13/ 232، وزاد المسير 6/ 239- 245، وتفسير ابن كثير 5/ 297- 304، والدر المنثور 5/ 136، ومرآة الزمان 1/ 449.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 443 وفي الأصل بياض.(1/365)
وَكَذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيم النخعي: كَانَ ابْن عمه [1] .
وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: قارون عم موسى [2] .
قَالَ قَتَادَة: كَانَ يسمى المنور من حسن صورته، ولكنه نافق كَمَا نافق السامري فأهلكه البغي [3] .
وَرَوَى الأَعْمَش، عَنْ خيثمة، قَالَ: كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود، كُل مفتاح مثل الإصبع، كل مفتاح عَلَى خزانة عَلَى حدة، فَإِذَا ركب حملت المفاتيح عَلَى ستين بغلا [4] .
واختلفوا فِي قَوْله تعالى: فَبَغى عَلَيْهِمْ 28: 76 [5] :
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: جعل لبغية جعلا عَلَى أَن تقذف موسى [بنفسها ففعلت فاستحلفها موسى] [6] عَلَى مَا قَالَتْ، فأخبرته الحال.
وَقَالَ الضَّحَّاك: بغى بالكفر، وَقَالَ قَتَادَة بالكبر.
وَقَالَ عَطَاء [الخراساني] [7] : زاد فِي طول ثيابه شبرا.
فوعظه قومه فكان جوابه إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي 28: 78 [8] . قَالَ قَتَادَة [9] : عَلَى خير عندي، وَقَالَ غيره [10] : لولا رَضِيَ اللَّه عني مَا أعطاني هَذَا، فَقَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً 28: 78 [11] للأموال.
والمعنى: لو كَانَ اللَّه إِنَّمَا يعطي الأَمْوَال من يعطيه لرضاه عَنْهُ وفضله عنده لم يهلك أرباب الأموال الكثيرة.
__________
[1] المرجع السابق والصفحة.
[2] المرجع السابق والصفحة.
[3] تاريخ الطبري 1/ 444.
[4] تاريخ الطبري 1/ 445.
[5] سورة: القصص، الآية: 76.
[6] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[8] سورة: القصص، الآية: 78.
[9] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 445.
[10] تاريخ الطبري 1/ 445، 446.
[11] سورة: القصص، الآية: 78.(1/366)
فوعظه [قومه] [1] فلم تزده العظة إلا بغيا حَتَّى خرج عَلَى قومه فِي زينته، وَكَانَ راكب برذون أبيض مسرج بسرج الأرجوان، قَدْ لبس ثيابا معصفرة، وحمل معه ثلاثمائة جارية بمثل هيئته وزينته، وأربعة آلاف من أصحابه.
وقيل: حمل معه ثلاثمائة جارية بمثل هيئته، وتسعين ألفا [من أَصْحَابه] [2] .
قَالَ مجاهد [3] : فخرجوا عَلَى براذين بيض عَلَيْهَا سروج الأرجوان عَلَيْهِم المعصفر.
قَالَ ابْن عَبَّاس [4] : لما نزلت الزكاة أتى قارون موسى فصالحه عَلَى كُل ألف دينار دينارا، وعن كُل ألف درهم درهما، وعن كُل ألف شاة شاة، وعن كُل ألف شَيْء شَيْئًا.
ثُمَّ أتى إلى منزله فحسبه فوجده كثيرا، فجمع بَنِي إسرائيل، وَقَالَ: إِن موسى [قَدْ أمركم] [5] بكل شَيْء فأطعتموه [6] ، وَهُوَ الآن يريد أَن يأخذ من أموالكم، فَقَالُوا: أَنْتَ كبيرنا فمرنا بِمَا شئت، فَقَالَ: آمركم أَن تجيئوا بفلانة البغي فتجعلوا لَهَا جعلا فتقذفه بنفسها.
ففعلوا ثُمَّ أتاه قارون، فَقَالَ: إِن قومك قَدِ اجتمعوا لتأمرهم وتنهاهم، فخرج فَقَالَ: يا بَنِي إِسْرَائِيل، من سرق قطعنا يده، ومن افترى جلدناه ثمانين، ومن زنا وليست لَهُ امرأة جلدناه مائة، فَإِن كانت لَهُ امرأة جلدناه حَتَّى يموت، فَقَالَ لَهُ قارون:
وإن كنت أَنْتَ؟ قَالَ: وإن كنت أَنَا، قَالَ: فَإِن بَنِي إِسْرَائِيل يزعمون إنك فجرت بفلانة، قَالَ: ادعوها، فلما جاءت قَالَ موسى: يا فلانة أنا فعلت مَا يَقُول هَؤُلاءِ؟ قَالَتْ: لا كذبوا ولكن جعلوا إلي جعلا عَلَى أني قَدْ أقذفك بنفسي، فسجد فأوحى اللَّه إِلَيْهِ: مر الأَرْض بِمَا شئت، قَالَ: يا أرض خذيهم فأخذتهم هكذا.
روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: فأخذتهم، وَقَالَ غيره: أخذت قارون وأصحابه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 446.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 447.
[5] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[6] في الأصل: «فتطيعونه» . والتصحيح من تاريخ الطبري 1/ 447.(1/367)
وَرَوَى عَلِي بْن زَيْد بْن جدعان، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث، قَالَ: جاء موسى إِلَى قارون فدخل عَلَيْهِ، فَقَالَ: يا موسى ارحمني، فَقَالَ: يا أرض خذيهم، فاضطربت داره وساخت، [وخسف] [1] بقارون وأَصْحَابه.
قَالَ قَتَادَة [2] : ذكر لنا أَنَّهُ يخسف بِهِ كُل يَوْم قدر قامة، [وأنه يتجلجل فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة] [3] .
[فصل فِي ذكر قتيل بَنِي إِسْرَائِيل] [4]
رَوَى السدي عَنْ أشياخه، قَالَ: كَانَ رجل من بَنِي إسرائيل مكثرا من المال، وكانت لَهُ بنت، وَكَانَ لَهُ ابْن أخ محتاج فخاطب إِلَيْهِ ابْن أخيه ابنته، فأبى أَن يزوجه، فغضب الصبي، وقال: والله لأقتلن عمي ولآخذن ماله ولأنكحن ابنته ولآكلن ديته.
فأتاه الفتى فَقَالَ لَهُ: يا عم، قَدْ قدم تجار فِي بَعْض أسباط بَنِي إسرائيل، فانطلق معي فخذ لي من تجارة هَؤُلاءِ الْقَوْم لعلي أصيب فِيهَا فإنهم إِذَا رأوك معي أعطوني.
فخرج العم مَعَ الفتى ليلا، فلما بلغ ذَلِكَ السبط قتله الفتى ثُمَّ رجع إِلَى أهله، فلما أصبح جاء كأنه يطلب عمه لا يدري أين هُوَ، وإذا هُوَ بِذَلِكَ السبط مجتمعين عَلَيْهِ، فأخذهم، وَقَالَ: قتلتم عمي فأدوا إلي ديته، وجعل يبكي ويحثو التراب على رأسه، وينادي: وا عمّاه.
قَالَ أَبُو العالية [5] : وأتى القاتل إِلَى موسى، فَقَالَ: إِن قريبي قتل ولا أجد من يبين لي من قتله غيرك. فنادى موسى فِي النَّاس: أنشدكم اللَّه، من كَانَ عنده من هَذَا القتيل علم إلا بينه لنا، فلم يكن عندهم علم، فأقبل القاتل عَلَى موسى/ وَقَالَ: أَنْتَ نبي اللَّه فأسأل اللَّه أن يبين لنا. فسأل ربه فأمره بذبح البقرة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 450.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 451.
[3] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[4] مكان العنوان في الأصل بياض، وأوردناه من المختصر.
[5] تفسير الطبري 2/ 184.(1/368)
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْن حبيب، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِي بْن الْفَضْلِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا محمد بن عَبْد الصمد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَد بْن حمويه، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن حمويه، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن خريم، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الحميد بْن حميد، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الكريم، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْد الصمد بْن معقل، إنه سمع وهبا يَقُول [1] :
إِن فتى من بَنِي إسرائيل كَانَ برا بوالدته، وَكَانَ يقوم ثلث الليل يصلي ويجلس عِنْدَ رأس والدته ثلث الليل، فيذكرها التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد، وَيَقُول: يا أماه إِن كنت ضعفت عَنْ قيام الليل فكبري اللَّه وسبحيه وهلليه، وَكَانَ ذَلِكَ عملهما الدهر كُلهُ، فَإِذَا أصبح أتى الجبل فاحتطب عَلَى ظهره، فيأتي بِهِ السوق فيبيعه بِمَا شاء اللَّه أَن يبيعه، فيتصدق بثلثه، ويبقي لعبادته ثلثا، ويعطي الثلث أمه، فكانت أمه تأكل النصف وتتصدق بالنصف، فكان ذَلِكَ عملهما الدهر.
فلما طال ذَلِكَ عليهما، قَالَتْ: يا بَنِي اعلم إني ورثت من أبيك بقرة وختمت عنقها وتركتها فِي البقر عَلَى اسم اللَّه إله إِبْرَاهِيم وإسحاق ويعقوب وسأبين لَكَ مَا لونها وهيئتها فادعها باسم إله إِبْرَاهِيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، وإن علامتها أَنَّهَا ليست بهرمة ولا فتية غَيْر أَنَّهَا بينهما، وَهِيَ صفراء فاقع لونها تسر الناظرين، إِذَا نظرت إِلَى جلدها خيل إليك إِن شعاع الشمس يخرج من جلدها، وليست بالذلول لونها واحد، فإذا رأيتها فخذ عنقها فأزلها تتبعك بإذن إله إسرائيل.
فانطلق الفتى وحفظ وصية والدته، وسار فِي البرية يومين أَوْ ثلاثة، ثُمَّ صاح بها، وَقَالَ: بإله إِبْرَاهِيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب إلا مَا أتيتيني، فأقبلت البقرة إِلَيْهِ وتركت الرعي وقامت بَيْنَ يدي الفتى. فأخذ بعنقها، فتكلمت البقرة وَقَالَتْ: يا أيها الفتى البر بوالدته اركبني، فَقَالَ الفتى: لَمْ تأمرني والدتي أَن أركب عليك ولكنها أمرتني أن أسوقك، فأحب أَن أتبع قولها، قَالَتْ: وإله إسرائيل لو ركبتني مَا كنت لتقدر عَلِي، فانطلق أيها الفتى البر بوالدته، فإنك لو أمرت هَذَا الجبل أَن ينقلع من أصله لاقتلع لبرك بوالدتك وطاعتك إلهك.
__________
[1] الخبر في تفسير الطبري 1/ 187.(1/369)
فانطلق فطار طائر من بَيْنَ يديه فاختلس البقرة، فدعاها بإله إِبْرَاهِيم فأقبلت وَقَالَتْ: إِن الطائر إِبْلِيس اختلسني فلما ناديتني جاء ملك من الملائكة فانتزعني منه فردني إليك لبرك بوالدتك وطاعتك إلهك.
فدخل الفتى إِلَى أمه فأخبرها بالخبر، فَقَالَتْ: يا بَنِي إني أراك تحتطب عَلَى ظهرك فاذهب بِهَذِهِ البقرة فبعها وخذ ثمنها وتقوبه فَقَالَ: بكم أبيعها؟ قَالَتْ: بثلاثة دنانير عَلَى رضى مني.
فانطلق إِلَى السوق فبعث اللَّه ملكا من الْمَلائِكَة فَقَالَ للفتى: بكم تبيعها؟ قال:
بثلاثة دنانير عَلَى رضى من والدتي، قَالَ: لَكَ ستة دنانير ولا تستأمر والدتك، قَالَ: لو أعطيتني زنتها لَمْ أبيعها حَتَّى أستأمرها. فخرج الفتى فأخبر والدته الخبر فقالت: بعها بستة دنانير عَلَى رضى مني. فانطلق فأتاه الْمَلِك وَقَالَ: مَا فعلت؟ فَقَالَ: أبيعها بستة دنانير عَلَى رضى من والدتي، فَقَالَ: فخذ اثني عشر دينارا ولا تستأمرها، قَالَ: لا.
فانطلق إِلَى أمه، فَقَالَتْ: يا بَنِي إِن الَّذِي يأتيك ملك من الْمَلائِكَة فِي صورة آدمي، فَإِذَا أتاك فقل لَهُ: إِن والدتي تقرأ عليك السَّلام وتقول: بكم تأمرني أَن أبيع هذه البقرة؟ فَقَالَ لَهُ الْمَلِك: أيها الفتى يشتري بقرتك هذه موسى بْن عمران لقتيل يقتل فِي بَنِي إسرائيل، فاشتروها منه عَلَى أَن يملئوا له جلدها دنانير، فعمدوا إلى جلدها فملئوه دنانير ثم دفعوه إلى الفتى. فعمد الفتى فتصدق بالثلثين عَلَى الفقراء من بَنِي إسرائيل، وتقوى بالثلث
. [فصل فِي ذكر أَن بَنِي إِسْرَائِيل آذوا موسى فنسبوه إِلَى الآدر] [1]
إِن قوما من بَنِي إِسْرَائِيل عابوا موسى لكونه يغتسل مؤتزرا، فقالوا إنه آدر. والآدر:
العظيم الخصيتين.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 423، وصحيح البخاري، الغسل 20، وصحيح مسلم، حيض 75، وفضائل 155، 156، ومسند أحمد 2/ 315، 515.(1/370)
السَّرَخْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَكَانَ مُوسَى يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلا أَنَّهُ آَدَرُ. فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ، فَجَمَعَ مُوسَى فِي أَثَرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِي يَا حَجَرُ، ثَوْبِي يَا حَجَرُ، حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيل إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، وَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ، وَأَخَذَ ثوبه فطفق بالحجر ضربا» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَندب بِالْحَجَرِ سِتَّةَ أَوْ سَبْعَةَ ضَرْبًا بِالْحَجَرِ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1] .
فَإِن قيل: كَيْفَ خرج موسى عريانا حَتَّى رآه النَّاس؟
فيحتمل وجهين، أحدهما: أَنَّهُ خرج وليس هناك أحد فرأوه.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ مئزر، والإزرة تبين تَحْتَ الثوب المبتل بالماء
. [ذكر الملوك] فِي زمان موسى عَلَيْهِ السَّلام] [2]
إِن أول ملك من ملوك اليمن ملك كَانَ لَهُمْ فِي زمان موسى من حمير يقال لَهُ:
شمير بْن الأهلوك [3] . وَهُوَ الَّذِي بنى مدينة ظفار باليمن، وأخرج من كَانَ بها من العماليق، وإن هَذَا الملك الحميري كَانَ من عمال ملوك الفرس يَوْمَئِذٍ على اليمن ونواحيها.
__________
[1] الحديث أخرجه البخاري 1/ 78، ومسلم في الفضائل، الباب 42، حديث 155، والقرطبي في التفسير 14/ 251.
[2] تاريخ الطبري 1/ 442، ومرآة الزمان 1/ 431. ومكان العنوان بياض في الأصل، وما أوردناه من المختصر.
[3] في المرآة 1/ 431: «شمر بن الأملول» .(1/371)
ومن الحوادث فِي زمانه [احتراق ابني هَارُون] [1]
قَالَ وهب بْن منبه: كَانَ يسرج فِي بَيْت المقدس ألف قنديل وَكَانَ يخرج زيتا من طور سيناء مثل عنق البعير حَتَّى يصب فِي القنديل، ولا يمس بالأيدي، وكانت تنحدر نار من السماء بيضاء فيسرج بها، وَكَانَ يلي السراج ابنا هَارُون. فأوحى اللَّه تَعَالَى إليهما:
أَن لا تسرجا بنار الدُّنْيَا، فأبطأت النار عَنْهُمَا عشية، فعمدا إِلَى نار من نار الدنيا فأسرجا بها، فانحدرت النار فأحرقتهما.
فخرج الصريخ إِلَى موسى فخرج إِلَى الموضع الَّذِي كَانَ يناجي فِيهِ ربه، فقال:
أي رب ابنا هارون أخي، قَدْ علمت منزلتهما مني فانحدرت النار فأحرقتهما، وناداه: يا موسى هكذا أفعل بأوليائي إِذَا عصوني، فكيف أفعل بأعدائي
. [ومن الحوادث] [2] موت هَارُون فِي زمان موسى عليهما السَّلام [3]
رَوَى السدي عَنْ أشياخه [4] : إِن اللَّه تَعَالَى أوحى إِلَى موسى: إني متوف هَارُون، فأتى بِهِ جبل كذا وكذا، فانطلق موسى وهارون نَحْو الجبل، فَإِذَا [هما] [5] فِيهِ بشجرة لَمْ ير شجر مثلها، وإذا هما ببيت مبني، وإذا هما فِيهِ بسرير عَلَيْهِ فرش، وإذا فِيهِ ريح طيبة، فلما نظر هَارُون إِلَى ذَلِكَ الجبل والبيت وَمَا فِيهِ أعجبه، فَقَالَ: يا موسى إني لأحب أَن أنام عَلَى هَذَا السرير، فَقَالَ لَهُ موسى: فنم عَلَيْهِ، قَالَ إني أخاف أَن يَأْتِي رب هَذَا الْبَيْت فيغضب عَلِي، فَقَالَ لَهُ موسى: لا ترهب، أنا أكفيك رب هَذَا الْبَيْت فنم، فَقَالَ: يا موسى نم معي.
فناما فأخذ هَارُون الْمَوْت، فلما قبض رفع ذَلِكَ الْبَيْت وذهبت تلك الشجرة ورفع
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 431. وما بين المعقوفتين من المرآة.
[2] ما بين المعقوفتين: بياض في الأصل.
[3] تاريخ الطبري 1/ 432، وعرائس المجالس 246، ومرآة الزمان 1/ 441.
[4] تاريخ الطبري 1/ 432.
[5] في الأصل: «هم» والتصحيح من الطبري.(1/372)
السرير بِهِ إِلَى السماء، فلما رجع موسى إِلَى بَنِي إسرائيل وليس مَعَهُ هَارُون، قَالُوا: إِن موسى قتل هَارُون وحسده عَلَى حب بَنِي إسرائيل لَهُ، وَكَانَ هَارُون أكف عَنْهُم وألين لهم من موسى، وكان في بَعْض الغلظ/ عَلَيْهِم.
فلما بلغه ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ: ويحكم، أترونني أقتل أَخِي، فلما أكثروا عَلَيْهِ قام فصلى ركعتين ثُمَّ دعا اللَّه فنزل بالسرير حَتَّى نظروا إِلَيْهِ من السماء وَالأَرْض فصدقوه.
وَقَالَ عَمْرو بْن ميمون: مَات موسى وهارون فِي التيه، مَات هَارُون قبل موسى، وكانا أخرجا فِي التيه إِلَى بَعْض الكهوف، فمات فدفنه موسى وانصرف إِلَى بَنِي إسرائيل، فَقَالُوا: مَا فعل هَارُون؟ قَالَ: مَات، قَالُوا: لكنك قتلته لحبنا إياه. فشكى موسى مَا لقي من بَنِي إِسْرَائِيل، فأوحى اللَّه إِلَيْهِ: أَن انطلق بهم إِلَى موضع قبره، فإني باعثه حَتَّى يخبرهم أَنَّهُ مَات موتا.
فانطلق بهم إِلَى قبر هَارُون، فنادى: يا هَارُون، فخرج من قبره ينفض رأسه، فَقَالَ: أنا قتلتك؟ قَالَ: لا والله ولكني مت، قَالَ: فعد إِلَى مضجعك.
قَالَ الْحَسَن: مَات هَارُون وَهُوَ ابْن مائة وثماني عشرة سَنَة، قبل موسى بثلاث سنين.
وَفِي التوراة: أَن هَارُون مَات وَهُوَ ابْن عشرين ومائة سَنَة وكانت وفاته فِي التيه
. [ومن الأحداث] [1] وفاة موسى عَلَيْهِ السَّلام [2]
قَالَ السدي عَنْ أشياخه: بينما موسى يمشي ويوشع فتاه إذ أقبلت ريح سوداء، فلما نظر [إليها] [3] يوشع ظن أَنَّهَا الساعة فالتزم موسى وَقَالَ: يا قوم الساعة وأنا ملتزم موسى نبي اللَّه، فاستل موسى من تَحْتَ القميص وترك القميص فِي يدي يوشع، فلما جاء يوشع بالقميص أخذته بنو إِسْرَائِيل، وَقَالُوا: قتلت نبي اللَّه، قَالَ: لا والله مَا قتلته ولكنه استل مني، فلم يصدقوه وأرادوا قتله.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: بياض في الأصل.
[2] تاريخ الطبري 1/ 432، عرائس المجالس 247، ومرآة الزمان 1/ 442، والزهد لأحمد بن حنبل 74.
[3] في الأصل «إليه» والتصحيح من الطبري.(1/373)
قَالَ: فَإِذَا لَمْ تصدقوني فأخروني ثلاثة أَيَّام. فدعا اللَّه فأتى كُل رجل مِمَّن كَانَ يحرسه فِي المنام، فأخبر أَن يوشع لَمْ يقتل موسى، وأنا قَدْ رفعناه إلينا، فتركوه ولم يبق ممن أبى أن يدخل قرية الجبارين مَعَ موسى أحد إلا مَات وَلَمْ يشهد الفتح.
وزعم ابْن إِسْحَاق: أَن موسى كَانَ قَدْ كره الْمَوْت وأعظمه، فأراد اللَّه أَن يحبب إِلَيْهِ الْمَوْت ويكره إِلَيْهِ الحياة، فنبي يوشع وَكَانَ يغدو عَلَيْهِ ويروح فَيَقُول لَهُ موسى: يا نبي اللَّه مَا أحدث اللَّه إليك؟ فَيَقُول لَهُ يوشع: يا نبي اللَّه ألم أصحبك كَذَا وكذا سَنَة، فهل كنت أسألك عن شَيْء مِمَّا أحدث اللَّه إليك حَتَّى تكون أَنْتَ الَّذِي تبتدئ بِهِ وتذكره؟ فلا يذكر لَهُ شَيْئًا.
فلما رأى ذَلِكَ موسى كره الحياة وأحب الْمَوْت.
وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّد بْن كعب القرظي: كَانَ تحويل النبوة إِلَى يوشع بْن نون قبل موت موسى، وَكَانَ يختلف يوشع إِلَى موسى غدوة وعشية، فَيَقُول لَهُ موسى: يا نبي اللَّه هل أحدث اللَّه إليك اليوم شَيْئًا؟ فَيَقُول لَهُ يوشع: يا صفي اللَّه صحبتك من كَذَا وكذا سَنَة، فهل سألتك عَنْ شَيْء يحدثه اللَّه إليك حَتَّى تكون أَنْتَ الَّذِي تبتدئه لي؟ فلما رأى موسى الْجَمَاعَة عِنْدَ يوشع أحب الْمَوْت.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي: هذه العبارة توهم بَعْض الأغبياء أَن موسى غاظه مَا رأى، فأحب الْمَوْت، إذ ضاق ذرعا بالذي أبصر من منزلة يوشع حِينَ علت. وليس كَذَلِكَ، إِنَّمَا أحب موسى الْمَوْت لما رأى لَهُ خلفا فِي أمته كافيا يقوم مقامه فيهم، فاستطاب حينئذ الْمَوْت لما وصفنا لا غَيْر.
وَأَمَّا استجابة يوشع وامتناع يوشع من إفشائه مَا يَكُون من اللَّه إِلَيْهِ فلم يك من بَاب التعزز من يوشع ولا من حبه الاقتصار من موسى إِلَيْهِ، بَل هُوَ من استخبار موسى يوشع هل بلغ حد الأمناء الَّذِينَ يكتمون مَا يجب كتمه عَنْ أقرب النَّاس إليهم وأعزهم عَلَيْهِم، فلما ألفى يوشع بالغا هذه المرتبة لَمْ يشك فِي نهوضه بالوحي واستمكانه من الحال الَّتِي أَهْل لَهَا فهذا الَّذِي أصار موسى إِلَى السؤال [1] .
ويدل عَلَى هَذَا مَا روي عَنِ الْحَسَن أَنَّهُ، قَالَ: لما ودع موسى أهله وولده أرسل
__________
[1] في المختصر: «فهذا هو الّذي بعث موسى أم إلى السؤال» .(1/374)
إِلَى يوشع فاستخلفه عَلَى النَّاس، قَالَ: وَكَانَ موسى إِنَّمَا يستظل فِي عريش ويأكل ويشرب فِي نقير من حجر تواضعا للَّه عَزَّ وَجَلَّ حِينَ أكرمه بكلامه.
قَالَ وهب: ذكر لي أَنَّهُ كَانَ من أمر وفاته أَنَّهُ أخرج يوما من عريشه ذَلِكَ لبعض حاجته، فمر برهط من الْمَلائِكَة يحفرون قبرا، فعرفهم فأقبل إليهم حَتَّى وقف عَلَيْهِم فَإِذَا هُمْ يحفرون قبرا لَمْ ير شَيْئًا أَحْسَن منه وَلَمْ ير مثل مَا فِيهِ من الخضرة والنضرة والبهجة، فَقَالَ لَهُمْ: يا مَلائِكَة اللَّه لَمْ تحفرون هَذَا القبر؟ قَالُوا: نحفره والله لعبد كريم على الله، قال: إن هذا العبد من اللَّه لبمنزلة، مَا رأيت كاليوم مضجعا، قَالَتِ الْمَلائِكَة:
يا صفي اللَّه أتحب أَن يَكُون لَكَ؟ قَالَ: وددت، قَالُوا: فانزل فاضطجع فِيهِ وتوجه إِلَى ربك ثُمَّ تنفس، فنزل فاضطجع فيه وتوجه إِلَى ربه ثُمَّ تنفس فقبض اللَّه روحه ثُمَّ سوت عَلَيْهِ الْمَلائِكَة.
قَالَ مؤلف الكتاب: وَفِي هَذَا بَعْد، فَإِن الْحَدِيث الصحيح يدل عَلَى غَيْر هَذَا.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن همام مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ، قَالَ: فَلَطَمَ مُوسَى عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ ففقأها، فرجع الملك إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَكَ لا يُرِيدُ الْمَوْتَ وَقَدْ فقأ عيني، قال: فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي فَقُلْ لَهُ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدَ الْحَيَاةِ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَمَا تَوَارَيَتْ بِيَدِكَ مِنْ شَعْرَةٍ فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً.
[فَعَادَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ] [1] فَقَالَ: ثُمَّ مَهْ، قَالَ: ثُمَّ تَمُوتُ، قَالَ: فَالآنَ مِنْ قَرِيبٍ. قَالَ: يَا رَبِّ أَدْنِنِي مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةَ حجر» . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لأَرَيَتْكُمُ [قَبْرَهُ] [2] إِلَى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر» [3] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من المرآة.
[2] ما بين المعقوفتين: من الهامش.
[3] الحديث: أخرجه أحمد في المسند 2/ 269، 315، وصحيح البخاري 4/ 121، وصحيح مسلم، الفضائل 158، ومسند أبي عوانة 1/ 188، والبداية والنهاية 1/ 317.(1/375)
قَالَ أَبُو عمران الجوني: لما مثل موسى عَلَيْهِ السَّلام جعل يبكي وَيَقُول: لست أجزع للموت ولكني أجزع أَن ييبس لساني عَنْ ذكر اللَّه عِنْدَ الْمَوْت.
قَالَ: وَكَانَ لموسى ثَلاث بنات فدعاهن فَقَالَ: يا بناتي، إِن بَنِي إِسْرَائِيل سيعرضون عليكن الدُّنْيَا بعدي فلا تقبلن منها شَيْئًا تلقطن هَذَا السنبل فافركنه ثُمَّ كلنه، وستبلغن بِهِ إِلَى الْجَنَّة.
قَالَ علماء السير: توفي موسى بَعْد هَارُون بثلاث سنين، وأوصى إِلَى يوشع، وتوفي بباب لد.
قَالَ أَبُو جَعْفَر الطبري [1] : كَانَ جميع مدة عُمَر موسى عَلَيْهِ السَّلام مائة وعشرين سَنَة، عشرون منها فِي ملك أفريدُونَ، ومائة منها فِي ملك منوشهر، وَكَانَ ابتداء أمره منذ بعثه اللَّه نبيا إِلَى أَن قبضه اللَّه فِي ملك منوشهر.
واختلفوا: هل مَات بأرض الشام أم لا عَلَى قولين: أحدهما أَنَّهُ توفي بأرض التيه، وَقَدْ روينا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَاتُوا كلهم فِي التيه وموسى وهارون، وَلَمْ يدخل بَيْت المقدس إلا يوشع، وكالب بْن يوفنا، والحَدِيث الَّذِي قدمناه يدل عَلَى هَذَا.
والقول الآخر: لما مضت الأربعون خرج موسى ببني إِسْرَائِيل من التيه، وَقَالَ لَهُمْ: ادخلوا القرية فكلوا منها حيث شئتم. قاله الرَّبِيع بْن أَنَس، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن زَيْد.
وَقَالَ ابْن جَرِير: وَهَذَا هُوَ الصحيح، وإن موسى هُوَ الَّذِي فتح قرية الجبارين مَعَ الصالحين من بني إسرائيل لأن أَهْل السير أجمعوا أَن موسى هُوَ قاتل عوج، وَكَانَ عوج ملكهم، وَكَانَ بلعام فيمن سباه/ سباه موسى وقتله.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي: وَقَدْ قيل: إِن الْيَهُود لا تدري أين قبر موسى وهارون، ولو علموا لاتخذوهما إليهن من دون الله.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 434.(1/376)
[ذكر يوشع بْن نون عَلَيْهِ السَّلام] [1]
وَهُوَ يوشع بن نون بن أفرائيم بْن يُوسُف بْن يعقوب.
وَقَدْ ذكر أَن اللَّه تَعَالَى جعل يوشع نبيا فِي زمن موسى، فلما توفي موسى ابتعثه اللَّه تَعَالَى، فأقام لبني إسرائيل أحكام التوراة، وَهُوَ الَّذِي قسم الشام بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيل، وَهُوَ الَّذِي أخرج اللَّه لَهُ نهر الأردن، وأمره اللَّه تَعَالَى بالمسير إِلَى أريحا لحرب من فِيهَا من الجبارين، وَهِيَ الَّتِي امتنع بنو إسرائيل من دخولها فعوقبوا بالتيه. ومات موسى وهارون في التيه، ومات الكل سِوَى يوشع وكالب.
وإنما دَخَلَ يوشع بأبنائهم، فقاتل الجبارين فهزمهم، واقتحم أَصْحَابه عَلَيْهِم يقتلونهم، فكانت العصابة من بَنِي إسرائيل يجتمعون عَلَى عنق الرجل يضربونها لا يقطعونها، وَكَانَ القتال يَوْم الجمعة، حَتَّى إِذَا أمسوا وقاربت الشمس الغروب خافوا من دخول السبت، فَقَالَ يوشع: اللَّهمّ احبس الشمس، فوقفت بينها وبين الغروب قيد رمح، فثبتت مقدار ساعة حَتَّى افتتحها وقتل أعداءه وهدم أريحاء ومدائن الملوك وجمع غنائمهم، وأمرهم يوشع أَن يقربوا الغنيمة فقربوها فلم تنزل النار لأكلها، فَقَالَ يوشع لَهُمْ: فبايعوني.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّد، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ.
«غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لا يَتَّبِعَنِي رَجُلٌ قَدْ مَلَكَ بِضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ، وَلا آَخَرُ قَدْ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سَقْفَهَا، وَلا آَخَرُ قَدِ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خلفات وهو ينتظر أولادها فغزا فدنا إِلَى الْقَرْيَةِ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ.
فَقَالَ لِلشَّمْسِ: أَنْتِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهمّ احْبِسْهَا عَلِيَّ فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا، فَأَقْبَلَتِ النَّارُ لِتَأْكُلَهُ فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ، فَقَالَ: فِيكُمْ غلول
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 435، والكسائي 240، وابن وثيمة 51، ومرآة الزمان 1/ 452.
وما بين المعقوفتين: بياض في الأصل، وما أوردناه من المختصر.(1/377)
فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، فَبَايَعُوهُ فَلَصِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، أَنْتُمْ غللتم. فأخرجو لَهُ مِثْلَ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: فَوَضَعُوهُ بِالْمَالِ وَهُوَ بِالصَّعِيدِ فَأَقْبَلَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهُ. فَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لأَحَدٍ مِنْ قَبْلِنَا، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَطَيَّبَهَا لَنَا» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1] .
ويوشع هَذَا هُوَ الَّذِي حارب العماليق وعليهم السميدع بْن هوبر فالتقوا بأيلة فقتل السميدع وأكثر العماليق، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَن موسى حارب الجبارين، والله أعلم.
أَنْبَأَنَا أَحْمَد بْن عَلِي المجلي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر الخطيب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن بْن بِشْرَان، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن صفوان، قَالَ: حدثنا عبد الله بن محمد القرشي، قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن بسطام، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن عَمْرو الصنعاني، قَالَ:
أوحى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى يوشع بْن نون: إني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم، وستين ألفا من شرارهم. قَالَ: يا رب فَمَا بال الأخيار؟ قَالَ: إنهم لَمْ يغضبوا لغضبي وكانوا يؤاكلونهم ويشاربونهم.
وزعم هِشَام بْن مُحَمَّد الكلبي [2] : أَن بقية بقيت من الكنعانيين بَعْد قتل يوشع من قتل مِنْهُم، وأن إفريقيش بْن قيس [3] بْن صيفي بْن سبأ بْن كعب مرّ بهم متوجها إلى إفريقية، فاحتلها وقتل ملوكها وأسكنها البقية الَّتِي بقيت من الكنعانيين، فَهُمُ البرابرة، وإنما سموا بربرا لأن أفريقيش قَالَ لَهُمْ: مَا أَكْثَر بربرتكم، فسموا لِذَلِكَ بربرا.
فَقَالُوا: ونهض يوشع إِلَى بَعْض الملوك فقاتله فغلبه وصلبه عَلَى خشبة وأحرق المدينة، وقتل من أهلها اثني عشر ألفا.
واحتال أَهْل بلد آخر حَتَّى جعل لَهُمْ أمانا فظهر عَلَى باطنهم، فدعا اللَّه عَلَيْهِم أَن
__________
[1] الحديث في صحيح البخاري 4/ 104، 7/ 27، وفتح الباري 9/ 223، وصحيح مسلم الجهاد 32، ومسند أحمد 2/ 318، والسنن الكبرى 6/ 290، ومصنف عبد الرزاق 9492.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 442.
[3] في الطبري: «إفريقيس بن قيس» .(1/378)
يكونوا حطابين وسقاءين، فكانوا كَذَلِكَ. وهرب خمسة من الملوك فاختفوا فِي غار، فأمر يوشع بسد بَاب الغار حَتَّى فرغ من أعدائه، ثُمَّ أخرجهم فقتلهم وصلبهم.
وتتبع سائر الملوك واستباح مِنْهُم واحدا وثلاثين ملكا، وقسم الأَرْض الَّتِي غلب عَلَيْهَا.
ثُمَّ مَات يوشع عَلَيْهِ السَّلام، وَكَانَ عمره مائة سَنَة وعشر سنين، وقيل: مائة وعشرين سَنَة. ودفن فِي جبل إفراييم، وَكَانَ تدبيره أمر بَنِي إسرائيل بَعْد أَن توفي موسى إِلَى أَن توفي هُوَ سبعا وعشرين سَنَة، وَذَلِكَ كُلهُ من زمان منوشهر عشرين سَنَة، ومن زمان أفراسياب سبع سنين.
[ذكر الأحداث] [1] الَّتِي حدثت بَعْد يوشع عَلَيْهِ السَّلام [2]
قَالَ الزهري، ومحمد بْن كعب القرظي: لما حضرت يوشع الوفاة استخلف كالب بن يوفنا.
قَالَ القرظي: وَلَمْ يكن لكالب نبوة، ولكنه كَانَ رجلا صالحا يودونه فوليهم زمانا يقيم فيهم من طاعة اللَّه مَا كَانَ يقيم يوشع حَتَّى قبضه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى منهاج يوشع.
فاستخلف كالب ابنا لَهُ فأقام العدل فِي بَنِي إسرائيل أربعين سَنَة، فلما مَات اختلفت بنو إسرائيل، ودعى كُل إِلَى نَفْسه وإلى سبطه، ثُمَّ عملوا بالمعاصي وتشاحنوا عَلَى الدنيا وأحبوا الْمَلِك، فبعث اللَّه تَعَالَى حزقيل.
[ذكر الملوك بَعْد يوشع بْن نون عَلَيْهِ السَّلام] [3]
فأما الملوك، فَإِن منوشهر هلك فِي زمن يوشع فملك أفراسياب، وكان يكثر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: مكانه بياض في الأصل.
[2] تاريخ الطبري 1/ 457، وعرائس المجالس 250، والكسائي 242، ومرآة الزمان 453.
[3] مكان العنوان بياض في الأصل، وما أوردناه من المختصر.
وراجع تاريخ الطبري 1/ 453.(1/379)
المقام ببابل وبمهرجان قذق، فأكثر الفساد فِي مملكة فارس، ودفن الأنهار والقنيّ، وقحط الناس فِي سَنَة خمس من [ملكه، إِلَى أَن خرج عَنْ] [1] مملكة [أَهْل فارس] [2] ، وغارت المياه، وحالت الأشجار المثمرة إِلَى أَن ظهر عَلَيْهِ ملك يقال لَهُ: «زو» ، من أولاد منوشهر، وبينهما عدة آباء، فطرده عَنْ مملكة أَهْل فارس، وأصلح مَا كَانَ أفسد، ووضع عَنِ النَّاس الخراج سبع سنين، فعمرت البلاد فِي مملكته، وكثرت المياه فِيهَا، واستخرج بالسواد نهرا فسماه الزاب، وأمر فبنيت عَلَى حافتيه مدينة وَهِيَ الَّتِي تسمى المدينة العتيقة، وغرس فِيهَا الغروس، وَكَانَ من أَوَّل من اتخذ لَهُ ألوان الطبيخ، وَقَالَ يَوْم ملك وعقد التاج عَلَى رأسه: نحن متقدمون فِي عُمَارَة مَا أخربه الساحر فريساب.
وَكَانَ جميع ملك زو ثَلاث سنين، ملك ابنه بعده كيقباد، وَكَانَ يشبه فرعون فِي الكبر.
وجاء بأولاد جبابرة، وسمى المدن بأسمائها، وجرت بينه وبين الترك وغيرهم حروب كثيرة، وَكَانَ نازلا بالقرب من نهر بلخ ليمنع الترك أَن يتطرقوا إِلَى حدود فارس، وَكَانَ ملكه مائة سَنَة، وَكَانَ القيم بأمر بَنِي إسرائيل يوشع، ثُمَّ كالب بْن يوفنا، ثُمَّ حزقيل.
[ذكر حزقيل بْن بوزي] [3]
وَهُوَ الَّذِي يقال لَهُ ابْن العجوز، ويقال إِن ابْن العجوز أشمويل، والله أعلم.
قَالَ ابْن إِسْحَاق [4] : هُوَ حزقيل بْن بوذي، وإنما قيل لَهُ ابْن العجوز لأنها سألت الله عزّ وجلّ الولد بَعْد مَا كبرت وعقمت فوهبه اللَّه لَهَا، فلذلك قيل ابْن العجوز، وَهُوَ الَّذِي دعى للقوم الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ 2: 243.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[3] تاريخ الطبري 1/ 457، وكتب التفسير تفسير الآية 243 من سورة البقرة، وعرائس المجالس 250، وابن وثيمة 59، ومرآة الزمان 1/ 454.
والعنوان مكانه بياض في الأصل.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 457.(1/380)
قَالَ وهب بْن منبه [1] : أصاب ناسا من بَنِي إسرائيل بلاء وشدة/ من الزمان فشكوا مَا أصابهم، وَقَالُوا: يا ليتنا متنا فاسترحنا مِمَّا نحن فِيهِ، فأوحى اللَّه تَعَالَى إِلَى حزقيل: إِن قومك صاحوا من البلاء وزعموا أنهم ودوا لو مَاتُوا فاستراحوا، وأي راحة لَهُمْ فِي الْمَوْت، أيظنون أني لا أقدر أَن أبعثهم بَعْد الْمَوْت، فانطلق إِلَى جبانة كَذَا وكذا فَإِن فِيهَا أربعة آلاف- قَالَ وهب: وَهُمْ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ 2: 243 [2]- فقم فيهم فنادهم، وكانت عظامهم قَدْ تفرقت، فرقتها الطير والسباع، فناداها حزقيل، فَقَالَ: يا أيتها العظام، إِن اللَّه يأمرك أَن تجتمعي، فاجتمع عظام كُل إِنْسَان مِنْهُم، ثُمَّ نادى ثانية فَقَالَ: أيتها العظام إِن اللَّه يأمرك أَن تكتسي اللحم، فاكتست اللحم، وبعد اللحم جلدا، فكانت أجسادا، ثُمَّ نادى الثالثة أيتها الأرواح إِن اللَّه يأمرك أَن تعودي فِي أجسادك، فقاموا بإذن اللَّه وكبروا تكبيرة واحدة.
وَقَالَ السدي عَنْ أشياخه [3] : كانت قرية يقال لَهَا داوردان وقع بها الطاعون فهرب عامة أهلها، فهلك من بقي فِي القرية وسلم الآخرون، فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين، فَقَالَ الَّذِين سلموا: أَصْحَابنا هَؤُلاءِ كَانُوا أحزم منا، لو صنعنا كَمَا صنعوا بقينا! ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم.
فوقع فِي قابل فخرجوا [4] وَهُمْ بضعة وستون ألفا حَتَّى نزلوا ذَلِكَ المكان، وَهُوَ واد أفيح، فناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه: موتوا، فماتوا.
فمر بهم نبي يقال لَهُ هزقيل [5] ، فوقف عَلَيْهِم وجعل يفكر فيهم، فأوحى اللَّه إليه:
أتريد أن أريك كَيْفَ أحييهم؟ قَالَ: نعم، فقيل لَهُ: ناد، فنادى: يا أيتها العظام إِن اللَّه يأمرك أَن تجتمعي، فجعلت العظام يطير بَعْضهَا إِلَى بَعْض حَتَّى كانت أجسادا من عظام، ثُمَّ أوحى إِلَيْهِ أَن ناد: يا أيتها العظام إِن اللَّه يأمرك أَن تكتسي لحما ودما، ثم قيل له: ناد، فنادى يا أيتها الأجساد إن الله يأمرك أَن تقومي، فقاموا.
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 458.
[2] سورة: البقرة، الآية: 243.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 458.
[4] في الطبري 1/ 458: «فهربوا» .
[5] كذا في الأصل، وفي تاريخ الطبري وتفسيره: «حزقيل» .(1/381)
قَالَ مجاهد [1] : قَالُوا حِينَ أحيوا: سبحانك ربنا ونحمدك لا إله إلا أَنْتَ فرجعوا إِلَى قومهم أحياء، سحنة الْمَوْت عَلَى وجوههم، لا يلبسون ثوبا إلا عاد دسما [2] مثل الكفن. حَتَّى مَاتُوا لآجالهم الَّتِي كتبت لَهُمْ.
[ذكر الملوك] [3] الَّتِي كانت فِي زمن حزقيل
إنه كان في زمن حزقيل] [4] من الملوك: نصر البابلي، وَهُوَ الَّذِي أفنى ملوك أَهْل هَذَا الزمان، لأنه كَانَ يفتح الحصون ويقتل من فِيهَا، وَكَانَ فِي هَذَا الزمان عدة من الأنبياء، مِنْهُم: أرمياء، ودانيال، فلما هربت اليهود من نصر إِلَى مصر أخذوا معهم أرمياء ودانيال، فلما أهبطوه أرض مصر قتلوه، ومضى قوم مِنْهُم إِلَى أرض بابل فوثبوا بحزقيل فقتلوه وقبروه هناك.
ولما قبض حزقيل- وَلَمْ يذكر مدة بقائه فِي بَنِي إسرائيل- كثرت فيهم الأحداث، فبعث اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إليهم إلياس، وَبَعْض الْعُلَمَاء يجعل حزقيل بَعْد إلياس، فالاخْتِلاف فِي تقديم الأنبياء وتأخيرهم متفاوت بَيْنَ النقلة، ونحن نتخير الأصوب عندنا.
[ذكر إلياس عَلَيْهِ السَّلام] [5]
قَالَ ابْن إِسْحَاق [6] : لما قبض اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حزقيل عظمت الأحداث فِي بَنِي إسرائيل فنسوا مَا كَانَ اللَّه عهد إليهم حَتَّى نصبوا الأوثان وعبدوها من دُونَ اللَّه بعث إليهم إلياس بْن ياسين بْن فنحاص بْن العيزار بْن هَارُون بْن عمران.
وَقَالَ وهب: إلياس بْن العازر بْن العيزار بْن هارون.
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 459.
[2] في الأصل: «إلا كان دسما» والتصحيح من تاريخ الطبري.
[3] جزء من العنوان بياض في الأصل، وما أوردناه من المختصر.
[4] ما بين المعقوفتين من الهامش.
[5] تاريخ الطبري 1/ 461، وعرائس المجالس 252، وتهذيب تاريخ ابن عساكر 3/ 98، والكسائي 243، وابن وثيمة 63، ومرآة الزمان 1/ 459.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 461.(1/382)
وَقَالَ الطبري: إلياس بْن ياسين بْن فنحاص بْن العيزار بْن هَارُون.
وَقَالَ أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن المنادي: إلياس بْن يشين بْن العازر بْن هَارُون. نقلته من خطه وضبطه. قَالَ: وَهُوَ إلياس، وَهُوَ إلياسين، وَهُوَ إدراسين، وَهَذَا فِي قراءة ابْن مَسْعُود.
وإنما كانت الأنبياء تبعث من بَنِي إسرائيل بَعْد موسى لتجديد مَا نسوا من التوراة وَقَدْ بعث اللَّه بَيْنَ موسى وعيسى ألف نبي من بني إسرائيل سوى من أرسل من غيرهم، وَلَمْ يكن بينهم فترة.
وَكَانَ بنو إسرائيل قَدِ اتخذوا صنما يسمونه بعلا.
قَالَ نعيم بْن أَبِي: مذ كَانَ رجل من الملوك يغزو فأطال الغيبة مرة عَنِ امرأته فاشتاقت إِلَيْهِ، فصاغت رجلا من ذهب وفضة، وألبسته ثياب زوجها وعممته وقلدته السَّيْف وأقعدته عَلَى سرير زوجها وحجبته وأقامت عَلَيْهِ الحرس، ثُمَّ جمعت أَهْل أرضها، وكانوا يعبدُونَ الأوثان، فَقَالَتْ: إِن هذه الأوثان الَّتِي فِي أيديكم باطل فاطرحوها، وإنما إلهكم البعل، فإذا كشفت لكم عَنْهُ فاسجدوا لَهُ، فكشفت لَهُمْ عَنْهُ فسجدوا وعبدوه، وكتبت إِلَى زوجها تخبره بِمَا صنعت.
فكتب إِلَيْهَا: قَدْ أصبت، ثُمَّ قدم فعبد وسجد لَهُ، فبعث اللَّه إليهم إلياس يدعوهم إِلَى اللَّه سبحانه، وجعلوا لا يَسْمَعُونَ منه.
قَالَ ابْن إِسْحَاق [1] : فأوحى اللَّه إِلَيْهِ: قَدْ جعلنا أمر أرزاقهم بيدك فدعا عَلَيْهِم أَن يمسك عَنْهُمُ القطر فحبس عَنْهُم ثَلاث سنين حَتَّى هلكت المواشي والهوام والشجر.
وَكَانَ قَدِ استخفى خوفا عَلَى نَفْسه من أجل دعائه عَلَيْهِم، وَكَانَ حيث مَا كَانَ يوضع لَهُ رزقه، فمنع الرزق ثلاثا فبكى فنودي: أتبكي لجوع ثلاثة أَيَّام وقومك يموتون جوعا فارجع إليهم.
وكانوا إِذَا وجدوا ريح الخبز فِي دار قَالُوا: لَقَدْ دَخَلَ إلياس هَذَا المكان فيلقى أَهْل ذَلِكَ المنزل مِنْهُم شرا. فأوى ليلة إِلَى امرأة من بَنِي إسرائيل لَهَا ابن يقال له: اليسع بن
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 462، وتفسيره 23/ 60.(1/383)
أخطوب، بِهِ ضر، فآوته وأخفت أمره، فدعا لابنها فعوفي من الضر، واتبع إلياس فآمن به وصدقه ولازمه، فأوحى اللَّه إِلَى إلياس: إنك قَدْ أهلكت كثيرا من الخلق لَمْ يعص من الدواب والبهائم والطير، فَقَالَ: يا رب دعني أكن أنا الَّذِي أدعو لَهُمْ وآتيهم بالفرج لعلهم ينزعون عما هُمْ عَلَيْهِ، قيل لَهُ: نعم.
فجاء إِلَى بَنِي إسرائيل، فَقَالَ: إنكم قَدْ هلكتم جهدا وهلكت البهائم والطير والشجر بخطاياكم، وإنكم عَلَى باطل، فَإِن كنتم تحبون أَن تعلموا ذَلِكَ، وتعلموا أَن اللَّه عليكم ساخط، وإن الَّذِي أدعوكم إِلَيْهِ الحق. فاخرجوا بأصنامكم هذه الَّتِي تعبدُونَ فَإِن استجابت لكم فذلك كَمَا تَقُولُونَ، وإن لَمْ تفعل علمتم أنكم عَلَى باطل فنزعتم ودعوت اللَّه ففرج عنكم مَا أنتم فِيهِ من البلاء، قَالُوا: أنصفت.
فخرجوا بأوثانهم فدعوها فلم تستجب لَهُمْ، فعرفوا مَا هُمْ فِيهِ من الضلالة، ثُمّ قَالُوا: ادع لنا، فدعا لَهُمْ بالفرج مِمَّا هُمْ فِيهِ وأن يسقوا. فخرجت سحابة وَهُمْ ينظرون، ثُمَّ أرسل اللَّه المطر فأغاثهم ففرج عَنْهُم مَا كَانُوا فِيهِ من البلاء، فلم يرجعوا وأقاموا عَلَى أخبث مَا كَانُوا عَلَيْهِ.
فلما رأى ذَلِكَ إلياس من كفرهم دعا ربه أَن يقبضه إِلَيْهِ فيريحه مِنْهُم، فقيل لَهُ:
انظر يَوْم كَذَا فاخرج فِيهِ إِلَى بلد كَذَا فَمَا جاءك من شَيْء فاركبه ولا تهبه.
فخرج وخرج مَعَهُ إليسع حَتَّى إِذَا كَانَ بالبلد الَّذِي ذكر لَهُ، فِي المكان الَّذِي أمر بِهِ أقبل فرس من نار حَتَّى وقف بَيْنَ يديه، فوثب عَلَيْهِ فانطلق، فكساه الله الريش وألبسه النور، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وطار فِي الْمَلائِكَة فكان إنسيا ملكيا سحابيا أرضيا، وسميت الأَرْض الَّتِي كَانُوا فِيهَا بعلبك باسم الصنم الَّذِي اسمه البعل.
[ذكر من كَانَ بَعْد إلياس] [1]
قَدِ اختلف الْعُلَمَاء فيمن كَانَ بَعْد إلياس. فَقَالَ الْحَسَن ووهب: نبي بَعْد إلياس اليسع، وَقَدْ عولنا/ على ذلك.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 464، وعرائس المجالس 259، ومرآة الزمان 1/ 466.
وما بين المعقوفتين: بياض في الأصل وما أوردناه من المختصر.(1/384)
وَقَدْ حكى أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي: أَن قوما قَالُوا: بَل كَانَ بَعْد إلياس يُونُس.
قال: وقالوا: ان يُونُس بَعْد سُلَيْمَان، وأيوب بَعْد سُلَيْمَان أَيْضًا.
وذكر ابْن أَبِي خيثمة أَن أيوب كَانَ بَعْد سُلَيْمَان، وأن يُونُس بَعْد أيوب.
ونحن نتخير من هَذَا الاخْتِلاف فِي الترتيب أقربه إِلَى الصواب. والله الموفق.
وَهَذَا اليسع هُوَ اليسع بْن عدي بْن شويلخ بْن افرائيم بْن يُوسُف بْن يعقوب.
وَقَالَ وهب بْن منبه: هُوَ اليسع بْن خطوب، ويقال: ابْن أخطوب.
كَانَ يتيما مضرورا فانقطع إِلَى إلياس وآمن بِهِ، فدعي اللَّه لَهُ فكشف عَنْهُ ضره، وأتاه الحكمة والنبوة، فبعث إِلَى بَنِي إسرائيل، فمكث فيهم زمانا يدعوهم إِلَى التوحيد وأن يتمسكوا بمنهاج إلياس وشريعته، فلم يزل كَذَلِكَ حَتَّى قبضه اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ فرق بَعْض الْعُلَمَاء بَيْنَ إليسع الَّذِي صحب إلياس وبين ابْن أخطوب، فَقَالَ:
هما اثنان، وابن أخطوب لَمْ يصحب إلياس، وَلَمْ يذكر فِي الْقُرْآن.
[ذكر من كَانَ] [1] بَعْد اليسع
قَالَ وهب: قام بَعْد إليسع شاب اسمه شمعون من أفاضل بَنِي إسرائيل، ثُمَّ استخلف عَلَيْهِم رجلا يقال لَهُ عيلوق وَهُوَ ابْن ستين سَنَة، فأقام لَهُمُ الحق أربعين سَنَة، فتمت لَهُ مائة سنة، وكان له ابنان يأخذان الرشوة ويفعلان الفسق فاستبدل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ أشموئيل.
أَنْبَأَنَا ثَابِتُ بْنُ بِنْدَارِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ دوما، قَالَ: أَخْبَرَنَا مخلد بْن جَعْفَر، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إسماعيل بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بَشِيرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: إِنَّمَا غَضِبَ اللَّهُ عَلَى عيلوق أَنَّهُ رأى ابنا لَهُ يتعاطى من أمر النِّسَاء مَا لا يحل لَهُ، فَقَالَ: مهلا يا بَنِي، فغضب عَلَيْهِ ربه
__________
[1] مكان العنوان بياض في الأصل، وما أوردناه من المختصر.(1/385)
وَقَالَ: لَمْ يكن من غضبك حَتَّى انتهكت محارمي إلا أنك قُلْت مهلا يا بَنِي. فسقط عن سريره، فانقطع نخاعه وأسقطت إمارته.
وقتل ابْن لَهُ فِي جيش كَانَ بعثه، وَكَانَ معهم التابوت، وَكَانَ عدوهم العمالقة فظهروا عَلَيْهِم وسبوا التابوت، وحولت النبوة والخلافة إِلَى أشموئيل.
وَفِي رواية عَنْ وهب بْن منبه [1] قَالَ: لما قبض اللَّه أليسع عظمت الخطايا فِي بَنِي إسرائيل وعندهم التابوت يتوارثونه كابرا عَنْ كابر وفيه السكينة وبقية مِمَّا ترك آل موسى وآل هَارُون، وكانوا لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت ويزحفون بِهِ معهم إلا هزم اللَّه ذَلِكَ العدو.
ثُمَّ خلف فيهم ملك يقال لَهُ إيلاف، فكانوا إِذَا نزل بهم عدو فخرجوا إِلَيْهِ وأخرجوا التابوت، فنزل بهم عدو فأخذ من أيدهم التابوت، فأخبر ملكهم إيلاف بأخذ التابوت فمات كمدا، ووطئهم عدوهم حَتَّى أصيب من أبنائهم ونسائهم، فمكثوا عَلَى اضطراب من أمرهم، واختلال من أحوالهم يتمادُونَ فِي غيهم وضلالهم فسلط عليهم من ينتقم منهم، ثم يراجعون التوبة فيكف [اللَّه] [2] عَنْهُم شر من يبغيهم إِلَى أَن بعث اللَّه تَعَالَى أشموئيل.
فبعث فِي زمانه طالوت ملكا، فاستخلص التابوت، وَكَانَ أمرهم من مدة وفاة يوشع تارة إلى ما ذَكَرْنَا من الأنبياء، وتارة إِلَى القضاة، وتارة إِلَى الساسة، وتارة إِلَى عدو يقهرهم، إِلَى أَن عاد الْمَلِك والنبوة إليهم بأشموئيل، فكانت تلك المدة أربعمائة وستين سَنَة.
وَكَانَ أول من ملكهم فِي هذه المدة رجلا من نسل لوط يقال له «كوسان» ، فقهرهم وأذلهم ثماني سنين ثُمَّ أخذه من يده أخ لكالب الأصغر يقال لَهُ «عثانيل بْن يوفنا» [3] ، فقام بأمرهم أربعين سَنَة، ثُمَّ سلط اللَّه عَلَيْهِم ملكا يقال لَهُ «جعلون» ويقال «أعلون» ، فملكهم [4] ثماني عشرة سَنَة. ثُمَّ ملك بعده «أيلون» من ولد إفرائيم خمسا وخمسين سنة،
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 464.
[2] ما بين المعقوفتين: من الطبري 1/ 465.
[3] في تاريخ الطبري 1/ 465: «عتنيل بن قيس» .
[4] في الأصل: ملك.(1/386)
فقال إنه لما تمت لَهُ خمس وثلاثون سَنَة من ملكه عَلَيْهِم تمت للعالم أربعة آلاف سَنَة.
ثُمَّ ملكهم رجل من سبط بنيامين يقال لَهُ «أهوز بْن حنو الأشل» [1] ، فقام بأمرهم ثمانين سنة، ثم سلط عَلَيْهِم ملك من الكنعانيين يقال لَهُ «يافين» فملكهم عشرين سَنَة.
ثُمَّ استنقذتهم امْرَأَة نبي من أنبيائهم يقال لَهَا «ديوار» ، فدبر أمرهم من قبلها رجل يقال لَهُ «باراق» أربعين سَنَة، ثُمَّ سلط عَلَيْهِم قوم من نسل لوط فملكوهم سبع سنين.
ثُمَّ أنقذهم مِنْهُم رجل من ولد نفثالي بْن يعقوب يقال لَهُ «جدعون بْن برانس» [2] فدبر أمرهم أربعين سَنَة، ثُمَّ دبر أمرهم [من] [3] بَعْد ابنه أبيملك [4]- وقيل إنه ابْن عمه- ثلاثا وعشرين سَنَة، ثُمَّ دبرهم بعده رجل من بَنِي إسرائيل يقال لَهُ «بابين» [5] اثنتين وعشرين سَنَة. ثُمَّ ملكهم بعده بنو عمون، وَهُمْ قوم من أَهْل فلسطين ثماني عشرة سَنَة، ثُمَّ قام بأمرهم رجل مِنْهُم يقال لَهُ «يفتح» ستّ سنين.
ثُمَّ دبرهم من بعده «ألون» عشر سنين، ثُمَّ دبر أمرهم يحنون وَهُوَ رجل من بَنِي إسرائيل، ثُمَّ دبرهم من بعده «ليزون» ، ويسميه بَعْضهم عكرون ثماني سنين، ثم قهرهم أهل فلسطين وملكوهم أربعين سَنَة.
ثُمَّ وليهم شمشون عشرين سَنَة ثُمَّ بقوا بغير رئيس ولا مدبر عشر سنين. ثُمَّ دبر أمرهم بَعْد ذَلِكَ عالي الكاهن، وَفِي أيامه غلب أَهْل غزة وعسقلان عَلَى التابوت، ثُمَّ مضى من وقت قيامه بأمرهم أربعون سَنَة بعث شمويل نبيا فدبر أمرهم عشر سنين.
ثُمَّ سألوه حِينَ نالهم بالذل والهوان [بمعصيتهم ربهم] [6] أعداؤهم أَن يبعث لَهُمْ ملكا معهم فِي سبيل اللَّه فبعث لهم طالوت.
__________
[1] في تاريخ الطبري 1/ 465: «أهود بن جير الأشد» . وفي نسخة أخرى: «أعور بن حنا الأشد» .
[2] كذا في أحد نسخ الطبري، وفي أخرى: «جدعون بن يواش» .
[3] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 465.
[4] كذا في أحد نسخ الطبري، وفي أخرى: «أينمك» .
[5] في تاريخ الطبري 1/ 466: «ياثير» وفي نسخة أخرى: «يانين» .
[6] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 466.(1/387)
[ذكر ذي الكفل] [1]
اختلفوا هل كَانَ نبيا أم لا عَلَى قولين: أحدهما: إنه لَمْ يكن نبيا إِنَّمَا كَانَ عبدا صالحا. قاله أَبُو موسى الأشعري، ومجاهد فِي آخرين. ثُمَّ اختلف هَؤُلاءِ فِي علة تسميته بذي الكفل على ثلاثة أقوال: أحدها: أَن رجلا كَانَ يصلي كُل يَوْم مائة صلاة فتوفي فكفل هَذَا بصلاته، فسمي ذا الكفل. قاله أَبُو موسى. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تكفل للنبي بقومه أَن يكفيه أمرهم وتعهد أَن يقضي بينهم بالعدل ففعل، فسمي ذا الكفل. قاله مجاهد. والثالث: أَن ملكا قتل في يوم ثلاثمائة نبي وفر منه مائة نبي فكفلهم ذو الكفل يطعمهم ويسقيهم حَتَّى أفلتوا. فسمي ذا الكفل، قاله ابْن السائب.
والقول الثَّانِي: إنه كَانَ نبيا. قاله الْحَسَن وعطاء وأهل الكتاب.
وَقَدْ رَوَى الضَّحَّاك عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَن ذا الكفل هُوَ يوشع بْن نون.
وَفِي رواية عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ ذو الكفل من أولاد أيوب، فأرسله اللَّه تَعَالَى داعيا إِلَى توحيده بالشام.
وَقَالَ غيره: هُوَ اليسع بْن أخطوب، وَكَانَ قبل دَاوُد.
قَالَ وهب: كَانَ بَعْد اليسع.
قَالَ عَطَاء: وإنما سمي بذي الكفل لأن اللَّه تَعَالَى أوحى إِلَى نبي من الأنبياء: إني أريد أَن أقبض روحك، فاعرض ملكك عَلَى بَنِي إسرائيل، فمن تكفل لَكَ بأنه يصلي الليل لا يفتر ويصوم النهار لا يفطر، ويقضي بَيْنَ النَّاس فلا يغضب فارفع ملكك إِلَيْهِ ففعل ذَلِكَ، فقام شاب، فَقَالَ: أنا أتكفل لَكَ بِهَذَا، فكفل بِهِ فوفى.
وحكى بَعْض علماء السير: أَنَّهُ كَانَ فِي زمن ذي الكفل جبار من العماليق فدعاه ذو الكفل إِلَى الإيمان وضمن لَهُ الْجَنَّة، فَقَالَ: من كفل لي بِذَلِكَ، قَالَ: أنا، وكتب لَهُ كتابا تكفل لَهُ بالجنة إِن هُوَ آمن. فترك الْمَلِك ملكه ولحق بالنساك. فلما مَات دفن الكتاب مَعَهُ، فبعث اللَّه الكتاب إِلَى ذي الكفل وأخبره أَنَّهُ وَفِي الْمَلِك بِمَا ضمن لَهُ، فآمن بِهِ مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا وتكفل لَهُمْ بمثل مَا تكفل لملكهم، فسماه الله تعالى ذا
__________
[1] مكان العنوان بياض في الأصل، وما أوردناه من المختصر.(1/388)
الكفل. وأقام ذو الكفل عمره بالشام حَتَّى مَات وَهُوَ ابْن خمس وسبعين/ سَنَة [1] .
[ذكر خبر أسا بْن إبيا وزرح الهندي] [2]
قَالَ وهب بْن منبه: كَانَ ملك من ملوك بَنِي إسرائيل يقال لَهُ «أسا بْن [3] أبيا» ، وَكَانَ رجلا صالحا. وَكَانَ [ملك] [4] من ملوك الهند يقال لَهُ «زرح» ، وَكَانَ جبارا فاسقا يدعو النَّاس إِلَى عبادته. وَكَانَ أسا لما ملك بعث مناديا فنادى: ألا إِن الكفر قَدْ مَات وأهله، وعاش الإيمان وأهله، وانتكست الأصنام وعبادتها، وظهرت طاعة اللَّه وأعمالها، فليس كافر من بني إسرائيل يطلع رأسه بَعْد اليوم بكفر فِي ولايتي إلا قتلته. فَإِن الطوفان لَمْ يغرق الدنيا وأهلها، وَلَمْ يخسف القرى بمن فِيهَا، وَلَمْ تمطر الحجارة والنار من السماء إلا بترك طاعة اللَّه وإظهار معصيته، فمن أجل ذَلِكَ يعمل بها ولا تترك طاعة إلا أظهرنا جهدنا، حَتَّى تطهر الأَرْض من نجسها وننقيها من دنسها، ونجاهد من خالفنا فِي ذَلِكَ بالحرب والنفي من بلادنا.
فلما سمع قومه ذَلِكَ ضجوا وكرهوا [5] ، فأتوا أمه [6] فشكوا إِلَيْهَا فعله، فأتته فعاتبته عَلَى ذَلِكَ ووبخته إذ دعا قومه إِلَى ترك دينهم.
فغضب ودعاها إِلَى الصواب فأبت، فَقَالَ: إِن قولك هَذَا قَدْ قطع مَا بيني وبينك.
ثُمَّ أمر بإخراجها وتغريبها، وَقَالَ لصاحب شرطته إِن هِيَ ألمت بِهَذَا المكان فاقتلها.
فلما رأى قومه مَا فعل بأمه ذلوا وأذعنوا لَهُ بالطاعة واحتالوا لَهُ بكل حيلة، فحفظه
__________
[1] سقطت هنا أخبار داود عليه السلام، ولقمان الحكيم، وسليمان عليه السلام، وقد سقطت أيضا من المختصر، ومما يدل على أن المصنف لم يغفل ذكرها أن سبطه ذكر في قصة داود في مرآة الزمان 1/ 484 إشارة جده إلى حادثة من الحوادث في المنتظم.
وقد ذكرها ابن الجوزي في مختصرة.
[2] تاريخ الطبري 1/ 517، وعرائس المجالس 328، ومرآة الزمان 1/ 539.
وما بين المعقوفتين مكانه في الأصل بياض، وما أوردناه من المختصر.
[3] «أسا» : ضبطه ابن خلدون بضم الهمزة وفتح السين المهملة وألف بعدها.
[4] ما بين المعقوفتين من الهامش.
[5] في الأصل ضجرا وكرها.
[6] في تاريخ الطبري 1/ 518: «فأتوا أم أسا» .(1/389)
اللَّه من شرهم، فائتمروا أَن يهربوا من بلاده، فخرجوا متوجهين إِلَى زرح ملك الهند.
فلما دخلوا عليه سجدوا وشكو إِلَيْهِ مَا جرى عَلَيْهِم، وَقَالُوا: أَنْتَ أولى بملكنا، فَقَالَ: مَا كُنْت مجيبكم ( [1] إِلَى مقاتلة قوم لعلكم أطوع لي منكم، حَتَّى أبعث إليهم أمناء، فإن كان الأمر على مَا قلتم نفعكم ذَلِكَ عندي وإلا أنزلت بكم العقوبة.
فاختار من قومه جواسيس ليعلموا علم الْقَوْم ويبحثوا لَهُ عَنْ شأن تلك الأَرْض.
فجهزهم وأعطاهم جواهر وكسوة ليبيعوا ذَلِكَ هنالك. فساروا كالتجار حتى فصلوا عَلَيْهِم ودعوا النَّاس إِلَى أَن يشتروا [2] مِنْهُم.
وَكَانَ أسا الْمَلِك قَدْ تقدم إِلَى نساء بَنِي إسرائيل إنه إِن رأى امرأة لا زوج لَهَا بهيئة امْرَأَة لَهَا زوج قتلها أَوْ نفاها، لأن إِبْلِيس لَمْ يدخل عَلَى أهل الدين في دينهم بأشد من مكيدة النِّسَاء. فكانت المرأة الَّتِي لا زوج لَهَا لا تخرج إلا فِي ثياب رثة، فكان النِّسَاء يشترين من هذه الأمتعة سرا بالليل، وَلَمْ يزل أولئك ينظرون فِي أحوال المدينة حَتَّى عرفوا جميع أخبارها، فكانوا قَدْ ستروا محاسن مَا معهم ليجعلوه هدية للملك، فَقَالُوا لِلنَّاسِ: مَا بال الْمَلِك لا يشتري منا شَيْئًا وعندنا من الطرائف، ثُمَّ نحن نعطيه بغير ثمن.
فَقَالُوا لَهُمْ: إِن لَهُ من الخزائن مَا لا يقدر عَلَى مثله، إنه استفرغ الخزائن الَّتِي سار بها موسى من مصر، والحلي الَّذِي كَانَ بنو إسرائيل أخذوا، وَمَا جمع يوشع وسليمان والملوك.
قَالُوا: فبماذا يقاتل عدوا إِن عرض لَهُ؟ فَقَالُوا لَهُمْ: إِن عدته للقتال قليلة، غَيْر أَن لَهُ صديقا لو استعان بِهِ عَلَى أَن يزيل ( [3] الجبال أزالها، فَإِذَا كَانَ مَعَهُ صديقه فليس شَيْء من الخلق يطيقه.
قَالُوا: ومن صديقه وكم عدد جنوده؟ قَالُوا: لا تحصى جنوده، وكل شَيْء من الخلق لَهُ، لو أمر البَحْر لطم [عَلَى البر] [4] .
فدخل بَعْض الجواسيس عَلَى أسا الْمَلِك، وَقَالَ: إِن معنا هدية نريد أَن نهديها لَكَ من طرائف، أَوْ تشتري منا فنرخصه عليك.
__________
[1] في الأصل مجيبهم، ولا يستقيم المعنى.
[2] في الأصل يشترون، وهي للمذكر السالم.
[3] في الأصل: يزل.
[4] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.(1/390)
قَالَ: ائتوني بِهِ، فلما أتوه بِهِ، قَالَ: هل يبقى هَذَا لأحد أَوْ يبقون لَهُ؟ قَالُوا: لا، قَالَ: فلا حاجة لي بِهِ، إِنَّمَا طلبي لما يتبقى.
فساروا من بَيْت المقدس متوجهين إِلَى زرح ملكهم فأخبروه الْخَبَر، فَقَالَ: إِن صديق أسا لا يطيق أَن يَأْتِي بأكثر من جندي، ولا بأكمل من عدتي.
ثُمَّ جمع العساكر ألف ألف ومائة ألف سِوَى أَهْل بلاده، ثُمَّ أمر بمائة مركب، فقرن لَهُ البغال، كُل أربعة أبغل جميعا عَلَيْهَا سرير وقبة، وَفِي كُل قبة منهن جارية، ومع كُل مركب عشرة من الخدم، وخمسة أفيال من فيلته، وجعل خاصته الَّذِي يركبون مَعَهُ مائة ألف. ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ صديق أسا؟ هل يستطيع أَن يعصمه مني، فبلغ الْخَبَر أسا، فدعى ربه فَقَالَ: اللَّهمّ أنت القوي أنظر إِلَى ضعفنا وقوة عدُونَا فغرق عدُونَا فِي اليم كَمَا غرقت فرعون.
ثُمَّ نام فرأى فِي المنام: أني قَدْ سمعت كلامك، وأني إِن غرقته لَمْ يعلم بنو إسرائيل كَيْفَ صنعت بهم، ولكن سأظهر لَكَ ولمن اتبعك فيهم قدرة حَتَّى أكفيك مئونتهم، وأهب لَكَ غنيمتهم حَتَّى يعلم أعداؤك أَن صديق أسا لا يطاق وليه، ولا يهزم جنده.
فأرسل أسا إليهم طليعته، فرجعوا يقولون: لَمْ تر عيون بَنِي آدَم مثلهم ولا مثل فيلهم، فَقَدِ انقطع رجاؤنا.
وجاء أَهْل البلد إِلَى أسا، فَقَالُوا: إنا خارجون بأجمعنا إِلَى هَؤُلاءِ الْقَوْم لعلهم يرحمونا. فَقَالَ: أما معاذ اللَّه أَن نلقي بأيدينا فِي أيدي الكفرة، قَالُوا: فاحتل لنا حيلة، واطلب إِلَى صديقك الَّذِي كنت تعدنا بنصره، فَإِن الصديق لا يسلم صديقه عَلَى مثل هَذَا، فدخل أسا المصلى، ووضع تاجه وحل ثيابه ولبس المسوح وافترش الرماد، ثُمَّ أخذ فِي الدعاء وجعل يقول: اللَّهمّ رب السموات السبع ورب العرش العظيم إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، أَنْتَ الَّذِي لا يطيق كنه عظمتك بشر، أسألك بالمسألة الَّتِي سألك بها إِبْرَاهِيم خليلك فأطفأت بها عَنْهُ النار، وبالدعاء الَّذِي دعاك بِهِ نجيك موسى فأنجيت بَنِي إسرائيل من الظلمة وأعتقتهم من العبودية، وبالتضرع الَّذِي تضرع لَكَ عبدك دَاوُد فرفعته ونصرته عَلَى جالوت، أَنْتَ محيي الموتى، فَقَدْ حل بنا كرب عظيم لا يطيق كشفه غيرك ولا حول ولا قوة إلا بك.(1/391)
وجعل علماء بَنِي إسرائيل يدعون اللَّه ويقولون: اللَّهمّ أجب اليوم عبدك فَإِنَّهُ قَدِ اعتصم بك وحدك ولا تخل بينه وبين عدوك، واذكر حبه إياك، وفراقه أمه.
فألقى اللَّه عَلَيْهِم النوم وَهُوَ فِي مصلاه ساجدا ثُمَّ أتاه آت من اللَّه تَعَالَى، فَقَالَ لَهُ:
يا أسا إِن الحبيب لا يسلم حبيبه، وإن اللَّه تَعَالَى يَقُولُ: إني قَدْ ألقيت عليك محبتي، ووجب لَكَ نصري، وأنا الَّذِي أكفيك عدوك، فَإِنَّهُ لا يهون [من توكل] [1] عَلِي، ولا يضعف من تقوى بي، كنت تذكرني فِي الرخاء، وأسلمك فِي الشدائد، وكنت تدعوني آمنا، وأسلمك خائفا، أقسم لو كايدتك السموات/ وَالأَرْض بمن فيهن لجعلت لَكَ من جميع ذَلِكَ مخرجا، فإني معك، ولن يخلص إليك ولا إلى من معك أحد.
فخرج أسا من مصلاه وَهُوَ يحمد اللَّه، مسفرا وجهه، فأخبرهم بِمَا قيل لَهُ فصدقه المؤمنون وكذبه المنافقون.
فقدم رسل من زرح فدخلوا إيلياء ومعهم كتب إِلَى أسا فِيهَا شتم لَهُ ولقومه، وتكذيب باللَّه، وكتب فِيهَا: أَن ادع صديقك فليبارزني بجنوده.
فلما قرأها دَخَلَ مصلاه، ونشرها بَيْنَ يدي اللَّه تَعَالَى، ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ لَيْسَ بي شَيْء من الأشياء أحب إلي من لقائك، غَيْر أني أتخوف أَن يطفأ هَذَا النور الَّذِي أظهرته فِي أيامي هذه.
فأوحى اللَّه إِلَيْهِ أَنَّهُ لا تبديل لكلماتي، ولا خلف لموعدي، فأخرج من مصلاك، ثُمَّ مر خيلك أَن تجتمع، ثُمَّ أخرج بهم وبمن اتبعك حَتَّى تقفوا عَلَى نشز [من الأَرْض] [2] .
فخرج فأخبرهم الْخَبَر وَمَا قيل لَهُ، فخرج اثنا عشر رجلا من رءوسهم، مَعَ كُل رجل [مِنْهُم] [3] رهط من قومه، وودعوا أهاليهم وداع من لا يرجع إِلَى الدنيا، ووقفوا عَلَى رابية من الأَرْض فأبصرهم زرح، قَالَ: إِنَّمَا نهضت من بلادي وأنفقت أموالي لمثل هَؤُلاءِ، ثُمَّ دعا بالنفر الَّذِينَ قدموا عَلَيْهِ يشكون من أسا وقومه، فَقَالَ: زعمتم أن قومكم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[3] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.(1/392)
كثير عددهم، وكذبتموني، ثُمَّ أمر بهم وبالأمناء الَّذِينَ بعث ليخبروه خبرهم، فقتلوا جميعا، ثُمَّ قَالَ: مَا أدري مَا أصنع بهؤلاء الْقَوْم، إني لأستقلهم عَنِ المحاربة، وأرى إِن رادني أَن أقاتلهم.
فأرسل إِلَى أسا، فَقَالَ: أين صديقك الَّذِي كنت تعدنا بِهِ، أفتضعون أيديكم في يدي فأمضي فيكم حكمي، أَوْ تلتمسون قتالي.
فأجابه أسا فَقَالَ: يا شقي إنك لست تعلم مَا تقول، أتريد أَن تغالب ربك بضعفك، أم تريد أَن تكاثره بقلتك؟ فاجتهد يا شقي بجهدك حَتَّى تعلم ماذا يحل بك.
فأمر زرح الرماة أَن يرموهم، فردتها الْمَلائِكَة عَلَيْهِم، فأصابت كل رام نشابته، وتراءت الملائكة للخلق، فلما رآهم زرح وقع الرعب فِي قلبه وقال: إن أسا لعظيم كيده، ماض سحره، وَكَذَلِكَ بنو إسرائيل، حيث كَانُوا لا يغلب سحرهم ساحر، وَبِهِ ساروا فِي البحر، ثُمَّ نادى فِي قومه: هلموا سيوفكم واحملوا عَلَيْهِم حملة واحدة.
فسلوا سيوفهم فقتلتهم الْمَلائِكَة فلم يبق غَيْر زرح ونسائه ورقيقه.
فلما رأى ذَلِكَ ولى مدبرا وَهُوَ يَقُول: إِن أسا ظهر علانية، وأهلكني صديقه سرا، إني كنت أنظر إِلَى أسا ومن مَعَهُ لا يقاتلون والحرب واقعة فِي قومي.
فلما رأى أسا أَن زرحا قَدْ ولى، قَالَ: اللَّهمّ إنك إِن لَمْ تخل بيني وبينه استنفر عَلَيْنَا قومه ثانية. فأوحى اللَّه إِلَيْهِ: إنك لَمْ تقتل من قتل مِنْهُم ولكني قتلتهم، [فقف مكانك، فإني لو خليت بينك وبينهم أهلكوكم جميعا، إِنَّمَا يتقلب] [1] زرح فِي قبضتي، وإني قَدْ وهبت لَكَ ولقومك عساكره وَمَا فِيهَا من فضة ومتاع ودابة، فهذا أجرك إِذَا اعتصمت بي.
فسار زرح حَتَّى ركب البحر فغرق ومن مَعَهُ.
[ذكر من ملك بعده] [2]
ملك بعده ابنه «بهوشافاظ» [3] خمسا وعشرين سنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 530.
[2] ما بين المعقوفتين مكانه بياض في الأصل.
[3] في تاريخ الطبري 1/ 530: «يهوشافاظ» ، وكذا ضبطها ابن خلدون 1/ 149: «بياء مفتوحة مثناة(1/393)
ثُمَّ ملكت «عثليا» ، ويقال: «عزليا بنت عمرم» [1] ، كانت قتلت أولاد ملوك بَنِي إسرائيل، فلم يبق فيهم إلا «يواش [2] بْن أخزيا» ، فإنها طلبته فتوارى عَنْهَا ثُمَّ قتلها، وَكَانَ ملكها سبع سنين.
ثُمَّ ملك «يواش» أربعين سَنَة.
ثُمَّ ملك ابنه أمصيا [3] تسعا وعشرين سَنَة، ثُمَّ قتله أَصْحَابه.
ثُمَّ ملك ابنه «عوزيا» -[4] ويقال لعوزيا: [غوزيا] [5] اثنتين وخمسين سَنَة.
ثُمَّ ملك بعده ابنه «يوثام» [6] ست عشرة سَنَة.
ثُمَّ ملك ابنه «أحاز» [7] ست عشرة سنة.
