سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة
فيها توفي الملك المؤيد الشّهاب أبو الفتح أحمد بن الملك الأشرف أبي النصرا ينال العلائي الظّاهري ثم الناصري [1] وهو من ذرية الظّاهر بيبرس. ولي السلطنة بعهد من أبيه يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى سنة خمس وستين وثمانمائة، وتوفي والده بعد ذاك بيوم واحد، ثم خلعه أتابكه خشقدم بعد خمسة أشهر وخمسة أيام واستمر خاملا إلى أن توفي في صفر عن سبع وخمسين سنة.
وفيها المتوكل على الله أبو عمرو عثمان بن الأمير محمد بن عبد العزيز بن أحمد الهنتاتي [2] صاحب المغرب.
توفي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان وقد جاوز السبعين.
وفيها المولى مصلح الدّين مصطفى بن يوسف بن صالح البرساوي الحنفي، المعروف بخواجه زاده [3] .
كان والده من التجار، صاحب ثروة عظيمة، وكان أولاده في غاية الرفاهية، وعيّن المترجم في شبابه كل يوم درهما واحدا، وكان ذلك لاشتغاله بالعلم وتركه طريقة والده، فإنه سخط عليه لذلك، ثم دأب المترجم في الطلب، واتصل بخدمة المولى ابن قاضي أياثلوغ، فقرأ عنده الأصلين، والمعاني، والبيان، ثم وصل إلى خدمة خضر بك بن جلال، وقرأ عليه علوما كثيرة، وكان يكرمه إكراما عظيما، وكان
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 246) و «نظم العقيان» ص (40) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 138) .
وقال فيه: «والهنتاتي: بفتح الهاء، ثم نون، بعدها مثناة، ثم مثلها بعد الألف قبيلة من البربر» .
[3] ترجمته في «الفوائد البهية» ص (214) و «الشقائق النعمانية» ص (76- 85) .(9/532)
يقول: إذا أشكلت عليه مسألة لتعرض على العقل السليم يريد به خواجه زاده، ثم تنقل في المدارس، مع الفقر الشديد، وحفظ شرح المواقف، ثم جعله السلطان محمد [1] معلما لنفسه، وقرأ عليه «تصريف العزّي» للزنجاني في الصرف، فكتب عليه حاشية نفيسة، وتقرّب عند السلطان غاية القرب، إلى أن صار قاضيا للعسكر، وكان والده وقتئذ في الحيف والاحتياج، فسار إلى ولده من برسا إلى أدرنة، وخرج ولده للقائه ومعه علماء البلد وأشرافه، ونزل خواجه زاده كه عن فرسه وعانقه، وعمل له ولإخوته ضيافة عظيمة، وجمع فيها العلماء والأكابر، وجلس هو في صدر المجلس وولده [2] عنده وسائر الأكابر جلوس على قدر مراتبهم، فلم يمكن إخوته الجلوس لازدحام الأكابر، فقاموا مع الخدم [3] بعد ما كانوا فيه من الرفاهية وما هو فيه من الفقر والاحتياج، فسبحان المانح لا مانع لما أعطى، ثم إن السلطان محمد أعطاه تدريس سلطانية برسا وعيّن له كل يوم خمسين درهما وهو إذ ذاك ابن ثلاث وثلاثين سنة، ثم أعطاه مدرسته بقسطنطينية، وصنّف هناك كتاب «التهافت» بأمر السلطان، ثم استقضى بمدينة أدرنة، ثم استفتي بمدينة قسطنطينية، ثم أعطي بمكر [4] من الوزير قضاء أزنيق وتدريسها، فذهب إليها وترك القضاء، وبقي على التدريس إلى أن مات السلطان محمد فأتى إلى قسطنطينية، ثم أعطاه السلطان بايزيد سلطانية برسا، وعيّن له كل يوم مائة درهم، ثم أعطاه فتيا برسا، وقد اختلت رجلاه ويده اليمنى، فكان يكتب باليد اليسرى، وكتب «حاشيته [5] على شرح المواقف» بأمر السلطان بايزيد إلى أثناء مباحث الوجود، ثم توفاه الله تعالى.
وله أيضا «حواش على شرح هداية الحكمة» لمولانا زاده، و «شرح على الطوالع» و «حواش على التلويح» وغير ذلك.
وكان له ابنان اسم الكبير منهما شيخ محمد، كان فاضلا، عالما، مدرّسا،
__________
[1] أقول: هو السلطان محمد الفاتح. (ع) .
[2] في «ط» : «ووالده» وهو خطأ.
[3] في «ط» : «مع الخدام» .
[4] في «ط» : «بكرم» .
[5] في «ط» : «حاشية» .(9/533)
باشر التداريس والقضاء، وترك الكل، ورغب في التصوف، ثم ذهب مع بعض العجم إلى بلاد العجم. وتوفي هناك سنة اثنتين أو ثلاث وتسعمائة، وكان محقّقا مدقّقا.
واسم الأصغر منهما عبد الله، كان صاحب ذكاء وفطنة ومشاركة حسنة، وتوفي وهو شاب، رحمهم الله تعالى.(9/534)
سنة أربع وتسعين وثمانمائة
فيها توفي الشريف أبو سعد بن بركات بن حسن بن عجلان [1] صاحب الحجاز.
توفي في ربيع الثاني.
وفيها الشيخ عبد الله المشهور بحاجي خليفة [2] .
أصله من ولاية قصطموني، واشتغل بالعلوم الظاهرة أولا فأتقنها، ثم اتصل بخدمة الشيخ تاج الدّين بن بخشي، وحصّل عنده طريقة الصوفية، حتى أجازه بالإرشاد، وأقامه مقامه بعد وفاته.
وكان جامعا للعلوم والمعارف، متواضعا، متخشعا، صاحب أخلاق حميدة وآثار سعيدة، مظهرا للخيرات، والبركات، صاحب كرامات، مرجعا للعلماء والفضلاء، مربيا للفقراء والصلحاء آية في الكرم والفتوة، كثير البشر، جميل الخلق والخلق.
وتوفي في سلخ جمادى الآخرة، رحمه الله تعالى.
وفيها المنصور عبد الوهاب بن داود [3] صاحب اليمن.
توفي في جمادى الأولى.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (11/ 113) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (147- 149) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 100) .(9/535)
وفيها شمس الدّين محمد بن شهاب الدّين أحمد بن عزّ الدّين عبد العزيز المرداوي الحنبلي [1] الأصيل العريق، سليل الأعلام.
كان من فضلاء الحنابلة، بارعا في الفرائض، مستحضرا في الفقه وأصوله، والحديث، والنحو، حافظا لكتاب الله تعالى. أذن له الشيخ تقي الدّين بن قندس، والشيخ علاء الدّين المرداوي، والبرهان بن مفلح بالإفتاء والتدريس، وولي القضاء ببلده مردا مدة.
وتوفي بصالحية دمشق يوم الخميس ثالث عشر ذي القعدة ودفن بالروضة إلى جانب القاضي علاء الدّين المرداوي من جهة القبلة.
وفيها القاضي محبّ الدّين أبو اليسر محمد بن الشيخ فتح الدين محمد بن الجليس المصري الحنبلي [2] .
ولد في حدود العشرين والثمانمائة ظنا، وكان والده من أعيان الحنابلة بالقاهرة، وكان هو من أخصّاء القاضي بدر الدّين البغدادي، وكان في ابتداء أمره يتجر، ثم احترف بالشهادة، وجلس في خدمة نور الدّين الشيشيني المتقدم ذكره، وحفظ «مختصر الخرقي» . وقرأ على العزّ الكناني وغيره، وأذن له القاضي عزّ الدّين المذكور في العقود والفسوخ، ثم استخلفه في الحكم، واستمرّ على ذلك إلى أن توفي في أحد الربيعين.
وفيها المتوكل على الله يحيى بن محمد بن مسعود بن عثمان بن محمد [3] صاحب المغرب.
توفي في رجب.
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (516) و «السحب الوابلة» ص (346) .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (516) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 258) .(9/536)
سنة خمس وتسعين وثمانمائة
فيها توفي السيد أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد الحسيني الشّيرازي الأيجي [1] الإمام العالم.
توفي في جمادى الأولى عن إحدى وسبعين سنة.
وفيها عبيد الله بن محمد المدعو حافظ عبيد الأبيوردي [2] الإمام العلّامة.
وفيها قاضي القضاة عبد الرحمن بن الكازروني الحنبلي [3] الإمام العلّامة المقرئ المحدّث.
كان من أهل العلم ومشايخ القراءة، وله سند عال في الحديث الشريف.
ولي قضاء حماة مدة طويلة، ووقع له العزل والولاية، وكانت سيرته حسنة، وللناس فيه اعتقاد.
توفي بحماة وقد جاوز الثمانين.
وفيها أمين الدّين أبو اليمن محمد بن محب الدّين أبي اليسر محمد المنصوري المصري الحنبلي [4] .
اشتغل في ابتداء أمره على الشيخ جمال الدّين بن هشام، واحترف
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 333) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 116) وفيه: «عبيد الله بن عبد الله ... » .
[3] ترجمته في «السحب الوابلة» ص (210) .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 262) و «المنهج الأحمد» الورقة (517) . وقال السخاوي:
«المنصوري: نسبة للمنصورية بالبيمارستان» .(9/537)
بالشهادة، وأذن له البدر البغدادي في العقود والفسوخ، وكذا العزّ الكناني، ثم فوّض إليه نيابة الحكم فباشر في أيامه مدة طويلة، ثم استمرّ على ما هو عليه في أيام البدر السعدي، وكان يباشر على أوقاف الحنابلة، وعنده استحضار في الفقه، وخطّه حسن، وله معرفة تامة بمصطلح القضاء والشهادة. وكان يلازم مجالس الأمراء بالديار المصرية لفصل الحكومات.
وتوفي بالقاهرة في أواخر السنة.(9/538)
سنة ست وتسعين وثمانمائة
فيها توفي القاضي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن محمد بن عمر بن يوسف اللقاني [1] المالكي الإمام العالم.
توفي في المحرم.
وفيها العارف بالله تعالى الشيخ عبد الله الإلهي الصّوفي الحنفي [2] .
قال في «الشقائق» : ولد بقصبة سما، ومن ولاية أناضولي، واشتغل أول عمره [3] بالعلوم، وسكن مدة بقسطنطينية بمدرسة زيرك، ولما ارتحل المولى على الطّوسي إلى بلاد العجم ارتحل هو أيضا، فلقيه بمدينة كرمان، واشتغل عليه بالعلوم الظاهرة، ثم غلبت عليه داعية التّرك، فقصد حرق كتبه أو إغراقها. ولما كان في هذا التردد دخل عليه فقير وقال له: بع الكتب وتصدّق بثمنها إلّا هذا الكتاب، فإنه يهمك، فإذا هو كتاب فيه «رسائل المشايخ» ففعل ذلك، وذهب إلى سمرقند وخدم العارف بالله خواجه عبد الله السمرقندي، وتلقّن منه الذكر، ثم ذهب بإشارة منه إلى بخاري، واعتكف هناك عند قبر خواجه بهاء الدّين النقشبندي، وتربى بروحانيته، ثم عاد إلى سمرقند، وصحب خواجه عبيد، ثم ذهب بإشارته إلى بلاد الرّوم فمرّ ببلاد هراة، وصحب المولى عبد الرحمن الجامي وغيره من مشايخ خراسان، ثم أتى إلى وطنه، واشتهر حاله في الآفاق، واجتمعت عليه
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 161) وهي ترجمة حافلة يحسن بالباحث الرجوع إليها.
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (152- 155) .
[3] في «ط» : «أول أمره» وهو أوجه، وما جاء في «آ» موافق لما في «الشقائق النعمانية» مصدر المؤلف.(9/539)
العلماء والطلاب، ووصلوا إلى مآربهم، وبلغ صيته إلى قسطنطينية، وطلبه علماؤها وأكابرها فلم يلتفت إليهم إلى زمن السلطان محمد، فظهرت الفتن في وطنه، فأتى قسطنطينية، وسكن بجامع زيرك، واجتمع عليه الأكابر والأعيان، ثم لما تزاحم عليه الناس تشوّش من ذلك، وارتحل إلى ولاية رملي، فتوفي هناك، رحمه الله تعالى.
وفيها المولى مصلح الدّين مصطفى، الشهير بابن وفاء الحنفي [1] ، العارف بالله تعالى. وكان يكتب على ظهر كتبه الفقير مصطفى بن أحمد الصّدري القونوي المدعو بوفاء.
أخذ التصوف أولا عن الشيخ مصلح الدّين المشتهر بإمام الدّبّاغين، ثم اتصل بأمر منه إلى خدمة الشيخ عبد اللطيف القدسي، وأكمل عنده الطريق، وأجازه بالإرشاد، وكان صاحب الترجمة إماما، عالما، محقّقا، جامعا بين علمي الظاهر والباطن، له شأن عظيم من التصرفات الفائقة، عارفا بعلم الوفق، بليغا في الشعر والإنشاء، خطيبا مصقعا، منقطعا عن الناس، لا يخرج إلّا في أوقات معينة، وإذا خرج ازدحم الأكابر وغيرهم عليه للتبرك. [وكان] لا يلتفت إلى أرباب الدنيا ويؤثر صحبة الفقراء عليهم. قصد السلطان محمد وبعده السلطان أبو يزيد [2] الاجتماع به فلم يرض بذلك.
توطن القسطنطينية وله بها زاوية وجامع. ولما توفي حضر السلطان أبو يزيد [2] جنازته [3] وأمر بكشف وجهه لينظر إليه اشتياقا إليه وتبركا به، رحمهما الله تعالى.
وفيها يعقوب بك بن حسن بك [4] سلطان العراقين.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (145- 147) وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه.
[2] في «الشقائق النعمانية» : «بايزيد» وهو الصواب.
[3] في «ط» : «في جنازته» .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 283) .(9/540)
سنة سبع وتسعين وثمانمائة
فيها كان الطّاعون العام العجيب الذي لم يسمع بمثله، حتى قيل إن ربع أهل الأرض ماتوا به [1] .
وفيها توفي صدر الدّين عبد المنعم بن القاضي علاء الدّين علي بن أبي بكر بن مفلح الحنبلي [2] الإمام العلّامة. تقدم ذكر أسلافه، وأخذ هو العلم عن والده وغيره، وكان من أهل العلم والدّين.
أفتى ودرّس، وأفاد بحلب وغيرها، وكان خيّرا متواضعا، لكنه لم يكن له حظ من الدّنيا كوالده.
وتوفي بحلب في ربيع الآخر.
__________
[1] انظر تفاصيل ذلك في بدائع الزهور» (3/ 286- 292) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 89) و «المنهج الأحمد» الورقة (517) و «السحب الوابلة» ص (273) .(9/541)
سنة ثمان وتسعين وثمانمائة
فيها وقعت صاعقة بالمسجد النبوي قبيل ظهر يوم الأربعاء ثامن عشري صفر أصابت المنارة الرئيسية بحيث تفطرت خودة هلالها وسقط جانب دورها السفلي [1] .
وكان فيها الطّاعون العجيب ببرسا واحترق نحو نصفها أيضا.
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن أبي بكر الشنويهي ثم المصري الحنبلي [2] العدل.
كان إماما، عالما، حفظ القرآن العظيم، و «مختصر الخرقي» و «العمدة» للموفق، وكان من أخصاء القاضي بدر الدّين البغدادي وإمامه، وله رواية في الحديث، وأخذ عنه العلّامة غرس الدّين الجعبري شيخ حرم سيدنا الخليل، وذكره في أول «معجم شيوخه» واحترف بالشهادة أكثر من ستين سنة لم يضبط عليه ما يشينه.
وتوفي بالقاهرة يوم الثلاثاء تاسع عشر شعبان وقد جاوز الثمانين.
وفيها برهان الدّين إبراهيم بن عبد الرحمن بن حسين بن حسن المدني الشافعي، المعروف بابن القطّان [3] الإمام العالم.
توفي في ذي القعدة عن تسع وسبعين سنة.
__________
[1] انظر التفاصيل في «بدائع الزهور» (3/ 294- 295) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 34) و «السحب الوابلة» ص (23) وفيه: «الشويهي» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 57) و «التحفة اللطيفة» (1/ 122) .(9/542)
وفيها الإمام العارف بالله تعالى عبد الرحمن بن أحمد الجامي [1] .
ولد بجام من قصبات خراسان [2] ، واشتغل بالعلوم العقلية والشرعية فأتقنها، ثم صحب مشايخ الصوفية، وتلقّن الذكر من الشيخ سعد الدّين الكاشغري، وصحب خواجه عبيد الله السّمرقندي، وانتسب إليه أتمّ الانتساب. وكان يذكر في كثير من تصانيفه أوصاف خواجه عبيد الله، ويذكر محبته له، وكان مشتهرا بالفضائل. وبلغ صيت فضله الآفاق، وسارت بعلومه الرّكبان، حتّى دعاه السلطان بايزيد خان إلى مملكته، وأرسل إليه بجوائز سنية، فكان يحكي من أوصلها أنه تجهّز للسفر، وسافر من خراسان إلى همذان، ثم قال للذي أوصل الجائزة: إني امتثلت أمره الشريف حتّى وصلت إلى همذان، والآن أتشبث بذيل الاعتذار، وأرجو العفو منه إني لا أقدر على الدخول إلى بلاد الرّوم لم أسمع فيها من الطّاعون، وكان رحمه الله تعالى أعجوبة دهره علما، وعملا، وأدبا، وشعرا. وله مؤلفات جمّة، منها «شرح فصوص الحكم» لابن عربي، و «شرح الكافية لابن الحاجب» وهو أحسن شروحها. وكتب على أوائل القرآن العظيم تفسيرا أبرز فيه بعضا من بطون القرآن العظيم وغوامضه، وله كتاب «شواهد النبوة» بالفارسية. وكتاب «نفحات الأنس» بالفارسية أيضا. وكتاب «سلسلة الذهب» حطّ فيه على الرافضة، وكتاب «الدرة الفاخرة» و «تسمية أهل اليمن حطّ رحلك» إشارة إلى أنه كتاب تحط الرحال عنده، و «رسالة في المعمّى والعروض والقافية» وله غير ذلك، وكل تصانيفه مقبولة.
وتوفي بهراة وجاء تاريخ وفاته وَمن دَخَلَهُ كانَ آمِناً 3: 97 [آل عمران: 97] .
ولما توجهت الطائفة الطّاغية الأردبيلية إلى خراسان، أخذ ابنه ميتته من قبره ودفنه في ولاية أخرى فأتت الطائفة المذكورة إلى قبره وفتشوه فلم يجدوا جسده فأحرقوه ما فيه من الأخشاب.
وفيها قاضي القضاة محيى الدّين أبو صالح عبد القادر بن قاضي القضاة
__________
[1] ترجمته في «جامع كرامات الأولياء» (2/ 61) .
[2] لها ذكر في «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» ص (238) .(9/543)
سراج الدّين أبي المكارم عبد اللطيف بن محمد الحسيني الفاسي الأصل المكّي الحنبلي [1] الشريف الحسيب النّسيب الإمام العالم العلّامة المقرئ المحدّث.
ولد غروب شمس يوم الثلاثاء سادس عشري شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بمكّة المشرفة، وحفظ بها القرآن العظيم، وصلّى به بمقام الحنابلة التراويح، وحفظ قطعة من «محرّر ابن عبد الهادي» و «الشاطبية» و «مختصر ابن الحاجب» الأصلي، و «كافيته» و «تلخيص المفتاح» وتلا بالروايات السبع على الشيخ عمر الحموي النجّار [2] نزيل مكّة. وأخذ الفقه عن العزّ الكناني، والعلاء المرداوي، وأذن له في الإفتاء والتدريس والأصول عن الأمين الأقصرائي الحنفي، والتّقي الحصني، وأذنا له، وأخذ عن الأخير المعاني، والبيان، والعربية، وأصول الدّين، وسمع الحديث على أبي الفتح المراغي، والتّقي بن فهد، والشّهاب الزّفتاوي [3] ، وأجاز له والده وعمته أم الهدى، وقريبه عبد اللطيف بن أبي السرور، وزينب ابنة اليافعي، وأبو المعالي الصالحي المكيون.
ومن أهل المدينة الشريفة المحب الطّبري، وعبد الله بن فرحون، والشّهاب المحلّي.
ومن القاهرة ابن حجر، والمحب بن نصر الله، والتّقي المقريزي، والزين الزركشي، والعزّ بن الفرات، وسارة بنت عمر بن جماعة، والعلاء بن بردس، وأبو جعفر ابن العجمي في آخرين.
ورحل في الطلب، وجد واجتهد، ثم أقام بمكة للاشغال، وولي قضاء الحنابلة بها سنة ثلاث وستين، ثم أضيف إليه قضاء المدينة سنة خمس وستين،
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 272) و «المنهج الأحمد» الورقة (517) و «السحب الوابلة» ص (226) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «البخاري» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «الزفتاري» .(9/544)
ودرّس بالمسجد الحرام وغيره، وحدّث وأفتى، ونظم وأنشأ، وكان له ذكاء مفرط، وكثرة عبادة وصوم، وحسن قراءة، وطيب نغمة فيها.
وكان يزور النّبيّ صلى الله عليه وسلم في كل عام، وزار بيت المقدس والخليل، وباشر القضاء [1] إلى وفاته [1] أحسن مباشرة، بعفّة، وصيانة، ونزاهة، وورع، مع التواضع ولين الجانب. وتوجه إلى المدينة الشريفة للزيارة على عادته فأدركته المنية بها في يوم الجمعة النصف من شعبان، وصلّي عليه بمسجد النّبي صلى الله عليه وسلم، ودفن بالبقيع.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن محمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصّالحي الحنبلي [2] الشيخ الصّالح الخطيب المسند المعمّر الأصيل [3] .
ولد بصالحية دمشق عشية عيد الفطر سنة خمس وثمانمائة، واشتغل بالعلم، وفضل، وتميّز، وأفتى، ودرّس، وحدّث، وباشر نيابة الحكم بالديار المصرية وبالمملكة الشامية، وكان له وجاهة عند الناس.
وتوفي بالقاهرة في يوم الأربعاء خامس عشري في القعدة وله أربع وتسعون سنة.
وفيها المولى سنان الدّين يوسف، المعروف بقول سنان الحنفي [4] .
قال في «الشقائق» : كان من عبيد بعض وزراء السلطان مراد [5] ، وقرأ في صغره مباني العلوم، واشتغل على علماء عصره، ثم وصل إلى خدمة المولى علي
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 9) و «المنهج الأحمد» الورقة (518) و «السحب الوابلة» ص (352) .
[3] في «ط» : «الأصل» .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (167- 168) .
[5] كذا في «آ» و «ط» : «مراد» في «الشائق» مصدر المؤلف: «محمد» .(9/545)
القوشجي، ثم تنقّل في المدارس، حتّى صار مدرّسا بإحدى الثمان، وعيّن له كل يوم ثمانون درهما، وكان كثير الاشتغال بالعلم، نشرا، وإفادة، وتصنيفا، وصنّف شرحا ل «الرسالة الفتحية» في الهيئة لأستاذه علي القوشجي، وهو شرح نافع للغاية وعلّق حواشي على مشكلات البيضاوي من أوله إلى آخره، وحشّى غيره من الكتب، رحمه الله تعالى
.(9/546)
سنة تسع وتسعين وثمانمائة
فيها تقريبا توفي إسماعيل بن أحمد [1] بن عيسى البرلسي المغربي الفاسي [2] المالكي، المعروف بابن زرّوق [3] الإمام العلّامة الصّوفي.
قال المناوي في «طبقاته» : عابد من بحر العبر يغترف، وعالم بالولاية متصف، تحلى بعقود القناعة والعفاف، وبرع في معرفة الفقه والتصوف والأصول والخلاف، خطبته الدنيا فخاطب سواها، وعرضت عليه المناصب فردّها وأباها.
ولد سنة ست وأربعين وثمانمائة، ومات أبوه قبل تمام أسبوعه، فنشأ يتيما، وحفظ القرآن العظيم، وعدة كتب، وأخذ التصوف عن القوري وغيره، وارتحل إلى مصر، فحجّ وجاوز بالمدينة، وأقام بالقاهرة نحو سنة، واشتغل بها في العربية والأصول على الجوجري وغيره، وأخذ الحديث عن السّخاوي، ثم غلب عليه التصوف، فكتب على الحكم نيفا وثلاثين شرحا، وعلى «القرطبية في شرح المالكية» وعلى «رسالة ابن أبي زيد القيرواني» عدة شروح كلها مفيدة نافعة، وعمل «فصل السالمي» [4] أرجوزة، وشرح كتاب «صدور الترتيب» لشيخه الحضرمي بن عقبة، وشرح «حزب البحر» للشاذلي، وشرح «الأسماء الحسنى» جمع فيه بين طريقة علماء الظّاهر والباطن، وكتاب «قواعد الصوفية» وأجاده جدا.
__________
[1] في «ط» : «إسماعيل بن محمد» .
[2] ترجمته في جامع كرامات الأولياء» (1/ 360) .
[3] في «ط» : «المعروف بزروق» وكذلك في «جامع كرامات الأولياء» .
[4] في «آ» : «السلمي» .(9/547)
ومن كلامه: المؤمن يلتمس المعاذير، والمنافق يتتبع المعايب والمعايير، والله في عون العبد ما دام العبد [1] . في عون أخيه.
وقال: مقام النبوة معصوم من الجهل بمولاه في كل حال من أول شؤونه إلى أبد الآبدين.
وقال: ما اتفق اثنان قطّ في شيء واحد من جميع الوجوه وإن اتفقا في أصل الأمر أو فروعه أو بعض جهاته، ولذلك قالوا: الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق [2] .
وقال: كل علم بلا عمل وسيلة بلا غاية، وعمل بلا علم جهالة. انتهى ملخصا.
وفيها القاضي تقي الدّين أبو بكر بن شمس الدّين محمد العجلوني الحنبلي، المشهور بابن البيدق [3] .
كان من أهل الفضل وأعيان الحنابلة بدمشق، أخذ العلم عن ابن قندس، والعلاء المرداوي، والبرهان ابن مفلح، وناب في الحكم بدمشق، وأفتى، وكانت سيرته حسنة.
وتوفي يوم الجمعة ثالث ذي الحجّة.
وفيها المولى قاسم الشهير بقاضي زاده الحنفي [4] الإمام العالم.
كان أبوه قاضيا بقسطموني، ونشأ ولده نشأة حسنة، واشتغل بالعلم والعبادة، واتصل إلى خدمة خضر بك بن جلال الدّين، وحصّل عنده علوما كثيرة، وتنقل في المدارس إلى أن صار قاضيا ببرسا فحمدت سيرته، ثم أعيد إلى إحدى المدارس الثمان، ثم ولي برسا ثانيا.
__________
[1] لفظة «العبد» سقطت «آ» .
[2] أقول: الطريق الصحيح إلى الله تعالى هو طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. (ع) .
[3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (518) و «السحب الوابلة» ص (135) .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (116) و «الفوائد البهية» ص (154) .(9/548)
وتوفي قاضيا بها، وكان مشتغلا بالعلم، ذكي الطبع، جيد القريحة، متصفا بالأخلاق الحميدة، صحيح العقيدة، سليم النّفس، له يد طولى في العلوم الرياضية، رحمه الله تعالى.
وفيها المولى محيى الدّين الشهير بأخوين الحنفي [1] الإمام العالم.
قرأ على علماء عصره، وتنقل في المدارس، حتّى صار مدرسا بإحدى الثمان، وكان من أعيان العلماء، له حاشية على «شرح التجريد» للشريف الجرجاني، ورسالة في أحكام الزنديق، ورسالة في شرح الربع المجيب، رحمه الله تعالى.
وفيها تقريبا المولى يوسف بن حسين الكرماسني الحنفي [2] الإمام العلّامة.
قرأ على خواجه زاده، وبرع في العلوم العربية والشرعية، وتنقل في المدارس، وصار قاضيا بمدينة برسا، ثم بمدينة قسطنطينية، وكان في قضائه، مرضي السيرة، محمود الطريقة، سيفا من سيوف الله تعالى، لا يخاف في الله لومة لائم.
ومن مصنفاته: «حاشية على المطول» و «شرح الوقاية» و «الوجيز في أصول الفقه» و «كتاب في علم المعاني» .
توفي بمدينة القسطنطينية، ودفن بجانب مكتبه الذي بناه عند جامع السلطان محمد.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (116) و «معجم المؤلفين» (9/ 31) .
[2] ترجمته في «الفوائد البهية» ص (227) وفيه: «الكرماسني» .(9/549)
سنة تسعمائة
فيها توفي برهان الدّين النّاجي إبراهيم بن محمد بن محمود بن بدر الحلبي القبيباتي الشافعي [1] الإمام العالم.
توفي بدمشق عن أزيد من تسعين سنة [2] .
وفيها عبد الرحمن بن حسن بن محمد الدّميري الشافعي [3] الإمام العالم.
توفي في ربيع الثاني عن خمس وسبعين سنة.
وفيها قاضي القضاة علاء الدّين أبو الحسن علي بن شمس الدّين محمد بن العطار الشّيبي الحموي الحنبلي، المشهور بابن إدريس [4] .
كان إماما علّامة، له سند عال في الحديث، ناب في القضاء بحماة مدة، ثم ولي قضاء طرابلس نيفا وعشرين سنة، وكانت له معرفة بطرق الأحكام ومصطلح الزمان.
وتوفي بطرابلس وقد جاوز الثمانين.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن البهاء البغدادي [5] الحنبلي الإمام العلّامة الفقيه المحدّث.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 166) و «الأعلام» (1/ 65) .
[2] أقول: وله تعليقة جيدة على «الترغيب والترهيب» ومخطوطته موجودة في المدينة المنورة، واسمها عجالة الإملاء المتيسرة من التذنيب على ما وقع للحافظ المنذري من الوهم وغيره في كتابه «الترغيب والترهيب» وهو كتاب هام جدا. (ع) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 74) و (3/ 233) في «زكريا بن حسن» فقد عرف بالاسمين فتنبه.
[4] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (519) .
[5] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (519) و «السحب الوابلة» ص (305) و «معجم المؤلفين» (7/ 187) .(9/550)
ولد سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة تقريبا في جهة العراق، وقدم من بلاده إلى مدرسة شيخ الإسلام أبي عمر بصالحية دمشق في سنة سبع وثلاثين، وأخذ الحديث عن الأمين الكركي، والشمس ابن الطحّان، وابن ناظر الصاحبة، وأخذ العلم عن الشيخ تقي الدّين بن قندس، والنّظام والبرهان ابني مفلح، وصار من أعيان الحنابلة.
أفتى، ودرّس، وصنّف كتاب «فتح الملك العزيز بشرح الوجيز» في خمس مجلدات. وتوجه إلى القاهرة، فاجتمع عليه حنابلتها، وقرأوا عليه، وأجاز بعضهم بالإفتاء والتدريس، وزار بيت المقدس، والخليل [1] عليه السلام، وباشر نيابة القضاء بدمشق، وكان معتقدا عند أهلها وأكابرها، ورعا، متواضعا، على طريقة السّلف.
وتوفي بها يوم السبت ثالث عشري جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون.
وفيها القاضي ناصر الدّين أبو البقاء محمد بن القاضي عماد الدّين أبي بكر بن زين الدّين عبد الرحمن، المعروف بابن زريق الصّالحي الحنبلي [2] الإمام العالم المحدّث، تقدم ذكر أسلافه.
ولد بصالحية دمشق في شوال سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، وهو من ذرية شيخ الإسلام أبي عمر. قرأ على علماء عصره، وبرع ومهر، وأفاد، وعلّم، وروى عنه خلق من الأعيان، وكان منوّر الشيبة، شكلا حسنا، على طريقة السّلف الصّالح.
وولي الناظر على مدرسة جدّه أبي عمر مدة طويلة، وناب في الحكم، ثم تنزه عن ذلك.
وتوفي بالصالحية عشية يوم السبت تاسع جمادى الآخرة.
__________
[1] يعني مدينة الخليل ردّها الله تعالى إلى أيدي المسلمين مع بيت المقدس وسواها من بلدان فلسطين العزيزة بفضله ورحمته وكرمه.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 169) و «السحب الوابلة» ص (365) .(9/551)
وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن عمر الدّورسي الحنبلي [1] الإمام العالم.
كان من أصحاب البرهان ابن مفلح، وباشر عنده نيابة الحكم مدة ولايته، وكانت نيفا وثلاثين سنة، ثم باشر عند ولده نجم الدّين، ثم فوّض إليه الحكم في آخر عمره، واستمر إلى أن توفي.
وفيها بدر الدّين أبو المعالي قاضي القضاة محمد بن ناصر الدّين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن خالد بن إبراهيم السّعديّ المصريّ الحنبلي [2] شيخ الإسلام الإمام العلّامة الرّحلة.
ولد بالقاهرة سنة خمس أو ست وثلاثين وثمانمائة، وسمع على الحافظ ابن حجر وغيره، واشتغل في الفقه على عالم الحنابلة جمال الدّين ابن هشام ولازمه، ثم لازم العزّ الكناني، وجد واجتهد، وقرأ كثيرا من العلوم وحقّقها، وحصّل أنواعا من الفنون وأتقنها، وبرع في المذهب، وصار من أعيانه، وأخذ عن علماء الديار المصرية وغيرهم ممن ورد إلى القاهرة، وأتقن العربية وغيرها من العلوم الشرعية والعقلية، وتميّز وفاق أقرانه، ولزم خدمة شيخه القاضي، عزّ الدّين، وفضل عليه، فاستخلفه في الأحكام الشرعية، وهو شاب له خمس وعشرين سنة أو نحوها، وأذن له في الإفتاء والتدريس، وشهد بأهليته، وندبه للوقائع المهمة والأمور المشكلة، فساد على أبناء جنسه، وعظم أمره، وعلا شأنه، واشتهر صيته، وأفتى ودرّس، وحجّ إلى بيت الله الحرام، وقرأ على القاضي علاء الدّين المرداوي لما توجه إلى القاهرة كتابه «الإنصاف» وغيره، ولازمه، فشهد بفضله، وأذن له بالإفتاء والتدريس أيضا، ولم يزل أمره في ازدياد وعلمه في اجتهاد، وباشر نيابة الحكم أكثر من خمس عشرة سنة، وصار مفتي دار العدل، وكانت مباشرته بعفّة ونزاهة، ثم ولي قضاء القضاة بالديار المصرية بعد موت شيخه العزّ الكناني، فحصل بتوليته
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (92/ آ) و «السحب الوابلة» ص (422) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 59) و «المنهج الأحمد» الورقة (520) و «السحب الوابلة» ص (434) .(9/552)
الجمال لممالك الإسلام، وسلك أحسن الطرق من النّزاهة والعفّة، حتى في قبول الهدية، وصنّف «مناسك الحج» على الصحيح من المذهب، وهو كتاب في غاية الحسن.
وبالجملة فقد كان آية باهرة، من حسنات الدهر، ذكره تلميذه العليمي في «طبقاته» وهو آخر من ذكرهم فيها إلا أنه قال: توفي فجأة ليلة الثلاثاء ثالث ذي القعدة، والله أعلم.(9/553)
تم بحمد الله تعالى وحسن توفيقه تحقيقنا للمجلد التاسع من «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» للإمام ابن العماد الحنبلي الدمشقي، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وذلك ليلة الخميس الثامن عشر من شهر ذي الحجّة لعام (1412) هـ-.
ونسأل الله العظيم أن يتولانا بعنايته ويمدنا بتأييده وتوفيقه وكريم رعايته، ويعيننا على تحقيق بقية الكتاب بحوله وقوته، إنه خير مسؤول وأسرع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
محمود الأرناؤوط(9/554)
[المجلد العاشر]
كلمة أخيرة
الحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، والصّلاة والسّلام على خيرة خلق الله تعالى محمد المبعوث بخير الرسالات لخير الأمم. اللهم صلّ وسلّم وبارك على هذا الرسول الكريم، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين.
وبعد: فها هو ذا المجلد العاشر والأخير من هذا الكتاب العظيم- «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» - ينضم إلى المجلدات التسعة التي سبقته من هذه الطبعة التي تتولى إصدارها دار ابن كثير العامرة بدمشق الشام المحروسة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ويطيب لي بهذه المناسبة العزيزة أن أشير إلى أمور مختلفة تتعلق بهذه الطبعة من هذا الكتاب التي شرّفني الله عزّ وجل بخدمتها والقيام عليها، لتوضيح ما هو خاف عن جماهير القراء الذين سيعودون لهذه الطبعة لمراجعة حادثة، أو ترجمة، أو اسم علم، أو اسم مكان، أو بيت شعر، أو غير ذلك مما يحتوي عليه هذا السّفر الموسوعي الكبير، فأجمل القول بما يلي:
1- لم تتوافر لى بعض الأصول والمصادر الرئيسة بسبب الظروف المعروفة للكتاب العربي، فكنت أبذل قصارى جهدي للحصول على بعض المصادر من داخل البلاد وخارجها غير عابئ بثمن الكتاب مهما ارتفع، فكانت الكتب تردني متأخرة فأباشر الاعتماد عليها في مراحل متأخرة من العمل.
2- عانيت الكثير الكثير في تحصيل بعض المصادر غير المطبوعة مما نقل عنه(م 10/1)
المؤلّف بغية مراجعة النقول عليها، وسافرت من أجل ذلك إلى العديد من الأقطار، وراسلت جهات علمية كثيرة للحصول على بعض المصورات لأصول لم تطبع بعد، وكان للمؤلف- رحمه الله- معها وقفات مطولة، فبعضها حصلت عليه بنفسي وبعضها حصّلته عن طريق بعض الخلّص من أصدقائي، وفي طليعتهم أخيّ وصديقي الفاضل الدكتور خالد عبد الكريم جمعة رجل العلم المحب للتراث العزيز.
3- انصرفت عنايتي نحو أمر أعتقد أنه من أول واجبات المشتغل بالتراث ألا وهو مقابلة النقول على مصادرها المخطوطة والمطبوعة ما استطعت إلى ذلك سبيلا، فاستدركت باتباع هذا المنهج الكثير من السقط، وصحّحت الكثير من التحريف والتصحيف اللّذين لحقا بألفاظ كثيرة في مواطن مختلفة من الكتاب.
4- اجتهدت في الإحالة على أهم المصادر التي شاركت كتابنا في إيراد تراجم الأعلام المترجمين، ولم أتوسع في ذكر المصادر لثقتي بأن الوصول إليها ليس بالعسير على طالب العلم الجاد المجتهد بإذن الله تعالى، ولو فعلت ما فعله غيري في هذا الاتجاه لزاد حجم الكتاب زيادة كبيرة دونما طائل.
والآن وقد انتهيت من تحقيق الكتاب وانصرفت إلى إعداد فهارسه التي أرجو أن تفي بحاجة الباحثين وطلبة العلم بعون الله تعالى وتوفيقه، فقد رأيت من تمام الفائدة أن أتبع «الفهارس» بإصدار «مستدرك» في مجلد مستقل أجمل فيه ما وقفت عليه بنفسي من الخطأ، والوهم، والتحريف، والتصحيف، والاستدراك في هذه الطبعة، وما تفضل بالكتابة لي عنه بعض أفاضل أهل العلم، وما سيصلني من التصحيح والاستدراك من الكرام من أهل العلم لاحقا، وسوف أحرص على إصدار «المستدرك» في أول عام (1417) هـ إن شاء الله تعالى.
وأغتنم هذه المناسبة لأجدد ما سبق لي قوله من قبل: إن هذا الكتاب هو في نهاية الأمر إرث لأفراد الأمّة جميعهم، والنصح للقائمين على تحقيقه وإخراجه هو نصح للناطقين بالعربية في مشارق الأرض ومغاربها، راجيا من جميع العاملين في فنّ التحقيق وسواهم أن لا يبخلوا عليّ بملاحظاتهم وتصويباتهم، ولسوف أذكر(م 10/2)
أصحابها بأسمائهم في مواضع التصحيح والتصويب والاستدراك إن شاء الله تعالى امتثالا لقوله تعالى: وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ 7: 85.
ذلك ما قمت- وأقوم به- من عمل في خدمة هذا الكتاب، فإن أحسنت فذلك غاية ما أتمنى وأرجو، وإن أخطأت وسهوت وغفلت، فلست ممن يدّعي العصمة، وإني لمعترف بتقصيري وجهلي وقلّة تحصيلي، وما أظن الكرام من القراء- على كل حال- بمتوقفين عند ما يظهر في عملي من الهنات دون موازنته بما فيه من الإحسان إن شاء الله تعالى.
والله أسأل أن يجزي عني والدي وأستاذي المحدّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط- المشرف على تحقيق الكتاب- خير ما يجزي والدا عن ولده وأستاذا عن تلميذه، فقد شرّفني الله عزّ وجل بالانتساب إليه علما ونسبا، وشدّ به أزري في خدمة هذا الكتاب، وآنس به وحدتي في التصدي لإخراجه على هذا النحو من الإتقان، والله أسأل أن يمدّ في عمره ممتعا بالصحة والعافية والقوة والمنعة طول العمر بحوله وقوته.
وأضرع إليه عزّ وجل وأنا على مشارف هذه الكلمة الأخيرة أن يلهمني الصواب في القول والعمل، وأن يجعل أحسن أعمالي خواتيمها وخير أيامي يوم ألقاه، وأن يجعلني ممن يعملون أضعاف ما يتكلمون، والحمد لله ربّ العالمين.
دمشق الشام في التاسع عشر من شهر شوال لعام 1413 هـ محمود الأرناؤوط(م 10/3)
شذرات الذهب في أخبار من ذهب [1]
دراسة بقلم العلّامة الشيخ سعيد الكرمي [2]
عضو المجمع العلمي العربي بدمشق (1267- 1353 هـ) تأليف عبد الحي بن أحمد بن محمد، المعروف بابن العماد الحنبلي الصّالحي المترجم في «خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر» [3] بالمصنّف الأديب المتفنّن الطّرفة الأخباري العجيب الشأن في التحول في المذاكرة ومداخلة الأعيان والتّمتع بالخزائن العلمية وتقييد الشوارد من كلّ فنّ، وكان من آدب الناس
__________
[1] أثبت نص هذه المقالة كاملا كما جاء في «مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق» (المجلد الأول ص (65- 75)) بعد إجراء قلم التصحيح والتحقيق عليها، وأثبت بعض التعليقات القليلة على مواطن مختلفة منها، ورددت ما استشهد به كتابها- رحمه الله- إلى موقعه من مجلدات هذه الطبعة، تقريبا للفائدة.
وتجدر الإشارة إلى أن العلّامة الشيخ سعيد الكرمي تحدث عن الكتاب اعتمادا على النسخة الخطية التي اعتمدت عليها في تحقيقه حين أهديت إلى خزانة دار الكتب الظاهرية بدمشق.
(المحقق)
[2] هو سعيد بن علي بن منصور الكرميّ. فقيه، من علماء الأدباء. ولد في طول كرم بفلسطين، وتفقه في الأزهر بمصر، وتولى الإفتاء في بلده، وكان من أعضاء المجمع العلمي العربي، وناب عن رئيسه مدة، وسافر إلى عمّان سنة (1922) م فكان فيها قاضي القضاة إلى سنة (1926) م، وعاد إلى طول كرم فتوفي بها، وله من المؤلّفات: «واضح البرهان في الردّ على أهل البهتان» و «الإعلام بمعاني الأعلام» . عن «الأعلام» للزركلي (3/ 98- 99) الطبعة السادسة، وانظر «معجم المؤلّفين» لكحالة (4/ 228) .
ونشر الأستاذ الدكتور عدنان الخطيب دراسة في سيرته يحسن الرجوع إليها.
وسألت عنه أستاذ أساتذة العربية في بلاد الشام العالم الجليل سعيد الأفغاني- وهو ممن أدركه وعرفه عن قرب- فأثنى عليه ثناء عطرا، وأشاد بعلمه وفضله، وذكر بأنه كنّي بأبي الأشبال لأن أولاده جميعا طلبوا العلم وأصبحوا من ذوي الشأن فيه.
[3] انظر «خلاصة الأثر» (2/ 340) .(م 10/4)
وأعرفهم بالفنون المتكاثرة، وأغزرهم إحاطة بالآثار، وأجودهم مساجلة، وأقدرهم على الكتابة والتّحرير، وله من المصنّفات «شرحه على متن المنتهى» في فقه الحنابلة، حرّره تحريرا أنيقا، وله «التاريخ» الذي صنّفه وسمّاه «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» (وهو المنوّه به) وله غير ذلك من رسائل وتحريرات، وكان أخذ عن الأعلام والأشياخ بدمشق والقاهرة. ولزم الإفادة والتدريس، وانتفع به كثير من أهل العصر، وكتب الكثير بخطّه، وكان خطّه حسنا، بيّن الضبط، حلو الأسلوب، وكان مع كثرة امتزاجه بالأدب وأربابه مائل الطبع إلى نظم الشعر، إلّا أنه لم يتفق له نظم شيء فيما علمته منه، ثم أخبرني بعض الإخوان أنه ذكر له أنه رأى في المنام كأنه ينشد هذين البيتين، قال: وأظن أنهما له، وهما:
كنت في لجّة المعاصيّ غريقا ... لم تصلني يد تروم خلاصي
أنقذتني يد العناية منها ... بعد ظنّي أن لات حين مناص
إلى أن قال: وكان قد حجّ فمات بمكّة، وكانت وفاته سادس عشر ذي الحجّة سنة (1089) هـ ودفن في المعلاة، وكان عمره (58) سنة، فإني قرأت بخطّ بعض الأصحاب أن ولادته كانت نهار الأربعاء ثامن رجب سنة (1032) هـ باختصار.
والنسخة المذكورة [1] كتبت سنة (1085 هـ) عن نسخة المؤلّف في (1091) صفحة. أما الكتاب فابتداؤه من أول سنة للهجرة إلى ختام سنة ألف.
قال في آخره [2] : وهذا آخر ما أردنا جمعه من «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» وقد بذلت في تهذيبه وتنقيحه وسعي، وسهرت لأجله ليالي من عمري، ونقّحت عبارات رأيت ناقليها انحرفوا فيها عن نهج الصّواب، إما لغلط، أو سبق قلم، أو تحامل على مترجم، ونحو ذلك، وتحرّيت ما صحّ نقله، وربما لم أعز ما أنقله إلى كتاب لظهور ما أثبته وأطلب الاختصار.
__________
[1] يقصد النسخة الخطية التي تكلم عليها الكاتب في مجلة المجمع في ذلك الحين، وهي التي اعتمدنا عليها في التحقيق وقد فصّلنا القول عنها في مقدمتنا للكتاب (1/ 98) .
[2] انظر المجلد العاشر ص (654) .(م 10/5)
إلى أن قال: «وكان الفراغ منه يوم الاثنين تاسع عشر رمضان المعظم من شهور سنة (1080) هـ» .
وقد ذكر في كل سنة من توفي خلالها من الملوك، والوزراء، والعلماء، بغاية الاختصار، مع سلاسة العبارة، فلا يخطر بالبال رجل من رجال الدولة، أو العلم، أو الأدب، أو التّصوف، إلا وتوجد له فيه ترجمة تليق به.
ويوجد فيه أثناء التراجم بعض استطرادات مفيدة وغريبة في بابها:
منها: ما ذكره في ترجمة محمد المقرّي جدّ صاحب كتاب «نفح الطيب» المتوفى سنة (761) [1] ناقلا عن جدّه أنه قال: مولدي بتلمسان أيام أبي حمو موسى بن عثمان، وقد وقفت على تاريخ ذلك ولكني رأيت الصّفح عنه لأن أبا الحسن بن مؤمن سأل أبا طاهر السّلفي عن سنّه فقال: أقبل على شأنك فإني سألت أبا الفتح أزديان (كذا) [2] عن سنّه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت علي بن محمد اللّبان عن سنّه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا القاسم حمزة بن يوسف السّهمي عن سنّه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا بكر محمد بن عدي المنقري عن سنّه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا إسماعيل الترمذي عن سنّه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت بعض أصحاب الشّافعي عن سنّه فقال:
أقبل على شأنك، فإني سألت الشافعيّ عن سنّه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت مالك بن أنس عن سنّه فقال: أقبل على شأنك، ليس من المروءة للرجل أن يخبر بسنّه، وأنشد لبعضهم في المعنى:
احفظ لسانك لا تبح بثلاثة ... سنّ ومال ما استطعت ومذهب
فعلى الثّلاثة تبتلى بثلاثة ... بمكفّر وبحاسد ومكذّب
وفيها أيضا [3] سأل ابن فرحون بن الحكم: هل تجد في التّنزيل ست فاءات مرتبة ترتيبها في هذا البيت:
__________
[1] انظر المجلد الثامن ص (332- 335) .
[2] كذا أثبتها الكاتب في المقالة وفي الكتاب عندنا: «ابن رويان» .
[3] أي في سنة (861) من «شذرات الذهب» .(م 10/6)
رأى فحبّ فرام الوصل فامتنعوا ... فسام صبرا فأعيا نيله فقضى
ففكّر ثم قال: نعم قوله تعالى: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ من رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ 68: 19- 21 الآية [1] ثم قال لابن فرحون: هل عندك غيره، فقال: نعم قوله تعالى: فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ الله ناقَةَ الله وَسُقْياها فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها 91: 13- 14 [2] . وأكثر ما وجدت الفاء تنتهي في كلامهم إلى هذا العدد. اه.
وفيه أيضا أن خلّكان الذي ينسب إليه ابن خلّكان المؤلّف ليس بلدا كما وهم فيه الإسنويّ بل هو لقب لأحد أجداده، كان يكثر من قول: كان أبي، وكان جدّي، فقيل له: خلّ كان وبقيت لقبا له [3] .
وفيه أيضا أن معنى تغري بردي والد المؤرخ الشهير بلغة التّتر «الله أعطى» [4] .
ومن لطائف ما فيه لغز لابن الشّقيقة الدمشقي الصّفار المتوفى سنة (656) [5] في حروف الواو والميم والنون:
أوله آخره ... وبعضه جميعه
ثلاثة حروفه ... وواحد مجموعه
إن شئت أن تعكسه ... فلست تستطيعه
ومنه ما ذكره في ترجمة ابن بطّة الحنبلي المتوفى سنة (387) [6] أنه كان بعينه ناصور [7] ، فوصف له ترك العشاء، فكان يجعل عشاءه قبل الفجر بيسير ولا
__________
[1] سورة القلم: الآية (91) .
[2] سورة الشمس: الآية (13) .
[3] انظر المجلد السابع ص (650)
[4] انظر المجلد التاسع ص (472)
[5] انظر المجلد السابع ص (492) .
[6] انظر المجلد الرابع ص (465) .
[7] الناصور: علّة تكون في مجرى الدّمع من العين، أي من طرفها مما يلي الأنف. انظر «المنجد في اللغة» (مأق) و (نسر) و (نصر) .(م 10/7)
ينام حتّى يصبح، وأنه اجتاز بالأحنف العكبري فقام له، فشق ذلك عليه، فأنشأ الأحنف:
لا تلمني على القيام فحقّي ... حين تبدو أن لا أملّ القياما
أنت من أكرم البريّة عندي ... ومن الحقّ أن أجلّ الكراما
فقال ابن بطّة متكلّفا له الجواب:
أنت إن كنت لا عدمتك ترعى ... لي حقّا وتظهر الإعظاما
فلك الفضل في التقدّم في العل ... م ولسنا نحب منك احتشاما
فاعفنى الآن من قيامك أولا ... فسأجزيك بالقيام قياما
فأنا كاره لذلك جدّا ... إنّ فيه تملّقا وأثاما
لا تكلّف أخاك أن يتلقا ... ك بما يستحلّ فيه الحراما
وإذا صحّت الضّمائر منّا ... اكتفينا أن نتعب الأجساما
كلّنا واثق بودّ أخيه ... فإلام انزعاجنا وعلاما
وفيه أيضا [1] ضبط لقب القاضي محمد بن قريعة صاحب النوادر والأجوبة السّريعة بأنه- بضم القاف، وفتح الراء، وسكون الياء-، [2] مصغّر قرعة وهو في بعض كتب الأدب بالفاء وفي بعضها بالقاف والراء المشددة فعلم أن كل ذلك تحريف [2] .
وفيه أيضا [3] في ضبط لقب ابن القوطيّة صاحب كتاب «تصاريف الأفعال» المتوفى كسابقه سنة (367) أنه بضم القاف، وكسر الطاء، وتشديد الياء المثناة من تحت، نسبة إلى قوط بن حام بن نوح عليه السلام، نسبت إليه جدّته وهي أمّ إبراهيم بن عيسى أحد أجداده من ملوك القوط (Wisigoth) في الأندلس.
__________
[1] انظر المجلد الرابع ص (362) وتمام الضبط والتقييد فيه: «وقريعة: بضم القاف، وفتح الراء، وسكون الياء التحتية، بعدها عين مهملة، وهو لقب جدّه كذا حكاه السّمعاني» .
قلت: قد نقل ابن العماد تقييد نسبته عن «وفيات الأعيان» لابن خلّكان (4/ 384) .
[2] ما بين الرقمين ليس من كتاب «الشذرات» وإنما أضافه الكاتب من عنده.
[3] انظر المجلد الرابع ص (362) .(م 10/8)
وذكر في ترجمة السّمعاني المؤرّخ أنه بفتح السين ويجوز كسرها، نسبة لسمعان بطن من تميم.
ومما امتاز به الكتاب المذكور ذكره لعدة من النساء العالمات الفاضلات مما يدلّ على اعتناء الأقدمين بتعليم المرأة حتّى كنّ أستاذات لكثير من كبار العلماء المؤلّفين.
ومما يقضي بالعجب أن جلّهنّ إن لم يكن كلهنّ عمّرن كثيرا، فلا تجد منهنّ من ماتت إلّا عن أكثر من ستين سنة كما ترى فيما يلي، ولعل ذلك لأنّهنّ كن في معيشتهن على ما يقتضيه العلم من الآداب الجسمانية والنفسانية:
فمنهن أمّ الكرام (وفي ثبت القسطلاني ستّ الكرام) كريمة بنت أحمد بن حاتم المروزيّة [1] المجاورة، بمكّة. روت «الصحيح» (أي البخاري) عن الكشميهني، عن الفربري، عن مؤلّفه. وكانت تضبط لكتّابها، وتقابل بنسخها، ولها فهم ونباهة، وما تزوجت قطّ. توفيت سنة (463) وقيل: إنها بلغت المائة.
قاله في «العبر» [2] . وعدّها ابن الأهدل من الحفّاظ.
ومنهن بيبى بنت عبد الصمد بن علي أمّ الفضل وأمّ عربية الهرثمية الهروية لها جزء مشهور ترويه عن عبد الرحمن بن أبي شريح توفيت سنة (475) [3] أو التي بعدها وقد استكملت تسعين سنة.
ومنهن فاطمة بنت الشيخ أبي علي الدّقاق زوجة القشيري [4] صاحب «الرسالة القشيرية» المشهورة. كانت كبيرة القدر، عالية الإسناد، من عوابد زمانها.
روت عن أبي نعيم، [الإسفراييني] والعلوي، والحاكم، وطائفة. توفيت في ذي القعدة سنة (480) عن تسعين سنة.
__________
[1] انظر المجلد الخامس ص (266) .
[2] انظر «العبر» .
[3] وهم الكاتب بإحالة وفاتها إلى سنة (475) والصواب سنة (477) وذكر ما بعد ذلك مما أشار إليه الكاتب رحمه الله تعالى.
[4] انظر المجلد الخامس ص (348) .(م 10/9)
ومنهن فاطمة بنت الحسن بن علي الأقرع أمّ الفضل البغدادية [1] الكاتبة التي جوّدوا على خطّها، وكانت تنقل طريقة ابن البوّاب، حكت أنها كتبت ورقة إلى الوزير الكندري فأعطاها ألف دينار، وقد روت عن أبي عمر بن مهدي الفارسي.
توفيت في هذه السنة [2] أيضا.
ومنهن فاطمة بنت علي بن المظفّر بن دعبل أمّ الخير البغدادية الأصل النيسابورية [3] المقرئة.
روت «صحيح مسلم» و «غريب الخطابي» عن أبي حسين الفارسي، وعاشت سبعا وتسعين سنة، وكانت تلقّن النساء [4] .
توفيت سنة (532) أو التي بعدها.
ومنهن فاطمة بنت محمد بن أبي سعدى البغدادية أم البهاء الواعظة مسندة أصبهان روت عن أبي الفضل الرازي وأحمد بن محمود الثقفي وسمعت صحيح البخاري من سعيد العيار وتوفيت في رمضان سنة (537) [5] ولها أربع وتسعون سنة.
ومنهن أمة الواحد ابنة القاضي أبي عبد الرحمن الحسيني بن إسماعيل المحاملي حفظت القرآن، والفقه، والنحو، والفرائض، والعلوم، وبرعت في مذهب الشافعي، وكانت تفتي مع أبي علي بن هريرة.
توفيت سنة (377) [6] .
ومنهن شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج الدّينوري ثم البغدادي الكاتبة المسندة فخر النساء.
__________
[1] انظر المجلد الخامس ص (348) .
[2] أي سنة (480) هـ.
[3] انظر المجلد السادس ص (164) .
[4] أي عند موتهن.
[5] كذا كتب الكاتب رحمه الله، والصواب سنة (539) انظر المجلد السادس ص (201) .
[6] انظر المجلد الرابع ص (407) .(م 10/10)
كانت ديّنة، عابدة، صالحة، أسمعها أبوها الكثير، وصارت مسندة العراق، وروت عن طراد الزّينبي وطائفة، وكانت ذات برّ وخير.
توفيت في رابع عشر المحرم سنة (574) [1] عن نيف وتسعين سنة.
ومنهن تقيّة بنت غيث بن علي الأرمنازي الشاعرة المحسنة، ولها شعر سائر، وكانت امرأة برزة، جلدة، مدحت تقي الدّين عمر صاحب حماة والكبار، وعاشت أربعا وسبعين سنة، ولها ابن محدّث معروف عثرت يوما فجرحت فشقّت وليدة في الدار خرقة من خمارها وعصبت بها جرحها فقالت:
لو وجدت السّبيل جدت بخدّي ... عوضا عن خمار تلك الوليدة
كيف لي أن أقبل اليوم رجلا ... سلكت دهرها الطّريق الحميدة
وتوفيت سنة (579) [2] .
ومنهن فاطمة بنت سعد الخير بن محمد بن عبد الكريم.
ولدت بأصبهان سنة (522) وسمعت حضورا من فاطمة الجوزذانيّة، ومن ابن الحصين، وزاهر الشّحامي، ثم سمعت من هبة الله بن الطّيبي وخلق، وتزوّج بها أبو الحسن بن نجا الواعظ.
روت الكثير بمصر.
توفيت في ربيع الأول سنة (600) [3] عن ثمان وسبعين سنة.
ومنهن عفيفة بنت أحمد بن عبد الله الفارفانيّة الأصبهانية.
ولدت سنة 516 وهي آخر من روى عن عبد الواحد صاحب أبي نعيم، ولها إجازة من أبي علي الحداد وجماعة، وسمعت من فاطمة «المعجمين» الكبير والصغير للطبراني.
__________
[1] انظر المجلد السابع ص (410- 411) .
[2] انظر المجلد السادس ص (436- 437) .
[3] انظر المجلد السادس ص (564) .(م 10/11)
توفيت في ربيع الآخر سنة (606) [1] عن تسعين سنة.
ومنهن زينب الحرّة أمّ المؤيّد بنت أبي القاسم عبد الرحمن الجرجاني ثم النّيسابوري.
ولدت سنة (524) وسمعت من ابن الفراوي (الذي قيل فيه الفراوي ألف راوي) ومن زاهر الشّحامي، وعبد المنعم بن القشيري، وطائفة.
توفيت في جمادى الآخرة سنة (615) [2] عن إحدى وتسعين سنة، وانقطع بموتها إسناد عال.
ومنهنّ كريمة بنت عبد الوهاب بن علي مسندة الشام أم الفضل القرشية الزّبيرية وتعرف ببنت الحبقبق. روت عن حسّان الزّيّات وخلق، وأجاز لها أبو الوقت وابن الباغيساني ومسعود الثقفي وخلق وروت شيئا كثيرا.
توفيت في جمادى الآخرة سنة (641) [3] ببستانها بالميطور (في صالحية دمشق معروف) .
ومنهنّ فاطمة بنت أحمد بن السلطان صلاح الدّين.
ولدت سنة (597) سمعت من حنبل، وابن طبرزد، وتوفيت سنة (678) [4] عن إحدى وثمانين سنة.
ومنهنّ فاطمة بنت عساكر بنت الحافظ عماد الدّين علي بن القاسم بن مؤرخ الشام أبي القاسم بن عساكر.
ولدت سنة (598) وسمعت من ابن طبرزد وجماعة.
وتوفيت في شعبان سنة (683) [5] عن خمس وثمانين سنة.
__________
[1] انظر المجلد السابع ص (37- 38) .
[2] انظر المجلد السابع ص (113- 114) .
[3] انظر المجلد السابع ص (368) .
[4] انظر المجلد السابع ص (632) .
[5] انظر المجلد السابع ص (669) .(م 10/12)
ومنهنّ ستّ العرب بنت يحيى بن قايماز أمّ الخير الدمشقية الكندية.
سمعت من التاج الكندي مولاهم، وحضرت على ابن طبرزد «الغيلانيات» .
وتوفيت في المحرم [سنة (684] [1] عن (85) سنة.
ومنهنّ شاميّة أمة الحقّ بنت الحافظ أبي علي الحسن بن محمد البكري.
روت عن جدّها وجدّ أبيها، وحنبل، وابن طبرزد، وتفرّدت بعدة أجزاء، وتوفيت في أواخر رمضان سنة (685) [2] بشيزر عند أقاربها عن (87) سنة.
ومنهن زينت بنت مكّي بن علي بن كامل الحرّاني، الشيخة المعمّرة العابدة. أم أحمد. سمعت من حنبل، وابن طبرزد، وستّ الكتبة، وطائفة، وازدحم عليها الطلبة، وعاشت أربعا وتسعين سنة.
وتوفيت في شوال سنة (688) [3] .
ومنهنّ زينب بنت علي بن أحمد بن فضل الصالحية.
قال الذهبي: روت لنا عن الشيخ الموفق. وتوفيت في المحرم [سنة (695] [4] وقد قاربت التسعين.
ومنهنّ عائشة بنة عيسى بن الشيخ الموفق المقدّمي المباركة الصالحة العابدة.
قال الذهبي: روت لنا عن جدّها وابن راجح وتوفيت سنة (697) [5] عن ست وثمانين سنة.
وآخر من ترجم من النساء زينب بنت محمد بن محمد بن أحمد الغزّي الشافعية.
__________
[1] انظر المجلد السابع ص (672) .
[2] انظر المجلد السابع ص (683) .
[3] انظر المجلد السابع ص (706) .
[4] انظر المجلد السابع ص (751) .
[5] انظر المجلد السابع ص (765) .(م 10/13)
قال في «الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة» [1] للغزّي: كانت من أفاضل النساء من أهل العلم والدّين والصّلاح.
مولدها في ذي القعدة سنة (910) وقرأت على والدها وعلى أخيها شقيقها الشيخ الوالد كثيرا، وكتبت له كتابا بخطّها.
ومدحته بقصيدة تقول فيها:
إنما العالم الذي ... جمع العلم واكتمل
قام فيه بحقّه ... يتبع العلم بالعمل
سهر الليل كلّه ... بنشاط بلا كسل
فهو في الله دابه ... أبد الدّهر لم يزل
حاز علما بخشية ... وبدنياه ما اشتغل
حاسديه تعجّبوا ... ليس ذا الفضل بالحيل
ذاك مولاه خصّه ... بكمال من الأزل
من يرم مشبها له ... في الورى عقله اختبل
أو بلوغا لفضله ... فله قطّ ما وصل
فهو شيخي وسيّدي ... وبه النّفع قد حصل
وشعرها في المواعظ وغيرها في غاية الرّقة والمتانة. توفيت سنة (980) [2] .
وقد حوى هذا الكتاب أيضا من نفائس الأشعار ولطائف الأخبار ما تقرّ به عين المطالع، وهاك مما فيه من شعر الملوك، والأمراء، والعلماء، وبديع كلامهم ما نحكم به أنهم ملوك الشعر.
قال المعتضد بالله العبّاسي المتوفى سنة (289) [3] لما حضرته الوفاة:
تمتّع من الدّنيا فإنك لا تبقى ... وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرّنقا
__________
[1] انظر «الكواكب السائرة» (3/ 154- 155) .
[2] انظر المجلد العاشر ص (574) .
[3] انظر المجلد الثالث ص (373) .(م 10/14)
ولا تأمننّ الدّهر إني أمنته ... فلم يبق لي حالا ولم يرع لي حقّا
قتلت صناديد الرّجال ولم أدع ... عدّوا ولم أمهل على ظنّة خلقا
وأخليت دار الملك من كلّ نازع ... فشردّتهم غربا وشرّدتهم شرقا
فلما بلغت النّجم عزّا ورفعة ... وصارت رقاب النّاس أجمع لي رقّا
رماني الرّدى سهما فأحمد جمرتي ... فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ألقى
ولم يغن عنّي ما جمعت ولم أجد ... لدى ملك الأحياء في حيّها رفقا
فيا ليت شعري بعد موتي ما أرى ... أفي نعمة الله أم ناره ألقى
وذكر أيضا وصية المأمون العباسي المتوفى في (18) رجب سنة (218) [1] وها هي: «هذا ما أشهد به عليه عبد الله بن هارون أنه يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له في ملكه، ولا مدبّر غيره، وأنه خالق وما سواه مخلوق، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الموت حقّ، والبعث حقّ، والحساب حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، وأن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- بلّغ عن ربّه شعائر [2] دينه، وأدى النصيحة إلى أمته، حتى توفاه الله إليه، فصلى الله عليه أفضل صلاة صلّاها على أحد من ملائكته المقرّبين وأنبيائه المرسلين، وإني مقرّ بذنبي أخاف وأرجو، إلّا أني إذ ذكرت عفو الله رجوت، فإذا أنا متّ فوجّهوني وغمّضوني، وأسبغوا وضوئي، وأجيدوا كفني، وليصلّ عليّ أقربكم مني نسبا وأكبركم سنّا، ولينزل في حفرتي أقربكم مني قرابة، وضعوني في لحدي وسدّوا عليّ باللّبن، ثم احثوا عليّ التراب، وخلّوني وعملي، فكلكم لا يغني عني شيئا، ولا يدفع عنّي مكروها، ثم قفوا بأجمعكم فقولوا خيرا إن علمتم، وأمسكوا عن ذكر شرّ إن عرفتم. ثم قال: يا ليت عبد الله لم يكن شيئا، يا ليته لم يخلق (يعني نفسه) .
ثم قال لأخيه وولي عهده المعتصم: يا أبا إسحاق، ادن مني واتّعظ بما ترى، وخذ بسيرة أخيك واعمل في الخلافة إذا طوّقكها الله عمل المريد لله الخائف من
__________
[1] انظر المجلد الثالث ص (88) .
[2] تنبيه: كذا اللفظة في النسخة «آ» التي اعتمدنا عليها في تحقيق الكتاب وكتب عنها الكاتب:
«شعائر» ورجحنا نحن رواية النسخة «ط» التي نقلها ناشرها عن نسخة خطية أخرى فجاءت اللفظة فيها «شرائع» وأثبتناه نحن عنها هناك في موضعها من الكتاب.(م 10/15)
عقابه، ولا تغتّر بالله وإمهاله، فكأن قد نزل بك الموت، ولا تغفل عن أمر الرّعية فإن الملك إنما يقوم بهم، ولا يتبين لك أمر فيه صلاح المسلمين إلّا وقدّمه على غيره وإن خالف هواك، وخذ من قويّهم لضعيفهم، واتّق الله في الأمر كله والسلام.
ومن شعر تاج الملوك مجد الدّين بوري أخي السلطان صلاح الدّين المتوفى سنة (579) [1] وله ثلاث وعشرون سنة، وكان أديبا شاعرا له ديوان شعر صغير:
أقبل من أعشقه راكبا ... من جهة الغرب على أشهب
فقلت: سبحانك يا ذا العلا ... أشرقت الشّمس من المغرب
ومنه أيضا:
أيا حامل الرّمح الشبيه بقدّه ... ويا شاهرا سيفا على لحظه عضبا
ذر الرّمح واغمد ما سللت فربّما ... قتلت وما حاولت طعنا ولا ضربا
ومن شعر عزّ الدّين فرّوخشاه بن شهنشاه بن أيوب بن شادي صاحب بعلبك وأبو صاحبها الملك الأمجد ونائب دمشق لعمه صلاح الدّين وأخو تقي الدّين صاحب حماه المتوفى سنة (578) [2] قوله:
إذا شئت أن تعطي الأمور حقوقها ... وتوقع حكم العدل أحسن موقعه
فلا تصنع المعروف مع غير أهله ... فظلمك وضع الشّيء في غير موضعه
توران شاه- ومعناه ملك المشرق- بن أيوب بن شادي أخو السلطان صلاح الدّين الأسنّ منه [3] وهو فاتح اليمن من الخوارج الباطنية، أقام بها ثلاث سنين ثم اشتاق إلى طيب دمشق ونضارتها، فقدمها وناب بها لأخيه، ثم تحوّل إلى مصر ومات بالإسكندرية سنة (576) فنقلته أخته ستّ الشام ودفنته في محلة العونية وكان من أجود الناس وأسخاهم مات وعليه مائتا ألف دينار فوفاها عنه أخوه صلاح الدّين.
__________
[1] انظر المجلد السادس ص (436) .
[2] انظر المجلد السادس ص (432) .
[3] انظر المجلد السادس ص (54- 55) .(م 10/16)
قال مهذّب الدّين الخيمي نزيل مصر رأيته في النوم فمدحته وهو في القبر، فلف كفنه ورماه إليّ وقال:
لا تستقلّن معروفا سمحت به ... ميتا وأصبحت منه عاري البدن
ولا تظنّ جودي شابه بخل ... من بعد بذلي ملك الشّام واليمن
إنّي خرجت من الدّنيا وليس معي ... من كلّ ما ملكت كفّي سوى كفني
المستظهر بالله الخليفة العبّاسي المتوفى سنة (512) [1] من شعره:
أذاب حرّ الهوى في القلب ما جمدا ... لمّا مددت إلى رسم الوداع يدا
وكيف أسلك نهج الاصطبار وقد ... أرى طرائق من يهوى الهوى قددا
إن كنت أنقض عهد الحبّ يا سكني ... من بعد حبّي فلا عاتبتكم أبدا
الوزير نظام الملك صاحب المدرسة النّظامية المتوفى سنة (485) [2] من شعره:
بعد الثّمانين ليس قوّه ... قد ذهبت شرّة الصّبوه
كأنني والعصا بكفّي ... موسى ولكن بلا نبوّه
الوزير الطّغرائي الشهير صاحب «لامية العجم» المتوفى قتلا سنة (514) [3] وقد جاوز الستين ولا ميته تشهد له بعلو كعبه في الأدب، وله ديوان شعر مشهور غير أن صاحب الكتاب أورد له ما يأتي:
أيا قلب [4] مالك والهوى من بعد ما ... طاب السّلوّ وأقصر العشّاق
أو ما بدا لك في الإفاقة والألى [5] ... نازعتهم كأس الغرام أفاقوا
مرض النّسيم وصحّ والدّاء الذي ... تشكوه [6] لا يرجى له إفراق
__________
[1] انظر المجلد السادس ص (54- 55) .
[2] انظر المجلد الخامس ص (362- 365) .
[3] انظر المجلد السادس ص (68- 70) .
[4] رواية الكتاب و «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف: «يا قلب» . وهي الأصح وزنا.
[5] في أصل المقالة التي كتبها الكاتب: «والأولى» .
[6] في أصل المقالة والنسخة التي نقل عنها الكاتب: «ترجوه» .(م 10/17)
وهذا خفوق البرق والقلب الذي ... تطوى عليه أضالعي خفّاق
وله قد جاءه مولود:
هذا الصّغير الذي وافى على كبري ... أقرّ عيني ولكن زاد في فكري
سبع وخمسون لو مرّت على حجر ... لبان تأثيرها في ذلك الحجر
الوزير عون الدّين بن المظفّر يحيى بن هبيرة [1] وزير المقتضي لأمر الله العباسي وولده وهو مؤلّف كتاب «الإفصاح عن معاني الصّحاح» و «شرح البخاري ومسلم» في عدة مجلدات، منها مجلد ضخم في شرح حديث: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين» [2] وهو موجود في دار الكتب العربية شرح فيه الحديث، وتكلّم على معنى الفقه، وآل به الكلام إلى أن ذكر مسائل الفقه المتفق عليها والمختلف فيها بين الأئمة الأربعة المشهورين وسنفرد له مقالة مخصوصة من شعره كما رواه الإمام الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي:
يلذّ بهذا العيش من ليس يعقل ... ويزهد فيه الألمعيّ المحصّل
وما عجب نفس [أن] ترى الرأي إنما ال ... عجيبة نفس مقتضى الرأي تفعل
إلى الله أشكو همّة دنيوية ... ترى النّصّ إلّا أنّها تتأول
ينهنهها موت الشّباب فترعوي ... ويخدعها روح الحياة فتغفل
وفي كل جزء ينقضي من حياتها ... من الجسم جزء بالفنا [3] يتحلّل
فنفس الفتى في سهوها وهي تنقضي ... وجسم الفتى في شغله وهو يعمل
وقال ابن الجوزي وأنشدني لنفسه:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه ... وأراه أسهل ما عليك يضيع
قال وأنشدني أيضا لنفسه:
الحمد لله هذا العين لا الأثر ... فما الذي باتّباع الحقّ ينتظر
__________
[1] انظر المجلد السادس ص (319- 327) .
[2] انظر تخريج الحديث في المجلد السادس ص (320) .
[3] في الكتاب: «مثله» .(م 10/18)
وقت يفوت وأشغال معوّقة ... وضعف عزم ودار شأنها الغير
والناس ركضى إلى مهوى مصارعهم ... وليس عندهم من ركضهم خبر
تسعى بها خادعات من سلامتهم ... فيبلغون إلى المهوى وما شعروا
والجهل أصل فساد النّاس كلّهم ... والجهل أصل عليه يخلق البشر
وإنما العلم عن ذي الرّشد يطرحه ... كما من الطفل يوما تطرح السّرر
وأصعب الدّاء داء لا يحسّ به ... كالدّقّ يضعف حسّا وهو يستعر
وإنما لم تحسّ النّفس موبقها ... لأن أجزاءها قد عمّها الضّرر [1]
ومن شعر عبد المؤمن بن علي [الكومي التّلمساني] صاحب المغرب والأندلس، المتوفى سنة (558) [2] وقد كثر الثوار عليه:
لا تحفلنّ بما قالوا وما فعلوا ... إن كنت تسمو إلى العليا من الرّتب
وجرّد السّيف فيما أنت طالبه ... فما تردّ صدور الخيل بالكتب
ومن شعر طلائع بن رزّيك وزير الدّيار المصرية، المتوفى قتلا سنة (556) [3] :
ومهفهف ثمل القوام سرت إلى ... أعطافه النّشوات من عينيه
ماضى اللحاظ كأنّما سلّت يدي ... سيفي غداة الرّوع من جفنيه
قد قلت إذ خطّ العذار بمسكة ... في خدّه ألفيه [4] لا لاميه
ما الشّعر دبّ بعارضيه وإنما ... أصداغه نفضت على خدّيه
النّاس طوع يدي وأمري نافذ ... فيهم وقلبي الآن طوع يديه
فاعجب لسلطان يعمّ بعدله ... ويجور سلطان الغرام عليه
__________
[1] رواية البيت في الكتاب:
وإنما لم يحسّ المرء موقعها ... لأن أجزاءه قد عمّها الضّرر
[2] انظر المجلد السادس ص (305- 306) .
[3] انظر المجلد السادس ص (296) .
[4] كذا أثبت الكاتب اللفظة «ألفيه» موافقا في ذلك رواية «وفيات الأعيان» (2/ 527) وفي كتابنا:
«ألفين» .(م 10/19)
والله لولا اسم الفرار وأنّه ... مستقبح لفررت منه إليه
تميم بن المعزّ بن باديس صاحب القيروان، المتوفى سنة (501) [1] .
من شعره:
إن نظرت مقلتي لمقلتها ... تعلم مما أريد نجواه
كأنّها في الفؤاد ناظرة ... تكشف أسراره وفحواه
وله أيضا:
سل المطر العام الذي عمّ أرضكم ... أجاء بمقدار الذي فاض من دمعي
إذا كنت مطبوعا على الصدّ والجفا ... فمن أين لي صبر فأجعله طبعي
وله أيضا:
فكّرت في نار الجحيم وحرّها ... يا ويلتاه ولات حين مناص
فدعوت ربّي أنّ خير وسيلتي ... يوم المعاد شهادة الإخلاص
سعيد الكرمي
__________
[1] انظر المجلد السادس ص (5- 6)(م 10/20)
سنة إحدى وتسعمائة
بسم الله الرّحمن الرّحيم فيها قدم إلى مدينة زبيد بكتاب «فتح الباري شرح البخاري» للحافظ ابن حجر من البلد الحرام، وهو أول دخوله اليمن، كان سلطان اليمن عامر أرسل لاشترائه، فاشتري له بمال جزيل [1] .
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن شيخ الإسلام برهان الدّين إبراهيم بن عبد الرحيم الأنصاري الحاملي [2] المقدسي الشافعي [3] .
ولد في سنة ست وأربعين وثمانمائة، واشتغل في العلم على والده، والكمال بن أبي شريف، وغيرهما، وباشر نيابة الحكم بالقدس في حياة والده، وكان خيّرا، متواضعا.
توفي في حدود هذه السنة بالقدس.
وفي حدودها أيضا شهاب الدّين أحمد بن عثمان الشّهير بمنلازاده السّمرقندي الخطّابي- نسبة إلى الخطّاب جدّ- الشافعي [4] .
كان إماما، علّامة، فقيها، مقرئا، عالي السّند في القراءات، بينه وبين الشّاطبي أربعة رجال.
دخل بلاد العرب، وحلب، ودمشق، وأخذ عنه أهلها، وله مؤلفات عديدة، منها كتاب جمع فيه من «الهداية» و «المحرر» و «شرح هداية» الحكمة.
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (15)
[2] في «ط» : «المحاملي» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 129) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 138) و «معجم المؤلفين» (1/ 310) .(10/5)
قال النّجم الغزّي في «الكواكب السّائرة بأعيان المائة العاشرة» : أخذ عنه شيخ الإسلام الجدّ، وقرأ عليه «المتوسط» و «شرح الشّمسية» وغيرهما، وأخذ عنه السيوفي مفتي حلب «تفسير البيضاوي» وأثنى عليه، وكان يخبر عنه أنه كان يقول:
عجبت لمن يحفظ شيئا كيف ينساه. انتهى وفيها شهاب الدّين أبو المكارم أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله، الشّهير بالشّارعي المالكي المصري [1] ، نزيل دمشق القاضي.
ولد في ثاني عشر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة بالشّارع الأعظم قرب باب زويلة.
وتوفي بدمشق ليلة الخميس ثاني عشر ربيع الأول.
وفي حدودها أحمد بن يوسف المقرئ المالكي المغربي [2] الشيخ العارف بالله تعالى، أحد رجال المغرب وأوليائها، من أصحابه سيدي أحمد البيطار.
وفيها إسماعيل بن عبد الله الصّالحي [3] الشيخ الصّالح المولّه.
جفّ دماغه بسبب كثرة التّلاوة للقرآن في مدرسة الشيخ أبي عمر، فزال عقله، وقيل: عشق فعفّ، وكان في جذبه، كثير التّلاوة، ويتكلم بكلمات حسنة، وللناس جميعا فيه اعتقاد زائد، وكان يلازم الجامع الجديد، وجامع الأفرم بالصّالحية.
قال ابن طولون: أنشدني:
إذا المرء عوفي في جسمه ... وملّكه الله قلبا قنوعا
وألقى المطامع عن نفسه ... فذاك الغنيّ وإن مات جوعا
توفي تاسع عشري رمضان.
__________
[1] ترجمة في «متعة الأذهان» (مخطوط) الورقة (17/ آ) وفيه وفاته سنة (900) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 147) .
[3] ترجمته في «القلائد الجوهرية» ص (392) وفيه توفي سنة (900) في التاسع عشر من رمضان، و «متعة الأذهان» الورقة (29/ ب) (مخطوط) .(10/6)
وفيها عماد الدّين إسماعيل بن محمد بن علي، العلّامة الشّافعي السّيوفي [1] ، الشهير بخطيب جامع السّقيفة بباب توما بدمشق.
ولد في مستهل ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وحفظ «التنبيه» و «منهاج البيضاوي» و «الشّاطبية» وعرض على التّقي الحريري، والبرهان الباعوني، والعلاء البخاري، وسمع على الخردفوشي، وابن بردس، وابن الطّحّان، وغيرهم، وجلس في أول أمره بمركز الشّهود، وخطب بجامع السّقيفة.
وهو والد العلّامة شمس الدّين الشهير بابن خطيب السّقيفة، بينه وبينه في السنّ أحد عشرة [2] سنة لا تزيد ولا تنقص.
وتوفي ولده قبله سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وتوفي المترجم بدمشق يوم الخميس ثاني عشري ربيع الأول، ودفن عند ولده جوار الشيخ أرسلان.
وفي حدودها المولى حسام العالم الرّوميّ الحنفي [3] ، المعروف بابن الدلّاك [4] .
كان خطيبا بجامع السلطان محمد خان بقسطنطينية، وكان ماهرا في العربية والقراآت، حسن الصّوت، حسن التّلاوة.
وفيها بدر الدّين حسن بن أحمد الكبيسيّ ثم الحلبي [5] الشيخ الصّالح.
سمع ثلاثة أحاديث بقراءة الشيخ أبي بكر الحيشيّ [6] على الشيخ محمد بن مقبل الحلبي وأجاز لهما، وكان معتقدا شديد الحرص على مجالس العلم والذكر.
قال الزّين بن الشّماع: لم تر عيني مثله في ضبطه للسانه وتمسّكه بالشريعة.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (29/ ب) (مخطوط) .
[2] في «ط» : «إحدى عشرة» .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (205) .
[4] في «آ» و «ط» : «المعروف بابن الدلال» والتصحيح من «الشقائق النعمانية» .
[5] ترجمته في «درّ الحبب في تاريخ أعيان حلب» (1/ 527- 529) .
[6] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الحبشي» والتصحيح من «در الحبب» (1/ 1/ 367) وسوف ترد ترجمته في سنة (930) من هذا المجلد.(10/7)
وقال ابن الحنبلي: لم يضبط عنه أنه حلف يوما على نفي، ولا إثبات.
وفيها المولى حسن بن عبد الصّمد [1] السّامسوني [2] .
قال في «الشقائق» : كان عالما فاضلا، محبّا للفقراء والمساكين، ومريدا لمشايخ المتصوفة. قرأ على علماء الرّوم، ثم وصل إلى خدمة المولى خسرو، وحصل جميع العلوم أصليّها وفرعيّها وعقليّها وشرعيّها، ثم صارت مدرسا ببعض المدارس. ثم جعله قاضيا بالعسكر المنصور، ثم قاضيا بمدينة قسطنطينية، وكان مرضيّ السيرة محمود الطريقة في قضائه، سليم الطبع، قويّ الإسلام متشرعا متورعا، كتب بخطّه كثيرا، وله حواش على «المقدمات الأربع» وحواش على «شرح المختصر» . انتهى [3] وفي حدودها المولى حسن جلبي بن محمد [4] شاه الفناري [5] .
كان عالما فاضلا. قسّم أيّامه بين العلم والعبادة. يلبس الثياب الخشنة، ولا يركب دابة تواضعا [6] .
رحل إلى مصر فقرأ هناك «صحيح البخاري» على بعض تلامذة ابن حجر، وأجازه. وقرأ «مغني اللبيب» قراءة بحث وإتقان، وحجّ، وأتى بلاد الرّوم، وباشر إحدى المدارس الثمان.
ومن مصنّفاته «حواشيه على التّلويح» ، وحاشية «المطوّل» و «حواش على
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (96) ، و «الفوائد البهية» (61) ، «معجم المؤلفين» (3/ 236) .
[2] في المطبوع «الساموني» وهو تحريف، وفي الشقائق (الساميسوني) ونسبته الى سامسون مدينة ببلاد الروم. «الفوائد» (62) .
[3] في مصادره أنه توفي سنة (891) وأشار كحالة إلى رواية «الشذرات» (901) ورواية أخرى هي (881) هـ.
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» للسخاوي (2/ 127- 128) ، و «نظم العقيان» للسيوطي ص (105 و 106) و «الشقائق النعمانية» ص (114) ، و «الفوائد البهية» ص (64) ، و «معجم المؤلفين» (3/ 213- 214)
[5] قال السخاوي: «ويعرف كسلفه بالفناري وهو لقب لجد أبيه لأنه فيما قيل لما قدم على ملك الرّوم أهدى له فنيارا فكان إذا سأل عنه يقول أين الفنري فعرف بذلك» .
[6] في «ط» : «متواضعا» .(10/8)
شرح المواقف» للسيد الشريف، كلها مقبولة متداولة، رحمه الله تعالى [1] .
وفيها- تقريبا- أبو الوفاء خليل بن أبي الصّفا إبراهيم بن عبد الله الصّالحي [2] الحنفي المحدّث.
ولد سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وأخذ عن الحافظ ابن حجر، والسّعد الدّيري، والعيني، والقاياتي، والعلم البلقيني، وغيرهم. وأجاز لابن طولون والكفرسوسي، وابن شكم، وغيرهم، ثم أجاز لمن أدرك حياته، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكّودي نسبا الفاسي المكّي [3] ، شارح «الألفية» و «الآجرومية» .
وفي حدودها المولى عبد الكريم بن عبد الله الرّومي الحنفي [4] العالم الفاضل المشهور.
كان من الأرقّاء، ثم من الله عليه بالعتق، وجدّ في طلب العلم، وحصّل فنونا عدة وفضائل جمّة.
وقرأ على المولى الطّوسي، والمولى سنان العجمي، تلميذ المولى محمد شاه الفناري [5] ، ثم صار مدرسا ببعض المدارس الثمان التي بناها محمد خان عند فتح قسطنطينية. ثم ولي قضاء العسكر. ثم صار مفتيا زمن السلطان محمد المذكور، واستمرّ بها إلى أن مات.
وله «حواش على أوائل التلويح» ، رحمه الله تعالى.
__________
[1] في «الضوء اللامع» و «الفوائد البهية» أنه توفي سنة ست وثمانين وثمانمائة.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة» (1/ 189) وفيه أنه أجاز لابن طولون سنة (907) فليحرر.
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 97) ، و «بغية الوعاة» (2/ 83) و «النور السافر» (13) ، و «نيل الابتهاج» ص (168- 169) و «الكوكب السائرة» (1/ 254) و «معجم المؤلفين» (3/ 156) .
[4] ترجمته في «الكوكب السائرة» (1/ 254) ، و «الفوائد البهيّة» ص (101) ، و «معجم المؤلفين» (5/ 317) .
[5] تقدمت ترجمته في ص (8) .(10/9)
وفيها قاضي القضاة تاج الدّين عبد الوهاب بن العلّامة شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عرب شاه الحنفي [1] .
ولد سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وكان في ابتداء أمره شاهدا، وبلغ من صناعة الشهادة غاية الدهاء، وكان فقيرا، فحصلت له ثروة وجاه، ونظم في مذهب الحنفية كتابا كبيرا، ثم ولي قضاء قضاة دمشق في رجب سنة أربع وثمانين، ثم عزل في شوال سنة خمس، ثم سافر إلى مصر، فولي مشيخة الصّر غتمشية بها إلى أن توفي في خامس عشر رجب بها. [2] وفيها المولى علاء الدّين علي العربي [3] العالم الفاضل.
كان أصله من نواحي حلب، وقرأ على علماء حلب. ثم قدم إلى بلاد الرّوم، وقرأ على المولى الكوراني.
قال في «الشقائق» : حكى الوالد- رحمه الله تعالى- أنه قال له المولى الكوراني يوما: أنت عندي بمنزلة السيد الشريف عند مبارك شاه المنطقي، وقصّ عليهما قصّتهما، ثم اتّصل العربي بخدمة المولى خضر بك بن جلال الدّين، وحصّل عنده علوما كثيرة، ثم صار معيدا بمدرسة دار الحديث بأدرنة، وصنّف هناك «حواشي شرح العقائد» ، ثم تنقّل في المدارس إلى أن تولّى مدرسة ببلدة مغنيسا، فاشتغل هناك بالعلم غاية الاشتغال، واشتغل أيضا بطريقة التصوف، فجمع بين رئاستي العلم والعمل، ويحكى عنه أنه سكن فوق جبل هناك في أيام الصّيف، فزاره يوما رجل من أئمة بعض القرى، فقال المترجم: إني أجد منك رائحة النّجاسة، ففتش الإمام ثيابه فلم يجد شيئا، فلما أراد أن يجلس سقط من حضنه رسالة هي واردات الشيخ بدر الدّين بن قاضي سماوة [4] فنظر فيها المولى
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 97) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 257) ، و «معجم المؤلفين» (6/ 219) .
[2] في «ط» : «في» .
[3] ترجمته في «الشقائق النّعمانية» (92- 95) ، و «الفوائد البهية» ص (146) ، و «هدية العارفين» (1/ 739) ، و «معجم المؤلفين» (7/ 149) .
[4] في هامش «ط» : «في الأصل: سماوتة» وفي «الشقائق» (93) «سمادته» .(10/10)
المذكور فوجد فيها ما يخالف الإجماع فقال: كان الرّيح المذكور لهذه الرسالة وأمر بإحراقها.
وكان يختلي خلوات أربعينيات، ثم صار مفتيا بقسطنطينية إلى أن مات بها.
وكان رجلا عالما علّامة سيما بالتفسير، طويلا، عظيم اللّحية، قويّ المزاج جدا، حتى كان يجلس للدرس في أيام الشتاء مكشوف الرأس.
وكان له ذكر قلبيّ يسمع من بعد، وربما يغلب صوت ذكر [1] قلبه على صوته، وله «حواش على المقدمات الأربع» وهو أول من حشّى عليها. انتهى ملخصا وفيها علاء الدّين علي بن علي بن يوسف بن خليل النّووي [2] ثم الدمشقي الشافعي الإمام العلّامة.
ولد في حادي عشر شوال سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، واشتغل في العلم، فبرع ودرّس وأفتى، وكان يتكسّب بالشهادة في مركز باب الشامية البرانية خارج دمشق.
وتوفي ليلة الخميس عاشر صفر ودفن بمقبرة النّخلة غربي سوق صاروجا.
وفيها المولى قاسم البغدادي [3] الكرماني ثم القسطنطيني، العالم الفاضل الحنفي ابن أخت المولى شيخي الشاعر الحنفي، أحد موالي الرّوم.
اشتغل في العلم، واتصل بخدمة المولى [4] عبد الكريم. ثم صار مدرّسا ببلدة أماسية، ثم بمدرسة أبي أيوب الأنصاري، ثم بإحدى المدارس الثمان، وكان ذكيا سليم القلب وافر العقل يدرّس كل يوم سطرين أو ثلاثة، ويتكلم عليها بجميع ما يمكن إيراده من نحو وصرف ومعان وبيان ومنطق وأصول مع رفع جميع ما أشكل على الطلبة على أحسن الوجوه وألطفها. وله حواش على «شرح المواقف» وأجوبة على [5] «السبع الشداد» التي علقها المولى لطفي وأشعار [6] لطيفة تركية وفارسية رحمه الله.
__________
[1] ليست اللفظة في «ط» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» 1/ 271.
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (171- 172) و «الكواكب السائرة» ) (1/ 294) ، و «معجم المؤلفين» (8/ 96) .
[4] في «ط» : «الولي» .
[5] في «ط» : «عن» .
[6] في «ط» : «واستعار» .(10/11)
وفيها السلطان أبو النصر قايتباي [بن عبد الله] [1] الملك الأشرف الجركسي الظّاهري [2] نسبة إلى الظّاهر جقمق الحادي والأربعون من ملوك التّرك، والسادس عشر من الجراكسة.
ولد سنة ست وعشرين وثمانمائة، ثم اتصل بالملك الظّاهر فأعتقه ولم يزل عنده يترقّى من مرتبة إلى مرتبة، إلى أن آل أمره إلى أن بويع له بالسلطنة يوم الاثنين سادس رجب سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، ولم يكن له في زمنه منازع ولا مدافع، وسار في الناس السيرة الحميدة، واجتهد في بناء المشاعر العظام، وكان له في الشيخ عبد القادر الدشطوتي غاية الاعتقاد، وكان يتولى تربيته وإرشاده كلما مرّ عليه، ويمتثل هو أمره، وربما نزل إليه فقبّل يديه.
وقال له الشيخ يوما والذّباب منعكف عليه: يا قايتباي قل لهذا الذّباب يذهب عني، فحار وقال له: يا سيدي كيف يسمع الذّباب مني؟ فقال: كيف تكون سلطانا ولا يسمع الذّباب منك، ثم قال الشيخ: يا ذباب اذهب عني، فلم تبق عليه ذبابة.
وكان قايتباي محتاطا في الوظائف الدينية، كالقضاء والمشيخة والتدريس، لا يولّي شيئا من ذلك إلّا الأصلح بعد التروي والتفحّص.
قال ابن العيدروس في كتابه «النّور السّافر عن أخبار [3] القرن العاشر» : وقع له في بناء المشاعر العظام ما لم يقع لغيره من الملوك كعمارة مسجد الخيف بمنى، وحفر بنمرة صهريجا ذرعه عشرون ذراعا وعمر بركة خليص، وأجرى العين الطيبة إليها، وأصلح المسجد الذي هناك، وأجرى عين عرفة بعد انقطاعها أزيد من قرن، وعمر سقاية سيدنا العبّاس، وأصلح بئر زمزم والمقام، وجهّز في سنة تسع وسبعين للمسجد منبرا عظيما، وكان يرسل للكعبة الشريفة كسوة فائقة جدا في كل سنة، وأنشأ بجانب المسجد الحرام مدرسة عظيمة
__________
[1] ليس ما بينهما في «ط» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 201- 211) ، و «بغية الوعاة» (2/ 122) ، و «النّور السافر» (13) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 297- 300) .
[3] في «ط» : «عن أعيان» وما جاء في «آ» موافق لما جاء على غلاف النسخة الخطية والنسخة المطبوعة منه.(10/12)
وبجانبها رباطا، مع إجراء الخيرات لأهلها كل يوم، وسبيلا عظيما للخاص والعام، ومكتبا للأيتام، وكذا أنشأ بالمدينة النّبوية مدرسة بديعة بل بنى المسجد الشريف، بعد الحريق، وعمل ببيت المقدس مدرسة كبيرة.
وقال النّجم الغزّي في كتابه «الكواكب السائرة بمناقب أعيان المائة العاشرة» : كان بين السلطان قايتباي وبين الجدّ رحمه الله غاية الاتحاد، ولكل منهما في الآخر مزيد الاعتقاد، وكان الجدّ يقطع له بالولاية. وكتب ديوانا لطيفا من نظمه وإنشائه في مناقبه ومآثره سمّاه «بالدّرّة المضية في المآثر الأشرفية» وذكر فيه أن بعض أولياء الله تعالى أظهره على مقام الملك الأشرف قايتباي في الولاية، اجتمع الجدّ بالولي المذكور في حجر إسماعيل وقت السّحر، فعرفه بمقامه، وأمره باعتقاده، ونظم في مآثره وعمائره قصيدة رائية ضمّنها الديوان المذكور، فمنها أنه عمر حصنا بالإسكندرية ومدرسة بالقرب منه وحصن ثغر دمياط وحصونا برشيد ورمّم الجامع الأمويّ بدمشق، وعمّر بغزّة مدرسة وجامعا بالصّالحية المعزّية [1] ، وجامع الروضة وجامع الكبير [2] وتربة بصحراء مصر وقبة الإمام الشافعي [3] ، في مآثر أخرى، ولم ينتقد عليه أحد عظيم أمر سوى ما كان من أمره بإعادة كنيسة اليهود بالقدس الشريف بعد هدمها وعقوبته لعالم القدس البرهان الأنصاري وقاضيها الشّهاب بن عبية وغيرهم بسبب هدم الكنيسة، حتى حملوا إليه وضرب بعضهم بين يديه، وقد شنّع ابن عبية عليه في ذلك وبالغ في حقّه وهو تحامل منه بسبب تعزيره له.
وقال السخاوي: وبالجملة فلم يجتمع لملك ممن أدركناه ما اجتمع له ولا حوى من الحذق والذّكاء والمحاسن مجمل ما اشتمل عليه ولا مفصله. وربما مدحه الشعراء ولا يلتفت إلى ذلك، ويقول: لو اشتغل بالمديح النّبوي كان أعظم، وترجمته تحتمل مجلدات.
__________
[1] في «آ» : «المصرية» .
[2] في «ط» : «الكبش» ، وفي «آ» «كبس» وكلاهما تحريف وما أثبته عن «الكواكب السائرة» .
[3] ليست اللفظة في «ط» .(10/13)
قال: وله تهجّد وتعبد وأوراد وأذكار وتعفف وبكاء من خشية الله تعالى، وميل لذوي الهيئات الحسنة، ومطالعة في كتب العلم والرّقائق وسير الخلفاء والملوك والاعتقاد فيمن يثبت عنده صلاحه من العلماء والصلحاء، وتكرّر توجهه لبيت المقدس والخليل وثغور دمياط والإسكندرية ورشيد، وأزال كثيرا من الظّلامات [1] الحادثات، وحجّ في طائفة قليلة سنة أربع وثمانين، ووهب وتصدّق، وأظهر من التواضع والخشوع في الطّواف والعبادة ما عدّ من حسناته، وأنفق أموالا عظيمة في غزو الكفّار ورباط الثّغور، وحفظ الأمصار، رحمه الله. انتهى وقال الشيخ مرعي في كتابه «نزهة النّاظرين وأخبار الماضين» : كان ملكا جليلا وسلطانا نبيلا، وله اليد الطّولى في الخيرات، والطّول الكامل في إسداء المبرّات، وكانت أيّامه كالطّراز المذهب، وهو واسطة [2] عقد ملوك الجراكسة وأطولهم مدة.
وأقام في السلطنة تسعا وعشرين سنة وأربعة أشهر وعشرين يوما.
وتوفي في [2] آخر نهار الأحد سابع عشر ذي القعدة، ودفن يوم الاثنين بقبة بناها بتربة الصحراء شرقي القاهرة، وقبره ظاهر يزار.
وتولى ولده الناصر محمد أبو السعادات قبل موته بيوم وهو في سن البلوغ. فأقام ستة أشهر ويومين ثم خلع في ثامن عشري جمادى الأولى بعد ثبوت [3] عجزه عن السلطنة.
وفيها المولى محيي الدين محمد بن إبراهيم بن حسن النكساري [4] الرّومي الحنفي [5] الإمام العالم.
كان عالما بالعربية، والعلوم الشرعية، والعقلية، ماهرا في علوم الرياضة.
__________
[1] في «آ» : «الظلمات» .
[2] ليست اللفظة في «ط» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «هبوت» .
[4] تصفحت في «ط» إلى «التكشاري» .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 23) ، و «الفوائد البهيّة» (155) ، و «هدية العارفين» (1/ 218) ، و «معجم المؤلفين» (8/ 196) .(10/14)
أخذ عن المولى فتح الله الشرواني، وقرأ على الحسام التّوقاني، والمولى يوسف بالي بن محمد الفناري، والمولى يكان.
وكان حافظا للقرآن العظيم، عارفا بالقراءات، ماهرا في التفسير، يذكّر الناس كل جمعة تارة بأياصوفيا [1] ، وتارة بجامع السّلطان محمد، وكان حسن الأخلاق، قنوعا، راضيا بالقليل من العيش، مشتغلا بإصلاح نفسه، منقطعا إلى الله تعالى.
صنّف «تفسير سورة الدّخان» وكتب «حواشي على تفسير القاضي البيضاوي» و «حاشية على شرح الوقاية» لصدر الشريعة. ولما آن أوان انقضاء [2] مدته ختم «التفسير» في أيا صوفيا، ثم قال: أيّها الناس، إني سألت الله تعالى أن يمهلني إلى ختم القرآن العظيم، فلعل الله تعالى يختم لي بالخير والإيمان، ودعا فأمّن الناس على دعائه، ثم أتى بيته بالقسطنطينية فمرض وتوفي.
وفيها المولى محيى الدّين محمد بن إبراهيم الرّومي الحنفي، الشهير بابن الخطيب [3] ، العالم العلّامة.
كان من مشاهير موالي الرّوم. قرأ على والده المولى تاج الدّين، وعلى العلّامة علي الطّوسي، والمولى خضر بك، وتولى المناصب، وترقى فيها حتّى جعله السلطان محمد بن عثمان معلما لنفسه، وألّف «حواشي على شرح التجريد» للسيد الشريف، و «حواشي على حاشية الكشّاف» للسيد أيضا، وغير ذلك.
وفيها قاضي القضاة، شيخ الإسلام، نجم الدّين أبو البقاء محمد بن برهان الدّين إبراهيم بن جمال الدّين عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد الله بن علي بن جماعة الكناني المقدسي الشافعي [4] .
ولد في أواخر صفر سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بالقدس الشريف، ونشأ به،
__________
[1] وهو مسجد إستانبول الشهير.
[2] في «ط» : «القضاء» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 24) ، و «الفوائد البهية» ص (204) ، «الفتح المبين في طبقات الأصوليين» ص (61) ، و «معجم المؤلفين» (8/ 198) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 25) : و «معجم المؤلفين» (9/ 101) .(10/15)
واشتغل في صغره بالعلم على جدّه وغيره، وأذن له تقي الدّين بن قاضي شهبة بالإفتاء والتدريس مشافهة حين قدم إلى القدس، وتعيّن في حياة والده وجدّه، وولي تدريس الصّلاحية [1] عن جدّه فباشره أحسن مباشرة، وحضره الأعيان، وجمع له في صفر سنة اثنتين وسبعين بين قضاء القضاة [2] وتدريس الصّلاحية وخطابة الأقصى، ولم يلتمس على القضاء، ولا الدرهم الفرد، حتى تنزّه عن معاليم الأنظار [3] مما يستحقه شرعا، ثم صرف عن القضاء والتدريس بالعزّ الكناني، فانقطع في منزله بالمسجد الأقصى يفتي ويدرّس.
وله من المؤلّفات شرح على «جمع الجوامع» سمّاه ب «النّجم اللامع» ، و «تعليق على الرّوضة» إلى أثناء الحيض في مجلدات، و «تعليق على المنهاج» في مجلدات، و «الدر النّظيم في أخبار موسى الكليم» وغير ذلك.
وتوفي بالقدس في حدود هذه السنة.
وفيها أبو المواهب محمد بن أحمد الشيخ الإمام المدقّق التونسي [4] الشّاذلي، نزيل مصر، وهو الذي كان متصدّرا في قبالة رواق المغاربة بالجامع الأزهر، وكان صاحب أوراد وأحوال.
وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن محمد الحنفي المقرئ، عرف بابن أبي عامر [5] .
أخذ عن الشّهاب الحجازي المحدّث، وأخبره أنه يروي «ألفية الحديث» و «القاموس» عن مؤلفيهما [6] و «تلخيص المفتاح» عن إبراهيم الشامي عن المؤلّف.
__________
[1] في «آ» : «الصالحية» وهو خطأ.
[2] في «آ» : «بين القضاء» وما جاء في «ط» موافق لما في «الكواكب» .
[3] في «ط» : «الانتظار» وهو خطأ.
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 30) ، و «الجامع لكرامات الأولياء» (1/ 70) ، و «معجم المؤلفين» (9/ 142) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 26) .
[6] في «ط» : «عن مؤلفيها» .(10/16)
وفيها محمد بن داود النّسيمي المنزلاوي [1] الشيخ الصّالح، أحد المتمسكين بالسّنّة المحمدية في أقوالهم وأفعالهم.
ألّف رسالة سمّاها «طريقة الفقر المحمدي» ، ضبط فيها أقوال النّبي صلّى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله التي ظهرت لأمته. وكان يقول: ليس لنا شيخ إلّا رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وكان يقري الضيوف، ويخدم الفقراء، والمنقطعين عنده، وينظف ما تحتهم من بول أو غائط، ولا يتخصص عنهم بشيء. وكان ربما طرقه الضيف ليلا، ولم يكن عنده ما يقريه، فيرفع القدر على النّار، ويضع فيه الماء، ويوقد عليه، فتارة يرونه أرزا ولبنا، وتارة أرزا وحلواء، وتارة لحما ومرقا، وربما وجدوا فيه لحم الدّجاج، ومناقبه كثيرة.
توفى ببلدة النسيمية، ودفن بجوار زاويته وقبره بها ظاهر يزار.
وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن علي [2] الإمام العالم العلّامة، إمام الكاملية بين القصرين.
لبس الخرقة من الشيخ الإمام العلّامة شمس الدّين بن الجزري المقرئ صاحب «النشر» .
ولد [3] في سنة [4] تسع وعشرين وثمانمائة، وتوفي في أول هذا القرن.
وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن عمر الدّورسي الدمشقي الحنبلي [5] .
ولد سنة ست عشرة وثمانمائة، وكان نقيبا لقاضي القضاة برهان الدّين بن أكمل الدّين بن شرف الدّين بن مفلح، ثم فوض إليه ولده قاضي القضاة
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 46) ، و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 172) ، و «معجم المؤلفين» (9/ 298) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 52) .
[3] لفظة «ولد» سقطت من «ط» و «الكواكب السائرة» .
[4] سقطت لفظة «سنة» من «ط» .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 68) .(10/17)
نجم الدّين بن مفلح نيابة القضاء- قال النّعيمي: لقلة النواب- فدخل في القضاء مدخلا لا يليق.
وتوفي يوم الجمعة عشري جمادى الأولى.
وفيها مصلح الدّين مصطفى القسطلّاني الرّومي [1] الحنفي، أحد موالي الرّوم العالم العامل.