ثم ملك ابنه «حزقيا» ، وقيل إنه صاحب «شعثا» الَّذِي أعلمه شعيا انقضاء عمره فتضرع إِلَى ربه عَزَّ وَجَلَّ فزاده وأمهله، وأمر شعيا بإعلامه بِذَلِكَ.
قَالَ ابْن إِسْحَاق: صاحب شعيا الّذي هذه قصته اسمه «صديقه» .
__________
[ () ] تحتانية، وها مضمومة، وواو ساكنة وشين معجمة بعدها ألف، ثم طاء بين الذال والظاء المعجمتين» ، وفي الكامل «سافاط» ، وفي مرآة الزمان 1/ 540: «شافاظ» .
[1] في تاريخ الطبري 1/ 531: «عتليا وتسمى غزليا ابنة عمر م» وفي نسخة أخرى «غزلتا» ، وفي الكامل «عزليا» وفي المرآة «غزليا» .
[2] في ابن خلدون: «يؤاش» .
[3] في تاريخ الطبري: «أموصيا» . وفي ابن خلدون: «أمصيا» بفتح الهمزة والميم وسكون الصاد بعدها ياء مثناة تحتانية بفتحة تجلب ألفا، ثم هاء مضمومة تجلب واوا.
[4] في ابن خلدون: عزيا هو، بعين مهملة مضمومة وزاي معجمة مكسورة مشددة، وياء مثناة تحتانية تجلب ألفا، وهاء تجلب واوا» .
[5] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[6] كذا في الطبري، وفي ابن خلدون «يؤاب» .
[7] كذا ضبطه ابن خلدون «بهمزة مفتوحة ممالة، وحاء مهملة تجلب ألفا، وزاي معجمة» .(1/394)
[ذكر يُونُس عَلَيْهِ السَّلام] [1]
كَانَ يُونُس بَعْد سُلَيْمَان. وَبَعْض الْعُلَمَاء تجعل بينهما أيوب، وتقديم أيوب عَلَى مَا اخترنا أوضح.
وَهُوَ يُونُس بْن مَتَى، ومتى أبوه، وَهُوَ من ولد بنيامين بْن يعقوب.
وَكَانَ قبل النبوة من عباد بَنِي إسرائيل، هرب بدينه فنزل شاطئ دجلة، فبعثه الله نبيا إلى أَهْل نينوي من أرض الموصل وَهُوَ ابْن أربعين سَنَة، وكانوا جبارين.
قَالَ وهب بْن منبه: فضاق بالرسالة ذرعا وشكى إِلَى الْمَلِك الّذي أتاه ضيق ذرعه، فأعلمه انه إِن أبلغتهم الرسالة فلم يستجيبوا لَهُ عذبهم اللَّه، وإن لَمْ يبلغهم أصابه مَا يصيبهم من العذاب، وإن الأجل أربعون يوما، فأنذرهم وأعلمهم بِهَذَا الأجل، فَقَالُوا لَهُ: إِن رأينا أسباب العذاب أصابك.
ثُمَّ انصرفوا عَنْهُ عَلَى ذَلِكَ، فلما مضى من الميقات خمسة وثلاثون يوما غامت السماء غيما أسود يدخن، واسودت سطوحهم، فأيقنوا بالعذاب وبرزوا من القرية بأهليهم وبهائمهم، وفرقوا بَيْنَ كُل ذَات ولد وولدها، ثُمَّ تضرعوا إِلَى ربهم فرحمهم اللَّه تَعَالَى وقبل توبتهم.
ثُمَّ إِن يُونُس ساح فرأى راعيا فِي فلاة فسقاه لبنا وَهُوَ مستند إِلَى صخرة، فأعلمه إنه يُونُس وأمره أَن يقرأ عَلَى قومه السَّلام، فَقَالَ: يا نبي اللَّه لا أستطيع لأن من كذب منا قتل. قَالَ: فَإِن كذبوك فالشاة الَّتِي سقيتني من لبنها وعصاك والصخرة يشهدُونَ لَكَ.
فأتاهم الراعي فأخبرهم فأنكروا قوله، فأنطق الشاة والعصى والصخرة فشهدوا لَهُ فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ خيرنا حِينَ نظرت إِلَى نبينا فملكوه عَلَيْهِم أربعين سَنَة.
وَرَوَى عَمْرو بْن ميمون، عَنِ ابْن مَسْعُود، قَالَ: كَانَ يُونُس قَدْ وعد قومه العذاب،
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 11، وتفسير الطبري 15/ 205، وتفسير ابن كثير 3/ 529- 531، 4/ 586- 859، 6/ 35- 37، وزاد المسير 4/ 65- 67، 7/ 86- 90، والدر المنثور 3/ 317- 318، 4/ 332- 334، 5/ 287- 292، وتاريخ ابن وثيمة 223، والكسائي 296، وعرائس المجالس 406، والبداية والنهاية 1/ 231، ونهاية الأرب 14/ 171، ومرآة الزمان 1/ 557، والتوابين 23.(1/395)
وأخبرهم أَنَّهُ يأتيهم إِلَى ثلاثة أَيَّام، ففرقوا بَيْنَ كُل والدة وولدها يجاورون إِلَى اللَّه، فكف اللَّه عَنْهُم العذاب، فلم ير شَيْئًا، وَكَانَ من كذب وَلَمْ تكن لَهُ بينة قتل.
فانطلق مغاضبا فركب سفينة فركدت والسفن تسير يمينا وشمالا، فَقَالُوا: مَا لسفينتكم؟ قَالُوا: مَا ندري، فَقَالَ يُونُس: إِن فِيهَا عبدا آبق من ربه، وإنها لا تسير بكم حتى تلقونه، قالوا: أما أَنْتَ يا نبي اللَّه فلا والله لا نلقيك، فَقَالَ: اقترعوا، فغلب ثَلاث مرات.
فوقع فابتلعه الحوت وأهوى بِهِ إِلَى قرار الأَرْض، فسمع يُونُس تسبيح الحصى، فنادى فِي الظلمات، ظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، وظلمة البحر، فنبذ بالعراء وَهُوَ سقيم كهيئة الطائر الممعوط الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ ريش، فأنبت اللَّه عَلَيْهِ شجرة من يقطين [1] ، فكان يستظل تحتها ويصيب منها/ فيبس فبكى فأوحى إِلَيْهِ: أتبكي عَلَى شجرة أَن يبست ولا تبكي عَلَى مائة ألف أَوْ يزيدُونَ أَن تهلكهم.
أَخْبَرَنَا سعيد بن أحمد بن البناء، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نصر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الزينبي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عُمَر الوراق، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن السري التمار، قَالَ:
حَدَّثَنَا الحَسَن بْن عرفة، قَالَ: حَدَّثَنَا عبيد الله بْن مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَش، عَنْ عَمْرو بْن مُرَّةَ، عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث، قَالَ:
لما التقم الحوت يُونُس نبذه إِلَى قرار الأرضين، فسمع تسبيح الحصى فِي الحمأة، فذلك الذي نابه. فنادى: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ من الظَّالِمِينَ 21: 87 [2] .
وَفِي قدر مكثه فِي بطن الحوت خمسة أقوال:
أحدها: أربعون يوما. قاله أَنَس بْن مَالِك، وابن جريج، والسدي.
وَالثَّانِي: سبعة أَيَّام. قاله عَطَاء، وابن جُبَيْر.
والثالث: ثلاثة أَيَّام. قاله مجاهد، وقتادة.
__________
[1] في المرآة 1/ 559: «من يقطين وهي الدّباء» .
[2] سورة: الأنبياء، الآية: 87.(1/396)
والرابع: عشرون يوما. قاله الضَّحَّاك.
والخامس: بَعْض يَوْم. قاله الشَّعْبِي.
[ذكر قصة شعيا بْن أمصيا وخراب بَيْت المقدس] [1]
وَقَدْ جعلوه بَعْد يُونُس وقبل زَكَرِيَّا، وَهُوَ الَّذِي بشر بعيسى ومحمد صلى اللَّه عَلَيْهِم.
قَالَ ابْن إِسْحَاق [2] : هُوَ الَّذِي قَالَ لإيليا وَهِيَ قرية ببيت المقدس، واسمها «أوري شلم» ، فقال: أبشري أوري شلم، يأتيك [3] الآن راكب الحمار، يَعْنِي عيسى، ويأتيك بعده راكب البعير، يعني محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ: كَانَ فِي بَنِي إسرائيل ملك يدعى صديقه، وَكَانَ إِذَا ملك الملك عليهم بعث الله تعالى نبيا يسدده ويرشده ويكون فيما بينه وبين اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، ولا تنزل عَلَيْهِم الكتب، إِنَّمَا يؤمرون باتباع التوراة.
فلما ملك ذَلِكَ الْمَلِك بعث اللَّه مَعَهُ شعيا، فملك ذَلِكَ الْمَلِك بَنِي إسرائيل وَبَيْت المقدس زمانا. فلما انقضى ملكه عظمت فيهم الأحداث وشعيا مَعَهُ، فبعث اللَّه سنحاريث [4] معه ستمائة ألف راية، فأقبل سابيا حَتَّى نزل [حول] [5] بَيْت المقدس والملك مريض، فِي ساقه قرحة، فجاءه النَّبِيّ شعيا، فَقَالَ لَهُ: يا ملك بَنِي إسرائيل، إِن سنحاريث ملك بابل قَدْ نزل بك هو وجنوده ستمائة ألف راية، فكبر ذَلِكَ عَلَى الْمَلِك، فَقَالَ: يا نبي اللَّه، هل أتاك وحي من الله كيف يفعل الله بنا وبسنحاريث وجنوده؟ قَالَ: لا.
فبينا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أوحى اللَّه تَعَالَى إِلَى شعيا: أرأيت ملك بَنِي إسرائيل فمره أَن يوصي وصيته ويستخلف عَلَى ملكه من يشاء من أَهْل بيته.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 532، وابن وثيمة 237، وعرائس المجالس 329، ونهاية الأرب 14/ 142، وفضائل بيت المقدس للمصنف 100، ومرآة الزمان 1/ 541.
[2] فضائل بيت المقدس للمصنف 100.
[3] في الأصل: «يأتيه» .
[4] في تاريخ الطبري 1/ 532: «سنحاريب» وكذا في المرآة 1/ 541.
[5] ما بين المعقوفتين: من هامش المخطوط.(1/397)
فأتى النَّبِي شعيا ملك بَنِي إسرائيل فأخبره، فأقبل عَلَى القبلة فصلى وسبح ودعا وبكى، وَقَالَ وَهُوَ يبكي ويتضرع إِلَى اللَّه: زدني فِي عمري، فأوحى اللَّه إِلَى شعيا أَن يخبر الْمَلِك أَن ربه قَدْ رحمه وَقَدْ أخر أجله خمس عشرة سَنَة، وأنجاه من عدوه. فقال الملك لشعيا: سل ربك أن يجعل لنا علما بِمَا هُوَ صانع بعدُونَا هَذَا.
قَالَ: فَقَالَ اللَّه لشعيا: قل لَهُ إني قَدْ كفيتك عدوك وأنجيتك مِنْهُم وأنهم سيصبحون موتى كلهم إلا سنحاريث وخمسة من كتابه.
فلما أصبح جاء صارخ فصرخ عَلَى بَاب المدينة: يا ملك بَنِي إسرائيل، إِن اللَّه قَدْ كفاك عدوك، فاخرج فَإِن سنحاريث ومن مَعَهُ قَدْ هلكوا.
فلما خرج [الْمَلِك] [1] التمس سنحاريث فلم يوجد فِي الموتى، فبعث الْمَلِك فِي طلبه، فأدركه الطلب في مغارة هو وخمسة من كتابه أحدهم نصر، فجعلوهم فِي الجوامع، ثُمَّ أتوا بهم ملك بَنِي إسرائيل، فلما رآهم خر ساجدا، ثُمَّ قَالَ لسنحاريث:
كَيْفَ ترى فعل ربنا بكم؟ ألم يقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون! فَقَالَ سنحاريث لَهُ: قَدْ أتاني خبر ربكم ونصره إياكم ورحمته الَّتِي رحمكم بها قبل أَن أخرج من بلادي، فلم أطع مرشدا وَلَمْ يلقني فِي الشقوة إلا قلة عقلي.
فَقَالَ ملك بَنِي إسرائيل: إِن ربنا إِنَّمَا أبقاك ومن معك لتخبروا من وراءكم بِمَا رأيتم من فعل ربنا، ولتنذروا من بعدكم.
ثُمَّ أمر أمِير حرسه فقذف فِي رقابهم الجوامع، وطاف بهم سبعين يوما حول بيت المقدس، وكان يرزقهم فِي كُل يَوْم خبزتين من شعير لكل رجل مِنْهُم. فَقَالَ سنحاريث لملك بَنِي إسرائيل: القَتْل خير مِمَّا تفعل بنا، فافعل مَا أمرت.
فأمر بهم إِلَى سجن القتل، فأوحى اللَّه إِلَى شعيا النَّبِي: أَن قل لملك بَنِي إسرائيل يرسل سنحاريث ومن مَعَهُ لينذروا من وراءهم، وليكرمهم وليحملهم حَتَّى يبلغوا بلادهم.
فبلغ النَّبِي شعيا ذَلِكَ الْمَلِك، ففعل، فخرج سنحاريث ومن مَعَهُ حَتَّى قدموا بابل، فلما قدموا جمع النَّاس فأخبرهم كَيْفَ فعل اللَّه بجنوده، ثُمَّ لبث سنحاريث بَعْد ذَلِكَ سبع سنين ثُمَّ مات.
__________
[1] ما بين المعقوفتين من هامش المخطوطة.(1/398)
وَقَدْ زعم بَعْض أَهْل الكتاب أَن هَذَا الْمَلِك من بَنِي إسرائيل الَّذِي سار إِلَيْهِ سنحاريث كَانَ أعرج، وَكَانَ عرجه من عرق النسا، وأن سنحاريث إِنَّمَا طمع فِي مملكته لزمانته وضعفه، وأنه قَدْ كَانَ سار إِلَيْهِ قبل سنحاريب ملك من ملوك بابل يقال لَهُ «ليفر» ، وكان نصر ابْن عمه وكاتبه، وأن اللَّه أرسل عَلَيْهِ ريحا أهلكت جيشه، وأفلت هُوَ وكاتبه، وأن هَذَا البابلي قتله ابْن لَهُ، وأن نصر غضب لصاحبه فقتل ابنه الَّذِي قتل أباه، وأن سنحاريث سار بَعْد ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَكَانَ مسكنه نينوى مَعَ ملك أذربيجان يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ يدعى سلمان الأعسر، وأن سنحاريث وسلمان اختلفا، فتحاربا حَتَّى تفانى جنداهما، وصار مَا كَانَ معهما غنيمة لبني إسرائيل.
وَقَالَ بَعْضهم: بَل الَّذِي غزاه سنحاريث حزقيا صاحب شعيا، وأنه لما أحاط ببيت المقدس بجنوده بعث اللَّه تَعَالَى ملكا، فقتل من أَصْحَابه فِي ليلة واحدة مائة ألف وخمسة وثمانين ألفا.
وَكَانَ ملكه إِلَى أَن توفي تسعا وعشرين سَنَة.
ثُمَّ ملك بعده ابنه «منشا [1] بْن حزقيا» إِلَى أَن توفي خمسا وخمسين سَنَة.
ثُمَّ ملك بعده ابنه «أمون» [2] إِلَى أَن قتله أَصْحَابه اثنتي عشرة سَنَة.
ثُمَّ ملك ابنه «يوشيا» [3] إِلَى أَن قتله فرعون المقعد ملك مصر إحدى وعشرين سَنَة.
ثُمَّ ملك بعده ابنه «ياهواحاز» فغزاه فرعون المقعد فأسره وأشخصه إلى مصر، وملك «يوثاقيم بن ياهواحاز» عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أبوه، ووظف عَلَيْهِ خراجا يؤديه إِلَيْهِ، فبقي كَذَلِكَ اثنتي عشرة سَنَة.
ثُمَّ ملك بعده ابنه «يوثاحين» ، فغزاه نصر، فأسره وأشخصه إِلَى بابل بَعْد ثلاثة أشهر من ملكه، وملك مكانه «شيا» عمه وسماه «صديقيا» فخالفه، فغزاه فظفر
__________
[1] ضبطه ابن خلدون بميم مكسورة، ونون مفتوحة وشين معجمة مشددة وألف» .
[2] ضبطه ابن خلدون بهمزة قريبة من العين، والميم مضمومة تجلب واوا ثم نون» .
[3] ضبطه ابن خلدون بياء مثناة تحتية مضمومة تجلب واوا بعدها شين مكسورة ثم ياء مثناة تحتية بفتحة تجلب ألفا» .(1/399)
بِهِ، فذبح ولده بَيْنَ يديه، وسمل عينيه وحمله إِلَى بابل، وخرب المدينة وسبى بَنِي إسرائيل وحملهم إِلَى بابل، فمكثوا بها إِلَى أَن ردهم إِلَى بَيْت/ المقدس كيرش بْن جاما سب» لقرابة كانت بينه وبينهم من قبل أمه، فكان جميع مَا ملك «صديقيا» إحدى عشرة سَنَة وثلاثة أشهر.
ثُمَّ صار ملك بَيْت المقدس والشام «لأشتاسب بْن بهراسب» ، وعامله على ذلك كله نصر.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق [1] : لما قبض اللَّه عَزَّ وَجَلَّ صديقه ملك بَنِي إسرائيل الّذي قد تقدم خبره، مرج أمر بين إسرائيل وتنافسوا الْمَلِك حَتَّى قتل بَعْضهم بَعْضًا ونبيهم شعيا معهم لا يقبلون منه.
فأوحى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ: قم فِي قومك أوح عَلَى لسانك، فلما قام أنطق اللَّه لسانه بالوحي فوعظهم وخوفهم الغير، بعد ما عدد عَلَيْهِم نعم اللَّه عَلَيْهِم.
فلما فرغ من مقالته عدوا عَلَيْهِ، فهرب مِنْهُم، فلقيته شجرة، فانفلقت، فدخل فِيهَا وأدركه الشَّيْطَان، فأخذ بهدبة من ثوبه، فأراهم إياه، فوضعوا المنشار في وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه فِي وسطها.
[ذكر ملوك فارس] [2]
قَدْ ذَكَرْنَا ملوك بَنِي إسرائيل فِي ذَلِكَ الزمان، فأما ملوك فارس فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ ملك إقليم بابل والمشرق من ملوك فارس «كيقباذ» ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الملوك قبله فِي قصة يوشع.
ثُمَّ ملك بعده «كيقابوس» ، وَكَانَ يسكن بلخ، وولد لَهُ ولد لَمْ ير أَحْسَن منه ولا أكمل، فسماه سياوخش، وَكَانَ قَدْ تزوج بنت «فراسياب» ملك الترك، فهويت سياوخش ودعته إِلَى نفسها، فامتنع فأفسدت مَا بينه وبين أَبِيهِ، فبعثه أبوه لحرب «فراسياب» لأمر جرى بينهما، فلما صار إِلَى هناك جرى بينه وبين ملك الترك صلح، فكتب إِلَى أَبِيهِ
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 536.
[2] تاريخ الطبري 1/ 504. وما بين المعقوفتين: بياض بالأصل، وما أوردناه من المختصر.(1/400)
يخبره، فكتب إِلَيْهِ أبوه يأمره بمناهضة «فراسياب» ، فرأى أَن الحرب بَعْد الصلح لا يحسن، فراسل فراسياب فِي أخذ الأمان منه، فأجابه وزوجه ابنته، فحملت منه فأشفق عَلَى ملكه منه لَمَّا رأى من كماله، وحرض عَلَيْهِ فقتله.
فبلغ الْخَبَر أباه، فبعث من غزا الترك وأثخن فيهم، وجاء بزوجة ابنه وولدها، واسمه «كيخسرو» ، فقام بالملك بَعْد جده كيقابوس.
ثُمَّ نهض طالبا بثأر أَبِيهِ، فلقي «فراسياب» ، فقتل بينهما مائة ألف، ثُمَّ ظفر «بفراسياب» فقتله.
ثُمَّ زهد فِي الْمَلِك وتنسك بَعْد أَن ملك مملكة الفرس ستين سَنَة، وأعلم الوجوه من أهله بذلك، فجزعوا وتضرعوا إِلَيْهِ أَن لا يفعل، فلم يقبل منهم.
قَالُوا: فسم لنا من يملك. وَكَانَ «لهراسب» حاضرا، فأشار إِلَيْهِ، فلما ولي الأمر بنى مدينة بَلْخ وأقام بها يقاتل الترك. ودُونَ الدواوين، وعمر الأَرْض، وجبى الخراج، وَكَانَ بعيد الهمة، محمود السيرة، تقر لَهُ الملوك بأنه ملكهم، وفي زمانه بعث «أرميا»
. [ذكر قصة أرمياء] [1]
وَهُوَ أرمياء الألف مضمومة، كَذَلِكَ قرأته عَلَى شيخنا أَبِي مَنْصُور اللغوي.
أنبأنا يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بْنِ بُنْدَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبي، قال: أخبرنا أبو علي بن دوما، قال: أخبرنا مخلد بن جعفر، قال: أخبرنا الحسن بن علي القطان، قال: أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عيسى العطار، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حذيفة إِسْحَاق بْن بشر القرشي، قَالَ:
حَدَّثَنَا إدريس، عن وهب:
أَن أرمياء كَانَ غلاما من أبناء الملوك، وَكَانَ زاهدا، وَلَمْ يكن لأبيه ابْن غيره، وكان أبوه يعرض النكاح، وَكَانَ يأبى مخافة أَن يشغله عَنْ عُبَادَة ربه، فألح عَلَيْهِ أبوه وزوجه في أهل بَيْت من عظماء أَهْل مملكته، فلما دخلت عَلَيْهِ امرأته، قَالَ لَهَا: يا هذه، إني مسر إليك أمرا فَإِن كتمته عَلِي وسترته سترك اللَّه فِي الدنيا والآخرة، وإن أَنْتَ أفشيته قصمك
__________
[1] مكان العنوان بياض في الأصل، وما أوردناه من المختصر.(1/401)
اللَّه فِي الدنيا والآخرة. قَالَتْ: فإني سأكتمه عليك، قَالَ: فإني لا أريد النِّسَاء.
فأقامت مَعَهُ سَنَة، ثُمَّ إِن أباه أنكر ذَلِكَ، فسأله فَقَالَ: يا أبه مَا طال ذَلِكَ بَعْد، فدعى امرأته فسألها، فَقَالَتْ مثل ذَلِكَ، ففرق بينهما وزوجه امرأة فِي بَيْت أشرافهم فأدخلت عَلَيْهِ فاستكتمها أمره، فلما مضت سَنَة سأله أبوه مثل مَا سأل، فَقَالَ: مَا طال ذَلِكَ، فسأل المرأة فَقَالَتْ: كَيْفَ تحمل امرأة من غَيْر زوج مَا مسني؟ فغضب أبوه، فهرب منه.
فبعثه اللَّه نبيا مَعَ «ناشية» ، و «ناشية» ملك. وَذَلِكَ حِينَ عظمت الأحداث فِي بَنِي إسرائيل وعملوا بالمعاصي، وقتلوا الأنبياء، وأوحى إِلَيْهِ: إني مهلك بَنِي إسرائيل ومنتقم مِنْهُم، فقم عَلَى صخرة بَيْت المقدس يأتيك أمري، فقام وجعل الرماد عَلَى رأسه وخر ساجدا، وَقَالَ: يا رب، وددت أَن أمي لَمْ تلدني حِينَ جعلتني آخر أنبياء بَنِي إسرائيل، فيكون خراب بَيْت المقدس وبوار بَنِي إسرائيل من أجلي، فقيل لَهُ: ارفع رأسك، فرفع رأسه وبكى ثُمّ قَالَ: يا رب من تسلط عَلَيْهِم؟ قَالَ: عبدة النيران لا يخافون عذابي ولا يرجون ثوابي، قم يا أرميا فاستمع حَتَّى أخبرك خبرك وخبر بَنِي إسرائيل: من قبل أَن أصورك قَدْ نبيتك، من قبل أَن أخرجك من بطن أمك طهرتك، ومن [قبل] [1] أَن تبلغ الأشد اخترتك، ولأمر عظيم اجتبيتك، فقم مَعَ الْمَلِك «ناشية» فسدده وأرشده فكان مَعَهُ يرشده، ويأتيه الوحي حَتَّى عظمت الأحداث ونسوا إنجاء اللَّه إياهم من عدوهم سنحاريث، فأوحى اللَّه إِلَى أرميا: قم فقص عَلَيْهِم مَا أمرتك بِهِ، وذكرهم نعمتي عَلَيْهِم، وعرفهم أحداثهم.
فَقَالَ أرميا: يا رب إني ضعيف إِن لَمْ تقوني، عاجز إِن لَمْ تبلغني، مخطئ إِن لَمْ تسددني، مخذول إِن لَمْ تنصرني، ذليل إِن لَمْ تعزني.
فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ: أولم تعلم أَن الأمور كلها تصدر عَنْ مشيئتي، وأن الخلق والأمر كُلهُ لي، وأن القلوب والألسنة كلها بيدي أقلبها كَيْفَ شئت فتطيعني، وأنا الله الّذي ليس شيء مثلي، قامت السموات وَالأَرْض وَمَا فيهن بكلمتي، وَلَمْ تتم المقدرة إلا لي، وَلَمْ يعلم مَا عندي غيري، وأنا الَّذِي كلمت البحار ففهمت قولي وأمرتها فعقلت
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.(1/402)
أمري، وحددت عَلَيْهَا حدودا فلا تعدو حدي، وإني معك ولن يصل إليك شَيْء معي، وإني بعثتك إِلَى خلق عظيم من خلقي لتبلغهم رسالاتي، مستوجبا بِذَلِكَ أجر من اتبعك مِنْهُم، ولا ينقص من أجورهم شَيْء، انطلق إِلَى قومك فقم فيهم وقل لَهُمْ إِن اللَّه تبارك وتعالى ذكركم بصلاح آبائكم، فلذلك استقاكم يا معشر أبناء الأنبياء ونسلهم، كيف وجد آباؤهم مغبة طاعتي، وكيف وجدوا هُمْ مغبة معصيتي، وهل وجدوا أحدا عصاني فسعد بمعصيتي، وهل علموا أحدا طاعني فشقي بطاعتي، إِن الدواب إِذَا ذكرت أوطانها/ الصالحة نزعت إِلَيْهَا، وإن هَؤُلاءِ الْقَوْم رتعوا فِي مروج الهلكة وتركوا الأمر الَّذِي بِهِ أكرمت آباءهم، وابتغوا الكرامة من غَيْر وجهها. أما أحبارهم ورهبانهم فاتخذوا عبادتي خولا يتعبدُونَهم [دُونَي] [1] ، ويحكمون فيهم بغير كتابي، حَتَّى أنسوهم ذكري، و [غيروا] [2] سنني، فأدان لَهُمْ عبادي بالطاعة الَّتِي لا تنبغي إلا لي، فهم يطيعونهم فِي معصيتي. وَأَمَّا ملوكهم وأمراؤهم فبطروا نعمتي، وأمنوا مكري، وغرتهم الدُّنْيَا حَتَّى نبذوا كتابي، ويفترون عَلَى رسلي جرأة مِنْهُم عَلِي وغرة بي. فسبحان جلالي، وعلو مكاني، وعظمة شأني! وهل ينبغي لي أَن يَكُون لي شريك فِي ملكي؟ وهل ينبغي لبشر أَن يطاع فِي معصيتي؟ وهل ينبغي لي أَن أخلق عبادا أجعلهم أربابا من دُونَي، وآذن بطاعة لأحد لا تنبغي لأحد إلا لي.
وَأَمَّا قراؤهم وفقهاؤهم فيدرسون مَا يتخيرون، فينقادُونَ للملوك فيتابعونهم عَلَى البدع الَّتِي يبتدعون فِي ديني، ويطيعونهم فِي معصيتي، ويوفون بعهودهم الناقضة لعهدي.
وَأَمَّا أولاد النبيين فمقهورون ومفتونون، يخوضون مَعَ الخائضين، فيتمنون عَلِي مثل نصري أباءهم، والكرامة الَّتِي أكرمتهم بها، ويزعمون أَنَّهُ لا أحد أولى بِذَلِكَ مِنْهُم [مني] [3] بغير صدق مِنْهُم، ولا تفكر، ولا يذكرون كَيْفَ كَانَ نصر آبائهم، وكيف كَانَ جهدهم فِي أمري، حين اغتر المغترون، وكيف بذلوا أنفسهم ودماءهم، فصبروا وصدقوا حَتَّى عز أمري، وظهر ديني، فتأنّيت بهؤلاء القوم لعلهم يستحيون مني
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 549.
[2] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 549.
[3] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 549.(1/403)
ويرجعون، فطولت عَلَيْهِم وصفحت عَنْهُم، فأكثرت ومددت لَهُمْ فِي العمر وأعذرت لعلهم يتذكرون، وكل ذَلِكَ أمطر عَلَيْهِم السماء، وأنبت لَهُمُ الأَرْض، وألبسهم العافية، وأظهرهم عَلَى العدو، فلا يزدادُونَ إلا طغيانا وبعدا مني. فحتى مَتَى، أَبِي يتمرسون، أم إياي يخادعون، أم علي يتجرءون، فإني أقسم بعزتي لأقيمن لَهُمْ فتنة يتحير فِيهَا الحكيم، ويضل فِيهَا رأي ذو الرأي، وحكمة الحكيم، ثُمَّ لأسلطن عَلَيْهِم جبارا قاسيا عاتيا، ألبسه الهيبة، وأنزع من صدره الرحمة والبيان، يتبعه عد وسواد مثل الليل المظلم [1] ، لَهُ فِيهِ عساكر مثل قطع السحاب، ومراكب مثل العجاج، كأن حفيف راياته طيران النسور، وحجل فرسانه كصوت العقبان [2] ، يعيدُونَ العمران خرابا، والقرى وحشا، ويبعثون فِي الأَرْض فسادا، ويتبرون مَا علوا تتبيرا، قاسية قلوبهم لا يكترثون ولا يرقون ولا يرحمون، يجولون فِي الأسواق بأصوات مرتفعة مثل زئير الأسد تقشعر من هيبتها الجلود. فو عزتي لأعطلن بيوتهم من كتبي وقدسي ولأخلين مجالسهم من حَدِيثها ودروسها، ولأوحشن مساجدهم من عمارها وزوارها الَّذِينَ كَانُوا يتزينون بعمارتها لغيري، ويتعبدُونَ فِيهَا لكسب الدنيا بالدين، ويتفقهون فِيهَا لغير الدين، ويتعلمون فِيهَا لغير العمل. لأبدلن ملوكها بالعز الذل، وبالأمن الخوف، وبالغنى الفقر، وبالنعمة الجوع، وبطول العافية والرخاء ألوان البلاء، وبلباس الحرير مدارع الوبر، والعباء بالأرواح الطيبة والأدهان جيف القتلى، وبلباس التيجان أطواق الحديد والسلاسل والأغلال.
ثُمَّ لأعيدن فيهم بَعْد القصور الواسعة والحصون الحصينة الخراب، وبعد البروج المشيدة مساكن السباع، وبعد صهيل الْخَيْل عواء الذئاب، وبعد ضوء السراج دخان الحريق، وبعد الأنس الوحشة والقفار.
ثُمَّ لأبدلن نساءها بالأسورة الأغلال، وبقلائد الدر والياقوت سلاسل الحديد، وبألوان الطيب والأدهان النقع والغبار، وبالمشي عَلَى الزرابي عبور الأسواق والأنهار، وبالخدور والستور الحسور عَنِ الوجوه والسوق والأسفار.
__________
[1] في تاريخ الطبري 1/ 550 يتبعه عدد الليل المظلم.
[2] الخبر إلى هنا في تاريخ الطبري.(1/404)
ثُمَّ لأدوسنهم بألوان العذاب حَتَّى لو كَانَ الكائن مِنْهُم فِي خالق لوصل ذَلِكَ إِلَيْهِ، إني إِنَّمَا أكرم من أكرمني، وإنما أهين من هان عَلَيْهِ أمري، ثُمَّ لآمرن السماء خلال ذَلِكَ فلتكونن طبقا من حديد، ولآمرن الأَرْض فلتكونن سبيكة من نحاس، فلا سماء تمطر ولا أرض تنبت. فَإِن أمطرت خلال ذَلِكَ شَيْئًا سلطت عَلَيْهِ الآفة، فَإِن خلص مِنْهُم شَيْء نزعت منه البركة، وإن دعوني لَمْ أجبهم، وإن سألوني لَمْ أعطهم، وإن بكوا لَمْ أرحمهم، وإن تضرعوا إلي صرفت وجهي عَنْهُم، وإن قَالُوا: اللَّهمّ أَنْتَ الَّذِي ابتدأتنا وآباءنا من قبلنا برحمتك وكرامتك، وَذَلِكَ بأنك اخترتنا لنفسك، وجعلت فينا نبوتك وكتابك، ثُمَّ مكنت لنا فِي البلاد واستخلفتنا فِيهَا وربيتنا وآباءنا من قبلنا بنعمتك صغارا وحفظتنا وإياهم برحمتك كبارا، فأنت أحق المنعمين أَن لا تغير إِن غيرنا، ولا تبدل إِن بدلنا، وأن يتم نعمه وإحسانه.
فَإِن قَالُوا ذَلِكَ قُلْت لَهُمْ: إني ابتدئ عبادي بنعمتي ورحمتي، فَإِن قبلوا أتممت، وإن استزادوا زدت، وإن شكروا ضاعفت، وإن بدلوا غيرت، وإذا غيروا غضبت، وإذا غضبت عذبت، وليس يقوم لغضبي شَيْء.
وَقَالَ كعب: قَالَ أرمياء: برحمتك أصبحت أتكلم بَيْنَ يديك، وهل ينبغي لي ذَلِكَ وأنا أذل وأضعف من أَن ينبغي لي أَن أتكلم بَيْنَ يديك، ولكن برحمتك أبقيتني لِهَذَا اليوم، وليس أحد أحق من يخاف هَذَا العذاب وَهَذَا الوعيد مني بِمَا رضيت بِهِ مني طولا والإقامة فِي دار الخاطئين وَهُمْ يعصونك حولي بغير نكير ولا تغير مني، فَإِن تعذبني فبذنبي، وإن ترحمني فذلك ظني بك.
ثُمَّ قَالَ: يا رب سبحانك وبحمدك وتباركت ربنا وتعاليت إنك المملك هذه القرية وَمَا حولها وَهِيَ مساكن أنبيائك، ومنزل وحيك، يا رب سبحانك وبحمدك وتباركت وتعاليت إنك لمخرب هَذَا الْمَسْجِد وَمَا حوله من المساجد ومن البيوت الَّتِي رفعت لذكرك، يا رب وإنك لتعذب هذه الأمة وَهُمْ ولد إِبْرَاهِيم خليلك، وأمة موسى نجيك، وقوم دَاوُد صفيك، يا رب أي القرى يأمن عقوبتك بَعْد أوري شلم، وأي الْعِبَاد يأمنون سطوتك بَعْد ولد خليلك إِبْرَاهِيم، وأمة نجيك موسى، وقوم خليفتك دَاوُد تسلط عَلَيْهِم عبدة النيران.(1/405)
فَقَالَ اللَّه تَعَالَى: يا أرميا، من عصاني فلا يستنكر نقمتي، فإني إِنَّمَا أكرمت هَؤُلاءِ الْقَوْم عَلَى طاعتي، ولو أنهم عصوني لأنزلتهم دار العاصين إلا أَن تداركهم رحمتي.
قَالَ أرميا: يا رب اتخذت إِبْرَاهِيم خليلا وحفظتنا بِهِ، وموسى نجيا فنسألك أَن تحفظنا ولا تسلط عَلَيْنَا عدُونَا، فأوحى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ: يا أرميا إني قدستك فِي بطن أمك وأخرتك إِلَى هَذَا اليوم، فلو أَن قومك حفظوا اليتامى والأرامل/ والمساكين وابن السبيل، وكنت الداعم لهم، وكانوا عندي بمنزلة جنة ناعم شجرها طامر، لا يغور ماؤها، ولا يبور ثمرها، إني كنت لَهُمْ بمنزلة الراعي الشفيق، أجنبهم كُل قحط وكل عزة، واتبع بهم الخصب حَتَّى صاروا كباشا ينطح بَعْضهَا بَعْضًا.
فيا ويلهم ثُمَّ يا ويلهم إِنَّمَا أكرم من أكرمني، وأهين من هان عَلَيْهِ أمري إِن من كَانَ قبل هَؤُلاَءِ الْقَوْم من القرون يستخفون بمعصيتي، وإن هَؤُلاءِ الْقَوْم يظهرون معصيتي فِي المساجد والأسواق وعلى رءوس الجبال، وظلال الأشجار حَتَّى عجت السماء إلي منها، وَالأَرْض والجبال، ونفرت منها الوحوش، فِي كل ذلك ينتهون ولا ينتفعون بِمَا علموا من الكتاب.
قَالَ: فلما بلغهم أرميا رسالة ربهم وسمعوا مَا فِيهَا من الوعيد عصوه وكذبوه، وَقَالُوا: أعظمت عَلَى اللَّه الفرية، وتزعم أَن اللَّه معطل أرضه ومساجده من كتابه وعباده وتوحيده، فمن يعبده حِينَ لا يبقى لَهُ فِي الأَرْض عابد ولا مَسْجِد ولا كتاب، لَقَدْ أعظمت الفرية، واعتراك الجنون.
فأخذوه وقيدوه وسجنوه، فعند ذَلِكَ بعث اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِم نصر.
[ذكر خبر نصر البابلي] [1]
لما ولي لهراسب وتمكن ملكه بعث نصر، وَهُوَ رجل من الأعاجم، فأتى دمشق وصالح أهلها، ووجه قائدا لَهُ، فأتى بَيْت المقدس فصالح ملك بَنِي إسرائيل، وأخذ منه رهائن وانصرف. فلما بلغ طبرية وثب بنو إسرائيل عَلَى ملكهم، فَقَالُوا: داهنت
__________
[1] ما بين المعقوفتين: مكانه بياض في الأصل، وما أوردناه من المختصر.(1/406)
أهل بابل وخذلتنا، فقتلوه، فكتب قائد نصر إِلَيْهِ بِمَا كَانَ، فكتب إِلَيْهِ أَن يقيم بموضعه حَتَّى يوافيه، وأن يضرب أعناق الرهائن الذين معه.
فسار [1] نصر حَتَّى أتى بَيْت المقدس، فهدمه وهدم المساجد، ورمى فِيهَا الكنائس، وخرب الحصون، وحرق التوراة، وأخذ الأَمْوَال، وقتل المقاتلة، وسبى الذرية، وكانوا سبعين ألف غلام، ووجد فِي سجن بَنِي إسرائيل أرميا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فقال له نصر: مَا خطبك؟ فأخبره أَن اللَّه تَعَالَى بعثه إِلَى قومه ليحذرهم الَّذِي حل بهم فكذبوه وحبسوه، فقال نصر: بئس الْقَوْم قوم عصوا رَسُول ربهم! فخلى سبيله، وأحسن إِلَيْهِ.
فاجتمع إِلَيْهِ من بقي من ضعفاء بَنِي إسرائيل، فَقَالُوا: إنا قَدْ أسأنا وظلمنا، ونحن نتوب مِمَّا صنعنا، فادع اللَّه أَن يقبل توبتنا.
فدعا ربه، فأوحى إِلَيْهِ: أنهم غَيْر فاعلين، فَإِن كَانُوا صادقين فليقيموا معك بهذه البلد، فأخبرهم، فَقَالُوا: كَيْفَ نقيم ببلدة قَدْ خربت. فخرجوا يستجيرون بملك مصر، فغزا نصر أرض [مِصْر] [2] فقتل ملكها وقتلهم، ثُمَّ بلغ أقصى ناحية المغرب، وانصرف بسبي كثير من أَهْل فلسطين والأردن، فيهم دانيال وغيره من الأنبياء
. [ذكر خبر غزو نصر للعرب] [3]
إن نصر إِنَّمَا حارب بَنِي إسرائيل لقتلهم يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا، وليس بصحيح عَلَى مَا سيأتي بيانه، ثُمَّ حارب العرب فِي زمن معد بْن عدنان، فجمع من فِي بلاده من تجار العرب فبنى لَهُمْ حيرا عَلَى النجف وضمهم فِيهِ، ووكل بهم من يحفظهم، ثُمَّ تأهب للخروج إِلَى قتال العرب، فأقبلت طوائف مِنْهُم مسالمين، فأنزلهم عَلَى شاطئ الفرات، فابتنوا موضع معسكرهم فسموه الأنبار وخلى عَنْ أَهْل الحيرة، فاتخذوها منزلا في حياة نصر.
__________
[1] في الأصل: «وصار» .
[2] ما بين المعقوفتين: من الطبري 1/ 538.
[3] تاريخ الطبري 1/ 558. وما بين المعقوفتين مكانه بياض في الأصل. وما أوردناه من الطبري.(1/407)
فلما مَات انضموا إِلَى أَهْل الأنبار وبقي ذلك الحير خرابا [1] .
وقال قوم: خرج نصر فالتقى هو وعدنان، ورجع نصر بالسبايا فألقاهم بالأنبار، فَقِيلَ: أنبار العرب، ثُمَّ مَات عدنان وبقيت بلاد العرب خرابا. فلما مات نصر خرج معد بن عدنان ومعه أنبياء بَنِي إسرائيل حَتَّى أتى مَكَّة، فأقام أعلامها وحج، وحج مَعَهُ الأنبياء وأفنى أَكْثَر جرهم، وتزوج معانة بنت جوشم، فولدت لَهُ نزار بْن معد، وولد لنزار مضر وربيعة وأياد وأنمار، فقسم ماله بينهم [2] .
وَأَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّيَّاسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو جعفر بن المسلمة، قال:
أخبرنا أبو طاهر المخلص، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن سليمان الطوسي، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني عقبة الْمُكْرَمُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ ميمون بن مهران، عن ابن عباس، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
«لا تَسُبُّوا مُضَرَ وَرَبِيعَةَ فَإِنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ» [3] .
أنبأنا مُحَمَّد بْن عبد الباقي البزاز، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلِ بْنِ شَجَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ محمد بن موسى بن حمار الْبَرْبَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أبي السري، قال: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُمَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ وَلَدِ نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ، قَالَ:
«هُمْ أَرْبَعَةٌ: مُضَرُ، وَرَبِيعَةُ، وِإِيَادٌ، وَأَنْمَارُ، بَنُو نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، فَكَثُرَ أَوْلادُ مَعَدٍّ وَنَمَوا وَتَلاحَقَوا، وَمَنَازِلُهُمْ مَكَّةُ وَمَا وَالاهَا مِنْ تِهَامَةَ، فَانْتَشَرُوا وَتَنَافَسُوا فِي الْمَنَازِلِ وَالْمَحَالِ، وَأَرْضُ الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ خَاوِيَةٌ لَيْسَ فِيهَا كَبِيرُ أَحَدٍ إِلا خراب نَصْرَ وَإِيَّاهَا، وَأَجْلَى أَهْلَهَا إِلا مَنْ كَانَ اعْتَصَمَ بِرُءُوسِ الْجِبَالِ وَلَجَأَ إِلَى أَوْدِيَتِهَا وَشِعَابِهَا، ولحق بالمواضع التي لا يقدر عَلَيْهِ فِيهَا مُتَنَكَّبًا [4] لِمَسَالِكِ جُنْدِهِ، فَاقْتَسَمُوا الْغَوْرَ، غَوْرَ تِهَامَةَ عَلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ لِمَنَازِلِهِمْ وَمَسَارِحَ أَنْعَامِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِلادُ الْعَرَبِ الْجَزِيرَةَ
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 559، وفي معجم البلدان 3/ 377- 380، عن هشام.
[2] تاريخ الطبري 1/ 560.
[3] الحديث أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 30.
[4] في الأصل منتكبا، وهذا تصحيف.(1/408)
لإِحَاطَةِ الْبَحْرِ وَالأَنْهَارِ بِهَا، فَصَارُوا فِي مِثْلِ الْجَزِيرَةِ مِنَ جَزَائِرِ الْبَحْرِ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْفُرَاتَ أَقْبَلَ مِنْ بِلادِ الرُّومِ، فَظَهَرَ بِنَاحِيَةِ قِنّسْرِينَ، ثُمَّ انْحَطَّ عَلَى الْجَزِيرَةِ وَسَوَادِ الْعِرَاقَ حَتَّى وَقَعَ فِي الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَصْرَةِ وَالأَيْلَةِ، فَامْتَدَّ الْبَحْرُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مُطيفًا بِبِلادِ الْعَرَبِ، فَأَتَى مِنْهَا عَلَى صَفْوَانَ وَكَاظِمَةَ، وَنَفَذَ إِلَى الْقطيفِ وَهَجَرَ وَعُمَانَ وَالشَّحَرِ، وَمَالَ مِنْهُ عُنُقٌ إِلَى حَضْرَمَوْتَ وَنَاحِيَةِ أَبْيَنَ وَعَدَنَ، وَاسْتَطَالَ ذلك العنق فطعن في تهائم الْيَمَنِ، وَمَضَى إِلَى سَاحِلِ جِدَّةَ.
وَأَقْبَلَ النِّيلُ فِي غَرْبِيِّ هَذَا الْعُنُقِ مِنْ أَعْلَى بِلادِ السودان مستطيلا معارضا للبحر معه حتى وقع فِي بَحْرِ مِصْرَ وَالشَّامِ.
ثُمَّ أقبلَ ذَلِكَ الْبَحْرُ مِنْ مِصْرَ حَتَّى بَلَغَ بِلادَ فِلَسْطِينَ، فَمَرَّ بِعَسْقَلانَ وَسَوَاحِلِهَا، وَأَتَى عَلَى بَيْرُوتَ وَنَفَذَ إلى سواحل حمص و/ قنسرين حَتَّى خَالَط النَّاحِيةَ الَّتِي أَقْبَلَ مِنْهَا الْفُرَاتُ فَخَطَا عَلَى أَطْرَافَ قِنّسْرِينَ وَالْجَزِيرَةِ إِلَى سَوَادِ الْعِرَاقِ.
وَأَقْبَلَ جَبَلُ الصَّرَاةِ مِنْ قَعْرِ الْيَمَنِ حَتَّى بَلَغَ أَطْرَافَ الشَّامِ، فَسَمَّتْهُ الْعَرَبُ حِجَازًا، لأنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ الْغَوْرِ وَنَجْدٍ، فَصَارَ مَا خَلْفَ ذَلِكَ الْجَبَلِ فِي غَرْبِيِّهِ الْغَوْرُ وَمَا دُونَهُ فِي شَرْقِيِّهِ النَّجْدُ.
فَصَارَ لِعَمْرُو بْنُ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، وَهُوَ قُضَاعَةُ جِدَّةَ وَمَا دُونَهَا إِلَى مُنْتَهَى ذَاتِ عرقٍ إِلَى حَيِّزِ الْحَرَمِ، فَانْتَشَرُوا فِيهَا، وَكَانَ لِجَنَادَةَ بْنِ مَعَدٍّ الْغَمْرَ.
وَصَارَ لِمُضَرَ بْنِ نِزَارٍ حَيِّزُ الْحَرَمِ إِلَى السروَاتِ.
وَصَارَ لِرَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ مَهْبِطُ الْجَبلِ مِنْ غَمْرِ ذِي كِنْدَةَ وَبَطْنِ ذَاتِ عرقٍ إِلَى عمرةَ وَمَا صَاقَبَهَا مِنْ بِلادِ نَجْدِ الْغَوْرِ مِنْ تِهَامَةِ.
وَصَارَ لإِيَادٍ وَأَنْمَارٍ مَا بَيْنَ حَذَّاءِ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَرْضِ نَجْرَانَ وَمَا قَارَبَهَا.
وَصَارَ لِبَاقِي وَلَدِ مَعَدٍّ أَرْضُ مَكَّةَ وَأَوْدِيَتُهَا وِشِعَابُهَا وَجِبَالُهَا وَبطَاحُهَا وَمَا صَاقَبَهَا مِنَ الْبِلادِ، فَأَقَامُوا بِهَا مَعَ مَنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ مِنْ جُرْهُمٍ. وَسَنَذكر أَحْوَالَ بني نزار في نسب نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ تَفَرَّقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَنَزَلَ بَعْضُهُمْ أَرْضَ الْحِجَازِ بيثرب، ووادي القرى وغيرهما.(1/409)
ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى أَرْمِيَا: أَنِّي عَامِرُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَأخْرُجْ إِلَيْهَا فَانْزِلْهَا، فَخَرَجَ حَتَّى قَدِمَهَا وَهِيَ خَرَابٌ، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: مَتَى تُعْمَرُ هَذِهِ. فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ، وَقِيلَ هُوَ عُزَيْرُ عَلَيْهِ السَّلامُ.
[ذكر عُمَارَة بَيْت المقدس] [1]
اختلفوا عَلَى قولين: أحدهما: إنه أرميا. رَوَى عبد الصمد بْن معقل، عَنْ وهب بْن منبه، قَالَ: أقام أرميا بأرض مصر، فأوحى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ: أَن الحق بأرض إيليا، فَإِن هذه ليست لَكَ بأرض، فقام فركب حماره حَتَّى إِذَا كَانَ ببعض الطريق وَقَدْ أخذ مَعَهُ سلة من عنب وسقاء جديدا أملاه ماء.
فلما بدا لَهُ شخص بَيْت المقدس وَمَا حوله من القرى نظر إِلَى خراب لا يوصف، فَقَالَ: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها 2: 259 [2] ، ثُمَّ تبوأ منها منزله وربط حماره، فألقى اللَّه عَلَيْهِ السبات ونزع روحه مائة عام.
فلما مرت منها سبعون أرسل اللَّه ملكا إِلَى ملك من ملوك فارس، فَقَالَ: إِن اللَّه يأمرك أَن تنفر بقومك فتعمر بَيْت المقدس وإيليا وأرضها حَتَّى تعود أعمر مَا كانت. فَقَالَ الْمَلِك: انظرني ثلاثة أَيَّام حَتَّى أتأهب لِهَذَا العمل.
فندب ألف قهرمان [3] ، مَعَ كُل قهرمان ثلاثة آلاف عامل، وَمَا يصلحه من أداة العمل، فسارت القهارمة فلما وقعوا فِي العمل رد اللَّه روح الحياة فِي عيني إرمياء، فنظر إِلَيْهَا تعمر.
قَالَ مجاهد: اسمه كورش، وَلَمْ يتم بناؤها إلا بَعْد الملك الرابع بعد كورش على سماعة بن أصيد، وهو من رهط داود.
__________
[1] عرائس المجالس 343، وفضائل بيت المقدس 107، وتاريخ ابن وثيمة 285، والبداية والنهاية 2/ 43، وتفسير الطبري 5/ 259، وتفسير ابن كثير 1/ 557، والدر المنثور 1/ 331، ومرآة الزمان 1/ 552.
والعنوان مكانه في الأصل بياض، وما أوردناه من المرآة.
[2] سورة: البقرة، الآية: 259.
[3] في الأصل والمختصر: «فندب ثلاثة آلاف قهرمان ألف عامل» . والتصحيح من المرآة.(1/410)
[القول الثَّانِي] إِن أرمياء لبث فِي موته إلى أن هلك نصر، وكان قد عاش ثلاثمائة سَنَة، وهلك ببعوضة دخلت فِي رأسه، وهلك الْمَلِك الَّذِي فوقه، وَهُوَ لهراسب، وَكَانَ ملكه مائة وعشرين سَنَة.
وملك بعده ابنه بشاسب، فبلغه عَنْ بلاد الشام، خراب وإن السباع قَدْ كثرت فِي بلاد فلسطين فلم يبق فِيهَا من الإنس أحد، فنادى فِي أرض بابل فِي بَنِي إسرائيل: من شاء أَن يرجع إِلَى الشام فليرجع، وملك عَلَيْهِم رجلا من آل دَاوُد، وأمره أَن يعمر بَيْت المقدس ويبني مسجدها، فرجعوا فعمروها، ورد اللَّه الروح إِلَى أرمياء عَلَيْهِ السَّلام.
[القول الثالث] وعلى هَذَا أَكْثَر الْعُلَمَاء، وَهُوَ عزير بْن شرويق بْن عزيا بْن أيوب بْن زرحيا بْن عزي من ولد هَارُون.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحصين، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طالب بْن غَيْلانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر الشَّافِعِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يعقوب الحربي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حذيفة النهدي، قال: حدثنا سفيان الثوري، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ 2: 259 [1] قَالَ: هُوَ عزير.
قَالَ علماء السير: لما قال عزيز: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ الله بَعْدَ مَوْتِها 2: 259، أماته اللَّه مائة عام، وأول مَا خلق منه عيناه، فجعل ينظر إِلَى عظامه ينضم بَعْضهَا إِلَى بَعْض، ثُمَّ كسيت لحما ونفخ فِيهِ الروح.
قَالَ ابْن عَبَّاس: مَات وَهُوَ ابْن أربعين سَنَة، وابنه ابْن عشرين سَنَة.
ثُمَّ بعث وَهُوَ ابْن أربعين ومائة، وابنه ابْن مائة وعشرين، فأقبل حَتَّى أتى قومه فِي بَيْت المَقْدِس، فَقَالَ: أنا عزير، فَقَالُوا: حَدَّثَنَا آباؤنا أَن عزير مَات، فَقَالَ: أنا هو، أرسلني الله إليكم أجدد لكم توراتكم، وكانت قَدْ ذهبت فليس أحد يقرأها، فأملاها عليهم.
__________
[1] سورة: البقرة، الآية: 259.(1/411)
قَالَ وهب بْن منبه: كَانَ عزير من السبايا التي سباها نصر من بَيْت المقدس، فرجع إِلَى الشَّام يبكي عَلَى فَقَدِ التوراة، فجاء ملك، فَقَالَ: صم وتطهر وطهر ثيابك وتعالى إِلَى هَذَا المكان. ففعل، فأتاه بإناء فِيهِ ماء فسقاه، فمثلت التوراة فِي صدره، فرجع عَلَى بَنِي إسرائيل فتلاها عَلَيْهِم وأقام فيهم مقيما بحق اللَّه، ثُمَّ توفاه.
قَالَ أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن المنادي: لما تلى عَلَيْهِم بَعْضهَا افتتنوا، فَقَالُوا مَا قَالُوا، فلما مَات بدلت، وَكَانَ المتولي لتبديلها ميخائيل تلميذ عزير، وَهُوَ رأس بابل كلها.
وقال غيره: لما خرب بَيْت المقدس أحرق التوراة وساق بَنِي إسرائيل إِلَى بابل، فذهبت التوراة، فجاء عزير فجددها لَهُمْ ودفعها إِلَى تلميذ لَهُ ومات، فذلك التلميذ زاد فِيهَا ونقص.
ويدل عَلَى تبديلها أَن فِيهَا أسفار موسى وَمَا جرى لَهُ، وكيف كَانَ موته ووصيته إِلَى يوشع، وحزن بَنِي إسرائيل عَلَيْهِ وغير ذَلِكَ مِمَّا لا يشكل عَلَى عاقل إنه لَيْسَ من كَلام اللَّه ولا من كَلام موسى، وَفِي أيدي السامرة توراة تخالف هذه الموجودة.
وَقَالَ دَاوُد بْن أَبِي هند: سأل عزير ربه عَنِ القدر، فأوحى اللَّه إِلَيْهِ: سألتني عَنْ علمي فعقوبتك أَن لا أسميك فِي الأنبياء، فلم يذكر من الأنبياء.
قَالَ علماء السير: لما بنى بَيْت المقدس أقام بنو إسرائيل أمرهم وكثروا إِلَى أَن غلبتهم الروم، فلم يكن لَهُمْ بَعْد ذَلِكَ جَمَاعَة.
[ذكر زراديشت] [1]
ويقال: زرتيشت بْن سقيمان، وَقِيلَ: ابْن حركان بَعْد ثلاثين سَنَة من ملك بشتاسب، وَهُوَ الَّذِي يزعم المجوس/ أَنَّهُ نبيهم.
وَقَدْ زعم بَعْض أَهْل الكتاب أَنَّهُ كَانَ خادما لبعض تلامذة أرمياء النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه كَانَ خاصا بِهِ، فخانه وكذب عَلَيْهِ، فدعى اللَّه عَلَيْهِ فبرص، فلحق بأذربيجان، وشرع بها دين المجوسية، ثُمَّ خرج منها متوجها نَحْو بشتاسب، وهو ببلخ [2] .
__________
[1] تاريخ الطبري 540. وما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل بياض، وما أوردناه من المختصر.
[2] تاريخ الطبري 1/ 561.(1/412)
فلما قدم عَلَيْهِ ادعى النبوة وأراده عَلَى قبول دينه فامتنع من ذَلِكَ ثُمَّ صدقه، وقبل مَا دعاه إِلَيْهِ، وأتاه بِهِ من كتاب ادعاه وحيا، فكتب فِي جلد اثني عشر ألف بقرة حفرا فِي الجلود، ونقشا بالذهب، وصير بشتاسب ذَلِكَ فِي موضع من إصطخر، ووكل به الهرابذة، ومنع تعليمه العامة، وألزم رعيته بقبول قَوْل زرادشت، وقتل مِنْهُم مقتله عظيمة حَتَّى قبلوا ذَلِكَ ودانوا بِهِ، وبنى بالهند بيوت النيران، وتنسك وتعبد.
وَقَالَ عَمْرو بْن بحر الجاحظ: جاء زرادشت من بلخ، وَهُوَ صاحب المجوس، وادعى أَن الوحي نزل عليه عَلَى جبل سيلان، فدعى [أَهْل] [1] تلك النواحي الباردة الَّذِينَ لا يعرفون إلا البرد، وجعل الوعيد يضاعف البرد، وأقر بأنه لَمْ يبعث إلا إِلَى أَهْل الجبال فَقَط، وشرع لأَصْحَابه التوضؤ بالأبوال، وغشيان الأمهات، وتعظيم النيران مَعَ أمور سمجة.
قَالَ: ومن قَوْل زرادشت: كَانَ اللَّه وحده ولا شَيْء مَعَهُ، فلما طالت وحدته فكر فتولد من فكره إِبْلِيس، فلما مثل بَيْنَ يديه أراد قتله فامتنع منه، فلما رأى امتناعه وادعه إِلَى مدة، وسالمه إِلَى غاية.
وَمَا زال مذهب زرادشت معمولا بِهِ إِلَى زمان كسرى أنوشروان، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي منع من اتباع ملة زرادشت، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ للمجوس نبي وكتاب إلا أَنَّهُ لا يتحقق مَتَى كَانَ ذَلِكَ.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو زرعة طاهر بْن مُحَمَّد المقدسي، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِي بْن مَنْصُور بْن علان (ح) .
وأخبرتنا فاطمة بنت الْحُسَيْن بْن الْحَسَن الرازي، قَالَتْ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَلِي الخطيب، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن الْحَسَن الحيري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو العباس الأصم، قال: حدثنا الرَّبِيع بْن سُلَيْمَان، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَان، عَنْ سَعِيد بْن المرزبان، عَنْ نصر بْن عَاصِم، قَالَ: قَالَ فروة بْن نوفل:
عَلَى مَا تؤخذ الجزية من المجوس وليسوا بأهل كتاب، فقام إِلَيْهِ المستورد فأخذ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.(1/413)
يلبيه، وَقَالَ: يا عدو اللَّه، تطعن عَلَى أَبِي بَكْر وعمر وعلى أمِير الْمُؤْمِنيِنَ- يَعْنِي عليا- وَقَدْ أخذوا مِنْهُم الجزية، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى القصة، فخرج إليهم عَلِي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فقال: اتئدا! أنا أعلم النَّاس بالمجوس، كَانَ لَهُمْ علم يعلمونه، وكتاب يدرسونه، وإن ملكهم سكر فوقع عَلَى ابنته أَوْ أمه فاطلع عَلَيْهِ بَعْض أَهْل مملكته، فلما صحا جاءوا يقيمون عَلَيْهِ الحد، فامتنع مِنْهُم، فدعا أَهْل مملكته، فَقَالَ: تعلمون دينا خيرا من دين آدَم، قَدْ كَانَ آدَم ينكح بنيه من بناته، فأنا عَلَى دين آدَم، وَمَا يرغب بكم عَنْ دينه.
فتابعوه وقاتلوا الَّذِينَ خالفوهم حَتَّى قتلوهم، فأصبحوا وَقَدْ أسرى عَلَى كتابهم فرفع بَيْنَ أظهرهم وهم أهل كتاب، وقد أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بَكْر وعمر مِنْهُم الجزية. أَنْبَأَنَا أَبُو غَالِبٍ الْمَاوَرْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِي التُّسْتَرِيُّ، قال: أخبرنا أبو عمرو الهاشمي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُؤِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سنان الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِلالٌ، عَنْ عِمْرَانَ الْقَطَّانِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
إِنَّ أَهْلَ فَارِسٍ لَمَّا مَاتَ نَبِيُّهُمْ كَتَبَ لَهُمْ إِبْلِيسُ الْمَجُوسِيَّةَ
. [ذكر الْخَبَر عَنْ ملوك اليمن] [1]
وصار الْمَلِك باليمن بَعْد بلقيس إِلَى ياسر بْن عَمْرو بْن يعفر، وَكَانَ يقال لَهُ: ياسر أنعم سموه بِذَلِكَ لأنعامه عَلَيْهِم، فسار نَحْو المغرب غازيا، فبلغ إِلَى وادي الرمل وَلَمْ يبلغه أحد قبله، فلم يقدر عَلَى الجواز، فبينا هُوَ مقيم انكشف الرمل، فأمر رجلا من أَهْل بيته أن يعبر هُوَ وأَصْحَابه، فعبروا فلم يرجعوا. فأمر حينئذ بصنم من نحاس، فنصب عَلَى صخرة عَلَى شفير الوادي، وكتب فِي صدره: هَذَا الصنم لياسر الحميري وليس وراءه مذهب، فلا يتكلف أحد ذلك فيعطب.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 566. وما بين المعقوفتين: بياض في الأصل، وما أوردناه من المختصر.(1/414)
[ذكر قصة تبع] [1]
ثُمَّ ملك من بعده تبع بْن زَيْد بْن عَمْرو بْن تبع بْن أبرهة بْن ذي المنار بْن الرائش بْن قيس بْن صيفي بْن سبأ.
وَكَانَ تبع هَذَا فِي أَيَّام بشتاسب وبهمن، وأنه شخص متوجها من اليمن حَتَّى خرج عَلَى جبلي طيِّئ، ثُمَّ سار يريد الأنبار، فلما انتهى إِلَى موضع الحيرة تحير، وَذَلِكَ فِي الليل، فأقام مكانه فسمي ذَلِكَ الموضع الحيرة.
ثُمَّ سار وخلف بِهِ قوما من الأزد ولخم وجذام وعاملة وقضاعة، فبنوا وأقاموا بِهِ، ثُمَّ توجه إِلَى الأنبار، ثُمَّ إِلَى الموصل، ثُمَّ أذربيجان، فلقي الترك بها فهزمهم وقتل المقاتلة، وسبى الذرية، ثُمَّ انكفأ راجعا إِلَى اليمن، فهابته الملوك وأهدت إِلَيْهِ، ثُمَّ غزا الصين فاكتسح مَا فِيهَا، وقتل مقاتلتها.
أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بْنِ بُنْدَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبي، قال: أخبرنا أبو علي بن دوما، قال: أخبرنا مخلد بن جعفر، قال: أخبرنا الحسن بن علي القطان، قال: أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ:
جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: سَمِعْتُ اللَّهَ تَعَالَى يَذكر تُبَّعًا فَلَمْ يَذُمَّهُ وَذَمَّ قَوْمَهُ، فَقَالَ: نَعَمْ، إِنَّ تُبَّعًا غَزَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَسَبَى أَوْلادَ الأَحْبَارِ، فَقَدِمَ بِهِمْ عَلَى قَوْمِهِ، فَأُعْجِبَ بِفِتْيَةٍ مِنْهُمْ، فَجَعَلَ يُدْنِيهِمْ وَيَسْمَعُ مِنْهُمْ، وَجَعَلَ الْفِتْيَةُ يُخْبِرُونَهُ عَنِ الله عز وجل وما في الآَخِرَةُ، فَأُعْجَبَ بِهِمْ فَتَكَلَّمَ قَوْمُهُ، فَقَالُوا: إِنَّ هَؤُلاءِ الْفِتْيَةَ قَدْ غَلَبُونَا عَلَى تُبَّعٍ وَنَخَافُ أَنْ يُدْخِلُوهُ فِي دِينِهِمْ. فَبَلَغَ تُبَّعًا مَا يَقُولُ قَوْمُهُ، فَأَعْلَمَ الْفِتْيَةَ بِذَلِكَ، فَقَالُوا: بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ النَّصِيفُ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالُوا: النَّارُ الَّتِي تَحْرِقُ الْكَاذِبَ وَيَبْرَأُ فِيهَا الصَّادِقُ.
فَأَرْسَلَ إِلَى أَحْبَارِ قَوْمِهِ فَأَدْخَلَهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اسْمَعُوا مَا يَقُولُ هَؤُلاءِ، قَالُوا: وَمَا يَقُولُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ إِنَّ لَنَا رَبًّا خَلَقَنَا وَإِلَيْهِ نَعُودُ، وَإِنَّ بَيْنَ أَيْدِينَا جَنَّةً وَنَارًا، فَإِنْ أَبَيْتُمْ عَلَيْنَا فَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ النَّارَ الَّتِي تَحْرِقُ الكاذب. قالوا: قد رضينا.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 566. وما بين المعقوفتين: من المختصر ومكانه في الأصل بياض.(1/415)
فَمَرَّ الْفِتْيَةُ فِي النَّارِ وَخَرَجُوا مِنْهَا، فَاخْتَارَ تُبَّعٌ مِنْ قَوْمِهِ عدتهُمْ/ فَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَلَمَّا دَخَلُوهَا أَحْرَقَتْهُمْ، فَأَسْلَمَ تُبَّعٌ وَكَانَ رَجُلا صَالِحًا، فَذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَذِمَّهُ وَذَمَّ قَوْمَهُ.
وَرَوَى سُفْيَان، عَنْ قَتَادَة، قَالَ: كَانَ تبع رجلا من حمير سار بالجنود حَتَّى أتى الحيرة، ثُمَّ أتى سَمَرْقَنْد فهدمها.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا القطيعي، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو زرعة عَمْرِو بْنُ جَابِرٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول:
«لا تَسُبُّوا تُبَّعًا فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ أَسْلَمَ» [1] .
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي: لَيْسَ ببعيد أَن يَكُون قوم تبع نسبوا إِلَيْهِ لأنه نبي.
وَقَدْ ذهب قوم إِلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الفترة بَعْد عيسى والله أعلم.
[ذكر خبر أردشير وابنته خماني] [2]
قَالَ علماء السير: وجرت لبشتاسب حروب عظيمة مَعَ الترك وغيرهم، ومات، وَكَانَ ملكه مائة واثنتي عشرة سَنَة، وقيل مائة وخمسين.
وملك بَعْد بشتاسب ابْن ابنه «بهمن بْن إسفنديار بْن بشتاسب» ، فلما عقد التاج عَلَى رأسه، قَالَ: نحن محافظون عَلَى الوفاء، ودائنون برعيتنا بالخير، وَكَانَ يدعى أردشير الطويل الباع. وإنما قيل لَهُ ذَلِكَ لتناوله كُل مَا يمد يده إِلَيْهِ من الممالك الَّتِي حوله، حَتَّى ملك الأقاليم كلها.
وابتنى بالسواد مدينة وسماها آبادان، وابتنى الأبلة.
وَهُوَ أَبُو دارا الأكبر، وأبو ساسان أبي ملوك الفرس الآخر.
__________
[1] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل 5/ 340، والطبراني في الكبير 11/ 296، وابن عساكر 10/ 409، والخطيب في التاريخ 3/ 205، والهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 76.
[2] تاريخ الطبري 1/ 568، وما بين المعقوفتين مكانه بياض في الأصل، وما أوردناه من المختصر.(1/416)
وكانت أم بهمن من أولاد طالوت وأم ولده من أولاد سُلَيْمَان بْن دَاوُد.
وتفسير بهمن بالعربية: الْحَسَن النية، وأنه ولي فِي زمانه عَلَى بَيْت المقدس جَمَاعَة، ثُمَّ ولي كيرش العيلمي من ولد عيلم بْن سام بْن نوح، وكتب إِلَيْهِ أَن يرفق ببني إسرائيل وأن يطلق لَهُمُ النزول حيث أحبوا، وأن يولي عَلَيْهِم من يختارونه، فاختاروا دانيال النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فولى أمرهم] [1] .
[ذكر دانيال عَلَيْهِ السَّلام] [2]
لما تمت عُمَارَة بَيْت المقدس سأل أرميا ربه عَزَّ وَجَلَّ أَن يقبضه إِلَيْهِ، فمات، وأنقذ اللَّه بَنِي إسرائيل من أرض بابل عَلَى يدي دانيال. وكان دانيال ممن سباه نصر فِي تخريب بَيْت المقدس، فرمى بِهِ فِي جب مغلولا فِي فلاة من الأَرْض، وألقى معه سبعين وأطبق عليه الجب، فبقي تسعة أَيَّام.
فأوحى اللَّه تَعَالَى إِلَى نبي من أنبياء بَنِي إسرائيل: انطلق فاستخرج دانيال من الجب، فَقَالَ: يا رب من يدلني عَلَيْهِ؟ قَالَ: يدلك عَلَيْهِ مركبك، فركب أتانا لَهُ، فخرج يطوف، فَقَالَ: يا صاحب الجب، فأجابه دانيال، فَقَالَ: قَدْ أسمعت فَمَا تريد؟ قَالَ: أنا رَسُول اللَّه إليك لأستخرجك من هَذَا الموضع، فَقَالَ دانيال: الحمد للَّه الَّذِي لا ينسى من ذكره، والحمد للَّه الَّذِي لا يكل من توكل عَلَيْهِ إِلَى غيره، والحمد للَّه الَّذِي يجزي بالإحسان إحسانا، وبالإساءة غفرانا. ثُمَّ استخرجه والسبعان يمشيان مَعَهُ، فعزم عليهما دانيال أَن يرجعا إِلَى الغيضة.
وقد روينا أن نصر اتخذ صنما وأمر بالسجود لَهُ فلم يسجد دانيال وأَصْحَابه فأمر بهم فألقوا فِي أتون فلم يحترقوا.
أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بْنِ بُنْدَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبي، قال: أخبرنا ابْنُ دوما، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَخْلَد بْنُ جَعْفَرٍ، قال: أخبرنا الحسن بن علي القطان، قال: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عيسى العطار، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حذيفة القرشي، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيد بْن
__________
[1] ما بين المعقوفتين من الهامش.
[2] مرآة الزمان 1/ 556، والبداية والنهاية 2/ 40. وما بين المعقوفتين من المختصر، ومكانه في الأصل بياض.(1/417)
بِشْر، عَنْ قَتَادَة، عَنْ كعب، قَالَ: [1] كَانَ سبب استنقاذ بَنِي إسرائيل من أرض بابل أن نصر لما صدر من بَيْت المقدس بالأسارى، وفيهم دانيال وعزير، فاتخذ بَنِي إسرائيل خولا زمانا طويلاً، وَإِنَّهُ رأى رؤيا فزع منها، فدعا كهنته وسحرته فأخبرهم بِمَا أصابه من الكرب فِي رؤياه، وسألهم أَن يعبروها، فَقَالُوا: قصها عَلَيْنَا، قَالَ: قَدْ أنسيتها، فأخبروني بتأويلها، قَالُوا: لا نقدر حَتَّى تقصها، فغضب وَقَالَ: قَدْ أجلتكم ثلاثة أَيَّام فَإِن أتيتموني بتأويلها وإلا قتلتكم.
وشاع ذَلِكَ فِي النَّاس، فبلغ دانيال وَهُوَ محبوس، فَقَالَ لصاحب السجن: هل لَكَ أَن تذكرني للملك، فَإِن عندي علم رؤياه، وإني أرجو أَن تنال بِذَلِكَ عنده منزلة، فَقَالَ لَهُ: إني أخاف عليك سطوة الْمَلِك، لعل غم السجن حملك عَلَى أَن تروح بِمَا لَيْسَ عندك فِيهِ علم، قَالَ دانيال: لا تخف عَلِي فَإِن لي ربا يخبرني بِمَا شئت من حاجتي.
فانطلق صاحب السجن فأخبر نصر بِذَلِكَ، فدعا دانيال فدخل، ولا يدخل عَلَيْهِ أحد إلا سجد لَهُ، فوقف دانيال وَلَمْ يسجد، فَقَالَ الْمَلِك لمن فِي الْبَيْت: اخرجوا، فخرجوا، فَقَالَ: مَا منعك أَن تسجد لي؟ قَالَ: إِن لي ربا أتاني هَذَا العلم عَلَى أَن لا أسجد لغيره، فخشيت أَن أسجد لَكَ فينسلخ عني العلم ثُمَّ أصير فِي يديك أميا لا تنتفع بي فتقتلني، فرأيت ترك السجدة أهون من القتل، وخطر سجدة أهون من الكرب الَّذِي أَنْتَ فِيهِ، فتركت السجود نظرا إِلَى ذَلِكَ.
فَقَالَ نصر: لَمْ يكن قط أوثق فِي نفسي منك حيث وفيت لإلهك، وأعجب الرجال عندي الَّذِين يوفون لأربابهم بالعهود، فهل عندك علم بِهَذِهِ الرؤيا الَّتِي رأيت؟
قَالَ: نعم عندي علمها وتفسيرها.
قَالَ: رأيت صنما عظيما، رجلاه فِي الأَرْض ورأسه يمس السماء، أعلاه من ذهب ووسطه من فضة، وأسفله من نحاس، وساقاه من حديد، ورجلاه من فخار، فبينا أَنْتَ تنظر إِلَيْهِ قَدْ أعجبك حسنه وإحكام صنعته قذفه اللَّه بحجر من السماء فوقع عَلَى قبة رأسه، فدقه حَتَّى طحنه، فاختلط ذهبه وفضته ونحاسه وحديده وفخاره حَتَّى يخيل إليك
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 554، ومرآة الزمان 1/ 549، 550، وقارن بالاصحاح الثاني من سفر دانيال (العهد القديم 983) .(1/418)
أَنَّهُ لو اجتمع الإنس والجن عَلَى أَن يميزوا بعضه من بَعْض لَمْ يقدروا عَلَى ذَلِكَ، ولو هبت الريح لأذرته.
ونظرت إِلَى الحجر الَّذِي قذف بِهِ يربو ويعظم وينتشر حَتَّى ملأ الأرضين كلها فصرت لا ترى [إلا] [1] السماء والحجر.
قال له نصر: صدقت هذه الرؤيا الَّتِي رأيت، فَمَا تأويلها. قَالَ: أما الصنم فأمم مختلفة فِي أول الزمان وَفِي أوسطه وَفِي آخره.
وَأَمَّا الذهب فهذا الزمان وَهَذِهِ الأمة الَّتِي أَنْتَ فِيهَا وأنت ملكها. وَأَمَّا الفضة ابنك من بعدك يملكها، وَأَمَّا النحاس فَإِنَّهُ الروم، وَأَمَّا الحديد ففارس.
وَأَمَّا الفخار فأمتان تملكهما امرأتان إحداهما فِي مشرق اليمن، والأخرى فِي غربي الشام.
وَأَمَّا الحجر الَّذِي/ قذف بِهِ الصنم؟ حذف اللَّه بِهِ هذه الأمم فِي آخر الزمان، فيظهر عليها حتى يبعث نبي أمي من العرب فيدوخ بِهِ الأمم والأديان كَمَا رأيت الحجر دوخ أصناف الصنم، ويظهره عَلَى الأديان والأمم كَمَا رأيت الحجر ظهر عَلَى الأَرْض وانتشر فِيهَا حَتَّى ملأها فيحق اللَّه بِهِ الحق ويزهق بِهِ الباطل، ويعز بِهِ الأذلة، وينصر بِهِ المستضعفين.
فَقَالَ له نصر: مَا أعلم أحدا استفتيت بِهِ منذ وليت الْمَلِك عَلَى شَيْء غلبني غيرك، ولا لأحد عندي يد أَعْظَم من يدك، وأنا أجازيك بإحسانك، فاختر من ثَلاث خلال أعرضهن عليك: إِن أحببت أَن أردك إِلَى بلادك، وأعمر لَكَ كُل شَيْء خربته، وإن أحببت كتبت لَكَ أمانا تأمن بِهِ حيث مَا ملكت، وإن أحببت أَن تقيم معي فأواسيك.
قَالَ دانيال: أما قولك تردني إِلَى بلادي وتعمر لي مَا خربت، فإنها أرض كتب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا الخراب وعلى أهلها الفناء إِلَى أجل معلوم، فليس تقدر عَلِي أَن تعمر مَا خرب اللَّه ولا ترد أجلا أجله اللَّه حَتَّى يبلغ الكتاب أجله وينقضي هذا البلاء الّذي كتب الله على إيليا وأهلها.
وَأَمَّا قولك أَن تكتب لي أمانا آمن بِهِ حيث مَا توجهت، فَإِنَّهُ لا ينبغي لي أَن أطلب مَعَ أمان اللَّه أمان مخلوق.
__________
[1] في الأصل: «إلى» .(1/419)
وَأَمَّا مَا ذكرت من مواساتك، فَإِن ذَلِكَ ارفق لي يومي هَذَا حَتَّى يقضي فينا قضاء.
فجمع نصر ولده وحشمه وأهل العلم والرأي من أَهْل المملكة، فَقَالَ لَهُمْ:
هَذَا رجل حَكِيم قَدْ فرج اللَّه بِهِ عني الكرب الَّذِي عجزت عَنْهُ، وإني رأيت أَن أوليه أمركم، فخذوا من أدبه وحكمته وأعظموا حقه، فَإِذَا جاءكم رسولان أحدهما مني والآخر من دانيال فآثروا حاجته عَلَى حاجتي.
قَالَ: فنزل منه دانيال أفضل المنازل، فجعل تدبير ملكه إِلَيْهِ، فلما رأى ذَلِكَ عظماء أَهْل بابل حسدوا دانيال، فاجتمعوا إلى نصر، فَقَالُوا لَهُ: لَمْ يكن عَلَى الأَرْض ملك أعز من ملكنا، ولا قوم أهيب فِي صدور أَهْل الأَرْض منا حَتَّى دانت لنا الأَرْض، والآن قَدْ طمعوا فينا منذ قلدت ملكك هَذَا العبد الإسرائيلي، فَقَالَ: أتنقموني إني عمدت إِلَى أحكم أَهْل الأَرْض، فاستعنت به.
ثم ان نصر هلك ببعوضة سلطت عَلَيْهِ وملك مكانه ابنه «بلطا» فبطش بطش الجبارين، وَكَانَ يشرب الخمر فِي آنية مَسْجِد بَيْت المقدس الَّتِي غنمها أبوه، فنهاه دانيال ثُمَّ قَالَ لَهُ: إنك تقتل إِلَى ثلاثة، ويسلب اللَّه ملكك، فدخل بيته وأغلق بابه ودعى أوثق النَّاس عنده، وَقَالَ: الزم عتبة بابي فلا يمر بك أحد فِي هذه الأيام الثلاثة إلا قتلته، وإن قَالَ إني أنا الْمَلِك.
فلما مضت الأيام الثلاثة قام الْمَلِك فخرج من الباب فرحا، فمر بالحارس، فقام الحارس فضربه بالسَّيْف، وَهُوَ يَقُول: أنا الْمَلِك، فَيَقُول: كذبت فقتله.
ورجع بنو إسرائيل إِلَى بَيْت المقدس، فمكثوا بأحسن حال حَتَّى مَات دانيال، ثُمَّ كثرت فيهم الأحداث والبغي، فسلط اللَّه عَلَيْهِم أرطاصوس، فقتل وسبى.