قرأ على موالي الرّوم، وخدم المولى خضر بك، ودرّس في بعض المدارس، ثم لما بنى السلطان محمد خان ابن عثمان المدارس الثمان بقسطنطينية أعطاه واحدة منها.
وكان لا يفتر عن الاشتغال والدرس. وكان يدّعي أنه لو أعطي المدارس الثمان كلّها لقدر أن يدرّس في كل واحدة منها كل يوم ثلاثة دروس، ثم ولي قضاء بروسا ثلاث مرات، ثم قضاء أدرنة كذلك، ثم القسطنطينية كذلك، ثم ولاه السلطان محمد قضاء العسكر، وكان لا يداري الناس، ويتكلم بالحقّ على كل حال، فضاق الأمر على الوزير محمد باشا القرماني، فقال للسلطان، إن الوزراء أربعة، فلو كان للعسكر قاضيان أحدهما في ولاية روم إيلي، والآخر في ولاية أناضولي، كان أسهل في إتمام مصالح المسلمين، ويكون زينة لديوانك فمال إلى ذلك، وعيّن المولى المعروف بالحاجي حسن لقضاء أناضولي، فأبى القسطلاني ذلك، فلما مات السلطان محمد وتولى بعده ولده السلطان أبو يزيد خان عزل القسطلاني وعيّن له كل يوم مائة درهم، ثم صار قضاء العسكر ولايتين بعد ذلك.
قال في «الكواكب السائرة» : وكان القسطلاني يداوم أكل الحشيش والكيف، وكان مع ذلك ذكيا في أكثر العلوم، حسن المحاضرة، وأخبر عن نفسه أنه طالع «الشفا» لابن سينا سبع مرات، وكان المولى خواجه زاده صاحب كتاب «التهافت» إذا ذكر القسطلاني يصرّح بلفظ المولى ولا يصرّح بذلك لأحد سواه من أقرانه، وكان يقول: إنه قادر على حلّ المشكلات وإحاطة العلوم الكثيرة في مدة
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 306) و «البدر الطالع» (2/ 308) ، و «هدية العارفين» (2/ 433) ، و «معجم المؤلفين» (12/ 282) .(10/18)
يسيرة ولم يهتم بأمر التصنيف لاشتغاله بالدرس والقضاء، لكنه كتب «حواشي على شرح العقائد» ورسالة ذكر فيها سبع إشكالات وشرحها و «حواشي على المقدمات الأربع» التي أبدعها صدر الشريعة وردّ فيها على حواشي المولى علي العربي.
وتوفي في هذه السنة بقسطنطينية، ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري.
وفيها شرف الدّين موسى بن علي الشيخ العالم الصّالح الشهير بالحوراني الشافعي [1] .
كان يحفظ القرآن العظيم، و «المنهاج» ويدرّس فيه، وفي القراءات بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر، وتفقه على النّجم بن قاضي عجلون، وسمع على البرهان الباعوني وغيره.
وولي نظر الشبلية والإمامة بها، وكان يقرئ بها «سيرة ابن هشام» كل يوم بعد العصر، ودرّس بمدرسة أبي عمر سنين، وانتفع الناس به.
قال ابن طولون: وحضرت عنده مرارا.
وتوفي بمنزله بمحلّة الشّبلية في أحد الجمادين، ودفن بالصّالحية، رحمه الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 310) ، و «متعة الأذهان» (104 آ- ب) (مخطوط) .(10/19)
سنة اثنتين وتسعمائة
فيها أمر السلطان عامر بن عبد الوهاب بتقييد رئيس الإسماعيلية وعالمها سليمان بن حسن بمدينة تعز، وأودعه دار الأدب لأنه كان يتكلّم بما لا يعنيه من المغيبات، وأمر بإتلاف كتبه فأتلفت، ولله الحمد.
وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن القاضي شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن يعقوب بن المعتمد القرشي الدمشقي الصّالحي الشافعي [1] .
ولد في ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، وحفظ «المنهاج» وعرضه على جماعة من الأفاضل، وكتب له الشيخ بدر الدّين بن قاضي شهبة في الشامية أربعين مسألة كتب عليها في سنة ثمان وستين، وفوض إليه القضاء في سنة سبعين، ثم درّس في المجاهدية والشامية الجوانية والأتابكية، وتصدر بالجامع.
وله «حاشية على العجالة» في مجلدين، وحجّ وجاور في سنة اثنتين وثمانين، ولازم النّجم بن فهد، وسمع عليه وعلى غيره بمكة، وكان حسن المحاضرة، جميل الذّكر، يحفظ نوادر كثيرة من التاريخ، وذيّل على «طبقات ابن السبكي» وأكثر فيه من شعر البرهان القيراطي، وقرأ عليه القاضي برهان الدّين الأخنائي، والشيخ تقي الدّين القاري، وغيرهما.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 100) ، و «إيضاح المكنون» (1/ 476) ، و «معجم المؤلفين» (1/ 83) .(10/20)
وتوفي عشية يوم الأحد ثالث عشر شعبان بدمشق، ودفن بالرّوضة، وخلّف دنيا عريضة.
وفيها أحمد ابن [1] ولي الدّين العالم الفاضل، المولى ابن المولى الحسيني الرّومي [2] ، الشهير بأحمد باشا.
قرأ على علماء عصره، وفضل، وتنقّل في المناصب، حتّى صار قاضي عسكر ثم جعله [3] السلطان محمد خان معلما لنفسه، واشتد ميله إليه، حتى استوزره، ثم عزله عن الوزارة لأمر وجعله أميرا على أنقرة وبروسا، وكان رفيع القدر، عالي الهمّة، كريم الطبع، سخي النّفس، ولم يتزوج لعنّة [4] كانت به، وكان له نظم بالعربية والتركية.
وتوفي أميرا ببروسا ودفن بها بمدرسة وعلى قبره قبّة كتب على بابها محمد بن أفلاطون تاريخ وفاته وهو [5] :
هذه أنوار مشكاة [6] لمن ... عدّه الرّحمن من ممدوحه
فرّ من أدناس تلك الناس إذ ... كان مشتاقا إلى سبّوحه
قال روح القدس في تاريخه ... إن في الجنّات مأوى روحه
وفيها أمّ الخير أمة الخالق [7] الشيخة الأصيلة المعمّرة.
ولدت سنة إحدى عشرة وثمانمائة، وحضرت على الجمال الحنبلي، وأجاز لها الشرف بن الكويك وغيره، وهي آخر من يروي «البخاري» عن أصحاب الحجّار.
نزل أهل الأرض درجة في رواية «البخاري» بموتها، رحمها الله تعالى.
__________
[1] لفظة «ابن» سقطت من «ط» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 145- 147) ، و «الشقائق النعمانية» (123- 124) .
[3] في «ط» : «وجعله» .
[4] جاء في «القاموس المحيط» (عنن) : العنين ... كسكّين: من لا يأتي النساء عجزا أو لا يريدهن، والاسم العنانة.
[5] الأبيات في «الشقائق النعمانية» .
[6] في «الشقائق النعمانية» : «هذه مشكاة أنوار» .
[7] ترجمتها في «الكواكب السائرة» (1/ 162) ، و «أعلام النساء» (1/ 83) .(10/21)
وفيها حبيب القرماني العمري من جهة الأب البكري من جهة الأم [1] ، العارف بالله تعالى، أحد شيوخ الرّوم.
اشتغل في أول عمره بالعلم، وقرأ في شرح العقائد، ثم ارتحل إلى خدمة السيد يحيى بن السيد بهاء الدّين الشّيرازي، فلقي في طريقه جماعة من مريديه، فقال لهم: هل يقدر شيخكم أن يريني الرّبّ في يوم واحد، فلطمه أحدهم لطمة خرّ مغشيا عليه، فعلم السيد يحيى بهذه القصة فدعا الشيخ حبيب، وقال له: لا بأس عليك إن الصوفية تغلب الغيرة عليهم وإن الأمر كما ظننت، وأمره بالجلوس في موضع معيّن وأن يقصّ عليه ما يراه، ثم قال لمريديه: إنه من العلماء فحكي عنه أنه قال: لما دخلت هذا الموضع جاءتني تجليات الحقّ مرة بعد أخرى، وفنيت عن كل مرّة، ثم دوام خدمة السيد يحيى اثنتي عشرة سنة، ثم استأذنه، وعاد إلى بلاد الرّوم، وصحب الأكابر من سادات الرّوم، وكان له أشراف على الخواطر، ولم يره أحد راقدا ولا مستندا إلّا في مرض موته.
توفي بأماسية ودفن بعمارة محمد باشا.
وفيها شمس الدّين أبو الجود محمد بن شيخ الإسلام برهان الدّين إبراهيم بن عبد الرحيم الأنصاري الخليلي [2] الشافعي الإمام العلّامة.
ولد بمدينة الخليل عليه الصّلاة والسلام في شعبان سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وحفظ القرآن و «المنهاج» و «ألفية بن مالك» و «الجزيرة» وبعض «الشاطبية» . واشتغل على والده، ثم أخذ العلم عن جماعة من علماء مصر، أجلّهم الشرف المناوي، والكمال ابن إمام الكاملية الشافعيان، وأخذ العلوم عن التّقي الشّمّنّي الحنفي، وفضل وتميّز، وأجيز بالإفتاء والتدريس.
وله تصانيف، منها «شرح الجرومية» و «شرح الجزيرة» و «شرح مقدمة الهداية في علم الرّواية لابن الجزري، و «معونة الطّالبين في معرفة إصلاح
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 171- 174 و 2/ 74) ، و «الشقائق النعمانية» ص (161) .
[2] ترجمته في «الأنس الجليل» (546- 547) و «الكواكب السائرة» (1/ 26) و «معجم المؤلفين» (8/ 206) ، و «الأعلام» (6/ 192) .(10/22)
المعربين» وقطعة من «شرح تنقيح اللّباب» للولي العراقي، وغير ذلك، رحمه الله.
وفيها الحافظ شمس الدّين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي [1] الأصل، القاهري المولد، الشافعي المذهب، نزيل الحرمين الشريفين.
ولد في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم وهو صغير وصلّى به في شهر رمضان. وحفظ «عمدة الأحكام» و «التنبيه» و «المنهاج» و «ألفية ابن مالك» و «ألفية العراقي» وغالب «الشّاطبية» و «النّخبة» لابن حجر، وغير ذلك، وكلما حفظ كتابا عرضه على مشايخه، وبرع في الفقه، والعربية، والقراءات، والحديث، والتاريخ، وشارك في الفرائض، والحساب، والتفسير، وأصول الفقه، والميقات، وغيرها وأما مقروءاته ومسموعاته فكثيرة جدا لا تكاد تنحصر.
وأخذ عن جماعة لا يحصون يزيدون على أربعمائة نفس، وأذن له غير واحد بالإفتاء، والتدريس، والإملاء.
وسمع الكثير على شيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني، ولازمه أشد الملازمة، وحمل عنه ما لم يشاركه فيه غيره، وأخذ عنه أكثر تصانيفه، وقال عنه:
هو أمثل جماعتي، وأذن له، وكان يروي «صحيح البخاري» عن أزيد من مائة وعشرين نفسا.
ورحل إلى الآفاق، وجاب البلاد، ودخل حلب، ودمشق، وبيت المقدس وغيرها، واجتمع له من المرويّات بالسّماع والقراءة ما يفوق الوصف.
وكان بينه وبين النّبي صلّى الله عليه وسلم عشرة أنفس، وحجّ بعد وفاة شيخه ابن حجر مع والديه.
ولقي جماعة من العلماء وأخذ عنهم، كالبرهان الزّمزمي، والتّقي بن فهد، وأبي السعادات بن ظهيرة، وخلائق، ثم رجع إلى القاهرة ولازم الاشتغال والإشغال والتأليف، لم يفتر أبدا.
__________
[1] ترجم السخاوي لنفسه ترجمة مطولة في «الضوء اللامع» (8/ 2- 32) وله ترجمة في «نظم العقيان» (152- 153) و «النّور السافر» (16- 21) و «الكواكب السائرة» (1/ 53) و «البدر الطالع» (2/ 184- 187) .(10/23)
ثم حج سنة سبعين، وجاور، وحدّث هناك بأشياء من تصانيفه وغيرها، ثم حجّ في سنة خمس وثمانين، وجاور سنة ست وسبع، وأقام منهما ثلاثة أشهر بالمدينة النبوية، ثم حج سنة اثنتين وتسعين، وجاور سنة ثلاث وأربع، ثم حجّ سنة ست وتسعين وجاور إلى أثناء سنة ثمان، فتوجه إلى المدينة فأقام بها أشهرا، وصام رمضان بها، ثم عاد في شوالها إلى مكّة وأقام بها مدة، ثم رجع إلى المدينة وجاور بها إلى أن مات، وحمل الناس من أهلهما والقادمين عليهما عنه الكثير جدا، وأخذ عنه من لا يحصى كثرة.
وألّف كتبا إليها النهاية لمزيد علوه وفصاحته.
من مصنفاته «الجواهر والدّرر في ترجمة الشيخ ابن حجر» و «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» لا يعلم أجمع منه ولا أكثر تحقيقا لمن تدبره [1] ، و «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» في ست مجلدات ذكر فيه لنفسه ترجمة على عادة المحدّثين [2] ، و «المقاصد الحسنة في الأحاديث الجارية على الألسنة» [3] وهو أجمع وأتقن من كتاب السيوطي المسمى ب «الجواهر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة» [4] وفي كل واحد منهما ما ليس في الآخر، و «القول البديع في الصّلاة على الحبيب الشفيع» [5] و «عمدة المحتج في حكم الشطرنج» و «الإعلان بالتوبيخ
__________
[1] وهو مطبوع في ثلاث مجلدات منذ سنوات طويلة، وأعادت إصداره دار الكتب العلمية ببيروت مصورا قبل سنوات قليلة. ثم نشر نشرة جيدة في الهند في أربعة أجزاء بتحقيق الشيخ علي حسين علي.
[2] وهو مطبوع في مكتبة القدسي بالقاهرة منذ سنوات طويلة في ست مجلدات تضم اثني عشر جزءا، وصورته منذ سنوات قليلة دار مكتبة الحياة بيروت. ونقوم بإعداد فهارس عامة له بمشاركة بعض الأفاضل ستصدر في مجلد كبير قريبا إن شاء الله.
[3] وهو من خيرة الكتب في بابه وقد نشر منذ سنوات طويلة في مصر بعناية الشيخ عبد الله الصدّيق الغماري، وتقديم الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف، وهي نشرة سقيمة فيها الكثير من التحريف والخطأ والسقط، وقد جمعت مصورات ثلاث من نسخه الخطية وشرعت بتحقيقه وأسأل المولى عزّ وجل أن يعينني على الانتهاء منه ودفعه للطبع في أقرب فرصة إن شاء الله تعالى.
[4] قلت: وهو المعروف ب «الدّرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة» وقد قمت بتحقيقه بالاشتراك مع الأستاذ محمد بدر الدّين القهوجي، ونشرته مكتبة دار العروبة في الكويت عام (1408) هـ.
[5] وهو مطبوع عدة مرات آخرها وأفضلها التي صدرت عن مكتبة دار البيان بدمشق منذ سنوات قليلة.(10/24)
على من ذم علم «التوريخ» [1] وهو نفيس جدا، و «التاريخ المحيط» على حروف المعجم، و «تلخيص تاريخ اليمن» ، و «الأصل الأصيل في تحريم النقل من التوراة والإنجيل» ، و «تحرير الميزان» ، و «عمدة القارئ والسامع في ختم الصحيح الجامع» ، و «غنية المحتاج في ختم صحيح مسلم بن الحجّاج» وغير ذلك [2] .
وانتهى إليه علم الجرح والتعديل، حتى قيل: لم يكن بعد الذهبي أحد سلك مسلكه، وكان بينه وبين البرهان البقاعي والجلال السّيوطي ما بين الأقران، حتى قال السّيوطيّ فيه:
قل للسّخاويّ إن تعروك نائبة ... علمي كبحر من الأمواج ملتطم
والحافظ الدّيمي غيث السّحاب فخذ ... غرفا من البحر أو رشفا من الدّيم
وتوفي بالمدينة المنورة- على ساكنها الصّلاة والسلام- يوم الأحد الثامن والعشرين من شعبان، وصلّي عليه بعد صلاة صبح يوم الاثنين، ووقف بنعشه تجاه الحجرة الشريفة، ودفن بالبقيع بجوار مشهد الإمام مالك ولم يخلّف بعده مثله.
وفيها العلّامة محمد بن مصطفى بن يوسف بن صالح البرسوي الحنفي [3] الصّوفي المشهور بخواجه زاده، صاحب كتاب «التهافت» ، والده [4] ولي القضاء والتدريس ببعض مدارس بروسا ثم تركها في حياة والده، ورغب في طريق التصوّف، واتصل بخدمة العارف بالله الحاجي خليفة، ثم ذهب مع بعض ملوك العجم إلى بلاده، وتوفي هناك.
__________
[1] المعروف بأن اسم هذا الكتاب هو: «الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التأريخ» وهو من خيرة كتبه، وقد طبع عدة مرات في بلدان مختلفة ولكنه لم يحظ بالتحقيق العلمي المتقن إلى الآن.
[2] قلت: ومن كتبه الهامة أيضا: «الذيل التام على دول الإسلام» أرخ فيه من سنة 745- 901 هـ، وقد قام بتحقيقه صاحبي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة وقمت بمراجعته والتقديم له، وهو قيد الطبع في مكتبة دار العروبة بالكويت وقد صدر المجلد الأول منه.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 71) .
[4] تقدمت ترجمته في المجلد التاسع ص (532- 534) .(10/25)
سنة ثلاث وتسعمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد، الشّهير بابن شكم العالم العلّامة الشافعي الصالح الناصح الدمشقي الصالحي [1] . اشتغل على البدر بن قاضي شهبة، والنّجم ابن قاضي عجلون، وغيرهما. وكان على طريقة حميدة، ساكنا في أموره، مطّرحا للتكلّف [2] ، نحيف البدن على وجهه أثر العبادة، وانتفع به جماعة من أهل الصالحية وغيرهم لا سيما في علوم العربية.
وتوفي يوم الأربعاء ثامن عشر رمضان.
وفيها جمال الدّين جمال بن خليفة القرماني [3] الحنفي، العالم العارف بالله.
كان مشتغلا بالعلم، فاضلا في فنونه، قرأ على قاضي زاده، وخدم المولى مصلح الدّين القسطلّاني، وكان خطّه حسنا، استكتبه السلطان محمد خان «كافية ابن الحاجب» وأجازه بمال حجّ به، ثم رجع إلى قسطنطينية، وصحب الشيخ حبيب القرماني، ولزم خدمته، واشتغل بالرياضات والمجاهدات، حتى. أجازه بالإرشاد، وأقام مدة في بلاد قرمان، ثم دخل القسطنطينية، وبنى له الوزير بيري باشا بها زاوية، فأقام بها حتّى مات، وكان يتكلّم في التفسير، ويعظ الناس ويذكّرهم ويلحقه عند ذلك وجد وحال، وربما غلب عليه الحال فألقى نفسه من
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 148) .
[2] في «آ» : «للتكليف» وهو تحريف.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 173) .(10/26)
على المنبر، ولا يسمعه أحد إلّا ويحصل له حال، وتاب على يديه جماعة، وأسلم كافر.
وكان عابدا، زاهدا، ورعا، متضرعا، يستوي عنده الغني والفقير، يغسل أثوابه بنفسه، مع ماله من ضعف المزاج، ويقول: إن مبنى الطريقة على رعاية الأحكام الشرعية، رحمه الله تعالى.
وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن ناصر الدّين محمد الجرباوي البغدادي [1] ، نزيل دمشق، الشيخ الصالح.
كان من أولياء الله تعالى، وسمع على محدّثي بغداد، وقطن دمشق، وبها مات ليلة الخميس خامس عشري جمادى الأولى.
وفيها زين الدّين عبد القادر بن محمد بن منصور بن جماعة الصّفدي ثم الدمشقي الشافعي الفرضي الحيسوب، المعروف في صفد بابن المصري [2] ، وفي دمشق ببوّاب الشاميّة البرّانية لأنه نزلها حين دخل دمشق، وكان بوابها سنين، ثم سكن السميساطية.
ولد بصفد سنة أربع وثلاثين وثمانمائة، وأخذ عن الشّمس بن حامد الصّفدي، والشمس البلاطنسي، والبدر بن قاضي شهبة، وزين الدّين خطاب، والنّجم بن قاضي عجلون، والشمس الشّرواني وغيرهم، وكان له يد طولى في الحساب والفرائض، وقلم الغبار [بحيث] لم يكن له نظير بدمشق، وكان نحيف البدن، ضعيف البصر، شرس الأخلاق، انتفع به جماعة. ولما توفي شيخه ابن حامد أخذ عنه نظر المدرسة الصّارمية داخل باب الجابية وتدريسها، وسكن بها، وانقطع عن الناس، وبها توفي سادس عشر ذي الحجّة، ودفن بباب الفراديس.
وفيها علاء الدّين علي بن يوسف بن أحمد الرّومي [3] الحنفي، سبط المولى شمس الدّين الفناري.
رحل في صباه إلى بلاد العجم، فدخل هراة، وقرأ على علمائها، ثم
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 51) و «الكواكب السائرة» (1/ 238) وفيه «الحرناوي» .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 53) و «الكواكب السائرة» (1/ 240- 241) والاستدراك عنه.
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (111- 114) ، و «الكواكب السائرة» 1/ 278- 279(10/27)
سمرقند، وبخارى، وقرأ على علمائها أيضا. وبرع في العلوم، حتّى جعلوه مدرسا، ثم غلب عليه حبّ الوطن، فعاد إلى بلاد الرّوم في أوائل سلطنة محمد خان بن عثمان، وكان المولى الكوراني يقول له: لا تتم سلطنتك إلّا أن يكون عندك واحد من أولاد الفناري، فلما دخل المترجم بلاد الرّوم أعطاه السلطان محمد مدرسة [مناسبتر] [1] بمدينة بروسا بخمسين درهما، ثم مدرسة والده مراد خان بها بستين، ثم ولّاه قضاءها، ثم قضاء العسكر، ومكث فيه عشر سنين، وارتفع قدر العلماء في زمن ولايته إلى أوج الشّرف، وكانت أيّامه تواريخ، ثم لما تولى أبو يزيد جعله قاضيا بالعسكر في ولاية روم إيلي، ومكث فيه ثمان سنين.
وكان شديد الاهتمام بالعلم، لا ينام على فراش، وإذا غلبه النوم استند والكتب بين يديه، فإذا استيقظ نظر فيها، وشرح «الكافية» وكتابا في الحساب، وكان ماهرا في سائر العلوم.
ثم خدم العارف بالله حاج خليفة، ودخل الخلوة عنده، وحصل له في علم التّصوف ذوق، لكنه كان مغرى بصحبة السّلاطين، بحيث كان يغلب عليه الصّمت إلّا إذا ذكر له صحبة سلطان يورد الحكايات اللّطيفة والنّوادر.
وحكى عنه تلميذه الخيالي أنه قال: ما بقي من حوائجي إلّا ثلاث: الأولى أن أكون [2] أول من يموت في داري والثانية أن لا يمتد بي مرض، والثالثة أن يختم لي بالإيمان قال الخيالي: فكان أول من مات في داره وتوضأ يوما [3] للظهر، ثم حمّ ومات مع أذان العصر فاستجيب له.
وفيها جمال الدّين محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد الشّهير بابن علي بأفضل السّعدي- نسبة إلى سعد العشيرة- الحضرمي [4] ثم العدني.
قال في «النور السافر» : المتفق على جلالة قدره علما وعملا وورعا.
__________
[1] الاستدراك عن «الشقائق» و «الكواكب» .
[2] في «ط» : «يكون» وهو تحريف.
[3] في «ط» : «بها» مكان «يوما» وهو خطأ.
[4] ترجمته في «النور السافر» ص (23- 26) .(10/28)
ولد بحضر موت بتريم سنة أربعين وثمانمائة، ثم ارتحل إلى عدن، وأخذ عن الإمامين محمد بن مسعود باشكيل، ومحمد بن أحمد باحميش، وجدّ في الطلب، ودأب حتّى برع في العلوم، وانتصب للتدريس والفتوى، وكان من أعلام الدّين والتّقوى إماما، كبيرا، عالما، عاملا، محقّقا، ورعا، زاهدا، مقبلا على شأنه، تاركا لما لا يعنيه، ذا مقامات، وأحوال، وكرامات. حسن التعليم، لين الجانب، متواضعا، صبورا، مثابرا على السّنّة معظما لأهل العلم. وكان هو وصاحبه عفيف الدّين [1] بامخرمة عمدة الفتوى بعدن، وكان بينهما من التوادد [2] والتناصف ما هو مشهور، حتى كأنهما روحان في جسد.
وأفرد المترجم بالترجمة.
وله تصانيف نافعة منها: «مختصر الأنوار» المسمّى «نور الأبصار» ، و «شرح تراجم البخاري» واختصر «قواعد الزركشي» وشرحه، وكتاب «العدّة والسّلاح لمتولى عقود النّكاح» ، و «شرح المدخل» ، و «شرح البرماوية» ، وغير ذلك.
ومن شعره [3] :
إنّ العيادة يوم بين [4] يومين ... واجلس قليلا كلحظ العين بالعين
لا تبرمنّ مريضا في مساءلة ... يكفيك من ذاك تسآل بحرفين
وتوفي يوم السبت خامس عشر شوال بعدن.
وفيها بدر الدّين الحسين بن الصّدّيق بن الحسين بن عبد الرحمن الأهدل اليمني الشافعي [5] .
__________
[1] في «النور السافر» : «عفيف الدّين عبد الله بن أحمد بامخرمة» وقد صحف الاسم الأخير فيه إلى بامخرمة فليصحح.
[2] في «ط» : «التود» والتصحيح من «النّور السافر» .
[3] البيتان في «النّور السافر» ص (26) .
[4] في «ط» : «بعد» ولا يستقيم بها الوزن.
[5] ترجمته في «النور السافر» (26- 27) و «البدر الطالع» (3/ 144- 145) و «غاية الأماني في أخبار القطر اليماني» ص (624) .(10/29)
ولد في ربيع الثاني سنة خمس وثمانمائة بأبيات حسين من اليمن، ونشأ بنواحيها، واشتغل بها في الفقه على الفقيهين أبي بكر بن قصيص، وأبي القاسم بن مطير [1] وغيرهما، وفي النحو على أولهما وغيره. ثم دخل زبيد فاشتغل بها، ثم حج سنة اثنتين وسبعين، وجاور التي تليها، وأخذ عن علمائها وزار [قبر] النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وسمع بالمدينة من أبي الفرج المراغي، ثم رجع إلى بلاده.
وكان إماما، فقيها، حافظا، محدّثا، بارعا في أشتات العلوم.
ومن شعره [2] :
أما لهذا الهمّ من منتهى ... أما لهذا الحزن من آخر
أما لهذا الضّيق من فارج ... أما لناب الخطب من كاسر [3]
أما لهذا العسر من دافع ... باليسر عن هذا الشّجى العاثر
بلى بلى مهلا فكن واثقا ... بالواحد الفرد العليّ القادر
توفي ببندر عدن ليلة الاثنين سلخ ذي القعدة.
وفيها عبد الله [4] بن أحمد بن علي بن أحمد بن إبراهيم بامخرمة الحميري الشّيباني الهجراني الحضرمي العدني الشّافعي [5] .
ولد ليلة الأربعاء ثاني [6] عشر رجب سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بالهجرين [7] ، وحفظ القرآن بها، ثم ارتحل إلى عدن، وتفقه بالإمامين محمد
__________
[1] في «النور السافر» : «أبي بكر بن قعيص، وأبي القاسم بن مطير» .
[2] الأبيات في «النور السافر» ص (28) .
[3] في «النور السافر» : «كاشر» .
[4] في «ط» : «عبد الرحمن» وهو تحريف.
[5] ترجمته في «النور السافر» ص (30- 37) و «الضوء اللامع» (5/ 8- 9) .
[6] في «ط» : «ثامن» .
[7] الهجران: مدينتان متقابلتان في رأس جبل حصين قرب حضرموت تطلع إليه في منعة من كل جانب يقال لإحداهما: خيدون وخودون وللأخرى دمون: انظر «معجم البلدان» (5/ 392- 393) .
و «القاموس» و «التاج» (هجر) .(10/30)
باشكيل، ومحمد باخميس، ودأب واجتهد، وأكب على الاشتغال ليلا ونهارا.
وكان فقيرا لا يملك شيئا. وقاسى في أيام طلبه من الجوع والمكابدة ما هو مشهور عنه. وبرع في سائر العلوم، وحقق الفنون، وساد الأقران، وسارت بفضله الركبان، ووقع على تقدمه الإجماع وابتهجت بذكره النواظر والأسماع، وصار عمدة يرجع إلى قوله. وفتواه في زمن مشايخه، وقرّت به عيونهم وزوّجه شيخه أبو شكيل بابنته، ورزق منها أولادا فضلاء نجباء. وكان مهابا جدا تخضع له الملوك، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر لا يراعى أحدا في دين الله تعالى ولا يخاف في الله لومة لائم، وكلّفه علي بن طاهر قضاء عدن فدام قريب أربعة أشهر، ثم ترك وتوجه لنفع الطلبة خاصة وعمل على جامع المختصرات نكتا في مجلدة، وكذا على «ألفية النحو» وشرح «الملحة» شرحا حسنا، ولخص شرح ابن الهائم على «هائمتيه» [1] إلى غير ذلك من الرسائل في علم الهندسة [2] وغيرها. قاله السخاوي.
وممن تخرّج به عفيف الدّين ابن الحاج ومحمد باقضام، والعلامة محمد بحرق، وغيرهم.
وله نظم كثير جدا منه [3] .
أعط المعيّة حقّها ... واحفظ له حسن الأدب
واعلم بأنّك عبده ... في كلّ حال وهو رب
وتوفي بعدن يوم السبت حادي عشري المحرم.
وفيها جمال الدّين محمد بن إبراهيم المكدش [4]- بفتح الميم، وسكون الكاف، وكسر الدال المهملة، آخره شين معجمة- فقيه اللامية ومفتيها ببلدة سامر. وكان له بها مشهد عظيم. وبنو المكدش هؤلاء أخيار صالحون، اشتهر منهم جماعة بالولاية التامة، وظهور الكرامات، وقريتهم يقال لها الأنفة- بفتح الهمزة، وفتح النون، والفاء آخره تاء تأنيث جهة بوادي سهام، وهي محلّة مقصودة
__________
[1] في «البدر الطالع» : «على الياسمينية» .
[2] في «البدر الطالع» : «في علم الهيئة» .
[3] البيتان في «النور السافر» ص (33) .
[4] ترجمته في «النور السافر» ص (37) .(10/31)
للزيارة والتبرك، ونسبهم في الغنميين، وهم قبيلة مشهورة من قبائل عكّ بن عدنان، ومسكنهم فيما بين وادي سهام، ووادي سردد. قاله في «النور السافر» وفيها جمال الدّين محمد بن حسين بن محمد بن حسين القمّاط الزّبيدي [1] الشافعي.
ولد بزبيد في صفر سنة ثمان وعشرين وثمانمائة. ونشأ بها، واشتغل بالعلم.
ولازم القاضي النّاشري صاحب «الإيضاح» وغيره، وبرع في الفقه، وأفتى ودرّس.
وكان لا يملّ الاشتغال والإشغال، إماما عالما.
توفي بزبيد في سحر ليلة الأربعاء سادس عشر جمادى الأولى.
وفيها جمال الدّين محمد النّور بن عمر الجبرتي [2] الفقيه الصّالح المعمّر، من بقية أصحاب الشيخ إسماعيل الجبرتي.
توفي يوم الاثنين ثاني ربيع الآخر عن خمس وثمانين سنة، ودفن قريبا من شريح شيخه.
وفيها رضيّ الدّين الصّدّيق بن محمد الحكمي [3] ، الشهير بالوزيغي [4] .
كان فقيها علّامة متقنا متفنّنا.
توفي بزبيد ليلة الجمعة ثالث جمادى الأولى، ودفن بتربة القضاة الناشريين.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (38) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (38) .
[3] ترجمته في «النور السافر» ص (38) .
[4] في «ط» : «الحكم الشهير بالوزيغي» .(10/32)
سنة أربع وتسعمائة
فيها توفي غرس الدّين أبو القاسم خليل بن خليل الفراديسي الصّالحي [1] الحنبلي.
قال ابن طولون: حفظ القرآن، ثم قرأ «المحرّر» للمجد بن تيميّة، وأخذ عن النّظام بن مفلح، والشّهاب بن زيد، والشيخ صفي الدّين، ولازم شيخنا القاضي ناصر [2] الدّين بن زريق، وأكثر من الأخذ عنه، ثم أقبل على الشهادة والمباشرة لأوقاف مدرسة أبي عمر وغيرها، وأجاز لنا، وكتبنا عنه.
وتوفي في حبس كرتباي الأحمر [3] ملك الأمراء بدمشق.
وفيها زين الدّين شعبان الصّورتاني الحنبلي [4] ، أحد عدول دمشق.
سكن الصالحية، وولي قضاء صفد، وأخذ عن النّظام بن مفلح، وابن زيد، وأكثر عن أبي البقاء بن أبي عمر، وكان لا بأس به.
وتوفي في شوال.
وفيها الملك النّاصر أبو السعادات محمد بن قايتباي [5] .
__________
[1] ترجمته في «التمتع بالإقران» ص (123) و «متعة الأذهان» (ورقة 38) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 190) و «السحب الوابلة» (164) .
[2] في «آ» : «نار الدّين» وهو تحريف.
[3] له ترجمة في «إعلام الورى» (85- 94) و «الكواكب السائرة» (1/ 300) و «متعة الأذهان» (73) .
[4] ترجمته في «التمتع بالإقران» (126) ، و «متعة الأذهان» (ورقة 42) وفيه: «شعبان بن محمد» ، و «الكواكب السائرة» (1/ 214) و «السحب الوابلة» (177- 178) .
[5] ترجمته في «النور السافر» (40) ، و «متعة الأذهان» (72) .(10/33)
بويع بالسلطنة قبل [1] موت أبيه بيوم واحد وهو في سنّ البلوغ، فأقام ستة أشهر، ويومين ثم خلع.
وتولى الملك الأشرف قانصوه مملوك قايتباي، فأقام نحو أحد عشر يوما، وتحرّك عليه العسكر، فهرب إلى غزّة، ثم فقد في وقعة خان يونس، ولم يعرف موته ولا حياته، ثم عاد الملك الناصر بعد ثبوت رشده، فأقام سنة وستة أشهر ونصف شهر، ثم شرع في اللهو، واللعب، والشعبذة، ومخالطة الأوباش، وارتكاب الفواحش، وأمور لا يليق ذكرها، فقتل شرّ قتلة قبل غروب شمس يوم الأربعاء خامس عشري ربيع الأول.
قال القطبي في «تاريخ مكة» : يحكى عنه أمور قبيحة، منها: أنه كان إذا سمع بامرأة حسناء هجم عليها وقطع دائر فرجها ونظمه في خيط أعده لنظم فروج النساء.
ومنها أن والدته- وكانت من أعقل النساء وأجملهن هيئة- هيّأت له جارية جميلة جدا، وجمعتها به في بيت مزيّن أعدّته لهما، فدخل بها وقفل الباب على نفسه وعليها وربطها وشرع بسلخ جلدها عنها كالجلادين وهي حيّة، فلما سمعوا صوت بكائها أرادوا الهجوم عليه فما أمكنهم لأنه قفل الباب من داخل، فاستمر كذلك إلى أن سلخها وحشا جلدها بالثياب، وخرج يظهر لهم أستاذيته في السّلخ، وأن الجلّادين يعجزون عن كماله في صنعه. انتهى وفيها المولى لطف الله، الشهير بمولانا لطفي التّوقاني [2] الرّومي الحنفي [3] العالم الفاضل.
قال في «الكواكب» : تخرّج بالمولى سنان، وقرأ على القوشجي [4] العلوم الرياضية بإشارة المولى سنان. ولما كان المولى سنان وزيرا عند السلطان
__________
[1] في «ط» : «بعد» .
[2] في «آ» : «الناقاتي» وفي «ط» : «التوقاني» وما هنا عن مصدريه.
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (169- 171) و «الكواكب السائرة» (1/ 301) و «الضوء اللامع» (9/ 253) .
[4] في «ط» : «القوشنجي» وهو تحريف.(10/34)
محمد خان جعله السلطان أمينا على خزانة الكتب، فاطلع على الغرائب منها، ثم لما ولي السلطان أبو يزيد أعطاه مدرسة السلطان مراد بمدينة بروسا، ثم أعطاه إحدى الثمان، ثم ولاه مدرسة مراد خان ثانيا. وأقام ببرسا، وكان ذكيا، عالما، خاشعا، قرئ عليه «صحيح البخاري» إلى آخره، وكان حال الإقراء يبكي حتّى تسقط دموعه غير أنه كان يطيل لسانه على أقرانه حتّى أبغضه علماء الرّوم ونسبوه إلى الإلحاد والزّندقة، وفتّش عليه، واستحكم في قتله المولى أفضل الدّين فلم يحكم، فحكم المولى خطيب زاده بإباحة دمه فقتلوه، وكان يكرّر كلمتي الشهادة وينزّه عقيدته عمّا نسبوه إليه من الإلحاد، حتّى قيل: إنه تكلّم بالشهادة بعد ما سقط رأسه على الأرض، وقيل في تاريخه ولقد مات شهيدا.
وله من المؤلفات «شرح المطالع» و «حواشي على شرح المفتاح» للسيد الشريف، ورسالة سمّاها ب «السبع الشّداد» ، مشتملة على سبعة أسئلة على السيد الشريف في بحث الموضوع، ولو لم يؤلّف إلّا هذه الرسالة لكفته فضلا، ورسالة ذكر فيها أقسام العلوم الشرعية والعربية، بلغ فيها مقدار مائة علم أورد فيها غرائب وعجائب، رحمه الله تعالى.
وفيها قاضي القضاة نور الدّين أبو الفضل محمد بن محمد بن يوسف الخزرجي الدمشقي الحنفي الصالحي، المعروف بابن منعة [1] .
ولد بصالحية دمشق رابع شعبان سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم، و «درر البحار» للقونوي، و «المنار» للنسفي، وسمع بعض «مسانيد أبي حنيفة» على قاضي القضاة حميد الدّين و «تصحيح القدوري» على الشيخ قاسم قطلوبغا، وتفقه بالشيخ عيسى الفلوجي [2] وولي تدريس الجمالية، وكانت سكنه وبها ميلاده، والجوهرية، والشّبلية الجوّانية، والمرشدية، وأفتى ودرّس، وناب في الحكم زمانا، وكانت سيرته فيه حسنة يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر أمينا صابرا وحصل كتبا، وانفرد في آخره برئاسة مذهب أبي حنيفة بدمشق، وولي في
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ورقة 97) و «الكواكب السائرة» (1/ 19) .
[2] في «آ» : «القلوجي» وهو تحريف.(10/35)
أواخر عمره قضاء قضاة الحنفية بعد أن أكره عليه، واعتقل بقلعة دمشق، ثم أطلق.
وتوفي مطعونا بقرية الفيجة [1] في مستهل الحجّة.
وفيها الأخوان قوام الدّين أبو الخير محمد، وشهاب الدّين أبو المكارم أحمد ابنا القاضي رضي الدّين الغزّي [2] .
قال حفيده في «الكواكب السائرة» : الشابان الفاضلان توفيا شهيدين بالطّاعون في دمشق ثانيهما وهو الأصغر قبل أولهما [3] وهو الأكبر، وكان بينهما اثنان وعشرون يوما، وكان والدهما إذ ذاك بمصر ولم يبق له بعدهما [4] ولد، فبشّره القطب كما قيل بأن يعوضه الله تعالى بولد صالح، فعوضه الوالد الشيخ بدر الدّين ولد في هذه السنة.
وفيها كمال الدّين موسى بن عبد المنعم الضّجاعي اليمني [5] ، الفقيه العلّامة الخطيب.
مرض طويلا، ودفن إلى جنب قبر جدّه الفقيه الصالح علي بن قاسم الحكمي.
وفيها كمال الدّين موسى بن أحمد اليمني الدوالي، المعروف بالمكشكش [6] .
قال في «النور السّافر» : كان إماما علّامة.
توفي قرب مدينة تعز ليلة الأربعاء سلخ ربيع الأول، ودفن بمقبرة زبيد.
__________
[1] الفيجة: قرية في غوطة دمشق الغربية على طريق الزّبداني ينبع منها نبع الماء الذي تشرب منه دمشق وماؤه من أطيب مياه الدنيا. وانظر «معجم البلدان» (4/ 282) .
[2] ترجمتهما في «الكواكب السائرة» (1/ 23) .
[3] في «ط» : «قيل أولها» وهو خطأ.
[4] في «ط» : «بعدها» وهو خطأ.
[5] ترجمته في «النور السافر» ص (40) .
[6] ترجمته في «النور السافر» ص (40) .(10/36)
سنة خمس وتسعمائة
فيها طلع من مشرق نجد نجم ذو ذؤابة، وكان طلوعه من برج الحمل، وذؤابته في اليمن، وسيره في الشام، فسبحان القادر على ما يشاء [1] .
وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن عبية المقدسي الأثري الشافعي، الشهير بابن عبية [2] نزيل دمشق.
ولد في ثاني عشر ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة، واشتغل بالقدس الشريف، وحصّل وولي قضاء بيت المقدس، وامتحن بسبب القمامة، ثم رحل إلى دمشق وقطن بها، ووعظ وذكر الناس، وكان إماما عالما.
ومن شعره:
وناعورة أنت فقلت لها اقصري ... أنينك هذا زاد للقلب في الحزن
فقالت أنيني إذ طننتك عاشقا ... ترقّ لحال الصّبّ قلت لها إنّي
توفي بدمشق ليلة السبت ثالث جمادى الأولى ودفن بباب الصغير شمالي ضريح الشيخ حمّاد، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد الغمري الصّوفي [3] .
كان، رضي الله عنه، جبلا راسيا وطودا راسخا في العلوم والمعارف، وكان
__________
[1] قاله في «النور السافر» ص (41) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (17) و «الكواكب السائرة» (1/ 124) .
[3] ترجمته في «حسن المحاضرة» (1/ 521) و «الكواكب السائرة» (1/ 148) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 121- 122) .(10/37)
يحب بناء المساجد والجوامع، حتى قيل: إنه بني خمسين جامعا، منها جامعه المعروف به بمصر المدفون فيه، وكان معانا على نقل العمد والرخام [1] وغيرها من الكيمان والبلاد الكفرية، حتّى إن عمد جامعه بمصر والمحلّة يعجز عن نقلها سلطان.
ذكر عنه إمام جامعه بمصر الشيخ أمين الدّين بن النجّار أنه أقام صفّ العمد التي على محراب الجامع المذكور كلّها في ليلة واحدة، والناس نائمون.
وذكر المناوي: أنه عمّر هذا الجامع من عثماني وضعه تحت سجادته، وصار يؤخذ منه ويصرف. وكراماته، رضي الله عنه، كثيرة مستفيضة، وأطنب الشعراوي في ذكره.
وتوفي بالقاهرة في رابع عشر صفر، ودفن في جامعه.
وفيها سراج الدّين أبو بكر بن علي بن عمران اليمني [2] .
كان إماما علّامة، وولي قضاء قضاة تعزّ.
وتوفي بزبيد يوم الاثنين الثاني عشر من جمادى الأولى.
وفيها بركات بن حسين الفيجي [3] المقرئ.
أخذ عن والده وغيره، وأجازه البدري حسن بن الشويخ.
وتوفي في هذه السنة ظنا.
وفيها زين الدّين خالد بن عبد الله بن أبي بكر المصري الأزهري [4] الوقّاد به النحوي.
اشتغل بالعلم على كبر، قيل كان عمره ستّا وثلاثين سنة فسقطت منه يوما فتيلة على كراس أحد الطلبة فشتمه وعيّره بالجهل، فترك الوقادة وأكبّ على
__________
[1] في «ط» : «الرقام» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (41) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 167) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 188) و «الضوء اللامع» (3/ 171) و «معجم المؤلفين» (4/ 96) و «متعة الأذهان» الورقة (37) .(10/38)
الطلب، وبرع وأشغل الناس، وصنّف شرحا حافلا على «التوضيح» ما صنّف مثله، و «إعراب [1] ألفية بان مالك» ، وشرحا على «الجرومية» نافعا، وآخر على «قواعد الإعراب» لابن هشام، وآخر على «الجزرية» في التجويد، وآخر على «البردة» و «المقدمة الأزهرية» وشرحها، وكثر النّفع بتصانيفه لإخلاصه ووضوحها.
توفي ببركة الحاج [2] خارج القاهرة راجعا من الحجّ.
وفيها زين الدّين خطاب بن محمد بن عبد الله الكوكبي ثم الصالحي الحنبلي [3] .
حفظ القرآن في مدرسة الشيخ أبي عمر، وأخذ عن الشيخ صفر، والنّظام بن مفلح، والشّهاب بن زيد، وغيرهم. واشتغل في العربية على الشّهاب بن شكم وحلّ عليه «ألفية العراقي» في علم الحديث، واعتنى بهذا الشأن، وأنشد له ابن طولون:
بطشت يا موت في دمشق ... وفي بنيها أشدّ بطش
وكم بنات بها بدورا ... كانت فصارت بنات نعش
وقال: عرض له ضعف في بعض الأحيان، وكان عند الناس إنه فقير، فأوصى بمبلغ من الذّهب له كمية جيدة، ثم برأ من ذلك الضعف فشنق نفسه بخلوته بالضّيائية في سابع عشر جمادى.
وفيها الملك العادل [4] سيف الدّين طومان باي [5] .
كان من أعيان مماليك قايتباي بويع بالسلطنة بعد خلع جان بلاط الآتي ذكره في السنة التي بعد هذه [6] في الشام، وجلس على السّرير بعد ظهر يوم السبت ثامن
__________
[1] في «آ» : «وأعرب» .
[2] قلت: ويقال لها أيضا «بركة الجب» . انظر «التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية» ص (6) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (38) و «السحب الوابلة» ص (163) .
[4] ليست اللفظة في «آ» .
[5] ترجمته في «مفاكهة الخلان» (1/ 230) و «متعة الأذهان» ق (43) .
[6] انظر ص (41) من هذا المجلد.(10/39)
عشري جمادى الآخرة من هذه السنة، وكانت مدته من حين تغلّبه بالشام أربعة أشهر، وخمسة عشر يوما، ومن حين بويع بقلعة الجبل ثلاثة أشهر وثلاثة وعشرون يوما، وبنى مدرسة العادلية، وتربته خارج باب النّصر، ثم هجم عليه العسكر وقتلوه. قاله في «نزهة الناظرين» .
وفيها علاء الدّين علي بن يوسف بن أحمد الدمشقي العاتكي الشافعي الشهير بالبصروي [1] الإمام العلامة.
ولد سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين وثمانمائة واشتغل في العلم على الشيخ رضيّ الدّين الغزي، ولازمه وأخذ عن غيره، وبرع في الفقه وغيره. وهو والد الخطيب جلال الدّين البصروي.
وتوفي في نهار الأربعاء سادس عشر شهر رمضان.
وفيها شمس الدّين محمد بن عثمان بن إسماعيل البابي، المعروف بابن الدّعيم [2] قاضي قضاة حلب، وكاتب سرّها، وناظر جيوشها.
كان ذكيا، فقيها، متموّلا. قاله النّجم الغزّي.
وفيها نور الدّين محمود بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن أيوب بن محمد الحمصي ثم الدمشقي الشافعي، الشهير بابن العصباني [3] الإمام العلّامة.
ولد في ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، وأخذ عن والده، والتّقي بن [4] الصّدر الطرابلسي. وقدم دمشق سنة تسعمائة فاستوطنها، ووعظ بالجامع وغيره.
وتوفي راجعا من الحجّ بمنزلة رابغ يوم الجمعة مستهل المحرّم.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (67) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 319) و «الكواكب السائرة» (1/ 57) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (102) و «الكواكب السائرة» (1/ 302) .
[4] لفظة «ابن» سقطت من «آ» .(10/40)
سنة ست وتسعمائة
فيها توفي الملك الأشرف جان بلاط [1] بن عبد الله أبو النّصر سلطان مصر.
اشتراه بشتك الدوادار، وقدّمه للأشرف قايتباي بعد طلبه له فجعله خاصكيا، وقرّبه إليه وعلّمه القرآن، والحساب، والرّمي، وصار رئيسا، محتشما، ثم رقّاه حتى أعطاه تقدمة ألف، ثم ولي الدوادارية الكبرى. في زمن والده [2] الناصر، ثم أنعم عليه بنيابة حلب، فأقام بها سنة، ثم نقله إلى نيابة الشام، فأقام بها سبعة أشهر، ثم قدم القاهرة في زمن الظّاهر، فولّاه الإمرة الكبرى، وزوّجه بأخته، وصار العادل طومان باي، يرمي الفتنة بينه وبين الظّاهر إلى أن تنافرا، وقدر جان بلاط على الظّاهر، فخرج من قلعة مصر وتركها له، فتسلطن في ضحوة يوم الاثنين ثاني القعدة سنة خمس وتسعمائة، فأقام نصف سنة وستة عشر يوما، وبنى المدرسة الجنبلاطية خارج باب النصر، وخلع ونفي إلى الإسكندرية وقتل بها خنقا ودفن فيها نحو شهر ثم نقل إلى القاهرة. ودفن بتربة أستاذه قايتباي ثم ردّ إلى تربته التي أعدّها لنفسه خارج باب النصر فنقل إليها ولم تتغيّر جثته، ثم تولى الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري يوم الاثنين عيد الفطر من هذه السنة.
وفيها زين الدّين حامد بن عبد الله العجمي [3] الحنفي العلّامة.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (33) و «النور السافر» (44) و «الكواكب السائرة» (1/ 171) .
[2] في «ط» : «ولده» .
[3] ترجمته في «الطبقات السنية» (3/ 24) .(10/41)
قال ابن طولون: هو شيخنا. اشتغل ببلاده، وحصّل وبرع، وقدم دمشق فدرّس بها، وكان فقيها بارعا.
توفي يوم السبت سابع عشر ذي الحجّة ودفن بباب الصغير.
وفيها تقريبا بدر الدّين حسن بن محمد العلّامة المقرئ الصوفي المقدسي الشافعي، المعروف بابن الشّويخ [1] .
أخذ القراآت، ولبس خرقة التصوف من الشّمس إمام الكاملية بحق لباسه لها من ابن الجزري المقرئ، ولبسها أيضا من الشيخ محمد البسطامي، وأخذ عليه العهد، ولقّنه الذكر بمكة في السنة التي قبلها، وأخذ الحديث عن الحافظ الدّيمي، وكان إماما، عالما، صالحا، رحمه الله تعالى.
وفيها غرس الدّين أبو سعيد خليل [2] بن عبد القادر بن عمر الجعبري الأصل الخليلي الشافعي سبط الشّهاب القلقشندي.
ولد في محرم سنة تسع وستين وثمانمائة بالقدس الشريف، واشتغل في العلم على جماعة منهم الكمال بن أبي شريف والشيخ برهان الدّين الخليلي الأنصاري وغيرهما، وجمع «معجما» لأسماء شيوخه، وولي حصة من مشيخة حرم الخليل عن والده المتوفى في محرم سنة سبع وتسعين وثمانمائة.
وكان رجلا خيّرا، إماما، عالما، متواضعا.
توفي في أحد الربيعين.
وفيها علاء الدّين علي بن أبي عمرو عبد الله الخطيب الحنبلي [3] المؤذن بجامع بني أميّة بدمشق الشهير بعلّيق- بضم العين المهملة، وتشديد اللام المفتوحة، وبعد المثناة التحتية قاف-
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 175) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 190) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 270) .(10/42)
ولد سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة.
قال النّعيمي، وهو آخر من سمع «صحيح مسلم» كاملا على الحافظ شمس الدّين بن ناصر الدّين في سنة ست وثلاثين، وتوفي في هذه السنة.
وفيها كمال الدّين أبو المعالي محمد بن الأمير ناصر الدّين محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف المقدسي الشافعي المرّي سبط الشّهاب العميري المالكي، الشهير بابن عوجان [1] ، الشيخ الإمام، شيخ الإسلام، ملك العلماء الأعلام.
ولد ليلة السبت خامس ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة بالقدس الشريف، ونشأ بها، وحفظ القرآن العظيم، و «الشاطبية» و «المنهاج الفقهي» وعرضهما على ابن حجر العسقلاني، والمحب بن نصر الله الحنبلي، والسعد الدّيري، والعزّ المقدسي في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، ثم حفظ «ألفية بن مالك» و «ألفية الحديث» وقرأ القرآن بالروايات على أبي القاسم النّويري. وسمع عليه، وقرأ عليه في العربية، والأصول، والمنطق، والعروض، واصطلاح أهل الحديث، وأذن له بالتدريس فيها، وتفقه على العلّامة زين الدّين ماهر، والعماد بن شرف، وحضر عند الشّهاب بن أرسلان، والعزّ القدسي. ورحل إلى القاهرة سنة أربع وأربعين وأخذ عن علمائها، منهم ابن حجر. وكتب له إجازة وصفه فيها بالفاضل البارع الأوحد، والشمس القاياتي، والعزّ البغدادي، وغيرهم، وسمع الحديث على ابن حجر، والزّين الزّركشي الحنبلي، والعزّ بن الفرات الحنفي، وغيرهم.
وحجّ، فسمع بالمدينة المنورة على المحبّ الطبري، وغيره وبمكة على أبي الفتح المراغي، وغيره، ودرّس، وأفتى، وأشير إليه. ثم توجه في سنة إحدى وثمانين إلى القاهرة واستوطنها، وانتفع به أهلها، وارتفعت كلمته، وعظمت هيبته، ثم عاد إلى بيت المقدس وتولى بها عدة مدارس، وقد استوفى ترجمته تلميذه صاحب «الأنس الجليل» فيه.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 11) و «الأعلام» (7/ 52) .(10/43)
ومن مصنّفاته «الإسعاد بشرح الإرشاد» لابن المقرئ، و «الدّرر اللوامع [1] بتحرير جمع الجوامع» في الأصول، و «الفرائد في حلّ شرح العقائد» ، و «المسامرة بشرح المسايرة» ، و «قطعة على تفسير البيضاوي» ، وقطعة (2 على «المنهاج» وقطعة على «صفوة الزبد» لشيخه ابن أرسلان، وغير ذلك.
ومن شعره [2] ما أنشده في بيت المقدس:
أحيّي بقاع القدس ما هبّت الصّبا ... فتلك رباع الأنس من [3] معهد الصّبا
وما زلت من شوقي إليها مواصلا ... سلامي على تلك المعاهد والرّبا
وتوفي يوم الخميس خامس عشري جمادى الآخرة عن أخويه شيخ الإسلام البرهاني وكان حينئذ بمصر، والعلّامة جلال الدّين وكان عنده بالقدس، وخلّف دنيا طائلة.
وفيها شمس الدّين أبو الفتح محمد بن محمد بن علي بن صالح العوفي [4]- يتصل نسبة بعبد الرحمن بن عوف أحد العشرة رضي الله عنهم- الإسكندري المولد الآفاقي المنشأ، العاتكي المزّي الشافعي الصّوفي المحدّث الفقيه اللّغوي المرشد.
ولد بالإسكندرية في أول محرم سنة ثمان عشرة وثمانمائة، ولما حملت به والدته دخل والده الشيخ بدر الدّين العوفي على الشيخ الإمام العارف بالله الشيخ عبد الرحمن الشّبريسي، وسأله لها الدعاء فقال له: إن زوجتك آمنة معها ولدان أحدهما يموت بعد سبعة أيام والآخر يعيش زمنا طويلا، وسمّه بأبي الفتح، وسيكون له فتح من الله تعالى، وتوكّل على الله، وسيره إلى الله يعيش سعيدا ويموت شهيدا يخرج من الدنيا كيوم ولدته أمه يضع قدمه على جبل قاف المحيط [5] ،
__________
[1] في «آ» : «اللواقع» .
[2] ليس ما بينهما في «آ» .
[3] ليست اللفظة في «آ» .
[4] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (98) .
[5] انظر «مراصد الاطلاع» (3/ 1059) .(10/44)
يسوح زمانا، وينال من الله أمانا فاستوص به خيرا، واصبر عليه، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا.
فلما وضعته أمه كان الأمر كما قال الشيخ عبد الرحمن، فصنع والده وليمة بعد تمام أربعين يوما من ولادته، ودعا الشيخ عبد الرحمن وجماعة من الفقراء والصالحين وأضافهم، فلما رفعوا السّماط حمله أبوه ووضعه بين أيديهم، فأخذه الشيخ عبد الرحمن وحنّكه بتمرة مضغها وعصرها في فيه، ثم طلب شيئا من العسل، فأحضر له فلعق الشيخ ثلاث لعقات، ثم ألعق المولود ثلاثا، ثم وضعه بين يدي الفقراء وأمرهم فلعقوا منه ثم قرأ الفاتحة سبع مرات، ثم قال لوالده ارفع هذا لأمه لا يشاركها [1] فيه أحد ولا تخش على الولد المبارك، فوالله إني لأرى روحه تجول حول العرش. ثم خرج من ساعته، وكان والد الشيخ أبي الفتح يقول:
ما بات إلا بشبريس. ذكر ذلك صاحب الترجمة في كتابه المسمى ب «الحجة الراجحة» قال: ثم إني رأيته- يعني الشيخ عبد الرحمن- بعد مدة، فلما أقبلت عليه قبّل بين عيني، ونظر بعين [2] لطفه [3] إليّ ثم لقنني الذكر، وأخذ عليّ العهد، ثم قال: عش في أمان الله مؤيدا بالله هائما بالله فانيا عما سواه باقيا به أنت إمام زمانك، وفريد أوانك مقدما على أقرانك، مباركا على أحوالك رعاك الله حفظك الله آواك الله فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ الله من فَضْلِهِ 3: 170 [آل عمران: 170] . قال: ثم ألبسني الخرقة الشريفة، ثم قال: أيامنا انقضت وساعاتنا انقرضت. قال: فلما تم لي سبع سنين لبستها من يد الشيخ الإمام الورع العارف أبي الحسن الدّمنهوري الصّوفي، ومن يد الشيخ أبي إسحاق إبراهيم الأتكاوي بلباسهما من الشّبريسي، ثم نشأ الشيخ أبو الفتح، وطلب العلم والحديث، وتفقه بجماعة أولهم جدّه لأبيه القاضي نور الدّين أبو الحسن علي، وسمع الحديث على ابن حجر، والتّقي الرّسام، وعائشة بنت عبد الهادي، ومريم بنت أحمد الأذرعي، والعزّ بن الفرات الحنفي، وغيرهم.
__________
[1] في «أ» : «لا يشاركه» .
[2] ليست اللفظة في «أ» .
[3] في أ «بلطفه» .(10/45)
وقرأ على الحافظ شمس الدّين أبي الخير المقدسي الحموي «صحيحيّ» البخاري ومسلم، و «عوارف المعارف» للسّهرورديّ، وكتاب «ارتقاء الرتبة في اللّباس والصحبة» للقطب القسطلاني، و «السيرة» لابن هشام، و «سنن ابن ماجة» و «جامع الترمذي» و «مسند الرافعي» ومجالس من «مسند ابن حبّان» [1] ومن «الموطأ» و «سنن أبي داود» ، وغير ذلك. وأجازه بجميع ما تجوز له روايته، وألبسه خرقة التصوف أيضا ولبسها من جماعة متعددة.
قال في «الكواكب السائرة» : وممن أخذ عن الشيخ أبي الفتح شيخ الإسلام الجدّ، واستجازه لشيخ الإسلام الوالد وأحضره إليه وهو دون السنتين فلقّنه الذكر وألبسه الخرقة، وأجازه بكل ما تجوز له روايته، والشيخ أبو المفاخر النّعيمي، وتلميذه الشيخ شمس الدّين بن طولون، والشيخ شمس الدّين الوفائي، وغيرهم، وألّف كتابا حافلا في اللغة، وآخر سمّاه ب «الحجة الرّاجحة في سلوك المحجة الواضحة» وآخر في «آداب اللباس والصحبة» ، وغير ذلك.
ومن شعره:
يا ناظرا منعما فيما جمعت وقد ... أضحى يردّد في أثنائه النّظرا
سألتك الله إن عاينت من خطأ ... فاستر عليّ فخير النّاس من سترا
ومنه:
لم أنس مذ قالوا فلان لقد ... أضحى كبير النّفس ما أجهله
فقلت: لا أصل لهذا وقا ... ل الناس لم يكبر سوى المزبلة
ومنه:
من كان حقا مع الرحمن كان معه ... نعم ومن ضرّ فيه نفسه نفعه
ومن تذلّل للمولى فيرفعه ... ومن يفرّق فيه شمله جمعه
وأخبرت عن شيخ الإسلام الوالد أنه كان يحكي عن شيخه الشيخ أبي الفتح
__________
[1] يعني «صحيح ابن حبّان» إذ ليس لابن حبّان «مسند» .(10/46)
المزّي أنه ذكر عن بعض شيوخه بدمشق أنه قال له يوما: تعالى إليّ عند صلاة العشاء، فجاء إليه فصلّى معه العشاء، ثم خرج الشيخ المذكور وخرج معه أبو الفتح، حتّى كانا بالرّبوة، خرج به من المكان المعروف بالمنشار وتعلّقا بسفح قاسيون. فلما أشرفا على الجبل قال الشيخ للشيخ أبي الفتح: انظر إلى هذه المشاعل وعدّها واحفظ عددها، ثم سار به على السفح حتى وصلا إلى مقام إبراهيم الخليل عليه السلام ببرزة، فلما كانا هناك قال الشيخ لأبي الفتح: كم عددت مشعلا قال: ثمانمائة. قال: تلك أرواح الأنبياء المدفونين بهذا السفح المبارك عليهم الصلاة والسلام.
وتوفي الشيخ أبو الفتح ليلة الأحد ثامن عشر ذي الحجّة بمحلّة قصر الجنيد قرب الشّويكة، ودفن بالجانب الغربي في الأرض التي جعلت مقبرة وأضيفت لمقبرة الحمرية، رحمه الله تعالى. انتهى ملخصا.
وفيها القاضي جمال الدّين محمد بن عبد السلام الناشري اليمني الشافعي [1] .
كان إماما، عالما، عاملا، عابدا من عباد الله الصالحين وهو خاتم [2] القضاة الناشريين بزبيد.
وتوفي بها ليلة الاثنين ثامن [3] عشري المحرم.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (42) .
[2] في «آ» : «خاتمة» .
[3] في «ط» : «قامن» وهو تحريف.(10/47)
سنة سبع وتسعمائة
فيها توفي أبو بكر بن عبد الله، المعروف بفغيس [1] اليمني العلّامة الفقيه الشافعي [2] .
توفي بزبيد يوم الخميس تاسع عشر شوال ودفن بتربة المرجاني.
وفيها القاضي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن حجي [3] الحسباني الدمشقي [4] الأطروشي الشافعي.
ولد ليلة الأربعاء خامس ذي الحجة سنة ثمان عشرة وثمانمائة. وسمع قبل طرشه على الحافظ ابن حجر، والمسند علاء الدّين بن بردس البعلي، وغيرهما. وأذن للنّعيمي في الرواية عنه وأجازه بكل ما تجوز له روايته.
وتوفي يوم الأربعاء سابع رمضان، ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الكريم النّابلسي [5] ثم الدمشقي، الشهير بابن مكيّة الشافعي.
ولد سنة أربع وأربعين وثمانمائة، واشتغل على الشمس بن حامد الصّفدي، وكان أول دخوله إلى دمشق سنة ست وتسعين، فوعظ بها في جامع دمشق على
__________
[1] في «النور السافر» : «قعيس» .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (47) .
[3] في «آ» : «ابن حجر» وهو تحريف.
[4] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (4) ، و «الضوء اللامع» (1/ 269- 271) و «الكواكب السائرة» (1/ 133) .
[5] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 6) و «الضوء اللامع» (1/ 331) و «الكواكب السائرة» (1/ 136) .(10/48)
كرسي ابن عبية، وكان حاضرا إذ ذاك فتكلم المترجم على البسملة وأسماء الفاتحة، ونقل كلام العلماء في ذلك فأحسن، وصار من مشاهير الوعاظ بالجامع الأموي.
وتوفي بدمشق في آخر أيام التشريق، ودفن عند قبر الشيخ إبراهيم النّاجي غربي سيدنا معاوية، رضي الله تعالى عنه، بمقبرة باب الصغير.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن نور الدّين علي بن شهاب الدّين الشّعراوي [1] الشافعي، والد الشيخ عبد الوهاب، اشتغل في العلم على والده ووالده حمل العلم عن الحافظ ابن حجر، والعلم صالح البلقيني والشرف يحيى المناوي.
وكان المترجم عالما، صالحا، فقيها، نحويا، مقرئا. وله صوت شجيّ في قراءة القرآن، يخشع القلب عند سماع تلاوته بحيث صلى خلفه القاضي كمال الدّين الطويل، فكاد أن يخرّ إلى الأرض من فرط الخشوع. وقال له: أنت لا يناسبك إلّا إمامة جامع الأزهر، وكان ماهرا في علم الفرائض، وعلم الفلك. وكان يعمل الدواير ويشدّ المناكيب، وكان له شعر، وقوة في الإنشاء، وربما أنشأ الخطبة حال صعود المنبر. وكان مع ذلك لا يخل بأمر معاشه من حرث وحصاد وغير ذلك.
وكان له توجّه صادق في قضاء حوائج الناس، ويشهد بينهم ويحسب ويكتب محتسبا في ذلك. وكان يقوم كلّ ليلة بثلث القرآن أو بأكثر.
قال ولده الشيخ عبد الوهاب: وقد كنت أقرأ عليه يوما في سورة الصافات فلما بلغت قوله تعالى: فَاطَّلَعَ فَرَآهُ في سَواءِ الْجَحِيمِ قال تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ 37: 55- 56 [الصّافات: 56- 55] بكى حتى أغمي عليه، وصار يتمرغ في الأرض كالطير المذبوح.
قال: وصنّف عدة مؤلفّات في علم الحديث، والنحو، والأصول، والمعاني، والبيان، فنهبت مؤلفاته كلّها فلم يتغيّر، وقال: لقد ألّفناها لله فلا علينا أن ينسبها الناس إلينا أم لا.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 138) .(10/49)
توفي في هذه السنة، ودفن في بلدته بناحية ساقية أبي شعرة بزاويتهم إلى جانب قبر والده.
وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد ابن العلّامة الولي المقرّب جمال الدّين محمد الطّاهر بن أحمد جعمان [1] قاضي مدينة حيس [2] الشافعي.
كان إماما مفتيا مفننا صالحا.
توفي سحر ليلة الثلاثاء سلخ السنة، ودفن ببيت الفقيه، عند قبر أبيه وجدّه بوصية منه، ولم يخلّف بعده مثله في بني جعمان علما ومعرفة.
وفيها عماد الدّين إسماعيل النّحّاس الشهير بالشّويكي الشافعي [3] .
ولد سنة ست وعشرين وثمانمائة، وكانت وفاته في عشري رمضان.
وفيها الشيخ الصّالح حسن الحلبي [4] الشافعي، الشهير بالشيخ حسن الطّحينة.
قرأ في الفقه على الشيخ عبد القادر الأبّار الحلبي [5] ثم صار من مريدي الشيخ موسى الأريحاوي. وانقطع بالجامع الكبير بحلب بالرواق المعروف يومئذ بمصطبة الطحينة نحو أربعين سنة بحيث لا يتغيّر من مكانه صيفا ولا شتاء.
وحكيت عنه مكاشفات، وهرع الناس إليه بالأموال وغيرها، فيصرفها في وجوه الخير من عمل بعض الركايا، وإصلاح كثير من الطرقات، وإزالة ما فيها. وكان يخلط المآكل المنّوعة إذا وضعت له، فإذا قيل له في ذلك. قال: الكل يجري في مجرى واحد، رحمه الله تعالى.
وفيها عفيف الدّين عبد العليم بن أبي القاسم بن إقبال القربتي [6]- نسبة
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (48) .
[2] في «النور السافر» : (جبس) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 161) .
[4] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 525- 527) و «الكواكب السائرة» (1/ 183) .
[5] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 821- 823) .
[6] ترجمته في «النور السافر» ص (47) .(10/50)
إلى باب قربت باليمن أو إلى أبي قربته جدّ- الحنفي.
ولد سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، وكان إماما، فقيها، نبيها.
توفي بزبيد يوم الجمعة خامس ذي الحجّة.
وفيها جمال الدّين محمد بن بدير بن بدير المقرئ [1] .
قال في «النور السافر» : كانت إليه النهاية في القراءات السبع.
وتوفي ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من رجب عن تسعين سنة ممتعا بسمعه وبصره وعقله. انتهى.
وفيها جمال الدّين محمد بن علي الطّيب اليمني [2] الحنفي إمام الحنفية.
بجامع زبيد.
كان إماما، علّامة، فقيها.
توفي ليلة الأربعاء ثامن عشر شوال، ودفن إلى جنب أبيه وأخيه بمقبرة باب سهام.
وفيها محبّ الدّين محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن هشام [3] النّحوي المصري الحنفي، نزيل دمشق.
ولد في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وتفقه بالعلّامة قاسم بن قطلوبغا، والتّقي الشّمّني، وغيرهما. وأخذ النحو عنهما، والحديث عن ابن حجر وغيره، وكان إماما علّامة.
توفي بدمشق يوم السبت رابع [ذي] القعدة، ودفن بباب الصغير جوار مزار سيدي بلال الحبشي، رضي الله تعالى عنه.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (47) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (47) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (98) و «الكواكب السائرة» (1/ 14) .(10/51)
سنة ثمان وتسعمائة
فيها حصل بمدينة عدن زلازل عظيمة تواترت ليلا ونهارا، ووقع بها حريق عظيم احترقت فيه دور كثيرة بلغ عدتها تسعمائة بيت وذهب من الأموال والأنفس ما لا يعلمه إلّا الله تعالى [1] .
وفيها توفي الإمام أبو السعود [2] قاضي مكة المشرفة قتله الشريف بركات.
وفيها برهان الدّين أبو الطيب إبراهيم بن محمود بن أحمد بن حسن أوقصرائي [3] الأصل القاهري الشافعي الحنفي المواهبي- نسبة لتلميذه [4] أبي المواهب التونسي-.
قرأ طرفا من العلم على شيوخ عصره، كالسخاوي وغيره، وصحب الشيخ الكامل أبا الفتوح محمد الشهير بابن المغربي، وأخذ عنه التصوف، ثم أخذ بإذنه عن الولي الكبير أبي المواهب محمد التونسي، فعادت عليه بركات عوارفه، وانهلّت على قلبه أمطار ذوارفه، وفتح الله له على يديه.
قال جار الله بن فهد: أقول وقد جاور صاحب الترجمة بمكّة سنة أربع وتسعمائة، وأقام بها ثلاث سنين، وألفّ بها شرحا على «الحكم» لابن عطاء الله، سماه «أحكام الحكم لشرح الحكم» وشرح رسالته المسماة «أصول مقدمات الوصول» وشرح «كلمات علي بن محمد وفا» المعروف «يا مولانا يا واحد يا أحد» ،
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (51) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 121) .
[3] ترجمته في «كواكب السائرة» (1/ 114) و «الطبقات السنية» (1/ 241) .
[4] في «آ» : «لتلمذة» .(10/52)
ثم شرح «التمويل في بيان مشاهد يا مولانا يا واحد يا أحد» و «شرح الرسالة السنوسية» في أصول الدّين، وله ديوان نظم وعدة رسائل وسبعة أحزاب، ومؤلفات في الزيارة [1] النبوية وغير ذلك، وأخذ الناس عنه التصوف، رحمه الله. انتهى وتوفي ليلة الخميس ثامن عشري جمادى الثانية.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن يوسف بن حميد الصّفدي [2] ثم الدمشقي الحنفي الشيخ المفيد الزاهد.
قال ابن طولون: اشتغل وحصّل بعد أن حفظ القرآن، وكان له يد في القراآت والرّسم، وكتب عدة مصاحف، و «الكشف الكبير» المسمى ب «كشف الأسرار» ، وهو شرح على كتاب أصول الفقه المنسوب إلى أبي الحسن علي بن محمد البزوري تصنيف الإمام عبد العزيز بن أحمد البخاري، و «الكشف الصغير» وهو شرح على «المنار» في أصول فقهنا كلاهما للزّاهد حافظ الدّين عبد الله بن أحمد النّسفي. قرأت عليه «المختار» و «المنار» و «الخلاصة الألفية» وتلخيص المفتاح حفظا، واستفدت منه أشياء وقطن بالسميساطية المعدة للعزبان إلى أن توفي في [3] سادس رمضان [4] ودفن بالباب الصغير. انتهى [4] .
وفيها رضي الدّين أبو بكر بن عمر البليما [5] .
كان فقيها لغويا نحويا.
توفي ليلة الأربعاء الثالث من شوال بزبيد، ودفن عند أخواله بني النّاشري.
وفيها قاضي القضاة عماد الدّين إسماعيل بن إبراهيم بن علي الناصري [6] ، أخو محيى الدّين كبش العجم.
__________
[1] في «أ» : «الزيارات» .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» ص (18) .
[3] ليست اللفظة في «أ» .
[4] ليس ما بين الرقمين في «أ» .
[5] ترجمته في «النور السافر» ص (51) .
[6] ترجمته في «متعة الأذهان» ص (29) .(10/53)
قال ابن طولون: اشتغل على القاضي حميد الدّين النعماني وغيره، وتعانى الشهادة، ثم ولي نيابة الحكم لابن قاضي عجلون، ثم ولي قضاء دمشق مرات، وفي آخرها أهين بالقاهرة ثم عاد إلى دمشق واستمر معزولا إلى أن مات بالمدرسة المعينية داخل دمشق. وكانت سكنه يوم الخميس سابع عشري ربيع الأول [1] ، ودفن قرب قبر سيدي بلال الحبشي بمقبرة باب الصغير. انتهى.
وفيها القاضي بدر الدّين حسن بن علي المنوفي المصري [2] ثم الدمشقي المالكي الشهير بابن مشعل.
قال ابن طولون: حدّث بدمشق عن جماعة منهم الحافظ شمس الدّين السّخاوي، وقرأ عليه في دار الحديث وغيرها قطعا من كتب و «أربعينيات» و «أجزاء» ومنه وصلت «المسلسل بالمالكية» سنة سبع وتسعمائة، رحمه الله انتهى.
وفيها حميد الدّين حمد الله بن أفضل الدّين الحسيني [3] الحنفي العالم العلّامة.
قرأ على والده، وكان والده عالما صالحا زاهدا قانعا صبورا، وقرأ على غيره. ثم خدم المولى يكان، ثم ولي تدريس مدرسة السلطان مراد خان ببروسا، وعزل عنها في أوائل دولة السلطان محمد خان، فأتى القسطنطينية فبينما هو مارّ في طرقاتها لقي السلطان محمدا [4] وهو ماش مع عدة من غلمانه. وكان ذلك عادته، قال: فعرفته ونزلت عن فرسي، ووقفت فسلّم عليّ، وقال: أنت ابن أفضل الدّين، قلت: نعم قال: احضر الديوان غدا قال: فحضرت. فلما دخل الوزراء عليه قال:
جاء ابن أفضل الدّين؟ قالوا: نعم. قال: أعطيته مدرسة والدي السلطان مراد خان ببروسا وعينت له كل يوم خمسين درهما وطعاما يكفيه من مطبخ عمارته. قال: فلما
__________
[1] في «أ» : «ربيع الأولى» .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» ص (36) وقد جاءت هذه الترجمة في «أ» قبل التي تليها.
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (105- 106) ، و «الطبقات السنية» (3/ 195) .
[4] في «آ» و «ط» : «محمد» .(10/54)
دخلت عليه وقبّلت يده أوصاني بالاشتغال بالعلم. وقال: أنا لا أغفل عنك، ثم أعطاه السلطان محمد إحدى المدارس الثمانية، ثم جعله قاضيا بالقسطنطينية، ثم صار مفتيا بها في أيام السلطان أبي يزيد خان، واستمرّ حتى مات.
وكان عالما كبيرا، ذكر تلميذه المولى محيى الدّين الفناري أنه لم يجد مسألة شرعية، أو عقلية، إلّا وهو يحفظها، وهذه مبالغة.
وكان حليما، صبورا، لا يكاد يغضب، حتّى تحاكم إليه- وهو قاض- رجل وامرأة، فحكم للرجل، فاستطالت عليه المرأة، وأساءت القول في حقّه فلم يزدها على أن قال: لا تتعبي نفسك حكم الله لا يغيّر وإن شئت أن أغضب عليك فلا تطمعي، وله حواش مقبولة متداولة على «شرح الطوالع» للأصبهاني، وحواش مقبولة أيضا على «شرح المختصر» للسيد الشريف.
وتوفي في هذه السنة.
وفيها خليل بن نور الله المعروف بمنلا خليل الشافعي [1] نزيل حلب، تلميذ منلا علي القوشجي.
قطن حلب وأكب على القراءة عليه بها جماعة، منهم الشمس السفيري، وكتب على الفتوى، وكان يختمها بخاتم له على طريقة الأعجام، وكانت له مواعيد حسنة بالجامع الكبير، وكان علّامة، ألّف رسالة في المحبة، و «رسالة الفتوح في بيان ماهية [2] النّفس والروح» ورسالة في بيان نكتة التثنية في قوله تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ 55: 17 [الرّحمن: 17] مع الإفراد [3] في قوله: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ 73: 9 [المزمل: 9] والجمع 3) في قوله بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ 70: 40 [المعارج: 40] .
وتوفي بحلب وحمل سريره برسباي الجركسي كافل حلب، ودفن خارج باب المقام.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 599) و «الكواكب السائرة» (1/ 190) .
[2] ليست اللفظة في «آ» .
[3] ليس ما بين الرقمين في «آ» .(10/55)
وفيها سراج الدّين عبد اللطيف بن محمد بن يحيى الجهمي [1] صاحب قرية المصباح من أصاب [ببلده] .
كان معتمد أهل أصاب ومرجعهم وعالمهم وحاكمهم قرأ على الفقيه أبي بكر البليما، والقاضي جمال الدّين القماط، وغيرهما.
وكان فقيها علّامة صالحا.
توفي ليلة الأربعاء التاسع عشر من رجب ببلده قرية المصباح. قاله في «النور السافر» .
وفيها القاضي فخر الدّين عثمان بن يوسف الحموي ثم الدمشقي الشافعي [2] .
ولد سنة أربع وأربعين وثمانمائة، واشتغل بحلّ «الحاوي الصغير» على العلّامة مفلح الحبشي، وكان يحوكه ثم صار بوابا بالبادرائية [3] ، ثم تعانى صنعة الشهادة بخدمة شرف الدّين بن عيد الحنفي، ثم فوض إليه نيابة الحكم القاضي شهاب الدّين بن الفرفور.
وتوفي بدمشق يوم الاثنين ثامن عشر القعدة ودفن بمقبرة باب الفراديس.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (51) وما بين الحاضرتين مستدرك منه.
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (59- 60) و «التمتع بالإقران» ص (144) و «الكواكب السائرة» (1/ 260) .
[3] في «ط» : «بالبدرئية» .(10/56)
سنة تسع وتسعمائة
فيها توفي الشيخ الصالح العارف بالله تعالى أبو بكر بن عبد الله الشاذلي المعروف بالعيدروس [1] مبتكر القهوة المتّخذة من البنّ المجلوب من اليمن.
وكان أصل اتخاذه لها أنه مرّ في سياحته بشجر البن، فاقتات من ثمره حين رآه متروكا مع كثرته، فوجد فيه تجفيفا للدماغ، واجتلابا للسهر، وتنشيطا للعبادة، فاتخذه قوتا وطعاما وشرابا، وأرشد أتباعه إلى ذلك.
ثم انتشرت في اليمن، ثم في بلاد الحجاز، ثم في الشام ومصر، ثم سائر البلاد. واختلف العلماء في أوائل القرن العاشر في القهوة حتّى ذهب إلى تحريمها جماعة، منهم الشيخ شهاب الدّين العيثاوي [2] الشافعي، والقطب بن سلطان الحنفي، والشيخ أحمد بن عبد الحق السّنباطي، تبعا لأبيه، والأكثرون ذهبوا إلى أنها مباحة.
قال النجم الغزّي في «الكواكب السائرة» : وقد انعقد الإجماع بعد من ذكرناه على ذلك وأما ما ينضم إليها من المحرّمات فلا شبهة في تحريمه ولا يتعدّى تحريمه إلى تحريمها حيث هي مباحة في نفسها.
قلت: وقد ذكر أخوه العلّامة الشيخ أبو الطيب الغزّي في مؤلّف له بخصوص القهوة: أن ابتداء ظهورها كان في زمن سليمان بن داود عليهما الصّلاة والسّلام.
قال: ما ملخصه.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 113- 114) و «ملحق البدر الطالع» (2/ 14) .
[2] في «أ» : «العيتاوي» وهو تصحيف. انظر «الكواكب السائرة» (1/ 114) .(10/57)
كان سليمان صلّى الله عليه وسلم إذا أراد سيرا إلى مكان ركب البساط هو ومن أحبّ من جماعته وظلّتهم الطير وحملتهم الريح فإذا نزل مدينة خرج إليه أهلها طاعة له وتبركا به، فنزل يوما مدينة فلم يخرج إليه أحد من أهلها فأرسل وزيره على الجن الدمرياط، فرأى أهل المدينة يبكون قال: ما يبكيكم؟ قالوا: نزل بنا نبي الله وملك الأرض، ولم نخرج إلى لقائه. قال: ما منعكم من ذلك؟ قالوا: لأن بنا جميعا الداء الكبير وهو داء من شأنه أن يتطير منه، وتنفر منه الطباع خوف العدوى. فرجع وأخبر سليمان بذلك فدعا ابن خالته آصف بن برخيا الله تعالى باسمه الأعظم أن يعلّم سليمان ما يكون سببا لبرئهم من ذلك، فنزل جبريل على سليمان، وأمره أن يأمر الجنّ أن تأتيه بثمر البنّ من بلاد اليمن، وأن يحرقه ويطبخه بالماء، ويسقيهم، ففعل ذلك، فشفاهم الله تعالى جميعا، ثم تناسى أمرها إلى أن ظهرت في أوائل القرن العاشر. انتهى ملخصا.
ثم قال النجم الغزي: وأما مبتكرها صاحب الترجمة فإنه في حدّ ذاته من سادات الأولياء، وأئمة العارفين، وقد ألّف كتابا في علم القوم سماه «الجزء اللطيف في علم التحكيم الشريف» وذكر فيه أنه لبس الخرقة الشاذلية من الشيخ الفقيه الصوفي العارف بالله تعالى جمال الدّين محمد بن أحمد الدّهماني المغربي القيرواني الطرابلسي المالكي في المحرم سنة أربع وتسعمائة، كما لبسها من شيخه [1] إبراهيم بن محمود المواهبي بمكة في صفر سنة ثلاث وتسعمائة، كما لبسها من شيخه الكامل محمد أبي الفتوح، الشهير بابن المغربي، كما لبسها من الشيخ أبي عبد الله محمد بن حسين بن علي التيمي الحنفي، كما أخذ من الشيخ ناصر الدّين بن الميلق الإسكندري [2] الأصولي عن الشيخ تاج الدّين بن عطاء الله الإسكندري عن الشيخ أبي العبّاس المرسي عن الشيخ أبي الحسن الشّاذلي رضي الله تعالى عنهم. انتهى بحروفه.
وفيها أبو الخير الكليباتي.
__________
[1] في «ط» : «من الشيخ» وما أثبته عن «الكواكب» مصدر المؤلف.
[2] في «الكواكب السائرة» : «ابن المبلق السكندري» .(10/58)
قال النجم الغزّي: الشيخ الصالح الوليّ المكاشف الغوث المجذوب.
كان رجلا قصيرا يعرج بإحدى رجليه، وله عصا فيها حلق وخشاخيش [1] ، وكان لا يفارق الكلاب في أي مجلس كان فيه حتى في الجامع والحمّام، وأنكر عليه شخص ذلك. فقال: رح وإلّا جرّسوك على ثور دائر مصر، فشهد ذلك النهار زورا فجرّسوه على ثور دائر مصر، وأنكر عليه بعض القضاة ذلك فقال: هم أولى بالجلوس في المسجد منك، فإنّهم لا يأكلون حراما، ولا يشهدون زورا، ولا يستغيبون أحدا، ولا يدّخرون عندهم شيئا من الدنيا، ويأكلون الرمم التي تضرّ رائحتها الناس.
وكان كل من جاءه في ملمة [2] يقول له: اشتر لهذا الكلب رطل لحم شواء، وهو يقضي حاجتك ففعل، فيذهب ذلك الكلب، ويقضي تلك الحاجة.
قال الشعراوي: أخبرني سيدي على الخوّاص أنهم لم يكونوا كلابا حقيقة، وإنما كانوا جنّا، سخّرهم الله تعالى له، يقضون حوائج الناس.
وقال الحمصي،- بعد ترجمته بالقطب الغوث- كان صالحا مكاشفا، وظهرت له كرامات دلّت على ولايته، وكان يصحو تارة ويغيب أخرى وكان، يسعى له الأمراء والأكابر، فلا يلتفت إليهم.
وتوفي في ثالث جمادى الآخرة وحمل جنازته القضاة والأمراء ودفن بالقرب من جامع الحاكم بالقاهرة وبنى عليه عمارة وقبة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن شقير المغربي التّونسي المالكي النّحوي [3] الإمام العلّامة المحقّق المتقن الفهّامة، المعروف بابن شقير، وربما عرف بشقير، نزيل القاهرة.
قال النّجم الغزّي: عدّه شيخ الإسلام الجدّ ممن اصطحب بهم من أولياء
__________
[1] في «الكواكب» : «فيها حلق خشاخيش» .
[2] في «آ» و «الكواكب» : «حملة» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 135) و «طبقات الشعراوي» (2/ 143) .(10/59)
الله تعالى من العلماء، وهو من مشاهير المحقّقين من علماء القاهرة. أخذ عنه السيد عبد الرحيم العبّاسي وغيره.
وتوفي يوم الاثنين سادس القعدة بمصر.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد [1] العالم الزّاهد المعروف بإمام الكاملية.
توفي بالقدس الشريف في هذه السنة.
وفيها المولى أمر الله بن محمد بن حمزة الشيخ العارف بالله تعالى، المعروف باق شمس الدّين الدمشقي الأصل الرّومي [2] المولد والمنشأ الحنفي.
قرأ على علماء عصره، ثم اتصل بخدمة الخيالي. ولما توفي والده أخذت أوقافه من يده فجاء شاكيا إلى السلطان محمد خان فعوضه الوزير محمد باشا القرماني عن أوقاف والده بتولية أوقاف الأمير البخاري بمدينة بروسا، وصار متوليا على أوقاف السلطان مراد خان بها أيضا، ثم ابتلي بمرض النقرس، واختلت منه رجلاه وإحدى يديه واقعد سنين كثيرة حتى مات، وأعطي تقاعدا وكان يبكي ويقول ما أصابتني البلية إلا بترك وصية والدي فإنه كان يوصي أولاده أن لا يقبلوا منصب القضاء والتولية.
وفيها غرس الدّين خليل القاضي الأوسي الرملي [3] الشافعي العالم قاضي الرّملة، المعروف بابن المدققة.
توفي بالقاهرة يوم الجمعة خامس شوال.
وفيها زين الدّين المقدسي الأصل الدمشقي عبد الرزاق بن أحمد بن أحمد بن محمود بن موسى المعروف جدّه أحمد بالعجيمي [4] وجدّه الأعلى موسى بالتركماني.
__________
[1] ترجمته في «مفاكهة الخلان» (1/ 271) و «الكواكب السائرة» (1/ 125) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (144- 145) و «الكواكب السائرة» (1/ 162) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 191) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 136- 137) .(10/60)
كان إماما، فاضلا، مقرئا، مجودا شافعيا.
ولد في سادس عشر جمادي الآخرة سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، وأخذ القراآت وغيرها عن والده وغيره.
وتوفي بدمشق ودفن بمقبرة المزرعة المعروفة الآن بالجورة عند ميدان الحصى عند أخيه الشيخ إبراهيم القدسيّ، رحمه الله.
وفيها عفيف الدّين عبد المجيد بن عبد العليم إقبال، المعروف بالقربتي [1] الحنفي.
قال في «النّور السافر» : كان إماما، فقيها، علّامة، صالحا، رأس المفتين بمدينة زبيد.
توفي بها يوم الاثنين الرابع والعشرين من شهر رمضان. انتهى.
وفيها علاء الدّين على البكائي [2] الرّومي [3] الحنفي.
قرأ على علماء عصره، وصار مدرسا ببعض مدارس الرّوم، ثم درّس في سلطانية بروسا، ثم بإحدى الثمان ثم نصّب مفتيا ببروسا، وكان عالما سليم الطبع شديد الذكاء، انتفع به كثيرون.
وتوفي في هذه السنة. وقيل في تاريخه:
وحيد مات مرحوما سعيدا [4] وفيها الشيخ الإمام العلّامة ياسين الشافعي [5] شيخ المدرسة البيبرسية.
توفي في سادس عشري ذي الحجّة، واستقرّ عوضه في المشيخة العلّامة كمال الدّين الطويل.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (52) .
[2] في «آ» : «البكاوي» وفي «الشقائق» : «اليكاني» .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (169) و «الكواكب السائرة» (1/ 280- 281) .
[4] قلت: حسابه في حساب الجمّل (909) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 312) .(10/61)
وفيها جمال الدّين يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي، الشهير بابن المبرد [1] الصالحي الحنبلي [2] .
ولد سنة أربعين وثمانمائة، وقرأ على الشيخ أحمد المصري الحنبلي، والشيخ محمد، والشيخ عمر العسكريين، وصلّى بالقرآن ثلاث مرات وقرأ «المقنع» على الشيخ تقي الدّين الجراعي، والشيخ تقي الدّين بن قندس، والقاضي علاء الدّين المرداوي.
وحضر دروس خلائق، منهم القاضي برهان الدّين بن مفلح، والبرهان الزّرعي.
وأخذ الحديث عن خلائق من أصحاب ابن حجر، وابن العراقي، وابن البالسي، والجمال بن الحرستاني، والصّلاح بن أبي عمر، وابن ناصر الدّين، وغيرهم.
وكان إماما، علّامة، يغلب عليه علم الحديث والفقه، ويشارك في النحو، والتصريف، والتصوف، والتفسير.
وله مؤلفات كثيرة وغالبها أجزاء، ودرّس وأفتى.
وألّف تلميذه شمس الدّين ابن طولون في ترجمته مؤلفا ضخما [3] .
وتوفي يوم الاثنين سادس عشر المحرم ودفن بسفح قاسيون.
__________
[1] قلت: كذا قيّد نسبته- بكسر الميم- معظم من ترجم له وهو الأشبه عندي، وقيّدها بعضهم بفتح الميم.
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (108) و «الكواكب السائرة» (1/ 316) و «النعت الأكمل» ص (70) و «فهرس الفهارس» (2/ 1141) . وقد كتب في حياته ومصنفاته عدد من الباحثين. منهم الدكتور محمد أسعد طلس في صدر كتابه «ثمار المقاصد في ذكر المساجد» والدكتور عبد الرحمن العثيمين في صدر كتابه «الجوهر المنضد» والدكتور رضوان مختار بن غريبة في صدر كتابه «الدّر النقي في شرح ألفاظ الخرقي» والأستاذ صلاح الخيمي في مجلة معهد المخطوطات العربية في الكويت المجلد السادس والعشرون الجزء الثاني ص (775- 811) والأستاذ محمد خالد الخرسة في صدر كتابه «نجوم المسا تكشف معاني الرسا للصالحات من النسا» المطبوع بدمشق عام 1411 هـ. وانظر «الأعلام» (8/ 225- 226) و «معجم المؤلفين» (13/ 289- 290) .
[3] هو كتابه «الهادي إلى ترجمة شيخنا المحدّث الجمال بن عبد الهادي» . انظر «الفلك المشحون» ص (48) طبع مكتبة القدسي.(10/62)
وفيها شمس الدين محمد بن عبد الكافي المصري [1] الخطيب بجامع القلعة الشهير بالدمياطي.
قال الشعراوي: كان يقضي خارج باب القوس والناس يقرؤون عليه العلم وكان لا يأخذ على القضاء أجرا، وكان طويلا سمينا جدا ومع ذلك يتوضأ لكل صلاة من الخمس.
قال: وما سمعته مدة قراءتي عليه يذكر أحدا من أقرانه الذين يرون نفوسهم عليه إلّا بخير.
وكان كثير الصّمت كثير الصّيام، طالبا للهزال فيزيد سمنه، حلو المنطق، حلو المعاشرة، كريم النفس. انتهى توفي بالقاهرة في ثاني عشر جمادى الآخرة ودفن بالقرافة.
وفيها قاضي القضاة محبّ الدّين أبو الفضل محمد بن علي بن أحمد بن جلال بن عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن القصيف الدمشقي الحنفي [2] .
ولد سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة بمنزلة ذات حج من درب الحجاز، وحفظ القرآن العظيم و «المختار» وعدة كتب، واشتغل وبرع وأفتى، ودرّس بالمدرسة القصاعية عدّة سنين، وسمع الحديث على أبي الفتح المدني، والتقي بن فهد وغيرهما. وصنّف كتاب «دليل [3] المحتار إلى مشكلات المختار» ولم يتم، وولي قضاء الشام مرات.
قال ابن طولون: وظلم نفسه بأمور سامحه الله فيها. وتوفي يوم الخميس سادس ربيع الأول.
وفيها شمس الدّين محمد بن شرف الدّين موسى بن عيسى العجلوني الدمشقي الصالحي الشافعي [4] .
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 56) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 91) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 57) .
[3] في «آ» : «ذليل» وهو تحريف.
[4] ترجمته في «الكواكب» (1/ 13) .(10/63)
ولد بالصالحية سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، وكان إماما [1] ، عالما، صالحا.
توفي يوم الخميس ثاني ربيع الأول ودفن بمسكنه بزاوية محمد الخوام، الشهير بالقادري بالصّالحية.
وفيها ولي الدّين محمد بن محمد الشيخ الفاضل ابن الشيخ العالم محبّ الدّين المحرقي [2] المباشر بالبيمارستان المنصوري بالقاهرة.
توفي بها في هذه السنة ختام ربيع الأول.
وفيها أقضى القضاة وليّ الدّين محمد بن فتح الدّين محمد النحريري المصري [3] المالكي الإمام العلّامة.
توفي سابع ربيع الأول بالقاهرة ودفن بالصحراء.
__________
[1] ليست اللفظة في «ط» .
[2] في «آ» : «المحروقي» وانظر «الكواكب السائرة» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 19) و «نيل الابتهاج» (332) .(10/64)
سنة عشر وتسعمائة
فيها حصل بمدينة زبيد ومدينة زيلع زلزلة عظيمة شديدة هائلة وقع منها دور وخرج أهل زيلع إلى الصحراء خوفا [1] .
وفيها انقض كوكب عظيم وقت العشاء من اليمن في الشام وتشظى منه شظايا عظيمة ثم حصل بعده هدة عظيمة [2] .
وفيها وجد بمدينة عدن كنز ذهب وبقرية هقدة بين مدينتي عدن وموزع كنز آخر من ذهب أعظم من الأول كان بها مسجد قد خرب، فأراد رجل عمارته فوجد الحفّارون في الأساس الكنز شخوصا من ذهب مضروبة بسكة لا تشبه سكّة الإسلام وزن كل شخص ربع وقية.
وفيها توفي العلّامة شهاب الدّين أحمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن حسين، الشهير بابن المهندس الشّيرازي الأصل الدمشقي العاتكي الشافعي [3] .
ولد سنة أربع وثلاثين وثمانمائة.
قال النّعيمي: رافقناه على جماعة من العلماء، ثم انتهى إليه الإتقان في كتابة الوثائق والتواقيع، حتى صار أكبر من يشار إليه في ذلك.
وكان عالما مورقا متقنا.
توفي ليلة الخميس سادس عشري رجب.
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (52) .
[2] انظر «النور السافر» ص (53) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 18) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 147) .(10/65)
وفيها قاضي القضاة عفيف الدّين أبو الطيب حسين محمد بن محمد القاضي ابن القاضي ابن القاضي ابن الشحنة [1] الحنفي وقيل الشافعي.
ولد سنة ثمان وخمسين وثمانمائة وحصل بالقاهرة طرفا من العلم، وأخذ البخاري عن الشهاب الشاوي المصري الحنفي الصوفي، وهو خاتمة من يروي عن ابن أبي المجلد الخطيب الدمشقي، وقرأ شرح جمع الجوامع للمحلي بحلب على العلّامة المنلا درويش الخوارزمي قراءة تحقيق وتدقيق، وولي قضاء حلب وكتابة السرّ بها.
وتوفي بالقاهرة مطعونا يوم الثلاثاء حادي عشري شوال.
وفيها السلطان العادل عبد الله بن جعفر الكثيري [2] سلطان الشحر من بلاد اليمن كان عادلا مشهورا بأفعال الخير وإقامة الشرع سيرته من أحمد السير وأحسنها. توفي بالشحر يوم الأحد سلخ المحرم.
وفيها شمس الدّين عبد الله بن محمد السبتي المالكي [3] قاضي المالكية بصفد، وابن قاضيها.
ولد سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وكان إماما علّامة.
وتوفي بصفد يوم الأربعاء ثامن عشر رجب.
وفيها الحافظ تقي الدّين عبد الرحيم بن الشيخ [4] محب الدّين محمد الأوجافي [5] المصري الشافعي.
قرأ القرآن على والده، وسمع منه، وأخذ عنه العلوم الشرعية وغيرها. وقرأ على خلائق منهم العلّامة ابن حجر [6]- يعني الهيثمي) [6]-، والولي بن العراقي،
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (37) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 184) وفيه اسمه «حسن» .
[2] ترجمته في «النور السافر» (ق 52) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 56) و «الكواكب السائرة» (1/ 216) .
[4] في «آ» : «الشحنة» وهو خطأ.
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 234) «وفيه عبد الرحمن» وهو تحريف وسيرد في شعره أنه عبد الرحيم.
[6] عن «آ» وحدها.(10/66)
والشّمس القاياتي، وصالح البلقيني، ولازم الشّرف المناوي في «المنهاج» و «التنبيه» و «البهجة» وغيرها. قال: وهو آخر شيخ قرأت عليه العلوم الشرعية.
وسمع من مسندي عصره، وروى «صحيح البخاري» عن جمع كثير، يزيد عددهم على مائة وعشرين نفسا ما بين قراءة وسماع ومناولة لجميعه مقرونة بالإجازة، ولبس الخرقة القادرية من جماعة.
وكان إماما علّامة مسندا رحلة حافظا حجة ناقدا.
ومن شعره [1] :
تقول نفسي أتخشى ... من هول ذنب عظيم
لا تختشي من عقاب ... وأنت عبد الرّحيم
ومنه [1] :
يا راحمي ورحيمي ... ومانحي كلّ نعمه
ابن الوجاقيّ [2] عبد ... مراده منك رحمه
ومنه [1] :
إذا كنت الرحيم فلست أخشى ... وإن قالوا عذاب النار يحمى
وكم عبد كثير الذّنب مثلي ... بفضلك من عذاب النّار يحمى
وقال في مرضه الذي مات فيه [1] :
لمّا مرضت من الذنوب وثقلها [3] ... وأيست من طبّ الطبيب النّافع
علّقت أطماعي برحمة سيّدي ... وأتيته متوسّلا بالشّافعي
وتوفي بالقاهرة يوم الاثنين ثاني أو ثالث جمادى الآخرة.
وفيها تقيّ الدّين عبد السلام بن القاضي محمد بن عبد السلام الناشري [4] الشافعي الفقيه الصّالح.
توفي بمدينة زبيد ضحى يوم الخميس العشرين من ذي القعدة.
__________
[1] البيتان في «الكواكب» (1/ 235) .
[2] في ط: «الوقاجي» وهو خطأ.
[3] في «الكواكب السائرة» : «لثقلها» .
[4] ترجمته في «النور السافر» (53) .(10/67)
وفيها محيي الدّين عبد القادر بن محمد بن عمر بن عيسى بن سابق بن هلال بن يونس بن يوسف بن جابر بن إبراهيم بن مساعد المزّي ثم الصّالحي الحنبلي، المعروف بابن الرّجيحي [1] ، وجدّه الأعلى الشيخ يونس هو العارف بالله تعالى، شيخ الطائفة اليونسية.
ولد صاحب الترجمة في ثاني عشر ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم و «الخرقي» ، واشتغل في العلم ثم تصوف، ولبس الخرقة من جماعة منهم والده، والعلّامة أبو العزم المقدسي نزيل القاهرة، والشيخ أبو الفتح الإسكندري، ولازمه كثيرا وانتفع به، وأخذ عنه الحديث، وقرأ عليه «الترغيب والترهيب» للمنذري كاملا، وقرأ عليه غير ذلك، وسمع منه وعليه أشياء كثيرة، وناب في الحكم عن النّجم بن مفلح، وكانت سيرته حسنة، وسكن آخرا بالسّهم الأعلى من الصّالحية وبني به زاوية وحمّاما وسكنا، وكان من كبار العارفين بالله تعالى.
وتوفي ليلة الخميس رابع عشر المحرم، ودفن بسفح قاسيون عند صفة الدّعاء.
وفيها علاء الدّين علي بن السيد ناصر الدّين أبي بكر الشهير بابن نقيب الأشراف [2] بدمشق الحنفي الدمشقي.
ولد في نصف شوال سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وهو اليوم الذي ولد فيه قاضي القضاة شهاب الدّين بن الفرفور، وكان إماما علّامة.
توفي ليلة الاثنين رابع عشر ذي الحجة، ودفن بتربتهم لصيق مسجد الذبان بدمشق.
ومات في أوائل هذه السنة شهاب الدّين بن الفرفور [3] المذكور.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (54) و «التمتع بالإقران» (141) و «الكواكب السائرة» (1/ 241) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 266) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 141- 145) واسمه «أحمد بن محمود بن عبد الله» .(10/68)
وفيها علاء الدّين علي بن أحمد بن عربشاه [1] الإمام العالم، أخو قاضي القضاة بدمشق، تاج الدّين عبد الوهاب بن عربشاه، وأخو بدر الدّين حسن أحد الشهود المعتبرين بدمشق.
ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة.
وتوفي يوم الثلاثاء حادي عشر شوّال، ودفن بالروضة بسفح قاسيون.
وفيها زين الدّين عمر الشيخ العلّامة الأبشيمي [2] الشافعي قاضي قلعة الجبل بالقاهرة.
كان له فضيلة تامة.
وتوفي يوم السبت ثاني عشر شعبان. قاله النّجم الغزّي.
وفيها أقضى القضاة زين الدّين محمد بن عبد الغني الشيخ العلّامة، الشهير بابن تقي المالكي المصري [3] .
قال الحمصي: كان شابا عالما صالحا.
توفي في حادي عشري المحرم ودفن بالقرافة.
وفيها قاضي القضاة بهاء الدّين محمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصّالحي ثم المصري الحنبلي [4] .
ولد في ربيع الأول سنة ثلاثين وثمانمائة، واشتغل في العلم، وحصّل وبرع وأفتى ودرّس، ثم ولي قضاء الحنابلة بالشام فلم تحمد سيرته، لكن كان عنده حشمة.
وتوفي يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر، وصلّي عليه بجامع الحنابلة بسفح قاسيون ودفن بالروضة.
__________
[1] ترجمته في «التمتع بالإقران» (61) و «الكواكب السائرة» (1/ 267) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 286) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 56) .
[4] ترجمته في «متعة الأذهان» (99) .(10/69)
وفيها بهاء الدّين محمد بن قاضي القضاة جمال الدّين يوسف بن أحمد الباعوني الشافعي [1] .
ولد سنة سبع أو تسع وخمسين وثمانمائة بصالحية دمشق، وقرأ القرآن العظيم، وحفظ «المنهاج» وأخذ عن عمّه [2] البرهان الباعوني، والبرهان بن مفلح، والبرهان المقدسي الأنصاري، والبرهان الأذرعي، وولده شهاب الدّين وغيرهم، وغلب عليه الأدب، وجمع عدة دواوين، وكان قليل الفقه.
وتوفى ليلة السبت حادي عشر شهر رمضان المعظم. قاله النجم الغزّي وفيها إمام الزّيدية محمد بن علي [3] إمام أهل البدعة ورئيسهم.
قال في «النور السافر» : أسر في جمع عظيم، أسره [4] السلطان عامر بن عبد الوهاب في وقعة عظيمة على باب صنعاء اليمن.
وتوفي أسيرا في يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجة بمدينة صنعاء [5] ، والله أعلم [5] .
__________
[1] ترجمته في «التمتع بالإقران» ص (101) و «الضوء اللامع» (10/ 89) و «الكواكب السائرة» (1/ 72) و «الأعلام» (8/ 30) و «معجم المؤلفين» (12/ 121) .
[2] ليست اللفظة في «ط» .
[3] ترجمته في «النور السافر» (53) .
[4] في «ط» : «أمره» ، وهو تحريف.
[5] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .(10/70)
سنة إحدى عشرة وتسعمائة
فيها كما قال في «النّور السافر» [1] حصل بمدينة زبيد وسائر جهاتها ريح شديدة اقتلعت أشجارا كثيرة، وكسرتها وهدمت بعض البيوت.
وفيها توفي بامخرمة أحمد بن عبد الله بن أحمد اليمني [2] .
ولد بعدن بعد وقت طلوع فجر يوم الأربعاء أول يوم من صفر سنة ست وستين وثمانمائة. وأخذ عن والده، وبرع في الفقه وغيره من العلوم لا سيما الفرائض والحساب، فإنه لم يكن له فيهما نظير حتى إن والده مع تمكّنه من هذين الفنّين. كان يقول: هو أمهر مني فيهما. وكان يحفظ جامع المختصرات في الفقه.
وممن أخذ عنه من الأئمة الأعيان الفقيه العلّامة محمد بن عمر باقضام وانتفع به كثيرا.