وَهَذَا دانيال من بَنِي إسرائيل، وهو مدفون بالسوس، ولما ففتح أَبُو موسى السوس دل عَلَى جثة دانيال، فقام رجل إِلَى جثته، فكانت ركبة دانيال محاذية رأسه، وليس بدانيال الأكبر، فَإِن ذاك كَانَ بَيْنَ نوح وإبراهيم، وَقَدْ سبق ذكره
.(1/420)
[ذكر الملوك بَعْد ذَلِكَ] [1]
وتوفي بهمن وَكَانَ ملكه مائة واثنتي عشرة سَنَة، وقيل ثمانين سَنَة.
ثُمَّ ملكت بعده ابنته خماني، واختلفوا فِي سبب تمليكها. فَقَالَ بَعْضهم: إِنَّمَا ملكوها لعقلها ونجدتها وإحسان أبيها إليهم.
وَقَالَ آخرون: كانت حاملا من أبيها بهمن بدار [1] الأكبر، فسألت أباها أَن يعقد لَهُ التاج وَهُوَ فِي بطنها، ففعل. وَكَانَ ساسان من امرأة أُخْرَى، وَكَانَ حينئذ رجلا ينتظر الْمَلِك لا يشك فِيهِ، فلما فعل أبوه ذَلِكَ لحق بإصطخر وتزهد وتعبد فِي رءوس الجبال، واتخذ غنيمة، فَكَانَ يتولاه بنفسه [2] .
وقيل: إِن خماني ولدت بَعْد أشهر من ملكها، فأخفت من إظهار الولد، فجعلته فِي تابوت، وصيرت مَعَهُ جوهرا نفيسا، وأجرته تَحْتَ نهر من أنهار إصطخر، وقيل من أنهار بلخ، فوقع التابوت إِلَى رجل طحان من أَهْل إصطخر، فأخذه ورباه، وظهر أمره حِينَ شب، وأقرت خماني بإساءتها إِلَيْهِ وتعريضها إياه للتلف، فلما تكامل امتحن فوجد عَلَى غاية مَا يَكُون عَلَيْهِ أبناء الملوك، فحولت التاج عَنْ رأسها إِلَيْهِ، وتقلد أمر المملكة، وتنقلت خماني إِلَى فارس، وبنت مدينة إصطخر، وقمعت الأعداء، ومنعتهم من بلادها، وأغزت أرض الروم، فسبى سبي كثير، فأمرت أَن يبنى لَهَا فِي كُل موضع بنيانا منيفا، فأحد ذَلِكَ البنيان فِي مدينة إصطخر.
وَالثَّانِي عَلَى المدرجة الَّتِي يسلك فِيهَا إِلَى دار بجرد عَلَى فرسخ من المدينة [3] .
[والثالث عَلَى أربعة فراسخ منها فِي المدرجة الَّتِي تسلك فِيهَا إِلَى خراسان.
وإنها أجهدت نفسها فِي طلب مرضاة اللَّه تَعَالَى.
وكان ملكها ثلاثين سنة] [4] .
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 569، وما بين المعقوفتين من المختصر، ومكانها في الأصل بياض.
[2] تاريخ الطبري 1/ 569، 570.
[3] في تاريخ الطبري 1/ 570: «دارابجرد» .
[4] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.(1/421)
وَكَانَ بَعْض ملكها فِي زمن كيرش العيلمي، الَّذِي ذَكَرْنَا آنفا أَنَّهُ تولى بَيْت المقدس عَلَى بَنِي إسرائيل.
وعاشت خماني بَعْد هلاك كيرش ستا وعشرين سَنَة، وكانت مدة خراب بَيْت المقدس من لدن خربه نصر إِلَى أَن عُمَر سبعين سَنَة، بَعْضهَا فِي أَيَّام بهمن، وبَعْضهَا فِي أَيَّام خماني.
وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يدل عَلَى أَن التخريب لبيت المقدس كَانَ قبل ذَلِكَ، والله أعلم.
[ذكر دارا وأولاده] [1] .
فلما ملك «دارا بْن بهمن بْن إسفنديار بْن بشتاسب» ، وَكَانَ ضابطا لملكه، قاهرا لمن حوله من الملوك، فابتنى بفارس مدينة سماها «دارابجرد» ، وولد لَهُ ولد فأعجب بِهِ فسماه «دارا» باسم نَفْسه، وصير لَهُ الْمَلِك من بعده، فملك اثنتي عشرة سَنَة.
ثُمَّ ملك ابنه «دارا بْن دارا بْن بهمن» فأساء السيرة فِي رعيته، وقتل رؤساءهم، فغزاه الإسكندر بْن فيلبوس اليوناني، وَقَدْ مله أَهْل مملكته، فلحق كثير مِنْهُم بالإسكندر، فأطلعوه عَلَى عورة دارا، وقووه عَلَيْهِ، فالتقيا ببلاد الجزيرة، فاقتتلا سَنَة، ثُمَّ إِن رجالا من أَصْحَاب دارا وثبوا بِهِ فقتلوه وتقربوا برأسه إِلَى الإسكندر، فأمر بقتلهم، وَقَالَ: هَذَا جزاء من اجترأ عَلَى ملكه.
وتزوج ابنته «روشنك بنت دارا» ، وغزا الهند ومشارق الأَرْض، ثُمَّ انصرف وَهُوَ يريد الإسكندرية، فهلك بناحية السواد، فحمل إِلَى الإسكندرية فِي تابوت من ذهب.
وَكَانَ ملكه أربع عشرة سَنَة، وقيل كَانَ ملك دارا أربع عشرة سَنَة، أَيْضًا، واجتمع ملك الروم وَكَانَ قبل الإسكندر متفرقا، وتفرق ملك فارس/ وَكَانَ قبل الإسكندر مجتمعا.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 572، وما بين المعقوفتين من المختصر، ومكانها في الأصل بياض.(1/422)
[ذكر هلاك دارا بْن دارا] [1]
إِن دارا بْن دارا لما ملك، وَكَانَ فيلبوس أَبُو الإسكندر اليوناني قَدْ ملك بلادا من بلاد اليونانيين فصالح دارا عَلَى خراج يحمل إِلَيْهِ فِي كُل سَنَة ثُمَّ ملك ابنه الإسكندر فلم يحمل الخراج، فغضب دارا وكتب إِلَيْهِ يوبخه، وبعث إِلَيْهِ بصولجان وكرة وقفيز من سمسم، وَقَالَ فيما كتب إِلَيْهِ: أَنْتَ صبي ينبغي أَن تلعب بالصولجان، وإنك إِن استعصيت بعثت إليك من يأتيني بك فِي وثاق، وإن عدة جندي كعدة حب السمسم الَّذِي بعثت بِهِ.
فكتب إِلَيْهِ الإسكندر أَنَّهُ قَدْ فَهُمْ كتابه وتيمن بإرساله الصولجان والكرة لإلقاء الملقي الكرة إِلَى الصولجان، واحترازه إياها، ويشبه الأَرْض بالكرة، وَإِنَّهُ محيز ملك دارا إِلَى ملكه وبلاده إِلَى حيزه من الأَرْض. وَإِنَّهُ تيمن بالسمسم لدسمه وبعده عن المرارة والحرافة.
وبعث إِلَى دارا بصرة من خردل، فَهِيَ تجمع الكرة والحرافة [2] والمرارة.
فلما وصل إِلَيْهِ الكتاب جمع جنده، وتأهب لمحاربة الإسكندر، وتأهب الإسكندر وسار نَحْو بلاد دارا. فالتقيا فاقتتلا أشد القتال، وصارت الدبرة عَلَى [جند] [3] دارا.
فلما رأى ذَلِكَ رجلان من حرس دارا طعناه من خلفه فوقع، ليحظيا عِنْدَ الإسكندر. ونادى الإسكندر: أَن لا يقتل دارا. ثُمَّ سار حَتَّى وقف عَلَيْهِ، فرآه يجود بنفسه، فنزل الإسكندر عَنْ دابته وجلس عِنْدَ رأسه، وأخبره أَنَّهُ مَا هُمْ قط بقتله، وأن الَّذِي أصابه لَمْ يكن عَنْ رأيه، وَقَالَ لَهُ: سلني مَا بدا لَكَ، فَقَالَ دارا: إلي لَكَ حاجتان:
إحداهما أَن تنتقم لي من الرجلين اللذين فتكا بي، والأخرى أَن تتزوج ابنتي روشنك.
فأجابه وصلب الرجلين، وتوسط بلاد دارا، فكان له ملكه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من المختصر، ومكانها في الأصل بياض.
[2] في تاريخ الطبري 1/ 573: «القوة والحرافة» .
[3] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 574.(1/423)
وَقَالَ آخرون: كَانَ ملك الروم فِي أَيَّام دارا الأكبر يؤدي إِلَى دارا الخراج، فلما هلك ملك الإسكندر، وَكَانَ ذا حزم ومكر، فمن مكره أَنَّهُ خرج فِي بَعْض الحروب من صف أَصْحَابه، وأمر من نادى: يا معشر الفرس، قَدْ علمتم مَا كتبنا لكم من الأمان، فمن كَانَ منكم عَلَى الوفاء فليعتزل العسكر وَلَهُ منا الوفاء.
فاتهمت الفرس بعضها بعضا، فكان أول اضطراب حدث فيهم.
وتلقاه بَعْض ملوك الهند بألف فيل عَلَيْهَا السلاح، وَفِي خراطيمها السيوف، فلم تقف دواب الإسكندر، فأمر باتخاذ قلة من نحاس مجوفة، وربط خيله بَيْنَ تلك التماثيل حَتَّى التقيا، ثُمَّ أمر فملئت نفطا وكبريتا، وألبسها الدروع وجرت عَلَى العجل إِلَى المعركة، وبين كُل تمثالين منها جَمَاعَة من أَصْحَابه.
فلما نشبت الحرب أمر بإشعال النيران فِي أجواف التماثيل فلما حميت انكشفت أَصْحَابه عَنْهَا، فغشيتها الفيلة فضربتها بخراطيمها، فتشيطت، فولت مدبرة راجعة عَلَى أَصْحَابها، فصارت الدبرة عَلَى ملك الهند.
وغزا الإسكندر [1] بَعْض ملوك المغرب فظفر بِهِ، فآنس لِذَلِكَ من نفسه القوة فنشز على دارا الأصغر، وامتنع عما كَانَ يحمله إِلَيْهِ، وَكَانَ الخراج الَّذِي يؤديه آل الإسكندر إِلَى ملوك الفرس بيضا من ذهب، ألف ألف بيضة، فِي كُل بيضة مائة مثقال.
فلما امتنع الإسكندر أَن يبعث كتب إِلَيْهِ دارا يطالبه. فكتب إِلَيْهِ: إني قَدْ ذبحت تلك الدجاجة الَّتِي كانت تبيض ذَلِكَ البيض وأكلت لحمها. فالتقيا للقتال بناحية خراسان مِمَّا يلي الحرز.
[ذكر نبذ من أحوال الإسكندر] [2] .
قَدْ ذَكَرْنَا أَن هَذَا الإسكندر هُوَ ابْن فيلبوس، وبعضهم يَقُول: ابن بيلبوس بن مطريوس. ويقال: ابْن مصريم بْن هرمس بْن هردس بن مسطون [3] بن رومي بن
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 576.
[2] تاريخ الطبري 1/ 577، وما بين المعقوفتين من المختصر، ومكانه في الأصل بياض.
[3] في تاريخ الطبري: «بن ميطون، وكذا في المختصر.(1/424)
يلظي [1] بْن يونان بْن يافث بْن توبة بْن سرحون بْن رومية بْن يرثط بْن توفيل بْن زوفي [2] بْن الأصفر بْن أليفز بْن العيص بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ الخليل عَلَيْهِ السَّلام.
ولما هلك دارا ملك الإسكندر ملك دارا، فملك العراق والروم والشام ومصر، وعرض جنده بَعْد هلاك دارا فوجدهم ألف ألف وأربع مائة ألف رجل، مِنْهُم من جنده ثمانمائة ألف، ومن جند دارا ستمائة ألف. فجلس عَلَى سريره، وَقَالَ: أدالنا اللَّه من دارا، ورزقنا خلاف مَا كَانَ يتوعدنا بِهِ، وهدم مَا كَانَ ببلاد الفرس من المدن والحصون وبيوت النيران، وقتل الهرابذة، وأحرق كتبهم ودواوين دارا، واستعمل عَلَى مملكة دارا رجلا من أَصْحَابه، وسار إِلَى أرض الهند، فقتل ملكها وفتح مدينتها.
ثُمَّ سار منها إِلَى الصين وصنع بها كصنيعه بالهند، ودانت له عامة الأرض، وملك الصين والتبت.
أنبأنا مُحَمَّد بْن عبد الباقي البزاز، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَلِي بْن المحسن التنوخي، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الفرج الأصفهاني، قَالَ:
قرأت فِي بَعْض كتب الأوائل أَن الإسكندر لما انتهى إِلَى ملك الصين أتاه صاحبه وَقَدْ مضى من الليل شطره، وَقَالَ لَهُ: هَذَا رَسُول ملك الصين بالباب يستأذن عليك، فَقَالَ: احضروه. فوقف بَيْنَ يديه وسلم ثُمَّ قَالَ: إِن رأى الْمَلِك أَن تخليني، فأمر الإسكندر من بحضرته من أَصْحَابه فانصرفوا، وبقي صاحبه، فَقَالَ: الَّذِي جئت فِيهِ لا يحتمل أَن يسمعه غيرك. فَقَالَ الإسكندر فتشوه، ففتش فلم يصب مَعَهُ حديد [3] ، فوضع الإسكندر بَيْنَ يديه سَيْفا وَقَالَ لَهُ: كن بمكانك وقل مَا شئت، وخرج كُل مَا كَانَ عنده، فَقَالَ: قل.
فَقَالَ لَهُ: إني أنا الْمَلِك لا رسوله، وَقَدْ جئتك أسألك عما تريد مِمَّا يمكن عمله ولو عَلَى أصعب الأمور فإني أعمله فأغنيك عَنِ الحرب، فَقَالَ لَهُ الإسكندر: مَا آمنك مني؟ قَالَ: علمي بأنك رجل عاقل وليس بيننا عداوة ولا مطالبة قَدْ حل. وأنت تعلم انك
__________
[1] في الطبري: «ليطي، وفي المختصر: «ملطي» .
[2] في الطبري: «زنط بن توقيل بن رومي.
[3] في المختصر: «فلم يوجد معه حديد» .(1/425)
إِن قتلتني لَمْ تحظ بطائل، وَلَمْ يكن سببا لأخذ مملكة الصين، وَلَمْ يمنعهم قتلي أن ينصبوا لأنفسهم ملكا، ثُمَّ تنسب أَنْتَ إِلَى غَيْر الجميل وصيد الحريم.
فأطرق الإسكندر وعلم أَنَّهُ رجل عاقل، فَقَالَ: الَّذِي أريد منك ارتفاع مملكتك لثلاث سنين عاجلا، ونصف ارتفاع مملكتك فِي كُل سَنَة، فَقَالَ: هل غَيْر ذَلِكَ شَيْء؟
قَالَ: لا، قَالَ: قَدْ أجبتك، قَالَ: كَيْفَ يَكُون حالك حينئذ؟ قَالَ: أكون قتيلا وأكلة كُل مفترس. قَالَ: فَإِن قنعت منك بارتفاع سنتين كَيْفَ يَكُون حالك؟ قَالَ: أصلح مِمَّا كانت، قَالَ: فَإِن قنعت منك بارتفاع سَنَة، قال: يكون ذلك كمالا لأمر ملكي ومذهبا جميع/ أذاني قَالَ: فَإِذَا اقتصرت منك عَلَى النصف من ارتفاع السنة، قَالَ: يَكُون الْمَلِك ثابتا وأسبابه مستقيمة، قَالَ: فَإِذَا اقتصرت منك عَلَى ارتفاع الثلث؟ قال: يكون السدس وقفا، ويكون الباقي لجيشي وأسباب الْمَلِك. قَالَ: فَقَدِ اقتصرت منك عَلَى هَذَا، فشكره وانصرف.
فلما طلعت الشمس أقبل جيش الصين حَتَّى طبق الأَرْض وأحاط بجيش الإسكندر حَتَّى خافوا الهلاك، فتواثب أَصْحَابه فركبوا الْخَيْل واستعدوا للحرب.
فبينما هُمْ كَذَلِكَ إذ طلع وعليه التاج فلما رأى الإسكندر ترجل لَهُ، فَقَالَ له الإسكندر: غدرت، قَالَ: لا والله، قَالَ: فَمَا هَذَا الجيش؟ قَالَ: أردت أَن أريك أنني لَمْ أطعك عَنْ قلة وضعف، وَأَنْتَ ترى الجيش وَمَا غاب عنك أكثره، ولكن رأيت العالم الكبير مقبلا فملكنا لَكَ مِمَّن هُوَ أقوى منك وأكثر من عددك، ومن حارب العالم الكبير غلب، وأردت طاعته بطاعتك، والذلة بأمره بالذلة لَكَ.
فَقَالَ الإسكندر: لَيْسَ مثلك من يؤخذ منه خراج، فَمَا رأيت بيني وبينك أحدا يستحق الفضل والوصف بالعدل غيرك، فَقَدْ أعفيتك من جميع مَا أردته منك، وأنا منصرف عنك.
فَقَالَ لَهُ ملك الصين: أما إِذَا فعلت ذَلِكَ فليس بحسن. ثُمَّ انصرف الإسكندر فبعث إِلَيْهِ ملك الصين هدايا أضعاف مَا كَانَ قرر مَعَهُ.
وَكَانَ أرسطاطاليس مؤدب الإسكندر فِي صغره، فَقَالَ لَهُ ولصبيان مَعَهُ: أي شيء(1/426)
تعملون إِذَا ملكتم، فَكُل واحد بذل من نَفْسه شَيْئًا، فَقَالَ الإسكندر: أعمل حسب مَا يوجبه الوَقْت، ويقتضيه العقل، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ أحرى بالرئاسة والملك.
فلما ملك الإسكندر كَانَ أرسطاطاليس لَهُ كالوزير يكاتبه ويعمل برأيه، فكتب إِلَيْهِ:
إِن فِي عسكري جَمَاعَة لا آمنهم عَلَى نفسي لبعد هممهم وشجاعتهم، ولا أرى لَهُمْ عقولا تفي بتلك الفضائل.
فكتب إِلَيْهِ: أما مَا ذكرت من بَعْد هممهم، فَإِن الوفاء من بَعْد الهمة. وَأَمَّا شجاعتهم ونقص عقولهم فمن هذه حاله فرفهه فِي معيشته، وأخصصه بحسان النِّسَاء، فَإِن رفاهية العيش توهي العزم، وتحبب السلامة، وليكن خلقك حسنا تخلص لَكَ النيات، ولا تتناول من لذيذ العيش مَا لا يمكن أوساط رعيتك مثله، فليس مَعَ الاستئثار محبة، ولا مَعَ المواساة بغضة.
واعلم أَن المملوك إِذَا اشتري لا يسأل عَنْ مال سيده، وإنما يسأل عَنْ خلقه.
وَهَذَا أرسطاطاليس كَانَ من كبار الحكماء، قَالَ يوما أفلاطون لأَصْحَابه: مَا العجب؟ فتكلموا، فَقَالَ أرسطاطاليس: مَا ظهر وخفيت علته، قَالَ: أَنْتَ أفضل الْجَمَاعَة.
وَكَانَ أرسطاطاليس يَقُول: لكل شَيْء صناعة وصناعة العقل حسن الاختيار.
وَقَالَ: اعص الهوى وأطع من شئت.
وقيل لَهُ: ألا تجتمع الحكمة والمال؟ فَقَالَ: آخر الكمال.
وكتب إِلَى بَعْض ملوك يونان وَكَانَ مستهترا باللعب: إِذَا علمت الرعايا تسليط الهوى عَلَى الْمَلِك تسلطت عَلَيْهِ، فاقهر هواك تفضل حكمتك، والسلام.
فكتب الْمَلِك: أيها الحكيم إِذَا كانت بلادنا عامرة، وسبلنا آمنة، وعمالنا عادلة، فلم تمنع لذة عاجلة.
فكتب إِلَيْهِ: إِنَّمَا تمهدت الأمور عَلَى مَا ذكرت بيقظتك بالحكمة دُونَ غفلتك باللذة، فَمَا أخوفني أَن تهدم مَا بنته الحكمة مَا جنته الغفلة. فأقبل الْمَلِك عَلَى السياسة.(1/427)
وَقَدْ ذكر بَعْض من لا يعلم
إِن الإسكندر هُوَ الَّذِي دَخَلَ الظلمات، وَهَذَا غلط، وإنما أشكل عَلَيْهِم لاشتراك الاثنين فِي الاسم والتسمية بالإسكندر. وَقَدْ ذَكَرْنَا خبر ذاك فِي زمن إِبْرَاهِيم الخليل، وَإِنَّهُ عاش ألف سَنَة وستمائة سَنَة، وَهَذَا اليوناني عاش ستا وثلاثين سَنَة. وملك ثَلاث عشرة سَنَة وأشهرا، وبنى مدنا كثيرة، وتوفي في بعض قرى بابل
.(1/428)
[المجلد الثاني]
بسم الله الرّحمن الرّحيم وبه نستعين
[تتمة ذكر نبذ من أحوال الإسكندر]
فصل [1]
ولما مات الإسكندر عرض ملكه عَلَى ابنه، وكان ابنه يقال له: «اسكندروس» .
فأبى واختار البعد [2] ، فملكت اليونانية [3] عليهم بطلميوس فملك ثلاثا وثلاثين [4] سنة، ولم تزل المملكة لليونانية، والديانة والرئاسة لبني إسرائيل ببيت المقدس إِلَى أن خرب بلاد بني إسرائيل الفرس والروم، وطردوهم عنها بعد قتل يحيى بْن زكريا.
فملك اليونانية بعد بطلميوس دميانوس [5] أربعين سنة، ثم أودغاطس [6] أربعا وعشرين سنة، ثم فيلافط [7] إحدى وعشرين سنة، ثم أفلايانس [8] اثنتين وعشرين سنة، ثم أوداغاطس [9] تسعا وعشرين سنة، ثم ساطر سبع عشرة سنة، ثم الإخشيد [10] إحدى عشرة سنة، ثم ملكهم ملك [11] فاختفى عَنْ ملكه ثماني سنين، ثم ملكهم دوسوس ست
__________
[1] «فصل» سقطت من ت ومكانها بياض.
[2] في ت: «واختار التعبد» . وفي الكامل 1/ 223: «العبادة» .
[3] وفي الأصل اليونانيين، والتصحيح من: ت.
[4] في ت: «ثمانيا وخمسين سنة» . وفي الكامل 1/ 223: «ثمانيا وثلاثين سنة» .
[5] في الكامل: «فيلادلفوس» .
[6] في الكامل 1/ 223: «أورغاطس» .
[7] في الكامل 1/ 223: «فيلافطر» .
[8] في الكامل 1/ 223: «أبيغانس» .
[9] في الكامل 1/ 223: «أورغاطس» .
[10] في الكامل 1/ 223: «الإخشدر» .
[11] في الكامل 1/ 223: «ثم ملك بعده بطليموس الّذي اختفى» .(2/3)
عشرة سنة، ثم من بعده كليوباترا [1] سبع عشرة سنة.
وهؤلاء كلهم يونانيون، وكل من ملك منهم يدعى: «بطلميوس» ، كما كانت الفرس يدعون «أكاسرة» .
ثم ملك الشام الروم: فكان أول من ملك منهم جايوس يوليوس خمس سنين، ثم ملك بعده أغوسطوس ستا وخمسين سنة، فلما مضى من ملكه اثنتان وأربعون سنة ولد عِيسَى بْن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السلام وبين مولده وغلبة الإسكندر عَلَى أرض بابل ثلاثمائة سنة وثلاث سنين. وزعمت الفرس أن بينهما خمسا وستين سنة، وهذا تفاوت عظيم. وعاش أغوسطوس بعد ولادة المسيح بقية ملكه، فكان جميع ملكه ستا وخمسين سنة.
فصل [2]
قَالَ مؤلف الكتاب: وقد كان بعض الأطباء [3] والحكماء فِي أزمنة لم تثبت لنا ولادتهم، ذكروا أن جالينوس قصد عِيسَى عَلَيْهِ السلام، وأنه مات فِي الطريق، وعاش جالينوس سبعا/ وثمانين سنة. وقد كان أفلاطن عاش ستين سنة.
فأما بقراط فقد ذكر أن البقارطة أربعة، كل [يقال] [4] له: بقراط، وأول من كتب الطب بقراط الأول [5] ، وبين وفاته إِلَى ظهور جالينوس ستمائة وخمس وستون سنة، وخلف بقراط من تلاميذه وأهل بيته وستة، فأفرد أحدهم: بالحكم على الأمراض، والآخر بتدبير الأبدان، والثالث: بالفصد والكي، والرابع: بعلاج الجراحات، والخامس: بعلاج العين، والسادس: بجبر العظام المكسورة، وردّ الأعضاء المخلوعة.
__________
[1] في الأصل وت كتبت هكذا: «قالوا بطري» .
[2] بياض في ت مكان «فصل» .
[3] في الأصل: «للأطباء» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[5] في الأصل: «للأول» .(2/4)
باب ذكر زكريا عَلَيْهِ السلام [1]
وهو زكريا بْن أدي [2]- وقيل: ابن برخيا- من أولاد سليمان بْن داود [عليهما السلام] [3] ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا القطيعي، قال:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، قَالَ:
«كَانَ زَكَرِيَّا نَجَّارًا» [4] .
ذكر الأحداث فِي زمن زكريا
وجود نذر حنة بنت فاقود، فإنها لما حملت نذرت حملها محررا للَّه تعالى ليكون فِي المسجد متعَبْدا. فلما وضعت مريم جاءت بها إِلَى العباد، فاقترعوا عَلَى كفالتها، فرموا أقلامهم مع جرية الماء فرسبت وصعد قلم زكريا فكفلها، وكانت أخت مريم عند زكريا، فلما رأى رزقها يأتي من غير كلفة، سأل ربه عز وجل ولدا، وكانت زوجته اسمها: أشياع [5] بنت عِمْرَانَ- وهي أخت مريم- فجاءته بيحيى، وطلب آية عَلَى وجود
__________
[1] في ت بياض مكان «ذكر زكريا عليه السلام» .
[2] في الأصل: «أدن» . وفي ت: «أذن» . وما أثبتناه من الطبري 1/ 590.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناها من ت.
[4] حديث: «كان زكريا نجارا» الفردوس بمأثور الخطاب رقم 4812 ط. دار الكتب العلمية وفي الحاشية يخيل على مصادره. (وأخرجه الإمام أحمد في المسند 2/ 296، 405، 485) .
[5] في الأصل: «أسباع» . وفي الطبري 1/ 585: «الأشباع» وفي إحدى نسخ الطبري «الأشياع» . وما أثبتناه من ت.(2/5)
الحمل، لأن الحمل لا يتحقق بأوله ليبادر بالشكر، فأمسك لسانه عَنْ كلام الناس من غير مرض، ولم يمسك عَنِ الذكر للَّه سبحانه وتعالى.
قَالَ الربيع بْن أنس: لما سمع اليهود كلام عِيسَى فِي المهد حسدوا زكريا وعادوه وكان أخبرهم قبل ذلك بحبل مريم، فتغامزوا به، وقد وجدوا ذلك مكتوبا عندهم كيف يكون، وأخبرهم به سليمان، فالتمسوا زكريا ليقتلوه، فهرب حَتَّى انتهى إِلَى شجرة عظيمة، فتجوفت لَهُ ودخل فيها فجاءوا يطيفون بالشجرة فرأوا هدبة من ثوبه، فقطعوا الشجرة حَتَّى خلصوا إِلَيْهِ فقتلوه [1] .
وَقَالَ السدي: اتهموا زكريا وَقَالُوا: هو أحبل مريم فطلبوه، فهرب إِلَى الشجرة.
قَالَ أحمد بْن جعفر المنادي: وكان له من العمر أقل من مائة سنة.
__________
[1] أورد ابن كثير هذه القصة في البداية والنهاية 2/ 54- ضمن عدة أقوال- مطولة، وعزاها لإسحاق بن بشر في كتاب «المبتدإ» ، وقال ابن كثير بعد أن أوردها: «هذا سياق غريب جدا، وحديث عجيب ورفعه منكر، وفيه ما ينكر على كل حال، ولم ير في شيء من أحاديث الإسراء ذكر زكريا عليه السلام إلا في هذا الحديث، وإنما المحفوظ في بعض ألفاظ الصحيح في حديث الإسراء» وساق طرفا منه.(2/6)
باب ذكر يحيى عَلَيْهِ السلام [1]
قَالَ مؤلف الكتاب: ولد يحيى قبل عِيسَى بستة [أشهر] [2] .
وقيل: قبل أن يرفع عِيسَى عَلَيْهِ السلام، وكان يحيى قد رزق الفطنة والفهم فِي زمن الصبا من الصغر [3] .
قَالَ قتادة [فِي قوله] [4] : وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا 19: 12 [5] . قَالَ: ابن ثلاث سنين.
قَالَ علماء السير: نبّئ يحيى صغيرا. فساح ثم دخل الشام يدعو الناس، وكان طعامه الجراد وقلوب الشجر. وكان يحيى كثير العبادة غزير الدمعة.
أَخْبَرَنَا المُحَمَّدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الأصفهاني، قَالَ: عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحسين، قَالَ: حدثني [سَعِيد] [6] بن شرحبيل، قال: حدّثنا سعيد بن عطارة، عَنْ وهيب بْن الورد، قَالَ:
كان ليحيى بْن زكريا خطان فِي خديه من البكاء، فَقَالَ له أبوه زكريا: إني إنما سألت اللَّه عز وجل ولدا تقر به عيني، فَقَالَ: يا أبت، إن جبريل عَلَيْهِ السلام أخبرني أن بين الجنة والنار مفازة لا يقطعها إلّا كل بكّاء.
__________
[1] بياض في ت مكان «ذكر يحيى عليه السلام» .
[2] في الأصل: «قبل عيسى بسنة» . وما أثبتناه من ت، وهو موافق لما في الطبري 1/ 585.
[3] في ت: «في زمن الصغر» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] سورة: مريم الآية: 12.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/7)
ذكر سبب قتل يحيى بْن زكريا [1]
رَوَى الأَعْمَشُ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
بَعَثَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا فِي اثْنَيْ عَشَرَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ، وَكَانَ فِيمَا نَهَوْهُمْ عَنْهُ نِكَاحُ ابْنَةَ الأَخِ، وَكَانَ لِمَلِكِهِمُ ابْنَةُ أَخٍ تُعْجِبُهُ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَكَانَ لَهَا كُلُّ يَوْمٍ حَاجَةٌ يَقْضِيهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ أُمَّهَا، فَقَالَتْ لَهَا: إِذَا دَخَلْتِ عَلَى الْمَلِكِ فَسَأَلَكِ مَا حَاجَتُكِ، فَقُولِي: حَاجَتِي أَنْ تَذْبَحَ لِي يَحْيَى، فَقَالَتْ لَهُ: فَقَالَ: سَلِي غَيْرَ هَذَا، قالت: ما أسأل غيره.
فدعا يَحْيَى وَدَعَا بِطِسْتٍ فَذَبَحَهُ فَنَدَرَتْ قَطْرَةٌ مِنْ دَمِهِ عَلَى الأَرْضِ، فَلَمْ تَزَلْ تَغْلِي حَتَّى بعث الله بُخْتَ نَصَّرَ [عَلَيْهِمْ] [2] فَجَاءَتْهُ عَجُوزٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَدَلَّتْهُ عَلَى ذَلِكَ الدَّمَ، فَأَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِهِ أَنْ يَقْتُلَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْكُنَ، فَقَتَلَ سَبْعِينَ أَلْفًا [مِنْهُمْ] [3] فَسَكَنَ [4] .
وَرَوَى الوليد بْن مسلم، عَنْ سَعِيد بْن عَبْد العزيز التنوخي، عَنْ مشيم مولى معاوية:
أن ملكا فِي بني إسرائيل كانت له امرأة، وكان لها بنية يحبها أبوها، وكان لها عليه كل يوم حاجة، فقالت لها أمها: إذا سألك ما حاجتك فقولي: رأس يحيى بْن زكريا، فلما جاءته وسقته ووقفت بين يديه، قَالَ لها: ما حاجتك؟ قالت: رأس يحيى بْن زكريا، فزجرها وأغضبه [5] ذلك، فولت عنه، فَقَالَ له من حوله من المنافقين: وما يحيى وما رأس يحيى، فَقَالَ: ادفعوا إليها رأس يحيى.
فأتوه وإنه لقائم يصلي فِي ناحية كنيسة جيرون بدمشق، فاجتزوا رأسه فجعلوه فِي طبق، وأمر بدفعه إِلَى جارية ابنته، فولت به ذاهبة إِلَى أمها، فلما كانت عند المطهرة
__________
[1] بياض من ت مكان «ذكر سبب قتل يحيى بن زكريا» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 586.
[5] في ت: «فزجرها وأغضبها ذلك فولت» .(2/8)
التي عَلَى درج دمشق خسف بها، فقيل لأمها: أدركي ابنتك، فخرجت حاسرة عَنْ وجهها حتى وقفت عليها وقد ذهبت الأرض بجثتها، فلم يبق منها إلا رأسها، فقالت:
اجتزوا الرأس نغسله ونكفنه ونبكي عَلَيْهِ، ففعلوا فلما صار بأيديهم نفضت [1] الأرض الجثة فألقتها إليهم.
قَالَ الربيع بْن أنس: كانت للملك ابنه [2] شابة، فكانت تأتي أباها فتغني عنده حَتَّى إذا أرادت الرجوع، قَالَ لها: سلي حاجتك؟ وأن أمها رأت يحيى قد أعطي حسنا وجمالا، فأرادته عَلَى نفسه [3] ، فأبى عليها، فقالت له: إني قاتلتك أو تأتي حاجتي، فَقَالَ: معاذ اللَّه. فقالت لابنتها: إذا أتيت أباك الليلة فَقَالَ: سلي حاجتك، فقولي:
أسألك رأس يحيى.
فلما جاءت وَقَالَ: سلي حاجتك، قالت: رأس يحيى، فَقَالَ: ارجعي إِلَى أمك فتأمرك بما هو خير لك مِنْ هَذَا. فرجعت إِلَى أمها فحدثتها، فقالت لا تسأليه إلا رأس يحيى.
فلما جاءت فِي الليلة الثانية فغنته، قَالَ: سلي حاجتك، قالت: رأس يحيى.
فَقَالَ: ارجعي إِلَى أمك فتأمرك بما هو أنفع لك من هَذَا، فرجعت إليها، فقالت: لا تسأليه إلا رأس يحيى.
فلما جاءت فِي الليلة الثالثة فغنته [4] ، قَالَ: سلي حاجتك [5] ، قالت: رأس يحيى، فَقَالَ: ارجعي إِلَى أمك فتأمرك بما هو أنفع لك من هَذَا. فرجعت إليها، فقالت:
لا تسأليه إلا رأس يحيى [6] .
فَقَالَ: لك ما سألت، فرجعت إِلَى أمها فرحة فأخبرتها. فأرسلت إلى يحيى،
__________
[1] في ت: «لفظت الأرض» .
[2] في ت: «بنت شابة» .
[3] في الأصل (على نفسها) والتصحيح في: ت.
[4] في ت: «فلما رجعت إليه وقال: سلي» .
[5] «حاجتك» سقطت من ت.
[6] «فقال: ارجعي إلى أمك ... لا تسأليه إلا رأس يحيى» ساقط من ت.(2/9)
فقالت إني [قد] [1] أعطيت رأسك إن لم تأت حاجتي، فأبى عليها، فقالت [له] [2] إني ذابحتك. فذبحته ثُمَّ ندمت، وجعلت تنادي: ويل لها، ويل لها. حَتَّى ماتت، فهي أول امرأة [3] تدخل النار [4] ، وأن الدم صار يغلي ولا يسكن، وإن بخت نصر جاز عَلَيْهِ فسأل عنه، فقالوا: هَذَا دم يحيى بْن زكريا قتلته امرأة خيارهم.
وكان عَبْد اللَّه بْن الزبير يقول: من أنكر الباقلاني لا أنكره، لقد ذكر لي أنه إنما قتل يَحْيَى بْن زكريا فِي زانية [5] كانت جارة له.
وَرَوَى يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَسْلَمَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما:
أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: «رَبَّةٌ» قَتَلَتْ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، فَأُتِيَتْ بِرَأْسِهِ فِي طَسْتٍ، فَأُمِرَتِ الأَرْضُ فَأَخَذَتْهَا.
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عمر: وقتلت تلك المرأة فِي يوم سبعين نبيا، وهي مكتوبة فِي التوراة: مقتلة الأنبياء، وأنها عَلَى منبر فِي النار [يسمع صراخها أقصى أهل النار] [6] .
أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن ناصر، قَالَ: أَنْبَأَنَا جعفر بْن أحمد السراج/، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو القاسم: عَبْد اللَّهِ بْن عمر بْن شاهين، قَالَ: حَدَّثَنَا أبي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسين بْن مُحَمَّد بْن عقبة [7] الْأنْصَارِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو تمام، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن وهب، قَالَ: أخبرني ابن لهيعة، عَنْ عمارة بْن غزية، عَنْ عروة بْن الزبير، قَالَ:
اسم المرأة التي قتلت يحيى بْن زكريا «أزبيل» ، وأنها قتلت سبعين نبيا آخرهم يحيى بن زكريا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] «امرأة» سقطت من ت.
[4] في ت «جهنم» .
[5] في الأصل: «في جارية» وهذا باطل لا وزن له ولا دليل.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] في ت: «محمد بن عفير» .(2/10)
وَرَوَتْ فَاطِمَةُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «أَنَّ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلامُ مَكَثَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَرْبَعِينَ سَنَةً» . قَالَ قتادة: قتل بدمشق.
ذكر ما عوقب به بنو إسرائيل لقتلهم يحيى بْن زكريا [1]
[قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ هَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا قَتَلَتْهُ امْرَأَةٌ» ] [2] .
زعم السدي، عَنْ أشياخه: أن رجلا رأى فِي المنام أن خراب بيت المقدس وهلاك بني إسرائيل عَلَى يدي غلام يتيم ابن أرملة من أهل بابل يدعى «نصر» ، فأقبل يسأل عنه حَتَّى نزل عَلَى أمه وهي تحتطب، فلما جاء عَلَى رأسه حزمة حطب ألقاها ثم قعد فِي البيت، فكلمه ثم أعطاه ثلاثة دراهم، فاشترى بها طعاما وشرابا، فلما كان فِي اليوم الثاني فعل به ذلك، وكذلك في اليوم الثالث، ثم قَالَ له: إني أحب أن تكتب لي أمانا إن أنت ملكت يوما من الدهر. قَالَ: تسخر بي؟!. قَالَ: لا، ولكن ما عليك أن تتخذ عندي بها يدا. قالت له أمه: وما عليك إن كَانَ، وإلا لم ينقصك شيئا. فكتب له أمانا، فَقَالَ: أرأيت إن جئت والناس حولك قد حالوا بيني وبينك فاجعل لي آية تعرفني بها. قَالَ: ترفع صحيفتك عَلَى قصبة فأعرفك بها، فكساه وأعطاه.
فلما قتل يحيى أصبح دمه يغلي، فلم يزل يلقى عَلَيْهِ التراب ويغلي إِلَى أن بلغ سور [3] المدينة، وخرج نصر من قبل صيحائين الملك، فتحصن القوم منه فِي مدائنهم، فلما اشتد عَلَيْهِ المقام هم بالرجوع، فخرجت إليه عجوز من عجائز بني إسرائيل، فقالت: إن فتحت لك المدينة أتعطيني ما أسألك فتقتل من آمرك بقتله، وتكفئ إذا أمرتك؟ قَالَ: نعم. قالت: إذا أصبحت فأقسم جندك أربعة أرباع، ثم أقم
__________
[1] في ت بياض مكان «ذكر ما عوقب به بني إسرائيل لقتلهم يحيى بن زكريا» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «صور المدينة» .(2/11)
على كل زاوية ربعا، ثم ارفعوا أيديكم إِلَى السماء فنادوا: إنا نستفتحك باللَّه بدم يحيى [ابن زكريا [1] ، فإنها سوف تتساقط.
ففعلوا فتساقطت المدينة ودخلوا من جوانبها، فقالت: أقتل عَلَى هَذَا الدم حَتَّى يسكن، فقتل سبعين ألفا، فلما سكن الدم، قالت: كف يدك، فإنه إذا قتل نبي لم يرض اللَّه حَتَّى يقتل من قتله، ومن رضي قتله.
فأتاه صاحب الصحيفة بصحيفة فكف عنه وعن أهل بيته، وخرب بيت المقدس، وأمر أن يطرح فِيهِ الجيف، وَقَالَ: من طرح فيه جيفة فله جزيته تلك السنة، وأعانه عَلَى إخرابه [2] الروم من أجل بني إسرائيل إذ قتلوا يحيى.
فلما خربه بخت نصر ذهب معه بوجوه بني إسرائيل، منهم: دانيال، فلما قدم أرض بابل وجد صيحائين قد مات، فملك مكانه، فَقَالَ له المجوس: إن الذين قدمت بهم دانيال وأصحابه لا يعَبْدون إلهك، ولا يأكلون من ذبيحتك، [فدعاهم، فسألهم، فقالوا: أجل [إن] [3] لنا ربا نعَبْده ولا نأكل من ذبحتكم] فأمر بخد فخد لهم، فألقوا فيه وهم ستة وألقي معهم سبع ضار ليأكلهم، فلما راحوا إليهم وجدوهم جلوسا، والسبع مفترش ذراعيه، ووجدوا معهم رجلا فعدوهم فوجدوهم سبعة، فقالوا: إنما كانوا ستة، فخرج السابع وكان ملكا فلطم نصر لطمة، فصار فِي الوحش فكان فيهم سبع سنين [4] .
قال أبو جعفر ابن جرير الطبري: وقول من قَالَ إن بخت نصر هو الذي غزا بني إسرائيل عِنْدَ قتلهم يحيى غلط عند أهل العلم بأمور الماضين، لأنهم أجمعوا عَلَى أن بخت نصر إنما غزا بني إسرائيل عند قتلهم نبيهم شعيا فِي عهد إرمياء، وبين أرمياء وتخريب بخت نصّر بيت المقدس إلى مولد يحيى أربعمائة سنة وإحدى وستون سنة،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في الطبري 1/ 589: «على خرابه» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت، وأثبتناه من الطبري.
[4] في الأصل، ت: «فصار مع الوحش سبع سنين» والتصحيح من الطبري 1/ 589.
وهذا الخبر أخرجه الطبري، في التاريخ 1/ 586- 589. وفي التفسير 15/ 25- 26.(2/12)
وهذا مما يتفق عَلَيْهِ اليهود والنصارى، ويذكرون أن ذلك فِي أسفارهم مبين، وذلك أنهم يعدون من لدن تخريب بخت نصر بيت المقدس إِلَى حين عمرانها [1] فِي عهد كيرش أصبهبذ بابل من قبل بهمن، ثم من قبل خماني سبعين سنة، ثم من بعد عمرانه إِلَى ظهور الإسكندر عليها وحيازة مملكها [2] إِلَى مملكته ثمانيا وثمانين سنة، ثم من بعد مملكة الإسكندر [3] إلى مولد يحيى ثلاثمائة وثلاث سنين، فذلك على قولهم أربعمائة وإحدى وستون سنة.
وأما المجوس: فإنها توافق اليهود والنصارى فِي مدة خراب بيت المقدس وأمر بخت نصّر، وما كَانَ من أمره وأمر بني إسرائيل [إِلَى غلبة الإسكندر عَلَى بيت المقدس والشام وهلاك دارا، وتخالفهم فِي مدة ما بين ملك الإسكندر] [4] ومولد يحيى، فتزعم أن مدة ذلك إحدى وخمسون سنة [5] .
وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق: لما رجع بنو إسرائيل من بابل إِلَى بيت المقدس ما زالوا يحدثون الأحداث، ويبعث إليهم [6] الرسل، فريقا يكذبون وفريقا يقتلون حَتَّى كان من آخر من بعث إليهم زكريا ويحيى وعيسى، وكانوا من بيت آل داود، فلما رفع اللَّه عز وجل عِيسَى، وقتلوا يَحْيَى- وبعض [الناس] [7] يقول: وقتلوا زكريا- ابتعث اللَّه إليهم ملكا من ملوك بابل [يقال له: خردوس، فسار إليهم بأهل بابل] [8] ، حَتَّى دخل عليهم [الشام] [9] ، فَقَالَ لصاحب شرطته: إني كنت حلفت بإلهي: لئن [10] أنا ظهرت عَلَى أهل بيت المقدس لأقتلنهم حَتَّى تسيل دماؤهم فِي وسط عسكري، إِلَى ألَّا أجد أحدا أقتله،
__________
[1] في ت: «عمرانه» . وفي الأصل: «عمارتها» . وفوقها كتب: «عمرانها» كما أثبتناه.
[2] في الأصل: «ملكها» .
[3] في الأصل، ت: «إسكندر» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من الطبري، ت.
[5] القول في الطبري 589، 590.
[6] في الطبري: «ويبعث فيهم» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري 1/ 590.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وكتب على الهامش.
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] في الأصل، ت: «لأن» .(2/13)
فدخل بيت المقدس، فوجد دما يغلي، فَقَالَ: ما بال هَذَا الدم يغلي؟ فقالوا: هَذَا دم قربان قربناه فلم يقبل منا. فَقَالَ: ما صدقتموني.
فقتل منهم خلقا كثيرا عَلَى ذلك الدم فلم يسكن. فَقَالَ: ويلكم أصدقوني قبل ألّا أترك منكم أحدا، فقالوا: هَذَا دم نبي منا قتلناه، فَقَالَ: لهذا ينتقم منكم ربكم، فأمر وذبح من الخيل والبقر والبغال والغنم حَتَّى سال الدم إِلَى خردوس، فأرسل إليه:
حسبك.
وهذه الوقعة الأخيرة التي قَالَ اللَّه تعالى فيها: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ 17: 7 [1] .
فكانت الوقعة الأولى بخت نصر وجنوده، ثم رد اللَّه له الكرة عليهم، ثم كانت الوقعة الأخيرة/ خردوس وجنوده، وهي كانت أعظم الوقعتين، فيها كان خراب بلادهم، وقتل رجالهم، وسبي ذراريهم ونسائهم، يقول اللَّه تعالى: وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً 17: 7 [2]
. فصل
قَالَ مؤلف الكتاب: وقد بعث اللَّه عز وجل بين موسى وعيسى عليهما السلام خلقا كثيرا من الأنبياء، أكثرهم لم يذكر اسمه، وقليل منهم يذكر.
قَالَ ابن مسعود: كان بنو إسرائيل يقتلون في اليوم ثلاثمائة نبي، ثم يقوم سوق نعلهم [3] آخر النهار.
وَرَوَى أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَا صُدِّقَ نَبِيٌّ مَا صُدِّقْتُ إِنَّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ مَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِلا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ» . فمن الأنبياء أصحاب الرس، قَالَ علي بْن أبي طالب رضي الله عنه: كان
__________
[1] سورة: الإسراء، الآية: 7.
[2] سورة: الإسراء، الآية: 7.
[3] هكذا في الأصول.(2/14)
أصحاب الرس يعَبْدون شجرة، فبعث اللَّه تعالى إليهم نبيا من ولد يهوذا بْن يعقوب، فحفروا له بئرا وألقوه فيها فهلكوا. وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْرٍ: كان لهم نبي يقال له: «حنظلة بْن صفوان» قتلوه فأهلكهم اللَّه.
فأما قتادة ووهب، فقالا: هم قوم شعيب.
وَقَالَ السدي: هو حبيب النجار. والله أعلم
.(2/15)
باب ذكر عِيسَى ابن مريم عَلَيْهِ السلام
[1] أخبرنا محمد ابن عَبْدِ الْبَاقِي- أَوْ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو ابن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف، قَالَ: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ. [2] ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ [3] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كان بين مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلامُ أَلْفُ سَنَةٍ وَسَبْعُ مِائَةِ سَنَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فترة، وَأَنَّهُ أُرْسِلَ بَيْنَهُمَا أَلْفُ نَبِيٍّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سِوَى مَنْ أُرْسِلَ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكَانَ بين ميلاد عيسى والنبي صلى الله عليه وسلم خمس مائة [و] تسع وَسِتُّونَ سَنَةً، بُعِثَ فِي أَوَّلِهَا ثَلاثَةُ أَنْبِيَاءَ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ 36: 14 [4] وَالَّذِي عُزِّزَ بِهِ سَمْعُونَ. وَكَانَتِ الْفَتْرَةُ الَّتِي لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ فِيهَا رَسُولا أَرْبَعُ مِائَةِ سنة وأربع وثمانين.
قَالَ علماء السير: مات عمران بْن ماثان بْن اليعازار بْن اليوذ بْن أحين بْن صادوق بْن عازور بْن إلياقيم بْن أبيوذ بْن زربابل بْن شلتيل بْن يوحنا بْن يوشيا بن أمون بن منشا بن حزقيا بْن أحاز بْن يوثام بْن عوزيا بْن يورام بْن يوشافاظ بْن أسا بْن أبيا بْن رحبعم بْن سليمان بْن داود عليهما السلام [5] . وكانت امرأة عمران حين
__________
[1] بياض في ت مكان «ذكر عيسى ابن مريم عليه السلام» .
[2] بياض في الأصل.
[3] حذف السند في النسخة ت وكتب بدلا منه «روي عن ابن عباس» .
[4] سورة: يس الآية: 14.
[5] في الأصل: «عمران بن ماثان بن اليعارار بن اليوذ بن أحين بن صادق بْن عازور بْن إلياقيم بْن أبيوذ بْن زربابل بن شالتان بن يوحنا بن يوشنا بن أبون بن ميشا بن حزقيا بْن أحاز بْن يوثام بْن عوزيا بن يورام بن(2/16)
مات- واسمها: حنة- حاملا بمريم، وكان زكريا زوج أشياع أخت مريم، فجعلت حنة ما فِي بطنها محررا للكنيسة التي فِي جبل أصبهيون [1] ، فلما ولدت إذا هي أنثى فكفلها زكريا، فلما فطمتها أمها تركتها فِي محرابها، ولحقت بأهلها، فغذيت بثمار الجنة، فكان زكريا يجد عندها الثمار الرطبة التي تكون فِي الشتاء، فيقول: يا مريم، أنى لك هَذَا؟ فتقول: هو من عِنْدَ اللَّه، فهنالك دعا زكريا عَلَيْهِ السلام ربه أن يرزقه ولدا.
ذكر حمل مريم
[2] لما بلغت خمس عشرة سنة خرجت يوما تستعذب الماء من مغارة، فإذا جبريل من عند اللَّه ينفخ فِي جيبها نفخة فوصلت إِلَى الرحم، فاستمر بها الحمل [3] .
وَقَالَ قوم: حملت به لثلاث عشرة سنة، وأن جبريل عَلَيْهِ السلام نفخ ما بين جيبها ودرعها [4] .
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ ابْنِ المُذْهِبِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الدَّمَّامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ رَفِيعٍ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ [5] :
«أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ جِبْرِيلَ إِلَى مَرْيَمَ فَدَخَلَ مِنْ فِيهَا» .
__________
[ () ] يهوشافاظ بْن أسا بْن أبيا بْن رحبعم بْن سليمان بن داود عليهما السلام» .
وفي البداية والنهاية: «عمران بن ماثان بن العازر بن اليود بن أخنر بن صادوق بن عيازوز بن إلياقيم بن أبيود بن زريابيل بن شالتان بن يوحينا بن برشا بن آمون بن ميشا بن حزقيا بن أحاز بن موثام بن عزريا بن يورام بن يوسافاط بن إيشا بن إيبا بن رحبعام بن سليمان بن داود عليهما السلام» البداية والنهاية 2/ 56.
وما أثبتناه من الطبري 1/ 585.
[1] في أ: «أصبهون» .
[2] بياض في ت مكان: «ذكر حمل مريم» .
[3] انظر الطبري 1/ 593.
[4] انظر الطبري 1/ 594. والكامل 1/ 237.
[5] حذف السند في ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا ابن الحصين بإسناد له عن أبيّ بن كعب» .(2/17)
فصل
قَالَ مؤلف الكتاب [1] : وقد اختلف العلماء فِي المدة التي حملت به.
فَقَالَ ابن عباس: حين حملت وضعت.
وعنه: ثمانية أشهر.
وَقَالَ عكرمة: وليس أحد يولد لثمانية أشهر فيعيش إلا يشبه عِيسَى بْن مَرْيَمَ.
[وَقَالَ الحسن: تسع ساعات] [2] .
وَقَالَ مُقَاتِل: ثلاث ساعات.
وَقَالَ ابن جُبَيْرٍ: تسعة أشهر.
وَقَالَ نوف البكالي [3] : مكثت حاملا قدر ما تمكث النساء [4]
. ذكر ما جرى له فِي حال الحمل
[5] روى ابن [أبي] نجيح، عَنْ مجاهد، قَالَ: قالت مريم: كنت إذا خلوت أنا وعيسى حدثني وحدثته، فإذا شغلني عنه شاغل سبح فِي بطني وأنا أسمع
[6] .
ذكر ولادتها
[7] قَالَ نوف البكالي [8] : خرجت هاربة من قومها نحو المشرق، وخرجوا فِي طلبها، فجعلوا لا يلقون أحدا إلا قالوا: هل رأيت فتاة من حالها كذا وكذا؟ فيقول: لا. حتى
__________
[1] بياض في ت مكان: «فصل. قال مؤلف الكتاب» :
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[3] في الأصل: «نوف الميكالي» خطأ.
[4] انظر هذه الأقوال في الكامل 1/ 238.
[5] في ت بياض مكان: «ذكر ما جرى له فِي حال الحمل» .
[6] الكامل 1/ 238 بلا سند. وانظر أيضا البداية والنهاية 2/ 65، 66.
[7] في ت بياض مكان: «ذكر ولادتها» .
[8] في الأصل: «نوف الميكالي» خطأ.(2/18)
أتوا راعي بقر، فقالوا له، فَقَالَ: لا، ولكني رأيت من بقري شيئا لم أره، رأيتها سجدت نحو هَذَا الوادي.
قَالَ: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ، قالَتْ: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا 19: 23 [1] فناداها جبريل: لا تحزني، فوضعته، وقطعت سرته ولفته فِي خرقة وحملته.
قَالَ وهب بْن منبه: لما كانت الليلة التي ولد فيها عِيسَى أصبحت الأصنام فِي جميع الأرض منكسة عَلَى رءوسها، كلما ردوها عَلَى قوائمها انقلبت، فحارت الشياطين لذلك ولم تعلم السبب، فشكت إِلَى إبليس فطاف الأرض ثم عاد، فَقَالَ: رأيت مولودا والملائكة قد حفت به، فلم أستطع أن أدنو إليه، ومن أعظم أمره أن اللَّه عز وجل [2] كتمني أمره، ولم تضع أم [3] إلا وأنا حاضرها [4] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ الحصين، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قال: حدثني أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلا نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ إِلا ابْنُ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ» . قَالَ أَبُو هريرة: اقرأوا إِنْ شِئْتُمْ: وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ 3: 36 [5] .
أخرجاه في الصحيحين [6] .
__________
[1] سورة: مريم، الآية: 23.
[2] في ت: «الله تعالى» .
[3] في الأصل: «أمي» وهي ساقطة من ت.
[4] أورد القصة مختصرة: الطبري في تاريخه 1/ 595، 596.
[5] سورة: آل عمران، الآية: 36.
[6] حديث: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلا نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ ... » أخرجه الإمام أحمد في المسند. 2/ 274 والبخاري 5 تفسير سورة آل عمران ومسلم كتاب الفضائل الباب 40.(2/19)
ذكر ما جرى لها مع قومها حين لقوها
[1] قَالَ نوف: أقبل قومها يطوفون عليها، فلما رأوها قعدت ووضعت عِيسَى فِي حجرها وأعطته ثديها، فوقفوا وقالُوا: يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا 19: 27. فأشارت إليه أن كلمهم ف قالُوا: كَيْفَ نُكَلِّمُ من كانَ في الْمَهْدِ 19: 29 فنزع فمه من ثديها، وجلس واتكأ عَلَى يساره، وقال: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا 19: 30 [2] .
ذكر صفة عِيسَى عَلَيْهِ السلام
[3] رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى أُمَّتِي، وَإِنَّهُ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ» [4]
. ذكر مسكنه [عَلَيْهِ السلام]
[5] قَالَ مؤلف الكتاب: كان عِيسَى عَلَيْهِ السلام يسكن من ساعير أرض الخليل عَلَيْهِ السلام بقرية تدعى ناصرة [6] .
ذكر ما جرى له فِي الصغر فِي المكتب
[7] قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْرٍ: لما ترعرع عِيسَى جاءت به أمه إِلَى معلم الكتاب فدفعته
__________
[1] بياض في ت مكان: «ذكر ما جرى لها مع قومها حين لقوها» .
[2] سورة: مريم، الآية: 27- 31. وانظر البداية والنهاية 2/ 68 وتاريخ الطبري 1/ 600. والكامل لابن الأثير 1/ 239.
[3] بياض في ت مكان «ذكر صفة عيسى عليه السلام» .
[4] حديث: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ لأَنَّهُ لم يكن ... » مسند أحمد 2/ 437.
[5] في ت بياض مكان: «ذكر مسكنه» ، وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] انظر: البداية والنهاية 2/ 75.
[7] بياض في ت مكان: «ذكر ما جرى له فِي الصغر فِي المكتب» .(2/20)
إِلَيْهِ، فَقَالَ له: قل بسم، فَقَالَ عِيسَى: اللَّه [1] ، فَقَالَ المعلم: الرحمن، فَقَالَ عِيسَى:
الرحيم. فَقَالَ المعلم: كيف أعلم من هو أعلم مني.
وكان يخبر الصبيان مما يأكلون، وما يدخر لهم أهاليهم فِي البيوت [2] .
ذكر نبوته ومعجزاته
[3] قَالَ علماء السير: أوحى اللَّه تعالى إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السلام حين تم له ثلاثون سنة، فأمره أن يبرز للناس فيدعوهم إِلَى اللَّه عز وجل. وكانوا أرباب أوثان، ثم أنزل عَلَيْهِ الإنجيل بالسريانية، فأقبل عِيسَى إِلَى بيت المقدس، فأبرأ أعمى ممسوح العينين، ومقعدا زمنًا. وكان يداوي المرضى، والزمنى، والعميان، والمجانين، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويحيى الموتى، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن اللَّه. وينبئهم بما يأكلون وما يدخرون فِي بيوتهم، وكان كتابه الإنجيل، وزاده التوراة، وعلمه الزبور [4] .
وكان من آياته المائدة والمشي عَلَى الماء، وقد كان يسبح فِي بطن أمه، وتكلم فِي المهد طفلا.
قَالَ وهب: وكان يجتمع عَلَى بابه من المرضى خمسون ألفا.
أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُصَيْنِ بْن دُومَا، قَالَ: أخبرنا مخلد بن جعفر، قال: أخبرنا الحسن [5] ابن علي القطان، قال: أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار، قال: أخبرنا إسحاق بن بشر القرشي، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْرِيِّ، عن سلمان الفارسيّ، قال:
__________
[1] «فقال عيسى: الله» سقط من ت.
[2] انظر البداية والنهاية 2/ 77.
[3] بياض في ت مكان: «ذكر نبوته ومعجزاته» .
[4] انظر الكامل 1/ 240: 243. والبداية والنهاية 2/ 75.
[5] في ت: «الحسين بن علي» .(2/21)
لَمْ يَبْقَ فِي مَدِينَتِهِمْ زَمِنٌ وَلا مُبْتَلًى وَلا مَرِيضٌ إِلا اجْتَمَعُوا [1] إِلَيْهِ فَدَعَا لَهُمْ فَشَفَاهُمُ اللَّهُ، فَصَدَّقُوهُ وَاتَّبَعُوهُ، ثُمَّ قَالُوا لَهُ: ابْعَثْ لَنَا مِنَ الآخِرَةِ، قَالَ: مَنْ تُرِيدُونَ؟
قَالُوا: سَامَ بْنَ نُوحٍ، فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا أَلْفِ سَنَةٍ، قَالَ: تَعْلَمُونَ أَيْنَ قَبْرُهُ؟ قَالُوا:
فِي وَادِي كَذَا وَكَذَا.
فَانْطَلَقُوا إِلَى الْوَادِي، فصلى عِيسَى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ، إِنَّهُمْ سَأَلُونِي مَا قَدْ عَلِمْتَ فَابْعَثْ لِي سَامَ بْنَ نُوحٍ، فَقَالَ: يَا سَامُ بْنَ نُوحٍ، قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ، ثُمَّ نَادَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ نَادَى الثَّالِثَةَ، فَأَجَابَهُ فَنَظَرَ [2] إِلَى الأَرْضِ قَدِ انْشَقَّتْ عَنْهُ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ [3] وَكَلِمَتَهُ، هَا أَنَا ذَا قَدْ جِئْتُكَ. فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَذَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، ابْنُ الْعَذْرَاءِ الْمُبَارَكَةِ، رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، فَآمِنُوا بِهِ وَاتَّبِعُوهُ [4] .
ثُمَّ قَالَ: يَا رُوحَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَمَّا دَعَوْتَنِي جَمَعَ اللَّهُ مَفَاصِلِي وَعِظَامِي، ثُمَّ سَوَّانِي [خَلْقًا] [5] فَلَمَّا دَعَوْتَنِي الثَّانِيَةَ رَجَعَتْ [6] إِلَيَّ رُوحِي، فَلَمَّا دَعَوْتَنِي الثَّالِثَةَ خِفْتُ أَنْ تَكُونَ الْقِيَامَةَ، فَشَابَ رَأْسِي وَأَتَانِي مَلَكٌ، فَقَالَ [7] : هَذَا عِيسَى يَدْعُوكَ لِتُصَدِّقَ مَقَالَتَهُ، يَا رُوحَ اللَّهِ، سَلْ رَبَّكَ أَنْ يَرُدَّنِي إِلَى الآخِرَةِ فَلا حَاجَةَ لِي فِي الدُّنْيَا.
قَالَ عِيسَى: فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَكُونَ مَعِي، قَالَ: يَا عِيسَى، أَكْرَهُ كَرْبَ الْمَوْتِ، مَا ذَاقَ الذَّائِقُونَ مِثْلَهُ. فَدَعَا رَبَّهُ فَاسْتَوَتْ عَلَيْهِ الأْرَضُ، وَقَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، فَبَلَغَ عِدَّةُ مَنْ آمَنَ بِعِيسَى سَبْعَةُ آلافٍ.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ [8] : وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الَّذِي أَحْيَاهُ حَامُ [بْنُ نُوح] [9] .
__________
[1] في ت: «إلا اجتمع» .
[2] في ت: «فنظروا إلى الأرض» .
[3] في ت: «يا روح الله» .
[4] انظر الكامل 1/ 242.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] في الأصل، «رجع إليّ» .
[7] في ت: وأتأني الملك فقال:
[8] «وقال مؤلف الكتاب» سقط من ت.
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(2/22)
أَنْبَأَنَا [1] مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بْن أَحْمَد، قَالَ: أَخْبَرَنَا جعفر بْن أحمد بْن السراج، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن مُحَمَّد الخلال، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُوسُف بْن عمر الزاهد، قَالَ: قرئ عَلَى عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن زياد النيسابوري وأنا أسمع، قيل له: أخبركم موسى بْن عَبْد الأعلى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن وهب، قَالَ: أخبرني ابن لهيعة، عَنِ ابْنِ الهاد، عَنِ ابْنِ شهاب [2] ، قَالَ:
قيل لعيسى بن مريم عليه السلام: أحي حام بْن نوح، فَقَالَ: أروني قبره، فأروه فقام فقال: يا حام بن نوح احي بإذن اللَّه، فلم يخرج، ثم قالها الثانية، فإذا شق رأسه ولحيته أبيض. فَقَالَ: ما هَذَا، قَالَ: سمعت الدعاء الأول فظننت أنه من اللَّه عز وجل، فشاب له شقي، ثم سمعت الثاني فعلمت أنه من الدنيا فخرجت. قَالَ: منذ كم [3] مت؟
قَالَ: منذ أربعة آلاف سنة ما ذهبت عني سكرة الموت [4] .
ذكر كلمات مما أوحي إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السلام
[5] أَنْبَأَنَا [6] يَحْيَى بْنُ ثَابِتٍ بْن بُنْدَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسن بن الحسين بن دوما، قال: أخبرنا مخلد بن جعفر، قال: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ العطار، قَالَ: أَخْبَرَنَا إسماعيل بن عيسى العطار، قال: أخبرنا إسحاق بن بشر القرشي، قال: أخبرنا عيسى بن عطية السعدي، وعبد الله بن زياد بن سمعان، قالا: عَنْ بعض من أسلم من أهل الكتاب [7] قَالَ:
أوحى اللَّه تعالى إِلَى عِيسَى: يا عِيسَى ابن مريم، اذكرني فِي الدنيا أذكرك في
__________
[1] في ت: «أخبرنا» .
[2] حذف السند من ت وكتب مكانه: «أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بإسناد لَهُ عن ابن شهاب» .
[3] في ت: «مذ كم مت» .
[4] «ما ذهبت عني سكرة الموت» سقطت من ت.
[5] بياض في ت مكان: «ذكر كلمات مما أوحي إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السلام» .
[6] في ت: «أخبرنا» .
[7] حذف السند من ت وكتب بدلا منها: «أخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار بإسناد له عن زياد بن سمعان عَنْ بعض من أسلم من أهل الكتاب قال» .(2/23)
المعاد، أكحل عينك بملول الحزن، تيقظ لي [1] فِي ساعات الليل. أسمعني لذاذة الإنجيل، إذا دخلت مسجدا من مساجدي فليضطرب قلبك خوفا مني، ولتخشع جوارحك لي. وقل لقومك إذا دخلوا مسجدا من مساجدي لا تدخلوا إلا بقلوب خائفة، وأبصار خاشعة خافضة، وأيد طاهرة من الدنس. وأخبرهم أني لا أستجيب دعاء الظالم حَتَّى يرد المظلمة إِلَى صاحبها. يا عِيسَى، لا تجالس الخطائين حَتَّى يتوبوا [2] . [يا عِيسَى، إني ذاكر كل من ذكرني، وألعن الظالمين إذا ذكروني] [3] .
ذكر عيشته وزهده
[4] قَالَ سلمان الفارسي: كان عِيسَى يلبس الصوف بالنهار، والشعر بالليل، وما قهقه ضاحكا قط.
وَقَالَ مجاهد: كان يأكل قلوب الشجر، ويلبس الشعر، ولم يكن له ولد يموت ولا بيت يخرب، ولم يكن يدخر شيئا لغد، أينما أدركه المساء بات [5] .
وَقَالَ عطاء الخراساني: كان عِيسَى عَلَيْهِ السلام يتخذ نعلين من لحا الشجر، وشراكهما ليف.
وَقَالَ عمرو بْن شرحبيل: كان عِيسَى يأكل من غزل أمه [6] .
وَقَالَ شعيب بْن حرب: كانت مريم تلقط فإذا علم بها نثر لها، فإذا علمت تحولت إِلَى مكان لا تعرف فيه.
أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بْنِ بُنْدَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسن بن الحسين بن دوما، قال:
__________
[1] في ت «تيقظ في ساعات الليل» .
[2] «يا عِيسَى لا تجالس الخطائين حَتَّى يتوبوا» سقط من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[4] بياض في ت مكان «ذكر عيشته وزهده» .
[5] البداية والنهاية 2/ 87.
[6] البداية والنهاية 2/ 87.(2/24)
أخبرنا مخلد بن جعفر، قال: أخبرنا الحسن بن علي القطان، قال: أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار، قال: أخبرنا إسحاق بن بشر القرشي، قال: أخبرنا عيسى بن عطية السعدي، وعبد الله بن زياد بن سمعان، قالا جَمِيعًا: عَنْ مكحول، عَنْ كعب [1] :
إن عِيسَى كان يأكل الشعير، ويمشي عَلَى رجليه، ويركب الدواب، ولا يسكن البيوت ولا يستصبح السراج، ولا يلبس القطن، ولا لمس النساء والطيب، ولم يمزج/ شرابه بشَيْء قط، ولم يدهن رأسه، ولم يقرب رأسه ولحيته غسولا قط، ولم يجعل بين الأرض وبين [2] جلده شيئا قط. ولم يهتم لغداء ولا لعشاء. وكان يجالس الضعفاء والمساكين، ولم يأكل مع الطعام إداما قط، وكان يجزئ بالقوت القليل، ويقول: هَذَا لمن يموت كثير.
وَقَالَ عِيسَى، وعَبْد اللَّه جميعا، عَنْ بعض من أسلم من أهل الكتاب: أن عِيسَى عَلَيْهِ السلام كان سياحا يسيح فِي الأرض، لا يأويه بيت ولا قرية، عَلَيْهِ برنس من شعر وإزار من شعر [3] ، و [ينتعل] [4] نعلين من النعال السبتية وَفِي يده عصا، مأواه حيث ما جنه الليل، سراجه ضوء القمر، وظله ظلمة الليل، وفراشه من الأرض، ووساده حجر الأرض، وبقله وريحانه عشب الأرض، وربما طوى الأيام جائعا، إذا أصابه الشدة فرح واستبشر، وإذا أصابه الرخاء خاف وحزن [5] .
قَالَ القرشي: وبه حَدَّثَنَا هشام، عَنِ الحسن: أن عِيسَى مر به إبليس يوما وهو متوسد حجرا، فَقَالَ: يا عِيسَى، أليس تزعم أنك لا تريد شيئا من عرض الدنيا؟ قَالَ:
فقام عِيسَى عَلَيْهِ السلام فأخذ الحجر فرمى به إليه، فَقَالَ: هَذَا لك مع الدنيا [6] .
قَالَ: وَقَالُوا: يا روح اللَّه، لو بنينا لك بيتا تسكنه، قَالَ: لا حاجة لي به، [فألحّوا
__________
[1] في ت حذف السند وكتب بدلا منه: «أنبأنا يحيى بن ثابت بإسناد له عن مكحول عن كعب أن عيسى ... » .
[2] «وبين» سقطت في الأصل وأثبتت بالهامش.
[3] «وإزار من شعر» سقط من ت.
[4] ما بين المعقوفين ساقط من الأصل وأضفناه لاستقامة المعنى واللغة.
[5] انظر البداية والنهاية 2/ 88.
[6] البداية والنهاية 2/ 88.(2/25)
عَلَيْهِ، فأذن لهم] [1] فبنوا له عريشا، فلما دخله فنظر إليه، قَالَ: إنما أردت بيتا إذا قمت أصاب رأسي وإذا اضطجعت أصاب جنبي حائطه، ولا حاجة لي بهذا، فلم يسكن بعدها ظل بيت قط حَتَّى رفع.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن علي بْن ميمون، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه: مُحَمَّدً بْن علي العلوي، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي العطار، قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ البجلي، قَالَ: حَدَّثَنَا علي بْن المنذر الطرائقي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن فضيل، قَالَ: حَدَّثَنَا عمران بْن مُسْلِم [2] ، قَالَ:
بلغني أن عِيسَى بْن مَرْيَمَ خرج عَلَى أصحابه عَلَيْهِ مدرعة من صوف وكساء من صوف وتبان [3] ، مجزوز الرأس والشاربين باكيا شعثا متغير اللون من الجوع، يابس الشفتين من العطش، طويل شعر الصدر والذراعين والساقين، فَقَالَ: السلام عليكم، أنا الذي أنزلت الدنيا منزلتها [4] بإذن من اللَّه [عز وجل] [5] ولا عجب ولا فخر، يا بني إسرائيل، تهاونوا بالدنيا تهن عليكم، أهينوا الدنيا تكرم الآخرة عليكم، ولا تهينوا الآخرة فتكرم الدنيا عليكم، فإن الدُّنْيَا ليست بأهل لكرامة، كل يوم تدعو إِلَى الفتنة والخسارة.
ثم قَالَ لأصحابه: تدرون أين بيتي؟ قالوا: أين بيتك يا روح اللَّه؟ فَقَالَ: بيتي المساجد، وطيبي الماء، وإدامي الجوع، ودابتي رجلي، وسراجي بالليل القمر، وظلالي [ظلمة الليل ومسكني] [6] فِي الشتاء مشارق الشمس، وطعامي ما يبس، وفاكهتي وريحاني بقول الأرض مما يأكل السباع والأنعام، ولباسي الصوف، وشعاري الخوف، وجلسائي الزمني والمساكين، أصبح وليس لي شَيْء، وأمسي وليس لي شَيْء
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[2] في ت حذف السند وكتب بدلا منه: عن عمران بن مسلم» .
[3] التبان: سراويل صغير مقدار شبر يستر العورة المغلظة فقط يكون للملاحين (لسان العرب ص 420) .
(تبن) . و «تبان» سقطت من ت.
[4] «منزلتها» سقطت من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/26)
وأنا طيب النفس، غير مكترث من أغنى مني وأربح مني [1] .
وذكر أنه لبس جبة من صوف عشر سنين، كلما تخرق منها شَيْء خاطه بشريط [2] ، ولم يدهن رأسه أربع سنين متواليات، ثم دهنه بودك الشحم، وَقَالَ: يا بني إسرائيل، اتخذوا المساجد بيوتا، والقبور دورا، وكونوا كأمثال الأضياف، ألا ترون إِلَى طير السماء؟ لا يزرعن ولا يحصدن وإله السماء يرزقهن. يا بني إسرائيل، كلوا من خبز الشعير ومن بقول الأرض، واعلموا أنكم لم تؤدوا شكر ذلك، فكيف ما كان من فضل [3] .
أَخْبَرَنَا الحسن بْن أحمد بْن محبوب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو علي: أحمد بْن مُحَمَّد البرداني، قَالَ: قرأت عَلَى يُوسُف بْن مُحَمَّد الهمذاني، أخبركم الحسين بْن عُمَر بْن برهان، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن البختري، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عبيد، قَالَ: حدثني المثنى بْن معاذ الغنوي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن شجاع [4] النميري، قَالَ:
بينا عِيسَى بْن مَرْيَمَ يسيح فِي بعض بلاد/ الشام اشتد به المطر والرعد والبرق، فجعل يطلب شيئًا يلجأ إليه، فرفعت له خيمة من بعد، فإذا فيها امرأة فحاد عنها، فإذا هو بكهف فِي جبل فأتاه، فإذا فِي الكهف أسد، فرفع يده، ثم قَالَ: إلهي جعلت لكل شَيْء مأوى ولم تجعل لي مأوى؟ فأجابه الجليل عز وجل: مأواك عندي فِي مستقر رحمتي، لأزوجنك يوم القيامة مائة حورا جعلتها بيدي، ولأطعمن فِي عرسك أربع مائة عام، يوم منها كعمر الدنيا، ولآمرن مناديا ينادي: أين الزاهدون فِي الدنيا، زوروا عرس الزاهد عيسى ابن مريم [5] .
__________
[1] أورده ابن كثير في البداية والنهاية 2/ 88. وعزاه لابن عساكر في تاريخ دمشق عن معتمر بن سليمان.
[2] في الأصل: «بالشرط» .
[3] البداية والنهاية 2/ 88، 90.
[4] في ت: «بن سباع» . وقد حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا الحسن بن أحمد بن محبوب باسناد عن محمد بن سباع النميري قال» .
[5] أورد ابن كثير في تاريخه 2/ 88 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أوحى الله تعالى إلى عيسى أن يا(2/27)
ذكر طرف من مواعظ عِيسَى عَلَيْهِ السلام
[1] أنبأنا يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بْنِ بُنْدَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسن بْن الحسين بن دوما، قال: أخبرنا مخلد بن جعفر الباقرجي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَطَّان، قال: أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار، قال: أخبرنا إسحاق بن بشر القرشي، قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ إدريس، عَنْ وهب بْن منبه [2] قَالَ: قَالَ عِيسَى بْن مَرْيَمَ:
«إن للحكمة أهلا إن كتمتها عَنْ أهلها جهلت، وإن تكلمت بها عند غير أهلها جهلت، فكن كالطبيب العالم الذي يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع» [3] .
قَالَ القرشي: وَأَخْبَرَنَا عِيسَى بْن عطية السعدي، وعبد الله بن زياد بن سمعان، قالا: عَنْ بعض من أسلم من أهل الكتاب [4] ، قَالَ: قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السلام للحواريين:
«لا تجالسوا [5] الخطائين فإن مجالستهم تقسي القلب، تقربوا إِلَى اللَّه عز وجل بمفارقتهم. يا معشر الحواريين، لا تحملوا عَلَى اليوم هم غد، حسب كل يوم همه، ولا يهتم أحدكم لرزق غد، خالق غد يأتيكم فيه بالرزق. ولا يقولن أحدكم إذا استقبل الشتاء: من أين آكل ومن أَيْنَ [ألبس؟ وإذا استقبله الصيف يقول: من أين آكل ومن أين] [6] أشرب؟ فإن كان لك فِي الشتاء بقاء فلك فيه رزق، وإن كان لك في الصيف بقاء عيسى انتقل من مكان إلى مكان لئلا تعرف فتؤذى، فو عزّتي وجلالي لأزوجنك ألف حوراء، ولأولمن عليك أربعمائة عام» . وعزاه ابن كثير لابن عساكر في ترجمة محمد بن الوليد بن أبان، ثم قال: «هذا حديث غريب رفعه، وقد يكون موقوفا من رواية سفي بن نافع عن كعب الأحبار أو غيره من الإسرائيليين، والله أعلم.
__________
[1] بياض في ت مكان: «ذكر طرف من مواعظ عِيسَى عَلَيْهِ السلام» .
[2] حذف الإسناد من ت وكتب بدلا منه: «أنبأنا يحيى بن ثابت بإسناد له عن وهب بن منبه قال:» .
[3] ذكر ابن عساكر في تاريخه مثل هذه الآثار كثير جدا، ونقل عنه ابن كثير في تاريخه ما صلح منه 2/ 87: 91.
[4] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «وعن بعض من أسلم من أهل الكتاب قَالَ: قال عيسى» .
[5] في ت: «لا تجالس» .
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/28)
فلك فيه رزق. ولا تحمل هم شتائك وصيفك عَلَى يومك، حسب هم كل يوم بما فيه.
يا معشر الحواريين. إن ابن آدم خلق فِي الدنيا عَلَى أربعة منازل، فهو في ثلاثة منها/ باللَّه واثق، وظنه باللَّه حسن، وهو فِي الرابعة سيئ ظنه بربه يخاف خذلان اللَّه إياه.
أما المنزلة الأولى، فإنه يخلق فِي بطن أمه خلقا من بعد خلق، فِي ظلمات ثلاث: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، يدر اللَّه عَلَيْهِ رزقه فِي ظلمة البطن، فإذا خرج من البطن وقع فِي اللبن، لا يسعى إليه بقدم، ولا يتناوله بيده، ولا ينهض إليه بقوة بل يكره عَلَيْهِ، حَتَّى يرتفع عَنِ اللبن ويفطم، ويقع فِي المنزلة الثالثة بين أبوين يحنان عَلَيْهِ [1] ، فإذا ماتا وتركاه يتيما تعطف عَلَيْهِ الناس، يطعمه هَذَا ويكسوه هَذَا رحمة له، حَتَّى إذا بلغ منزلته الرابعة واستوى خلقه واجتمع حَتَّى أنه لا يرزقه إلا اللَّه، اجترأ عَلَى اللَّه، وغدا على الناس يقاتلهم عَلَى الدنيا.
يا معشر الحواريين، اعتبروا بالطير، هل رأيتم طيرا قط يدخر، وكذلك البهائم والسباع، الحق أقول لكم أمسيتم فِي زمان [قوم] [2] كلامهم كلام الأنبياء، وفعالهم فعال السفهاء، كلامهم دواء يبرئ الداء، وقلوبكم ما تقبل الدواء. قلوبكم تبكي من أعمالكم، أصبحت الدُّنْيَا عندكم بمنزلة العروس المجلية يعشقها كل من يراها، وهي بمنزلة الحية، لين لمسها، يقتل سمها.
يا معشر الحواريين، ليكن همكم من الدنيا أنفسكم تفوزوا بها، ولا تكن همكم بطونكم وفروجكم، تملئوها من الطعام وتضمروها من الحكمة، كلوا خبز الشعير، وملح الجريش، واخرجوا من الدنيا سالمين. واعلموا أن النظر إِلَى النساء سهم من سهام إبليس مسموم، وهو يزرع الشهوة فِي القلب، وإن مثل الحكيم يعمل حكمته كمثل الشمس تضيء للخلائق ولا تحرق نفسها، وإن مثل الحكيم [3] الذي لا يعمل بحكمته كمثل السراج يضيء لمن حوله، ويحرق نفسه.
__________
[1] في الأصل: «بين أبوان يكسبان عليه» . والتصحيح من: ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] «الحكيم» . سقطت من ت.(2/29)
يا معشر الحواريين، لا [1] تضعوا البعوض عَنْ شرابكم وسرطون الفيلة [2] ، لا تنظروا/ فِي ذنوب النَّاس كالأرباب وانظروا فِي ذنوبكم كالعبيد، ما الناس إلا كرجلين:
مبتلى ومعافى، فارحموا صاحب البلاء، واحمدوا اللَّه عَلَى العافية [3] .
يا بني إسرائيل، كونوا حكماء علماء، لا تضعوا الحكمة إلا عند أهلها ولا تكتموها أهلها، فإنكم إن تكلمتم بالحكمة عند غير أهلها جهلتم، وإن منعتموها أهلها فقد ظلمتموها وضيعتموها، فكونوا كالطبيب العالم الذي يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع، اعفوا عَنِ الناس يعف اللَّه عز وجل عنكم.
يا بني إسرائيل، ما يغني عَنِ البيت المظلم السراج عَلَى ظهره وباطنه مظلم، تخرجون الحكمة إِلَى الناس وتمسكون الغل فِي صدوركم. لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق ويمسك النخالة، كذلك الحكمة تخرج من أفواهكم وتبقي الغل فِي صدوركم. إن الّذي يخوض الماء لا بدّ أن يصيب ثوبه الماء، وكذلك من يحب الدنيا لا ينجو من الخطايا. طوبى للمجتهدين بالَّليلِ ورعوا فِي مساجدهم العمل وسقوا زرعهم من دموع أعينهم حَتَّى نبت وأدرك الحصاد ليوم فقرهم، فوجدوا عاقبة ذلك عند ربهم، ومن يكن زرعه المر لا يحصد حلوا.
يا عَبْد الدنيا، ما أكثر الشجر وليس كله يثمر، وما أكثر العلماء وليس كلهم يعمل، إن الدابة ما لم ترض تستصعب [4] .
يا عبيد الدنيا، إنكم لا تدركون ما تأملون إلا بالصبر عَلَى ما تكرهون، ولا تبلغون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون، كنتم أمواتا فأحياكم، وحين أحياكم متم، وحين كنتم.
ضلالا هداكم، وحين اهتديتم ضللتم. إن الزانية إذا حملت يفضحها حملها، وكذلك يفتضح بالعمل من كَانَ يغر [5] الناس بالقول الحسن ويقول ما لا يفعل.
__________
[1] «لا» سقطت من ت.
[2] هكذا وردت في الأصل، ولم أدر ما هي.
[3] البداية والنهاية 2/ 89.
[4] في الأصل: «استصعب» .
[5] في الأصل: «يغير» .(2/30)
ذكر الحوادث فِي زمان عِيسَى عَلَيْهِ السلام
[1] منها: إيمان الحواريين:
وهم اثنا عشر رجلا اتبعوا عِيسَى عَلَيْهِ السلام [2] ، وأهل/ الكتاب يجعلونهم رسلا، ويسمونهم: فأولهم شمعون الصفا، ثم أندرواس أخوه [ثم ربدى، ثم يوحنا أخوه] [3] ثم تولوس، ثم لوقا، ثم برتملي، ثم ثوما، ثم متى الماكس، ثم يعقوب بْن خلفى، ثم شمعون العتاني، ثم مارقوش [4] .
قَالَ مؤلف الكتاب: وهؤلاء الذين سألوا عِيسَى عَلَيْهِ السلام نزول المائدة.
ومن الحوادث [5] إيفاد عِيسَى رجلين من الحواريين إِلَى أنطاكية لإنذار أهلها:
رَوَى سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ 36: 13 [6] . قَالَ: «ذكر لَنَا أَنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعَثَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ إِلَى أنطاكية [مَدِينَةٍ بِالرُّومِ] [7] فَكَذَّبُوهُمَا، فَبَعَثَ ثَالِثًا» .
وإلى هَذَا المعنى ذهب ابن جريج.
وقد ذهب قوم منهم كعب، ووهب [إِلَى] [8] أن اللَّه تعالى أرسلهم، والأول أثبت.
ومن الجائز أن يضاف إرسالهم إِلَى اللَّه وإن كان عِيسَى قد أرسلهم، لأنهم رسل رسوله.
__________
[1] بياض في ت مكان «ذكر الحوادث فِي زمان عِيسَى عَلَيْهِ السلام» .
[2] في ت «اتبعوه» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[4] في البداية والنهاية 2/ 92: «بطرس، ويعقوب بن زبدا، ويحنس أخو يعقوب، وأندراوس، وفليبس، وأبرثلما، ومتى، وتوماس، ويعقوب بن حلقيا، وتداوس، وفتاتيا، ويودس كريا يوطأ وهذا هو الّذي دل اليهود على عيسى» .
[5] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث» .
[6] سورة: يس، الآية: 13.
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/31)
واختلف العلماء فِي اسميهما عَلَى ثلاثة أقوال:
أحدهما: صادق، وصدوق، قاله ابن عباس، وكعب.
والثاني: يحنا، ويونس، قاله وهب.
والثالث: يومار، وبولس. قاله مُقَاتِل، قَالَ: واسم الثالث شمعون، وكان من [1] الحواريين، وهو وصي عِيسَى عَلَيْهِ السلام.
قَالَ كعب: كان بأنطاكية فرعون يقال له: أنطبجس، يعَبْد الأصنام، فبعثهم اللَّه عز وجل إليهم فكذبهم وأراد قتلهم، فبلغ ذلك حبيبا، وكان مجذوما فجاء يسعى ويقول: يا قوم اتبعوا المرسلين فقتلوه.
قَالَ ابن مسعود: ووطئوه بأرجلهم، فلما مضى إِلَى رحمة اللَّه قَالَ: يا ليت قومي يعلمون، وغضب اللَّه عليهم لاستضعافهم إياه، فعجل الانتقام منهم، فصيح بهم فهلكوا.
وقد قَالَ أَبُو الحسين بْن المنادي: حبيب النجار هو نبي أصحاب الرس المذكور فِي سورة الفرقان.
قَالَ مؤلف الكتاب [2] : وَفِي هَذَا بعد.
ومن الحوادث [3] لقاء عِيسَى عليه السلام إبليس لعنه اللَّه:
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُهْتَدِي، عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ ابْنِ أَخِي مُهَنِّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبُرْجُلانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عِصَامٍ، عَنْ أَبِي عمران الجوني، عن أبي الجلد [4] ، قال:
__________
[1] في ت: «وهو من الحواريين» .
[2] «قال مؤلف الكتاب» سقطت من ت.
[3] «ومن الحوادث» سقطت من ت.
[4] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بإسناد له عَنْ أَبِي الْجَلْدِ قَالَ» .(2/32)
لَقِيَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ إِبْلِيسَ، فَقَالَ لَهُ: أَسْأَلُكَ بِالْحَيِّ الْقَيُّومِ الَّذِي جَعَلَ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ مَا الَّذِي يُسِيلُ جِسْمَكَ وَيَقْطَعْ ظَهْرَكَ؟ فَضَرَبَ بِنَفْسِهِ الأَرْضَ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: لَوْلا أَنَّكَ سَأَلْتَنِي بِالْحَيِّ الْقَيُّومِ مَا أَخْبَرْتُكَ، أَمَّا الَّذِي يقطع ظهري فصلاة الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ نَافِلَتَهُ، وَفِي الْجَمَاعَةِ فَرْضَهُ. وَأَمَّا الَّذِي يُسِيلُ جِسْمِي فَصَهِيلُ الْخَيْلِ- أَوْ قَالَ الْفَرَسُ- فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
ومن الحوادث [1] فِي زمانه قتل يحيى بْن زكريا:
وقد سبق ذكر ذلك، فإنه قتل وعيسى عَلَيْهِ السلام فِي الأرض
. ومن الحوادث فِي زمن عِيسَى عَلَيْهِ السلام [2] أن الأرض أجدبت فخرج يستسقي:
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْحَرِيرِيُّ [3] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنِ سَمْعُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْجِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن عبد الله الهروي، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّغْلِبِيُّ [4] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُقَاتِلٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [5] ، قَالَ:
خَرَجَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ: لا يَسْتَسْقِي مَعَكَ خَطَّاءٌ، فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَطَايَا فَلْيَعْتَزِلْ. فَاعْتَزَلَ النَّاسُ كُلُّهُمْ إِلا رَجُلٌ مُصَابٌ بِعَيْنِهِ الْيُمْنَى، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: مَا لَكَ لا تَعْتَزِلْ؟ فَقَالَ: يَا رُوحَ اللَّهِ، مَا عَصَيْتُ اللَّهَ طَرْفَةَ/ [عَيْنٍ] [6] ، وَلَقَدِ الْتَفَتُّ بِعَيْنِي هَذِهِ إِلَى قَدَمِ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ كُنْتُ أَرَدْتُ النَّظَرَ إِلَيْهَا فَقَلَعْتُهَا، وَلَوْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا بِالْيُسْرَى لَقَلَعْتُهَا.
قَالَ: فَبَكَى عِيسَى حَتَّى ابْتَلَّتْ لِحْيَتُهُ بِدُمُوعِهِ، ثُمَّ قَالَ: فادع، فأنت أحق بالدعاء
__________
[1] «ومن الحوادث» سقطت من ت.
[2] «ومن الحوادث فِي زمن عِيسَى عَلَيْهِ السلام» سقطت من ت.
[3] في الأصل: «الحيريّ» .
[4] في الأصل: «الثعلبي» .
[5] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا هبة الله بن أحمد الحريري بإسناد له عن ابن عباس» .
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/33)
مِنِّي، فَإِنِّي مَعْصُومٌ بِالْوَحْيِ وَأَنْتَ لَمْ تُعْصَمْ [وَلَمْ تَعْصِ] [1] ، فَتَقَدَّمَ الرَّجُلُ فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهمّ إِنَّكَ خَلَقْتَنَا وَقَدْ عَلِمْتَ مَا نَعْمَلُ مِنْ قَبْلِ أَنْ خَلَقْتَنَا فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذَلِكَ أن لا تخلقنا، فكما خلقتنا وتكلفت بأرزاقنا فأرسل السماء علينا مدرارا فو الّذي نَفْسُ عِيسَى بِيَدِهِ مَا خَرَجَتِ الْكَلِمَةُ تَامَّةٌ مِنْ فِيهِ حَتَّى أَرْخَتِ السَّمَاءُ عَزَالَيْهَا، وَسُقِيَ الْحَاضِرُ وَالْبَادِي
. ومن الأحداث فِي زمان عِيسَى عَلَيْهِ السلام نزول المائدة
[2] :
أَخْبَرَنَا هِبَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ: مُحَمَّدِ بْنِ غَيْلانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ الْمَهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ [3] ، قَالَ:
لَمَّا سَأَلَ الْحَوَارِيُّونَ عِيسَى أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمُ الْمَائِدَةَ قَامَ عِيسَى فَأَلْقَى الصُّوفَ عَنْهُ وَلَبِسَ الشَّعْرَ وَالْتَحَفَهُ، وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ وَوَضَعَهُمَا [4] عَلَى صَدْرِهِ، وَصَفَّ بَيْنَ قَدَمَيْهِ وَأَلْصَقَ الْكَعْبَ بِالْكَعْبِ [5] وَالإِبْهَامَ بِالإِبْهَامِ، وَخَفَضَ رَأْسَهُ خَاشِعًا، ثُمَّ أَرْسَلَ عَيْنَهُ بِالْبُكَاءِ حَتَّى سَالَتِ الدُّمُوعُ عَلَى لِحْيَتِهِ، وَجَعَلَتْ تَقْطُرُ عَلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ:
اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا 5: 114 [6] فَيَكُونُ عَطِيَّةً مِنْكَ لَنَا عَلامَةً مِنْكَ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، وَارْزُقْنَا عَلَيْهَا طَعَامًا نَأْكُلُهُ.
قَالَ: فَنَزَلَتْ سُفْرَةٌ حَمْرَاءٌ بَيْنَ غَمَامَتَيْنِ: غَمَامَةٌ مِنْ فَوْقِهَا، وغمامة من تحتها، وهم ينظرون إليها تَهْوِي مُنْقَضَّةٌ فِي الْهَوَاءِ وَعِيسَى يَبْكِي وَيَقُولُ: إِلَهِي اجْعَلْهَا رَحْمَةً وَلا تَجْعَلْهَا عَذَابًا. حَتَّى اسْتَقَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْ عِيسَى وَالنَّاسُ حَوْلَهُ يَجِدُونَ ريحا طيبة لم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] «ومن الحوادث فِي زمان عِيسَى عَلَيْهِ السلام نزول المائدة» . هذا العنوان سقط من ت.
[3] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَيْلانَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن أيوب بإسناد له عن سلمان الفارسيّ» .
[4] في الأصل: «ووضعها» .
[5] في ت: «ألصق الكف بالكف» .
[6] سورة: المائدة، الآية: 114.(2/34)
يَجِدُوا مِثْلَهَا قَطُّ، فَخَرَّ عِيسَى سَاجِدًا للَّه عَزَّ وَجَلَّ وَخَرَّ الْحَوَارِيُّونَ مَعَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودُ فَأَقْبَلُوا يَنْظُرُونَ، فَرَأَوْا أَمْرًا عَجِيبًا، وَإِذَا مِنْدِيلٌ مُغَطًّى عَلَى السُّفْرَةِ، فَجَاءَ عِيسَى فَجَلَسَ فقال: من أجرأنا [و] [1] أوثقنا بِنَفْسِهِ وَأَحْسَنُنَا بَلاءً وَأَوْثَقُنَا عِنْدَ رَبِّهِ فَلْيَكْشِفْ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ حَتَّى نَنْظُرَ وَنَأْكُلَ؟ فَقَالَ الْحَوَارِيُّونَ: أَنْتَ أَوْلَى بِذَلِكَ يَا رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ.
قَالَ: فَتَوَضَّأَ عِيسَى وُضُوءًا جَدِيدًا وَدَعَا رَبَّهُ دُعَاءً كَثِيرًا وَبَكَى بُكَاءً طَوِيلا، ثُمَّ قَامَ حَتَّى جَلَسَ عِنْدَ السُّفْرَةِ، فَإِذَا سَمَكَةٌ لَيْسَ فِيهَا شَوْكٌ وَقَدْ رُصَّتْ [2] حَوْلَهَا مِنَ الْبُقُولِ، وَإِذَا عِنْدَ رَأْسِهَا خَلٌّ وَعِنْدَ [3] ذَنَبِهَا مِلْحٌ وَخَمْسَةُ أَرْغِفَةِ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا زَيْتُونٌ وَخَمْسُ رُمَّانَاتٍ، فَقَالَ شَمْعُونُ رَأْسُ الْحَوَارِيِّينَ: يَا رُوحَ اللَّهِ، أَمِنْ طَعَامِ الدُّنْيَا هَذَا أَمْ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ [4] ؟ فَقَالَ عِيسَى: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَمَا تَنْتَهُونَ؟ مَا أَخْوَفَنِي عَلَيْكُمْ أَنْ تُعَاقَبُوا. فَقَالَ شَمْعُونُ: لا [وَاللَّهِ] [5] إِلَهِ بَنِي إسرائيل ما أردت بهذا سوءا قَالَ عِيسَى: لَيْسَ مَا تَرَوْنَ مِنْ طَعَامِ الدُّنْيَا وَلا مِنْ طَعَامِ الآخِرَةِ، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ ابْتَدَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ [بِالْقُدْرَةِ] [6] فَقَالَ لَهُ:
كُنْ فَكَانَ، فَكُلُوا مَا سَأَلْتُمْ وَاحْمَدُوا عَلَيْهِ رَبَّكُمْ.
فَقَالُوا: يَا رُوحُ اللَّهِ، إِنْ أَرَيْتَنَا [الْيَوْمَ] [7] آيَةً مِنْ هَذِهِ السَّمَكَةِ، فَقَالَ: يَا سَمَكَةُ احْيِي بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى. فَاضْطَرَبَتِ السَّمَكَةُ طَرِيَّةً، تَدُورُ عَيْنَاهَا تُبَصْبِصُ [8] ، تَلَمَّظُ بِفِيهَا كَمَا يَتَلَمَّظُ السَّبُعُ. ثُمَّ قَالَ: عُودِي كَمَا كُنْتِ بِإِذْنِ اللَّهِ. فَعَادَتْ مَشْوِيَّةً فِي حَالِهَا.
فَقَالُوا: يَا رُوحُ اللَّهِ، كُنْ أَنْتَ أَوَّلَ مَنْ يَأْكُلُ [9] مِنْهَا، فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ آكُلَ مِنْهَا، وَلَكِنْ يَأْكُلُ مِنْهَا مَنْ سَأَلَهَا، فَعَرَفَ الْحَوَارِيُّونَ [أَنْ تَكُونَ] [10] إِنَّمَا أُنْزِلَتْ سُخْطَةً، فلم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في ت: «وقد نفد» .
[3] في ت: «وإذا عند ذنبها» .
[4] في الأصل: «أم من طعام الآخرة» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[8] في ت: «عيناها لها بصيص» .
[9] في ت: «من أكل منها» .
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.(2/35)
يَأْكُلُوا، فَدَعَا لَهَا عِيسَى أَهْلَ الْفَاقَةِ، وَالزَّمَانَةِ وَالْعِمْيَانَ، وَالْمَجْذُومِينَ [1] ، وَالْبُرْصَ، وَالْمُقْعَدِينَ، وَأَصْحَابَ الْمَاءِ الأَصْفَرِ، وَالْمَجَانِينَ وَالْمُخَتَلِّينَ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ، ودعوة نبيكم ليكون المهنأ لكم والبلاء و [العقوبة] [2] لغيركم.
فصدر عنها ألف وثلاثمائة رَجُلٍ [وَامْرَأَةٍ] [3] كُلُّهُمْ شَبْعَانٌ يَتَجَشَّأُ، وَإِذَا مَا عَلَيْهَا كَهَيْئَتِهِ حِينَ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ. وَرُفِعَتِ السُّفْرَةُ إِلَى السَّمَاءِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا، فَاسْتَغْنَى كل فقير أكل منها يومئذ، وبرأ كُلُّ زَمِنٍ [4] مِنْ زَمَانَتِهِ، وَنَدِمَ الْحَوَارِيُّونَ وَسَائِرُ مَنْ أَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، فَكَانَتْ إِذَا نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَقْبَلُوا إِلَيْهَا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، الأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَالْمَرْضَى وَالأَصِحَّاءُ.
فَلَمَّا رَأَى عِيسَى ذَلِكَ جَعَلَهَا نُوَبًا [5] بَيْنَهُمْ، وَكَانَتْ تَنْزِلُ يَوْمًا [6] وَلا تَنْزِلُ يَوْمًا.
فَلَبِثَتْ كَذَلِكَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا تَغِيبُ يَوْمًا وَتَنْزِلُ يَوْمًا يُؤْكَلُ مِنْهَا، حَتَّى إِذَا فَاءَ الْفَيْءُ ارْتَفَعَتْ إِلَى السَّمَاءِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى ظِلِّهَا حَتَّى تَوَارَى عَنْهُمْ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى: أَنِ اجْعَلْ مَائِدَتِي رِزْقًا لِلْيَتَامَى وَالزَّمْنَى دُونَ الأَغْنِيَاءِ مِنَ النَّاسِ.
فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ عَظُمَ [7] عَلَى الأَغْنِيَاءِ، وَأَذَاعُوا الْقَبِيحَ حَتَّى شَكُّوا وَشَكَّكُوا [8] النَّاسَ، حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: يَا رُوحَ اللَّهِ، بِحَقٍّ أَنَّهَا تَنْزِلُ [9] مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ [عِيسَى] :
وَيْحَكُمْ هَلَكْتُمْ، سَتَرَوْنَ الْعَذَابَ [10] إِنْ لَمْ يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ [11] : إِنِّي آخِذٌ بشرطي من
__________
[1] في ت: «المجذمين» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[4] في ت: «كل زمان» .
[5] في الأصل: «جعلها يوما» .
[6] في ت: «تنزل غبا يوما» .
[7] في ت: «فلما فعل ذلك عظم» .
[8] في الأصل، ت: «شكوا وشكوا الناس» .
[9] في ت: «يا روح الله، إن المائدة لحق أنها تنزل» .
[10] في الأصل «ستروا العذاب» وفي ت: «فتبسروا للعذاب» . والتصحيح لكي تستقيم اللغة.
[11] في ت: «فأوحى الله إلى عيسى إني آخذ ... » .(2/36)
الْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ اشْتَرَطْتُ عَلَيْهِمْ أَنِّي مُعَذِّبُ مَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ.
فَمَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ ثَلاثَةً وَثَلاثِينَ [1] خَنَازِيرَ مِنْ لَيْلَتِهِمْ، فَأَصْبَحُوا يَأْكُلُونَ مَا فِي الْحُشُوشِ وَيَأْتُونَ إِلَى عِيسَى [عَلَيْهِ السَّلامُ] [2] فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَأَعْيُنُهُمْ تَسِيلُ دَمْعًا، فَيَقُولُ عِيسَى: يَا فُلانُ يَا فُلانُ، قَدْ كُنْتُ أُخَوِّفُكُمْ عَذَابَ اللَّهِ وَعُقُوبَتَهُ، وَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُمِيتَهُمْ، فَأَمَاتَهُمْ بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ [3]
. سبب رفع عِيسَى عَلَيْهِ السلام إِلَى السماء
[4] قَالَ وهب بْن منبه: أتى عِيسَى عَلَيْهِ السلام ومعه سبعة عشر من الحواريين فِي بيت فأحاطوا بهم، فَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السلام: من يشتري نفسه منكم بالجنة؟ فَقَالَ رجل: أنا، فأخذوه فقتلوه.
وَرَوَى سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ: أَيُّكُمْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي فَيُقْتَلُ مَكَانِي وَيَكُونُ مَعِي فِي دَرَجَتِي؟ فَقَامَ شَابٌّ فَقَالَ: أَنَا. فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُهُ وَرُفِعَ عِيسَى، فَقَتَلُوهُ.
قَالَ بعض العلماء: واسم هَذَا الرجل يشوع [5] بْن قديرا.
وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ دَخَلَ خَوْخَةً، فَدَخَلَ وَرَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُ عِيسَى، فَقَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ.
قَالَ وهب: رفع اللَّه عِيسَى عَلَيْهِ السلام لثلاث ساعات من النهار، وكساه اللَّه الريش، وألبسه النور، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب، فأصبح ملكيا إنسيا، سمائيا أرضيا.
__________
[1] في الكامل 1/ 243: «ثلاثمائة ثلاثة وثلاثين» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] انظر خبر المائدة في: البداية والنهاية 2/ 86- 88. والكامل 1/ 242، 243.
[4] بياض في ت مكان: «سبب رفع عِيسَى عَلَيْهِ السلام إِلَى السماء» .
[5] في ت: «أيشوع» .(2/37)
وَقَالَ أَبُو الحسن [1] بْن البراء العَبْدي: رفع عِيسَى ليلة القدر وترك خفين ومدرعة، وحذافة يحذف بها الطير، وكان عمره ثلاثا وثلاثين سنة وأشهرا.
وَقَالَ سَعِيد بْن المسيب: رفع اللَّه عِيسَى وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة.
وَقَالَ مؤلف الكتاب [2] : وقد ذكرنا أنه أوحى اللَّه عز وجل إليه بعد الثلاثين فبقي يوحى إليه ثلاث سنين، ثم انقطع الوحي بعده، ووقعت الفترة إلى أن بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد قيل: بل بعث بينهما أربعة من الرسل، ثلاثة منهم مذكورون فِي قوله تعالى:
إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ 36: 14 [3] . والرابع: خالد بْن سنان العبسي [4] .
وَقَدْ رُوينَا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر عِيسَى، فَقَالَ: «لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ» [5] .
وظاهر هَذَا يمنع وجود نبي بينهما. ومن الممكن أن يتأول، فيقال: لا نبي يغير حكما، فإن عِيسَى أحل وحرم، ومن بعث بعده دعي إِلَى دينه ولم يغير. والله أعلم.
قَالَ علماء التاريخ: ومن هبوط آدم عَلَيْهِ السلام إِلَى أن رفع المسيح إِلَى السماء خمسة آلاف وخمسمائة واثنتان وثلاثون سنة [6] .
__________
[1] في ت: «وقال أبو الحسين» .
[2] «وقال مؤلف الكتاب» سقطت من ت.
[3] سورة: يس، الآية: 14.
[4] انظر في ذلك: البداية والنهاية 2/ 211، 212. والكامل 1/ 291. والأعلام 2/ 296. والإصابة 1/ 466، 469.
[5] حديث: «ليس بيني وبينه نبي» . أخرجه البخاري في صحيحه. (كتاب بدء الخلق) 4/ 142 طبعة دار الكتب العلمية، ومسلم في صحيحه كتاب الفضائل 40 (فضائل عيسى السلام) 2/ 341 طبعة دار الكتب العلمية، والبداية والنهاية 2/ 91 طبعة دار الكتب العلمية وفي عدة مواضع من مسند أحمد (انظر الفهرس 1/ 244 طبعة الدار، وطرف الحديث، «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ... » .
[6] انظر في رفع عيسى عليه السلام: البداية والنهاية 2/ 91- 96 وقد أحال ابن كثير على تفسير سورة النساء، الآية: 159 والكامل 1/ 243- 246. والطبري 1/ 601- 605.(2/38)
ذكر حال عِيسَى عَلَيْهِ السلام عند نزوله من السماء
[1] رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ، أَنَّهُ ذكر عِيسَى، فَقَالَ: «إِنَّهُ نَازِلٌ يَدُقُّ الصَّليِبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ، وَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الإِسْلامِ، فَيُهْلِكُ اللَّهُ تَعَالَى فِي زَمَانِهِ مَسِيحَ الضَّلالَةِ الدَّجَّالَ الْكَذَّابَ، وَيَقَعُ الأَمْنُ فِي الأَرْضِ حَتَّى يَرْعَى الأَسَدُ مَعَ الإبل، والنمر مع البقر، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَيَلْعَبُ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ، لا يضرهم شيئا، فيمكث في الأرض أَرْبَعِينَ سَنَهً، ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ» . وروى النواس بن سمعان، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: «يَنْزِلُ عِيسَى عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيِّ دِمَشْقَ» . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن سلام: «مكتوب فِي التوراة صفة مُحَمَّد يدفن معه عِيسَى ابن مريم عليهما السَّلَامُ» .
أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْحَرِيرِيُّ، عَنْ أَبِي طَالِبٍ: مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ الْعِشَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ مِيمِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنِ صَفْوَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ الأَفْرِيقِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجِيلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ [2] ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى الأَرْضِ فَيَتَزَوَّجُ وَيُولَدُ لَهُ، وَيَمْكُثُ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يَمُوتُ فَيُدْفَنُ مَعِي فِي قَبْرِي، فَأَقُومُ أَنَا وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مِنْ قَبْرٍ وَاحِدٍ بين أبي بكر وعمر» [3] .
__________
[1] بياض في ت مكان: «ذكر حال عِيسَى عَلَيْهِ السلام عند نزوله من السماء» .
[2] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أنبأنا الحريري بإسناد له عن عبد الله بن عمرو قال» .
[3] جمعنا بين الآيات القرآنية والأحاديث الواردة في نزول المسيح عيسى ابن مريم إلى الأرض آخر الزمان، وكذلك ما ورد من آثار، وأقوال العلماء في ذلك، وذلك في كتاب سميناه: «عودة المسيح عيسى ابن مريم» . تأليف: مصطفى عبد القادر عطا. وكذلك قمنا بتحقيق كتاب الإمام السيوطي «نزول عيسى ابن مريم آخر الزمان» تحقيق: محمد بن عبد القادر عطا.(2/39)
ذكر حوادث مرت عقيب رفع عِيسَى عَلَيْهِ السلام
[1]
فمنها افتراق العقائد:
روى أَبُو معشر المدني، عَنْ مُحَمَّد بْن كعب القرظي، قَالَ: لما رفع عِيسَى عَلَيْهِ السلام اجتمع من علماء بني إسرائيل مائة رجل، فَقَالَ بعضهم لبعض: أنتم كثير ونتخوف الفرقة ليخرج بعضكم. فأخرجوا عشرة عشرة حَتَّى بقت عشرة، فقالوا: أنتم [2] كثير، أخرجوا بعضكم فاخرجوا [3] ستة وبقي أربعة، إليهم ينتهي علم بني إسرائيل، فَقَالَ بعضهم لبعض: ما تقولون فِي عِيسَى؟ فَقَالَ رجل منهم: أتعلمون أن أحدا يحيى الموتى إلا الله؟ قالوا: لا. قال: أتعلمون أن أحدا يعلم الغيب إلَّا اللَّه؟ قالوا: لا، قَالَ:
أتعلمون أن أحدا يبرئ الأكمه والأبرص إلا اللَّه؟ قالوا: لا. قَالَ: فإنه هو اللَّه كان فِي الأرض ما بدا له، ثم صعد إِلَى السماء حين بدا له.
فَقَالَ الآخر: أنا [4] لا أقول كما [قلت، قد عرفنا عِيسَى وعرفنا أمه، بل هو ولده [5] .
فَقَالَ الآخر: لا أقول كما] [6] قلتما [7] ، ولكن جاءت به أمه من عمل غير صالح.
فَقَالَ الآخر: لا أقول كما تقولون، قد كان عِيسَى يخبركم أنه عَبْد اللَّه وروح اللَّه وكلمته ألقاها إِلَى مريم فقولوا كما قَالَ لنفسه.
فتفرقوا فخرج رجل منهم فسألوه: ما قلت؟ قَالَ: قلت هو اللَّه، فاتبعه عنق من الناس. ثم قَالُوا للآخر: ما قلت؟ قَالَ: قلت هو ولده، فاتبعه عنق من الناس، ثم خرج الثالث [8] فقالوا: ما قلت؟ قَالَ: قلت جاءت به أمه من عمل غير صالح، [فاتبعه عنق من
__________
[1] بياض في ت مكان: «ذكر حوادث مرت عقيب رفع عِيسَى عَلَيْهِ السلام» .
[2] في الأصل: «أنهم كثير» .
[3] في ت: «فخرج ستة» .
[4] «أنا» سقطت من ت.
[5] في ت: «ولد» .
[6] ما بين المعقوفتين: سقطت في الأصل وأثبتت على الهامش.
[7] في الأصل: «كما قلتم» .
[8] في ت: «الآخر» .(2/40)
النَّاس] [1] ثم خرج الآخر، فقالوا: ما قلت؟ قَالَ: قلت هو عَبْد اللَّه وروح اللَّه ورسوله، وكلمته ألقاها إِلَى مريم، فاتبعه عنق من الناس.
وَرَوَى شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذكر لَنَا أَنَّهُ لَمَّا رُفِعَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ انْتُخِبَ أَرْبَعَةٌ مِنْ فُقَهَائِهِمْ فَقَالُوا لِلأَوَّلِ: مَا تَقُولُ فِي عِيسَى؟ قَالَ: هُوَ اللَّهُ [هَبَطَ إِلَى الأَرْضِ فَخَلَقَ مَا خَلَقَ وَأَحْيَا مَا أَحْيَا] [2] ثُمَّ صَعَدَ إِلَى السَّمَاءِ. فَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ نَاسٌ، فَكَانَتِ الْيَعْقُوبِيَّةُ مِنَ النَّصَارَى.
فَقَالَتِ الثَّلاثَةُ الأُخَرُ: نَشْهَدُ أَنَّكَ كَاذِبٌ، فَقَالُوا لِلثَّانِي: مَا تَقُولُ فِي عِيسَى؟
فَقَالَ: هُوَ ابْنُ اللَّهِ. وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ نَاسٌ، فَكَانَتِ النَّسْطُورِيَّةُ مِنَ النَّصَارَى.
فَقَالَ الاثْنَانِ الآخَرَانِ: نَشْهَدُ أَنَّكَ كَاذِبٌ، فَقَالُوا لِلثَّالِثِ: مَا تَقُولُ فِي عِيسَى؟
فَقَالَ: هُوَ إله، وأمه إِلَهٌ، وَاللَّهِ إِلَهٌ، فَبَايَعَهُ عَلَى ذَلِكَ نَاسٌ. فَكَانَتِ الإِسْرَائِيلِيَّةُ مِنَ النَّصَارَى الَّذِي يُقَالُ دِينُ الْمَلِكِ.
فَقَالَ الرَّابِعُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ كَاذِبٌ، وَلَكِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحُهُ.
فَاخْتَصَمَ الْقَوْمُ، فَقَالَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ: أُنْشِدُكُمُ اللَّهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ عِيسَى كَانَ يَطْعَمُ الطَّعَامَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: وَهَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ لا يَطْعَمُ الطَّعَامَ؟ قَالُوا: اللَّهمّ نَعَمْ، قَالَ: فأنشدكم الله أَتَعْلَمُونَ أَنَّ عِيسَى كَانَ يَنَامُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَنَامُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَخَصَمَهُمْ [3]
ومن الأحداث [4] بعد رفع عِيسَى ابن مريم عليهما السلام [وفاة مريم عليها السلام:
فإنها بقيت بعد رفعه ست سنين، وكان جميع عمرها نيفا وخمسين سنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[3] انظر: البداية والنهاية 2/ 92، 101.
[4] «ومن الأحداث» سقطت من النسخة ت.(2/41)
ذكر الحوادث حرب الحواريين بعد رفع عِيسَى عَلَيْهِ السلام]
[1] قَالَ ابن إِسْحَاق: لما قصدت اليهود عِيسَى عليه السلام فصلبوا الذي شبه به عدوا عَلَى الحواريين فشمسوهم [2] وعذبوهم وطافوا بهم، فسمع بذلك ملك الروم- وكانوا تحت يده، وكان صاحب وثن- فقيل له: إن رجلا كان فِي هَؤُلاءِ الناس الذين تحت يديك [3] من بني إسرائيل عدوا عَلَيْهِ فقتلوه، وكان يخبرهم أنه رسول اللَّه، قد أراهم العجائب، وأحيا لهم الموتى، وأبرأ لهم الأسقام، وأخبرهم بالغيوب. قَالَ: ويحكم فما منعكم أن تذكروا هذا لي، فو الله لو علمت فما خليت بينهم وبينه. ثم بعث فانتزع الحواريين من أيديهم، وسألهم عَنْ دين عِيسَى وأمره، فأخبروه خبره، فبايعهم عَلَى دينهم، وأخذ الخشبة التي صلب عليها فأكرمها وصانها لما مسّها منه. وقتل فِي بني إسرائيل قتلى كثيرة، فمن هنالك كان أصل النصرانية فِي الروم [4] .
قَالَ وهب بْن منبه: اجتمع الحواريون بعد رفع عِيسَى، فقالوا: نريد أن نخرج دعاة فِي الأرض، وكان ممن توجه إِلَى الروم: نسطور، وصاحبان له.
فأما نسطور فحبسته حاجة، فَقَالَ لصاحبيه: أرفقا ولا تحرقا ولا تستبطئاني. فلما قدما الكورة، إذا قوم فِي يوم عيدهم، وقد برز ملكهم وأهل مملكته، فأتاه الرجلان فقاما بين يديه فقالا له: اتق اللَّه، فإنكم تعملون بالمعاصي وتنتهكون حرم اللَّه. فغضب الملك وهمّ بقتلهما، فقام إليه نفر من أهل مملكته، فقالوا: إن هَذَا يوم لا تهريق فيه دماء، وقد ظفرت بصاحبيك، فإن أحببت أن تحبسهما حَتَّى يمضي عيدنا ثم ترى فيهما رأيك فعلت.
فأمر بحبسهما، ثم ضرب عَلَى أذنه [5] بالنسيان لهما حتى قدم نسطور، فسأل
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبت على الهامش. والعنوان: «ذكر حوادث حرب الحواريين بعد رفع عِيسَى عليه السلام» مكانه بياض في ت.
[2] في ت: «فشتموهم» .
[3] في ت: «تحت يدك» .
[4] نقله الطبري عن ابن إسحاق (1/ 604) . وانظر كذلك الكامل 1/ 245، 246. والبداية والنهاية 2/ 95، 96.
[5] في ت: «ثم ضربت على أذنيه» .(2/42)
عَنْهُمَا فأخبر بشأنهما وأنهما محبوسان فِي السجن، فدخل عليهما، فَقَالَ: ألم أقل لكما أرفقا، ولا تحرقا، ولا تستبطئاني فهل تدريان ما مثلكما؟ [مثلكما] [1] مثل امرأة لم تصب واحدا حتى دخلت في السن، فأصابت بعد ما دخلت فِي السن ولدا، فأحبت أن يعجل شبابه حَتَّى يكبر، فحملت عَلَى معدته ما لا يطيق فقتلته. ثم قَالَ لهما: والآن فلا تستبطئاني حَتَّى آتي إِلَى باب الملك.
فأتاه وقد جلس للناس، وكانوا إذا ابتلوا بحرام وبحلال رفعوه إِلَى الملك، فنظر فيه ثم سأل عنه ما يليه، وسأل الناس بعضهم بعضا حَتَّى ينتهي إِلَى أقصى المجلس.
فجلس نسطور فِي أقصى المجلس، فلما ردوا عَلَى الملك جواب من أجابه، وردوا عَلَيْهِ جواب نسطور، فسمع بشَيْء عَلَيْهِ نور، وخلا فِي مسامعه، فَقَالَ: من صاحب هَذَا القول؟ قالوا: الرجل الذي فِي أقصى المجلس، قَالَ: علي به. فلما جاءه قَالَ: أنت القائل كذا؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فما تقول فِي كذا وكذا؟ فجعل لا يسأله عَنْ شَيْء إلا فسره له، فَقَالَ له الملك: عندك هَذَا العلم وأنت تجلس فِي آخر القوم، ضعوا له عند سريري مجلسا. ثم قَالَ له: إن أتاك ابني فلا تقم له.
ثم أقبل عَلَى نسطور وترك الناس، فلما عرف أن منزلته قد ثبتت، قَالَ: لأروزنه.
فَقَالَ: أيها الملك، أنا رجل بعيد الدار فإن أحببت أن تقضي حاجتك مني فأذن لي فأنصرف إِلَى أهلي، فَقَالَ: يا نسطور، ما إِلَى ذلك سبيل فإن أردت أن تحمل أهلك إلينا فلك المواساة، وإن [أحببت أن] [2] تأخذ من بيت المال حاجتك فتبعث به إِلَى أهلك فعلت. فسكت نسطور.
ثم تخير يوما مات لهم فيه ميت، فَقَالَ: أيها الملك، بلغني أن رجلين أتياك يعيبان عليك دينك. قَالَ: فذكرهما، فأرسل إليهما، فَقَالَ: يا نسطور، أنت حكم بيني وبينهما، ما قلت من شَيْء رضيت به، قَالَ: نعم، أيها الملك، هَذَا ميت قد مات فِي بني إسرائيل فمرهما يدعوان ربهما فيحييه لهما، ففي ذلك آية بينة.
قَالَ: فأتي بالميت فوضع عنده، وقاما وتوضئا ودعوا ربهما فردّ عليه روحه وتكلم،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه في ت.(2/43)
فَقَالَ: أيها الملك/ [إن] [1] فِي هَذَا لآية [2] بينة، ولكن مرهما بغير ذلك، اجمع أهل مملكتك، ثم قل لآلهتك، فإن كنت تقدر عَلَى أن تضر بهما فليس أمرهما بشَيْء، وإن كانا يقدران عَلَى أن يضرا آلهتك فأمرهما قوي.
فجمع الملك أهل مملكته، ودخل البهو الذي فيه الآلهة، فخر ساجدا هو ومن معه من أهل مملكته، وخر نسطور ساجدا، وَقَالَ: اللَّهمّ إني أسجد لك وأكيد هذه الآلهة أن تعبد من دونك، ثُمَّ رفع الملك رأسه وَقَالَ: إن هذين يريدان أن يبدلا دينكم، ويدعوا إلى إله غيركم فافقئوا أعينهم، أو جدعوهما. فلم ترد عَلَيْهِ الآلهة شيئا، فقام نسطور وأمر صاحبيه أن يحملا معهما فأسا، فَقَالَ: أيها الملك، قل لهذين: أتقدران عَلَى أن تضرا آلهتي [3] . [فَقَالَ لهما: أتقدران عَلَى أن تضرا آلهتنا؟] [4] قالا: خل بيننا وبينهم. ففعل، فأقبلا عليها فكسراها فَقَالَ نسطور: أما أنا فقد آمنت برب هذين. وَقَالَ الملك: وأنا فقد آمنت برب هذين. وَقَالَ جميع النَّاس: آمنا برب هذين، فَقَالَ نسطور لصاحبيه: هكذا الرّفق.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «في هذا آية» .
[3] في الأصل: «آلهتك» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.(2/44)
باب ذكر الملوك بعد عِيسَى عَلَيْهِ السلام
ذكر ما يتعلق باليونانيين وأهل الشام
قَالَ مؤلف الكتاب [1] : وثبت اليهود بالمسيح [2] والرئاسة ببيت المقدس حينئذ لقيصر، والملك عَلَى بيت المقدس من قبل قيصر هيردوس، ثم مات هيردوس [3] فولى مكانه ابنه أركلاوس، ثم مات فولى مكانه هيردوس الصغير [4] الذي صلب شبه المسيح فِي ولايته.
وكانت الرئاسة فِي ذلك الوقت لملوك اليونانية والروم، فكان هيردوس وابنه [5] من قبلهم، إلَّا أنهم كانوا يسمون [6] بالملك، وكان الملوك الكبار يسمون [7] بقيصر، وكان ملك بيت المقدس فِي وقت الصلب لهيردوس الصغير من قبل طيباريوس بْن أغوسطوس دون القضاء وكان القضاء لرجل رومي يقال له فيلاطوس [8] من قبل قيصر [9] ، وكان ملك
__________
[1] بياض في ت مكان: «باب ذكر الملوك بعد عِيسَى عَلَيْهِ السلام. ذكر ما يتعلق باليونانيين وأهل الشام.
قَالَ مؤلف الكتاب» .
[2] في الأصل: «وثقت اليهود بالمسيح» . وفي ت: «كانت اليهود وثبت بالمسيح» .
[3] «ثم مات هيردوس» سقطت من ت.
[4] في ت: «ثم مات هيردوس الأصغر الّذي صلب ... » .
[5] في ت، والطبري 1/ 605: «وولده» .
[6] في الطبري 1/ 605: «يلقبون» .
[7] في ت، والطبري 1/ 605. «يلقبون» .
[8] في الأصل: «فيلاطيبوس» . وفي ت: «أصرطوس» . وما أثبتناه من الطبري.
[9] العبارة من أول الباب إلى هنا من الطبري 1/ 605. مع اختلاف طفيف.(2/45)
طبناروس [1] ثلاثا وعشرين [2] سنة، منها إِلَى وقت رفع [عِيسَى] [3] المسيح/ ثماني عشرة سنة وأيام، ومنها بعد ذلك خمس سنين، فصار ملك الشام بعده إِلَى ابنه جايوس [4] فملك أربع سنين.
ثم ملك بعده ابن له آخر يقال له: قلوديوس [5] أربع عشرة سنة.
ثم ملك بعده نيرون [6] الذي قتل فطرس [7] وبولس أربع عشرة سنة.
ثم ملك بعده بوطلايوس [8] أربعة أشهر.
ثم ملك بعده اسفسيانوس عشر سنين [9] .
وبمضي ثلاث سنين من ملكه، وتمام أربعين سنة من وقت رفع عِيسَى عَلَيْهِ السلام، وجه اسفسيانوس [10] ابنه ططورس [11] إِلَى بيت المقدس حَتَّى هدمه، وقتل من قتل من بني إسرائيل غضبا للمسيح.
ثم ملك ططورس [12] بعد أبيه سنتين [13] .
[ثم ملك بعده دومطيانوس ست عشرة سنة] [14] .
__________
[1] في ت: «طياريوس» .
[2] والعبارة من هنا إلى آخر الباب بالنص من الطبري 1/ 606، 607، 608. وانظر كذلك الكامل 1/ 247 وما بعدها.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[4] في ت: «حابوس» . وفي الأصل بلا نقط.
[5] في الأصل: «قلوريوس» .
[6] في الأصل: «فيرون» والتصحيح من الطبري.
[7] في الأصل: «قرطس» وما أثبتناه من الطبري، وفي ت: «فطرس» .
[8] في ت «يوطلايوس» .
[9] في ت: «اسفيديانوس عشرين سنة» وما في الأصل موافق للطبري.
[10] في ت: «اسيدينايوس» .
[11] في ت: «ابنه واسمه ططوس» .
[12] في الطبري: «ططوس» .
[13] في ت: «بعد أربعين سنة لابنه سنتين» .
[14] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت والطبري.(2/46)
ثم ملك بعده باذاوس [1] ست سنين.
ثم من بعده طرطياوس [2] تسع عشرة سنة.
ثم من بعده هدريانوس إحدى وعشرين سنة.
ثم من بعده ططورس [3] بْن بطيانوس اثنتين وعشرين سنة.
ثم من بعده مرقوس وأولاده تسع عشرة سنة.
ثم من بعده قوذوموس [4] ثلاث عشرة سنة.
ثم من بعده فرطناجوس [5] ستة أشهر.
ثم من بعده سبروس [6] أربع عشرة سنة.
ثم من بعده أنطينايوس [7] أربع سنين.
[ثم بعده مرقيانوس ست سنين.
ثم بعده أنطنيانوس أربع سنين] [8] .
ثم الحندروس ثلاث عشرة سنة.
قَالَ مؤلف الكتاب [9] : ثم تملك بعده أربعون رجلا واحدا بعد واحد، أسماؤهم من هَذَا [10] الجنس فلا طائل فِي الإطالة بذكرها.
ثم ملك بعد الأربعين رجلا هرقل الذي كتب [11] إليه رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثين سنة.
فمن وقت عمارة بيت المقدس [12] بعد تخريب بخت نصر له إِلَى زمان هجرة نبينا ألف سنة ونيف.
__________
[1] في الطبري: «نارواس» .
[2] في ت: «طوطيايوس» . وفي الطبري: «طرايانوس» .
[3] في الأصل: «ططوس» .
[4] في الأصل: «سودنوس» . بلا نقط. وفي ت: «فردهوس» . وما أثبتناه من الطبري 1/ 606.
[5] في ت: «قطياحوس» .
[6] في ت: «شيروس» .
[7] في ت: «أوطيايوس» . وفي الطبري: «أنطيناوس» وفي إحدى نسخ الطبري: «أنطيناوس» .
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت، وأثبتناه من الطبري 1/ 607.
[9] «قال مؤلف الكتاب» سقطت من ت.
[10] في الأصل: «من هذه الجنس» .
[11] في ت: «إلى أن كتب» .
[12] «فمن وقت عمارة بيت المقدس» سقط في ت ومكانه بياض.(2/47)
فمن تملك الإسكندر اليوناني إلى الهجرة تسعمائة ونيف وعشرون سنة من ذلك من وقت [1] ظهوره إلى مولد عيسى عليه السلام ثلاثمائة وثلاث سنين، ومن مولده إِلَى وقت رفعه [ثلاث وثلاثون سنة، ومن وقت رفعه] [2] إِلَى زمان [3] الهجرة خمسمائة وخمس وثمانون سنة وأشهر، وكان قتل يَحْيَى بْن زكريا فِي عهد أردشير بْن بابك لثماني سنين خلت من ملكه [4]
. ذكر الأحداث/ المتعلقة بالعرب
قَالَ مؤلف الكتاب [5] : لما مات بخت نصر انضم الذين أسكنوا الحيرة من العرب إِلَى أهل [6] الأنبار، وبقي الحيرة خرابا [7] ، فغبروا [8] بذلك زمانا طويلا، لا يطلع عليهم أحد من العرب، وَفِي الأنبار أهلها ومن انضم إليهم [9] من أهل الحيرة ومن قبائل العرب من بني إسماعيل ومن معد بْن عدنان، وكثروا وملئوا بلادهم من تهامة وما يليها، ثم فرقتهم [10] حروب وقعت بينهم، وأحداث حدثت فيهم، فخرجوا يطلبون الريف فيما يليهم من بلاد اليمن والمشارق [11] ، ونزل بعضهم البحرين، وكان بها جماعة من الأزد كانوا نزلوها فِي زمان عمران بن عمرو، مزيقياء. ومزيقياء لقب عمرو، وإنما لقّب مزيقياء [12]
__________
[1] في الأصل: «إلى وقت» ، وأثبتناه من ت، والطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت، والطبري.
[3] في ت: «إلى وقت الهجرة» .
[4] انظر: الكامل 1/ 247: 260. والطبري 1/ 605- 608.
[5] بياض في ت مكان: «ذكر الأحداث المتعلقة بالعرب قَالَ مؤلف الكتاب» .
[6] في الأصل: «من أهل الأنبار» . والأنبار مدينة على الفرات غربي بغداد، سميت كذلك لأنه كان يجمع بها أنابير الحنطة والشعير.
[7] في ت: «وبقيت الحيرة خرابا» .
وفي الأصل: «وبقي الحيرة خرابا» وما أثبتناه من الطبري 1/ 609.
[8] في ت: «فغيروا» .
[9] في الأصل: «انضم إليها» .
[10] في الأصل: «فرقهم» وما أثبتناه من ت والطبري.
[11] في الطبري: «مشارف الشام» .
[12] «وإنما لقب مزيقياء» سقط من ت.(2/48)
لأنه كان يتخذ كل يوم حلتين من حلل الملوك، فإذا أمسى مزقهما واستبدل بهما من الغد أخريين، لأنه لم يكن يرى أحدا أهلا أن يلبس ثيابه. وهو ابن عامر ويلقب عامر: «ماء السماء بْن حارثة» وهو الغطريف بْن ثعلبة بْن امرئ القيس بْن مازن بْن الأزد [1] .
فاجتمع بالبحرين جماعة من قبائل العرب، فتحالفوا [عَلَى] [2] التنوخ [3]- وهو المقام- وتعاقدوا عَلَى [التوازر] [4] والتناصر، فضمهم [اسم] [5] تنوخ.
فدعا مالك بْن زهير جذيمة الأبرش بْن مالك بْن فهم أن يقيم معه، فأقام فزوجه أخته لميس [6] ابنة زهير.
وكان [7] هَذَا كله فِي أزمان [8] ملوك الطوائف الذين ملكهم الإسكندر، وفرق البلدان بينهم عند قتله دارا [بْن دارا ملك فارس، إِلَى أن ظهر أردشير بْن بابك] [9] ملك فارس عَلَى ملوك الطوائف، وقهرهم ودان له الناس، وضبط [له] [10] الملك.
وإنما سموا ملوك الطوائف، لأن كل ملك منهم كان ملكه قليلا من الأرض.
فتطلعت أنفس من كان بالبحرين من العرب إِلَى ريف العراق، وطمعوا فِي غلبة الأعاجم عَلَى ما يلي بلاد العرب منه، أو مشاركتهم فيه، فانقسموا فخرج كل رئيس من العرب بمن معه على قوم.
__________
[1] «ومازن هو جماع غسان، وغسان ماء شرب منه مازن فسموا غسان، ولم تشرب منه خزاعة ولا أسلم ولا بارق ولا أزد عمان، فلا يقال لواحد من هذه القبائل غسان، وإن كان من أولاد مازن» معجم البلدان 3/ 278.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت والطبري.
[3] في ت: «التناحم» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري.
[6] في الأصل: «أنيس بنت زهير» . وهذه الفقرة مضطربة في ت.
[7] «وكان» سقط من ت.
[8] في ت: «في زمان» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت والطبري.
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري.(2/49)
ولم يزالوا كذلك لا يدينون للأعاجم ولا تدين لهم الأعاجم [1] إِلَى أن قدم الأنبار تبع- وهو/ أسعد أَبُو كرب بْن مليكرب [2]- فِي جيوشه، فخلف بها من لم يكن فيه قوة للقتال [3] ، وخرج للغزو.
ونزل كثير من تنوخ الأنبار والحيرة، وما بين الحيرة إِلَى طف الفرات وغربيه فِي الأبنية والمظال، لا يسكنون بيوت المدر [4] . وكانوا يسمون: عرب الضاحية، فكان أول من ملك منهم فِي زمان ملوك الطوائف مالك بْن فهم، وكان منزله فيما يلي الأنبار.
ثم مات [مالك] [5] ، فملك بعده أخوه عمرو بْن فهم، ثم هلك [6] فملك بعده جذيمة بْن الأبرش [بْن مالك] [7] بْن فهم بْن غنم [8] بْن دوس الأزدي، وكان من قبل أردشير بْن بابك [9] .
وكان من أفضل ملوك العرب رأيا، وأشدهم نكاية، وأبعدهم غورا [10] ، وهو أول من استجمع له الملك بأرض العراق، وضم إليه العرب، وكان به برص، فكنت [11] العرب عنه إعظاما له. فقيل: جذيمة الوضاح، وجذيمة الأبرش، وكانت منازله فيما بين الحيرة والأنبار [وبقة] [12] وهيت [وناحيتها] [13] ، وعين التمر، وأطراف البر.
__________
[1] في الأصل ولا يدينون لهم الأعاجم وقد سقط من ت. والتصحيح من الطبري.
[2] في الأصل: «بن مالك» ، وفي الطبري «ملكيكرب» .
[3] في ت: «قوة القتال» . وفي الطبري: «قوة من الناس» .
[4] المدر: الطين اللزج المتماسك، والقطعة منه: مدرة. وأهل المدر سكان البيوت المبنية خلاف أهل الوبر، وهم البدو سكان الخيام.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت، وأثبتناه من الطبري.
[6] في ت: «ثم مات» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت، وأثبتناه من الطبري.
[8] في الأصل: «بن غانم» .
[9] من أول ذكر الأحداث المتعلقة بالعرب، وحتى هنا من الطبري 1/ 609، 612 مع اختلاف في الألفاظ والاختصار، والّذي نقله عن هشام بن محمد. وانظر كذلك الكامل 1/ 261، 262.
[10] في الطبري 1/ 613: «وأبعدهم مغارا» . ومن أول هذه الفقرة نقله المصنف من الطبري 1/ 613 الّذي نقله عن ابن الكلبي.
[11] في الأصل: «وكنت» .
[12] ما بين المعقوفتين: من الطبري فقط.
[13] ما بين المعقوفتين: من الطبري فقط.(2/50)
وكان لا ينادم أحدا كبرا، بل ينادم الفرقدين، فإذا شرب قدحا صب لها قدحا.
وكانت تجبى [1] إِلَيْهِ الأموال، وتفد عَلَيْهِ [2] الوفود، فخرج إِلَى غزو طسم وجديس، فأصاب حسان بْن تبع قد أغار عَلَى طسم وجديس، فانكفأ جذيمة راجعا بمن معه [3] .
وكانت فيهم الزرقاء، واسمها: اليمامة، وبها سمي بلدها: اليمامة، وهي [4] من بنات لقمان بْن عاد، وقيل: هي من جديس وطسم.
فلما قصدهم جيش حسان بْن تبع بقي بينه وبينهم مسيرة ثلاثة أيام، فأبصرتهم وقد حمل كل رجل منهم شجرة يسير بها، فقالت: «تاللَّه [5] ، لقد دب الشجر- أو حمير قد أخذت شيئا تجر» . فلم يصدقوها، فقالت: «أقسم باللَّه لقد رأى رجلا منهم ينهش كتفا أو يخصف نعلا» ، فلم يستعدوا.
فصبحهم حسان فاجتاحهم، فأخذها فشق عينيها [6] ، وإذا فيها عروق من الأثمد [7] .
قَالَ مؤلف الكتاب [8] : وبنظر هَذِهِ المرأة يضرب المثل. / وكانت زرقاء اليمامة قد نظرت إِلَى سرب من حمام طائر [9] ، [فإذا فيه] [10] ست وستون حمامة، وعندها حمامه واحدة، فقالت:
ليت الحمام ليه ... إِلَى حمامتيه ونصفه قديه
ثم الحمام مية
__________
[1] في ت: «وكانت تجيء» .
[2] في ت: «تغد إليه» .
[3] إلى هنا الطبري 1/ 613.
[4] في ت: «واسمها اليمامة، وهي من بنات لقمان بْن عاد، وبها سمّي بلدها اليمامة» وانظر القصة في مجمع الأمثال للميداني 1/ 158 المثل رقم 574، تحقيق نعيم زرزور ط. دار الكتب العلمية.
[5] في ت: «أقسم باللَّه» .
[6] في ت: والطبري: «عيناها» .
[7] في ت: «عروق من أثمد» .
[8] «قال مؤلف الكتاب» سقط من ت.
[9] في ت: «إلى سرب من الحمام» وسقطت كلمة «طائر» .
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.،(2/51)
فَقَالَ النابغة يخاطب النعمان ويقول [1] :
واحكم كحكم فتاة الحي إذا نظرت ... إِلَى حمام سراع وارد الثمد
أراد [2] : كن حكما.
وكان جذيمة قد تنبأ وتكهن، واتخذ صنمين يقال: لهما: الضيزنان [3]- ومكانهما بالحيرة معروف- وكان يستسقي بهما ويستنصرهما عَلَى العدو.
وكانت إياد بعين أباغ، وأباغ رجل من العماليق نزل بتلك العين، فكان يغازيهم، فذكر لجذيمة غلام من لخم فِي أخواله من إياد، يقال له: عدي بْن نصر بْن ربيعة، له جمال وظرف، فغزاهم جذيمة، فبعث [4] إياد قوما منهم فسقوا سدنة الصنمين [5] الخمر، وسرقوهما، فأصبحا فِي إياد، فبعث [6] إِلَى جذيمة: إن صنميك أصبحا فينا زهدا فيك ورغبة [7] فينا، فإن أوثقت [8] لنا ألا تغزونا رددناهما إليك.
فَقَالَ: وعدي بْن نصر تدفعونه إلي [مع الصنمين] [9] فدفعوه إليه مع الصنمين، فانصرف عنهم، وضم عديا إِلَى نفسه وولاه شرابه.
فأبصرته رقاش بنت مالك، أخت جذيمة، فعشقته [10] وراسلته وَقَالَت: يا عدي، اخطبني إِلَى الملك فإن لك حسبا وموضعا. فَقَالَ: لا أجترئ عَلَى كلامه فِي ذلك، ولا أطمع أن يزوجنيك. قالت: فإذا جلس عَلَى شرابه وحضر ندماؤه فاسقه صرفا، واسق القوم مزاجا، فإذا أخذت الخمر منه [11] فاخطبني إليه، فإنه لن يردك ولن يمتنع منك، فإذا زوّجك [12] فأشهد القوم.
__________
[1] «فقال النابغة يخاطب النعمان ويقول» سقط من ت، ومكانها بياض.
[2] في ت: «أي» .
[3] في ت: «العبرتان» .
[4] في الأصل، ت: «فبعثت» ، وما أثبتناه من الطبري.
[5] في الأصل: «الصنم» .
[6] في ت: «فبعثت» .
[7] في الأصل: «رغبا فينا» .
[8] في الأصل: «فإن وثقت لنا» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وكذا الطبري، وأثبتناه من ت.
[10] انظر القصة في مجمع الأمثال للميداني تحقيق نعيم زرزور طبعة دار الكتب العلمية الجزء 2/ 164 المثل رقم 3017 و 2/ 470 المثل رقم 4567 وكذلك ما أشار إليه في الحاشية.
[11] في الطبري: «أخذت الخمرة فيه» .
[12] «ولن يمتنع منك، فإذا زوّجك» سقط من ت.(2/52)
ففعل [الفتى] [1] ما أمرته، فلما [2] أخذت الخمر مأخذها، خطبها إليه فأملكه إياها، فأعرس [3] بها من ليلته، وأصبح مضرجا بالخلوق. فَقَالَ له جذيمة: ما هَذِهِ/ الآثار يا عدي؟ قَالَ: آثار العرس، قَالَ: أي عرس؟ قَالَ: عرس رقاش! قَالَ: من زوجكها [4] ؟ قَالَ: الملك.
فضرب جذيمة بيده عَلَى جبهته وأكب عَلَى الأرض ندامة وتلهفا، وخرج عدي عَلَى وجهه هاربا فلم ير له أثر، ولم يسمع له بذكر، وأرسل إليها جذيمة فَقَالَ:
حدثيني وأنت لا تكذبيني ... أبحر زنيت أم بهجين!
أم بعَبْد فأنت أهل [5] لعَبْد ... أم بدون فأنت أهل لدون
فقالت: لا [6] ، بل أنت زوجتني أمرأ عربيا، معروفا حسيبا، ولم تستأمرني فِي نفسي، ولم أكن مالكة لأمري. فكف عنها وعرف [7] عذرها.
ورجع عدي بْن نصر إِلَى [8] أياد، فكان فيهم، فخرج ذات يوم مع فتية [9] متصيّدين، فرمى به فتى منهم بين جبلين فمات.
واشتملت [10] رقاش عَلَى حمل، فولدت غلاما سمته عمرو، حَتَّى إذا ترعرع عطرته وألبسته وحلته، وأزارته خاله جذيمة، فلما رآه أعجب به وأحبه. وكان مع ولده، فخرج جذيمة متبديا بأهله وولده فِي سنة ذات خصب، فضرب لهم أبنية في روضة ذات
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت، والطبري.
[2] في الأصل: «ولما» .
[3] في الطبري: «فانصرف إليها فأعرس بها من ليلته» .
[4] في الأصل، ت: «من زوجك» .
[5] في الأصل: «أهلا» .
[6] «لا» سقطت من ت.
[7] «وعرف» سقط من ت.
[8] في الأصل: «بن أياد» .
[9] في ت: «معه فتية» .
[10] في ت: «ويمت» .(2/53)
زهرة وغدر [1] ، وخرج ولده وعمرو معهم يجتنون الكمأة [2] ، فكانوا إذا أصابوا كمأة جيدة أكلوها، وإذا أصابها عمرو خبأها فِي حجزته [3] ، فانصرفوا إِلَى جذيمة يتعادون وعمرو يقول [4] :
هَذَا جناي وخياره فيه ... إذ كل جان يده إِلَى فيه
فضمه إليه جذيمة والتزمه وسر بقوله وفعله، وأمر فجعل له حلي من فضة وطوق من فضة. فكان أول عربي ألبس طوقا، فكان يسمى عمرو ذا [الطوق] [5] . فبينما هو عَلَى أحسن حاله استطاره الجن [فاستهوته] [6] ، فضرب جذيمة فِي الآفاق فلم يقدر عَلَيْهِ.
وأقبل رجلان أخوان من بلقين [بهدايا يريدان جذيمة] [7] يقال لهما: مالك وعقيل [8] فنزلا ببعض الطريق منزلا ومعهما قينة [9] لهما يقال لها: أم عمرو، فقدمت إليهما طعاما، / فبينما هما يأكلان أقبل فتى عريان شاحب، قد تلبد شعره وطالت أظفاره وساءت حاله، فجاء حَتَّى جلس حجرة [10] منهما، فمد يده إليهما يريد الطعام، فناولته القينة كراعا [11] [فأكلها] [12] ثم مد يده إليها، فقالت: «تعطي العَبْد كراعا فيطمع فِي الذراع» . فذهبت مثلا ثم ناولت الرجلين من شراب كان معها فأوكت زقها [13] ، فَقَالَ عمرو بْن عدي:
__________
[1] غدر: جمع غدير.
[2] الكمء: فطر من الفصيلة الكمئيّة، وهي أرضية، تنتفخ حاملات أبواغها فتجبى وتؤكل مطبوخة، ويختلف حجمها بحسب الأنواع.
[3] الحجزة: معقد الإزار.
[4] انظر الشعر في: ديوان الإمام علي جمعه وشرحه نعيم زرزور طبعة دار الكتب العلمية ص 213، وما أشار إليه في حاشيته الطبعة الأولى والّذي يعكف على استزادته والتعليق عليه في طبعة ثانية إن شاء الله.
[5] «الطوق» . من الطبري وانظر المثل 3017 من مجمع الأمثال للميداني (شب عمر عن الطوق) .
[6] «فاستهوته» من الطبري.
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[8] في ت: «يقال لأحدهما مالك والآخر، عقيل» .
[9] القينة: المغنية.
[10] الحجرة: الناحية.
[11] الكراع: مستدق الساق من البقر والغنم.
[12] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[13] الزق: السقاء، وأوكى الزق: ربطه وشد عليه.(2/54)
صددت الكأس عنا أم عمرو ... وكان الكأس مجراها اليمينا
وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصحبينا
[1] ! فَقَالَ مالك وعقيل: من أنت يا فتى؟ فَقَالَ: أنا عمرو بْن عدي.
فنهضا إليه فضماه وغسلا رأسه، وقلما أظفاره، وأخذا من شعره وألبساه مما كان معهما من الثياب، وَقَالَا: ما كنا لنهدي لجذيمة هدية هي أنفس عنده، ولا أحب إليه من ابن أخته، وقد رده اللَّه عَلَيْهِ بنا.
فخرجا به إِلَى جذيمة بالحيرة، فسر بذلك سرورا شديدا، وأرسل به إلى أمه، فمكث عندها أياما ثم أعادته إليه، فَقَالَ: لقد رأيته يوم ذهب وعليه طوق، فما ذهب عَنْ عيني ولا قلبي إِلَى الساعة. فأعادوا عَلَيْهِ الطوق، فلما نظر إليه قَالَ: «شب [2] عمرو عَنِ الطوق» ، فأرسلها مثلا، وَقَالَ لمالك وعقيل: حكمكما، فقالا: حكمنا منادمتك ما بقينا وبقيت، فهما ندمانا جذيمة [3] اللذان ذكرا فِي أشعار العرب.
وَفِي ذلك يقول أَبُو خراش الهذلي الشاعر [4] :
لعمرك ما ملت كبيشة طلعتي ... وإن ثوائي عندها لقليل
ألم تعلمي أن قد تفرق قبلنا ... نديما صفاء مالك وعقيل
[5] وَقَالَ متمم بْن نويرة [6] :
وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَة ... مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا
فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
وكان ملك العرب بأرض الجزيرة [7] ومشارف بلاد الشام عمرو بن
__________
[1] الأبيات من معلقات عمرو بن كلثوم ص 211.
[2] في ت: «كبر عمرو» . الشعر ومصادره في «شعر الردة في الإسلام» رسالة دبلوم الدراسة العليا إعداد نعيم زرزور الجامعة اللبنانية- كلية الآداب (مخطوطة) .
[3] في الأصل: «ندما» وفي ت: «ندماء» .
[4] «الشاعر» سقطت من ت، والطبري.
[5] الأبيات من ديوان الهذليين 2/ 116.
[6] في ت: «وفي ذلك متمم بن نويرة يقول» .
[7] في ت: «بأرض الحيرة» .(2/55)
ظرب- وقيل [1] : ظريف- بْن حسان بْن أذينة بْن السميدع بْن هوبر العليقمي [2] .
فجمع جذيمة جموعه من العرب، فسار إليه يريد غزاته فالتقوا فاقتتلوا [3] قتالا شديدا، فقتل عمرو بْن ظرب وفضت جموعه، وانصرف جذيمة بمن معه سالمين غانمين.
فملكت من بعد عمرو ابنته الزباء، واسمها: نائلة، وكان جنود الزباء بقايا من العماليق، والعارية الأولى من قبائل قضاعة، وكان للزباء أخت يقال لها: زبيبة، فبنت لها قصرا حسنًا [4] عَلَى شاطئ الفرات الغربي، وكانت تشتو [5] عند أختها، وتربع ببطن النجار، وتصير إِلَى تدمر.
فلما أن استجمع لها أمرها واستحكم لها ملكها، أجمعت لغزو جذيمة الأبرش تطالب بثأر أبيها، فقالت لها أختها زبيبة- وكانت عَلَى الشام والجزيرة من قبل الروم، وكانت ذات رأي ودهاء: يا زباء، إنك إن غزوت جذيمة فإنما هو يوم [6] له ما بعده، إن ظفرت أصبت ثأرك، وإن قتلت ذهب ملكك، والحرب [7] سجال [8] ، وعثراتها لا تقال [9] ، وإن كعبك لم يزل ساميا عَلَى من ناوأك وساماك، ولم تري [10] بؤسا ولا غيرا [11] ، ولا تدرين لمن تكون العاقبة، [ولا] [12] على من تكون [13] الدائرة! فقالت لها الزباء: قد أديت النصيحة، وأحسنت الروية، وإن الرأي ما رأيت، والقول ما قلت.
__________
[1] في ت: «ويقال» .
[2] في الطبري: «العملقي، ويقال العمليقي» .
[3] في الأصل: «فاقتتلا» .
[4] في الطبري 1/ 618، ت: «قصرا حصينا» .
[5] في الأصل: «تشتي» .
[6] «يوم» سقطت من ت.
[7] في ت: «والحروب» .
[8] في الأصل: «سيجال» .
[9] في ت: «تستقال» .
[10] في ت: «لم تري» .
[11] في الأصل: «دعزا» .
[12] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[13] «تكون» سقطت من ت.(2/56)
فانصرفت عما كانت أجمعت عَلَيْهِ من غزو جذيمة، وأتت أمرها من وجه [1] الخداع والمكر. فكتبت إِلَى جذيمة تدعوه إِلَى نفسها وملكها، وأن يصل بلاده ببلادها، وكان فيما كتبت إليه: أنها لم تجد ملك النساء إلا قبح فِي [2] السماع، وضعف السلطان، وقلة ضبط المملكة، وإنها لم تجد لملكها موضعا [3] ولا لنفسها كفئا غيره، فاجمع ملكي إِلَى ملكك، وصل بلادي ببلادك، وتقلد أمري مع أمرك.
فلما انتهى كتاب الزباء/ إِلَى جذيمة استخفه ما دعته إليه، ورغب فيما أطمعته فيه، وجمع إليه أهل [الحجي] [4] والنهى، من ثقات أصحابه، وهو بالبقة من شاطئ الفرات، فعرض عليهم ما دعته إليه الزباء، واستشارهم، فأجمع رأيهم عَلَى أن يسير إليها، ويستولي عَلَى ملكها، وكان فيهم رجل يقال له: قصير بْن سعد بْن عمرو، وكان سعد قد تزوج أمة لجذيمة، فولدت له قصيرا، وكان حازما مقدما عند جذيمة، فخالفهم فيما أشاروا به، وَقَالَ: «رأي فاتر، وعدو [5] حاضر» . فذهبت مثلًا [6] .
وَقَالَ لجذيمة: اكتب إليها، فإن كانت صادقة فلتقبل إليك، وإلا لم تمكنها من نفسك ولم تقع فِي حبالها، وقد قتلت أباها. فلم يوافق جذيمة ما أشار به عَلَيْهِ [7] قصير، وَقَالَ له: «إنك امرؤ رأيك فِي الكن لا فِي الضح» . فذهبت مثلا.
ودعا جذيمة ابن أخته عمرو بْن عدي فاستشاره، فشجعه على السير. فاستخلف عمرو، وسار في وجوه أصحابه، فلما نزل رحبة طوق [8] دعا قصيرا، فَقَالَ: ويحك ما الرأي؟ قَالَ له: «ببقة تركت الرأي» ، فذهبت مثلا.
__________
[1] في ت: «من جهة» .
[2] في الطبري: «إلا قبيح» .
[3] «موضعا» سقطت من ت.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت، وأثبتناه من الطبري 1/ 619.
[5] في الطبري 1/ 619: «وغدر حاضر» .
[6] في الطبري 1/ 619 زيادة: «فرادوه الكلام ونازعوه الرأي، فقال: «إني لأرى أمرا ليس بالخسا ولا الزكا» ، فذهبت مثلا. وقال لجذيمة ... » .
[7] «عليه» سقطت من ت.
[8] في الطبري 1/ 620: «فلما نزل الفرضة دعا قصيرا» .(2/57)
واستقبلته رسل الزباء بالهدايا والألطاف، فَقَالَ: [يا قصير] [1] ، كيف ترى؟ قَالَ:
«خطر يسير فِي خطب كبير» . فذهبت مثلا.
وَقَالَ له قصير: ستلقاك الخيول، فإن سارت أمامك فالمرأة صادقة، وإن أحاطت بك فالقوم غادرون، فاركب العصا- وكانت فرسا لجذيمة لا تجارى- فإني راكبها ومسايرك [عليها] [2] .
فلقيته [3] الخيول فحالت بينه وبين العصا، فركبها قصير موليا، فَقَالَ: «ويل أمه حزما عَلَى ظهر العصا!» فذهبت مثلا.
فجرت به إِلَى غروب الشمس ثم نفقت وقد قطعت أرضا بعيدة، فبنى عليها برجا يقال له: برج العصا.
ودخل جذيمة عَلَى الزباء فقتلته [4] ، ورجع قصير إِلَى عمرو بْن عدي، فَقَالَ: تهيأ ولا تطل دم خالك. قَالَ: «وكيف لي بها وهي أمنع من عقاب الجو» . فذهبت مثلا.
/ وكانت الزباء سألت كاهنة لها عَنْ ملكها وأمرها، فقالت: أرى [5] هلاكك بسبب غلام مهين، وهو عَمْرو بْن عدي، ولكن حتفك بيدك، ومن قبله يكون ذلك.
فحذرت من عمرو، وأخذت نفقا من مجلسها الذي كانت تجلس فيه إِلَى حصن لها داخل مدينتها، وَقَالَت: إن فجأني أمر دخلت النفق إِلَى حصني. ودعت رجلا مصورا، فجهزته وَقَالَت [له] [6] : سر حَتَّى تقدم عَلَى عمرو بْن عدي متنكرا، فتخلو بحشمه وتخالطهم، ثم أثبت عمرو بْن عدي معرفة فصوره جالسا وقائما، وراكبا ومتفضلا [7] ، ومتسلحا بهيئته وثيابه، فإذا أحكمت ذلك فأقبل إليّ.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت، وأثبتناها من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «فلحقته» ، وما أثبتناه من ت والطبري.
[4] ذكر الطبري كيفية قتله 1/ 621 فلينظر هناك.
[5] «أرى» سقطت من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] في ت: «متنصلا» .(2/58)
فانطلق وصنع ما أمرته به، وأرادت أن تعرف عمرو بْن عدي فلا تراه عَلَى حال إلا عرفته وحذرته وعلمت علمه. فَقَالَ قصير لعمرو بْن عدي: أجدع أنفي واضرب ظهري، ودعني وإياها فَقَالَ عَمْرو: ما أنا بفاعل وما أنت لذلك بمستحق [1] مني. فَقَالَ قصير:
«خل عني إذا وخلاك ذم» . فذهبت مثلًا.
وَقَالَ ابن الكلبي: كان أبوها اتخذ لها [2] النفق ولأختها، وكان الحصن لأختها فِي داخل مدينتها، قَالَ: فَقَالَ له عمرو: فأنت أبصر، فجدع أنفه وضرب ظهره فقالت العرب: «لمكر ما جدع قصير أنفه» .
وَفِي ذلك يقول الملتمس:
ومن حذر الأوتار ما جز أنفه ... قصير وخاض الموت بالسيف بيهس
[3] ثم خرج قصير كأنه هارب، وأظهر أن عمرا فعل به ذلك، وأنه يزعم أنه مكر بخاله جذيمة، وغره من الزباء. فسار قصير حَتَّى قدم عليها، فتسبب فِي قتلها [4] .
وَقَالَ مؤلف الكتاب: وقد رويت لنا هَذِهِ القصة عَلَى خلاف هَذَا، وأن جذيمة طرد الزباء ثم طلب أن يتزوجها، ونحن نوردها لتعلم قدر الاختلاف.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن خيرون أَنْبَأَنَا أحمد بْن علي بْن ثابت [الخطيب] قَالَ: أَخْبَرَنَا عَليّ بْن الحسين بْن موسى العلوي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد: سهل بْن أحمد الديباجي، قَالَ: أَخْبَرَنَا قاسم بْن جعفر السراج، قَالَ: أَخْبَرَنَا يعقوب بْن الناقد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عمرو بْن الفرج، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبي، عَنْ يونس بْن حبيب النحوي.
قَالَ الديباجي: وَحَدَّثَنَا القاضي أَبُو مُحَمَّد: عَبْد الله بن أحمد الربعي، قال:
__________
[1] في ت: «بمستحق ذلك» .
[2] في ت، والطبري: «كان أبو الزباء اتخذ النفق لها» .
[3] في الأصل: «ينهس» . «وبيهس» رجل من فزارة كان يجمعه، فقتل له سبعة إخوة، فجعل يلبس القميص مكان السراويل، والسراويل مكان القميص، فإذا سئل عن ذلك قال: ألبس لكل عيشة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها. فتوصل بما صوره من حاله عند الناس إلى أن طالب بدماء إخوته (الحماسة 2/ 658) .
[4] ذكر الطبري كيفية قتلها 1/ 623- 625، وهي قصة مقاربة لما سيذكره المصنف بسنده فيما يلي.(2/59)
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن عبيد بْن ناصح، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن مُحَمَّد الكلبي، عَنْ أبيه [1] ، قَالَ:
كان جذيمة بْن مالك ملكا عَلَى الحيرة وعلى ما حولها من السواد- ملك ستين سنة- وكان به وضح، وكان شديد السلطان، قد خافته العرب، وتهيبه العدو، فتهيبت العرب أن يقولوا الأبرص، فقالوا: الأبرش. فغزا مليح بْن البراء، وكان ملكا عَلَى الحضر [2] ، وهو الحاجز بين الروم والفرس.
وهو الذي ذكره عدي بْن زيد فِي قوله:
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة ... تجبى إليه والخابور
[3] فقتله جذيمة، وطرد الزباء إِلَى الشام، فلحقت بالروم، وكانت عربية اللسان، حسنة البيان، شديدة السلطان، كبيرة الهمة.
قَالَ ابن الكلبي: ولم تكن فِي نساء عصرها أجمل منها، وكان اسمها: فارعه، وكان لها شعر إذا مشت سحبته وراءها، وإذا نشرته جللها، فسميت الزباء.
قَالَ ابن الكلبي: فبعث عِيسَى ابن مريم بعد قتل أبيها، فبلغت بها همتها أن جمعت الرجال، وبذلت الأموال، وعادت إِلَى ديار أبيها ومملكته، فأزالت جذيمة الأبرش [4] عنها، وابتنت عَلَى عراقي الفرات مدينتين متقابلتين من شرقي الفرات وغربيه، وجعلت بينهما نفقا تحت الفرات، فكان إذا رهقها عدو أوت إليه وتحصنت به، وكانت قد اعتزلت الرجال، فهي عذراء بتول، وكان بينها وبين جذيمة مهادنة، فحدث جذيمة/ نفسه بخطبتها، فجمع خاصته فشاورهم فِي ذَلِكَ، وكان له ابن عم يقال له:
قصير بْن سعد، وكان عاقلا لبيبا، وكان خازنه وصاحب أمره وعميد دولته، فسكت القوم وتكلم قصير فَقَالَ: أبيت اللعن أيها الملك، إن الزباء امرأة قد حرمت الرجال، فهي
__________
[1] حذف السند في ت وكتب بدلا منه: «أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن خيرون حدثنا أحمد الخطيب بإسناده عن هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ» .
[2] في الأصل: «الحصين» .
[3] الخابور: اسم لنهر كبير بين رأس عين والفرات من أرض الجزيرة. والبيت ذكره الطبري 2/ 50 مع غيره.