توفي عشية الجمعة عاشر جمادى الآخرة.
وفيها قاضي القضاة شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمود بن عبد الله بن محمود الشهير بابن الفرفور [3] الدمشقي الشافعي.
ولد في نصف شوال سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة. وأخذ عن البرهان الباعوني، وأبي الفرج بن الشيخ خليل، والنّجم بن قاضي عجلون، والشّمس محمد بن محمد السعدي، وأبي المحاسن بن شاهين، وغيرهم وفضل [4] وبرع وتميّز على أقرانه، وكان جامعا بين العلم والرئاسة، والكرم وحسن العشرة، بحيث إن الحمصي قال: إنه ختام رؤساء الدنيا على الإطلاق وسلطان الفقهاء والرؤساء.
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (60) .
[2] ترجمته في «النور السافر» (60) .
[3] تقدمت الاشارة إلى مصادره قبل صفحتين.
[4] ليست اللفظة في «ط» .(10/71)
ولي قضاء قضاة الشافعية بدمشق، ثم جمع له بينه وبين قضاء مصر، يوم الخميس رابع ربيع الأول سنة عشر وتسعمائة، وأبيح له أن يستنيب في قضاء دمشق من يختار، فعين ولده القاضي ولي الدّين، واستمرت عليه هاتان الوظيفتان إلى أن مات.
وكان له شعر متوسط، منه قصيدته التي مدح بها سلطان مصر الأشرف قانصوه الغوري التي مطلعها [1] :
لك الملك بالفتح المبين مخلّد ... لأنّك بالنصر العزيز مؤيّد
وأنت العزيز الظاهر الكامل الذي ... هو الأشرف الغوريّ وهو المسدّد
تملّكته والسيف كاللّحظ هاجع ... بأجفانه والرمح هاد ممدّد
وهي طويلة [2] . فلما وقف عليها السلطان الغوري ابتهج بها، وقرأها بنفسه على من حضر، وكافأه عنها بقصيدة من نظمه وجهّزها إليه مطلعها [3] :
أجاد لنا القاضي ابن فرفور أحمد ... مديحا به أثني عليه وأحمد
ومنها:
وقاضي قضاة الشّام جاء يزورنا ... ويثبت دعوى حبّنا ويؤكد
وهي طويلة [4] أيضا، وأقرب إلى الحسن من الأولى ومدح المترجم علاء الدّين بن مليك وغيره.
وتوفي بالقاهرة في سابع جمادى الآخرة.
قال الحمصي: شرع في وضوء صلاة الصبح فتوفي، وهو يتوضأ، وكان مستسقيا، وحمل تابوته الأمراء وكانت جنازته حافلة ودفن بالقرافة بالقرب من الإمام الشافعي رضي الله عنه.
__________
[1] الأبيات في «الكواكب السائرة» (141) .
[2] وتقع في (47) بيتا أوردها النجم الغزّي في «كواكبه» (1/ 142- 143) .
[3] البيتان في «الكواكب السائرة» (1/ 143) .
[4] وقد بلغت (33) بيتا في «الكواكب السائرة» (1/ 143- 145) .(10/72)
وفيها أم الهنا [1] بنت محمد الشيخة المباركة الصالحة بنت القاضي ناصر الدين البدراني المصرية.
قال الحمصي: كانت فاضلة، ولها رواية في الحديث.
وتوفيت بالقاهرة في ثامن جمادى الأولى.
وفيها نور الدّين [2] أبو الحسن علي بن القاضي عفيف الدّين عبد الله بن أحمد بن علي بن عيسى بن محمد بن عيسى بن محمد بن عيسى بن جلال الدين أبي العلياء بن أبي الفضل جعفر بن علي بن أبي الطاهر بن الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن حسن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنّى بن الحسن الأكبر بن علي بن أبي طالب الحسني، ويعرف بالسّمهودي، نزيل المدينة المنورة، وعالمها ومفتيها ومدرّسها ومؤرّخها، الشافعي الإمام القدوة الحجة المفنّن.
ولد في صفر سنة أربع وأربعين وثمانمائة بسمهود، ونشأ بها، وحفظ القرآن، و «المنهاج الفرعي» وكتبا، ولازم والده، حتى قرأه عليه بحثا مع شرحه للمحلّي، وشرح «البهجة» و «جمع الجوامع» وغالب «ألفية ابن مالك» وسمع عليه بعض كتب الحديث، وقدم القاهرة معه غير مرة، ولازم الشمس الجوجري في الفقه، وأصوله، والعربية، وقرأ على الجلال المحلّي بعض شرحيه على «المنهاج» و «جمع الجوامع» ولازم الشرف المناوي، وقرأ عليه الكثير، وألبسه خرقة التصوف، وقرأ على النّجم بن قاضي عجلون تصحيحه ل «المنهاج» ، وعلى الشمس البامي «تقاسيم المنهاج» وغيره، وعلى الشيخ زكريا في الفقه والفرائض، وعلى السعد الدّيري، وأذن له في التدريس هو واليامي والجوجري. وقرأ على من لا يحصى ما لا يحصى.
قال السّخاوي: وسمع مني مصنفي «الابتهاج» وغيره، وكان على خير كثير، وقطن بالمدينة المنورة من سنة ثلاث وسبعين، ولازم فيها الشّهاب الإبشيطي، وقرأ
__________
[1] ترجمتها في «الكواكب السائرة» (1/ 163) ، و «أعلام النساء» (5/ 215) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 245- 248) و «النور السافر» (58) و «البدر الطالع» (1/ 470- 471) ، و «معجم المؤلفين» (7/ 129- 130) .(10/73)
عليه تصانيفه وغيرها، وأذن له في التدريس وأكثر من السماع هناك على أبي الفرج المراغي، وسمع بمكة من كمالية بنت النّجم المرجاني، وشقيقها الكمال، والنّجم عمر بن فهد في آخرين. وانتفع به جماعة الطلبة في الحرمين.
وألّف عدة تآليف منها «جواهر العقدين في فضل الشرفين» ، و «اقتفاء الوفا بأخبار دار المصطفى» [1] ، احترق قبل تمامه، و «مختصر الوفا» و «مختصره [2] خلاصة الوفا لما يجب لحضرة المصطفى» [3] وحاشية على «الإيضاح في مناسك الحج» للإمام النووي سمّاها «الإفصاح» وكذا على «الروضة» وسمّاها «أمنية المعتنين بروضة الطّالبين» وصل فيها إلى باب الرّبا، وجمع فتاويه في مجلد، وهي مفيدة جدا وحصّل كتبا نفيسة، احترقت كلّها، وهو بمكة في سنة ست وثمانين.
وزار بيت المقدس، وعاد إلى المدينة مستوطنا، وتزوج بها عدة زوجات، ثم اقتصر على السّراري، وملك الدّور وعمرها.
قال السخاوي: قلّ أن يكون أحد من أهلها لم يقرأ عليها.
وبالجملة فهو إمام مفنّن متميز في الأصلين والفقه، مديم العلم والجمع والتأليف، متوجه للعبادة والمباحثة والمناظرة، قوي الجلادة، طلق العبارة، مع قوة يقين، وعلى كل حال فهو فريد في مجموعه. انتهى وتوفي بالمدينة النبوية يوم الخميس ثامن عشر ذي القعدة.
وفيها الحافظ جلال الدّين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق [4] الدين أبي بكر بن عثمان بن محمد بن خضر بن أيوب بن محمد بن الشيخ همام الدّين الخضيري السّيوطي [5] الشافعي المسند المحقّق المدقّق، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة.
ولد بعد مغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة،
__________
[1] ويعرف ب «وفاء الوفا» وهو مطبوع بمصر قديما.
[2] في «ط» : «ومختصر» .
[3] ويعرف ب «خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى» وهو مطبوع من دون تحقيق.
[4] في «ط» : «ساق» وهو تحريف.
[5] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 65- 70) و «الكواكب السائرة» (1/ 226- 231) و «متعة الأذهان»(10/74)
وعرض محافيظه على العزّ الكناني الحنبلي فقال له: ما كنيتك؟ فقال: لا كنية لي فقال: «أبو الفضل» وكتبه بخطّه.
وتوفي والده وله من العمر خمس سنوات وسبعة أشهر، وقد وصل في القرآن إذ ذاك إلى سورة التّحريم، وأسند وصايته إلى جماعة، منهم الكمال بن الهمام، فقرّره في وظيفة الشيخونية، ولحظه بنظره، وختم القرآن العظيم، وله من العمر دون ثمان سنين، ثم حفظ «عمدة الأحكام» ، و «منهاج النووي» ، و «ألفية ابن مالك» ، و «منهاج البيضاوي» ، وعرض ذلك على علماء عصره وأجازوه، وأخذ عن الجلال المحليّ، والزّين العقبي، وأحضره والده مجلس الحافظ ابن حجر، وشرع في الاشتغال بالعلم من ابتداء ربيع الأول سنة أربع وستين وثمانمائة، فقرأ على الشمس السّيرامي «صحيح مسلم» إلّا قليلا منه، و «الشفا» و «ألفية ابن مالك» ، فما أتمّها إلّا وقد صنّف. وأجازه بالعربية، وقرأ عليه قطعة من «التسهيل» ، وسمع عليه الكثير من ابن المصنّف، و «التوضيح» و «شرح الشذور» و «المغني في أصول فقه الحنفية» ، و «شرح العقائد» للتفتازاني، وقرأ على الشّمس المرزباني الحنفي «الكافية» وشرحها للمصنّف، و «مقدمة ايساغوجي [1] » وشرحها للكاتي، وسمع عليه من «المتوسط» و «الشافية» وشرحها للجاربردي، ومن «ألفية العراقي» ولزمه حتى مات سنة سبع وستين، وقرأ في الفرائض والحساب على علّامة زمانه الشّهاب الشّارمساحي، ثم دروس العلم البلقيني من شوال سنة خمس وستين، فقرأ عليه ما لا يحصى كثرة، ولزم أيضا الشّرف المناوي إلى أن مات، وقرأ عليه ما لا يحصى، ولزم دروس محقّق الديار المصرية سيف الدّين محمد بن محمد الحنفي، ودروس العلّامة التّقي الشّمنّي، ودروس الكافيجي، وقرأ على العزّ الكناني، وفي الميقات على مجد الدّين ابن السّباع، والعزّ بن محمد الميقاتي،
__________
الورقة (44) و «النور السافر» (54) و «مفاكهة الخلان» (1/ 294) و «البدر الطالع» (1/ 328- 335) و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 62) و «الأعلام» (3/ 301- 302) و «معجم المؤلفين» (5/ 128- 131) .
[1] ايساغوجي: لفظ يوناني معناه الكليات الخمس، أي الجنس، والنوع، والفصل، والخاصة، والعرض العام. انظر «كشف الظنون» (1/ 206) .(10/75)
وفي الطّب على محمد بن إبراهيم الدواني لما قدم القاهرة من الرّوم، وقرأ على التّقي الحصكفي، والشّمس البابي وغيرهم وأجيز بالإفتاء والتدريس.
وقد ذكر تلميذه الداوودي في ترجمته أسماء شيوخه إجازة وقراءة وسماعا مرتّبين على حروف المعجم، فبلغت عدّتهم أحدا وخمسين نفسا. واستقصى أيضا مؤلفاته الحافلة الكثيرة الكاملة الجامعة النّافعة المتقنة المحرّرة المعتمدة المعتبرة، فنافت عدتها على خمسمائة مؤلّف [1] ، وشهرتها تغني عن ذكرها، وقد اشتهر أكثر مصنفاته في حياته في أقطار الأرض شرقا وغربا وكان آية كبرى في سرعة التأليف حتّى قال تلميذه الداوودي: عاينت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفا وتحريرا، وكان مع ذلك يملي الحديث ويجيب عن المتعارض منه بأجوبة حسنة.
وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه رجالا وغريبا ومتنا وسندا واستنباطا للأحكام منه، وأخبر عن نفسه أنه يحفظ مائتي ألف حديث. قال: ولو وجدت أكثر لحفظته. قال: ولعله لا يوجد على وجه الأرض الآن أكثر من ذلك.
ولما بلغ أربعين سنة أخذ في التجرد للعبادة والانقطاع إلى الله تعالى والاشتغال به صرفا والإعراض عن الدنيا وأهلها كأنه لم يعرف أحدا منهم، وشرع في تحرير مؤلفاته، وترك الإفتاء والتدريس، واعتذر عن ذلك في مؤلّف سمّاه ب «التنفيس» . وأقام في روضة المقياس فلم يتحوّل منها إلى أن مات، ولم يفتح طاقات بيته التي على النّيل من سكناه. وكان الأمراء والأغنياء يأتون إلى زيارته، ويعرضون عليه الأموال النّفيسة فيردّها، وأهدى إليه الغوري خصيا وألف دينار، فردّ الألف، وأخذ الخصي، فأعتقه وجعله خادما في الحجرة النبوية، وقال لقاصد السلطان: لا تعد تأتينا بهدية قط فإنّ الله تعالى أغنانا عن مثل ذلك، وطلبه السلطان مرارا فلم يحضر إليه.
__________
[1] قلت: وقد صنّف في تعداد مؤلفاته مصنف خاص طبع في الكويت. باسم «دليل مخطوطات السّيوطي وأماكن وجودها» صنّفه الأستاذان أحمد الخازندار ومحمد إبراهيم الشيباني وقد بلغت عدة مؤلفاته فيه (981) مؤلفا.(10/76)
ورؤي النبيّ صلّى الله عليه وسلم في المنام، والشيخ السّيوطي يسأله عن بعض الأحاديث والنبيّ صلّى الله عليه وسلم يقول له: «هات يا شيخ الحديث» [1] . ورأى هو بنفسه هذه الرؤيا، والنبيّ صلّى الله عليه وسلم يقول له: «هات يا شيخ الحديث» .
وذكر الشيخ عبد القادر الشّاذلي في كتاب ترجمته أنه كان يقول: رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلم يقظة فقال لي: «يا شيخ الحديث» . فقلت له: يا رسول! الله أمن أهل الجنّة أنا؟ قال: «نعم» ، فقلت: من غير عذاب يسبق. فقال: «لك ذلك» .
وقال الشيخ عبد القادر: قلت له كم: رأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلم يقظة؟ فقال: بضعا وسبعين مرة.
وذكر خادم الشيخ السيوطي محمد بن علي الحباك: أن الشيخ قال له يوما، وقت القيلولة وهو عند زاوية الشيخ عبد الله الجيوشي بمصر بالقرافة: أتريد أن تصلي العصر بمكة بشرط أن تكتم ذلك عليّ حتى أموت. قال: فقلت: نعم قال:
فأخذ بيدي وقال غمّض عينيك فغمّضتهما فرمى [2] بي نحو سبع وعشرين خطوة.
ثم قال لي: افتح عينيك، فإذا نحن بباب المعلاة [3] فزرنا أمّنا خديجة والفضيل بن عياض وسفيان بن عيينة، وغيرهم، ودخلت الحرم فطفنا وشربنا من ماء زمزم، وجلسنا خلف المقام، حتى صلينا العصر، وطفنا وشربنا من زمزم، ثم قال لي:
يا فلان ليس العجب من طي الأرض لنا وإنما العجب من كون أحد من أهل مصر المجاورين لم يعرفنا، ثم قال لي: إن شئت تمضي معي وإن شئت تقيم حتى يأتي الحاج قال فقلت: أذهب مع سيدي، فمشينا إلى باب المعلاة [3] وقال لي: غمّض عينيك، فغمضتهما، فهرول بي سبع خطوات. ثم قال لي: افتح عينيك، فإذا نحن بالقرب من الجيوشي، فنزلنا إلى سيدي عمر بن الفارض.
وذكر الشعراوي عن الشيخ أمين الدّين النجار إمام جامع الغمري، أن الشيخ أخبره بدخول ابن عثمان مصر قبل أن يموت، وأنه يدخلها في افتتاح سنة ثلاث
__________
[1] في «ط» : «يا شيخ السّنّة» .
[2] كذا في «آ» : «فرمى» وفي «ط» : «فرحل» .
[3] «آ» : «المعلا» .(10/77)
وعشرين وتسعمائة، وأخبره أيضا بأمور أخرى، فكان الأمر كما قال.
ومناقبه لا تحصر كثرة، ولو لم يكن له من الكرامات إلّا كثرة المؤلفات مع تحريرها وتدقيقها لكفى ذلك شاهدا لمن يؤمن بالقدرة.
وله شعر كثير، جيده كثير، ومتوسطه أكثر، وغالبه في الفوائد العلمية والأحكام الشرعية، فمنه [1] وأجاد فيه [2] :
فوّض أحاديث الصّفا ... ت ولا تشبّه أو تعطّل
إن [3] رمت إلّا الخوض في ... تحقيق معظله فأوّل
إنّ المفوّض سالم ... مما تكلّفه المؤوّل
وقال [4] :
حدّثنا شيخنا الكناني ... عن أبه صاحب الخطابة
أسرع أخا العلم في ثلاث ... الأكل والمشي والكتابة
وقال [4] :
أيّها السائل قوما ... ما لهم في الخير مذهب
اترك الناس جميعا ... وإلى ربّك فارغب
وقال [5] :
عاب الاملاء للحديث رجال ... قد سعوا في الضّلال سعيا حثيثا
إنّما ينكر الأمالي قوم ... لا يكادون يفقهون حديثا
وقال [5] :
لم لا نرجي العفو من ربّنا ... وكيف لا نطمع في حلمه
وفي الصحيحين أتى إنّه ... بعبده أرحم من أمّه
وتوفي في سحر ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى في منزله بروضة
__________
[1] في «ط» : «فمه» وهو تحريف.
[2] الأبيات في «الكواكب السائرة» (1/ 229) .
[3] في «ط» : «إلا» .
[4] البيتان في «الكواكب السائرة» (1/ 229) .
[5] البيتان في «الكواكب السائرة» (1/ 230) .(10/78)
المقياس بعد أن تمرّض سبعة أيام بورم شديد في ذراعه الأيسر عن إحدى وستين سنة وعشرة أشهر وثمانية عشر يوما، ودفن في حوش قوصون خارج باب القرافة.
وفيها علاء الدّين علي بن أحمد الإمام العلّامة الحنفي [1] نقيب أشراف دمشق.
كان عالما مفننا ذكيا بارعا في العلوم العقلية والنقلية.
توفي يوم الاثنين سادس عشري ذي القعدة.
وفيها الشيخ العارف بالله تعالى الصوفي محمد بن سلامة الهمذاني الشافعي [2] .
قال الحمصي: ضرب بالمقارع إلى أن مات بسبب أنه تزوج بامرأة خنثى واضح، ودخل بها وأزال بكارتها، وكان لها ابن عم مغربي أراد أن يتزوجها فلم تقبل عليه، فذهب إلى رأس نوبة الأمير طرباي واشتكى عليهما فأحضرهما، وضربهما بالمقارع، وجرّسهما على ثورين وأشهرهما في القاهرة، فما وصل إلى باب المقشرة حتى مات ولم يسأل عنه ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال: وتأسّف الناس عليه كثيرا، وكان موته في حادي عشر شهر رمضان رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن أبي بكر الشيخ العلّامة الموقت التّيزيني الدّمشقي الحنفي [3] .
ولد في رجب سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، وكان عنده عقل وتؤدة وحسن تصرف، وكان رئيس الموقّتين بالجامع الأموي.
وتوفي يوم السبت ثالث صفر.
وفيها شمس الدّين محمد بن مصطفى بن الحاج حسن [4] ، المولى الفاضل الرّومي الحنفي.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 267) .
[2] ترجمته في «مفاكهة الخلان» (1/ 297) و «الكواكب السائرة» (1/ 51) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» (94) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 13) .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (97) .(10/79)
قرأ على علماء عصره، واتصل بخدمة المولى يكان، وولي التدريس والولايات، وتنقلت به الأحوال إلى أن ولاه السلطان محمد بن عثمان قضاء العسكر الأناضولية، ولما تولى السلطان أبو يزيد أقرّه في منصبه، ثم جعله قاضيا بالعسكر الرّوميلية، وبقي فيه حتّى توفي.
قال في «الشقائق» : وكان رجلا طويلا عظيم اللّحية طلق الوجه [متواضعا] محبا للمشايخ، بحرا في العلوم، محبا للعلم والعلماء، ألف «حاشية» على سورة الأنعام من «تفسير القاضي البيضاوي» ، و «حاشية» على «المقدمات الأربع في التوضيح» ، وكتابا في الصّرف سمّاه ميزان التصريف، وكتابا في اللغة جمع فيه غرائب اللغات، ولم يتم وبنى مدرسة بالقسطنطينية ومسجدا ودارا للتعليم وبها دفن وقد جاوز التسعين.
وفيها جمال الدين يوسف الحمامي المصري [1] المالكي القاضي الإمام العلّامة.
قال الحمصي: كان صالحا مباركا وباشر نيابة الحكم العزيز بمصر القاهرة، وتوفي بها سابع عشر شعبان.
وفيها يوسف الحميدي الشهير [2] بشيخ بستان الرّومي [3] الحنفي العالم الفاضل.
اشتغل بالعلم أشد الاشتغال [4] ولم يكن ذكيا، لكن كان طبعه خالصا من الأوهام، وصار معيدا عند قاضي زاده، ثم وصل إلى خدمة خواجه زاده، ثم صار مدرّسا ببعض المدارس، وولي مدرسة أحمد باشا ابن ولي الدين ببروسا، وكان ساكنا ببروسا في بعض رباطاتها متجردا عن العلائق، راضيا بالقليل من العيش، ولم يتزوج، وله حواش على «شرح المفتاح» للسيد مقبولة، وتوفي ببروسا.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 317) .
[2] كذا في «آ» : «الشهير» . وفي «ط» : «المشهور» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 317) .
[4] في «ط» و «آ» : «اشتغال» .(10/80)
سنة اثنتي عشرة وتسعمائة
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الرحيم بن حسن التّلّعفري الدمشقي [1] القبيباتي الشافعي العلّامة، الشهير بابن المحوجب.
ولد في ربيع الأول سنة إحدى أو اثنتين وأربعين وثمانمائة، وطلب العلم.
وكان له خطّ حسن كتب به كثيرا، وكان مهابا عند الملوك والأمراء، وله كرم وافر وسماطه من أفخر الأطعمة، يأكل منه الخاص والعام، حتى نائب دمشق وقاضيها، وكانت له كلمة نافذة يأوي إليه كل مظلوم، وكان قد جزّأ الليل ثلاثة أثلاث ثلثا للسمر والكتابة، وثلثا للنوم وثلثا للتهجد والتّلاوة. وكان يتردّد إليه أكابر الناس العلماء والأمراء وغيرهم، خصوصا شيخ الإسلام زين الدّين خطاب.
وبالجملة فقد انتهت إليه الرئاسة والسيادة بالشام، وتردّد إلى مصر كثيرا، ووجه إليه السلطان قايتباي خطابة القدس وهو بمصر، فقبلها ثم نزل عنها لبعض المقادسة لما رأى من شدة عنايتهم بطلبها.
وكان كثّ اللحية والحاجبين، أشعر الأذنين، واسع الصدر.
وتوفي بدمشق يوم السبت ثالث عشري ربيع الأول ودفن قبلي قبر الشيخ تقي الدّين الحصني.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن العسكري الصالحي [2] الدمشقي الحنبلي
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 136- 137) .
[2] في «الكواكب السائرة» (1/ 149) و «السحب الوابلة» (116) .(10/81)
مفتي الحنابلة بها.
كان صالحا دينا زاهدا مباركا يكتب على الفتاوي كتابة عظيمة، ولم يكن له في زمنه نظير في العلم والتواضع والتقشف على طريقة السّلف، منقطعا عن الناس، قليل المخالطة لهم، ألّف كتابا في الفقه جمع فيه بين «المقنع» و «التنقيح» .
مات قبل تمامه في ذي الحجة ودفن بالصالحية.
وفيها حسين بن أحمد بن حسين الموصلي الأصل العزّازي الحلبي الشافعي المعروف بابن الأطعاني [1] .
قال ابن الحنبلي: كان صالحا، فاضلا، حسن الخط، له اشتغال على البدر السيوفي في العربية والمنطق.
توفي في هذه السنة بمكة.
قال بعض السقائين: طلبوا له مني [2] ماء من سبيل الجوخي لقلة الماء بمكة إذ ذاك فذكرت أني الآن فارقته خاليا من الماء فصمموا عليّ في الذهاب إليه فذهبت لآتي بالماء من غيره فمررت به فإذا هو ممتلئ فملأت قربتي وعدت، وعدّ ذلك من كراماته رحمه الله تعالى.
وفيها نور الدّين حمزة المولى العالم الرّومي الحنفي، الشهير بليس چلبي [3] .
قرأ على علماء عصره، وخدم المولى خواجه زاده، ثم صار حافظا لدفتر بيت المال، والديوان في زمن السلطان محمد خان، ثم صار مدرّسا بمدرسة السلطان مراد خان ببروسا، ثم صار حافظا لدفتر بيت المال أيضا، في زمن السلطان أبي يزيد خان، ثم عزل وبقي متوطنا ببروسا وبنى بها زاوية للفقراء.
ومات بها ودفن بزاويته المذكورة.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 540- 545) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 184) .
[2] في «آ» : «طلبوا مني له» .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (191- 192) و «الكواكب السائرة» (1/ 181) .(10/82)
وفيها علم الدّين سليمان البحيري المصري [1] المالكي العلّامة، شيخ المالكية ومفتيهم بمصر.
توفي في ثامن شعبان ودفن بالصحراء بالقاهرة.
وفيها الشّرف ابن وهيب [2] الإمام العالم العلّامة مفتي مدينة تعز باليمن.
توفي عشية الثلاثاء عشري شوال.
وفيها عبد الله بن عمر بن سليمان بن عمر بن نصر الكنّاوي [3] الصّفدي الشافعي جدّ الشيخ [4] موسى الكنّاوي لأمه.
كان عالما عاملا مؤثرا للصمت والعزلة عن الناس لا يحضر مجالسهم إلّا لحضور الصّلوات والجنائز والتدريس وقراءة «صحيح البخاري» على كرسي بصوت حسن ونغمة طيبة وترتيل وتأن وحضور قلب وسكون جوارح.
وكان يقرر معاني الأحاديث لمن يحضر مجلسه. وكان إماما بالمسجد الذي يجري إليه الماء خارج كفركنا، وكان يفتي أهل تلك البلاد ويقرئ الطلبة في الحديث والفقه والفرائض والنحو ومكث على ذلك نحو خمسين سنة، وكان صوته في القرآن [5] لطيفا، ومع ذلك كان يسمعه من يستمع [6] لقراءته [7] وهو يتهجد في هدوء الليل من نحو ميل وانتفع كثيرا بابن أرسلان ولازمه بالقدس الشريف مدة.
وتوفي ببلده [8] كفركنّا [9] في غرة شوال وهو في عشر التسعين.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 211) .
[2] ترجمته في «النور السافر» (62) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 218) .
[4] ليست اللفظة في «ط» .
[5] في «آ» : «في القراءة» .
[6] في «ط» : «يتسمع» .
[7] ليست اللفظة في «ط» .
[8] في «آ» : «ببلدة» .
[9] كفركنّا: قرية تقع شرقي مدينة الناصرة. انظر خبرها في «معجم البلدان» (4/ 470) و «معجم بلدان فلسطين» للشرّاب ص (628) .(10/83)
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن حسن الشّاوي [1] الشافعي [2] الشيخ الإمام شيخ الإسلام.
توفي يوم الجمعة سابع عشر شعبان.
وفيها محبّ الدّين، أبو الفضل محمد بن عرب [3] المصري الشافعي الإمام العلّامة، أقضى القضاة خليفة الحكم العزيز بالديار المصرية.
قال الحمصي: كان عالما، فاضلا، مفننا، ذكيا، فقيها، كثير الأدب.
توفي بالقاهرة ثامن عشري المحرم.
وفيها أقضى القضاة شمس الدّين محمد بن عيسى الدمشقي الحنفي [4] الإمام العلّامة قاضي دمشق ومفتيها.
قال الحمصي: كان عالما فاضلا مفنّنا يعرف صناعة التوريق والشهادة معرفة تامّة ذكيا متضلعا من العلوم محجاجا لا يجاري في بحثه.
توفي بدمشق في رجب ودفن بالصّالحية وتأسّف الناس عليه.
وفيها أقضى القضاة بدر الدّين محمد بن الشيخ العلّامة شمس الدّين محمد القرافي [5] المالكي خليفة الحكم بالديار المصرية.
كان إماما علّامة.
توفي بالقاهرة يوم الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة، ودفن بالصحراء وكانت جنازته حافلة.
وفيها أمين الدّين محمد بن شيخ الإسلام شمس الدّين محمد
__________
[1] في «آ» : «النشاوي» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 38) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 57) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 70) .
[5] ترجمته في «متعة الأذهان» (99) .(10/84)
الجوجري [1] المصري الشافعي- شارح «الإرشاد» - والده [2] .
كان هو شابا عالما فاضلا بارعا مفننا توفي بالقاهرة مستهلّ صفر.
وفيها شمس الدّين محمد بن أبي عبيد المقرئ الشافعي [3] الإمام العالم العلّامة خليفة الحكم العزيز بالقاهرة.
قال الحمصي: كان فاضلا ذكيا مفننا.
توفي بالقاهرة يوم الجمعة ثالث عشري شهر [4] رمضان وكانت جنازته حافلة.
وفيها- تقريبا- بدر الدّين محمود بن محمد الرّومي الحنفي [5] العالم الفاضل.
كان إماما للسلطان أبي يزيد خان ثم ولاه قضاء العسكر بولاية أناضولي [6] سنة إحدى عشرة بعد أن ولّاه قضاء بروسا أكثر من عشر سنين، ثم عزل عن قضاء العسكر، وأعطى تقاعدا عنه كل يوم مائة عثماني ومات بعد زمن يسير.
قال في «الشقائق» : كان كريم النّفس حميد الأخلاق محبّا للعلماء والصّلحاء، رحمه الله تعالى.
وفيها شرف الدّين موسى بن عبد الغفار المالكي [7] خليفة الحكم العزيز بالقاهرة وكاتب مستندات السلطان الغوري.
كان إماما علّامة.
توفي يوم الجمعة خامس عشري رجب.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 20) .
[2] في «آ» : «ولدة» ولعله تصحيف.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 29) .
[4] ليست اللفظة في «آ» .
[5] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (188) و «الكواكب السائرة» (1/ 303) و «الفوائد البهية» (210) .
[6] في «أ» : «بولايته أناطولي» .
[7] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 39) .(10/85)
سنة ثلاث عشرة وتسعمائة
فيها غلب الفرنج على مدينة هرموز وأخذوها [1] .
وفيها توفي السّيد الشريف برهان الدّين إبراهيم بن محمد الحسني [2] نقيب الأشراف بدمشق.
ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة.
قال الحمصي: وكان رجلا شجاعا مقداما على الملوك، ووقع له مع السلطان الأشرف قايتباي وقائع يطول شرحها. ومات بالقاهرة وهو يومئذ نقيب الأشراف بدمشق في يوم الخميس خامس المحرم وأسند الوصايا على أولاده لكاتب الأسرار المحبّ بن أجا.
قال ابن طولون: وتقلّد أمورا في حياته وبعد موته، رحمه الله تعالى.
وفيها برهان الدّين إبراهيم الدّميري [3] المالكي قاضي قضاة المالكية بالقاهرة.
كان إماما علّامة.
توفي ببيته [4] بالقرب من الصالحية بين القصرين من القاهرة في يوم الأربعاء ثالث عشري رمضان، وكان سبب موته خطبته بين يدي السلطان الغوري لما أراد أن يسمع الخطباء.
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (62) وهرموز: فرضة كرمان. انظر «تقويم البلدان» ص (23) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 100- 101) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 109) .
[4] في «آ» : «في بيته» .(10/86)
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن خليل الحاضري [1] الأصل ثم الحلبي الحنفي، عرف بابن خليل [2] .
أخذ عن الحافظ برهان الدّين الحلبي سبط ابن العجمي.
وكان إماما علّامة يفتي بحلب ويعظ بجامعها، وكان وعظه نافعا يكاد يغيب فيه لفرط خشوعه، وكان ديّنا خيّرا تلمذ له شيخ الشيوخ بحلب الموفق بن أبي ذر المحدّث.
قال ابن الحنبلي: وأخبرني أنه كان يتمثل بقول القائل:
وكان فؤادي خاليا قبل حبّكم ... وكان بذكر الخلق يلهو ويمرح
فلما دعا قلبي هواك أجبته ... فلست أرى قلبي لغيرك يصلح
وتوفي بحلب وتأسف الناس عليه.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي المقرئ القاهري [3] ، شيخ القراء بها.
كان إماما عالما.
توفي يوم الأحد عاشر القعدة.
وفيها شهاب الدّين أحمد الأعزازي الدمشقي الصّالحي [4] .
كان صالحا مباركا ديّنا ناب في القضاء بدمشق.
وتوفي بها في نهار الجمعة ثالث عشر ربيع الأول، وصلّي عليه بالأموي بعد صلاة الجمعة ودفن بمقبرة باب الصغير.
وفيها شهاب الدّين أحمد الخشّاب الدمشقي العلّامة الشافعي [5] .
__________
[1] في «أ» : «الحاصري» .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 130) و «الكواكب السائرة» (1/ 130) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 139) .
[4] ترجمته في «متعة الأذهان» (14) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 150) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 150) .(10/87)
كان خطيبا بجامع القصب.
وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد الزّهيري [1] الصّالحي [2] ثم الدمشقي الشاب الفاضل.
قال ابن طولون: اشتغل معنا على الشيخ محمد بن رمضان وغيره وبحث.
وتوفي يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول، ودفن بمقابر باب الصغير.
انتهى.
وفيها نجم الدّين طلحة بن محمد بن يحيى الجهمي صاحب «المصباح» .
كان إماما فقيها جليلا.
توفي باليمن ببلدة من أصاب ودفن هناك بجوار جدّه يحيى بن أحمد الجهمي وكثر عليه الأسف.
وفيها زين الدّين عبد الغفار المصري [3] الضرير الشافعي الإمام العلّامة المفنّن.
قال الحمصي: مات قتلا ببلدة يقال لها مطبوس بالقرب من الإسكندرية.
قال: وسبب ذلك أن هذه كانت جارية في أقطاع الأمير طرباي [4] رأس نوبة النوب وبها رجل متدارك لمالها اسمه ابن [5] عمرو فوقع بينه وبين أهل البلدة لفسقه وظلمه
__________
[1] في «آ» : «ابن الزهيري» .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 14) ، و «الكواكب السائرة» (3/ 127) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 240) .
[4] في «الكواكب» : «طراباي» .
[5] في «الكواكب» : «أبو» .(10/88)
فشكوا حالهم للأمير طرباي فأرسل أخاه للبلد يحرر ذلك، فلما حضر شكا أهل البلدة إليه ظلم ابن عمرو فضرب أخو طرباي واحدا من أهل البلدة بالدبوس فرجمه أهل البلدة فأمر بضرب السيف فيهم فقتل منهم ما يزيد على ثلاثين نفرا فقال الشيخ عبد الغفار: هذا ما يحل فضربت عنقه وألقى في البحر فساقه البحر إلى قرية تسمى كوم الأفراح [1] بها جمع من الأولياء فدفن بها وكانت له جنازة لم يشهد مثلها، وكان قتله رحمه الله تعالى يوم الجمعة سادس المحرم.
__________
[1] في «آ» : «كوم الأفراح» ولعله تحريف.(10/89)
سنة أربع عشرة وتسعمائة
فيها كان حريق عظيم بمدينة عدن احترق به من الآدميين نحو ثلاثين نفسا وتلف من الأموال والبيوت ما لا يحصى [1] .
وفيها توفي الشيخ العارف بالله تعالى إبراهيم الشاذلي المصري [2] .
كان ينفق نفقة الملوك ويلبس ملابسهم، وذلك من غيب الله تعالى لا يدري أحد له جهة معينة تأتيه منها الدنيا ولم يطلب الطريق حتى لحقه المشيب فجاء إلى سيدي محمد المغربي الشّاذلي وطلب منه التربية فقال له يا إبراهيم، تريد تربية بيتية وإلا سوقية. فقال له: ما معنى ذلك؟ قال: التربية السوقية هي أن أعلمك كلمات في الفناء والبقاء ونحوهما، وأجلسك على السجادة، وأقول لك خذ كلاما وأعط كلاما من غير ذوق ولا انتفاع. والتربية البيتية بأن تفني اختيارك في اختياري، وتشارك أهل البلاء [3] ، وتسمع في حقك ما تسمع فلا تتحرك لك شعرة اكتفاء بعلم الله تعالى. فقال أطلب التربية البيتية. قال: نعم لكن لا يكون فطامك إلّا بعدي [4] على يد الشيخ أبي المواهب. وكان الأمر كذلك، ولذلك لم يشتهر إلا بالمواهبي، ثم قال له الشيخ محمد: قف غلاما اخدم البيت والبغلة، وحسّ الفرس، وافرش تحتها الزبل، وكب التراب، فقال: سمعا وطاعة. فلم يزل يخدم عنده حتّى مات، فاجتمع على سيدي أبي المواهب ولم يزل عنده يخدم كذلك ولم يجتمع مع الفقراء في قراءة حزب ولا غيره حتّى حضرت سيدي أبا المواهب الوفاة فتطاول
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (90) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 110) و «معجم المؤلفين» (1/ 37) .
[3] في «الكواكب» : «البلاد» .
[4] في «أ» : «بهدي» .(10/90)
جماعة من فقرائه إلى الأذن فقال الشيخ: هاتوا إبراهيم فجاءه، فقال: افرشوا له السجادة فجلس عليها وقال له: تكلم على إخوانك في الطريق فأبدى الغرائب والعجائب، فأذعن له الجماعة كلهم.
وكان له ديوان شعر وموشحات، وشرح «حكم ابن عطاء الله» شرحا حسنا.
وتوفي في هذه السنة ودفن بزاويته بالقرب من قنطرة سنقر وقبره بها ظاهر يزار.
وفيها القطب الرّباني شمس الشّموس أبو بكر بن عبد الله باعلوى [1] .
قال في «النور السّافر» : ولد بتريم- وتريم بتاء مثناة فوقية، ثم راء مكسورة، ثم تحتية، ثم ميم، على وزن عظيم: بلدة من حضرموت، أعدل أرض الله هواء وأصحّها تربة، وأعذبها ماء. وهي قديمة معشش الأولياء ومعدنهم ومنشأ العلماء [2] وموطنهم، وهي مسكن الأشراف آل باعلوى.
روي أن الفقيه محمد بن أبي بكر عبّاد، رحمه الله تعالى، كان يقول: إذا كان يوم القيامة أخذ أبو بكر الصّدّيق، رضي الله عنه، آل تريم كلهم قبضة في يده، ورمى بهم في الجنّة [3] .
قال في «النّور» : ولما كانت خير بلاد الله بعد الحرمين وبيت المقدس أكرمها الله تعالى بخير عباده، وأكرمهم عليه الذين زيّنهم باتباع السّنّة الغرّاء، مع صحة نسبهم المتصل بالسيدة الزّهراء، ويذكر أنها تنبت الصّالحين كما تنبت الأرض البقل، واجتمع بها في عصر واحد من العلماء الذين بلغوا رتبة الإفتاء ثلاثمائة رجل، وإن بتربتها ممن شهد بدرا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وغيرهم من الصّحابة سبعين نفرا. انتهى ملخصا.
ثم قال في «النور» : ولد المترجم بتريم سنة إحدى وخمسين وثمانمائة وأخذ عن عمّه الشيخ علي والفقيه محمد بن أحمد بالفضل، وقرأ الكثير، وأجازه علماء الآفاق كالسخاوي، والشيخ يحيى العامري اليمني، وغيرهما.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» (81) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 113- 114) و «معجم المؤلفين» (3/ 65) .
[2] في «آ» : «ومنشأ الأولياء» .
[3] قلت: هذا من مبالغات الصوفية وما أكثرها في ذلك العصر وكل عصر.(10/91)
وعدّه جار الله بن فهد في «معجمه» من شيوخه في الحديث.
وقد ذكر العلّامة محمد بن عمر بحرق في كتابه «مواهب القدوس في مناقب ابن العيدروس» : من مناقبه جملة كافية شافية تنشرح بمطالعتها الصدور.
ثم قال في «النّور» : وكان من أكابر الأولياء، بل هو قطب زمانه كما شهد به العارفون بالله تعالى شرقا وغربا ولم يمتر في ذلك ذو بصيرة من أهل الطريق، وكان في الجود آية من آيات الله تعالى، يذبح لسماطه في رمضان كل يوم ثلاثين كبشا، ولذلك بلغت ديونه مائتي ألف دينار، فقضاها الأمير الموفق ناصر الدّين بالحلوان في حياته، فإنه كان يقول: إن الله وعدني أن لا أخرج من الدنيا إلّا وأدى عني ديني.
وحكى من مجاهداته أنه هجر النوم بالليل أكثر من ثلاثين سنة، ومن كراماته أنه لما رجع من الحجّ دخل زيلع [1] ، وكان الحاكم بها يومئذ محمد بن عتيق، فاتفق أنه ماتت أم ولد للحاكم المذكور وكان مشغوفا بها، فكاد عقله يذهب لموتها، فدخل عليه سيدي لما بلغه عنه من شدّة الجزع ليعزيه ويأمره بالصّبر، وهي مسّجاة بين يديه بثوب، فعزّاه وصبّره فلم يفد فيه ذلك، وأكبّ على قدمي الشيخ يقبّلهما، وقال: يا سيدي إن لم يحي الله هذه متّ أنا أيضا، ولم تبق لي عقيدة في أحد، فكشف سيدي عن وجهها وناداها باسمها فأجابته: لبيك، وردّ الله روحها وخرج الحاضرون، ولم يخرج سيدي الشيخ حتى أكلت مع سيدها الهريسة وعاشت مدة طويلة.
قال: وقد صنّف في مناقبه غير واحد من العلماء الأعلام.
وله مؤلّفات منها ثلاثة «أوراد» بسيط، ووسيط، ووجيز، وديوان شعر منه:
أنا الجواد ابن عبد الله إن عرضت ... للجود مكرمة إني لها الشاري
وإني العيدروس ابن البتول إذا ... حرّ تسلسل من أصلاب أطهار
أما ترى أنّني قضيت دين أبي ... وكان ذاك ثلاثون ألف دينار
مجدي قديم أخير لا يسايره ... مجد لما حزت من صبر وإيثار
__________
[1] في «ط» : «زليع» وهو خطأ، وزيلع: موضع. قال الهمداني: هي جزيرة في بلاد الحبشة. انظر «معجم ما استعجم» (1/ 706) .(10/92)
توفي ليلة الثلاثاء رابع عشر شوال بعدن وقبره بها أشهر من الشمس الضاحية يقصد للزيارة والتبرك من الأماكن البعيدة. انتهى ملخصا قلت: ولعله هو مبتكر القهوة المتقدم ذكره في سنة تسع وتسعمائة، فليحرر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن كرك الصّالحي الحنفي [1] العدل.
قال ابن طولون: اشتغل على شيخنا الزّيني بن العيني وغيره، وذهب إلى مصر صحبة التاج نائب ديوان القلعة، فمرض في بيت أمير مجلس سودون العجمي، فتوفي يوم السبت تاسع عشر شوال وأوقف وقفا على ذريته وعتقائه وقراءة بخاري. انتهى وبخط القاضي أكمل بن مفلح هذا جدّ والدتي أبو أمها وهو حلبي الأصل يعرف بابن شموا معلم دار الضرب بها ولابن شموا وقف بحلب، وفي آخره كتبه أكمل بن ستيته بنت آمنة بنت أحمد بن كرك. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن عيد الحنفي [2] ولي نيابة القضاء بالقاهرة، وسافر إلى دمشق، وولي بها نيابة القضاء عن ابن يوسف، وتزوج بدمشق زوجة القاضي إسماعيل الحنفي، وطلع هو وهي إلى البستان بالمزّاز [3] فنزل عليه السّراق ليلا فقتلوه وقتلوا غلامه، فأصبح نائب الشام سيباي رسم على زوجته بسببه، وكان ذلك يوم الخميس ثاني عشري ذي الحجة.
قاله في «الكواكب» .
وفيها محيى الدّين عبد القادر بن محمد بن عثمان بن علي المارديني [4] الأصل الحلبي المولد والمنشأ والدار والوفاة، الشافعي، الشهير بالأبّار. هو وأبوه
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 150) وفيه «أحمد بن كركر» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 150) .
[3] في «آ» : «بالمزار» ولعل المقصود هنا إحدى قرى غوطة دمشق.
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 241) .(10/93)
لأنه كان يصنع الإبر بحانوت له، ثم اشتغل بالعلم ورحل في طلبه، وأخذ الحديث عن السّخاوي، وكتب له إجازة حافلة، وسمع منه المسلسل بالأولية وغيره وأخذ الفقه، وغيره عن الشمس الجوجري. وغيره، وأجازه وأذن له بالإفتاء، وأثنى عليه، ومدحه وأنشده لنفسه ملمحا ومضمنا [1] .
كانت مساءلة الركبان تخبرنا ... عن علمكم ثم عنكم أحسن الخبر
ثم التقينا وشاهدت العجائب من ... غزير علم حمته دقة النّظر
فقلت حينئذ والله ما سمعت ... أذناي أحسن مما قد رأى بصري
وبالجملة فقد برع وساد، وأكب واجتهد، حتّى صار فقيه حلب ومفتيها.
وأخذ عنه فضلاؤها، كالبرهان العمادي، والزّين بن الشّماع، وكان مع البراعة حسن العبارة، شديد التحرّي في الطّهارة، طارح التكلّف، ظاهر التقشف، حسن المحادثة، حلو المذاكرة، اتّفق على محبته الخاصّ والعام. وكانت علامة القبول والصّدق ظاهرة في أقواله وأفعاله.
قال ابن الحنبلي: وكان يقول نحن من بيت بماردين مشهور ببيت رسول، وجدنا الشيخ أرسلان الدمشقي غير أني لا أحب بيان ذلك خوفا من أن أنسب إلى تحميل نسبي على الغير وأن يقدح في بذلك.
وتوفي في يوم الثلاثاء خامس عشر ذي القعدة.
وفيها بدر الدّين محمد بن جمعة الفيّومي الحنفي [2] أحد أعيان علماء مصر ومشاهيرهم.
دخل إلى الرّوم مرتين ودخل فيهما دمشق.
قال النجم الغزّي: وكتب بدمشق عند جوازه بها قاصدا للملك أبي يزيد بن عثمان في نصف صفر سنة ست وتسعين وثمانمائة لغزا صورته [3] :
__________
[1] في «أ» : «مضمنا» من دون الواو.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 36) .
[3] الأبيات في «الكواكب السائرة» (1/ 36- 37) .(10/94)
يا من له أدب وفضل لا يحد ... ومحاسن فوق الحساب فلا تعد
ويحل إن نفث البليغ معانيا ... في مبهمات اللّفظ فهي لها عقد
ما اسم تركّب من حروف مثلما ... قد قامت الأركان منّا بالجسد
فاعجب لها من أربع قد ركّبت ... فردين مع زوجين في اللّفظ انعقد
فرد وزوج أوّلان اتّصلا ... كأنّ ذا وذاك روح وجسد
وآخران انفصلا بعدهما ... كعاشق معشوقه عنه انفرد
فبين فردين أتى زوج كذا ... ما بين زوجين لنا فرد ورد
والأول النصف لثان عدّه ... والثالث النصف لرابع العدد
والثالث الثلث الأوّل كما ... رابعه ثلث لثانيه يعد
وعدّ حرف منه ساوى عدد ال ... باقي لمن قابل ذا بذا وعد
حرف له نصف وحرف ثلث ... وحرف السدس حسابا لن يرد
ذاك ثلاثة وهذا اثنان وال ... لآخر إن تطلبه واحد أحد
يلقى الذي يلقاه أو لم يلقه ... جوى بقلب واجب طول الأبد
قد بان ما قد بان من لغز يرى ... طردا وعكسا في نظام اطّرد
فهاك لغزي إن ترد جوابه ... تجده دونه بدا يا ذا الرّشد
فأت به مبيّنا مفصّلا ... وحلّ ما في النّظم حلّ وانعقد
فأجابه شيخ الإسلام الجدّ بقوله [1] :
يا سيّدا حاز الفضائل وانفرد ... بمعارف قد جدّ فيها واجتهد
ما زلت تبدي كلّ حين تحفة ... بعجائب من بحر عرفان تمد [2]
أرسلت لي لغزا بديعا وصفه ... عقدته بنوادر لا تنتقد
في اسم تركّب من حروف أربع ... معلومة مثل الطبائع في العدد
__________
[1] أبيات الجواب في «الكواكب السائرة» (1/ 37) .
[2] في «ط» : «ثمد» وهو تحريف.(10/95)
فردين مع زوجين فيها ركّبا ... من أول مع آخر أيضا ورد
مع ما ذكرت به من الألغاز في ... نظم ببحر كامل منه استمد
وطلبت فيه جواب ما ألغزته ... منّي بتفصيل يحلّل ما انعقد
وجواب لغزك بيّن أوضحته ... بصريح لفظ فيه بالمعنى اتّحد
النصف منه الربع أو إن شئت قل ... نصف وربع نصفه من غير رد
والربع نصف ربعه أو ضعفه ... من طرده أو عكسه حيث اطّرد
والربع نصف سدسه أو سدسه ... هندسة ما ثمّ من لها جحد
والقلب واجبا إذا انتدبته ... لذا وليس خافيا على أحد
وهو الصواب إن حذفت أوّلا ... عوّضته بسورة بلا فند
وهو الجوى بحذف آخر وإن ... يبدل بدال فجواد ذو مدد
وإنه المسؤول عنه ظاهرا ... فدم بجنّة الرّضا إلى الأبد
توفي الشيخ بدر الدّين بن جمعة صاحب الترجمة في يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة. انتهى.
وفيها محمد بن زرعة المصري [1] أحد أتباع الشيخ إبراهيم المتبولي.
قال المناوي في «طبقاته» : كان مشمولا بالبركة، مقبولا في السكون والحركة، أعلام ولايته مشهورة، وألوية مصارفه منشورة، وكان زمنا أقعده الفقراء بقنطرة قد يدار، ولم يزل قاعدا بالشباك الذي دفن فيه، وكان يتكلم ثلاثة أيام ويسكن ثلاثة أيام، ويتكلم على الخواطر. انتهى.
توفي في هذه السنة ودفن في الشباك الذي كان يجلس فيه.
وفيها شمس الدّين [2] محمد بن محمد [2] بن إسماعيل الشيخ الإمام العالم العلّامة الصالح الشهير بالقيراطي [3] الدمشقي الشافعي.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 50) .
[2] ليس ما بين الرقمين في «ط» .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 99) و «الكواكب السائرة» (1/ 13) .(10/96)
ولد في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة.
قال الحمصي: وكان فاضلا مفننا، حفظ «المنهاج» للنّووي، والتصحيح الكبير عليه للشيخ نجم الدّين بن قاضي عجلون.
وتوفي ليلة الثلاثاء ثاني عشر رمضان.
وفيها أقضى القضاة محيى الدّين يحيى بن شهاب الدّين أحمد بن حسن بن عثمان الزّرعي الشهير بالأخنائي [1] الشافعي خليفة الحكم العزيز بدمشق.
ولد في خامس عشر رمضان سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، وخطب مرة بالجامع الأموي عن قريبه قاضي القضاة نجم الدّين بن شيخ الإسلام تقي الدّين بن قاضي عجلون لضعف حصل للخطيب سراج الدّين الصّيرفي، فحصل له ارتعاد في الخطبة وكان ذلك تاسع شوال هذه السنة ثم توفي يوم الاثنين سابع القعدة ودفن بباب الصغير عند أبيه وأخيه غربي القلندرية.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 105) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 313) .(10/97)
سنة خمس عشرة وتسعمائة
فيها كما قال في «النّور» ظهر في السماء في أواخر [1] الليل من مطلع العقرب على هيئة قوس قزح أبيض له شعاع وهو أزج له رأس مائل نحو مطلع سهيل واستدام يطلع كل ليلة في الوقت المذكور نحو ثلاث عشرة ليلة ثم اضمحل [2] .
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن حسن الشيخ العلّامة النّبيسي الشّيشري [3] ، ونبيس قرية في حلب والشّيشر من بلاد العجم. قاله النّجم وقال: كان من فضلاء عصره، وله مصنّفات في الصّرف، و «قصيدة تائية» في النحو لا نظير لها في السلاسة، وله «تفسير» من أول القرآن إلى سورة يوسف، ومصنّفات في التصوف، وقتل في أرزنجان قتله جماعة من الخوارج. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن أحمد الإمام العالم المحدّث الدمشقي الشافعي، الشهير بابن طوق [4] .
ولد في ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وثمانمائة.
وتوفي يوم الأحد ثالث أو رابع رمضان بدمشق.
__________
[1] في ط: «آخر» .
[2] انظر «النور السافر» ص (91) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 110) .
[4] ترجمته «متعة الأذهان» (ق 17) و «الكواكب السائرة» (1/ 126) .(10/98)
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عثمان الشيخ الإمام الفرضي الشهير بابن أمير غفلة الحلبي [1] الحنفي.
قال ابن الحنبلي: كان عالما عاملا، منوّر الشيبة حسن السّمت، فقيها فرضيا حيسوبا. تلمذ للعلّامة الفرضي الحيسوب جمال الدّين يوسف الإسعردي [2] ثم الحلبي، وعلّق على «نزهة الحساب» تعليقا [حسنا] [3] ، حمله على وضعه شيخنا العلّامة الموصلي كما نبه على ذلك في ديباجته. ولم يزل على ديانته يتعاطى صنعة التجارة إلى أن مات، وكان الناس مضطرين إلى الغيث، فأنزله الله في أول ليلة مكث في قبره، رحمه الله تعالى. انتهى وفيها فقيه بيت الفقيه باليمن عبد الله بن الخطيب بن أحمد بن حشيبر اليمني [4] .
قال في «النور» : توفي ببلده يوم الاثنين خامس عشر ربيع الآخر، وكان فقيه بلده وعالمها.
وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن إبراهيم الشيخ الإمام القدوة الزاهد الرّبّاني [5] الدمشقي الصالحي الحنبلي [6] .
حفظ القرآن العظيم ثم قرأ «المقنع» وغيره، واشتغل وحصّل، وأخذ الحديث عن ابن زيد، وابن عبادة وغيرهما، وكان يقرئ الأطفال في مكتب مسجد ناصر الدّين غربي مدرسة أبي عمر.
وكان يقرأ «البخاري» في البيوت والمساجد وجامع الحنابلة بسفح قاسيون،
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 127) «وفيه: وكذا بابن قريمزان» و «الكواكب السائرة» (1/ 126) وفيه (نائب قريمزان) .
[2] له ترجمة في «درّ الحبب» (2/ 2/ 598) .
[3] الاستدراك عن «درّ الحبب» .
[4] ترجمته في «النور السافر» (91) .
[5] كذا في «ط» : «الرّباني» وفي «آ» : «الدنابي» وفي «السحب الوابلة» : (الذنابي) .
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 225) و «السحب الوابلة» (195) .(10/99)
وكان إذا ختم البخاري في الجامع المذكور يحضر عنده خلائق فإنه كان فصيحا وله في الوعظ مسلك حسن، ثم انجمع في آخر عمره عن الناس وقطن بزاوية المحيوي الرّجيحي بالسهم الأعلى إماما لها وقارئا ل «البخاري» .
وتوفي في هذه السنة ودفن بالروضة.
وفيها العارف بالله تعالى عبد القادر بن محمد بن عمر بن حبيب الصّفدي [1] الشافعي صاحب التائية المشهورة.
قال في «الكواكب» : أخذ العلم والطريق عن الشيخ العلّامة الصالح شهاب الدّين بن أرسلان الرّملي صاحب الصفوة وعن غيره. وكان خامل الذكر بمدينة صفد مجهول القدر عند أهلها، لا يعرفون محلّه من العلم والمعرفة. وكان يقرئ الأطفال ويباشر وظيفة الأذان حتى لقيه سيدي علي بن ميمون، فسمع شيئا من كلامه، فشهد له بالذوق وأنه من أكابر العارفين، وأعيان المحبين، فهنالك نشر ذكره، وعرف الناس قدره، كما ذكر ذلك الشيخ علوان الحموي في أول «شرح تائية ابن حبيب» .
قال النجم: وحدثني بعض الصالحين الثقات أن السيد علي بن ميمون كان سبب رحلته من المغرب طلب لقي جماعة أمره بعض رجال المغرب بلقيّهم [2] منهم ابن حبيب، وأنه لا يزال يتطلع ويتنشق ويتصفح البلاد والناس حتى دخل صفد فتنشق أنفاس ابن حبيب فدخل عليه المكتب، فأضافه الشيخ عبد القادر وأكرمه، ثم لما أطلق الأولاد قال لابن ميمون: يا رجل إني أريد أن أغلق باب المكتب، فنظر إليه سيدي علي وقال: أعبد القادر أما كفاك ما أتعبتني حتى تطردني الآن فقال له يا أخي استرني قال: بل والله لأفضحنك وأشهرنّك، فما زال به حتى أشهره. انتهى ملخصا.
وقال الشيخ علوان: هذا وهو متسبب بأسباب الخمول، متلبس بأمور لا
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 242- 246) .
[2] في «آ» : «يلقيهم» وفيه تصحيف.(10/100)
تسلمها علماء النقول، ولا تسعها [1] منهم العقول، إذ كان ممن أقيم في السماع وكشف [2] القناع، والضرب ببعض الآلات، والبسط والخلاعات، ثم اعتذر عن ضربه بالآلات، بما هو مذكور في «شرح التائية» .
وبالجملة فكان ابن حبيب، رضي الله عنه، متسترا بالخلاعة، والنفخ في المواصيل، والضرب على الدف على الإيقاع حيثما كان في الأسواق والمحافل، كل ذلك لأجل التستر ويأبى الله إلّا أن يتم نوره، ويظهر أمره، حتى رسخ في النّفوس أنه من كمّل [3] العارفين، وكان حيثما سمع الأذان وقف وأذّن، وكان ربما مشى بدبّوس أمام نائب صفد، وكان لا يمكن أحدا من تقبيل يده، وإنما يبادئ بالمصافحة، ويطوف على أهل السوق، فيصافحهم في حوانيتهم واحدا واحدا، وكان يداعب الناس ويباسطهم، وكان يقول يأتون فيقولون: سلكنا وغزلهم معرقل، وكان يقول: لو جاءني صادق لطبخته في يومين، وكان في ابتدائه يثور به الغرام، وتسري فيه المحبة والشوق حتى يفيض على رأسه الماء من [4] إناء كبير فلا يصل إلى سرته من شدة الحرارة الكائنة في بدنه، وكان ينفرد الأيام والليالي في البراري والصّحاري حتى فجأته العناية ووافقته [5] الهداية، وجاءته الفيوض العرفانية، والمواهب الربانية، وكان لا يتكلم في رمضان إلّا بالإشارة خوفا من النطق بما لا يعني، وكان لا يقبل هدايا الأمراء، وإذا جاءته رسالة من إخوانه لا يأخذها إلّا وهو متوضئ.
وقال: مرة لبعض أصحابه: تقدم فامش أمامي، ثم أخبره عن سبب ذلك أنه كان معه كتاب فيه بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1: 1 ففعل ذلك تعظيما.
وكان مبتلى بأمراض وعلل خطيرة حتى عمّت سائر جسده، وربما طرحته في الفراش، وهو على وظائفه ومجاهداته، وكان يعاقب نفسه إذا اشتهت شيئا بإحضار الشهوة ومنعها إياها أياما.
وكان يعتقد ابن عربي اعتقادا زائدا، ويؤول كلامه تأويلا حسنا.
__________
[1] ليست اللفظة في «آ» .
[2] في «آ» : «وقشف» وهو تحريف.
[3] في «ط» : «أكمل» .
[4] في «ط» : «في» .
[5] في «أ» : «وافقه» وفي «الكواكب» : «وافته» .(10/101)
ومن شعره الدال على علو همّته، وسمو رتبته، «التائية» التي ذيّل بها على أبيات الشافعي رضي الله تعالى عنه، التي أولها:
لمّا عفوت ولم أحقد على أحد ... أرحت نفسي من حمل المشقّات
وقد تلقاها الناس بالقبول وأداروا أبياتها فيما [1] بينهم إدارة الشمول وخدمت بالشروح، وهي جديرة بذلك. وقد اتفق لناظمها أنه رأى روحانية النبيّ صلّى الله عليه وسلم وهو يقظان، وعرضها عليه، وأصلح له بعض أبيات، وكان إذا ذكر فيها وصفا حسنا قال له: بلّغك الله ذلك يا عبد القادر، وإذا نفر من وصف قبيح قال له: أعاذك الله من ذلك يا عبد القادر.
ومن شعره أيضا:
أنا الضّيغم الضّرغام صمصام عزمها ... على كلّ صعب في الغرام مصمم
وما سدت حتّى ذقت ما الموت دونه ... كذا حسن عشقي في الأنام يترجم
وتوفي بصفد يوم الأحد عاشر جمادى الأولى.
وفيها- تقريبا- زين الدّين عبد القادر المنهاجي [2] الإمام العلّامة المقرئ الشافعي المعروف بالمنهاجي نزيل مكة المشرفة.
قرأ على البرهان العمادي أحاديث من الكتب الستة، وأجازه برباط العبّاس.
وفيها عبد الودود الصواف [3] الشيخ الصّالح العابد الزّاهد المقيم بنواحي قلعة الجبل بالقاهرة، وكان ينسج الصّوف ويتقوت [4] منه، وكانت عمامته قطعة من الصّوف الأحمر. وكان سيدي محمد بن عنان يقصده بالزيارة، وكانت له مكاشفات وعلي أنس عظيم.
وفيها علاء الدّين علي بن ناصر المكّي الإمام العلّامة الشافعي [5] .
__________
[1] ليست اللفظة في «آ» .
[2] ترجمته في «الكواكب» (1/ 254) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 257) .
[4] في «ط» : «يتقوت» بدون الواو.
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 278) .(10/102)
أخذ «صحيح البخاري» عن المسند زين الدّين عبد الرحيم المكي الأسيوطي، وعن غيره، وتفقّه بالشّرف المناوي عن الولي بن العراقي عن أبيه عن ابن النعماني عن النووي.
ومن مؤلفاته «مختصر المنهاج» وشرحه وتأليف في الحديث والتفسير والأصول. وأجاز البرهان العمادي.
وفيها شرف الدّين موسى بن أحمد النّحلاوي [1] الأصل الحلبي الدار الأردبيلي الخرقة الشافعي المذهب الشهير بالشيخ موسى الأريحاوي لسكناه بأريحا قديما، وكان إماما عالما، زاهدا صوفيا، فتح الله تعالى عليه من غير تعب بل من فضل الله تعالى.
وتوفي في أواخر ذي الحجة بحلب ودفن بتربة الخشّابين داخل باب قنسرين.
وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن علي الصّمودي [2] المالكي القاضي.
كان فقيها فاضلا، ناب عن العفيف بن حنبل قاضي المالكية بحلب وكتب بها على الفتوى.
وفيها محيي الدّين يحيى بن كمال الدّين محمد بن سلطان الحنفي [3] .
كان عالما فاضلا.
توفي بمكة المشرّفة رابع عشر ذي الحجة.
وفيها جمال الدّين محمد الطيب بن إسماعيل مبارز اليمني [4] .
قال في «النور» : كان فقيها إماما عالما عاملا علّامة فهّامة مدقّقا.
توفي عشية يوم الاثنين خامس شهر ربيع الآخر. انتهى، والله تعالى أعلم.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 501) و «الكواكب السائرة» (1/ 308) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 200) .
[3] لم أعثر على ترجمته فيما بين يدي من المصادر والمراجع.
[4] ترجمته في «النور السافر» (91) .(10/103)
سنة ست عشرة وتسعمائة
فيها كما قال في «النور» : انقض كوكب عظيم من نصف الليل آخذا في الشام وأضاءت الدّنيا لذلك إضاءة عظيمة حتّى لو أن الإنسان حاول رؤية الذرّ لم يمتنع عليه ثم غاب في الجهة الشامية وبقي أثره في السماء ساعة طويلة [1] .
وفيها زلزلت مدينة زبيد زلزالا شديدا ثم زلزلت مرة أخرى ثم ثالثة وانقض في عصر ذلك اليوم كوكب عظيم من جهة المشرق آخذا في جهة الشام ورئي نهارا وحصل عقبه رجفة عظيمة كالرّعد الشديد وزلزلت مدينة موزع ونواحيها زلزالا عظيما ما سمع بمثله واستمرت تتردد ليلا ونهارا زلازل صغار وزلازل [2] كبار، وقد أضرّت بأهل الجهة إضرارا عظيما حتى تصدعت البيوت، ولم يسلم بيت من تشعّث، وتشقّقت الأرض المعدّة للزراعة، وتهدّمت القبور واختلطت الآبار.
انتهى [3] .
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عون بن مسلم بن مكّي بن رضوان الهلالي الدمشقي الحنفي، المعروف بابن عون [4] مفتي الحنفية بدمشق.
ولد سنة خمس وخمسين وثمانمائة. وأخذ الحديث عن جماعة منهم الحافظان السخاوي والدّيمي، وترجمه الثاني في إجازته بالشيخ الإمام الأوحد المقرئ المجوّد العالم المفيد، وتفقه بجماعة منهم ابن قطلوبغا، وأخذ عنه ابن طولون.
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (93) .
[2] في «أ» : «زلزال صغار وزلزال كبار» وهو خطأ.
[3] انظر «النور السافر» ص (93) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 101) .(10/104)
وتوفي ليلة الأحد سادس عشر شوال بدمشق ودفن بباب الصغير قبلي جامع جرّاح.
وفيها شهاب الدّين [1] أحمد بن شعبان [بن علي بن شعبان] [2] الإمام العلّامة العمدة.
قال في «الكواكب» : أخذ العلم والحديث عن الشهاب الحجازي والشرف المناوي والجلال أبي هريرة وعبد الرحمن القمصي والمسند الشمس الملتوتي [3] الوفائي، وتلقّن الذكر من العارف بالله زين الدين الحافي الشبريسي، والجمال بن نظام الشيرازي بجامع الأزهر وغيرهما، ولبس الخرقة القادرية والسّهروردية والأحمدية من جماعات.
وتوفي بغزة.
وفيها السلطان العادل المجاهد أبو الفتح أحمد [4] بن محمد [5] ، صاحب كجرات من بلاد الهند.
قال السخاوي في «الضوء» : ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة تقريبا.
أسلم جدّه [6] مظفّر على يد محمد شاه صاحب دلي وكان عاملا له على فتن من كجرات، فلما وقعت الفتن في مملكة دلي وتقسمت البلاد كان الذي خصّ مظفرا كجرات، ثم وثب عليه ابنه وسجنه، ولم يلبث أن استفحل أمر الأب بحيث قتل ولده، ثم بعد سنين انتصر أحمد لأبيه وقتل جدّه واستقر في كجرات. وخلفه ابنه غياث الدّين، ثم ابنه قطب الدّين، ثم أخوه داود، فلم يلبث سوى أيام، وخلع واستقر أخوهم أحمد شاه صاحب الترجمة، وذلك في سنة ثلاث وستين حين كان ابن خمس عشرة سنة ودام في المملكة إلى الآن وأخذ من الكفّار قلعة
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 134) .
[2] ليس ما بين القوسين في «آ» .
[3] في «ط» : «الملتوني» وهو تحريف.
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 91- 10/ 144) و «النور السافر» (92) .
[5] في «الضوء اللامع» : «محمود» .
[6] في «الضوء اللامع» : «أسلم جد جده» .(10/105)
الشبابانير [1] فابتناها مدينة [2] وسماها أحمد أباد، ومن جملة ممالكه كناية. انتهى وقال في «النور» : قال جار الله بن فهد أقول: وعمّر بمكة رباطا مجاور باب الدربية عرف بالكنباتية [3] ، وقرّر به جماعة ودروسا وغير ذلك، وكان يرسل لهم مع أهل الحرمين عدة صدقات، ثم قطعها لما بلغه استيلاء النظار عليها، واستمر على ولايته إلى أن توفي يوم الأحد ثاني رمضان بأحمد أباد.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد الفرغاني [4] الإمام العلّامة الصّالح القاضي.
توفي يوم الأربعاء ثامن عشري المحرم بمدينة تعز.
وفيها محبّ الدّين أبو بكر أحمد بن شرف الدّين أبي القاسم محمد [5] بن محمد بن أحمد بن محمد الشيخ الإمام خطيب الخطباء بالمسجد الحرام، وإمام الموقف الشريف القرشي الهاشمي العقيلي النّويري المكي الشافعي.
أخذ عن أبي الفتح المراغي، وسمع «ثلاثيات البخاري» على جدّته لأمّه أم الفضل خديجة وتدعى سعادة بنت وجيه الدّين عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن فهد المكّي، وعلى العلّامة البرهان الزّمزمي وعلى أخيه المحبّ الزّمزمي كلهم عن أبي [6] إسحاق إبراهيم بن محمد الرّسام عن الحجّار، وله شيوخ آخرون، وأجاز البرهان العمادي في السنة التي قبلها.
وتوفي في هذه السنة ظنا.
وفيها القاضي بدر الدّين حسن بن القاضي زين الدّين أبي بكر بن مزهر [7] كاتب أسرار القاهرة.
__________
[1] في «الضوء اللامع» : «الشيابانية» .
[2] تكررت اللفظة في «أ» .
[3] في «النور السافر» : «باب المدينة عرف بالكبنابيتية» .
[4] ترجمته في «النور السافر» (92) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 126) .
[6] في «أ» : «ابن» وهو تحريف.
[7] ترجمته في «الكواكب السائرة» (176) .(10/106)
قال في «الكواكب» [1] : صودر وحبس، ثم ضرب بحضرة السلطان الغوري، ثم عصر ثم لف القصب والمشاق على يديه وأحرقت، ثم عصر رأسه ثم أحمي له الحديد ووضع على ثدييه [2] وقطع ثديه، وأطعم لحمه، واستمرّ في العذاب إلى أن مات بقلعة مصر، وعذّب عذابا شديدا رحمه الله تعالى.
وكانت وفاته يوم الأربعاء رابع رجب سنة ست عشرة وتسعمائة. انتهى قلت: الصحيح موته في اليوم المذكور من الشهر المذكور لكن سنة عشر، والله أعلم.
وفيها بدر الدّين أبو علي حسن بن علي بن عبيد بن أحمد بن عبيد [3] بن إبراهيم المرداوي [4] ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي.
حفظ القرآن العظيم، وعدة كتب واشتغل على جماعة من آخرهم الشيخ زين الدّين بن العيني، وقرأ عليه شرحيه على «الألفية» و «الخزرجية» وأخذ الحديث عن ابن السّلمي، وابن الشريفة، والنظام بن مفلح، ورحل مع الجمال بن المبرد إلى بعلبك، فسمع بها غالب مسموعاته، وسمع على جماعة كثيرين، وكان له خط حسن، وكان يتكسب بالشهادة وهو من شيوخ ابن طولون ومجيزيه.
توفي يوم الخميس تاسع رمضان.
وفيها رضي الدّين الصّدّيق بن عبد العليم [5] إقبال القرتبي [6] .
قال في «النور» : كان فقيها، نبيلا، سريا.
توفي عصر يوم الثلاثاء من عشر ذي الحجّة ودفن بمجنة باب القرتب بجوار مشهد الفقيه أبي بكر بن علي الحداد. انتهى
__________
[1] في «أ» : «الكوكب» وهو خطأ.
[2] في «ط» : «يديه» وهو تحريف.
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 36) و «الكواكب السائرة» (1/ 178) .
[4] في «الكواكب السائرة» : «المرادي» وهو تحريف.
[5] ترجمته في «النور السافر» (1/ 93) .
[6] في «ط» : «القربتي» وهو تحريف.(10/107)
وفيها شمس الدّين علي بن موسى المشرع [1] عجيل.
كان فقيها خيّرا.
توفي بزبيد ليلة الاثنين خامس جمادى الأولى.
وفيها- تقريبا- زين الدّين عبد الرحيم بن صدقة المكّي الشافعي [2] .
كان إماما، علّامة، ورعا، زاهدا، قرأ عليه البرهان العمادي الحلبي [3] أحاديث من الكتب الستة، وأجازه برباط العباس تجاه المسجد الحرام في العشر الأول من الحجّة سنة خمس عشرة وتسعمائة. قاله في «الكواكب» .
وفيها القاضي [4] جلال الدّين محمد بن عمر بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القادر بن هبة الله النّصيبي [5] الحلبي الشافعي سبط المحبّ أبي الفضل بن الشّحنة.
ولد في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بحلب، وحفظ «المنهاجين» و «الألفيتين» و «جمع الجوامع» وعرض ذلك على الجمال الباعوني وأخيه البرهان، والبدر بن قاضي شهبة، والنجم بن قاضي عجلون وأخيه التقوي، وأخذ الفقه عن أبي ذرّ، والأصول والنحو عن السّلامي، وولده الزّيني عمر ثم قدم القاهرة على جدّه لأمه سنة ست وسبعين وثمانمائة، فأخذ عن الجوجري [6] وغيره، وقرأ «شرح الألفية» لابن أم قاسم على الشّمنيّ، وقرأ على السخاوي بعض مؤلفاته، وبرع، وتميّز، وناب في القضاء بالقاهرة ودمشق وحلب، وولي قضاء حماة وقضاء حلب أنشد فيه بعضهم لما ولي قضاء حماة:
حماة مذ صرت بها قاضيا ... استبشر الداني مع القاصي
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» (93) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 235) .
[3] في «آ» : «الحنبلي» .
[4] في «أ» : «قاضي» .
[5] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 236) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 69) .
[6] في «أ» : «الجوهري» وهو تحريف.(10/108)
وكلّ من فيها أتى طائعا ... إليك وانقاد لك العاصي
وكان ذا فطنة، وحافظة مع رفاهية، وجمع تعليقا على «المنهاج» سماه «الابتهاج» في أربع مجلدات، واختصر «جمع الجوامع» وجمع كتابا كبيرا فيه نوادر وأشعار. وله شعر حسن منه تخميس الأبيات المشهورة لابن العفيف:
غبتم فطرفي من الهجران ما غمضا ... ولم أجد عنكم لي في الهوى عوضا
فيا عذولا بفرط اللّوم قد نهضا ... للعاشقين بأحكام الغرام رضا
فلا تكن يا فتى بالعذل معترضا ... أنا الوفيّ بعهد ليس ينتقض
وإن هم نقضوا عهدي وإن رفضوا ... فقلت لما بقتلي بالأسى فرضوا
روحي الفداء لأحبابي وإن نقضوا ... عهد الوفاء الذي للعهد ما نقضا
أحبابنا ليس لي عن عطفكم بدل ... وعن غرامي ووجدي لست أنتقل
يا سائلي عن أحبّائي وقد رحلوا ... قف واستمع سيرة الصّبّ الذي قتلوا
فمات في حبّهم لم يبلغ الغرضا ... قد حمّلوه غراما فوق ما يسع
وعذّبوا قلبه هجرا وما انتفعوا ... دعي أجاب توالى سهده هجعوا
رأى فحبّ فرام الصبر فامتنعوا ... فسام صبرا فأعيا نيله فقضى
وتوفي في ثالث عشر رمضان.
وفيها بدر الدّين محمد بن محمد الشّهير بابن الياسوفي [1] الدمشقي الشافعي المفتي المدرّس.
ولد سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وسافر إلى القاهرة مرارا آخرها مطلوبا مع جماعة مباشري الجامع الأموي [2] في جمادي الآخرة سنة ست عشرة
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (101) و «الكواكب السائرة» (1/ 20) .
[2] في «أ» : (الأموي الجامع) وفوق كل لفظة منهما حرف ميم.(10/109)
وتسعمائة، فحصل له قبل دخول القاهرة توعك، واستمرّ إلى رابع يوم من وصوله إليها فتوفي يوم الاثنين تاسع رجب منها.
وفيها شرف الدّين موسى بن عبد الله بن عبد الله [1] ، الشّهير بابن جماعة المقدسي [2] الشافعي الإمام العلّامة خطيب المسجد الأقصى.
ولد في حادي عشري رجب سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وأجازه الشيخ زين الدّين بن الشيخ خليل وغيره.
قال في «الأنس الجليل» : اشتغل في العلم على والده وغيره وخطب بالمسجد الأقصى، وله نحو خمس عشرة سنة، واستقرّ في الخطابة مشاركا لبقية الخطباء هو وأخوه الخطيب بدر الدّين محمد. قال: وأعاد الخطيب شرف الدّين بالمدرسة الصلاحية وفضل وتميّز، وصار من أعيان بيت المقدس، وهو رجل خيّر من أهل العلم وعنده فصاحة في الخطبة وعلى صوته الأنس والخشوع والناس سالمون من لسانه ويده. انتهى ودخل دمشق مع والده حين أسمع والده بها غالب مسموعاته، وكان والده من الأكابر يرحل للأخذ عنه، وكان صاحب الترجمة رجلا مهيبا.
وتوفي ببيت المقدس في رجب أو شعبان.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 104) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 309) .
[2] في «ط» : «القدسي» وهو تصحيف.(10/110)
سنة سبع عشرة وتسعمائة
فيها كما قال في «النّور السّافر» [1] : ولدت مولودة بقرية النّويدرة من اليمن وطلب من يؤذن في أذنها فحين بلغ (أشهد أن محمدا رسول الله) سمع الطفلة تقول: (الله أكبر الله أكبر) ثلاث مرات.
وفيها [2] خسف بفيل السلطان عامر بن عبد الوهاب المسمى مرزوق بقرية يقال لها الركز من زوايا الشيخ شهاب الدّين قطب زمانه أحمد بن علوان قريبا من قرية بفرس [3] وكان قد أدخله بيت بعض فقراء الشيخ كرها وسألهم ما لا طاقة لهم بتسليمه فلم يشعروا حتى غاب أكثر الفيل في الأرض من قبل رجليه فصرخ صرخات ومات ألا [4] رحم الله سائسه فكان عبرة لمن رأى ولم يقدر أحد على إخراج شيء منه من موضع الخسف [2] . انتهى.
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج بن عبد الله الحنبلي [5] مفتي الحنابلة الإمام العلّامة.
ولد في ربيع الأول سنة ست وخمسين وثمانمائة، وأخذ عن أبيه وغيره.
وتوفي بقرية مضايا من الزّبداني ليلة الجمعة سادس عشر شعبان، وحمل ميتا إلى منزله بالصالحية، ودفن بالروضة قرب والده.
__________
[1] انظر «النور السافر» (96) .
[2] «النور السافر» (97) .
[3] في ط: «بغرس» .
[4] «ط» : «لا» .
[5] ترجمته في «متعة الأذهان» ق (25) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 108) ، و «السحب الوابلة» (29) .(10/111)
وفيها تقي الدّين أبو بكر بن الحافظ ناصر الدّين محمد بن زريق الحنبلي [1] الدمشقي الصالحي.
كان إماما علّامة توفي يوم السبت ثاني عشر صفر.
وفيها- تقريبا- أبو الخير بن نصر [2] .
قال في «الكواكب» : هو شيخ البلاد الغربية [3] من أعمال مصر، ومحيي السّنّة بها.
توفي في أواسط حدود هذه الطبقة، رحمه الله تعالى. انتهى وفيها صفي الدّين أحمد بن عمر المزجدالي [4] .
قال في «النّور» : كان فقيها إماما عالما [5] عاملا صالحا مفتيا مدرّسا.
توفي ضحى يوم الخميس رابع المحرم وأسف عليه والده أسفا كثيرا وصبر. انتهى.
وفيها أبو القاسم بن علي بن موسى [6] المشرع [7] .
قال في «النور» : كان فقيها صالحا حصل له في ليلة الجمعة حاد عشر ربيع الأول وهو قاعد في بيته بين الناس لقراءة مولد النبي صلّى الله عليه وسلم من ضربه على رأسه فانكسر فأقام تسعة أيام ثم مات ولم يعلم قاتله ودفن بمرجام إلى جنب أبيه وجده انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد الفيّومي [8] .
قال في «الكواكب» : هو الشيخ العلّامة خطيب جامع بردبيك بدمشق وهو
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 113) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 120) .
[3] في «أ» «العربية» وهو تصحيف.
[4] ترجمته في «النور السافر» (96) .
[5] ليست اللفظة في «ط» .
[6] في «ط» : «أبو موسى» وهو تحريف وانظر «النور السافر» .
[7] ترجمته في «النور السافر» (97) .
[8] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 151) .(10/112)
المعروف بالجامع الجديد خارج بابي الفراديس والفرج [أي وهو المعروف الآن بجامع المعلق] [1] .
توفي ثاني شهر رمضان [2] وأخذ عنه الخطابة صاحب والد الشيخ يونس العيثاوي [3] واستمرت في يده إلى أن مات.
وفيها المولى باشا جلبي العالم ابن المولى زيرك الرّومي الحنفي [4] .
كان من الأفاضل. وله ذكاء تام، ولطف محاورة. وتخرّج عنده كثير من الطلبة، وكان من مشاهير المدرّسين، وتنقل في التدريس [5] حتى ولي إحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، وتوفي وهو مدرّس بها في حدود هذه السنة، وله شريك في اسمه سيأتي إن شاء الله تعالى.
وفيها السيد الشريف الحسين بن عبد الله العيدروس [6] .
ولد سنة إحدى وستين وثمانمائة. وكان عالما بالكتاب والسّنّة، حافظا لكتاب الله تعالى، مواظبا على تلاوته ليلا ونهارا، قائما بما جرى عليه سلفه من الأوراد والأذكار وإكرام الوافدين والفقراء والمساكين وبذل الجاه في الشفاعات للمسلمين وإصلاح ذات بينهم، ولله درّ من قال فيه:
إنّ الحسين تواترت أخباره ... في فضله عن سادة فضلاء
غيث يسحّ على العفاة سحابه ... سحّا إذا شحّت يد الأنواء
تال لآثار النبيّ محمد ... متمسك بالسّنّة البيضاء
ورث المكارم والعلى عن سادة ... ورثوا عن الآباء فالآباء
__________
[1] زيادة من المؤلف ابن العماد الحنبلي وليست في «الكواكب» .
[2] كذا في «أ» : «ثاني شهر رمضان» وليست لفظة «شهر» في «ط» .
[3] في «أ» : «العيتاوي» وهو تصحيف.
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (244) ، و «الطبقات السنية» (2/ 227) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 163) .
[5] في «الكواكب» مصدر المؤلف: «في التداريس» .
[6] ترجمته في «النور السافر» (94) .(10/113)
وروي عن والده أنه كان يقول: كنت كثير الدعاء في سجودي أن يرزقني الله ولدا عالما سنيا، وأرجو أن يكون هو الحسين.
قال في «النور» : وكان مشاركا في جميع العلوم المنطوق منها والمفهوم.
ومن مشايخه الفقيه عبد الله بن أحمد باكثير، والقاضي إبراهيم بن ظهيرة، والشيخ عبد الهادي السّودي قبل أن ينجذب.
وكانت له اليد الطولى في علم الفلك.
وحجّ وجاور بمكة سنتين، وزار قبر جدّه مرتين.
وتوفي بتريم في سادس عشر المحرم ودفن عند أبيه. انتهى وفيها خليل العالم الفاضل المولى الرّومي الحنفي [1] المشهور بمنلا خليل [2] .
كان حليما كريما متواضعا متخشعا إلّا أنه كان يغلب عليه الغفلة في سائر أحواله.
درّس في بعض مدارس الرّوم ثم بإحدى الثمانية، ثم بمدرسة أدرنة ثم أعطى قضاء القسطنطينية في دولة السلطان أبي [3] يزيد ثم قضاء العسكر الأناضولي ثم الرّوم إيلي، ومات على ذلك في أوائل دولة السلطان سليم خان. قاله في «الكواكب» .
وفيها العارف بالله تعالى رستم خليفة الرّومي البرسوي الحنفي [4] .
أصله من قصبة كونيك من ولاية أناضولي [5] . وأخذ الطريق عن العارف حاجي خليفة الرّومي، وكان له خوارق ويتستر [6] بتعليم الأطفال ولا يتكلم إلّا عن ضرورة، وله إنعام تام على الأغنياء والفقراء، وإذا أهدى إليه أحد شيئا كافأه
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 191) ، و «الفوائد البهية» (72) .
[2] في مصدريه: (منلا خليلي) .
[3] في (أ) : (أبا) وهي خطأ.
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 194) ، و «الشقائق النعمانية» (210) .
[5] في «أ» : (أناطولي) ، وفي «الكواكب» : (أناظولي) .
[6] في «أ» : (وتستّر) .(10/114)
بأضعافه [1] . ولم يكن له منصب ولا مال. وحكى عن نفسه أنه رمد مرة فلم ينفعه الدواء، فرأى رجلا فقال له: يا ولدي اقرأ المعوّذتين في الركعتين الأخيرتين من السنن المؤكدة. قال: فداومت على ذلك فشقي بصري. وكان بعض جماعته يرى أن ذلك الرجل هو الخضر عليه السلام. وتوفي ببروسا ودفن بها.
وفيها- تقريبا- المولى عبد الوهاب بن عبد الكريم الفاضل ابن الفاضل المولى ابن المولى الرومي الحنفي [2] . قرأ على جماعة منهم المولى عذارى والمولى لطفي التوقاتي والمولى خطيب زاده [3] والمولى القسطلاني.
وكان ذكيا عارفا بالعلوم الشرعية والعقلية مهيبا طارحا للتكلف مع أصحابه ودرّس [4] بالقسطنطينية ثم صار حافظا لدفتر الديوان السلطاني، ثم ولي قضاء بعض البلاد قاله في «الكواكب» [5] .
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن مليك الحموي [6] ثم الدمشقي الفقاعي الحنفي الشاعر.
ولد بحماة سنة أربعين وثمانمائة، وأخذ الأدب عن الفخر عثمان بن العيد [7] التّنوخي وغيره. وأخذ النحو والعروض عن بهاء الدّين بن سالم، وقدم دمشق فتسبّب ببيع الفقّاع عند قناة العوني. ثم تركه وصار يتردّد إلى دروس الشيخ برهان الدّين بن عون. وأخذ عنه فقه الحنفية. وصارت له فيه يد طولى، وشارك في اللغة والنحو والصرف. وكان له معرفة بكلام العرب، وبرع في الشعر، حتى لم يكن له نظير في فنونه وجمع لنفسه ديوانا [8] في نحو خمس عشرة كراسة، وخمّس المنفرجة، ومدح النبيّ صلّى الله عليه وسلم بعدة قصائد.
__________
[1] في «ط» : (بأضعانه) وهو تحريف.
[2] ترجمته في «الكواكب» (1/ 257) .
[3] في «أ» : (ذاده) بالذال وهو خطأ.
[4] في «أ» : (درس من غير الواو.
[5] في «أ» : (كوكب) وهو خطأ.
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 261- 263) ، و «ريحانة الألباء» للخفاجي ص (96- 99) و «معجم المؤلفين» (7/ 219) .
[7] في «ط» : (الصد) ، وفي «الكواكب» : (العبد) .
[8] سمّاه «النفحات الأدبية من الرياض الحموية» منه نسخة في الظاهرية رقمها (5791) وورقاتها (72) ورقة. انظر «فهرس الشعر» (412) .(10/115)
ومن لطائفه قوله [1] :
لم أجعل الفقّاع لي حرفة ... إلّا لمعنى حسنك الشّاهد
أقابل الواشي بالحدّ وال ... عاذل أسقيه من البارد
ومنها:
ولمّا احتمت منا الغزالة في السّما ... وعزّت على قنّاصها أن تنالها
نصبنا شباك الماء في الأرض حيلة ... عليها فلم نقدر فصدنا خيالها
ومن لطائفه [2] :
يا من به رقّ شعري ... وزاد بالنّعت وصفه
قد مزّق الشّعر شاشي ... والقصد شيء ألفّه
وكان له صوف عتيق فقلبه وقال [2] :
قد كان لي صوف عتيق طالما ... قد كنت ألبسه بغير تكلّف
والآن لي قد قال حين قلبته ... قلبي يحدّثني بأنّك متلفي [3]
وحكي عنه أنه مرّ بالمرجة على قوم جلوس للشرب، وكانوا يعرفونه، فدعوه إلى الزاد، فقعد عندهم يذاكرهم. فبينما هم كذلك إذ جاءهم جماعة الوالي فأخذوهم وأخذوه معهم، فلما وصلوا للقاضي للتسجيل عليهم عرفه القاضي، فلامه فقال [2] :
والله ما كنت رفيقا لهم ... ولا دعتني للهوى داعيه
وإنّما بالشّعر نادمتهم ... لأجل ذا ضمّتني القافيه
__________
[1] البيتان في «الكواكب السائرة» (1/ 261) .
[2] البيتان في «الكواكب السائرة» (1/ 262) .
[3] هذا الشطر تضمين لبيت عمر بن الفارض:
قلبي يحدثني بأنك متلفي ... روحي فداك عرفت أم لم تعرف
انظر «ديوانه» - دار صادر- ص (151) .(10/116)
فخلوا عنه وله دوبيت:
الطرف يقول قد رماني القلب ... والقلب لناظري يقول الذنب
والله لقد عجبت من حالهما ... هذا دنف ودمع هذا صبّ
وشعره كله جيد.
وتوفي في شوال بدمشق ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وفيها العارف بالله سيدي علي بن ميمون بن أبي بكر بن علي بن ميمون [1] بن أبي بكر بن يوسف بن إسماعيل بن أبي بكر بن عطاء الله بن حسون بن سليمان بن يحيى بن نصر الشيخ المرشد المربي القدوة الحجة ولي الله تعالى السيد الحسيب النسيب الشريف أبو الحسن بن ميمون الهاشمي القرشي المغربي الغماري التباسي.
أصله من جبل غمارا- بالغين المعجمة من معاملة فاس- وسكن مدينة فاس، واشتغل بالعلم ودرّس. ثم ولي القضاء، ثم ترك ذلك ولازم الغزو على السواحل، وكان رأس العسكر ثم ترك ذلك أيضا وصحب مشايخ الصوفية منهم الشيخ عرفة القيرواني فأرسله إلى أبي العبّاس أحمد التّوزي الدبّاسي- ويقال التباسي بالتاء- ومن عنده توجه إلى المشرق.
قال الشيخ موسى الكناوي: فدخل بيروت في أول القرن العاشر، وكان اجتماع سيدي محمد بن عراق به أولا هناك ولما دخل بيروت استمرّ ثلاثة أيام لم يأكل شيئا فاتفق أن ابن عراق كان هناك فأتي بطعام فقال لبعض جماعته أدع لي ذلك الفقير فقام السيد علي وأكل، وقال ابن عراق لأصحابه: قوموا بنا نزور الإمام الأوزاعي فصحبهم ابن ميمون لزيارته، ففي أثناء الطريق لعب ابن عراق على جواده كعادة الفرسان فعاب عليه ابن ميمون، فقال له: أتحسن لعب الخيل أكثر مني؟ قال:
نعم. فنزل ابن عراق عن فرسه فتقدم إليها ابن ميمون فحلّ الحزام، وشدّه كما يعرف،
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (66) ، و «الشقائق النعمانية» (212- 213) و «الكواكب السائرة» (1/ 271- 278) ، و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 188- 190) .(10/117)
وركب ولعب على الجواد، فعرفوا مقداره في ذلك، ثم انفتح الأمر بينهما إلى أن أشهر الله تعالى سيدي علي بن ميمون.
وقال في «الشقائق» : إنه دخل القاهرة وحجّ منها ثم دخل البلاد الشامية وربي كثيرا من الناس ثم توطن مدينة بروسا ثم رجع إلى البلاد الشامية وتوفي بها.
قال: وكان لا يخالف السّنّة حتى نقل عنه أنه قال: لو أتاني السلطان أبو يزيد بن عثمان لا أعامله إلّا بالسّنّة، وكان لا يقوم للزائرين ولا يقومون له وإذا جاءه أحد من أهل العلم يفرش له جلد شاة تعظيما له. وكان قوّالا بالحق، لا يخاف في الله لومة لائم، وكان له غضب شديد إذا رأى في المريدين منكرا يضربهم بالعصا.
قال: وكان لا يقبل وظيفة ولا هدايا الأمراء والسلاطين، وكان مع ذلك يطعم كل يوم عشرين نفسا من المريدين وله أحوال كثيرة ومناقب عظيمة. انتهى.
وكان من طريقته ما حكاه عنه سيدي محمد بن عراق في كتابه «السّفينة» أنه لا يرى لبس الخرقة ولا إلباسها.
وذكر الشيخ علوان أنه كان لا يرى الخلوة ولا يقول بها، وكان يقول جواب الزفوت السكوت.
ومن وصاياه اجعل تسعة أعشارك صمتا وعشرك كلاما.
وكان يقول: الشيطان له وحي وفيض فلا تغتروا بما يجري في نفوسكم وعلى ألسنتكم من الكلام في التوحيد والحقائق حتّى تشهدوه من قلوبكم.
وكان ينهي أصحابه عن الدخول بين العوام وبين الحكام ويقول: ما رأيت لهم مثلا إلا الفأر والحيّات، فإن كلا منهما مفسد في الأرض، وكان شديد الإنكار على علماء عصره ويسمي القضاة القصاة.
ومن كلامه: لا ينفع الدار إلّا ما فيها.
ومنه: لا تشتغل بعدّ أموال التجار وأنت مفلس.
ومنه: اسلك ما سلكوا تدرك ما أدركوا.
ومنه: عجبت لمن وقع عليه نظر المفلح كيف لا يفلح.(10/118)
ومنه: كنزك تحت جدارك وأنت تطلبه من عند جارك.
وله من المؤلفات «شرح الجرومية» على طريقة الصّوفية، وكتاب «غربة الإسلام في مصر والشام وما والاهما من بلاد الروم والأعجام» ورسائل عدة منها رسالة لطيفة سمّاها «تنزيه الصديق عن وصف الزّنديق» ترجم فيها الشيخ محي الدّين بن العربي ترجمة في غاية الحسن والتعظيم.
وذكر ابن طولون أنه دخل دمشق في أواخر سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، ونزل بحارة السّكة بالصالحية وهرع الناس إليه للتبرك به. وممن صعد إليه للأخذ عنه الشيخ عبد النّبيّ شيخ المالكية، والشيخ شمس الدّين بن رمضان شيخ الحنفية، وتسلكا على يديه هم وخلق من الفضلاء.
وقال سيدي محمد بن عراق في «سفينته» : إنه لم يشتهر في بلاد العرب بالعلم والمشيخة والإرشاد إلّا بعد رجوعه من الرّوم إلى حماة سنة إحدى عشرة، ثم قدم منها إلى دمشق في سابع عشري رجب سنة ثلاث عشرة وتسعمائة. قال:
وأقام في قدمته هذه ثلاث سنوات وخمسة أشهر وأربعة عشر يوما يربّي ويرشد ويسلّك، ويدعو إلى الله تعالى على بصيرة. قال: واجتمع عليه الجمّ الغفير، ثم دخل عليه قبض وهو بصالحية دمشق واستمرّ ملازما له حتى ترك مجلس التأديب وأخذ يستفسر عن الأماكن التي في بطون الأودية ورؤوس الجبال، حتّى ذكر له سيدي محمد بن عراق مجدل معوض فهاجر إليها في ثاني عشر محرم هذه السنة.
قال سيدي محمد بن عراق: ولم يصحب غيري والولد علي، وكان سنّه عشر سنين وشخص آخر عملا بالسّنّة، وأقمت معه خمسة أشهر وتسعة عشر يوما.
وتوفي ليلة الاثنين حادي عشر جمادى الآخرة ودفن بها في أرض موات بشاهق جبل حسبما أوصى به. قال: ودفن خارج حضرته المشرّفة رجلان وصبيان وامرأتان وأيضا امرأتان وبنتان، الرجلان محمد المكناسي، وعمر الأندلسي، والصبيان ولدي عبد الله، وكان عمره ثلاث سنين، وموسى بن عبد الله التركماني، والامرأتان أمّ إبراهيم وبنتها عائشة زوجة الذعري، والامرأتان الأخرتان مريم(10/119)
القدسية، وفاطمة الحموية، وسألته عند وفاته أين أجعل دار هجرتي، فقال: مكان يسلم فيه دينك ودنياك، ثم تلا قوله تعالى: الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ 4: 97 [النساء: 97] .
وفيها سراج الدّين أبو حفص عمر بن عبد العزيز الفيّومي [1] الأصل الدمشقي.
قال في «الكواكب» : كانت له مشاركة جيدة وقال الشعر الحسن وله ديوان شعر في مجلد ضخم، ومدح الأكابر والأعيان، وخمّس «البردة» تخميسا حسنا ورزق فيه السعادة التّامة، واشتهر في حال حياته، وكتبه الناس لحسنه وعذوبة ألفاظه.
ومن شعره:
إن كان هجري لذنب حدّثوك به ... عاتب به ليبين العبد أعذاره
وإن يكن حظ نفس ما له سبب ... فلا تطعها فإن النّفس أمّاره
وتوفي بدمشق ودفن بمقبرة باب السريجة على والده.
وفيها شمس الدّين أبو الفضل محمد بن صارم الدّين إبراهيم الرّملي الشافعي، الشهير بابن الذّهبي [2] الإمام العالم، أحد الشهود المعتبرين بدمشق.
ذكر النّعيمي أنه كان قائما بخدمة الشيخ رضي الدّين الغزّي، وأن ميلاده كان سنة تسع وخمسين وثمانمائة.
وقال البدر الغزّي: كان يعرف القراءات.
وتوفي بدمشق ليلة الجمعة ثالث عشر المحرم بعد عوده من القاهرة.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 69) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 286) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 27) .(10/120)
وفيها عزّ الدّين محمد بن شهاب الدّين أحمد الكوكاجي [1] الحموي ثم الدمشقي الحنبلي، أقضى القضاة.
ولد بعد الأربعين وثمانمائة.
وتوفي عشية الثلاثاء تاسع عشر ذي القعدة بدمشق وصلّي عليه بالجامع الأموي، ودفن بالروضة من سفح قاسيون.
وفيها جمال الدّين محمد بن إسماعيل المشرع عجيل اليمني [2] .
قال في «النّور» : كان إماما عالما صالحا.
توفي بمدينة زبيد ضحى يوم الخميس الثالث عشر من شهر رمضان ودفن إلى جنب أبيه قبلي تربة الشيخ إسماعيل الجبرتي. انتهى وفيها شمس الدّين محمد بن خليل الشيخ الإمام العالم الطرابلسي الشافعي [3] ، خليفة الحكم بمدينة طرابلس.
دخل إلى دمشق في ضرورة له، فتوفي بها غريبا يوم الأربعاء سابع شعبان ودفن بباب الفراديس.
وفيها محمد بن عبد الرحمن الأسقع [4] بالعلوي اليمني [5] الشافعي.
قال في «النور» : حفظ «الحاوي» و «منظومة البرماوي» في الأصول و «ألفية ابن مالك» وقرأ الكثير، ودأب في الطلب، وأخذ عن الكثير من الأعلام، منهم إبراهيم بن ظهيرة، والسّخاوي وله منه إجازة، ومكث في مكّة مدة لطلب العلم، وحصّل الكثير من العلوم وأقبل على نفع الناس إقراء وإفتاء مع الدّين المتين
__________
[1] «متعة الأذهان» (ق 77) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 31) ، و «السحب الوابلة» (363) .
[2] ترجمته في «النور السافر» (97) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 46) .
[4] في «أ» : (الأسقعي) .
[5] ترجمته في «النور السافر» (95) .(10/121)
والتحقيق والإتقان وشدة الورع والزّهد والعبادة والخمول، وكان حسن التقرير.
أخذ عنه غير واحد.
وتوفي بتريم في شوال.
ومن كراماته أن بعض خدمه سرق داره فقال له: اذهب إلى المكان الفلاني تجد ما أخذ لك، ففعل فوجد ما سرق له في ذلك المكان الذي عيّنه. انتهى وفيها- تقريبا- المولى قوام الدّين يوسف [1] العالم الفاضل، الشهير بقاضي بغداد.
كان من بلاد العجم من مدينة شيراز، وولي قضاء بغداد مدة، فلما حدثت فيه فتنة ابن أردبيل ارتحل إلى ماردين، وسكن بها مدة ثم رحل إلى بلاد الرّوم، فأعطاه السلطان أبو يزيد سلطانية بروسا، ثم إحدى الثمانية، وكان عالما، متشرعا، زاهدا، وقورا، صنّف شرحا عظيما على «التجريد» وشرحا على «نهج البلاغة» وكتابا جامعا لمقدمات التفسير، وغير ذلك، رحمه الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 319) ، و «الشقائق النعمانية» (190) .(10/122)
سنة ثمان عشرة وتسعمائة
فيها توفي العلّامة برهان الدّين إبراهيم بن علي القرصلي ثم الحلبي [1] .
كان من قرصه- بفتح القاف، وسكون الراء، وضم الصاد المهملة، قرية من القصير- وكان من جملة فلاحيها، فتعلّم الخط، ثم رأى في المنام أنه على لوح في البحر وبيده عصا يحركه فأوّل له ذلك بأنه يكون من أهل العلم، وكان كما أوّل له من العلماء، ودرّس بمسجد العناتبة بحلب وغيره.
قال ابن الحنبلي: وأكبّ على دروسه جماعة في العقليات لمهارته فيها، وإن كان في النقليات أمهر، وفضله فيها أظهر. انتهى وفيها السلطان الأعظم أبو يزيد خان بن السلطان محمد خان [2] ابن السلطان مراد خان بن السلطان محمد خان بن السلطان بايزيد خان ابن السلطان مراد خان بن السلطان أورخان بن السلطان عثمان خان سلطان الرّوم، وهو الثامن من ملوك بني عثمان.
ولد سنة ست وخمسين وثمانمائة.
قال الشيخ مرعي في كتابه «نزهة الناظرين» : ولي السلطنة سنة سبع وثمانين وثمانمائة، وكان محبّا للعلماء، والمشايخ، والأولياء، وله رياضيات، وفي أيامه تزايد الفتح ببلاد الرّوم، وفتح عدة قلاع وحصون، وبنى المدارس [3] ، والجوامع،
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 46) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 107) .
[2] ترجمته في «تاريخ الدولة العلية العثمانية» (137) .
[3] في «ط» : «المدارع» .(10/123)
والتكايا، والزّوايا، والخوانق، ودار الشفاء، والحمامات، والجسور، ورتّب للمفتي الأعظم ومن في رتبته من العلماء لكل واحد في كل عام عشرة آلاف عثماني، وكان يرسل للحرمين في كل سنة أربعة عشر ألف دينار نصفها لمكّة ونصفها للمدينة.
وفي أيامه قاتله أخوه السلطان جم على السلطنة ثم انهزم جمّ إلى مصر، وحجّ في زمن السلطان قايتباي ثم عاد فأكرمه قايتباي إكراما عظيما. ثم رجع إلى الرّوم، وقاتل أخاه ثانيا، فهزمه فهرب جمّ إلى بلاد النصارى، فأرسل بايزيد إليه من سمّه فحلق رأسه بموسى مسموم فمات.
وفي أيامه كان ظهور إسماعيل شاه فاستولى على ملوك العجم، وأظهر مذهب الإلحاد والرّفض، وغيّر اعتقاد أهل العجم إلى يومنا هذا، وفي أيامه قدم عليه خطيب مكّة الشيخ محيى الدّين عبد القادر بن عبد الرحمن العراقي، والشيخ شهاب الدّين أحمد بن الحسين شاعر البطحاء وامتدحه بقصيدته الطنانة [1] التي أولها:
خذوا من ثنائي موجب الحمد والشّكر ... ومن درّ لفظي طيّب [2] النّظم والنّثر
فأجازه عليها ألف دينار، ورتّب له في دفتر الصر كل سنة مائة دينار، فكانت تصل إليه ثم إلى أولاده من بعده. انتهى وقال في «الكواكب» : وكان قد استولى على المرحوم السلطان أبي يزيد في آخر عمره مرض النقرس، وضعف عن الحركة، وترك الحروب عدة سنين، فصارت عساكره يتطلبون سلطانا شابا قوي الحركة كثير الأسفار ليغازي بهم، فرأوا أن السلطان سليم خان من أولاد أبي يزيد أقوى إخوته وأجلدهم، فمالوا إليه وعطف عليهم، فخرج إليه أبوه محاربا فقاتله وهزمه أبوه، ثم عطف على أبيه ثانيا لما رأى من ميل العساكر إليه فلما رأى السلطان أبو يزيد توجه أركان الدولة إليه
__________
[1] لفظة «الطنانة» لم ترد في «ط» .
[2] في «ط» : «أطيب» .(10/124)
استشار وزراء وأخصاءه في أمره، فأشاروا أن يفرغ له عن السلطنة ويختار التقاعد في أدرنة، وأبرموا عليه في ذلك، فأجابهم حين لم ير بدا من إجابتهم، وعهد إليه بالسلطنة، ثم توجه مع بعض خواصه إلى أدرنة، فلما وصل إلى قرب جورا، وكان فيها حضور أجله، فتوفي بها.
ووصل خبر موته هو وسلطان مكّة قايتباي بن محمد بن بركات الشريف، وسلطان اليمن الشيخ عامر بن محمد إلى دمشق في يوم واحد، وهو يوم الأحد ثامن عشري ربيع الأول من هذه السنة. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن منجك الأمير الدمشقي [1] .
قال في «الكواكب» : لم يحمد ابن طولون سيرته في أوقافهم، وكانت وفاته بطرابلس، وحمل إلى دمشق في محفّة ودخلوا به دمشق يوم الأحد سابع عشر المحرم، ودفن بتربتهم بميدان الحصا، وتولى أوقافهم بعده الأمير عبد القادر بن منجك. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن حسن [2] مفتي مدينة تعز من اليمن.
توفي بها يوم الأربعاء ثالث عشر جمادى الأولى.
وفيها الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بأفضل الحضرمي [3] .