[4] «الأبرش» سقطت من ت.(2/60)
عذراء بتول، لا ترغب فِي مال ولا جمال ولها عندك ثأر، والدم لا ينام، وإنما تاركتك وهنة وحذارا من بطشك، والحقد دفين فِي سويداء القلب، له كمون ككمون النّار في الحجر، إن أقدحته أورى، وإن تركته توارى، وللملك فِي بنات الأكفاء متسع، ولهن فيه مقنع، وقد رفع الله قدرك عَنِ الطمع فِي من دونك وعظم شأنك، فما أحد فوقك.
فَقَالَ جذيمة: يا قصير، الرأي ما رأيته، والحزم فيما قلته، و [لكن] [1] النفس تواقة، وإلى ما تحب وتهوى مشتاقة، ولكل امرئ قدر لا مفر منه ولا وزر.
فوجه إليها خاطبا، وَقَالَ: ائت الزباء فاذكر لها ما يرغبها فيه وتصبو إليه. فجاءها خطيبه، فلما سمعت كلامه وعرفت مراده، قالت له: أنعم بك عينا وبما جئت به وله [2] .
وأظهرت لَهُ السرور به، والرغبة فيه، وأكرمت مقدمه ورفعت موضعه، وَقَالَت: [قد كنت] [3] أضربت عَنْ هَذَا الأمر خوفا أن لا أجد كفؤا، والملك فوق قدري، وأنا دون قدره، وقد أجبت إِلَى ما سأل، ورغبت فيما قَالَ، ولولا أن السعي فِي مثل هَذَا الأمر بالرجال أجمل لسرت إليه، ونزلت عَلَيْهِ [4] . وأهدت له هدية سنية، فساقت العبيد، والإماء، والكراع، والسلاح، والأموال، والإبل، والغنم، وحملت من الثياب والعين والورق.
فلما رجع إليه [5] خطيبه أعجبه ما سمع من الجواب، وأبهجه ما رأى من اللطف، فظن أن ذلك بحصول رغبة، فأعجبته نفسه، وسار من فوره فِي من يثق به من خاصته وأهل مملكته، وفيهم قصير خازنه.
واستخلف عَلَى ملكه [6] ابن أخته عمرو بْن عدي اللخمي/، وهو أول ملوك الحيرة [من لخم] [7] ، وكان ملكه عشرين ومائة سنة، وهو الذي اختطفته الجن وهو
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[2] «وله» سقطت من ت.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[4] في ت: «ونزلت به» .
[5] «إليه» سقطت من ت.
[6] «وفيهم قصير خازنه، واستخلف على ملكه» سقطت من ت.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.(2/61)
صبي وردته وقد شب وكبر، فقالت أمه: ألبسوه الطوق، فَقَالَ خاله جذيمة: «شب عمرو عَنِ الطوق» . فذهبت مثلا.
وسار إِلَى الزباء، فلما صار معه نزل فتصيد وأكل وشرب، واستغنى بالمشورة [1] والرأي من أصحابه، فسكت القوم وافتتح الكلام قصير بْن سعد، فَقَالَ: أيها الملك، كل عزم لا يؤيد بحزم فإلى آخر ما يكون كون فلا يثق به خرف قول لا محصول له، ولا يعقد [2] الرأي بالهوى فيفسد، ولا الحزم بالمنى فينفذ، والرأي عندي للملك أن يعقب [3] أمره بالتثبت، ويأخذ حذره بالتيقظ، ولولا أن الأمور تجري بالمقدور لعزمت عَلَى الملك عزما بتا أن لا يفعل.
فأقبل جذيمة عَلَى الجماعة فَقَالَ: ما عندكم أنتم فِي هَذَا الأمر؟ فتكلموا بحسب ما عرفوا من رغبة الملك فِي ذلك وصوبوا رأيه، وقووا عزمه، فَقَالَ جذيمة: الرأي مع الجماعة، والصواب ما رأيتم، فَقَالَ قصير: «أرى القدر سابق بالحذر [4] فلا يطاع لقصير أمر» . فأرسلها مثلا.
وسار جذيمة فلما قرب من ديار الزباء نزل فأرسل إليها يعلمها بمجيئه، فرحبت به، وأظهرت السرور [5] والرغبة به، وأمرت أن تحمل إليه الأموال [6] والعلو، فأتت وَقَالَت لجندها، وخاصة أهل مملكتها وعامة أهل دولتها: تلقوا سيدكم وملك دولتكم.
وعاد الرسول إليه بالجواب بما رأى وسمع، فلما أراد جذيمة أن يسير، دعا قصيرا، فَقَالَ: أنت عَلَى رأيك؟ قَالَ: نعم وقد زادت [بصيرتي فيه، أفأنت عَلَى عزمك؟
قَالَ: نعم وقد زادت] [7] رغبتي فِيهِ. فَقَالَ قصير: ليس للأمور بصاحب من لم ينظر فِي العواقب، وقد يستدرك الأمر قبل فوته، وَفِي يد الملك بقية هو بها متسلط على استدراك
__________
[1] في ت: «وأسقاه المشورة» .
[2] «ولا يعقد» كذلك في ت.
[3] في ت: «يتعقب» .
[4] في ت: «إن القدر سابق الحذر» .
[5] في الأصل: «السرو» .
[6] في ت: «الأنزال» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.(2/62)
الصواب، فإن وثقت بأنك ذو ملك وسلطان، وعزة ومكان، فإنك قد نزعت يدك من سلطانك، وفارقت عشيرتك ومكانك، وألقيتها فِي يدي/ من لست آمن عليك مكره وغدره، فإن كنت ولا بد فاعلا، ولهواك تابعا، فإن القوم أن يلقوك غدا فرقا وساروا أمامك، وجاء قوم وذهب قوم فالأمر بعد فِي يدك، والرأي فيه إليك، فإن تلقوك زردقا واحدا، وقاموا لك صفين حَتَّى إذا توسطتهم انقضوا عليك من كل جانب فأحدقوا بك فقد ملكوك وصرت فِي قبضتهم، وهذه العصا [1] لا تسبق غبارها- وكانت لجذيمة فرس تسبق الطير، وتجاري الرياح يقال لها: عصا- فإذا كان كذلك فتجلل ظهرها، فهي ناجية بك إن ملكت ناصيتها، فسمع جذيمة كلامه، ولم يرد جوابا، وسار.
وكانت الزباء لما رجع رسول جذيمة من عندها قالت لجندها: إذا أقبل جذيمة [غدا] [2] فتلقوه بأجمعكم وقوموا له صفين من عَنْ يمينه ومن [3] عَنْ شماله، فإذا توسط جمعكم فتفوضوا عَلَيْهِ من كل جانب حَتَّى تحدقوا به، وإياكم أن يفوتكم.
وسار جذيمة وقصير عَنْ يمينه، فلما لقيه القوم زردقا [4] واحدا قاموا له صفين، فلما توسطهم انقضوا عَلَيْهِ من كل جانب انقضاض الأجدل [5] عَلَى فريسته [6] ، فأحدقوا به [7] ، وعلم أنهم قد ملكوه، وكان قصير يسايره، فأقبل عَلَيْهِ، وَقَالَ: صدقت يا قصير.
فَقَالَ قصير: أيها الملك، «أبطأت بالجواب حَتَّى فات الصواب» . فأرسلت [8] مثلا.
فَقَالَ: كيف الرأي الآن؟ فَقَالَ: هَذِهِ العصا فدونكها، لعلها تنجو بك [9]- أو
__________
[1] في الأصل: «العصي» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[3] في ت: «صفين عن يمينه وعن شماله» .
[4] الزّردق: خيط يمدّ، والزردق: الصف القيام من الناس، والزردق: الصف من النخل. وهو بالفارسية:
«زرده» .
[5] الأجدل: الصّقر، صفة غالبة، وأصله من الجدل الّذي هو الشّدّة.
[6] في الأصل: «فرسه» .
[7] في ت: «فأحدقوا إليه» .
[8] في الأصل: «فأرسله مثلا» .
[9] في ت: «لعلك تنجو بها» .(2/63)
قَالَ: تنجو بها وهو الأصح [1]- فأنف جذيمة من ذلك، وسارت به الجيوش، فلما رأى قصير أن جذيمة قد استسلم للأسر وأيقن بالقتل جمع نفسه، فصار عَلَى ظهر العصا وأعطاها عنانها وزجرها، فذهبت به تهوي هوي الريح [2] ، فنظر إليه جذيمة وهي تتطاول به.
وأشرفت الزباء من قصرها، فقالت: ما أحسنك من عروس/ تجلي علي وتزف إلي. حَتَّى دخلوا [به] [3] عَلَى الزباء ولم يكن معها فِي قصرها إلا جوار أبكار أتراب، وكانت جالسة عَلَى سريرها وحولها ألف وصيفة، كل واحدة لا تشبه صاحبتها فِي خلق ولا زي، وهي بينهن كأنها قمر قد حفت به النجوم تزهر، وأمرت بالأنطاع [4] فبسطت، وَقَالَت لوصيفاتها: خذوا بيد سيدكن وبعل مولاتكن. فأخذن بيده، فأجلسنه عَلَى الأنطاع بحيث تراه ويراها، [وتسمع كلامه ويسمع كلامها] [5] ، ثم أمرت الجواري فقطعن دواهيه، ووضعت الطشت تحت يده، فجعلت دماؤه تشخب فِي الطشت، فقطرت قطرة فِي النطع، فقالت لجواريها: لا تضيعوا دم الملك، فَقَالَ جذيمة: لا يحزنك دم أراقه أهله.
فلما مات قالت: والله ما وفى دمك ولا شفى قتلك، ولكنه غيض [6] من فيض. ثم أمرت به فدفن.
وكان جذيمة قد استخلف عَلَى مملكته ابن أخته: عمرو بْن عدي، وكان يخرج كل يوم إِلَى ظهر الحيرة يطلب الخبر، ويقتفي الأثر من خاله، فخرج ذات يوم ينظر إِلَى فارس [قد أقبل] [7] تهوي بِهِ فرسه هوي الريح، فَقَالَ: أما الفرس ففرس جذيمة، وأما الراكب فكالبهيمة لأمر ما جاءت العصا، فأشرف عليهم قصير، فقالوا: ما وراءك؟ قَالَ:
سعى القدر بالملك إِلَى حتفه رغم أنفي [8] وأنفه فاطلب بثأرك من الزّباء، فقال عمرو:
__________
[1] «أو قال: تنجو بها وهو الأصح» لم يثبتها الناسخ لأنه اختارها في المتن.
[2] في ت: «فذهبت تهوي به هوي» .
[3] ما بين المعقوفتين سقطت من الأصل، وأثبتناه من ت.
[4] الأنطاع: جمع نطع، والنطع من الأدم.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتت من ت.
[6] في الأصل (غيظ) وما أثبتناه من: ت.
[7] ما بين المعقوفتين في الأصل، وأثبتناه في ت.
[8] في ت: «على الرغم من أنفي وأنفه» .(2/64)
وأي [1] ثأر يطلب من الزباء وهي أمنع من عقاب الجو، فَقَالَ قصير: قد علمت نصحي [كيف] [2] كان لخالك، وكان الأجل رائده، وإني والله لا أنام عَنِ الطلب بدمه ما لاح نجم وطلعت شمس، أو أدرك به ثأرا أو تحرم نفسي فاعذر.
ثم أنه عمد إِلَى أنفه فجدعه، ثم لحق بالزباء هاربا من عمرو بْن عدي، فقيل لها: هَذَا قصير ابن عم جذيمة وخازنه وصاحب أمره قد جاءك، فأذنت له، فقالت: ما الذي جاء بك يا قصير وبيننا وبينك دم عظيم الخطر، فَقَالَ: يا ابنة/ الملوك العظام، لقد أتيت فيما يأتي [3] مثلك فِي مثله، لقد كان دم الملك يطلبه حَتَّى أدركه، وقد جئتك مستجيرا بك من عمرو بْن عدي، فإنه اتهمني بخاله وبمشورتي عَلَيْهِ فِي المسير [إليك] [4] ، فجدع أنفي، وأخذ مالي، وحال بيني وبين عيالي، وتهددني بالقتل، وإني خشيت عَلَى نفسي فهربت منه إليك، وأنا مستجير بك، ومستند إِلَى كهف عزك.
فقالت: أهلا وسهلا، لك حق الجوار ودية المستجير. وأمرت به فأنزل [وأجريت له الأنزال] [5] ووصلته وكسته، وأخدمته وزادت فِي إكرامه، فأقام مدة لا يكلمها ولا تكلمه، وهو يطلب الحيلة عليها، وموضع الفرصة منها، وكانت متمنعة بقصر مشيد عَلَى باب النفق تعتصم به فلا يقدر أحد عليها [6] .
فَقَالَ لها قصير [يوما] [7] إن لي بالعراق مالا كثيرا وذخائر نفيسة مما يصلح للملوك، فإن أذنت لي بالخروج [8] إِلَى العراق، وأعطيتني شيئا أتعلل به فِي التجارة، وأجعله سببا إِلَى الوصول إِلَى مالي أتيتك بما قدرت عليه من ذلك.
فأعطته مالا بعد ما أذنت له [9] ، فقدم العراق وبلاد كسرى، فأطرفها وألطفها
__________
[1] في ت: «أي ثأر» بدون الواو.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[3] في ت: «أتيت فيه ما يأتي» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[6] في ت: «فلا يقدر عليها أحد» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[8] في ت: «فإن أذنت لي في الخروج» .
[9] في ت: «فأذنت له فأعطته مالا فقدم ... » .(2/65)
وسرها، وبنت له عندها منزلا، وعاد إِلَى العراق ثانية، فقدم بأكثر من ذلك طرفا من الجواهر [1] ، والبز، والخز، والقز، والديباج، فازداد مكانه عندها [2] ، وازدادت منزلته عندها، ورغبتها فيه، ولم يزل قصير يتلطف حَتَّى عرف موضع النفق الذي تحت الفرات، والطريق إليه.
ثم خرج ثالثة فقدم بأكثر من الأوليين طرائف ولطائف، فبلغ مكانه [منها] [3] وموضعه عندها إلى أن كانت تستعين به فِي مهمها وملمها، فاسترسلت إليه وعولت عَلَيْهِ فِي أمورها كلها [4] . وكَانَ قصير رجل حسن العقل والوجه، حصيفا أديبا لبيبا، فقالت له يوما: أريد أن أغزو البلد الفلاني من أرض الشام، فاخرج إِلَى العراق فأتني بكذا وكذا من السلاح والكراع والعبيد والثياب/ فَقَالَ قصير: ولي فِي بلاد عمرو بْن عدي ألف بعير وخزانة من السلاح فيها كذا وكذا، وما يعلم عمرو بْن عدي [5] بها، ولو علم لأخذها واستعان بها عَلَى حربك، وكنت أتربص به المنون وأنا أخرج متنكرا من حيث لا يعلم فآتيك بها مع الذي سألت.
فأعطته من المال ما أراد، وَقَالَت: يا قصير، الملك يحسن بمثلك وعلى يد مثلك يصلح أمره، ولقد بلغني أن أمر جذيمة كان إيراده وإصداره إليك، وما تقصر يدك عَنْ شَيْء تناله يدي، ولا يقعد بك حال تنهض بي.
فسمع كلامها رجل من خاصة قومها، فَقَالَ: أسد خادر وليث زائر، قد تحفز للوثبة. ولما رأى قصير مكانه منها وتمكنه من قلبها، قَالَ: الآن طاب المصاع. وخرج من عندها، فأتى عمرو بْن عدي وَقَالَ: أصبت الفرصة من الزباء فانهض فعجل الوثبة، فَقَالَ له عمرو: قل يسمع [6] ، ومر أفعل، فأنت طبيب هَذِهِ القرحة، فَقَالَ: الرجال والأموال. فَقَالَ: حكمك فيما عندنا مسلط. فعمد إِلَى ألفي رجل من فتاك قومه
__________
[1] في ت: «من الجوهر» .
[2] في ت: «مكانه منها» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[4] في ت: «وعولت في أمورها كلها عليه» .
[5] «بن عدي» سقط من ت.
[6] في ت: «قل أسمع» .(2/66)
وصناديد [1] أهل مملكته، فحملهم عَلَى ألف بعير فِي الغرائر السود، وألبسهم السلاح والسيوف والحجف [2] ، وأنزلهم فِي الغرائر، وجعل [رءوس] [3] المسوح من أسافلها مربوطة من داخل، وكان عمرو فيهم. وساق الخيل والعبيد والكراع والسلاح والإبل [4] محملة.
فجاءها البشير فَقَالَ [5] : قد جاء قصير. ولما قرب من المدينة حمل الرجال فِي الغرائر متسلحين السيوف والحجف، وَقَالَ: إذا توسطت الإبل المدينة والأمارة بيننا كذا وكذا فاخرطوا الربط. فلما قربت العير من مدينة الزباء فِي قصرها فرأت الإبل تتهادى بأحمالها فارتابت منها [6] ، وقد كان وشي بقصير إليها، وحذرت منه، فقالت للواشي [به إليها] [7] إن قصير اليوم منا، وهو ربيب هَذِهِ النعمة، وصنيعة هَذِهِ الدولة، وإنما يبعثكم [عَلَى] [8] ذلك الحسد، وأن ليس فيكم مثله، فهالها [9] ما رأت من كثرة الإبل/ وعظم [10] أحمالها فِي نفسها [مع ما عندها] [11] من قول الواشي به إليها:
أرى الجمال سيرها وئيدا [12] ... أجندلا يحملن أم حديدا
__________
[1] الصناديد: الشدائد من الأمور والدواهي. وصناديد الرجال: الأقوياء حماة العسكر الشجعان، وهم أيضا السادات.
[2] «الحجف» سقطت من ت والحجف: ضرب من التّرسة، واحدتها حجفة، وقيل: هي من الجلود خاصة، وقيل: هي من جلود الإبل مقورة وقال ابن سيده: هي من جلود الإبل يطارق بعضها ببعض (لسان العرب 787) .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت. وفي الأصل: «وجعل المسوح من أسافلها ... » .
[4] «الإبل» سقطت من ت.
[5] في الأصل: «قال» .
[6] في ت: «فارتابت لها» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[9] في ت: «فقدح ما رأت» .
[10] في ت: «وعظيم أحمالها» .
[11] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[12] في الطبري 1/ 625: «ما للجمال مشيها وئيدا» . وفي ت: «أرى الجمال مشيها وئيدا» .(2/67)
أم صرفانا باردا شديدا ... أم الرجال فِي المسوح سودا
[1] ثم أقبلت عَلَى جواريها وَقَالَت: «أرى الموت الأحمر فِي الغرائر السود» - فذهبت مثلا- حتى [2] إذا توسطت الإبل المدينة وتكاملت، ألغز [3] إليهم الأمارة، فاخترطوا رءوس الغرائر، فوقع [4] إِلَى الأرض ألفا ذراع بألفي باتر ونادوا [5] : يا لثأر القتيل غدرا.
وخرجت الزباء تمضي [6] تريد النفق، فسبقها إليه قصير، فحال بينها وبينه، فلما رأت أن قد أحيط [بها] [7] وملكت التقمت خاتما فِي يدها تحت فصه سم ساعة، وَقَالَت:
«بيدي لا بيدك يا عمرو» [8] فأدركها عمرو وقصير، فضرباها بالسيف حَتَّى هلكت، وملكا مملكتها، واحتويا على مملكيها [9] ونعمتها، وخط قصير عَلَى جذيمة قبرا، وضرب عَلَيْهِ فسطاطا، وكتب عَلَى قبره يقول [10] :
ملك تمنع بالعساكر والقنا ... والمشرفية عزة ما توصف
فسعت منيته إِلَى أعدائه ... وهو المتوج والحسام المرهف
قَالَ علماء السير [11] : وصار الملك من بعد جذيمة لابن أخته عمرو بْن عدي، وهو أول من اتخذ الحيرة منزلا من ملوك العرب، وأول من مجده أهل الحيرة فِي كتبهم من ملوك العرب بالعراق، وإليه ينسبون، وهم ملوك آل نصر.
قالوا: عمرت الأنبار خمسمائة سنة وخمسين سنة، إِلَى أن عمرت الحيرة في زمن عمرو بن عديّ.
__________
[1] في ت: «في المسوح الصوت» .
[2] «حتى» سقطت من ت.
[3] في الأصل: «ألقوا إليهم» .
[4] في ت: «فسقط» .
[5] في ت: «يقولون» .
[6] «تمضى» سقطت من ت.
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[8] في ت: «بيدي لا بيد عمرو» .
[9] «مملكيها» سقطت من ت. انظر خبر جذيمة الأبرش في الكامل 1/ 262- 269 والطبري ما قبل 1/ 627.
[10] «يقول» سقطت من ت.
[11] الطبري 1/ 627. والكامل 1/ 269، 270.(2/68)
وعمرت الحيرة خمسمائة سنة وبضعا وثلاثين سنة إِلَى أن وضعت الكوفة، ونزلها أهل الْإسْلَام، فلم يزل عمرو بْن عدي ملكا إِلَى أن مات وهو ابن مائة وعشرين سنة.
قيل: مائة وثماني عشرة سنة.
ومن ذلك فِي زمن أردشير، / ومن ملوك الطوائف خمس وتسعون سنة.
وَفِي [زمن] [1] ملوك فارس ثلاث [2] وعشرون.
ومن ذلك فِي زمن أردشير بْن بابك أربع عشرة سنة وعشرة أشهر.
وَفِي زمن سابور بْن أردشير ثماني سنين وشهران.
وما زال عقب عمرو بْن عدي بعده لهم الملك متصلا عَلَى كل من بنواحي العراق وبادية الحجاز من العرب باستعمال ملوك فارس إياهم عَلَى ذلك واستكفائهم أمر من وليهم من العرب إِلَى أن قتل أبرواز بْن هرمز النعمان بْن المنذر، ونقل ما كانت ملوك فارس يجعلونه إليهم إِلَى غيرهم. والنعمان من أولاد نصر أيضا، لأنه النعمان بْن المنذر بْن ماء السماء بْن عمرو بْن عدي بْن نصر بن ربيعة.
قال أبو جعفر بن الطبري [3] : ما زال عَلَى ثغر العرب من قبل ملوك الفرس من آل ربيعة إِلَى أن ولى عمرو بْن هند، ثم ولي بعده [أخوه] [4] قابوس بْن المنذر، ثم ولي أربع سنين من ذلك في زمن أنوشروان ثمانية أشهر، وَفِي زمن هرمز ثلاث سنين وأربعة أشهر، ثم ولي بعده السهرب، ثم [ولي] [5] بعده المنذر أَبُو النعمان بْن المنذر أربع سنين، ثم بعده النعمان بْن المنذر أبو قابوس اثنتين وعشرين سنة من ذلك فِي زمن هرمز سبع سنين وثمانية أشهر، وَفِي زمن أبرويزا أربع عشرة سنة، وأربعة أشهر، ثم ولي إياس بْن قبيصة الطائي تسع [6] سنين، ولسنة [7] وثمانية أشهر من [8] ولايته بعث رسول
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقطت من الأصل، وأثبتناه من ت.
[2] في ت: «ثمان وعشرون» .
[3] «قال أبو جعفر الطبري» بياض في ت. انظر الطبري 2/ 213، 214. مع اختلاف واختصار.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[6] في الأصل: «سبع» ، وما أثبتناه من ت.
[7] «ولسنة» سقطت من ت.
[8] في ت: «وفي ولايته ... » .(2/69)
الله صلى الله عليه وسلم، ثم استخلف ازادية الهمداني سبعة عشر سنة، ثم استخلف ولي المنذر بن النعمان بن المنذر ثمانية أشهر إِلَى أن قدم خالد بْن الوليد الحيرة، وكان آخر من بقي من آل نصر.
فجميع ملوك آل نصر عشرون [1] ملكا، ملكوا خمس مائة واثنتين وعشرين سنة وثمانية أشهر.
فصل [فِي سبب نزول ملوك آل نصر الحيرة] [2]
وكان سبب نزولهم الحيرة رؤيا رآها نصر بْن ربيعة اللخمي [3] ، وكان ملكه بين التبابعة. فرأى رؤيا هالته، فبعث فِي مملكته فلم يدع كاهنا ولا منجما إلا جمعه إليه، ثم قَالَ لهم: / إني قد [4] رأيت رؤيا هالتني، فأخبروني بتأويلها، فقالوا: اقصصها علينا، فَقَالَ: إنه لا يعرف تأويلها إلا من يعرفها قبل أن أخبره بها، قالوا: فإن كان الملك يريد ذلك فليبعث إلى سطيح، وشقّ، فإنه ليس أحد أعلم منهما. واسم سطيح: ربيع بْن ربيعة بْن مسعود بْن مازن. وشق بْن صعب بْن يشكر [5] بْن فهم.
فبعث إليهما، فقدم سطيح قبل شق، ولم يكن فِي زمانهما مثلهما من الكهان، فَقَالَ له: يا سطيح، إني قد رأيت رؤيا هالتني فإن أصبتها أصبت تأويلها. فَقَالَ: رأيت جمجمة [6] خرجت من ظلمة فوقعت بأرض ثهمة، فأكلت منها كل ذات جمجمة. فَقَالَ الملك: ما أخطأت منها شيئا يا سطيح، فما عندك من تأويلها؟ قَالَ: أحلف بما بين الحرتين من حنش، ليهبطن أرضكم الحبش، فليملكن ما بين أبين إلى جرش.
__________
[1] في الأصل، «خمس وعشرون» ، وما أثبتناه من ت، والطبري.
[2] هذا العنوان ليس في أي نسخة، وهو من عندنا أثبتناه للتوضيح.
[3] في الطبري 2/ 112. «ربيعة بن نصر» وكذلك في البداية والنهاية 2/ 162.
[4] «قد» سقطت من ت.
[5] في الأصل: «مصعب بن شكر» .
[6] قال الطبري 2/ 113: «وقد وجدته في مواضع أخر: رأيت حممة» . ونقول: «وهي رواية ابن هشام في السيرة النبويّة» .(2/70)
قَالَ له الملك: وأبيك يا سطيح، إن هَذَا لغائظ موجع، فمتى هو كائن؟ فِي زماني أم بعده [1] ؟ قَالَ: لا [2] بل بعده بحين، الحين من ستين إِلَى سبعين. قَالَ: فهل يدوم ذلك من ملكهم أو ينقطع؟ قال [3] : لا بل ينقطع لبضع وسبعين يمضين من السنين، ثم يخرجون منها هاربين. قَالَ: ومن يلي ذلك؟ قال: إرم ذي يزن، يخرج عليهم من عدن، فلا يترك أحد منهم باليمن. قَالَ: أفيدوم ذلك من سلطانه أو ينقطع؟ قَالَ: لا بل ينقطع. قَالَ: ومن يقطعه؟ قَالَ: نبي زكي، يأتيه الوحي من العلي قَالَ: وممن هَذَا النبي؟ قَالَ: رجل من ولد غالب بْن فهر بْن مالك بْن النضر، يكون الملك فِي قومه إِلَى آخر الدهر. قَالَ: وهل [للدهر] [4] يا سطيح من آخر؟ قَالَ: نعم، يوم يجمع فيه [5] الأولون والآخرون، ويسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون. قَالَ: أحق ما تخبرنا يا سطيح؟ فَقَالَ: نعم، والشفق والغسق والفلق إذا اتسق، إن ما أنبأتك به لحق.
فلما فرغ قدم شق/ فدعاه فَقَالَ: يا شق إني قد رأيت رؤيا فأخبرني بها، قَالَ:
نعم، رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة [6] وأكمة، فأكلت منها كل ذات نسمة، قَالَ: صدقت، فما عندك من تأويلها؟ قَالَ: أحلف بما بين الحرتين من إنسان لينزلن أرضكم السودان، فليغلبن عَلَى كل طفلة البنان [7] ، وليملكن ما بين أبين إِلَى نجران.
فَقَالَ له الملك: وأبيك يا شق، إن هَذَا لغائظ موجع، فمتى هو كائن؟ أفي زماني أم بعده؟ [قَالَ بعدكم] [8] بزمان، ثم يستنقذكم منه عظيم ذو شأن، ويذيقهم منه أشد الهوان قَالَ: ومن هَذَا العظيم الشأن؟ قَالَ: غلام من بيت ذي يزن. قال: فهل يدوم ملكه
__________
[1] في الأصل: «أم بعدي» .
[2] «لا» سقطت من الأصل.
[3] من هنا حتى: « ... قَالَ: لا بل ينقطع قَالَ: ومن يقطعه قال: نبي ... » . ساقط من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري 1/ 113.
[5] «فيه» سقطت من ت.
[6] في ت: «في روضة» .
[7] في الأصل: «طفلة إنسان» وما أثبتناه من ت والطبري.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.(2/71)
أم ينقطع؟ قَالَ: بل ينقطع برسول يأتي بالحق وبالعدل [1] ، يكون الملك فِي قومه إِلَى يوم الفصل. قال: وما يوم الفصل؟ قَالَ: يوم يجزى فيه الولاة، ويجمع الناس للميقات.
فوقع فِي نفسه أن [2] ما قالا كائن من [3] أمر الحبشة، فجهز بنيه وبني [4] أهل بيته إِلَى العراق، وكتب لهم إِلَى ملك من ملوك الفرس [5] يقال له: سابور، فأسكنهم الحيرة، وما زالت الحيرة يسكنها الملوك [6] .
فصل
[7] قَالَ مؤلف الكتاب [8] : وقد روينا عَنْ بعض ملوك الحيرة قصة مستطرفة يحسن ذكرها.
أَخْبَرَنَا المبارك بْن علي الصيرفي، قَالَ: أخبرتنا فاطمة بنت عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم الحيري، قالت: أخبرنا علي بن الحسن بن الفضل، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن خالد الكاتب، قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بْن عَبْد اللَّه بْن المغيرة الجوهري، قَالَ:
حَدَّثَنَا أحمد بن سعيد الدمشقي، قَالَ: حدثني الزبير بْن بكار، قَالَ: حدثني عمي مصعب بْن عَبْد اللَّه، عَنِ الهيثم بْن عدي، عن أبيه [9] ، قَالَ:
كان المنصور أمير المؤمنين ضم الشرقي من قطامي إِلَى المهدي حين وضعه
__________
[1] في ت «والعدل» .
[2] في ت: «أنه» .
[3] «من» سقطت من ت.
[4] «وبني» سقطت من ت.
[5] في ت: «ملوك فارس» .
[6] «وما زالت الحيرة يسكنها الملوك» سقطت من ت. وخبر ربيعة بن نصر في البداية والنهاية 2/ 162، 163.
[7] «فصل» سقطت من ت.
[8] في ت: «قال المصنف رحمه الله» .
[9] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي بإسناد له إلى الهيثم بن عدي قال» .(2/72)
بالري، فأمره أن يأخذه بالحفظ لأيام العرب ومكارم أخلاقها ودراسة أخبارها [1] وقراءة أشعارها، فَقَالَ له المهدي ذات ليلة: يا شرقي، مرح قلبي [الليلة] [2] بشَيْء يلهيه، قَالَ: نعم، أصلح اللَّه الأمير، ذكروا أنه كان فِي ملوك/ الحيرة ملك له نديمان قد نزلا من قلبه منزلة نفيسة، وكانا لا يفارقانه فِي لهوه وبأسه، ويقظته ومنامه [3] ، وكان لا يقطع أمرا دونهما، ولا يصدر إلا عَنْ رأيهما، فغبر بذلك دهرا طويلا.
فبينما هو ذات ليلة فِي شغله ولهوه، إذ غلب عَلَيْهِ الشراب فأثر فيه تأثيرا أزال عقله، فدعا بسيفه فانتضاه وشد عليهما فقتلهما، وغلبته عيناه فنام، فلما أصبح سأل عنهما فأخبر بما كان منه، فأكب عَلَى الأرض عاضا عليها [4] تأسفا عليهما وجزعا لفراقهما، فامتنع من الطعام والشراب وتسلب عليهما ثم حلف ألا [5] يشرب شرابا يخرج عقله ما عاش، فواراهما وبنى عَلَى قبريهما الغرنين، وسن أن لا يمر بهما أحد من الملك فمن دونه إلا سجد لهما.
قَالَ: وكان إذا سن الملك سنة توارثوها وأحيوا ذكرها، وأوصى بها الآباء أعقابهم.
قَالَ: فغبر الناس بذلك دهرا طويلا لا يمر بقبرهما أحد [6] صغيرا ولا كبيرا إلا سجد لهما، فصار ذلك سنة لازمة، وأمرا كالشريعة والفريضة، وحكم فِي من أبى أن يسجد لهما بالقتل بعد أن يحكم فِي خصلتين يجاب إليهما كائنا ما كانتا.
قَالَ: فمر يوما قصار [7] ومعه كارة ثيابه، وفيها مدقته، فَقَالَ الموكلون بالقبر للقصار: اسجد! فأبى أن يفعل، فقالوا: إنك مقتول إن لم تسجد، فأبى، فرفع إِلَى الملك وأخبر بقصته. فَقَالَ: ما منعك أن تسجد؟ فقال: قد سجدت، ولكن كذبوا
__________
[1] «أخبارها» سقطت من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] في ت: «ومنامه ويقظته» .
[4] في الأصل: «عاضا عليهما» .
[5] في الأصل: «حلف لا» .
[6] في الأصل: أحدا.
[7] القصّار: هو الّذي يقصر الثياب، وهي حرفة اختص بها أهل خوارزم وآمل وطبرستان (الأنساب 10/ 165) .(2/73)
عَلَى، قالوا الباطل. قَالَ الملك: فاحتكم فِي خصلتين فإنك مجاب إليهما وإني قاتلك، قَالَ: ولا بد من قتلي بقول هَؤُلاءِ؟ قَالَ: لا بد من ذلك، قَالَ: فإني أحكم أن أضرب رقبة الملك بمدقتي هَذِهِ، قَالَ له الملك: يا جاهل، لو حكمت بما يجدي عَلَى من تخلف كان أصلح لهم. قال: ما أحكم إلا بضربة لرقبة الملك. فَقَالَ الملك لوزرائه: ما ترون فيما حكم به هَذَا الجاهل، قالوا: نرى إن هَذِهِ سنة أنت سننتها، وأنت تعلم ما فِي نقض/ السنن من العار والبوار وعظيم الإثم، ومتى نقضت سنة نقضت أخرى ثم أخرى، ثم يكون ذلك لمن بعدك كما كان لك، فتبطل السنن. قَالَ: فاطلبوا لي القصار أن يحكم بما شاء ويعفيني من هَذِهِ، فإني أجيبه إِلَى ذلك ولو بلغ شطر ملكي.
فطلبوا إليه، قَالَ: ما أحكم إلا بضربة فِي رقبته، فلما رأى الملك ما عزم عَلَيْهِ القصار عقد [1] له مجلسا عاما، وأحضر القصار وأبدى مدقته فضرب بها عنق الملك ضربة أزاله [عن موضعه] [2] ، فخر الملك مغشيا عَلَيْهِ، فأقام ستة أشهر عليلا [3] ، وبلغت به العلة حدا كان يجرع فيها الماء بالقطن.
فلما أفاق وتكلم، وطعم وشرب سأل عَنِ القصار، فقيل له: إنه محبوس، فأمر بإحضاره، وَقَالَ: قد بقيت لك خصلة فاحكم فيها فإني قاتلك لا محالة. فَقَالَ القصار:
فإذا كان ولا بد فإني أحكم أن أضرب الجانب الآخر ضربة أخرى، فلما سمع الملك بذلك خر عَلَى وجهه من الجزع، وَقَالَ: ذهبت والله إذا نفسي. ثم قَالَ للقصار: ويلك دع عنك ما لا ينفعك، فإنه لن ينفعك [4] ما مضى فاحكم بغيره أنفذه لك كائنا ما كان، قَالَ: ما راحتي إلا فِي ضربة [5] أخرى. فَقَالَ الملك لرؤسائه ووزرائه: ما ترون؟ قالوا:
تموت عَلَى السنة، قَالَ: ويلكم والله إنه إن ضرب الجانب الآخر لم أشرب الماء البارد أبدا، لأني أعلم بما قد مر بي. قالوا: فما عندنا حيلة.
__________
[1] في الأصل: «قعد» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[3] في ت: «فأقام وقيذا ستة أشهر» وفي الأصل: «عليل» وهو خطأ.
[4] في ت: «لم ينفعك» .
[5] في ت: «لا راحتي إلا بضربة أخرى» .(2/74)
فلما رأى ذلك وما قد أشرف عَلَيْهِ، قَالَ للقصار: أخبرني، ألم أكن قد سمعتك يوم جاء بك الشرط أنك قد سجدت؟ قَالَ: نعم. فوثب من مجلسه وقبل رأسه، وَقَالَ:
أشهد أنك أصدق من أولئك، وأنهم كذبوا عليك. فانصرف راشدا، فحمل كارته ومضى.
فضحك المهدي حَتَّى فحص برجله، وَقَالَ: أحسنت والله، ووصله وبره
. ذكر ما كان من طسم وجديس
قَالَ مؤلف الكتاب [1] : كانوا فِي أيام ملوك الطوائف، وكان فناء جديس عَلَى يد حسان بْن تبع [2] .
قَالَ علماء السير: / كان طسم وجديس من ساكني اليمامة، وهي إذ ذاك من أخصب البلاد وأعمرها وأكثرها خيرا، فيها من صنوف الثمار ومعجبات الحدائق والقصور الشامخة، وكان عليهم ملك من طسم، ظلوم غشوم، لا ينهاه شَيْء عَنْ هواه، يقال له: عملوق.
وكان مما لقوا من ظلمه أنه أمر بألا تهدى بكر من جديس إِلَى زوجها حَتَّى تدخل عَلَيْهِ فيفترعها [3] ، فَقَالَ رجل من جديس يقال له الأسود بْن غفار لرؤساء قومه: قد ترون ما نحن فيه من العار والذل الذي ينبغي للكلاب أن تعافه وتمتعض منه، فأطيعوني، فإني أدعوكم إِلَى عز الدهر ونفي الذل، قالوا: وما ذاك؟ قَالَ: إني صانع للملك وقومه طعاما، فإذا جاءوا نهضنا إليهم بأسيافنا، فأنفرد به فأقتله، وليجهز كل رجل منكم عَلَى جليسه.
فأجابوه إِلَى ذلك وأجمع رأيهم عَلَيْهِ، فأعد طعاما، وأمر قومه فانتضوا سيوفهم ودفنوها في الرمل، وَقَالَ: إذا أتاكم القوم يرفلون فِي حللهم فخذوا سيوفهم [4] ، ثم
__________
[1] «ذكر ما كان من طسم وجديس قَالَ مؤلف الكتاب» بياض في ت مكان هذه العبارة.
[2] الطبري 1/ 629.
[3] يفترعها: يفتضّها، والفرعة: دمها، وقيل له افتراع لأنه أول جماعها (لسان العرب ص 3395 فرع) .
[4] في ت، والأصل: «سيوفكم» .(2/75)
شدوا عليهم قبل أن يأخذوا مجالسهم، ثم اقتلوا الرؤساء، فإنكم إذا قتلتم الرؤساء [1] لم تكن السفلة شيئا.
ففعلوا ذلك فأفنوهم، فهرب رجل من طسم يقال له: رياح [2] بْن مرة، حَتَّى أتى حسان بْن تبع فاستغاث به، فخرج حسان فِي حمير [3] ، فلما كان من اليمامة عَلَى ثلاث، قَالَ له رياح: أبيت اللعن! إن لي أختا متزوجة فِي جديس، يقال لها: اليمامة، ليس عَلَى وجه الأرض أبصر منها، إنها لتبصر الراكب من مسيرة ثلاث، وأنا أخاف أن تنذر القوم بك، فمر أصحابك فليقلع [4] كل رَجُل منهم شجرة فليجعلها أمامه، ويسير وهي فِي يده.
فأمرهم حسان بذلك ففعلوا، ثم سار [5] ، فنظرت اليمامة إليهم فأخبرت بحالهم- عَلَى ما تقدم- وصبحهم حسان فأبادهم [6] وهدم قصورهم وحصونهم، وقتل اليمامة- وكانت فيما ذكر [7] أول من اكتحل بالإثمد [8] .
وحسان هَذَا يقال/ له: تبع بْن تبع [بْن] أسعد أبي كرب بْن ملكيكرب [9] بْن تبّع، وهو أبو تبّع الأصغر بْن حسان، الذي يزعم أهل اليمن أنه قدم مكة وكسى الكعبة شعب المطابخ [10] ، وإنما سمي بهذا الاسم لنصبه المطابخ فِي ذلك الموضع وإطعامه الناس، وأن أجيادا إنما سمي أجيادا، لأن خيله كانت هناك، وأنه قدم يثرب، فنزل منزلا يقال له: منزل الملك، وقتل من اليهود مقتلة عظيمة بسبب شكاية [11] من شكاهم إليه من
__________
[1] في الطبري، ت: «إذا قتلتموهم» .
[2] في تاريخ ابن خلدون: «رباح» وكذا عند ياقوت.
[3] في ت: «من حمير» .
[4] في الطبري: «فليقطع» .
[5] في ت: «ثم ساروا» .
[6] في الأصل: «فأباده هم» .
[7] في ت: «فيما ذكروا» وكذا الطبري.
[8] إلى هنا في الكامل 1/ 271- 73 خبر طسم وجديس.
[9] في الأصل: «مكيوب» .
[10] في ت: «وهو أسعد المطابخ» .
[11] في الأصل: «شكاة» .(2/76)
الأوس والخزرج بسوء الجوار، وأنه وجه ابنه حسان إِلَى السند وسمرا ذا الجناح إِلَى خرسان، وأمرهما أن يستبقا إِلَى الصين، فمر سمر [1] بسمرقند، فأقام عليها حَتَّى افتتحها، وقتل مقاتلتها [وسبى] [2] وحوى ما فيها، ونفذ إِلَى الصين، فوافى حسان بها.
فمن أهل اليمن من يزعم أنهما ماتا هنالك، ومنهم من يزعم أنهما انصرفا إِلَى تبع بالأموال والغنائم [3]
. ذكر الأحداث المتعلقة بالفرس
قَالَ مؤلف الكتاب [4] : وقد ذكرنا أن الإسكندر اليوناني قتل دارا بْن دارا الذي كان ملك الفرس بالعراق ملك أقليم بابل، ثم فرق الممالك بين ملوك الطوائف، وقد بينا أن [معنى] [5] ملوك الطوائف: أن كل ملك يملك بناحية معروفة ولا يتعداها [إِلَى غيرها] [6] فأما السواد فإنها بقيت بعد هلاك [7] الإسكندر فِي يد الروم أربعا وخمسين سنة [8] ، وكان فِي ملوك الطوائف رَجُل من نسل الملوك وولده عَلَى السواد، وكانوا إنما يملكون سواد الكوفة ويتطرفون الجبال وناحية الأهواز وفارس إِلَى أن خرج رجل يقال له: أشك [9] ، وهو ابن دارا الأكبر، وكان مولده ومنشأه بالري، فجمع جمعا كبيرا، وسار يريد أنطيخس الرومي، فلقيه فقتل أنطيخس [10] وغلب السواد، وصار فِي يده من الموصل إِلَى الري وأصبهان، فعظمه سائر ملوك الطوائف لنسبه وشرفه فيهم، وسمّوه ملكا، وأهدوا إليه [11] .
__________
[1] في الأصل: «فمر بثمر بسمرقند» . وكذا في ت.
[2] «وسبى» من الطبري 1/ 632.
[3] إلى هنا من الطبري 1/ 629- 632.
[4] «ذكر الأحداث المتعلقة بالفرس. قَالَ مؤلف الكتاب» مكانها بياض في ت.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[7] «هلاك» سقطت من ت.
[8] في ت: «أربعمائة وخمسين سنة» .
[9] في ت: «أشنك» .
[10] في ت: «فلقيه فقتله وغلب على السواد» .
[11] «لنسبه وشرفه فيهم، وسموه ملكا وأهدوا إليه» هذه العبارة ساقطة من ت.(2/77)
ثم ملك بعده جوذرز بْن أشكان [1] ، ويقال: / ابن سابور، وقيل: هو الذي غزا بني إسرائيل فِي المرة الثانية، سلط عليهم لقتلهم يحيى بْن زكريا، فأثخن فيهم ولم يعد لهم جماعة، ورفع اللَّه منهم النبوة، وأنزل عليهم الذل.
وكانت الروم قد أقبلت إِلَى بلاد [2] فارس لطلب ثأر أنطيخش [3] ، وملك بابل يومئذ بلاش أَبُو أردوان [4] ، فكتب إِلَى ملوك الطوائف يعلمهم قصد الروم إِلَى بلادهم فأمدوه، فاجتمع عنده أربعمائة ألف، فولى عليهم ملكا من ملوك الطوائف يلي ما بين انقطاع السواد إِلَى الحيرة، فسار بهم حَتَّى لقي ملك الروم فقتله، واستباح عسكره، وذلك هو الذي هيج الروم على بناء قسطنطينية، ونقل الملك من رومية [5] إليها، وكان الذي ولي إنشاءها قسطنطين الملك، وهو أول ملك من ملوك الروم تنصر، وهو الذي أجلى من بقي من إسرائيل عَنْ فلسطين والأردن لقتلهم عِيسَى، وأخذ الخشبة التي زعموا أنهم صلبوا عليها عِيسَى [6] عَلَيْهِ السلام [7] ، فعظمها الروم وأدخلوها خزائنهم، فهي عندهم إِلَى الآن [8] ، ولم يزل ملك فارس متفرقا حتى ملك أردشير بن بابك بْن ساسان بْن بابك بْن زرار [9] بْن بهافريذ [10] بْن ساسان الأكبر بْن بهمن بْن إسفنديار [11] بْن بشتاسب [12] بْن لهراسب فنهض بفارس طالبا بزعمه دم ابن عمه دارا
__________
[1] في الأصل: «جوذر ابن أشكان» .
وفي ت: «جوذر ابن أشكار» . وما أثبتناه من الطبري 1/ 580.
[2] «بلاد» سقطت من ت.
[3] في الأصل: «أنطيحش» . وفي ت: «أنطيحس» .
[4] في الأصل: «بلاس ابن أردوان» .
[5] في ت: «الروميّة» .
[6] في ت: «أنهم صلبوا عيسى عليها» .
[7] «عليه السلام» سقطت من ت.
[8] في ت: «إلى اليوم» .
[9] في الأصل: «زرزار» . وما أثبتناه من ت، والطبري.
[10] في ت: «شافرند» .
[11] في الأصل: «اسفندنار» .
[12] في ت: «بشاسب» .(2/78)
ابن دارا بْن بهمن الذي حارب الإسكندر حَتَّى قتله [حاجباه] ، ومريدا [1] بزعمه رد الملك إِلَى أهله الذي لم يزل عَلَيْهِ سلفه وآباؤه الذين مضوا قبل ملوك الطوائف، وكان مولده بأصطخر، وكان جده ساسان شجاعا [2] بلغ من شجاعته أنه حارب وحده ثمانين رجلا من أهل أصطخر ذوي نجدة فهزمهم، وكان ساسان قيما عَلَى بيت نار أصطخر، فولد له بابك، فلما احتنك [3] قام بأمر النَّاس بعده ابنه، ثم ولد له أردشير فملك وفتك بجماعة من الملوك، وفتح البلدان، وسمي: شاهنشاه، وبنى الجوسق، وبنى المدينة التي فِي شرقي المدائن، ومدينة غربية، وأقام/ بالمدائن، وكان قد حلف لا يستبقي أحدا من ملوك الطوائف، أوجب ذلك عَلَى عقبه، فوجد جارية فِي دار المملكة فأعجبته، وكانت بنت أردوان الملك وهو من ملوك الطوائف، واسمها: سورا، فَقَالَ لها وهو لا يعلم أنها ابنة أردوان: أبكر أنت أم ثيب؟ فقالت: بكر، فواقعها واتخذها لنفسه، فعلقت منه، فلما علمت أنها حامل عرفته نسبها فنفر طبعه عنها، ودعى شيخا مسنا وسلمها إليه وَقَالَ: أودعها [4] بطن الأرض، ولما أخذها الشيخ أعلمته أنها حامل من الملك أردشير فجعلها فِي سرب وقطع مذاكيره وجعلها فِي حق وسلم الحق إِلَى أردشير وسأله أن يختم عَلَيْهِ بخاتمه، ويكون فِي بعض خزائنه ففعل ووضعت الجارية غلاما، فأخذ الشيخ طالعه فعلم أنه سيملك فسماه سابور [5] ، فلما نشأ دخل الشيخ عَلَى الملك فرآه حزينا فَقَالَ: ما لك أيها الملك؟ فَقَالَ: لي هَذَا الملك وما لي ولد. فَقَالَ: أيها الملك انظر [6] إِلَى الحق الذي كنت سألتك وضعه فِي بعض الخزائن.
فأحضره وفتحه فلما أبصر ما فيه حدثه الشيخ حديث الجارية وولدها، فاستدعاه مع ألف صبي من أقرانه فلعبوا بالصوالجة وهو ينظر إليهم، فدخلت الكرة إيوان الملك، فأحجم الكل عنها، ودخل سابور وحده فأخذها، فعلم أردشير أنه ولده فعقد له التاج ورسمه بالملك من بعده، وتوجه بتاجه فِي حياته، ولم يزل أردشير محمود السير والأثر، ذاك
__________
[1] في ت: «ويريد» وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «شجاعا» سقطت من ت.
[3] في الأصل، ت: «فلما اختل» والتصحيح من الطبري 2/ 38.
[4] في ت: «أودعتها» .
[5] في الطبري 2/ 45: «شاه بور» .
[6] في الأصل: «تنظر» .(2/79)
رأيه، وأثخن فِي الأرض، وكان معدودا من الحكماء [1] .
[أَنْبَأَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك بإسناد له عَنْ أحمد بْن يحيى السندي قَالَ:
سمعت مُحَمَّد بْن سلام يقول: كان] [2] مما حفظ عنه أَنَّهُ قَالَ يوما لوزرائه وخاصته بحسبكم، دلالة عَلَى فضيلة العلم أنه يمدح بكل لسان وبحسبكم دلالة عَلَى عيب [3] الجهل أن كل الناس ينتفي منه ويغضب أن يسمى به.
وكتب أردشير إِلَى الملوك كتابا فيه: من ملك الملوك أردشير بْن بابك/ إلى من يخلفه بعده [4] من ملوك فارس، أما بعد: فإن صنيع [5] الملوك عَلَى غير صنيع الرعية، فالملك يطبعه العز والأمن والسرور والقدرة والجرأة والعبث والبطر، ثم كل ما ازداد فِي العمر تنفسا وَفِي الملك [6] سلامة زاده فِي هَذِهِ الطبائع حَتَّى يسلمه إِلَى سكر الشراب فينسى النكبات والعثرات والعبر والدوائر فيرسل يده ولسانه بالفعل والقول، وقد قال الأولون منا: عند حسن الظن بالأيام تحدث العبر.
وقد كان من الملوك من تذكره غرة [7] الذل، وأمنه الخوف، وسروره الكآبة، وقدرته العجز. وقد قَالَ الأولون منا: رشاد الوالي خير للرعية من خصب الزمان، واعلموا أن الملك والدين أخوان توأمان، لا قوام لأحدهما إلا بصاحبه، لأن الدين أس الملك وعماده، والملك يعد حارس [8] الدين، فلا بد للملك من أسه، ولا بد للدين من حارسه، فإن ما لا حارس له ضائع، وما لا أس له مهدوم، واعلموا إنما سلطانكم عَلَى أجساد الرعية، وأنه لا سلطان للملوك عَلَى القلوب وَفِي سكر الملك بالسلطان [9] ما
__________
[1] الطبري 2/ 44، 45، 46، والكامل 1/ 297.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[3] في الأصل: «على فضيلة» .
[4] في ت: «بعقبه» .
[5] في ت: «صنع» وكذلك في الموضع التالي.
[6] «وفي الملك» سقط من ت.
[7] في ت: «من يذكره عزة» .
[8] في الأصل: «بعده حراس» .
[9] في ت: «وفي سكر السلطان بالملك» .(2/80)
يكفيه من سكر [الشراب] [1] ، واعلموا أنه ليس للملك أن يكذب لأنه لا يقدر أحد عَلَى استكراهه، وليس له أن يغضب، لأن الغضب والعداوة لقاح الشر والندامة، وليس له أن يلعب، لأن اللعب من عمل الفراغ، وليس له أن يحسد إلا ملوك الأمم عَلَى حسن التدبير، واعلموا أنه لكل ملك بطانة، ولكل رجل من بطانته بطانة، ثم لكل امرئ من بطانة البطانة بطانة حتى يجمع في ذلك أهل المملكة، فإذا أقام الملك بطانته عَلَى حال الصواب أقام كل آمر منهم بطانته عَلَى ذلك، حَتَّى يجتمع عَلَى الصلاح عامة الرعية، واعلموا أن الملك قد تهون عَلَيْهِ العيوب لأنه لا/ يستقل بها حَتَّى يرى الناس يتكاتمونها، وهذا من الأبواب الداعية إِلَى طاعة الهوى، فاحذروا [2] إفشاء السر عند صغار أهاليكم وخدمكم [3] ، واعلموا أن الملك ورعيته جميعا يحق عليهم أن لا يكون للفراغ عندهم موضع، فإن التضييع فِي فراغ الملك، وفساد المملكة فِي فراغ الرعية.
فصل
فلما هلك أردشير قام بملك فارس بعده ابنه سابور فقسم الأموال، وبان فضل سيرته وغزا البلدان، فكان بجبال تكريت بين دجلة والفرات مدينة يقال لها: الحضر، وبها رجل يقال له: الساطرون، وهو الذي يقول فيه أَبُو داود الأبادي [4] :
وأرى الموت قد تدلى من الحضر ... عَلَى رب أهله الساطرون
[5] والعرب تسميه: الضيزن، فرحل سابور، وأقام عَلَى ذلك الحضر أربع سنين، وتحصن الضيزن فِي الحصن، فلم يقدر عَلَيْهِ، فخرجت بنت الضيزن- ويقال لها:
النضيرة- إِلَى ربض [6] المدينة، وكانت من أجمل نساء [7] زمانها، وكان سابور من
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «واحذر» .
[3] في الأصل: «صغار أهاليك وخدمك» .
[4] في الأصل زيادة: «حيث يقول» .
[5] انظر: أخبار ملوك الفرس 402. ومعجم البلدان 3/ 290. وتاريخ الطبري 2/ 47.
[6] ربض: الربض هو ما حول المدينة من الخارج.
[7] في ت: «أجمل أهل زمانها» .(2/81)
أجمل رجال زمانه، فرأته ورآها فعشقته وعشقها، فأرسلت إليه: ما تجعل لي إن دللتك عَلَى ما تهدم به سور هَذِهِ المدينة وتقتل أبي؟ قَالَ: أتزوجك، وأرفعك عَلَى نسائي وأحظيك بنفسي دونهن. قالت: عليك بحمامة ورقاء [1] مطوقة، فاكتب فِي رجليها بحيض جارية بكر زرقاء، ثم أرسلها، فإنها تقع عَلَى حائط المدينة، فتتداعى المدينة، وكان ذلك طلسم [2] المدينة [3] لا يهدمها إلا هَذَا، ففعل وتداعت المدينة، ففتحها عنوة، وقتل الضيزن، وأخرب المدينة، فاحتمل النضيرة فعرس بها بعين التمر، فذكر أنها لم تزل ليلتها تضور من خشونة فرشها، وهو من حرير محشوة بريش [4] الطير، فالتمس ما كان يؤذيها، فإذا ورقة آس ملتزمة بعكنة من عكنها قد أثرت فيها، وكان ينظر إِلَى/ مخها من لين بشرتها، فَقَالَ لها سابور: ويحك، بأي شَيْء كان يغذوك أبوك؟ قالت:
بالزبد والمخ وشهد الأبكار من النحل وصفو الخمر. فَقَالَ: أنا أحدث عهدا بك من أبيك. فأمر رجلا فركب فرسا جموحا، ثم عصب غدائرها بذنبه ثم استركضها فقطّعها قطعا، فذلك قول الشاعر:
أقفر الحصن من نضيرة فالمرباع ... منها فجانب الثرثار
وَقَالَ عدي بْن زيد:
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة ... تجبى إليه والخابور
شاده مرمرا وجلله كلسا ... فللطير فِي ذراه وكور
لم يهبه ريب المنون فباد ... الملك عنه فبابه مهجور
فلما احتضر سابور ملك ابنه هرمز، وكان ملكه ثلاثين سنة [وقيل: إحدى وثلاثين سنة وستة أشهر] [5] ، فقام بالملك هرمز سنة وعشرة أيام [6] .
__________
[1] في ت: «بحمامة زرقاء» . وما أثبتناه من الطبري وجميع المصادر.
[2] طلسم: هو السر المكتوم.
[3] «وكان ذلك طلسم المدينة» سقط من ت.
[4] في ت، والطبري: «محشوة بالقز» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[6] «فقام بالملك هرمز سنة وعشرة أيام» سقط من ت.(2/82)
ثم قام بالملك ابنه بهرام بْن هرمز وكان ذا [حلم] [1] وبر وحسن سيرة، وكان ملكه ثلاث سنين وثلاثة أشهر.
ثم قام بعده بهرام بْن بهرام بْن هرمز [2] ، وكان أيضا [3] حسن السيرة، فبقي ثماني عشرة سنة، وقيل: سبع عشرة سنة.
ثم ملك بعده بهرام بْن بهرام بْن بهرام بْن هرمز، ولقب: بشاهنشاه. فبقي أربع سنين.
ثم ملك بعده نرسي بْن بهرام، وهو أخو بهرام الثالث، فأحسن السيرة تسع سنين.
ثم ملك هرمز بْن نرسي بْن بهرام بْن بهرام [بْن بهرام] [4] بْن هرمز بْن سابور بْن أردشير، فسار بالعدل وعمارة البلاد ست سنين، وقيل: سبعة، وهلك ولا ولد له، وإنما كان له حمل ذكر له المنجمون أنه ذكر، وأنه يملك الأرض، فأوصى بالملك للحمل ومات.
فوضع التاج عَلَى بطن الأم وكتب منه إِلَى ملوك الآفاق وهو جنين، وسموه سابور، وهو سابور ذو الأكتاف، ولا/ يعرف أحد ملك وهو فِي بطن أمه سواه، فولد فاستبشر الناس بولادته وبثوا خبره فِي الآفاق، ووجهوا بذلك البرد فِي الأطراف فشاع أن القوم لا ملك لهم، وإنما ينتظرون صبيا [5] فِي المهد، فطمعت فِي ملكهم الترك والروم، وكانت بلاد العرب أدنى البلاد إِلَى فارس، وكانوا [أحوج] الناس إِلَى المعاش [6] لسوء حالهم وسوء عيشهم، فسار منهم جمع عظيم [7] فِي البحر، فوصلوا إِلَى رستاق فارس فغلبوا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[2] «بن هرمز» سقطت من ت.
[3] «أيضا» سقطت من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[5] في ت: «جنينا» .
[6] في الأصل: «وكانوا الخلق إلى المعاش لسوء» .
[7] في ت: «فسار جمع عظيم منهم في البحر» .(2/83)
عليها وعلى حروثهم ومواشيهم ومكثوا كذلك [1] حينا لا يغزوهم أحد من فارس، حَتَّى ترعرع سابور فأول ما عرف من تدبيره أنه سمع ضجة الناس وقت السحر، فسأل عَنْ ذلك فقيل: الناس يزدحمون عَلَى جسر دجلة، فأمر باتخاذ جسر آخر ليكون أحد الجسرين للمقبلين والآخر للمدبرين، فاستبشر الناس بفطنته مع صغر سنه ولم يزل يظهر منه حسن التدبير إِلَى أن بلغ ست عشرة سنة فخرج فِي ألف مُقَاتِل، فاوقع بالعرب فقتل منهم خلقا كثيرا [2] ، وسار إِلَى بلاد عَبْد القيس، فأباد أهلها، [ثم] [3] إِلَى اليمامة فقتل من وجد بها، ولم يمر بماء للعرب إلَّا عوره [4] ، ولا بعين إلا طمها، [واجتاز بيثرب ففعل مثل ذلك] [5] ، وقتل وأسر ورجع إِلَى العراق، وأمر بحفر نهر فوهته بهيت وأخرجه قريبا من القادسية ثم إِلَى كاظمة، ثم إِلَى البحر وجعل عَلَيْهِ مناظر وروابط ومسالج، وجعل فِي تلك المناظر الرجال والخيل، فكان من أراد من العرب أن يدخل إِلَى ملك فارس لقضاء حاجته [عرض نفسه عَلَى صاحب الحصن الذي يدخل منه فيثبت اسمه ويختم يده، فإذا قضى حاجته] [6] لم يخرج إلا من الحصن الذي دخل منه، فيعرض نفسه عَلَى صاحب الحصن فيكسر الختم الذي عَلَى يده ويعلم عَلَى اسمه، ثم يخرج إِلَى البادية.
فاستقامت بذلك مملكة فارس وحفظت من العرب، ويسمى هَذَا النهر: الحاجز وهو العتيق، وجعل بإزاء ذلك النهر دهاقين فأقطعهم القطائع، وكانوا رداء لأهل الحصون، وكان إذا طرقهم طارق من العرب بالليل [7] أوقدوا النار، وإن صبحهم نهارا دخنوا، فيعلم أهل القرية بهذه العلامة ما حدث، فيأتونهم.
ومن جملة ملك الحصون: حصن مهيب، ومنظرة بخطيرة، ومنظرة حديثة النورة، منظرة بالأنبار، ومنظرة بدير الجماجم، ومنظرة بالقادسية، وحصن بذي قار، وبنى الكرخ، وسجستان، ونيسابور.
__________
[1] في ت: «بذلك» .
[2] «كثيرا» سقطت من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في الكامل 1/ 302: «غوره» والمعنى واحد وهو أن يكيس بالتراب ويردم فيصبح غير صالح للاستعمال.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[7] في الأصل: «بالقرب» . وما أثبتناه من ت.(2/84)
وَقَالَ [1] ابن قتيبة: وهو الذي بنى الإيوان بالمدائن، والسوس، وغزا أرض الروم فسبى سبيا كثيرا.
وهادن [2] قسطنطين ملك الروم، وكان قسطنطين أول من تنصر، وفرق ملكه بين ثلاث بنين ملوك كانوا له، فملكت الروم عليهم رجلا من أهل بيت قسطنطين يقال له:
لليانوس، وكان يدين بملة الروم التي كانت قبل ذلك، ويسر ذلك ويظهر النصرانية. قبل أن يملك، فلما ملك أظهر ملة الروم، وأمرهم بإحيائها، وأمر بهدم البيع، وقتل الأساقفة وأحبار النصارى، وجمع جموعا من الروم والخزر، ومن كان فِي مملكته من العرب، ليقاتل بهم سابور وجنود فارس.
فانتهزت العرب بذلك الفرصة من الانتقام من سابور لأجل ما فتك بالعرب، وقتل منهم، فاجتمع فِي عسكر لليانوس من العرب مائة ألف وسبعون [3] ألفا، فوجههم مع رجل من بطارقة [4] الروم، بعثه عَلَى مقدمته يسمى: يوسانوس، وسار لليانوس حَتَّى نزل بلاد فارس، فلما بلغ الخبر إِلَى سابور هاله ذلك، ووجه عيونا تأتيه بخبرهم، فاختلفت [5] أقوال العيون، فتنكر سابور، وسار فِي أناس من ثقاته ليعاين عسكرهم، فلما قرب من عسكر يوسانوس صاحب مقدمة لليانوس، وجه رهطا إِلَى عسكر يوسانوس ممن كان معه ليأتوه بالخبر على حقيقته، فنذرت [6] بهم الروم فأخذوهم ودفعوهم إِلَى يوسانوس، فلم يقر أحد منهم بالأمر الذي توجهوا له، إلَّا رجل واحد، فإنه أخبر بالقصة عَلَى وجهها، وبمكان سابور، وَقَالَ: وجه معي جندا، حَتَّى أدفع إليهم سابور/، فأرسل يوسانوس إِلَى سابور رجلا من بطانته ينذره، فارتحل سابور من الموضع الّذي كان فيه إِلَى عسكره. ثم تقدمت العرب فحاربت سابور، ففضّوا جموعه، وقتلوا مقتلة
__________
[1] في ت: «وقالت» .
[2] نقلا عن تاريخ الطبري 2/ 58. وما بعدها باختصار وتصرّف.
[3] في الأصل: «وسبعين» .
[4] في ت: «من رجل من بطارقة» .
[5] في الأصل: «فاختلف» .
[6] في الأصل: «فتهرب منهم» وفي ت: «فغدرت» . وما أثبتناه من الأصل.(2/85)
عظيمة، وهرب سابور فيمن بقي من جنده، واحتوى لليانوس عَلَى مدينة سابور [1] ، وظفر ببيوت أمواله، وكتب سابور إِلَى من بالآفاق من جنوده يعلمهم بما لقي، ويأمرهم أن يقدموا عَلَيْهِ، فاجتمعت إليه الجيوش، فانصرف فحارب لليانوس، فاستنقذ [2] منهم محلته وكان لليانوس يوما جالسا فأصابه سهم غرب [3] فقتله، فتحير جنوده وسألوا يوسانوس أن يتملك عليهم فأبى وَقَالَ: أنا عَلَى ملة النصرانية، والرؤساء يخالفون في الملّة. فأخبرته الروم أنهم عَلَى ملته، وإنما كانوا يكتمون ذلك لمخافة لليانوس، فملكوه عليهم، وأظهروا النصرانية.
فلما علم سابور بهلاك لليانوس أرسل إِلَى قواد جنود الروم أن [4] سرّحوا [5] إلينا رئيسا منكم، فأتاه يوسانوس فِي ثمانين رجلا، فتلقاه وعانقه شكرا لما كان منه فِي أمره، وأرسل سابور إِلَى قواد جند الروم:
إنكم لو ملكتم غير يوسانوس لجرى هلاككم، وإنما تمليكه سبب نجاتكم.
وقوي أمر يوسانوس، ثم قَالَ: إن الروم قتلوا بشرا كثيرا من بلادنا، وخربوا عمرانها، فإما أن يدفعوا إلينا قيمة ما أفسدوا، وإما أن يعوضونا من ذلك نصيبين من بلاد فارس. وإنما غلب عليها الروم، فدفعوا إليه نصيبين، فبلغ أهلها فخرجوا عنها لعلمهم مخالفة سابور لدينهم، فنقل سابور اثني عشر ألف بيت من أهل إصطخر وأصبهان وغيرها إِلَى نصيبين، وانصرف يوسانوس إِلَى مملكة الروم، فبقي زمنا يسيرا ثم هلك.
وإن سابور ضري بقتل العرب، ونزع أكتاف رؤسائهم، وكان ذلك سبب تسميتهم إياه: ذا الأكتاف.
وذكر بعض العلماء بالأخبار [6] أن سابور لما أثخن في العرب/ وأجلاهم عن
__________
[1] واسمها: «طيسبون» كما ذكر الطبري 2/ 59.
[2] في ت: «فاستقد» .
[3] سهم غرب: لا يعلم راميه.
[4] «أن» سقطت من ت.
[5] في الأصل: «يسرحوا» .
[6] «وذكر بعض العلماء بالأخبار» سقطت من ت. وفي هذا الموضع في الأصل تكرار وتداخل أصلحناه وما يوافق النسخة ت والطبري.(2/86)
نواحي فارس والبحرين واليمامة ذهب إِلَى الشام والروم، وأعلم أصحابه أنه عزم [1] عَلَى دخول الروم ليبحث عَنْ أسرارهم، فدخل وبلغه أن قيصر أولم وجمع الناس، فانطلق سابور عَلَى هيئة [2] السؤال، حَتَّى شهد ذلك الجمع لينظر إِلَى قيصر، ففطن له وأخذ، وأمر به قيصر فأدرج فِي جلد ثور، ثم سار بجنوده إِلَى أرض فارس، ومعه سابور عَلَى تلك الحالة، فأكثر من القتل وخراب القرى حتى انتهى إلى مدينة جنديسابور، وقد تحصن أهلها، فنصب المجانيق [3] ، وهدم بعضها، فبينما هم كذلك ذات يوم إذ غفل الروم الموكلون بحراسة سابور، وكان بقربه قوم من سبي الأهواز، فأمرهم أن يلقوا عَلَى القد الذي كان عَلَيْهِ زيتا، ففعلوا فلان الجلد، فانسل منه، فلم يزل يدب حَتَّى دنا من باب المدينة، وأخبر حراسها باسمه، فلما دخلها ارتفعت أصوات أهلها بالحمد، فانتبه أصحاب قيصر بأصواتهم، وجمع سابور من كان فِي المدينة وعبأهم، [وخرج] [4] إِلَى الروم سحرا، فقتلهم وخرج وأخذ قيصر أسيرا [5] ، وغنم أمواله ونساءه، وأثقله بالحديد، وأخذه بعمارة ما أخرب، ثم قطع عقبه، وبعث به إِلَى الروم عَلَى حمار.
ثم أقام سابور حينا، ثم غزا الروم، فقتل وسبى، ثم استصلح العرب، وأسكن بعضهم للأهواز وكرمان وبقي فِي مملكته اثنتين وسبعين سنة.
فصل
[6] وَفِي زمن سابور ظهر ماني الزنديق.
قَالَ يحيى بْن بشر بْن عمير النهاوندي: كان ماني أسقفا من أساقفة النصارى، كبيرا فيهم، محمود السيرة عندهم، وكان فِي أيام سابور ذي الأكتاف [ملك فارس] [7]
__________
[1] «عزم» سقطت من ت، والطبري 2/ 60.
[2] في الأصل: «على هذه» .
[3] في الأصل: «المناجنيق» . وفي ت: «المناجيق» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «أسرا» .
[6] بياض في ت مكان «فصل» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/87)
فزنى، فسقطت مرتبته فِي النصرانية، وكان مطارنة زمانه يحسدونه، فلما ظهر منه ما ظهر وجدوا السبيل/ إِلَى ما أرادوا فيه فأسقطوا مرتبته، وكان عالما فيهم بالديانات المتقدمة، عارفا باختلاف الناس فيها، فلما رأى حاله وما آل إليه أمره أخذ فِي الرد عَلَى أصحابه وَقَالَ: إني لم أزن [1] ، ولكن أهل الدير حسدوني وأنكروا مخالفتي فِي أهل دينهم، إذ كانوا يقرون بالمسيح اللاهوتي ويأخذون شرائعهم عَنِ ابْنِ مريم رسول الشيطان [2] . ثم وضع كتبا- إذ كانوا يقرون بالمسيح اللاهوتي [3]- فابتدأ بالطعن عَلَى أصحاب الشرائع، ومال إِلَى شريعة المجوس القائلين بالهين [4] الذين اعتقدوا أن إِبْرَاهِيم وموسى وعيسى كانوا رسل الظلماني، فبني ماني عَلَى أصلهم، وشيد مقالتهم، وَقَالُوا: إنا نرى الأشياء متضادة، والحيوان معادنا [5] ، فلو كانت هَذِهِ الأشياء من فعال حكيم لم تتضاد، فلا بد أن يكون من اثنين متضادين ليس إلا النور والظلمة.
وشرع لأصحابه شرائع بواقعاته الباردة، وعمل لسابور كتابا سماه ب «الشابرمان» [6] شرح فيه مذهبه، فهم سابور بالميل إليه فشق ذلك عَلَى المؤايدة، فقالوا لسابور: إنه يقول إنك شيطان، وإذا شئت فسله عَنْ يدك هَذِهِ من خلق؟ فسأله فَقَالَ: من خلق الشيطان، فشق ذلك عَلَى سابور فَقَالَ: أصلبوه. فصلب فقام عَلَى خشبته فَقَالَ مسبحا مهللا: أنت أيها المعبود النوراني، بلغت ما أمرتني به، وهاك عادتهم فِي، وأنت الحليم، وها أنا مار إليك، وما أذنبت صامتا [ولا] [7] ناطقا، فتباركت أنت وعالموك النورانينون الأزليون، فكان هَذَا آخر قوله وظهر بعده تلميذ له يقال له: كشطا، فقوى مذهبه.
__________
[1] هكذا في ت، والأصل.
[2] في الأصل «رسول السلطان» .
[3] «إذا كانوا يقرون بالمسيح اللاهوتي» سقطت من ت. ومكانها هنا في الأصل غير مناسب.
[4] في الأصل: «بالعين» .
[5] في ت: «متعاديا» .
[6] في الأصل: «بالساريان» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/88)
فصل
[1] وهلك [2] في عهد سابور عامله على ضاحية [3] مضر [و] ربيعة امرؤ القيس بْن عمرو بْن عدي بْن ربيعة بْن نصر، فاستعمل عَلَى عمله ابنه عمرو بْن امرئ القيس [4] .
[فصل] [5]
[فلما هلك سابور] [6] أوصى بالملك [بعده] [7] لأخيه أردشير بْن هرمز بْن نرسي بْن بهرام بْن هرمز بْن سابور بْن أردشير بْن بابك [8] ، فلما استقر له الملك عطف عَلَى العظماء [9] وذوي الرئاسة، فقتل منهم خلقا كثيرا، فخلعه الناس بعد أربع سنين من ملكه.
ثم ملك سابور بْن سابور ذي الأكتاف، فاستبشرت الرعية برجوع ملك أبيه إليه، واستعمل الرفق، وأمر به، وخضع له عمه أردشير المخلوع.
[وهلك فِي أيامه عمرو بْن امرئ القيس الذي ولي لسابور ضاحية مضر وربيعة، فولى سابور مكانه أوس بْن قلام، وهو من العماليق] [10] .
وأن العظماء وأهل البيوتات قطعوا أطناب فسطاط كان ضرب على سابور، فسقط الفسطاط عليه فقتله، وكان ملكه خمس سنين [11] .
__________
[1] «فصل» سقطت من ت ومكانها بياض.
[2] في الأصل، ت: «وهلكت» .
[3] في ت: «على ما ضاحية» .
[4] نقلا عن تاريخ الطبري 2/ 61، 62 باختصار.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[8] «بن هرمز بن زس بْن بهرام بْن هرمز بْن سابور بْن أردشير بن بابك» سقط من ت.
[9] في الأصل: «العلماء» ، وما أثبتناه في ت والطبري 2/ 62.
[10] هذه الفقرة مكررة في الفصل السابق، وليس هذا مكانها، ففي الطبري 2/ 62 جاءت العبارة خالية من هذه الفقرة، ولذلك وضعناها بين معقوفتين.
[11] انظر: تاريخ الطبري 2/ 62 باختصار وتصرف.(2/89)
فصل
[1] ثم ملك بعده أخوه بهرام بْن سابور ذي الأكتاف، وكان يلقب بكرمان شاه، وذلك أن أباه سابور ولاه فِي حياته كرمان، فكتب إِلَى قواده كتابا يحثهم عَلَى الطاعة، وبنى بكرمان مدينة، وكان حسن السياسة [2] ، وَفِي زمانه هلك أوس بْن قلام المتولي عَلَى العرب، وكانت ولاية أوس خمس سنين- ويقال اسمه: ياوس وهو الأصح- فاستخلف بعده امرؤ القيس بْن عمرو بْن امرئ القيس بْن عمرو بْن عدي.
وكان ملك بهرام هَذَا إحدى عشرة سنة، ثم ثار إليه بعض الفتاك فرماه بنشابة فقتله [3]
. فصل
[4] ثم قام بالملك بعده يزدجرد الملقب بالأثيم، فبعضهم يقول: هو ابن المقتول قبله، وبعضهم يَقُولُ: هو أخوه، وكان فظا غليظا مستطيلا على الناس، سيّئ الخلق، يعاقب بما لا يطاق، ويسفك الدماء، فلذلك سمي الأثيم [5] ، لأن ملوك فارس كانوا يستعملون العدل، فأظهر هو الظلم، فجار الناس إِلَى اللَّه تعالى من ظلمه، وابتهلوا إليه يسألون تعجيل الانتقام منه. فبينا هو بجرجان إذ أقبل فرس عائر [6] لم ير مثله فِي الخيل، فوقف عَلَى بابه، فتعجب الناس منه، وأخبر يزدجرد خبره، فأمر به أن يسرج ويلجم، ويدخل عَلَيْهِ، فحاول الناس إلجامه وإسراجه، فلم يمكنه، فأنهي إليه ذلك، فخرج فألجمه بيده وأسرجه، فلم يتحرك/ الفرس، حَتَّى إذا رفع ذنبه ليثفره [7] رمحه عَلَى فؤاده رمحة [8] فهلك منها، وملأ الفرس فروجه جريا فلم يدرك، فقالت الرعية: هَذَا من رأفة اللَّه تعالى بنا، وكان ملكه اثنتين وعشرين سنة، وخمسة أشهر، وستة عشر يوما.
وقيل: إحدى وعشرين سنة، وخمسة أشهر، وثمانية عشر يوما.
__________
[1] «فصل» بياض في ت مكانها.
[2] إلى هنا من الطبري 2/ 62.
[3] الطبري 2/ 63.
[4] «فصل» بياض في ت مكانها.
[5] في الأصل: «الظليم» .
[6] يقال: عار الفرس، إذا ذهب كأنه منفلت من صاحبه.
[7] أثفر الدابة: أي عمل لها ثفرا، والثفر: السير الّذي في مؤخر السرج.
[8] في ت: «إذا رفع ذنبه رمحه الفرس على فؤاده رمحة» .(2/90)
[فصل] [1]
وَفِي زمان يزدجرد هَذَا هلك امرؤ القيس بْن عمرو بْن امرئ القيس، واستخلف مكانه ابنه النعمان بْن امرئ القيس بْن عمرو بْن عدي، وهو صاحب الخورنق.
وكان سبب بناء الخورنق [2] : أن يزدجرد الأثيم كان لا يبقى له ولد [فولد له بهرام] [3] فسأل عن منزل صحيح من الأدواء والأسقام. فدلّ على ظهر [4] الحيرة. فدفع ابنه بهرام جور إِلَى النعمان هَذَا، وأمره ببناء الخورنق مسكنا له، وأنزله إياه، فبعث إِلَى الروم فأتي منها برجل مشهور بعمل الحصون والقصور للملوك يقال له: سنمار، فكان يبني مدة يغيب [5]- يقصد بذَلِكَ أن يطمأن إلينا، فبناه فِي سنتين، فلما فرغ من بنائه صعد النعمان عَلَيْهِ ومعه وزيره وسنمار فرأى البر والبحر، وصيد الظبيان والظباء والحمير، ورأى صيد الحيتان والطير، وسمع غناء الملاحين وأصوات الحدأة، فعجب بذلك إعجابا شديدا، وكان البحر حينئذ يضرب إِلَى النجف، فَقَالَ له سنمار متقربا إليه بالحذق وحسن الصنعة: إني لأعرف من هذا البناء موضع حجر لو زال لزال جميع البنيان. فَقَالَ: لا جرم لا رغبة، ولا يعلم مكان ذلك الحجر أحد. ثم أمر به فرمي من أعلى البنيان فتقطع [6] .
وقيل: إنهم لما تعجبوا من حسنه وإتقان عمله قَالَ سنمار-[وكان قد جاءوا به من الروم لبنائه] [7] : لو علمت أنكم توفونني أجرتي وتصنعون لي ما أنا أهله بنيته بناء يدور مع الشمس حيثما دارت، فَقَالَ [8] : وإنك لتقدر عَلَى أن تبني ما هو أفضل منه ثم لم تبنه! ثم أمر بِهِ فطرح من رأس الخورنق [فمات] [9] فكانت العرب تضرب بذلك مثلا [10] فتقول: [وكان] جزاء سنمار» .
قَالَ سليط بن سعد/ [11] :
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت.
[2] «وكان سبب بناء الخورنق» سقط من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري 1/ 65.
[4] في ت: «قالوا على ظهر ... » .
[5] في الأصل: «بعث» .
[6] «فتقطع» سقطت من ت.
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[8] في ت: «فقالت» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[10] في ت: «فكان ذلك مثلا فيقال: كان جزاء سنمار» .