قال في «النّور» : ولد سنة خمسين وثمانمائة، وارتحل لطلب العلم إلى عدن وغيرها، وأخذ عن الإمامين محمد بن أحمد بأفضل، وعبد الله بن أحمد مخرمه، ولازم الثاني، وتخرّج به، وانتفع به كثيرا، وأخذ أيضا عن البرهان بن ظهيرة، وتميّز واشتهر ذكره، وبعد صيته، وأثنى عليه الأئمة من مشايخه وغيرهم، وكان حريا بذلك، وكان إماما، عالما، عاملا، عابدا، ناسكا، ورعا، زاهدا، شريف النّفس،
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 3) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 129) .
[2] ترجمته في «النور السافر» (100- 101) .
[3] ترجمته في «النور السافر» (98) .(10/125)
كريما سخيا مفضالا، كثير الصّدقة، حسن الطّريقة ليّن الجانب، صبورا على تعليم العلم، متواضعا، حسن الخلق، لطيف الطّباع، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، له حرمة وافرة عند الملوك وغيرهم، حافظا أوقاته، لا يرى إلا في تدريس علم أو مطالعة كتاب أو اشتغال بعبادة وذكر.
ولي التدريس بجامع الشحر وانتصب فيها للاشتغال [1] والفتوى، وصار عمدة القطر، وانتهت إليه رئاسة الفقه في جميع تلك النواحي، ولم يزل على ذلك حتّى توفي يوم الأحد خامس شهر رمضان، ودفن في طرف بلد الشحر من جهة الشمال في موضع موات، وهو أول من دفن هناك، ودفن النّاس إلى جانبه، حتى صارت مقبرة كبيرة. انتهى.
وفيها زين الدّين عبد الحق بن محمد البلاطنسي [2] الشافعي الإمام العلّامة.
ولد في سنة ست وخمسين وثمانمائة.
وتوفي فجأة يوم الأربعاء سابع شعبان، وصلّي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثالث رمضان. قاله في «الكواكب» وفيها عفيف الدّين عبد العليم بن القاضي جمال الدّين محمد بن حسين القماط [3] اليمني.
قال في «النّور» : كان نعم الرّجل فقها وصلاحا ودينا وأمانة [4] وعفّة وصيانة، قدم في السّنّة التي قبلها من مدينة أب متوعكا إلى زبيد بعد طلوع ولده عفيف الدّين عبد الله إليه فجعله نائبا له، وقدم المدينة، فلم يزل بها مريضا إلى أن وصل ابنه عبد الله باستدعائه إليه فمات بعد قدومه في ليلة الاثنين سادس عشر المحرّم، ودفن إلى جنب والده بمجنة باب سهام. انتهى
__________
[1] كذا في «آ» و «النور السافر» مصدر المؤلف: «للاشتغال» وفي «ط» : «للاشغال» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 221) .
[3] ترجمته في «النور السافر» ص (100) .
[4] في «ط» : «وأمانا» .(10/126)
وفيها المولى مظفّر الدّين علي بن محمد الشّيرازي العمري الشافعي [1] .
قطن حلب سنة ست عشرة وتسعمائة، وأخذ بها عن جماعة منهم الشّمس بن بلال، وكتب حواشي علي «الكافية» وكان صهرا لمنلا جلال الدّواني، وكان ماهرا في المنطق، حتّى كان يقول عنه منلا جلال الدّين: لو كان المنطق جسما لكان هو منلا مظفّر الدّين.
وذكر في «الشقائق» أنه دخل بلاد الرّوم، وكان المولى ابن المؤيد قاضيا بالعسكر، وكان المنلا مظفّر الدّين مقدما عليه حال قراءتهما على الدواني، فأكرمه ابن المؤيد إكراما عظيما وعرضه على السلطان أبي يزيد فأعطاه مدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية، فدرّس بها مدة، ثم أعطاه إحدى المدارس الثمان، فدرّس بها مدة أيضا، ثم أضرّت عيناه، فعجز عن إقامة التدريس، فعين له السلطان سلم خان كل يوم ستين درهما بطريق التقاعد، وتوطن مدينة بروسا. قال: وكانت له يد طولى في الحساب، والهيئة، والهندسة، وزيادة معرفة بعلم [2] الكلام والمنطق خاصة في «حاشية التجريد» وحواشي [3] «شرح المطالع» . قال: ورأيت على كتاب إقليدس «من فنّ الهيئة» أنه قرأه من أوله إلى آخره على الفاضل أمير صدر الدّين الشّيرازي.
قال: وكتب عليه حواشي محال مشكلات. قال: وكان سليم النّفس، حسن العقيدة، صالحا، مشتغلا بنفسه، راضيا من العيش بالقليل، واختار الفقر على الغني، وكان يبذل ماله للفقراء والمحاويج.
وقال ابن الحنبلي: إنه مات مطعونا في هذه السنة.
و [4] قال في «الشقائق» : إنه مات بمدينة بروسا سنة اثنتين وعشرين، فالله أعلم.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (199) ، و «در الحبب» (1/ 2/ 933) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 263- 264) .
[2] في «أ» : (في علم) .
[3] في «آ» : (وحاشي) تحريف.
[4] فيه: (وكتب على) .(10/127)
وفيها القاضي علاء الدّين علي الرّمليّ [1] الفاضل خليفة الحكم العزيز بدمشق.
قال في «الكواكب» : قتل بين المغرب والعشاء ليلة السبت حادي جمادى الآخرة بسوق الرّصيف بالقرب من الجامع الأموي، وهو السوق المعروف الآن بدرويش باشا عند باب البريد، خرج عليه جماعة فقتلوه ولم يعرف [2] قاتله، واتهم بقتله القاضي شهاب الدّين الرّملي إمام الجامع الأموي لما كان بينهما من المخاصمات الشديدة. انتهى وفيها محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله العيدروس باعلوى الشافعي [3] .
قال في «النور» : كان مشاركا في العلوم، وقرأ «المنهاج الفقهي» ومن محفوظاته «الإرشاد» و «ملحة الإعراب» .
وتوفي بتريم، ودفن بمشهد جدّه الشيخ عبد الله. انتهى
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 282) .
[2] في «أ» : (ولم يعلم) .
[3] ترجمته في «النور السافر» (98) .(10/128)
سنة تسع عشرة وتسعمائة
فيها توفي الشيخ المعتقد [1] إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الدّسوقي الشافعي [2] الصوّفي الرّبّاني.
ولد في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، ولبس خرقة التّصوف من الشيخ شهاب الدّين بن قرا، وتفقه به، ولقّنه الذّكر أبو العبّاس القرشي، وأخذ عليه العهد عن والده عن جدّه.
قال الحمصي: وكان صالحا، مباركا، مكاشفا.
وقال ابن طولون: كان شديد الإنكار على صوفية هذا العصر المخالفين له، خصوصا الطائفة العربية. قال: ولم تر عيناي متصوفا من أهل دمشق أمثل منه، لبست منه الخرقة، ولقنني الذكر، وأخذ عليّ العهد الجميع يوم السبت سادس عشري ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة وتسعمائة. انتهى وذكره الجمال يوسف بن عبد الهادي في كتابه «الرّياض اليانعة في أعيان المائة التاسعة» فقال: اشتغل وتصوّف، وشاع ذكره، وعنده ديانة ومشاركة، وللناس فيه اعتقاد. انتهى وتوفي بدمشق ليلة الاثنين ثالث شعبان ودفن بمقبرة باب الصغير.
وفيها برهان الدّين إبراهيم بن عثمان بن محمد بن عثمان بن موسى بن يحيى المرداوي [3] الدمشقي الصالحي الحنبلي [4] ، المعروف بجابي بن عبادة.
__________
[1] في «ط» : (المفتقد) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» (28) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 101) .
[3] في «أ» : (المردوي) وفي «الكواكب» : (المرادي) وكلاهما تحريف.
[4] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 25) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 107) .(10/129)
ولد في رمضان سنة سبع وأربعين وثمانمائة، وسمع على البرهان بن الباعوني، والنّظام بن مفلح، والشّهاب بن زيد، وكان من الأفاضل.
وتوفي يوم الخميس مستهل رجب.
وفيها القاضي تقي الدّين أبو بكر الشيخ العلّامة الدمشقي الشافعي، المعروف بابن قاضي زرع [1] .
كان أحد خلفاء الحكم بدمشق.
وتوفي يوم الثلاثاء عاشر شهر رمضان.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن صدقة الشيخ الفاضل الشافعي [2] ، أحد العدول بدمشق.
توفي وهو متوجه إلى مصر بالعريش في أواخر [3] جمادي الآخرة.
وفيها قاضي القضاة العلّامة شهاب الدّين أحمد [بن علي بن أحمد] الشّيشني [4] المصري الحنبلي.
ولي قضاء الحنابلة بمصر سنين، وكان إماما علّامة.
وتوفي في صفر وولي قضاء الحنابلة عوضه ولده قاضي القضاء عزّ الدّين.
وفيها زين الدّين أو محبّ الدّين بركات بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأذرعي الدمشقي العاتكي الشافعي [5] ، الشهير بابن سقط، الشيخ الإمام الفاضل.
ولد في سابع عشر شعبان سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، وكان أحد عدول دمشق.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 18) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 135) .
[3] في «أ» (آخر) .
[4] ترجمته في «النعت الأكل» ص (91- 92) و «السحب الوابلة» ص (81- 83) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما.
[5] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 31) ، و «الكواكب السائرة» (164- 165) .(10/130)
وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشر شوال.
وفيها- تقريبا- شرف الدّين شرف الصّعيدي [1] الشيخ الصّالح الورع الزّاهد.
دخل مصر في أيام الغوري، وأقام بها حتّى مات، وكان يصوم الدّهر ويطوي أربعين يوما فأكثر، وبلغ الغوري أمره فحبسه في بيت وأغلق عليه الباب ومنعه الطعام والماء، ثم أخرجه فصلى بالوضوء الذي دخل به، فاعتقده الغوري اعتقادا عظيما، وكان يكاشف بما يقع للولاة وغيرهم. قاله في «الكواكب» .
وفيها شيخ بن عبد الله بن العيدروس الشريف اليمني الشافعي [2] .
قال حفيده في «النّور السافر» : كان من أعيان عباد الله الصالحين، وخلاصة المقرّبين، حسن الأخلاق والشّيم، جميل الأوصاف، معروفا بالمعروف والكرم، سليم الصّدر، رفيع القدر، صحب غير واحد من الأكابر، كأبيه الشيخ عبد الله العيدروس، وعمّه الشيخ علي، وعمّه الشيخ أحمد، وأخيه الشيخ أبي بكر، ومن في طبقتهم، وأخذ عنهم، وتخرّج بهم، وصار وحيد عصره ومن المشار إليهم في قطره، ومحاسنه كثيرة وبحار فضائله غزيرة، لا سبيل إلى حصرها، والأولى الآن طيها دون نشرها، وفيه يقول حفيده وسميّه سيدي الشيخ الوالد، قدّس الله روحه [3] :
وفي شيخ ابن عبد الله جدّي ... معاشرة لحسن الخلق تبدي
له قلب منيب ذو صفاء ... سليم الصّدر بالإنفاق يسدي
له في الأولياء حسن اعتقاد ... كريم الأصل ذو فخر ومجد
تربّى بالوليّ القطب حقا ... أبوه العيدروس الخير يهدي
انتهى بحروفه.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 214) .
[2] ترجمته في «النور السافر» (101) .
[3] الأبيات في «النور السافر» (102) .(10/131)
وفيها قاضي القضاة نجم الدّين عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلج الرّاميني [1] الأصل الدمشقي الصالحي الحنبلي [2] .
ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، وأخذ عن والده وغيره، وولي قضاء قضاة الحنابلة بدمشق مرارا آخرها سنة عشر وتسعمائة، واستمرّ فيه إلى أن توفي ليلة الجمعة ثاني شوال ودفن بالصالحية على والده، وكانت له جنازة حافلة حضرها نائب الشام سيباي، والقضاة الثلاثة، وخلائق لا يحصون.
وفيها سراج الدّين عمر بن شيخ الإسلام علاء الدّين علي بن عثمان بن عمر بن صالح، الشهير بابن الصّير في الدمشقي الشافعي [3] .
ولد سنة أربع أو خمس وعشرين وثمانمائة، وقيل: سنة ثلاثين، وكان إماما عالما علّامة، خطيبا، مصقعا، له أسانيد عالية بالحديث النبوي، وولي نيابة القضاء بدمشق مدة طويلة والعرض والتقرير، وباشر خطابة الجامع الأموي نحو أربعين سنة.
وتوفي ليلة الأحد سابع شوال، وصلى عليه السيد كمال الدّين بن حمزة بالأموي، ودفن بمقبرة باب الصغير على والده الحافظ علاء الدّين الصّيرفي غربي مسجد النّارنج.
وفيها أبو حفص عمر البجائي المغربي المالكي [4] الإمام العلّامة القدوة الحجّة الفهّامة.
ولي الله تعالى والعارف به.
قدم إلى مصر في زمان السلطان الغوريّ، وصار له عند الأكابر وغيرهم القبول التام، وكان له كشف ظاهر يخبر بالوقائع الآتية في مستقبل الزمان فتقع كما
__________
[1] في «أ» : (الراسبي) وهو تحريف.
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» (67) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 284- 285) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 69- 70) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 286) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 286- 287) .(10/132)
أخبر، وهو ممن أخبر بزوال دولة الجراكسة وقتالهم لابن عثمان، وقال: إن الدولة تكون للسلطان سليم، ومرّ على المعمار وهو يعمّر القبة الزرقاء للغوري تجاه مدرسته فقال: ليس هذا قبر الغوري، فقالوا له: وأين قبره؟ فقال: يقتل في المعركة فلا يعرف له قبر، وكان الأمر كما قال.
وكان شابا، طويلا، جميل الصورة، طيب الرائحة على الدوام، حفظ «المدونة الكبرى» للإمام مالك، وسمع الحديث الكثير، وكان يصوم الدّهر، وقوته في الغالب الزّبيب، ولم يكن على رأسه عمامة إنما كان يطرح ملاءة عريضة على رأسه وظهره، ويلبس جبّة سوداء واسعة الأكمام، وسكن جامع الملك بالحسينية، ثم انتقل إلى جامع محمود، ثم عاد إلى قبة المارستان بخطّ بين القصرين، وبقي بها إلى أن مات، ولما سكن بجامع محمود قال فيه الشيخ شمس الدّين الدّمياطي [1] أبياتا، منها [2] :
سألتني أيّها المولى مديح أبي ... حفص وما جمعت أوصافه الغرر
مكمّل في معانيه وصورته ... كمال من لا به نقص ولا قصر
مطهّر القلب لا غلّ يدنّسه ... ولا له قطّ في غير التّقى نظر
فهنّ جامع محمود بساكنه ... فإنّه [3] الآن محمود ومفتخر
وقل له فيك بحر العلم ليس له ... حدّ فيا لك بحرا كلّه درر
وتوفي في هذه السنة أو التي بعدها، ودفن بالقرافة في حوش عبد الله بن وهب بالقرب من قبر القاضي بكّار.
وفيها أو في التي بعدها مصلح الدّين مصطفى الرّومي الحنفي، الشهير بابن البركي [4] الإمام العالم.
__________
[1] ليست اللفظة في «أ» .
[2] الأبيات في «الكواكب السائرة» (1/ 287) .
[3] في «أ» : (فإن) ولا يستوي بها الوزن ولا المعني.
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (231- 232) ، و «الكواكب السائرة» (2/ 251) .(10/133)
طلب العلم، وخدم المولى قاسم الشهير بقاضي زاده، ثم صار معيدا لدرسه، ثم درّس في بعض المدارس، ثم جعله السلطان أبو يزيد معلما لولده السلطان أحمد وهو أمير بأماسية، ثم أعطاه إحدى الثمانية، ثم قضاء أدرنة، وكان في قضائه حسن السيرة، محمود الطريقة، واستمرّ قاضيا بها مدة طويلة إلى أن عزله السلطان سليم في أوائل سلطنته، وعيّن له كل يوم مائة وثلاثين عثمانيا، وكان مفننا، فصيح اللّسان، طلق الجنان، رحمه الله تعالى.
وفيها نجم الدّين محمد بن أحمد، الشهير بابن شكم الدمشقي الشافعي [1] الإمام العلّامة.
قال الحمصي: كان عالما، صالحا، زاهدا.
وقال ابن طولون: كتب عليّ أربعين مسألة بالشامية سأله عنها مدرّسها شيخ الإسلام تقي الدّين بن قاضي عجلون، فكتب عليها وعرضها عليه يوم الأربعاء سادس عشري ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وتسعمائة عند ضريح الواقفة، فأسفر عن استحضار حسن، وفضيلة تامّة.
وتوفي يوم الاثنين خامس عشر شوال ودفن بصالحية دمشق.
وفيها محيي الدّين محمد بن حسن بن عبد الصّمد السّاموني الرّومي الحنفي [2] ، العالم العامل الزّاهد.
قرأ على والده، وعلى المولى علاء الدّين العربي، ثم ولي التدريس، وترقى فيه، ثم صار قاضي أدرنة من قبل السلطان سليم.
وتوفي وهو قاض بها.
قال في «الشقائق» : كان مشتغلا بالعلم غاية الاشتغال، بحيث لا ينفك عن حلّ الدقائق ليلا ونهارا، وكان معرضا عن مزخرفات الدّنيا، يؤثر الفقراء على نفسه، حتى يختار لأجلهم الجوع والعري، راضيا من العيش بالقليل، له محبّة
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 79) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 51) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (179- 180) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 138) .(10/134)
صادقة للصّوفية، وله حواش على «شرح المفتاح» للسيد الشريف، وحواش على «حاشية التجريد» للسيد أيضا، وحواش على «التلويح» للتفتازاني. انتهى وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن حسن بن محمد بن أبي بكر البابي المولد الحلبي المنشأ، الشافعي [1] ، المعروف بابن البيلوني، الإمام العالم العامل.
لازم الشيخ بدر الدّين بن السّيوفي، وحدّث عنه، وقرأ على الكمال محمد بن النّاسخ الطّرابلسي، وهو نزيل حلب في شعبان سنة خمس وتسعمائة، من أول «صحيح البخاري» إلى أول تفسير سورة مريم، وأجازه ومن معه، وأجازه جماعة آخرون، منهم الحافظ السّخاوي وألبسه الطّاقية، وصافحه، وأسمعه الحديث المسلسل بالمصافحة، ومنهم الكمال والبرهان ابنا أبي شريف المقدسيان، وذلك عن اجتماع بهما [2] وقراءة عليهما، وحدّث بجامع حلب على الكرسي ب «صحيح البخاري» وغيره، وولي إمامة السفاحية والحجازية بجامع حلب دهرا، وكان متقشفا، متواضعا، يعبّر عن نفسه بلفظ عبيدكم كثيرا.
وتوفي بحلب يوم السبت ثاني عشري القعدة.
وفيها شمس الدّين محمد بن جلال الدّين محمد بن فتح الدّين عبد الرحمن بن وجيه الدّين حسن المصري المالكي [3] ، ويعرف كسلفه بابن سويد.
قال في «النور» : ولد في سادس شعبان سنة ست وخمسين وثمانمائة، ونشأ في كنف أبيه، فحفظ القرآن، و «ابن الحاجب» الفرعي والأصلي، و «ألفية النحو» وغير ذلك، وعرض على خلق، واشتغل قليلا على والده، وورث عنه شيئا كثيرا فأتلفه في أسرع وقت، ثم أملق، وذهب إلى الصّعيد ثم إلى مكّة، وقرأ هناك على الحافظ السّخاوي «الموطأ» و «مسند الشافعي» و «سنن الترمذي» و «ابن ماجة»
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 362- 365) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 38) .
[2] ليست اللفظة في «ط» .
[3] ترجمته في «النور السافر» (102- 103) .(10/135)
وسمع عليه «شرحه للألفية» [1] وغير ذلك من تصانيفه، ولازمه مدة، وذكره السخاوي في «تاريخه» فقال: كان صاحب ذكاء وفضيلة في الجملة، واستحضار، وتشدق في الكلام، وكانت سيرته غير مرضية، وأنه توجه إلى اليمن ودخل زيلع ودرّس وحدّث ثم توجه إلى كنباية، وأقبل عليه صاحبها.
وقال الشيخ جار الله بن فهد: وقد عظم صاحب الترجمة في بلاد الهند، وتقرّب من سلطانها محمود شاه، ولقبه بملك المحدّثين لما هو مشتمل عليه من معرفة الحديث والفصاحة، وهو أول من لقب بها، وعظم بذلك في بلاده، وانقاد له الأكابر في مراده، وصار منزله مأوى لمن طلبه، وصلاته واصلة لأهل الحرمين، واستمر كذلك مدة حياة السلطان المذكور، ولما تولى ولده مظفّر شاه أخرج بعض وظائفه عنه بسبب معاداة بعض الوزراء فتأخر عن خدمته إلى أن مات. قال: ولم يخلّف ذكرا بل تبنى ولدا على قاعدة الهند، فورّثه مع زوجته، ولم يحصل لابنته التي بالقاهرة شيئا من ميراثها لغيبتها، ودفن بأحمد أباد من كجرات [2] . انتهى
__________
[1] واسمه «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» وقد تقدم التعريف به في هامش الصفحة (24) من هذا المجلد.
[2] في «ط» : (كحجرات) .(10/136)
سنة عشرين وتسعمائة
فيها توفي المولى إبراهيم الرّومي الحنفي، الشهير بابن الخطيب [1] ، العالم الفاضل، أحد الموالي العثمانية.
قرأ على أخيه المولى خطيب زاده وعلى غيره، وولي التداريس، وترقّى فيها حتّى صار مدرّسا بمدرسة السلطان مراد خان ببروسا.
وتوفي وهو مدرّس بها.
قال في «الشقائق» : كان سليم الطبع، حليم النّفس، منجمعا عن الخلق، مشتغلا بنفسه، أديبا، لبيبا إلا أنه لم يشتغل بالتصنيف لضعف دائم في مزاجه.
انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن حمزة الشيخ الإمام العالم العلّامة الصّالح التّركي الطّرابلسي الدمشقي الشافعي الصّوفي [2] .
ولد في شوال سنة أربع وثلاثين وثمانمائة، وكان إماما لكافل طرابلس الشام، ولما جاء من كفالة طرابلس إلى كفالة دمشق صحبه المترجم، وكان على طريقة حسنة.
قال الحمصي: كان رجلا عالما صالحا، ومن محاسنه أنه صلى بالجامع الأموي في شهر رمضان بالقرآن جميعه في ركعتين.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (201) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 111) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 4) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 134) .(10/137)
وقال النّعيمي: أصيب في بصره سنة خمس عشرة وتسعمائة بعد أن أصيب في أواخر القرن التاسع بأولاد نجباء وصبر، ثم انقطع عن الناس بالمدرسة التّقوية إلى أن توفي يوم الجمعة [1] خامس ذي القعدة.
وفيها- تقريبا- شهاب الدّين أحمد بن عمر بن سليمان الجعفري الدمشقي الشافعي الصّوفي الوفائي [2] .
له كتاب لطيف شرح فيه «حكم ابن عطاء الله» وضعه على أسلوب غريب كلما تكلّم على حكمة اتبعها بشعر عقدها فيه فمن ذلك قوله [3] :
أجلّ أوقات عارف زمن ... يشهد فيه وجود فاقته
متّصفا بالذي يقرّبه ... من ربّه من وجود زلّته
عقد فيه قول ابن عطاء الله [4] خير أوقاتك وقت شهدت فيه وجود فاقتك، وتردّ إلى وجود ذلّتك.
وقال أيضا [5] :
خير ما تطلب منه ... هو ما يطلب منكا
فاطلب التوفيق منه ... للذي يرضيه عنكا
عقد فيه قول ابن عطاء الله [6] : خير ما تطلبه منه ما هو طالبه منك.
وقال أيضا [5] :
إنّ وسع الكون صغي ... ر جرم جثمانيّتك
فإنّه يضيق عن ... عظيم روحانيّتك
__________
[1] في ط: «يوم الخميس» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 140) .
[3] البيتان في «الكواكب السائرة» (1/ 140) .
[4] انظر «شرح الحكم العطائية» للشرنوبي ص (85) طبع دار ابن كثير، وفيه: «تشهد فيه» .
[5] البيتان في «الكواكب السائرة» (1/ 141) .
[6] انظر «شرح الحكم العطائية» ص (72) .(10/138)
عقد فيه قول ابن عطاء الله [1] : وسعك الكون من حيث جثمانيّتك، ولم يسعك من ثبوت روحانيّتك.
وفرغ من تأليف هذا الكتاب يوم الجمعة ثالث عشري القعدة من السنة التي قبلها بمكة المشرّفة تجاه البيت الحرام.
وفيها أحمد الشيخ الصّالح المعتقد، المعروف بأبي [2] عراقية [3] .
أصله من العجم، وأقام بدمشق، وكان للأروام فيه اعتقاد زائد.
قال ابن طولون: وهو ممن أخذ عنه، وقد أخبرنا كثيرا عن استيلائهم على هذه البلاد وعمارتهم على قبر المحيوي بن العربي، وعنده تكية قبل موته، وقد وقع ذلك بعد موته بسنتين كما قال. انتهى توفي في هذه السنة، ودفن عند صفة الدّعاء أسفل الروضة من سفح قاسيون.
وفي حدودها صاحب خزانة الفتاوي وهو القاضي جكن- بضم الجيم، وفتح الكاف، وسكون النون، وهي كلمة هندية جعلت علما ومعناها بلسان الهند كثير المال.
كان رحمه الله تعالى أحد إخوة أربعة كلهم فقهاء فضلاء ولّوا القضاء بنهر واله من إقليم الكجرات واسم القصبة التي نشأوا بها كري- بفتح الكاف، وكسر الراء، آخره ياء مثناة تحت- وكان في أواخر سلطنة السلطان محمود شاه بن محمد شاه بن أحمد شاه الكجراني.
وفيها حسام الدّين حسين بن عبد الرحمن الرّومي الحنفي [4] ، العالم الفاضل.
__________
[1] انظر «شرح الحكم العطائية» ص (165) .
[2] في «أ» : «المعروف بابن عراقية» وما جاء في «ط» موافق كما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 152) .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (231) ، و «الطبقات السنية» (3/ 147) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 186) .(10/139)
قرأ على علماء عصره، ودخل إلى خدمة المولى أفضل زاده، ثم قرأ على المولى عبد الرحمن بن المؤيد ثم خدم المولى خواجه زاده، ثم ولي التداريس، حتّى صار مدرسا بمدرسة السلطان محمد ببروسا، ثم بمدرسة أبي يزيد باماسية، ثم بإحدى الثمانية، ومات وهو مدرّس بها، وكان فاضلا، بارعا، حسن الصّوت، لطيف المعاشرة، له أدب ووقار، وله حواش على «أوائل حاشية التجريد» وكلمات متعلقة ب «شرح الوقاية» لصدر الشريعة، ورسالة في جواز استخلاف الخطيب، ورسالة في جواز الذكر الجهري، وغير ذلك. قاله في «الكواكب» .
وفيها عمر بن معوضة الشّرعبي [1] .
قال في «النّور» : كان فقيها عالما صالحا.
مات يوم الأربعاء ثاني عشر شوال بزبيد. انتهى وفيها أبو الوفا محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد الموصلي الأشعري الشافعي [2] الشيخ الصالح المسلك المربي.
قال في «الكواكب» : كان من أعيان الصّوفية بدمشق وأصلائهم أبا عن جد.
توفي في ثامن عشر شهر رمضان، ودفن بمقبرة القبيبات، رحمه الله تعالى.
وفيها جمال الدّين محمد بن الصّديق الصّائغ [3] .
قال في «النّور» : كان فقيها إماما علّامة.
توفي بمدينة زبيد ليلة السبت الحادي عشر من شهر ربيع الأول، ودفن غربي مشهد الشيخ أحمد الصّيّاد. انتهى.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» (104) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 84) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 52) .
[3] ترجمته في «النور السافر» (103) .(10/140)
سنة إحدى وعشرين وتسعمائة
في حدودها توفي الشيخ شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن حسين بن محمد العليني المكي [1] نزيل المدينة الشافعي.
ولد سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وسمع على جماعة، وأجازه آخرون.
قال ابن طولون: أجازني في استدعاء بخطّ شيخنا النّعيمي مؤرّخ في سنة عشرين وتسعمائة. قال: وربما اجتمعت به. انتهى وفيها بدر الدّين حسن بن ثابت بن إسماعيل الزّمزميّ المكّي [2] خادم بئر زمزم، وسقاية العبّاس، نزيل دمشق، الشافعي الإمام الحيسوب المفيد.
قال في «الكواكب» : أخذ العلم عن قريبه الشيخ إبراهيم الزّمزمي وغيره، ثم اعتنى بعلم الزيارج، وبتصانيف الشيخ جلال الدّين السّيوطي، رحمه الله تعالى.
وتوفي بالمدرسة البادرائية داخل دمشق في سابع عشر ربيع الأول تقريبا سنة إحدى وعشرين وتسعمائة تحقيقا ودفن بمقبرة باب الصغير. انتهى وفيها قاضي القضاة سري الدّين أبو البركات عبد البرّ بن قاضي القضاة محبّ الدّين أبي الفضل محمد بن قاضي القضاة محبّ الدّين أيضا أبي الوليد محمد بن الشّحنة [3] الحنفي.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 4) ، و «الكواكب السائرة» (134) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 79) ، و «الكواكب السائرة» (177) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» ، و «متعة الأذهان» (ق 44) ، و «درّ الحبب» (1/ 2/ 743- 747) و «الكواكب السائرة» (219) .(10/141)
ولد بحلب سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، ورحل إلى القاهرة، فاشتغل في علوم شتّى على شيوخ متعددة ذكرهم السخاوي في ترجمته في «الضوء اللامع» منهم والده وجدّه، ودرّس وأفتى، وتولى قضاء حلب ثم قضاء القاهرة، وصار جليس السلطان الغوري وسميره.
قال الحمصي: كان عالما متقنا [1] للعلوم الشرعية والعقلية.
وقال ابن طولون: ولم يثن الناس عليه خيرا.
وذكر الحمصي أن عبيد السّلموني شاعر القاهرة هجاه بقصيدة قال في أولها:
فشا الزّور في مصر وفي جنباتها ... ولم لا وعبد البرّ قاضي قضاتها [2]
وعقد على السّلموني بسبب ذلك مجلس في مستهل محرم سنة ثلاث عشرة بحضرة السلطان الغوريّ، وأحضر في الحديد، فأنكر، ثم عزّر بسببه بعد أن قرئت القصيدة بحضرة السلطان وأكابر الناس وهي في غاية البشاعة والشّناعة، والسّلموني المذكور كان هجاء خبيث الهجو ما سلم منه أحد من أكابر مصر فلا يعدّ هجوه جرحا في مثل القاضي عبد البرّ، وقد كان له في ذلك العصر حشمة، وفضل، وكان تلميذه القطب بن سلطان مفتي دمشق يثني عليه خيرا ويحتج بكلامه في مؤلفاته، وكان ينقل عنه أنه أفتى بتحريم قهوة البن، وله رحمه الله تعالى مؤلّفات كثيرة منها «شرح منظومة ابن وهبان» في فقه أبي حنيفة النّعمان، ومنها «شرح الوهبانية» [3] في فقه الحنفية، و «شرح منظومة جدّه أبي الوليد بن الشحنة» التي نظمها في عشرة علوم، وكتاب لطيف في حوض دون ثلاثة أذرع هل يجوز فيه الوضوء، أولا وهل يصير مستعملا بالتوضي فيه أولا، ومنها «الذخائر الأشرفية في ألغار الحنفية» . وله شعر لطيف منه [4] :
__________
[1] في «أ» : (متفننا) وهو تحريف.
[2] في «ط» : (قضلتها) وهو تصحيف.
[3] في «أ» : (شرح الوجانية) .
[4] الأبيات في «الكواكب» (1/ 220) و «درّ الحبب» (1/ 2/ 747) .(10/142)
أضار وها مناقبي الكبار [1] ... وبي والله للدنيا الفخار
بفضل شائع وعلوم شرع ... لها في سائر الدنيا انتشار
ومجد شامخ في بيت علم ... مفاخرهم بها الركبان ساروا
وهمة لوذع منهم تسامى ... وفوق الفرقدين لها قرار
وفكر صائب في كلّ فن ... إلى تحقيقه أبدا يصار
وقال ناظما لأسماء البكّائين في غزوة تبوك [2] وهم الذين نزلت فيهم وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ من الدَّمْعِ 9: 92 [التوبة: 94] .
ألا إنّ بكّاء الصّحابة سبعة ... لكونهم قد فارقوا خير مرسل
فعمرو أبو ليلى وعلية سالم ... كذا سلمة عرباض وابن مغفل
وذيّل عليه البدر الغزّي، فقال [3] :
كثعلبة عمرو وصخر وديعة ... وعبد بن عمرو وابن أزرق معقل
قال البدر المذكور: وكنت قبل أن أقف على بيتي القاضي عبد البرّ المذكور قد استوفيت أسماءهم ونظمتها في هذه الأبيات [4] :
وفي الصّحب بكّاؤون بضعة عشر قد ... بكوا حزنا إذ فارقوا خير مرسل
فمنهم أبو ليلى وعمرو بن عتمة ... وصخر بن سلمان وربّع بمعقل
كذلك عبد الله وهو ابن أزرق ... كذاك ابن عمرو ثم نجل مغفل
وثعلبة وهو ابن زيد وسالم ... هو ابن عمير في مقال لهم جلي
أبو علية أو علية ووديعة ... وبالأمجد العرباض للعدّ أكمل
__________
[1] في «أ» : (الفحار) .
[2] البيتان في «الكواكب» (1/ 220) .
[3] البيت في «الكواكب» (1/ 220) .
[4] الأبيات في «الكواكب» (1/ 221) .(10/143)
وذكر ابن الحنبلي في «تاريخه» أن القاضي عبد البرّ نظم أبياتا في أسماء البكّائين المذكورين، وبيّن فيها اختلاف المفسّرين وأهل السير فيهم، وشرحها في رسالة لطيفة.
ومن لطائفه قوله [1] :
حبشيّة ساءلتها عن جنسها ... فتبسّمت عن درّ ثغر جوهري
وطفقت أسأل عن نعومة ما طفا ... قالت فما تبغيه جنسي امحري
وتوفي يوم الخميس خامس شعبان بحلب.
وفيها تقريبا عزّ الدّين عبد العزيز بن عبد اللطيف بن أحمد بن جار الله بن زايد بن يحيى بن محيا بن سالم المكي الشافعي، المعروف كسلفه بابن زايد [2] .
ولد سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة بمكة، وحفظ القرآن العظيم، وسافر مع أبيه في التجارة إلى الهند واليمن، وسواكن، وغيرها، وسمع على أبي الفتح المراغي جميع «البخاري» خلا أبواب، وبعض «مسلم» وكتبا كثيرة، منها «السنن الأربعة» وسمع على الحافظ تقيّ الدّين بن فهد، ومنه أشياء كثيرة، وعلى الشّهاب الزّفتاوي «المسلسل بالأولية» و «جزء أيوب السختياني» و «البردة» للبوصيري، وغير ذلك، وأجاز له جماعة منهم الحافظ ابن حجر، وأحمد بن محمد بن أبي بكر الدّماميني، والعزّ عبد الرحيم بن الفرات، والسعد الدّيري، وجماعة آخر.
وفيها- تقريبا- أيضا الحافظ عزّ الدّين أبو الخير وأبو فارس عبد العزيز بن العمدة المؤرخ الرّحال نجم الدّين [3] أبي القاسم، وأبي حفص عمر بن العلّامة الرّحلة الحافظ تقي الدّين أبي الفضل محمد بن محمد بن محمد [بن محمد] [4]
__________
[1] البيتان في «الكواكب» (1/ 221) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 237- 238) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 224- 226) و (6/ 129) و «الكواكب السائرة» (1/ 238- 239) و «فهرس الفهارس» (2/ 754- 756) .
[4] ما بينهما لم يرد في «ط» .(10/144)
الشريف العلوي الشهير كسلفه بابن فهد المكّي الشافعي.
ولد في الثلث الأخير من ليلة السبت سادس عشري شوال سنة خمسين وثمانمائة بمكّة المشرّفة، وحفظ القرآن العظيم، و «الأربعين النووية» و «الإرشاد» لابن المقري، و «ألفية ابن مالك» و «النّخبة» لابن حجر، و «التحفة الوردية» و «الجرومية» وعرضها جميعها على والده وجدّه والثلاثة الأولى على جماعة غيرهما، واستجاز له والده جماعة منهم ابن حجر، وأسمعه على المراغي، والزّين الأسيوطي، والبرهان الزّمزمي وغيرهم، ثم رحل بنفسه إلى المدينة المنورة، ثم إلى الدّيار المصرية، وسمع بهما، وبالقدس، وغزّة، ونابلس، ودمشق، وصالحيتها، وبعلبك، وحماة، وحلب، وغيرها ممن لا يحصى، وجدّ واجتهد وتميّز، ثم عاد إلى بلده، ثم رجع إلى مصر بعد نحو أربع سنوات [1] وذلك في سنة خمس وسبعين، وقرأ على شيخ الإسلام زكريا، والشّرف عبد الحق السّنباطي في «الإرشاد» وعلى السخاوي «ألفية الحديث» وغيرها، ورجع إلى بلده، ثم سافر في موسم السنة التي تليها إلى دمشق، وقرأ بها على الزّين خطّاب، والمحبّ البصروي، وكان قد أخذ عنه بمكة أيضا، وحضر دروس التّقوي بن قاضي عجلون، وسافر إلى حلب، ثم رجع، وسافر إلى القاهرة، ثم عاد إلى بلده، ثم عاد إلى القاهرة، ولازم السّخاوي، وحضر دروس إمام الكاملية، والسّراج العبادي، ثم رجع إلى بلده، وأقام بها ملازما للاشتغال والإشغال، ولازم فيها عالم الحجاز البرهان ابن ظهيرة في الفقه والتفسير، وأخاه الفخر، والنّور الفاكهي في الفقه وأصوله، وأخذ النحو عن أبي الوقت المرشدي، والسيد السّنهوري مؤرخ المدينة، والنحو والمنطق عن العلّامة يحيى المالكي، وبرع في علم الحديث، وتميّز فيه بالحجاز، مع المشاركة في الفضائل وعلو الهمّة والتخلق بالأخلاق الجميلة، وصنّف عدة كتب، منها «معجم شيوخه» نحو ألف شيخ، و «فهرست مروياته» و «جزء في المسلسل بالأولية» وكتاب فيه المسلسلات التي وقعت له، و «رحلة» في مجلد، وكتاب «الترغيب والاجتهاد في الباعث لذوي الهمم العلية
__________
[1] في «أ» : (سنين) .(10/145)
على الجهاد» و «ترتيب طبقات القرّاء» للذهبي، و «تاريخ» على السنين ابتدأ فيه من سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة.
وذكر ابن طولون أنه أجازه مرارا، وسمع منه الحديث المسلسل بالأولية، ثم المسلسل بالمحمدين، ثم المسلسل بحرف [1] العين، وذلك يوم الاثنين سادس ذي الحجة سنة عشرين وتسعمائة بزيارة دار الندوة. انتهى وفيها جمال الدّين محمد بن محمد النّطاري [2] .
قال في «النّور» : كان نعم الرّجل، فقها، وعقلا، وصيانة، ودينا، وأمانة، وبذلا للمعروف، كافا للأذى، معينا للملهوف، له صدقات جليلة سرّا وعلانية، وكان قطب رحى المملكة السلطانية الظّافرية وعين الأعيان في الجهة اليمانية.
ومن آثاره بناء المسجد ببيت الفقيه عجيل، عمره عمارة متقنة إلى الغاية، وبني مدرسة بمدينة أب، ووقف عليها وقفا جليلا، وجملة من الكتب النّفيسة، وله من الآثار الحسنة ما يجلّ عن الوصف.
وتوفي يوم الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى بمدينة أب بعد أن طلع إليها متوعكا من نحو شهر، وترك ولده الفقيه عبد الحق [3] عوضا عنه بزبيد.
انتهى
__________
[1] في «أ» : (بحروف) .
[2] ترجمته في «النور السافر» (104- 105) .
[3] في «ط» : «المحق» وهو خطأ.(10/146)
سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة
فيها زالت دولة الجراكسة بملوك بني عثمان خلّد الله دولتهم وأبّد سيادتهم.
وفيها توفي القاضي برهان الدّين إبراهيم السّمديسي المصري الحنفي [1] .
قال في «الكواكب» : ولي نيابة القضاء والوظائف الدينية بالقاهرة، وناب عن عمّه القاضي شمس الدّين السّمديسي في إمامة الغورية.
وتوفي يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى وصلّي عليه في الجامع [2] الأزهر. انتهى وفيها برهان الدّين أبو الوفاء إبراهيم بن زين الدّين أبي هريرة عبد الرحمن بن شمس الدّين محمد بن مجد الدّين إسماعيل الكركي الأصل القاهري [3] المولد والدار والوفاة، الحنفي إمام السلطان، ويعرف بابن الكركي.
قال في «النّور السافر» : ولد وقت الزوال من يوم الجمعة تاسع شهر رمضان سنة خمس وثلاثين وثمانمائة بالقاهرة، وأمه أم ولد جركسية، وحفظ القرآن، و «أربعين النّووي» و «الشاطبية» و «مختصر القدوري» و «ألفية ابن مالك» وغيرها.
وعرض محفوظاته على أئمة عصره، كالشهاب ابن حجر، والعلم البلقيني،
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 112) .
[2] في «أ» : (بالجامع) .
[3] ترجمته في «النور السافر» ص (108) .(10/147)
والقلقشندي، واللولوي السقطي، وابن الدّيري، وابن الهمام، وجماعة آخرين، وكتبوا كلّهم له، وسمع «صحيح مسلم» أو أكثره على الزّين الزّركشي، وأقبل على العلم وتحصيله، فأخذ الفقه والعربية عن الشمس إمام الشيخونية، وكذا أخذ عن النجم الغزّي، والعزّ عبد السلام البغدادي، وسمع عليه «الشفا» وقرأ «الصحيحين» على الشّهاب بن العطّار، وحضر دروس الكمال بن الهمام، ولازم التّقي الحصني، والتّقي الشّمنّي، والكافيجي، وعظم اختصاصه بهم، وأخذ عن الشّمنّي التفسير، وعلوم الحديث، والفقه، والأصلين، والعربية، والمعاني، والبيان، ورتّبت له الوظائف الكثيرة، من جملتها دينار كل يوم، ونوه به في قضاء الحنفية، وكان شأنه أعلى من ذلك إذ كان القضاة وغيرهم يترددون إليه، ومال الأفاضل من الغرباء وغيرهم من الاستفادة منه والمباحثة معه، ولم يزل يزيد اختصاصه بالسلطان قايتباي بحيث لم يتخلف عنه في سفر ولا غيره.
قال السخاوي: إنه تمنى بحضرته الموت فانزعج من ذلك وقال: بل أنا أتمناه لتقرأ عند قبري وتزورني، وصنّف، وأفتى، وحدّث، وروى، ونظم، ونثر، ونقّب، وتعقب، وخطب، ووعظ، وقطع، ووصل، وقدّم، وأخر.
ومن تصانيفه فتاوى في الفقه مبوبة في مجلدين، و «حاشية على توضيح ابن هشام» هذا كله مع الفصاحة، والبلاغة، وحسن العبارة، والضبط، وجودة الخط، ولطف العشرة، والميل إلى النّادرة، واللطف، ومزيد الذكاء، وسرعة البديهة، والاعتراف بالنّعمة، والطبع المستقيم، إلى أن تنكد خاطر السلطان من جهته في سنة ست وثمانين فمنعه من الحضور في حضرته، فتوجه للإقراء في بيته فنون العلم والفتيا، وحجّ ثلاث حجّات، وأخذ عن أهل الحرمين، وأخذوا عنه. انتهى كلام صاحب «النّور» .
وقال ابن فهد: إنه تولى قضاء الحنفية بالقاهرة في زمن الأشرف بن قايتباي في سنة ثلاث وتسعمائة، ثم عزل سنة ست، واستمرّ معزولا إلى أن مات.
وقال في «الكواكب السائرة» : كانت وفاته يوم الثلاثاء خامس شعبان غريقا تجاه منزله من بركة الفيل بسبب أنه كان توضأ بسلالم قيطونه فانفرك به القبقاب(10/148)
فانكفأ في البركة ولم يتفق أحد يسعفه فاستبطأوه وطلبوه فوجدوا عمامته عائمة وفردة القبقاب على السّلّم فعلموا سقوطه في البركة فوجدوه ميتا، ونال الشهادة، ودفن من الغد بفسقيته [1] التي أنشأها بتربة الأتابك يشبك بقرب السلطان قايتباي، وتردد الأمير طومان باي الذي صار سلطانا بعد موت الغوري إلى بيته وذهب ماشيا إلى جنازته هو ومن بمصر من الأعيان. انتهى وفيها برهان الدّين أبو الفتح إبراهيم بن علي بن أحمد القلقشندي [2] الشيخ الإمام العلّامة المحدّث الحافظ الرّحلة القدوة الشافعي القاهري.
أخذ عن جماعة، منهم الحافظ ابن حجر، والمسند عزّ الدّين بن الفرات الحنفي، وغيرهما، وخرّج لنفسه «أربعين حديثا» .
قال البدر العلائي: إنه آخر من يروي عن الشّهاب الواسطي، وأصحاب الميدومي، والتّاج الشّرابشي، والتّقي الغزنوي، وعائشة الكنانية، وغيرهم، وقال الشعراوي.
كان عالما صالحا زاهدا، قليل اللهو والمزاح [3] ، مقبلا على أعمال الآخرة، حتى ربما يمكث اليومين والثلاثة لا يأكل، انتهت إليه الرئاسة وعلو السّند في الكتب الستة والمسانيد والإقراء. قال: وكان لا يخرج من داره إلّا لضرورة شرعية، وليس له تردد إلى أحد من الأكابر، وكان إذا ركب بغلته وتطيلس يصير الناس كلّهم ينظرون إليه من شدّة الهيبة والخفر الذي عليه.
وتوفي فقيرا بحصر البول يوم الثلاثاء عاشر جمادى الآخرة عن إحدى وتسعين سنة لا تزيد يوما ولا تنقص يوما وصلي عليه بالجامع الأزهر، ودفن بتربة الطويل خارج باب الحديد من صحراء القاهرة.
قال الشعراوي: وكأن الشمس كانت في مصر فغربت أي عند موته.
__________
[1] في «أ» : (بفسيقيته) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 24) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 108) ، و «النور السافر» (110) .
[3] في «أ» : (والمزح) .(10/149)
وفيها برهان الدّين إبراهيم بن موسى بن أبي بكر بن الشيخ علي الطّرابلسي ثم الدمشقي [1] نزيل القاهرة الحنفي الإمام العلّامة.
أخذ عن السّخاوي، والديمي، وغيرهما، وكان منقطعا في خلوة بالمؤيدية عند الشيخ صلاح الدّين الطّرابلسي، ثم طلب العلم واشتغل، وترقى مقامه عند الأتراك بواسطة اللّسان، ثم صار شيخ القجماسية.
وتوفي في آخر هذه السنة وصلّي عليه وعلى البرهانين ابن الكركي المتقدم، وابن أبي شريف الآتي في السنة التي بعد هذه غائبة بجامع دمشق.
وفيها أحمد بن أبي بكر العيدروس [2] الشيخ الصّالح الولي العجيب.
قال في «النّور» : أمه بهية بنت الشيخ علي بن أبي بكر بن الشيخ عبد الرحمن الشقّاف، وأمها فاطمة بنت الشيخ عمر المحضار بن الشيخ عبد الرحمن الشقّاف فولده الشيخ عمر من الجهتين كما ولده أيضا الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن مرتين وقد تميّز بهذا عن غيره من بني عمه كما أشار إليه العلّامة بحرق حيث يقول فيه [3] :
أصيل [4] السّيادة لا ينتمي ... إلى جدّ [5] إلّا هو السّيّد
لئن شاركته بنو العيدروس ... بفخر هو الشمس لا يجحد
فقد خصّه الله من بينهم ... بآيات مجد له تشهد
حوى سرّ جدّيه من أمه ... فطاب له الفرع والمحتد
فهو الوارث لأبيه وجدّه وحامل الراية من بعده، وولي عهده، فقد قام بالمقام أتمّ قيام، ونهض بما نهض به آباؤه الكرام فساد وجاد وبنى معاقل المجد، وشاد
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 112) ، و «النور السافر» (111) .
[2] ترجمته في «النور السافر» (105) .
[3] الأبيات في «النور السافر» (105) .
[4] في «النور» : (أصل) ولا يستقيم بها الوزن.
[5] في «النور» : (حدّ) ولا يستقيم بها المعنى.(10/150)
وأحيا الرواتب التي أسسها أبوه والأوراد، وواظب [1] على إطعام الطعام وصلة الأرحام والإحسان إلى الفقراء والأيتام باذلا جاهه وماله في إيصال النّفع إلى أهل الإسلام، واتفق أن ثمن الكسوة التي اشتراها في آخر ختمة لرمضان صلّاها بلغ خمسة آلاف دينار أو أكثر وحكى أن خبز مطبخه كان إذا ركموه يبلغ إلى سطح الدار، ودور عدن عالية جدا بحيث أنها تكون على ثلاثة قصور غالبا. قال الراوي:
فعجبت وقلت: ما كان بعدن إذ ذاك سائل. قالوا: لا ما كان في زمنه وزمن والده في عدن سائل أصلا.
ومحاسنه- رحمه الله تعالى- أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر، ورثاه العلّامة بحرق بمرثية حسنة منها [2] :
لمن تبنى مشيدات القصور ... وأيام الحياة إلى قصور
إلى أن قال:
وروّعت الأنام [3] بفقد شخص ... رزئت به على بشر كثير
شهاب ثاقب من نور بدر ... تبقي من شموس من بدور
وهي طويلة.
وتوفي في سلخ المحرم بعدن ودفن بها في قبة أبيه وعمره يومئذ أربعون سنة تقريبا. انتهى ملخصا.
وفيها السيد أحمد البخاري [4] العارف بالله تعالى الشريف الحسيني.
قال في «الكواكب» : صحب في بدايته الشيخ العارف بالله تعالى خواجه عبيد الله السّمرقندي، ثم صحب بأمره الشيخ الإلهي، وسار معه إلى بلاد الرّوم، وترك أهله وعياله، ببخارى، وكان الشيخ الإلهي يعظّمه غاية التعظيم، وعيّن له
__________
[1] في «أ» : (ووظب) وهو خطأ.
[2] القصيدة بكاملها في «النور السافر» (106- 107) .
[3] في «أ» : (الأيام) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 152- 153) .(10/151)
جانب يمينه، وكان يقول: إن السيد أحمد البخاري صلّى بنا الفجر بوضوء العشاء ست سنين.
وسئل السيد أحمد عن نومه في تلك المدة. قال: كنت آخذ بغلة الشيخ وحماره في صبيحة كل يوم وأصعد الجبل لنقل الحطب إلى مطبخ الشيخ، وكنت أرسلهما ليرتعا في الجبل واستند إلى جبل [1] وأنام ساعة، وذهب بإذن شيخه إلى الحجاز على التجريد والتوكل، وأعطاه الشيخ حمارا وعشرة دراهم، وأخذ من سفرة الشيخ خبزة واحدة، ولم يصحب سوى ذلك إلا مصحفا ونسخة من «المثنوي» فسرق المصحف، وباع «المثنوي» بمائة درهم، وكان مع ذلك على حسن حال وسعة نفقة. وجاور بمكّة المشرّفة قريبا من سنة، ونذر أن يطوف بالكعبة كل يوم سبعا ويسعى بين المروتين سبعا، وكان كل ليلة يطوف تارة ويجتهد أخرى، وتارة يستريح، ولا ينام ساعة مع ضعف بنيته، وزار القدس الشريف وسكنه مدة، ثم رجع إلى شيخه وخدمته ببلدة سيما، ثم وقع في نفسه زيارة مشايخ القسطنطينية فاستأذن من شيخه فأذن له، فذهب إليها، ثم كتب إلى شيخه يرغبه في سكناها، فرحل إليه شيخه، ثم لما مات شيخه كان خليفته في مقامه ورغب الناس في خدمته حتّى تركوا المناصب واختاروا خدمته، وكان على مجلسه الهيبة والوقار، وكان له أشراف على الخواطر، ولا يجري في مجلسه ذكر الدنيا أصلا، وكانت طريقته الأخذ بالعزيمة، والعمل بالسّنّة، والتجنب عن البدعة، والعزلة، والجوع، والصّمت، وإحياء الليل، وصوم النهار، والمحافظة على الذكر الخفي.
وتوفي بقسطنطينية ودفن عند مسجده وقبره يزار ويتبرّك به، قيل: ولما وضع في قبره توجه هو بنفسه إلى القبلة وصلى على النّبيّ صلّى الله عليه وسلم. انتهى وفيها أحمد الزواوي [2] ، الشيخ الصّالح العابد.
أخذ الطريق عن الشيخ شعبان البلقطري، وكان ورده في اليوم والليلة عشرين ألف تسبيحة وأربعين ألف صلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلم.
قال المناوي في «طبقات الأولياء» : كان عابدا، زاهدا، جزل الألفاظ،
__________
[1] في «أ» : (شجرة) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 152) .(10/152)
لطيف المعاني، يفعل قوله في النّفوس ما لا تفعله المثالث والمثاني، ولما سافر الغوري إلى قتال ابن عثمان جاء إلى مصر ليرد ابن عثمان عنها، فعارضه بعض أوليائها فلحقه داء البطن، فتوجه إلى دمنهور الوحش فمات في الطريق ودفن بدمنهور. انتهى وفيها بدر الدّين حسن بن عطية بن محمد بن فهد العلوي الهاشمي المكّي الشافعي [1] الإمام المسند.
ولد يوم الأربعاء تاسع المحرم سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، وأخذ عن والده وعمّه الحافظ تقي الدّين وأبي الفتح المراغي، وعبد الرحيم الأسيوطي، وابن حجر العسقلاني، واجتمع به ابن طولون في سنة عشرين وأجازه ولم يسمع منه، وتوفي في هذه السنة.
وفيها حسام الدّين حسين بن حسن بن عمر البيري ثم الحلبي الشافعي الصّوفي [2] .
قال في «الكواكب» : وصفه شيخ الإسلام الوالد في رحلته وغيرها بالشيخ الإمام الكبير العلّامة المفتي العارف بالله تعالى.
ولد ببيرة الفرات، ثم انتقل إلى حلب، وجاور بجامع الطواشي، ثم بالأجيهية، ثم ولي في سنة أربع وتسعمائة النظر والمشيخة بمقام سيدي إبراهيم بن أدهم، وكان له ذوق، ونظم، ونثر بالعربية والفارسية والتركية، وله رسالة في القطب والإمام، وعرّب شيئا من «المثنوي» من الفارسية وشيئا من «منطق الطير» من التركية منه:
اسمعوا يا سادتي صوت اليراع ... كيف يحكي عن شكايات الوداع
ومنه:
ما ترى قطّ حريصا قد شبع ... ما حوى الدّرّ الصدف حتى قنع
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 177) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 184) .(10/153)
ومن شعره رضي الله عنه:
بقايا حظوظ النّفس في الطبع أحكمت ... كذلك أوصاف الأمور الذّميمة
تحيّرت في هذين والعمر قد مضى ... إلهي فعاملنا بحسن المشيئة
انتهى ملخصا.
وفيها المولى سعدي بن ناجي [1] بيك أخو المولى جعفر جلبي بن ناجي بيك الرّومي الحنفي العالم الفاضل.
قرأ على جماعة من الموالي، منهم المولى قاسم الشهير بقاضي زاده، والمولى محمد بن الحاج حسين، وبرع، واشتهرت فضائله، ودرّس في مدرسة السلطان مراد خان الغازي ببروسا، ثم أعطي مدرسة الوزير علي باشا بقسطنطينية، ثم إحدى الثمانية، ثم حجّ وعاد فأعطي تقاعدا بثمانين عثمانيا.
وكان فاضلا في سائر الفنون، خصوصا العربية، وله باللسان العربي إنشاء وشعر في غاية الجودة، وله حواش على «شرح المفتاح» للسيد الشريف، وحاشية على «باب الشهيد من شرح الوقاية» لصدر الشريعة ونظم «عقائد النسفي» بالعربية، وله رسائل [2] أخرى. قاله في «الكواكب» .
وفيها المولى عبد الرحمن [3] بن علي، المعروف بابن المؤيد الأماسي الرّومي [4] الحنفي العالم العلّامة المحقّق الفهامة.
ولد بأماسية في صفر سنة ستين وثمانمائة، واشتغل بالعلم [5] ببلده، ولما بلغ سنّ الشباب صحب السلطان أبا يزيد خان حين كان أميرا بأماسية، فوشى به المفسدون إلى السلطان محمد خان والد السلطان أبي يزيد، فأمر بقتله، فبلغ
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 208) و «الشقائق النعمانية» (197) .
[2] في «أ» : «رسالة» .
[3] في «أ» : «عبد الرحيم» وما جاء في «ط» هو الصواب.
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (176) ، و «الطبقات السنية» (4/ 292) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 232) .
[5] في «أ» : «في العلم» .(10/154)
السلطان أبا يزيد ذلك قبل وصول أمر والده فأعطاه عشرة آلاف درهم وخيلا وسائر أهبة السفر، وأخرجه ليلا من أماسية ووجهه إلى بلاد حلب، وكانت إذ ذاك في أيدي الجراكسة فدخلها سنة ثمان وثمانين وثمانمائة، فأقام هناك مدة، واشتغل بها في النحو، فقرأ في «المفصّل» [1] ، ثم أشار عليه بعض تجّار العجم أن يذهب إلى المولى جلال الدّين الدّواني ببلدة شيراز، ووصف له بعض فضائله، فخرج مع تجّار العجم، وقصد المنلا المذكور، فقرأ عليه زمانا كثيرا، وحصّل عنده من العلوم العقلية، والعربية، والتفسير، والحديث، كثيرا، وأجازه، وشهد له بالفضل التّام بعد أن أقام عنده سبع سنين، فلما بلغه جلوس السلطان أبي يزيد على تخت السلطنة، سافر إلى الرّوم، فصحب موالي الرّوم، وتكلّم معهم فشهدوا بفضله وعرضوه على السلطان فأعطاه مدرسة قلندرخانه بالقسطنطينية، ثم إحدى [2] ، الثمانية، ثم قضاء القسطنطينية، ثم أدرنه، ثم قضاء العسكر بولاية أناضولي [3] ، ثم بولاية روم إيلي، ثم عزل، وجرت له محنة، ثم لما [4] تولى السلطان سليم خان أعاده إلى قضاء العسكر في سنة تسع عشرة، وسافر معه إلى بلاد العجم لمحاربة الشاه إسماعيل، ثم عزل عن قضاء العسكر بسبب اختلال حصل في عقله في شعبان سنة عشرين، وعيّن له كل يوم مائتي درهم، ورجع إلى القسطنطينية معزولا، وكان قبل اختلاله بالغا الغاية القصوى في العلوم العقلية والعربية، ماهرا في التفسير، مهيبا، حسن الخطّ جدا، ينظم الشّعر بالفارسية والعربية، وله مؤلفات بقي أكثرها في المسودات، منها رسالة لطيفة في المواضع المشكلة من علم الكلام، ورسالة في تحقيق الكرة المدحرجة.
وتوفي بالقسطنطينية ليلة الجمعة خامس عشر شعبان، وقيل: في تاريخ وفاته [5] :
__________
[1] في «ط» : «الفصل» وهو تحريف.
[2] في «أ» : «أحد» .
[3] في «أ» : «أناظولا» .
[4] ليست اللفظة في «أ» .
[5] الأبيات في «الشقائق والكواكب» .(10/155)
نفسي الفداء لحبر حل حين قضى ... في روضة وهو في الجنّات محبور
مقامه في علا الفردوس مسكنه ... أنيسه في الثّرى الولدان والحور
قل للّذي يبتغي تاريخ رحلته ... (نجل المؤيّد مرحوم ومغفور) [1]
وفيها قاضي القضاة محيى الدّين عبد القادر، المعروف بابن النّقيب القاهري [2] الشافعي الإمام العلّامة.
قرأ على جماعة من الأعلام، منهم الكمال بن أبي شريف، وزكريا الأنصاري، وتولى قضاء مصر مرارا [3] ، وكان لا يصلي الصّبح صيفا ولا شتاء إلّا في الجامع الأزهر، يمشي كل يوم من المدرسة الناصرية إليه، وكان متواضعا، سريع الدّمعة، وكان بيده مشيخة الخانقاه الصّلاحية سعيد السعداء، وتدريس الظّاهرية الجديدة، برقوق بين القصرين، وكان مارّا بالقصبة ليلة الاثنين حادي عشر ربيع الأول فرفسه بغل فانكسر ضلعه أو فخذه ومات في اليوم الثاني.
وفيها تاج الدّين عبد الوهاب الذاكر المصري [4] الشيخ الصّالح المسلك المربي المجد الدّاعي إلى الله تعالى.
ربي يتيما بمكتب مدرسة الحسامي، فلما ترعرع تعلّق على صنعة البناء، ثم وفقه الله تعالى للاجتماع على الشيخ نور الدّين بن خليل عرف بابن عين الغزال، فلازمه وصار يحضر المحافل، ويتردّد إلى الشيخ تقي الدّين الأوجاقي، حتّى اشتهر، فجمع الناس، ولازم الذكر والخير، وأقرأ «البخاري» و «الشفا» و «العوارف» بروايته لها عن العزّ بن الفرات، وعن التّقي الأوجاقي، ونازع العلائي أن يكون سمع من العزّ بن الفرات، وكان نيّر الوجه، حسن السّمت، كثير
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «الكواكب السائرة» : «ومغفور» ولا يصح العدد فيها على حساب الجّمل، وفي «الشقائق» وهو الصواب:
نجل المؤيد مرحوم ومبرور 83 91 294 454 922
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 253) .
[3] في ط: «مرات» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 258- 259) .(10/156)
الشفاعات، شديد الاهتمام بقضاء حوائج الناس، مجدا في العبادة، دائم الطّهارة، لا يتوضأ عن حدث إلا كل سبعة أيام، وسائر طهاراته تجديد، وانتهى أمره آخرا إلى أنه كان يمكث اثني عشر يوما لا يتوضأ عن حدث، ولم يعرض ذلك لأحد في عصره إلّا الشيخ أبي السعود الجارحي، وامتحنه قوم دعوه وجعلوا يطعمونه سبعة أيام ولم يحدث، ثم علم أنهم امتحنوه فدعا عليهم فانقلبت بهم المركب، فقيل له في ذلك، فقال: لا غرق وإنما هو تأديب وينجون، فكان كذلك ثم ندم على الدعاء عليهم، وقال: لا بد لي من المؤاخذة، فمرض أكثر من أربعين يوما، ومكث خمسا وعشرين سنة لم يضع [1] جنبه على الأرض إنما ينام جالسا على حصير، وقال عند موته: لي أربعون سنة أصلي الصبح بوضوء العشاء، وقد طويت سجادتي من بعدي.
وتوفي يوم الخميس ثالث عشري جمادي الآخرة، ودفن بزاويته قريبا من حمّام الدودحين. قاله في «الكواكب» .
وفيها عزّ الدّين الصّابوني الحلبي [2] الحنفي، المعروف بابن عبد الغني ابن عمّ أبي بكر بن الموازيني.
كان خطيبا جيد الخطبة، ولي خطابة جامع الأطروش بحلب، فلما دخل السلطان سليم خان حلب في هذه السنة صلى الجمعة بالجامع المذكور خلف المذكور فحظي بسبب ذلك، ولم يلبث أن توفي في هذه السنة، وكان في قدميه اعوجاج بحيث لا يتردّد في الشوارع إلّا راكبا.
وفيها عائشة بنت يوسف بن أحمد [3] بن ناصر بنت الباعوني المعروفة بالباعونية الشيخة الصّالحة الأريبة العالمة العاملة أم عبد الوهاب الدمشقية أحد أفراد الدّهر [4] ونوادر الزّمان فضلا وأدبا وعلما وشعرا وديانة وصيانة.
__________
[1] في «أ» : «يضجع» وما هنا يوافق ما في الكواكب.
[2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 894- 895) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 260) .
[3] ترجمتها في «در الحبب» (1/ 2/ 1060- 1069) ، و «متعة الأذهان» (112- 113) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 287- 292) .
[4] في «ط» : «الدهور» .(10/157)
تنسكت على يد السيد الجليل إسماعيل الخوارزمي، ثم على خليفة المحيوي يحيى الأرموي، ثم حملت إلى القاهرة، ونالت من العلوم حظا وافرا، وأجيزت بالإفتاء والتدريس، وألّفت عدة مؤلفات، منها «الفتح الحنفي» يشتمل على كلمات لدنيّة ومعارف سنية، وكتاب «الملامح الشريفة والآثار المنيفة» يشتمل على إنشادات صوفية ومعارف ذوقية، وكتاب «درر [1] الغائص في بحر المعجزات والخصائص» وهو قصيدة رائية، وكتاب «الإشارات الخفية في المنازل العلية» وهي أرجوزة اختصرت فيها «منازل السائرين» للهروي، وأرجوزة أخرى لخصت فيها «القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع» للسخاوي، و «بديعية» وشرحتها، وغير ذلك. ومن كلامها: وكان مما أنعم الله به عليّ أنني بحمده لم أزل أتقلب في أطوار الإيجاد في رفاهية [2] لطائف البرّ الجواد إلى أن خرجت إلى هذا العالم المشحون بمظاهر تجلياته الطافح بعجائب قدرته، وبدائع إرادته، المشوب موارده بالأقدار والأكدار الموضوع بكمال القدرة والحكمة للابتلاء والاختبار دار ممر لا بقاء لها إلى دار القرار فربّاني اللطف الرّبّاني في مشهد النّعمة والسّلامة، وغذّاني بلبان مدد [3] التوفيق لسلوك سبيل الاستقامة، وفي بلوغ درجة التمييز أهّلني الحقّ لقراءة كتابه العزيز، ومن عليّ بحفظه على التمام ولي من العمر حينئذ ثمانية أعوام، ثم لم أزل في كنف ملاطفات اللطيف حتى بلغت درجة التكليف في كلام آخر.
ولما دخلت القاهرة ندبت لقضاء مآرب لها تتعلق بولد لها كان في صحبتها المقر أبو [4] الثنا محمود بن أجا الحلبي صاحب دواوين الإنشاء بالديار المصرية فأكرمها وولدها وأنزلها في حريمه، وكانت قد مدحته بقصيدة أولها [5] :
روى البحر أصباب [6] العطا عن نداكم ... ونشر الصّبا عن مستطاب ثناكم
__________
[1] في «ط» : (در) .
[2] ليست اللفظة في «أ» .
[3] في «ط» : (مداد) وهو خطأ.
[4] في «أ» : (أبا) وهو خطأ.
[5] البيت في «در الحبب» (1/ 2/ 1064) و «الكواكب» (1/ 288) .
[6] جاء في حاشية «الكواكب» ما يلي: في الهامش بخط متأخر ما يلي: «لعل صوابه أخبار» .(10/158)
فعرضها على شيخ الأدباء السيد عبد الرحيم العبّاسي القاهري فأعجب بها، وبعث إليها بقصيدة من بديع نظمه فأجابت عنها بقصيدة مطلعها [1] :
وافت تترجم عن حبر هو البحر ... بديعة زانها مع حسنها الخفر
ومن شعرها [2] :
نزّه الطّرف في دمشق ففيها ... كلّ ما تشتهي وما تختار
هي في الأرض جنة فتأمّل ... كيف تجري من تحتها الأنهار
كم سما في ربوعها كلّ قصر ... أشرقت من وجوهها الأقمار
وتناغيك بينها صارخات [3] ... خرست [4] عند نطقها الأوتار
كلّها روضة وماء زلال ... وقصور مشيدة وديار
وذكر ابن الحنبلي: أنها دخلت حلب في هذه السنة والسلطان الغوري بها لمصلحة لها كانت عنده، فاجتمع بها من وراء حجاب البدر السّيوفي، وتلميذه الشمس السّفيري، وغيرهما. ثم عادت إلى دمشق وتوفيت بها في هذه السنة.
وفيها السلطان الملك الأشرف أبو النّصر قانصوه بن عبد الله الجركسي المشهور بالغوري [5] وسمّاه ابن طولون جندب، وجعل قانصوه لقبا له.
والغوري نسبة إلى طبقة الغور أحد الطبقات التي كانت بمصر معدة لتعليم المؤدبين.
قال ابن طولون: كان يذكر أن مولده في حدود الخمسين وثمانمائة وترقي في المناصب حتّى صار نائب طرسوس، فانتزعها منه جماعة السلطان أبي يزيد بن
__________
[1] البيت في «در الحبب» (1/ 2/ 1065) و «الكواكب» (1/ 288) .
[2] الأبيات في «الكواكب» (1/ 292) .
[3] في «الكواكب» : (صارحات) .
[4] في «ط» : (خرصت) تحريف.
[5] ترجمته.(10/159)
عثمان فهرب منها وعاد إلى حلب، فلما انتصر عسكر مصر على الأروام عاد إلى طرسوس مرة ثانية، ثم أخذها الأروام مع ما والاها فهرب منها أيضا إلى حلب ثم نصر عسكر مصر ثانيا فعاد إليها مرة ثالثة، ثم أعطي نيابة ملطية، فلما مات الملك الأشرف قايتباي رجع إلى مصر ووقعت له أمور في دولة الملك الناصر بن قايتباي، ثم أعطاه تقدمة ألف، ثم في دولة جان بلاط أعطاه رأس نوبة النّوب، ثم تنقّلت به الأحوال إلى أن صار سلطانا.
قال الشيخ مرعي الحنبلي في كتابه «نزهة الناظرين» : تولى الملك يوم الاثنين عيد الفطر مستهل شوال سنة ست وتسعمائة بعد أن هاب أمر الجلوس على تخت الملك، وجعل بعضهم يحيل على بعض في الجلوس عليه، فاتفقوا على الغوري لأنهم رأوه [1] ليّن العريكة، سهل الإزالة- أي وقت أرادوا- وليس الأمر كما ظنوا، فقال لهم أقبل ذلك بشرط أن لا تقتلوني بل إذا أردتم خلعي وافقتكم، فاستوثق منهم وبويع بقلعة الجبل بحضرة الخليفة المستنصر بالله والقضاة الأربع وأصحاب الحلّ والعقد، فأقام سلطانا خمس عشرة سنة وتسعة أشهر وخمسة وعشرين يوما، وكان ذا رأي وفطنة كثير الدّهاء والعسف قمع الأمراء وأذل المعاندين، حتّى اشتد ملكه وهيبته فهادته الملوك وأرسلت قصادها إليه كملك الهند، واليمن، والمغرب، والرّوم، والمشرق، والعبد، والزّنج، وفكّ الأسرى منهم، وكان له المواكب الهائلة، ومهد طريق الحجّ بحيث كان يسافر فيه النّفر اليسير، وكانت فيه خصال حسنة، وكان يصرف لمطبخ الجامع الأزهر في رمضان ستمائة وسبعين دينارا، ومائة قنطار عسل، وخمسمائة إردب قمح للخبز المفرق فيه.
وفي أيامه بنى دائرة الحجر الشريف وبعض أروقة المسجد الحرام وباب إبراهيم، وجعل علوه قصرا شاهقا وتحته ميضأة، وبنى عدة خانات وآبار في طريق [2] الحج المصري، منها خان في العقبة والأزلم وأنشأ مدرسة بسوق الجملون بالقاهرة والتربة المقابلة لها والمئذنة المعتبرة بالجامع الأزهر، والبستان
__________
[1] في «ط» : «يروه» .
[2] في «أ» : (طرق) .(10/160)
تحت القلعة، والمنتزه العجيب بالملقة، وأنشأ مجرى الماء من مصر إلى القلعة، وعمر بعض أبراج الإسكندرية، وغير ذلك من جوامع وقصور ومنتزهات، إلا أنه كان شديد الطّمع، كثير الظّلم والعسف، مصادرا للناس في أخذ أموالهم، وبطل الميراث في أيامه بحيث كان إذا مات أحد أخذ ماله جميعا. كذا قال القطبي، فجمع أموالا عظيمة وخزائن وأمتعة، وافتتح اليمن، واتخذ مماليك لنفسه، فصاروا يظلمون الناس، وأظهروا الفساد وأضروا العباد وهو يغضي عنهم ويحكى أن بعض مماليكه اشترى متاعا ولم يرض صاحبه بقيمته، فقال له: شرع الله، فضربه بالدبوس فشج رأسه، وقال: هذا شرع الله فسقط مغشيا عليه، وذهب بالمتاع ولم يقدر أحد يتكلم، فرفع بعض الصّالحين يديه ودعا على الجندي وعلى سلطانه بالزوال، ثم قالت له نفسه: كيف يزول ملك هذا السلطان العظيم الذي ملأت جنوده وسطوته الأرض فلم يمض إلا قليل، ثم وقعت فتنة [1] بينه وبين السلطان سليم ملك الرّوم بسبب إسماعيل شاه، فقصد كل منهما الآخر في عسكرين عظيمين، فالتقيا بموضع يسمّى مرج دابق شمالي حلب بمرحلة، خامس عشري رجب، فانهزم عسكر الغوري بمكيدة خير بك والغزّالي من جماعته، وفقد الغوري تحت سنابك الخيل في مرج دابق، وأقام السلطان سليم بعد الوقعة في بلاد الشام أشهرا، وأمر بعمارة قبر الشيخ محيي الدّين بن عربي بصالحية دمشق.
ثم تولى في تلك المدة بمصر الملك الأشرف طومان باي الجركسي ابن أخي الغوري، ووقع بينه وبين السلطان سليم حروب يطول ذكرها، ثم سلّم نفسه طائعا فقتل بباب زويلة، وأمر السلطان سليم بدفنه بجانب مدفن الغوري المشهور.
وبه انقرضت دولة الجراكسة.
وفي آخر أيام الغوري في حدود العشرين ظهرت الفرنج البرتقال [2] على بنادر [3] الهند استطرقوا إليها من بحر الظلمات من وراء جبال القمر منابع النيل، فعاثوا في أرض الهند، ووصل أذاهم وفسادهم إلى جزيرة العرب وبنادر اليمن
__________
[1] ليست اللفظة في «ط» .
[2] قلت: ويعرفون الآن بالبرتغال.
[3] في «أ» : (البرتقان على بندار) .(10/161)
وجدّة، فلما بلغ السلطان الغوري ذلك جهّز إليهم خمسين غرابا مع الأمير حسين الكردي، وأرسل معه فيها [1] عسكرا عظيما من التّرك والمغاربة واللوند، وجعل له جدّة أقطاعا، وأمره بتحصينها، فلما وصل حسين الكردي شرع في بناء سورها وإحكام أبراجها، وهدم كثيرا من بيوت الناس، مع عسف وشدة ظلم، بحيث بنى السّور جميعه في دون عام ثم توجه بعساكره إلى الهند في حدود سنة إحدى وعشرين، فاجتمع بسلطان كجرات خليل شاه فأكرمه وعظّمه، وهرب الفرنج عن البنادر لما سمعوا بوصوله، ثم عاد حسين الكردي على اليمن فافتتحها من بني طاهر ملوكها، وقتل سلاطينها في هذه السنة، وترك بها نائبا في زبيد اسمه برسباي الجركسي، وتمّ الأمر الذي لا مزيد عليه له وللسلطان الغوري، وإذا تمّ أمر بدا نقصه، ثم عاد حسين إلى جدّة، وقدم مكّة، فبلغه زوال دولة الغوري.
وورد أمر السلطان سليم بقتل حسين الكردي فأخذه شريف مكّة بغتة وقيّده، وشمّت به، وأرسله لبحر جدّة فغرّقه فيه.
فائدة: تولى مصر اثنان وعشرون سلطانا مسهّم الرّق من الجراكسة وغيرهم، أيبك التركماني، وقطر المعزي، والظّاهر بيبرس، وقلاوون، وكتبغا، ولاجين، وبيبرس الجاشنكير، وبرقوق، والمؤيد شيخ، وططر، وبرسباي، وجقمق، وإينال، وخشقدم، وبلباي، وتمربغا، وقايتباي، وقانصوه، وطومان باي، وجنبلاط، والغوري، وطومان باي، ابن أخيه آخر الدولة المصرية الجركسية، ومما قيل فيه:
وكان شخصا حسن المجالسة ... وهو انتهاء مدّة الجراكسه
وعدة [2] سلاطين الجراكسة اثنان وعشرون أيضا، ومدتهم مائة وثمان وأربعون سنة، والله أعلم.
وفيها القاضي بدر الدّين محمد بن أبي العبّاس أحمد البهوتي [3] المصري العالم الشافعي.
__________
[1] ليست اللفظة في «ط» .
[2] في «ط» : (عدد) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 31- 32) .(10/162)
كان من أعيان المباشرين بمصر، وكان ذا ثروة ووجاهة زائدة، حتّى هابه بنو الجيعان وغيرهم من أرباب الديوان، وكان قد عرض بعض الكتب في حياة والده على الشّرف المناوي، والجلال البكري، والمحبّ بن الشّحنة والسّراج العبادي، وغيرهم، وكان ملازما للشيخ محمد البكري النازل بالحسينية، وله فيه اعتقاد زائد، ولما دخل السلطان سليم مصر وتطلب الجراكسة ببيوت مصر وجهاتها خشي القاضي بدر الدّين على نفسه وعياله، فحسن عنده أن يتوجه بهم إلى مصر القديمة عند صهره نور الدّين البكري فأنزلهم في الشختور [ثم أتى مسرعا لينزل معهم فوضع قدمه على حافة الشختور] [1] فاختلت به فسقط في النيل، فغرق، فاضطربوا لغرقه فانحدر الشختور إلى الوطاق العثماني فظنوا أنهم من الجراكسة المتشبهين بالنساء، فأحاطوا بهم وسلبوهم ما معهم بعد التّفتيش فبينما هم كذلك إذ أتى زوجه القاضي بدر الدّين المخاض فرحمها شخص بقرب قنطرة قيدار فوضعت ولدا ذكرا في منزله، وكان القاضي بدر الدّين يتمنى ذلك وينذر عليه النّذور فلم يحصل إلّا على هذا الوجه وأحيط بماله وبما [2] جمعه فاعتبروا يا أولي الأبصار، وكان ذلك في آخر هذه السنة.
وفيها محمد بن حسن، الشهير بابن عنان [3] الشيخ العالم الصالح الناسك العارف بالله تعالى الشافعي الجامع بين علمي الشريعة والحقيقة.
قال المناوي في «طبقاته» إمام تقدم في جامع الإيمان، وعارف أشرقت بضوء شمسه الأكوان، كثير التعبد، غزير التهجد، وافر الجلالة عليه القبول أي دلالة عالي الرّتبة، لا يقاس به غيره، ولا يشبه عظيما في الديانة ممدودا من الله بالإعانة، سلك طريق الهداية، واعتنى بالتصوف أتمّ عناية، أخذ عنه الشعراوي، وقال: ما رأيت مثله، وكان مشايخ عصره بين يديه كالأطفال، وله كرامات منها أنه أشبع خمسمائة فقير من عجين أمه، وكان نصف [4] ويبة ومنها أنه كان بالإسكندرية
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[2] في «آ» : «وما» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 39- 40) .
[4] في «ط» : (وصف) وهو تحريف.(10/163)
رجل إذا غضب على رجل قال: يا قمل، رح إليه فيمتلئ قملا فلا ينام ويعجز عن تنقيته، فذهب إليه، وقال: ما تعمل يا شيخ القمل، وأخذه بيده ورماه في الهواء فلم يعرف له خبر.
ومنها أنه سافر هو والشيخ أبو العبّاس الغمري، فاشتد الحرّ، وعطش الغمري وليس هناك ماء فأخذ ابن عنان طاسة وغرف بها من الأرض اليابسة، وقال:
اشرب، فقال الغمري: الظّهور يقطع الظّهور، فقال: لولا خوف الظّهور جعلتها بركة يشرب منها إلى يوم القيامة.
ومنها أنه أتى برجل أكل محارتين فسيخا وحملين تمرا في ليلة واحدة، فوضع له رغيفا صغيرا في فمه فلم تزل تلك أكلته كل يوم حتّى مات، وكانت أوقاته مضبوطة لا يصغي لكلام أحد ويقول: كل نفس مقوم على صاحبه بسنة وغضب من أهل بلاده لعدم قبولهم الأمر بالمعروف، فقدم مصر، وسكن بسطح جامع الغمري، وكان كل مسجد أقام به لا يقيم إلا على سطحه شتاء وصيفا، وكان يقول لصحبه احرصوا عليّ إيمانكم في هذا الزّمان فإنه لم يبق مع غالب الناس عمل يعتمد عليه، وأما الأعمال الصالحة فقد تودّع منها لكثرة العلل فيها.
وقال: من أراد أن يسمع كلام الموتى في قبورهم فليعمل على كتم الأسرار، فإن المانع من سماعه عدم القدرة على الكتمان. ولما احتضر بسطح جامع باب البحر مات نصفه الأسفل فصلّى وهو قاعد فأضجعوه لما فرغ، فما زال يهمهم بشفتيه والسّبحة في يده حتّى صعدت روحه، وذلك في شهر ربيع الأول عن نحو مائة وعشرين سنة ودفن خلف محراب جامع المقسم وبنى عليه ولده [1] الشيخ أبو الصّفا قبة وزاوية.
وفيها شمس الدّين محمد بن رمضان [2] الشيخ الإمام العالم العلّامة الدمشقي مفتي الحنفية بها.
__________
[1] في «ط» : (والده) وهو خطأ.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 49- 50) .(10/164)
قال الحمصي: كان قد انعزل عن الناس وتنصّل [1] من حرفة الفقهاء، ولازم العزلة إلى أن مات.
قال النّجم الغزّي: وكان سبب عزلته انقطاعه إلى الله تعالى على يد سيدي علي بن ميمون، وكانت وفاة صاحب الترجمة في تاسع ربيع الآخر بدمشق.
وفيها أبو الفتح محمد بن عبد الرحيم بن صدقة [2] الشيخ الواعظ المصري.
قال في «الكواكب» : كان يعظ بالأزهر وغيره إلّا أنه تزوج بامرأة زويلية فافتتن بها فيما ذكره العلائي حتّى باع «فتح الباري» و «القاموس» وغيرهما من النفائس، وركبته ديون كثيرة، ثم خالعها وندم، وأراد المراجعة، فأبت عليه إلّا أن يدفع إليها خمسين دينارا فلم يقدر إلّا على ثلاثين منها فلم تقبل فبعث بها إليها، وبعث معها سمّا قاتلا. وقال: إن لم تقبلي الثلاثين وإلّا أتحسى هذا السّمّ، فردّتها عليه فتحسى السّمّ، فمات من ليلته في ربيع الأول. انتهى وفيها جمال الدّين محمد بن الفقيه موى الضجاعي [3] ، أحد المدرّسين بمدينة زبيد.
قال في «النور» : كان فقيها عالما فاضلا.
توفي بزبيد يوم الخميس الثاني من صفر. انتهى.
__________
[1] في «أ» : «وتنقل» ورواية «ط» أجود لذلك أثبتها.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 55- 56) .
[3] ترجمته في «النور السافر» (107- 108) .(10/165)
سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن الأمير ناصر الدّين محمد بن أبي بكر بن علي بن أيوب، المعروف بابن أبي شريف المقدسي المصري الشافعي [1] الشيخ الإمام والحبر الهمام العلّامة المحقّق والفهّامة المدقّق شيخ مشايخ الإسلام ومرجع الخاص والعام.
ولد بالقدس الشريف سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، ونشأ بها، واشتغل بفنون العلم على أخيه الكمال بن أبي شريف، ورحل إلى القاهرة فأخذ الفقه عن العلم البلقيني، والشّمس القاياتي والأصول عن الجلال المحلّي، وسمع عليه في الفقه أيضا، وأخذ الحديث عن شيخ الإسلام ابن حجر وغيره، وتزوج بابنة قاضي القضاة شرف الدّين يحيى المناوي، وناب عنه في القضاء، ودرّس، وأفتى، ونظم، ونثر، وصنّف، وترجمه صاحب «الأنس الجليل» فيه في حياته. وقال: ولي المناصب السّنية وغيرها من الأنظار بالقاهرة المحروسة، واشتهر أمره وبعد صيته، وصار الآن المعوّل عليه في الفتوى بالدّيار المصرية. قال: وهو رجل عظيم الشأن، كثير التواضع، حسن اللقاء، فصيح العبارة، ذو ذكاء مفرط، وحسن ونظم ونثر، وفقه نفس، وكتابة على الفتوى نهاية في الحسن، ومحاسنه كثيرة، وترجمته وذكر مشايخه يحتمل الإفراد بالتأليف، ولو ذكرت حقّه في الترجمة لطال الفصل، ثم قال: قدم من القاهرة إلى بيت المقدس سنة ثمان وتسعين وثمانمائة بعد غيبة طويلة، ثم عاد إلى وطنه بالقاهرة. انتهى وقال ابن طولون: قدم دمشق يوم الجمعة ثاني الحجة سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، ونزل بالسميساطية، وقرأنا عليه فيها.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 102- 105) و «الأعلام» (1/ 66) .(10/166)
وقال النّعيمي: فوض إليه قضاء مصر في تاسع عشر ذي الحجّة سنة ست وتسعمائة عوض محيي الدّين بن النّقيب، أي وبقي في القضاء إلى سنة عشر وتسعمائة فعزل بالشّهاب بن الفرفور كما ذكره الحمصي، ثم أنعم عليه الغوري بمشيخة قبته الكائنة قبالة مدرسته الغورية بمصر، واستمرّ في المشيخة إلى سنة تسع عشرة فوقعت حادثة بمصر وهي أن رجلا اتّهم أنه زنى بامرأة، فرفع أمرهما إلى حاجب الحجاب بالدّيار المصرية الأمير انسباي فضربهما فاعترفا بالزّنا، ثم بعد ذلك رفع أمرهما إلى السلطان الغوري فاحضرا بين يديه، فذكر أنهما رجعا عما أقرّا به من الزّنا قبل، فعقد السلطان لذلك مجلسا جمع فيه العلماء والقضاة الأربع، فأفتى صاحب الترجمة بصحة الرجوع، فغضب السلطان لذلك، وكان المستفتي القاضي شمس الدّين الزّنكلوني الحنفي وولده، فأمر السلطان بهما فضربا في المجلس حتّى ماتا تحت الضّرب، وأمر بشنق المتهمين بالزّنا على باب صاحب الترجمة فشنقا، وعزل صاحب الترجمة من مشيخة القبّة الغورية والقضاة الأربعة: الكمال الطّويل الشافعي، والسّري بن الشّحنة الحنفي، والشّرف الدّميري المالكي، والشّهاب الشّيشني الحنبلي، واستمرّ صاحب الترجمة ملازما لبيته والناس يقصدونه للأخذ عنه والاشتغال عليه في العلوم العقلية والنّقلية.
قال الشعراوي: وكان من المقبلين على الله عزّ وجل ليلا ونهارا، لا يكاد يسمع منه كلمة يكتبها عليه كاتب الشمال، وكان لا يتردد لأحد من الولاة أبدا، وكان يتقوت من مصبنة له بالقدس ولا يأكل من معاليم مشيخة الإسلام شيئا، وكان قوّالا بالحقّ، آمرا بالمعروف، لا يخاف في الله لومة لائم، وكان الناس يقولون:
جميع ما وقع للغوري بسر الشيخ. انتهى ومن فوائده ما ذكره الزّين ابن الشّماع في «عيون الأخبار» قال: وقد حضرت دروسه [1] بالقاهرة سنة إحدى عشرة فأتى بفوائد كثيرة، وختم المجلس بنكتة فيها بشارة جليلة، فقال ما حاصله: اختم المجلس ببشارة عظيمة ظهرت في قوله تعالى: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ 15: 49 [الحجر: 49] قال: قوله تعالى:
__________
[1] في «أ» : (درسه) .(10/167)
نَبِّئْ 15: 49 أي يا محمد عِبادِي 15: 49 شرّفهم بياء الإضافة إلى تقدس ذاته فأوقع ذكرهم بينه وبين نبيه فعباد وقع ذكرهم بين ذكر نبيهم وذكر ربّهم لا ينالهم إن شاء الله تعالى ما يضرهم بل المرجو من كرم الله تعالى أن يحصل لهم ما يسرّهم. انتهى.
ومن مؤلفاته «شرح المنهاج» في أربع مجلدات كبار وشرح الحاوي وكتاب في الآيات التي فيها الناسخ والمنسوخ وغير ذلك ومن شعره من قصيدة ختم بها «صحيح البخاري» [1] :
دموعي قد نمّت بسرّ غرامي ... وباح بوجدي للوشاة سقامي
فأضحى حديثي بالصّبابة مسندا ... ومرسل دمعي من جفوني هامي
وتوفي في فجر يوم الجمعة ليومين بقيا من المحرم، ودفن بالقرب من ضريح الإمام الشافعي رضي الله عنه.
وفيها شمس الدّين أحمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن زهير بن خليل الرّملي ثم الدمشقي [2] الشافعي الإمام العلّامة.
ولد بالرّملة في ربيع الأول سنة أربع وخمسين وثمانمائة، ونشأ بها، وكان يعرف قديما بابن الحلاوي، وبابن الشّقيع، ثم تحول إلى دمشق، وحفظ «المنهاج» و «ألفية» النحو والحديث و «الشّاطبيتين» و «الدّرة في القراءات الثلاث» وعرض على جماعة، وأخذ عن ابن نبهان، وابن عراق، وأبي زرعة المقدسي، وابن عمران، وعمر الطّيبي، والزّين [خطّاب، والنور] الهيثمي [3] ، والمحبّ بن الشّحنة، وابن الهائم، وجعفر السّنهوري، وآخرين، وسمع على الجمال عبد الله بن جماعة خطيب المسجد الأقصى «المسلسل بالأولية» وغيره وناب في الحكم بدمشق فحسنت سيرته، وولي مشيخة الإقراء بجامع بني أمية وبدار الحديث الأشرفية، و «بتربة الأشرفية» وبتربة أم الصّامح بعد الباقعي، وكان لازمه حين إقامته بدمشق وأخذ عنه كثيرا وعادى أهل بلده أو الكثير منهم بسببه.
__________
[1] البيتان في «الكواكب» (1/ 104) .
[2] ترجمته في «الكواكب» (1/ 131) وما بين حاصرتين مستدرك.
[3] صاحب «مجمع الزوائد» .(10/168)
قال السخاوي: وقصدني في بعض قدماته إلى القاهرة، وأخذ عني، وأنشدني قصيدة من نظمه امتدح فيها الخيضري، وكان نائبه في إمامة مقصورة جامع بني أمية. قال: وبالجملة فهو خفيف مع فضيلة. انتهى وقال في «الكواكب» : ناب في إمامة الجامع الأموي عن العلّامة غرس الدّين اللّدي، ثم لمامات استقلّ بها، فباشرها سنين حتّى مات، وانتهت إليه مشيخة الإقراء بدمشق، وكان له مشاركة جيدة في عدة من العلوم، وله نظم حسن.
وتوفي يوم السبت عشري ذي الحجة، ودفن بمقبرة باب الصغير.
وفيها الحافظ شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن [محمد بن] [1] أبي بكر بن عبد الملك بن أحمد بن محمد بن حسين بن علي القسطلاني المصري [2] الشافعي الإمام العلّامة الحجّة الرّحلة الفقيه المقرئ المسند.
قال السخاوي: مولده ثاني عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بمصر، ونشأ بها وحفظ القرآن، وتلا للسبع، وحفظ «الشاطبية» و «الجزرية» و «الوردية» وغير ذلك، وذكر له عدة مشايخ، منهم الشيخ خالد الأزهري النحوي، والفخر المقسمي، والجلال البكري، وغيرهم، وأنه قرأ «صحيح البخاري» في خمسة مجالس على الشّاوي، وتلمذ له أيضا، وأنه قرأ عليه- أعني السخاوي- بعض مؤلفاته، وأنه حجّ غير مرة، وجاور سنة أربع وثمانين وسنة أربع وتسعين، وأنه أخذ بمكة عن جماعة منهم النّجم بن فهد، وولي مشيخة مقام سيدي الشيخ أحمد الحرّار بالقرافة الصّغرى، وعمل تأليفا في مناقب الشيخ المذكور سمّاه «نزهة الأبرار في مناقب الشيخ أبي العبّاس الحرار» وكان يعظ بالجامع العمري وغيره، ويجتمع عنده الجمّ الغفير، ولم يكن له نظير في الوعظ، وكتب بخطّه شيئا كثيرا لنفسه ولغيره، وأقرأ الطلبة، وتعاطى الشهادة، ثم انجمع وأقبل على التأليف، وذكر من تصانيفه «العقود السّنية في شرح المقدمة الجزرية» و «الكنز في وقف حمزة
__________
[1] ليس ما بين الرقمين في «أ» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 126- 127) .(10/169)
وهشام على الهمز» وشرحا على «الشاطبية» زاد فيه زيادات ابن الجزري، مع فوائد غريبة وشرحا على «البردة» سمّاه «الأنوار المضية» وكتاب سمّاه «نفائس الأنفاس في الصّحبة واللباس» و «الروض الزاهر في مناقب الشيخ عبد القادر» و «تحفة السامع والقاري بختم صحيح البخاري» ورسائل في العمل بالربع المجيب. انتهى ما ذكره السخاوي ملخصا وقال في «النّور» : ارتفع شأنه بعد ذلك، فأعطى السعد في قلمه، وكلّمه وصنّف التصانيف المقبولة التي سارت بها الرّكبان في حياته، ومن أجلها شرحه على «صحيح البخاري» مزجا في عشرة أسفار كبار لعله أجمع شروحه وأحسنها وألخصها، ومنها «المواهب اللدنية بالمنح المحمدية» وهو كتاب جليل المقدار، عظيم الوقع، كثير النّفع، ليس له نظير في بابه، ويحكى أن الحافظ السيوطي كان يغضّ منه ويزعم أنه يأخذ من كتبه ويستمد منها ولا ينسب النقل إليها، وأنه ادعى عليه بذلك بين يدي شيخ الإسلام زكريا، فألزمه ببيان مدعاه فعدّد مواضع قال: إنه نقل فيها عن البيهقي، وقال: إنه للبيهقي عدة مؤلفات فليذكر لنا ذكره في- أي مؤلفاته- لنعلم أنه نقل عن البيهقي ولكنه رأى في مؤلفاتي ذلك النقل عن البيهقي فنقله برمته، وكان الواجب عليه أن يقول نقل السيوطي عن البيهقي.
وحكى الشيخ جار الله بن فهد أن الشيخ- رحمه الله- قصد إزالة ما في خاطر الجلال السّيوطي فمشى من القاهرة إلى الروضة إلى باب السّيوطي، ودق الباب فقال له: من أنت؟ فقال: أنا القسطلاني جئت إليك حافيا مكشوف الرأس ليطيب خاطرك عليّ، فقال له: قد طاب خاطري عليك ولم يفتح له الباب ولم يقابله.
قال في «النّور» : وبالجملة فإنه كان إماما حافظا متقنا، جليل القدر، حسن التقرير والتحرير، لطيف الإشارة، بليغ العبارة، حسن الجمع والتأليف، لطيف الترتيب والترصيف، زينة أهل عصره ونقاوة ذوي دهره، ولا يقدح فيه تحامل معاصريه عليه، فلا زالت الأكابر على هذا في كل عصر.
توفي ليلة الجمعة سابع المحرم بالقاهرة ودفن بالمدرسة العينية جوار منزله.
انتهى(10/170)
وقال في «الكواكب» : كان موته بعروض فالج نشأ له من تأثره ببلوغه قطع رأس إبراهيم بن عطاء الله المكّي بحيث سقط عن دابته وأغمي عليه، فحمل إلى منزله، ثم مات بعد أيام. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي الرّملي ثم الدمشقي الشافعي [1] ، الشهير بابن الملّاح.
ولد سنة تسع وخمسين وثمانمائة، وكان على جانب كبير من العلم والدّيانة وصفاء القلب، إماما في القراءات.
تولى مشيخة الإقراء بالمدرسة السيبائية والإمامة بها، وناب في إمامة الأموي مرات.
وتوفي يوم الاثنين تاسع عشر شهر [2] رمضان.
وفيها المولى شجاع الدّين إلياس العالم الفاضل الرّومي [3] .
كان من نواحي قسطموني، واشتغل بالعلم، وتقدّم في الفضل، حتى صار معيدا للمولى خواجه زاده ثم اشتغل بالتدريس، حتّى صار مدرسا بإحدى الثمانية ثم أعطي تقاعدا، وكان كريم النّفس، متخشعا مشتغلا بنفسه، منقطعا عن الخلق، يقال: إنه تجاوز التسعين.
وتوفي في هذه السنة.
وفيها نور الدّين أبو الفتح جعفر بن الشيخ صارم الدّين أبي [4] إسحاق إبراهيم السّنهوري [5] المصري الشافعي المقرئ البصير الإمام العلّامة.
أخذ القراءات عن الشيخ شهاب الدّين أبي جعفر الكيلاني، المعروف بالحافظ وغيره.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 127- 128) .
[2] ليست اللفظة في «أ» .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (168- 169) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 162) .
[4] في «ط» : (أبو) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 172) .(10/171)
وفيها- أو في التي بعدها- المولى خضر بك بن المولى أحمد باشا الرّومي الحنفي [1] الشيخ العارف.
تربي في حجر والده، وحصّل فضيلة وافرة من العلم، وصار مدرّسا بمدرسة السلطان مراد الغازي ببروسا، وانتفع به الطلبة وفضلوا عنده، ثم مال إلى التصوف وتهذيب الأخلاق، وصار خاشعا، وقورا، ساكنا مهيبا، متأدبا، متواضعا مراعيا لجانب الشريعة، حافظا لآداب الطريقة، مقبولا عند الخاص والعام إلى أن توفي.
قاله في «الكواكب» .
وفيها السلطان الملك الظّافر عامر بن عبد الوهاب [2] سلطان اليمن.
قال في «النور» : كان على جانب عظيم من الدّين والتّقوى والمشي في طاعة الله تعالى، لا تعلم له صبوة، وكان ملازما للطهارة والتّلاوة والأوراد، لا يفتر عن ذلك آناء الليل وأطراف النهار، كثير الصّدقات وفعل المبرّات، ومآثره بأرض اليمن من بناء المساجد والمدارس وغير ذلك مخلّدة لذكره على الدوام، وموجبة لحلوله دار السلام في جوار الملك العلّام، استمرّ ملكا تسعا وعشرين سنة، وفيه وفي أخيه صلاح الدّين يقول العلّامة [ابن] الدّيبع [3] :
تحطّم من ركن الصّلاح مشيده ... وقوّض [4] من بنيانه كلّ عامر
فما من صلاح فيه بعد صلاحه ... ولا عامر والله من بعد عامر
وتوفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الآخر شهيدا رحمه الله تعالى انتهى.
وفيها المولى حليمي عبد الحليم بن علي القسطموني [5] المولد الرّومي الحنفي العالم الفاضل.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 188) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (188) .
[3] في «أ» : «الزيبع» والبيتان في «النور السافر» ص (119) .
[4] في «أ» : «وتقوض» ولا يستقيم بها الوزن.
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 223) .(10/172)
اشتغل بالعلم، وخدم المولى علاء الدّين العربي، ثم ارتحل إلى بلاد العرب، وقرأ على علمائها، وحجّ، ثم سافر إلى بلاد العجم، وقرأ على علمائها، وصحب الصوفية، وتربى عند شيخ يقال له المخدومي، ثم عاد إلى بلاد الرّوم واستقرّ بها، ثم طلبه السلطان سليم الفاتح قبل جلوسه على سرير السلطنة وجعله إماما له وصاحبا فرآه متفننا في العلوم، متحليا بالمعارف، فلما جلس على سرير السلطنة نصّبه معلما لنفسه، وعيّن له كل يوم مائة عثماني، وأعطاه قرى كثيرة، ودخل معه بلاد الشام ومصر.
وتوفي بدمشق بعد عوده في صحبة سلطانه إليها من مصر يوم الجمعة عشري شوال، ودفن بتربة الشيخ محيى الدّين بن عربي إلى جانب الشيخ محمد البلخشي [1] من القبلة.
وفيها العارف بالله تعالى عبد الرحمن بن الشيخ علي بن أبي بكر العيدروس [2] الشافعي.
ولد سنة خمسين وثمانمائة، وقرأ على والده وغيره من الأعلام، فمن جملة ما قرأ على والده «الإحياء» أربعين مرة، وكان يغتسل لكل فرض، ومن مجاهداته وهو صغير أنه كان يخرج هو وابن عمه إلى شعب من شعاب تريم يقال له النّعير بعد مضي نصف الليل، فينفرد كل منهما يقرأ عشرة أجزاء في صلاة، ثم يرجعان إلى منازلهما.
وكان يحفظ «الحاوي» في الفقه، و «الوردية» في النحو، وكان يغطي إحدى يديه فلا يكشفها لأحد [3] فألحّ عليه بعضهم أن يخبره بالسبب، فقال: كنت شاعرا وامتدحت النّبيّ صلّى الله عليه وسلم بجملة قصائد، ثم اتفق أن قلت قصيدة في مدح بعض أهل الدنيا فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلم في النّوم وهو يعاتبني على ذلك، ثم أمر بقطع يدي فقطعت فشفع في الصّدّيق، فعادت والتحمت فانتبهت والعلامة ظاهرة في يدي، ثم كشف له عن يده فإذا محل القطع نور يتلألأ.
__________
[1] في «أ» : (البلخثي) وهو تحريف.
[2] ترجمته في «النور السافر» (112- 113) .
[3] ليست اللفظة في «ط» .(10/173)
وممن أخذ عنه من أكابر العلماء الفقيه عبد الله باقشير [1] والفقيه عمر باشيبان.
وتوفي في المحرّم بتريم ودفن بها. قاله في «النّور» .
وفيها زين الدين عبد الرحمن الصالحي الشافعي الإمام العالم الصالح المحدث توفي بالقاهرة في صفر.
وفيها عبد الفتاح بن أحمد بن عادل باشا الحنفي العجمي [2] الأصل ثم أحد موالي الرّوم.
كان عالما محقّقا، وله خط حسن.
قرأ على جماعة، منهم المولى محيي الدّين الإسكليبي، والمولى عبد الرحمن بن المؤيد، ثم صار مدرّسا بمدرسة المولى يكان ببروسا، ثم بمدرسة أحمد باشا بن ولي الدّين بها بمدرسة إبراهيم باشا بالقسطنطينية، ومات وهو مدرّس بها.
وفيها كريم الدّين عبد الكريم بن الأكرم الدمشقي الحنفي [3] القاضي الشيخ العلّامة.
توفي بمنزله بالعنابة خارج دمشق يوم الخميس سادس عشر صفر، ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان. قاله في «الكواكب» وفيها الشيخ عبد النّبي المغربي [4] المالكي الشيخ الإمام العلّامة الحجّة القدوة الفهّامة مفتي السادة المالكية بدمشق، أحد إخوان سيدي علي بن ميمون.
توفي بدمشق يوم الجمعة ثالث عشري شهر رمضان ووافق حضور جنازته بالجامع الأموي حضور [5] السلطان سليم فصلّي عليه مع الجماعة.
__________
[1] في «أ» : (كبار العلماء الفقيه عبد الله باتشير) وفيه تحريف.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 240) ، و «الطبقات السنية» (4/ 362) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 255) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 256) .
[5] ليست اللفظة في «ط» .(10/174)
وفيها ولي الله عبد الهادي الصّفوري [1] ثم الدمشقي الشافعي الشيخ الصّالح الصّوفي المسلك المربي.
توفي بمنزله بمحلة قبر عاتكة يوم الأحد سادس عشر شوال، ودفن بتربة بالقرب من مسجد الطالع بالمحلّة المذكورة وتعرف الآن بالدقّاقين وقبره الآن ظاهر يزار.
وفيها محبّ الدّين المقدسي [2] إمام المسجد الأقصى الشيخ العلّامة. قاله في «الكواكب» .
وفيها شمس الدّين محمد بن حسين الدّاديخي ثم الحلبي [3] الشافعي المقرئ المجود.
كان ديّنا خيّرا، له أخلاق حسنة. أخذ القراءات عن مغربي كان بداديخ، وبرع فيها وفي غيرها، وأخذ عن البازلي بحماة، وعن البدر السّيوفي بحلب وهما أجلّ شيوخه، وكان يشغل الطلبة في قبّة بجامع عيسى ويؤدّب الأطفال.
وفيها كمال الدّين محمد بن العلّامة شمس الدّين محمد بن داود البازلي الكردي الأصل الحموي [4] الشافعي الإمام العالم العلّامة.
قال الحمصي: باشر نيابة القضاء بدمشق ومشيخة المدرسة الشامية، وكان عالما مفنّنا.
توفي بدمشق يوم السبت تاسع عشري شوال، وكان والده إذ ذاك حيّا.
انتهى وفيها شمس الدّين محمد بن نصير الدمشقي الميداني الضّرير المقرئ [5] المجوّد العلّامة النّحوي.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 256) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 306) .
[3] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 79) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 40) .
[4] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 99) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 20- 21) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 72) وفيه «محمد بن نصر» .(10/175)
كان من أهل العلم بالقراءات، وله في النحو مؤلفات، منها كتاب مطول سمّاه «ذخر الطلاب في علم الإعراب» وكتاب مختصر سمّاه «تنقيح اللّباب فيما لا بد أن يعتنى به في فنّ الإعراب» .
وكان فقيرا من الدّنيا، وكان ابن طولون يتردد إليه كثيرا، وانتفع به جماعة.
وتوفي يوم الخميس قبل المغرب سابع عشري صفر ودفن بمقبرة الجوزة بمحلّة الميدان.
قال في «الكواكب» : وفيها سادات كالشيخ إبراهيم القدسي كاتب المصاحف، وكانت وفاته قبل القرن [1] العاشر في ثاني رمضان سنة أربع وتسعين وثمانمائة. انتهى وفيها محيي الدّين محمد بن يعقوب الرّومي الحنفي، الشهير باجه زاده الإمام العالم. [2] قرأ على علماء عصره، ثم وصل إلى خدمة المولى خطيب زاده، ثم ولي الولايات، وتنقل فيها حتّى صار قاضي بروسا، ثم عزل، ومات معزولا.
قال في «الشقائق» : كان عالما، فاضلا، ذكيا، سليم الطبع، مبارك النّفس مقبلا على الخير متواضعا متخشعا صاحب كرم وأخلاق. انتهى وفيها مفتي زبيد [3] وعالمها كمال الدين موسى بن زين العابدين بن أحمد بن أبي بكر الرداد البكري الصّدّيق الشافعي [4] الجهبذ المصقع المدقّق.
قال في «النّور» : كان شافعي زمانه، ورئيس أقرانه علما وعملا، بحرا من بحار العلم، وجبلا من جبال الدّين، له القدم الراسخة في المذهب والباع الطويل في كل مشرب، رحل [5] إليه الطالبون، ورغب في الأخذ عنه الراغبون، وتفقه
__________
[1] في «ط» : «قبل المغرب» خطأ.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 72) .
[3] جاءت هذه الترجمة في الأصل بعد آخر ترجمتين في هذه السنة.
[4] ترجمته في «النور السافر» ، (115- 116) .
[5] في «أ» : «زهد» ولعلها مصحفة عن «نهد» رواية «النور السافر» .(10/176)
بالقاضي الطّيب النّاشري، ونجم الدّين المقري الجبائي وغيرهما، وروى فقه الإمام الشافعي من طريق العراقيين والمراوزة عن الإمام علي بن عطيف نزيل مكة وأهل طبقته، وأفتى ودرّس، وانتشر صيته في جميع الآفاق، واعترف له الأكابر بالإمامة، وقصد للفتوى من كل نجد، وتهامة، وتفقه به الجلّة، منهم ابنه المحقّق فخر الدّين أبو بكر، وأبو العباس الطبنداوي [1] ، وغيرهما، وله الأجوبة الرائقة والبحوث الفائقة والمصنّفات المقبولة والشروح المتداولة المنقولة، منها «الكوكب الوقّاد شرح الإرشاد» في أربع وعشرين مجلدا، وله شرح صغير على «الإرشاد» وفتاوى جمعها ولده ورتبها ترتيبا حسنا، وزاد عليها زيادات لا غناء عنها.
قال تلميذه الناشري: اتفق له ما لم يتفق لأحد قبله وذلك أنه زرع البرّ في أرضه واستغله وحرث غيره، وكان غالب قوته في غالب الأحوال اللوز والعسل، ومن نعم الله عليه أنه مكث أربعين سنة ما رزئ بأحد من بيته ولم تخرج من بيته جنازة.
وتوفي عصر يوم الجمعة التاسع والعشرين من المحرم. انتهى وفيها نصوح الطّوسي [2] العارف بالله تعالى.
قال في «الكواكب» : كان عالما صالحا، يحفظ القرآن العظيم، ويكتب الخطّ الحسن، ثم انتسب إلى الطريقة الزّينبية، وخدم الشيخ تاج الدّين القرماني، وبلغ عنده رتبة الإرشاد، وقعد على سجادة التربية بعد وفاة الشيخ صفي الدّين في زاوية شيخه المذكور، ومات في وطنه. انتهى وفيها شرف الدّين يونس بن إدريس بن يوسف الحلبي ثم الدمشقي [3] الشافعي الصّوفي، الهمداني الخرقة، الصّالح المسلّك.
ولد بمدينة حلب سنة سبع وستين وثمانمائة، واشتغل على جماعة في عدة
__________
[1] في «ط» : «الضبذاوي» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 311) وهذه الترجمة والتي تليها تقدمتا على ترجمة مفتي زبيد المتقدمة في النسخة «آ» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 320) ، و «متعة الأذهان» (ق 109) .(10/177)
فنون، وتوجه إلى مكة ثلاث مرات، وجاور في حدود الثمانين، وسمع بها الحديث على السّخاوي، والمحبّ الطّبري وولده أبي السعادات، وقرأ عليه في النحو، ولبس الخرقة الهمدانية، وتلقن الذكر من السيد عبيد الله التّستري الهمداني، وصار له أتباع كثيرون يتداولون الأوراد الصحيحة بالمدرسة الرّواحية بحلب، وهاجر إلى دمشق وأقام بدار الحديث بقرب قلعة دمشق.
وتوفي بدمشق يوم الاثنين عشري [شعبان](10/178)
سنة أربع وعشرين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن قاسم بن محمد، الشهير بابن الكيّال [1] الدمشقي الشافعي الفاضل المحدّث.
توفي يوم الثلاثاء حادي عشر صفر، ودفن بمقبرة باب الصغير. قاله في «الكواكب» .
وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن إبراهيم [2] الباعوني [3] الأصل من قرية باعونة بالموصل الحلبي المولد والدار والوفاة الشاعر، المعروف بابن الصوّاف، والمعروف أبوه بالصّغير- بالتصغير-.
كان أديبا شاعرا، ذكره جار الله بن فهد في رحلته إلى حلب سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وذكره في «معجم الشعراء» الذين [4] سمع منهم الشعر.
وأنشد له [5] :
روحي الفداء لذي لحاظ قد غدت ... بسوادها البيض الصّحاح مراضا
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 109) ، و «متعة الأذهان» (ق 26) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 257) ، و «در الحبب» (1/ 1/ 141) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 139) .
[3] في «در الحبب» : (الباغوزي الأصل- من باغوزا: قرية من قرى الموصل ... المعروف بابن الصّوّا) .
[4] في «أ» : (الذي) وهو خطأ.
[5] البيتان في «الكواكب» (1/ 139) ، و «در الحبب» (1/ 144) .(10/179)
كالغصن قدّا والنّسيم لطافة ... والياسمين ترافة [1] وبياضا
وله قصيدة التزم فيها واوين أول كل بيت وآخره مطلعها [2] :
وواد به [3] الغيد الحسان قد استووا ... وورد ظباء الحيّ في ظلّه ثووا
توفي بالحريق في داره بحلب.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الشهير بابن بريّ الخالديّ البابي الحلبي ثم الدمشقي [4] الحنفي الصّوفي.
ولد في ثالث صفر سنة أربعين وثمانمائة، وكان من أعيان الناس الصلحاء.
وتوفي بدمشق يوم الأحد سادس عشر [5] رجب ودفن بمقبرة الحمرية.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن جماعة المقدسي الشافعي [6] العلّامة شيخ الصّلاحية بالقدس الشريف.
توفي بالقدس في هذه السنة، وصلّي عليه وعلى الشيخ عبد القادر الدشطوطي غائبة بجامع بني أمية بدمشق يوم الجمعة ثاني عشر رمضان. قاله في «الكواكب» .
وفيها الشيخ زين الدّين عبد القادر بن محمد الشيخ الصالح المعمّر المعتقد المجرّد العفيف العارف بالله تعالى الدّشطوطي [7] كذا ضبطه العلائي، وضبطه السخاوي في «الضوء» الطشطوطي- بطاءات مهملات بينهما شين معجمة وواو، نسبة إلى دشطوط من قرى الصعيد-.
__________
[1] في «ط» : «براقة» وفي «الكواكب» : (تراقة) وكلاهما تحريف، وما أثبته عن «در الحبب» . وترف النبات تروى «لسان العرب» (ترف) .
[2] البيت في «در الحبب» (1/ 1/ 141) ، وفي «الكواكب» (1/ 139) .
[3] في «أ» : (فيه) ولا يستوي بها الوزن.
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 128) .
[5] في «أ» : «عشري» وليست اللفظتان في «الكواكب» .
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 232) .
[7] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 246- 250) ، وفي «الضوء اللامع» (4/ 300- 301) .(10/180)
قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» : هو المعروف بالكرامات المشهورة بخوارق الآيات البينات والكشف العام والقبول التام عند الملوك فمن سواهم من الأعلام ذوو الصّفات التي اشتهرت والعجائب التي بهرت عند ما ظهرت.
كان ضريرا وعمّر جوامع بمصر وقرارها، ووقف الناس عليها [1] أوقافا كثيرة، ومن كلامه أوصيك بعدم الالتفات لغير الله تعالى في شيء من أمر الدّارين، فإن جميع الأمور لا تبرز إلّا بأمره فارجع فيها لمن قدرها.
وقال: إذا استحكمت هيبة الله في قلب عبد أخذ عن إدراك التكليف، وقامت به حالة حالت بينه وبين الحركة والصّلاة، وصار عليه كل بلاء أهون من صلاة ركعتين.
وقال في بعض الكتب المنزلة يقول الله: «يا عبدي لو سقت لك ذخائر الكونين فنظرت بقلبك إليها طرفة عين فأنت مشغول عنّا لا بنا» .
وكان صاحيا لكنه حافيا مكشوف الرأس، عليه جبّة حمراء، وكان لقبه بين الأولياء صاحب مصر. توقف النيل ثم هبط أيام الوفاء ثلاثة أذرع فخاض في البحر وقال: اطلع بإذن الله فطلع فورا، فاقتتل الناس عليه يتبركون به، وحجّ ماشيا حافيا طاويا، فلما وصل باب السلام وضع خدّه على العتبة فما أفاق، إلّا بعد ثلاث، وكان يرى مع الدليل تارة ومع السّاقة أخرى ويخفي ويظهر، وكان قايتباي إذا زاره يمرّغ وجهه على أقدامه. وقال: طلبت من الله مقام الحضور بين يديه فتجلى لي من حضرته أمر ذابت منه مفاصلي، وصرت أطلب طلوع روحي فما أجاب، فتوسلت بالمصطفى صلّى الله عليه وسلم فرحمني وأسدل عليّ الحجاب. ولما عمّر القبة التي دفن بها بزاويته صار يقول للشيخ جلال الدّين البكري: أسرع فالوقت قرب، وقال له:
لا تجعل لأحد من الشهود والقضاة وظيفة في زاويتي إنما جعلت وقفها [2] لمكشفي الركب من كل مقيم ووارد. انتهى
__________
[1] في «ط» : (عليه) .
[2] في «ط» : «إنما جعلتها وقفا» .(10/181)
وبالجملة فمناقبه كثيرة.
وترجمه الحافظ السيوطي بالولاية، وألّف بسببه تأليفا في تطور الولي ذكر في أوله أن سبب تأليفه أن رجلين من أصحاب الشيخ المذكور حلف كل واحد منهما أن الشيخ عبد القادر بات عنده ليلة كذا، فرفع إليه سؤال في حكم المسألة. قال:
فأرسلت إلى الشيخ عبد القادر وذكرت له القصة، فقال: لو قال أربعة إني بتّ عندهم لصدقوا.
قال السيوطي: فأجبت بأنه لا يحنث واحد منهما، ثم حمل ذلك على تطور الولي وهو جزء لطيف حافل نقل فيه كلام فحول العلماء، كابن السبكي، والقونوي، وابن أبي المنصور، وعبد الغفّار القوصي، واليافعي رضي الله تعالى عنهم وعنه.
وفيها قوام الدّين أبو يزيد [1] محمد بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر بن نصر [2] بن عمر بن هلال الحبيشي الأصل الحلبي الشافعي العلّامة.
قال في «الكواكب» : كان عالما فاضلا مناظرا، له حدة في المناظرة، وذكاء مفرط، وحفظ عجيب، حفظ «الشاطبية» وعرضها بحلب سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة، وسافر مع أبيه إلى بيت المقدس فعرض أماكن منها، ومن «الرائية» على إمام الأقصى عبد الكريم بن أبي الوفا، ثم جاور بمكة سنين، واشتغل بها، وسمع مع أبيه على الحافظ السخاوي، ثم عاد من مكة إلى حلب، واشتغل على عالمها البدر السّيوفي، فقرأ عليه «الإرشاد» لابن المقري، وسمع بقراءته الشيخ زين الدّين بن الشمّاع، ودرّس بجامع حلب ووعظ به، وكان يأتي في وعظه بنوادر الفوائد. وسرد مرّة النّسب النّبوي طردا وعكسا، ثم أعرض عن ذلك وصار صوفيا بسطاميا كأبيه يلف المئزر ويرخي له عذبة رعاية للسّنّة، وكانت وفاته في حياة أبيه في شوال بحلب. انتهى
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 191- 193) ، و «در الحبب» (1/ 2/ 155- 157) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 27) .
[2] في «أ» : «مضر» وكذا هي في «در الحبب» .(10/182)
سنة خمس وعشرين وتسعمائة
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن القاضي محيي الدّين عبد القادر النّبراوي [1] المصري الحنبلي الشّاب الفاضل.
توفي يوم الخميس خامس عشري ربيع الأول.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الملك بن علي بن عبد الله الموصلي [2] الشّيباني المقدسي ثم الدمشقي الشافعي الصّوفي الصالح الورع الزّاهد العابد المحقّق المسلّك. أحد مشايخ الصّوفية بدمشق والقدس، وشيخ زاويتي جدّه بهما.
ولد بالقدس في ربيع الأول سنة أربع وأربعين وثمانمائة، وأخذ عن القطب الخيضري وغيره، ولبس الخرقة من ابن عمّه الشيخ زين الدّين عبد القادر بلباسه لها من والده الشيخ إبراهيم بلباسه لها من يد والده الشيخ العارف بالله تعالى سيدي أبي بكر الموصلي وهو جدّ المترجم أيضا.
قال ابن طولون: جالسته كثيرا بالجامع الأموي، وانتفعت به، وأجاز لي شفاها غير مرّة، وكتبت عنه أشياء. انتهى وتوفي يوم الاثنين حادي عشري ذي القعدة، ودفن جوار قبر الشيخ إبراهيم النّاجي بباب الصغير.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 137) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 374) ، و «متعة الأذهان» (ق 6) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 137) .(10/183)
وفيها شهاب الدّين أحمد الحسامي [1] القاهري الشافعي الإمام العلّامة المحقّق المجد الصّوفي.
كان بارّا بأمّه، قائما بمصالحها، صابرا، متواضعا، يخدم نفسه ويشتري حوائجه من السوق ويحملها بنفسه، ولا يمكّن أحدا يحملها عنه، وكان يتعمم بالقطن من غير قصارة وثيابه قصيرة اقتداءا بالسّلف، وكان ملازما للطهارة، لا يكاد يدخل عليه وقت وهو محدث، وكان كثير الصّمت، قليل الكلام، تجلس معه اليوم واليومين فلا تسمع منه كلمة لغو، كثير الصّيام والقيام، يقوم النصف الثاني من الليل كل ليلة، وكان يتورع عن صدقات النّاس ولا يقبل هدية من أحد، وأخذ التصوف عن الشيخ علي المرصفي، وكان يذهب إلى مجلسه كل يوم جمعة، وكان العلماء مع ذلك يرجعون إليه في المعقولات ويعدلونه في العربية بابن مالك، وابن هشام.
وتوفي بالقاهرة يوم الثلاثاء خامس عشر ربيع الثاني.
وفيها- تقريبا- المولى إدريس بن حسام الدّين [البدليسي] العجمي [2] ثم الرّومي الحنفي العالم الفاضل.
قال في «الشقائق» : كان موقّعا لديوان أمراء العجم، ولما حدثت فتنة ابن أردويل ارتحل إلى الرّوم فأكرمه السلطان أبو يزيد غاية الإكرام، وعيّن له مشاهرة ومسانهة، وعاش في كنف حمايته عيشة راضية، وأمره أن ينشئ «تواريخ آل عثمان» بالفارسية فصنّفها، وكان عديم النّظير فاقد القرين بحيث أنسى الأقدمين ولم يبلغ إنشاءه أحد من المتأخرين، وله قصائد بالعربية والفارسية تفوت الحصر، وله رسائل عجيبة في مطالب متفرقة.
وبالجملة كان من نوادر الدهر ومفردات العصر. انتهى وفيها بدر الدّين حسن بن إبراهيم بن أحمد بن خليل بن أحمد بن
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 153) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (190- 191) و «الكواكب السائرة» (1/ 159- 160) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما.(10/184)
عثمان بن عيسى بن عمر بن علي بن سلامة العجمي [1] الأصل المقدسي ثم الصالحي الحنبلي.
حفظ «المحرّر» للمجد بن تيمية وحلّه على شارحه الشيخ علاء الدّين البغدادي، ولازم شيخ الحنابلة الشّهاب العسكري في الفقه، وقرأ «توضيح» ابن هشام على الشّهاب بن شكم، ولازمه مدة طويلة، وتسبّب بالشهادة في مركز العشر.
وتوفي يوم الخميس حادي عشر المحرم بالصالحية، ودفن بتربة القاضي علاء الدّين الزواوي.
وفيها بدر الدّين حسن بن علي بن يوسف بن المختار الإربلي الأصل الحصكفي [2] الحلبي الشافعي الشهير بابن السّيوفي العلّامة شيخ الإسلام.
ولد- تقريبا- كما ذكره السخاوي في «الضوء اللامع» في سنة خمسين وثمانمائة بحصن كيفا، ونشأ به وحفظ القرآن العظيم، و «المنهاج» للنووي، و «الإرشاد» لابن المقري و «ألفيتي» العراقي في الحديث، وفي «السيرة» و «منهاج البيضاوي» الأصلي، و «الطوالع» له أيضا و «الشاطبية» و «الكافية لابن الحاجب» و «الألفية لابن مالك» و «تصريف العزّي» و «الشمسية» وقرأ «الشّاطبية» والقرآن العظيم بمضمونها على ابن مبارك شاه الهروي، وهو علي الجلال الهروي، وهو على ابن الجزري، وقرأ على الهروي المذكور في العروض، وأنهى عليه كتاب «القسطاس» للزمخشري. قرأه بحلب وقرأ أيضا بعض السبع على أبي الحسن الجبرتي نزيل سطح الجامع الأزهر في دخلته إلى القاهرة، وقرأ ثمن حزب أو دونه للأربعة عشر على الزّين جعفر السّنهوري، وأخذ الفقه وغيره بها عن الشّمس الجوجري، وسمع عليه وأخذ بالقدس عن الكمال بن أبي شريف، وأجازه وأخذ الفقه والحديث أيضا عن الشمس السّلامي الحلبي بها والأصول والمنطق والمعاني والبيان عن علي قرا درويش، والحديث أيضا عن البرهان الحلبي، وقرأ عليه «الصحيحين» و «الشفا»
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 176) و «السحب الوابلة» (148) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 118- 119) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 178- 180) .(10/185)
وعن الشيخ نصر الله «كافية ابن الحاجب» وعن منلا زادة «تفسير البيضاوي» والنحو عن المنلا عبد الرحمن الجامي، وحجّ سنة ست وستين وثمانمائة فأخذ بمكة عن التّقي بن فهد، وسمع بدمشق على الشيخ عبد الرحمن بن خليل الأذرعي، وأخذ عن البرهان البقاعي، وأجازه بالإفتاء والتدريس جماعة وصار أعجوبة زمانه وواسطة عقد أقرانه، ثم تصدّر ببلده للإفادة، وانتفع الناس به، وصار شيخ بلده ومفتيها ومحقّقها ومدقّقها، مع الديانة والصّيانة.
قال في «الكواكب» : غير أنه كان يكثر الدعوى والتّبجح والمشاححة لطلبة العلم في الألفاظ وغيرها، وكان طويل القامة، نيّر الشّيبة، مهيبا، يخضب لحيته بالسواد في أول شيبه ثم ترك آخرا.
ومن مؤلفاته حاشية على «شرح المنهاج» للمحلّي وحاشية على «شرح الكافية المتوسط» .
ومن شعره:
إذا ما نالت السّفهاء عرضي ... ولم يخشوا من العقلاء لوما
كسوت من السكوت فمي لثاما ... وقلت نذرت للرحمن صوما
وتوفي بحلب في ربيع الأول بعد أن ألمت به كائنة بغير حق من قبل قاضي حلب زين العابدين محمد بن الفناري.
وفي «تاريخ ابن طولون» أنه مات قهرا بسبب تلك الكائنة ولم تطل [1] مدة القاضي بعده.
وفيها شيخ الإسلام قاضي القضاة زين الدّين الحافظ زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري [2] السنيكي ثم القاهري الأزهري الشافعي.
قال في «النور» : ولد سنة ست وعشرين وثمانمائة بسنيكة من الشرقية ونشأ
__________
[1] في «أ» : (تطلب) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 234- 239) ، و «متعة الأذهان» (ق 39- 40) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 196- 207) و «النور السافر» (120- 124) .(10/186)
بها وحفظ القرآن، و «عمدة الأحكام» وبعض «مختصر التبريزي» ثم تحول إلى القاهرة سنة إحدى وأربعين فقطن في جامع الأزهر وكمل. حفظ «المختصر» ثم «حفظ المنهاج» الفرعي و «الألفية النحوية» و «الشّاطبية» و «الرائية» وبعض «المنهاج الأصلي» ونحو النصف من «ألفية الحديث» ومن «التسهيل» إلى كاد، وأقام بالقاهرة يسيرا ثم رجع إلى بلده وداوم الاشتغال وجدّ فيه، وكان ممن أخذ عنه القاياتي والعلم البلقيني والشّرف السّبكي والشّموس الوفائي، والحجازي، والبدرشي، والشّهاب بن المجدي، والبدر النّسابة والزّين البوشنجي، والحافظ ابن حجر، والزّين رضوان في آخرين، وحضر دروس الشرف المناوي، وأخذ عن الكافيجي، وابن الهمام، ومن لا يحصى كثرة، ورجع إلى القاهرة فلم ينفك عن الاشتغال والإشغال مع الطريقة الجميلة والتواضع وحسن العشرة والأدب والعفّة والانجماع عن أبناء الدنيا، مع التقلل وشرف النّفس، ومزيد العقل وسعة الباطن والاحتمال والمداراة، وأذن له غير واحد من شيوخه في الإفتاء والإقراء، منهم شيخ الإسلام ابن حجر، وتصدى للتدريس في حياة شيوخه، وانتفع به الفضلاء طبقة بعد طبقة، وشرح عدة كتب وألّف ما لا يحصى كثرة، فلا نطيل بذكرها إذ هي أشهر من الشمس، وقصد بالفتاوى، وزاحم كثيرا من شيوخه فيها، ورويته أحسن من بديهته وكتابته أمتن من عبارته، وعدم مسارعته إلى الفتاوى يعد من حسناته، وله الباع الطويل في كلّ فنّ خصوصا التصوف وولي تدريس عدة مدارس إلى أن رقي إلى منصب قضاء القضاة بعد امتناع كثير وذلك في رجب سنة ست وثمانين واستمر قاضيا مدة ولاية الأشرف قايتباي ثم بعد ذلك إلى أن كفّ بصره فعزل بالعمى، ولم يزل ملازم التدريس والإفتاء والتصنيف وانتفع به خلائق لا يحصون، منهم ابن حجر الهيثمي. وقال في «معجم مشايخه» : وقدمت شيخنا زكريا لأنه أجلّ من وقع عليه بصري من العلماء العاملين والأئمة الوارثين وأعلى من عنه رويت ودريت من الفقهاء الحكماء المهندسين، فهو عمدة العلماء الأعلام وحجّة الله على الأنام، حامل لواء المذهب الشافعي على كاهله، ومحرّر مشكلاته، وكاشف عويصاته، في بكره وأصائله، ملحق الأحفاد بالأجداد، المتفرد في زمنه بعلو الإسناد كيف ولم يوجد في عصره إلّا من أخذ عنه مشافهة أبو بواسطة أو بوسائط(10/187)
متعددة، بل وقع لبعضهم أنه أخذ عنه مشافهة تارة وعن غيره ممن بينه وبينه نحو سبع وسائط تارة أخرى، وهذا لا نظير له في أحد من أهل عصره، فنعم هذا التمييز الذي هو عند الأئمة أولى به وأحرى لأنه حاز به سعة التلامذة والأتباع وكثرة الآخذين عنه ودوام الانتفاع. انتهى وتوفي- رحمه الله تعالى- يوم الجمعة رابع ذي الحجّة بالقاهرة، ودفن بالقرافة بالقرب من الإمام الشافعي رضي الله عنه، وجزم في «الكواكب» بوفاته في السنة التي بعدها، وقال: عاش مائة وثلاث سنين انتهى.
وفيها عبد الله بن أحمد باكثير- بفتح الكاف وكسر المثلثة- الحضرمي [1] ثم المكيّ الشافعي.
قال في «النّور» : ولد في سنة ست أو سبع وأربعين وثمانمائة بحضر موت، ونشأ بها سبع سنين، ونقله والده إلى غيل باوزير فحفظ القرآن في سنة وعمره ثمان سنين، وحفظ «المنهاج» و «البهجة» لابن الوردي، و «خلاصة ابن ظفر» و «ألفية ابن مالك» وغيرها ثم سأل والده الاجتماع بشيخ من الصوفية فأشار عليه بالشيخ عبد الله العيدروس فتوجه إلى تريم وأخذ عنه وتربى على يديه وكان يقول لو أجتمع شيوخ الرسالة في جانب الحرم، وأنا في جانبه الآخر ما كنت أهتز إلى ما [2] عندهم لما ملأني به الشريف، يعني الشيخ عبد الله، ورحل إلى مكة وأقام بها إلى أن مات، ولقي جماعة من العلماء وأجيز بالإفتاء والتدريس، فتصدى لذلك، وانتفع الناس به ونثر ونظم من ذلك «الدّرر اللوامع في نظم جمع الجوامع» ، «تتمة التمام» و «سفك المدام في عقائد الإسلام» .
ومن شعره:
من كان يعلم أن كل مشاهد ... فعل الإله فما له أن يغضبا
بل واجب أن يرتضي ما شاهدت ... عيناه من ذاك الفعال ويطربا
وكان كثير الفوائد، عالما، عاملا، عين المدرّسين بمكة، مع الزّهد
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» (125) .
[2] ليست اللفظة في «ط» .(10/188)
والصّلاح والعفّة والاحتمال والسكون والانجماع عن أبناء الدنيا.
وتوفي بمكة ليلة السبت الثالث عشر ربيع الثاني، ودفن بالمعلاة وخلّف نحو عشرة أولاد ذكورا وإناثا. انتهى وفيها السيد تاج الدّين عبد الوهاب بن أحمد السيد الشريف [1] بن نقيب الأشراف وأمّه الفاضلة البارعة زينب بنت الباعوني.
أخذ الفقه عن الشيخ برهان الدّين الطّرابلسي الحنفي المصري بها، وقرأ عليه مصنّفه في الفقه على طريقة المجمع، وتردّد إلى سيدي محمد بن عراق إلى أن توفي ليلة السبت في ربيع الأول بصالحية دمشق عن نحو ثلاثين سنة، وصلّي عليه بمدرسة أبي عمر ودفن بالروضة.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحيم بن محمد بن علي بن إبراهيم بن مسعود بن محمد الحصكفي الموصلي الشافعي [2] العلّامة المفنّن المتقن.
قطن دمشق أولا مع أبيه، وقرأ بها على الشيخ عماد الدّين، المعروف بخطيب السّقيفة، والبرهان بن المعتمد، وغيرهما، وحجّ ماشيا، ثم قطن حلب، وقرأ بها على الفخر عثمان الكردي، والبدر السّيوفي، والشمس البازلي، وغيرهم، ودرّس بها، وأفاد وأفتى، وجلس بمكتب الشهادة بحلب تحت قلعتها، وتردد الطلبة إلى وتلقى منه جمع جمّ من الأفاضل، حتّى ترقى بعضهم إلى الإفادة، ثم لما أبطلت الدولة العثمانية مكاتب الشهود ترك ذلك وأقبل على الاشتغال والإشغال، وكان له يد طولى في النحو، والصّرف، والمنطق، والعروض، والقوافي، وله تقرير حسن في الفقه ومشاركة كلّية في الأدب.
وشعره لطيف منه:
تمرّ الليالي والحوادث تنقضي ... كأضغاث أحلام ونحن رقود
وأعجب من ذا أنّها كلّ ساعة ... تجدّ بنا سيرا ونحن قعود
وله ملغزا:
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 58) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 257) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 264- 266) .(10/189)
يا إماما في النّحو شرقا وغربا ... من له باب [1] سرّه المكنون
أيّما اسم قد جاء ممنوع صرف ... وأتى الجرّ فيه والتنوين
وأجاب هو عنه بقوله:
علم كان للمؤنّث جمعا ... سالما جمع ذين فيه يكون
وأجاب عن قول بعض فضلاء النحو:
سلّم على شيخ النحاة وقل له ... عندي سؤال من يجبه يعظم
أنا إن شككت وجدتموني جازما ... وإذا جزمت فإنني لم أجزم
بقوله:
قل في الجواب بأنّ إن في شرطها ... جزمت ومعناها التردّد فاعلم
وإذا بجزم الحكم إن شرطية ... وقعت ولكن شرطها لم يجزم
وتوفي يوم الثلاثاء سابع شوال.
وفيها فاطمة بنت يوسف التادفي [2] الحنبلي الحلبي.
قال ابن الحنبلي: وهو ابن أخيها كانت من الصّالحات الخيرات، وكان لها سماع من الشيخ المحدّث برهان الدّين، وكانت قد حجّت مرتين، ثم عادت إلى حلب وأقلعت عن ملابس نساء الدنيا بل عن الدنيا بالكلية ولبست العباءة وزارت بيت المقدس ثم حجت ثالثة وتوفيت بمكة المشرفة. انتهى وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن داود البازلي الكردي ثم الحموي [3] الشافعي شيخ الإسلام مفتي المسلمين العلّامة.
ولد في ضحوة يوم الجمعة سنة خمس وأربعين وثمانمائة في جزيرة ابن عمر، ونشأ بها، وانتقل إلى أذربيجان فحفظ بها كثيرا من الكتب، منها «الحاوي
__________
[1] في «الكواكب» «بان» .
[2] ترجمتها في «در الحبب» (1/ 2/ 22) وفيه «التاذفي» و «الكواكب السائرة» (1/ 293) .
[3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 203) ، و «الضوء اللامع» (7/ 240) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 47) .(10/190)
الصغير» و «عقائد النّفسي» و «عروض الأندلسي» و «الشمسية» و «كافية ابن الحاجب» و «تصريف العزّي» وأخذ المعقولات عن منلا ظهير، ومنلا محمد القتجفاني، ومولانا عثمان الباوي، والمنقولات عن والده وغيره وقدم الشام سنة تسعين وثمانمائة، وحجّ سنة خمس وتسعين وعاد من الحجاز إلى حماة فقطنها وكان زاهدا متقشفا كثير العبادة يصوم الدهر ويلازم التدريس وألّف عدة مؤلفات منها «حاشية شرح جمع الجوامع» للمحلّي، وكتاب سمّاه «غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام» وكتاب «تقدمة العاجل لذخيرة الآجل» و «أجوبة شافية» عن إشكالات كانت ترد عليه وأسئلة ترفع إليه.
وتوفي بحماة رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن الدّهن الحلبي الشافعي [1] المعمّر، شيخ القراء والإقراء بحلب، وإمام الحجازية بجامعها الكبير.
قرأ على جماعة، منهم منلا سليمان بن أبي بكر المقري الهروي وغيره، وكان من العلماء المنوّرين.
وفيها قاضي القضاة جلال الدّين محمد بن قاسم المصري المالكي [2] العلّامة.
قال الشعراوي: كان كثير المراقبة لله في أحواله، وكانت أوقاته كلها معمورة بذكر الله تعالى، وشرح «المختصر» و «الرسالة وانتفع به خلائق لا يحصون، وولاه الغوري القضاء مكرها، وكان حسن الاعتقاد في طائفة القوم. قال: وكان أكثر أيامه صائما لا يفطر في السنة إلا العيدين وأيام التشريق، وكان حافظا للسانه في حقّ أقرانه لا يسمع أحدا يذكرهم إلّا ويبجلهم.
توفي بمصر في هذه السنة.
وفيها محبّ الدّين أبو الثناء محمود بن محمد بن محمود بن خليل بن أجا
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 274) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 58) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» (92) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 70) .(10/191)
التّدمري الأصل الحلبي ثم القاهري الحنفي [1] ، كاتب الأسرار الشريفة بالممالك الإسلامية، المعروف بابن أجا.
قال السخاوي: ولد سنة أربع وخمسين وثمانمائة بحلب، واشتغل بالعلم في القاهرة إلى سنة ثمان وثمانين، ثم زار بيت المقدس، ورجع إلى حلب، وتميّز بالذكاء ولطف العشرة، وولي قضاء حلب في شهر رمضان سنة تسعين، وحجّ سنة تسعمائة، ثم رجع إلى حلب وطلبه السلطان الغوري، وولاه كتابة السّر بالقاهرة عوضا عن ابن الجيعان في أول ولايته سنة ست وتسعمائة، واستمرّ فيها إلى آخر الدولة الجركسية، وهو آخر من ولي كتابة السرّ، ثم حجّ في دولته سنة عشرين، فقرأ عليه المسند جار الله بن فهد عشرين حديثا عن عشرين شيخا وخرّجها له في جزء سمّاه «تحقيق الرجا لعلو المقر بن أجا» ثم عاد إلى القاهرة فشكا مدة فركب إليه السلطان وزاره لمحبته له ثم سافر صحبة الغوري إلى حلب سنة اثنتين وعشرين وأقام بها حتى قتل الغوري فرجع إلى القاهرة فولاه السلطان طومان باي كتابة السّر بها ثم لما دخل السلطان سليم إليها أكرمه وعرض عليه وظيفته فاستعفى منها واعتذر بكبر سنه وضعف يديه، ثم سأل السلطان سليم الإقامة بحلب فأجابه وعاد معه إلى حلب، واستقرّ في منزله إلى أن توفي بها، وكان ذا هيبة وشكالة حسنة وشيبة نيّرة، ظريفا، كيسا، يحب التواريخ، ويرغب في خلطة الأكابر ومدحه الناس كثيرا بالمدائح الحسنة، منهم عائشة الباعونية حين قدمت عليه القاهرة بقصيدتها الرائية التي أولها:
حنيني لسفح الصّالحية والجسر ... أهاج الهوى بين الجوانح والصّدر
وتوفي بحلب في العشر الأول من شهر رمضان.
وفيها أو في التي بعدها نهالي بن عبد الله الرّومي الحنفي [2] المولى الفاضل المشتهر بهذا اللقب.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 147) ، و «در الحبب» (1/ 2/ 451- 461) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 303) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (254) ، وفيه (المولى الشهير نبهاني) وفي «الكواكب السائرة»(10/192)
قال في «الشقائق» : ولم نعرف [1] اسمه، وكان عتيقا لبعض الأكابر، وقرأ في صغره مبادئ العلوم، ثم خدم العلماء، وفاق على أقرانه ومهر في العربية والأصول والتفسير، وكان له نظم بالعربية والتركية والفارسية، ووصل إلى خدمة المولى محمد بن الحاج حسن، ودرّس بالمدرسة التي بناها المولى المذكور بالقسطنطينية، ثم بمدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية أيضا، ثم فرغ عن التدريس، وسافر إلى الحجّ، فلما أتمّ الحجّ مرض، فعاهد الله تعالى إن صحّ من مرضه لم يعاود التدريس، وندم على ما مضى من عمره في الاشتغال بغير الله تعالى، فأدركته المنية في مرضه ذلك بمكّة المشرّفة ودفن بها.
__________
(1/ 312) وفيه (نهالي بن عبد الله) .
[1] في «أ» : (يعرف) وما في «ط» موافق لما في «الشقائق» .(10/193)
سنة ست وعشرين وتسعمائة
فيها توفي أبو النّور التّونسي المالكي [1] ، نزيل المدرسة المقدّمية بحلب.
كان حافظا لكتاب الله تعالى، مقرئا يؤدّب الأطفال بالمدرسة المذكورة، وكان من عادته أنه يقرأ ثلث القرآن بعد المغرب وثلثه بعد العشاء. ومن غريب ما اتفق له أنه لما ركب البحر من تونس إلى الإسكندرية [2] حصل لملّاح السّفينة- وكان فرنجيا- حمّى غب أشغلته عن مصلحة السفينة، وعجز ركابها عن علاج ينفعه وطلب من الشيخ أبي النّور ما يكتب للحمّى، فكتب له في ورقة خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ في سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ 69: 30- 32 [الحاقّة: 30- 32] ولف الورقة ودفعها له فوضعها في رأسه فما مضت تلك الليلة حتّى ذهبت عنه الحمّى.
وتوفي الشيخ بحلب، ودفن بمقبرة الرّحبي.
وفيها الشيخ أحمد بن بترس [3] الصّفدي [4] الشيخ العارف بالله تعالى، المكاشف بأسرار غيب الله.
كان ظاهر الأحوال بصفد، مسموع الكلمة عند حكامها، وكان الناس
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 121) ، و «درر الحبب» (2/ 2/ 527- 528) .
[2] في «ط» : «إلى إسكندرية» .
[3] جاء في «جامع كرامات الأولياء» ما نصه: «هكذا في الأصل- يقصد الكواكب السائرة- ولعله محرف عن بيبرس أو نحوه» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 132- 133) ، و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 325) .(10/194)
يترددون إليه فيشفع [1] لهم، ويقضي حوائجهم، ويقرّبهم ويضيفهم، وكان ذا شيبة نيّرة، وكان إذا أراد أن يتكلم بكشف يطرق رأسه إلى الأرض ثم يرفعه وعيناه كالجمرتين يلهث كصاحب الحمل الثقيل، ثم يتكلم بالمغيّبات.
وكان في بدايته ذا رياضة ومجاهدة.
وتوفي بصفد.
قال ابن طولون: صلّي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثامن عشري ذي القعدة سنة ست وعشرين وتسعمائة. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن عيسى بن محمد بن أحمد بن مسلم الشّهاب بن البدر [2] المكّي، ويعرف كأبيه بابن العليف- بضم العين المهملة تصغير علف- الشافعي [3] .
قال في «النور» : ولد بمكة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، ونشأ بها، وحفظ القرآن و «الألفية النحوية» و «الأربعين النووية» والكثير من «المنهاج» .
وسمع بمكة على التّقي بن فهد، وولده النّجم، والزين عبد الرحمن الأسيوطي، وأبي الفضل المرجاني، ولازم النّور الفاكهي في دروسه الفقهية والنحوية، وبالقاهرة، من الجوجري وغيره، ودخل القاهرة مرارا.
قال السخاوي: وكنت ممن أخذ عنه بها وبالحرمين، وتكسّب بالنساخة، مع عقل وتودد، وحسن عشرة، وتميّز، ومع ذلك فلم يسلم ممن يعاديه، بل كاد أن يفارق المدينة لذلك. قال: وأغلب إقامته الآن بطيبة على خير، وانجماع، وتقلّل، ونعم الرجل. انتهى.
__________
[1] كذا في «ط» ونسختي «المنتخب» لابن شقدة و «جامع كرامات الأولياء» : «فيشفع» وفي «آ» :
«فيسع» .
[2] في «النور السافر» : «ابن المبذر» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 290) ، و «التحفة اللطيفة» (1/ 176- 178) و «النور السافر» ص (126- 130) و «البدر الطالع» (1/ 54- 56) .(10/195)
وألّف لسلطان الرّوم بايزيد بن عثمان «الدّر المنظوم في مناقب سلطان الرّوم» ومدحه وغيره من أمرائه، فرتّب له خمسين دينارا في كل سنة، ومدح السّيد بركات الحسني صاحب مكة، واقتصر على مدحه، وحظي عنده لبلاغته، حتّى صار متنبي زمانه، ثم أصيب بكثرة الأمراض في آخره.
ومن نظمه الفائق القصيدة العجيبة التي منها:
خذ جانب العليا ودع ما يترك ... فرضي البريّة غاية لا تدرك
واجعل سبيل الذّلّ عنك بمعزل ... فالعزّ أحسن ما به تتمسّك
وامنح مودّتك الكرام فربّما ... عزّ الكريم وفات ما يستدرك
وإذا بدت لك في عدوّ فرصة ... فافتك فإن أخا العلا من يفتك
ودع الأماني للغبيّ فإنّما ... عقبى المنى للحرّ داء مهلك
من يبتغي سببا بدون عزيمة ... ضلّت مذاهبه وعزّ المدرك
تعست مداراة العدوّ فإنها ... داء تحول به الجسوم وتوعك
وهي طويلة [1] .
وتوفي بمكة المشرفة يوم الثلاثاء، من ذي [2] الحجة ودفن بالمعلاة.
وفيها تقي الدّين باكير الرّومي الشيخ الفاضل [3] ناظر التكية السليمية، وولي نظارة الجامع الأموي.
قال في «الكواكب» : نزل عند شيخ الإسلام الجدّ، وكان من أصحابه وتلاميذه، وترجمته بالولاية والفضل، ثم عزل من الجامع الأموي وأعطي تولية التكية السّليمية، ثم عزل عنها بالشيخ أبي الفتح بن مظفّر الدّين المكّي، ثم سافر
__________
[1] قلت: ذكرها الشوكاني بتمامها في «البدر الطالع» .
[2] كذا في «ط» و «البدر الطالع» : «يوم الثلاثاء من ذي الحجّة» وفي «آ» : «يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجّة» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 163) .(10/196)
إلى الرّوم، وعاد بتوليه الجامع والتكية معا، ودخل دمشق عاشر رجب هذه السنة، فصرفه نائب الشام في تولية التكية دون الجامع.
وتوفي ليلة الجمعة خامس ذي الحجة الحرام ودفن بالقرب من الشيخ محيي الدّين بن عربي تحت السماء.
وفيها المولى التّوقاتي الحنفي [1] العالم المدرّس ببلدة أماسية.
قال النجم الغزّي: كان فاضلا، منقطعا عن الناس بالكلّية، مشتغلا بالدّرس والعبادة. وكان لا يقدر على الحضور بين الناس وحشة منهم وحياء.
وكان صالحا، مباركا.
مات بأماسية في أوائل سلطنة السلطان سليمان خان. انتهى.
وفيها حمزة بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي بكر بن علي بن محمد النّاشري اليمني الشافعي [2] .
قال في «النور» : ولد ثالث عشر شوال سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وأخذ الفقه والحديث عن العلّامة قاضي القضاة الطيب بن أحمد النّاشري، مصنّف «الإيضاح على الحاوي» وعن والده [3] قاضي القضاة عبد الله وغيرهما. وروى عن القاضي مجد الدّين الفيروزآبادي صاحب «القاموس» وغيره. وأجازه شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني، وكتب له بالإجازة هو وعلماء مصر، كالشيخ زكريا الأنصاري، والجوجري، والسيوطي، وابن أبي شريف، وغيرهم. ومن الحجاز أبو الخير السّخاوي، واشتهر باللّطافة والعلم. وكان كثير الزواج، قارب المائة وهو يفتض الأبكار، ورزق كثيرا من الأولاد.
مات غالبهم. وتفقه به خلائق كثيرون، كالحافظ ابن الدّبيع، وأبي البركات النّاشري.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (251) و «الكواكب السائرة» (1/ 168) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (130- 131) و «البدر الطالع» (1/ 158) .
[3] في «ط» : «وعن والده» وهو خطأ.(10/197)
وله مصنّفات حسنة غريبة، منها «الأربعون التهليلية» و «مسالك التحبير من مسائل التكبير» ومختصره «التحبير في التكبير» و «انتهاز الفرص في الصّيد والقنص» ، وكتاب النبات العظيم الشأن المسمى «حدائق الرّياض وغوصة الفياض» و «عجائب الغرائب وغرائب العجائب» و «سالفة العذار في الشعر المذموم والمختار» وغير ذلك.
وله شعر لطيف منه:
إذا نظرت إلى العيناء [1] تحسبها ... جاما من التّبر فيه فصّ ياقوت
أو خدّ غانية يحمرّ من خجل ... أو قرص عاشقة أدماه كالتّوت
وتوفي يوم الخميس تاسع عشر ذي الحجة بمدينة زبيد، ودفن بمقبرة سلفه الصّالح بباب سهام قريبا من قبر الشيخ إسماعيل الجبرتي. انتهى وفيها السلطان سليم بن أبي يزيد بن محمد السّلطان المفخم والخاقان المعظم سليم خان بن عثمان تاسع ملوك بني عثمان [2] .
هو من بيت رفع الله على [3] قواعده فسطاط السلطنة الإسلامية، ومن قوم أبرز الله تعالى لهم ما ادخره من الاستيلاء على المدائن الإيمانية، فرفعوا [4] عماد الإسلام وأعلوا مناره، وتواصوا باتباع السّنّة المطهّرة، وعرفوا للشرع الشريف مقداره، وصاحب الترجمة منهم هو الذي ملك بلاد العرب واستخلصها من أيدي الجراكسة بعد ما شتت جمعهم فانفلوا عن مليكهم وجدوا في الهرب.
ولد بأماسية في سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، وجلس على تخت السلطنة وعمره ست وأربعون سنة بعد أن خلع والده نفسه عن السلطنة وسلّمها إليه، وكان
__________
[1] في «آ» : «إلى العنباء» .
[2] ترجمته في «البدر الطالع» (1/ 265- 267) ، و «مفاكهة الخلان» (2/ 27) ، و «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (188- 197) ، و «النور السافر» ص (119) وفيه وفاته سنة (924) .
[3] لفظة «على» سقطت من «آ» .
[4] في «ط» : «رفعوا» .(10/198)
السلطان سليم ملكا قهّارا وسلطانا جبّارا، قوي البطش، كثير السفك، شديد، التوجه إلى أهل النجدة والبأس، عظيم التجسس عن أخبار الناس، وربما غيّر لباسه وتجسس ليلا ونهارا. وكان شديد اليقظة والتحفظ، يحب مطالعة التواريخ وأخبار الملوك، وله نظم بالفارسي، والرّومية، والعربية، منه ما ذكره القطب الهندي المكّي أنه رآه بخطّه في الكوشك الذي بني له بروضة المقياس بمصر ونصه:
الملك لله من يظفر بنيل غنّى ... يردده قسرا ويضمن عنده الدّركا
لو كان لي أو لغيري قدر أنملة ... فوق التّراب لكان الأمر مشتركا
وقال الشيخ مرعي الحنبلي في كتابه «نزهة الناظرين» : وفي أيامه تزايد ظهور شأن إسماعيل شاه، واستولى على سائر ملوك العجم، وملك خراسان، وأذربيجان، وتبريز، وبغداد، وعراق العجم، وقهر ملوكهم، وقتل عساكرهم، بحيث قتل ما يزيد على ألف ألف [1] ، وكان عسكره يسجدون له ويأتمرون بأمره، وكاد يدّعي الرّبوبية، وقتل العلماء، وأحرق كتبهم ومصاحفهم، ونبش قبور المشايخ من أهل السّنّة وأخرج عظامهم [2] وأحرقها، وكان إذا قتل أميرا أباح زوجته وأمواله لشخص آخر فلما بلغ السلطان سليم ذلك تحركت همّته لقتاله، وعدّ ذلك من أفضل الجهاد، فالتقى معه بقرب تبريز بعسكر جرّار، وكانت وقعة عظيمة، فانهزم جيش إسماعيل شاه، واستولى سليم على خيامه وسائر ما فيها، وأعطى الرّعية الأمان، ثم أراد الإقامة بالعجم للتمكن من الاستيلاء عليها فما أمكنه ذلك لشدة القحط، بحيث بيعت العليقة بمائتي درهم، والرّغيف بمائة درهم، وسببه تخلّف قوافل الميرة التي كان أعدّها السلطان سليم وما وجد في تبريز شيئا لأن إسماعيل شاه عند انهزامه أمر بإحراق أجران الحبّ والشعير، فاضطر سليم للعود إلى بلاد الرّوم.
__________
[1] كذا في «ط» ونسختي «المنتخب» لابن شقدة: «على ألف ألف» وفي «آ» : «على مائة ألف ألف» .
[2] في «ط» : «أعظامهم» .(10/199)
وفي أيامه كانت وقعة [1] الغوري، وذلك أن السلطان [2] سليم لما رجع من غزو إسماعيل شاه تفحص عن سبب انقطاع قوافل الميرة عنه، فأخبر أن سببه سلطان مصر قانصوه الغوري، فإنه كان بينه وبين إسماعيل شاه محبّة ومراسلات وهدايا، فلما تحقّق سليم ذلك، صمّم على قتال الغوري، أولا، ثم بعده يتوجه لقتال إسماعيل شاه ثانيا، فتوجه بعكسره [3] إلى جهة حلب سنة اثنتين وعشرين كما تقدّم، فخرج الغوري بعساكر عظيمة لقتاله، ووقع المصاف بمرج دابق شمالي حلب، ورمى عسكر سليم عسكر الغوري بالبندق، ولم يكن في عسكر الغوري شيء منه، فوقعت الهزيمة على عسكر الغوري بعد أن كانت النصرة له أولا، ثم فقد تحت سنابك الخيل كما مرّ عند ذكره، وكان ذلك بمخامرة خير بك والغزالي بعد أن عهد إليهما السلطان سليم بتوليتهما مصر والشام، ثم بعد الوقعة أخليا له حلب لأنهما معه في الباطن، فأقبل سليم إلى حلب فخرجوا إلى لقائه يطلبون الأمان ومعهم المصاحف يتلون جهارا: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ الله رَمى 8: 17 [الأنفال: 17] فقابلهم بالإجلال والإكرام، ثم حضرت صلاة الجمعة، فلما سمع الخطيب خطب باسمه وقال: خادم الحرمين الشريفين، سجد لله شكرا على أن أهلّه لذلك، ثم ارتحل للشام بعد أن أخلاها له خير بك والغزالي، فخرجوا للقائه، ودعوا له، فأكرمهم، وأقام بها لتمهيد أمر المملكة، وأمر بعمارة قبّة على الشيخ محيي الدّين بن عربي بصالحية دمشق، ورتب عليها أوقافا كثيرة، ثم توجه إلى مصر، فلما وصل إلى خان يونس بقرب غزّة قتل فيه وزيره حسام باشا، ثم لما دخل مصر وقع بينه وبين طومان باي سلطان الجراكسة حروب يطول ذكرها، وقتل بها وزير سليم يوسف باشا سنان باشا، وكان مقداما، ذا رأي وتدبير، فأسف سليم عليه، بحيث قال: أي فائدة في مصر بلا يوسف، وقاتل طومان باي ومن معه من الأمراء قتالا شديدا، وظهر لطومان باي شجاعة قوية عرف بها، وشهد له بها الفريقان، وأوقع الفتك بعسكر السلطان سليم، ولولا شدة عضده بخير بك
__________
[1] في «آ» : «واقعة» .
[2] لفظة «السلطان» سقطت من «ط» .
[3] في «آ» : «فتوجه عسكره» .(10/200)
والغزالي ومكيدتهما ما ظفر بطومان باي، ثم لما ظفر به أراد أن يكرمه ويجعله نائبا عنه بمصر فعارضه خير بك وخاف عاقبة فعله، وقال لسليم: إنك إن فعلت ذلك استولى على السلطنة ثانيا، وحسّن له قتله، فقتله وصلبه بباب زويلة، ودفنه كما أسلفنا، ونزل السلطان سليم بالمقياس مدة إقامته بمصر بعدا عن روائح القتلى، وحذرا من المكيدة، إلى أن مهدها، ثم ولّى خير بك أمير الأمراء على مصر، وولىّ الغزالي على الشام، وولّى بمصر القضاة الأربع، وهم قاضي القضاة كمال الدّين الشافعي، وقاضي القضاة نور الدّين علي بن ياسين الطرابلسي الحنفي، وقاضي القضاة الدّميري المالكي، وقاضي القضاة شهاب الدّين أحمد بن النّجار الحنبلي، واستولى على الأرض الحجازية وغيرها، ورتّب الرواتب، وأبقى الأوقاف على حالها، ورتّب لأهل الحرمين في كل سنة سبعة آلاف أردّب حبّ، ثم عاد إلى القسطنطينية [1] وقد أصرف غالب خزائنه، فأخّر السفر عن بلاد العجم ليجمع ما يستعين به على القتال، فظهر له في ظهره جمرة منعته الراحة، وحرمته الاستراحة، وعجزت في علاجه حذّاق الأطباء، وتحيّرت في أمره عقول الألباء، ولا زالت به حتّى حالت بينه وبين الأمنية، وخلّت بينه وبين المنية، فتوفي- رحمه الله تعالى- في رمضان أو شوال بعد علّة نحو أربعين يوما.
وذكر العلائي في «تاريخه» أنه خرج من القسطنطينية إلى جهة أدرنة وقد خرجت له تلك الجمرة تحت إبطه وأضلاعه، فلم يفطن بها حتّى وصل إلى المكان الذي بارز فيه أباه السلطان بايزيد [2] حين نازعه في السلطنة، فطلب له الجرايحية والأطباء فلم يدركوه إلا وقد تآكلت ووصلت إلى الأمعاء، فلم يستطيعوا دفعا عنه ولا نفعا، ومات بها، ودفن بأدرنة عند قبر أبيه. انتهى وفيها- تقريبا- عبد الله بن إبراهيم الفاضل العلّامة الشهير بابن الشّيشري الحنفي [3] .
__________
[1] في «ط» : «ثم عاد للقسطنطينية» .
[2] في «آ» و «ط» : «أبا يزيد» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 217) .(10/201)
قال في «الكواكب» : قرأ على علماء العجم، وبرع هناك في العربية والمعقولات، ثم دخل بلاد الرّوم، وعيّن له السلطان سليم كل يوم ثلاثين عثمانيا، وعمل قصيدة بالفارسية نحو ثلاثين بيتا أحد مصراعي كل بيت تاريخ لسلطنة السلطان سليمان، والمصراع الثاني من كل بيت تاريخ فتح رودس.
وله «حواش على حاشية شرح المطالع» للسيد الشريف، و «شرح على الكافية» و «رسالة في المعمّى» فارسية. انتهى وفيها- تقريبا- أيضا جمال الدّين عبد الله بن أحمد الشنشوري المصري الشافعي [1] الإمام العلّامة.
له «شرح التدريب» للسّراج البلقيني، رحمهما الله تعالى.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن عبد الله بن رسلان البويضي- من قرية البويضة من أعمال دمشق- ثم الدمشقي الشافعي [2] الشيخ الإمام العلّامة.
ولد سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، وكان رفيقا للشيخ تقي الدّين البلاطنسي على مشايخه، وأخذ عنه الشيخ موسى الكناوي «صحيح البخاري» وغيره.
توفي بالبيمارستان النوري يوم الخميس سادس أو سابع ذي القعدة وصلّى عليه إماما رفيقه البلاطنسي، ودفن بمقبرة باب الصغير جوار الشيخ نصر المقدسي بصفة الشهداء.
وفيها قاضي القضاة بدر الدّين أبو البقاء محمد بن محمد بن عبد الله بن الفرفور الدمشقي الحنفي [3] .
قال في «الكواكب» : اشتغل يسيرا في الفقه على البرهان بن عون، ثم ولي كتابة السّر عوضا عن أمين الدّين الحسباني، ثم استنزل له عمه قاضي القضاة شهاب الدّين بن الفرفور قاضي القضاة محبّ الدّين القصيف عن نظر القصاعية
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 217) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (55/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 217- 218) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 13) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 565) .(10/202)
وتدريسها، وأسمعه الحديث على جماعة من الدمشقيين، ثم ولي قضاء قضاة الحنفية بالشام مرارا عزل من [1] آخرها في شوال سنة ثلاث عشرة وتسعمائة. انتهى.
وفيها المولى زين الدّين وقيل زين العابدين محمد بن محمد الفناري الرّومي الحنفي [2] العالم الفاضل، أول قضاة القضاة بدمشق من الدولة العثمانية.
قرأ على علماء عصره، منهم المولى الفاضل علاء الدّين الفناري، ثم وصل إلى خدمة المولى ابن المعروف معلّم السلطان بايزيد، ثم تنقلت به الأحوال إلى أن صار قاضيا بدمشق، ثم بحلب.
قال في «الشقائق» : كان عالما، فاضلا، ذكيا، صاحب طبع وقّاد، وذهن نقّاد، قوي الجنان، طلق اللسان، صاحب مروءة وفتوة، محبا للفقراء والمساكين، يبرّهم ويرعى جانبهم. وكان في قضائه مرضي السيرة، محمود الطريقة. انتهى.
وذكر ابن طولون أن سيرته بدمشق كانت أحسن منها بحلب، وتوفي وهو قاض بحلب في أول ربيع الأول.
وفيها قاضي القضاة صلاح الدّين محمد بن أبي السعود بن إبراهيم الشيخ الإمام قاضي قضاة مكّة المشرّفة ابن ظهيرة المكّي الشافعي [3] .
جرت له محنة في أيام الجراكسة، وهي أن السلطان الغوري حبسه بمصر من غير جرم ولا ذنب، بل للطمع في مال يأخذه منه على عادته، ولما خرج بعساكره من مصر لقتال السلطان سليم بن عثمان أطلق كلّ من في حبسه من أرباب الجرائم وغيرهم، ولم يطلق صاحب الترجمة، فلما قتل الغوري أطلقه طومان باي، ثم لما وصل السلطان سليم إلى مصر جاء إليه القاضي صلاح الدّين، فأكرمه، وعظّمه، وخلع عليه، وجهّزه إلى مكة معزوزا مكرّما، مع الإحسان إليه.
وجعله نائبه في تفرقة الصدقات السّليمية في تلك السنة، وخطب عامئذ في الموقف الشريف خطبة عرفة، وبقي بمكة إلى أن توفي بها في أواخر هذه السنة.
__________
[1] في «ط» : «عزل عن» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (238- 239) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (73/ ب) .(10/203)
وفيها نبهان بن عبد الهادي الصّفوري [1] الشافعي [2] ، العالم الفاضل، العارف بالله تعالى [1] .
قال في «الكواكب» : ذكره شيخ الإسلام الوالد في «معجم تلامذته» قال:
وكان من عباد الله الصالحين، سريع الدّمعة، خاشع القلب، ساكن الحواس، قرأ على الوالد «ألفيته» في التصوف كاملة، وحضر دروسي كثيرا، واستجازني فأجزته.
انتهى.
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 310- 311) .(10/204)
سنة سبع وعشرين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن أبي الوفاء بن أبي بكر بن أبي الوفاء الأرمنازي ثم الحلبي الشافعي [1] ، الشيخ الصّالح المعمّر.
كان من حفّاظ كتاب الله تعالى، وكان إماما للسلطان الغوري حين كان حاجب الحجّاب بحلب، فلما تسلطن توجه الشيخ إبراهيم إليه إلى القاهرة وحجّ منها في سنة ست وتسعمائة، ثم عاد إليها واجتمع به فأحسن إليه، وأمره بالإقامة لإقراء ولده فاعتذر إليه فقبل عذره، ورتّب له ولأولاده من الخزينة في كل سنة ثلاثين دينارا، ثم عاد إلى حلب.
قال ابن الحنبلي: واتفق له أنه قرأ في طريق الحاج ذهابا وإيابا وفي إقامته بمصر قدر شهرين ما يزيد على ثلاثمائة وخمسين ختمة، قيل: وكان راتبه في الإقامة مع قضاء مصالحه في اليوم والليلة ختمة وبدونه ختمة ونصفا، وكان يمشي في الأسواق فلا يفتر عن التّلاوة.
وتوفي بحلب، رحمه الله تعالى.
وفيها تقي الدّين أبو بكر الظّاهري المصري [2] نزيل دمشق، الشيخ الفاضل العالم.
توفي بدمشق في مستهل شهر [3] رمضان.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 39- 40) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 106) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 120) .
[3] لفظة «شهر» سقطت من «ط» .(10/205)
وفيها المولى أحمد باشا بن خضر بك بن جلال الدّين الرّومي الحنفي [1] .
قال في «الكواكب» : كان عالما متواضعا للفقراء، ولما بني السلطان محمد خان المدارس الثمانية أعطاه واحدة منها، وسنّه يومئذ دون العشرين، ثم تنقل في المناصب حتّى صار مفتيا بمدينة بروسا في سلطنة السلطان بايزيد، وأقام بهامدة متطاولة، وله مدرسة هناك بقرب الجامع الكبير منسوبة إليه. وله كتب موقوفة على المدرسة. وتوفي في هذه السنة.
قال في «الشقائق» : وقد جاوز التسعين.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن القاضي علاء الدّين علي بن البهاء بن عبد الحميد بن إبراهيم البغدادي ثم الدمشقي الصّالحي الحنبلي [2] الإمام العلّامة.
ولد ليلة الاثنين عاشر ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة، وأخذ العلم عن أبيه وغيره، وانتهت إليه رئاسة مذهبه، وقصد بالفتاوى، وانتفع الناس به فيها وفي الإشغال، وتعاطى الشهادة على وجه إتقان لم يسبق إليه، وفوض إليه نيابة القضاء في الدولة العثمانية زين العابدين الفناري، ثم ترك ذلك، وأقبل على العلم والعبادة، ومن تلاميذه البدر الغزّي، وللبدر عليه «مشيخة» أيضا، وهو الذي أشار عليه بالكتابة على الفتوى بمحضر من والده الشيخ رضي الدّين، وكان يمنعه أولا من الكتابة في حياة شيوخه فاستأذنه له فيها.
وتوفي صاحب الترجمة بدمشق بكرة نهار الجمعة حادي عشري رجب، ودفن بتربة باب الفراديس.
وفيها شهاب الدّين أحمد، المعروف بابن نابتة المصري الحنفي [3] .
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (109) و «الكواكب السائرة» (1/ 134) و «الطبقات السّنية» (1/ 344- 345) و «الفوائد البهية» ص (26) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (9/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 140) و «النعت الأكمل» ص (100- 101) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 154) .(10/206)
حضر في الفقه على العلّامة الشمس قاسم بن قطلوبغا، والجلال الطرابلسي، والقراءات عن الشمس الحمصاني، وكان متزهدا، متقللا، وأقبلت عليه الطلبة، واشتغل الناس عليه، وأصيب بالفالج أشهرا، ثم توفي ليلة الأربعاء حادي عشر ربيع الثاني وهو في أواخر الثمانين، ودفن بتربة الجلال السيوطي.
وفيها شهاب الدّين أحمد المنوفي [1] الشيخ الفاضل المحصّل المعتقد الشافعي متولي الظّاهرية القديمة بمصر.
ولي قضاء بلده منوف العليا، فباشر القضاء بعفّة ونزاهة، وطرد البغايا من تلك الناحية، وأزال المنكرات، واستخلص الحقوق، بحيث كانت تأتيه الخصوم من بلاد بعيدة أفواجا، وتستخلص بهمته وعدله حقوقا كانت قد ماتت.
قال العلائي: وقد أوقفني على عدة «مختصرات» له في الفقه، والفرائض، والحساب، والعربية، حوت مع الاختصار فوائد وفرائد خلت منها كثير من المختصرات والمطوّلات.
وتوفي في مستهل شوال.
وفيها صدر الدّين إدريس المارديني القاهري [2] ، الإمام العالم المؤرّخ المنشئ.
توفي بالقاهرة في هذه السنة.
وفيها جان بردي بن عبد الله الجركسي، الشهير بالغزالي [3] ، السّخيف الرأي.
كان في الدولة الجركسية كافل حماة، ثم دمشق، ثم خامر على الغوري كما تقدم، ووعده السلطان سليم بنيابة [4] دمشق، ومع هذا فإنه لما فرّ من ميسرة
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 154) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 160) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 168- 171) .
[4] في «آ» : «نيابة» .(10/207)
الغوري بمرج دابق مخامرة، رجع إلى مصر ولحق بطومان باي، وأعانه على السلطان سليم، ولما افتتح السلطان سليم مصر ثبت على ميثاقه ووعده، وولاه نيابة الشام، وخرج في ركابه من مصر إلى دمشق، ثم خرج في وداعه، ثم عاد إلى دمشق، وقد ولّى السلطان سليم قاضي القضاة ابن الفرفور بعد أن تحنّف، وكان شافعيا، وأبطل القضاة الأربعة إلّا ابن فرفور، فكان قاضيا. وكان الغزالي نائبا فأعاد الشهود إلى مراكزهم على عادتهم في الدولة الجركسية، ووقع بينه وبين ابن فرفور بهذا السّبب، غير أن الغزالي نشر العدل في دمشق وأعمالها، وأبطل ما كان حدث بها من اليسق [1] ، ومنع البوّابين أن يأخذوا شيئا من الداخلين إلى المدينة، وجرّد السيف على كل من تعرّض من الأروام لامرأة أو صبيّ. وكتب بذلك إلى السلطان سليم، وأخبره بأن دمشق غير معتادة لشيء من هذه المناكير، فأجيب بأنّا قلدناك أمر الرّعية فافعل ما هو الشرع، وعرض بالقضاء لقاضي القضاة شرف الدّين بن مفلح بدلا عن ابن فرفور، فأجيب إلى ذلك، فباشر الغزالي النيابة، وابن مفلح القضاء بسيرة حسنة إلى سنة ست وعشرين، فكان الغزالي ببيروت وجاءه الخبر بموت السلطان سليم، فركب من ساعته إلى دمشق وحاصر قلعتها، ثم سلّمها إليه أهلها، ونفي نائبها إلى بيت المقدس، وجعل نيابتها للأمير إسماعيل بن الأكرم، وأمر الخطباء أن ينوهوا بسلطنته ويدعوا له بها [2] على المنابر، وفرح بذلك جهلة العوام دون عقلاء الناس، ثم توجّه إلى طرابلس، وحمص، وحماة، وحلب، وحاصر قلاعها، ولم يظفر بطائل، لكنه قبض على كافل حمص وقتله، ثم دخل حماة- وقد فرّ كافلها وقاضيها إلى حلب- فأخذ من كان معه في النّهب، وقتل من كان له غرض في قتله، وكان فرّ ابن فرفور أيضا إلى حلب خوفا من معرته، ولما بلغ السلطان سليمان خبره جهّز إليه جيشا، فصار الغزالي يحصّن قلعة دمشق وما حولها، ونصب بها منجنيقا ليرمي به المحاصرين، وصار يركب من دار السعادة إلى القلعة، ومن القلعة إلى دار السعادة، وضاقت عليه الأرض، وهمّ بالهرب، فثبّت
__________
[1] اليسق: كلمة تركية تعني (الممنوع) .
[2] لفظة «بها» سقطت من «ط» .(10/208)
جأشه جهلة عساكره الذين جمعهم من القرى، وقالوا: نحن فينا كفاية.
قال الحمصي: وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر صفر أمر جان بردي الغزالي أن يخطبوا له بالسلطنة ويلقّبوه بالأشرف، وصلى بالجامع الأموي في المقصورة، وخطب له بالأشرف، ووقف على المقصورة بساط في اليوم المذكور.
قال: وفي يوم السبت جمع مشايخ الحارات بالجامع الأموي وحلّفهم أن لا يخونوه، وأن يكونوا معه على كلمة واحدة، ثم خرج يوم الثلاثاء سابع عشريه هو والعساكر وأهل الحارات إلى مسطبة السلطان بالقابون، ووصل العسكر العثماني إلى القصير، وعدّته اثنان وستون ألفا باشهم الوزير الثالث فرحات، وصحبته نائب حلب قراجا باشا، والأمير شاه سوار، وقاضي القضاة ولي الدّين بن فرفور، وقد أعيد إلى القضاء على عادته. وكان صحبة الغزالي الأمير يونس بن القواس بعشيره والأمير عمر بن العزقي بعشيره، فالتقى العسكران بين دوما، وعيون فاسريا، والقصير، ففرّ ابن القواس بعشيره، وثبت الغزالي وقليل ممن معه، فقتلوا وقتل معه عمر بن العزقي، واستأصل جميع عسكره الأسافل، وذكروا أن عدة القتلى كانت سبعة آلاف، ثم دخل العسكر العثماني دمشق، فرأوا الأبواب مفتحة، وسلّمهم ابن الأكرم مفاتيح القلعة، ولو قصدوا قتل العوام لفعلوا، وكان ذلك يوم الثلاثاء سابع عشري صفر.
وفيها بدر الدّين حسن بن عيسى بن محمد الفلوجي البغدادي الأصل، العالم الحنفي [1] .
قال في «الكواكب» : اشتغل قليلا على الزّيني ابن العيني، واعتنى بالشهادة، ثم تركها، وحصّل دنيا واسعة، وحجّ سنة عشرين، وجاور، وولي نظر الماردانية والمرشدية، ونزل له أخوه شمس الدّين عن تدريسها وعدة مدارس، ولم يكن فيه أهليّة، فتفرقها الناس، مع أنه كان كثير الشرّ كما قال ابن طولون.
ومات يوم الثلاثاء تاسع عشر صفر، ودفن يوم الأربعاء بالسفح.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 181- 182) و «متعة الأذهان» الورقة (36/ ب) .(10/209)
وفيها سيدي ابن محمود، المولى العالم الصالح الرّومي الحنفي، الشهير بابن المجلّد [1] .
كان أصله من ولاية قوجه إيلي، واشتغل بالعلم، وحصّل، وصار مدرّسا بمدرسة عيسى بيك ببروسا، ثم رغب في التصوف، وعين له كل يوم خمسة عشر درهما بالتقاعد، ثم صحب الشيخ العارف بالله تعالى السيد البخاري.
وكان فاضلا، مدقّقا، حسن الخطّ، صالحا، ديّنا، يخدم بيته بنفسه، ويشتري حوائجه ويحملها من السوق بنفسه، ملازما للمسجد، منعزلا عن الناس.
وتوفي في حدود هذه السنة تقريبا.
وفيها القاضي محبّ الدّين عبد الرحمن بن إبراهيم الشيخ العابد الدّيّن الصّالح الدسوقي [2] .
ولد في ذي الحجة سنة ثمان وستين وثمانمائة، وكان ناظر الأيتام بدمشق، وفوض إليه نيابة القضاء في سنة ست عشرة وتسعمائة.
وتوفي ليلة السبت سابع ربيع الآخر فجأة، ودفن بمقبرة باب الصغير عند والده.
وفيها محيي الدّين أبو المفاخر عبد القادر بن محمد بن عمر بن محمد بن يوسف بن عبد الله بن نعيم- بضم النون- النّعيمي [الدمشقي] [3] الشافعي [4] الشيخ العلّامة الرّحلة، مؤرخ دمشق، وأحد محدّثيها.
ولد يوم الجمعة ثاني عشر شوال سنة خمس وأربعين وثمانمائة، ولازم الشيخ إبراهيم النّاجي، والعلّامة زين الدّين عبد الرحمن بن خليل، وزين الدّين خطاب
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 213) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 226) و «متعة الأذهان» الورقة (45/ آ) .
[3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[4] ترجمته في «مفاكهة الخلّان» (1/ 10) و «متعة الأذهان» الورقة (53/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 250) و «الأعلام» (4/ 43) و «معجم المؤلفين» (5/ 301) .(10/210)
الغزاوي، وزين الدّين مفلح بن عبد الله الحبشي المصري ثم الدمشقي، ولبس منه خرقة التصوف، وأخذ عن البدر بن قاضي شهبة، والشّهاب بن قرا. وقرأ على البرهان البقاعي مصنّفه المسمى ب «الأيذان» ، وأجاز له به، وبما يجوز [1] له وعنه روايته، وشيوخه كثيرة، ذكرهم في تواريخه.
وألّف كتبا كثيرة، منها «الدارس في تواريخ المدارس» [2] . ومنها «تذكرة الإخوان في حوادث الزمان» و «التبيين في تراجم العلماء والصالحين» و «العنوان في ضبط مواليد ووفيات أهل الزمان» و «القول البين [3] المحكم في إهداء القرب للنّبيّ صلّى الله عليه وسلم» و «تحفة البررة في الأحاديث المعتبرة» و «إفادة النّقل في الكلام على العقل» وغير ذلك.
وتوفي- كما قال ولده المحيوي يحيى- وقت الغداء يوم الخميس رابع جمادى الأولى ودفن بالحمرية، رحمه الله تعالى.
وفيها- وقيل في سنة عشر وتسعمائة وقيل سنة [4] سبع عشرة ولعله الصحيح- علي النّبتيتي [5] الشافعي الشيخ الإمام العلّامة ولي الله تعالى العارف به البصير بقلبه المقيم ببلدته نبتيت من أعمال مصر.
كان رفيقا للقاضي زكريا في الطلب والاشتغال، وبينهما أخوة أكيدة، وأخذ العلم عن جماعة، منهم الكمال إمام الكاملية. وكان النّبتيتي من جبال العلم، متضلعا من العلوم الظّاهرة والباطنة، وله أخلاق شريفة، وأحوال منيفة، ومكاشفات
__________
[1] في «ط» : «وبما تجوز» .
[2] المعروف في اسمه: «الدارس في تاريخ المدارس» وقد نشره المجمع العلمي العربي بدمشق منذ سنوات طويلة في مجلدين بتحقيق الأمير جعفر الحسني، وقد حصل فيها الكثير من التحريف والتصحيف.
ويقوم بإعادة تحقيقة الآن الأخ الأستاذ أحمد فائز الحمصي بتكليف من مؤسسة الرسالة ببيروت.
[3] في «ط» : «المبين» .
[4] لفظة «سنة» سقطت من «ط» .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 281- 282) و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 188) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 124- 125) .(10/211)
لطيفة، وكان يغلب عليه الخوف والخشية، حتّى كأن النار لم تخلق إلّا له وحده، وكان الناس يقصدونه للعلم، والإفتاء، والإفادة، والتبرّك، والزيارة، من سائر الآفاق.
وكانت ترفع إليه المسائل المشكلة من مصر، والشام، والحجاز، فيجيب عنها نظما ونثرا.
وكانت نصوص الشافعي وأصحابه كأنّها نصب عينيه.
وكان مخصوصا في عصره بكثرة الاجتماع بالخضر.
قال الشعراوي: كان وقته كله معمورا بالعلم والعبادة ليلا ونهارا. وكان يقول: لا يكمل الرجل في العقل إلّا إن كان [1] كاتب الشمال لا يجد شيئا من أعماله يكتبه.
وله مناقب كثيرة.
ومن شعره- رضي الله تعالى عنه-:
وما لي لا أنوح على خطائي ... وقد بارزت جبّار السماء
قرأت كتابه وعصيت سرّا ... لعظم بليّتي ولشؤم دائي
بلائي لا يقاس به بلاء ... وأعمالي تدلّ على شقائي
فيا ذلّي إذا ما قال ربّي ... إلى النّيران سوقوا ذا المرائي
فهذا كان يعصيني جهارا ... ويزعم أنّه من أوليائي
تصنّع للعباد ولم يردني ... وكان يريد بالمعنى سوائي
في أبيات أخر [2] .
توفي يوم عرفة ببلدة ودفن بها، وقبره بها يزار.
__________
[1] لفظة «كان» سقطت من «ط» .
[2] وهي أربعة أبيات ذكرها الشعراني في «الطبقات الكبرى» وقد استحسنت ذكرها لما فيها من العبرة لمن يعتبر:
فيا ربّي عبيد مستجير ... يروم العفو من ربّ السماء
حقير ثم مسكين فقير ... بنبتيت أقام على الرّياء
عليّ باسمه في الناس يعرف ... وما يدري اسمه حال ابتداء
فآنسه إذا أمسى وحيدا ... رهين الرّمس في لحد البلاء(10/212)
وفيها المولى غياث الدّين الشهير بباشا جلبي الرّومي [1] الحنفي، العالم الفاضل، ابن أخي آق شمس الدّين الرّومي.
قرأ على المولى الخيالي، والمولى خواجه زاده، وغيرهما، وصحب الصّوفية، ثم أعطي مدرسة المولى الكوراني بالقسطنطينية [2] ، ثم إحدى الثمانية، ثم ترك ذلك، واختار مدرسة أبي أيوب الأنصاري، ثم أعطي سلطانية أماسية، مع منصب الفتوى، ثم تركها، وأعطى تقاعدا بسبعين عثمانيا كل يوم، ثم طلب مدرسة القدس الشريف فمات قبل السفر إليها.
وله رسائل كثيرة، لكنه لم يدوّن كتابا، رحمه الله تعالى.
وفيها شرف الدّين قاسم بن عمر الزواوي المغربي القيرواني [3] المالكي الشيخ الفاضل الصالح المعتقد.
كان أولا مقيما في صحبة رفيقه الشيخ العابد الزاهد محمد الزواوي بمقام الشيخ تاج الدّين بن عطاء الله الإسكندري، ثم أقام بمقام الإمام الشافعي- رضي الله عنه- خادما لضريحه، وصحب الشيخ جلال الدّين السيوطي، وارتبط به، وقلّده في ملازمة لبس الطيلسان صيفا وشتاء، وكان يتردد إلى التّقي الأوجاقي وغيره، وأخذ عنه البدر الغزّي.
وتوفي يوم الثلاثاء رابع عشري شعبان.
وفيها كمال الدّين محمد بن الشيخ غياث الدّين أحمد بن الشيخ كمال الدّين الشماخي [4] الأصل والمولد- وشماخي أمّ المدائن بولاية شروان [5]-.
أخذ عن السيد يحيى بن السيد بهاء الدّين الشرواني الشماخي ثم الباكوي- وباكو بلدة من ولاية شروان أيضا- وبها توفي السيد يحيى سنة ثمان أو تسع وستين
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (198) و «الكواكب السائرة» (1/ 163) .
[2] أي في إستانبول.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 293- 294) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 32- 33) .
[5] انظر خبرها في «معجم البلدان» (3/ 361) و «مراصد الإطلاع» (2/ 810) .(10/213)
وثمانمائة، وكان السيد يحيى هذا جليل المقدار انتشرت خلفاؤه إلى أطراف الممالك- وأما صاحب الترجمة فذكر العلائي أنه دخل القاهرة بعد فتنة الطاغية إسماعيل شاه فلم يظهر مشيخة ولا سلوكا، ولا تقرّب من أرباب الدنيا، بل جلس في حانوت بقرب خان الخليلي يشتغل فيه الأقماع والكوافي على أسلوب العجم، بحسن صناعة، وجميل دربة، وإتقان صنع، وكان حافظا لعبارات كثير من المشايخ وآدابهم وأخلاقهم وحسن سيرتهم، مما خلا منه كثير من المتصدّرين، مع عدم التكبّر [1] والتبجح.
وتوفي ليلة الاثنين ثالث ربيع الأول، قال العلائي: عن مائة وثلاث عشرة سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبيد الضرير [2] الشيخ الإمام العلّامة المقرئ المجوّد.
ولد سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وكان قفافيا بميدان الحصى بدمشق، ثم اشتغل بالعلم، وأمّ وأقرأ بمسجد الباشورة بالباب الصغير، وكان عالما صالحا يقرئ «الشاطبية» وغيرها من كتب القراءات والتجويد، وانتفع به خلق كثير.
وتوفي يوم الأربعاء تاسع عشري القعدة ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من ضريح الشيخ حمّاد، رحمهما الله تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد بن ليل الزّعفراني التّونسي [3] القاطن بالقاهرة.
قال في «الكواكب» : كان يحفظ أنواع الفضائل، وكان يتأنق في إيراد أنواع التحميدات، والتسبيحات، والصّلوات، ويعرف الألسن العربية المتنوعة، والخواص العجيبة، وكان يذكر أنه عارف بالصنعة.
مات بالقاهرة يوم الأربعاء تاسع عشري جمادى الآخرة ودفن بتربة المجاورين.
__________
[1] في «ط» : «التكثر»
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (89/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 56- 57) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 70) .(10/214)
وفيها محيي الدّين محمد بن محمد بن محمد البردعي الحنفي [1] أحد موالي الرّوم العالم الفاضل.
كان من أولاد العلماء، واشتغل على والده وغيره، ثم دخل شيراز وهراة، وقرأ على علمائها، وحصّل علما كثيرا، ثم ارتحل إلى بلاد الرّوم، وصار مدرّسا بمدرسة أحمد باشا بمدينة بروسا ثم بإحدى المدرستين المتلاصقتين بأدرنة.
وتوفي وهو مدرّس بها، وله «حواش على تفسير البيضاوي» و «حواش على شرح التجريد» للسيد الشريف، و «حواش على التلويح» و «شرح على آداب البحث» للعضد. وكان له حظّ وافر من العلوم، ومعرفة تامّة بالعربية، والتفسير، والأصول، والفروع.
وكان حسن الأخلاق، لطيف الذات، متواضعا، متخشعا، له وجاهة ولطف، ويكتب الخطّ الحسن، مع سرعة الكتابة.
وتوفي بأدرنة في هذه السنة، رحمه الله تعالى.
وفيها الأمير مرجان بن عبد الله الظّافري [2] الذي عمّر قبة العيدروس بعدن، وهو مدفون معه فيها.
قال في حقّه العلّامة بحرق: الأمير المؤيد بتوفيق الله وعنايته، المسدّد بحفظ الله ورعايته، الذي فتح الله بنور الإيمان عين بصيرته، وطهّر عن سوء العقيدة باطن سريرته، وصار معدودا من الأولياء لموالاته لهم باطنا وظاهرا، وحاز من بين الولاة والحكّام من التواضع لله والرّفق بالفقراء والمساكين حظا وافرا، مرجان بن عبد الله الظافري لا زال على الأعداء ظافرا وإلى مرضاة مولاه مبادرا. انتهى.
وفيها نسيم الدّين قاضي مكّة الحنفي [3] .
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (230، 231) و «الكواكب السائرة» (1/ 18) و «الأعلام» (7/ 55) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (132- 133) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 311) .(10/215)
قال العلائي: كان فاضلا، ذكيا، مستحضرا لكثير من المسائل، حافظا لمتن المجمع، ديّنا فصيحا، لطيفا، عفيفا، لا يتناول على القضاء شيئا البتة، وأخذ الفقه عن الشمس بن الضّياء، وعن جماعة من المصريين وغيرهم.
وتوفي بمكة سنة سبع وعشرين وتسعمائة. انتهى(10/216)
سنة ثمان وعشرين وتسعمائة
فيها توفي تقي الدّين أبو الصّدق أبو بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن شرف بن منصور بن محمود بن توفيق بن عبد الله، المعروف بابن قاضي عجلون الزرعي ثم الدمشقي [1] الشافعي الإمام العلّامة القدوة الرّحلة الأمة العمدة.
ولد بدمشق في شعبان سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، واشتغل على والده وأخيه شيخ الإسلام نجم الدّين، وعلى شيخ الإسلام زين الدّين خطاب. وسمع الحديث على المسند أبي الحسن بن بردس البعلي، والحافظ شمس الدّين بن ناصر الدّين وغيرهما، وأخذ عن ابن حجر مكاتبة، والعلم صالح البلقيني، والشمس المناوي، والجلال المحلّي.
وكان إماما، بارعا في العلوم، وكان أفقه أهل زمانه وأجلّ معاصريه وأقرانه، ودرّس بالجامع الأموي، والشامية البرانية، والعمرية، وبالقاهرة دروسا حافلة، وألّف منسكا لطيفا، وكتابا حافلا سمّاه «إعلام النّبيه مما زاد على المنهاج من الحاوي، والبهجة، والتنبيه» ، وانتهت إليه مشيخة الإسلام ورئاسة الشافعية ببلاد الشام، بل وبغيرها من بلاد الإسلام، وحصل له من السّعد في العلم، والرئاسة، وكثرة التلامذة، وقرّة العين بهم في دمشق ما حصل لشيخ الإسلام زكريا بالقاهرة، إلّا أن القاضي زكريا زاد عليه في السعادة بكثرة التصانيف، مع تحريرها وتحقّيقها، رحمهما الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (21/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 114- 118) و «الأعلام» (2/ 66- 67) .(10/217)
وبرع أكثر تلاميذ صاحب الترجمة في حياته، كالشيخ شمس الدّين الكفرسوسي، والشيخ تقي الدّين البلاطنسي، والسيد كمال الدّين بن حمزة، والقاضي رضي الدّين الغزّي، والبدر الغزّي، والشيخ بهاء الدّين الفصي البعلي، والشيخ تقي الدّين القاري، والشيخ علاء الدّين القيمري، والشرف العيثاوي، وغيرهم.
ولما قدم العلّامة برهان الدّين البقاعي دمشق في سنة ثمانين وثمانمائة، تلقاه الشيخ تقي الدّين هو وجماعة من أهل العلم إلى القنيطرة، ثم لما ألّف كتابه في الردّ على حجّة الإسلام الغزّالي في مسألة ليس في الإمكان أبدع مما كان، وبالغ في الإنكار على ابن العربي وأمثاله، حتى أكفر بعضهم. كان الشيخ تقي الدّين ممن أنكر على البقاعي ذلك وهجره بهذا السبب، خصوصا بسبب حجّة الإسلام، مع أنه كان ينهى عن مطالعة كتب ابن العربي.
قال الحمصي في «تاريخه» : وامتحن شيخ الإسلام مرارا، منها مرة في أيام الغوري بسبب فتياه في واقعة ابن محب الدّين الأسلمي المعارضة لفتيا تلميذه وابن أخيه السيد كمال الدّين بن حمزة، وطلب هو والسيد وجماعة إلى القاهرة، وغرم بسبب ذلك أموالا كثيرة، حتى باع أكثر كتبه، وانتهى الأمر آخرا على العمل بفتياه وإعادة تربة ابن محب الدّين المهدومة بفتوى السيد كما كانت، عملا بفتوى الشيخ تقي الدّين، وأعاد الشيخ تقي الدّين هو وولده الشيخ نجم الدّين إلى دمشق، وقد ولي ولده قضاء قضاة الشافعية بها.
وقال في «الكواكب» : أخبرنا شيخ الإسلام الوالد قال: أخبرنا شيخنا شيخ الإسلام تقي الدّين بن قاضي عجلون، عن أخيه شيخ الإسلام نجم الدّين، أن جميع أسماء الذين أفتوا في عهد سيدنا [1] رسول الله صلّى الله عليه وسلم في قوله:
لقد كان يفتي في زمان نبيّنا ... مع الخلفاء الراشدين أئمة
معاذ وعمّار وزيد بن ثابت ... أبيّ بن مسعود وعوف حذيفة
__________
[1] لفظة «سيدنا» لم ترد في «ط» .(10/218)
ومنهم أبو موسى وسلمان حبرهم ... كذاك أبو الدرداء وهو تتمة
وأفتى بمرآه أبو بكر الرّضى ... وصدّقه فيها وتلك مزيّة
وتوفي صاحب الترجمة ضحوة يوم الاثنين حادي عشر رمضان، ودفن بمقبرة باب الصغير.
وفيها شهاب الدّين أبو السعود أحمد بن عبد العزيز السّنباطي المصري [1] الشافعي العلّامة المحدّث.
ولد سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، وكان أحد العدول بالقاهرة. وسمع «صحيح البخاري» على المشايخ المجتمعين بالمدرسة الظاهرية القديمة بين القصرين بالقاهرة، وكانوا نحو أربعين شيخا، منهم العلّامة علاء الدّين القلقشندي، وابن أبي المجد، والتّنوخي.
ومن مشايخه أبو السعادات البلقيني، والشّهاب الأبدي صاحب «الحدود» في النحو، والعلّامة ناصر الدّين بن قرقماس الحنفي صاحب «زهر الربيع في شواهد البديع» أخذه عنه.
وممن أخذ عن صاحب الترجمة الشيخ نجم الدّين الغيطي، قرأ عليه جميع «صحيح البخاري» .
وتوفي في هذه السنة، رحمه الله تعالى.
وفيها شهاب الدّين أحمد [2] .
قال في «الكواكب» : الشيخ الفاضل العريق ابن الشيخ العالم، المعروف بالراعي، شارح «الجرومية» .
قال العلائي: وهو ممن سمع على شيخ الإسلام ابن حجر، وتقدم في صناعة التوريق والتسجيل واعتبر، وله فيه [3] مصنّفات.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 137) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 154- 155) .
[3] لفظة «فيه» سقطت من «آ» .(10/219)
وتوفي في [1] تاسع جمادي الأولى.
وفيها القاضي غرس الدّين خليل بن محمد بن أبي بكر بن خلفان- بفتح المعجمة والفاء، وإسكان اللام بينهما، وبالنون آخره- الدمشقي الحنبلي، المعروف بالسّروجي [2] .
ولد في ربيع الأول سنة ستين وثمانمائة بميدان الحصا، واشتهر بالشهادة، ثم فوّض إليه نيابة الحكم مدة يسيرة.
وتوفي يوم الخميس سابع شهر رمضان ودفن بتربة الجورة بالميدان.
وفيها القاضي محيي الدّين عبد القادر النّبراوي الحنبلي [3] .
كان أقدم الحنابلة بمصر وأعرفهم بصناعة التوريق والقضاء والفقاهة، مع سماع له ورواية، وكان أسود اللون، وله مع ذلك تمتع بحسان النّساء للطف عشرته ودماءة أخلاقه. وكان يصبغ بالسواد مع كبر سنّه.
مات ليلة الأربعاء خامس عشر جمادى الآخرة عن نيّف وتسعين سنة.
وفيها زين الدّين عبد القادر المكّي الشّيباني الحنفي [4] .
دخل مصر متوجها إلى بلاد الرّوم لطلب قضاء الحنفية بمكّة، ثم رحل من القاهرة في قافلة صحبة الأمير جانم الحمزاوي ليلة الاثنين سادس جمادى الآخرة، فتوفي في أمّ الحسن.
وفيها عبد الكريم بن محمد بن يوسف المباهي الأموي الدمشقي الشافعي المقرئ [5] .
__________
[1] لفظة «في» سقطت من «ط» .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (38/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 189) و «النعت الأكمل» ص (102) و «السحب الوابلة» ص (164) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 253) و «النعت الأكمل» ص (102) و «السحب الوابلة» ص (240) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 254) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 254) .(10/220)
كان فاضلا صالحا. قرأ على البدر الغزّي كثيرا. قاله في «الكواكب» .
وفيها جلال الدّين محمد بن أسعد الدّواني [1]- بفتح المهملة وتخفيف النون، نسبة لقرية من كازرون- الكازروني الشافعي الصّدّيقي القاضي بإقليم.
فارس.
قال في «النور السافر» : هو المذكور بالعلم الكثير، والعلّامة في المعقول والمنقول، وممن أخذ عنه المحيوي اللّاري، وحسن بن البقّال، وتقدم في العلوم، سيما العقليات، وأخذ عنه أهل تلك النواحي، وارتحلوا إليه من الرّوم، وخراسان، وما وراء النهر.
ذكره السخاوي في «ضوئه» فقال: وسمعت الثناء عليه من جماعة ممن أخذ عني، واستقره السلطان يعقوب في القضاء، وصنّف الكثير، من ذلك «شرح على شرح التجريد» للطوسي. عمّ الانتفاع به. وكذا كتب على «العضدي» مع فصاحة، وبلاغة، وصلاح، وتواضع، وهو الآن حيّ. في سنة تسع وتسعين ابن بضع وسبعين. انتهى كلام «الضوء» .
وفيها المولى محمد بن خليل [2] .
قال في «الكواكب» : العالم الفاضل المولى محمد الرّومي الحنفي، قاضي أذنة.
توجه إلى الحجّ الشريف فتوفي بالمدينة قبل وصوله إلى مكة في ذي القعدة. انتهى.
وفيها خير الدّين أبو الخير محمد بن عبد القادر بن جبريل الغزّي ثم الدمشقي [3] المالكي قاضي القضاة العلّامة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 133) و «النور السافر» ص (133- 134) و «البدر الطالع» (2/ 130) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 46) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (89/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 56) .(10/221)
ولد بغزّة في ثاني عشر شوال سنة اثنتين وستين وثمانمائة، واشتغل وبرع، ثم قدم دمشق وحضر دروس الشيخ عبد النّبيّ المالكي، وظهرت فضيلته خصوصا في علم الفرائض والحساب، ثم ولي قضاء المالكية بالشام في سنة إحدى عشرة وتسعمائة، وسار في القضاء سيرة حسنة بعفّة وزهد وقيام في نصرة الحق، واستمر حتى عزل في رمضان سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، فتوجه إلى بلده ثم [إلى] مكة المشرّفة وبها توفي في صفر ودفن بالمعلاة.
وفيها شمس الدّين محمد بن الشيخ العلّامة علاء الدّين علي المحلّي المصري [1] الشافعي المفتي، المعروف بابن قرينة.
تلقى عن أبيه تدريس التفسير بالبرقوقية، وتدريس الفقه بالمؤيدية والأشرفية. وكان ذا علم وعقل وتؤدة.
وتوفي في ثامن ربيع الثاني وخلّف ولدا صغيرا، أسند الوصاية عليه إلى جماعة منهم السيد كمال الدّين بن حمزة الشامي.
وفيها زين الدّين محمد بن عمر البحيري [2] العلّامة، فقيه السلطان الغوري.
توفي بمرض الاستسقاء [ليلة الخميس] [3] سادس عشر شعبان بعد أن نزل عن وظائفه ووقف كتبه.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن علي بن أبي اللطف الحصكفي ثم المقدسي [4] سبط العلّامة تقي الدّين القلقشندي.
توفي والده شيخ الإسلام أبو اللطف وهو حمل في عاشر جمادي الآخرة سنة
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 58) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 70) .
[3] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 17- 18) و «الأنس الجليل» (2/ 185) و «الأعلام» ، (55- 56) .(10/222)
تسع وخمسين وثمانمائة، فنشأ بعده واشتغل [1] بالعلم على علماء بيت المقدس، منهم الكمال بن أبي شريف، ورحل إلى القاهرة، فأخذ عن علمائها، منهم الشمس الجوجري، وسمع الحديث، وقرأه على جماعة، وأذن له بالإفتاء والتدريس، وصار إماما علّامة، من أعيان العلماء الأخيار الموصوفين بالعلم والدّين والتواضع. وكان عنده تودّد، ولين جانب، وسخاء نفس، وإكرام لمن يردّ عليه، وأجمع الناس على محبّته.
وتوفي ليلة السبت ثالث عشر القعدة ببيت المقدس.
وفيها ولي الدّين محمد بن القاضي شمس الدّين محمد بن عمر الدّورسي الصّالحي الحنبلي [2] الإمام العالم.
توفي بصالحية دمشق يوم السبت تاسع عشر ذي الحجّة ودفن بها.
وفيها قاضي القضاة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الله الطّولقي المالكي [3] .
سمع على العلّامة جمال الدّين الطّمطامي.
قال ابن طولون: قدم علينا دمشق، واتجر بحانوت بسوق الذراع، ثم ولي قضاء دمشق عوضا عن قاضي القضاة شمس الدّين المرّيني، وعزل عن القضاء، ثم وليه مرارا، ثم استمر معزولا مخمولا إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني عشري شعبان فجأة، وكان له مدة قد أضرّ، وصار يستعطي ويتردّد إلى الجامع الأموي.
وكان يكتب عنه على الفتوى بالأجرة له، ودفن بمقرة باب الصغير. انتهى.
وفيها- أو في التي بعدها- المولى يعقوب الحميدي [4] ، العلّامة الشهير باجه خليفة، أحد الموالي الرّومية.
__________
[1] في «آ» : «واستقل» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 68) و «النعت الأكمل» ص (56 و 103) و «السحب الوابلة» ص (443) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (101، آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 72) .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (275) و «الكواكب السائرة» (1/ 314) .(10/223)
خدم المولى علاء الدّين الفناري، ودرّس في عدة مدارس، آخرها مدرسة مغنيسا، وهو أول مدرس بها.
ومات عنها.
وكان فاضلا صالحا متصوفا، له مهارة في الفقه ومشاركة في غيره، ذو سمت حسن، صحيح العقيدة، رحمه الله تعالى.(10/224)
سنة تسع وعشرين وتسعمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن إسكندر بن يوسف، وقيل ابن يوسف بن إسكندر، المعروف بابن الشيخ إسكندر الحلبي [1] نزيل دمشق الشافعي.
قال النجم الغزّي: هو جدّ أخي لوالدي لأمّه الشيخ العلّامة العارف بالله تعالى شهاب الدّين أحمد الغزّي.
أخذ عن جماعة، منهم جدّي، ووالدي، وكان علّامة.
قال والدي: وكان له يد في علم الهيئة، والمنطق، والحكمة، وغير ذلك، وكان مدرّس السيبائية بتقرير من واقفها سيباي نائب الشام [2] ، وناظرا على وقف سيدي إبراهيم بن أدهم، رضي الله عنه.
قتله اللّصوص بدرب الرّوم. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بالحاج الشافعي بأفضل [3] .
قال في «النور» : ولد يوم الجمعة خامس شوال سنة سبع وسبعين وثمانمائة، وتفقه بوالده، وبالفقيه محمد بن أحمد فضل، وأخذ عن قاضي، القضاة يوسف بن يونس المقرئ وغيره، وبرع، وتميّز، وتصدّر للإفتاء والتدريس في زمن والده،
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 131) .
[2] كذا في «آ» و «الكواكب السائرة» : «نائب الشام» وفي «ط» : «نائب دمشق» .
[3] ترجمته في «النور السافر» ص (135) و «الأعلام» (1/ 160) .(10/225)
وكان إماما، عالما، علّامة، فقيها، حسن الاستنباط، قوي الذهن، شريف النفس، وكان والده يعظّمه ويثني عليه، وحجّ مرارا، واجتمع في حجّته الأخيرة بسيدي محمد بن عراق، فصحبه ولازمه، وتسلّك على يديه، وكان سخيا، كثير الصدقة وفعل المعروف، محبّا للصالحين والفقراء، حسن العقيدة، ولم يزل على ذلك حتّى استشهد في معركة الكفّار لما دخل الإفرنج الشحر، وقتلوا وأسروا ونهبوا، وذلك بعد فجر يوم الجمعة عاشر ربيع الثاني، ودفن عند والده.
وله من التصانيف: «نكت على روض ابن المقري» [في مجلدين] [1] و «نكت على الإرشاد» و «مشكاة الأنوار» .
قال مؤلّفه: عليك بالأوراد التي علقتها في كراريس سمّيتها «مشكاة الأنوار» فإني ضمنتها والله الاسم الأعظم الذي هو إكسير الأولياء.
وله وصية مختصرة.
ومن كلامه من كان همّه المعالف فاتته المعارف. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد البحيري المصري المالكي [2] العلّامة المفنّن، السالك، الشاعر المعمّر.
حفظ القرآن العظيم، وسلك في شبوبيته على الشيخ العالم أبي العبّاس الشّربيني، وأخذ عن الشيخ مدين، واشتغل في العلم، وأمعن في العربية ولا سيما التصريف، وألّف فيه شرحا جيدا على «المراح» وأخذ الفقه عن الشيخ يحيى العلمي، وكتب بخطّه كثيرا.
وله نظم جيد وألغار، وكان قانعا، متقللا، وتزوج وهو شاب ثم تجرّد.
وتوفي في خامس شوال.
وفيها إدريس بن عبد الله [3] .
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 155) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 160) .(10/226)
قال في «الكواكب» : الشيخ الفاضل اليمني الشافعي، نزيل دمشق. كان من أصحاب شيخ الإسلام الوالد. حضر دروسه، وشملته إجازته، وكان قد عزم على قراءة «المنهاج» عليه وعلى غيره فعاجلته المنية.
وفيها المولى الفاضل بالي الإيديني الرومي الحنفي [1] .
أخذ العلم عن علماء عصره، واتصل بخدمة المولى خطيب زاده، ثم بخدمة المولى سنان جلبي، ثم تنقّل في التدريس حتّى صار مدرسا بإحدى الثمانية، ثم تقاعد عنها بثمانين عثمانيا، ثم أعطي قضاء بروسا، ثم أعيد إلى إحدى الثمانية، ثم ولي قضاء بروسا ثانيا، ثم أعيد إلى إحدى الثمانية، واستمر بها إلى أن مات.
وكانت له مشاركة جيدة في سائر العلوم، قادرا على حلّ غوامضها. قويّ الحفظ، مكبا على الاشتغال، حتّى سقط مرّة عن فرسه فانكسرت رجله، فاستمر ملقى على ظهره أكثر من شهرين، ولم يترك الدرس، وألّف رسالة أجاب فيها عن إشكالات سيدي الحميدي.
وتوفي في هذه السنة ودفن عند مسجده بالقسطنطينية.
وفيها زين الدّين بركات بن أحمد بن محمد بن يوسف، الشهير بابن الكيّال الشافعي [2] الصّالح الواعظ.
كان في ابتداء أمره تاجرا، ثم ترك التجارة بعد أن ترتّبت عليه ديون كثيرة، ولازم الشيخ برهان الدّين النّاجي زمانا طويلا، وانتفع به.
قال الحمصي: قرأ عليه «صحيح البخاري» كاملا، وكتبا من مصنّفاته، ودرّس بالجامع الأموي في علم الحديث، وكان متقنا، محرّرا، وخرّج أحاديث «مسند الفردوس» وانتفع الناس به وبوعظه وحديثه.
وقال ابن طولون: رأس بعد موت شيخه، ولازم الجامع الأموي تجاه
__________
[1] ترجمته في «الطبقات السنية» (2/ 227- 228) و «الكواكب السائرة» (1/ 163- 164) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (30/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 165- 167) و «الأعلام» (2/ 49) .(10/227)
محراب الحنابلة، ووعظ بمسجد الأقصاب، وجامع الجوزة، وغيرهما، وخطب بالصّابونية سنين، وحصّل دنيا كثيرة، وصنّف عدة كتب أي، منها كتاب «حياة القلوب ونيل المطلوب» في الوعظ، ومنها «الكواكب الزاهرات [1] في معرفة من اختلط من الرواة الثقات» [2] ومنها «أسنى المقاصد في معرفة حقوق الولد على الوالد» و «الجواهر الزواهي في ذم الملاعب والملاهي» و «الأنجم الزواهر في تحريم القراءة بلحون أهل الفسق والكبائر» .
وتوفي يوم الأحد ثامن ربيع الأول بسبب أنه خرج من بيته لصلاة الصبح بالجامع الأموي فلقيه اثنان فأخذا عمامته عن رأسه وضربه أحدهما على صدره، فانقطع مدة ثم أراد الخروج إلى الجامع فما استطاع، فتوضأ وصلى الصبح والضحى.
وتوفي بعد صلاة الضحى، ودفن بمقبرة باب الصغير.
وفيها منلا بدر الدّين حسن بن محمد الرّومي الحنفي [3] .
قدم دمشق مع الدفتردار الزّيني عمر الفيقي. وكان يقرئ ولده، فأخذ له تدريس الحنفية بالقصاعية فدرّس بها، وكان أولاد العرب منهم القطب بن سلطان مدرّس الظاهرية الجوانية، وحجّ في السّنة التي قبلها.
وتوفي يوم الأربعاء ثامن عشري جمادى الآخرة قادما من الحجّ.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن شيخ الصوابية [4] بصالحية دمشق.
كان صالحا مسلّكا.
توفي بها يوم الخميس ثامن عشري رجب.
__________
[1] وقد عنون في المطبوع منه ب «الكواكب النيرات» .
[2] حققه صديقنا الدكتور عبد القيوم عبد ربّ النّبيّ، ونشرته جامعة أم القرى بمكة المكرمة سنة (1401) هـ، وهي طبعة جيدة متقنة.
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (37/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 175) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 233) .(10/228)
وفيها علاء الدّين علي بن أبي القاسم الإخميمي القاهري [1] قاضي قضاة الشافعية العدل العفيف السخي.
قال العلائي: كان له انقطاع عن الناس وانجماع بالكلية، وكان له معرفة في الصناعة وتصميم [2] في [3] المهمات، وإن كان قليل العلم.
توفي سادس عشر القعدة، وصلّي عليه بالأزهر.
وفيها علاء الدّين علي بن حسن السّرميني ثم الحلبي [4] الشافعي الفرضي الحيسوب.
كان يعرف بالنّعش المخلع، وهذا على عادة الحلبيين في الألقاب أخذ الفرائض والحساب عن الجمال الإسعردي، ومهر فيهما، واشتهر بهما، وكان له في الدولة الجركسية مكتب على باب دار [5] العدل بحلب يطلب منه لكتابة الوثائق، ثم لما أبطلت الدولة العثمانية مكاتب الشهود أخذ في كتابة المصاحف والانتفاع بثمنها وتأديب الأطفال بمكتب داخل باب أنطاكية بحلب، وبه قرأ عليه ابن الحنبلي [6] القرآن العظيم سنة سبع وعشرين وتسعمائة.
وتوفي صاحب الترجمة في رمضان هذه السنة بحلب.
وفيها- تقريبا- نور الدّين أبو الحسن علي الأشموني [7] الشافعي الفقيه الإمام العالم العامل الصّدر الكامل المقرئ الأصولي.
أخذ القراءات عن ابن الجزري.
قال الشعراوي: ونظم «المنهاج» في الفقه وشرحه، ونظم «جمع الجوامع»
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 267) .
[2] في «آ» : «وتعميم» وهو تحريف.
[3] لفظة «في» سقطت من «آ» .
[4] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 921- 922) و «الكواكب السائرة» (1/ 268- 269) .
[5] لفظة «دار» سقطت من «ط» .
[6] وقد صرح بذلك في «درّ الحبب» .
[7] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 5) و «الكواكب السائرة» (1/ 284) و «الأعلام» (5/ 10) .(10/229)
في الأصول وشرحه، و «شرح ألفية ابن مالك» شرحا عظيما. وكان متقشفا في مأكله وملبسه وفرشه. قاله في «الكواكب» .
وفيها أمين الدّين أبو الجود محمد بن أحمد بن عيسى بن النّجار الشافعي الدمياطي ثم المصري [1] الإمام الأوحد العلّامة الحجّة.
ولد سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وأخذ العلم عن صالح البلقيني، والتّقي الشّمنّي، وزينب بنت عبد الرحيم العراقي، وغيرهم.
وأخذ عنه النحو [2] النجم الغيطي، والبدر الغزّي، وغيرهما. وكان ممن جمع بين العلم والعمل، إماما في علوم الشرع، وقدوة [3] في علوم الحقيقة، متواضعا، يخدم العميان والمساكين ليلا ونهارا، ويقضي حوائجهم وحوائج الأرامل، ويجمع لهم أموال الزكاة، ويفرّقه عليهم، ولا يأخذ لنفسه منه شيئا، ويلبس الثياب الزرق والجبب السود، ويتعمم بالقطن غير المقصور، ولا يترك قيام الليل صيفا ولا شتاء، وكان ينام بعد الوتر لحظة ثم يقوم وينزل إلى الجامع الغمري فيتوضأ ويصلي، والباقي للفجر نحو سبعين درجة، ثم يصعد الكرسي ويتلو نحو ربع [4] القرآن سرّا، فإذا أذّن الصبح قرأ جهرا قراءة تأخذ بجوامع القلوب.