[11] في الأصل: «سليط بن سعيد» .(2/91)
جزى بنوه أبا الغيلان عَنْ كبر ... وحسن فعل كما يجزى سنمار
وَقَالَ آخر:
جزاني جزاه اللَّه شر جزائه ... جزاء سنمار وما كان ذا ذنب
[1] وكان النعمان هَذَا قد غزا الشام مرارا، وسبى وغنم، وكان أشد الملوك نكاية فِي عدوه، وكان ملك فارس قد جعل معه كتيبتين يقال لإحداهما: دوسر وهي لتنوخ، والأخرى: الشهباء وهي لفارس [2] فكان يغزو بهما بلاد الشام، ومن [3] لم يدن له من العرب.
وإنه جلس يوما فِي مجلسه من الخورنق، فأشرف منه عَلَى النجف وما يليه من البساتين والنخيل والأنهار مما يلي المغرب، وعلى الفرات مما يلي المشرق [4] فِي يوم من أيام الربيع، فأعجب بما رأى من الخضرة والأنهار فَقَالَ لوزيره: هل رأيت مثل هَذَا المنظر قط! فَقَالَ: لا، لو كان يدوم!؟. قَالَ: فما الذي يدوم؟ قَالَ: ما عند اللَّه فِي الآخرة. قَالَ: فبم ينال ذَلِكَ؟ قَالَ: بترك الدنيا وعبادة اللَّه. فترك ملكه من ليلته، ولبس المسوح، وخرج مستخفيا هاربا لا يعلم به أحد، وأصبح الناس لا يعلمون بحاله.
وَفِي ذلك يقول عدي بْن زيد [5] :
وتبين رب الخورنق إذ ... أصبح يوما وللهدى تفكير
سره حاله وكثرة ما يلقاه ... والبحر معرض والسدير
فارعوى قلبه فَقَالَ وما ... غبطة حي إِلَى الممات يصير
[6] وكان ملك النعمان إِلَى أن تركه وساح فِي الأرض تسعا وعشرين سنة وأربعة
__________
[1] البيت من الحيوان 1/ 23، وثمار القلوب 109، والروض الأنف 1/ 67، والطبري 2/ 66.
[2] في ت: «والأخرى الشهباء، فدوسر لتنوخ والشهباء لفارس» .
[3] «من» سقطت من ت.
[4] في الأصل: «ما يلي الغرب وعلى الفرات مما يلي الشرق» .
[5] في الأصل زيادة: «حيث يقول» .
[6] الأبيات في الأغاني 2/ 139، والطبري 2/ 68.(2/92)
أشهر، من ذلك في زمن يزدجرد خمس عشرة سنة، وَفِي زمن بهرام جور بْن يزدجرد أربع عشرة سنة [1] .
فصل
قَالَ مؤلف الكتاب [2] : وبهرام جور هَذَا ملك [3] بعد أبيه يزدجرد، ويقال له:
بهرام جور بْن يزدجرد الخشن [4] / بْن بهرام كرمان شاه بْن سابور ذي الأكتاف.
ولما ولد بهرام هَذَا أمر أبوه المنجمين أن ينظروا فِي النجوم ليعلموا ما يؤول إليه أمره، فنظروا، فأمروا أن تجعل تربيته وحضانته إِلَى العرب، [فدعا بالمنذر بْن النعمان، فاستحضنه بهرام وشرفه وملكه عَلَى العرب] [5] ، وأمر له بصلة وكسوة، وأمره أن يسير بهرام إِلَى بلاد العرب، فسار به المنذر إِلَى محلته، واختار لإرضاعه [6] ثلاث نسوة ذوات أجسام ضخام، وأذهان ذكية، وآداب رضية، من بنات الأشراف، منهن امرأتان من بنات العجم [7] ، وأمر لهن بما يصلحهن، فتداولن إرضاعه [8] ثلاث سنين، وفطم فِي السنة الرابعة، حَتَّى إذا أتت عَلَيْهِ خمس سنين قَالَ للمنذر: أحضرني مؤدبين ذوي علم ليعلموني الكتابة والرمي والفقه. فَقَالَ له المنذر: إنك بعد صغير السن، ولم يأن لك.
فَقَالَ: أنا لعمري صغير، ولكن عقلي عقل محتنك، وأولى ما كلف به الملوك صالح العلم، فعجل علي بما سألتك من المؤدبين.
فوجه المنذر ساعة سمع هَذَا إِلَى باب الملك من أتاه برهط من فقهاء الفرس، ومعلّمي الرّمي والكتابة، وجمع له حكماء ومحدثين من العرب، فألزمهم بهرام، ووقّت
__________
[1] انظر قصة سنمار في تاريخ الطبري 2/ 65- 68. والأغاني 2/ 144- 146.
[2] «فصل قال مؤلف الكتاب» مكانها بياض في ت. انظر ذكر ملك بهرام جور في الطبري 2/ 68 وما بعدها.
[3] في ت: «وبهرام ملك هذا بعد أبيه» .
[4] في ت: «الحسن» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] في ت: «لرضاعه» .
[7] في الطبري 2/ 69: «منهن امرأتان من بنات العرب» .
[8] في ت: «رضاعه» .(2/93)
لكل منهم وقتا يأتيه فيه، فتفرغ لهم [1] بهرام، فبلغ اثنتي عشرة سنة، وقد استفاد كل ما أفيد وحفظه وفاق [معلميه] [2] حَتَّى اعترفوا له بفضله عليهم، فأثاب بهرام المنذر ومعلميه [3] ، وأمرهم بالانصراف عنه، وأمر معلمي الرمي والفروسية بالإقامة عنده، ليأخذ عنهم ما ينبغي له إحكامه، وأمر بهرام النعمان أن يحضروا خيولهم فأحضروها وأخّروها فسبق فرس [4] أشقر للمنذر تلك الخيل [5] جميعا، فقرّبه المنذر إِلَى بهرام، وَقَالَ: يبارك اللَّه لك فيه. فأمر بقبضة، وركبه يوما إِلَى الصيد، فبصر بنعانة [6] ، فرمى وقصد نحوها، فإذا بأسد [قد شد] [7] على عير كان فيها، فتناول ظهره، فرماه بهرام رمية نفذت من بطنه وبطن العير [8] وسرته حَتَّى أفضت إِلَى الأرض/، فأمر بهرام فصور ما جرى له مع الأسد والعير فِي بعض مجالسه.
ثم رحل إِلَى أبيه، وكان أبوه لا يحفل بولد، فاتخذ بهرام للخدمة، فلقي [بهرام] [9] من ذلك عناء.
ثم إن يزدجرد وفد عَلَيْهِ أخ لقيصر، يقال له: ثياذوس، فِي طلب الصلح والهدنة، فسأله بهرام أن يسأل يزدجرد أباه أن يأذن له فِي الانصراف إِلَى المنذر، فأذن له [10] ، فانصرف إِلَى بلاد العرب، وأقبل عَلَى النعم واللذة [11] والتلذذ، فهلك يزدجرد وبهرام غائب، فتعاقد ناس من العظماء وأرباب البيوتات ألا [12] يملكوا أحدا من ذرية يزدجرد لسوء سيرته، وقالوا: إن يزدجرد لم يخلف ولدا يحتمل الملك غير بهرام، ولم يل بهرام ولاية قط يبلى [13] بها خبره، ويعرف بها [حاله] [14] ، ولم يتأدب بأدب العجم، وإنما أدبه
__________
[1] «لهم» سقطت من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من ت والأصل وأثبتناه من الطبري 2/ 70.
[3] في الأصل: «فأثاب المنذر معلمي بهرام» وما أثبتناه من ت، والطبري 2/ 70.
[4] في ت: «فبدر فرس» وكذلك في الطبري 2/ 70.
[5] في الأصل: «تلك الخيول» .
وفي ت: «من تلك الخيل» .
[6] العانة: القطيع من حمر الوحش.
[7] في الأصل، ت: «فإذا أسد» . وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] في الطبري 2/ 71: «فنفذت النشابة من بطنه وظهر العير» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] «فأذن له» سقطت من ت» .
[11] «اللذة» سقطت من ت والطبري 2/ 72.
[12] في ت: «أن يملكوا» . وفي الأصل: «أن لا» .
[13] في الأصل، ت: «يبتلى» وكذلك في إحدى نسخ الطبري.
[14] ما بين المعقوفتين: سقط من ت والأصل وأثبتناه من الطبري 2/ 71.(2/94)
أدب العرب، وخلقه كخلقهم لنشأته بينهم، واجتمعت كلمتهم وكلمة العامة عَلَى صرف الملك عَنْ بهرام إِلَى رجل من عترة أردشير بْن بابك يقال له: كسرى، فلم يعتموا حَتَّى ملكوه [1] ، فانتهى إِلَى بهرام هلاك أبيه يزدجرد وتمليكهم كسرى وهو ببادية العرب فدعا بالمنذر والنعمان ابنه وناس من علية [2] العرب، وَقَالَ لهم: لا أحسبكم تجحدون خصيصي والدي، [كان] [3] أتاكم معشر العرب بإحسانه وإنعامه مع فظاظته [4] وشدته عَلَى الفرس، وأخبرهم بالذي أتاه من نعي أبيه، وتمليك الفرس من ملكوا.
فَقَالَ المنذر: لا يهولنك ذلك حَتَّى ألطف الحيلة فيه. وإن المنذر جهز عشرة آلاف رجل من فرسان العرب، ووجههم مع ابنه إِلَى مدينتين للملك، وأمره أن يعسكر قريبا منهما، ويدمن إرسال طلائعه [5] إليهما، فإن تحرك أحد لقتاله قاتله وأغار عَلَى ما والاهما، وأسر وسبى، ونهى عَنْ سفك دم.
فسار النعمان حَتَّى نزل قريبا من المدينتين، ووجه طلائعه إليهما، واستعظم قتال الفرس، وإن من بالباب [6] من العظماء وأهل البيوتات أرسلوا جواني صاحب رسائل يزدجرد إِلَى المنذر، وكتبوا إليه يعلمونه أمر النعمان، فلما ورد جواني عَلَى المنذر وقرأ الكتاب الَّذِي كتب إليه، قَالَ له: الق الملك بهرام، ووجه معه من يوصله إليه. فدخل جواني على بهرام فراعه ما رأى من وسامته وبهائه، وأغفل السجود دهشا، فعرف بهرام أنه إنما ترك السجود لما راعه من روائه، فكلمه بهرام، ووعده من نفسه أحسن الوعد، ورده إِلَى المنذر، وأرسل إليه أن يجيب فِي الذي كتب، فَقَالَ المنذر لجواني: قد تدبرت الكتاب الذي أتيتني بِهِ، وإنما وجه النعمان إِلَى ناحيتكم الملك بهرام حيث ملكه اللَّه بعد أبيه، وخوله إياكم.
فلما سمع جواني مقالة المنذر، وتذكر ما عاين من رواء بهرام وهيبته عند نفسه، وأنّ جميع من شاور فِي صرف الملك عَنْ بهرام مخصوم محجوج، قَالَ للمنذر: إني لست محيرا جوابا، ولكن سر إن رأيت إِلَى محلة الملوك فيجتمع إليك من بها من
__________
[1] في الطبري 2/ 72: «فلم يقيموا أن ملكوه» .
[2] في الأصل: «غليمه» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «فضاضته» .
[5] في ت: «طوالعه» .
[6] في ت: «من الباب» .(2/95)
العظماء وأهل البيوتات، وتشاوروا فِي ذلك. وأت فيه ما يجمل، فإنهم لن يخالفوك فِي شَيْء مِمَّا تشير به.
فرد المنذر جواني إِلَى من أرسله إليه، واستعد وسار بعد فصول جواني من عنده بيوم ببهرام فِي ثلاثين ألف رجل من فرسان العرب وذوي البأس والنجدة منهم إِلَى مدينتي الملك، حَتَّى إذا وردهما، أمر فجمع الناس، وجلس بهرام عَلَى منبر من ذهب مكلل بجوهر، وجلس المنذر عَنْ يمينه، وتكلم عظماء الفرس وأهل البيوتات، وفرشوا للمنذر بكلامهم فظاظة يزدجرد أبي بهرام كانت، وسوء سيرته، وأنه أخرب بسوء رأيه الأرض، وأكثر القتل ظلما، حَتَّى قتل الناس فِي البلاد التي كان يملكها، وأمورا غير ذلك فظيعة. وذكروا أنهم تعاقدوا وتواثقوا عَلَى صرف الملك عَنْ ولد يزدجرد لذلك، وسألوا المنذر ألا يجبرهم فِي أمر الملك عَلَى ما يكرهونه.
فوعى المنذر ما بثوا من ذلك، وَقَالَ لبهرام: أنت أولى بإجابة القوم مني. فَقَالَ بهرام [1] : وأنا كنت/ أكره فعله، وأرجو أن أملك مكانه فأصلح ما أفسد، فإن أتت لملكي سنة ولم أف لكم تبرأت من الملك طائعا، وقد أشهدت اللَّه بذلك علي وملائكته موبذان موبذ، وأنا مع هذا قد رضيت بتمليككم من يتناول التاج والزينة من بين أسدين ضاريين فهو الملك.
فأجابوا إِلَى ذلك وَقَالُوا: يترك التاج والزينة بين أسدين، وتنازع أنت وكسرى، فأيكما يتناولهما من بينهما سلمنا له الملك.
فرضي بهرام بمقالتهم، فأتى بالتاج والزينة موبذان موبذ، الموكل كان يعقد التّاج على رأس كلّ ملك فوضعهما فِي ناحية، وجاءوا بأسدين ضاريين مشبلين [2] ، فوقف أحدهما عَلَى جانب الموضع الذي وضع فيه التاج والزينة، والآخر بحذائه، فأرخى وثاقهما، ثم قَالَ [بهرام لكسرى [3] : دونك التاج والزينة. فقال] [4] كسرى: أنت أولى
__________
[1] ورد في أصل المخطوط: «وأرسلوا إليه رسولا وقالوا: إنا كنا نكره ولاية يزدجرد لظلمه، فقال: «وما أثبتناه بين معقوفين من تاريخ الطبري 1/ 408 ط. دار الكتب العلمية وذلك لإزالة التشويش والإبهام في النص الأصلي.
[2] في الأصل، «مسبلين» .
[3] في ت: «كسرى» وهي ساقطة من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت والطبري 2/ 74.(2/96)
بتناولهما مني، لأنك تطلب الملك بوراثة، وأنا فيه مغتصب. فلم يكره بهرام قوله بثقته وبطشه، وتوجه نحو التاج والزينة، فَقَالَ موبذان موبذ: هَذَا عَنْ غير رأي أحد، ونحن برآء إِلَى اللَّه عز وجل من إتلافك نفسك. فَقَالَ: أنتم من ذلك برآء. ومشى نحوهما فبدر إليه أحدهما، فوثب وثبة فعلا ظهره، وعصر جنبيه بفخذيه عصرا أثخنه، وجعل يضرب رأسه بشَيْء فِي يده، ثم شد الأسد الآخر عَلَيْهِ فقبض عَلَى أذنيه، وعركهما بكلتا يديه، ولم يزل يضرب رأسه برأس الأسد الذي كان راكبه حَتَّى دمغهما وتناول التاج والزينة، فأذعن الكل له، وَقَالُوا: رضينا بِهِ ملكا. وكان ابن عشرين سنة.
ثم جلس للناس بعد ذلك سبعة أيام متوالية [1] يعدهم بالخير، ويأمرهم بتقوى اللَّه عز وجل وبطاعته.
ثم صار يؤثر اللهو، فكثرت ملامة رعيته له، وطمع من حوله من الملوك فِي استباحة بلاده [2] ، وكان أول من سبق بالمكاثرة [3] له: خاقان ملك الترك، فإنه غزاه فِي مائتين [4] وخمسين ألف [5] من الترك، فلما بلغ الفرس إقبال خاقان هالهم ذلك، فدخل عَلَى بهرام جماعة من الرؤساء فقالوا: / إن فيما قد أزف ما يشغل عَنِ اللهو، فلم يقبل عليهم ولم يترك اللهو.
وإنه تجهز فسار [6] إِلَى أذربيجان لينسك [7] فِي بيت نارها، ويتوجّه منها إلى أرمينية ويطلب الصيد فِي آجامها [8] ويلهو فِي سبعة [9] رهط من العظماء وأهل البيوتات وثلاثمائة رجل من رابطته [10] من [11] ذوي بأس ونجدة، واستخلف أخا له يسمى:
نرسي عَلَى ما كان يدبر من أمر [12] ملكه، فلم يشك الناس حين بلغهم مسير بهرام فيمن
__________
[1] في ت: «متواليات» ، وما أثبتناه من الأصل والطبري 2/ 75.
[2] في ت: «بلده» .
[3] في ت: «بالمكايدة» وما أثبتناه من الأصل، والطبري 2/ 75.
[4] في ت: «مائتي» .
[5] في ت: «ألفا» .
[6] في الأصل: «ثم أنه تجهز فصار» .
[7] في الأصل: «ليتنسك» . وما أثبتناه من ت، والطبري 2/ 75.
وينسك: يتعبد.
[8] في الأصل: «في أكنافها» .
وفي ت: «في اكامها» وما أثبتناه من الطبري 2/ 76.
[9] والآجام: جمع أجمة، وهو الشجر الكثير الملتف.
[10] في ت: «سبع» .
[11] في الأصل: «رباطته» .
[12] «من» سقطت من ت.
«أمر» سقطت من ت، والطبري.(2/97)
سار، واستخلافه أخاه أن ذلك هرب من عدوه، واستلام لملكه [1] ، وتآمروا فِي إنفاذ وفد إِلَى خاقان والإقرار له بالخراج، مخافة أن يستبيح [2] بلادهم، ويصطلم مُقَاتِلتهم [3] ، فبلغ ذلك خاقان، فآمن ناحيتهم، فأتى بهرام عين كان وجهه ليأتيه بخبر خاقان، فأخبره بأمر خاقان وعزمه، فسار إليه بهرام فِي العدة الذين كانوا معه، فبيته [4] ، وقتل خاقان بيده، وأفشى القتل فِي جنده، وانهزم [5] من كان سلم منهم [6] متوجها إِلَى بلاده، وخلفوا عسكرهم وذراريهم [7] ، فأمعن بهرام فِي طلبهم يقتلهم ويحوي ما غنم منهم ويسبي ذراريهم [8] ، وانصرف وجنده [9] سالمين. وظفر [10] بهرام بتاج خاقان وإكليله، وغلب عَلَى بلاده من بلاد [11] الترك، واستعمل عَلَى ما غلب عَلَيْهِ مرزبانا حباه [12] بسرير من فضة، وأتاه أناس [13] من أهل البلاد المتاخمة لما غلب عَلَيْهِ من بلاد الترك خاضعين له بالطاعة، وسألوه أن يعلمهم حد ما بينه وبينهم فلا يتعدوه، فحد لهم حدّا، فبنى [14] لهم منارة، ووجه قائدا من قواده إِلَى [15] ما وراء النهر منهم، فقاتلهم حَتَّى أقروا لبهرام بالعبودية وأداء الجزية.
وأن بهرام انصرف إِلَى أذربيجان، راجعا إِلَى محلته، وأمر بما كان فِي إكليل خاقان من ياقوت أحمر وسائر الجواهر فعلق عَلَى بيت نار أذربيجان، ثم سار وورد مدينة طيسبون [16] ، / فنزل دار المملكة بها، ثم كتب إِلَى جنده وعماله بقتله خاقان، وما كان من أمره. ثم ولى أخاه نرسي خراسان، وأمره أن ينزل بلخ [17] .
وذكر أن بهرام [18] . لما انصرف من غزوه الترك، خطب أهل [19] مملكته أياما
__________
[1] في الأصل: «واستلام لملكه» .
وفي ت: «وإسلام ملكه» .
[2] في الأصل: «يستفتح» .
[3] في الأصل: «مقابلتهم» .
[4] في الأصل: «فكسبه» .
[5] في الأصل: «فانهزم» .
[6] في ت: «سلم منه» .
[7] في الأصل: «ديارهم» .
[8] في الأصل: «ديارهم» .
[9] في ت: «وانصرف جنده» .
[10] في ت: «وظهر» وكذلك وكذلك في إحدى نسخ الطبري.
[11] في الأصل: «وغلب على بلاد من بلاد» .
[12] في ت: «مرزبان أخاه» .
[13] في ت والأصل: «ناس» .
[14] في ت «فبنيت» وفي الطبري 2/ 76:
«وأمر فبنيت» .
[15] في الأصل: «على ما وراء النهر» .
[16] في ت: «طيستون» .
[17] تاريخ الطبري 2/ 76، 77.
[18] بياض في ت مكان: «وذكر أن بهرام» .
[19] في ت: «خطب الناس أهل مملكته» .(2/98)
متوالية، فحثهم عَلَى لزوم الطاعة، وأعلمهم [أن] [1] بنيته التوسعة عليهم، وإيصال الخير إليهم، وأنهم إن زالوا عَنِ الاستقامة نالهم من غلظته أكثر مما كان نالهم من أبيه، وأن أباه كان افتتح أمرهم باللين والمعدلة [2] ، فجحدوا ذلك [أو من جحده منهم] [3] فأصاره [4] ذلك إِلَى الغلظة، ثم رفع عَنِ الناس الخراج ثلاث سنين شكرا لما لقي من النصر عَلَى الأعداء، وقسم فِي الفقراء والمساكين مالا عظيما، وَفِي أهل [5] البيوتات وأصحاب [6] الأحساب عشرين ألف [ألف] [7] درهم.
وقد كان بهرام حين أفضى له الملك أمر أن يرفع عَنْ أهل الخراج البقايا التي بقيت عليهم من الخراج، فأعلم أن ذلك سبعون ألف ألف درهم، فأمر بتركها وترك ثلث خراج [8] السنة التي ولي فيها [9] .
ودخل بهرام أرض الهند [متنكرا] [10] فمكث فيها حينا، فبلغه أن فِي ناحية من أرضهم فيلا قد قطع السبل [11] ، وقتل [12] ناسا كثيرا، فسأل عَنْ مكانه فدل عَلَيْهِ. ليقتله، فانتهى [13] ذلك إِلَى ملكهم، فدعا به، وأرسل معه رسولا يخبره بخبره، فلما انتهى بهرام والرسول إِلَى الأجمة التي فيها الفيل، رقي الرسول إِلَى شجرة لينظر إِلَى صنيع بهرام بالفيل [14] ، [فصاح بهرام بالفيل] [15] فخرج مزبدا، فرماه رمية وقعت بين عينيه، ووقذه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري 2/ 77.
[2] في الأصل: «والعدرة» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت، والطبري 2/ 77.
[4] في ت: «فصار» .
[5] «أهل» ليست في ت ولا في الطبري.
[6] في ت، والطبري 2/ 77: «وذوي الأحساب» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت والطبري.
[8] في ت: «الخراج» .
[9] تاريخ الطبري 2/ 78.
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[11] في الأصل: «السبيل» وما أثبتناه من ت والطبري 2/ 78.
[12] في ت: «ونقل» .
[13] في الأصل: «فأنهي» .
[14] «بالفيل» سقطت من ت.
[15] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت. وفي الطبري 2/ 78: «فصاح به فخرج» .(2/99)
بالنشاب، ثم وثب عَلَيْهِ فأخذ بمشفره، فاجتذبه جذبة حَتَّى جثا [1] الفيل، ثم احتز [2] رأسه وذهب بِهِ. فأخبر الرسول الملك [3] بما جرى، فحباه مالا عظيما، وسأل عَنْ أمره فَقَالَ بهرام: أنا رجل من عظماء الفرس، سخط علي ملك فارس فهربت منه إِلَى جوارك [4] .
ثم إن عدوا لذلك الملك خرج عَلَيْهِ، فعزم الملك عَلَى الخضوع [له] [5] ، فنهاه بهرام، وخرج فقاتله، فانصرف محبورا [6] ، فأنكحه الملك ابنته، ونحله الديبل ومكران وما يليها من أرض السند، وأشهد له شهودا بذلك [7] ، فأمر بتلك البلاد/ فضمت إِلَى أرض [8] العجم، فانصرف بهرام مسرورا [9] .
ومضى بهرام إِلَى بلاد السودان من ناحية اليمن، فأوقع [10] بهم، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وسبى منهم خلقا، ثم انصرف إِلَى مملكته [11] .
فصل
[12] وكان لبهرام ولد قد رسمه للأمر بعده، فرآه ناقص الهمة، فوكل من يؤدبه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن ناصر قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو القاسم التنوخي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عبد الرحيم المازني قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو علي الحسين بْن القاسم الكوكبي قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْن مُحَمَّد أَبُو ناظرة السدوسي قال: حدّثني
__________
[1] «حتى جثا» سقطت من ت، ومكانها: «لها» . فتكون العبارة في ت: «فاجتذبه جذبة لها الفيل» .
[2] في ت: «اجتز» .
[3] في الأصل، ت: «فأخبر الملك رسوله بما جرى» .
[4] تاريخ الطبري 2/ 78، 79.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] في ت: «مجبورا» .
[7] في ت: وأشهد له على ذلك شهود» .
[8] في ت: «إلى الأرض العجم» .
[9] تاريخ الطبري 2/ 79.
[10] في الأصل: «فوقع بهم» .
[11] تاريخ الطبري 2/ 80.
[12] بياض مكان «فصل» في النسخة ت.(2/100)
قبيصة بْن مُحَمَّد المهلبي قَالَ: أخبرني اليمان بْن عمرو- مولى ذي الرئاستين- قَالَ [1] :
كان ذو الرئاستين يبعثني ويبعث [2] أحداثا من أحداثه [3] إِلَى شيخ بخراسان له أدب وحسن معرفة بالأمور، ويقول لنا: تعلموا منه الحكمة، فإنه حكيم، فكنا نأتيه، فإذا انصرفنا من عنده سألنا ذو الرئاستين، فاعترض [4] ما حفظناه فنخبره به [5] ، فصرنا ذات يوم إِلَى الشيخ فَقَالَ لنا: أنتم أدباء، وقد سمعتم الحكمة، ولكم جدات ونعم، فهل فيكم [6] عاشق؟ فقلنا: لا. فَقَالَ: اعشقوا فإن العشق مطلق اللسان العي، ويفتح حيلة البليد والمختل [7] ، ويبعث عَلَى التنظف وتحسين الثياب، وتطييب المطعم، ويدعو إِلَى الحركة والذكاء وشرف الهمة، وإياكم والحرام.
فانصرفنا من عنده إِلَى ذي الرئاستين، فسألنا عما أفدنا يومنا ذلك [8] ، فهبنا أن نخبره، فعزم علينا، فقلنا له إنه أمرنا بكذا وكذا، وَقَالَ لنا كذا وكذا. قَالَ: صدق والله، تعلمون من أين أخذ هَذَا؟ قلنا: لا. قَالَ ذو الرئاستين: إن بهرام جور كان له ابن، وكان قد رسمه للأمر بعده، فنشأ الفتى ناقص الهمة، ساقط المروءة، خامل النفس، سيئ الأدب، فغمه ذلك، فوكل [9] به المؤدبين والحكماء ومن يلازمه ويعلمه، وكان يسألهم عنه فيحكون [10] ما يغمه من سوء فهمه وقلة أدبه، إِلَى أن سأل بعض مؤدبيه يوما فَقَالَ له المؤدب: قد/ كنا نخاف سوء أدبه فحدث من أمره ما صرنا إِلَى اليأس من صلاحه.
__________
[1] حذف السند في ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا محمد بن ناصر بإسناد له إلى اليمان بْن عمرو مولى ذي الرئاستين قَالَ» .
[2] في الأصل: «فبعثه أحداثا» .
[3] في ت: «من أهله» .
[4] في ت: «واعترض» .
[5] «به» سقطت من ت.
[6] في ت: «فهل منكم» .
[7] في ت: «والمخبل» .
[8] في ت: «عما أخذنا ذلك» .
[9] في الأصل: «ووكل به» .
[10] في ت: «وكان إذا سألهم عنه يحكون» .(2/101)
قَالَ: وما ذاك الذي قد حدث؟ قَالَ: رأى ابنة فلان المرزبان فعشقها حَتَّى غلبت عَلَيْهِ، وهو لا يهذي إلا بها، ولا يتشاغل إلا بذكرها فَقَالَ بهرام: الآن رجوت فلانة، ثم دعا بأبي الجارية فَقَالَ: إني مسر إليك سرا فلا يعدونك، فضمن له سره [1] فأعلمه أن ابنه قد عشق ابنته، وأنه يريد أن ينكحها إياه، وأمره أن يأمرها بإطماعه فِي نفسها ومراسلته من غير أن يراها وتقع عيناه عليها، فإذا استحكم طمعه فيها تجنت عَلَيْهِ وهجرته، فإن استعتبها أعلمته أنها لا تصلح إلا لملك، ومن همته همة الملوك [2] ، وأنه يمنعها من مواصلته أنه لا يصلح للملك، ثم ليعلمه خبرها وخبره. ولا يطلعها عَلَى ما أسر إليه.
فقبل أبوها ذلك منه.
ثم قَالَ للمؤدب الموكل بتأديبه: خوفه بي، وشجعه عَلَى مراسلة المرأة. ففعل ذلك، وفعلت المرأة ما أمرها به أبوها، فلما انتهت إِلَى التجني عَلَيْهِ، وعلم الفتى السبب الذي كرهته لأجله [3] ، أخذ فِي الأدب، وطلب الحكمة والعلم والفروسية والرماية، وضرب الصوالجة حَتَّى مهر فِي ذلك، ثم رفع [4] إِلَى أبيه أنه يحتاج من الدواب والآلات والمطاعم [5] والملابس والندماء إلى فوق ما يقدر.
فسر الملك بذلك [وأمر له به] [6] فدعا مؤدبه فَقَالَ: إن الموضع الّذي وضع به ابني نفسه من حب هَذِهِ المرأة لا يزرى به، فتقدم إليه أن يرفع إلي أمرها، ويسألني أن أزوجه إياها. ففعل، فرفع الفتى ذلك إِلَى أبيه، فدعا بأبيها فزوجها إياه، وأمر بتعجيلها، وَقَالَ: إذا اجتمعت أنت [7] وهي فلا تحدث شيئا حَتَّى أصير إليك. فلما اجتمعا صار إليه فَقَالَ: يا بني، لا يضعن منها عندك مراسلتها إياك، وليست فِي حبالك، فإني أنا أمرتها بذلك، وهي أعظم الناس منة عليك بما دعتك إليه من طلب الحكمة والتخلّق بأخلاق
__________
[1] في ت: «فضمن له ستره» .
[2] في ت: «من همته همة ملك» .
[3] «لأجله» سقطت من ت.
[4] في ت: «ورفع» .
[5] «والمطاعم» سقطت من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] «أنت» سقطت من ت.(2/102)
الملوك حَتَّى [1] بلغت الحد الذي تصلح معه للملك من بعدي، فزدها من التشريف والإكرام بقدر ما يستحق منك. ففعل الفتى ذلك، / وعاش مسرورا بالجارية، وعاش أبوه مسرورا به، وأحسن ثواب أبيها، فرفع [2] مرتبته وشرفه بصيانته سره وطاعته إياه، وأحسن جائزة المؤدب بامتثاله ما أمره به، وعقد لابنه عَلَى الملك بعده.
قَالَ اليمان مولى ذي الرئاستين: ثم قَالَ لنا ذو الرئاستين: سلوا الشيخ الآن لم حملكم على العشق. فسألنا فحَدَّثَنَا بحديث بهرام جور وابنه
. فصل
[3] قَالَ مؤلف الكتاب [4] : ثم إن بهرام فِي آخر ملكه ركب للصيد، فشد عَلَى عير وأمعن [5] فِي طلبه، فارتطم [6] فِي جب، فغرق، فبلغ والدته فسارت إِلَى ذلك الجب بأموال عظيمة [7] ، وأقامت قريبة منه، [وأمرت بإنفاق تلك الأموال عَلَى من يخرجه منه] [8] فنقلوا من الجب طينا كثيرا وحمأة حَتَّى جمعوا من ذلك آكاما عظاما، ولم يقدروا عَلَى جثة بهرام [9] .
واختلفوا فِي ملكه، فَقَالَ قوم: [كان ملكه] [10] ثماني عشرة سنة، وعشرة أشهر وعشرين يوما. وَقَالَ آخرون: [كان ملكه] ثلاثا وعشرين سنة، وعشرة أشهر، وعشرين يوما [11] .
__________
[1] «حتى» سقطت من ت.
[2] في ت: «ورفع» .
[3] في الأصل: «لابنه» .
[4] «فصل. قال مؤلف الكتاب» بياض مكان هذه العبارة في ت.
[5] في ت: «فأمعن» .
[6] في الأصل: «فارطم» .
[7] في ت: «بالأموال العظيمة» .
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[9] تاريخ الطبري 2/ 77.
[10] ما بين المعقوفتين: من الطبري فقط، وكذلك في الموضع التالي.
[11] تاريخ الطبري 2/ 80، 81.(2/103)
فصل
ثم قَالَ بالملك بعده ابنه يزدجرد بْن بهرام جور فلما عقد التاج عَلَى رأسه دخل عَلَيْهِ العظماء والأشراف، فدعوا له وهنئوه بالملك، فرد عليهم ردا حسنا، وذكر [1] أباه ومناقبه، وأنه سار فيهم بأحسن السيرة، فلم يزل رءوفا برعيته، محسنا إليهم، قامعا لعدوه [2] .
وكان له ابنان، يقال لأحدهما: هرمز، وكان ملكا عَلَى سجستان، والآخر يقال له: فيروز، فغلب هرمز عَلَى الملك من بعد هلاك أبيه يزدجرد، فهرب فيروز منه ولحق ببلاد الهياطلة [3] ، وأخبر ملكها بقصته وقصة أخيه هرمز، وأنه أولى الناس منه، وسأله أن يمده بجيش يقاتل لهم [4] هرمز، فأبى، إِلَى أن أخبر أن هرمز ظلوم جائر، فَقَالَ: إن الجور لا يرضاه الله. فأمدّ فيروز بجيش [5] ، فأقبل بهم، وقاتل هرمز أخاه، فقتله وشتت جمعه وغلب عَلَى الملك [6] .
وكان ملك يزدجرد ثماني عشرة سنة وأربعة أشهر [7] . وقيل: / سبع عشرة سنة [8]
. فصل
[9] ثم ملك فيروز بْن يزدجرد بْن بهرام جور بعد أن قتل أخاه.
وقيل: بل حبسه لما ظفر به [10] ، وأظهر العدل، وقسم الأموال فِي زمان قحط نزل
__________
[1] في الأصل: «وذكروا» .
[2] الطبري 2/ 81.
[3] في الأصل: «العياكلة» وما أثبتناه من ت والطبري 2/ 81.
[4] في الأصل: «يقاتل به» .
[5] في الأصل: «فأمر لفيروز: بجيش» وما أثبتناه من ت والطبري.
[6] تاريخ الطبري 2/ 81.
[7] «وأربعة أشهر» سقطت من ت.
[8] تاريخ الطبري 2/ 82.
[9] بياض في ت مكان: «فصل» .
[10] «لما ظفر به» سقطت من ت.(2/104)
بهم، ثم قاتل الهياطلة الذين كانوا أعانوه عَلَى قتال أخيه فقتلوه فِي المعركة [1] .
وقيل: سقط فِي خندق فهلك، وكان ملكه ستا وعشرين سنة، وقيل: إحدى وعشرين [سنة] [2]
. فصل
ثم ملك بعده ابنه بلاش بْن فيروز، وكان قباذ قد نازعه الملك، فغلب بلاش وهرب قباذ إِلَى ملك الترك، فلم يزل بلاش [3] حسن السيرة فبلغ من مراعاته للرعية أنه كان [4] لا يبلغه أن بيتا خرب وجلا أهله [عنه] [5] إلا عاقب صاحب القرية التي فيها [6] ذلك البيت عَلَى تركه إنعاشهم حَتَّى اضطروا إِلَى ذلك الجلاء. وبنى بالسواد مدينة اسمها [اليوم] [7] : ساباط، وهي قريبة من المدائن. وكان ملكه أربع سنين [8]
. فصل
ثم ملك بعده أخوه قباذ بْن فيروز، وكان قباذ لما هرب إِلَى ملك الترك من أخيه بلاش ومعه جماعة يسيرة فيهم زرمهر [فتاقت نفسه إِلَى الجماع، فشكا ذلك إِلَى زرمهر] [9] وسأله أن يلتمس له امرأة ذات حسب [10] فمضى إلى امرأة [صاحب منزله،
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 82- 88 باختصار شديد.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل. وانظر الطبري 2/ 88.
[3] «وهرب قباذ إِلَى ملك الترك، فلم يزل بلاش» سقط من ت.
[4] في الأصل: «أن كان» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت والطبري 2/ 90.
[6] في ت: «الّذي فيها» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[8] تاريخ الطبري 2/ 90.
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت، والطبري 2/ 91.
[10] في الأصل: «ذات حسن» .(2/105)
وكان] [1] رجلا من الأساورة، وكانت له بنت فائقة [فِي] [2] الجمال، فتنصح لها فِي ابنتها، [3] وأشار عليها [4] أن تبعث بها إِلَى قباذ، فأعلمت زوجها، فلم يزل زرمهر يرغب المرأة وزوجها، ويشير عليهما، حَتَّى قفلا، وصارت البنت إِلَى قباذ، واسمها:
نيوندخت، فغشيها قباذ فِي تلك الليلة، فحملت بأنوشروان، فأمر لها بجائزة، وأحبها حبا شديدا [5] .
ثم إن ملك الترك وجه معه جيشا، فانصرف وسأل عَنِ الجارية فقيل: وضعت غلاما، فأمر بحملها إليه، فأتت بأنوشروان تقوده إليه، فأخبرته أنه ابنه، فإذا هو قد نزع إليه فِي صورته [6] .
وورد الخبر عَلَيْهِ [7] بهلاك/ بلاش، فتيمن بالمولود، وأمر بحمله، وحمل أمه، فلما صارا إِلَى المدائن، واستوثق له أمره بني مدينة الرجان [8] ، ومدينة حلوان، ومدائن كثيرة [9] .
ولما مضى من ملكه عشر سنين أرادوا إزالته عَنْ ملكه لاتباعه لرجل يقال له:
مزدك بن ماردا [10] .
__________
[1] في ت: «فمضى إلى رجل من الأساورة» .
وفي الأصل: «فمضى إلى امرأة رجل من الأساورة» .
وما زدناه من الطبري 2/ 91. لعدم اتساق المعنى بدونه.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] في ت: «فتوصل إلى امرأته وتنصح في اسمها» .
[4] في الأصل: «وأشار لها منها» .
[5] تاريخ الطبري 2/ 91.
[6] تاريخ الطبري 2/ 91 بتصرف،
[7] في الأصل: «وورد الخبر إليه» .
[8] في ت: «أرجان» .
[9] تاريخ الطبري 2/ 92.
[10] «بن ماردا» سقطت من ت.(2/106)
فصل
[1] وكان مزدك [2] رجلا يدعو الناس إِلَى ملة زراذشت الذي ذكره تقدم [3] ، ودعواه نبوة المجوس، وكان مزدك يلبس الصوف ويتزهد، ويكثر الصلاة تقربا إِلَى العوام، وكان هو وأصحابه يزعمون أنه من كان عنده فضل من الأموال والأمتعة والنساء فليس هو بأولى به من غيره [4] ، وحث الناس عَلَى التأسي به فِي أموالهم وأهلهم [5] ، وزعم أنه من البر [6] الذي يرضاه الله ويثيب عَلَيْهِ، فاغتنم السفلة ذلك وتابعوا مزدكا وأصحابه، فتم للعاهر قضاء نهمته بالوصول [7] إِلَى الكرائم، فابتلي الناس بهم، وقوي أمرهم، حَتَّى كانوا يدخلون عَلَى الرجل داره فيغلبون عَلَى أمواله وأهله، وحملوا قباذ عَلَى تزيين ذلك، وَقَالُوا له [8] : إنك قد أثمت فيما مضى، وليس يطهرك من هَذَا [9] إلا إباحة نسائك، وأرادوه [على] [10] أن يدفع نفسه إليهم فيذبحوه ويجعلوه قربانا للنار، وكان قباذ من خيار ملوكهم حَتَّى حمله مزدك [11] عَلَى ما حمله، فانتشرت الأطراف، وفسدت الثغور [12] .
وكانت أم أنوشروان يوما بين يدي قباذ، فدخل عَلَيْهِ مزدك، فلما رآها قَالَ لقباذ:
ادفعها إليَّ لأقضي حاجتي منها. فقال: دونكها. فوثب أنوشروان، فجعل يسأله ويضرع إليه أن يهب له أمه إِلَى أن قبل رجله، فتركها، فبقي ذلك في نفس
__________
[1] بياض في ت مكان: «فصل» .
[2] في ت: «كان مزدك» .
[3] في ت: «الّذي قد تقدم ذكره» .
[4] في ت: « ... والأمتعة والنساء فهو لغيره» .
[5] في ت: «على التأسي في ذلك، ويزعم» .
[6] «البر» سقطت من ت.
[7] في الأصل: «في الوصول» .
[8] «له» سقطت من ت.
[9] في ت: «من ذلك» ، وكذا في الطبري 2/ 93.
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[11] «حتى حمله مزدك» مكررة في ت.
[12] تاريخ الطبري 2/ 93.(2/107)
أنوشروان [1] ، فلما رأى زرمهر ذلك [2] خرج بمن يتابعه [3] من الأشراف، فقتل من المزدكية ناسا كثيرا، ثُمَّ حرشت المزدكية قباذا عَلَى زرمهر فقتله، وغزا قباذ الروم، وبنى آمد، وملك قباذ ابنه كسرى، وكتب إليه [4] بذلك كتابا وختمه، وهلك بعد أن ملك ثلاثا وأربعين سنة [5]
. فصل
[6] ثم ملك ابنه كسرى أنوشروان بْن قباذ بْن فيروز بْن يزدجرد بْن بهرام جور [7] .
وولد أنوشروان باسعراس، وهي من كور نيسابور [8] .
فاستقبل الملك بجد وسياسة وحزم، ونظر فِي سيرة أردشير، فأخذ نفسه بذلك، وبحث في سياسات الأمم فاختار ما رضيه، وفرق رئاسة البلاد بين جماعة، وقوى المُقَاتِلة بالأسلحة والكراع، وارتجع بلادا كانت فِي [مملكة الفرس بلغه أن طائفة من العرب أغارت عَلَى بعض حدود] [9] السواد من ملكه، فأمر بحفر النهر المسمى بالحاجز، وإعادة المناظر والمسالح، على ما ذكرنا فِي أخبار ذي الأكتاف، وعرف الناس منه رأيا وحزما [10] وعلما وعقلا وبأسا مع رأفة ورحمة [11] .
فلما عقد التاج عَلَى رأسه دخل عَلَيْهِ العظماء والأشراف، فدعوا له، فقام خطيبا،
__________
[1] الكامل 1/ 336.
[2] في ت: «فلما رأى ذلك زرمهر» .
[3] في ت: «بمن تابعه» .
[4] «إليه» سقطت من ت.
[5] تاريخ الطبري 2/ 94.
[6] بياض في ت مكان «فصل» .
[7] في ت. زيادة: «بن يزدجرد» .
[8] «وولد أنوشروان باسعراس وهي من كور نيسابور» سقطت من ت.
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] «وحزما» سقط من ت.
[11] في ت: «ورحمة ورأفة» .(2/108)
فبدأ بذكر نعمة اللَّه عَلَى خلقه [عند خلقه] [1] إياهم، وتوكله [2] بتدبير أمورهم، وتقدير أقواتهم ومعايشهم، ثم أعلم الناس بما ابتلوا به من ضياع أمورهم، وإمحاء دينهم، وفساد حالهم فِي أولادهم ومعايشهم، وأعلمهم أنه ناظر فيما يصلح ذلك ويحسمه.
[ثم أمر] [3] برءوس المزدكية فضربت أعناقهم، وإبطال ملة زرادشت التي كان ابتدعها فِي المجوسية فِي زمان بشتاسب، وقد سبق ذكر ذلك كله [4] ، وكان ممن دعا الناس [5] إليها مزدك [6] .
ولما ولي أنوشروان دخل عَلَيْهِ مزدك [7] والمنذر بْن ماء السماء فقال أنوشروان:
قد كنت أتمنى أن أملك فأستعمل هَذَا الرجل الشريف، وأتمنى أن أقتل هَؤُلاءِ الزنادقة، فَقَالَ مزدك: أو تستطيع أن تقتل الناس جميعا؟ فقال: وإنك هاهنا يا ابن الزانية، والله ما ذهب نتن ريح جوربك من أنفي منذ [8] قبلت رجلك إِلَى يومي هَذَا. وأمر بقتله وصلبه [9] .
وقتل من الزنادقة ما بين جازر إِلَى النهروان وإلى المدائن فِي ضحوة واحدة مائة ألف زنديق وصلبهم [10] ، وقسمت أموالهم فِي أهل الحاجة. وقتل جماعة ممن دخل عَلَى الناس فِي أموالهم، ورد الأموال إِلَى أهلها، وأمر بكل مولود اختلف فيه/ عنده أن يلحق بمن هو [11] منهم، إذا لم يعرف أبوه، وأن يعطى نصيبا من مال الرجل الّذي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في ت: «وتوكلهم» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في ت: «وقد سبق بيانه ذلك، وكان» .
[5] «الناس» سقطت من ت.
[6] انظر الطبري 2/ 101.
[7] «ولما ولي أنوشروان دخل عليه مزدك» سقطت من ت.
[8] في الأصل: «منذ يوم قبلت» .
[9] في ت: «وأمر بقتله فقتل وصلب» وانظر الخبر في الكامل 1/ 336.
[10] الكامل 1/ 337.
[11] في الأصل: «من هوى» .(2/109)
يسند [1] إليه إذا قبله الرجل، وبكل [2] امرأة غلبت عَلَى نفسها أن يؤخذ الغالب لها حَتَّى يغرم لَهَا مهرها، ثم تخير المرأة بين الإقامة عنده، وبين التزويج بغيره [3] ، إلا أن يكون لها زوج أول فترد إليه، وأمر بكل من كان أضر برجل فِي ماله أو ركب مظلمة [4] أن يؤخذ منه الحق، ثم يعاقب، وأمر بعيال ذوي الأحساب الذين مات قيمهم [5] فكتبوا له، فأنكح بناتهم الأكفاء، وجعل جهازهم من بيت المال، وأنكح نساءهم [6] من بيوتات الأشراف وأغناهم [7] ، وخير نساء والده أن يقمن مع نسائه فيواسين، أو يبتغي [8] لهن أكفاءهن من البعولة، وأمر بكري [9] الأنهار وحفر القني، وإسلاف [10] أصحاب العمارات وتقويتهم، وبإعادة كل جسر قطع، أو قنطرة كسرت، أو قرية خربت أن يرد ذلك إِلَى أحسن ما كان عَلَيْهِ من الصلاح، وتفقد الأساورة فقواهم بالدواب والعدة، ووكل ببيوت النيران، وبنى فِي الطرق القصور والحصون، وتخير الحكام والعمال، وتقدم إِلَى من ولي منهم أبلغ تقدم، وبعث رجلا من الحكماء إِلَى الهند فاستنسخ له [11] كتاب «كليلة ودمنة» طلبا لما فيه من الحكمة، فلما استوثق له الملك ودانت [12] لَهُ البلاد سار نحو أنطاكية بعد سنتين [13] من ملكه، وكان فيها عظماء جنود قيصر، فافتتحها، ثُمَّ أمر أن تصور له مدينة أنطاكية عَلَى ذرعها وعدد منازلها وطرقها، وجميع ما فيها وأن يبتنى [14] له على صورتها مدينة إلى
__________
[1] في الأصل: «يستند» .
[2] في الأصل: «وكل» .
[3] في الأصل: «لغيره» .
[4] في ت: «أو ركب مطية له» .
[5] في ت: «مات فيهم وكتبوا» .
[6] في الطبري: «وانكح شبانهم» وفي ت: «وخير نساؤهم» .
[7] في ت: «وأغنيائهم» .
[8] في الأصل: «أو يتغشّى» .
[9] في الأصل: «وأمر بجري» .
[10] إسلاف: أي إقراض.
[11] «له» سقطت من ت.
[12] في الأصل: «فدانت» .
[13] في الطبري 2/ 102: «بعد سنين» .
[14] في ت: «وأن يبنى» .(2/110)
جنب المدائن، فبنيت المدينة المعروفة برومية عَلَى صورة أنطاكية، ثم حمل أهل أنطاكية حتى أسكنهم إياها.
فلما دخلوا باب المدينة مضى أهل كل بيت منهم إِلَى ما يشبه [1] منازلهم التي كانوا [فيها] [2] بأنطاكية، كأنهم لم يخرجوا عنها.
ثم/ قصد مدينة هرقل فافتتحها، ثم الإسكندرية وما دونها، وخلف طائفة من جنوده بأرض الروم، بعد أن أذعن له قيصر، وحمل إليه الفدية [3] ، ثم انصرف من الروم فأخذ نحو الخزر، فأدرك منهم ما كانوا وتروه فِي رعيته، ثم انصرف نحو عدن [4] فقتل عظماء تلك البلاد، ثم انصرف إِلَى المدائن، وملك المنذر بْن النعمان عَلَى العرب وأكرمه، ثم سار إِلَى الهياطلة [5] مطالبا لهم [بوتر] [6] جده فيروز فِي القديم، وبنى الإيوان الموجود اليوم [7] .
فصل [8] فِي سبب بناء الإيوان
قال [8] : وبينا كسرى أنوشروان [9] جالسا فِي إيوانه [10] القديم البناء إذ [11] وقعت عيناه [12] عَلَى وردة، فَقَالَ لغلام [13] كان عَلَى رأسه: هات تلك الوردة. فمضى الغلام فلم
__________
[1] في الأصل: «أهل كل بيت منهم إلى شبه منازلهم» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] في ت: والأصل: «الهدايا» .
[4] في ت: «نحو عدد» .
[5] في الأصل: «الهياكلة» .
[6] ما بين المعقوفتين: أثبتناه من الطبري 2/ 103. وفي ت العبارة هكذا: «مطالبا لهم بجده فيروز وعمر البلاد وعول وفتح اسكندرية. وبينا هو جالس من الإيوان ... » .
[7] انظر هذا الفصل في تاريخ الطبري 2/ 101- 103. والكامل 1/ 336- 338.
[8] بياض في ت مكان: «فصل. في سبب بناء الإيوان قال:» .
[9] في ت: «وبينا هو جالسا» .
[10] في ت: «في الإيوان» .
[11] «إذا» سقطت من ت.
[12] في الأصل «عينيه» وهو خطأ لغويّ.
[13] في ت: «فقال الغلام» .(2/111)
يرها فعاد، فَقَالَ: لم أرها. فَقَالَ: ويحك، هي تلك. وأشار إليها فأبصرها الغلام فِي حضرته، فلما انتهى إليها [1] لم يرها. فقام أنوشروان بنفسه، ومشى إِلَى البستان، فحين مد يده ليقطعها [2] وقع الإيوان، فنظر إِلَى شَيْء من لطف اللَّه عز وجل فعجب وسر [3] سرورا شديدا، وتصدق بمال جزيل [4] ، ثم أعاد بناء الإيوان أفضل من بنائه الأول، وهذا هو الإيوان الموجود اليوم.
فلما فرغ منه رفع رأسه يوما [5] فرأى حمامة وحشية فوق المشرف، وإذا حية عظيمة قد دنت إلى [6] الحمامة لتثب عليها وتبتلعها، فرمى الحية بقوس البندق، فسقطت إِلَى الأرض وطارت الحمامة سليمة، فسر بإحسانه إِلَى الحمام [7] ، ثم جاءت الحمامة بعد خمسة أيام فقعدت على تلك الشرفة، فلما رآها أنوشروان أخذت ترمي حبا لا يدرون ما هو، فأخذه فزرعه في بستان داره فنبت نباتا طيب [8] الريح، فَقَالَ: نعم ما كافأتنا الحمامة به حين نجيناها من الهلاك فبحق قيل: لن يضيع المعروف، وأنا أسأل [اللَّه] الذي ألهم هَذَا الطائر من شكرنا [ما ألهمه] [9] أن يلهم رعيتنا فِي ذبنا عنهم، وإخراجنا إياهم من الهلكة فِي دينهم ودنياهم إِلَى الهدى لشكرنا، / وأن يلهمنا نحن الصبر عَلَى الإحسان [10] إليهم.
ولم يزل مظفرا منصورا يهابه الأمم [11] ، يحضر بابه من وفدهم عدد كبير [12] من
__________
[1] في ت: «فلما انتهى إلى موضعها لم يرها» .
[2] في الأصل: «ليقتطعها» .
[3] في ت: «لطف الله تعالى وعجيب فسر» .
[4] في ت: «بمال جليل» .
[5] في ت: «رفع يوما رأسه» .
[6] «إلى» سقطت من ت.
[7] في الأصل: «الحمام» .
[8] في ت: «فنبت ريحان طيب الريح» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] في ت: «في الإحسان» .
[11] في ت: «يرى الأمم» .
[12] «من وفدهم عدد كبير» سقطت من ت.(2/112)
الترك والصين والخزر، وكان مكرما للعلماء، وملك ثمانيا وأربعين سنة. وقيل: سبعا وأربعين سنة [1] ، وثمانية أشهر وعشرة أيام.
ذكر طرف من أخباره
[2] إنه كان مكتوبا عَلَى سرير كسرى: الدين لا يتم إلا بالملك، والملك لا يتم إلا بالرجال، والرجال لا يتمون إلا بالمال، والمال لا يجيء إلا بعمارة الأرض، والعمارة لا تتم إلا بالعدل.
وكان عَلَى جانبه مكتوب: عدل السلطان أنفع [للرعية] [3] من خصيب الزمان.
ورفع إِلَى كسرى أن عامل الخراج بالأهواز قد جنى فضل ثمانية آلاف درهم عَلَى ما يجب من الخراج، فوقع برد المال وَقَالَ: إن الملك إذا عمر [4] بيوت أمواله بما يأخذ من الرعية كَانَ كمن عمر [5] سطح داره بما يقلعه من قواعد بنائه [6] .
ومات لكسرى ولد فلم يجزع عَلَيْهِ، فقيل له فِي ذلك فَقَالَ: من أعظم الجهل شغل القلب [7] بما لا مرد له.
وكان يقول: الغم مدهشة للعقل، مدهشة للطبع، مقطعة للحيلة، فإذا ورد [8] عَلَى العاقل ما يحتاج فيه إِلَى الحيلة قمع الحزن، وفرغ العقل للحيلة.
وَقَالَ: القليل مع قلة الهم أهنأ من الكثير مع عدم الدعة.
وَقَالَ: لما فرغت من [إصلاح] [9] الأمور الخاصة والعامة إِلَى قبول ما لا خير فيه
__________
[1] «وقيل سبعا وأربعين سنة» سقطت من ت.
[2] بياض في ت مكان: «ذكر طرف من أخباره. أنه» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في ت: «إذا عمدد» .
[5] في ت: «كمن طين» .
[6] في ت: «قواعد بيته» .
[7] في ت: «شغل الفكر» .
[8] في الأصل: «فإذا رد» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/113)
إلَّا بالأكثر [1] ، لكنني آثرت طاعة اللَّه. ونظرنا فِي سير الروم والهند، فاصطفينا محمودها، ومن أعظم الضرر [2] عَلَى الملوك الأنفة مع العلم.
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا جعفر بْن أَحْمَد السراج قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد العزيز بن الحسين الضراب قَالَ: حَدَّثَنَا أبي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مروان قَالَ:
أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن يونس قَالَ: أَخْبَرَنَا الرقاشي عَنِ الأصمعي قَالَ [3] :
كان لكسرى جامان من ذهب يأكل/ فيهما [4] ، فسرق رجل من أصحابه جاما وكسرى ينظر إليه، فلما رفعت الموائد افتقد الطباخ الجام ورجع يطلبه، فَقَالَ له كسرى:
لا تعن، قد أخذه من لا يرده، ورآه من لا يفشي عَلَيْهِ. فدخل الرجل إليه بعد ذلك وقد حلي سيفه ومنطقته ذهبا فَقَالَ له كسرى بالفارسية: يا فلان بعني السيف والمنطقة [من ذاك] [5] قَالَ: نعم. ولم يفطن بذلك أحد غيرهما وسكت.
وَرَوَى إِبْرَاهِيم بْن عبد الصمد قَالَ: لما عمل كسرى القاطول أضر ذلك بأهل الأسافل، فانقطع عنهم الماء حَتَّى افتقروا وذهبت أموالهم، فخرج أهل ذلك البلد إِلَى كسرى يتظلمون، فوافوه [6] وقد خرج، فتعرضوا له وَقَالُوا: جئنا متظلمين. فَقَالَ:
ممن؟ قالوا: منك. فثنى رجله ونزل عَنْ دابته وجلس عَلَى الأرض، فأتاه بعض من معه بشَيْء يقعد عَلَيْهِ فأبى، وَقَالَ: لا أجلس إلا عَلَى الأرض إذا أتاني [7] قوم يتظلمون مني، ثم قَالَ: ما مظلمتكم؟ قالوا: [أحدثت] [8] القاطول فقطع عنا شربنا، وذهبت معايشنا. قَالَ: فإني آمر بسده. قالوا: لا يحسمك هَذَا، ولكن مر من يعمل لنا مجرى ماء من فوق القاطول، ففعل فعمرت [9] بلادهم.
__________
[1] في الأصل: «ما لا خير فيه حب إلا بالكنى» .
[2] في الأصل: «أعظم الضر» .
[3] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أَنْبَأَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك بإسناد له عن الأصمعي قال:» .
[4] في ت: «يأكل فيها» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «فوافقوه» .
[7] في ت: «إذ أتاني» .
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[9] في الأصل: «فغمرت» .(2/114)
وكان كسرى يقول: قد خفت أن [1] يحجب عني المظلوم. فعلق عَلَى أقرب البيوت من مجلسه سترا وعلق عَلَيْهِ الأجراس، ونادى مناديه: من ظلم فليحرك هَذَا الستر.
ومن الحوادث فِي زمانه:
أنه رفع إليه [2] صاحب الخبر بنياسبور أنه [قد] [3] ظهر رجل لا يغادر صورته شيء من [4] صورة الملك، وأن اسمه أنوشروان، وأنه حائك، وأنه ولد فِي ساعة كذا وكذا من يوم كذا وكذا من سنة كذا وكذا [5] ، فنظر أنوشروان فوجد مولده لا يغادر شيئا من مولده، فوجه رجلين من أهل الدين والأمانة إِلَى نيسابور ليكتبا إليه بخبر الرجل، فلم يلبث أن جاءه كتاب الأمينين [6] بصدق ما كتب صاحب الخبر، وزادا: أنا سألنا [7] عَنْ مذهب هذا الإنسان، فأخبرونا/ ثقات جيرانه ومعامليه أنه من الصحة [8] فِي المعاملة وصدق اللهجة [والستر] [9] السداد بحيث لا يعرفون من يقاربه في أهل صناعته.
فتعجب أنوشروان فكتب إِلَى العامل أن يدفع [10] إِلَى هَذَا الرجل عشرة آلاف درهم، وأن يجري له [ذلك] [11] فِي كل سنة، وأن يخير إن أحب [12] أن لا يحوك، ويجري عَلَيْهِ زيادة من المال ما يكون وراء كفايته. فأحضره عامل نيسابور وأقبضه المال، ورفع
__________
[1] في ت: «بأن» .
[2] «إليه» . سقطت من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] «شيئا من» سقط من ت.
[5] في ت: «في ساعة كذا من يوم كذا من سنة كذا» .
[6] في ت: «الاثنين» .
[7] في ت: «أنا سألنا» .
[8] في ت: أنا نجده في الصحة» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] «أن يدفع» سقط من ت.
[11] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[12] «إن أحب» . سقط من ت.(2/115)
مجلسه وقال: إن الملك أنوشروان يخيرك أن تدع هَذِهِ الصناعة ويزيدك ما يرضيك، فما الّذي تراه، فجرى الملك خيرا، فَقَالَ: ما أحب أن يكون مكافأتي [1] للملك عَلَى إغنائه إياي نقض شَيْء من سنته، متكلا عَلَى مال الملك [2] ، ولولا أن برك [3] اسمي فِي مضاهاة اسم الملك قد ظهر علي لاستبدلت به، تنزيها لجلالة اسم الملك أن يكون مثلي سميه. فكتب بخبره إلى أنوشروان، فأمر الملك أن يجعل أنوشروان الحائك عريف الحاكة ورئيسهم، فأفاد مالا جليلا، ولم يدع صناعته. ومات فِي السنة التي مات فيها أنوشروان الملك [4] .
ومن الحوادث: أن كسرى [أنوشروان] [5] خرج يتصيد.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا محفوظ بْن أحمد قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الحسين الخالدي قَالَ: حَدَّثَنَا المعافى بْن زكريّا قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ كامل قَالَ:
حدثني مُحَمَّد بْن مُوسَى بْن حَمَّادُ القيسي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي السري قَالَ:
أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أبيه قَالَ: [6] .
خرج كسرى فِي بعض [7] أيامه للصيد ومعه أصحابه [8] ، فعن له صيد فتبعه حَتَّى انقطع عَنْ أصحابه وأظلته [9] سحابة فأمطرت مطرا [شديدا] [10] حال بينه وبين أصحابه، فمضى لا يدري أين يقصد، فرفع له كوخ فقصده، فإذا عجوز [11] بباب الكوخ جالسة
__________
[1] في الأصل: «مخافاتي» .
[2] في ت: «الملوك» .
[3] «برك» سقط من ت.
[4] «الملك» سقط من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا ابن ناضر، بإسناد له عن مُحَمَّد بْن السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ» :
[7] «بعض» سقطت من ت.
[8] في ت: «أصحاب له» .
[9] في ت: «أضلته» .
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[11] في ت: «كوخ عجوز فقصده، فإذا هي» .(2/116)
فَقَالَ لها: أنزل. قالت: انزل [1] . فنزل فدخل الكوخ، وأدخل فرسه، فأقبل الليل، فإذا ابنة العجوز قد جاءت معها بقرة قد رعتها/ بالنهار، فأدخلتها الكوخ، وكسرى ينظر إليها [2] ، فقامت العجوز إِلَى البقرة [ومعها] [3] إناء فاحتلبت [البقرة لبنا] [4] صالحا وكسرى ينظر فَقَالَ فِي نفسه: ينبغي أن تجعل عَلَى كل بقرة إتاوة- يعني خراجا- فهذا حلاب كبير [5] . وأقام مكانه حتى مضى أكثر الليل فقالت العجوز: يا فلانة، قومي إِلَى فلانة- تريد البقرة- فاحتلبيها [6] . فقامت إِلَى البقرة فوجدتها حائل لا لبن فيها، فنادت:
يا أماه، قد والله أضمر لنا الملك شرا. فقالت: وما ذاك؟ قالت: هَذِهِ فلانة حائل تبيس بقطرة. فقالت لها: امكثي فإن عليك ليلا. فقال كسرى في نفسه: من أين علمت ما أضمرت فِي نفسي، أما إني لا أفعل ذلك. قَالَ: فمكثت، ثم نادتها: يا بنية، قومي إِلَى فلانة فاحتلبيها [7] . فقامت إليها فوجدتها حافل. فقالت: يا أماه، قد والله ذهب ما كان فِي نفس الملك من الشر، هَذِهِ فلانة حافل. فاحتلبتها، وأقبل الصبح وتتبع الرجال أثر كسرى حَتَّى أتوه بركب [8] ، فأمر بحمل العجوز وابنتها إليه، فأحسن إليهما، وَقَالَ: كيف علمت أن الملك قد أضمر شرا، وأن الشر الذي أضمره قد [9] رجع فيه؟ قالت [العجوز] [10] : إنا بهذا المكان منذ كذا وكذا، ما عمل فينا بعدل إلا أخصب بلدنا، واتسع عيشنا، وما أمر فينا بجور [11] إلا ضاق عيشنا، وانقطعت موادنا [12] والنفع عنا.
__________
[1] «قال: انزل» سقطت من ت.
[2] «إليها» سقطت من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت: «فالأحلاب كثيرة» .
[6] في ت: «فاحلبيها» .
[7] «فاحتلبيها» سقط من ت.
[8] في ت: «فركب» .
[9] في ت: «الّذي قد أضمر عاد عنه» .
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[11] في ت: «بجهد» .
[12] في ت: «وانقطع مواد» .(2/117)
ومن الحوادث: [1] أن كسرى أمر جنوده أن لا يتعرضوا لزرع [2] أحد، فمر فارس منهم بمبطخة، فأخذ بطيخة، فتعلق بِهِ صاحب البطيخة وَقَالَ [3] : بيني وبينك الملك. فبذل له ألف درهم فلم يقبل [4] ، فبذل له إلى عشرة آلاف درهم فلم يقبل. فحمله إلى الملك فقص عليه القصة، فقال للفارس: ما حملك على ما فعلت [5] . قَالَ: دنو الأجل. قَالَ: فكم بذلت فيها؟ قَالَ: عشرة آلاف درهم وما أملك غيرها. فَقَالَ كسرى للأكار: ويحك، ما الذي زهدك فِي عشرة آلاف درهم، ورغبك فِي دم هَذَا البائس؟ قَالَ: ما رغبت فِي دمه، ولكني كنت فقيرا ولم/ أر إلا الخير [6] فِي أيام الملك، فأردت أن أزيد فِي شرف أفعاله حَتَّى يقال إن فِي أيامه بلغت بطيخة عشرة آلاف درهم [7] .
فاستحسن ذلك منه، وَقَالَ للفارس: أعطه ما بذلت. وأعطاه مثل ذلك.
ومن الحوادث في زمان أنوشروان:
ولادة عَبْد اللَّه بْن عَبْد المطلب، أبي نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنه ولد فِي السنة الخامسة عشرة من ملكه [8] ، وولد نبينا صلى الله عليه وسلم في سنة أربعين من ملك أنوشروان، وهو عام الفيل [9] .
ومن الحوادث فِي زمن أنوشروان:
__________
[1] «ومن الحوادث» سقطت من ت.
[2] في ت: «بزرع» .
[3] في ت: «المطبخة فقال» .
[4] «فبذل له ألف درهم فلم يقبل» . سقط من ت.
[5] في ت: «ما صنعت» .
[6] في ت: «الخير إلا» .
[7] «درهم» . سقطت من ت.
[8] في ت: «من ملك أنوشروان» .
[9] تاريخ الطبري 2/ 103.(2/118)
أن ملك اليمن لم يزل متصلا لا يطمح [1] فيه طامح حَتَّى ظهرت الحبشة عَلَى بلادهم في زمن أنوشروان.
قَالَ هشام بْن مُحَمَّد: وكان سبب ظهورهم أن ذا نواس الحميري ملك اليمن فِي ذلك الزمان كَانَ يهوديا، فتقدم عَلَيْهِ [2] يهودي [من أهل نجران] [3] يقال له: دوس [4] من أهل نجران [5] فأخبره أن أهل نَجْران قتلوا له بنتين [6] ظلما، فاستنصره عليهم- وأهل نجران نصارى- فحمى ذو نواس اليهودية، فغزا أهل نجران فأكثر فيهم القتل، فخرج رجل من أهل نجران حَتَّى قدم [7] عَلَى ملك الحبشة فأعلمه بما نكبوا [8] به، وأتاه بالإنجيل قد أحرق النار بعضه [9] ، فَقَالَ له: الرجال عندي كثير وليس عندي سفن، وأنا كاتب إِلَى قيصر فِي البعثة إلي بسفن أحمل فيه الرجال: فكتب إِلَى قيصر فِي ذلك، وبعث إليه بالإنجيل المحرق [10] ، فبعث له قيصر [11] بسفن كثيرة، فبعث معه صاحب الحبشة سبعين ألفا من الحبشة وأمر عليهم رجلا من الحبشة يقال له: أرياط [12] ، وعهد إليه: إن أنت ظهرت عليهم فاقتل ثلث رجالهم، وأخرب ثلث بلادهم، واسب ثلث نسائهم وأبنائهم، فخرج أرياط ومعه جنوده وَفِي جنوده أبرهة الأشرم، فركب البحر [13] ، وسمع بهم ذو نواس، فجمع إليه حمير ومن أطاعه ومن قبائل اليمن فتناوشوا، ثم انهزم ذو
__________
[1] في ت: «لم يطمع» .
[2] «عليه» . سقط من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «ذو نواس» .
[5] «من أهل نجران» سقط من ت.
[6] في ت: «قتلوا ابنين ظلما» .
[7] في الأصل: «حتى قام» .
[8] في ت: «بما ركبوه» .
[9] في ت: «قد أحرق بعضها» .
[10] في ت: «المحترق» .
[11] في ت: «فبعث إليه قيصر بسفن» .
[12] في الأصل: «أبرهة» خطأ والتصحيح من ت، الطبري 2/ 125.
[13] في الأصل: «فخرج أبرهة، ومعه جنوده فركب البحر» .(2/119)
نواس، ودخل أرياط بجموعه [1] ، فلما رأى ذو نواس ما نزل [2] / به وبقومه وجه فرسه فِي البحر، ثم ضربه فخاض [3] فيه فِي ضحضاح حَتَّى أفضى به إِلَى غمره فأقحمه، فكان آخر العهد به [4] .
ووطئ أرياط [5] اليمن بالحبشة [6] فقتل ثلث رجالها، وأخرب ثلث بلادها، وبعث إِلَى النجاشي بثلث سباياها، فأقام أبرهة ملكا عَلَى صنعاء [7] ومخاليفها، ولم يبعث إِلَى النجاشي بشَيْء [8] ، فقيل للنجاشي: إنه قد [9] خلع طاعتك، وإنه رأى أن قد استغنى بنفسه. فوجه إليه جيشا عَلَيْهِ [10] أرياط، فلما حل بساحته بعث إليه أبرهة: إنه يجمعني وإياك الدين والبلد، والواجب علي وعليك [أن] [11] تنظر لأهل بلادنا [12] وديننا، فإن شئت فبارزني [13] ، فأينا ظفر بصاحبه كان الملك له، ولم يقتل الحبشة فيما بيننا، فرضي أرياط، فأجمع أبرهة عَلَى المكر به، فاتعدا موضعا يلتقيان فيه [فأكمن أبرهة عَبْدا له يقال له: أرنجدة في وهدة قريب من الموضع الّذي يلتقيان فيه] [14] ، فلما التقيا سبق أرياط فزرق أبرهة بحربته، فزالت الحربة عَنْ رأسه وشرمت أنفه، فسمي: أبرهة الأشرم، ونهض الكمين من الحفرة فزرق أرياط فأنفذه وقتله، فَقَالَ لإرنجدة: احتكم.
__________
[1] في الأصل: «ورحل أبرهة بجنوده» والتصحيح من ت: والطبري 2/ 125.
[2] في ت: «لم يزل» .
[3] في ت: «فدخل» .
[4] تاريخ الطبري 2/ 125.
[5] في الأصل: «أبرهة» .
[6] في ت: «الحبشة» .
[7] في الأصل: «على ضيعاعها» .
[8] في ت: «شيئا» .
[9] «قد» سقط من ت.
[10] في الأصل: «على أرياط» .
[11] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[12] في الأصل: «بلدنا» .
[13] في ت: «فأغرني» .
[14] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وكتب على الهامش جزء منه.(2/120)
فقال: لا تدخل امرأة باليمن عَلَى زوجها حَتَّى يبدأ بي. قَالَ: لك ذلك. فغبر [1] بذلك زمانا، ثم إن أهل اليمن عدوا عَلَيْهِ فقتلوه. فَقَالَ أبرهة: قد آن لكم أن تكونوا أحرارا [2] .
فبلغ النجاشي قتل أرياط، فآلى ألا ينتهي حَتَّى يريق دم أبرهة ويطأ بلاده، وبلغ أبرهة آليته، فكتب إليه [3] : أيها الملك، إنما كان أرياط عَبْدك، وأنا عَبْدك، قد هم علي [4] يريد توهين ملكك، وقتل جندك، فسألته أن يكف عَنْ قتالي، إِلَى أن أوجه إليك رسولا، فإن أمرته [5] بالكف عني وإلا سلمت إليه جميع ما أنا فيه، فأبى إلا أن يحاربني [6] ، فحاربته، فظهرت عَلَيْهِ، وإنما سلطاني لك، وقد بلغني أنك حلفت [7] ألا تنتهي حَتَّى تريق دمي، وتطأ بلادي، وقد بعثت إليك بقارورة من دمي وجراب من تراب بلادي، وَفِي ذلك خروجك من يمينك [8] ، فاستتم أيها الملك عندي يدك، فإنما أنا عَبْدك/، وعزي عزك، فرضي عنه النجاشي، وأقره عَلَى عمله [9]
. فصل
قَالَ علماء السير [10] لما رضي النجاشي عَنْ أبرهة بنى أبرهة كنيسة لم ير مثلها فِي زمانها [11] ، بناها بالرخام الأبيض والأحمر والأصفر والأسود، وحلاها بالذهب والفضة، وحفها بالجوهر، وجعل فيها ياقوتة حمراء عظيمة، وأوقد فيها المندل، ولطخ
__________
[1] في ت: «فنجز» .
[2] تاريخ الطبري 2/ 125، 127، 128.
[3] «إليه» سقطت من ت.
[4] في الطبري 2/ 128: «قدم عليّ» .
[5] في الأصل: «أمرت» .
[6] في ت والطبري: «إلا محاربتي» .
[7] في ت: «بلغني أنك لا تنتهي» .
[8] في ت: «عن يمينك» .
[9] تاريخ الطبري 2/ 128.
[10] بياض في ت مكان: «فصل. قال علماء السير» .
[11] في ت: «في زمانها على عملها» .(2/121)
جوانبها بالمسك، وسماها: القليس [1] . وكتب إِلَى النجاشي: إني قد بنيت لك أيها الملك [2] كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك، ولست بمنته حَتَّى أصرف إليها حاج العرب.
فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة إِلَى النجاشي غضب رجل من بني فقيم [3] ، فخرج حَتَّى أتاها فأحدث فيها ثم [خرج] [4] فلحق بأرضه، فأخبر بذلك أبرهة فَقَالَ: من صنع هَذَا؟ فقيل: صنعه رجل من أهل هَذَا البيت الذي تحج إليه العرب بمكة، لما سمع من قولك إني أريد أن أصرف إليه حاج العرب، فغضب، فجاء فقعد [5] فيها- أي أنها ليست لذلك بأهل- فغضب أبرهة، وحلف ليسيرن إِلَى البيت فيهدمه، وعند أبرهة رجال من العرب، منهم: مُحَمَّد بْن خزاعي الذكواني وأخوه قيس، فأمر مُحَمَّدا عَلَى مضر، وأمره أن يسير فِي الناس يدعوهم إِلَى حج القليس، وهي الكنيسة التي بناها [6] .
فسار مُحَمَّد حَتَّى إذا نزل ببعض أرض بني كنانة- وقد بلغ أهل تهامة أمره وما جاء له- بعثوا رجلا من هذيل يقال له: عروة بْن حياض، فرماه بسهم [7] فقتله، وهرب أخوه قيس فلحق بأبرهة فأخبره، فزاد ذلك أبرهة غيظا [8] ، وحلف ليغزون بني كنانة، وليهدمن البيت [9] .
فخرج سائرا بالحبشة ومعه الفيل، فسمعت العرب بذلك فأعظموه، ورأوا جهاده حقا عليهم، فخرج رجل من أشراف [أهل] [10] اليمن وملوكهم يقال له: ذو نفر إلى حرب
__________
[1] القليس: سميت كذلك لارتفاع بنائها وعلوها كما قال السهيليّ.
[2] «أيها الملك» سقط من ت.
[3] في ت: «نقيم» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت: «ففصد فيها» .
[6] في ت: «التي بناها أبرهة» .
[7] «بسهم» سقط من ت.
[8] في ت والطبري 2/ 131: «غضبا» .
[9] تاريخ الطبري 2/ 130، 131.
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/122)
أبرهة وجهاده عَنْ بيت اللَّه تعالى، فقابله فهزم ذو نفر وأصحابه، وأخذ أسيرا فَقَالَ:
أيها الملك، لا تقتلني، فإنه عسى أن يكون كوني معك خيرا لك. فتركه فِي وثاق، فلما وصل إِلَى أرض خثعم عرض له/ نفيل بْن حبيب الخثعمي ومن تبعه من قبائل العرب، فقاتله، فهزمه أبرهة وأخذه أسيرا، فَقَالَ له: لا تقتلني، فإني دليلك بأرض العرب.
فتركه فِي الحديد، حَتَّى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بْن معتب فِي رجال من ثقيف، فَقَالَ: أيها الملك، إنما نحن عبيدك، ونحن نبعث من يدلك. فبعثوا معه أبا رغال، فمضى به حَتَّى أنزله المغمس، فمات أَبُو رغال هناك، فرجمت العرب قبره، فهو [القبر] [1] الذي يرجم الناس بالمغمس.
ولما نزل [2] أبرهة بالمغمس بعث رجلا من الحبشة يقال له: الأسود بْن مقصود عَلَى خيل له، حَتَّى انتهى إِلَى مكة، فساق إليه أموال أهل مكة، أصاب [3] فيها مائتي بعير لعَبْد المطلب- وهو يومئذ كبير قريش وسيدها- فهمت قريش، وكنانة، وهذيل، ومن كان بالحرم من سائر الناس بقتاله، ثم عرفوا أنه [4] لا طاقة لهم به، فتركوا ذلك.
وبعث أبرهة حناطة الحميري إِلَى مكة فَقَالَ: سل عَنْ [5] سيد هَذَا البلد وشريفهم، فقل له [6] : إن الملك يقول لكم إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم هَذَا البيت، فإن لم تعرضوا دونه بحرب [7] فلا حاجة لي بدمائكم، وإن لم يرد حربي فاتني [به] [8] .
فلما دخل حناطة مكة سأل عَنْ سيد قريش وشريفها، فقيل: عَبْد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، فجاءه فأخبره بما قَالَ أبرهة، فَقَالَ عَبْد المطلب: [والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة] [9] ، هَذَا بيت اللَّه الحرام وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «لما نزل» .
[3] في الأصل: «فأصاب» .
[4] في ت: «أنهم لا طاقة» .
[5] في الأصل: «إلى مكة فسأل عن» وفي ت: «فقال: اسأل» .
[6] في الأصل: «فقيل له» .
[7] في الأصل: «بالحرب» .
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل: وهو في ت. والطبري 2/ 133.(2/123)
فهو بيته وحرمه، وإن يخل بينه وبينه، فو الله ما عندنا من دفع عنه.
قَالَ: فانطلق إِلَى الملك، فإنه قد أمرني أن آتيه بك فانطلق معه عَبْد المطلب ومعه بعض بنيه حَتَّى أتى العسكر فسأل عَنْ ذي نفر [1] ، وكان له صديقا، حَتَّى دل عَلَيْهِ [2] ، فجاءه وهو فِي محبسه فَقَالَ له: يا ذا نفر، هل عندك غناء فيما نزل بنا؟ فَقَالَ له ذو نفر: ما غناء رجل أسير بيدي [3] ملك ينتظر أن يقتله غدوا أو عشيا! ما عندي غناء فيما نزل بك إلا أن أنيسا سائس [4] الفيل لي صديق [5] ، فسأرسل [6] إليه فأوصيه بك، وأعظم عَلَيْهِ حقك، وأسأله أن يستأذن لك عَلَى/ الملك فتكلمه بما تريد، ويشفع لك عنده بخير إن قدر عَلَيْهِ. قَالَ: حسبي.
ثم بعث إِلَى أنيس، فجاء به فَقَالَ: يا أنيس، إن عَبْد المطلب سيد قريش يطعم الناس بالسهل، والوحوش فِي رءوس الجبال، وقد أصاب له الملك مائتي بعير، فاستأذن له [7] عَلَيْهِ وانفعه بما استطعت. قَالَ: أفعل.
فكلم أنيس أبرهة فَقَالَ: يا أيها الملك، هَذَا سيد قريش ببابك يستأذن عليك فأذن له، وأحسن إليه. [فأذن له أبرهة] [8] وكان عَبْد المطلب عظيما، وسيما، جسيما، فلما رآه أبرهة أجله وأكرمه، ونزل عَنْ سريره، فجلس عَلَى بساطه وأجلسه معه، ثم قَالَ لترجمانه: قل: ما حاجتك؟ فَقَالَ لَهُ ذلك الترجمان، فَقَالَ عَبْد المطلب: حاجتي إِلَى الملك أن يرد علي مائتي بعير أصابها لي. فلما قَالَ له ذلك قَالَ أبرهة لترجمانه: قل له [9]
__________
[1] في ت: «عن ذي نقرة نقرة» .