ومرّ نصراني من مباشري القلعة يوما في السحر فسمع قراءته فرق قلبه وأسلم على يديه، وكان يأتيه الناس للصلاة خلفه من الأماكن البعيدة لحسن صوته، وخشوعه، وكثرة بكائه، حتّى يبكي غالب الناس خلفه، وكان الشيخ أبو العباس الغمري يقول: الجامع جثة والشيخ أمين الدين روحها.
وكان يقري ويضيف كل وارد ويخدم بنفسه، ومع هذا فله هيبة عظيمة يكاد من لا يعرفه يرعد من هيبته.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 33- 35) .
[2] لفظة «النحو» سقطت من «ط» .
[3] في «آ» : «قدوة» .
[4] لفظة «ربع» سقطت من «ط» .(10/230)
وانتهت إليه الرئاسة بمصر في علوم السّنّة بالكتب [1] الستة وغيرها، ويقرأ للأربعة عشر، ومناقبه كثيرة.
وتوفي ليلة السابع والعشرين من ذي القعدة.
وفيها أبو السعود محمد بن دغيم الجارحي القاهري [2] الفقيه الصّوفي المتعبد المتنسك، المعتقد عند الملوك فمن دونهم.
وكان والده من أعيان كوم الجارح والمتسببين به في أنواع المتاجر، فنشأ الشيخ أبو السعود على خير، وحفظ القرآن العظيم، واشتغل في الفقه والنحو، ثم أقبل على العبادة والمجاهدة، ومكث عشرين سنة صائما لا يدري بذلك أهله.
وكان يصلي مع ذلك بالقرآن في ركعة أو ركعتين في تلك المدة، وأخذ في التقليل من الأكل، فانتهى أكله إلى لوزة وربما تركها.
قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» : هو عارف، علومه [3] جمّة، وصوفي ذو أحوال وكرامات بين الأمة، قدوة في علمه ودينه، فريد في عصره وحينه، اجتهد وترقى في المقامات، وأخذ عن الشيخ أحمد المرحومي عن الشيخ مدين عن الزاهد، وارتفعت روحه، وسمت عن مقعر فلك القمر، وارتفع إلى الحضرة التي لا ليل فيها ولا نهار، وضوءها وضّاح كحال أهل الجنّة في الجنّة.
ولما دخلها صار يكتب الكراريس العديدة حال ظلمة الليل كما يكتب نهارا بغير فرق، وكان له قبول تام عند الأكابر، تقف الأمراء بين يديه فلا يأذن لهم بالقعود، وحملوا في عمارة زاويته الحجر والتراب، وشق السلطان طومان باي وعليه جبّة من جبب الشيخ.
وكان يقول: لا يفلح الفقير القانع بالزي أبدا لقصور همته.
وكان يقول: ينبغي للعارف أن يجعل في بيته دائما شيئا من الدنيا ولو كيميا خوفا أن يقع في رائحة الاتهام لله في أمر الرزق.
__________
[1] في «ط» : «في الكتب» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 47- 48) .
[3] في «ط» : «علوم» .(10/231)
وكثيرا ما كان ينظر للمريد بحال فيتمزق لوقته.
ومحاسنه وكراماته أكثر من أن تحصر.
وتوفي ليلة الأربعاء مستهل جمادى الأولى، وصلّي عليه بجامع عمرو بن العاص، ودفن بزاويته بكوم الجارح بالقرب من جامع عمرو في السرداب الذي كان يتعبّد فيه، وقبره مشهور يزار.
وفيها المولى [1] محيى الدّين محمد بن علي بن يوسف بالي الفناري الإسلامبولي [2] الحنفي العالم الكامل، قاضي قضاة العساكر بالولاية الأناضولية ثم بالولاية الرّوميلية، المشهور بمحمد باشا.
قال في «الشقائق» : كان- رحمه الله تعالى- ذا أخلاق حميدة، وطبع ذكيّ، ووجه بهي، وكرم وفي، وعشرة حسنة، ووقار عظيم، وله «حواش» على «شرح المواقف» و «شرح الفرائض» كلاهما للسيد الشريف، و «حواش» على أوائل «شرح الوقاية» لصدر الشريعة.
توفي وهو قاضي العسكر الروم إيلي، ودفن عند قبر جدّه المولى شمس الدّين بمدينة بروسا.
وفيها جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن محمد أو ابن أحمد الشهير بابن المبيّض الحمصي الأصل ثم المقدسي ثم الدمشقي [3] الشافعي أحد الوعاظ بدمشق، العلّامة المحدّث.
[و] من شعره ما كتبه عنه ابن طولون من إملائه عاقدا للحديث المسلسل بالأولية:
جاءنا فيما روينا أنّنا ... يرحم الرحمن منّا الرّحما
__________
[1] لفظة «المولى» سقطت من «آ» .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (229) و «الكواكب السائرة» (1/ 21- 22) و «معجم المؤلفين» (11/ 72) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (107/ آ) وسماه فيه: «يوسف بن أحمد بن أبي بكر» و «الكواكب السائرة» (1/ 314- 315) .(10/232)
فارحموا جملة من في الأرض من ... خلقه يرحمكم من في السّما
توفي بدمشق يوم الاثنين ثاني عشر شوال ودفن بباب الصغير.
وفيها قاضي القضاة جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن إسكندر بن محمد بن محمد الحلبيّ [1] الحنفي، المشهور والده بالخواجا ابن الجق [2] ، وهو ابن أخت المحب بن أجا كاتب السّر.
اشتغل بالفقه وغيره على الزّيني عبد الرحمن بن فخر النساء وغيره، وسمع على الجمال إبراهيم القلقشندي، وعلى المحبّ أبي القاسم محمد بن جرباش «سيرة ابن هشام» وأجاز له كل منهما ما يجوز له وعنه. روايته وتولى القضاء بحلب بعناية خاله، ثم ولي في الدولة، الرّومية تدريس الحلاوية ووظائف أخرى، ثم رحل إلى القاهرة وتولى مدرسة المؤيدية بها، وسار فيها السيرة المرضية، وكان له شكل حسن، وشهامة، ورئاسة، وفخامة، وألّف رسالة في تقوية مذهب الإمام الأعظم في عدم رفع اليدين قبل الركوع وبعده.
وحجّ من القاهرة ثم قدمها موعكا، فتوفي بها ليلة الأربعاء ثامن عشر صفر.
وفيها شرف الدّين يونس بن محمد، المعروف بابن سلطان الحرافيش [3] بدمشق.
قال ابن طولون: كان علّامة من المتعقلين في المجالس، ولكن حصل به النفع في آخر عمره بملازمته المشهد الشرقي بالجامع الأموي لإقراء الطلبة، وكان في ابتداء أمره شاهدا تجاه باب المؤيدية.
وتوفي يوم الأربعاء حادي عشري جمادي الآخرة، ودفن بباب الصغير، رحمه الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 2/ 596) و «الكواكب السائرة» (1/ 315- 316) .
[2] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «ابن الجق» والذي في «در الحبب» : «ابن أبجق» والذي في «الكواكب السائرة» : «ابن البجق» فليحرر.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 320) .(10/233)
سنة ثلاثين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم اليمني الحرازي القحطانيّ الحاتمي الشافعي [1] نزيل دمشق المقرئ الوقور.
أخذ عن شيخ الإقراء بدمشق الشيخ شهاب الدّين الطّيبي وغيره.
قال في «الكواكب» : وتلمذ لشيخ الإسلام الوالد. قرأت بخط والدي- رضي الله تعالى عنه- بعد أن ترجم الشيخ برهان الدّين المذكور ما نصّه: قرأ عليّ «البخاري» كاملا قراءة إتقان، وكتب له به إجازة مطوّلة، وكان أحد المقتسمين ل «المنهاج» في مرتين ول «التنبيه» وأجزته بهما، وقرأ بعض «الألفية» وقرأ عليّ شيئا من القرآن العظيم، وصلى بي وبجماعة التراويح ثلاث سنين بالكاملية، ختم فيها نحو خمس ختمات [2] وحضر دروسا كثيرة، ولزمني إلى أن مات شهيدا بالطاعون ثاني عشر جمادي الثانية، ودفن بباب الفراديس. انتهى.
وفيها تقي الدّين أبو بكر بن محمد بن أبي بكر الحيشي [3] ، ينتهي نسبه إلى زيد الخيل الصّحابي، الحيشي [3] الأصل الحلبي [4] الشافعي البسطامي [5] .
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 109) .
[2] لفظة «ختمامات» سقطت من «ط» .
[3] في «آ» و «ط» : «الحبيشي» وهو خطأ، والتصحيح من مصادر الترجمة.
[4] لفظة «الحلبي» سقطت من «آ» .
[5] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 367) و «الضوء اللامع» (11/ 75) و «الكواكب السائرة» (1/ 112) .
والحيشي: نسبة لقرية حيش قرية من عمل حماة، وتتبع الآن محافظة إدلب من قضاء المعرّة(10/234)
ذكره السخاوي في «الضوء اللامع» فقال: ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة في مستهل جمادى الأولى بحلب، ولازم والده في النّسك، وقرأ، وسمع على أبي ذرّ بن البرهان الحافظ، وتدرّب في كثير من المهمات والغريب والرجال، بل وتفقّه به، وبالشمس البابي، وأبي عبد الله بن القيم، وابن الضعيف في آخرين، بل أجاز له ابن حجر، والعلم البلقيني، وغيرهما، وزار بيت المقدس، وحجّ في سنة ست وثمانين، وجاور، ولازم الشمس السّخاوي، وحمل عنه مؤلفاته.
وتوفي في رجب.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الوهاب بن عبد القادر الدمشقي الحنفي، سبط زين الدّين العيني [1] .
حفظ القرآن العظيم، و «المختار» و «الأجرومية» وغيرها. وقرأ على الشمس ابن طولون بدمشق، وعلى عمّه الجمال ابن طولون بمكّة. وقرأ على القطب بن سلطان بدمشق، وسمع على علماء عصره، وحضر بالجامع الأموي.
وتوفي مطعونا يوم الثلاثاء ثالث عشر رجب، وتقدم للصلاة عليه السيد كمال الدّين بن حمزة.
وفيها صفي الدّين وشهاب الدّين أبو السرور أحمد بن عمر بن محمد بن عبد الرحمن القاضي ابن القاضي [2] ينتسب إلى سيف بن ذي يزن المذحجي السيفي المرادي الشهير بالمزجّد- بميم مضمومة، ثم زاي مفتوحة [ثم جيم مشدّدة مفتوحة] [3] ودال مهملة- الشافعي الزّبيدي العلّامة، ذو التصانيف، المجمع على جلالته وتحرّيه.
قال في «النور» : ولد سنة سبع وأربعين وثمانمائة بجهة قرية الزيدية، ونشأ
__________
وتبعد عنها ستة وسبعون كيلومترا وتتبع ناحية خان شيخون. انظر «الضوء اللامع» (11/ 96) (ترجمة أبو بكر بن نصر بن عمر الطائي) و «در الحبب» (1/ 1/ 367) (حاشية التحقيق) .
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (9/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 138) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (137- 143) و «الكواكب السائرة» (2/ 113- 114) .
[3] ما بين الرقمين سقط من «ط» .(10/235)
بها، وحفظ «جامع المختصرات» ثم اشتغل فيها على أبي القاسم بن [1] محمد مريغد [2] ثم انتقل إلى بيت الفقيه ابن عجيل، فأخذ فيها على شيخ الإسلام إبراهيم بن أبي القاسم جعمان وغيره، ثم ارتحل إلى زبيد واشتغل فيها بالفقه على العلّامة أبي حفص الفتى، ونجم الدّين المقري بن يونس الجبائي، وبهما تخرّج وانتفع، وأخذ الأصول عن الشيفكي والجبائي، والحديث عن الحافظ يحيى العامري، وغيره، والفرائض عن الموفق الناشري وغيره، وبرع في علوم كثيرة، وتميّز في الفقه، حتى كان فيه أوحد وقته.
ومن مصنّفاته «العباب» في الفقه، وهو كاسمه، اشتهر في الآفاق، وكثر الاعتناء به، وشرحه غير واحد من الأعلام، منهم ابن حجر الهيتمي [3] ، ومنها «تجريد الزوائد وتقريب الفوائد» وكتاب «تحفة الطلّاب» و «منظومة الإرشاد» في خمسة آلاف وثمانمائة وأربعين بيتا، وزاد على الإرشاد شيئا كثيرا، وله غير ذلك.
وتفقه به خلائق كثيرون، منهم أبو العبّاس الطّنبذاوي، والحافظ [ابن] الدّيبع، والعلّامة بحرق.
وله شعر حسن منه:
لا تصحب المرء إلا في استكانته ... تلقاه سهلا أديبا ليّن العود
واحذره إن كانت الأيام دولته ... لعلّ يوليك خلقا غير محمود
فإنّه في مهاو من تغطرسه ... لا يرعوي لك إن عادى وإن عودي
وقل لأيّامه اللاتي قد انصرمت ... بالله عودي علينا مرّة عودي
ومنه:
قلت للفقر أين أنت مقيم ... قال لي: في محابر العلماء
إنّ بيني وبينهم لإخاء ... [وعزيز عليّ قطع الإخاء] [4]
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أبي» والتصحيح من «النور السافر» .
[2] في «النور السافر» : «ابن مريفد» .
[3] تصحفت في «ط» إلى «الهيثمي» بالثاء.
[4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .(10/236)
وتوفي فجر يوم الأحد سلخ ربيع الآخر بمدينة زبيد.
وفيها الشّهاب أحمد بن سليمان بن محمد بن عبد الله الكناني الحوراني، المقرئ الحنفي الغزّي [1] نزيل مكّة.
ولد في حدود الستين وثمانمائة بغزّة، ونشأ بها، وحفظ القرآن العظيم، و «مجمع البحرين» و «طيبة النشر» وغيرها. واشتغل بالقراءات وتميّز فيها، وفهم العربية، وقطن بمكة ثلاث عشرة سنة، وتردّد إلى المدينة، واليمن، وزيلع، وأخذ عن جماعة فيها وفي القاهرة.
قال السخاوي: قد لازمني في الدراية والرواية، وكتبت له إجازة، وسمعته ينشد من نظمه:
سلام على دار الغرور لأنّها ... مكدّرة لذّاتها بالفجائع
فإن جمعت بين المحبين ساعة ... فعمّا قليل أردفت بالموانع
قال: ثم قدم القاهرة من البحر في رمضان سنة تسع وثمانين، وأنشدني في الحريق والسّيل الواقع بالمدينة وبمكة قصيدتين من نظمه، وكتبهما لي بخطه، وسافر لغزّة لزيارة أمّه، وأقبل عليه جماعة من أهلها. انتهى أي، وتوفي بها.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد المغربي التّونسي المشهور بالتّبّاسي- بفتح المثناة الفوقية، وتشديد الموحدة، ويقال الدّباسي بالدال المهملة- المالكي [2] العارف بالله تعالى، شيخ سيدي علي بن ميمون.
كان والده من أهل الثروة والنّعمة، فلم يلتفت إلى ذلك بل خرج عن ماله وبلاده، وتوجه إلى سيدي [3] أبي العبّاس أحمد بن مخلوف الشّابي- بالمعجمة والموحدة- الهدلي القيرواني والد سيدي عرفة، فخدمه، وأخذ عنه الطريق، ثم أقبل على العبادة والاشتغال والإشغال، حتّى صار شيخ ذلك القطر.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 309) و «الطبقات السّنية» (1/ 357) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 128- 129) .
[3] في «آ» : «لسيدي» .(10/237)
وتوفي بنفزاوة- بالنون والفاء والزاي- من معاملة الجناح الأخضر من المغرب في ذي القعدة وقد جاوز المائة.
وفيها الأمير عماد الدّين أبو الفداء إسماعيل بن الأمير ناصر الدّين محمد [1] بن الأكرم العنّابي الدمشقي [2] .
سمع شيئا من «البخاري» على البدر بن نبهان، والجمال بن المبرد، وولي إمرة التركمان. في الدولتين الجركسية والعثمانية، ونيابة القلعة في أيام خروج الغزالي على ابن عثمان، وكان في مبدأ أمره من أفقر بني الأكرم فحصّل دنيا عريضة وجهات كثيرة، وفي آخر عمره انتقل من العنابة، وعمّر له بيتا غربي المدرسة المقدمية [3] داخل دمشق، وكان عنده تودّد لطلبة العلم ومحبة لهم، واعتقاد في الصالحين، وبعض إحسان إليهم، [و] خرج مع نائب دمشق إلى قتال الدروز، فتضعّف بالبقاع، ورجع منه في شقدوف [4] إلى أن وصل إلى قرية دمر، فمات بها، وحمل إلى دمشق وهو ميت، فغسّل بمنزله الجديد وصلّي عليه بالأموي، ودفن بالعنابة صبيحة يوم الخميس حادي عشر المحرم عن نحو سبعين سنة.
وفيها الشريف بركات بن محمد [5] سلطان الحجاز والد الشريف أبي نمي.
وفيها أمين الدّين جبريل بن أحمد بن إسماعيل الكردي ثم الحلبي [6] الشافعي، الإمام العلّامة، أحد معتبري حلب ومدرّسيها.
كان له القدم الراسخ في الفقه والكتابة الحسنة المعربة على رقاع الفتاوى.
أخذ الحديث عن السيد علاء الدّين الإيجي، وأجاز له جميع ما يجوز له
__________
[1] لفظة «محمد» سقطت من «ط» .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (29/ ب- 30/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 161) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «القدمية» .
[4] الشقدوف: صندوق خشبي ذو شقين يوضع على ظهر الجمل. انظر «معجم الألفاظ التاريخية» .
لدهمان ص (99) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 164) و «النور السافر» ص (152) و «الأعلام» (2/ 49) .
[6] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 454- 455) و «الكواكب السائرة» (1/ 172) .(10/238)
وعنه روايته، وأخذ «الصحيحين» [1] عن الكمال بن الناسخ، و «صحيح مسلم» قراءة على نظام الدّين بن التادفي الحنبلي.
وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا، مشغولا بإقراء الطلبة في الفقه، والعربية، وغيرهما.
وتوفي في هذه السنة بحلب.
وفيها خديجة بنت محمد بن حسن البابي الحلبي، المعروف بابن البيلوني [2] الشافعي، الشيخة الصالحة المتفقهة الحنفية.
أجاز لها الكمال بن الناسخ الطرابلسي وغيره رواية «صحيح البخاري» واختارت مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، مع أن أباها وإخوتها شافعيون حفظا لطهارتها عن الانتقاض بما عساه يقع من مسّ الزوج لها، وحفظت فيه كتابا.
وكانت ديّنة، صيّنة، متعبدة، مقبلة على التّلاوة إلى أن توفيت في شهر رمضان.
وفيها السلطان صالح بن السلطان سيف [3] متملك بلاد بني جبر.
كان من بيت السلطنة هو وأبوه وجدّه، وهو خال السلطان مقرن، وقد وقع بينهما وقعة عظيمة تشهد لصالح بالشجاعة التي لا توصف، فإنه كرّ على مقرن وعسكره وكانوا جمّا غفيرا بنفسه، وكان خارجا لصلاة الجمعة لا أهبة معه ولا سلاح، فكسرهم، ثم كان الحرب بينهما سجالا.
وقدم دمشق في سنة سبع وعشرين وتسعمائة، فأخذ عن علمائها، وأجازه منهم الرّضي الغزّي، وولده البدر. وكان في قدمته متسترا مختفيا غير منتسب إلى سلطنة، وسمى نفسه إذ ذاك عبد الرحيم، ثم حجّ وعاد إلى بلاده.
وكان مالكي المذهب، فقيها، متبحرا في الفقه والحديث، وله مشاركة جيدة
__________
[1] في «آ» : «الصحيح» وما جاء في «ط» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلّف.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 192) و «إعلام النبلاء» (5/ 412) و «أعلام النساء» (1/ 342) وقد تحرفت «البيلوني» فيه إلى «البتيلوني» فلتصحح.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 215) .(10/239)
في الأصول والنحو، وكان محبا للعلماء والصلحاء، شجاعا، مقداما، عادلا في ملكه، صالحا كاسمه.
توفي ببلاده. قاله في «الكواكب» .
وفيها المولى ظهير الدّين الأردبيلي الحنفي، الشهير بقاضي زاده [1] .
قرأ في بلاد العجم على علمائها، ولما دخل السلطان سليم إلى مدينة تبريز لقتال شاه إسماعيل الصوفي [2] أخذه معه إلى بلاد الرّوم، وعيّن له كل يوم ثمانين درهما.
قال في «الشقائق» : كان عالما، كاملا، صاحب محاورة ووقار، وهيبة وفصاحة، وكانت له معرفة بالعلوم خصوصا الإنشاء والشعر، وكان يكتب الخط الحسن، وذكر العلائي أنه استمال أحمد باشا إلى اعتقاد إسماعيل شاه الصوفي [2] طلبا لاستمداده واستظهاره معه بمكاتبات وغيرها، وعزم على إظهار شعار الرّفض واعتقاد الإمامية على المنبر، حتى قال: إن مدح الصحابة على المنبر ليس بفرض ولا يخلّ بالخطبة، فقبض عليه مع أحمد باشا الوزير يوم الخميس عشري ربيع الثاني وقطعت [3] رأس صاحب الترجمة وعلّقت [4] على باب زويلة بالقاهرة.
وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن عبد الله الكلّسي [5] الأصل الحلبي [6] المولد والدار والوفاة الحنفي العلّامة.
ولد بعد الستين وثمانمائة، واشتغل في النحو والصرف، ثم حجّ، ولازم السخاوي بمكة، وسمع من لفظه الحديث المسلسل بالأولية وغيره، وسمع عليه «البخاري» ومعظم «مسلم» وكثيرا من مؤلفاته. وأجاز له في ذي القعدة سنة ست وثمانين، وفي هذه السنة أجازت له أيضا المسندة زينب الشويكية ما سمعه عليها
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (271- 272) و «الكواكب السائرة» (1/ 216) .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «الكواكب السائرة» مصدر المؤلّف: «الصوفي» ولعل الصواب «الصفوي» .
[3] في «ط» : «وقطع» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[4] في «ط» : «وعلّق» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[5] في «آ» و «ط» : «الكبيسي» والتصحيح من «در الحبب» و «الكواكب السائرة» وهذا النص لم يرد في «الشقائق النعمانية» الذي بين يدي.
[6] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 754) و «الكواكب السائرة» (1/ 224- 225) .(10/240)
بمكة من «سنن ابن ماجة» من باب صفة الجنة والنار، إلى آخر الكتاب. وأذنت له في رواية سائر مروياتها، وأذن له الشمس البازلي بحماة بالإفتاء والتدريس، وأجاز له بعد أن وصفه بالإمام العالم العلّامة، الجامع بين المعقول والمنقول، المتبحر في الفروع والأصول، وأجاز له الكمال بن أبي شريف سنة خمس وتسعمائة أن يروي عنه سائر مؤلفاته ومروياته، ثم أجاز له الحافظ عثمان الدّيمي في سنة سبع [وتسعمائة] ، وكان قصير القامة، نحيف البدن، لطيف الجثة، حسن المفاكهة، كثير الملاطفة، له إلمام بالفارسية والتركية، واعتناء بالتنزهات، مع الدّيانة والصّيانة.
وتوفي بحلب في ذي القعدة.
وفيها محيي الدّين أبو المفاخر عبد القادر بن أحمد بن عمر بن محمد بن إبراهيم الدمشقي الحنفي، المعروف بابن يونس [1] قاضي قضاة الحنفية بدمشق [ولد في الحجّة سنة خمس وخمسين وثمانمائة. وقرأ القرآن العظيم، و «مجمع البحرين» لابن السّاعاتي، وغير ذلك، واشتغل وحصّل، وأفتى ودرّس بالقصاعية، وتولى القضاء بحلب ثم بدمشق] [2] سنين إلى أن عزل عنه في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة.
وتوفي بدمشق يوم الخميس ثالث عشر ذي القعدة ودفن بباب الصغير عند ضريح سيدنا بلال.
وفيها زين الدّين عرفة بن محمد الأرموي الدمشقي [3] الشافعي، العلّامة المحقّق الفرضي الحيسوب.
كان خبيرا بعلم الفرائض والحساب، ويعرف ذلك معرفة تامة، وله فيه شهرة كلّية، وهو الذي رتّب مجموع الكلائي، وأخذ الفرائض عن الشيخ شمس الدّين
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 251- 252) .
[2] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 260) و «الأعلام» (4/ 225) .(10/241)
الشهير بابن الفقيرة، عن العلّامة شهاب الدّين بن أرسلان الرّملي، عن العلّامة شهاب الدّين بن الهائم. وأخذ عنه الفرائض شهاب الدّين الكنجي وغيره.
وتوفي يوم الأحد حادي عشري شوال.
وفيها نور الدّين علي بن خليل المرصفي [1] العارف بالله تعالى الصّوفي.
قال المناوي في «طبقات الأولياء» : كان أبوه إسكافيا يخيط النّعال، ونشأ هو تحت كنفه كذلك، فوفق للاجتماع بالشيخ مدين وهو ابن ثمان سنين، فلّقنه الذكر، ثم أخذ عن ولد أخته محمد، وأذن له في التصدر للمشيخة، وأخذ العهد على المريد في جملة من أجاز، وكانوا بضعة عشر رجلا، فلم يثبت ويشتهر منهم إلّا هو، وأخذ عنه خلق، ودانت [2] له مشايخ عصره، واختصر رسالة القشيري.
قال الشعراوي: لقنني الذكر ثلاث مرات، بين الأولى والثانية سبع عشرة سنة، وذلك أني جئت وأنا أمرد، وكنت أظن أن الطريق نقل كلام كغيرها [3] ، ثم قعدت بين يديه وقلت: يا سيدي لقّني بحال فقال: اجلس متربعا وغمض عينيك واسمع مني لا إله إلا الله ثلاثا، ثم اذكر أنت ثلاثا، ففعلت فما سمعت منه إلّا المرة الأولى وغبت من العصر إلى المغرب.
وعاش حتّى انقرض جميع أقرانه، ولم يبق بمصر من يشار إليه في الطريق غيره.
ومن كلامه: أجمع أهل الطريق على أن الملتفت لغير شيخه لا يفلح، وقال: إذا ذكر المريد ربّه بشدة طويت له مقامات الطريق بسرعة، وربما قطع في ساعة ما لا يقطعه غيره في شهر.
وقال: السالك من طريق الذكر كالطائر المجد إلى حضرات القرب والسالك من غير طريقه كالصلاة والصوم كمن يزحف تارة ويسكن أخرى، مع بعد المقصد، فربما قطع عمره ولم يصل.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 269) و «الأعلام» (4/ 286) و «معجم المؤلفين» (7/ 88) .
[2] في «ط» : «وأذنت» .
[3] في «آ» : «نقل كلام غيرها» .(10/242)
وكان الجنيد إذا دعي لفقير قال: أسأل الله أن يدلّك عليه من أقرب الطرق.
وقال: إياك والأكل من طعام الفلاحين فإنه مجرب لظلمة القلب.
وقال الشعراوي: دخل سيدي أبو العباس الحريثي يوما فجلس عندي بعد المغرب إلى أن دخل وقت العشاء، فقرأ خمس ختمات وأنا أسمع، فذكرت ذلك لسيدي علي المرصفي، فقال: يا ولدي أنا قرأت مرة حال سلوكي ثلاثمائة، وستين ختمة في اليوم والليلة، كل درجة ختمة.
وتوفي يوم الأحد حادي عشر [1] جمادى الأولى بمصر، ودفن بزاويته بقنطرة أمير حسين، ولم يخلّف بعده مثله.
وفيها نور الدّين علي بن سلطان المصري الحنفي [2] الشيخ الفاضل الناسك السالك.
كان متجرّدا، منقطعا، وله أخلاق حسنة دمثة.
توعك مدة وتوفي يوم الثلاثاء حادي عشر القعدة بمصر عن غير وارث.
وفيها محمد بن عزّ الشيخ الصّالح المجذوب [3] .
قال في «الكواكب» : كان ساكنا في الزاوية الحمراء خارج مصر، وكان يلبس ثياب الجند، ويمشي بالسّلاح والسّيف، وكان أكابر مصر يحترمونه، وللناس فيه مزيد اعتقاد.
وكان لا ينام من الليل ويستمر من العشاء إلى الفجر، تارة يضحك وتارة يبكي، حتى يرقّ له من يراه.
وكان لا يخبر بولاية أحد أو عزله [في وقت معين] [4] فيخطئ أبدا [5] .
__________
[1] في «آ» : «حادي عشري» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 270) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 57) .
[4] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .
[5] العبارة في «الكواكب السائرة» على النحو التالي: «وكان لا يخبر بولايته أحدا وعزله في وقت معين لا يخطئ أبدا» .(10/243)
وكان مجاب الدعوة، زحمه إنسان بين القصرين فرماه على ظهره، فدعا عليه بالتوسيط [1] ، فوسّطه الباشا آخر النهار.
وكانت وفاته غريقا في الخليج بالقرّب من الزاوية الحمراء. انتهى.
وفيها جمال الدّين محمد بن عمر بن مبارك بن عبد الله الحميري الحضرمي الشافعي، الشهير ببحرق [2]- بحاء مهملة بعد الموحدة، ثم راء مفتوحة، بعدها قاف-.
قال في «النور» : ولد بحضرموت ليلة النصف من شعبان سنة [3] تسع وستين وثمانمائة، ونشأ بها، فحفظ القرآن ومعظم «الحاوي» و «منظومة البرماوي» في الفقه، والأصول، والنحو، وأخذ عن جماعة من فقهائها، ثم ارتحل إلى عدن، ولازم الإمام عبد الله بن أحمد بامخرمة [4] ، وكان غالب انتفاعه به، ثم ارتحل إلى زبيد، وأخذ عن علمائها، كالإمام جمال الدّين الصّايغ، والشريف الحسين الأهدل، وألبسه خرقة التصوف، وعادت عليه بركته، وحجّ فسمع من السّخاوي [5] ، وسلك السلوك في التصوف، وحكى عنه أنه قال: دخلت الأربعينية بزبيد فما أتممتها إلا وأنا أسمع أعضائي كلها تذكر الله تعالى.
ولزم الجدّ والاجتهاد في العلم والعمل، وأقبل على نفع الناس إقراء، وإفتاء، وتصنيفا.
وكان- رحمه الله تعالى- من محاسن الدّهر، من العلماء الراسخين والأئمة المتبحرين، له اليد الطولى في جميع العلوم.
وصنّف في أكثر الفنون.
__________
[1] في «آ» : «بالتوسط» .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (143- 152) و «الضوء اللامع» (8/ 253- 254) وعبارة «على ابنته» التي بين الحاصرتين في الترجمة مستدركة منه و «الأعلام» (6/ 315- 316) .
[3] في «ط» : «ليلة» .
[4] في «آ» و «ط» : «مخرمة» والصواب ما أثبته.
[5] تحرفت في «ط» إلى «السخاوي» .(10/244)
وبالجملة فإنه كان آية من آيات الله تعالى، وكتبه تدلّ على غزارة علمه وكثرة اطلاعه. وكان له بعدن قبول وجاه من أميرها مرجان، ثم لما مات مرجان توجه إلى الهند، ووفد على السلطان مظفّر فقرّبه، وعظّمه، وأنزله المنزلة التي تليق به.
ومن تصانيفه «الأسرار النبوية في اختصار الأذكار النووية» و «مختصر الترغيب والترهيب» للمنذري، و «الحديقة الأنيقة في شرح العروة الوثقية» و «عقد الدّر في الإيمان بالقضاء والقدر» و «العقد [1] الثمين في إبطال القول بالتقبيح والتحسين» و «الحسام المسلول على منتقصي أصحاب الرسول» و «مختصر المقاصد الحسنة» و «متعة الأسماع بأحكام السماع» مختصر من كتاب «الإمتاع» .
وشرح «المحلة» في النحو [2] وشرح «لامية ابن مالك» في الصّرف شرحا مفيدا جدا [3] ، وله غير ذلك في الحساب، والطبّ، والأدب، والفلك مما لا يحصى.
ومن شعره:
أنا في سلوة على كلّ حال ... إن أتاني الحبيب أو إن أباني
اغنم الوصل إن دنا في أمان ... وإذا ما نأى أعش بالأماني
قال السخاوي: وصاهر صاحبنا حمزة الناشري [على ابنته] ، وأولدها، وتولّع بالنظم. انتهى ملخصا.
وله هذا اللّغز اللطيف وشرحه نثر:
يا متقنا كلمات النحو أجمعها ... حدّا ونوعا وأفرادا ومنتظمه
ما أربع كلمات وهي أحرفها ... أيضا وقد جمعتها كلها كلمه
ثم قال هذا في تمثيل الوقف على هاء السكت، أي قولك: «لمه» فالكاف
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «والقول» .
[2] وهي لأبي محمد قاسم بن علي الحريري المتوفى سنة (516 هـ) . انظر «كشف الظنون» .
(2/ 1817) .
[3] في «ط» : «جيدا» وهو خطأ.(10/245)
في قولك: كلمه للتمثيل، واللام للجرّ، والميم أصلها ما الاستفهامية حذفت ألفها، والهاء للسكت.
وله كرامات كثيرة. وكان غاية في الكرم [1] ، كثير الإيثار.
ومما قيل فيه:
لأيّ المعاني زيدت القاف في اسمكم ... وما غيرّت شيئا إذا هي تذكر
لأنّك بحر العلم والبحر شأنه ... إذا زيد فيه الشيء لا يتغيّر
وتوفي- رحمه الله تعالى- بالهند، شهيدا، قيل: إن الوزراء حسدوه لحظوته عند السلطان فسموه، وذلك في ليلة العشرين من شعبان.
وفيها موسى بن الحسن الشيخ [2] الزاهد العالم العامل [3] المعروف بالمنلا موسى الكردي اللألاني- بالنون- الشافعي، نزيل حلب.
اشتغل ببلاده على جماعة، منهم المنلا محمد الخبيصي، وأخذ عن الشمس البازلي نزيل حماة، وعن المنلا إسماعيل الشّرواني أحد مريدي خوجه [4] عبيد النقشبندي، أخذ عنه بمكة «تفسير البيضاوي» وأخذ عن الشّهاب أحمد بن كلف بأنطاكية «شرح التجريد» مع حاشيته، و «متن الجغميني» في الهيئة، ثم قدم حلب، وأكبّ على المطالعة، ونسخ الكتب العلمية لنفسه، ولازم التدريس بزاوية الشيخ عبد الكريم الحافي بها، مع كثرة الصّيام، والقيام، والزّهد، والسّخاء، والصّبر على الطلبة. وممن أخذ عنه علم البلاغة ابن الحنبلي [5] .
وتوفي مطعونا بحلب في شعبان، ودفن بتربة أولاد ملوك.
__________
[1] في «ط» : «وكان في غاية الكرم» .
[2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 502- 504) و «الكواكب السائرة» (1/ 308- 309) و «إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء» (5/ 410- 412) .
[3] لفظة «العامل» سقطت من «ط» .
[4] في «ط» : «خواجه» وهو خطأ.
[5] وقد صرّح بذلك في «در الحبب» (2/ 1/ 503) .(10/246)
سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة
فيها توفي الشاب الفاضل شهاب الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن عمر الشويكي الأصل النابلسي ثم الصالحي الحنبلي [1] .
حفظ القرآن العظيم، ثم «المقنع» ثم شرع في حلّه على ابن عمّه العلّامة شهاب الدّين الشويكي الآتي ذكره، وقرأ «الشفا» للقاضي عياض على الشّهاب الحمصي، وقرأ في العربية على ابن طولون، وكان له سكون وحشمة وميل إلى فعل الخيرات.
وتوفي يوم الأربعاء تاسع شعبان، ودفن بالسفح، وتأسف الناس عليه، وصبر والده واحتسب، ومات وهو دون العشرين سنة.
وفيها المولى الفاضل بخشي خليفة الأماسي الرّومي الحنفي [2] .
اشتغل في العلم بأماسية على علمائها، ثم رحل إلى ديار العرب، فأخذ عن علمائهم، وصارت له يد طولى في الفقه، والتفسير، وكان يحفظ منه كثيرا، وكان له مشاركة في سائر العلوم. وكان كثيرا ما يجلس للوعظ والتذكير، وغلب عليه التصوف، فنال منه منالا جليلا، وفتح عليه بأمور خارقة، حتى كان ربما يقول:
رأيت في اللوح المحفوظ مسطورا كذا وكذا فلا يخطئ أصلا. وله رسالة كبيرة جمع فيها ما اتفق له من رؤية النّبي صلّى الله عليه وسلم في المنام.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (6/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 136) و «النعت الأكمل» ص (103) و «الحسب الوابلة» ص (67) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (247) و «الكواكب السائرة» (1/ 164) .(10/247)
وكان خاضعا، خاشعا، متورعا، متشرعا، يلبس الثياب الخشنة ويرضى بالعيش القليل. قاله في «الكواكب» .
وفيها العلّامة عبد الحقّ بن محمد بن عبد الحقّ السّنباطي القاهري الشافعي، ويعرف كأبيه بابن عبد الحق [1] .
قال في «النور» : ولد في إحدى الجمادين سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بسنباط، ونشأ بها، وحفظ القرآن و «المنهاج الفرعي» ثم أقدمه أبوه القاهرة في ذي القعدة سنة خمس وخمسين، فحفظ بها «العمدة» و «الألفيتين» و «الشاطبيتين» و «المنهاج الأصلي» و «تلخيص المفتاح» و «الجعبرية» في الفرائض، و «الخزرجية» وعرض على خلق، منهم الجلال البلقيني، وابن الهمام، وابن الديّري، والولي السّنباطي، وجدّ في الاشتغال، وأخذ عن الأجلاء، وانتفع بالتّقي الحصني، ثم بالشّمنّي.
وأجاز له ابن حجر العسقلاني، والبدر العيني، وآخرون بالتدريس والإفتاء.
وولي المناصب الجليلة في أماكن متعددة، وتصدق للإقراء بالجامع الأزهر وغيره، وكثر الآخذون عنه، وحجّ مع أبيه، وسمع هناك، ثم حجّ أيضا، وجاور بمكّة، ثم بالمدينة، ثم بمكة، وأقرأ الطلبة بالمسجدين متونا كثيرة، ثم رجع إلى القاهرة، فاستمرّ على الإقراء والإفتاء. هذا ملخص ما ذكره السخاوي.
ثم قال في «النور» : وكان شيخ الإسلام وصفوة العلماء الأعلام، على أجمل طريق من العقل والتواضع، وأقام بمكّة بأولاده وعائلته وأقاربه، وأحفاده ليموت بأحد الحرمين، فانتعشت به البلاد، واغتبط به العباد، وأخذ الناس عنه طبقة بعد أخرى [2] وألحق الأحفاد بالأجداد، واجتمع فيه كثير من الخصال الحميدة، كالعلم، والعمل، والتواضع، والحلم، وصفاء الباطن، والتقشف، وطرح التكلّف، بحيث علم ذلك من طبعه، ولا زال على ذلك إلى أن توفي بمكة
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 37- 39) و «متعة الأذهان» الورقة (44/ آ) و «النور السافر» ص (152- 154) و «الكواكب السائرة» (1/ 221- 223) .
[2] في «آ» : «طبقة بعد طبقة» ، وما جاء في «ط» موافق لما في «النور السافر» مصدر المؤلف.(10/248)
المشرّفة عند طلوع فجر يوم الجمعة مستهل شهر رمضان، ودفن بالمعلاة، وكثر التأسف عليه، رحمه الله تعالى. انتهى وفيها- تقريبا- عبد الحليم بن مصلح المنزلاوي الصّوفي [1] .
قال في «الكواكب» : المتخلق بالأخلاق المحمدية.
كان متواضعا، كثير الإزراء بنفسه والحطّ عليها، وجاءه مرة رجل، فقال له:
يا سيدي خذ عليّ العهد بالتوبة، فقال: والله يا أخي أنا إلى الآن ما تبت، والنجاسة لا تطهّر غيرها.
وكان إذا رأى من فقير دعوى سارقه [2] بالأدب، وقرأ عليه شيئا من آداب القوم، بحيث يعرف ذلك المدّعي أنه عار عنها [3] ، ثم يسأله عن معاني ذلك، بحيث يظن المدعي أنه شيخ، وأن الشيخ عبد الحليم هو المريد أو التلميذ.
وجاءه مرة شخص من اليمن فقال له: أنا أذن لي شيخي في تربية الفقراء، فقال: الحمد للَّه، الناس يسافرون في طلب الشيخ ونحن جاء الشيخ لنا إلى مكاننا.
وأخذ عن اليماني ولم يكن بذاك، وكان الشيخ يربيه في صورة التلميذ إلى أن كمّله، ثم كساه الشيخ عبد الحليم عند السفر، وزوّده، وصار يقبّل رجل اليماني.
وعمّر عدة جوامع في المنزلة، ووقف عليها الأوقاف، وله جامع مشهور في المنزلة، له فيه سماط لكل وارد، وبنى بيمارستان للضعفاء قريبا منه.
وكان يجذب قلب من يراه أبلغ من جذب المغناطيس للحديد.
وكان لا يسأله فقير قطّ شيئا من ملبوسه إلّا نزعه له في الحال ودفعه إليه، وربما خرج إلى صلاة الجمعة فيدفع كل شيء عليه ويصلي الجمعة بفوطة في وسطه.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 223- 224) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 134- 135) .
[2] في «ط» : «دعوى فارغة» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[3] في «ط» : «منها» .(10/249)
ومناقبه كثيرة مشهورة بدمياط والمنزلة.
وتوفي ببلده ودفن بمقبرتها الخربة، وقبره بها ظاهر يزار، رحمه الله تعالى.
وفيها- تقريبا أيضا- عبد الخالق الميقاتي الحنفي المصري [1] الشيخ الإمام العالم الصّالح.
كان له الباع الطويل في علم المعقولات، وعلم الهيئة، وعلم التصوف.
وكان كريم النّفس، لا ينقطع عنه الواردون في ليل ولا نهار.
وكان للفقراء عنده في الجمعة ليلة يتذاكرون فيها أحوال الطريق إلى الصباح.
وكان له سماط من أول رمضان إلى آخره.
وكان دائم الصّمت، لا يتكلم إلّا [2] لضرورة، ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر.
وفيها- تقريبا أيضا- عبد العال المجذوب المصري [3] .
قال في «الكواكب» : كان مكشوف الرأس لا يلبس القميص وإنما يلبس الإزار صيفا وشتاء، وسواكه مربوط في إزاره، وكان محافظا على الطهارة، خاشعا في صلاته، مطمئنا فيها، متألها.
وكان يحمل إبريقا عظيما يسقي به الناس في شوارع مصر.
وكان يطوف البلاد والقرى ثم يرجع إلى مصر.
وكان يمدح النّبيّ صلّى الله عليه وسلم، فيحصل للناس من إنشاده عبرة ويبكون.
قال الشعراوي: ولما دنت وفاته دخل لنا الزاوية وقال: الفقراء يدفنوني في أي بلد، فقلت الله أعلم، فقال في قليوب. قال فكان الأمر كما قال بعد ثلاثة أيام.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 224) وفيه: «المعالي» مكان «الميقاتي» .
[2] في «ط» : «إلى» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 237) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 186) .(10/250)
ودفن قريبا من القنطرة التي في شطّ قليوب وبنوا عليه قبّة.
وفيها المولى السيد الشريف عبد العزيز بن يوسف بن حسين الرّومي الحنفي، الشهير بعايد جلبي [1] خال صاحب «الشقائق» .
قرأ على المولى محيي الدّين السّاموني، ثم على المولى قطب الدّين حفيد قاضي زاده الرّومي، ثم المولى أخي جلبي، ثم المولى علي بن يوسف الفناري، ثم صار مدرّسا بمدرسة كليبولي، ثم قاضيا ببعض النواحي، ومات بمدينة كفه قاضيا بها.
وفيها جمال الدّين أبو عبد الله عبد القادر أبو عبيد بن حسن الصّاني- بصاد مهملة ونون، نسبة إلى صانية قرية داخل الشرقية من أعمال مصر- القاهري الشافعي [2] الإمام العلّامة.
قال العلائي: سمع على الملتوني، وابن حصن، وغيرهما. وأخذ عن القاضي زكريا وكان رجلا معتبرا وجيها وثابا في المهمات حتى أن قيام دولة القاضي. زكريا وصمدته كانت منه.
وكان قوي البدن ملازما للتدريس والإقراء والإفتاء. انتهى.
وقال الشعراوي: كان قوالا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، يواجه بذلك الملوك فمن دونهم، حتى أداه ذلك إلى الحبس الضيق وهو اسم على الحقّ.
انتهى.
وأخذ عنه الشيخ نجم الدّين الغيطي وغيره.
وتوفي ليلة الأحد تاسع شوال.
وفيها محيي الدّين عبد القادر بن عبد العزيز بن جماعة المقدسي الشافعي القادري [3] خطيب الأقصى، الإمام العارف باللَّه تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (235) و «الكواكب السائرة» (1/ 240) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 252) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 253) .(10/251)
أخذ عن والده، وعن العماد ابن أبي شريف، وعن العارف باللَّه سيدي أبي العون الغزّي.
وأخذ عنه الشيخ نجم الدّين الغيطي حين ورد القاهرة في السنة التي قبلها، وهو والد الشيخ عبد النّبيّ بن جماعة.
وفيها علاء الدّين علي بن خير الدّين [1] الحلبي [2] نزيل القاهرة الحنفي الفقيه، شيخ الشيخونية بمصر.
قال العلائي: كان ليّن العريكة، أخذ عن ابن أمير حاج.
وتوفي ليلة الثلاثاء رابع عشري ربيع الأول.
وفيها نور الدّين علي الجارحي المصري، شيخ مدرسة الغوري [3] .
كان مبجّلا عند الجراكسة، وكان من قدماء فقهاء طباقهم، يكتب الخطّ المنسوب، وظفر منهم بعزّ وافر.
قال الشعراوي: كان قد انفرد في مصر [4] بعلم القراءات هو والشيخ نور الدّين السّمنهودي. وكان يقرئ الأطفال تجاه جامع الغمري.
وكان مذهب الإمام الشافعي نصب عينيه، وما دخل عليه وقت وهو على غير طهارة.
وقال: إنه كان ليله ونهاره في طاعة ربّه.
وكان يتهجّد كل ليلة بثلث القرآن. انتهى وتوفي في شعبان.
__________
[1] في «ط» : «علاء الدّين علي بن خير» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 269- 270) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 284) .
[4] في «ط» : «بمصر» .(10/252)
وفيها المولى محيي الدّين محمد بن محمد القوجوي الرّومي الحنفي [1] .
كان عالما بالتفسير، والأصول، وسائر العلوم الشرعية والعقلية، وأخذ العلم عن والده. وكان والده من مشاهير العلماء ببلاد الرّوم، ثم قرأ على المولى عبدي الدرس بأماسية، ثم على المولى حسن جلبي بن محمد شاه الفناري، وولي التدريس والولايات حتى صار قاضي العسكر بولاية أناضولي، ثم استعفى منه فأعفي وأعطي إحدى المدارس الثمان. ثم صار قاضيا بمصر، فأقام بها سنة، ثم حجّ وعاد إلى القسطنطينية، وبها مات في هذه السنة. قاله في «الكواكب» .
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (245- 246) و «الكواكب السائرة» (1/ 22) .(10/253)
سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة
فيها توفي زين الدّين أبو بكر بن عبد المنعم البكري الشّافعي [1] أحد أعيان قضاة مصر القديمة وأصلائها.
كان فقيها، فاضلا، ذا نباهة وعقل وحياء.
توفي في منتصف الحجّة عن نحو خمسين سنة من غير وارث إلا شقيقه عمر محتسب القاهرة يومئذ، وصلّي عليه بجامع عمرو، ودفن بالقرافة عند والده بقرب مقام الشافعي [رضي الله عنه] [2] .
وفيها شهاب الدّين أحمد بن الشيخ برهان الدّين إبراهيم بن أحمد الأقباعي الدمشقي [3] الشافعي الصّوفي العارف بالله تعالى.
قال في «الكواكب» : القطب الغوث، ولد في سنة سبعين تقريبا، واشتغل في العلم على والده، وابن عمته الشيخ رضي الدّين، وأخذ الطريق عن أبيه، وقرأ على شيخ الإسلام الوالد جانبا من «عيون الأسئلة» للقشيري، وحضر بعض دروسه، وتولى مشيخة زاوية جدّه بعد أبيه، وكان على طريقة حسنة.
وتوفي في [4] صبيحة يوم الأربعاء سادس عشري ربيع الأول.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 118) .
[2] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (3/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 130) .
[4] لفظة «في» سقطت من «ط» .(10/254)
قال الشيخ الوالد: ووقفت على غسله، وحملت تابوته، وتقدمت في الصّلاة عليه.
قال النّعيمي: ودفن على والده بمقبرة سيدي الشيخ رسلان. انتهى كلام «الكواكب» .
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد الباني المصري [1] الشافعي الأصم كأبيه.
صنّف تفسيرا من سورة يس إلى آخر القرآن، وباعه مع بقية كتبه لفقره وفاقته، ووالده الشيخ شمس الدّين الباني أحد شيوخ الشيخ جلال الدّين السيوطي.
وخرّج له السيوطي «مشيخة» وقرأها عليه.
وكانت وفاة ولده صاحب الترجمة يوم الجمعة سادس عشر المحرم.
وفيها السلطان العظيم مظفّر شاه أحمد بن محمود شاه [2] صاحب كجرات.
قال في «النور» : كان عادلا، فاضلا، محبا لأهل العلم، حسن الخطّ، وكتب بيده جملة مصاحف، أرسل منها مصحفا إلى المدينة الشريفة، وخرجت روحه وهو ساجد، والظّاهر أنه هو الذي وفد عليه العلّامة بحرق وصنّف بسببه «السيرة النبوية» وإن كان اسم الكتاب يشعر بغير ذلك، فإنه ما كان في ذلك الزمان أحد ممن ولي السلطنة غيره، ولم يزل عنده مبجّلا، مكرّما إلى أن مات.
وفيها بدر الدّين حسين بن سليمان بن أحمد الأسطواني الصّالحي الحنبلي [3] .
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 129) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (191- 192) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة، و «الكواكب السائرة» (1/ 185) و «النعت الأكمل» ص (104) و «السحب الوابلة» ص (156- 157) .(10/255)
قال ابن طولون: حفظ القرآن بمدرسة أبي عمر، وقرأ على شيخنا ابن أبي عمر الكتب الستة، وقرأ وسمع ما لا يحصى من الأجزاء الحديثية عليه.
قال: وسمعت بقراءته عدة أشياء.
وولي إمامة محراب الحنابلة بالجامع الأموي في الدولة العثمانية. انتهى.
وقال البدر الغزّي: حضر بعض دروسي، وشملته إجازتي، وسألني، وقرأ علي في الفقه، وذاكرني فيه، وقرّر في سبع الكاملية إلى أن توفي في صفر، ودفن بباب الفراديس.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الكتبي الدمشقي [1] الحنفي.
قال في «الكواكب» : كان عنده فضيلة، وله قراءة في الحديث، وكان لطيفا يميل إلى المجون والخراع [2] رحمه الله تعالى. انتهى.
وفيها تاج الدّين عبد الوهاب الدّنجيهي المصري [3] الشافعي الكاتب النحوي السّالك الصّالح المجرّد القانع.
حفظ القرآن العظيم، وصحب الشيخ العارف بالله تعالى سيدي إبراهيم المتبولي، وجوّد حتّى حسن خطّه، وكتب كتبا نفيسة، واشتغل في الصرف، والنحو، والمعاني، والبيان، والمنطق، والأصلين، والفقه على العلّامة علاء الدّين بن القاضي حسين الحصن كيفي، وسمع عليه «المطوّل» و «شرح العقائد» و «شرح الطوالع» و «غاية القصد» و «المتوسط» و «شرح الشمسية» وحضر غالب دروس شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وتصانيفه، وقرأ «شرح قاضي زاده» في علم الهيئة على العلّامة عبد الله الشّرواني، وقرأ على غير هؤلاء، وتمرّض في البيمارستان شهرا.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 225) .
[2] في «ط» : «والمزاح» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف، والخراع:
الفجور.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 259) .(10/256)
وتوفي به يوم الجمعة حادي عشري جمادي الأولى.
وفيها العلّامة علاء الدّين علي بن أحمد الرّومي الحنفي الجمالي [1] .
قال في «الكواكب» : قرأ على المولى علاء الدّين بن حمزة القرماني، وحفظ عنده «القدوري» و «منظومة النّسفي» ثم دخل إلى القسطنطينية، وقرأ على المولى خسرو، ثم بعثه المذكور إلى مصلح الدّين بن حسام، وتعلّل بأنه مشتغل بالفتوى، وبأن المولى مصلح الدّين يهتم بتعليمه أكثر منه، فذهب إليه وهو مدرّس سلطانية بروسا، فأخذ عنه العلوم العقلية والشرعية، وأعاد له بالمدرسة المذكورة، وزوّجه ابنته وولدت له، ثم أعطي مدرسة بثلاثين، وتنقلت به الأحوال على وجه يطول شرحه، فترك التدريس، واتصل بخدمة العارف بالله تعالى مصلح الدّين بن أبي [2] الوفاء، ثم لما تولى أبو يزيد السلطنة رآه في المنام فأرسل إليه الوزراء، ودعاه إليه فامتنع فأعطاه تدريسا بثلاثين [3] جبرا، ثم رقّاه حتى أعطاه إحدى الثمانية، فدرّس بها مدة طويلة، ثم توجّه بنيّة الحجّ إلى مصر، فأقام بمصر سنة، ثم حجّ وعاد إلى الرّوم، وكان توفي المولى أفضل الدّين المفتي فولّاه السلطان أبو يزيد منصب الفتوى، وعيّن له مائة درهم، ثم لما بنى مدرسته بالقسطنطينية ضمّها له إلى الفتوى، وعيّن له [كل يوم] خمسين درهما زائدة على المائة، وكان يصرف جميع أوقاته في التّلاوة، والعبادة، والتدريس، والفتوى، ويصلي الخمس في الجماعة، وكان كريم الأخلاق لا يذكر أحدا بسوء.
وكان يغلق باب داره ويقعد في غرفة له فتلقى إليه رقاع الفتاوى فيكتب عليها ثم يدليها، يفعل ذلك لئلا يرى الناس فيميّز بينهم في الفتوى.
وكان يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويصدع بالحقّ ويواجه بذلك السلطان فمن دونه، حتى إن السلطان سليم أمر بقتل مائة وخمسين رجلا من حفّاظ الخزينة، فذهب صاحب الترجمة إلى الديوان ولم يكن من عادتهم أن يذهب
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (173- 176) و «الكواكب السائرة» (1/ 267- 268) .
[2] لفظة «أبي» سقطت من «آ» .
[3] أي بثلاثين ليرة عثمانية.(10/257)
المفتي إلى الديوان إلّا لأمر عظيم فلما دخل تحيّروا وقالوا: أي شيء دعا المولى إلى المجيء، فقال: أريد أن [1] ألاقي السلطان فلي معه كلام، فعرضوا أمره على السلطان فأمر بدخوله وحده، فدخل وسلّم وجلس، وقال: وظيفة أرباب الفتوى أن يحافظوا على آخرة السلطان، وقد سمعت بأنك أمرت بقتل مائة وخمسين رجلا من أرباب الديوان لا يجوز قتلهم شرعا، فغضب السلطان سليم- وكان صاحب حدّة- وقال له: لا تتعرض لأمر السلطنة وليس ذلك من وظيفتك، فقال: بل أتعرّض لأمر آخرتك وهو من وظيفتي، فإن عفوت فلك النجاة وإلّا فعليك عقاب عظيم، فانكسرت سورة غضبه وعفا عن الكلّ، ثم تحدّث معه ساعة، ثم سأله في إعادة مناصبهم فأعادها لهم.
وحكي أن السلطان سليم أرسل إليه مرّة أمرا بأن يكون قاضي العسكر، وقال له: جمعت لك بين الطّرفين لأني تحقّقت أنك تتكلم بالحقّ فكتب إليه: وصل إلى كتابك- سلّمك الله تعالى وأبقاك- وأمرتني بالقضاء، وإني أمتثل أمرك إلا أن لي مع الله تعالى عهدا أن لا تصدر عني لفظة حكمت، فأحبه السلطان محبّة عظيمة، ثم زاد في وظيفته خمسين عثمانيا، فصارت مائتي عثماني.
وتوفي- رحمه الله تعالى- في هذه السنة.
وفيها علاء الدّين علي بن عبد الله العشاري- نسبة إلى عشارة بضم المهملة بلدة قريبة من الدير- الحلبيّ [2] الشافعي القاضي، المعروف بابن القطّان.
قرأ على الجلال النّصيبي، وحرص على اقتناء الكتب النفيسة، وولي قضاء إعزاز، وسرمين.
وتوفي في العشر الآخر من رجب.
__________
[1] لفظة «أن» سقطت من «ط» .
[2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 925- 932) و «الكواكب السائرة» (1/ 270) و «إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء» للطباخ (5/ 419) .(10/258)
وفيها بدر الدّين محمد بن أبي بكر المشهدي المصري [1] الشافعي العلّامة المسند.
ولد سنة اثنتين وستين وثمانمائة، وسمع على المسند أبي الخير الملتوتي، وابن الجزري، والخيضري، وأخذ عن الشّهاب الحجازي الشاعر، والرّضي الأوجاقي، وغيرهما. وأجاز له ابن بلال المؤذن في آخرين من حلب، وسمع على جماعة من أصحاب شيخ الإسلام ابن حجر، وابن عمه شعبان، وغيرهما ودرّس.
وأسمع قليلا وناب في مشيخة سعيد السعداء الصّلاحية عن ابن نسيبه.
وكان علّامة عاقلا، دينا، دمث الأخلاق، غير أنه كان ممسكا حتّى عن نفسه، وفي مرض موته كما قال العلائي.
وقال الشعراوي: كان عالما، صالحا، كثير العبادة، محبّا للخمول، إن رأى أحدا يقرأ عليه [فتح له] [2] ، وإلّا أغلق باب داره. قال: فقلت له يوما: ما أصبرك يا سيدي على الوحدة، فقال: من كان مجالسا لله فما ثم وحدة. قال: وكان يقول:
مدح الناس للعبد قبل مجاوزته للصّراط كلّه غرور. انتهى.
وتوفي يوم الاثنين سابع [ذي] القعدة ودفن في تربة الصلاحية بباب النصر، وهو آخر ذريّة ابن خلّكان فيما يعلم، ولم يعقّب.
وفيها شمس الدّين محمد السروي، المشهور بابن أبي الحمائل [3] .
قال المناوي في «طبقاته» : العارف الكبير، الكامل الغيث، الهامع الشامل، زاهد قطف كروم الكرامات، وعارف وصل إلى أعلى المقامات.
كان طودا عظيما في الولاية، وملجأ وملاذا للطلّاب [4] الهداية.
أخذ عنه خلق كالشناوي [5] ، والحديدي، والعدل، وأضرابهم.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 27- 28) .
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 29- 30) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 126- 127) .
[4] في «ط» : «لطالب» .
[5] في «ط» : «كالثناوي» وهو تحريف.(10/259)
وكان عالي الهمّة، كثير الطيران من بلاد لأخر [1] ، وكان يغلب عليه الحال ليلا فيتكلم بألسنة غير عربية، من عجم، وهند، ونوبة، وغيرها. وربما قال: قاق قاق طول الليل، ويزعق ويخاطب قوما لا يرون، وإذا قال شيئا في غلبة الحال نفذ.
وكان مبتلى بالأذى من زوجته مع قدرته على إهلاكها، وربما أدخل فقيرا الخلوة فتخرجه قبل تمام المدة وتقول له: قال لك فلان: أنا ما أعمل شيخا، فلا يتكلم، وقدم مصر، فسكن الزاوية الحمراء ثم زاوية إبراهيم المواهبي وبها مات.
وكان يكره للمريد قراءة أحزاب الشاذلية ويقول: ما ثم جلاء للقلوب مثل لا إله إلا الله، وقارئ أحزاب الشاذلية كزبّال خطب بنت سلطان، وصار يقول للسلطان: أعطني بنتك واجعلني جليسك وهو لا يعرف شيئا من آداب حضرته.
ومن كراماته أنه شكا له أهل بلد كبير الفأر في مقات البطيخ، فقال لرجل:
ناد في الغيط رسم لكم محمد بن أبي الحمائل أن ترحلوا فلم يبق فيها فأر فسأله أهل بلد [2] آخر في ذلك، فقال: الأصل الإذن ولم يفعل.
وكان إذا اشتد به الحال في مجلس الذكر يحمل الرجلين وأكثر ويحمل التيغار الذي يسع ثلاثة قناطير ويجري بذلك.
قال الشعراوي: لقنني الذكر وأنا صغير سنة اثنتي عشرة وتسعمائة.
ومات بمصر في هذه السنة ودفن بزاويته بين السورين.
وفيها شمس الدّين محمد [3] بن الشيخ الصّالح شهاب الدّين أحمد بن محمد الكنجي الدمشقي الشافعي [4] .
ولد في ربيع الأول سنة ست وخمسين وثمانمائة، وقرأ العربية على الشيخ محمد التونسي المغربي، ثم قدم دمشق، وصار من أصحاب البدر الغزّي ووالده، وقرأ عليهما. وكانت له يد طولى في النحو، والحساب، والميقات.
__________
[1] في «آ» : «من بلد لآخر» .
[2] في «آ» : «بلاد» .
[3] لفظة «محمد» سقطت من «ط» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 35) .(10/260)
وكان حافظا لكتاب الله تعالى، مجوّدا، وولي مشيخة الكلّاسة.
وتوفي يوم الجمعة خامس عشر [1] ذي القعدة، ودفن بباب الصغير، وكان ينشد كثيرا في معنى الحديث:
والناس أكيس من أن يمدحوا رجلا ... حتّى يروا عنده آثار إحسان
وفيها كمال الدّين محمد بن الزّيني [2] سلطان الدمشقي الصّالحي الحنفي القاضي.
ولد في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، واشتغل، وحصّل، وبرع، وناب في الحكم، وجمع منسكا في مجلد سمّاه «تشويق الساجد إلى زيارة أشرف المساجد» .
وتوفي ليلة الأربعاء ثامن عشر ربيع الآخر، ودفن بالصالحية بتربتهم تحت المعظمية.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الكفرسوسي [3] الشافعي الفقيه المفتي العلّامة.
تفقّه بالنجم بن قاضي عجلون وأخيه التّقي وغيرهما من الدمشقيين، وأخذ عن القاضي زكريا.
وأخذ عنه جماعة منهم العلّامة الشّهاب الطّيبي. وأشار إلى ذلك في إجازته للشيخ أحمد القابوني بعد أن ذكر جماعة من شيوخه بقوله:
ومنهم وليّ الله شيخي محمد ... هو الكفرسوسيّ الإمام المحبّر
بعلم وإخلاص يزين ولم يزل ... معينا لخلق الله للحقّ ينصر
وعن زكرياء المقدّم قد روى ... وعن غيره ممّن له الفضل يغزر
__________
[1] في «ط» : «خامس عشري» .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (83/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 51) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (88/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 54- 55) .(10/261)
وأثنى عليه ابن طولون في مواضع من «تاريخه» وألف شرحا على «فرائض المنهاج» ومجالس وعظية.
وتوفي ليلة السبت الثامن والعشرين من ربيع الأول ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد السودي- نسبة إلى قرية تسمى سودة شعنب [1] على ثلاث مراحل من صنعاء اليمن- الشهير بعبد الهادي اليمني الشافعي [2] قطب العارفين وسلطان العاشقين.
قال في «النور» : كان من العلماء الراسخين والأئمة المتبحرين، درّس وأفتى، ثم طرأ عليه الجذب، وذلك أنه كان يقرأ في الفقه على بعض العلماء، فلما وصل إلى هذه المسألة والعبد لا يملك شيئا مع سيده، كرّر هذا السؤال على شيخه كالمستفهم، واعترته عند ذلك هيبة عظيمة وبهت، وحصل له الجذب.
وبالجملة فإنه كان آية من آيات الله تعالى، وأقواله تدل على تفنّنه في العلوم الظّاهرة واطلاعه على الأخبار السّالفة والأمثال السائرة، حتّى كأن جميع العلوم والمعاني [3] ممثلة بين عينيه يختار منها الذي يريد ولا يعدل عن شيء إلّا إلى ما هو خير منه.
وكان مولعا بشرب القهوة ليلا ونهارا، وكان يطبخها بيده ولا يزال قدرها بين يديه، وقد يجعل رجله تحتها في النار مكان الحطب، وكان كلما أتى إليه من النذور إن كان من المأكولات طرحه فيها وإن كان من غيرها قذفه تحتها من ثوب نفيس أو عود أو غير ذلك، وقيل: إن عامر بن عبد الوهاب السلطان بعث إليه بخلعة نفيسة فألقاها تحتها فاحترقت فبلغ ذلك السلطان فغضب وأرسل يطلبها منه، فأدخل يده في النار وأخرجها، كما كانت ودفعها إليهم وقد أشار إلى هذا الشيخ
__________
[1] في «ط» : «سودة شغب» وفي «النور السافر» ص (191) : «شغب» .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (155- 191) .
[3] لفظة: «والمعاني» سقطت من «ط» .(10/262)
عبد المعطي بن حسن باكثير في «موشحته» التي عارض فيها شيخ الإسلام أبا الفتح المالكي وكلاهما قد مدح القهوة فقال:
قهوة البن جلّ مقصودي ... في الخفا والعلن
هام فيها إمامنا السّودي ... قطب أهل اليمن
وطبخها بالنّدّ والعود ... وبغالي الثمن
من ثياب حرير مع قطن ... فأخر الملبس
وبذاكم خوارق تثني ... عليه لم تدرس
ولما طرأ عليه الجذب صدرت عنه أمور وكرامات تدلّ على أنه من العارفين بالله تعالى، وأخذ ينظم حينئذ فإنه ما وقع له نظم إلا بعد الجذب، حتى حكي أنه ما كان يقوله إلا في حال الوارد مثل ابن الفارض، فكان يكتب بالفحم على الجدران فإذا أفاق محى ما كان [1] كتبه من ذلك، فكان فقراؤه بعد أن علموا منه ذلك يبادرون بكتب ما وجدوه من نظمه على الجدران فيجمعونه.
وحكي أن بعض المنشدين أنشد بين يديه قصيدة من نظمه فطرب لها وتمايل عليها، ثم سأل عن قائلها فقيل: إنها من نظمك، فأنكر ذلك وقال: حاشا ما قلت شيئا [2] حاشا ما قلت شيئا [2] .
ومن شعره الرائق:
يا راحة الرّوح يا من ... هواه أشرف مذهب
واصل فديتك صبا ... أنسيته كل مذهب
وباين الكلّ إلّا ... من بالهوى قد تمذهب
مشارب القوم شتّى ... من كلّها صار يشرب
قد شرّق النّاس طرّا ... وللغرائب غرّب
__________
[1] لفظة «كان» سقطت من «آ» .
[2] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» .(10/263)
فهو الغريب ولكن ... محبوبه منه أغرب
تعجّب الخلق منه ... وباطن الأمر أعجب
يا موجبين لصحوي ... السّكر والله أوجب
وليس يوجب صحوي ... إلا بليد معذّب
بين الغوير ونجد ... طول الزّمان مذبذب
وطالعوا إن شككتم ... تهذيبكم والمهذّب
يا ما ألذّ استماعي ... قول النّدامى لي اشرب
في حضرة ليس فيها ... إلّا مراد مقرّب
ومطرب الحيّ يشدو ... لا عاش من ليس يطرب
ومنه:
بالله كرّر أيّها المطرب ... تذكار قوم ذكرهم يعجب
ما زمزم الحادي بذكراهم ... في الشرق إلا رقص المغرب
ومنه:
ومهفهف قبلت أشنب ثغره ... وبلوغ ذاك الثّغر ما لا يحسب
قال احسب [1] القبل التي قبّلتني ... فأجبت إنّا أمّة لا نحسب [2]
وبالجملة فشعره كثير جدا وفيه تأثير غريب فإنه السهل الممتنع يفهمه كل أحد مع متانة عبارته، وتتأثر به النّفوس غالبا ويكثر عليه وجد المتواجدين.
وتوفي- رحمه الله تعالى- يوم الأربعاء سابع صفر بتعز وقبره بها مشهور يزار وعليه قبة عظيمة.
__________
[1] في «آ» : «أحسبت» .
[2] قلت: وذلك اقتباس من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّا أمّة أمّيّة لا نكتب ولا نحسب» الذي رواه البخاري رقم (1913) في الصوم: باب قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا بكتب ولا نحسب» ومسلم رقم (1080) (15) في الصيام: باب وجوب صوم رمضان الرؤية الهلال، من حديث عبد الله بن عمر بن الخطّاب رضي الله عنهما.(10/264)
وكان للشيخ ولدان أحدهما عبد القادر والآخر محمد.
مات عبد القادر في حياة أبيه وخلّف بنتا ولم يبق للشيخ عبد الهادي نسل إلا منها.
وأما محمد فعاش بعد والده وصار قاضيا بتعز، ولما استولت الأروام على تعز لزموه وبعثوا به [1] إلى مصر فمات هناك في حدود الستين وتسعمائة.
وفيها القاضي أفضل الدّين [2] محمد بن محمد الرّومي المصري الحنفي [3] الإمام العلّامة.
قرأ الفقه على ابن قاسم، وأجازه جماعة في استدعاء سبط شيخ الإسلام ابن حجر.
وكان ديّنا عاقلا، وحجّ صحبة [4] الشيخ أمين الدّين الأقصرائي.
وتوفي بمصر في المحرم.
وفيها محبّ الدّين محمد بن محمد الزّيتوني العوفي- نسبة إلى سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه- المصري [5] الشافعي الفاضل البارع.
دخل إلى دمشق، وأخذ عن البدر الغزّي، وأجازه ب «صحيح البخاري» وب «التنبيه» و «المنهاج» بعد أن قرأ عليه أكثرها.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد الشهير بابن الغرس- بالمعجمة- المصري [6] الحنفي العلّامة ابن العلّامة.
__________
[1] في «ط» : «وبعثوه» .
[2] في «آ» : «فضل الدّين» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 22- 23) .
[4] في «ط» : «صحبته» وهو خطأ.
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 23) .
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 23) .(10/265)
كان ذا يد في النحو والأعاريب، وله شعر، وافتقر في آخر عمره وسقم سنين بعد عزّ وترف ووجاهة، فكان صابرا شاكرا.
وتوفي في ذي القعدة.
وفيها القاضي شمس الدّين محمد السّمديسي [1] الحنفي.
أخذ عن رضوان العقبي [2] ، وعبد الدائم الأزهري، والشمس محمد بن أسد. والقراءات عن جعفر السمنودي.
وأخذ عنه الشيخ بهاء الدّين القليعي، والشيخ علاء الدّين المقدسي نزيل القاهرة الفقه والقراءات.
وسمعا منه كثيرا.
وهو صاحب «فيض الغفّار شرح المختار» .
وتوفي في هذه السنة.
وفيها نور الدّين محمود بن أبي بكر بن محمود قاضي القضاة المعرّي [3] الأصل الحموي ثم الحلبي [4] الشافعي، سبط الشيخ أبي ذرّ بن الحافظ برهان الدّين الحلبي.
ولي قضاء حماة إلى آخر دولة الجراكسة، فلما مرّ السلطان سليم على حماة ولّاه قضاءها أيضا، ثم لما رجع السلطان سليم بدا لصاحب الترجمة أن يترك القضاء في هذه الدولة تورعا عما أحدثوه من المحصول والرسم، فتركه وترك غيره من المناصب الحموية، فأخرجت له براءة واحدة بنحو ثلاثين منصبا ما بين تدريس
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 98) .
[2] في «الكواكب السائرة» : «العيني» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «المصري» .
[4] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 357- 360) و «الكواكب السائرة» (1/ 305) و «إعلام النبلاء» (5/ 421- 422) .(10/266)
وتولية، ثم إنه قطن حلب هو ووالده [1] وأخوه المقرّ أحمد، وسكن بالمدرسة الشمسية بمحلّة سويقة حاتم [2] فلم يلبثوا إلا قليلا حتى ماتوا.
وكانت وفاة القاضي نور الدّين في هذه السنة. قاله في «الكواكب» .
__________
[1] في «ط» : «وولده» وهو خطأ.
[2] سويقة حاتم: هي القبلية التي تتاخم الجامع الكبير بحلب، وكانت تسمّى السهيلية. انظر «نهر الذهب في تاريخ حلب» (2/ 180) طبع دار القلم العربي بحلب، و «موسوعة حلب المقارنة» (4/ 426) .(10/267)
سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن أحمد بن يعقوب الكردي القصيري الحلبي [1] الشافعي العلّامة، المعروف بفقيه اليشبكية بحلب لتأديبه الأطفال بها.
قال في «الكواكب» : ولد بقرية عارة [2]- بمهملتين- من القصير من أعمال حلب، وانتقل مع والده إلى حلب صغيرا فقطن بها، وحفظ القرآن العظيم، ثم «الحاوي» ودخل إلى دمشق فعرضه على البدر بن قاضي شهبة، والنجمي، والتقوي ابني قاضي عجلون.
وسمع الحديث بها وبالقاهرة على جماعة، وبحلب على الموفق أبي ذرّ وغيره، وأجازه الشيخ خطاب وغيره.
قال ابن الشّمّاع: ولم يهتم بالحديث كما ظهر لي من كلامه، وإنما اشتغل في القاهرة بالعلوم العقلية والنقلية.
وقال ابن الحنبلي: كان دينا، خيرا، كثير التّلاوة للقرآن، معتقدا عند كل إنسان، طارحا للتكلّف، سارحا في طريق التقشف، مكفوف اللّسان عن الاغتياب، مثابرا على إفادة الطلاب.
إلى أن قال: وقد انتفع به كثيرون في فنون كثيرة، منها العربية، والمنطق، والحساب، والفرائض، والفقه، والقراءات، والتفسير.
قال: وكنت ممن انتفع به في العربية، والمنطق، والتجويد.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 22- 26) و «الكواكب السائرة» (1/ 106) .
[2] تحرفت في «ط» و «آ» إلى: «عادة» والتصحيح من «در الحبب» .(10/268)
قال وكان [1] كفّ بصره رأى النّبي صلّى الله عليه وسلم في المنام، فوضع يده الشريفة على إحدى عينيه. قال: فكانت لها بعد تلك [الرؤية] [2] رؤية ما كما نقل لنا عنه صاحبنا الشيخ الصالح برهان الدّين إبراهيم الصّهيوني.
قال: ثم كانت وفاته ليلة الثلاثاء رابع عشر جمادى الآخرة. انتهى.
وفيها تقريبا تقي الدّين أبو بكر بن عبد المحسن البغدادي الأصل الدمشقي [3] الموقت بالجامع الأموي.
كان من أهل العلم، وأخذ عن البدر الغزّي وغيره.
وفيها بدر الدّين أحمد بن قاضي القضاة تقي الدّين أبي بكر بن محمود الحموي ثم الحلبي [4] الشافعي الأصيل العريق، ناظر أوقاف الحرمين الشريفين بحلب.
كان له حشمة ورئاسة وذكاء عجيب، واستحضار جيد لفوائد [5] أصلية وفرعية، غير أنه انضم إلى قرا قاضي مفتش أوقاف حلب وأملاكها، وداخل أمور السلطنة، وصار له عنده اليد النافذة، وهرع الناس إليه [لذلك] [6] ، فلما قتل قرا قاضي في هذه السنة في جامع حلب قتل معه، وأراد العامة حرقه، فاستخلصه منهم أهله وجماعته فغسّلوه وكفّنوه ودفنوه بمقبرة أقربائه.
وفيها عبد الرحمن بن موسى المغربي التّادلي المالكي [7] نزيل دمشق.
قال في «الكواكب» : كان رجلا فاضلا صالحا، اختص بصحبة شيخ الإسلام الوالد، وجعل نفسه كالنّقيب لدرسه، وقرأ عليه «مختصر الشيخ خليل» على مذهب
__________
[1] لفظة «كان» سقطت من «ط» .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ذلك» والتصحيح من «در الحبب» مصدر المؤلف ولفظة «الرؤية» مستدركة منه.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 118) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 130) .
[5] في «آ» و «ط» : «الفرائد» ما أثبته من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[6] لفظة «لذلك» مستدركة من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[7] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 233) .(10/269)
الإمام مالك. وقرأ عليه غير ذلك، ثم سافر إلى الحجاز فمات في الطريق.
وفيها محيي الدّين عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن محمد بن يحيى بن نصر بن عبد الرزاق بن سيدي الشيخ عبد القادر الكيلاني السّيّد الشريف الحموي القادري [1] الشافعي.
نقل ابن الحنبلي عن ابن عمّه القاضي جلال الدّين التادفي أنه ترجمه في كتابه «قلائد الجواهر» فقال: كان صالحا، مهيبا، وقورا، حسن الخلق، كريم النّفس، جميل الهيئة، مع كيس وتواضع وبشر وحلم وحسن ملتقى، لطيف الطبع، حسن المحاضرة، مزّاحا، لا يزال متبسما، معظما عند الخاص والعام، له حرمة وافرة، وكلمة نافذة، وهيبة عند الحكّام وغيرهم. انتهى وتوفي في إحدى الجمادين بحماة.
وفيها- تقريبا- كريم الدّين عبد الكريم بن عبد القادر بن عمر بن محمد بن إبراهيم الجعبري [2] صاحب «الشرح» [3] والمصنّفات المشهورة.
قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة. قاله في «الكواكب» .
وفيها علاء الدّين علي بن سلطان الحوراني [4] الشافعي نزيل صالحية دمشق الشيخ الصالح الزاهد.
كان من أصحاب الشيخ محمد العمري- بالمهملة- والشيخ أبي الصّفا الميداني صاحب الزاوية المشهورة به بميدان الحصا، وكان قد قطن بالصالحية مدة يتعبّد بها. وكان لشيخ الإسلام كمال الدّين بن حمزة فيه اعتقاد زائد، وأوصى له بشيء عند موته.
وتوفي صاحب الترجمة في يوم الخميس مستهل ذي الحجّة.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 830- 832) و «الكواكب السائرة» (1/ 251) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 255) و «معجم المؤلفين» (5/ 317) .
[3] واسمه «شرح الشاطبية» وهو في القراءات كما في «معجم المؤلفين» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 270) .(10/270)
وفيها السيد كمال الدّين محمد بن حمزة بن أحمد بن علي بن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني الدمشقي الشافعي [1] الشهير بأبيه.
ولد في جمادى الأولى سنة خمسين وثمانمائة، واستجار له والده من ابن حجر، واشتغل في العلم على والده وخالية النّجمي والتّقوي ابني قاضي عجلون، وعلى غيرهم، وبرع وفضل، وتردّد إلى مصر في الاشتغال والإشغال [2] ، ثم صار أحد شيوخ الإسلام المعوّل عليهم بدمشق، فقها، وأصولا، وعربية، وغير ذلك.
وولي إفتاء دار العدل بدمشق، وقصده الطلبة.
وكان إماما، علّامة، جامعا لأشتات العلوم، مع جلالة، ومهابة، وهيئة حسنة، وكان يقرّر دروسه بسكينة، ووقار، وتؤدة، واحتشام، مع حلّ المشكلات، وانتفع به الطلبة مصرا وشاما وما والاهما.
وكان يدرّس ويفتي، وترك الإفتاء آخرا بسبب محنة حصلت له من الغوري بسبب سؤال رفع إليه فيمن بنى بنيانا في مقبرة مسبلة هل يهدم أولا، فكتب أنه يهدم فهدم على الفور. وكان الحق في جوابه، وأجاب خاله التّقوي ابن قاضي عجلون بعدم الهدم وهو غير المنقول، وكأنه أدخل عليه في السؤال ما دعاه إلى الإفتاء بذلك، وشرح القصة يطول وولي المترجم مع تدريس البقعة بالجامع الأموي تدريس الشاميتين بدمشق والعزيزية والتقوية والأتابكية.
وكان مجلس درسه بالجامع الأموي شرقي مقصورته.
وممن حمل عنه الفقه وغيره من العلماء: العلّامة تقي الدّين بن القاري، والعلّامة بهاء الدّين بن سالم، والعلّامة كمال الدّين الكردي إمام الشامية البرانية وخطيبها، والعلّامة شمس الدين بن الكيّال، والعلّامة برهان الدّين الأخنائي، والعلّامة جلال الدّين البصروي، والعلّامة زين الدّين بن قاضي عجلون، والعلّامة جمال الدّين بن حمدان، والعلّامة برهان الدّين بن حمزة، والعلّامة يعقوب
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (82/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 40- 46) .
[2] لفظة «والاشغال» سقطت من «ط» .(10/271)
الواعظ، والعلّامة شمس الدّين الوفائي الواعظ، والعلّامة يونس العيثاوي، والعلّامة شهاب الدّين الطّيبي، وغيرهم.
قال الشيخ يونس العيثاوي: وكان السيد كمال الدّين سبب ظهور «شرح المنهاج» للجلال المحلّي بدمشق. قال: وأول اجتماعي بالسيد المذكور سألني عن محلّ إقامتي فقلت: بميدان الحصا، فقال لي: هذه المحلّة خصّها الله تعالى بثلاثة أباريه كل منهم انفرد بفنّ لا يشاركه فيه غيره، الشيخ إبراهيم النّاجي بعلم الحديث، والشيخ إبراهيم القدسي بفنّ القراءات، والشيخ إبراهيم بن قرا في التصوف. انتهى.
ومدح المترجم أفاضل عصره، منهم العلّامة علاء الدّين بن صدقة بقصيدة طنّانة مطلعها:
لي في المحبة شاهد بفنائي ... عند الأحبة وهو عين بقائى
وهي طويلة.
وتوفي- رحمه الله تعالى- نهار الاثنين ثالث عشر رجب الفرد، وصلّي عليه بالجامع الأموي، وصلّى عليه أيضا الشيخ أبو الفضل بن أبي اللطف عند باب جامع جرّاح في جماعة ممن لم يكن صلّى، ودفن إلى جانب خاله شيخ الإسلام تقي الدّين ابن قاضي عجلون بمقبرة باب الصغير.
وقال تلميذه تقي الدّين القاري يرثيه:
توفّي قرّة العين الكمالي ... وصرنا بعده في سوء حال
ولكنّا صبرنا واحتسبنا ... وليس القلب بعد الصّبر سال
ومهما كان في الدنيا جميعا ... فإن مصير ذاك إلى الزوال
وفيها بهاء الدّين محمد بن عبد الله بن علي بن خليل العاتكي الدمشقي الشافعي [1] الإمام العالم البارع.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 52) وقد تقدمت ترجمته في «آ» إلى ما بعد الترجمة التالية.(10/272)
ولد سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، وأخذ عن التّقي ابن قاضي عجلون، والكمال بن حمزة، وغيرهما.
وتوفي بالقاهرة في رجب.
وفيها شمس الدّين أبو علي محمد بن علي بن عبد الرحمن، الشهير بابن عراق الدمشقي [1] نزيل المدينة المنورة، الإمام العلّامة العارف بالله تعالى، المجمع على ولايته وجلالته، القطب الرّباني، أحد أصحاب سيدي علي بن ميمون.
قال في «الشقائق» : كان- رحمه الله تعالى- من أولاد أمراء الجراكسة، وكان من طائفة الجند على زي الأمراء، وكان صاحب مال عظيم وحشمة وافرة، ثم ترك الكلّ، واتصل بخدمة الشيخ العارف بالله تعالى السيد علي بن ميمون المغربي، واشتغل بالرياضة عنده حتى حكي أنه لم يشرب الماء مدة عشرين يوما في الأيام الحارّة، حتى خرّ يوما مغشيا عليه من شدة العطش، وقرب من الموت، فقالوا للشيخ: إن ابن عراق قرب من الموت من شدة العطش، فقال الشيخ: إلى رحمه الله تعالى، فكرروا عليه القول، فلم يأذن في سقيه، وقال: صبّوا على راحتيه الماء، ففعلوا، فقام على ضعف ودهشة، فلم يمض على ذلك أيام إلّا وقد انفتح عليه الطريق، ونال ما يتمناه. انتهى وذكر هو عن نفسه في كتابه المسمى: ب «السفينة العراقية» في لباس خرقة الصوفية أنه ولد في سنة ثمان وسبعين وثمانمائة، وقرأ القرآن بالتجويد على الشيخ عمر الدّاراني، قرأ عليه ختمات، وعلى الشيخ إبراهيم القدسي، قرأ عليه يويمات، ثم اشتغل في الحساب على الشيخ زين الدّين عرفة، ثم جوّد ختمة لابن كثير، وأفرد لراوييه على الشيخ عمر الصّهيوني، وجوّد عليه الخطّ أيضا، وأخذ عنه علم الرماية، ولزمه فيه ثلاث سنوات كاملات، وفي أثنائها مات والده في سنة
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (212- 213) و «النور السافر» ص (192- 198) و «الكواكب السائرة» (1/ 59- 68) و «الأعلام» (6/ 290) و «معجم المؤلفين» (11/ 21- 22) .(10/273)
خمس وتسعين وثمانمائة، وتزوج في تلك السنة، ثم توجه إلى بيروت بنيّة استيفاء إقطاع والده، فسمع وهو ببيروت برجل من الأولياء فيها يسمّى سيدي محمد الرائق، فزاره ودعا له، وقال له: لا خيّب الله سعيك.
ثم رجع إلى دمشق، واشتغل بالفروسية والرّمي والصّيد، ولعب الشطرنج، والنرد، والنّقاف، والتنعم بالمأكولات والملبوسات، وإنشاء الإقطاع والفدادين، ولم يزل مع هذه الأمور مواظبا على الصلوات، وزيارة الصالحين، وحبّ الفقراء والمساكين حتّى تم له خمسة أعوام، ولم يتيسر له من يوقظه من هذا المنام، حتى كان يوم جمعة، صادف فيه الشيخ إبراهيم النّاجي في جبّانة الباب الصغير وهو راجع من ميعاده، فنزل سيدي محمد عن فرسه إجلالا للشيخ، وسلّم عليه، فقال الشيخ: من يكون هذا الإنسان، فقيل له: فلان ابن فلان، فأهل به ورحّب، وترحم على والده، فسأله سيدي محمد أن يدعو له أن ينقذه الله مما هو فيه، فقال له: لو حضرت الميعاد ولازمتنا لحصل الخير، فكان بعد ذلك يحضر مواعيد الشيخ، وحصلت له بركته، واستمر في صحبته حتى مات، ولبس منه خرقة التصوف، وأخذ عنه وعن الشيخ أبي الفضل ابن الإمام، وعن الشّهاب ابن مكيّة النابلسي علم التفسير والحديث والفقه، وأخذ الأصول والنحو والمعاني والبيان عن جماعة، منهم الشيخ أبو الفتح المزيّ، والشيخ محمد بن نصير، والشيخ على المصري، وكان مع ذلك يصحب الصّالحين والفقراء الصادقين، مثل الشيخ محمد بن البزة، والشيخ محمد بن يعقوب [1] وأضرابهما، إلى أن لاحت له ناصية الفلاح، وجاءه المرشد سيدي علي بن ميمون إلى باب داره عند الصباح وذلك مستهل سنة أربع وتسعمائة، فكان كماله على يديه، ودخل مصر سنة خمس، فاجتمع بجماعة من الأعلام، من أعلمهم وأفضلهم القاضي زكريا، والجلال السيوطي، والدمياطي، واجتمع بجماعة من الأولياء، منهم الشيخ عبد القادر الدشطوطي، وأبو المكارم الهيتي، وابن حبيب الصّفدي، وأضرابهم، وحصلت له بركتهم.
__________
[1] لفظة «ابن» لم ترد في «ط» .(10/274)
ثم عاد في بحر النيل إلى دمياط، واجتمع فيها بعلماء أخيار، منهم الشيخ أحمد البيجوري، وحضر دروسه، وألّف له منسكا جامعا، وحصّل من العلم في البلدتين المذكورتين ما لم يحصّله غيره في مدة طويلة، ثم رجع إلى الشام، وأقام بها حتى قدم سيدي علي بن ميمون من الرّوم إلى حماة سنة إحدى عشرة وتسعمائة، فبعث إليه كتابا يدعوه، فسار إليه مسرعا، وأقام عنده بحماة أربعة أشهر وعشرة أيام كل يوم يزداد علما من الله وهدى، ثم أذن له بالمسير إلى بيروت، فسار إليها وقعد لتربية المريدين، وألّف في مدة إقامته بها أربعة وعشرين كتابا في طريق القوم، فلما بلغ شيخه ذلك تطور عليه، وكتب إليه [1] أن يلقاه بالكتب إلى دمشق، وقدم عليه [2] شيخه، وهو عند والدته بدمشق في سابع عشري رجب سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، ونزل بالصالحية، فسار إليه سيدي محمد وتلقاه بالسلام والإكرام، غير أنه استدعاه في ذلك المجلس، وقال له: يا خائن يا كذاب، عمن أخذت هذا القيل والقال، فقال له سيدي محمد: يا سيدي قد أتيناك بالموبقات فافعل فيها ما تشاء، فغسلها سيدي علي ولم يبق منها سوى القواعد والتأديب. ثم لزمه سيدي محمد هو ووالدته وأهله، وسكن بهم عنده بالصالحية، وقدّمه شيخه على بقية جماعته في الإمامة وافتتاح الورد والذكر بالجماعة، وبقي عنده هو وأهله على قدم التجريد، حتى انتقل سيدي على إلى مجدل معوش [3] ، فسافر معه، وبقي عنده حتى توفي.
وفي سنة ثلاث وعشرين عاد إلى ساحل بيروت، وبنى بها دارا لعياله ورباطا لفقرائه، ثم انتقل إلى غوطة دمشق، ونزل بقرية سقبا، وانقطع بها عنده جماعة، ثم ذهب سيدي محمد بعياله إلى الحجّ ماشيا، سنة أربع وعشرين، وقطن بالمدينة، وتردّد بين الحرمين، مرارا، وحجّ مرات، وقصد بالمدينة للإرشاد والتربية، واشتهر بالولاية بل بالقطبية.
وبالجملة فقد كان في عصره مفردا علما، وإماما في علمي الحقيقة والشريعة مقدّما، وليثا على النّفس قادرا، وغيثا لبقاع الأرض ماطرا.
__________
[1] لفظة «إليه» سقطت من «آ» .
[2] في «ط» : «على» .
[3] في «ط» : «مجدل مغوش» .(10/275)
قال بعضهم: مكث أربع عشرة سنة ما أكل اللحم.
ومن آثاره بدمشق لما كان قاطنا بصالحيتها عمارته المرصفان بدرب الصالحية، وكان يعمل في ذلك هو وأصحابه، رضي الله عنهم.
وممن أخذ عنه أولاده الثلاثة سيدي علي [1] والشيخ عبد النافع، والنعمان، والشيخ قطب الدّين عيسى الأيجي الصّفوي، وصاحبه الشيخ محمد الأيجي ثم الصالحي، والعارف بالله تعالى الشيخ أحمد الداجاني المقدسي، والشيخ موسى الكناوي ثم الدمشقي، والشيخ محمد البزوري وغيرهم.
قال الشيخ موسى الكناوي [2] ، ولما حججت سنة ثلاثين وتسعمائة اجتمعت به بالحرم النبوي الشريف، ودعا لي، وأعطاني شيئا من التمر، وكان ذلك آخر العهد به إلى أن قال: وكان في صفته الظاهرة حسن الصورة، أبيض الوجه، لحيته إلى شقرة، مربوع القامة.
وقال أبو البركات البزوري- رضي الله عنه-: اجتمعت بمكّة المشرّفة بالشيخ القطب الغوث، العارف بالله تعالى، شمس الدّين محمد بن عراق، فسألني: ما اسمك؟ قلت: بركات، فقال: بل أنت محمد أبو البركات، ثم صافحني، ولقّنني الذكر، ودعا لي، وحرّضني على قراءة قصيدته اللامية الجامعة لأسماء الله الحسنى التي أولها:
بدأت ببسم الله والحمد أولا ... على نعم لم تحص فيما تنزّلا
قال: في كل ليلة، أحسبه قال: بين المغرب والعشاء.
قال النجم الغزّي: قلت لشيخنا أبي البركات هذه القصيدة اللامية هي من نظم سيدي محمد بن عراق؟ قال نعم هي من نظمه وأنا أخذتها عنه، فلازم على قراءتها فإنها نافعة. قلت له: يا سيدي فنحن نرويها عنكم، عن سيدي محمد بن عراق، قال: نعم.
__________
[1] لفظة «علي» سقطت من «ط» .
[2] تحرفت في «ط» إلى «الكناني» .(10/276)
ومن مؤلفات سيدي محمد بن عراق كتاب «المنح الغنائية والنفحات المكّية» وكتاب «هداية الثقلين في فضل الحرمين» وكتاب «مواهب الرحمن في كشف عورات الشيطان» ورسالة كتبها إلى من انتسب إلى الطريقة المحمدية في سائر الآفاق خصوصا بمكّة العلية والمدينة المرضية، وكتاب «السفينة العراقية» وكتاب «سفينة النجاة لمن إلى الله التجاه» ورسالة في صفات أولياء الله تعالى.
ومما ينسب تأليفه إليه «حزب الإشراق» .
ومن شعره:
كلام قديم لا يملّ سماعه ... تنزّه عن قولي وفعلي ونيّتي
به أشتفي من كلّ داء وإنه ... دليل لعلمي عند جهلي وحيرتي
فيا ربّ متعني بحفظ حروفه ... ونوّر به قلبي وسمعي ومقلتي
وتوفي على المعتمد بمكّة المشرّفة يوم الثلاثاء رابع عشري صفر ودفن من الغد بباب المعلاة [1] عن أربع وخمسين سنة تقريبا.
وفيها بهاء الدّين محمد بن الشيخ العالم علاء الدّين علي بن خليل بن أحمد بن سالم بن مهنّا بن محمد بن سالم العاتكي الدمشقي الشافعي، المعروف بابن سالم [2] الإمام العلّامة.
ولد سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، وأخذ العلم عن أبيه، وعن التّقوي ابن قاضي عجلون، والسيد كمال الدّين بن حمزة، وغيرهم.
وكان عالما، عاملا، خيّرا، حجّ وجاور.
وتوفي بالقاهرة في رجب.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي المعروف بابن هلال الشافعي النحوي العرضي الأصل ثم الحلبي [3] .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «باب المعلى» والصحيح ما أثبته.
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (91/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 68) .
[3] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 244- 245) و «الكواكب السائرة» (1/ 68) .(10/277)
اشتغل بحلب على الشيخ محمد الداديخي، والعلاء الموصلي فلم يبلغ مطلوبه، فارتحل إلى القاهرة، ولزم الشيخ خالد مدة طويلة إلى أن مات الشيخ خالد، فقدم حلب، ودرّس بجامعها، وألّف عدة كتب، منها حاشية على تفسير البيضاوي، وشرح على «المراح» وشرح على «تصريف الزنجاني» سمّاه ب «التظريف على التصريف» ورسالة أثبت فيها أن فرعون موسى آمن إيمانا مقبولا، وغض منه ابن الحنبلي كثيرا، وقال: كان له شعر يابس وفيه هجو فاحش.
وتوفي يوم الأربعاء سادس عشر القعدة
.(10/278)
سنة أربع وثلاثين وتسعمائة
فيها كما قال في «النور» [1] أخذ الإمام الجواد [2] أحمد مدينة هرمز من بلاد الحبشة وضعف عن مقاومته سلطانها، ولم يزل أمره يعظم حتى صار إلى ما صار إليه، واستفتح كثيرا من بلاد الحبشة، وقهر الكفّار، وواظب على الجهاد والغزو في سبيل الله تعالى، ونقل عنه في ذلك ما يبهر العقول، حتّى قيل: ما تشبّه فتوحاته إلّا بفتوحات الصحابة وناهيك بمن يكون بهذه المثابة، وحكي من أمر شجاعته وإجراء [3] أموره على قوانين الشريعة المطهرة شيء كثير. انتهى وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد العزيز الدمشقي المالكي ابن أخي القاضي شعيب الشافعي [4] .
قال في «الكواكب» : كان من رؤساء المؤذنين [5] بالجامع الأموي، وكان عنده تواضع.
قال ابن طولون: وأوقفني على منظومه في علم المعاني والبيان.
حجّ في آخر عمره، ورجع من الحجّ متضعفا، واستمر مدة إلى أن توفي ليلة الجمعة خامس عشر المحرم، ودفن بباب الصغير.
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (198- 199) .
[2] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «الجراد» .
[3] في «ط» : «أو جراء» .
[4] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (37/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/ 112) .
[5] كذا في «آ» و «ط» و «متعة الأذهان» : «من رؤساء المؤذنين» والذي في «الكواكب السائرة» «من رؤساء المدرسين» .(10/279)
وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن أبي بكر بن عثمان الأنصاري الحمصي الدمشقي الشافعي [1] الإمام العلّامة الخطيب البليغ المحدّث المؤرّخ، يتصل نسبه بعبد الله بن زيد الأنصاري.
ولد سنة إحدى أو ثلاث وخمسين وثمانمائة، واعتنى بالحديث والعلم، وأخذ عن جماعة من الشاميين والمصريين، وفوض إليه القضاء قاضي القضاة شهاب الدّين بن الفرفور، ثم سافر إلى مصر وفوض إليه القضاء أيضا قاضي القضاة زكريا الأنصاري، وكان يخطب مكانه بقلعة الجبل، وكان الغوري يميل إلى خطبته ويختار تقديمه لفصاحته ونداوة صوته، ثم رجع إلى دمشق في شعبان سنة أربع عشرة وتسعمائة وخطب بجامعها عن قاضي قضاة الشافعية اللؤلؤي بن الفرفور.
وتوفي يوم الثلاثاء تاسع عشري جمادى الآخرة ودفن بباب الفراديس.
وفيها- تقريبا- شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن عمران المقدسي الحنفي [2] .
سمع بقراءة الشهابي أحمد بن عبد الحقّ السّنباطي على البرهان القلقشندي، وحصّل وبرع.
وفيها- تقريبا- شهاب الدّين أحمد بن الصّايغ المصري الحنفي [3] .
أخذ عن الشيخ أمين الدّين الأقصرائي، والشيخ تقي الدّين الشّمنّي، والكافيجي، والأمشاطي، وغيرهم.
وأجازوه بالفتيا والتدريس.
وكان إماما، بارعا، علّامة في العلوم الشرعية والعقلية، وله باع في الطب، ولم يتعلق بشيء من الوظائف وعرضت عليه عدة وظائف فلم يقبلها، وكان يؤثر الخمول ويقول: أحب شيء إليّ أن ينساني الناس فلا يأتوني.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (74/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 97) و «الأعلام» (1/ 233) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 97) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 116- 117) .(10/280)
وكان حسن الأخلاق، حلو اللّسان، متواضعا، قليل التردد إلى الناس، يدرّس في «البيضاوي» وغيره، رحمه الله تعالى.
وفيها- تقريبا أيضا- شهاب الدّين أحمد المنيري [1] المصري الشافعي [2] الإمام العلّامة.
كان بارعا في العلوم الشرعية والعقلية، رثّ الهيئة، مع الهيبة والوقار، صغير العمامة، يقصده الناس في الشفاعات، وقضاء الحوائج عند الأمراء والأكابر. وكان مسموع الكلمة عندهم، ينقادون إليه ولا يردوّن له شفاعة لزهده فيما في أيديهم.
وكان كثيرا ما يأتيه الفقير يسأله الشفاعة وهو يدرّس فيترك الدرس، ويقوم معه، ويقول: هذه ضرورة ناجزة وضرورة الحاجة إلى العلم متراخية، رحمه الله تعالى.
وفيها عماد الدّين إسماعيل بن مقبل بن محمد الغزّاوي الحنفي [3] الشيخ المفيد العالم المقرئ [4] .
قال ابن طولون: صاحبنا، حفظ القرآن ببلده غزّة، وتلا للسبع، ثم «مجمع البحرين» وقدم دمشق في سنّ الطفولة فحلّه على الشمسي بن رمضان [5] شيخ القجماسية، وكان نازلا بها، وسمع عليه أشياء وعلى غيره، ثم عاد إلى غزّة إلى أن توفي والده فعاد إلى دمشق، وأمّ بالجامع التّنكزي إلى أن مات يوم الخميس تاسع عشري صفر، ودفن بتربة باب الصغير. انتهى.
وفيها عبد الله بن محمد بن أحمد المدرني الحنفي [6] الفاضل المرشد، أحد مشايخ الرّوم ومواليها.
مات والده الشيخ محمد شاه وهو شاب في تحصيل العلم، وقرأ على
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» : «المسري» والتصحيح من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 117) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (30/ آ) .
[4] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «المصري» .
[5] في «متعة الأذهان» : «على الشيخ شمس الدّين بن رمضان» .
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 154) .(10/281)
المولى عبد الرحيم بن علاء الدّين العربي، والمولى محمد القرماني، وكان في بدايته تابعا لهوى نفسه، فرأى ليلة أباه في منامه قد ضربه ضربا شديدا ووبّخه على فعله، فلما أصبح ذهب إلى الشيخ رمضان المتوطن بأدرنة وتاب على يديه، ودخل الخلوة، وارتاض، وجاهد، ونال منالا عظيما، حتى أجازه بالإرشاد، فرجع إلى وطنه، وأقام هناك يرشد ويدرّس ويعظ، وكان له مشاركة في سائر العلوم، وله خط حسن، وكان من محاسن الأيام، رحمه الله تعالى.
وفيها محيي الدّين عبد القادر بن أبي بكر بن سعيد الحلبي الشافعي، المشهور بابن سعيد [1] .
كان جدّه سعيد هذا يهوديا فأسلم، واشتغل صاحب الترجمة بالعلم في حلب على العلاء الموصلي، ومنلا حبيب الله العجمي، وأخذ عن الكمال بن أبي شريف ببيت المقدس، وكان ذا همّة عالية في النسخ، ورحل إلى دمشق والقاهرة.
قال ابن طولون: قدم دمشق إماما لقصروه نائب حلب، فقرأ عليه صاحبنا العلّامة نجم الدّين الزّهيري المتوفى قبله. وكانت له شهرة ولديه رئاسة، ثم عاد إلى حلب، وصار مفتي دار العدل بها في الدولة الجركسية، وولي المناصب في الدولة العثمانية مشيخة التغرمشية، ومشيخة الزينبية ونظرها، ونظر جامع الأطروش.
وتوفي بحلب في رجب.
وفيها تاج الدّين عبد الوهاب بن أحمد بن محمد الكنجي الدمشقي [2] الشافعي [3] الفاضل أخو الشيخ الإمام شمس الدّين الكنجي المتقدم ذكره.
عني بالفرائض والحساب.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 825- 830) و «الكواكب السائرة» (2/ 173) و «إعلام النبلاء» (5/ 430- 432) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (58/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 186) .
[3] لفظة «الشافعي» تحرفت في «ط» إلى «الشيخ» .(10/282)
قال في «الكواكب» : ولزم شيخ الإسلام الوالد كثيرا، وقرأ عليه في «شرح المنهاج» للمحلّي، وغالب ترتيب «المجموع» في الفرائض، مع أنه قرأه على مؤلّفه الشيخ بدر الدّين المارديني.
قال شيخ الإسلام الوالد: وذكره في «فهرست تلاميذه» وهو وأخوه عمّاي من الرّضاع.
قال: وهو ممن أذهب عمره في الحساب، مع جمود فيه، وغالب عليه الحمق وقلّة العقل وعدم حساب العواقب.
ثم قال: توفي يوم الاثنين تاسع عشر شوال انتهى.
وفيها أبو الفضل علي بن محمد بن علي بن أبي اللطف المقدسي الشافعي [1] نزيل دمشق، الإمام العالم العلّامة.
ولد في جمادى الأولى سنة ست وخمسين وثمانمائة ببيت المقدس، وأخذ الفقه عن الشّهاب الحجازي، والسيد علاء الدّين الأيجي، والشيخ ماهر المصري، وهو أعلى شيوخه في الفقه. وتفقه أيضا بالكمال بن أبي شريف، ورحل إلى مصر، فأخذ عن علمائها الفقه والحديث، منهم شيخ الإسلام زكريا، والتاج العبادي. ورحل إلى دمشق واستوطنها، وحضر دروس شيخ مشايخ الإسلام زين الدّين [بن خطّاب] ، والنجم بن قاضي عجلون، وغيرهما. ورافق الشيخ تقي الدّين البلاطنسي، والبهاء الفصّي البعلي، وغيرهما من الأجلّة.
وجاور بمكّة مع الشيخ تقي الدّين ابن قاضي عجلون، وتزوّج بمكّة، وحضر دروس قاضي القضاة ابن ظهيرة الشافعي، وعاد إلى دمشق مستوطنا بعياله يفتي ويدرّس بالجامع الأموي، وبيّض «التحرير» للنجم ابن قاضي عجلون وزاد فيه فوائد مهمة.
وله كتاب «مرّ النسيم في فوائد التقسيم» .
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (65/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 191- 193) .(10/283)
وكان حافظا لكتاب الله تعالى، له همّة مع الطلبة، ومهابة، ومودّة للخاص والعام، ونفس غنيّة.
وكان متقللا من الوظائف، وتمنّى الموت لفتنة حصلت له [في الدّين] [1] لما دخلت الدولة العثمانية.
ومن شعره يشير إلى ذلك:
ليت شعري من على الشام دعا ... بدعاء خالص قد سمعا
فكساها ظلمة مع وحشة ... فهي تبكينا ونبكيها معا
قد دعا من مسّه الضّرّ من ال ... ظّلم والجور اللّذين اجتمعا
فعلا الحجب الدّعا فانبعثت ... غارة الله بما قد وقعا
فأصاب الشّام ما حلّ بها ... سنّة الله الذي قد أبدعا
وتوفي نهار الأحد خامس عشر صفر ودفن بباب الصغير.
وفيها السيد علاء الدّين علي بن محمد الحسيني العجلوني ثم البروسوي، المعروف بالحديدي خليفة [2] الشيخ العارف بالله تعالى أبي السعود الجارحي.
توطن بروسا من بلاد الرّوم نحو ثلاثين سنة، ثم حجّ، وعاد إلى القاهرة، وكان له عبث بعلم الوفق والأسماء وصناعة الكيمياء. وكان له أسانيد عالية، رحمه الله تعالى.