[2] في ت: «حتى إذا دل عليه» .
[3] في ت: «في يدي» .
[4] في الأصل: «سائق» .
[5] «لي صديق» سقطت من ت، وغير واضحة في الأصل.
[6] في ت: «فأتوسل» .
[7] «له» سقط من ت.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[9] «أبرهة لترجمانه قل له» سقط من ت.(2/124)
كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني [1] فِي مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه، لا تكلمني فيه! فَقَالَ له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا سيمنعه. قَالَ: ما كان [2] ليمتنع مني.
قَالَ: أنت وذاك، أردد إلي إبلي.
وكان عَبْد المطلب قد ذهب معه حين مضى إِلَى أبرهة [عمرو بْن نفاثة بْن عدي- وهو سيد كنانة- وخويلد بْن واثلة الهذلي- وهو] [3] سيد هذيل- فعرضوا عَلَى أبرهة ثلث أموال تهامة عَلَى أن يرجع عنهم، ولا يهدم البيت، فأبى عليهم [4] .
فلما رد أبرهة إبل عَبْد المطلب انصرف إِلَى قريش فأخبرهم بالخبر، وأمرهم بالخروج من مكة، والتحرز فِي شعف الجبال والشعاب تخوفا عليهم من معرة الجيش، ثم قام عَبْد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون اللَّه ويستنصرونه عَلَى أبرهة وجنده، فَقَالَ عَبْد المطلب وهو آخذ بباب الكعبة [5] :
يا رب لا أرجو لهم سواكا ... يا رب فامنع منهم حماكا
إن عدو البيت من عاداكا ... امنعهم أن يخربوا قراكا
[6] وَقَالَ أيضا:
لا هم إن العَبْد [7] يمنع ... رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهم ... ومحالهم عدوا محالك
قَالَ مؤلف الكتاب: ويروى غدوا بالغين، يعني غدا، وهي لغة، فإن أراد الشاعر أن مع القوم أخوة غدوا [8] .
__________
[1] «أتكلمني» سقط من ت.
[2] في ت: «فما كان» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] قال الطبري عند إيراده خبر ذهاب عبد المطلب وعرضه على أبرهة ثلث أموال تهامة: «فيما زعم بعض أهل العلم» . وعادة الطبري في ذلك أنه يوهن الخبر بقوله: «زعم» (2/ 134) .
[5] في ت: «وهو آخذ بالباب» .
[6] هذان البيتان سقطا من ت.
[7] في ت: «المرء» .
[8] «قال مؤلف الكتاب ... » حتى « ... إخوة غدوا» سقط من ت.(2/125)
فلئن فعلت فربما ... أولى فأمر ما بدا لك [1]
جروا جموع بلادهم ... [والفيل كي يسبوا عيالك
عمدوا حماك بكيدهم] [2] ... جهلا وما رقبوا جلالك
إن كنت تاركهم وكعبتنا ... فأمر ما بدا لك.
ثم أرسل عَبْد المطلب حلقة الباب، وانطلق ومن معه من قريش إِلَى شعف الجبال، فتحرزوا فيها ينتظرون ما يفعل أبرهة [3] ، فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله، وعبأ جيشه، فلما وجهوا الفيل أقبل نفيل بْن حبيب الخثعمي حَتَّى أخذ بأذن الفيل فَقَالَ: ابرك وارجع [4] من حيث جئت، فإنك فِي بلد [5] اللَّه الحرام. فبرك، ومضى نفيل يشتد فِي الجبل، فضربوا الفيل ليقوم فأبى، [فأدخلوا محاجن فِي مراقيه ليقوم فأبى] [6] ، فوجهوه إِلَى اليمن، فقام يهرول، ووجهوه إِلَى الشام فهرول [7] ، ووجهوه إِلَى المشرق فهرول [8] ، ووجهوه إِلَى مكة فبرك [9] ، فأرسل اللَّه عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف، مع كل طائر منهم ثلاثة أحجار: حجر فِي منقاره، وحجران فِي رجليه أمثال الحمص والعدس، لا تصيب أحدا منهم إلا هلك، فخرجوا هاربين يبتدرون الطريق [الذي جاءوا منه، ويسألون عَنْ نفيل ليدلهم عَلَى الطريق إِلَى] [10] اليمن، فَقَالَ نفيل حين رأى ما أنزل اللَّه عز وجل بهم من نقمته:
أين المفر والإله الطالب ... والأشرم المغلوب غير الغالب!
__________
[1] في ت: «فإنه أمر يتم به فعالك» .
ولم يذكر ابن هشام سوى هذه الأبيات الثلاثة وقال: «هذا ما صح له منها» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] في ت: «بأبرهة» .
[4] في الأصل: «أو ارجع» .
[5] في الأصل: «بلاد الله» .
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] في ت: «فقام يهرول» .
[8] في ت: «فبرك» .
[9] «ووجهوه إلى مكة فبرك» سقط من ت.
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/126)
وَقَالَ نفيل أيضا:
ألا حييت عنا يا ردينا ... نعمناكم مع الإصباح عينا
[أتانا قابس منكم عشاء ... فلم يقدر لقابسكم لدينا] [1]
ردينة لو رأيت ولم تريه ... لدى جنب المحصب [2] ما رأينا
إذا لعذرتني وحمدت رأيي ... ولم تأسي عَلَى ما فات بينا
حمدت اللَّه إذ عاينت طيرا ... وخفت حجارة تلقى علينا
فكل القوم يسأل عَنْ نفيل ... كأن علي للحبشان دينا!
فخرجوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون عَلَى كل منهل، وأصيب أبرهة فِي جسده، وخرجوا به معهم تتساقط أنامله أنملة أنملة [3] ، كلما سقطت أنملة تبعها دم وقيح [4] ، حَتَّى قدموا به صنعاء وهو مثل الفرخ، فما مات حَتَّى انصدع صدره عَنْ قلبه [5] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْبَاقِي الْبَزَّارُ [6] ، قَالَ: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال:
أخبرنا أَبُو عَمْرو بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حدثنا محمد بن سعد قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عمر، عَنْ أشياخ له:
أن النجاشي وجه أرياطا أبا صحم [7] فِي أربعة آلاف إِلَى اليمن فغلب عليها، فقام رجل من الحبشة يقال له: أبرهة الأشرم فقتل أرياطا، وغلب عَلَى اليمن، فرأى الناس يتجهزون أيام الموسم فسأل: أين يذهب الناس؟ فقيل له: يحجون بيت اللَّه بمكة فقال: ممّ هو [8] ؟ قالوا: [من] حجارة. قَالَ: وما كسوته؟ [9] قالوا: [ما] يأتي من هاهنا
__________
[1] هذا البيت سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري 2/ 136.
[2] في الأصل: «المحسب» .
[3] «أنملة» سقطت من ت.
[4] في ت: «وفتح» .
[5] هذا الفصل نقلا عن الطبري 2/ 129- 137. وانظر كذلك السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 42- 46،
[6] «البزار» سقط من ت.
[7] في الأصل: «أبا أصحم» .
[8] في الأصل، ت: «ما هو» .
[9] في ت: «ما هو من حجارة. قال: ما كسوته؟ قالوا: ما يأتي من لدينا من وصائل» .(2/127)
من الوصائل، فَقَالَ أبرهة: والمسيح لأبنين لكم خيرا منه! فبنى لهم بيتا عمله بالرخام الأبيض، والأحمر، والأصفر، والأسود، وحلاه بالذهب والفضة، وحفه بالجواهر، وجعل له أبوابا عليها صفائح الذهب ومسامير الذهب، وجعل فيه ياقوتة حمراء عظيمة، وجعل له حجّابا وكان يوقد فيه بالمندل، ويلطخ جدره بالمسك، وأمر الناس [أن] يحجوه [1] ، فحجه كثير من قبائل العرب سنين، ومكث فيه رجال يتعَبْدون، وكان نفيل الخثعمي يؤرض [2] له ما يكره، فأمهل، فلما كان [3] ليلة من الليالي لم ير أحدا يتحرك، فقام فجاء بعذرة فلطخ بها قبلته، وجمع جيفا فألقاها فيه. فأخبر أبرهة بذلك [4] ، فغضب غضبا شديدا، وَقَالَ: إنما فعلت هَذَا العرب/ غضبا لبيتهم، لأنقضنه حجرا حجرا.
فكتب إِلَى النجاشي يخبره بذلك، وسأله أن يبعث إليه بفيله «محمود» - وكان فيلا لم ير قط مثله عظما وجسما وقوة- فبعث به إليه، فسار أبرهة بالناس ومعه ملك حمير [5] ، ونفيل بْن حبيب الخثعمي، فلما دنا من الحرم أمر أصحابه بالغارة على نعم الناس، فأصابوا إبلا لعَبْد المطلب فجاء فَقَالَ: حاجتي أن ترد إبلي. فَقَالَ: ظننتك كلمتني فِي البيت [6] . فَقَالَ: إن [7] للبيت ربا سيمنعه. [فردت عَلَيْهِ] [8] ، فأشعرها وجعلها هديا [وبثها] [9] فِي الحرم لكي يصاب منها شَيْء فيغضب رب الحرم.
فأقبلت الطير من البحر، مع كل طائر [ثلاثة أحجار:] [10] حجران فِي رجليه وحجر فِي منقاره، فقذفتها عليهم، وبعث اللَّه عز وجل [11] سيلا فذهب بهم فألقاهم في البحر،
__________
[1] في ت: «وأمر الناس أن يحجه فحجوه» . وفي الطبري: «وأمر الناس محجوه، محجه كثير ... » .
[2] في ت: «يضمر» .
[3] في الأصل: ت: «كانت» .
[4] «بذلك» . سقطت من ت.
[5] في ت: «مالك بن حمير» .
[6] «فقال ظننتك كلمتني في البيت» .
[7] «إن» سقطت من ت.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل. وفي ت: «فردت فأشعرها» . وفي الطبري: «فأمر برد إبله عليه» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[11] في ت: «الله تعالى» .(2/128)
وولى أبرهة هاربا بمن [1] معه، فجعل [2] أبرهة، يسقط [3] عضوا عضوا [4]
. فصل
[5] قَالَ علماء السير: لما هلك أبرهة ملك النصرانية فِي الحبشة ابنه يكسوم، فذلت حمير وقبائل اليمن [6] ، ووطئتهم الحبشة، ثم هلك يكسوم، وملك أخوه مسروق بْن أبرهة، فلما طال البلاء عَلَى أهل اليمن- وكان ملك الحبشة باليمن فيما بين أن دخلها أرياط إِلَى أن قتلت الفرس مسروقا، وأخرجوا الحبشة من اليمن اثنتين وسبعين سنة، توارث ذلك منهم أربعة ملوك: أرياط، ثم أبرهة، ثم يكسوم، ثم مسروق- خرج [7] سيف بْن ذي يزن الحميري، وكان يزن يكني: أَبَا مرة [8] ، حَتَّى قدم عَلَى قيصر ملك الروم، فشكا إليه ما هم فيه، وطلب إليه أن يخرجهم عنه، ويليهم هو، ويبعث إليهم من شاء من [9] الروم، ويكون له ملك اليمن، فلم يشكه، ولم يجد عنده شيئا مما يريد، فخرج حَتَّى قدم الحيرة عَلَى النعمان بْن المنذر- وهو عامل كسرى عَلَى الحيرة وما يليها من أرض العراق- فشكا إليه ما هم فيه من البلاء والذلّ، فقال له النعمان: إن لي عَلَى كسرى وفادة [فِي] [10] كل عام، فأقم [عندي] [11] حَتَّى أخرج بك معي. فأقام عنده حَتَّى خرج به إِلَى كسرى، فلما قدم النعمان عَلَى كسرى وفرغ من حاجته، ذكر له سيف بن
__________
[1] «هاربا» سقطت من ت.
[2] في الأصل: «فحمل» .
[3] في الأصل: «فسقط» .
[4] تاريخ الطبري 2/ 137، 138.
[5] بياض في ت مكان: «فصل» .
[6] في الأصل: «قبائل العرب» .
[7] في الأصل، ت: «فخرج» .
[8] في ت: «وكان اسمه: زيد ويكنّى أبا مرة» .
[9] في الأصل: «إلى الروم» .
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري 2/ 139.
[11] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/129)
ذي يزن، وما قدم له، وسأله أن يأذن له عَلَيْهِ، ففعل.
وكان كسرى إنما يجلس فِي إيوان مجلسه الذي فيه تاجه، وكان تاجه مثل القنفل [1] العظيم، مضروبا فيه الياقوت والزبرجد واللؤلؤ والذهب والفضة، معلقا بسلسلة من ذهب فِي رأس طاق مجلسه ذلك، وكانت عنقه لا تحمل [2] تاجه، [إنما] يستر [3] بالثياب حَتَّى يجلس فِي مجلسه، ثم يدخل رأسه فِي تاجه، فإذا استوى فِي مجلسه كشف الثياب عنه، فلا يراه أحد إلا برك هيبة لَهُ.
فلما دخل عَلَيْهِ سيف بْن ذي يزن برك، ثم قَالَ: أيها الملك غلبتنا عَلَى بلادنا الأغربة. فَقَالَ كسرى: أي الأغربة [4] ؟ الحبشة أم السند؟ قَالَ: الحبشة، فجئتك لتنصرني عليهم، وتخرجهم عني، وتكون لك بلادي [5] ، فأنت أحب إلينا منهم. فَقَالَ:
بعدت أرضك من أرضنا، وهي أرض قليلة الخير، إنما بها الشاء والبعير، وذلك مما [6] لا حاجة لنا به، فلم أكن لأورط جيشا من فارس بأرض العرب، لا حاجة لي بذلك.
فأجيز بعشرة آلاف درهم، وكساه كسوة حسنة، فلما قبضها خرج فجعل ينثر الورق للناس، فنهبتها الصبيان والعبيد والإماء، فلم يلبث ذلك أن دخل عَلَى كسرى، فقيل له: العربي الذي أعطيته ما أعطيته نثره للناس ونهبته العبيد والصبيان [7] والنساء.
فَقَالَ: إن لهذا الرجل لشأنا، ائتوني به، فلما دخل قَالَ: عمدت إِلَى حباء الملك الذي حباك به تنثره للناس! قَالَ: وما أصنع بالذي أعطاني الملك! ما جبال أرضي التي جئت منها إلا ذهب وفضة- يرغبه فيها لمَّا رأى من زهادته فيها- إنما جئت إِلَى الملك ليمنعني
__________
[1] في ت: «القبة» . والقنفل: مكيال يسع ثلاثين منا، والمن: وزان رطلين.
[2] في ت: «كان عنقه لا يحمل» . وفي الأصل: «كانت عنقه لا يحتمل» .
[3] ما بين المعقوفتين: من الطبري 2/ 140. وفي ت: «فيسير بالثياب» .
[4] في ت: «إني الأغربة» .
[5] في الطبري 2/ 140. «ويكون ملك بلادي لك» .
[6] في الأصل، ت: «ما لا حاجة» .
[7] من أول: «والعبيد والإماء ... » حتى « ... ونهبته العبيد والصبيان» . ساقط من ت.(2/130)
من الظلم، ويدفع عني الذل، فَقَالَ له كسرى: أقم عندي حَتَّى أنظر فِي أمرك. فأقام عنده.
وجمع كسرى مرازبته وأهل [1] الرأي ممن كان يستشيره فاستشارهم فِي أمره، فَقَالَ قائل: أيها الملك، [إن] [2] فِي سجونك رجالا قد حبستهم للقتل، فلو أنك بعثتهم معه، فإن هلكوا كان الذي أردت بهم [3] ، وإن ظهروا عَلَى بلاده كان ملكا ازددته [4] إِلَى ملكك. فَقَالَ: [إن] [5] هَذَا الرأي! أحصوا لي كم فِي [6] سجوني من الرجال، فحسبوا فوجدوا في سجونه ثمانمائة رجل، فَقَالَ: انظروا إِلَى أفضل رجل منهم حسبا وبيتا [7] فاجعلوه عليهم. فنظروا فإذا رجل يقال له: وهرز.
ففعلوا، وبعثه مع سيف بْن ذي يزن، وأمره عَلَى أصحابه، ثم حملهم فِي ثماني سفن [8] ، فغرقت سفينتان بما فيهما، فخلصوا ستمائة، فَقَالَ وهرز لسيف: ما عندك؟
قَالَ: ما شئت من رجل عربي، وفرس عربي، ثم أجعل رجلي مع رجلك، حَتَّى نموت جميعا أو نظهر جميعا. قَالَ: أنصفت.
فجمع إليه سيف من استطاع من قومه، وسمع بهم مسروق بْن أبرهة، فجمع جنده من الحبشة، وسار إليهم حَتَّى إذا تقاربت العسكران، ونزل الناس بعضهم إِلَى بعض بعث [9] وهرز ابنا له- يقال له: نوزاذ- عَلَى جريدة خيل [10] ، فقال [له] [11] :
__________
[1] «وأهل» سقطت من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] «بهم» سقطت من ت.
[4] في الأصل: «رددته» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «أحصوا إليّ من في سجوني» . وما أثبتناه من ت. والطبري 2/ 140.
[7] في ت: «إلى أفضلهم رجل منهم له حسبا ونسبا» .
[8] في ت: «سفن ثمانية» .
[9] في ت: «فبعث» .
[10] في الأصل: «على خيل جريدة» .
[11] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/131)
ناوشهم القتال حَتَّى ننظر كيف قتالهم. فخرج إليهم فناوشهم فقتلوه، فزاد ذلك وهرز حنقا [1] عليهم فَقَالَ: أروني ملكهم. فقالوا: ترى رجلا عَلَى الفيل عاقدا تاجه عَلَى رأسه، بين عينيه ياقوتة حمراء. قَالَ: نعم. قالوا: ذاك [2] ملكهم. فوقفوا طويلا ثم قَالَ:
علام هو؟ قالوا: قد تحوّل على فرس. فَقَالَ: اتركوه. فوقفوا طويلا، ثم قَالَ: علام هو؟
قالوا: قد تحول عَلَى البغلة. فَقَالَ: ابنه الحمار! ذل وذل ملكه، إني سأرميه، فإن رأيتم أصحابه وقوفا لم يتحركوا فأثبتوا حَتَّى أوذنكم، فإني قد أخطأت الرجل، وإن رأيتم القوم قد استداروا، ولاثوا به، فقد أصبت الرجل، فاحملوا عليهم.
ثم أوتر قوسه وضربه فصك الياقوتة التي بين عينيه، فتغلغلت النشابة فِي رأسه، حَتَّى خرجت من قفاه، فتنكس عَنْ دابته، واستدارت الحبشة، فحملت عليهم الفرس، فانهزموا، وقتلوا وهرب شريدهم في كل وجه، فاقبل وهرز يريد صنعاء يدخلها، حتى إذا أتى بابها قَالَ: لا تدخل رايتي منكسة أبدا، اهدموا الباب. فهدم باب صنعاء، ثم دخلها ناصبا رايته بين يديه.
فلما ملك اليمن ونفى عنها الحبشة كتب إِلَى كسرى: إني قد ضبطت لك اليمن، وأخرجت من كان بها من الحبشة، وبعث إليه الأموال. فكتب إليه كسرى أن يملك سيف بْن ذي يزن على اليمن وأرضها، وفرض كسرى عَلَى سيف بْن ذي يزن جزية وخراجا يؤديه فِي كل عام، وكتب إِلَى وهرز أن ينصرف إليه ففعل، وكان ذو يزن [3] أَبُو سيف من ملوك اليمن [4] .
وقيل: بل الذي قدم عَلَى كسرى ذي يزن، فمات عَلَى بابه، فقدم ابنه سيف عَلَيْهِ، فَقَالَ: أنا ابن الشيخ اليماني الذي وعدته النصر فمات ببابك فرق له وأعانه، وجرى له ما ذكرنا.
__________
[1] في الأصل: «حتفا» .
[2] في الأصل: «ذلك» .
[3] في الأصل: «ذو أيزن» .
[4] تاريخ الطبري 2/ 139- 142.(2/132)
قَالَ ابن هشام بْن مُحَمَّد: لما صعدت السفائن [1] سار إليهم مسروق فِي مائة ألف من الحبشة وحمير والأعراب، ولحق بابن ذي يزن بشر كثير، ونزل وهرز عَلَى سيف البحر وراء ظهره، ولما نظر مسروق إِلَى قلتهم طمع فيهم، وأرسل إِلَى وهرز وَقَالَ: ما جاء بك، وليس معك إلا ما أرى، ومعي من تري! لقد غررت بنفسك وبأصحابك، فإن أحببت أذنت لك، فرجعت، وإن أحببت ناجزتك، أو أجلتك حَتَّى تنظر فِي أمرك.
فَقَالَ: بل تضرب بيني وبينك أجلا. ففعل.
فلما مضى من الأجل عشرة أيام خرج [2] ابن وهرز حَتَّى دنا من عسكر القوم فقتلوه، فلما انقضى الأجل غير يوم أمر بالسفن التي كانوا فيها فأحرقت بالنار، وما كان معهم من فضل كسوة فأحرق، ولم يدع إلا ما كان عَلَى أجسادهم، ثم دعا بكل زاد كان معهم فَقَالَ: كلوا. فلما فرغوا أمر بفضله فألقي فِي البحر، ثم قَالَ: أما ما أحرقت من سفنكم، فإني أردت أن تعلموا أنه لا سبيل إِلَى بلادكم، وأما ما أحرقت من ثيابكم، فإنّه كان يغيظني إن ظفرت بكم الجيش، أن يصير [3] ذلك إليهم، وأما ما ألقيت من زادكم فِي البحر، فإني/ كرهت أن يطمع أحد منكم أن يكون معه زاد يعيش به يوما واحدا، فإن كنتم تقاتلون معي وتصبرون أعلمتموني ذلك، وإن كنتم لا تفعلون اعتمدت عَلَى سيفي هَذَا حَتَّى يخرج من ظهري، فإني لم أكن لأمكنهم من نفسي. فقالوا: بل نقاتل معك حَتَّى نموت [4] عَنْ آخرنا، أو نظفر.
فلما أصبح عبّأ أصحابه، وجعل يقول: إما ظفرتم، وإما متم كراما.
ثم رمى ملك القوم فسقط، وهزموا، وغنم من عسكرهم ما لا يحصى، وغلب عَلَى صنعاء وبلاد اليمن [5] .
وَقَالَ ابن إِسْحَاق: لما انصرف وهرز إِلَى كسرى، وخلف سيفا على اليمن عدا
__________
[1] في ت: «السفن» .
[2] في الأصل: «حتى ابن وهرز» .
[3] في الأصل، ت: «إن أظفروا بكم أن يصير» وأثبتناه من الطبري 2/ 145.
[4] في الأصل: «تموت أو تموت» .
[5] تاريخ الطبري 2/ 144- 147.(2/133)
عَلَى الحبشة فجعل يقتلهم إلا بقايا ذليلة، فاتخذهم خولا،. وجعل منهم قوما يمشون بين يديه بالحراب، فلما كان يوما فِي وسطهم وجئوه [1] بالحراب فقتلوه، ووثب رجل من الحبشة فأفسد فِي اليمن، فبلغ الأمر كسرى، فبعث إليهم وهرز فِي أربعة آلاف من الفرس، وأمره ألّا ترك باليمن أسود ولا ممن شرك فيه السودان [إلا قتله] [2] . ففعل، فأقام فيها يجبيها إِلَى كسرى حَتَّى هلك [3] .
ولما احتضر وهرز دعا بقوسه ونشابته، وَقَالَ: أجلسوني. فأجلسوه، فرمى وَقَالَ:
هناك. فوقعت نشابته وراء الدير [4] ، فلما هلك بعث كسرى إِلَى اليمن أسوارا يقال له:
زين [5] ، وكان جبارا مسرفا فعزله، واستعمل المروزان بْن وهرز، فلما هلك أمر بعده ابنه البينجان بْن المرزبان، فلما هلك أمر بعده خر خسره [6] .
ثم إن كسرى غضب عَلَيْهِ، فحلف ليأتينه به أهل اليمن يحملونه عَلَى أعناقهم، ففعلوا، فلما قدموا عَلَى كسرى تلقاه رجل من عظماء فارس، فألقى عَلَيْهِ سيفا لأبي كسرى، فأجاره كسرى بذلك من القتل ونزعه، وبعث باذان [7] إِلَى اليمن، فلم يزل عليها حتى بعث الله وعز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم [8]
. فصل
قَالَ علماء السير: وكان بين كسرى أنوشروان وبين يخطيانوس ملك الروم هدنة وموادعة، فوقع بين رجل كان ملكه ملك الروم يقال له: خالد بْن جبلة وبين رجل كان ملكه كسرى يقال له: المنذر بْن النعمان نائرة [9] ، فأغار خالد على حيّز المنذر،
__________
[1] في الأصل: «وجاوه» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري 2/ 148.
[3] تاريخ الطبري 2/ 148.
[4] في الأصل، ت: «دير» .
[5] في الأصل: «ربر» وفي ت: «زين» . وما أثبتناه من الطبري 2/ 171.
[6] في الأصل: «جرحسيم» .
[7] في ت: «باذام» .
[8] تاريخ الطبري 2/ 148.
[9] النائرة: العداوة.(2/134)
فقتل من أصحابه مقتلة عظيمة، وغنم أموالا، فشكا ذلك المنذر إِلَى كسرى، فكتب كسرى إلى ملك الروم يذكر ما بينهما من العهد، ويعلمه ما لقي عامله المنذر، ويسأله أن يأخذ خَالِد بأن يرد عَلَى المنذر ما غنم من حيزه، ويدفع إليه دية من قتل، وأن لا يستخف بما كتب إليه، فيكون في ذلك انتقاض ما بينهما من العهد.
ثم واتر الكتب بذلك فلم يحفل بها ملك الروم، فغزاه كسرى فِي بضعة وتسعين ألف مُقَاتِل، فأخذ مدينة دارا، ومدينة الرهاء، ومدينة منبج، ومدينة قنسرين، ومدينة حلب، ومدينة أنطاكية- وكانت أفضل مدينة بالشام- ومدينة فامية، [ومدينة] [1] حمص، ومدنا كثيرة، واحتوى على ما كان منها، وسبى أهل مدينة أنطاكية، ونقلهم إِلَى أرض السواد، وكان ملك الروم يؤدي إِلَيْهِ الخراج، وكان قباذ قد أمر فِي آخر ملكه بمسح الأرض، سهلها ووعرها، ليصح الخراج عليها، فمسحت، غير أن قباذ هلك قبل أن يستحكم أمر المساحة، فلما ملك كسرى أمر باستتمامها وإحصاء النخل والزيتون، ثم استشار الناس وَقَالَ: نريد أن نجمع من ذلك فِي بيوت أموالنا ما لو أتانا عَنْ ثغر أو طرف فتق، كانت الأموال عندنا معدة. فاجتمع رأيهم عَلَى وضع الخراج عَلَى ما يعصم الناس والبهائم، وهو الحنطة والشعير والأرز والكرم والرّطاب والنخل والزيتون، فوضعوا عَنْ كل جريب أرض رطاب سبعة دراهم، وعلى كل أربع نخلات فارسي درهما، وعلى كل ست نخلات دقل [2] مثل ذلك [3] ، وعلى كل ستة أصول زيتون/ مثل ذلك، ولم يضعوا إلا عَلَى النخل الذي تجمعه الحديقة دون الشاذ، وألزموا الناس الجزية ما خلا أهل البيوتات والعظماء والمُقَاتِلة والهرابذة والكتاب، ومن كان فِي خدمة الملك، وصيروها عَلَى طبقات: اثني عشر درهما، وثمانية، وستة، وأربعة، عَلَى قدر إكثار الرجل وإقلاله، ولم يلزم الجزية من كان له من السن دون العشرين وفوق الخمسين، واقتدى بجمهور هَذِهِ الأشياء عمر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه [4] .
قالوا: وكان كسرى ولى رجلا من الكتاب- ذا كفاية، يقال له: بابك بن البيروان-
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري 2/ 149.
[2] الدقل: أردأ أنواع التمر.
[3] «وعلى كل ست نخلات دقل مثل ذلك» . سقط من ت.
[4] تاريخ الطبري 2/ 148- 152. باختصار وتصرف.(2/135)
ديوان المُقَاتِلة، فاستعرض العسكر ولم ير كسرى فيهم. فقال: انصرفوا، فاستعرضهم في اليوم التالي فلم ير كسرى فيهم، فَقَالَ: انصرفوا، وأمر مناديهم، فنادوا في اليوم الثالث: لا يتخلفن أحد، ولا [1] من أكرم بتاج وسرير. فبلغ ذلك كسرى، فوضع تاجه، وتسلح بسلاح المُقَاتِلة، ثُمَّ أتى بابك ليعرض عَلَيْهِ، وكان الفارس يؤخذ بالسلاح التام، فجاء كسرى بسلاح يعوزه شَيْء يسير، فَقَالَ: أيها الملك، إنك واقف مقام المعدلة [2] التي لا محاباة فيها، فهلم كلما يلزمك من الأسلحة. ففعل، فلما قام بابك إِلَى كسرى قَالَ: إن غلظتي فِي الأمر الذي أغلظت فيه اليوم عليك، إنما كان لينفذ أمري الذي وضعتني له.
فَقَالَ كسرى: ما غلظ علينا [3] أمر أريد به تدبر صلاح [4] رعيتنا.
قالوا: ولم يكن ببلاد الفرس بنات آوى فتساقط إليها من بلاد الترك فِي زمان كسرى، فشق عَلَى كسرى، وسأل موبدان عَنْ ذلك، فَقَالَ: متى تغير عدل بجور تساقط إِلَى أرباب ذلك ما يكرهون. فأمر كسرى عماله أن لا يتعدوا العدل [5] .
ومن الحوادث [6] في زمن كسرى [أنوشروان] [7] : أنه غضب عَلَى وزيره بزرجمهر فقبض عَلَيْهِ وَقَالَ: الحمد للَّه الذي أظفرني بك. فَقَالَ له: فكافئه بما يحب كما أعطاك ما تحب. قَالَ: بماذا؟ قَالَ: بالعفو فحبسه فِي بيت كالقبر، وصفده/ بالحديد، وألبسه الخشن من الصوف، وأمر أن لا يزاد فِي كل يوم عَلَى قرصين من الخبز، وكف ملح جريش، ودورق ماء، وأن تنقل ألفاظه إليه، فأقام شهورا لا يسمع له لفظة، فَقَالَ أنوشروان: أدخلوا عَلَيْهِ أصحابه، ومروهم أن يسألوه ويفاتحوه الكلام وعرفونيه.
فدخل عَلَيْهِ جماعة من المختصين به، فقالوا له: أيها الحكيم، نراك فِي هذا
__________
[1] في الأصل: «إلا من أكرم» والتصحيح من الطبري 2/ 152.
[2] في الأصل: «الحبرلة» والتصحيح من ت. والطبري.
[3] في ت، الأصل: «عليك» .
[4] في الأصل: «أن يريد صلاح» . وفي ت: «أراد أن يدبر صلاح» .
[5] تاريخ الطبري 2/ 152- 154. باختصار.
[6] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث» .
[7] في ت: «في زمن أنوشروان» . وفي الأصل: «في زمن كسرى» .(2/136)
الضيق والحديد والشدة وسحنة [1] وجهك، وصبحة جسمك عَلَى حالها لم تتغير، فما السبب؟ فَقَالَ: إني عملت جوارشنا من ستة أخلاط، فأخذت منه [2] فِي كل يوم شيئا، فهو الذي أبقاني عَلَى ما ترون. قالوا: فصفه لنا.
قَالَ: الخلط الأول: الثقة باللَّه عز وجل. والثاني: علمي بأن كل مقدر كائن.
والثالث: الصبر، خير ما استعمل الممتحن. والرابع: إن لم أصبر فأي شَيْء أعمل [3] ولم أعين عَلَى نفسي بالجزع. والخامس: قد يمكن أن يكون فِي شر مما أنا فيه.
والسادس: من ساعة إِلَى ساعة فرج. ثم إنه قتله.
وكان بزرجمهر حكيما، فمن كلامه: أنه قيل له: من أحب الناس إليك أن يكون عاقلا. قَالَ: عدوي، لأني أكون منه فِي دعة [4] .
وَقَالَ: إن كان شَيْء فوق الحياة فالصحة، وإن كان مثلها فالغنى، وإن كان شَيْء فوق الموت فالمرض، وإن كان مثله فالفقر.
ووجد فِي مكتوب له أربع كلمات: الأولى: إذا كان اللَّه أجل الأشياء فالعلم به أجل العلوم. والثانية: إذا كان الرزق خطا مقسوما فالحرص باطل. والثالثة: إذا كانت الأمور بمقادير اللَّه ومشيئته فما آفاتنا ومصائبنا إلا لعلل وأسباب عرفناها أو جهلناها.
والرابعة: إذا كان الإنسان عَنْ تركيب مختلف، فطلب الحالة الواحدة منه محال.
وقال بزرجمهر: أدل الأشياء عَلَى عقل الرجل التدبير.
وَقَالَ بزرجمهر: ينبغي للعاقل أن يكون/ كعابر نهر أو قاطع رحل [5] .
وَقَالَ: مداراة الناس نصف العقل.
وَقَالَ: لا ينبغي للعاقل أن يسكن بلدا ليس فيه خمسة: سلطان صارم، وقاض عادل، وسوق قائمة، ونهر جار، وطبيب فاره.
__________
[1] في ت: «ولون وجهك» .
[2] في ت: «فأخذ منه» .
[3] في ت: «أصنع» .
[4] من أول: «وكان بزرجمهر حكيما ... » حتى «.... أكون منه في دعة» سقط من ت.
[5] في ت: «قالع وحل» .(2/137)
وَقَالَ: ما أوتي رجل مثل غزيرة عقل، فإن حرمها فطول صمت، فإن حرمها فالموت أستر له.
وَقَالَ وقد سئل: الأغنياء أفضل أم العلماء؟ قَالَ: العلماء. قيل: فما بال العلماء يأتون أبواب الأغنياء أكثر من الأغنياء [يأتون] [1] أبواب العلماء؟ قَالَ: لمعرفة العلماء [2] بفضل الغني، وجهل الأغنياء بفضل العلم
. فصل
[3] وكان في زمن كسرى أنوشروان امرؤ القيس بْن حجر بْن الحارث بْن عمرو الكندي، واسم أمه: تملك، وقد ذكر فِي قوله حيث يقول:
ألا هل أباها والحوادث حمة ... بأن امرأ القيس بْن تملك ينفرا
أي ترك الحضر وسافر وهو من أهل نجد، والديار التي يصف فِي شعره ديار بني أسد.
وكان قباذ قد ملك الحارث بْن عمرو عَلَى العرب، فملك ابنه حجرا على بني أسد، وكان يأخذ منهم شيئا معلوما فامتنعوا منه، فسار إليهم فأخذ سراتهم فقتلهم بالعصي، فسموا عبيد العصا. وأسر منهم طائفة فيهم عبيد بْن الأبرص، ثم رحمهم وعفا عنهم وردهم إِلَى بلادهم.
ثم ملك أنوشروان فملك النعمان بْن ماء السماء فهرب الحارث، واتبعته خيل المنذر ففاتهم فأدركوا ابنه عمرا فقتلوه، ثم إنهم قتلوا حجرا، وكان حجر قد طرد ابنه امرأ القيس لأجل امرأة تشبب [4] بها فِي شعره يقال لها: فاطمة، وتلقب: عنيزة، وكان يعشقها، فطلبها زمانا، فلم يصل إليها، وكان يطلب غرتها حَتَّى كان [منها] [5] يوم الغدير
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «لعرف العلماء» .
[3] بياض في ت مكان: «فصل» .
[4] في ت: «شببت» وفي الأصل «تشبت» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/138)
[ما] [1] كان بدارة جلجل، فهو الذي يقول فيه هَذَا:
ألا رب يوم لك منهن صالح [2] ... ولا سيما يوم بدارة جلجل
/ وذلك أنه رأى نسوة يتمايلن فِي غدير، فيهن عنيزة، فأخذ ثيابهن، وأقسم لا يعطيهن حَتَّى يخرجن فيأخذنها، فخرجن متكشفات [3] ، فبلغ ذلك أباه، فدعا مولى له فَقَالَ: اقتل امرأ القيس وائتني بعينيه. فذبح شاة وأتاه يعنييها، فندم حجر عَلَى ذلك فَقَالَ: أبيت اللعن، إني لم أقتله. قَالَ: فأتني به. فانطلق فرده إليه فنهاه عَنْ قول الشعر، ثم بلغه أَنَّهُ قَالَ:
ألا أنعم صباحا أيها الطلل البالي.
وطرده، فبلغه قتل أبيه فَقَالَ: ضيعني صغيرا وحملني دمه كبيرا، ثم إِلَى أن لا يأكل لحما ولا يشرب خمرا حَتَّى يأخذ بثأر أبيه.
وخرج إِلَى قيصر فطلب النصر، فعشقته بنت الملك، فكان يأتيها، وفطن بذلك الطماح بْن [4] قيس الأسدي، وكان حجر قتل أباه فوشى به إِلَى قيصر، فهرب امرؤ القيس، فبعث قيصر فِي طلبه، فأدركه دون أنقرة [5] بيوم، ومعه حلة مسمومة، فلبسها فِي يوم صائف، فتناثر لحمه، وتقطر جلده، فَقَالَ حين حضرته الوفاة:
وطعنة مسحنفره ... وجفنة مثعنجرة،
تبقى غدا بأنقرة
[6] .
وهو آخر شَيْء تكلم به.
وكان امرؤ القيس قد ماتت أمه فِي صغره فأرضعه أهله بلبن كلبة، فكان إذا عرق فاح منه ريح الكلب، وكان النساء يبغضنه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في الأصل «صالح لك منهما» والتصحيح من «ت» .
[3] في الأصل: «مكسفات» .
[4] في الأصل: «الطرماح» .
[5] في الأصل: «افقدة» .
[6] في الكامل 1/ 405: «رب خطبة مسحنفره، وطعنة مثعنجره، وجفنة مستجير، حلت بأرض أنقره» .(2/139)
وتزوج امرأة فاستطالت ليلتها معه، فَقَالَ: ما تكرهين مني؟ فقالت: إنك ثقيل الصدر، سريع الإراقة، بطيء الإفاقة، ريحك ريح كلب. فطلقها.
وَقَالَ مؤلف الكتاب [1] : وقد روينا أن قوما من اليمن أقبلوا يريدون رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فضلوا الطريق، وأعوزهم الماء، فإذا ركب عَلَى بعير، فأنشد بعضهم يقول:
ولما رأت أن الشريعة قصدها [2] ... وأن البياض من فَرَائِضِهَا دَامِي
تَيَمَّمَتِ الْعَيْنَ الَّتِي عِنْدَ ضَارِجٍ ... يفيء عليها الظل عرمضها طامي
فقال الراكب: من يقول هَذَا؟ فقالوا: امرؤ القيس. قَالَ: ما كذب والله هَذَا ضارج عندكم. فمشوا، فإذا ماء عذب [3] عَلَيْهِ العرمض، فشربوا ولولا ذلك لهلكوا.
ولما وردوا أخبروا رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَقَالُوا: أحيانا اللَّه ببيتين من شعر امرئ القيس.
فَقَالَ: «ذاك الرجل مشهور فِي الدنيا خامل فِي الآخرة، مذكور فِي الدنيا منسي فِي الآخرة، معه لواء الشعراء يقودهم إِلَى النار» [4] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قال: حدثني أبي قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْجَهْمِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «امْرُؤُ الْقَيْسِ صَاحِبُ لِوَاءِ الشُّعَرَاءِ إِلَى النَّارِ» [5] .
قَالَ مؤلف الكتاب: واعلموا أن أوائل الشعر لم تكن إلا الأبيات اليسيرة يقولها الرجل عِنْدَ حدوث الحاجة له، فأول من ابتدع المعاني العجيبة والنسيب الدقيق، مع
__________
[1] في ت: «قال المصنف» .
[2] في البداية والنهاية 2/ 219: «همّها» .
[3] في ت: «غدق» .
[4] حديث: «ذاك الرجل مشهور في الدنيا ... » . أخرجه.
[5] حديث: «امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء ... » .
قال ابن كثير في تاريخه 2/ 218: «وقد روى هذا الحديث عن هشام جماعة كثيرون منهم بشر بن الحكم، والحسن بن عرفة، وعبد الله بن هارون، ويحيى بن معين. وأخرجه ابن عدي من طريق عبد الرزاق عن الزهري به. وهذا منقطع ورديء من وجه آخر عن أبي هريرة، ولا يصح إلا من هذا الوجه» .(2/140)
قرب المأخذ: امرؤ القيس، فمن أبياته اللطيفة البديعة قصيدته المشهورة [1] :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجتها من جنوب وشمأل
كأني غداة البين يوم تحملوا ... لدى سمرات الحي ناقف حنظل [2]
وقوفا بها صحبي عَلَى مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجمل
وإن شفائي عبرة مهراقة ... فهل عند رسم دارس من معول
أغرك مني أن حبك قاتلي ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك فِي أعشار قلب مقتل
وليل كموج البحر أرخى سدوله ... على بأنواع الهموم ليبتلى
فقلت له لما تمطى بصدره ... وأردف أعجازا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجل ... بصبح وما الإصباح فيك بأمثل
وله فيها يصف الفرس:
مكر مفر مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطه السيل من عل
وله:
خليلي مرا بي عَلَى أم جندب ... نقضي لبانات [3] الفؤاد المعذب
ألم تر أني كلما جئت طارقا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيب
ألا ليت شعري كيف جادت بوصلها ... وكيف يضن بالإخاء المغيب
أدامت عَلَى ما بيننا من نصيحة ... أميمة أم صارت لقول المخيب
وللَّه عينا من رأى من تفرق ... أشت وأنأى من فراق المحصب
غداة غدوا فينا إِلَى بطن نخلة ... وآخر منهم جازع فخد كبكب
فإنك لم تقطع لبانة عاشق ... بمثل غدو أو رواح مؤب
وكان لكسرى أولاد، فجعل الملك بعده لابنه هرمز.
__________
[1] في ت: «فمن أبياته اللطيفة قوله» .
[2] في الأصل: «لنرى سماوات» والتصحيح من الديوان.
[3] في الأصل: «لنا حاجات» والتصحيح من الديوان.(2/141)
باب عدد الأنبياء والمرسلين
[1] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهْتَدِي قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْحَسَنُ بن أحمد المعاني قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّمْشَاطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ [2] قَالَ:
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمِ الأَنْبِيَاءُ؟ قَالَ: «مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمِ الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: «ثلاثمائة وَثَلاثَةُ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا» قُلْتُ: مَنْ كَانَ أَوَّلُهُمْ؟ قَالَ: «آدَمُ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَسَوَّاهُ قَبْلا [3] ، يَا أَبَا ذَرٍّ: أَرْبَعَةٌ سِرْيَانِيُّونَ: آدَمُ، وَشِيثُ وَأَخْنُوخُ وَهُوَ إِدْرِيسُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بِالْقَلَمِ- وَنُوحٌ، وَأَرْبَعَةٌ مِنَ الْعَرَبِ: هُودٌ، وَشُعَيْبٌ، وَصَالِحٌ، وَنَبِيُّكَ يَا أَبَا ذَرٍّ، وَأَوَّلُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: مُوسَى، وَآخِرُهُمْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، وَأَوَّلُ الْمُرْسَلِينَ [4] : آدَمُ، وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ» قُلْتُ [5] : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ كِتَابٌ [6] أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: مِائَةُ كِتَابٍ وَأَرْبَعَةُ كُتُبٍ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى شِيثَ خَمْسِينَ صَحِيفَةً، وَعَلَى أَخْنُوخَ ثَلاثِينَ صَحِيفَةً وَعَلَى إِبْرَاهِيمَ عَشْرَ صحائف، وأنزل على
__________
[1] بياض في ت مكان: «باب عدد الأنبياء والمرسلين» .
[2] حذف السند من ت وكتب: «أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بإسناد لَهُ عن أبي ذر» .
[3] في ت: «وسواه ثم قال» . وقبلا: يعنى عيانا.
[4] في ت: «وأول الرسل» .
[5] من هنا حتى قبل نهاية الباب بقليل ساقط من ت. وسنشير إليه في موضعه.
[6] كذا في الأصل والصواب «كتابا» لأنه مميّزكم الاستفهامية.(2/142)
مُوسَى قَبْلَ أَنْ يُنَزِّلَ التَّوْرَاةَ عَشْرَ صَحَائِفَ، وأنزل التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: «كَانَتْ أَمْثَالا كُلُّهَا، كَانَ فِيهَا: أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمُسَلَّطُ الْمُبْتَلَى الْمَغْرُورُ، إِنِّي لَمْ أَبْعَثْكَ تَجْمَعُ الدُّنْيَا بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلَكِنْ بَعَثْتُكَ لِتَرُدَّ عَنِّي دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنِّي لا أَرُدُّهَا وَلَوْ كَانَتْ مِنْ كَافِرٍ، وَكَانَ فِيهَا أمثال، وعلى العاقل أن تكون له ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةً يُفَكِّرُ فِي صُنْعِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ، وَسَاعَةً يَخْلُو فِيهَا بِحَاجَتِهِ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ، وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لا يَكُونَ طَائِعًا إِلا لِثَلاثٍ: تَزَوُّدٍ لِمَعَادٍ، أَوْ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ، أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ، وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِزَمَانِهِ، مُعِيلا عَلَى شَأْنِهِ، حَافِظًا لِسَانَهُ، وَمَنْ يَحْسِبُ كَلامَهُ مِنْ عَمَلِهِ، قَلَّ كَلامُهُ إِلا فِيمَا يَعْنِيهِ.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَتْ صُحُفُ مُوسَى؟
قَالَ: «كَانَتْ عِبَرًا كُلُّهَا عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ، ثُمَّ هُوَ يَلْهُو، وَعَجِبْتُ لِمَنْ رَأَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبُهَا بِأَهْلِهَا ثُمَّ اطْمَأَنَّ إِلَيْهَا، وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ غَدا كَيْفَ لا يَعْمَلُ» [1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ/ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو محمد بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْنُ مَعْرُوفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أسامة قال:
أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ وَهَاشِمُ بْنُ الْهَيْثَمِ قالا: أخبرنا المسعودي، عن أبي عمرو الشامي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخَشْخَاشِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:
قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أَيُّ الأَنْبِيَاءِ أَوَّلُ؟ قَالَ: «آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ» قلت: أو نبيا كَانَ؟
قَالَ: «نَعَمْ نَبِيٌّ مُكَلَّمٌ» قَالَ: قُلْتُ: فكم المرسلين؟ قال: «ثلاثمائة وَخَمْسَةَ عَشَرَ، جَمًّا غَفِيرًا» [2] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْهَاشِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طالب مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن غَيْلانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
__________
[1] الخبر أخرجه مختصرا الطبري في التاريخ 1/ 151. وابن كثير في البداية والنهاية 2/ 151.
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 54.(2/143)
الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي الْحُسَامِ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
«بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى ثَمَانِيَةَ آلافِ نَبِيٍّ، مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلافٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ» [1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد الجوهري قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال:
أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مسلم بن خالد الزنجي قال حدثني زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سَلْمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«بَعَثَنِي اللَّهُ عَلَى إِثْرِ ثَمَانِيَةِ آلافٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلافِ [نَبِيٍّ] [2] مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ» [3] .
وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ [4] ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قَالَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لوحا فيه ثلاثمائة وَخَمْسَ عَشْرَةَ شَرِيعَةً، يَقُولُ الرَّحْمَنُ عَزَّ وَجَلَّ: وعزتي وجلالي لا يأتيني عبد من عبادي لا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا فِيهِ وَاحِدٌ مِنْكُنَّ [5] إِلا أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ» . قَالَ أَبُو الحسين بْن المنادي: هَذِهِ الشرائع عائدة إِلَى المرسلين.
/ وَرَوَى عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ مِنَ الْفُرْسِ نَبِيٌّ.
وَقَالَ وهب بْن منبه: أنزلت صحف إِبْرَاهِيم فِي أول ليلة من رمضان، والتوراة لست [ليال] خلون من رمضان، [والزبور لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان] [6]
__________
[1] أخرجه أبو نعيم في الحلية 3/ 53. وابن كثير في تفسيره 2/ 423. وانظر مجمع الزوائد 8/ 210.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأضفناه من ابن سعد.
[3] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 192. وإلى هنا الساقط من ت.
[4] في ت: «وروي عَنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
[5] «فِيهِ واحد منكن» سقط من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/144)
والإنجيل لثماني عشرة [ليلة] خلت من رمضان، والقرآن لأربع وعشرين ليلة خلت من رمضان.
ذكر فضل هَذِهِ الأمة
أَخْبَرَنَا الْكُرُوخِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الأَزْدِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْعَوْرَجِيُّ قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْجَرَّاحِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَحْبُوبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا التِّرْمِذِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بن حميد قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قال: أخبرنا [1] بهز بن حكيم، عن مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّكُمْ تُوَفُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى» [2]
. ذكر ما بين الأنبياء من السنين
[3] روى أبو صالح، عن ابن عباس قال: كَانَ بَيْنَ آدَمَ إِلَى نُوحٍ عَلَيْهِمَا السَّلامُ أَلْفَا سَنَةٍ وَمِائَتَا سَنَةٍ، وَبَيْنَ نُوحٍ إِلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَثَلاثٌ وَأَرْبَعُونَ سنة، ومن إبراهيم إلى موسى خمسمائة وخمس وسبعون سنة، ومن موسى إلى داود خمسمائة وتسع وسبعون [سنة] [4] ومن داود إلى عيسى أَلْفٌ وَثَلاثٌ وَخَمْسُونَ [سَنَةً] [5] ، وَمِنْ عِيسَى إِلَى محمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سَنَةٍ.
وَقَالَ ابن إِسْحَاق: بين آدم إِلَى نوح ألف ومائتا سنة، ومن نوح إِلَى إبراهيم عليهما السلام ألف ومائة واثنتان وأربعون سنة، ومن إِبْرَاهِيم إلى موسى خمسمائة وخمس وستون سنة، [وبين موسى وداود خمسمائة وتسع وستون سنة] [6] ومن داود إِلَى عِيسَى ألف وثلاثمائة وست وخمسون سنة، ومن عيسى إلى محمد ستمائة سنة.
__________
[1] من أول السنة إلى هنا حذف من ت.
[2] أخرجه الإمام أحمد في المسند 5/ 3 والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 5.
[3] بياض في ت مكان «ذكر ما بين الأنبياء من السنين» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/145)
وَقَالَ ابن أبي خثيمة: منذ خلق اللَّه آدم إلى أن بعث محمدا صلى الله عليه وسلم خمسة آلاف سنة وثمانمائة سنة
. ذكر معايش الأنبياء
[1] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ حَرَّاثًا، وَكَانَ نُوحٌ نَجَّارًا، وَكَانَ إِدْرِيسُ خَيَّاطًا، وَكَانَ صَالِحُ/ تَاجِرًا، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ زَرَّاعًا، وَكَانَ شُعَيْبُ رَاعِيًا [وَكَانَ مُوسَى رَاعِيًا] [2] وَكَانَ دَاوُدُ زَرَّادًا، وَكَانَ سُلَيْمَانُ مَلِكًا، وَكَانَ عِيسَى لا يَخْبَأُ شَيْئًا لِغَدِهِ، وَكَانَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يرعى غنما لأهل بَيْتِهِ بِأَجْيَادَ، وَكَانَتْ حَوَّاءُ تَغْزِلُ الشَّعْرَ فَتَحُوكُهُ بِيَدِهَا فَتَكْسُو نَفْسَهَا وَوُلْدَهَا
. ذكر من ولد مختونا
قَالَ مؤلف الكتاب [3] : أما آدم فإنه خلق مختونا، وولد شيث وإدريس [ونوح] [4] وسام، وهود، وصالح، ونبي أصحاب الرس، ولوط، ويُوسُف، وموسى، وشعيب، وسليمان، وزكريا، وعيسى، ونبينا مختونين مسرورين، وابتلي بالختان إِبْرَاهِيم الخليل عَلَى ما سبق
. ذكر أقوام من القدماء
[5] منهم:
خالد بْن سنان العبسي
[6] قَالَ مؤلف الكتاب [7] : ويروى أنه من الأنبياء.
__________
[1] بياض في ت مكان «ذكر معايش الأنبياء» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] بياض في ت. مكان: «ذكر من ولد مختونا. قَالَ مؤلف الكتاب» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] بياض في ت. مكان: «ذكر أقوام من القدماء» .
[6] «العبسيّ» سقطت من ت.
[7] «قال مؤلف الكتاب» سقطت من ت.(2/146)
أنبأنا يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بْنِ بُنْدَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ دُومَا قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْبَاقِرَحِيُّ قَالَ: أخبرنا الحسن بن علي القطان قال: أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار قال: أخبرنا إسحاق بْنُ بِشْرٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ [1] :
ظَهَرَتْ نَارٌ بِالْبَادِيَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ طَوَائِفٌ من العرب يعبدونها، فقام رجل من عبس يُقَالُ لَهُ: خَالِدُ بْنُ سِنَانٍ الْعَبْسِيُّ، فَأَطْفَأَهَا وَرَفَعَ، وَقَالَ لإِخْوَتِهِ: إِنِّي مَيِّتٌ، فَإِذَا مِتُّ فَادْفِنُونِي فِي مَوْضِعِي هَذَا، فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ فَارْصُدُوا قَبْرِي، وَإِذَا رَأَيْتُمْ عِيرًا أَبْتَرَ مَقْطُوعَ الذَّنَبِ عِنْدَ قَبْرِي فَاقْتُلُوهُ وَانْبِشُوا قَبْرِي، فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ هُوَ كَائِنٌ.
فَمَاتَ، فَدَفَنُوهُ ثُمَّ رَصَدُوا قَبْرَهُ عِنْدَ الْحَوْلِ، فَجَاءَ الْعِيرُ فَقَتَلُوهُ وَأَرَادُوا أَنْ يَنْبِشُوهُ، فَقَالَ إِخْوَتُهُ إِنْ نَبَشْنَاهُ كَانَتْ سُبَّةً عَلَيْنَا فِي الْعَرَبِ فَتَرَكُوهُ.
فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدمت عليه بنت خالد بن سنان بعد ما هَاجَرَ [2] ، فَقَالَتْ: أَنَا بِنْتُ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعَبْسِيُّ» قَالَتْ: نَعَمْ، فَرَحَّبَ بِهَا ثُمَّ قَالَ لأَصْحَابِهِ: «إِنَّ أَبَاهَا كَانَ نَبِيًّا هَلَكَ/ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، ضَيَّعَهُ [3] قَوْمُهُ» وَقَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِصَّتَهُ وَقَالَ [4] لَوْ نَبَشُوهُ أخبرهم بشأني وشأن هذه الأُمَّةِ وَمَا يَكُونُ مِنْهَا» [5] .
وَبِالإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الْعَبْسِيِّ، أَنَبِيًّا كَانَ؟ قَالَ: لا، إِنَّمَا كَانَ أُلْهِمَ أَمْرًا، لَوْ نَبَشُوهُ لَبَشَّرَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا أُلْهِمَ الإِيمَانَ وَالْهُدَى أَنْ غَضِبَ للَّه، وَأَطْفَأَ تِلْكَ النَّارَ لِئَلا تُعْبَدَ.
وَرَوَى عِكْرِمَةُ [6] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ خَالِدُ بن سنان لقومه: إني ميّت، فإذا
__________
[1] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أنبأنا يحيى بإسناد له عن مجاهد عن ابن عباس قال:» .
[2] في ت: «بعد ما هاجروا» .
[3] في الأصل: «فتبعه» .
[4] «وَقَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِصَّتَهُ وقال» سقط من ت.
[5] انظر قصة خالد بن سنان في: البداية والنهاية 2/ 211- 212. والكامل 1/ 291. وعجائب الحديث للنقاش (خط) . وزاد المسير.
[6] من هنا حتى آخر خبر خالد بن سنان سقط من ت.(2/147)
دَفَنْتُمُونِي فَمَرَّ عَلَيَّ ثَلاثٌ، فَإِنَّهُ سَتَجِيءُ عِيرٌ أَبْتَرٌ، فَيَقُومُ عَلَى قَبْرِي فَيَنْهَقُ ثَلاثَ نَهَقَاتٍ، فَخُذُوهُ وَاذْبَحُوهُ، وَابْقُرُوا بَطْنَهُ، وَاضْرِبُوا بِهِ قَبْرِي، فَإِنِّي أَخْرُجُ إِلَيْكُمْ فَأُحَدِّثُكُمْ بِمَا يَنْفَعُكُمْ فِي آخِرَتِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ.
فَجَاءَ الْحِمَارُ فَنَهَقَ فَقَالُوا: انْبِشُوهُ فَقَالَ رَهْطُهُ: وَاللَّهِ لا تَنْبِشُوهُ فَيَكُونُ عَلَيْنَا سُبَّةً، قَالَ: وَقَدْ كَانَ ذكر لَهُمْ أَنَّ في عكن امرأته لو حين إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ، فَنَظَرُوا فِيهَا فَإِنَّهُمْ سَيَرَوْنَ مَا تَسْأَلُونَ عَنْهُ، وَقَالَ: لا تَمَسُّهُمَا حَائِضٌ. فَجَاءُوا فَسَأَلُوا امْرَأَتَهُ عَنْهُمَا، فَأَخْرَجَتْهُمَا وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَهَبَ مَا كَانَ فِيهِمَا، فَذَكَرُوا أَمْرَهُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «نَبِيٌّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ» [1] .
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
جَاءَتِ ابْنَةُ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الْعَبْسِيِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِابْنَةِ أَخِي مَرْحَبًا بِابْنَةِ أَخِي، نَبِيٌّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ» [2] .
وَفِي رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَالِدٌ فِي [زَمَنِ] [3] الْفَتْرَةِ
. منهم: جرجيس [4] :
هو رجل صالح أدرك بقايا من حواريي عِيسَى عَلَيْهِ السلام.
روى مُحَمَّد بْن إِسْحَاق [5] ، عَنْ وهب وغيره: أنه كان بالموصل ملك جبار، وكان جرجيس رجلا صالحا من أهل فلسطين فكتم إيمانه فِي عصبة معه يكتمون الإيمان قد أدركوا بقايا من الحواريين [6] ، وكان جرجيس كثير المال عظيم الصدقة، فدخل على
__________
[1] أخرجه ابن كثير في البداية والنهاية 2/ 211، 212. وابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 296. مختصرا.
[2] قال ابن كثير: والمرسلات التي فيها أنه نبي لا يحتج بها هاهنا، والأشبه أنه كان رجلا صالحا له أحوال وكرامات، فإنه في زمن الفترة، فقد ثبت في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أولى الناس بعيسى بن مريم أنا، لأنه ليس بيني وبينه نبي» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت.
[4] بياض في ت: «منهم» .
[5] «روى محمد ابن إسحاق» . سقط من ت.
[6] «قد أدركوا بقايا من الحواريين سقط من ت.(2/148)
ملك الموصل وقد/ نصب صنما، وأوقد نارا، وعرض الناس، فمن لم يسجد للصنم ألقاه فِي النار، فَقَالَ له جرجيس: اعلم أنك عَبْد مملوك ولا تملك لنفسك شيئا ولا لغيرك، وأن فوقك ربا هو الّذي يملكك وغيرك، وإنك عمدت إِلَى خلق من [1] خلقه لا يبصر ولا يسمع فجعلته فتنة للناس، فأمر الملك بخشبة فنصبت، وجعل عليها أمشاط الحديد، وجر عليها حَتَّى تقطع لحمه، ونضح بالخل والخردل، فلم يمت، فضرب فِي رأسه بمسامير من حديد فلم يمت، فألقاه فِي لوح [2] من نحاس قد أوقدوا عَلَيْهِ فلم يمت، فقالوا له [3] : ألم تجد ألم هَذَا العذاب؟ قَالَ: إن ربي حمل عني عذابك وصبرني ليحتج عليك، فخفه عَلَى نفسك وملكك [4] .
فسجنه وضرب فِي يديه أوتادا من حديد، وترك عَلَيْهِ صخرة، فأرسل اللَّه [5] إليه ملكا فخلصه من ذَلِكَ، وَقَالَ له: الحق بعدوك وجاهده فِي اللَّه حق جهاده، فإن الله يقول لك اصبر وأبشر، فإنّي قد ابتليتك بعدوك هَذَا سبع سنين يعذبك ويقتلك فيهن أربع مرات، وأرد إليك روحك، فإذا كانت الرابعة نقلت روحك وأوفيتك أجرك.
فلم يشعروا إلا به عَلَى رءوسهم، فَقَالَ له الملك: من أخرجك؟ قَالَ: أخرجني الذي سلطانه فوق سلطانكم [6] . فمدوه بين خشبتين وقطعوه نصفين، ثم قطعوه قطعا ورموا به إِلَى أسد ضارية، فلما أدركه الليل جمعه اللَّه عز وجل ورد إليه روحه، وأرسل اللَّه إليه ملكا فأطعمه وسقاه وأخرجه، وَقَالَ: الحق بعدوك فجاهده، فإذا به عَلَى رءوسهم، فقالوا: هَذَا ساحر، ثم سألوه آيات فأظهرها، ثم قتلوه فعاد حيا، فآمنت به امرأة الملك وأربعة وثلاثون ألفا، ثم قتلوه فلم يعد.
__________
[1] «من» سقطت من ت.
[2] في ت: «في حوض» .
[3] في ت: «يقال» .
[4] في ت: «فخافه على نفسه وملكه» .
[5] في ت: «فأرسل إليه» .
[6] في ت: «سلطانك» .(2/149)
منهم: شمشون:
قَالَ مؤلف الكتاب [1] : كان فِي الفترة، وكان رجلا صالحا من قرية من قرى الروم، وكان قومه يعَبْدون الأوثان.
قَالَ وهب بْن منبه: كان يغزوهم ويجاهدهم فيقتل ويسبي ويصيب المال ولا يقاتلهم إلا بلحي/ جمل [2] ، وكان قد أعطي قوة فِي البطش فلا يوثقه حديد ولا غيره، فلم يقدروا عَلَيْهِ، فدخلوا عَلَى امرأته فجعلوا لها جعلا، فقالت: أنا أوثقه لكم، فأعطوها حبلا وثيقا، وَقَالُوا: إذا نام فأوثقي يده إِلَى عنقه حَتَّى نأتي فنأخذه، ففعلت، فلما هب جذبه بيده فوقع من عنقه [3] ، فَقَالَ لها: لم فعلت هَذَا؟ قالت: أجرب به قوتك [4] ، فأرسلت إليهم تخبرهم، فأرسلوا إليه جامعة من حديد فلما نام، جعلتها فِي عنقه، فلما هب [5] جذبها فوقعت، وقال: لم فعلت، قالت [6] : أجرب قوتك، ما رأيت مثلك فِي الدنيا يا شمشون، أما فِي الأرض شَيْء يغلبك قَالَ: لا، إلا شَيْء واحد، قالت: وما هو؟ قَالَ: ما أنا بمخبرك به، فلم تزل به تسأله حَتَّى [7] قَالَ: ويحك إن أمي جعلتني نذرا، فلا يغلبني شيء ولا يضبطني إلا شعري، قالت: فلما نام، أوثقت يده إِلَى عنقه بشعر رأسه فأوثقه ذلك، وبعثت إِلَى القوم، فأخذوه، فجدعوا أنفه [وأذنيه] [8] وفقئوا عينه وأوثقوه [9] للناس بين ظهراني المدينة، ودعا اللَّه أن يسلطه عليهم، فأمر أن يأخذ بعمودين من عمد المدينة، كانت المدينة ذات أساطين، فأخذ بالعمودين اللذين عليهما الملك والناس الذين ينظرون إليه فجذبهما، ورد [10] اللَّه عز وجل إليه بصره، وما أصابوا من جسده ووقعت المدينة بالناس والملك فهلكوا.
__________
[1] «ومنهم شمشون. قال مؤلف الكتاب» بياض في ت.
[2] في ت: «بلحى بعير» .
[3] في ت: «من خلفه» .
[4] في ت: «اختبرت قوتك» .
[5] في ت «فلما علم» .
[6] في الأصل: قال.
[7] «حتى» سقطت من ت.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[9] في ت: «ووقفوه» .
[10] في ت: «والناس ينظرون إليه وردّ» .(2/150)
منهم: أصحاب الكهف [1] :
قَالَ ابن عباس رضي اللَّه عنه: إنهم قوم هربوا من ملكهم حين دعاهم إِلَى عبادة الأصنام، فمروا براع له كلب يتبعهم عَلَى دينهم، فآووا إِلَى كهف [2] يتعَبْدون، وكان منهم رجل يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة إِلَى أن جاءهم يوما فأخبرهم أنهم قد ذكرهم الملك، فعوذوا [3] باللَّه من الفتنة، فضرب اللَّه عَلَى آذانهم وأمر الملك، فسد عليهم الكهف، وهو يظنهم أيقاظا، وقد توفى اللَّه أرواحهم، وفاة النوم وكلبهم قد غشيه ما غشيهم/ ثم إن رجلين مؤمنين يكتمان إيمانهما كتبا أسماءهم وأنسابهم وخبرهم [4] فِي لوح من رصاص وجعلاه فِي تابوت من نحاس [وجعلاه] [5] فِي البنيان، وَقَالَا: لعل اللَّه عز وجل يطلع عليهم قوما مؤمنين فيعلمون خبرهم.
وَقَالَ ابن إِسْحَاق: وألقى اللَّه عز وجل فِي نفس رجل من أهل البلد أن يهدم ذلك البنيان، فيبني به حظيرة لغنمه فاستأجر عاملين ينزعان تلك [6] الحجارة، فنزعاها، وفتحا باب الكهف، فجلسوا فرحين، فسلم بعضهم عَلَى بعض، لا يرون فِي وجوههم ولا [7] أجسادهم شيئا يكرهونه، إنما هم كهيئتهم حين رقدوا، وهم يرون [أن] [8] ملكهم فِي طلبهم فضلوا، وَقَالُوا لتمليخا صاحب نفقتهم: انطلق [فاسمع ما يذكرونه] [9] وابتع لنا طعاما، فوضع ثيابه، وأخذ الثياب التي يتنكر فيها وخرج، فمر مستخفيا متخوفا [10] أن يراه أحد، فلما رأى باب المدينة رأى عَلَيْهِ علامة تكون لأهل الإيمان فعجب، وخيّل إليه
__________
[1] بياض في ت: «أصحاب الكهف» .
[2] في ت: «الكهف» .
[3] في ت: «قد ذكروا فبكوا وتعوذوا» .
[4] «وخبرهم» سقطت من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] «تلك» سقطت من ت.
[7] «لا» سقطت من ت.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] في ت: «فمر مستخفيا متنكرا» .(2/151)
أنها ليست المدينة التي يعرف، ورأى ناسا لا يعرفهم، فتعجب، وجعل [1] يقول: لعلي نائم، فلما دخلها رأى قوما يحلفون باسم عِيسَى فقام مسندا ظهره إِلَى جدار، وَقَالَ فِي نفسه: والله ما أدري لما هَذَا إلا غشية، أمس لم يكن عَلَى وجه [2] الأرض من يذكر عِيسَى إلا قتل، واليوم أسمعهم يذكرونه، لعل هَذِهِ ليست بالمدينة التي أعرف، والله ما أعرف مدينة قرب [3] مدينتنا [شيئا] [4] ، فقام كالحيوان، وأخرج ورقا، فأعطاه رجلا، وَقَالَ: بعني طعاما. فنظر الرجل إِلَى نقشه فعجب [5] ثم ألقاه إِلَى آخر، فجعلوا يتطارحونه بينهم ويتعجبون ويتناقدون [6] وقالوا: إن هذا قد أصاب كنزا ففرق منهم وظنهم قد عرفوه، فَقَالَ: أمسكوا طعامكم فلا حاجة لي إليه، فقالوا له: من أنت يا فتى، والله لقد وجدت كنزا، وأنت تريد أن تخفيه، فشاركنا فيه، وإلا أتينا بك إِلَى السلطان فيقتلك. فلم يدر ما يقول، فطرحوا كساءه فِي عنقه وهو يبكي ويقول: فرق بيني وبين/ إخوتي يا ليتهم يعلمون ما أصبت [7] فأتوا به إِلَى رجلين كانا يدبران أمر المدينة، فقالا: أين الكنز الذي وجدت؟ فَقَالَ: ما وجدت كنزا، ولكن ما هَذِهِ ورق آبائي ونقش هذه المدينة وضربها، ولكن [8] والله ما أدري ما شأني ولا ما أقول [لكم] [9] .
قَالَ مجاهد: وكان ورق أصحاب الكهف مثل أخفاف الإبل فقالوا: من أنت، وما اسم أبيك؟ فأخبرهم، فلم يجدوا من يعرفه، فَقَالَ له أحدهما: أتظن أنك تسخر منا وخزائن هَذِهِ المدينة بأيدينا وليس عندنا من هَذَا الضرب درهم ولا دينار، إني سآمر بك فتعذب عذابا شديدا، ثم أوثقك حَتَّى تعرف هَذَا الكنز فَقَالَ تمليخا: أنبئوني عَنْ شَيْء أسألكم عنه، فإن فعلتم صدقتم. قَالُوا: سل، قَالَ: ما فعل الملك دقيانوس، قالوا: لا نعرف اليوم عَلَى وجه الأرض ملكا يسمى دقيانوس، وإنما هَذَا ملك منذ زمان طويل، وهلكت بعده قرون كثيرة، فَقَالَ: والله ما يصدقني أحد بما أقوله، لقد كنا فتية، وأكرهنا
__________
[1] فمات: «فجعل يتعجب» .
[2] «وجه» سقطت من ت.
[3] «مدينة قرب» سقطت من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت: «فتعجب» .
[6] في ت: «ويتشاورون» .
[7] في ت: «ما لقيت» .
[8] «ولكن» سقطت من ت.
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/152)
الملك عَلَى عبادة الأوثان والذبح للطواغيت، فهربنا منه عشية أمس، فنمنا، فلما انتبهنا خرجت أشتري لأصحابي طعاما، فإذا أنا كما ترون، فانطلقوا معي إِلَى الكهف أريكم أصحابي، فانطلقوا معه وسار أهل المدينة [1] فكان أصحابه قد ظنوا لإبطائه عليهم أنه قد أخذ، فبينما هم يتخوفون ذلك إذ سمعوا الأصوات وجلبة الخيل، فظنوا أنهم رسل دقيانوس، فقاموا إِلَى الصلاة وسلم بعضهم عَلَى بعض فسبق تمليخا إليهم وهو يبكي فبكوا معه وسألوه عن شأنه فأخبرهم، وقص عليهم النبأ كله، فعرفوا أنهم كانوا نياما بأمر اللَّه عز وجل، وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس، وتصديقا للبعث، ونظر الناس [إِلَى] [2] المسطور الذي فيه أسماؤهم وقصتهم فأرسلوا إِلَى ملكهم، فجاء واعتنق القوم وبكى، فقالوا له: نستودعك اللَّه ونقرأ عليك السلام، حفظك/ اللَّه، وحفظ ملكك، فبينا الملك قائم رجعوا إلى مضاجعهم، وتوفى الله سبحانه أنفسهم، فأمر الملك أن يجعل لكل واحد منهم تابوت من ذهب، فلما أمسى [3] رآهم فِي المنام، فقالوا: إنا لم نخلق من ذهب وفضة، ولكنا خلقنا من تراب، فاتركنا كما كُنَّا فِي الكهف عَلَى التراب، حَتَّى يبعثنا اللَّه منه، وحجبهم اللَّه عز وجل حين خرجوا من عندهم بالرعب فلم يقدر أحد أن يدخل عليهم، وأمر الملك فجعل عَلَى باب الكهف مسجدا يصلى فيه، وجعل لهم عيدا عظيما يؤتى كل سنة [4]
. ومنهم: أصحاب الأخدود:
قَالَ مؤلف الكتاب [5] : وهم قوم خدت لهم أخاديد، وأوقدت [6] فيها النيران وألقوا فيها.
واختلف العلماء فِي سبب ذلك، فَقَالَ قوم: أريدوا عَلَى الكفر فلم يفعلوا.
__________
[1] «وسار أهل المدينة» سقط من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] في ت: «وأمسوا» .
[4] انظر قصة أهل الكهف في: البداية والنهاية 2/ 113- 117.
[5] بياض في ت مكان: «ومنهم أصحاب الأخدود قال مؤلف الكتاب» .
[6] «وأوقدت» سقطت من ت.(2/153)
وَقَالَ قوم: إن ملكهم وقع عَلَى أخته، وأخبر الناس بإباحة ذلك فلم يقبلوا [1] .
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مَلِكٌ [2] وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبُرَ السَّاحِرُ قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبُرَ سِنِّي، وَحَضَرَ أَجَلِي، فَادْفَعْ إِلَيَّ غُلامًا لأُعَلِّمَهُ السِّحْرَ [3] ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ غُلامًا وَكَانَ يُعَلِّمُهُ السِّحْرَ، وَكَانَ بَيْنَ السَّاحِرِ وَبَيْنَ الْمَلِكِ رَاهِبٌ، فَأَتَى الْغُلامُ عَلَى الرَّاهِبِ، فَسَمِعَ مِنْ كَلامِهِ، فَأَعْجَبَهُ نَحْوُهُ وَكَلامُهُ وَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ [4] وَقَالَ: مَا حَبَسَكَ؟ فَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ ضَرَبُوهُ وَقَالُوا: مَا حَبَسَكَ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ [لَهُ] [5] : إِذَا أَرَادَ السَّاحِرُ أَنْ يَضْرِبَكَ فَقُلْ حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا أَرَادَ أَهْلُكَ أَنْ يَضْرِبُوكَ، فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ، قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ [6] إِذْ أَتَى ذات يوم [7] على دابة فظيعة [8] عظيمة قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَجُوزُوا فقال اليوم أعلم أمر [9] الراهب إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَمِ السَّاحِرُ، فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ: اللَّهمّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إليك وأرضى لك مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةِ حَتَّى يَجُوزَ النَّاسُ، وَرَمَى بِهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ فَأَخْبَرَ الرَّاهِبَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ أَفْضَلُ مِنِّي، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى [فَإِنِ ابْتُلِيتَ] [10] فَلا تَدُلَّ عَلَيَّ، فَكَانَ الْغُلامُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَسَائِرَ الأَدْوَاءِ وَيَشْفِيَهُمْ، وَكَانَ لِلْمَلِكِ جَلِيسٌ فَعَمِيَ، فَسَمِعَ بِهِ، فَأَتَاهُ وَأَتَى بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: اشْفِنِي ولك ما هاهنا أجمع، قال: ما أنا
__________
[1] «وقال قوم ... فلم يقبلوا» سقط من ت.
[2] في ت: «كان ملك فيمن كان قبلكم» .
[3] «السحر» سقطت من ت.
[4] «ضربه» سقط من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] في ت: «فبينا هو على ذلك» .
[7] في ت: «إذا أتى قوما علي..» .
[8] «فظيعة» سقطت من ت.
[9] في ت: «فقال اليوم أعلم الراهب» .
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/154)
أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي [اللَّهُ] [1] عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ آمَنْتَ بِهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ فَدَعَا اللَّهَ [لَهُ] [2] عَزَّ وَجَلَّ فَشَفَاهُ، ثُمَّ أَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ مِنْهُ نَحْوَ مَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: يَا فُلانُ مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: أَنَا، قَالَ: لا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ قَالَ: أو لك رب غيري قال: نعم، قال: فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبَهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلامِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ أَنْ تُبْرِئَ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَهَذِهِ الأَدْوَاءِ، قَالَ: مَا أَنَا أَشْفِي أَحَدًا، مَا يَشْفِي إِلا اللَّهُ، قَالَ: أَنَا. قَالَ: لا، قَالَ: أو لك رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَ:
نَعَمْ [3] ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَخَذَهُ أَيْضًا بِالْعَذَابِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَأَتَى الرَّاهِبَ [4] ، فَقَالَ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ. فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرَقِ رَأْسِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، وَقَالَ لِلأَعْمَى: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى، فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرَقِ رَأْسِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ فِي الأَرْضِ، فَقَالَ لِلْغُلامِ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى، فَبَعَثَ بِهِ مَعَ نَفَرٍ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ لَهُمْ: إِذَا بَلَغْتُمْ ذِرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلا فَدَهْدِهُوهُ مِنْ فَوْقِهِ، فَذَهَبُوا بِهِ، فَلَمَّا عَلَوْا بِهِ الْجَبَلَ قَالَ: اكْفِنِيهِمُ اللَّهمّ بِمَا شِئْتَ [5] ، فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلَ فَدُهْدِهُوا أَجْمَعُونَ، وَجَاءَ الْغُلامُ يَتَلَمَّسُ [6] حَتَّى دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟
قَالَ [7] : كَفَانِيهِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَبَعَثَ بِهِ مَعَ نَفَرٍ فِي قُرْقُورٍ، وَقَالَ: إِذَا بَلَغْتُمْ [8] أَوْ قَالَ:
[إِذَا] [9] لَجَجْتُمْ بِهِ [فِي] [10] الْبَحْرِ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلا فَأَغْرِقُوهُ. فَلَجَّجُوا بِهِ الْبَحْرَ، فَقَالَ الْغُلامُ: اللَّهمّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ. فَغَرِقُوا أَجْمَعُونَ، وجاء الغلام يتلمس [11]
__________
[1] سقط من الأصل ما بين المعقوفتين.
[2] سقط من الأصل ما بين المعقوفتين.
[3] «قال: فلم يزل يعذبه حتى دل ... قال: نعم» ساقط من ت.
[4] «فأتى الراهب» سقط من ت.
[5] في ت: «اللَّهمّ اكفنيهم بما شئت» .
[6] «يلتمس» سقطت من ت.
[7] «قال» سقطت من ت.
[8] «بلغتم» سقطت من ت.
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[11] «يتلمس» سقطت من ت.(2/155)
حَتَّى دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ فَقَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، فَإِنْ أَنْتَ فَعَلْتَ مَا آمُرُكَ بِهِ [1] قَتَلْتَنِي، وَإِلا فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ قَتْلِي [قَالَ: وَمَا هُوَ؟] [2] قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ [3] ثُمَّ تَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ وَتَأْخُذُ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ثُمَّ قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلامِ، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي، فَفَعَلَ وَوَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبِدِ قَوْسِهِ ثُمَّ رَمَاهُ، وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلامِ، فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صَدْغِهِ فَوَضَعَ الْغُلامُ يَدَهُ عَلَى صَدْغِهِ وَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ، فَقِيلَ لِلْمَلِكِ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ، فَقَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ [4] كُلُّهُمْ، فَأَمَرَ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدِّدَتْ فِيهَا الأَخَادِيدُ وأضرمت فيه النِّيرَانُ، وَقَالَ: مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ فَدَعُوهُ، وَإِلا فَأَقْحِمُوهُ فِيهَا قَالَ: فَكَانُوا يَتَعَادُّونَ فِيهَا وَيَتَدَافَعُونَ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا تُرْضِعُهُ، فَكَأَنَّهَا أَبْقَيَتْ، فَتَقَاعَسَتْ أَنْ يَقَعَ فِي النَّارِ، فَقَالَ الصَّبِيُّ: يَا أُمَّاهُ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ
[5] .
منهم: جريج العابد
[6] :
أَخْبَرَنَا الْحُصَيْنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [7] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
«لم يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلا ثَلاثَةٌ: عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ قَالَ: وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ [عَابِدٌ] [8] يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ، فَابْتَنَى صَوْمَعَةً فَتَعَبَّدَ فِيهَا، قَالَ [9] : فَذكر بَنُو إِسْرَائِيلَ يَوْمًا عِبَادَةَ
__________
[1] «فإن أنت فعلت ما آمرك» سقط من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] «واحد» سقط من ت.