وفيها محيي الدّين محمد بن سعيد الشيخ الإمام العلّامة، المعروف بابن سعيد [3] .
قدم دمشق فصار إماما لنائبها قصروه، وقرأ عليه عدة من الأفاضل، وصارت له كلمة مسموعة.
__________
[1] ما بين القوسين سقط من «ط» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 200) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 35) .(10/284)
وتوفي بحلب في هذه السنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي الحريري الحلبي الحنفي، المعروف بابن السيوفي [1] تعلّم القراءة والكتابة على كبر، وتفقّه بالزين ابن فخر النساء، وأخذ عن الزّين بن الشّمّاع.
قال ابن الحنبلي: وكان يترجى أن يعمل كتابا في فقه الحنفية يرتّب فيه ذكر المسائل على ترتيب «منهاج النووي» .
قال: وكان عبدا صالحا، ملك كتبا كثيرة. انتهى.
وفيها القاضي نجم الدّين محمد الزّهيري الحنفي [2] الشيخ الفاضل.
كان نائب الباب بدمشق. وكان بيده تدريس الريحانية، والمرشدية، والمقدسية البرّانية، والعزيّة البرّانية. وقد كان عمرها وجدّد قاعة المدرّس بها.
وأقام فيها الجمعة، وكان لها سنون بطّالة نحو ثلاثين سنة، مع إحسانه إلى مستحقيها. ولما مات بطل ذلك.
وتوفي في سلخ ربيع الأول.
وفيها محيي الدّين محمد الرّومي [3] المولى الفاضل، الشهير بابن المعمار الحنفي.
خدم المولى محمد بن الحاج حسن، ثم درّس بإسكوب [4] ، ثم بمدرسة
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 196- 197) و «الكواكب السائرة» (2/ 45) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 67) .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (275- 276) و «در الحبب» (2/ 1/ 400) و «الكواكب السائرة» (2/ 68) .
[4] إسكوب: تعرف الآن ب (LSKOPJE) : مدينة من أهم مدن ألبانيا القديمة، وكانت مركزا هاما من مراكز الحكم والحضارة والإدارة على عهد العثمانيين، ثم استولى عليها الصرب وجعلوها عاصمة لإقليم مكدونيا التابع لهم، وهي الآن عاصمة جمهورية مقدونيا البلقانية التي استقلت حديثا عن يوغسلافيا وفي سكانها عدد كبير من الألبانيين المسلمين تصل نسبتهم إلى (40) . انظر «سمير الليالي» للسكري ص (36) .(10/285)
الوزير محمود باشا، ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثمانية، ثم ولي قضاء حلب، ثم أعيد إلى إحدى الثمانية، وعيّن له كل يوم ثمانون عثمانيا، ثم أعيد إلى قضاء حلب ومات بها.
وفيها مجير الدّين الرّملي [1] الشيخ الفاضل أحد العدول بدمشق.
قال ابن طولون: كان صالحا، وعنده فضيلة وببصره بعض تكسر.
مات- رحمه الله- يوم الثلاثاء ثامن عشري ربيع الأول.
وفيها نور الدّين محمود بن أحمد بن محمد بن أبي بكر القرشي البكري الحلبي [2] الشافعي الأصيل [3] المعمّر الجليل، خطيب المقام بقلعة حلب وابن خطيبه.
أخذ عن الحافظ أبي ذرّ بن الحافظ برهان الدّين الحلبي.
وأخذ عنه ابن الحنبلي ووالده «الحديث المسلسل بالأولية» واستجازاه فأجازهما [4] .
وتوفي نهار الأحد حادي عشري ربيع الآخر بحلب ودفن بمقابر الصّالحين.
وفيها المولى مصلح الدّين مصطفى [5] ، المشهور بحاكي [6] الحنفي، أحد الموالي الرّومية.
كان- رحمه الله تعالى- حائكا، ولما بلغ سنّ الأربعين رغب في العلم،
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 247) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 461- 462) و «الكواكب السائرة» (2/ 247) .
[3] تحرفت اللفظة في «آ» إلى «الأصل» .
[4] في «ط» : «فأجاز لهما» .
[5] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (271) و «الكواكب السائرة» (2/ 251- 252) .
[6] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «المشهور» ب «حاكي» والذي في «الشقائق النعمانية» : «الشهير بجاك» والذي في «الكواكب السائرة» : «المشهور بحائك» وما جاء في كتابنا و «الكواكب» أقرب إلى الصواب لأن الجميع أجمعوا على أنه كان «حائكا» .(10/286)
وبرع فيه، وصار مدرّسا ببلده تيره [1] ، وصحب العارف بالله تعالى محمد الجمالي، والعارف بالله أمير البخاري، ثم انقطع عن التدريس وتقاعد بثلاثين عثمانيا.
وكان يكتب على الفتوى ويأخذ عليها أجرا.
وكان يحيى أكثر الليل، وربما غلب عليه الحال في الصّلاة.
__________
[1] تيره: بالهاء: قلعة جليلة حصينة من نواحي قزوين من جهة زنجان. «مراصد الإطلاع» (1/ 285)(10/287)
سنة خمس وثلاثين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر البقاعي [1] الحنبلي ثم الشافعي، العارف بالله تعالى.
ولد في ربيع الأول سنة خمس وثمانين وثمانمائة، وقرأ على البدر الغزّي في الأصول، والعربية، وغير ذلك، وقرأ عليه «البخاري» كاملا في ستة أيام أولها يوم السبت حادي عشري شهر رمضان سنة ثلاثين وتسعمائة، و «صحيح مسلم» كاملا في شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين في خمسة أيام متفرقة في عشرين يوما، وقرأ عليه نصف «الشفا» الأول وغير ذلك، وترجمه البدر بأنه كان من الأولياء الذين لا يعلمون بأنفسهم.
وتوفي شهيدا بالبطن يوم الثلاثاء حادي عشر شعبان.
وفيها المولى برهان الدّين إبراهيم الحسيب النّسيب [2] أحد موالي الرّوم الحنفي.
كان والده من سادات العجم.
رحل إلى الرّوم، وتوطن قرية من قرى أماسية يقال لها قريكجه، وكان من أكابر أولياء الله تعالى، وله كرامات وخوارق، منها أنه كفّ بصره في آخر عمره، فكشف ولده السيد إبراهيم المذكور رأسه بين يديه يوما، فقال له: يا ولدي لا تكشف رأسك ربما يضرّك الهواء البارد، فقال له ولده: كيف رأيتني وأنت بهذه الحالة، قال: سألت الله أن يريني وجهك، فمكنني من ذلك، فصادف نظري
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 75) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (185- 187) و «الكواكب السائرة» (2/ 83- 84) .(10/288)
انكشاف رأسك، ونشأ ولده المذكور في حجره بعفّة وصيانة، ورحل في طلب العلم إلى مدينة بروسا، فقرأ على الشيخ سنان الدّين، ثم اتصل بخدمة المولى حسن السّاموني، ثم رغب في خدمة المولى خواجه زاده، ثم ولي التدريس حتّى صار مدرّسا بمدرسة السلطان بايزيد كل يوم بمائة عثماني على وجه التقاعد، ولما جلس السلطان سليم على سرير الملك اشترى له دارا في جوار أبي أيوب الأنصاري [1] والآن هي وقف وقفها السيد إبراهيم على من يكون مدرّسا بمدرسة أبي أيوب، وكان مجرّدا لم يتزوج في عمره بعد أن أبرم عليه والده في التزوج، وكان منقطعا عن الناس للعلم والعبادة، زاهدا، ورعا، يستوي عنده الذهب والمدر، ذا عفّة، ونزاهة، وحسن سمت، وأدب، واجتهاد، ما رؤي إلا جاثيا على ركبتيه، ولم يضطجع أبدا مع كبر سنّه.
وكان طويل القامة، كبير اللحية، حسن الشيبة، يتلألأ وجه نورا، متواضعا، خاشعا، يرحم الصغير ويجلّ الكبير، ويكثر الصدقة. وكفّ في آخر عمره ثم عولج فأبصر ببعض بصره.
وتوفي في هذه السنة ودفن عند جامع أبي أيوب الأنصاري، رحمه الله تعالى.
وفيها المولى جلال الدّين الرّومي الحنفي الفاضل [2] خدم المولى محمد بن الحاج حسن، ثم صار مدرّسا بمدرسة المولى المذكور بالقسطنطينية، ثم صار قاضيا بعدة من البلاد، ثم تقاعد بخمسة وثلاثين عثمانيا، وصرف جميع أوقاته في العلم والعبادة.
وكان محقّقا مدقّقا، ذا شيبة نيّرة، بقية من الصالحين.
وفيها داود بن سليمان القصيري [3] الشافعي الفقيه البارع، أخو الشيخ عبده [4] .
__________
[1] أي في جوار جامعه باستانبول.
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (279- 280) و «الكواكب السائرة» (2/ 133) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 142) .
[4] في «آ» و «ط» و «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف: «أخو الشيخ عبدو» والصواب في كتابة اللفظة ما أثبته.(10/289)
وأخذ الفقه عن جماعة وبرع فيه [1] .
وفيها عبد الرزاق التّرابي المصري [2] الشيخ الصّالح الورع الزّاهد.
أخذ الطريق عن سيدي على النّبتيتي، وسيدي أحمد التّرابي، والشيخ نجا النّبتيتي، وكان على قدم عظيم من الزّاهد والورع، وأقبل الناس عليه بالاعتقاد بعد موت شيخه الشيخ نجا، وله رسالة، في الطريق، ونظم لطيف.
انتقل من الرّيف إلى مصر، وأقام بها مدة، ثم انتقل إلى الجيزة [3] فأقام بها إلى أن مات.
ومن كراماته أنه طلع مرة إلى الأمير خير بك والي مصر في شفاعة فلم يقبلها وأغلظ على [4] الشيخ فخرجت له تلك الليلة جمرة ومات منها بعد سبعة أيام.
وفيها الشيخ عبيد الدّنجاوي ثم البلقيني المصري [5] العارف بالله تعالى، أحد أصحاب الشيخ محمد الكواكبي [6] الحلبي.
دخل مصر من قبل الشام في زمن السلطان قايتباي.
وكان يعتقده أشد الاعتقاد، وكانت وظيفته خدمة شيخه المذكور، حتّى كان في كاهله أثر من حمل الماء وغيره على ظهره، وكان مشغولا بالخدمة، لا يحضر مع أصحاب شيخه أورادهم قطّ، فلما حضرت شيخه الوفاة تطاول ذو الهيئات للإذن فلم يلتفت إلى أحد منهم، وقال: هاتوا عبيد فأذن له بحضرتهم فحسدوه، وكادوا يقتلونه، فسافر إلى مصر ودخلها مجذوبا عريان ليس عليه سوى سراويل وطرطور، وكلاهما من جلد، ثم ذهب إلى الصعيد، وأقام بها مدة، ثم سكن بلقين، وعمّر
__________
[1] لفظة «فيه» سقطت من «آ» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 167- 168) .
[3] تحرفت اللفظة في «آ» إلى الجزيرة.
[4] تحرفت اللفظة في «آ» إلى «عليه» .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 189- 190) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 146- 147) .
[6] تحرفنت في «ط» إلى «الكوكبي» .(10/290)
بها زاوية، وأقبل الناس عليه من سائر الآفاق، ونزل السلطان إلى زيارته، ثم سكن في [1] مصر في الزاوية الحلاوية عمرها له الغوري، وكان ينزل هو وولده إلى زيارته، ثم ترك لباس الجلد وصار يلبس الملابس الفاخرة كملابس الملوك، وكان له سبعة نقباء لقضاء حوائج الناس عند السلطان فمن دونه، وكان لا تردّ له كلمة ولا شفاعة، وكان لا يردّ سائلا قطّ، ومن سأله درهما أعطاه ما يساوي خمسين دينارا أو ما يقرب منها.
وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها قاضي القضاة نجم الدّين محمد بن شيخ مشايخ الإسلام تقي الدّين أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن شرف بن قاضي عجلون [2] الشافعي الإمام العلّامة.
ولد بدمشق سابع عشر شوال سنة أربع وسبعين وثمانمائة، واشتغل على والده، ودرّس عنه نيابة بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر، وولي خطابة جامع يلبغا، وفوض إليه قاضي القضاة شهاب الدّين بن الفرفور نيابة الحكم يوم الخميس حادي عشر جمادى الأولى سنة أربع وتسعمائة، ولما رحل [3] مع أبيه إلى القاهرة- في حادثة محبّ الدّين ناظر الجيوش- ولّاه الغوري قضاء القضاة بالشام استقلالا، وذلك في سنة أربع عشرة، واعتقل بقلعة دمشق في جامعها عشية الخميس تاسع عشري جمادى الآخرة سنة خمس عشرة، ثم عزل في ثاني [ذي] القعدة منها، وأعيد القاضي ولي الدّين بن الفرفور.
وتوفي القاضي نجم الدّين ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الثاني ودفن عند والده بتربة باب الصغير.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن أحمد بن سالم الجناجي- بجيمين
__________
[1] لفظة «في» سقطت من «آ» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 161) و «متعة الأذهان» الورقة (74/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 21) .
[3] كذا في «آ» : «رحل» وفي «ط» : «رجع» وفي «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف: «دخل» .(10/291)
الأولى مضمومة، بينهما نون خفيفة، نسبة لجناج قرية بين البحرارية وسنهور من الغربية [1]- ثم القاهري الأزهري المكّي المالكي، وربما عرف بمكّة بابن وحشي.
ولد سنة ستين وثمانمائة تقريبا، وحفظ القرآن [العظيم، ونحو النصف الأول من مختصر الشيخ خليل، ومن «ألفية النحو» . واشتغل في الفقه] [2] والعربية على السّنهوري وغيره، وقرأ على الدّيمي «البخاري» وسمع على الكمال بن أبي شريف في «مسلم» وعلى الشاوي في «البخاري» بحضرة الخيضري. كذا ذكره السخاوي.
قال وحجّ غير مرة، ولقيني في سنة سبع وتسعين بمكّة، فقرأ عليّ «الموطأ» ونحو النصف من «الشفا» بسماع باقيه، ولازمني في غير ذلك سماعا وتفهما. انتهى باختصار.
وتوفي بمكة المشرّفة في ربيع الثاني ودفن بالمعلاة.
وفيها القاضي رضي الدّين أبو الفضل محمد بن رضي الدّين محمد بن أحمد بن عبد الله بن بدر بن بدري بن عثمان بن جابر بن ثعلب بن ضوي بن شدّاد بن عاد بن مفرّج بن لقيط بن جابر بن وهب بن ضباب بن جحيش بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب [3] . كذا ساق نسبه حفيده النجم في «الكواكب» وقال: الشيخ الإمام، شيخ الإسلام، المحقّق المدقّق العمدة العلّامة الحجّة الفهّامة الغزّي الأصل الدمشقي المولد والمنشأ والوفاة، العامري القرشي الشافعي، جدّي لأبي.
ولد في صبيحة اليوم العاشر من ذي القعدة سنة اثنتين وستين وثمانمائة، وتوفي والده شيخ الإسلام [رضي الدّين أبو البركات، وسنّه إذ ذاك دون السنتين، وأسند وصايته إلى شيخ الإسلام] [4] زين الدّين خطاب بن عمر بن مهنّا الغزاوي
__________
[1] وقال ابن الجيعان: جناج قرية من أعمال الغربية في مصر. انظر «التحفة السنية» ص (175) .
[2] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (93/ آ- 93/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 3- 6) و «الأعلام» (7/ 56) .
[4] ما بين القوسين سقط من «ط» .(10/292)
الشافعي شيخ الشافعية بدمشق، فربّاه أحسن تربية، إلى أن ترعرع، وطلب العلم بنفسه، مشمّرا عن ساق الاجتهاد، مؤثرا لطريقة التصوف ومنعزلا عن الناس في زاوية جدّه لأمّه سيدي الشيخ أحمد الأقباعي بعين اللؤلؤة خارج دمشق، إلى أن برع في علمي الشريعة والحقيقة، ولازم الشيخ خطاب مدة حياته، وتفقّه عليه وانتفع به ثم تزوج ابنته بالتماس منه، ولزم أيضا الشيخ محبّ الدّين محمد البصروي، فأخذ عنه الفقه والحديث والأصول والعروض، ثم لزم الشيخ برهان الدّين الزرعي، وأخذ عنه الحديث وغيره، وولده الشيخ شهاب الدّين أحمد، وأخذ عنه المعقولات، والمعاني، والبيان، والعربية، وتفقّه أيضا بالبدر بن قاضي شهبة، والشيخ شمس الدّين محمد بن حامد الصّفدي، وغيرهم.
وكان- رحمه الله تعالى- ممن قطع عمره في العلم طلبا وإفادة وجمعا وتصنيفا.
أفتى ودرّس، وولي القضاء نيابة عن قريبه القطب الخيضري وسنّه إذ ذاك دون العشرين سنة، ثم عن الشّهاب بن الفرفور، ثم عن ولده القاضي ولي الدّين بعد أن تنزه عن الحكم، ثم ألزم به من قبل السلطان سليم خان، وباشر مدة ولايته القضاء بعفّة، ونزاهة، وطهارة يد ولسان، وقيام في الحقّ، لا يحابي أحدا، ولا تأخذه في الله لومة لائم، وهو آخر قضاة العدل.
وممن أخذ عنه ولده شيخ الإسلام بدر الدّين، وأبو الحسن البكري، وأمين الدّين بن النجّار المصري، والسيد عبد الرحيم العبّاسي، والبدر العلائي، وغيرهم.
ومن مؤلفاته «الدرر اللوامع نظم جمع الجوامع» في الأصول، و «ألفية في التصوف» سمّاها «الجوهر الفريد في أدب الصوفي والمريد» و «ألفية» في اللغة نظم فيها «فصيح ثعلب» و «ألفية» في علم الهيئة. و «ألفية» في علم الطب، و «منظومة» في علم الخطّ. ونظم رسالة السيد الشريف في علمي المنطق والجدل، ووضع على نظمه شرحا نفيسا، وألف «مختصرا» في علمي المعاني(10/293)
والبيان، سمّاه ب «الإفصاح عن لب الفوائد والتلخيص والمصباح» [1] ، ووضع عليه شرحا حافلا، وشرح «أرجوزة البارزي» في المعاني والبيان، و «شرح عقيدة جمع الجوامع» و «نظم عقائد الغزالي» وعقائد لبعض الحنفية، و «نخبة الفكر» لابن حجر في علم الحديث، و «قلائد العقيان في مورثات الفقر والنسيان» للشيخ إبراهيم النّاجي، وألّف كتاب «الملاحة في علم الفلاحة» وغير ذلك.
ومن شعره:
ما كان بكر علومي قطّ يخطبها ... إلا ذوو جدّة بالفضل أكفاء
وغضّ منه ذوو جهل [2] معاندة [3] ... والجاهلون لأهل العلم أعداء
وتوفي في شوال عن ثلاث وسبعين سنة، ودفن بمقبرة الشيخ رسلان. انتهى باختصار.
وفيها شمس الدّين أبو البركات محمد بن العلّامة شمس الدّين محمد بن حسن البابي الأصل الحلبي، الشهير كأبيه بابن البيلوني [4] وبإمام السفاحية.
سمع بقراءة أبيه على الكمال بن الناسخ من أول «صحيح البخاري» إلى تفسير سورة مريم، وسمع على الزين بن الشّماع «الشمائل للترمذي» وأجازا له، وقرأ على العلاء الموصلي في «شرح الألفية» لابن عقيل، ودرّس بالحجازية. وكان له حظوة عند قاضي حلب عبيد الله سبط ابن الفناري، وكان له حركة وسعي في تحصيل الدنيا، فعرض له شيخه ابن الشّمّاع في ذلك، فذكر أنه إنما يطلب الدنيا للاكتفاء عن الحاجة إلى الناس، والاستعانة على الاشتغال بالعلم، والتوسعة على المحتاجين في وجوه البرّ.
وتوفي بمنبج وهو دون الأربعين، ودفن وراء ضريح سيدي عقيل المنبجي.
__________
[1] في «ط» : «والمفتاح» وهو خطأ، وانظر «كشف الظنون» (1/ 132- 133) .
[2] لفظة «جهل» سقطت من «آ» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «معازرة» .
[4] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 365- 366) و «الكواكب السائرة» (2/ 8) .(10/294)
وفيها شهاب الدّين محمد الحلبي [1] المصري [2] الإمام العالم.
توفي في أوائل هذه السنة.
وفيها محيي الدّين محمد، الشهير بابن قوطاس المولى الفاضل الرّومي الحنفي [3] .
كان أبوه من بلاد العجم، ودخل الرّوم، وصار قاضيا ببعض بلادها، واشتغل ابنه هذا على جماعة، منهم المولى ابن المؤيد، والمولى محمد بن الحاج حسن، ثم ولي التداريس حتّى درّس بإسحاقية إسكوب، ثم بمدرسة محمود باشا بالقسطنطينية.
وتوفي وهو مدرّس بها.
وكان فاضلا محقّقا مجتهدا في العبادة ملازما تلاوة القرآن طارحا للتكلّف، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد الحصني السيد الحسيب النّسيب، قريب شيخ الإسلام تقي الدّين الحصني [4] .
رحل إلى القاهرة وأقام بها مدة، وتوفي بها.
وكان إماما علّامة، صالحا، رحمه الله تعالى.
وفيها محمود بن مصطفى بن موسى بن طليان القصيري الأصل الحلبي المولد الحنفي المشهور بابن طليان [5] .
ولي خطابة الجامع الكبير بحلب في أوائل الدولة العثمانية، وكان فقيها جيدا يصدع بالحقّ ولا يخاف في الله لومة لائم، لكن كان عنده حدّة، وحجّ في آخر عمره.
__________
[1] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «الحليبي» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 68) .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (278- 279) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 68) .
[5] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 443- 444) و «الكواكب السائرة» (2/ 248) و «إعلام النبلاء» (5/ 438) وفي بعض المصادر: «ابن طيلان» .(10/295)
وتوفي في شهر رمضان.
وفيها المولى مصلح الدّين مصطفى بن خليل [1] والد صاحب «الشقائق النعمانية» .
ولد ببلدة طاش كبري سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وهي السنة التي فتحت فيها قسطنطينية، وقرأ على والده، ثم على خاله المولى التكشاري، ثم على المولى درويش بن المولى خضر شاه المدرّس بسلطانية بروسا، ثم على المولى بهاء الدّين المدرّس بإحدى الثمانية، ثم على المولى ابن مغنيسا [2] ، ثم على المولى قاضي زاده، ثم على المولى علاء الدّين العربي، ثم على المولى خواجه زاده، ثم درّس بالأسدية ببروسا، ثم بالمدرسة البيضاء بأنقرة، ثم بالسيفية بها، ثم بإسحاقية إسكوب، ثم بحلبية أدرنة، ثم صار معلّما للسلطان سليم خان، ثم أعطي تدريس السلطانية ببروسا، ثم إحدى الثمانية، ثم صار قاضيا بحلب، ثم استعفى من القضاء، وعرض وصية والده له في ذلك على السلطان.
وكان عالما، زاهدا، عابدا متأدبا، مشتغلا بنفسه، معرضا عن الدنيا، وله رسائل وحواش على نبذ من «شرح المفتاح» ورسالة في الفرائض، وغير ذلك، رحمه الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (231- 233) و «الكواكب السائرة» (2/ 251) .
[2] تحرفت في «آ» إلى «ابن مغيثا» وفي «ط» إلى «ابن مغيسا» والتصحيح من مصدري الترجمة.(10/296)
سنة ست وثلاثين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن يوسف بن خليل اليمني الزّبيدي ثم الحسوي المالكي [1] الإمام العلّامة.
قال في «الكواكب» : لازم شيخ الإسلام الوالد سنين، وقرأ عليه في الفقه على مذهب الشافعي، وفي «ألفية ابن مالك» وقرأ عليه «شرحه المنظوم على الألفية» . انتهى وفيها برهان الدّين إبراهيم بن الشيخ شهاب الدّين أحمد بن حمزة الدمشقي [2] الشافعي الإمام العلّامة.
قال الشيخ يونس العيثاوي: كان رفيقنا في الاشتغال، ووالده من أهل العلم الكبار، وكان هو شابا، مهيبا، له يد طولى في المعقولات، دأب وحصّل، وجمع بين طرفي «المنهاج» على شيخنا البلاطنسي، ورافقنا على السيد كمال الدّين بن حمزة مع الأجلّة الأكابر، وله أبحاث عالية، وهمّة سامية، طارح للتكلّف.
سكن المدرسة التقوية ومات بها ليلة الثلاثاء سابع ربيع الأول، ودفن بباب الفراديس. انتهى وفيها تقي الدّين أبو بكر بن محمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن أبي بكر البلاطنسي [3] الشافعي الحافظ، شيخ مشايخ الإسلام، العلّامة المحقّق، الناقد المجتهد.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 75) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (25/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 78) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 87- 89) و «الأعلام» (5/ 11) .(10/297)
ولد يوم الجمعة عاشر رجب سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، وأخذ العلم عن والده، وعن الزّين خطّاب، والبدر ابن قاضي شهبة، وشيخي الإسلام النّجمي والتّقوي ابني قاضي عجلون، والجمال بن الباعوني، والعلاء الأيجي، والبرهان النّاجي، والشهاب الأذرعي، وغيرهم.
قال الشيخ يونس العيثاوي- وهو تلميذه-: هو من بيت صلاح وعلم، سمعت مدحه بذلك من السيد كمال الدّين بن حمزة، ودخل دمشق في طلب العلم، وأخذ عن علمائها المشار إليهم، ثم استوطنها، ولم يتناول من أوقافها شيئا. وكان يجلس في البادرائية. وأرسل إليه بأموال ووظائف فلم يقبل.
وكان عالما، عاملا، ورعا، كاملا، له مهابة في قلوب الفقهاء والحكّام، يرجع إليه في المشكلات، لا يتردد إلى أحد لغناه، وله همّة مع الطلبة، ونصيحة واعتناء بالعلم، أمارا [1] بالمعروف، نهاء عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، لا يداهن في الحقّ، له حالة مع الله تعالى، يستغاث بدعائه [2] ، ويتبرك بلحظه، قائما بنصرة الشريعة، حاملا لواء الإسلام، مجدّا في العبادة، مجانبا للرّياء، لا يحب أن يمدحه أحد، يختم القرآن في كل يوم جمعة، ويختم في شهر رمضان كل ليلة ختمتين [3] ، وأكبّ في آخرة على التّلاوة.
وله شعر متوسط، منه قصيدة نونية مدح فيها السلطان سليمان، وتعرّض فيها
__________
[1] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «آمرا» .
[2] قلت: الذي عليه العلماء المحقّقون أن الاستغاثة لا تحتاج إلى وساطة بين العبد المسلم وربّه امتثالا لقوله تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ 2: 186 [البقرة: 186] .
[3] أقول: ما جاء مثل هذا عن بعض العلماء أو عن بعض السّلف أنه يختم ختمة أو ختمتين في ليلة واحدة، فمحمول على أنه لم يصلهم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم خبر عن ذلك وأنه صلّى الله عليه وسلم نهى أن يقرأ الإنسان القرآن في أقل من ثلاثة أيام، لأنه يعتبر هذرمة، ولا يمكن أن يعي منه شيئا.
روى الترمذي في «سننه» رقم (2950) وأبو داود رقم (1390) وابن ماجة رقم (1347) والدارمي (1493) وأحمد (2/ 164) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث» وهو حديث صحيح (ع) .(10/298)
لما حصل في زمنه من الفتوحات، كرودس [1] وغيرها.
وتوفي ليلة الاثنين ثاني المحرم، ودفن بباب الصغير جوار بلديه شيخ الإسلام شمس الدّين البلاطنسي، وقبرهما في آخر التربة من جهة الشمال.
وفيها أحمد بن منلا شيخ، المعروف بخجا كمال العجمي اللالائي [2]- نسبة إلى لالا قرية من أعمال تبريز [3]- الشافعي.
قال في «الكواكب» : كان له فضيلة ومشاركة، وهو أول من ولي نظارة النّظّار بدمشق. وتولى الجامع الأموي، والتكية السليمية، والبيمارستان، إلى جانبها.
أخذ عن شيخي الإسلام الجدّ والوالد، وعن غيرهما، وربما انتقد عليه بعض الناس أمورا، ولكن لو لم يكن له من المكرمة إلّا مصاهرة شيخ الإسلام الجدّ له، كما صاهر القاضي برهان الدّين الأخنائي، والقاضي أمين الدّين بن عبادة لكفاه توثيقا وتعديلا.
قال: ثم إن والد شيخنا أثنى على صاحب الترجمة لما أن حرق سوق باب البريد واحترق أبواب الجامع معه. قال: وكان المتكلم عليه الخجا العجمي من قبل حزم باشا، وأحسن النظر فيه وعمّر ما احترق من مال الوقف الذي كان مرصدا عنده، والحال أنه سرق له مال من منزله، وتحدّث الناس أنه يدّعي سرقة المال المرصد، ولو ادعاه لصدقوه، لكنه قال: مال الجامع محفوظ لم يسرق، فازداد الناس في مدحه وذكر عفّته. قال: وكان كذلك، فإنه لم يقطع على المستحقين شيئا بل هو الذي رتّب القراء تحت القبّة واستمر.
__________
[1] رودوس- بضم الراء المهملة، ثم واو ساكنة، ودال مهملة، ويقال معجمة مكسورة، ثم سين مهملة- جزيرة في البحر الأبيض المتوسط على مقربة من الجنوب الغربي لتركيا المعاصرة. انظر «تقويم البلدان» لأبي الفداء ص (194) و «أطلب العالم» للأستاذ شارل جورج بدران (الخريطة رقم 42 المربع رقم 9) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 108- 109) .
[3] كذا قيدها المؤلف- رحمه الله تعالى- نقلا عن «الكواكب السائرة» ولم أجد ذكرا لها في كتب البلدان التي بين يدي.(10/299)
وتوفي ليلة الخميس تاسع عشري ربيع الآخر، ودفن بباب الصغير. انتهى ملخصا.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن عمر بن عبد الله بن أبي بكر الفاكهي الأصل المصري المكّي الشافعي [1] ابن أخت السّراج البلقيني.
قال في «النور» : ولد في شعبان سنة ثمان وستين وثمانمائة بمكة، ونشأ بها، فحفظ القرآن و «أربعين النواوي» و «إرشاد ابن المقري» [2] و «ألفية ابن مالك» وعرض على البرهان بن ظهيرة، والمحبّ الطّبري، والعلمي، وعمر بن فهد في آخرين.
قال السخاوي: سمع مني بمكة والمدينة أشياء، بل قرأ عليّ بالقاهرة في «سنن أبي داود» وتكرّر قدومه لها، وهو حاذق فطن منوّر.
وقال جار الله بن فهد: واستمر على حاله في التردد، والحذق، وكثرة دخول القاهرة، ومخالطة الأكابر، مع الحرص على تحصيل الوظائف، وتزوج واحدة بعد واحدة، ورزق جملة أولاد، أنجبهم عبد الله بن حبيشة، وله غيره من مكّيّة ومدنيّة، وحصل الأملاك وعمرها، ثم ضعف في آخر عمره، وطلع له فتق في بدنه، وانقطع في بيته نحو جمعة بالإسهال، ثم مات بمكة يوم الجمعة تاسع عشر المحرم بعد وصية، وحصل له بالإسهال الشهادة ووقي فتنة القبر بموته يوم الجمعة، ودفن على قبر أبيه وجدّه جوار الفضيل بن عياض.
وفيها المولى شمس الدّين أحمد بن يوسف القسطنطيني [3] المولد الحنفي، المعروف بابن الجصّاص.
اشتغل، ثم خدم المولى ابن المؤيد، ثم درّس وترى في المدارس، حتى
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 34) و «النور السافر» ص (200- 201) .
[2] وهو «الإرشاد في فروع الشافعية» للإمام شرف الدّين إسماعيل بن أبي بكر بن المقري اليمني الشافعي، المتوفى سنة (836 هـ) . انظر «كشف الظنون» (1/ 69- 70) .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (276) و «الكواكب السائرة» (2/ 116) .(10/300)
أعطي سلطانية بروسا، ثم ولي قضاء الشام، ثم عزل منها بعد إقامته بها شهرين وأربعة أيام، ثم أتاه أمر باستمراره في دمشق مفتشا على الأوقاف.
وكان محافظا على الصلاة بالجماعة في الجامع الأموي، لا يحب أحدا يمشي أمامه على هيئة الأكابر، وصار بعد عوده إلى الرّوم مدرّسا بإحدى الثمانية بثمانين درهما.
وكان عالما، عاملا، مدقّقا، ماهرا في العلوم العقلية، بعيدا عن التكلّف، صحيح العقيدة، رحمه الله تعالى.
وفيها- ظنّا- جان التبريزي الشافعي، المعروف بميرجان الكبابي [1] ، القاطن بحلب.
قال في «الكواكب» : كان عالما، كبيرا سنيا، صوفيا، قصد قتله شاه إسماعيل صاحب تبريز لتسنّنه، فخلع العذار، وطاف في الأزقة كالمجنون، ثم صار على أسلوب الدراويش.
وقال ابن الحنبلي: زرته بحلب في العشر الرابع من القرن، وهو بحجرة ليس فيها إلّا الحصير. ومن لطيف ما سمعته منه السوقية كلاب سلوقية.
وفي تاريخ ابن طولون المسمى «مفاكهة الإخوان» [2] : وفي يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان- يعني سنة أربع وثلاثين- قدم دمشق عالم الشرق مرجان القبالي التبريزي الشافعي، وقيل: إنه كان إذا طلع محلّ درسه نادى مناد في الشوارع: من له غرض في حلّ إشكال فليحضر عند المنلا فلان. قال: ووقفت له على تفسير عدة آيات على طريقة نجم الدّين الكبرى في «تفسيره» . قال: وعنده اطلاع. انتهى
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 436- 437) و «الكواكب السائرة» (2/ 132) .
[2] تنبيه: كذا سماه المؤلف رحمه الله «مفاكهة الإخوان» متابعا بذلك الغزّي صاحب «الكواكب السائرة» وقد وهما في ذلك، والصواب في اسمه «مفاكهة الخلان في حوادث الزمان» وقد طبع القسم الموجود منه في مصر بتحقيق الأستاذ محمد مصطفى وينتهي في أثناء أحداث سنة (926 هـ) وما ورد في كتابنا هنا نقلا عن «الكواكب السائرة» لم يرد فيه للخرم الذي حصل فيه.(10/301)
ثم ذكر أنه سافر راجعا إلى بلاده من دمشق حادي عشر محرم سنة خمس وثلاثين.
قال: وكان شاع عنه أنه يمسح على الرجلين من غير خفّ، وأنه يقدّم عليا رضي الله عنه [1] ، وأنه استخرج ذلك من آية من القرآن العظيم. انتهى.
وفيها عفيف الدّين عبد الله بن عبد اللطيف بن أبي بدرون [2] السيد الشريف الحسيني الفاسي المكّي، قريب مؤرخ مكّة القاضي تقي الدّين.
ولد في شوال سنة سبع وأربعين وثمانمائة، وأجازه الحافظ ابن حجر، ومن في طبقته باستدعاء المحدّث نجم الدّين عمر بن فهد في سنة خمسين، وله سماع على الشيخ أبي الفتح المراغي العثماني وغيره.
وتوفي في شوال عن ثمان وثمانين سنة.
وفيها- تقريبا- عبد الرحمن الشامي [3] المدرّس بخانقاه سعيد السعداء بالقاهرة.
قال في «الكواكب» : الشيخ الإمام الفقيه النحوي الصّوفي. كان يتعمّم بالصوف، وله تحقيق في العلوم الشرعية والعقلية، أقبلت عليه الأكابر والأمراء، واعتقدوه، وكانوا يجلسون بين يديه متأدبين، وهو يخاطبهم بأسمائهم من غير تعظيم ولا تلقيب.
مات في حدود هذه الطبقة، ودفن قريبا من تربة السلطان إينال، ورؤيت الوحوش تنزل من الجبل فتقف على باب تربته في الليل فيخرج إليها ويكلمها فترجع. ذكره الشعراوي. انتهى.
وفيها زين الدّين عبد القادر بن أحمد الحمصي، المعروف بابن الدّعاس [4] الشيخ الفاضل العالم.
قال في «الكواكب» : دخل دمشق، وحضر دروس شيخ الإسلام الوالد،
__________
[1] يعني في الأحقية في الخلافة.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 155) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 160) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 174) .(10/302)
وكتب نسختين من مؤلّفه المسمى ب «الدرّ النّضيد في أدب المفيد والمستفيد» واجتمع به في ذهابه إلى الروم سنة ست وثلاثين، ثم رجع الوالد سنة سبع وثلاثين فوجده قد مات بحمص. انتهى.
وفيها المولى عبيد الله بن يعقوب المولى الفاضل الحنفي [1] أحد الموالي الرّومية، سبط الوزير أحمد باشا بن الفناري.
قال في «الشقائق» : قرأ على علماء عصره، واشتغل بالعلم غاية الاشتغال، ثم وصل إلى خدمة الفاضل مصلح الدّين اليارحصاري، ثم انتقل إلى خدمة الشيخ محمود قاضي العسكر المنصور، ثم صار قاضيا بحلب.
وكان فاضلا، ذكيا، له مشاركة في العلوم، ومعرفة تامة بعلم القراءات، قوي الحفظ، حفظ القرآن العظيم في ستة أشهر.
[وكان] صاحب أخلاق حميدة جدا، من الكرم في غاية لا يمكن المزيد عليها، ملك كتبا كثيرة، وهي على ما يروى عشرة آلاف مجلد. قال: ورأيت له شرحا للقصيدة المسمّاة ب «البردة» .
وقال: ابن الحنبلي: وكان له مدة إقامته بحلب شغف بجمع الكتب، سمينها وغثّها، جديدها ورثها، حتى جمع منها ما يناهز تسعة آلاف مجلد، وجعل فهرستها مجلدا مستقلا، ذكر فيه الكتاب، ومن ألّفه.
وكان مع أصالته. فاضلا سيما في القراءات [2] ، عارفا باللّسان العربي [والعبراني] [3] ، سخيا [معطاء، يسامح في كثير من رسوم المحكمة] [3] معتقدا في الصوفية، كثير التردد إلى مجلس الشيخ علي الكيزواني [4] لتقبيل يده، من غير
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (277- 278) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «در الحبب» (1/ 2/ 880- 883) و «الكواكب السائرة» (2/ 188) .
[2] في «در الحبب» : «سيما في القراءة» .
[3] ما بين الحاصرتين مستدرك من «در الحبب» مصدر المؤلّف.
[4] هو أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الكيزوانيّ ويقال له: الكازواني- نسبة إلى كازوا- وهو الصحيح- إلا أنه اشتهر بالأول أيضا، حتى كان يقول: أنا الكيزوانيّ- الشيخ العابد المسلّك العارف بالله تعالى. مات سنة (955 هـ) وسوف يترجم المؤلف له في وفيات سنة (955) من هذا المجلد.(10/303)
حائل ولا يتغالى في ملبسه، ولا يبالي به.
وكان يقول من تعاطى الأوقاف فقد تحمل أحدا أوقاف [1] . انتهى ملخصا.
وفيها الشيخ علوان علي بن عطية بن الحسن بن محمد بن الحداد الهيتي الحموي الشافعي الصّوفي الشّاذلي [2] الإمام العلّامة الفهامة، شيخ الفقهاء والأصوليين، وأستاذ الأولياء والعارفين [3] .
سمع على الشمس البازلي كثيرا من «البخاري» و «مسلم» وعلى نور الدّين بن زهرة الحنبلي الحمصي.
وأخذ عن القطب الخيضري، والبرهان النّاجي، والبدر حسن بن شهاب الدمشقيين، وغيرهم من أهلها. وعن ابن السّلامي الحلبي، وابن الناسخ الطرابلسي، والفخر عثمان الدّيمي المصري.
وقرأ على محمود بن حسن البزوري الحنوي، ثم الدمشقي الشافعي.
وأخذ طريقة التصوف عن سيدي علي بن ميمون المغربي.
قال المترجم: اجتمعت به بحماة، وكنت أعظ من الكراريس بأحاديث الرقائق ونوادر الحكم، فقال: يا علوان عظ من الرأس ولا تعظ من الكرّاس، فلم أعبأ به، فأعاد القول ثانيا وثالثا، فتنبهت عند ذلك وعلمت أنه من أولياء الله تعالى، فأتيت في اليوم القابل فإذا بالسيد في قبالتي. قال: فابتدأت غيبا، وفتح الله عليّ، واستمر الفتح إلى الآن.
قال: وأمرني بمطالعة «الإحياء» [4] وأخذت عنه طريق الصوفية.
وبالجملة، فقد كان سيدي علوان ممن أجمع الناس على جلالته، وتقدمه، وجمعه بين العلم والعمل، وانتفع الناس به وبتآليفه في الفقه، والأصول، والتصوف.
__________
[1] قاف: بلفظ أحد الحروف المعجمة. قيل: هو الجبل المحيط بالأرض. انظر «مراصد الاطلاع» (3/ 1059) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 961- 978) و «الكواكب السائرة» (2/ 206- 213) و «الأعلام» (4/ 312- 313) .
[3] في «ط» : «وأستاذ الأولياء العارفين» بإسقاط الواو التي بين اللفظتين.
[4] يعني «إحياء علوم الدّين» للإمام الغزالي.(10/304)
وتآليفه مشهورة، منها «المنظومة الميمية» المسماة ب «الجوهر المحبوك في علم السلوك» وكتاب «مصباح الهداية ومفتاح الدراية» في الفقه. وكتاب «النصائح المهمة للملوك والأئمة» و «بيان المعاني في شرح عقيدة الشيباني» و «عقيدة مختصرة» وشرحها. ورسالة سمّاها «فتح اللطيف بإسرار التصريف» على نهج رسالة شيخه التي في إشارات «الجرومية» وشرح «يائية ابن الفارض» و «تائية ابن حبيب» وهو أشهر كتبه. وكتاب «مجلي الحزن» في مناقب شيخه السيد الشريف أبي الحسن. و «النفحات القدسية في شرح الأبيات الششترية» وهي التي نقلها سيدي أحمد زرّوق [1] في «شرح الحكم العطائية» .
ومن نظمه في النفحات المذكورة:
القتل في الحبّ أسنى منية الرّجل ... طوبى لمن مات بين السّيف والأسل
سيف اللّحاظ ورمح القدّ كم قتلا ... من مستهام فقاداه إلى الأجل
لو تعلم الرّوح فيمن أهدرت تلفا ... أضحت ومقدارها في نيل ذاك علي
إن الغرام وإن أشفى [2] السّقيم به ... على الهلاك لدرياق من العلل
يا حبذا سقمي فيهم وسفك دمي ... به ارتفعت بلا شكّ على زحل
أحباب قلبي بعيش قد مضى بكم ... جودوا بوصل فأنتم غاية الأمل
أشكو انقطاعي وهجري والصّدود لكم ... إن تقطعوا بانصرام الودّ ما حيلي
وحقّ معنى جمال يجتلي أبدا ... من حسن طلعتكم قدما من الأزل
ما حلت عنكم ولا أبغي بكم بدلا ... فليس من شيمتي ميل إلى البدل
__________
[1] تنبيه: وهم المؤلف رحمه الله حين ترجم له في وفيات سنة (899) من المجلد التاسع فسمّاه «إسماعيل بن أحمد- وفي «ط» ابن محمد- بن عيسى البرلسي المغربي الفاسي المالكي، المعروف ب «ابن زروق» وتبعته أنا في غفلة مني اعتذر للقراء عنها أشد الاعتذار، والصواب في اسمه:
أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي أبو العبّاس، ويعرف ب زروق- بفتح المعجمة، ثم مهملة مشددة، بعدها واو ثم قاف- وترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 222- 223) و «درة الحجال» (1/ 90- 91) و «فهرس الفهارس» (1/ 455- 456) و «الأعلام» (1/ 91) .
[2] تصحفت اللفظة في «ط» إلى «أشقى» .(10/305)
هيهات أن أنثني يوما إلى أحد ... وليس غيركم في الكون يصلح لي
وتوفي- رضي الله عنه- بحماة في جمادي الأولى.
قال ولده سيدي محمد في «تحفة الحبيب» : ولقد أخبرني بموته قبل حلول مرضه، وعرف بأمور تصدر في بلدته وغيرها بعد موته من أصحابه وغيرهم، فجاءت مواعيده التي أشار بها كفلق الصبح.
وفيها زين الدّين أبو حفص عمر بن أحمد بن علي بن محمود بن الشّماع الحلبي الشافعي [1] الإمام العلّامة المسند المحدّث.
ولد سنة ثمانين وثمانمائة تقريبا، واشتغل على محيي الدّين بن الأبّار، والجلال النّصيبي، وغيرهما من علماء حلب.
وأخذ الحديث عن التّقي الحبيشي الحلبي وغيره بحلب، وعن الجلال السّيوطي، والقاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف بالقاهرة، وقد زادت شيوخه بالسماع على مائتين، وبالإجازة العامة دون السماع، والإجازة الخاصة على مائة، وحجّ وجاور بمكة مرات، وسافر في طلب الحديث إلى حماة، وحمص، ودمشق، وبيت المقدس، وصفد، والقاهرة، وبلبيس، والحرمين الشريفين، وغيرها، وصحب بمكّة سيدي محمد بن عراق، ولبس منه الخرقة، وتلقّن منه الذكر، وأخذ الطريق أيضا عن الشيخ علوان الحموي، وصحبه، وأخذ عنه الشيخ علوان أيضا.
وكان إماما، عالما، أمّارا بالمعروف نهاء عن المنكر، لا يقبل هدايا أهل الدنيا، ولا يتولى شيئا من الوظائف والمناصب، بل يتقنع [2] بما يحصل له من ربح ما كان يضارب به رجلا من أصحابه.
وله مؤلفات كثيرة، منها «مورد الظمآن في شعب الإيمان» ومختصره «تنبيه الوسنان إلى شعب الإيمان» ومختصر شرح الروض سمّاه «مغني الراغب في روض
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 1012- 1025) و «الكواكب السائرة» (2/ 224- 227) و «الأعلام» (5/ 41) .
[2] في «ط» : «يقنع» .(10/306)
الطالب» وكتاب «بلغة المقتنع في آداب المستمع» و «الدّر الملتقط من الرياض النضرة في فضائل العشرة» و «العذب الزلال في فضائل الآل» و «اللآلي اللامعة في ترجمة الأئمة الأربعة» و «المنتخب من النظم الفائق في الزهد والرقائق» و «عرف الند في المنتخب من مؤلفات ابن فهد» و «الفوائد الزاهرة في السلالة الطاهرة» و «المنتخب المرضي من مسند الشافعي» و «لقط المرجان من مسند النعمان» وإتحاف العابد الناسك بالمنتقي من موطأ مالك» و «الدر المنضد من مسند أحمد» و «اليواقيت المكلّلة في الأحاديث المسلسلة» و «القبس الحاوي لغرر ضوء السخاوي» و «المواهب الملكية» ، و «تحفة الأمجاد» والتذكرة المسماة «سفينة نوح» والسيرة الموسومة ب «الجواهر والدرر» وكتاب «محرّك همم القاصرين لذكر الأئمة المجتهدين المتعبدين» و «النبذة الزاكية فيما يتعلق بذكر أنطاكية» و «عيون الأخبار فيما وقع له في الإقامة والأسفار» .
ومن شعره في معنى الحديث المسلسل بالأولية:
كن راحما لجميع الخلق منبسطا ... لهم وعاملهم بالبشر والبشر
من يرحم النّاس يرحمه الإله كذا ... جاء الحديث به عن سيّد البشر
وتوفي بحلب صبح يوم الجمعة قبيل أذانه ثاني عشر صفر، ودفن تحت جبل الجوشن عند الجادة التي يرد عليها من يرد من أنطاكية.
وفيها كمال الدّين محمد بن علي القاهري الشافعي [1] قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية، الشهير بالطويل، الإمام العلّامة شيخ الإسلام.
ولد سنة ست وأربعين وثمانمائة.
قال الشعراوي: كان من أولاد الترك، وبلغنا أنه كان في صباه يلعب بالحمام في الريدانية، فمرّ عليه سيدي إبراهيم المتبولي، وهو ذاهب إلى بركة الحاج، فقال له: مرحبا بالشيخ كمال الدّين شيخ الإسلام، فاعتقد الفقراء أنه يمزح معه إذ لم يكن عليه أمارة الفقهاء، ففي ذلك اليوم ترك لعب الحمام واشتغل بالقراءة
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 80- 81) و «الكواكب السائرة» (2/ 45- 46) .(10/307)
والعلم، وعاش جماعة الشيخ إبراهيم حتّى رأوه تولى مشيخة الإسلام وهي عبارة عن قضاء القضاة.
أخذ الشيخ كمال الدّين العلم والحديث عن الشّرف المناوي، والشهاب الحجازي، وغيرهما. وسمع «صحيح مسلم» وغيره على القطب الخيضري، و «ألفية العراقي» وغيرها على الشرف المناوي.
قال الشعراوي: وكان إماما في العلوم والمعارف، متواضعا، عفيفا، ظريفا، لا يكاد جليسه يملّ من مجالسته، انتهت إليه الرئاسة في العلم، ووقف الناس عند فتاويه، وكانت كتب مذهب الشافعي كأنها نصب عينيه لا سيما كتب الأذرعي، والزركشي، وقدم دمشق وحلب، وخطب بدمشق لما كان صحبة الغوري، وأخذ بحلب عنه الشمس السّفيري، والمحيوي بن سعيد، وعاد إلى القاهرة فتوفي بها، ورؤي في ليلة وفاته أن أعمدة مقام الشافعي سقطت، ودفن بتربته خارج باب النصر.
وفيها شمس الدّين محمد بن علاء الدّين علي بن شهاب الدّين أحمد الحريري الدمشقي، الشهير بابن فستق الشافعي [1] ، الحافظ لكتاب الله تعالى، مع الإتقان.
قال في «الكواكب» : كان فاضلا، صالحا، مقرئا، مجوّدا، في خدمة الجدّ شيخ الإسلام رضي الدّين الغزّي ومن أخصائه، ثم لازم شيخ الإسلام الوالد وحضر دروسه كثيرا. انتهى وفيها أبو الفتح محمد القدسي الشافعي [2] الإمام العلّامة.
كان شيخ الخانقاة السميساطية جوار جامع بني أمية بدمشق، وولي نظر العذراوية، وكان له سكون وله شرح على «البردة» .
توفي يوم الجمعة عشري جمادى الآخرة.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 46- 47) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 68) .(10/308)
وفيها شمس الدّين محمد البانقوسي [1] الحلبي، عرف بابن طاش بصتي [2] .
تفقه على ابن فخر النساء، ودرّس بالأتابكية البرانية بحلب، وكان صالحا، مباركا، قليل الكلام، حسن الخط، كبير السنّ، كثير التهجد، رحمه الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 324- 325) و «الكواكب السائرة» (2/ 69) .
[2] في «آ» و «ط» : «طاش بفطي» وفي «الكواكب السائرة» : «طاش بنطي» وما أثبته من «در الحبب» .(10/309)
سنة سبع وثلاثين وتسعمائة
وفيها توفي المولى سليمان الرّومي [1] أحد مواليهم.
ترقّى في التدريس حتّى درّس بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ومات وهو مدرّسّ بها، وكانت وفاته في مجلس غاصّ بالعلماء في وليمة الختان لأولاد السلطان سليمان، سقط مغشيا عليه فحمل إلى خيمته فمات بها.
وكان فاضلا، مشتغلا بنفسه.
وفيها عبد الله المجذوب المصري [2] .
كان يصحن الحشيش في خرائب الأزبكية بالقاهرة، وكان من كرامته أن من أخذ من حشيشه وأكل منه يتوب لوقته ولا يعود إليها أبدا.
قال الشعراوي: وكان من الراسخين.
قال: وكان كثير الكشف، سمعته مرة يقول: وعزّة ربّي ما أخذها أحد من هذه اليد وعاد إليها- يعني الحشيشة-.
مات في هذه السنة ودفن في خرائب الأزبكية مع الغرباء.
وفيها- تقريبا- فخر الدّين عثمان السّنباطي الشافعي [3] الإمام العلّامة.
أخذ عن القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، والكمال الطويل، وصحب محمد الشنّاوي.
وكان من العلماء العاملين، قليل الكلام، حسن السّمت، ولما ضرب
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (286) و «الكواكب السائرة» (2/ 148) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 154) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 190- 191) .(10/310)
القانون على القضاة عزل نفسه، وكان يقضي في بلده احتسابا، رحمه الله تعالى.
وفيها- ظنا- عزّ الدّين المازندراني العجمي [1] .
جاور بمكة، ثم قدم حلب سنة إحدى وثلاثين، وظهر له فضل في علوم شتى، لا سيما القراآت، فإنه كان فيها أمّة، وألّف فيها كتابا في وقف حمزة وهشام، وله شرح على «الجرومية» أجاد فيها وأتى بعبارات محكمة لكنها مغلقة على المبتدئ، ثم رحل إلى بلاده فمات بها.
وفيها- أو ما يقرب منها- علاء الدّين علي بن محمد بن أحمد الكنجي [2] الشافعي الدمشقي الإمام العلّامة.
ولد بالقدس الشريف سنة تسعين وثمانمائة.
وكان فاضلا، صالحا، مباركا، بارعا في علوم كثيرة، خيّرا كأبيه، رحمهما الله تعالى.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن أحمد بن موسى بن محمد الديري ثم الجوبري الدمشقي [3] الشافعي الأديب.
ولد بقرية الشوبك ببلاد نابلس في جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وكان مؤذّنا بالجامع الأموي، متسببا بباب البريد، فاضلا، بارعا، شاعرا له ديوان شعر ولم يشتهر.
ومن شعره تخميس أبيات ابن حجر [4] :
أمر يطول ومدّة متقاصرة ... وبصائر عميت وعين باصره
فإلى متى يا نفس ويحك صابره ... قرب الرّحيل إلى ديار الآخرة
فاجعل إلهي خير عمري آخره
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 895- 897) و «الكواكب السائرة» (2/ 191) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 200) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (61/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 200- 201) .
[4] تقدمت أبيات في معناها للإمام شرف الدّين عبد المنعم بن سليمان البغدادي في المجلد التاسع ص (103- 104) فلتراجع.(10/311)
فالعيش في الدّنيا كلّذة حالم ... وسواك يا مولاي ليس بدائم
وإليك مرجعنا بأمر جازم ... فلئن رحمت فأنت أكرم راحم
وبحار جودك يا إلهي زاخره ... يا ربّ إن الدّهر أبلى جدّتي
وعصيت في جهل الشّباب وجدّتي [1] ... فإذا تصرّم ما بقي من مدّتي
آنس مبيتي في القبور ووحدتي ... وارحم عظامي حين تبقى ناخره
إن كنت ترحم من مضت أعوامه ... في لهوه حتّى نمت آثامه
والعفو منك رجاؤه ومرامه ... فأنا المسكين الذي أيّامه
ولّت بأوزار غدت متواترة ... فبوجهك الباقي وعزّ جلاله
ومحمّد سرّ الوجود وآله [2] ... رفقا بمن أنت العليم بحاله
وتولّه باللطف عند مآله ... يا مالك الدّنيا وربّ الآخره
توفي يوم الأربعاء سابع عشر صفر.
وفيها أقضى القضاة علاء الدّين علي بن أحمد بن محمد بن عزّ الدّين الصغير بن عزّ الدّين بن محمد الكبير بن خليل الحاضري الأصل الحنفي [3] .
أخذ عن الشمس الدلجي وغيره، وجلس بمكتب العدول على باب جامع حلب الشرقي، وناب بمحكمة الجمالي يوسف بن إسكندر الحنفي، وكتب بخطه كثيرا من الكتب العلمية، ووعظ بجامع حلب.
__________
[1] في «آ» : «وحدتي» بالحاء المهملة.
[2] أقول: هذا توسل بجاه النبي صلّى الله عليه وسلم، وينبغي أن يتوسل بأسماء الله تعالى وصفاته قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها 7: 180 [الأعراف: 180] كما فعل ذلك سلفنا الصّالح رحمهم الله تعالى (ع) .
[3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 915- 916) و «الكواكب السائرة» (2/ 201) .(10/312)
وكان صالحا عفيفا، سليم الصدر.
وتوفي في شوال.
وفيها- تقريبا- قاضي القضاة فضيل بن مفتي المملكة الرّومية علاء الدّين علي بن أحمد بن محمد الأقصرائي الحنفي [1] .
كان ينسب إلى الشيخ جمال الدّين محمد الأقصرائي صاحب «موجز الطب» و «الإيضاح البياني» وغيرهما.
وكان الشيخ جمال الدّين هذا ينسب إلى الفخر الرازي الذي هو من ذرّيّة أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، كذا قال ابن الحنبلي. وذكر أنه قدم حلب في ذي القعدة سنة ستين متوليا قضاء بغداد، فاجتمع به، واستجازه، ثم ولي قضاء حلب، ثم في سنة إحدى وستين دخلها متوليا ووهبه رسالة له سمّاها «إعانة الفارض في تصحيح واقعات الفرائض» ولم يؤرّخ وفاته.
وفيها قصير الحنفي [2] مفتي بخارى.
قال ابن طولون: دخل دمشق في أثناء جمادى الأولى سنة سبع [3] وثلاثين وتسعمائة ومعه جماعة، وزار بيت المقدس، ثم عاد إلى دمشق، وحجّ منها.
وكان عالما بالعربية، نزل بالشامية البرانية، وتردّد إليه الشيخ عبد الصّمد الحنفي، والشيخ تقي الدّين القاري، وقرأ عليه الثاني في «المصابيح» . انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن محمد بن مقبل البلبيسي ثم المقدسي ثم الدمشقي الوفائي الشافعي [4] الإمام العلّامة، واعظ دمشق.
أخذ عن الشيخ أبي الفتح المزّي، وغيره.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 17- 19) و «الكواكب السائرة» (2/ 239) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 244) .
[3] في «الكواكب السائرة» : «سنة تسع» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 20) و «الأعلام» (5/ 302) .(10/313)
وكان أسنّ من البدر الغزّي، ومع ذلك أخذ عنه قال في «فهرست تلاميذه» :
أجزته ببعض مؤلفاتي وأشعاري، وحضر دروسا من دروسي. انتهى.
وكان مجاورا في خلوة بالسميساطية، وانقطع بها خمس سنوات، وقد تعطّل شقّه الأيسر.
وفي يوم السبت عاشر رجب سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، دخل عليه اثنان من المناحيس وهو على هذه الحال، فأخذا منه منديل النفقة بما فيه وعدة من كتب وذهبا كان عنده، وكان ذلك قبل صلاة الصبح، فأقام الصوت عليهما فلم يدركا، وكان ذلك سببا في زيادة ابتلائه.
وكان من عباد الله الصالحين.
وتوفي في رجب هذه السنة.
وفيها تقريبا شمس الدّين محمد بن إبراهيم الشنائي [1] المالكي [2] العلّامة قاضي القضاة بالديار المصرية.
كان ممن جمع بين العلم والعمل، صواما، قواما، له شرح عظم على «الرسالة» وعدة تصانيف مشهورة، وأجمع الناس على جلالته وتحريره لنقول مذهبه، وممن أخذ عنه السيد عبد الرحيم العبّاسي، رحمه الله تعالى.
وفيها- ظنا- شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن بلبان البعلي، المعروف بجدّه [3] الشيخ الصالح.
ولد تاسع عشر المحرم سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، وأخذ «ورد ابن داود» عن الشيخ عبد القادر بن أبي الحسن البعلي الحنبلي بحقّ روايته عن ولد المصنّف سيدي عبد الرحمن بن أبي بكر بن داود، عن أبيه.
وفيها قاضي القضاة ولي الدّين محمد بن قاضي القضاة شهاب الدّين
__________
[1] كذا في «آ» و «الكواكب السائرة» : «الشنائي» وفي «ط» : «الثنائي» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 20- 21) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 21) .(10/314)
أحمد بن محمود بن عبد الله بن محمود بن الفرفور الدمشقي الشافعي [1] .
قال في «الكواكب» : ولد في ثامن عشر جمادى الأولى سنة خمس وتسعين- بتقديم التاء- وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم، و «المنهج» في الفقه لشيخه شيخ الإسلام القاضي زكريا، و «جمع الجوامع» لابن السّبكي، و «ألفية ابن مالك» .
وأخذ الفقه بدمشق عن شيخ الإسلام تقيّ الدّين بن قاضي عجلون، وبالقاهرة عن القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، وأخذ الحديث بدمشق عن الحافظ برهان الدّين النّاجي، والشيخ أبي الفتح المزّي، والشيخ أبي الفضل بن الإمام، والجمال بن عبد الهادي [2] وبمصر عن المحدّث التّقي الأوجاقي وغيره.
وأجاز له جماعات في استدعاءات.
وولي قضاء قضاة الشافعية بدمشق بعد وفاة أبيه، وعزل عنه، وأعيد إليه مرارا، آخرها سنة ثلاثين وتسعمائة.
وولي قضاء حلب سنة ست وعشرين، وكان آخر قاض تولى حلب من أولاد العرب، ومع توليته بدمشق وحلب في الدولة العثمانية لم ينتقل عن مذهبه، وصار لنائب دمشق عيسى باشا عليه حقد آخرا، فسافر من دمشق في رمضان سنة ست وثلاثين، ودخل حلب وعيّد بها، وفي ثالث شوال حضر أولاقان [3] من جهة عيسى باشا نائب الشام ومعهما مكاتبات يخبر فيها بحضور مرسوم سلطاني بعود القاضي ابن الفرفور محتفظا للتفتيش عليه وتحرير ما نسب إليه من المظالم، وأن المتولي لذلك عيسى باشا، وقاضي الشام ابن إسرافيل المتولي مكانه، فرجع ابن الفرفور إلى دمشق فوصلها تاسع عشر شوال، ووضع في [4] قلعتها، ونودي من الغد بالتفتيش عليه [واستمر التفتيش عليه] [5] أياما في نحو خمسة عشر مجلسا، وخرج
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (77/ آ) و «در الحبب» (2/ 1/ 135- 138) و «الكواكب السائرة» (2/ 22- 24) و «إعلام النبلاء» (5/ 450- 451) .
[2] وهو المعروف ب «ابن المبرد» .
[3] جاء في حاشية «الكواكب السائرة» ما نصه: «أولاقان: كلمة تركية بمعنى رسول» .
[4] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «فيه» .
[5] ما بين الرقمين سقط من «ط» .(10/315)
عليه من كان داخلا فيه وراكنا إليه، وشدّد عليه في الحساب من كان يعده من الأحباب، فأتاه الخوف من جانب الأمن [1] ، ومن حيث أمل الربح جاءه الغبن، وبقي مسجونا بالقلعة إلى أن توفي بها يوم الثلاثاء سلخ جمادى الآخرة، ودفن بتربته التي أنشأها شمالي ضريح الشيخ أرسلان، ورثاه جماعة. انتهى ملخصا.
وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن خليل بن الحاج علي بن أحمد بن ناصر الدّين محمد بن قنبر العجمي- وبه اشتهر- الحلبي [2] الإمام العالم، العلّامة العامل، الأوحد البارع الكامل.
ولد سنة إحدى وتسعمائة.
قال في «الكواكب» : قال شيخ الإسلام الوالد: حضر بعض مجالسي في قراءة «الحاوي» و «مغني اللبيب» في سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة بدمشق، ثم رحل إلى بلده حلب.
قلت: ثم اجتمع به في حلب في رحلته إلى الرّوم سنة ست وثلاثين.
انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحيم بن المنيّر البعلي [3] الشافعي الإمام العالم الفاضل [4] الزاهد ولي الله تعالى.
كان رفيقا وصاحبا لشيخ الإسلام بهاء الدّين الفصّي. وكان يحضر درسه كثيرا. وكان يحترف بعمل الإسفيداج والسيرقون والزنجار، ويبيع ذلك وسائر أنواع العطر في حانوت ببعلبك، وفي كل يوم يضع من كسبه من الدنانير والدراهم والفلوس في أوراق ملفوفة، وإذا وقف عليه فقير أعطاه من تلك الأوراق ما يخرج في يده لا ينظر في الورقة المدفوعة ولا في الفقير المدفوع إليه.
وكان كثير الصدقة، معاونا على البرّ والتقوى، يعمر المساجد الخراب
__________
[1] تحرفت الجملة في «ط» إلى التالي: «من جانب لا، ومن حيث» .
[2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 133- 134) و «الكواكب السائرة» (2/ 32) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 42) .
[4] لفظة «الفاضل» لم ترد في «آ» وجاء مكانها في «الكواكب السائرة» : «العامل» .(10/316)
ويكفّن الفقراء، وكان له مهابة عند الحكّام، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ناصحا للطلبة في الإفادة. له أوراد ومجاهدات وكرامات.
توفي يوم الأحد ثاني صفر ودفن ببعلبك.
وفيها جلال الدّين محمد بن قاسم المالكي [1] شيخ الإسلام.
قال الشعراوي: كان كثير المراقبة لله تعالى، وكانت أوقاته كلها معمورة بذكر الله تعالى، شرح «المختصر» و «الرسالة» وانتفع به خلائق لا يحصون، وولاه السلطان الغوري القضاء مكرها.
وكان أكثر أيامه صائما، وكان حافظا للسانه في حقّ أقرانه، لا يسمع أحدا يذكرهم إلا ويبجّلهم.
وكان حسن الاعتقاد في الصوفية، رحمه الله تعالى. انتهى وفيها- تقريبا- محيي الدّين محمد مفتي كرمان الشافعي [2] الإمام العلّامة.
حجّ سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، وقدم مع الحاج الشامي إلى دمشق حادي عشر صفر سنة ست وثلاثين، وزار الشيخ محيي الدّين بن عربي، وصحب بها الشيخ تقي الدّين [3] القاري، وأكرمه قاضي دمشق وجماعة من أهلها وأحسنوا إليه، وأخبر عن نفسه أن له «تفسيرا» على القرآن العظيم، و «حاشية» على كتاب «الأنوار» للأردبيلي، وغير ذلك. وكان صحب ذلك معه فخاف عليه من العرب فردّه إلى بلاده كرمان.
وفيها المولى بدر الدّين محمود بن عبيد الله [4] أحد موالي الرّوم.
كان من عتقاء الوزير علي باشا، وقرأ على جماعة، منهم ابن المؤيد، ودرّس بعدة مدارس ثم صار قاضيا بأدرنة، ومات وهو قاضيها في هذه السنة.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 57) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 68) .
[3] لفظة «الدّين» لم ترد في «ط» .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (281) و «الكواكب السائرة» (2/ 248) .(10/317)
وفيها- تقريبا- بدر الدّين محمود بن الشيخ جلال الدّين الرّومي [1] الحنفي، أحد الموالي الرّومية.
قرأ، وحصّل، ودرّس، وترقّى في التدريس، حتى درّس بإحدى الثمانية، ومات مدرّسا بها.
قال في «الشقائق» : كان عالما، فاضلا، ذا كرم ومروءة، اختلت عيناه في آخر عمره. انتهى.
وفيها أبو زكريا يحيى بن علي وقيل ابن حسين، المعروف بابن الخازندار الحنفي الحلبي [2] العالم العامل، إمام الحنفية بالجامع الكبير بحلب.
ذكره البدر الغزّي في «المطالع البدرية» وأحسن الثناء عليه.
وقال ابن الحنبلي: كان ديّنا، خيّرا، قليل الكلام، كثير السكينة، أخذ الحديث رواية عن الزّين بن الشمّاع، والتّقي أبي بكر الحبيشي. قال: وكان جدّه قجا فيما سمعت من مسلمي التتار الأحرار الذين لم يمسهم الرّقّ.
وتوفي في هذه السنة. انتهى وفيها القاضي جمال الدّين يوسف بن محمد بن علي بن طولون الزرعي الدمشقي الحنفي [3] .
ترجمه ابن أخيه الشيخ شمس الدّين بالفضل والعلم، وذكر عن مفتي الروم عبد الكريم أنه لم ير في هذه المملكة أمثل منه في مذهب الإمام أبي حنيفة.
وتوفي ليلة الأحد رابع المحرم بعلّة الإسهال ودفن بتربته بالصالحية.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (281) و «الكواكب السائرة» (2/ 248) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 2/ 543) و «الكواكب السائرة» (2/ 258- 259) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (108/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 261) .(10/318)
سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن بدر بن إبراهيم الطّيبي الشافعي [1] المقرئ والد الإمام بالجامع الأموي وواعظه شيخ الإسلام الطّيبي المشهور.
تلا بالسبع على العلّامة إبراهيم بن محمود القدسي كاتب المصاحف، وعلى غرس الدّين خليل، وانتهى إليه علم التجويد في زمانه، وكان [2] يتسبب بحانوت بباب البريد ويقرئ الناس.
وتوفي ليلة الخميس سادس جمادى الأولى ودفن بباب الفراديس.
وفيها شهاب الدّين أحمد البخاري المكّي [3] ، السيد الشريف الإمام العلّامة إمام الحنفية بالمسجد الحرام.
توفي ببندر جدة وهو قاض بها عن مستنيبه، فحمل إلى مكة على أعناق الرجال، فوصلها حادي عشر ربيع الثاني ودفن على أبيه بالمعلاة [4] .
وفيها شهاب الدّين أحمد النّشيلي المصري [5] الشافعي الإمام العالم العلّامة.
توفي بمكّة في هذه السنة.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (4/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/ 103) .
[2] لفظة «وكان» سقطت من «آ» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 117) .
[4] في «آ» و «ط» : «بالمعلى» وهو خطأ، وما أثبته هو الصواب، فالمعلاة هي مقبرة مكة الشهيرة.
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 117) .(10/319)
وفيها شهاب الدّين أحمد الزّبيدي المكّي [1] .
قال ابن طولون: كان مترجما بالعلم، ودخل دمشق متوجها إلى الروم فمات بحلب، أي في هذه السنة.
وفيها تاج الدّين عبد الوهاب بن عبد القادر العنّابي الدمشقي [2] القاضي الأسلمي أبوه.
كان ديوانيا بقلعة دمشق هو ووالده من قبله، ثم تولى عدة وظائف، منها إمرة التركمان، واستمر على ذلك في الدولة الجركسية، ثم أخذه السلطان سليم إلى إسلامبول، ثم أطلقه، فحجّ، وجاور، ثم عاد إلى دمشق، وبقي بها إلى الممات.
قال ابن طولون: وسمع في صغره على جماعة عدة أجزاء، ولذلك استجزته لجماعة، ومدحه الشعراء الأفاضل، منهم شيخنا علاء الدّين بن مليك، وأكثر منه الشيخ شهاب الدّين الباعوني.
وتوفي ليلة الجمعة ثاني ربيع الأول ودفن بتربتهم لصيق الصابونية من جهة القبلة ولم يحتفل الناس بجنازته. انتهى وفيها علاء الدّين على القدسي الشافعي [3] نزيل دمشق العالم الورع.
قال الشيخ يونس العيثاوي: كان رفيقنا على الشيخ أبي الفضل بن أبي اللطف، ثم من بعده رافقنا على الإمام تقي الدّين البلاطنسي إلى أن مات.
قال: وكان يتعاطى البيع والشراء برأس مال يسير بورك له فيه، مع التعفّف عن الوظائف على طريقة السّلف.
وتوفي نهار الخميس ثاني [ذي] القعدة ودفن بباب الصغير.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 118) .
[2] ترجمته في «ذخائر القصر في تراجم نبلاء العصر» الورقة (38/ ب- 39/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/ 186- 187) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 215) .(10/320)
وفيها زين الدّين عمر بن أحمد بن أبي بكر المرعشي [1] العالم.
كان في أول أمره يتكسب بالشهادة بحلب على فقر كان له وقناعة، ثم انقادت إليه الدنيا فرأس، وصار عينا من أعيان حلب ولم تستهجن رئاسته لأنه كان حفيدا للشيخ الإمام العلّامة المفنّن شهاب المرعشي المتوفى سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة، وكان الشيخ زين الدّين يتجمّل بمصاحبة شيخ الإسلام البدر بن السيّوفي، وأحبّه قاضي قضاة حلب زين العابدين بن الفناري، وكان يكتب على الفتاوى، وامتحن في واقعة قراقاضي، وسيق فيمن سيق هو وأولاده إلى رودس، ثم أعيد إلى حلب باقيا على رئاسته وشهامته ومناصبه إلى أن مات في هذه السنة وهو يحث من حضره على الذكر وتلاوة القرآن.
وفيها زين الدّين عمر الصّعيدي [2] الحنفي [3] الإمام العلّامة، إمام الصخرة المعظّمة بالقدس الشريف.
قال ابن طولون: كان من أهل العلم والعمل، وقرأ بمصر على جماعة، منهم البرهان الطرابلسي.
وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها المولى شاه قاسم بن الشيخ شهاب الدّين أحمد الحنفي، الشهير بمنلازاده [4] .
أصله من هراة، وكان هو وأبوه واعظين، وتوطّن المترجم تبريز، ولما دخلها السلطان سليم أخذه معه إلى بلاد الرّوم وعيّن له كل يوم خمسين درهما.
وكان عالما، فاضلا، أديبا، بليغا، له حظّ من علم التصوف، وخطّ حسن ومهارة في الإنشاء. أنشأ «تواريخ آل عثمان» فمات قبل إكمالها في هذه السنة أو في التي بعدها.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 1029- 1030) و «الكواكب السائرة» (2/ 223- 224) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الصعتري» والتصحيح من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 228) .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (271) و «الكواكب السائرة» (2/ 239) .(10/321)
وفيها شمس الدّين محمد بن زين الدّين بركات بن الكيّال [1] الشيخ الواعظ [2] ابن الواعظ [2] الشافعي.
أسمعه والده على جماعة، منهم البرهان النّاجي، وزوّجه ابنته، واشتغل، ووعظ بالجامع الأموي وغيره، وكان خطيب الصابونية، وكان عنده تودّد للناس.
وتوفي يوم السبت عشري شوال.
وفيها محمد بن سحلول- بلامين- الحديثي [3] البقاعي الشافعي [4] .
قال ابن طولون: كان صالحا يحفظ القرآن العظيم [5] حفظا جيدا ويقرؤه في كل ثلاثة أيام.
قال: وكان أفادني عن بعض المصريين الصلحاء في دفع الفواق [6] أن يقبض الإنسان بإبهاميه على ظهر أصلي بنصريه بقوة.
توفي فجأة يوم الأحد ثاني عشر جمادي الأولى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن أحمد، الشهير بابن العجيمي المقدسي [7] الشافعي الصّوفي العلّامة المحدّث الواعظ.
أخذ عن مشايخ الإسلام البرهان ابن أبي شريف، والجلال السيوطي، والقاضي زكريا، والشمس السخاوي، وناصر الدّين بن زريق.
وتوجه إلى الرّوم، وحصل له به الإقبال، وعاد وتردّد إلى دمشق مرارا، ووعظ بالجامع الأموي، ودرّس ب «الفصوص» [8] فيه أيضا. وكان يعتم بعمامة سوداء.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 29) .
[2] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» .
[3] تصحفت في «ط» إلى «الجديثي» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 34) .
[5] لفظة «العظيم» سقطت من «ط» .
[6] الفواق: تقلص فجائي للحجاب الحاجز الذي يفصل بين الصدر والبطن، يحدث شهقة قصيرة يقطعها تقلص المزمار. انظر «المعجم الوسيط» (1/ 163) و (2/ 732) .
[7] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 208- 210) و «الكواكب السائرة» (2/ 11- 12) .
[8] أي ب «فصوص الحكم» لابن عربي. انظر «كشف الظنون» (2/ 1261- 1262) .(10/322)
قال ابن الحنبلي: دخل إلى حلب مرتين ووعظ بها، واجتمع في سنة تسع وعشرين بمحدّثها الشيخ زين الدّين بن الشّماع، وقرأت [1] عليهما «ثلاثيات البخاري» ، ثم أجاز كل منهما للآخر.
وقال فيه ابن الشّماع: هو خادم التفسير والسّنن، المنتصب لنصح المسلمين والمرغّب لأهدى سنن، بل هو العلم الفرد الذي رفع خبر الأولياء والعلماء، ونصب حالهم، ليقتدى بهم، وخفض شأن أهل البطالة من الصّوفية الجهلة، وحذّر من بدعهم واتباع طريقهم. انتهى.
وتوفي ببيت المقدس في رمضان.
وفيها أبو زكريا يحيى بن علي بن أحمد بن شرف الدّين الرّحبي الأصل المكّي المالكي، ويعرف كأبيه بالمغربي [2] .
ولد ليلة الأربعاء رابع عشري ربيع الأول سنة خمس وستين بمكة، ونشأ بها، وحفظ القرآن و «الأربعين النووية» و «الشاطبية» و «الرسالة» و «ألفية النحو» وعرض في سنة تسع وسبعين على قضاة مكّة الأربعة، وعمر بن فهد، وحضر عند الفخر بن ظهيرة وأخيه البرهان، مع ذكاء وفهم، ثم تعانى التجارة بعد أن أثبت البرهان رشده، وسلّمه ماله، وسافر في التجارة لدمشق، وتلّقن في القاهرة الذكر من ابن عبد الرحيم الأبناسي.
قال السخاوي: وله تردّد إليّ وسماع عليّ، ولي إليه زائد الميل، ونعم هو تواضعا، وأدبا، وفهما، وذكاء، وحسن عشرة، بحيث صار بيته بمكّة وغيرها مألفا لأحبابه، مع عدم اتساع دائرته.
وقال ابن فهد: طال مرضه حتى توفي بمكة ليلة السبت سادس عشري شوال، ودفن بالمعلاة، ولم يخلّف غير بنت واحدة ملّكها جميع مخلّفه، وأثبت ذلك في حياته.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وقرئت» والتصحيح من «در الحبب» مصدر المؤلف، والقائل ابن الحنبلي.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 235- 236) وفيه «المغيربي» .(10/323)
سنة تسع وثلاثين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم الصّفوري [1] الإمام العالم.
توفي بصفّوريا في هذه السنة.
وفيها أبو الهدى بن محمود النّقشواني الحنفي [2] المنلا العالم المتبحّر.
أخذ عن جماعة، منهم منلا طالشي الدريعي، ومنلا مزيد القرماني، وابن الشاعر، وكان يميّزه على شيخيه الأولين.
قال ابن الحنبلي: دخل حلب وسكن فيها بالكلتاوية [3] وبها صحبته، ثم بالأتابكية البرانية.
وكان عالما، عاملا، محقّقا، مدقّقا، منقطعا عن الناس، قليل الأكل، خاشعا، إذا توجه إلى الصلاة لم يلتفت يمينا ولا شمالا، ينظم الشعر بالعربية والفارسية.
وتوفي بعين تاب [4] في هذه السنة.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 82) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 2/ 539- 540) و «الكواكب السائرة» (2/ 96) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «بالكناوية» والتصحيح «در الحبب» و «الكواكب السائرة» .
والكلتاوية: مدرسة في حلب تقع في محلة الجبلية قرب باب القناة على نشز من الأرض عن يسرة الداخل إلى المدينة، بناها الأمير طقتمر الكلتاوي المتوفى سنة (787 هـ) ، وهي من المدارس الدراسة. عن حاشية «در الحبب» (2/ 1/ 731) . وانظر «نهر الذهب» (2/ 310- 312) و «موسوعة حلب المقارنة» (6/ 389) .
[4] هكذا رسما المؤلف «عين تاب» مفصولة ورسمت كذلك مفصولة في «معجم البلدان» (4/ 176) ، وتلفظ الآن موصولة فيقال: «عينتاب» .(10/324)
وفيها شهاب الدّين أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد الشّويكي النابلسي ثم الدمشقي الصّالحي الحنبلي [1] مفتي الحنابلة بدمشق، العلّامة الزاهد.
ولد سنة خمس أو ست وسبعين وثمانمائة بقرية الشويكة من بلاد نابلس، ثم قدم دمشق، وسكن صالحيتها، وحفظ القرآن العظيم بمدرسة أبي عمر، و «الخرقي» و «الملحة» وغير ذلك. ثم سمع الحديث على ناصر الدّين بن زريق، وحجّ، وجاور بمكة سنتين، وصنّف في مجاورته كتاب «التوضيح» جمع فيه بين «المقنع» و «التنقيح» وزاد عليهما أشياء مهمة.
قال ابن طولون: وسبقه إلى ذلك شيخه الشهاب العسكري لكنه مات قبل إتمامه، فإنه وصل فيه إلى الوصايا، وعصريّه أبو الفضل بن النّجار، ولكنه عقّد عبارته. انتهى وتوفي بالمدينة المنورة في ثامن عشري صفر، ودفن بالبقيع، وروي في المنام يقول: أكتبوا على قبري هذه الآية وَمن يَخْرُجْ من بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله 4: 100 [النساء: 100] .
وفيها- تقريبا- المولى بير أحمد [2] أحد الموالي الرّومية الحنفي.
خدم المولى أحمد باشا المفتي بن المولى خضر بك، وترقّى في التداريس إلى مدرسة مراد خان ببروسا، ثم أعطي قضاء حلب، ثم عزل وأعطي تقاعدا بثمانين عثمانيا، وكان له مشاركة في العلوم، وعلّق تعليقات على بعض المباحث.
وفيها باشا جلبي البكالي [3] الحنفي الفاضل أحد موالي الرّوم.
__________
[1] ترجمته في «ذخائر القصر» الورقة (24/ ب- 25/ آ) و «متعة الأذهان» الورقة (15/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/ 99) و «النعت الأكمل» ص (105- 106) و «السحب الوابلة» ص (92- 93) و «الأعلام» (1/ 233) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (287) و «الكواكب السائرة» (2/ 118) وفيه: «مات في عشر الخمسين وتسعمائة» .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (243) و «الكواكب السائرة» (2/ 126) .(10/325)
خدم المولى مؤيد زاده، وترقّى في التداريس إلى دار الحديث بالمدينة المنورة، وكان حليما، كريما، ينظم الأشعار التركية، لكن كان في مزاجه اختلال.
وتوفي بالمدينة المنورة.
وفيها المولى الشهير بأمير حسن [1] أحد موالي الرّوم الحنفي.
برع وفضل ودرّس وترقّى في التداريس، حتى أعطي دار الحديث بأدرنة، ومات عنها، وكان مشتغلا بالعلم، وله «حواش» على «شرح الرسالة» في آداب البحث [2] لمسعود الرّومي، و «حواش» على «شرح الفرائض» للسيد، وغير ذلك.
وفيها زين العابدين بن العجمي الرّومي الشافعي [3] نزيل دمشق.
قال ابن طولون: أصله من بغداد، واشتغل، بتبريز، وولي تدريسا بمدينة طوقات [ورتّب له أربعون عثمانيا، ثم تركه وتصوف على طريقة النقشبندية، ثم ورد دمشق] [4] وأقرأ فيها الأفاضل، ومات شهيدا بالطّاعون يوم الخميس خامس عشر شوال.
وفيها تقريبا محي الدّين عبد القادر بن عبد العزيز بن جماعة المقدسي الشافعي [5] الصوفي القادري، الإمام العارف بالله تعالى.
أخذ عنه العلّامة نجم الدّين الغيطي حين ورد عليهم القاهرة سنة ثلاثين، أخذ عنه علم الكلام، وتلقّن منه الذكر. قاله في «الكواكب» .
وفيها- تقريبا- كريم الدّين عبد الكريم بن عبد القادر بن عمر بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم الجعبري [6] المقرئ الإمام العلّامة، صاحب «الشرح على الشاطبية» والمصنّفات المشهورة.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (285) .
[2] في «آ» : «في آداب الحديث» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 146) .
[4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 176) .
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 177) .(10/326)
قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين، وأخذ عنه الشيخ شهاب الدّين الطّيبي الحديث، ومصنّفات ابن الجزري رحمه الله تعالى. قاله في «الكواكب» أيضا.
وأقول: الجعبري المشهور «شارح الشاطبية» هو برهان الدّين.
توفي سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة [1] ، وتقدمت ترجمته هناك.
وفيها المولى عبد اللطيف الرّومي الفاضل [2] أحد موالي الرومي.
اشتغل بالعلم، ووصل لخدمة المولى مصلح الدّين البارحصاري [3] ، وترقّى حتى صار مدرّسا بإحدى الثمانية، ثم بمدرسة أبي يزيد خان بأدرنة، ثم صار قاضيا بها، ثم ترك القضاء وعيّن له كل يوم ثمانون درهما.
وكان عالما، عاملا، عابدا، زاهدا، صالحا، تقيا، نقيا، مقبلا على المطالعة والأوراد والأذكار، ملازما للمساجد في الصلوات الخمس، معتكفا في أكثر أوقاته، مجاب الدعوة، صحيح العقيدة، لا يذكر أحدا إلا بخير، أكثر [4] اهتمامه بالآخرة، رحمه الله تعالى.
وفيها سيدي على الخوّاص البرلسلي [5] أحد العارفين بالله تعالى، وأستاذ الشيخ عبد الوهاب الشعراوي الذي أكثر اعتماده في مؤلفاته على كلامه وطريقه.
قال المناوي في «طبقاته» : الأمّي المشهور بين الخواص بالخوّاص.
كان من أكابر أهل الاختصاص، ومن ذوي الكشف الذي لا يخطئ والاطلاع على الخواطر على البديهة فلا يبطئ، وكان عليه للولاية أمارة وعلامة، متبحرا في الحقائق، أشبه البحر اطلاعه والدر كلامه، وكان في ابتداء أمره يبيع الجميّز عند الشيخ إبراهيم المتبولي بالبركة، ثم أذن له أن يفتح دكان زيّات،
__________
[1] في «آ» : «وسبعمائة» وهو خطأ وقد وهم المؤلّف رحمه الله في كلامه إذا قال: «هو برهان الدّين» فقد أحال على ترجمة المترجم نفسه، وقد تقدمت ترجمته في ص (270) من هذا المجلد.
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (274) و «الكواكب السائرة» (2/ 183) .
[3] كذا في «ط» و «الكواكب» : «البارحصاري» وفي «الشقائق» : «اليارحصاري» .
[4] لفظة «أكثر» سقطت من «ط» .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 220- 221) .(10/327)
فمكث أربعين سنة، ثم ترك وصار يضفر الخوص، حتّى مات، وكان يسمّى بين الأولياء النسّابة لكونه أمّيّا، ويعرف نسب بني آدم وجميع الحيوان، وكان معه تصرّف ثلاثة أرباع مصر والربع مع محيسن المجذوب، وكان إذا شاوره أحد لسفر يقول: قل بقلبك عند الخروج من السور أو العمران دستور يا أصحاب النوبة اجعلوني تحت نظركم حتى أرجع، فإنهم يحبون الأدب معهم ولهم اطلاع على من يمرّ في دركهم.
وكان إذا نزل بالناس بلاء لا يتكلم، ولا يأكل ولا يشرب، ولا ينام حتى ينكشف، وله كلام في الطريق كالبحر الزاخر.
ومن كلامه الكمّل لا تصريف لهم بحال بخلاف أرباب الأحوال.
وقال: كل فقير لا يدرك سعادة البقاع وشقاوتها فهو والبهائم سواء.
وقال: إيّاك أن تصغي لقول منكر على أحد من [1] الفقراء فتسقط من عين رعاية الله وتستوجب المقت.
توفي في جمادى الآخرة، ودفن بزاوية الشيخ بركات خارج باب الفتوح من القاهرة. انتهى ملخصا وفيها أبو الحسن محمد بن العارف بالله تعالى أبي العبّاس أحمد الغمري المصري [2] الشافعي الصوفي الصالح الورع.
قال الشعراوي: جاورت عنده ثلاثين سنة، ما رأيت أحدا من أهل العصر على طريقته في التواضع والزهد وخفض الجناح.
وكان يقول: إذا سمعت أحدا يعدّ ذهبا يضيق صدري.
وكان لا يبيت وعنده دينار ولا درهم، ويعطي السائل ما وجد حتى قميصه.
وكان يخدم في بيته ما دام فيه ويساعد الخدّام بقطع العجين وغسل الأواني، ويقد تحت القدر، ويغرف للفقراء بنفسه.
__________
[1] لفظة «من» سقطت من «ط» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 24) .(10/328)
وكان شديد الحياء، لا ينام بحضرة أحد أبدا.
وكان جميل المعاشرة خصوصا في السفر، لا يتخصص بشيء عن الفقراء.
وكان كثير التحمل للبلاء لا يشكو من شيء أصلا.
وكان حلسا من أحلاس بيته [1] لا يخرج منه إلّا للصّلاة أو حاجة ضرورية، وإذا خرج إلى موضع ترك الأكل والشرب لئلا يحتاج إلى قضاء الحاجة في غير منزله.
توفي في هذه السنة ودفن عند والده في المقصورة عند أخريات الجامع إنشاء أبيه. انتهى ملخصا وفيها المولى محمد شاه ابن المولى الحاج حسن الرّومي الحنفي [2] الفاضل.
قال في «الكواكب» : قرأ على والده وغيره، ثم درّس بمدرسة داود باشا بالقسطنطينية، ثم بإحدى الثمان، وله شرح على «القدوري» وشرح على «ثلاثيات البخاري» .
وكان مكبّا على الاشتغال بالعلم في كل أوقاته، وله مهارة في النظم والنثر.
انتهى.
وفيها القاضي عزّ الدّين محمد بن حمدان الصّالحي ثم الدمشقي الحنفي [3] أحد رؤساء المؤذنين بالجامع الأموي.
ناب في الحكم لعدة من القضاة، منهم ابن يونس، وكان ناظرا على كهف جبريل بقاسيون، وله حشمة وتأدّب مع الناس.
توفي في أوائل ربيع الأول ودفن بتربة باب الفراديس.
__________
[1] جاء في «لسان العرب» (حلس) ما نصه: يقال: فلان حلس من أحلاس البيت، للذي لا يبرح البيت، قال: وهو عندهم ذمّ، أي أنه لا يصلح إلا للزوم البيت. وانظر تتمة كلامه فهو مفيد.
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (253) و «الكواكب السائرة» (2/ 30) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 31) .(10/329)
وفيها سعد الدّين محمد بن علي [1] الذهبي [2] المصري [3] الشافعي الإمام العلّامة.
ولد سنة خمسين وثمانمائة، وكان من العلماء المشهورين بدمشق، أخذ عنه جماعة منهم الفلوجيان.
قال الشعراوي: كان ورده كل يوم ختما صيفا وشتاء، وكان خلقه واسعا، إذا تجادل عنده الطلبة يشتغل بتلاوة القرآن حتى ينقضي جدالهم، وكان يحمل حوائجه بنفسه ويتلو القرآن في ذهابه وإيابه، كثير الصدقة، حتى أوصى بمال كثير للفقراء والمساكين، لا يقبل من أحد صدقة. انتهى ملخصا وفيها شمس الدّين محمد الدّواخلي- نسبة إلى الدّواخل قرية من المحلّة الكبرى- المصري [4] الشافعي الإمام العلّامة المحقّق المحدّث.
كان مخصوصا بالفصاحة في قراءة الحديث وكتب الرقائق والسير، كريم النّفس، حلو اللّسان، كثير العبادة، يقوم الليل ويحيي ليالي رمضان كلها، مؤثرا للخمول، وهو مع ذلك من خزائن العلم.
أخذ عن البرهان بن أبي شريف، والكمال الطويل، والشمس بن قاسم، والشمس الجوجري، والشمس بن المؤيد، والفخر القسي، والزين الأبناسي، وغيرهم. ودرّس بجامع الغمري وغيره، وانتفع به خلائق.
توفي بالقاهرة ودفن بتربة دجاجة خارج باب النصر.
وفيها المولى محمود بن عثمان بن علي المشهور باللامعي الحنفي [5] أحد موالي الروم.
__________
[1] في «ط» : «محمد بن محمد بن علي» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 44- 45) .
[3] كذا في «آ» و «الكواكب السائرة» : «المصري» وفي «ط» : «المعرّي» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 69) .
[5] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (262- 263) و «الكواكب السائرة» (2/ 247- 248) .(10/330)
كان جدّه من بروسا، ولما دخلها تيمورلنك أخذه معه وهو صغير إلى ما وراء النهر، وتعلّم صنعة النقش، وهو أول من أحدث السروج المنقوشة في بلاد الرّوم، وابنه عثمان كان سالكا مسلك الأمراء، وصار حافظا للدفتر السلطاني بالديوان العالي، وأما ولده صاحب الترجمة فقرأ العلم على جماعة منهم المولى أخوين، والمولى محمد بن الحاج حسن، ثم تصوف وخدم السيد أحمد البخاري ونال عنده المعارف والأحوال، ثم تقاعد بخمسة وثلاثين عثمانيا، وسكن بروسا، واشتغل بالعلم والعبادة، ونظم بالتركية أشياء كثيرة مقبولة مشهورة، وتوفي ببروسا.
وفيها المنلا مسعود بن عبد الله العجمي الشّيرازي [1] الواعظ نزيل حلب.
كان له مطالعات في الحديث والتفسير، وكان يتكلم فيهما باللّسان العربي، لكن انتقد عليه ابن الحنبلي أنه كان يلحن فيه، ووعظ بجامع حلب الكبير، فنال من الناس قبولا، وصارت له فيه يوم الجمعة المجالس الحافلة.
توفي مطعونا في هذه السنة.
وفيها موسى بن الحسين الملقّب بعوض بن مسافر بن الحسن بن محمود الكردي [2]- طائفة اللالائي ناحية السرسوي [3] قرية الشافعي، نزيل حلب.
أخذ العلم عن جماعة، منهم منلا محمد المعروف ببرقلعي، وعمرت في زمانه مدرسة بالعمادية [4] فجعل مدرّسها ثم تركها وأقبل على التصوف، فرحل إلى حماة، وأخذ عن الشيخ علوان، مع الانتفاع بغيره، ثم قدم حلب لمداواة مرض عرض له، ونزل بالمدرسة الشّرفية، فقرأ عليه غير واحد.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 483- 485) و «الكواكب السائرة» (2/ 251) و «إعلام النبلاء» (5/ 456- 457) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 504- 505) و «الكواكب السائرة» (2/ 253) و «إعلام النبلاء» (5/ 440- 441) .
[3] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» : «السرسوي» وفي «در الحبب» و «إعلام النبلاء» : «السرسولي» وفي «الكواكب السائرة» : «السرمسوي» .
[4] تحرفت في «ط» إلى «بالعمارية» بالراء(10/331)
قال ابن الحنبلي: وكنت ممن فاز بالقراءة عليه بها في علم البلاغة، ثم ذهب إلى حماة.
فلما، توفي الشيخ علوان عاد إلى حلب واستقرّ في مشيخة الزينبية، وأخذ يربّي فيها المريدين، ويتكلم فيها على الخواطر، مع طيب الكلام وإطعام الطعام، وإكرام الواردين إليه من الخواص والعوام، وحسن السّمت، ولين الكلمة، وفصاحة العبارة، والتكلم في التفسير والحديث، وكلام الصوفية.
وتوفي بها مطعونا ودفن في مقابر الصالحين بوصية منه.(10/332)
سنة أربعين وتسعمائة
فيها توفي إبراهيم العجمي الصّوفي [1] المسلّك العالم، نزيل مصر.
كان رفيقا للشيخ دمرداش، والشيخ شاهين في الطريق على سيدي عمر روشني بتبريز العجم، ثم دخل مصر في دولة ابن عثمان، وأقام بمدرسة بباب زويلة، فحصل له القبول التام، وأخذ عنه خلق كثير من الأعجام والأروام.
وكان يفسّر القرآن العظيم ويقرئ في رسائل القوم مدة طويلة، حتى وشي به إلى السلطان لكثرة مريديه وأتباعه، وقيل له: نخشى أن يملك مصر، فطلبه السلطان إلى الروم بسبب ذلك، ثم رجع إلى مصر، وطرد من كان عنده من المريدين والأتباع امتثالا لأمر السلطان، ثم بنى له تكيّة مقابل المؤيدية وجعل له فيها مدفنا، وبني حوله خلاوي للفقراء، وكان له يد طولي في المعقولات وعلم الكلام، ونظم تائية جمع فيها معالم الطريق، وكان ينهى جماعته أن يحجّ الواحد منهم حتّى يعرف الله المعرفة الخاصة عند القوم، وتوفي بمصر.
وفيها إبراهيم المجذوب المصري، الشهير بأبي لحاف [2] .
قال في «الكواكب» : كان في أول جذبه مقيما في البرج الأحمر من قلعة الجبل نحو عشرين سنة، فلما قرب زوال دولة الجراكسة أرسل إلى الغوري يقول له: تحوّل من القلعة واعط المفاتيح لأصحابها، فلم يلق الغوري إلى كلامه بالا، وقال: هذا مجذوب، فنزل الشيخ إبراهيم إلى مصر، فزالت دولة الجراكسة بعد
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 84) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 85) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 149) .(10/333)
سنة، وكان حافيا مكشوف الرأس وأكثر إقامته في بيوت الأكابر، وكان يكشف له عما ينزل بالإنسان من البلاء في المستقبل فيأتي إليه فيخبره أنه نازل به في وقت كذا وكذا ويطلب منه مالا، فإذا دفعه إليه تحول البلاء عنه وإلا وقع كما أخبر.
وكان يمكث الشهر وأكثر لا ينام بل يجلس يهمهم بالذكر إلى الفجر صيفا وشتاء.
توفي في هذه السنة ودفن بقنطرة السد في طريق مصر العتيقة. انتهى وفيها تقي الدّين أبو بكر الشريطي [1] الصّالحي الشيخ الصّالح، تلميذ الشيخ أبي الفتح المزّي.
أخذ عنه، ولبس منه الخرقة.
وتوفي بغتة يوم الأربعاء خامس جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون.
وفيها- تقريبا- أبو الفتح الخطيب ابن القاضي ناصر الدّين [2] خطيب الحرم بها.
دخل دمشق قاصدا بلاد الرّوم، وخطب بجامع دمشق يوم الجمعة سلخ صفر من هذه السنة. قاله في «الكواكب» .
وفيها شهاب الدّين أحمد بن أحمد الباجي- بالموحدة- الأنطاكي الحلبي، المشهور بابن كلف [3] ، العلّامة.
ولي قضاء العسكر بماردين في زمن السلطان قاسم بك، ثم ترك ذلك وعاد إلى نشر العلم بأنطاكية، ثم درّس بحلب، ثم ارتحل إلى بيت المقدس، فأعطي تدريس الفنارية، وكان عالما، عاملا [4] مفنّنا، طارحا للتكلّف، يلبس الصوف، ويلفّ على رأسه المئزر.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 91) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 94) .
[3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 120- 122) و «الكواكب السائرة» (2/ 102) .
[4] لفظة «عاملا» سقطت من «آ» .(10/334)
توفي في هذه السنة ببيت المقدس.
وفيها شمس الدّين أحمد بن سليمان الحنفي، الشهير بابن كمال باشا [1] العالم العلّامة الأوحد المحقّق الفّهامة، صاحب التفسير، أحد الموالي الرّومية.
كان جدّه من أمراء الدولة العثمانية، واشتغل هو بالعلم وهو شاب، ثم ألحقوه بالعسكر، فحكى هو عن نفسه أنه كان مع السلطان بايزيد خان في سفر، وكان وزيره حينئذ إبراهيم باشا بن خليل باشا، وكان في ذلك الزمان أمير ليس في الأمراء أعظم منه، يقال له أحمد بك بن أورنوس، قال: فكنت واقفا على قدمي قدّام الوزير وعنده هذا الأمير المذكور جالسا، إذ جاء رجل من العلماء، رثّ الهيئة، دنيء اللباس، فجلس فوق الأمير المذكور، ولم يمنعه أحد من ذلك، فتحيّرت في هذا الأمر، وقلت لبعض رفقائي: من هذا الذي تصدر على مثل هذا الأمير، قال: هو عالم مدرّس يقال له المولى لطفي. قلت: كم وظيفته؟ قال:
ثلاثون درهما. قلت: وكيف يتصدّر على هذا الأمير ووظيفته هذا المقدار، فقال:
رفيقي العلماء معظمون لعلمهم فإنه لو تأخر لم يرض بذلك الأمير ولا الوزير. قال:
فتفكرت في نفسي فوجدت أني لا أبلغ رتبة الأمير المذكور في الإمارة وأني لو اشتغلت بالعلم يمكن أن أبلغ رتبة ذلك العالم، فنويت أن أشتغل بالعلم الشريف، فلما رجعنا من السفر وصلت إلى خدمة المولى المذكور وقد أعطي عند ذلك مدرسة دار الحديث بأدرنة، وعيّن له كل يوم أربعون درهما، فقرأت عليه «حواشي شرح المطالع» وكان قد اشتغل في أول شبابه في مبادئ العلوم كما سبق، ثم قرأ على المولى القسطلاني، والمولى خطيب زاده، والمولى معرّف زاده، ثم صار مدرّسا بمدرسة علي بك بمدينة أدرنة، ثم بمدرسة أسكوب، ثم ترقّى حتّى درّس بإحدى الثمانية، ثم بمدرسة السلطان با يزيد بأدرنة، ثم صار قاضيا بها، ثم أعطي قضاء العسكر الأناضولي، ثم عزل وأعطي دار الحديث بأدرنة، وأعطي تقاعدا كل
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (226- 228) و «الطبقات السنية» (1/ 355- 357) و «الكواكب السائرة» (2/ 107- 108) و «الفوائد البهية» ص (21- 22) و «الأعلام» (1/ 133) .(10/335)
يوم مائة عثماني ثم صار مفتيا بالقسطنطينية بعد وفاة المولى على الجمالي، وبقي على منصب الإفتاء إلى وفاته.
قال في «الشقائق» : كان من العلماء الذين صرفوا جميع أوقاتهم إلى العلم، وكان يشتغل ليلا ونهارا ويكتب جميع ما سنح بباله، وقد فتر الليل والنهار ولم يفتر قلمه، وصنّف رسائل كثيرة في المباحث المهمة الغامضة، وعدد رسائله قريب من مائة رسالة، وله من التصانيف «تفسير» لطيف حسن قريب من التمام اخترمته المنيّة ولم يكمله، وله «حواش على الكشاف» وشرح بعض «الهداية» وله «متن» في الفقه وشرحه، [1] وكتاب في علم الكلام سمّاه «تجريد التجريد» وشرحه [1] وكتاب في المعاني والبيان كذلك، وكتاب في الفرائض كذلك، و «حواش على شرح المفتاح» للسيد الشريف، و «حواش على التلويح» و «حواش على التهافت» للمولى خواجه زاده.
وتوفي في هذه السنة.
وفيها المولى محيي الدّين أحمد بن المولى علاء الدّين علي الفناري الحنفي [2] أحد الموالي الرّومية الإمام العلّامة.
قرأ على علماء عصره، ثم رحل إلى العجم، وقرأ على علماء سمرقند وبخارى، ثم عاد إلى الرّوم فأعطاه السلطان سليم مدرسة الوزير قاسم باشا، وكان محبّا للصوفية سيما الوفائية مكبّا على العلم، اطلع على كتب [3] كثيرة، وحفظ أكثر لطائفها ونوادرها، وكان يحفظ التواريخ وحكايات الصالحين. وصنّف «تهذيب الكافية» في النحو وشرحه، و «حاشية على شرح هداية الحكمة» لمولانا زادة، و «حواش على شرح التجريد» للسيد، وتفسيرا لسورة الضحى سمّاه «تنوير الضحى» وغير ذلك من الرسائل والتعليقات.
وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من (آ) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 113) .
[3] لفظة «كتب» لم ترد في «ط» .(10/336)
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد المرداوي ثم الصالحي الحنبلي [1] المعروف بابن الديوان الإمام العالم، إمام جامع المظفّري بسفح قاسيون.
قال ابن طولون: كان مولده بمردا، ونشأ هناك إلى أن عمل ديوانها، ثم قدم دمشق، فقرأ القرآن بها على الشيخ شهاب الدّين الذويب الحنبلي لبعض السبعة، وأخذ الحديث عن الجمال بن المبرد وغيره، وتفقه عليه، وعلى الشّهاب العسكري، وولي إمامة جامع الحنابلة بالسفح نيفا وثلاثين سنة.
وتوفي ليلة الجمعة سابع عشر المحرم فجأة بعد أن صلى المغرب بجامع الحنابلة، ودفن بصفة الدعاء، وولي الإمامة بعده بالجامع المذكور الشيخ موسى الحجاوي.
وفيها عزّ الدّين أحمد بن محمد بن عبد القادر، المعروف بابن قاضي نابلس الجعفري الحنبلي [2] أحد العدول بدمشق.
ولد سنة أربع وستين وثمانمائة.
قال في «الكواكب» : وأخذ عن جماعة، منهم شيخ الإسلام الوالد، سمع منه كثيرا، ونقل ابن طولون عنه أن من أشياخه الكمال بن أبي شريف، والبرهان البابي، والشيخ علي البغدادي، وأجاز له الشيخ البارزي، وكان ممن انفرد بدمشق في جودة الكتابة وإتقان صنعة الشهادة.
وتوفي ليلة الاثنين مستهل ربيع الآخر ودفن بالروضة.
وفيها شهاب الدّين أحمد البقاعي [3] الشافعي [4] الضرير، نزيل دمشق.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 97) و «النعت الأكمل» ص (106) و «السحب الوابلة» ص (105) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 101) و «متعة الأذهان» الورقة (13/ ب) و «النعت الأكمل» ص (107) و «السحب الوابلة» ص (97) .
[3] لفظة «البقاعي» سقطت من «آ» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 118) .(10/337)
حفظ القرآن العظيم بمدرسة أبي عمر، وحفظ الشاطبية، وتلا ببعضها على الشيخ علي القيمري، وحلّ «البصروية» وغيرها في النحو على ابن طولون، وبرع، وفضل، وحجّ، وصار يقرئ الأطفال بمكتب الحاجبية بصالحية دمشق.
وتوفي بغتة يوم الجمعة تاسع عشري رجب.
وفيها السيد شرف الدّين الشريف الشافعي [1] العلّامة المدرّس بزاوية الحطّاب بمصر.