[4] «الناس» سقطت من ت.
[5] أخرجه الإمام أحمد في المسند 6/ 17. ومسلم في صحيحه- مع اختلاف- كتاب الزهد باب 17 برقم 73، وابن كثير في البداية والنهاية 2/ 129.
[6] بياض في ت مكان: «منهم جريح العابد» .
[7] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا ابن الحصين بإسناده إلى أبي هريرة» .
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[9] «قال» سقطت من ت.(2/156)
جُرَيجٍ، فَقَالَتْ بَغِيٌّ مِنْهُمْ: لَئِنْ شِئْتُمْ لأَفْتِنَنَّهُ، فَقَالُوا: قَدْ شِئْنَا [ذَاكَ] [1] قَالَ: فَأَتَتْهُ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا فَأَمْكَنَتْ نَفْسَهَا مِنْ راع كان يؤوي [غَنَمَهُ] [2] إِلَى أَصْلِ صَوْمَعَةِ جُرَيْجٍ [فَحَمَلَتْ] [3] فَوَلَدَتْ غُلامًا، قَالُوا: مِمَّنْ، قَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَشَتَمُوهُ وَضَرَبُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّكَ زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ فَوَلَدَتْ غُلامًا. قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ هَذَا/؟ قَالُوا: هُوَ هذا قال: فقام فصلى وَدَعَا، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْغُلامِ فَطَعَنَهُ بِأُصْبُعِهِ، فَقَالَ: يَا غُلامُ، باللَّه مَنْ هُوَ أَبُوكَ؟ قَالَ: أَنَا ابْنُ الرَّاعِي، فَوَثَبُوا إِلَى جُرَيْجٍ. فَجَعَلُوا يُقَبِّلُونَهُ، وَقَالُوا لَهُ: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: لا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ ابْنُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ.
قَالَ: وَبَيْنَمَا امْرَأَةٌ فِي حِجْرِهَا ابْنٌ لَهَا تُرْضِعُهُ إذْ مَرَّ بِهَا رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ، فَقَالَتْ:
اللَّهمّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذَا. قَالَ: فَتَرَكَ ثَدْيَهَا [فَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ] [4] وَقَالَ: اللَّهمّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ. قَالَ: ثُمَّ عَادَ إِلَى ثَدْيِهَا. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَحْكِي صُنْعَ الصَّبِيِّ وَضَعَ أُصْبُعَهُ فِي فِيهِ، فَجَعَلَ يَمَصُّهَا، ثُمَّ مَرَّتْ بِأَمَةٍ تُضْرَبُ، فَقَالَتْ: اللَّهمّ لا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا.
قَالَ: فَتَرَكَ ثَدْيَهَا، وَأَقْبَلَ عَلَى الأَمَةِ وَقَالَ: اللَّهمّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا. قَالَ: فَذَاكَ حِينَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ، فَقَالَتْ: خَلْفِي مَرَّ الرَّاكِبُ ذُو الشَّارَةِ، فَقُلْتُ [اللَّهمّ] [5] اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ، فَقُلْتَ: اللَّهمّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ومرّ بِهَذِهِ الأَمَةِ فَقُلْتُ: لا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا. [فَقُلْتَ:
اللَّهمّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا] [6] فَقَالَ: يَا أُمَّاهُ، إِنَّ الرَّاكِبَ ذَا الشَّارَةِ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، وَإِنَّ هَذِهِ الأَمَةَ يَقُولُونَ زَنَتْ وَلَمْ تَزْنِ [وَسَرَقَتْ] [6] وَلَمْ تَسْرِقْ، وَهِيَ تَقُولُ: حَسْبِيَ اللَّهُ [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند 2/ 301. والبخاري في صحيحه 4/ 201. ومسلم في صحيحه 4/ 1976. عن زهير بن حرب عن يزيد بن هارون كلاهما عن جرير بن حازم به، من طريق آخر وسياق آخر. وأخرجه ابن أبي الدنيا في مجابي الدعوة حديث 1. والحاكم في المستدرك 2/ 595.(2/157)
ومنهم: برصيصا [1] :
[أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ: أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعَ عمرو بن دينار عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ رِفَاعَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ رَاهِبٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَخَذَ الشَّيْطَانُ جَارِيَةً لِخَنْقِهَا وَأَلْقَى فِي قُلُوبِ أَهْلِهَا أَنَّ دَوَاءَهَا عِنْدَ الرَّاهِبِ، فَأُتِيَ بِهَا الرَّاهِبُ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى قَبِلَهَا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ، فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَزَيَّنَ لَهُ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: الآنَ تُفْتَضَحُ وَيَأْتِيكَ أَهْلُهَا فَاقْتُلْهَا، فَإِنْ أَتَوْكَ [فَقُلْ] [2] مَاتَتْ فَقَتَلَهَا وَدَفَنَهَا، فَأَتَى الشَّيْطَانُ أَهْلَهَا فَوَسْوَسَ إِلَيْهِمْ فَأَلْقَى فِي قُلُوبِهِمْ أَنِّي أَحْبَلْتُهَا ثُمَّ قَتَلْتُهَا وَدَفَنْتُهَا، فَأَتَاهُ أَهْلُهَا فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: مَاتَتْ.
فَأَخَذُوهُ فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ: أَنَا أَخَذْتُهَا، وَأَنَا الَّذِي أَلْقَيْتُ فِي قُلُوبِ أَهْلِهَا وَأَنَا الَّذِي أَوْقَعْتُكَ فِي هَذَا فَأَطِعْنِي وَاسْجُدْ لِي سَجْدَتَيْنِ فَسَجَدَ لَهُ سَجْدَتَيْنِ، فَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ الله رَبَّ الْعالَمِينَ 59: 16 [3] .
قال مؤلف الكتاب: وقد روي هذا الحديث عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى] [4] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ خَيْرُونَ قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان قال: أَخْبَرَنَا أَبُو علي الطوماري قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبَرَاءِ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ [5] ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
ذكر وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ أَنَّ عَابِدًا كَانَ فِي بَنِي إسرائيل [6] ، وكان من أعبد أهل زمانه،
__________
[1] بياض في ت مكان «ومنهم برصيصا» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من ت، والأصل.
[3] سورة، الحشر، الآية: 16.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل. وهي إضافة من ت.
[5] حذف السند من ت.
[6] في ت: «أنه كان في زمن بني إسرائيل عابدا.(2/158)
وَكَانَ فِي زَمَانِهِ ثَلاثَةُ إِخْوَةٌ وَكَانَتْ لَهُمْ أُخْتٌ وَكَانَتْ [1] بِكْرًا [، لَيْسَتْ لَهُمْ أُخْتٌ غَيْرُهَا] [2] فَخَرَجَ الْبَعْثُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَدْرُوا عِنْدَ مَنْ يُخَلِّفُونَ أُخْتَهُمْ وَلا مَنْ يَأْمَنُونَ عَلَيْهَا [وَلا عِنْدَ مَنْ يَضَعُونَهَا] ، [3] فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يُخَلِّفُوهَا عِنْدَ عَابِدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ [كَانَ ثِقَةً في أنفسهم، فأتوه] [4] فسألوه أن يُخَلِّفُوهَا عِنْدَهُ فَأَبَى ذَلِكَ [5] فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَطَاعَهُمْ فَقَالَ: أَنْزِلُوهَا فِي بَيْتِ حِذَاءِ صَوْمَعَتِي فَأَنْزَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ، ثُمَّ انْطَلَقُوا وَتَرَكُوهَا، فَمَكَثَتْ فِي جِوَارِ ذَلِكَ الْعَابِدِ زَمَانًا يُنْزِلُ إِلَيْهَا الطَّعَامَ مِنْ [صَوْمَعَتِهِ] [6] فَيَضَعُهُ عِنْدَ بَابِ الصَّوْمَعَةِ، ثُمَّ يُغْلِقُ بَابَهُ وَيَصْعَدُ فِي صَوْمَعَتِهِ، ثُمَّ يَأْمُرُهَا فَتَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا فَتَأْخُذُ مَا وُضِعَ لَهَا مِنَ الطَّعَامِ قَالَ: فَتَلَطَّفَ لَهُ الشَّيْطَانُ فَلَمْ يَزَلْ يُرَغِّبُهُ فِي الْخَيْرِ وَيُعَظِّمُ عَلَيْهِ خُرُوجَ الْجَارِيَةِ مِنْ بَيْتِهَا نَهَارًا وَيُخَوِّفُهُ أَنْ يَرَاهَا أَحَدٌ فَيُعَلَّقَهَا، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى مَشَى بِطَعَامِهَا حَتَّى وَضَعَهُ عَلَى بَابِ بَيْتِهَا، وَلا يُكَلِّمَهَا. قَالَ: فَلَبِثَ بِذَلِكَ زَمَانًا ثُمَّ جَاءَهُ إِبْلِيسُ فَرَغَّبَهُ فِي الْخَيْرِ وَالأَجْرِ [وَحَضَّهُ عَلَيْهِ] [7] وَقَالَ: لَوْ كُنْتَ تَمْشِي إِلَيْهَا بِطَعَامِهَا حَتَّى تَضَعَهُ فِي بَيْتِهَا كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكَ. قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى مَشَى إِلَيْهَا بِطَعَامِهَا حَتَّى يَضَعَهُ فِي بَيْتِهَا. قَالَ: فَثَبُتَ بِذَلِكَ زَمَانًا، ثُمَّ جَاءَهُ إِبْلِيسُ فَرَغَّبَهُ فِي الخير وحضّه عليه، وقال [8] له: لَوْ كُنْتَ تُكَلِّمُهَا وَتُحَدِّثُهَا حَتَّى تَسْتَأْنِسَ بِحَدِيثِكَ، فَإِنَّهَا قَدِ اسْتَوْحَشَتْ وَحْشَةً شَدِيدَةً قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى حَدَّثَهَا زَمَانًا يَطْلُعُ إِلَيْهَا مِنْ صَوْمَعَتِهِ، قَالَ: ثُمَّ أَتَاهُ إِبْلِيسُ بَعْدَ ذلك فقال: لو كنت تَنْزِلُ إِلَيْهَا فَتَقْعُدُ عَلَى بَابِ صَوْمَعَتِكَ وَتُحَدِّثُهَا، وَتَقْعُدُ هِيَ عَلَى بَابِ بَيْتِهَا فَتُحَدِّثُكَ كَانَ آنَسُ بِهَا، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَنْزَلَهُ فَأَجْلَسَهُ عَلَى بَابِ صَوْمَعَتِهِ يُحَدِّثُهَا وَتَخْرُجُ الْجَارِيَةُ مِنْ بَيْتِهَا حَتَّى تَقْعُدَ عَلَى بَابِ بَيْتِهَا، قَالَ: فَلَبِثَا زَمَانًا يَتَحَادَثَانِ، ثُمَّ جَاءَهُ إِبْلِيسُ فَرَغَّبَهُ فِي الْخَيْرِ، فَقَالَ: لَوْ خَرَجْتَ مِنْ بَابِ صَوْمَعَتِكَ فَجَلَسْتَ قَرِيبًا مِنْهَا فَحَدَّثْتَهَا كَانَ آنس لها،
__________
[1] في ت: «ثلاثة إخوة لهم أخت وكانت بكرا» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] «فأبى ذلك» سقط من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[8] «لو كنت تمشي إليها بطعامك ... وحضه عليه وقال له» سقط من ت.(2/159)
فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى فَعَلَ فَلَبِثَا بِذَلِكَ زَمَانًا، ثُمَّ جَاءَهُ إِبْلِيسُ فَقَالَ: لَوْ دَنَوْتَ من باب بيتها، ثم قال: لَوْ دَخَلْتَ الْبَيْتَ فَحَدَّثْتَهَا وَلَمْ [تَتْرُكْهَا] [1] تُبْرِزْ وَجْهَهَا لأَحَدٍ كَانَ أَحْسَنَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهَا نَهَارَهُ كُلَّهُ، فَإِذَا أَمْسَى صَعَدَ فِي صَوْمَعَتِهِ. قَالَ: ثُمَّ أتاه إبليس بعد ذلك فَلَمْ يَزَلْ يُزَيِّنُهَا لَهُ حَتَّى ضَرَبَ الْعَابِدُ عَلَى فَخِذِهَا وَقَبَّلَهَا، فَلَمْ يَزَلْ إِبْلِيسُ يُحَسِّنُهَا في عينه وَيُسَوِّلُ لَهُ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا فَأَحْبَلَهَا، فَوَلَدَتْ غُلامًا فَجَاءَهُ إِبْلِيسُ فَقَالَ [لَهُ:] [2] أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ إِخْوَةُ هَذِهِ/ الْجَارِيَةِ وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْكَ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ فَاعْمَدْ إِلَى وَلَدِهَا فَاذْبَحْهُ وَادْفِنْهُ، فَإِنَّهَا سَتَكْتُمُ ذَلِكَ عَلَيْكَ مَخَافَةَ إِخْوَتِهَا، فَفَعَلَ، فَقَالَ: أَتُرَاهَا تَكْتُمُ مَا فَعَلَتْ؟ خُذْهَا فَاذْبَحْهَا وَادْفِنْهَا مَعَ ابْنِهَا، فَذَبَحَهَا وَأَلْقَاهَا فِي الْحُفْرَةِ مَعَ ابْنِهَا، فَذَبَحَهَا كَمَا قُلْنَا [3] ، فَمَكَثَ بِذَلِكَ ما شاء الله حَتَّى قَفَلَ إِخْوَتُهَا مِنَ الْغَزْوِ فَجَاءُوا فَسَأَلُوهُ عَنْ أُخْتِهِمْ فَنَعَاهَا لَهُمْ وَتَرَحَّمَ عَلَيْهَا وَبَكَى، وَقَالَ: كَانَتْ خَيْرَ امْرَأَةٍ وَهَذَا قَبْرُهَا، فَأَتَى إِخْوَتُهَا الْقَبْرَ، فَبَكَوْا أُخْتَهُمْ وَتَرَحَّمُوا عَلَيْهَا، وَأَقَامُوا عَلَى قَبْرِهَا أَيَّامًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا إِلَى أَهَالِيهِمْ، فَلَمَّا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ وَأَخَذُوا مَضَاجِعَهُمْ أَتَاهُمُ الشَّيْطَانُ فِي النَّوْمِ فَبَدَأَ بِأَكْبَرِهِمْ فَسَأَلَهُ عَنْ أُخْتِهِمْ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ الْعَابِدِ وَبِمَوْتِهَا، فَكَذَّبَهُ الشَّيْطَانُ، وَقَالَ: لَمْ يَصْدُقْكُمْ أَمْرَ أُخْتِكُمْ إِنَّهُ قَدْ أَحْبَلَ أُخْتَكُمْ وَوَلَدَتْ مِنْهُ غُلامًا فَذَبَحَهُ وَذَبَحَهَا مَعَهُ خَوْفًا مِنْكُمْ فَأَلْقَاهَا فِي حُفَيْرَةٍ خَلْفَ بَابِ الْبَيْتِ، فَأَتَى الأَوْسَطَ فِي مَنَامِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَى أَصْغَرَهُمْ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الْقَوْمُ اسْتَيْقَظُوا مُتَعَجِّبِينَ لِمَا رَأَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ يَقُولُ لَقَدْ رَأَيْتُ عَجَبًا، فَأَخْبَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِمَّا رَأَى، فَقَالَ أَكْبَرُهُمْ: هَذَا حُلْمٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَامْضُوا بِنَا وَدَعُوا هَذَا، فَقَالَ صَغِيرُهُمْ: لا أَمْضِيَ حَتَّى آتِيَ الْمَوْضِعَ فَأَنْظُرُ فِيهِ، فَانْطَلَقُوا فَبَحَثُوا الْمَوْضِعَ فَوَجَدُوا أُخْتَهُمْ وابنها مذبوحين، فسألوا عنها الْعَابِدَ، فَصَدَّقَ قَوْلَ إِبْلِيسَ فِيمَا صَنَعَ بِهَا. قَالَ: فَاسْتَعْدَوْا عَلَيْهِمْ مَلِكَهُمْ، فَأُنْزِلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ وَقَدَّمُوهُ لِيُصْلَبَ، فَلَمَّا أَوْثَقُوهُ عَلَى الْخَشَبَةِ أَتَاهُ الشيطان فقال: قد علمت إني صاحبك الّذي فَتَنْتُكَ فِي الْمَرْأَةِ حَتَّى أَحْبَلْتَهَا وَذَبَحْتَهَا وَابْنَهَا، فإن أنت أطعتني اليوم وكفرت باللَّه الّذي خَلَقَكَ خَلَّصْتُكَ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ، فَكَفَرَ الْعَابِدُ باللَّه سبحانه، فلما كفر خلّى/ الشيطان
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] «فذبحها كما قلنا» سقط من ت.(2/160)
بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ فصلبوه فَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ الله 59: 16 إلى قوله: جَزاءُ الظَّالِمِينَ 59: 17 [1] .
ومن ذلك: قصة سبأ
[2] :
قَالَ علماء السير: لما ملكت بلقيس جعل قومها يقتتلون عَلَى واديهم، فجعلت تنهاهم فلا يطيعونها فتركت ملكها وانطلقت إِلَى قصرها فنزلته، فلما كثر الشر بينهم وندموا أتوها، فأرادوها عَلَى أن ترجع إِلَى ملكها فأبت، فقالوا: لترجعن أو لنقتلنك فقال: إنكم لا تطيعونني، وليست لكم عقول، فقالوا: ها إنا نطيعك، فجاءت إلى واديهم، وكانوا إذا أمطروا أتاه السيل من مسيرة ثلاثة أيام، فأمرت به فسد ما بين الجبلين بمسناه، وحبست الماء عمن وراء السد، وجعلت له أبوابا بعضها فوق بعض وبنت لمن دونه بركة، وجعلت فيها اثني عشر مخرجا عَلَى عدد أنهارهم، فكان الماء يخرج بينهم بالسوية، وكانت لهم جنتان عَنْ يمين واديهم وعن شماله، فأخصبت أرضهم وكثرت فواكههم، وإن كانت المرأة لتمر بين الجنتين والمكتل عَلَى رأسها فترجع وقد امتلأ من التمر وما مست بيدها شيئا منه ولم يكن يرى [3] فِي بلدهم حية ولا عقرب ولا بعوضة ولا ذباب ولا برغوث، وتمر العرب ببلدهم وَفِي ثيابهم القمل فتموت القمل لطيب هوائها، وقيل لهم: كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة- أي هَذِهِ بلده طيبة- ولم تكن سبخة ولا فيها ما يؤذي، وكانت ثلاث عشرة قرية، فبعث الله إليهم ثلاثة عشر نبيا فكذبوا الرسل، ولم يقروا بنعم اللَّه، فأرسل اللَّه عليهم سيل العرم- والعرم السكر والمسناة- بعث اللَّه سبحانه جرذا فنقبه من أسفله وأغرق به جناتهم، وخربت به أرضهم، فتبددوا فِي البلاد فصارت العرب تتمثل فِي الفرقة بسبإ [4] .
__________
[1] سورة: الحشر، الآية: 16.
وانظر قصة برصيصا في: البداية والنهاية 2/ 136- 137.
[2] بياض في ت مكان: «ومن ذلك قصة سبإ» .
[3] في ت: «كمن يرى» .
[4] انظر قصة سبإ في: البداية والنهاية 2/ 158- 161.(2/161)
ومن ذلك: قصة صنعا
[1] :
قَالَ علماء السير: كان رجل بناحية/ اليمن ببستان، وكان مؤمنا، وذلك بعد عِيسَى ابن مريم عَلَيْهِ السلام، وكان يأخذ منه قدر قوته ويتصدق بالباقي، فمات عن ثلاثة بنين، فقالوا: والله إن المال لقليل، وإن العيال لكثير، وإنما كان أبونا فعل هَذَا، إذ كان المال كثيرا والعيال قليلا، فأما الآن فما نستطيع أن نفعل هَذَا، فعزموا عَلَى حرمان المساكين وتحالفوا بينهم ليغدون قبل خروج الناس فليصر من نخلهم، ولم يقولوا: إن شاء اللَّه، فبعث الله تعالى بالليل نارا، فأحرقت، فصارت سوداء، فانطلقوا إِلَى جنتهم يتشاورون بينهم أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين، فلما رأوها محترقة قَالَ: قد ضللنا طريق جنتنا [2] فليست هَذِهِ، ثم علموا أن ذلك عقوبة، فقالوا: بل نحن محرومون، قد حرمنا تمر جنتنا، فأخذوا يتلاومون عَلَى منع حقوق الفقراء.
ومنهم: أهل الغار:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ السرخسي قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَرَبْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ قَالَ: أخبرنا سَعِيدُ بْنُ مَرْيَمَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ [3] ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«بَيْنَمَا ثَلاثَةُ نَفَرٍ يُمَاشُونَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ فَمَالُوا إِلَى غَارٍ فِي الْجَبَلِ [فدخلوه] ، فانحطت على فم الْغَارِ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمُ [الْغَارَ] ، فقال بعضهم لبعض [4] : انظروا أعمالا عملتموها صَالِحَةً فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفْرِجُهَا.
فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهمّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كبيران ولي صبية صغار، كنت
__________
[1] بياض في ت مكان: «ومن ذلك قصة صنعا» .
[2] في ت: «قد ضللنا الطريق إلى جنتنا» .
[3] حذف السند من ت.
[4] اللفظ مضطرب في ت ومختلف عن الأصل ولكن المضمون واحد، فضبطنا النص من النسختين قدر الإمكان. دون الإشارة للاختلافات لكثرتها.(2/162)
أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ فَحَلَبْتُ بَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهُمَا قَبْلَ وُلْدِي، وَإِنَّهُ نَأَى بِيَ السحر فَمَا أَتَيْتُ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلِبُ فَجِئْتُ بِالْحِلابِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأَبِي وَدَأَبُهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ/ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرِجْ لَنَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ فُرْجَةً حَتَّى رَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ.
وَقَالَ الثَّانِي: اللَّهمّ إِنَّهُ كَانَتْ لِي ابْنَةُ عَمٍّ أُحِبُّهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، فَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نفسها، فأبت حتى آتيها ثَمَانِينَ دِينَارًا، فَسَعَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ، فَلَقِيتُهَا بِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، اتَّقِ اللَّهَ وَلا تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إِلا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ عَنْهَا اللَّهمّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرِجْ عَنَّا مِنْهَا، فَفَرَّجَ لَهُمْ فُرْجَةً.
وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهمّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرْقِ أُرْزٍ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ، قَالَ:
أَعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ فَتَرَكَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعْهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا، فَجَاءَنِي وَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلا تَظْلِمْنِي، فَأَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَخُذْهَا، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلا تَهْزَأْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لا أَهْزَأُ بِكَ، فَخُذْ تِلْكَ البقر وراعيها، فأخذها وانطلق بها، قال: كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرِجْ عَنَّا مَا بَقِيَ، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ [1]
. ومنهم: الكفل [2] :
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن المذهب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَسْبَاطٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدٍ مَوْلَى طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قال: لقد سمعت عن رسول
__________
[1] رواه الإمام أحمد، والبزار. وانظر القصة في البداية والنهاية 2/ 137- 138.
[2] بياض في ت مكان «ومنهم الكفل» .(2/163)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَمْ أَسْمَعْهُ لا مَرَّةً وَلا مَرَّتَيْنِ، حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَلَكِنْ قَدْ سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ:
«كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ أَرْعَدَتْ وَبَكَتْ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ، أَكْرَهْتُكِ؟ قَالَتْ: لا، وَلَكِنْ هَذَا عَمَلٌ لَمْ أَعْمَلْهُ قَطُّ [1] ، وَإِنَّمَا حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ [2] الْحَاجَةُ، قَالَ: فَتَفْعَلِينَ هَذَا وَلَمْ تَفْعَلِيهِ قَطُّ ثُمَّ نَزَلَ [3] فَقَالَ: اذْهَبِي وَالدَّنَانِيرُ لَكِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ/ لا يَعْصِي اللَّهَ الْكِفْلُ أَبَدًا، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَأَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لِلْكِفْلِ» [4]
حديث الأبرص والأقرع والأعمى
[5] :
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ طَلْحَةَ الدَّاوُدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ السَّرَخْسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَرْبَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْبُخَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ الله قال: حدّثني عبد الرحمن بن أبي عَمْرٍو، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِنَّ ثَلاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصٌ وَأَقْرَعٌ وَأَعْمَى أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْكَ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَدْ قَذَرَنِي النَّاسُ. قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وجلدا حسنا، فقال: أي المال
__________
[1] «قط» سقط من ت.
[2] في ت: «إنما حملني عليه» .
[3] في ت: «ثم تركها» .
[4] الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه 2453 (موارد) والخطيب في تاريخه 5/ 52. وأبو نعيم في الحلية 4/ 297. وابن كثير في التفسير 5/ 359. والترمذي 2496.
والرواية أوردها المصنف أخرجها الإمام أحمد في المسند 2/ 23.
وأوردها ابن كثير في البداية والنهاية 1/ 266.
[5] بياض في ت مكان «حديث الأبرص والأقرع والأعمى» .(2/164)
أَحَبَّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِبِلُ- أَوِ الْبَقَرُ- شَكَّ فِي ذَلِكَ إِسْحَاقُ فِي أَنَّ الأَبْرَصَ أَوِ الأقرع قال أحدهما الإبل وَقَالَ الآخَرُ الْبَقَرَ، فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: يُبَارِكِ اللَّهُ لَكَ فِيهَا.
وَأَتَى الأَقْرَعَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعْرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا فَقَدْ قَذَرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ وَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعْرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبَّ إِلَيْكَ قَالَ الْبَقَرُ، فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حاملا، قال: يُبَارَكْ لَكَ فِيهَا.
وَأَتَى الأَعْمَى، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْكَ قَالَ: يَرُدُّ اللَّهُ عَزَّ وجل بصري، فأبصر به الناس، قال: فمسحه، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبَّ إِلَيْكَ، قَالَ: الْغَنَمُ، فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا.
فَيُنْتِجُ هَذَا وَوَلَدَ هَذَا، وَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنَ الإِبِلِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْبَقَرِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ تَقَطَّعَتْ بِهِ الْحِبَالُ فِي سَفَرِهِ فَلا بَلاغَ إِلا بإذن الله تعالى، ثم بك أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ/ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصٌ يَقْذَرُكَ النَّاسُ، فَقِيرًا، فَأَعْطَاكَ [1] اللَّهُ، فَقَالَ لَقَدْ وَرِثْتُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ.
وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ.
وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلا بلاغ اليوم إِلا باللَّه وَبِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا، فَقَالَ: كُنْتُ أَعْمَى فردّ الله علي بصري، وفقيرا، فخذ ما شئت، فو الله مَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ هُوَ للَّه. فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، وَقَدْ رُضِيَ عنك، وسخط على صاحبيك» [2] .
__________
[1] «فأعطاك» سقط من ت.
[2] رواه البخاري ومسلم من غير وجه، وهذا لفظ البخاري في صحيحه، في أحاديث بني إسرائيل.
وانظر القصة في: البداية والنهاية 2/ 138.(2/165)
ومن ذلك: حديث العقار.
[1] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرْبَرِيُّ قَالَ: حدثنا البخاري قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ [2] : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ، إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ وَلَمْ أَبْتَعْ ذَهَبًا. وَقَالَ لَهُ: الَّذِي لَهُ الأَرْضُ [3] : إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلامٌ، وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ.
قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلامَ الْجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا» [4]
. ومن ذلك: المستسلف المال:
[5] أَخْبَرَنَا [6] ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن المذهب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم/.
أَنَّهُ ذكر رَجُلا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ قَالَ:
ائْتِنِي بِشُهُودٍ أُشْهِدُهُمْ. قَالَ: كَفَى باللَّه شَهِيدًا. قَالَ: ائْتِنِي بِكَفِيلٍ. قَالَ: كَفَى باللَّه وَكِيلا. قَالَ: صَدَقْتَ. فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَقْدِمُ عَلَيْهِ لأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ، وَلَمْ يَجِدْ مَرْكبا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا وَأَدْخَلَ
__________
[1] بياض في ت: «ومن ذلك حديث العقار» .
[2] حذف السند من ت.
[3] «فوجد الرجل الّذي اشترى ... الّذي له الأرض» سقط من ت.
[4] أخرجه البخاري في أخبار بني إسرائيل. وكذلك أخرجه مسلم. وانظر القصة في البداية والنهاية 2/ 139، 140.
[5] بياض في ت مكان: «ومن ذلك المستسلف المال» .
[6] حذف السند من ت.(2/166)
فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ، وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهَا ثُمَّ رَجَحَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ رَمَى بِهَا [1] فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ: اللَّهمّ إِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنِّي اسْتَسْلَفْتُ مِنْ فُلانٍ أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلا، فقلت:
كفى باللَّه وكيلا، فَرَضِيَ بِذَلِكَ [2] ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا، فَقُلْتُ كَفَى باللَّه شهيدا، فرضي بك، وإني قد جهدت اني أَجِدَ مَرْكَبًا [3] أَبْعَثْ إِلَيْهِ بِالَّذِي لَهُ، فَلَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا، وَإِنِّي قَدِ اسْتَوْدَعْتُكَهَا. فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ. وَقَالَ: وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَطْلُبُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرُّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ فَإِذَا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا كَسَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ تَسَلَّفَ مِنْهُ فَأَتَاهُ بِأَلْفِ دينار، وقال: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لآتِيكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ هَذَا الَّذِي جِئْتُ [4] فِيهِ.
[قَالَ: بَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ، قَالَ: أَلَمْ أُخْبِرْكَ بِأَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ هَذَا الَّذِي جِئْتُ فِيهِ] [5] فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ بِهِ فِي الْخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِمَالِكَ رَاشِدًا [6]
. ومن ذلك: حديث العجوزتين [7] :
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خَيْرُونَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّومَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسن محمد بْن أحمد بْن البراء قال: أخبرنا عبد المنعم
__________
[1] في ت: «إلى صاحبه ثم أتى بها البحر» .
[2] «فرضي بذلك» سقط من ت.
[3] «إني أجد مركبا» سقط من ت.
[4] في ت: «أتيت» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] رواه الإمام أحمد في المسند، وعلقه البخاري في غير موضع من صحيحه بصيغة الجزم عن الليث بن سعد، وأسنده في بعضها عن عبد الله بن صالح كاتب الليث عنه.
وانظر القصة في البداية والنهاية 2/ 139.
[7] بياض في ت مكان: «ومن ذلك حديث العجوزتين» .(2/167)
ابن إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذكر وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ قَالَ [1] : قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«كُلُّ الأَعَاجِيبِ كَانَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَدِّثُوا عَنْهُمْ وَلا حَرَجَ، فَلَوْ حَدَّثْتُكُمْ حَدِيثَ الْعَجُوزَتَيْنِ لَعَجِبْتُمْ، قَالُوا: حَدِّثْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ يُحِبُّهَا وَمَعَهُ أُمٌّ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ امْرَأَةُ صِدْقٍ، وَمَعَ امْرَأَتِهِ أُمٌّ لَهَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ امْرَأَةُ سُوءٍ، وَكَانَتْ تُغْرِي ابْنَتَهَا بِأُمِّ زَوْجِهَا، وَكَانَ زَوْجُهَا يَسْمَعُ مِنْهَا وَكَانَ يُحِبُّهَا [2] ، فَقَالَتْ لِزَوْجِهَا: لا أَرْضَى عَنْكَ أَبَدًا، حَتَّى تُخْرِجَ عَنِّي أُمَّكَ وَكِلْتَا الْعَجُوزَتَيْنِ، قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُمَا، فَلَمْ تَدَعْهُ حَتَّى خَرَجَ بِأُمِّهِ فَوَضَعَهَا فِي فَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ، لَيْسَ مَعَهَا طَعَامٌ وَلا شَرَابٌ لِيَأْكُلَهَا السِّبَاعُ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا، فَلَمَّا أَمْسَتْ غَشِيَتْهَا السِّبَاعُ فَجَاءَهَا مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ، فَقَالَ لَهَا: مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ الَّتِي أَسْمَعُ حَوْلَكِ قَالَتْ: خَيْرٌ، هَذِهِ أَصْوَاتُ بَقَرٍ وَإِبِلٍ وَغَنَمٍ، قَالَ: خَيْرًا فَلْيَكُنْ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا وَتَرَكَهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ أَصْبَحَ الْوَادِي مُمْتَلِئًا إِبِلا وَبَقَرًا وَغَنَمًا، فَقَالَ ابْنُهَا: لَوْ جِئْتُ أُمِّي فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَتْ، فَجَاءَ فَإِذَا الْوَادِي مُمْتَلِئٌ إِبِلا وَغَنَمًا وَبَقَرًا، قَالَ: أَيْ أُمَّاهُ مَا هَذَا. قَالَتْ: أَيْ بُنَيَّ هذا رزق الله وعطاؤه إِذْ عَقَقْتَنِي وَأَطَعْتَ امْرَأَتَكَ فِي، فَاحْتَمَلَ أُمَّهُ وَسَاقَ مَعَهَا مَا أَعْطَاهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، فَلَمَّا رَجَعَ بِهَا إِلَى امْرَأَتِهِ وَبِمَالِهَا قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ وَاللَّهِ لا أَرْضَى عَنْكَ أَوْ تَذْهَبْ بِأُمِّي فَتَضَعْهَا حَيْثُ وَضَعْتَ أُمَّكَ فَيُصِيبُهَا مِثْلَ مَا أَصَابَ أُمَّكَ، فانطلق بالعجوز فَوَضَعَهَا حَيْثُ وَضَعَ أُمَّهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا، فَلَمَّا أَمْسَتْ غَشِيَهَا السِّبَاعُ وَجَاءَهَا الْمَلَكُ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَى الْعَجُوزِ قَبْلَهَا، فَقَالَ: أَيَّتُهَا الْعَجُوزُ مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ الَّتِي أَسْمَعُ حَوْلَكِ؟ قَالَتْ:
شَرٌّ، وَاللَّهِ وَعْرٌ، هَذِهِ أَصْوَاتُ سِبَاعٍ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَنِي، قَالَ: شَرٌّ فَلْيَكُنْ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا فَأَتَاهَا سَبُعٌ/ فَأَكَلَهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَا فَعَلَتْ أُمِّي، فَذَهَبَ لِيَنْظُرَ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهَا إِلا فَضْلَ مَا تَرَكَ السَّبُعُ، فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرَهَا، فَحَزِنَتْ عَلَى أُمِّهَا حُزْنًا شَدِيدًا، وَحَمَلَ عِظَامَهَا فِي كِسَاءٍ حَتَّى وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيِ ابنتها فماتت كمدا [3] .
__________
[1] حذف السند من ت.
[2] «وكان يحبها» سقط من ت.
[3] أخرجه النقاش في فنون العجائب (مخطوط) .(2/168)
حديث العابد والرمانة
[1] :
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأَرْمَوِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُهْتَدِي قال: أخبرنا أبو القاسم يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ الْبَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَحْفُوظِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ هَرَمٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيِّ قَالَ:
خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «خَرَجَ مِنْ عِنْدِي خَلِيلِي عَلَيْهِ السَّلامُ آنِفًا. فَقَالَ:
يَا مُحَمَّدُ وَالَّذِي بَعَثَكَ [2] بِالْحَقِّ إِنَّ للَّه عَبْدًا مِنْ عباده عبد الله خمسمائة سَنَةٍ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ عَرْضُهُ وَطُولُهُ ثَلاثُونَ ذِرَاعًا وَالْبَحْرُ مُحِيطٌ بِهِ أَرْبَعَةَ آلافِ فَرْسَخٍ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، فَأَخْرَجَ اللَّهُ لَهُ عَيْنًا عَذْبَةً بِعَرْضِ الأُصْبُعِ يَبُضُّ بِمَاءٍ عَذْبٍ، وَتَسْفَحُ فِي أَسْفَلِ جَبَلٍ وَشَجَرَةَ رُمَّانٍ تُخْرِجُ لَه فِي كُلِّ يَوْمٍ [3] رُمَّانَةً فَتُغْذِيهِ يَوْمَهُ، فَإِذَا أَمْسَى نَزَلَ وَأَصَابَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَخَذَ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ، فَسَأَلَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ وَقْتِ الأَجَلِ أَنْ يَقْبِضَهُ سَاجِدًا، وَأَنْ لا يَجْعَلْ لِلأَرْضِ وَلا لِشَيْءٍ يُفْسِدَهُ عَلَيْهِ سَبِيلا حَتَّى يَبْعَثَهُ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَفَعَلَ وَنَحْنُ نَمُرُّ إِذَا هَبَطْنَا وَإِذَا رَجَعْنَا فَنَجِدُهُ فِي الْعِلْمِ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ فَيَقُولُ الرَّبُّ تَعَالَى: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي، فَيَقُولُ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ برحمتي، فيقول: بل بِعَمَلِي، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:
أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: / رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلائِكَةِ قَايِسُوا عَبْدِي بِنِعْمَتِي كُلِّهَا فَتُوجَدُ نِعْمَةُ الْبَصَرِ قَدْ أَحَاطَتْ بِعِبَادَةِ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ وَبَقِيَتِ الْجَسَدُ فَضْلا عَلَيْهِ فَيَقُولُ: أَدْخِلُوا عَبْدِي النَّارَ قَالَ: فَيُجَرُّ إِلَى النَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ بِرَحْمَتِكَ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ رُدُّوا عَبْدِي فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فيقول: يا عبدي من خلقك ولم تلك شَيْئًا فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ فَيَقُولُ أَكَانَ ذلك من قبلك أم برحمتي، فيقول بل بِرَحْمَتِكَ، فَيَقُولُ: مَنْ قَوَّاكَ لِعِبَادَةِ خَمْسِ مِائَةِ سنة، فيقول: أنت يا
__________
[1] بياض في ت مكان: «حديث العابد والرمانة» .
[2] في ت: «والّذي بعثك» .
[3] في ت: «في كل ليلة» .(2/169)
رَبِّ، فَيَقُولُ مَنْ أَنَزْلَكَ فِي جَبَلٍ وَسَطَ اللُّجَّةِ وَأَخْرَجَ لَكَ الْمَاءَ الْعَذْبَ مِنَ الْمَاءِ الْمَالِحِ، وَأَخْرَجَ لَكَ كُلَّ يَوْمٍ رُمَّانَةً، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مَرَّةً فِي السَّنَةِ، وَسَأَلْتَنِي أَنْ أَقْبِضَكَ سَاجِدًا فَفَعَلْتُ ذَلِكَ بِرَحْمَتِي، أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَنِعْمَ الْعَبْدُ كُنْتَ يَا عَبْدِي فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ، وَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ إِنَّمَا الأَشْيَاءُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى [يَا مُحَمَّدُ] [1] .
عابد من الرهبان
[2] :
حَدَّثَنَا المبارك بْن علي الصيرفي من لفظه قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن أحمد بْن عمر السمرقندي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عبد الواحد قَالَ: حَدَّثَنَا جدي أَبُو بكر مُحَمَّد بْن جعفر السامري قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن الجنيد قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو طفر قَالَ: حَدَّثَنَا سليمان الضبعي، عَنْ عبد الصمد بْن معقل بْن [3] منبه، عَنْ عمه وهب بْن منبه قَالَ:
كان عابد من عباد بني إسرائيل يعَبْد اللَّه دهرا طويلا [4] فِي صومعته [فعف] [5] وزهد حَتَّى شكته الشياطين إِلَى إبليس، فقالوا: فلان قد أعيانا لا نصيب منه شيئا، قَالَ:
فانتدب له إبليس بنفسه، فأتاه فضرب ديره، فَقَالَ: من هَذَا؟ قَالَ: ابن سبيل، افتح لي حَتَّى آوي الليلة فِي ديرك. قَالَ له العابد: هَذِهِ قرى منك غير بعيدة، مل إِلَى بعضها فائو إليها، قال: اتّق الله وافتح لي فإني أخاف اللصوص، / والسباع، قَالَ: ما أنا بالذي أفتح لك فسكت إبليس، ثم ضرب باب الدير، فَقَالَ: افتح لي، قَالَ: من هَذَا؟
قَالَ: أنا المسيح قَالَ: إن تكن المسيح فليس لك لي حاجة فقد بلغت رسالات ربك
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
والحديث أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 250، 251.
وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد، فإن سليمان بن هرم العابد من زهاد أهل الشام، والليث بن سعد لا يروي عن المجهولين» .
قال الذهبي: «لا والله، وسليمان غير معتمد» .
[2] بياض في ت مكان: «عابد من الرهبان» .
[3] حذف السند من ت.
[4] «طويلا» سقطت من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/170)
فموعدك الآخرة، فسكت إبليس، ثم ضرب ديره، فَقَالَ: افتح لي قَالَ: من أنت؟ قَالَ:
أنا إبليس، قَالَ: ما أنا بالذي أفتح لك، فَقَالَ إبليس: لك ما للَّه، ولك وجعل يعاهده لا أعمل فِي مضرة أبدا افتح [1] ، قَالَ: فنزل ففتح له الباب، وصعد إبليس فجلس بين يديه فَقَالَ: سلني عما شئت أخبرك، فَقَالَ: ما لي إليك حاجة، قَالَ: فقام إبليس فولى فناداه أقبل، فقد بدا لي أن أسألك، قال: سل [2] ، قال: أي شَيْء أهون لكم فِي هلك ابن آدم؟ قَالَ: السكر، فإنه إذا أسكر ابن آدم لم يمتنع منا من شَيْء نريده ثم لعبنا به كما يلعب الصبيان بالكرة، قَالَ: وماذا؟ قَالَ: الحدة لو أن ابن آدم بلغ فِي عبادة [اللَّه تعالى] ما يحيي الموتى [بإذن اللَّه] [3] ما يئسنا أن نصيبه فِي بعض غضبه قَالَ: وماذا؟ قَالَ:
والبخل، قَالَ: يأتي ابن آدم فنقلل نعمة اللَّه عنده، ونكثر ما فِي أيدي الناس عنده حَتَّى يبخل بحق اللَّه فِي ماله فيهلك.
عابدان أخوان من بني إسرائيل
[4] :
أَنْبَأَنَا محمد بْن عبد الباقي بْن أحمد بْن سلمان قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفضل أحمد بْن الحسن بن خيرون قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بْن مُحَمَّد بْن شاذان قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسن أحمد بْن إِسْحَاق بْن منجاب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَدُ بْن مُحَمَّد بْن شاكر الريحاني قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَبْد العزيز الجروي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حفص النابلسي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو معَبْد قَالَ [5] : سَمِعْتُ بلال بْن سعد يقول:
كان أخوان فِي بني إسرائيل خرجا يتعَبْدان، فلما أرادت الطريق أن تفرق بينهما، قَالَ أحدهما لصاحبه: خذ أنت فِي هَذَا الطريق وآخذ أنا فِي هَذَا الطريق، فإذا كان رأس السنة فهو الموعد بيني وبينك، فخرجا يتعَبْدان، فلما دنا رأس السنة اجتمعا فِي ذلك الموضع فَقَالَ أحدهما لصاحبه: أي ذنب فيما عملت أعظم؟ قال: بينما أنا أمشي على
__________
[1] في ت: «في مضرة افتح أبدا» .
[2] في ت: «فسل» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] بياض في ت مكان: «عابدان أخوان من بني إسرائيل» .
[5] حذف السند من ت.(2/171)
الطريق إذا بسنبلة فأخذتها فألقيتها فِي إحدى الأرضين أرض عَنْ يميني وأرض عَنْ شمالي، فلا أدري هي الأرض التي ألقيتها فيها أم الأخرى، ثم قَالَ المسئول للسائل:
أي ذنب فيما عملت أعظم، قَالَ: كنت أقوم فِي الصلاة فأميل مرة عَلَى هَذِهِ الرجل ومرة عَلَى هَذِهِ الرجل فلا أدري أكنت أعدل بينهما أم لا فسمعهما أبوهما من داخل الدار، فَقَالَ: اللَّهمّ إن كانا صادقين فأمتهما فخرج فإذا بهما قد ماتا
. ثلاثة من عباد بني إسرائيل
[1] :
أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَلي الصيرفي قَالَ: أَخْبَرَنَا شجاع بْن فارس قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ العشاري قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد العلاف قَالَ: أَخْبَرَنَا صفوان قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الْقُرَشِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا أزهر بْن مروان قَالَ: أَخْبَرَنَا جعفر بْن سليمان قال: أخبرنا أبو عمران الجنوني، عَنْ عَبْد اللَّه بْن رياح الأنصاري، عَنْ كعب قَالَ:
اجتمع ثلاثة عباد من بني إسرائيل، فقالوا: تعالوا نذكر كل واحد [2] منا أعظم ذنب عمله، فَقَالَ احدهم: أما أنا فلا أذكر من ذنب أعظم من أني كنت مع صاحب لي فعرضت لي شجرة، فخرجت عَلَيْهِ ففزع مني، وَقَالَ: اللَّه بيني وبينك.
وَقَالَ أحدهم: إنا معشر بني إسرائيل إذا أصاب أحدنا بول قطعه، فأصابني بول فقطعته فلم أبالغ فِي قطعه.
وَقَالَ أحدهم: كانت لي والدة، فدعتني من قبل شمال الريح فأجبتها ولم تسمع فجاءتني مغضبة [فجعلت] [3] ترميني بالحجارة فأخذت عصا وجئت لأقعد بين يديها تضربني بها حَتَّى تنزفني [ففزعت مني] [4] فأصاب وجهها شجرة فشجتها، فهذا أعظم ذنب عملته.
__________
[1] بياض في ت مكان: «ثلاثة من عباد بني إسرائيل» .
[2] في ت: «إنسان منا» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/172)
عابد من بني إسرائيل
[1] :
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَد الحداد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الأصفهاني قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الله بن محمد بن جعفر قَالَ: حَدَّثَنَا علي بْن إِسْحَاق قَالَ:
أَخْبَرَنَا حسين بْن الحسن المروزي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن المبارك/ قَالَ: أَخْبَرَنَا بكار بْن عَبْد اللَّه أَنَّهُ سمع وهب بْن منبه يقول:
كان رجل من أفضل أهل زمانه، وكان يزار فيعظهم، فاجتمعوا إليه ذات يوم، فَقَالَ: إنا قد خرجنا من الدنيا وفارقنا الأهل والأموال مخافة الطغيان، وقد خفت ذلك أن يكون قد دخل علينا فِي حالنا هَذِهِ من الطغيان أكثر مما يدخل عَلَى أهل الأموال في أموالهم إن أحدنا يحب أن يقضي له حاجته، فإن اشترى [أحدنا] [2] بيعا أن يقارب لمكان دينه، وإن لقي حق ووقف بمكان دينه [3] فشاع ذلك الكلام حَتَّى بلغ الملك، فعجب به الملك فركب إليه ليسلم عَلَيْهِ [وينظر إليه] ، [4] فلما رآه الرجل قيل له هَذَا الملك: قد أتاك ليسلم عليك، فَقَالَ: وما نصنع؟ فقيل: الكلام الذي وعظت به، فسأل رده هل عندك [5] طعام، فَقَالَ شَيْء من تمر الشجر، فما كنت تفطر به وامرأتي معي عَلَى مسح فوضع بين يديه فأخذ يأكل منه [6] ، وكان يصوم النهار ولا يفطر، فوقف عَلَيْهِ الملك فسلم عَلَيْهِ فأجابه خفية، وأقبل عَلَى طعامه، يأكله، فَقَالَ الملك: فأين الرجل قيل له هو هَذَا الذي يأكل قَالَ: نعم، قَالَ: فما عند هَذَا من خير فأدبر، فَقَالَ الرجل: الحمد للَّه الذي صرفك عني بما صرفك.
وَفِي رواية: أنه قدم له بقل وزيت وحمص فجعل يجمع من البقول والطعام ويطعم اللقمة ويغمسها فِي الزيت فيأكل أكلا عنيفا، فرآه الملك فذهب عنه.
__________
[1] بياض في ت مكان: «عابد من بني إسرائيل» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] «وإن لقي حق ووقف بمكان دينه» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت: «هل شيء من طعام» .
[6] في ت: «فجعل يأكل» .(2/173)
عابد آخر منهم
[1] :
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد العزيز بْن علي قَالَ: أخبرنا عَبْد اللَّه بْن حامد الوراق قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حامد بْن جعفر قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن فهيد قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاق بن رزيق قال: حدثنا إسماعيل ابن عبد الكريم عن عبد الصمد بن معقل، عَنْ وهب بْن منبه قَالَ:
كان فِي بني إسرائيل عابد فلبث سبعا لم يطعم هو وعياله شيئا. فقالت له امرأته:
لو خرجت وطلبت لنا شيئا. فخرج فوقف مع العمال فاستؤجر العمال، وصرف [اللَّه] عنه الرزق، فَقَالَ: والله لأعملن اليوم مع ربي، فجاء إِلَى ساحل البحر فاغتسل وما زال راكعا وساجدا، حتى إذا أمسى أتى/ أهله، فقالت له امرأته: ماذا صنعت، فقال: قد عملت مع أستاذي، وقد وعدني أن يعطيني، ثم غدا إِلَى السوق [2] ، فوقف مع العمال، فاستؤجر العمال وصرف [اللَّه] [3] عنه الرزق، ولم يستأجره أحد، فَقَالَ: والله لأعملن [اليوم] [4] مع ربي، فجاء إِلَى ساحل البحر فاغتسل، وما زال راكعا وساجدا حَتَّى إذا أمسى أقبل إِلَى منزله، فقالت له امرأته: ماذا صنعت، قَالَ: إن أستاذي قد وعدني أن يجمع لي أجري، فخاصمته امرأته، وبرزت عَلَيْهِ، فلبث يتقلب ظهرا لبطن وبطنا لظهر، وصبيانه يتضاغون جوعا، ثم غدا إِلَى السوق فاستؤجر العمال، وصرف عنه الرزق، ولم يستأجره أحد، فَقَالَ: والله لأعملن مع ربي، فجاء إِلَى ساحل البحر، فاغتسل وما زال [5] راكعا وساجدا، حَتَّى إذا أمسى، قَالَ: أين أمضي، تركت أقواما يتضاغون جوعا، ثم تحمل عَلَى جهد منه، فلما قرب من داره، سمع ضحكا وسرورا، وسمع رائحة قديد ورائحة شواء، فأخذ عَلَى بصره وَقَالَ: أنائم أنا أم يقظان [6] ، تركت أقواما يتضاغون جوعا، وأشم رائحة قديد ورائحة شواء، وأسمع ضحكا وسرورا، ثم
__________
[1] بياض في ت مكان: «عابد آخر منهم» .
[2] في ت: «ذهب إلى السوق» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت: «ولم يزل» .
[6] «ثم تحمل على ... أنائم أنا أم يقظان» . سقط من ت.(2/174)
دنا من الباب فطرق الباب، فخرجت امرأته حاسرة [1] وقد حسرت عَنْ ذراعيها وهي تضحك فِي وجهه، ثُمَّ قالت: يا فلان قد جاءنا رسول أستاذك بدنانير، ودراهم وكساء، وودك ودقيق، وقال: إذا جاء فلان فأقرءوه السلام وقولوا له: إن أستاذك يقول لك: رأيت عملك فرضيته، فإن أنت زدتني في العمل زدتك فِي الأجرة
. حديث يرخ
[2] :
أَخْبَرَنَا ابن الْمُبَارَكُ بْن عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحسن بْن طاهر البيع قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حَدَّثَنَا ابن رزقويه قَالَ: أَخْبَرَنَا عثمان بْن أحمد قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن البراء قَالَ: حدثني الفضل بْن حازم قَالَ: حدثني يُوسُف بْن غزولا اللخمي قَالَ: حدَّثَنِي مخلد بْن ربيعة الربعي [3] ، عَنْ كعب قَالَ:
قحطت بنو إسرائيل عَلَى عهد موسى، فسألوه أن يستسقي لهم فقال اخرجوا معي إلى الجبل، فخرجوا، فلما أصعد الجبل قَالَ موسى: لا يتبعني رجل أصاب ذنبا، قَالَ: فانصرف أكثر من نصف القوم [4] ، ثم قَالَ: الثانية لا يتبعني من أصاب ذنبا، فانصرفوا جميعا إلا رجل أعور، يقال له يرخ العابد، فَقَالَ له موسى: ألم تسمع ما قلت؟
قَالَ: بلى قَالَ: فلم تصب ذنبا قَالَ: ما أعلمه إلَّا شيئا أذكره، فإن كان ذنبا رجعت، قَالَ: ما هو؟ قَالَ: مررت فِي طريق فرأيت باب حجرة مفتوح، فلمحت بعيني هَذِهِ الذاهبة شخصا لا أعلم ما هو، فقلت لعيني أنت من بين يدي سارعت إِلَى الخطيئة لا تصحبيني بعدها، فأدخلت إصبعي فيها فقلعتها، فإن كان هَذَا ذنبا رجعت، فَقَالَ موسى عَلَيْهِ السلام: ليس هَذَا ذنبا. ثم قَالَ له: استسق يا يرخ، قَالَ: قدوس قدوس، ما عندك لا ينفد وخزائنك لا تفنى، وأنت بالبخل لا ترضى، فما هَذَا الذي لا يعرف به اسقنا الغيث الساعة الساعة، قال: فانصرفا يخوضان الوحل.
__________
[1] «حاسرة» سقطت من ت.
[2] بياض في ت مكان: «حديث يرخ» .
[3] حذف السند من ت.
[4] في ت: «نصفهم» .(2/175)
قال مؤلف الكتاب: وقد روينا نحو هَذِهِ الحكاية فيما تقدم وأنها جرت لعيسى ابن مريم عليه السلام
. تائب من بني إسرائيل:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الحافظ قَالَ: أَخْبَرَنَا محفوظ بْن أَحْمَد الفقيه قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الجازري قَالَ: أَخْبَرَنَا المعافى بْن زكريا قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن القاسم الكوكبي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يُوسُف يعقوب بْن إِسْحَاق القاضي قَالَ: حَدَّثَنَا يحيى بْن صالح الوحاظي قَالَ: حَدَّثَنَا إسماعيل بْن عياش، عَنْ صفوان بْن عمرو، عَنْ شريح بْن عبيد الحضرمي [1] ، عَنْ كعب الأحبار:
أن رجلا من بني إسرائيل أتى فاحشة، فدخل نهرا يغتسل [فيه] [2] فناداه الماء يا فلان ألم تستحي ألم تتب من هَذَا الذنب، وقلت: إنك لا تعود فيه فخرج من الماء فزعا وهو يقول: لا أعصي اللَّه عز وجل، فأتى جبلا فيه اثنا عشر رجلا يعَبْدون اللَّه تعالى فلم يزل معهم حَتَّى قحط موضعهم، فنزلوا يطلبون الكلأ، فمروا عَلَى ذلك/ النهر، فَقَالَ لهم الرجل: أما أنا فلست بذاهب معكم، قالوا: لم؟ قَالَ: لأن ثم من قد أطلع مني عَلَى خطيئة فأنا أستحي منه أن يراني، فتركوه، ومضوا فناداهم النهر، يا أيها العباد، ما فعل صاحبكم، قالوا: زعم [لنا] [3] أن هاهنا من [قد] [4] اطلع منه عَلَى خطيئة فهو يستحي منه أن يراه، قَالَ: يا سبحان الله، إن بعضكم يغضب على ولده أو عَلَى بعض قراباته، فإذا تاب ورجع إِلَى ما يحب أحبه وإن صاحبكم قد تاب ورجع إِلَى ما أحب، فأنا أحبه، فاتوه فأخبروه واعَبْدوا اللَّه عَلَى شاطئ [النهر] فأخبروه [5] ، فجاء معهم، فأقاموا يعَبْدون اللَّه زمانا، ثم إن صاحب الفاحشة توفي، فناداهم النهر: يا أيُّها العباد، غسلوه من مائي، وادفنوه على شاطئي حَتَّى يبعث يوم القيامة من قربي، ففعلوا ذَلِكَ به، وَقَالُوا: نبيت ليلتنا هَذِهِ عَلَى قبره لنبكي [6] فإذا
__________
[1] حذف السند من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] «فأخبروه» سقطت من ت. وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] «لنبكي» سقطت من ت.(2/176)
أصبحنا سرنا، فباتوا عَلَى قبره يبكون، فلما جاء وجه السحر غشيهم النعاس، فأصبحوا وقد أثبت اللَّه عز وجل عَلَى قبره اثنتي عشرة سروة، وكان أول سرو أنبته اللَّه عز وجل على وجه الأرض، فقالوا: فما أنبت اللَّه هَذَا الشجر فِي هَذَا المكان، إلا وقد أحب عبادتنا فيه، فأقاموا يعَبْدون اللَّه عَلَى قبره، كلما مات فيهم رجل دفنوه إِلَى جانبه، حَتَّى ماتوا بأجمعهم.
قَالَ كعب: فكانت بنو إسرائيل يحجون إِلَى قبورهم رحمة اللَّه عليهم
. قصار من بني إسرائيل
[1] :
أَنْبَأَنَا أحمد بْن أحمد بْن موسى الصيرفي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الأَصْفَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر القرشي قَالَ: حَدَّثَنِي الحسن بْن الصباح قَالَ: حَدَّثَنَا زيد بْن الحباب قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن سبط قَالَ: حَدَّثَنَا بكر بْن عَبْد [2] اللَّه المزني:
أن قصارا [3] ولع بجارية لبعض جيرانه، فأرسلها أهلها إِلَى حاجة لهم فِي قرية أخرى، فتبعها، فراودها عَنْ نفسها، فقالت: لا تفعل لأنا أشد حبا/ لك منك، ولكني أخاف الله. فقال: فأنت تحافينه وأنا لا أخافه، فرج ثانية فأصابه العطش حَتَّى كاد يتقطع عنقه، فإذا هو برسول الله لبعض بني [4] إسرائيل، فسأله، فَقَالَ: ما لك؟ قَالَ: العطش قَالَ: تعال حَتَّى ندعو، حَتَّى تظلنا سحابة حَتَّى ندخل القرية قَالَ: ما لي عند اللَّه [5] عمل فأدعو! قَالَ: فأدعو أنا، وأمّن أنت. قال: فدعا الرسول وأمّن هو فأظلتهم سحابة، حتى انتهوا إلى القرية، فأخذ القصار [6] إلى مكان فمالت السحابة عليه، فرجع الرسول فقال: زعمت أن ليس [لك] [7] عمل وأنا الذي دعوت وأنت الّذي أمنت، فأظلتنا
__________
[1] بياض في ت مكان: «قصار من بني إسرائيل» .
[2] حذف السند من ت.
[3] في ت: «قصباب» .
[4] في ت: «هو برسول بني إسرائيل» .
[5] «عند الله» سقطت من ت.
[6] في ت: «القصار» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/177)
سحابة، ثم تبعتك لتخبرني ما أمرك، فأخبره فَقَالَ الرسول: التائب إِلَى اللَّه بمكان ليس أحد من الناس بمكانه
. عابدة من بني إسرائيل يقال لها سارة
[1] :
أَخْبَرَنَا عَبْد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا أبو الحسين بن عَبْد الجبار قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ علي الثوري قَالَ: أَخْبَرَنَا عمر بْن ثابت قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بْن أحمد بْن أبي قيس قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر القرشي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن رومي قَالَ: أَخْبَرَنَا إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصمد بن معقل، عَنْ وهب بْن [2] منبه قَالَ: [3] أتي بامرأة من بني إسرائيل يقال لها سارة وسبعة بنين لها إِلَى ملك كان يفتن الناس عَلَى أكل لحم الخنزير فدعا أكبرهم فقرب إليه لحم الخنزير، فَقَالَ: كل، فَقَالَ: ما كنت لآكل شيئا حرمه اللَّه عز وجل أبدا، فأمر بِهِ فقطعت يداه ورجلاه، ثم قطعه عضوا عضوا حَتَّى قتله، ثم دعا بالذي يليه فَقَالَ: كل، فَقَالَ: ما كنت لآكل شيئا حرمه اللَّه تعالى، فأمر بقدر من نحاس فملئت زيتا ثم أغليت حتى إذا غلت ألقاه فيها، ثم دعا الذي يليه، فَقَالَ: كل، فَقَالَ: ما كنت لآكل شيئا حرمه اللَّه تعالى، فقتله، ثم دعا الذي يليه [4] ، فَقَالَ: أنت أذل وأقل وأهون عَلَى اللَّه من أن آكل شيئا حرمه اللَّه تعالى علي فضحك الملك، وَقَالَ: أتدرون ما أراد بشتمه إياي، أراد أن يغضبني، فأعجل في قتله وليخطئه ذلك وأمر به، فجز جلدة عنقه، ثم أمر به أن يسلخ جلدة رأسه ووجهه فسلخوه سلخا، فلم يزل يقتل كل واحد منهم بلون غير قتل أخيه حَتَّى بقي أصغرهم، فالتفت بِهِ إِلَى أمه، فَقَالَ: لقد رثيت لك مما رأيت فانطلقي بابنك هَذَا فاخلي به وانقذيه على أن يأكل لقمة واحدة فيعيش لك قالت: نعم، فخلت به، فقالت: أي بني إنه كان لي على كل رجل من
__________
[1] بياض في ت مكان: «عابدة من بني إسرائيل يقال لها سارة» .
[2] حذف السند من ت.
[3] في ت زيادة مطموسة، الواضح منها ما يلي:
«سأل بعض أهل (الطريقة) قال: «يا أبا عبد الله هل سمعت ( ... ) عذاب أشد مما نحن فيه ما لو نظرتم ما أنتم فيه وإلى ما خلا لكان ما أنتم فيه مثل الدخان عند النار» .
[4] «ما كنت لآكل ... دعا الّذي يليه» . سقط من ت.(2/178)
إخوتك حق، ولي عليك حقان.، وذلك أني أرضعت كل واحد حولين، فمات أبوك وأنت حمل، فأرضعتك لضعفك ورحمتي إياك أربعة أعوام فأسألك باللَّه وحقي أما صبرت ولم تأكل شيئا مما حرمه الله عليك ولا تلقين أخوتك يوم القيامة، ولست معهم، فَقَالَ: الحمد للَّه الذي أسمعني هَذَا منك، أما كنت أخاف أن تريديني عَلَى أن آكل [مما حرمه اللَّه] [1] ، ثم جاءت به إِلَى الملك فقالت: ها هو ذا قد أردته وعرضت عَلَيْهِ فأمره الملك أن يأكل، فَقَالَ: ما كنت لآكل شيئا حرمه الله علي، فقتله وألحقه بأخوته، وَقَالَ لأمهم: إني لأجدني أرثي لك، فما رأيت اليوم، ويحك، فكلي لقمة ثم أصنع بك ما شئت وأعطيك ما أحببت تعيشين به، قالت: ما أجمع بين ثكل ولدي ومعصية اللَّه عز وجل، فلو حييت بعدهم ما أردت ذلك، وما كنت لآكل شيئا مما حرمه اللَّه تعالى أبدا فقتلها وألحقها ببنيها
. عقوبة كذاب عَلَى موسى عَلَيْهِ السلام [2]
أَخْبَرَنَا علي بْن مُحَمَّد بْن حسنون قَالَ: أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الجبار قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْن صفوان قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر القرشي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد السمسار قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن كثير البصري قَالَ: حَدَّثَنَا عبيد بْن واقد القيسي عَنْ عثمان بْن عَبْد اللَّه [3] ، عَنْ رجل من أهل العلم قَالَ:
كان رجل يخدم موسى عَلَيْهِ السلام، ويتعلم منه، قَالَ: فاستأذنه أن يرجع إِلَى قريته ثم يعود إليه، فأذن له فانطلق، فجعل يقول: حدثني موسى كليم الله بكذا وكذا، وحدثني نجي الله بكذا حَتَّى كثر ماله، وجعل موسى عَلَيْهِ السلام يسأل عنه، ولا يخبر بشَيْء فبينما مُوسَى عَلَيْهِ السلام/ قاعد إذ مر به رجل يقود خزرا فِي عنقه حبل- والخزر الأرنب الذكر- فَقَالَ: يَا عَبْد اللَّه مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قَالَ: أقبلت من قرية كذا وكذا، من قرية الرجل قَالَ: فتعرف فلانا؟ قَالَ: نعم، هو الذي فِي يدي، قَالَ موسى: يا رب رده إِلَى حاله حَتَّى أسأله فيما صنعت به هَذَا، فأوحى اللَّه تعالى إليه لو سألني آدم فمن دونه من
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] بياض في ت مكان: «عقوبة كذاب على موسى عليه السلام» .
[3] حذف السند من ت.(2/179)
النبيين حتى بلغ محمدا صلى الله عليه وسلم لم أرده إِلَى حاله، وإنما صنعت به هَذَا لأنه كان يطلب الدنيا بالدين
. ذو الرجل
[1] :
أَخْبَرَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك ومُحَمَّد بْن ناصر قالا: أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الجبار قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الجوهري قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عبد الرحيم المازني قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن القاسم الأنباري قَالَ: حدثني مُحَمَّد بْن المرزبان قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّدً قَالَ: حدثني مُحَمَّد بْن الحسن عَنْ داود بْن أبي الرياد، عَنْ أبيه قَالَ:
كان راهب يتعَبْد فِي صومعة فأشرف منها فرأى امرأة ففتن بها، فأخرج رجله من الصومعة لينزل إليها، فلما أخرج رجله نزلت عَلَيْهِ العصمة وأدركته السعادة فقال: يا لنفس رجل خرجت من الصومعة لتعصي اللَّه يعود إليها ويكون فِي صومعتي معي، والله لا كان هَذَا أبدا، قال: فتركها معلقة خارج الصومعة يسقط عليها الثلوج والأمطار وتصيبها الشمس والرياح حتى تقطعت وتناثرت وسقطت [2] ، فشكر اللَّه ذلك من فعله، وأنزل فِي بعض الكتب وذو الرجل يمدحه بذلك
. حديث بغي من بني إسرائيل
[3] :
أَخْبَرَنَا عَبْد الملك بْن عَبْد اللَّه الكروخي قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن علي العميري قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أحمد الفامي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أحمد المرواني قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن المنكدر قَالَ: حدثني الفضل بن عبد الجبار الباهلي [4] قال:
__________
[1] بياض في ت مكان: «ذو الرجل» .
[2] «وسقطت» سقط من ت.
[3] بياض في ت مكان: حديث بغي من بني إسرائيل» .
[4] حذف السند من ت.(2/180)
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن الأشعث قَالَ: أَخْبَرَنَا المعمر بْن سليمان. قَالَ: سمعت أبا كعب يحدث عَنِ الْحَسَن قَالَ:
كانت امرأة بغي لها ثلث الحسن لا تمكن من نفسها إلا بمائة دينار وإنه [1] أبصرها عابد، فأعجبته/ [فذهب] [2] فعمل بيديه وعالج فجمع مائة دينار فجاء [3] فَقَالَ: إنك [قد] [4] أعجبتني فانطلقت فعملت بيدي وعالجت حَتَّى جمعت مائة دينار، فقالت:
ادفعها إِلَى القهرمان حَتَّى ينقدها ويزنها ففعل فقالت: أنقدت منه مائة دينار] [5] قَالَ:
نعم، قالت: ادخل، وكان لها من الجمال والهيئة ما اللَّه أعلم به، [وكان] [6] لها بيت منجد وسرير من ذهب، فقالت: هلم إلي، فلما جلس منها مجلس الرجل الخائن ذكر مقامه بين يدي اللَّه عز وجل، أخذته رعدة، وماتت شهوته، فَقَالَ: اتركيني أخرج ولك مائة دينار، قالت: ما بدا لك، وقد رأيتني كما زعمت فأعجبتك فذهبت وعالجت وكددت حَتَّى جمعت مائة دينار، فلما قدرت عليّ فعلت الّذي فعلت، قال: فرق من اللَّه ومقامي بين يديه وقد بغضت إلي، قالت: لئن كنت صادقا ما لي زوج غيرك، قَالَ:
ذريني لأخرج. قالت: لا إلا أن تجعل لي عهدا أن تتزوجني [قَالَ: لا، حَتَّى أخرج.
قالت: خل عليك، إني أحب أن تتزوجني] [7] ، قَالَ: لعل، قَالَ: فيقبع بثوبه ثم خرج إِلَى بلده، وارتحلت الأخرى بدنياها نادمة عَلَى ما كان منها، حَتَّى قدمت بلده، فسألت عَن اسمه ومنزله، فدلّت عليه، فقيل له: الملكة جاءت تسأل عنك، فلما رآها شهق شهقة فمات، قَالَ: فأسقط فِي يديها، فقالت: أما هَذَا فقد فاتني، فهل له من قريب، قيل أخوه فقير، فحضر، قالت: إني أتزوجك بحب أخيك قَالَ: فتزوجته، فولدت له سبعة أبناء.
__________
[1] «إنه» سقطت من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] «فجاء» سقط من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] «مائة دينار» سقط من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.(2/181)
حديث بغي أخرى
[1] :
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر قال: أخبرنا المبارك بْن عَبْد الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن عمر البرمكي قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الحسين الزينبي قَالَ: حَدَّثَنَا ابن المرزبان قَالَ:
حدثني أَبُو أحمد الخراساني قَالَ: حدثني أحمد بْن أبي نصر قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن خالد قَالَ: حدثني أمية بْن شبل عَنْ/ عَبْد اللَّه بْن وهب [2] قَالَ إِبْرَاهِيم: لا أراه إلا عَنْ أبيه:
أن عابدا من عبّاد بني إسرائيل، كان يتعبد فِي صومعته، فجاء نفر من الغواة إِلَى امرأة بغي، فقالوا لها: لعلك تزيلينه فجاءته فِي ليله مظلمه فنادته فأشرف عليها، فقالت له: يا عَبْد اللَّه آوني إليك أما ترى الظلمة والمطر فلم تزل به حَتَّى آواها، فاضطجعت قريبا منه، فجعلت تريه محاسن وجهها [3] حَتَّى دعته نفسه إليها فَقَالَ: لا والله حَتَّى أنظر [كيف] [4] صبرك عَلَى النار، فتقدم إِلَى المصباح فوضع إصبعا من أصابعه فيه حَتَّى احترقت، ثم عاد إِلَى صلاته، فدعته نفسه أيضا، وعاود المصباح فوضع إصبعه الأخرى حَتَّى احترقت، فلم تزل نفسه تدعوه وهو يعود إِلَى المصباح، حَتَّى احترقت أصابعه جميعا [وهي تنظر] [5] فضعفت المرأة فماتت [6]
. حديث عفيف منهم عَنِ المعاصي
[7] :
أَخْبَرَنَا ابن ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسين بن عبد الجبار قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاق الْبَرْمَكِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين الزينبي قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن المرزبان قَالَ: أخبرني أَحْمَد بْن حرب قَالَ: حدثني عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد قَالَ: حدثني [8] أَبُو عَبْد اللَّه البلخي:
__________
[1] بياض في ت مكان «حديث بغي أخرى» .
[2] حذف السند من ت.
[3] في ت: «محاسن خلقها» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «فوضع احترقت أصابعه جميعا فضعفت» .
[7] بياض في ت مكان: «حديث عفيف منهم عن المعاصي» .
[8] حذف السند من ت.(2/182)
أن شابا كان فِي بني إسرائيل لم ير شاب قط أحسن منه، وكان يبيع القفاف، فبينما هو ذات يوم يطوف بقفافه خرجت امرأة من دار ملك من ملوك بني إسرائيل فلما رأته رجعت مبادرة، فقالت لابنة الملك: يا فلانة، إني رأيت شابا يبيع القفاف، لم أر شيئا أحسن منه، قَالَتْ أدخليه فخرجت إليه، فقالت: يا فتى أدخل، لنشتر منك، فدخل، فأغلقت الباب دونه، ثم قَالَتْ: ادخل، فدخل فأغلقت بابا آخر دونه، ثم استقبلته بنت الملك كاشفة عَنْ وجهها ونحرها، فقال لها: اشتري عافاك الله، قالت: إنا لم ندعك لهذا، إنما دعوناك لكذا- يعني المراودة عن نفسه- فَقَالَ لها: اتقي اللَّه، قالت له: إنك إن لم تطاوعني عَلَى ما أريد أخبرت الملك انك إنما دخلت علي تكابدني عَلَى نفسي قَالَ: فأبى ووعظها فأبت فقال: ضعوا لي وضوءا/ فقالت: أعلي نعلك، يا جارية ضعوا له وضوءا فوق الجوسق مكان لا يستطيع أن يفر منه ومن الجوسق إِلَى الأرض أربعون [1] ذراعا، فلما صار إِلَى أعلى الجوسق، قَالَ: اللَّهمّ إني دعيت إِلَى معصية وأنا أختار أن أضر نفسي فألقيها من هَذَا الجوسق ولا أركب المعصية ثم قَالَ: بسم الله وألقى نفسه من أعلى الجوسق فأهبط اللَّه له ملكا، فأخذ بضبعه فوقع قائما عَلَى رجليه، فلما صار إلى الأرض قال: اللَّهمّ إن شئت رزقتني رزقا يغنيني عَنْ هَذِهِ القفاف قَالَ: فأرسل اللَّه إليه جرادا من ذهب فأخذ منه حَتَّى ملأ ثوبه، فلما صار فِي ثوبه قَالَ: اللَّهمّ إن كان هَذَا رزقا رزقتنيه فِي الدنيا فبارك لي فيه، وإن كان ينقصني مما لي عندك من الآخرة فلا حاجة لي فيه فنودي إن هَذَا الذي أعطيناك جزء من خمسة وعشرين جزءا لصبرك عَلَى إلقائك نفسك من هَذَا الجوسق، قَالَ: اللَّهمّ لا حاجة لي فيما ينقصني مما عندك فِي الآخرة قَالَ: فرفع
. خبر ملك متزهد
[2] :
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ قال:
أخبرنا أحمد بن جعفر قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا المسعودي، عن سماك حرب، عن
__________
[1] في الأصل: أربعين.
[2] بياض في ت مكان: «خبر ملك متزهد» .(2/183)
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيَدَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ [1] ، قَالَ:
بَيْنَمَا رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فِي مَمْلَكَتِهِ فَتَفَكَّرَ فَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مُنْقَطِعٌ عَنْهُ، وَأَنَّ مَا هُوَ فِيهِ قَدْ شَغَلَهُ [2] عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، فَانْسَابَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ قَصْرِهِ فَأَصْبَحَ فِي مَمْلَكَةِ غَيْرِهِ، فَأَتى سَاحِلَ [الْبَحْرِ] [3] فَكَانَ يَضْرِبُ اللَّبِنَ بِالأَجْرِ، فَيَأْكُلُ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ [مِنْ قُوتِهِ] [4] ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى رُفِعَ أَمْرُهُ إِلَى مَلِكِهِمْ، فَأَرْسَلَ مَلِكُهُمْ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ فَأَبَى، فَعَادَ إليه الرسول فأبى وقال: ما له وَمَا لِي، فَرَكِبَ الْمَلِكُ، فَلَمَّا رَآهُ الرَّجُلُ وَلَّى هَارِبًا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْمَلِكُ رَكَضَ فِي أَثَرِهِ فَلَمْ يُدْرِكْهُ، فَنَادَاهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ مِنِّي بَأْسٌ، فَأَقَامَ حَتَّى أَدْرَكَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ/ اللَّهُ؟ قَالَ: أَنَا فُلانُ ابْنُ فُلانٍ صَاحِبُ مُلْكِ كَذَا وَكَذَا، فَفَكَّرْتُ فِي أَمْرِي فَعَلِمْتُ أَنَّ مَا أَنَا فِيهِ مُنْقَطِعٌ عَنِّي، وَأَنَّهُ قَدْ شَغَلَنِي عَنْ عِبَادَةِ رَبِّي فَتَرَكْتُهُ وَجِئْتُ هاهنا أَعَبُدُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: مَا [أَنْتَ] [5] بِأَحْوَجَ إِلَى مَا صَنَعْتَ مِنِّي. ثُمَّ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ فَأَطْلَقَهَا [6] ثُمَّ تَبِعَهُ، فَكَانَا جَمِيعًا يَعْبُدَانِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَدَعُوا اللَّهَ أَنْ يُمِيتَهُمَا، فَمَاتَا.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَوْ كُنْتُ بِرُمَيْلَةِ مِصْرَ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَيْهِمَا بِالنَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [7]
. حديث ابن ملك متزهد منهم:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عبيد الله البيضاوي، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال:
أخبرنا القاضي أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ أَخِي مِيمِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو علي بن صفوان، قال:
__________
[1] في الأصل: «عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه ابن مسعود» ، وفي ت: «عن عبد الرحمن بن عبيد الله، عن ابن مسعود» . وما أوردناه من كتاب التوابين لابن قدامة المقدسي ص 50.
[2] في «الشفا في مواعظ الملوك والخلفاء» لابن الجوزي: «وإن الّذي هو فيه قد شغله» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت، والشفا.
[4] ما بين المعقوفتين: من الشفا.
[5] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.
[6] في ت، والشفا: «فسيبها» وكلاهما صحيح.
[7] الحبر في التوابين ص 50 مرفوعا، وأورده ابن الجوزي في الشفا 91، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 218، وأورده ابن الجوزي أيضا في المصباح المضيء 2/ 247.(2/184)
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن الحسين، قال: أخبر [مروان] [1] مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْعِجْلِيِّ، قَالَ: [أَخْبَرَنَا] أَبُو عُقَيْلٍ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، قَالَ:
كَانَ رجل من ملوك بني إسرائيل قد أعطي طول عمر وكثرة مال وكثرة أولاد، وكان أولاده إذا كبر أحدهم لبس [ثياب] [2] الشعر، ولحق بالجبال، وأكل من الشجر، وساح فِي الأرض حَتَّى يأتيه الموت، ففعل ذلك جماعتهم حَتَّى تتابع بنوه عَلَى ذلك، فأصاب ولدا بعد كبر، فدعا قومه وَقَالَ: إني أصبت ولدا بعد ما كبرت، وترون شفقتي عليكم، وإني أخاف أن يتبع [3] [هَذَا] سنة إخوته، وأنا أخاف إن لم يكن عليكم أحد من ولدي بعدي، فبنوا له حائطا فرسخا فِي فرسخ، فكان فيه دهرا من دهره.
ثم ركب يوما فإذا عَلَيْهِ حائط مصمت، فَقَالَ: إني أحسب أن خلف هَذَا الحائط أناسا وعالما آخر، فأخرجوني أزدد [4] علما وألقى الناس. فقيل ذلك لأبيه، ففزع وخشي أن يتبع سنة إخوته، فَقَالَ: اجمعوا عَلَيْهِ كل لهو ولعب، ففعلوا ذلك.
ثم ركب فِي السنة [5] الثانية، فَقَالَ: لا بد من الخروج، فأخبر بذلك الشيخ، / فَقَالَ: أخرجوه، فحمل [6] عَلَى عجلة وكلل بالزبرجد والذهب، وصار حوله حافتان من الناس. فبينا هو يسير إذا هو برجل مبتلى، فَقَالَ: ما هَذَا؟ قالوا: رجل مبتلى، فَقَالَ:
أيصيب ناسا دون ناس أو كل خائف له؟ قَالُوا: كل خائف له [7] ، قَالَ: وأنا فيما أنا فيه من السلطان؟ قالوا: نعم، قَالَ: أف لعيشكم هَذَا، [هَذَا] [8] عيش كدر. فرجع مغموما
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من التوابين ص 36.
[2] ما بين المعقوفتين: من ت.
[3] في ت: «وأخاف من هذا أن يتبع سنة» .
[4] في الأصل: «أزداد» . وما أوردناه من ت.
[5] في ت: «ثم ركب فجاء في السنة» .
[6] في التوابين: «فجعل» .
[7] في الأصول: «منه» وما أوردناه من التوابين.
[8] ما بين المعقوفتين: من التوابين.(2/185)