كان صامتا، معتزلا عن الناس، وقته معمورا بالعلم والعبادة وتلاوة القرآن، ورده كل ليلة قبل النوم ربع القرآن ما تركه صيفا ولا شتاء، وكان على مجلسه الهيبة والوقار، وله صحة اعتقاد في الصوفية، يتواجد عند سماع كلامهم. ذكره الشعراوي.
وفيها الأمير زين الدّين عبد القادر بن الأمير أبي بكر بن إبراهيم بن منجك اليوسفي الحنفي [2] أحد أصلاء دمشق وأمرائها.
حفظ القرآن العظيم، وتفقه على الشيخ برهان الدّين بن عوف الحنفي وغيره، وحصّل كتبا نفيسة.
قال ابن طولون: ترددت إليه كثيرا، وولي النظر على أوقافهم، وحصّل دنيا، وكان سمحا، تمرّض وطالت علته إلى أن توفي يوم الأربعاء خامس ذي الحجّة، ودفن بتربتهم بجامع ميدان الحصا.
وفيها كريم الدّين عبد الكريم بن عبد اللطيف بن علي بن أبي اللطف المياهي الشافعي القادري [3] الصوفي الصّالح.
قال في «الكواكب» : كان من أعيان جماعة شيخ الإسلام الوالد وتلاميذه
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 151) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (25/ آ) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 178) و «متعة الأذهان» الورقة (55/ ب) .(10/338)
ومعتقديه، وسمع الحديث على الشيخ سراج الدّين الصيرفي، وكان يتسبب هو ووالده ببيع المياه المستخرجة، وإليه ينسبان.
عمّر صاحب الترجمة زاوية بحذاء الجسر الأبيض، وكانت قديما مسجدا، ثم أخذ يقيم الأوقات فيها سنين، وكان يكثر من شهود الجنائز ومجالس الفقراء، ويزور الصلحاء والضعفاء.
وله شعر منه:
ولقد شكوتك بالضّمير إلى الهوى ... ودعوت من حنقي عليك فأمّنا
منّيت نفسي من وصالك قبلة ... ولقد يضرّ المرء بارقة المنى
توفي ليلة السبت سادس عشر ربيع الآخر، ودفن تحت كهف جبريل تجاه تربة السّبكيين.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن حسن الحموي الشافعي [1] نزيل دمشق الإمام العلّامة الشهير بابن أبي سعيد.
قيل: إنه نسب إلى المتولي من أصحاب الشافعي.
ولد سنة ست وستين وثمانمائة، وقرأ على جماعة من العلماء، ولزم البدر الغزّي، وقرأ عليه شرحه على «المنهاج» قراءة بحث وتحقيق وإتقان، وقرأ عليه كتبا كثيرة في علوم متعددة.
وكان بارعا، ذا يد في الأصول والفقه، ومشاركة جيدة في البيان، والنحو، والمنطق، وغير ذلك، مع اطراح زائد.
وتوفي بدمشق في هذه السنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد الدّيري الأصل الحلبي [2] الشافعي الإمام العلّامة الحجّة الفهّامة المعروف بابن الخناجري ووالده بابن عجل.
__________
[1] ترجمته في «ذخائر القصر» الورقة (43/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/ 199- 200) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 251- 255) و «الكواكب السائرة» (2/ 14) .(10/339)
كان له يد طولى في الفقه، والفرائض، والحساب، مع المشاركة في فنون أخر [1] .
قرأ في الحساب على الجمال بن النّجار المقدسي الشافعي صاحب «بغية الرائض في علم الفرائض» . وكان لطيف المحاضرة، حسن المعاشرة، كثير المفاكهة والممازحة، معتقدا في الصوفية.
قال تلميذه ابن الحنبلي: كان يسمع الآلات، ويقول أنا ظاهري أعمل بقول ابن حزم الظّاهري.
وقال في «الكواكب» : وذكره شيخ الإسلام الوالد في «رحلته» فقال: الشيخ الإمام، والحبر الهمام، شيخ المسلمين أبو عبد الله محمد شمس الدّين الخناجري الشافعي، شيخ الفواضل والفضائل، وإمام الأكابر والأفاضل، وبدر الإنارة، المشرق لسري القوافل، وشمس الحقائق التي مع ظهورها النجوم أوافل، له المناقب الثواقب، والفوائد الفرائد، والمنهاج المباهج، وله بالعلم عناية تكشف العماية، ونباهة تكسب النزاهة، ودراية تقصد الرواية، ومباحثه تشوق ومناقشة تروق، مع طلاقة وجه، وتمام بشر، وكمال خلق، وحسن سمت، وخير هدى، وأعظم وقار، وكثرة صمت.
ثم أنشد:
ملح كالرياض غازلت الشم ... س رباها وافترّ عنها الربيع
فهو للعين منظر مونق الحس ... ن وللّنفس سؤدد مجموع
ومن لطائف القاضي جابر متغزلا موريا باسم صاحب الترجمة والبدر السيوفي شيخي حلب:
سللن سيوفا من جفون لقتلتي ... وأردفنها من هدبها بالخناجر
فقلت أيفتي في دمي قلن لي أجل ... أجاز السيوفي ذاك وابن الخناجري
__________
[1] في «ط» : «أخرى» .(10/340)
وتوفي في يوم عرفة بعد وفاة الشيخ شهاب الدّين الهندي بأشهر، فقال ابن الحنبلي يرثيهما:
ثوى [1] شيخنا الهنديّ في رحب رمسه ... ففاضت دموعي من نواحي محاجري [2]
ومن بعده مات الإمام الخناجري ... وبان فكم من غصّة في الحناجر
وفيها المولى محيي الدّين محمد بن قاسم الرّومي الحنفي [3] الإمام العلّامة، أحد موالي الرّوم.
ولد بأماسية وترقّى في التداريس، حتّى درّس بإحدى الثمان، ثم أعطي مدرسة السلطان بايزيد بأماسية، ثم السليمانية بجوار أيا صوفيا، وهو أول مدرّس بها، ثم أعيد إلى إحدى الثمان، ومات وهو مدرّس بها [4] بثمانين عثمانيا.
وكان عالما، صالحا، محبا للصوفية، مشتغلا بنفسه، قانعا، مقبلا على العلم والعبادة، وله مهارة في القراآت والتفسير، واطلاع على العلوم الغريبة كالأوفاق، والجفر، والموسيقا، مع المشاركة في كثير من العلوم.
وكان له يد في الوعظ والتذكير، وصنّف كتاب «روضة الأخيار» [5] في علوم المحاضرات، و «حواشي على شرح الفرائض» للسيد، و «حواشي على أوائل شرح الوقاية» لصدر الشريعة.
وتوفي في هذه السنة وصلّي عليه وعلى ابن كمال باشا بجامع دمشق يوم الجمعة ثاني [ذي] القعدة.
وفيها شمس الدّين محمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الغنيّ الزّحلي [6] الشافعي الفاضل، أحد مباشري الجامع الأموي.
__________
[1] في «الكواكب السائرة» : «توفي» .
[2] تحرفت في «الكواكب السائرة» إلى «خناجري» فلتصحح.
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (237- 238) و «الكواكب السائرة» (2/ 57- 58) .
[4] لفظة «بها» سقطت من «ط» .
[5] في «ط» : «الأخبار» .
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 60) .(10/341)
قال في «الكواكب» : حضر دروس شيخ الإسلام الوالد، وسمع عليه رسالة القشيري.
قال ابن طولون: وكان لا بأس به، وكان قد باع عقاره وخرج إلى الحجّ عازما على المجاورة فمات في طريق الحجاز في الذهاب في [أرض] الأقيرع، المعروفة بمفارش الرز.
وفيها شمس الدّين محمد بن يونس [بن يوسف] [1] بن المنقار، الأمير المولوي الحلبي الأصل [2] .
ولي نيابة صفد، وقطن [3] دمشق.
قال ابن طولون: كان عنده حشمة.
وتوفي بدمشق يوم الثلاثاء رابع ربيع الأول ودفن بالخوارزمية تحت كهف جبريل بوصية منه.
وفيها المنلا شمس الدّين محمد الأنطاكي [4] الإمام العلّامة.
توفي بالقدس الشريف في هذه السنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن الطلحة الشافعي العجلوني [5] الصّالح العابد المحدّث البسّامي- نسبة إلى أحد أجداده بسام-.
دخل دمشق، وأمّ بالجامع نيابة، وكان له سند بالمصافحة والمشابكة وإرسال العذبة.
أخذ عنه ابن طولون وغيره، ثم عاد إلى عجلون ومات بها في أحد [6] الجمادين.
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 67) .
[3] في «ط» : «ووطن» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 69) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 69- 70) .
[6] في «ط» : «إحدى» .(10/342)
وفيها قاضي القضاة محبّ الدّين محمد بن ظهيرة الشافعي [1] الإمام العالم العلّامة قاضي مكة.
توفي بها في ذي القعدة.
وفيها مخلص الشيخ الصالح [2] العابد محيي السّنّة في بلاد الغربية من بلاد مصر بعد موت شيخه أبي الخير بن نصر بمحلّة منوف.
كان مقيما بأبشية الملق [3] ، وكان سيدي محمد الشناوي يكرمه ويجلّه.
قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: صحبته نحو ثلاث سنين بعد موت شيخي الشيخ محمد الشناوي.
قال: وحصل لي منه دعوات صالحة وجدت بركتها وأوصاني بإيثار الخمول على الظهور، وبعدم التعرّف بأركان الدولة.
قال: ولم يزل على المجاهدة والتقشف على طريقة الفقراء إلى أن توفي ودفن بأبشية الملق وقبره بها ظاهر يزار.
وفيها نور الدّين بن عين الملك الصالحي الشيخ الصّالح [4] .
كان محبا لطلبة العلم، ملازما لعمل الوقت بزاوية جدّه عين الملك بسفح قاسيون. توفي يوم الجمعة سادس شعبان.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 70) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 250) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 147) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 255) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 255) .(10/343)
سنة إحدى وأربعين وتسعمائة
وفيها توفي القاضي تقي الدّين أبو بكر بن شهلا الأسمر الشافعي الدمشقي [1] المتصوف.
تولى نيابة القضاء مرارا، وصار له صيت عند قضاة الأروام خصوصا ابن إسرافيل، ثم انحرف عليه وعزله، واستمرّ معزولا إلى أن توفي يوم الخميس ثاني صفر ودفن بتربة الشيخ أرسلان وخلّف دنيا كثيرة، قيل: إنها سبعة عشر ألف دينار.
وفيها المولى أحمد، وقيل: عبد الأحد بن عبد الله، وقيل: ابن عبد الأحد الحنفي، الشهير بقراأوغلي [2] الفاضل أحد الموالي الرّومية.
قال صاحب «الشقائق» : كان من عتقاء السيد إبراهيم الأماسي أحد الموالي، فقرأ على مولاه المذكور، ثم درّس ببعض نواحي أماسية، ثم بمدرسة أماسية، ثم بأبي أيوب الأنصاري، ثم بإحدى الثمانية، ثم أعطي قضاء دمشق، ودخلها في أحد [3] الجمادين سنة أربعين وهو شيخ كبير، وكان الغالب عليه محبّة الصوفية والفقراء، ونادى بدمشق أن لا تخرج امرأة طفلة إلى الأسواق.
قال: وكان محبّا للعلماء وقورا، صاحب شيبة حسنة، صحيح العقيدة، محمود الطريقة، أديبا لبيبا.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 91) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (284) و «الكواكب السائرة» (2/ 109- 110) .
[3] في «ط» : «في إحدى» .(10/344)
وقال ابن طولون: بعد أن وصفه بالعلّامة وسمّاه أحمد بن عبد الأحد: وكان منوّر الشّيبة، محبا للصالحين، غير أن فوق يده أيديا، فكان ذلك يمنعه من سماع كلمته ونفوذ أمره.
وتوفي وهو قاض بدمشق يوم الثلاثاء حادي عشري ذي الحجّة، ودفن بباب الصغير عند سيدي بلال.
وفيها السيد تاج الدّين عبد الوهاب الصّواف الدمشقي الشافعي [1] الشريف المقرئ.
قال ابن طولون: سمع معي بمكّة على محدّثها الشيخ عزّ الدّين بن فهد وغيره، وبدمشق على مؤرّخها القاضي محيي الدّين النّعيمي وغيره، وكان يقرأ للأموات خصوصا بتربة باب الصغير، وكان يدعو في المحافل أدعية لطيفة.
وكان صالحا، فقيرا.
توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر شوال ودفن بباب الصغير.
وفيها نور الدّين علي البحيري الشافعي [2] أحد علماء القاهرة.
قال في «الكواكب» : بلغني أن المولى ابن كمال باشا لما كان بمصر كان يباحثه ويشهد له بالفضل التام، ويقول: لا تقولوا البحيري فتصغّروه [3] ولكنه البحري، يشير إلى تبحره في العلم.
توفي بمصر في شعبان، وترجمه ابن طولون بأنه آخر شيوخ المصريين.
وفيها المنلا عماد بن محمود الطّارمي [4] .
قال في «النور» : مولده بطارم [5] قرية من خراسان، ونشأ بها، واشتغل
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 188) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 216) .
[3] لفظة «فتصغروه» سقطت من «ط» .
[4] ترجمته في «النور السافر» ص (204- 205) .
[5] استوفى الكلام عليها صاحب «بلدان الخلافة الشرقية» ص (260) .(10/345)
بتحصيل فنون العلوم، حتى برع، ثم جاء إلى كجرات، وأقام بها إلى أن مات.
وكان بارعا في كثير من العلوم، سيما العقليات، وكانت له يد طولى في علم السيمياء، ويحكى عنه فيها حكايات مشهورة.
وممن أخذ عنه من الأعلام مولانا وجيه الدّين، ومولانا العلّامة القاضي عيسى. انتهى وفيها بهاء الدّين محمد بن محمد بن علي الفصي البعلي الشافعي [1] مفتي بعلبك، الإمام العلّامة المدقّق الفهّامة.
ولد ببعلبك سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وعرض «المنهاج» على البدر بن قاضي شهبة، ثم جدّ في الاشتغال في سنة إحدى وسبعين على جماعة، منهم الزين خطاب، ونجم الدّين، وتقي الدّين ابنا قاضي عجلون، وأذن له الشيخ تقي الدّين بالإفتاء والتدريس، وقرأ على القاضي زكريا الأنصاري، وأذن له أيضا بالإفتاء والتدريس في سنة خمس وثمانين، وكان عنده ذكاء، وشاب سريعا، وكان ألثغ. قاله النّعيمي.
وقال في «الكواكب» : كان من إخوان شيخ الإسلام الجدّ: وشيخ الإسلام الوالد، ومشاركيهما في الشيوخ، وإن كان الشيخ الوالد دونه في السنّ.
وتوفي ببعلبك يوم الأربعاء رابع عشري [2] المحرم.
قال ابن طولون: ولم يخلّف بعده مثله، ولا في دمشق في فقه الشافعية.
وفيها محيي الدّين محمد بن بير محمد باشا الحنفي [3] أحد موالي الرّوم، الإمام العلّامة.
قرأ على والده، ثم خدم المولى ابن كمال باشا، ثم المولى علاء الدّين
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (93/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 11) .
[2] في «آ» : «رابع عشر» .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (273- 274) و «الكواكب السائرة» (2/ 15) .(10/346)
الجمالي، وصار معيدا لدرسه [1] ، ثم درّس بمدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية، ثم بإحدى الثمان، ثم صار قاضي أدرنة، ومات قاضيا بها.
وكان عالي الهمّة، رفيع القدر، ذا أدب ووقار وحظ وافر من العلوم المتداولة.
__________
[1] في «ط» : «لدروسه» .(10/347)
سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة
فيها توفي إبراهيم المصري المجذوب الصّالح، المعروف بعصيفير [1] .
قال في «الكواكب» : كان من أهل الكشف الكامل، وأصله من نواحي الصعيد، وكان ينام مع الذئاب في القفار ويمشي على الماء جهارا.
قال الشعراوي: وأخبرني بحريق يقع في مكان فوقع فيه تلك الليلة، ومرّ عليه شخص بإناء فيه لبن فرماه منه فانكسر فإذا فيه حيّة ميتة، وأحواله عجيبة.
توفي بمصر ودفن تجاه زاوية أبي الحمائل.
وفيها أبو الفضل الأحمدي [2] ، صاحب الكشوفات الرّبانية والمواهب الصمدانية.
أخذ الطريق عن سيدي علي الخوّاص، والشيخ بركات الخوّاص، وغيرهما.
قال في «الكواكب» : وكان من أهل المجاهدات، وقيام الليل، والتخشن في المأكل والملبس، وكان يخدم إخوانه ويقدّم لهم نعالهم، ويهيئ الماء لطهارتهم.
وكان له كشف عجيب بحيث يرى بواطن الخلق وما فيها كما يرى ما في داخل البلور.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 85) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 140) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 94- 96) وما بين الحاصرتين في النص مستدرك منه، و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 173- 180) .(10/348)
وقال: سألت الله تعالى أن يحجب ذلك عني فأبى عليّ.
وكان يقول: أعطاني الله تعالى أن لا يقع بصري على حبّ فيسوّس، وجرّب ذلك فيه.
وقال الشعراوي: وقع بيني وبينه اتحاد عظيم لم يقع لي قطّ مع أحد من الأشياخ، وكنت إذا جالسته وسرى ذهني إلى مكان أو كلام يقول: ارجع بقلبك من الشيء الفلاني، فيعرف ما سرح قلبي إليه.
وكنت إذا ورد عليّ شيء من الحقائق وأردت [أن] أقوله له يقول لي: قف لا تخبرني حتى أسمعك ما ورد عليك فيقوله حرفا بحرف.
وقال في «الطبقات الكبرى» : حجّ مرات على التجريد، فلما كان آخر حجّة كان ضعيفا، فقلت له: في هذه الحال تسافر؟ فقال: لترابي فإن طينتي [1] مرّغوها في تربة الشهداء ببدر، فكان كما قال، وتوفي ببدر.
وفيها إسماعيل الشّرواني الحنفي [2] الإمام العلّامة المحقّق المدقّق الصّالح الزّاهد، العارف بالله تعالى.
قرأ على علماء عصره، منهم الجلال الدواني، ثم خدم العارف بالله خواجه عبيد الله السّمرقندي، وصار من كملّ أصحابه، ولما مات خواجه عبيد الله ارتحل المترجم إلى مكّة المشرّفة وتوطنها، ودخل الرّوم في ولاية السلطان أبي يزيد، ثم عاد إلى مكّة وأقام بها إلى أن مات.
قال في «الشقائق» : كان رجلا، معمّرا، وقورا، مهيبا، منقطعا عن الناس، مشتغلا بنفسه، طارحا للتكلّف، حسن المعاشرة، له فضل عظيم في العلوم الظاهرة.
وألّف «حاشية على تفسير البيضاوي» وكان يدرّس بمكّة فيه وفي «البخاري» .
__________
[1] في «الكواكب السائرة» : «فإن نطفتي» .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (214) و «الكواكب السائرة» (2/ 123) .(10/349)
وتوفي بها في عشر ذي الحجّة عن نحو أربع وثمانين سنة.
وفيها بديع بن الضّياء [1] قاضي مكّة المشرّفة، وشيخ الحرم بها.
قال ابن طولون: كان من أهل الفضل والرئاسة. قدم دمشق ثم سافر إلى مصر، فبلغه تولية قضاء مكّة للشيخ زين الدّين عبد اللطيف بن أبي كثير، فرجع إلى دمشق، وأقام بها مدة، ثم سافر إلى الرّوم سنة إحدى وأربعين بعد أن حضر عند الشيخ على الكيزواني تجاه مسجد العفيف بالصالحية، وسمع المولد وشرب هو والشيخ علي وجماعته القهوة المتخذة من البن، ولا أعلم أنها شربت في بلدنا هذه- يعني دمشق- قبل ذلك، فلما وصل القاضي بديع إلى الرّوم أعيد إليه قضاء جدّة، ثم رجع فتوفي بمدينة [2] بدليس [3] من أطراف ديار بكر. انتهى ملخصا.
وفيها جابر بن إبراهيم بن علي التّنوخي القضاعي الشافعي [4] القاطن بجبل الأعلى من معاملة حلب.
ولي نيابة القضاء به، وكان شاعرا، عارفا بالعروض والقوافي وطرفا من النحو، مستحضرا لكثير من اللغة ونوادر الشعراء، حافظا لكثير من «مقامات الحريري» .
حضر دروس العلاء الموصلي بحلب وذاكره.
ومن نظمه:
طاب الزّمان وراقت الصّهباء ... وشدت على أوراقها الورقاء
وهي طويلة.
وتوفي في جمادى الآخرة.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 126) .
[2] لفظة «بمدينة» سقطت من «آ» .
[3] قلت: وجاء في «معجم البلدان» (1/ 358) ما نصه: بدليس: بلدة من نواحي إرمينية قرب خلاط.
[4] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 417- 434) و «الكواكب السائرة» (2/ 130- 131) و «الأعلام» (2/ 103) .(10/350)
وفيها عبد الله بن محمد بن أحمد بأفضل العدني الشافعي [1] .
قال في «النور» : تفقّه بوالده [2] ، وانتصب بعده للتدريس بعدن، وكان فقيها، محدّثا، فاضلا، حسن الأخلاق، شريف النّفس، مخالقا للناس، حسن السعي في حوائج المسلمين، محبّبّا إليهم، سليم الصّدر. عميّ في آخر عمره وتطبّب، فرد الله عليه بصره، ولم يزل على الحال المرضي إلى أن توفي ضحى يوم الخميس حادي عشر شعبان بعدن.
وفيها زين الدّين أبو هريرة عبد الرحمن بن حسن، الشهير بابن القصّاب الكردي الحلبي الشافعي [3] الإمام العالم العامل الكامل، أحد المدرّسين بحلب.
أخذ عن البدر بن السّيوفي وغيره، وتوفي بحلب.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن جلال الدّين محمد البصروي [4] الحنفي، الشافعي والده، وهو- أي المترجم- سبط العلّامة زين الدّين عبد الرحمن بن العيني الحنفي.
قال ابن طولون: رأيته يدرّس في «المختار» .
وتوفي بالحسا أحد منازل الحاج.
وفيها زين الدّين عبد القادر بن اللحّام البيروتي الشافعي [5] العلّامة.
توفي ببيروت. قاله في «الكواكب» .
وفيها نور الدّين علي بن ياسين الطّرابلسي [6] الحنفي، الشيخ الإمام، شيخ الإسلام، شيخ الحنفية بمصر، وقاضي قضاتها.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (207- 208) .
[2] ترجم الزركلي رحمه الله في «الأعلام» (5/ 335- 336) لوالد المترجم (محمد بن أحمد بالفضل) ترجمة نافعة.
[3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 748) و «الكواكب السائرة» (2/ 157- 158) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 157) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 171) .
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 211- 214) .(10/351)
اشتغل على الشمس الغزّي، والصّلاح الطرابلسي.
وكان ديّنا، متقشفا، مفنّنا في العلوم، ولي قضاء القضاة في الدولة السليمانية إلى أن جاء قاض لمصر رومي من قبل السلطان سليمان، فاستمر معزولا يفتي ويدرّس إلى أن مات، وهو ملازم على النّسك والعبادة.
قال الشعراوي: كان كثير الصّدقة سرّا وجهرا، وأنكر عليه قضاة الأروام بسبب إفتائه بمذهبه الراجح عنده، وكاتبوا فيه السلطان، وجرحوه بما هو بريء منه، فأرسل السلطان يأمر بنفيه أو قتله، فوصل المرسوم يوم موته بعد أن دفناه، وكانت هذه كرامة له. انتهى.
وفيها قاسم بن زلزل بن أبي بكر القادري [1] أحد أرباب الأحوال المشهورين بحلب.
قال ابن الحنبلي: كان في أول أمره ذا شجاعة حمي بها أهل محلته المشارفة بحلب من اللصوص، وكان يعارضهم ليلا في الطرفات ويقول لهم:
ضعوا ما سرقتم وفوزوا بأنفسكم، أنا فلان، فلا يسعهم إلا وضعه، ثم صار مريدا للشيخ حسين بن أحمد الأطعاني، كما كان أبوه مريدا لأبيه، ثم صار مريدا لابن أرسلان الرّملي، وعلى يده حصلت له حال، وهو الذي حمله على سقاية الماء، فكان يسقي الماء في الطرقات وهو يذكر الله تعالى؟ وتحصل له الحال الصادقة فيرفع رجله ويبطش بها على الأرض، وذكر له كرامات كثيرة.
قال: وتوفي في أواخر السنة.
وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن يوسف [2] الدمشقي الحنفي [3] .
ناب في القضاء عن قاضي القضاة ابن الشّحنة، وعن قاضي القضاة ابن يونس بدمشق، ثم ثبت عليه وعلى رجل يقال له حسين البقسماطي عند قاضي
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 29- 30) و «الكواكب السائرة» (2/ 240- 240) .
[2] ويقال له «ابن سيف» أيضا كما في «الكواكب السائرة» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 35) .(10/352)
دمشق أنهما رافضيان، فحرقا تحت قلعة دمشق بعد أن ربطت رقابهما وأيديهما وأرجلهما في أوتاد، وألقى عليهما القنب والبواري والحطب، ثم أطلقت النار عليهما حتى صارا رمادا، ثم ألقي رمادهما في بردى، وكان ذلك يوم الثلاثاء تاسع رجب.
قال ابن طولون: وسئل الشيخ قطب الدّين بن سلطان مفتي الحنفية عن قتلهما، فقال: لا يجوز في الشرع بل يستتابان.
وفيها بدر الدّين محمد العلائي الحنفي المصري [1] العلّامة المسند المؤرّخ.
قال في «الكواكب» : أخذ عن شيخ الإسلام الجدّ وغيره، وأثنى عليه العلّامة جار الله ابن فهد وغيره. انتهى.
[2] وفيها الشيخ شمس الدّين محمد الشامي [3] .
قال العلّامة الشعراني في «ذيله على طبقاته» ما نصه: ومنهم الأخ الصّالح العالم الزاهد، الشيخ شمس الدّين محمد الشّامي المتمسك بالسّنة المحمدية، نزيل التربة البرقوقية، وكان عالما، صالحا، مفنّنا في العلوم، وألّف «السيرة النبوية» [4] المشهورة التي جمعها من ألف كتاب، وأقبل الناس على كتابتها ومشى فيها على أنموذج لم يسبق إليه أحد.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 70) .
[2] ما بين الرقمين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[3] ترجمته في «فهرس الفهارس» (2/ 1062- 1064) و «الأعلام» (7/ 155) و «معجم المؤلفين» (10/ 63) .
[4] قال عنها الكتاني في «فهرس الفهارس» (2/ 1063) : «في نحو سبع مجلدات ضخمة، هي عندي، سمّاها «سبل الرشاد في سيرة خير العباد وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد» جمعها من ألف كتاب، وتحرى فيها الصواب، وختم كل باب بإيضاح ما أشكل فيه، وبعض ما اشتمل عليه من النفائس المستجدات، مع بيان غريب الألفاظ وضبط المشكلات، خرّج بعضها من مسودة المؤلف تلميذه العلّامة الشمس محمد بن محمد بن أحمد الفيشي المالكي من أثناء باب السرايا.(10/353)
كان عزبا لم يتزوج قطّ، وإذا قدم عليه المضيف يعلّق القدر ويطبخ له.
كان حلو المنطق، مهيب النظر، كثير الصيام والقيام، بت عنده الليالي فما كنت أراه ينام في الليل إلّا قليلا.
كان إذا مات أحد من طلبة العلم وخلّف أولادا قاصرين وله وظائف يذهب إلى القاضي ويتقرر فيها ويباشرها ويعطي معلومها [1] للأيتام حتّى يصلحوا للمباشرة.
كان لا يقبل من مال الولاة وأعوانهم شيئا، ولا يأكل من طعامهم، وذكر لي شخص من الذين يحضرون قراءة سيرته في جامع الغمري أن أسأله في اختصار «السيرة» وترك ألفاظ غريبها، وأن يحكي السير على وجهها كما فعل ابن سيّد الناس، فرأيته بين القصرين وأخبرته الخبر، فقال: قد شرعت في اختصارها من مدة كذا، فرأيت ذلك هو الوقت الذي سألني فيه ذلك الرجل.
وكانت عمامته نحو سبعة أذرع على عرقية، لم يزل غاضا طرفه سواء كان ماشيا أو جالسا، رحمه الله.
وأخلاقه الحسنة كثيرة مشهورة بين أصحابه ورفقائه. انتهى كلام الشعراوي.
وقال سيدي أحمد العجمي المتولي سنة ست وثمانين وألف: أنه توفي يوم الاثنين رابع عشر شعبان- أي من هذه السنة- وله من المؤلفات «عقود الجمان في مناقب أبي حنيفة النعمان» [2] «الجامع الوجيز الخادم للغات القرآن العزيز» «مرشد السالك إلى ألفية ابن مالك» النّكت عليها اقتضبه من نكت شيخه السيوطي عليها،
__________
قلت: وقد نشرت القسم المتعلق من هذا الكتاب العظيم دار ابن كثير بدمشق هذا العام بتحقيق الأستاذ محمد نظام الدّين الفتّيح، نزيل المدينة المنورة، وهي نشرة جيدة متقنة مفهرسة.
[1] أي راتبها.
[2] قال الكتاني في «فهرس الفهارس» : «وهو الذي لخصه ابن حجر الهيتمي في كتابه «الخيرات الحسان في مناقب الإمام أبي حنيفة النعمان» عقد فيه بابا مهما لذكر المسانيد السبعة عشر المجموع فيها حديث أبي حنيفة رضي الله عنه، وجوّد سياق أسانيده إليها عن شيوخه ما بين سماع وقراءة وإجازة، مشافهة وكتابة، بأسانيدهم إلى مخرّجيها» .(10/354)
وعلى «الشذور» و «الكافية والشافية» و «التحفة» وزاد عليه يسيرا، و «الآيات العظيمة الباهرة في معراج سيد أهل الدنيا والآخرة» ومختصره المسمى ب «الآيات البينات في معراج سيد أهل الأرض والسموات» ، «رفع القدر ومجمع الفتوة في شرح الصدر» و «خاتم النبوة» «كشف اللّبس في رد الشمس» «شرح الجرومية» ، «الفتح الرحماني شرح أبيات الجرجاني» الموضوعة في الكلام، «وجوب فتح أن وكسرها وجواز الأمرين» «إتحاف الراغب الواعي في ترجمة أبي عمرو الأوزاعي» «النّكت المهمات في الكلام على الأبناء والبنين والبنات» «تفصيل الاستفادة في بيان كلمتي الشهادة» «إتحاف الأريب بخلاصة الأعاريب» «الجواهر النفائس في تحبير كتاب العرائس» «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» «عين الإصابة في معرفة الصحابة» انتهى.
وفيها المولى محيي الدّين محمد القرماني [1] الحنفي [2] أحد الموالي الرّومية.
قرأ على علماء العجم، ثم دخل الرّوم، فقرأ على المولى يعقوب بن سيدي على شارح «الشرعة» [3] ، وصار معيدا لدرسه، ثم درّس ببعض المدارس، ثم أعطي مدرسة أزنيق ومات عنها.
وكان مشتغلا بالعلم ليلا ونهارا، علّامة في التفسير، والأصول، والعربية، له تعليقات على «الكشّاف» و «القاضي» و «التلويح» و «الهداية» و «شرح رسالة إثبات الواجب الوجود» للدواني، وله «حواش على شرح الوقاية» لصدر الشريعة وكتاب في المحاضرات سماه «جالب السرور» .
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» : «القرماني» وفي «الكواكب السائرة» : «القراماني» وفي «الشقائق النعمانية» :
«القراباغي» .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (272) و «الكواكب السائرة» (2/ 70) .
[3] في «ط» : «الشريعة» .(10/355)
وفيها جمال الدّين يوسف بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الأنصاري السّعدي العبادي الحلبي الحنفي [1] .
كان فرضيا، حيسوبا، فقيها، ولي نيابة القضاء في الدولتين، ومات فقيرا بأنطاكية.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 2/ 585) و «الكواكب السائرة» (2/ 261) .(10/356)
سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة
في ثالث رمضانها قتل السلطان بهادر بن السلطان مظفّر [1] صاحب كجرات من بلاد الهند، قتل في بندر الديو، وجاء تاريخ قتله قتل سلطاننا بهادر.
وفيها توفي شهاب الدّين أبو النّجيب أحمد بن أبي بكر الحبيشي الحلبي [2] .
قال ابن الحنبلي: وبموته انقرض الذكور من بيت الحبيشي.
وفيها السيد الحاضري المغربي المالكي [3] نزيل دمشق بالتربة الأشرفية شمالي الكلّاسة جوار الجامع الأموي.
تزوج بابنة القاضي كمال الدّين الباقعي الشافعي، ثم سافر من دمشق إلى الروم، وحصل له إقبال زائد من السلطان، والوزير إياس باشا، وأعطي دنيا ووظائف، منها إمامة المالكية بالجامع، ثم عاد فمات بحلب.
وفيها عفيف الدّين عبد الله بن أحمد سرومي الشّحري اليمني الفقيه الشافعي [4] .
ولد بالشحر، ونشأ بها، وقرأ القرآن، ثم ارتحل إلى زبيد لطلب العلم، فأخذ عن إمامها الفقيه كمال الدّين موسى بن الزين، والعلّامة جمال الدّين
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (210) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 234) و «الكواكب السائرة» (2/ 102) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 150) .
[4] ترجمته في «النور السافر» ص (208- 209) .(10/357)
القماط، وغيرهما، ثم رجع إلى بلده الشحر، فأخذ عن عالمها عفيف الدّين المعروف بالحاج ولازمه، ثم سعى له في وظيفة القضاء بها، فاستمر قاضيا بها إلى أن عزم على الحجّ.
وكان- رحمه الله- يحب الطلبة ويؤهلهم، ويحب الإفادة والاستفادة، لطيفا، قريب الجناب، سليم الباطن، قوي الصبر على الطاعة والأوراد النبوية، كثير التعظيم للأكابر من العلماء والصالحين، واعتنى ب «حاشية على الروضة» لكن عدمت، وذلك أن أحد أولاده دخل بها الهند فعدمت هناك.
وتوفي بمكة المشرّفة في ذي القعدة قبل أن يحجّ ودفن [1] بالمعلاة.
وفيها عبد الغني العجلوني الأربدي الجمحي [2]- بضم الجيم، وإسكان الميم، وبالحاء المهملة، نسبة إلى قرية جمحى، كقربى من قرى إربد-.
قال في «الكواكب» : كان من أولياء الله تعالى، حسن الطريقة، صحيح العقيدة، ضابطا للشريعة، كافّا للسانه، تردّد إلى دمشق مرارا، وكان سيدي محمد بن عراق يجلّه ويعظّمه.
وكان قانعا زاهدا، متواضعا ملاحظا للإخلاص، ليس له دعوى، حافظا لجوارحه ولسانه، مقبلا على شأنه مات ببلده جمحى. انتهى ملخصا وفيها شمس الدّين محمد بن ولي الدّين الحنفي الحلبي [3] المقرئ المجود، الشهير بأبيه.
كان من تلاميذ العلّامة شمس الدّين بن أمير حاج الحلبي الحنفي، ومن مريدي الشيخ عبد الكريم الحافي.
وكان له خط حسن، وهيئة مقبولة، وسكينة وصلاح.
__________
[1] لفظة «ودفن» لم ترد في «ط» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 171- 172) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 60) .(10/358)
وكان يؤدّب الأطفال داخل باب قنسرين، وله في كل سنة وصيّة، وفي سنة موته أوصى مرتين.
ومات مسموما، رحمه الله تعالى.
وفيها صدر الدّين محمد بن الناسخ [1] الإمام العلّامة، شيخ مدينة طرابلس الشام.
توفي بها، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد الأويسي البعلي الحنفي [2] خليفة الشيخ أويس، وكان أجلّ خلفائه، يعرف التصوف معرفة جيدة، وله مشاركة في غيره.
توفي ببعلبك، رحمه الله.
وفيها القاضي جمال الدّين يوسف بن يونس بن يوسف بن المنقار الحلبي الأصل الدمشقي الصالحي [3] .
قطن بصالحية دمشق، وولي قضاء صفد، ثم خرت برت، ولم يذهب إليها، وولي نظر الماردانية والعزّية [4] بالشرف الأعلى، وأثبت أنه من ذريّة واقفيها، ثم لما توفي نازع ولديه في العزّية يحيى بن كريم الدّين، وأثبت أنه من ذريّة واقفيها، وقد ذكر الطّرسوسي في «أنفع الوسائل» أن ذريّة محمد الواقف قد انقرضت.
وولي المذكور نظر البيمارستان القيمري وغيره، ثم أثبت أنه منسوب إلى الخلفاء العباسيين. قاله في «الكواكب»
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 70) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 70- 71) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 262) .
[4] في «ط» : «والمعزية» .(10/359)
سنة أربع وأربعين وتسعمائة
فيها توفي المولى أبو اللّيث الرّومي الحنفي [1] أحد موالي الرّوم.
خدم المولى الشهير بضميري، وبه اشتهر، وصار معيدا لدرسه، ثم صار مدرّسا بمدرسة الوزير محمود باشا بالقسطنطينية، ثم بأبي أيوب، ثم بإحدى الثمان، ثم صار قاضيا بحلب.
قال ابن الحنبلي: إنه كان علائي الأصل، نسبة إلى العلائية قصبة قريب أذنة. قال: وكان له إليّ [2] إحسان برقم بعض العروض في بعض المناصب الحلبية حتى نظمت له ما نظمت وأنا بمجلسه، وقد دفع إليّ عرضا، وكان على وفق المراد فقلت:
أتمحل أرض أو يشيب بناتها ... وأنت لأرض يا أخا الغيث كالغوث [3]
محال وما من همّة قسوريّة ... تفوت أخا عدم وأنت أبو اللّيث
ثم ولي قضاء دمشق ودخلها يوم الخميس تاسع شعبان سنة أربع وأربعين وتسعمائة، ثم توفي بها يوم الأربعاء حادي عشر رمضان من السنة المذكورة ودفن بباب الصغير.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (292) و «در الحبب» (2/ 1/ 73- 76) و «الكواكب السائرة» (2/ 96) .
[2] لفظة «إلى» سقطت من «آ» .
[3] في «آ» و «ط» : «كالغيث» والتصحيح من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلّف.(10/360)
وفيها المولى إسحاق بن إبراهيم الإسكوبي، وقيل البروصاوي [1] ، أحد موالي الرّوم.
طلب العلم، وأخذ عن جماعة، وخدم المولى بالي الأسود، ثم صار مدرّسا بمدرسة إبراهيم باشا بأدرنة، ثم بمدرسة إسكوب إلى أن درّس بإحدى الثمان، ثم أعطي قضاء دمشق، فدخلها في ثامن ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين، ولما دخلها قال: لا يدخل عليّ أحد إلى ثلاثة أيام لأستريح، فإني شيخ كبير مسفور، ثم برز للناس، واجتمعوا به، وحكم بينهم فشكر في أحكامه، واشتهرت عفّته واستقامته.
وتوفي ليلة الاثنين خامس عشري ربيع الثاني بدمشق ودفن بباب الصغير.
وفيها- كما قال في «النّور» - توفي جدّي الشريف عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس [2] .
ولد سنة سبع وثمانين وثمانمائة، وكان من كبار الأولياء. صحب عمّه الشيخ الكبير فخر الدّين أبا بكر بن عبد الله العيدروس صاحب عدن، واختص به، وكذا صحب عمّه الشيخ حسين، وأباه الشيخ شيخ، وغيرهما من الأكابر، وأخذ عنهم، وتخرّج بهم إلى أن بلغ المرتبة التي تعقد عليها الخناصر.
وكان له جاه عظيم في قطر اليمن، وقبول كثير عند الخاص والعام، خصوصا في ثغر عدن، ولبس منه الخرقة جماعة، منهم ابن حجر المكّي [3] .
وكان حسن الأخلاق، كثير الإنفاق، شريف النّفس والأوصاف، نقيب السادة الأشراف، وافر العقل، ظاهر الفضل، غني النّفس، قانعا بالكفاف، وضيء الوجه، أخضر اللون، طويل القامة، كثير المناقب، عظيم المواهب، ليس له في زمانه نظير، ذا كرامات ظاهرة كثيرة.
توفي ليلة الأربعاء رابع عشر شعبان بتريم [4] ودفن بها. انتهى.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (281- 282) و «الكواكب السائرة» (2/ 122) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (210- 211) .
[3] يعني الهيتمي.
[4] تريم: من حصون حضرموت. انظر «معجم ما استعجم» (1/ 311) .(10/361)
وفيها الحافظ وجيه الدّين أبو محمد عبد الرحمن بن علي الدّيبع الشيباني العبدري الزّبيدي الشافعي [1] .
قال- رحمه الله- في آخر كتابه «بغية المستفيد بأخبار زبيد» : كان مولدي بمدينة زبيد المحروسة في يوم الخميس الرابع من المحرم الحرام سنة ست وستين وثمانمائة في منزل والدي منها، وغاب والدي عن مدينة زبيد في آخر السنة التي ولدت فيها ولم تره عيني قطّ، ونشأت في حجر جدّي لأمّي العلّامة الصّالح العارف بالله تعالى شرف الدّين أبي المعروف إسماعيل بن محمد بن مبارز الشافعي، وانتفعت بدعائه لي، وهو الذي ربّاني جزاه الله عنّي بالإحسان وقابله بالرّحمة والرّضوان.
وقال في «النور» : هو الإمام، الحافظ، الحجّة، المتقن، شيخ الإسلام، علّامة الأنام، الجهبذ، الإمام، مسند الدّنيا، أمير المؤمنين في حديث سيد المرسلين، خاتمة المحقّقين، ملحق الأواخر بالأوائل، أخذ عمّن لا يحصى، وأخذ عنه الأكابر، كالعلّامة ابن زياد، والسيد الحافظ الطّاهر بن حسين الأهدل، والشيخ أحمد بن علي المزجاجي، وغيرهم.
وأجاز لمن أدرك حياته أن يروي عنه، فقال:
أجزت لمدركي وقتي وعصري ... رواية ما تجوز روايتي له
من المقروء والمسموع طرّا ... وما ألّفت من كتب قليله
ومالي من مجاز من شيوخي ... من الكتب القصيرة والطّويله
وأرجو الله يختم لي بخير ... ويرحمني برحمته الجزيلة
وكان ثقة، صالحا، حافظا للأخبار والآثار، متواضعا، انتهت إليه رئاسة الرحلة في علم الحديث، وقصده الطلبة من نواحي الأرض.
ومن مصنّفاته «تيسير الوصول إلى جامع الأصول» في مجلدين [2] ،
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (212- 221) و «الكواكب السائرة» (2/ 158- 159) و «البدر الطالع» (1/ 335- 336) و «الأعلام» (3/ 318) .
[2] طبع في مصر قديما في مجلدين وهي طبعة متقنة، ثم طبع فيها مرة أخرى سنة (1346 هـ) طبعة(10/362)
و «مصباح المشكاة» و «شرح دعاء ابن أبي حربة» و «غاية المطلوب وأعظم المنّة فيما يغفر الله به الذنوب ويوجب به الجنّة» و «بغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد» وكتاب «قرة العيون في أخبار اليمن الميمون» .
وله «مولد شريف نبوي» وكتاب «المعراج» ، إلى غير ذلك [1] .
ومن شعره قوله في «صحيح» البخاري ومسلم [2] :
تنازع قوم في البخاري ومسلم ... لديّ وقالوا: أيّ ذين يقدّم
فقلت لقد فاق البخاري صنعة ... كما فاق في حسن الصّياغة مسلم
ومنه فيهما [3] :
قالوا لمسلم سبق ... قلت البخاريّ جلّى
قالوا تكرّر فيه ... قلت المكرّر أحلى
ولم يزل على الإفادة، وملازمة بيته ومسجده لتدريس الحديث والعبادة، واشتغاله بخويصته عما لا يعنيه، إلى أن توفي ضحى يوم الجمعة السادس والعشرين من رجب.
__________
متقنة محررة في أربع مجلدات بتحقيق فضيلة الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السّنة المحمدية رحمه الله تعالى.
[1] قلت: ومن كتبه التي لم يذكرها المؤلف رحمه الله:
كتابه الشهير «حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار صلى الله عليه وعلى آله المصطفين الأخيار» المطبوع في مطبعة محمد هاشم الكتبي بدمشق قبل أكثر من عشر سنوات بتحقيق فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الله إبراهيم الأنصاري القطريّ رحمه الله تعالى، واعتناء الأستاذ يحيى عبّارة.
وكتابه الشهير الآخر: «تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث» وقد اختصر به كتاب شيخه العظيم الحافظ السخاوي «المقاصد الحسنة لبيان كثير من الأحاديث التي تدور على الألسنة» وقد طبع عدة مرات في مصر ولبنان، لكنه بحاجة ماسة لإخراجه في طبعة محققة متقنة نظرا لأهمية.
[2] أي في صحيح كل منهما والبيتان في «النور السافر» ص (218) .
[3] البيتان في «النور السافر» ص (218) .(10/363)
وفيها المولى عبد الرحيم بن علي بن المؤيد، المشهور بحاجي جلبي الرّومي القسطنطيني [1] الحنفي، عرف بابن المؤيد الفاضل العلّامة، أحد الموالي الأصلاء.
قال في «الشقائق» : كان أولا من طلبة العلم الشريف، وقرأ على المولى الفاضل سنان باشا، وعلى المولى خواجه زاده، وكان مقبولا عندهما، ثم سلك مسلك التصوف، واتصل بالشيخ العارف بالله محيي الدّين الإسكليبي، ونال عنده غاية متمناه، وحصل له شأن عظيم، وجلس للإرشاد في زاوية شيخه الشيخ مصلح الدّين السّيروزي [2] ، وربّي كثيرا من المريدين.
قال: وبالجملة فقد كان جامعا بين الفضيلتين العلم والعمل، وكان فضله وذكاؤه في الغاية، لا سيما في العلوم العقلية وأقسام العلوم الحكمية، وقد ظهرت له كرامات.
وقال في «الكواكب» : ذكره والده، فقال: استفدت منه واستفاد مني، وأخذت عنه وأخذ عني، واستجزته لولدي أحمد ولمن سيحدّث لي من الأولاد، ويوجد على مذهب من يرى ذلك.
ومما أخذ عني كثيرا من مؤلفاتي، وأن كتابة «خلّاق عليم» [3] ينفع لدفع الطاعون، فإنه مجرّب كما رواه لنا الأئمة الواعون.
ومما أفادني أن الإنسان إذا قال «ربّنا» خمس مرات ودعا استجيب له، واحتج بقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ من ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ 14: 37 إلى قوله: رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ 14: 40- 41 [إبراهيم: 37- 41] . قال فاستحضرت في الحال دليلا آخر ببركته، وهو قوله تعالى: رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ 3: 191 إلى قوله: رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ 3: 194 الآية وهي [آل عمران: 191- 194]
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (258) .
[2] في «آ» : «السروزي» وفي «ط» : «السروري» والتصحيح من «الشقائق النعمانية» .
[3] استعارة من قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ 15: 86 [الحجر: 86] .(10/364)
وهي تمام الخمس ثم أعقبها بقوله: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ 3: 195 [آل عمران: 195] فسرّ بذلك. انتهى ويؤيد هذا ما ورد [1] عن جعفر الصّادق: «من حزبه أمر فقال خمس مرّات:
ربّنا، أنجاه الله تعالى مما يخاف وأعطاه ما أراد، وقرأ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا 3: 191، الآيات» [2] . انتهى ملخصا وفيها عبد الواحد المغربي المالكي [3] نزيل دمشق، الشيخ الصالح.
قرأ على ابن طولون عدة مقدمات في النحو، ثم «الألفية» [4] وشرحها لابن المصنّف [5] . وسمع عليه في الحديث كثيرا، وبرع في فقه المالكية، تخرّج فيه على أبي الفتح المالكي، ودرّس بالجامع الأموي حسبة، وكان يقرئ الأطفال بالكلّاسة، ثم بالأمينية.
وتوفي في البيمارستان النّوري يوم الاثنين ثاني عشري صفر.
وفيها عبد الواسع [ابن خضر] [6] المولى الفاضل [7] العلّامة الحنفي الديمتوقي المولد، أحد موالي الرّوم.
كان والده من الأمراء، واشتغل هو بالعلم، وقرأ على المولى شجاع الدّين الرّومي، ثم على المولى لطفي التوقاتي وغيرهما، ثم ارتحل إلى بلاد العجم،
__________
[1] في «ط» : «ما روي» .
[2] هذا من كلام الإمام جعفر الصادق رحمه الله وهو موقوف عليه.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 185) .
[4] وهي للإمام العلّامة جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجيّاني، المتوفى سنة (672) وقد تقدمت ترجمته في المجلد السابع ص (590- 591) .
[5] وهو الإمام العلّامة محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجيّاني، المتوفى سنة (686) وقد تقدمت ترجمته في المجلد السابع ص (696- 697) وشرحه في غاية الحسن.
وقال الصفدي: ولم يشرح «الخلاصة» - يعني «الألفية» - بأحسن، ولا أسد، ولا أجزل منه، على كثرة شروحها. انظر «كشف الظنون» (1/ 151) (الحاشية) .
[6] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[7] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (334- 335) و «الكواكب السائرة» (2/ 185- 186) .(10/365)
ووصل إلى هراة، من بلاد خراسان، وقرأ هناك على العلّامة حفيد السعد التّفتازاني «حواشي شرح العضد» للسيد الشريف، ثم عاد إلى الرّوم في أواخر دولة السلطان سليم، فأنعم عليه بمدرسة علي بك بأدرنة إلى أن وصل إلى إحدى الثمان، ثم ولّاه قضاء بروسا، ثم ولّاه السلطان سليمان قضاء القسطنطينية، وبعد يومين جعله قاضيا بالعسكر الأناضولي، ثم عيّن له كل يوم مائة عثماني بطريق التقاعد، ثم صرف جميع ما في يده في وجوه الخيرات، وبنى مكتبين ومدرسة، ووقف جميع كتبه على العلماء بأدرنة، وكان عنده جارية، فأعتقها وزوّجها من رجل صالح، ثم ارتحل إلى مكة المشرّفة، وانفرد بها عن الأهل والمال والولد، واشتغل بالعبادة إلى أن توفي.
وفيها فخر الدّين أبو النّور عثمان بن شمس الآمدي ثم الدمشقي [1] الحنفي الإمام العلّامة المفنّن الخطيب.
ولي خطابة السليمية بصالحية دمشق، ومشيخة الجقمقية بالقرب من جامع الأموي، ودرّس بالجامع المذكور، وكان ساكنا يجيد تدريس المعقولات، وله يد طولى في علم النّغمة، وله كتابة حسنة، وحوى كتبا نفيسة.
وتوفي يوم الاثنين ثاني عشري ربيع الأول وهو في حدود السبعين، ودفن في طرف تربة باب الفراديس الشمالي.
وفيها نور الدّين علي الشّوني [2] الشافعي الصّالح المجمع على جلالته وصلاحه، أول من عمل طريقة المحيا بالصّلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلم بمصر.
ولد بشوني- قرية بناحية طندتا من غربية مصر- ونشأ في الصلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلم وهو صغير ببلده، ثم انتقل إلى مقام سيدي أحمد البدوي، فأقام فيه مجلس الصلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلم ليلة الجمعة ويومها، فكان يجلس في جماعة من
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 190) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 216- 219) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 171- 172) .(10/366)
العشاء إلى الصبح، ثم من صلاة الصبح إلى أن يخرج إلى صلاة الجمعة، ثم من صلاة الجمعة إلى العصر، ثم من صلاة العصر إلى المغرب، فأقام على ذلك عشرين سنة، ثم خرج يودّع رجلا من أصحابه في المركب أيام النيل كان مسافرا إلى مصر، ففات المركب بهم، وما رضي الريس يرجع بالشيخ، فدخل مصر فأقام بالتربة البرقوقية بالصحراء، وكان يتردد إلى الأزهر للصلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلم، فاجتمع عليه خلق كثير، منهم الشيخ عبد الوهاب الشعراوي لازمه نحو خمس سنين، ثم أذن له أن يقيم الصلاة في جامع الغمري ففعل، وكان الشيخ عبد القادر بن سوار يتردد إلى مصر في التجارة والطلب، فلازم الشّوني، ورجع إلى دمشق بهذه الطريقة، ثم اصطلح على تسمية هذه الطريقة بالمحيا، وانتشرت طريقة الشّوني ببركته في الآفاق.
وتوفي بالقاهرة ودفن بزاوية مريده الشيخ عبد الوهاب الشعراوي.
وفيها مبارك بن عبد الله الحبشي الدمشقي القابوني [1] الشيخ الصّالح المربي.
قال ابن المبرد في «رياضه» : الشيخ مبارك ظهر في سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وصار له مريدون، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر من إراقة الخمور وغيرها، بعد ما أبطل ذلك، وقام على الأتراك، وقاموا عليه.
وقال ابن طولون: قرأ الشيخ مبارك في «غاية الاختصار» على التّقي بن قاضي عجلون، وبنى له زاوية بالقرب من القابون التحتاني، وأقام هو وجماعته بها، وكان يتردّد إليه شيخ الإسلام المذكور، وكان هو وجماعته يترصّدون الطريق على نقلة الخمر فيقطون ظروفها ويريقونها، فبلغ الحكّام ذلك، فقبض النائب على بعض جماعة الشيخ وحبسهم في سجن باب البريد، فنزل الشيخ مبارك ليشفع فيهم فحبس معهم، فأرسل ابن قاضي عجلون يشفع فيه فأطلق، ثم هجم بقية جماعة الشيخ مبارك على السجن وكسروا بابه وأخرجوا من فيه من رفاقهم، فبلغ النائب فأرسل جماعة من مماليكه فقتلوا منهم نحو سبعين نفسا عند باب البريد، وقرب الجامع الأموي، ثم ترك الشيخ مبارك ذلك ولازم حضور الزوايا كزاوية
__________
[1] ترجمته في «الرياض اليانعة في أعيان المئة التاسعة» وهو مخطوط لم يطبع بعد.(10/367)
الشيخ أبي بكر بن داود بالسفح ووقت سيدي سعد بن عبادة بالمنيحة، وكان شديد السواد، عظيم الخلقة، له همّة عظيمة، وقوة بأس، وشدة، وله معرفة تامة بالنغمة، والصيد، والسباحة، يغوص في تيار الماء ويخرج وبين أصابع يديه ورجليه السمك، وحجّ ومعه جماعة من أصحابه، فلما دخلوا مكّة فرغت نفقتهم، فقال لبعض أصحابه: خذ بيدي إلى السوق واقبض ثمني واصرفه على بقية الجماعة، ففعل ذلك، واشتراه بعض تجار العجم، ثم أعتقه.
قال ابن طولون: والشيخ مبارك هو الذي أحدث اللهجة في الذكر. قال:
وحقيقتها أنهم يذكرون إلى أن يقتصروا من الجلالة على الهمزة والهاء، لكنهم يبدّلون الهاء حاء مهملة، فيقولون اح اح.
وتوفي يوم الخميس مستهل ربيع الأول ودفن بتربة القابون التحتاني.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد القادر بن أبي بكر بن الشّحّام العمري [1] الحلبي [2] الموقت الفقيه.
سمع الحديث المسلسل بالأولية على المحدّث عبد العزيز بن فهد المكّي، وكان ديّنا، خيّرا، رئيسا بجامع حلب.
قال ابن الحنبلي: قرأت عليه في الميقات.
سافر إلى دمشق فمرض بها، وتوفي بيمارستانها.
وفيها شمس الدّين محمد الظني [3] الشافعي العالم المعتقد.
كان يؤدّب الأطفال، وفي آخر عمره استمرّ مؤدّبا لهم بالقيمرية الجوانية، وأعطي مشيخة القرّاء بالشامية البرّانية وباشرها أشهرا، ثم مات عنها يوم الخميس رابع المحرم.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 281- 282) و «الكواكب السائرة» (2/ 43) .
[2] لفظة «الحلبي» سقطت من «آ» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 71) .(10/368)
وفي حدودها الشيخ تقي الدّين أبو بكر الأبياري المصري [1] الصوفي.
كان فقيها، زاهدا، عابدا، يعرف الفقه، والأصول، والحديث، والقراآت، والنحو، والهيئة.
وكان يقرئ الأطفال احتسابا، ولم يتناول على التعليم شيئا، وما قرأ عليه أحد إلّا انتفع.
وكان موردا للفقراء ببلده أبيار [2] ، لا ينقطع عنه الضيف، ومع ذلك لا راتب له ولا معلوم، بل ينفق من حيث لا يحتسب.
وأخذ الطريق عن الشيخ محمد الشناوي، وأذن له في تربية المريدين فلم يفعل احتقارا لنفسه، رحمه الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 92) .
[2] انظر «التحفة السنية» ص (111)(10/369)
سنة خمس وأربعين وتسعمائة
فيها توفي الشيخ تقي الدّين أبو بكر بن محمد بن يوسف القاري ثم الدمشقي [1] الشافعي، الشيخ الإمام العالم العلّامة المحقّق المدقّق الفهّامة، شيخ الإسلام.
أخذ عن البرهان بن أبي شريف، والقاضي زكريا، وغيرهما من علماء مصر. وبالشام عن الحافظ برهان الدّين النّاجي وغيره، وتفقه بالتّقّي بن قاضي عجلون، وابن أخته السيد كمال الدّين بن حمزة، والتّقي البلاطنسي.
وولي إمامة المقصورة بالأموي شريكا للقاضي شهاب الدّين الرّملي، وولي نظر الحرمين وغيره، وتدريس الشامية البرانية آخرا مدة يسيرة، واخترمته المنية، ولزم المشهد الشرقي بالجامع الأموي بعد شيخه ابن قاضي عجلون، وردت المشكلات إليه، وعكف الطلبة عليه.
وممن أخذ عنه الشّهاب الطّيبي، والعلاء بن عماد الدّين، وتزوّج بنت مفتي الحنفية قطب الدّين بن سلطان، ورزق منها ابنا مات بعده بمدة يسيرة.
وكان محقّقا، مدقّقا، واقفا مع المنقول، عالما بالنحو، والقراآت، والفقه، والأصول. نظم أرجوزة لطيفة في عقيدة أهل السّنّة. وله شعر حسن.
وتوفي ليلة الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول ودفن بمقبرة باب الصغير.
وفيها- تقريبا- المنلا أبو بكر العلوي الحنفي [2]- نسبة إلى محمد بن الحنفية رضي الله عنه- الحنفي المذهب، المعروف بشيخ زاده.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (21/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/ 89- 90) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 92) .(10/370)
كان من كبار الفضلاء الأذكياء، مع ماله من المال والرزق والكتب النفيسة.
وكان صالحا، متواضعا، لا يحب التّصنع من نفسه ولا من غيره.
وكان جليل القدر بسمرقند بواسطة أن خالته كانت زوجا لملكها.
ودخل حلب سنة ثلاث وثلاثين، ورافق ابن الحنبلي في صدر الشريعة على الشّهاب الأنطاكي، ثم سافر إلى مكة وجاور بها سنين، ثم عاد إلى حلب، ثم سافر منها إلى بلده وهي في الهند، وقطن بها إلى أن مات.
وفيها أبو العبّاس الحريثي المصري [1] الشافعي [2] نشأ في العبادة والاشتغال بالعلم، وقرأ القرآن بالسبع، ثم خدم سيدي محمد بن عنان. وأخذ عنه الطريق وزوّجه بابنته، وقرّبه أكثر من جميع أصحابه، ثم صحب بعده سيدي علي المرصفي، وأذن له أن يتصدى للإرشاد ولم يرشد حتّى سمع الهواتف تأمره بذلك، فدعا إلى طريق الله تعالى، ولقّن نحو عشرة آلاف مريد. ولما حضرته الوفاة قال:
خرجنا من الدنيا ولم يصحّ معنا صاحب في الطريق. وبنى له زاوية بمصر وعدة مساجد بدمياط والمحلّة وغيرهما.
قال الشعراوي: ووقع له كرامات كثيرة، منها أنه جلس عندي بعد المغرب في رمضان، فقرأ قبل أذان العشاء خمس ختمات، وطوى أربعين يوما، وكان كثير التحمّل لهموم الخلق، حتى صار كأنه شنّ بال، وكان مع ذلك لا يعد نفسه من أهل الطريق.
وتوفي بثغر دمياط، ودفن بزاوية الشيخ شمس الدّين الدمياطي، وقبره بها [3] ظاهر يزار.
وفيها المولى نور الدّين حمزة، الشهير بأوج باشا الحنفي [4] أحد موالي الرّوم.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 93- 94) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 170- 171) .
[2] لفظة «الشافعي» سقطت من «ط» .
[3] لفظة «بها» سقطت من «آ» .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (240) و «الكواكب السائرة» (2/ 139- 140) .(10/371)
اشتغل، وخدم المولى معرّف زاده، ثم درّس بمدرسة مغنيسا، ثم بمدرسة أزنيق، ثم بمدرسة أبي [1] أيوب، ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثمان، ثم بمدرسة السلطان بايزيد بأماسية، ونصّب مفتيا بها، وعيّن له كل يوم سبعون عثمانيا بالتقاعد، ومات بها.
وكان حريصا على جمع المال، يتقلل في معاشه، ويلبس الثياب الدنية [2] ، ولا يركب دابة حتى جمع أموالا عظيمة، وبنى في آخر عمره مسجدا بالقسطنطينية قريبا من داره، وبنى بها حجرا لطلبة العلم ووقف عليها أوقافا كثيرة.
قال له الوزير إبراهيم باشا يوما: إني سمعت بأنك [3] تحب المال فكيف صرفته في الأوقاف. قال: هو أيضا من غاية محبتي في المال، حيث لم أرض أن أخلّفه في الدنيا فأريد أن يذهب معي إلى الآخرة [4] . قاله في «الكواكب» .
وفيها سليمان الصّواف [5] الشيخ الصّالح، العارف بالله تعالى، والد الشيخ أحمد بن سليمان.
قال في «الكواكب» : كان قادريا، لحق سيدي علي بن ميمون، وأخذ عن شيخ الإسلام الجدّ، وعدّه شيخ الإسلام الوالد ممن تلمذ لوالده من أولياء الله تعالى، وأخبرني ولده الشيخ أحمد أن ابن طولون كان يتردد إلى والده ويعتقده، وأنه توفي في هذه السنة. انتهى ملخصا وفيها- تقريبا- محيي الدّين عبد القادر بن أحمد بن الجبرتي الدمشقي [6] الشافعي الفاضل.
أخذ عن جماعة منهم البدر الغزّي، قرأ عليه «شرح جمع الجوامع» قراءة
__________
[1] لفظة «أبي» سقطت من «آ» .
[2] في «آ» : «المدنية» وهو خطأ.
[3] في «ط» : «بألك» وهو تحريف.
[4] في «ط» : «إلى الآخرة» وهو خطأ مطبعي.
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 148) .
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 175) .(10/372)
تحقيق وتدقيق، وشهد له أنه كان من أهل الفضل والذكاء والصّلاح.
وفيها علاء الدّين على التّميمي الشافعي [1] الشيخ العلّامة، عالم بلاد الخليل، أخو القاضي محمود التّميمي، نزيل دمشق.
توفي المترجم ببلد الخليل. قاله في «الكواكب» .
وفيها المولى سعد الدّين عيسى بن أمير خان الحنفي، المعروف بسعدي جلبي [2] الإمام العامل العلّامة، أحد موالي الرّوم المشهورين بالعلم والدّين والرئاسة.
كان أصله من ولاية قسطموني، ثم دخل القسطنطينية مع والده، ونشأ في طلب العلم، وقرأ على علماء ذلك العصر، ووصل إلى خدمة السّاموني، ثم صار مدرّسا بمدرسة محمود باشا بالقسطنطينية، ثم سلطانية بروسا، ثم صار قاضيا بالقسطنطينية، ثم عزل وأعيد إلى إحدى الثمان، ثم صار مفتيا مدة طويلة.
قال في «الشقائق» : كان فائقا على أقرانه في تدريسه وفي قضائه، مرضي السيرة، محمود الطريقة.
وكان في إفتائه مقبول الجواب، مهتديا إلى الصواب، طاهر اللّسان لا يذكر أحدا إلّا بخير، صحيح العقيدة، مراعيا للشريعة، محافظا على الأدب، من جملة الذين صرفوا جميع أوقاتهم في الاشتغال بالعلم الشريف، وقد ملك كتبا كثيرة، واطلع على عجائب منها، وكان ينظر فيها ويحفظ فوائدها، وكان قوي الحفظ جدا، وله رسائل وتعليقات، وكتب «حواشي» مفيدة على «تفسير البيضاوي» وهي متداولة بين العلماء، وله شرح مختصر مفيد للهداية، وبنى دارا للقرّاء بقرب داره بمدينة قسطنطينية. انتهى وكان السيد عبد الرحيم العبّاسي خليلا لسعدي جلبي ولكل منهما بالآخر [3]
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 219) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (265) و «الكواكب السائرة» (2/ 236- 237) .
[3] في «ط» : «بالآخر» وهو خطأ مطبعي.(10/373)
مزيد اختصاص، وللسيد عبد الرحيم فيه مدائح نفيسة.
وقال ابن طولون: وتوفي عند صلاة الجمعة ثاني عيد الفطر بعلّة النقرس، وأقيم مفتيا عوضه جوي زاده.
وفيها المولى آشق قاسم الحنفي [1] ، أحد الموالي الرّومية.
كان من أزنيق، واشتغل بالعلم، وخدم المولى عبد الكريم، ثم درّس بالحجرية بمدينة أدرنة، وتقاعد بثلاثين عثمانيا.
قال في «الشقائق» : كان ذكيا مقبول القول، صاحب لطائف ونوادر، متجردا عن الأهل والولد كثير الفكر، مشتغلا بذكر الله تعالى، خاشعا في صلاته، بلغ قريبا من المائة.
توفي بأذنة. انتهى وفيها جلال الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن مولانا جلال الدّين الخالدي البكشي [2] ، ثم السّمرقندي الحنفي، المشهور بمنلا محمد شاه العجمي [3] .
كان شيخا معمرّا، نحيف البدن، محقّقا، متفقها [4] ، متواضعا، سخيا.
قرأ على أكابر علماء العجم، كالمنلا عبد الغفور اللّاري أحد تلامذة منلا عبد الرحيم الجامي، وقدم حلب في هذه السنة هو [5] وولده منلا عبد الرحيم.
قال ابن الحنبلي: اجتمعت به مرارا، وانتفعت به، واستفدت منه.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (283) وفيه: «باشق» مكان «آشق» و «الكواكب السائرة» .
(2/ 243) .
[2] تنبيه: كذا في «ط» : و «الكواكب السائرة» : «البكشي» وفي «آ» : «اليكشي» وفي «در الحبب» :
«الكشي» .
[3] ترجمته في «در الحبب» (2/ 194- 196) و «الكواكب السائرة» (2/ 25) .
[4] تنبيه: كذا في «ط» : «متفقها» وفي «آ» : «متفهما» والذي في «در الحبب» مصدر المؤلف:
«مدقّقا» .
[5] لفظة «هو» سقطت من «ط» .(10/374)
وتوفي بحلب ودفن بمقبرة الصّالحين.
وفيها شمس الدّين محمد بن حسّان الدمشقي الشافعي [1] أحد الفضلاء البارعين.
قال ابن طولون: كان الغالب عليه التنزه.
توفي يوم الاثنين ثالث القعدة، ودفن بباب الفراديس.
وفيها شمس الدّين محمد الداودي المصري الشافعي [2] وقيل المالكي، الشيخ الإمام العلّامة المحدّث الحافظ.
كان شيخ أهل الحديث في عصره.
أثنى عليه المسند جار الله بن فهد، والبدر الغزّي، وغيرهما.
قال ابن طولون: وضع «ذيلا» على «طبقات الشافعية» للتاج السبكي.
وقال النجم الغزّي: جمع ترجمة شيخه الحافظ السيوطي في مجلد ضخم، ورأيت على ظهر الترجمة المذكورة بخطّ بعض فضلاء أهل [3] مصر أن مؤلّفها توفي قبل الزوال بيسير من يوم الأربعاء ثامن عشري شوال، ودفن بتربة فيروز خارج باب النصر.
وفيها شمس الدّين محمد بن مكّية النابلسي الشافعي [4] الإمام العلّامة.
توفي بنابلس في هذه السنة كما قاله في «الكواكب» .
وفيها المولى سنان الدّين يوسف بن المولى علاء الدّين على البكّالي الرّومي الحنفي [5] أحد موالي الرّوم.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 30) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 71- 72) و «الأعلام» (6/ 291) .
[3] لفظة «أهل» سقطت من «ط» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 72) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 262) .(10/375)
قرأ على والده وعلى غيره، وترقى في التدريس، حتى درّس بإحدى الثمان، وتقاعد عنه بثمانين عثمانيا، وبقي على ذلك إلى أن مات.
وكان مشتغلا بالعلم، يحبّ الصوفية، وله لطف وكرم، وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وله «حواش» على «شرح المواقف» للسيد، ورسائل كثيرة، رحمه الله تعالى.(10/376)
سنة ست وأربعين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن إبراهيم [1] بن أبي بكر الأريحاوي الأصل الحلبي الدار، الصّيرفي الشافعي [2] .
قال في «الكواكب» : كان يحبّ خدمة العلماء بالمال واليد، وكان يجمع نفائس الكتب الحديثية والطّيبة وغيرها، ويسمح بإعارتها، وقرأ على البرهان العمادي، وابن مسلم، وغيرهما. وولي وظيفة تلقين القرآن العظيم بجامع حلب وغيرها.
قال ابن الحنبلي: وأعرض في آخره عن حرفته وقنع بالقليل، وأكبّ على خدمة العلم، ورافقنا في أخذ العلم عن الزّيني عبد الرحمن بن فخر النساء وغيره، رحمه الله.
وفيها- تقريبا- تقي الدّين أبو بكر بن فهد الحنفي المكّي [3] الإمام العلّامة.
قال في «الكواكب» : قدم دمشق من مكّة صحبة الوزير الطواشي، ثم عاد إليها مع الحاج مبشّرا للسلطان أبي نمي برضا السلطان سليمان عنه. انتهى
__________
[1] كذا في كتابنا «در الحبب» و «الكواكب» : «إبراهيم بن إبراهيم» وحرفها ناشر «ط» إلى «إبراهيم بن محمد» .
[2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 31- 33) و «الكواكب السائرة» (2/ 78) و «إعلام النبلاء» (2/ 78) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 92) .(10/377)
وفيها- ظنا- المولى أبو السعود الشهير بابن بدر الدّين زاده الحنفي [1] أحد موالي الرّوم.
ولد ببروسا، وتزوجت أمّه بعد أبيه بالمولى سيدي الحميدي، فقرأ عليه مبادئ العلوم، وقرأ على غيره، وخدم المولى ركن الدّين، ثم أعطي قضاء بعض البلاد، وله كتاب بالتركية سمّاه «سليم نامه» وهو مقبول عند أربابه وله «ديوان» بالتركية أيضا.
وكان فاضلا، صاحب ذكاء وفطنة، رحمه الله تعالى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن بركات بن الكيّال الدمشقي الشافعي [2] الفاضل خطيب الصّابونية بعد أخيه، وناظر أوقاف سيدي سعد بن عبادة رضي الله عنه.
توفي يوم الأربعاء خامس رمضان.
وفيها خليل المصري [3] المالكي الإمام العلّامة، مفتي المالكية بالديار المصرية.
توفي بالقاهرة وتأسف الناس عليه.
وفيها عبد الحميد بن الشّرف القسطموني الرّومي [4] الحنفي، العالم العامل الواعظ.
طلب العلم، ثم رغب في التصوف، فصحب الشيخ مصلح الدّين الطويل النقشبندي، ثم اختار بعد وفاته طريقة الوعظ، فكان يعظ الناس بالقسطنطينية، وعيّن له في كل يوم ثلاثون عثمانيا، وكانت له يد طولى في التفسير، وكان يدرّس في بيته ويفسّر القرآن بتقريرات واضحة بليغة، وعبارات رائقة فصيحة، واستفاد منه
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (2/ 92- 93) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 102) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 141) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 157) .(10/378)
كثير من الناس، وكان فارغ الهمّ من أشغال الدنيا، مقبلا على صلاح حاله، طويل الصمت، كثير الفكر، وقورا، مهيبا، رحمه الله تعالى.
وفيها- تقريبا- عبد الوهاب بن إبراهيم العرضي [1] الحلبي الشافعي [2] مفتي الشافعية بحلب.
قال في «الكواكب» : ذكره الوالد في «رحلته» ووصفه بالشيخ الفاضل، والعالم الكامل البارع في فنون العلم وأنواع الأدب. انتهى.
وفيها زين الدّين عمر بن معروف الجبرتي، المعروف بأبيه معروف ثم الدمشقي [3] إمام الصّابونية.
كان فاضلا، عالما، علّامة، من نوادر الزمان في الحفظ، فإنه كان يقرأ القرآن من أوله إلى آخره، كلما ختم آية افتتح الآية التي قبلها.
قال ابن طولون: تردّد إليّ مرات وفي كل مرة نستفيد منه في علم التفسير غرائب.
وتوفي في أواخر شعبان، رحمه الله تعالى.
وفيها القاضي جلال الدّين محمد بن القاضي علاء الدّين بن يوسف بن علي البصروي الدمشقي [4] الشافعي [5] الإمام العلّامة، شيخ التبريزية بمحلّة قبر عاتكة، وخطيب الجامع الأموي.
ولد عاشر رجب سنة تسع وستين وثمانمائة، واشتغل على والده وغيره، وولي خطابة الثابتية، وتدريس الغزالية، ثم العادلية، وفوض إليه نيابة الحكم
__________
[1] نسبة إلى «عرض» بليد في بريّة الشام يدخل في أعمال حلب الآن، وهو بين تدمر والرّصافة الهشامية. انظر «معجم البلدان» (4/ 103) .
[2] ترجمته في «بدر الحبب» (1/ 2/ 868- 874) و «الكواكب السائرة» (2/ 186) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 227) .
[4] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (91/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 47- 48) .
[5] لفظة «الشافعي» سقطت من «ط» .(10/379)
الولوي بن الفرفور، وخطب في الأموي نيابة ثم استقلالا إلى أن مات، وكان لخطبته وقع في القلوب وتذرف منها [1] العيون، وكان يقرأ «سيرة ابن هشام» في الجامع الأموي في كل عام بعد صلاة الصبح شرقي المقصورة.
وكان من أهل [2] العلم والصّلاح، له محفوظات في الفقه وغيره وقيام في الليل، حافظا لكتاب الله تعالى، مواظبا على تلاوته، راكبا وماشيا، وفي آخر خطبة خطبها بالأموي- وكانت في ثامن ربيع الآخر من هذه السنة وكان مريضا- سقط عن المنبر مغشيا عليه.
قال ابن طولون: ولولا أن المرقي احتضنه لسقط إلى أسفل المنبر. قال:
ولم يكمل الخطبة الثانية، فصلّى الجمعة إمام الجامع يومئذ الشيخ عبد الوهاب الحنفي.
وتوفي المترجم ليلة الثلاثاء رابع عشري جمادي الأولى ودفن بمقبرة باب الصغير تجاه الشيخ نصر المقدسي.
وفيها- تقريبا- محيي الدّين محمد الإشتيتي الرّومي [3] الصّالح.
كان عابدا، صالحا، متورّعا، يربّي المريدين بزاويته بإشتيت [في ولاية] [4] روم إيلي، رحمه الله.
وفيها المولى بدر الدّين محمود أحد الموالي الرّومية الحنفي، الشهير ببدر الدّين الأصفر [5] .
قرأ على المولى الفناري، والمولى لطفي، وغيرهما، ثم درّس بمدرسة بالي كبرى، وترقى إلى إحدى الثمان، ثم درّس بأياصوفيا، ثم تقاعد بمائة عثماني ومات على ذلك.
__________
[1] في «ط» : «منه» .
[2] لفظة «أهل» سقطت من «ط» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 71) .
[4] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[5] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (239- 240) و «الكواكب السائرة» (2/ 248- 249) .(10/380)
وكان الغالب عليه العلوم العقلية، وله مشاركة في سائر العلوم، وله تعليقات لم يدوّنها، وكان يحبّ الصوفية. قاله في «الكواكب» .
وفيها شرف الدّين موسى البيت لبدي الصالحي الحنبلي [1] .
قال ابن طولون: كان يسمع معنا على الشيخ أبي الفتح المزّي، والمحدّث جمال الدّين بن المبرد، ولبس خرقة التصوف من شيخنا أبي عراقية، وقرأ عليّ «محنة الإمام أحمد» جمع ابن الجوزي، وأشياء أخرى.
وتوفي يوم الجمعة سلخ ربيع الثاني.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 253- 254) .(10/381)
سنة سبع وأربعين وتسعمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أبي بكر، الشهير بابن المؤيد [1] ، أحد العدول بدمشق بل عين الموقّعين بالشام.
قال في «الكواكب» : كان من أخصاء شيخ الإسلام الوالد وأعيان طلبته، مولده سنة ثمان وستين وثمانمائة، وتوفي مستهل [ذي] القعدة. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن يونس المصري الحنفي، المعروف بابن الشّلبي [2] الإمام العالم العلّامة الأحد المحقّق المدقّق الفهّامة.
كان عالما كريم النّفس، كثير الصدقة، له اعتقاد في الصالحين والمجاذيب، ذا حياء وحلم وعفو، وكان رفيقا لمفتي دمشق القطب بن سلطان في الطلب على قاضي القضاة شرف الدّين بن الشّحنة، والبرهان الطّرابلسي ثم المصري في الفقه، وعلى الشيخ خالد الأزهري في النحو.
وتوفي بالقاهرة ودفن خارج باب النصر وله من العمر بضع وستون سنة.
وفيها الطّيب بن عفيف الدّين عبد الله بن أحمد [بن] مخرمة اليمني العدني الشافعي [3] الإمام العلّامة المحدّث.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 100) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 115) .
[3] ترجمته في «النور السافر» ص (226- 228) و «هدية العارفين» (1/ 433) ولفظة «ابن» زيادة منه، و «الأعلام» (4/ 94) واسمه فيه «عبد الله الطيب بن عبد الله بن أحمد مخرمة» وانظر تعليق العلّامة الزركلي على الترجمة فهو مفيد نافع.(10/382)
قال في «النور» : ولد بعدن ليلة الأحد ثاني عشر ربيع الثاني سنة سبعين وثمانمائة، وأخذ عن والده، وعن الفقيه محمد بن أحمد فضل، وانتفع به كثيرا ولازمه، وكذلك أخذ عن محمد بن حسين القمّاط، وأحمد بن عمر المزجد وغيرهم، وتفنّن في العلوم، وبرع، وتصدّر للفتوى والأشغال، وكان من أصحّ الناس ذهنا، وأذكاهم قريحة، وأقربهم فهما، وأحسنهم تدريسا، حتى يذكر أنه لم ير مثله في حسن التدريس وحلّ المشكلات في الفقه، وصار في آخره عمدة الفتوى بعدن، وكان يقول: إني أقرئ أربعة عشر علما.
وولي القضاء بعدن.
ومن مؤلفاته: «شرح صحيح مسلم» و «أسماء رجال مسلم» و «تاريخ» مطول مرتّب على الطبقات والسنين [1] ابتدأ به من أول الهجرة، وكتاب في النسبة [2] إلى البلدان [3] مفيد جدا.
وتوفي بعدن في سادس المحرم، ودفن في قبر جدّه لأمّه القاضي العلّامة محمد بن مسعود أبي شكيل بوصية، ودفن [4] في قبة الشيخ جوهر.
وفيها زين الدّين عبد القادر بن الشيخ شمس الدّين محمد القويضي [5] الدمشقي الصّالحي [6] الحنفي الطبيب الحاذق.
أخذ الطب عن الرئيس خشمش الصالحي، وكان أستاذا في الطب، يذهب
__________
[1] في «ط» : «والسنن» وهو خطأ. وقد سمّاه «قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر» ويقع في مجلد ضخم. انظر «هدية العارفين» (1/ 433) .
[2] في «آ» : «في مشتبه النسبة» .
[3] اطلعت على مصورة له منذ سنوات في دار المأمون للتراث بدمشق، وهو كتاب عظيم الفائدة جدير بالتحقيق والنشر، وقد انتقلت مصورته المذكورة الآن إلى خزانة مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي عن طريق الشراء.
[4] في «آ» : «وذلك» مكان «ودفن» .
[5] في «آ» : «القريضي» وما جاء في «ط» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 172- 173) .(10/383)
إلى الفقراء في منازلهم ويعالجهم ويفاقرهم [1] ، وربما لم يأخذ شيئا، وقد يعطي الدواء من عنده أو يركّبه من كيسه.
وكان في آخره يتلو القرآن في ذهابه وإيّابه من الصالحية إلى دمشق.
وكان ساكنا بالصالحية بالقرب من الجامع الجديد.
وكان حسن المحاضرة، جميل المذاكرة، وله شعر وسط.
وتوفي ثامن عشر جمادي الأولى بالصالحية ودفن تجاه تربة السّبكيين وتأسف الناس عليه.
وفيها الشيخ علي، المعروف بالذويب [2] ، الصالح المكاشف.
أقام بمصر نحو عشرين سنة، ثم نزل إلى الرّيف، وظهرت له كرامات وخوارق.
أخذ عن الشيخ محمد العدل الطناخي وغيره.
وكان ملاميا يلبس تارة لباس الحمّالين وتارة لباس التّراسين.
ولما مات وجدوا في داره نحو ثمانين ألف دينار، مع أنه كان متجردا من الدنيا.
قال الشعراوي: اجتمعت به مرة واحدة عقب منام رأيته، وذلك أني سمعت قائلا يقول لي في المنام: الشيخ علي الذويب قطب الشرقية، ولم أكن أسمع به أبدا، فسألت الناس عنه فقالوا لي: هذا رجل من أولياء الله تعالى.
قال [3] : وكان يمشي كثيرا على الماء، فإذا أبصره أحد اختفى.
وكان يرى كل سنة بعرفة، ويختفي من الناس إذا عرفوه. انتهى وفيها زين الدّين عمر التنائي [4] المالكي، الشيخ العلّامة المصري.
__________
[1] في «آ» : «ويفارقم» وهو تحريف.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 219) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 136) .
[3] القائل الشعراوي ويقال له الشعراني أيضا.
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 229) .(10/384)
توفي بها في هذه السنة. قاله في «الكواكب» .
وفيها- تقريبا- سراج الدّين عمر العبادي المصري الشافعي [1] الإمام العلّامة المعلّم بالبرقوقية من الصحراء خارج القاهرة.
كان على قدم عظيم في العبادة، والزهد، والورع، والعلم، وضبط النّفس، وكانت نقول مذهب الشافعي نصب عينيه، وشرح «قواعد الزركشي» في مجلدين أخذ عن سميّه وبلديّه السّراج العبادي الكبير، وعن الشمس الجوجري، ويحيى المناوي، وغيرهم، وأجازوه، وكان مجاب الدعوة. ولما حجّ وزار رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتحت له الحجرة الشريفة والناس نيام من غير فاتح، فدخلها وزار ثم خرج فعادت الأقفال كما كانت، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن أحمد بن الشّويكي الصّالحي الحنبلي [2] العلّامة.
كان إماما، فقيها، أفتى مدة ثم امتنع من الإفتاء في الدولة الرّومية.
وكان إماما بالحاجبية، وكان أستاذا في الفرائض والحساب، وله يد في غير ذلك.
توفي يوم الاثنين عاشر المحرم، ودفن بالروضة إلى جانب قبر العلّامة علاء الدّين المرداوي.
وفيها المولى محيي الدّين محمد بن إدريس الحنفي، الشهير بمعلول أفندي [3] أحد موالي الرّوم.
تنقل في المدارس والمناصب إلى أن ولي قضاء مصر، وكان سيّدا، شريفا، فاضلا.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 229) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 26) و «النعت الأكمل» ص (110- 112) و «السحب الوابلة» ص (363) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 27) .(10/385)
وفيها نجم الدّين محمد بن علي بن النّعيل الغزّي [1] الشافعي الإمام العالم العامل.
توفي بالقدس، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الدلجي العثماني الشافعي [2] الإمام العلّامة.
ولد سنة ستين وثمانمائة بدلجة، وحفظ القرآن العظيم بها، ثم دخل القاهرة، فقرأ «التنبيه» وغيره على علمائها، ثم رحل إلى دمشق وأقام بها نحو ثلاثين سنة، وأخذ عن البرهان البقاعي، والحافظ برهان الدّين النّاجي، والقطب الخيضري، والقاضي ناصر الدّين بن زريق الحنبلي، والإمام المحدّث شمس الدّين السّخاوي، وسافر إلى بلاد الرّوم، واجتمع بسلطانها أبي يزيد، وحجّ من بلاد الشام، ثم عاد إلى القاهرة، وكتب شرحا على «الخزرجية» وشرحا على «الأربعين النواوية» وشرحا على «الشفا» للقاضي عياض، وشرحا على «المنفرجة» واختصر «المنهاج» و «المقاصد» وسمّاه «مقاصد المقاصد» وشرحه، وأخذ عنه جماعة، منهم النّجم الغيطي قال: سمعت عليه كثيرا وأجاز لنا.
وتوفي بالقاهرة، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد التّونسي [3] المالكي، الملقّب بمغوش- بمعجمتين- الإمام المحقّق المدقّق العلّامة.
اشتغل على علماء المغرب، وسمع «الصحيحين» و «الموطأ» و «الترمذي» و «الشفا» . وقرأ البعض على الإمام العلّامة أبي العباس أحمد الأندلسي، المعروف بالمشا، وسمع على غيره، وفضل في بلاده، وبرع وتميّز، وولي قضاء عسكر تونس، ثم قدم من طريق البحر إلى القسطنطينية في دولة السلطان سليمان،
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 48) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 6- 7) .
[3] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 212- 217) و «الشقائق النعمانية» ص (269- 270) و «الكواكب السائرة» (2/ 15- 16) و «الأعلام» (7/ 57) .(10/386)
فعظّمه وأكرم مثواه، ورتّب له علوفة حسنة، وشاع فضله بين أكابرها، وأخذ عنه جماعة من أعيانها، حتى قاضيا العسكر إذ ذاك، ولم يزل بها معظّما مبجّلا، ينشر الفوائد وينثر الفرائد، وأملى بها أمالي على «شرح الشاطبية» للجعبري، ثم استأذن من السلطان في الرحلة إلى مصر واعتذر بعدم صبره على شتاء الرّوم وشدة بردها، فأذن له وأمر له أن يستوفي ما عين له من خزينتها، فتوجه إليها من طريق البر سنة أربع وأربعين، فدخل حلب فانتدب للقراءة عليه والأخذ عنه جماعة من أهلها، منهم ابن الحنبلي، ثم دخل طرابلس، ثم دمشق، وانتفع به أهلها، وشهدوا له بالعلم خصوصا في التفسير، والعربية، والمنطق، والكلام، والعروض، والقراآت، والمعاني، والبيان، وقرأ عليه العلاء بن عماد الدّين الشافعي في أوائل «تفسير البيضاوي» فأفاد وأجاد، حتى أذهل العقول، وقرأ عليه القاضي معروف رسالة الوجود للسيد الشريف، وبعض «شرح آداب البحث» للمسعودي، وقرأ عليه الشّهاب الطّيبي في القراآت، وأجازه إجازة حافلة، ثم سافر من دمشق في يوم الاثنين سادس عشر جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين، وألّف تلميذه الشيخ شهاب الدّين الطّيبي مؤلفا في تاريخ سفره بالكسور العددية، سماه ب «الكسر المرشوش في تاريخ سفر الشيخ مغوش» .
وقال ابن الحنبلي في ترجمته: كان عالما، علّامة، متقنا، متفنّنا، ذا إدراك عجيب واستحضار غريب، حتى أنه كان في قوته أنه يقرئ مثل العضد المرة بعد المرة من غير مطالعة.
قال: وكان دأبه الاستلقاء على القفاء ولو حالة التدريس وعدم النهوض لمن ورد عليه من الأكابر، كل ذلك لما كان عنده من حبّ الرفاهية والراحة والانبساط والشهامة.
انتهى وكان يطالع من حفظه كلما أراد من العلوم، ولم يكن عنده كتاب ولا ورقة أصلا. وكان يحفظ «شرح التلخيص» مع حواشيه و «شرح الطوالع» و «شرح المواقف» و «شرح المطالع» كما قاله في «الشقائق» .
وبالجملة فإنه كان من أعاجيب الدنيا.(10/387)
وتوفي في العشر الأواخر من شعبان بالقاهرة، ودفن بجوار الإمام الشافعي، رضي الله عنه، وكتب على قبره:
ألا يا مالك العلماء يا من ... به في الأرض أثمر كل مغرس
لئن أوحشت تونس بعد بعد ... فأنت بمصر ملك الحسن تونس
وفيها شمس الدّين محمد الدّمنهوري المصري [1] المالكي الشيخ العلّامة.
توفي بمصر في أواخر ربيع الثاني.
وفيها محيي الدّين يحيى بن إبراهيم بن قاسم بن الكيّال [2] الإمام المحدّث.
سمع على والده في «مسند الإمام أحمد» وباشر في الجامع الأموي. وكان له فيه قراءة حديث، وكان عنده حشمة، وأجازه البدر الغزّي.
وتوفي يوم الاثنين سلخ القعدة.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 72) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 58) .(10/388)
سنة ثمان وأربعين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن نجم الدّين محمد بن برهان الدّين إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن جماعة [1] الإمام العلّامة المحدّث المقدسي الشافعي.
ولد يوم الاثنين خامس عشر المحرم سنة سبعين وثمانمائة، وسمع على والده الكتب الستة وغيرها، وأجاز له البرهان بن قاضي عجلون، والتّقي الشّمنّي، والقاضي أبو العباس بن نصر الله، والتقي بن فهد، والشمس بن عمران، وأمين الدّين الأقصرائي، والشرف المناوي، والبدر بن قاضي شهبة، والجمال الباعوني وأخوه البرهان، وولي تدريس الصّلاحية ببيت المقدس سنين، ثم قطن دمشق، وحدّث بها كثيرا عن والده وغيره، وولي تدريس الشامية البرّانية سنين، ثم تدريس التقوية ونظرها، وسافر من دمشق فمات بقرية سعسع [2] في آخر ليلة الثلاثاء خامس عشري شوال بعد أن بقي سنين مستلقيا على ظهره من زلقة حصلت له بسبب رش الماء بداخل دمشق، فانفك فخذه ولم يمكنه الصبر على علاجه لنحافة بدنه ولطف مزاجه، ثم حمل من سعسع وأعيد إلى دمشق، وغسّل بمنزله، ودفن بباب الصغير.
وفيها- تقريبا- برهان الدّين إبراهيم بن المبلط [3] شاعر القاهرة من شعره في القهوة:
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 76) .
[2] سعسع: بلدة كبيرة إلى الغرب من دمشق قبل القنيطرة بمرحلة ذات حقول وبساتين، ومياهها عذبة طيبة ولم أعثر على ذكر لها في كتب البلدان التي بين يدي.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 86) .(10/389)
يا عائبا لسواد قهوتنا التي ... فيها شفاء النّفس من أمراضها
أو ما يراها وهي في فنجانها ... يحكي سواد العين وسط بياضها
وفيها شهاب الدّين أحمد الطّيب بن شمس الدّين الطّنبذاوي البكري الصّدّيقي الشافعي [1] .
قال في «النور» : هو شيخ الإسلام الحبر الإمام، العارف بالله، القانت الأواه [2] .
ولد بعد السبعين وثمانمائة تقريبا، وتفقه بالنّور السّمهودي، والقاضي أحمد المزجد وغيرهما.
وكان في أهل عصره بمنزلة الشمس من النجوم، وتميّز في معرفة المنطق والمفهوم، وكان شديد التصلب في الدّين والصّدع بالحقّ، لا يخاف في الله لومة لائم.
وكان يقول لتلميذه ابن زياد: أنتم نفعكم أحمد المزجد بلحظه [3] ، ونحن بلحظه ولفظه.
وأخذ عنه خلق منهم شيخ الإسلام ابن زياد، والحافظ شهاب الدّين أحمد الخزرجي، والغريب الأكسع، وعبد الملك بن النّقيب، وعبد الرحمن البجلي، وصالح النماري، وغيرهم.
وانتهت إليه رئاسة الفتوى والتدريس، وانتفع به الخاص والعام.
ومن مصنّفاته «فتاوى» مشهورة عليها الاعتماد بزبيد، وشرح «التنبيه» في أربع مجلدات، وله «حاشية مفيدة على العباب» .
قال الشيخ صالح النماري: ومن عجيب ما سمعته منه، أنه قال: طالعت
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (228- 232) .
[2] في «آ» : «الأواب» وما جاء في «ط» موافق لما في «النور السافر» مصدر المؤلف.
[3] لفظة «بلحظه» سقطت من «ط» .(10/390)
جميع «الإيضاح شرح الحاوي» للناشري في ليلة واحدة وهو مجلدان ضخمان، وعلّقت من كل باب فائدة وهذا خرق عادة.
وقال الخولاني: سمعته يقول كانت الفوائد التي كتبتها تلك الليلة ثلاثة كراريس.
وكان مفرط الذكاء، يحفظ «الإرشاد» .
ومن نظمه:
ومذ كنت ما أهديت للحبّ خاتما ... ومسكا وكافورا ولا بست عينه
ولا القلم المبري أخشى عداوة ... تكون مدى الأيام بيني وبينه
ولا أعلم لهذه الخصال أصلا من كتاب ولا سنّة. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن الشّمس محمد بن القطب محمد بن السّراج البخاري الأصل المكي الحنفي [1] .
ولد بمكة في صفر سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة، واشتغل بالعلم، فقرأ على السخاوي في «سنن أبي داود» و «الشفا» ودخل القاهرة مرارا، وسمع الحديث فيها على جماعة، منهم الحافظ الديمي، والجلال السيوطي، ولبس خرقة التصوف من بعض المشايخ، وولي المناصب الجليلة كالقضاء، والإمامة، والمشيخة، وأجازه بعضهم، وقرأ الكتب الستة وغيرها، وسمع كثيرا من الفقه والحديث، مع قوة حافظة، وحسن كتابة، وناطقة.
وتوفي بجدّة ظهر يوم السبت عاشر ربيع الثاني وحمل إلى مكّة فدفن بالمعلاة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن قطب الدّين محمد الصّفوري الصّالحي [2] الشافعي الشيخ الفاضل.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (232) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 100) .(10/391)
كان ذكيا، ينظم الشعر الحسن، وسمع على ابن طولون في الحديث، وأضرّ قبل بلوغه، وكان يقرأ في «البخاري» في المواعيد عن ظهر قلب بعد أن أضرّ.
وتوفي يوم الاثنين سادس عشر رجب ودفن عند جدّه بتربة السّبكيين.
وفيها عماد الدّين إسماعيل بن زين الدّين عبد الرحمن بن إبراهيم الذّنّابي الصّالحي الحنبلي [1] خطيب الجامع المظفّري.
سمع على أبي بكر بن أبي عمر [2] ، وأبي عمر بن عبد الهادي، وأبي الفتح المزّي، وقرأ على ابن طولون في العربية.
وتوفي يوم السبت تاسع عشري شعبان، ودفن بوصية منه شمالي صفة الدعاء أسفل الرّوضة.
وفيها القاضي زين الدّين عبد الرحمن بن عبد الملك بن الموصلي الدمشقي الميداني الشافعي [3] .
درّس بالجامع الأموي، والظاهرية الجوانية، والقيمرية الكبرى، وولي نيابة القضاء بالصالحية وغيرها، ثم ترك ذلك.
وتوفي يوم السبت مستهل ربيع الأول ودفن بزاويتهم بميدان الحصا.
وفيها عزّ الدّين عبد العزيز المقدسي الحنفي [4] الضّرير الإمام العلّامة مفتي بلاد القدس وأحد الأصلاء بها.
كان يكتب عنه الفتوى ويناول [5] الكاتب خاتمه ليختم على السّؤال خوفا من التدليس.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (29/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 122) و «النعت الأكمل» ص (112) و «السحب الوابلة» ص (120) .
[2] في «ط» : «ابن أبي عمرو» .
[3] ترجمتهم في «الكواكب السائرة» (2/ 157) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 170) .
[5] في «ط» : «ويتناول» .(10/392)
وتوفي بالقدس في أواسط شوال.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عثمان بن إسماعيل البابي الحلبي الحنبلي، المعروف بابن الدّغيم [1] .
قال ابن الحنبلي: ولى تدريس الحنابلة بجامع حلب، وكان هيّنا، لينا، صبورا على الأذى، مزوحا.
وتوفي يوم الجمعة ثاني عشر رمضان، ودفن بجوار مقابر الصالحين بوصيّة منه.
وفيها شرف الدّين أبو الوفاء وأبو السعادات قاسم بن خليفة بن أحمد بن محمد الحلبي الشافعي، المعروف بابن خليفة [2] .
ولد بحلب ليلة عيد الأضحى سنة سبع وسبعين وثمانمائة، ونشأ بها، وحمله والده على طلب العلم، واشترى له نفائس الكتب، فلزم كثيرا من العلماء، منهم البدر السيوفي، ومنلا عرب، والمظفّر بن علي الشّيرازي، والبرهان العمادي، وغيرهم.
وباشر في أول أمره صنعة الشهادة، وجلس بمكتب العدل خارج باب النصر، وولي إعادة العصرونية للبرهان العمادي ووظائف أخر [3] ، واستنيب في الدولة العثمانية كثيرا في فسوخ الأنكحة، وجلس لتعاطي الأحكام الشرعية برهة من الزمان، وكان يخدم العلماء ويبذل المال في خدمتهم، وكان له تواضع، طارحا للتكلّف.
وتوفي بحلب في ذي الحجّة ودفن بمقبرة السيد علي بالهزازة، وما زال يقول في نزعه الله الله، حتى مات.
وفيها شمس الدّين محمد بن خليل بن علي بن عيسى بن أحمد بن
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 999- 1000) و «الكواكب السائرة» (2/ 193- 194) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 30- 32) و «الكواكب السائرة» (2/ 239- 240) .
[3] في «ط» : «أخرى» .(10/393)
صالح بن خميس بن محمد بن عيسى بن داود بن مسلّم الصّمادي ثم الدمشقي القادري [1] الشيخ الصّالح المعتقد المسلّك المربّي، ولي الله تعالى، العارف به، شيخ الطائفة الصّمادية بالشام.
كان من أولياء الله تعالى، تظهر منه في حال الذكر أمور خارقة للعادة، وكانت عمامته وشدّه من صوف أحمر، وله مجالسة حسنة وللناس فيه اعتقاد، خصوصا أعيان الأروام، وسافر إلى الرّوم، واجتمع بالسلطان سليم فاعتقده اعتقادا زائدا، وأعطاه قرية كتيبة رأس الماء، ثم استقرّ الأمر على أن عيّن له قرية كناكر تابع وادي العجم، وغلالها إلى الآن تستوفيه الصمادية بعضه لزاوية الشيخ محمد المذكور بمحلّة الشاغور، وبعضه لذريّته.
واشتهر أمره وأمر آبائه من قبل بدق الطبول عند هيمان الذّاكرين واشتداد الذكر، واستفتي فيه ابن قاضي عجلون، والشمس بن حامد، والبدر الغزّي فأفتوا بإباحته قياسا على طبل الحجيج وطبل الحرب.
قال في «الكواكب» : وبالجملة إن مجالسهم مهيبة عليها الوقار والأنس، تخشع القلوب لسماع طبولهم وإنشادهم، خالون عن التصنّع، واشتهرت عن بعض آباء صاحب الترجمة قصة عجيبة هي أن جماعة الصمادية كانوا يضربون الطبول قديما بين يدي الشيخ في حلقتهم يوم الجمعة بعد الصلاة، فأمر بعض الحكّام بمنعهم من ذلك، فأخرج الطبل إلى خارج الجامع فدخل الطبل محمولا يضرب عليه، ولا يرون له حاملا، ولا عليه ضاربا، واستمر في هواء الجامع من باب البريد حتى انصدم ببعض عواميد الجامع مما يلي باب جيرون.
وتوفي المترجم يوم الجمعة خامس عشري جمادي الأولى، ودفن بإيوان زاويته، وخلّف ثمانية عشر ولدا ذكورا وإناثا، ودنيا عريضة. انتهى ملخصا وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن رجب البهنسي الحنفي [2] والد الشيخ نجم الدّين البهنسي مفتي الحنفية بدمشق.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 31- 32) و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 181) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 34) .(10/394)
قال ابن طولون: كان نقيب الحكم، ثم فوض إليه قاضي قضاة الحنفية زين الدّين بن يونس نيابة القضاء.
وتوفي يوم الأربعاء عشري رجب.
وفيها القاضي كمال الدّين محمد بن قاضي القضاة قطب الدّين محمد بن محمد الخيضري الدمشقي الشافعي [1] .
ولي القضاء بميدان الحصا وغيره في أيام قاضي دمشق ابن إسرافيل، وكان عنده حشمة وفضيلة، وكان أحد المدرّسين بالجامع الأموي إلّا أنه كان يستعمل الأفيون. وكان في الغالب مستغرقا، وربما حدث له ذلك وهو ماش في الطريق، فدخل يوم السبت مستهل ربيع الثاني إلى ميضأة العنبرانية بالقرب من الجامع الأموي لقضاء الحاجة وأغلق عليه الباب، فكأنه سرد على عادته فسقط على رأسه في الخلا، فلما أحسوا به أخرجوه فخرجت روحه في الحال، فحمل إلى بيته فغسّل وكفّن، وصلّي عليه بالأموي، ودفن بمقبرة باب الصغير. قاله في «الكواكب» .
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 9- 10) .(10/395)
سنة تسع وأربعين وتسعمائة
فيها توفي قاضي القضاة شهاب الدّين أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتّوحي الحنبلي، المعروف بابن النّجار [1] الإمام العلّامة، شيخ الإسلام.
ولد سنة اثنتين وستين وثمانمائة، ومشايخه تزيد على مائة وثلاثين شيخا وشيخة.
وكان عالما، عاملا، متواضعا، طارحا للتكلّف سمع منه ابن الحنبلي حين قدم حلب مع السلطان سليم سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة «المسلسل بالأولية» وقرأ عليه في الصّرف، وأجاز له، ثم أجاز له بالقاهرة إجازة ثانية بجميع ما تجوز له وعنه روايته بشرطه كما ذكره في «تاريخه» .
وقال في «الكواكب» : ذكر والد شيخنا أنه لما دخل دمشق صحبة الغوري هو وقاضي القضاة [كمال الدّين الطّويل الشافعي، وقاضي القضاة] [2] عبد البرّ بن الشحنة الحنفي، وقاضي القضاة المالكي، هرع إليهم جماعة للأخذ عنهم لعلو أسانيدهم، وكان ذلك في أوائل جمادي الأولى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة.
وذكر الشعراوي: أن صاحب الترجمة لم يل القضاء إلّا بعد إكراه الغوري له المرة بعد الأخرى، ثم ترك القضاء في الدولة العثمانية وأقبل على العبادة، وأكبّ
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (6/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/ 112) و «نعت الأكمل» ص (113- 116) و «السحب الوابلة» ص (68- 70) و «در الحبب» (1/ 1/ 195- 198) و «الضوء اللامع» (1/ 349) .
[2] ما بين القوسين سقط من «آ» .(10/396)
على الاشتغال في العلم حتّى كأنه لم يشتغل بعلم قطّ، مع أنه انتهت إليه الرئاسة في تحقيق نقول مذهبه وفي علوم، السّنّة في الحديث، والطب، والمعقولات، وكان في أول عمره ينكر على الصوفية، ثم لما اجتمع بسيدي على الخوّاص وغيره أذعن لهم، واعتقدهم، وصار بعد ذلك يتأسف على عدم اجتماعه بالقوم في أول عمره، ثم فتح عليه في الطريق وصار له كشف عظيم قبل [1] موته.
وتوفي بمصر. انتهى وفيها بدر الدّين حسن بن علي الطّبراني [2]- من بلدة عند بركة طبرية- الشافعي المقرئ، نزيل دمشق.
حفظ القرآن العظيم بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر، ثم تلاه بعدة روايات على الشيخ علاء الدّين القيمري، واشتغل بالنحو على ابن طولون، وتسبّب بقراءة الأطفال في مكتب عزّ الدّين غربي المدرسة المذكورة، وصلّى عدة ممن [3] أقرأه بالقرآن، وكان أحد شقّيه بطّالا، لا يمشي إلّا بعكاز.
وتوفي ليلة الأحد ليلة عيد الفطر.
وفيها عرفة القيرواني المغربي [4] المالكي، العارف بالله تعالى، شيخ سيدي علي بن ميمون، وسيدي أحمد بن البيطار.
من كراماته ما حكاه سيدي محمد بن الشيخ علوان في كتابه «تحفة الحبيب» أن سلطان المغرب كان قد حبسه بنقل واش كاذب، فوضعه في السجن، وقيّده بالحديد، فكان الشيخ عرفة إذا حضر وقت من أوقات الصلوات أشار إلى القيود فتساقط، فيقوم ويصلي، فقال له بعض من كان معه في السجن: إذا كان مثل هذا المقام لك عند الله فلأي شيء ترضى ببقائك في السجن، فقال: لا يكون خروجي
__________
[1] في «ط» : «قبيل» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 135) .
[3] كذا العبارة في كتابنا وهي كذلك في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف!
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 191) .(10/397)
إلّا في وقت معلوم لم يحضر إلى الآن، واستمر على حاله حتّى رأى سلطان المغرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال له: «عجّل بإطلاق عرفة من السّجن مكرّما، وإيّاك من التّقصير، تكن مغضوبا عليك فإنّه من أولياء الله تعالى» [1] فلما أصبح أطلقه مكرّما مبجّلا، رحمه الله تعالى.
وفيها علاء الدّين علي بن حسن بن أبي مشعل الجراعي ثم الدمشقي [2] الشافعي، المشهور بالقيمري لكونه كان يسكن بمحلّة القيمرية تجاه القيمرية الكبرى.
كان إماما، مقرئا، علّامة. قرأ في علم القراآت على الشمس بن الملّاح، وفيه وفي العربية على الجمال البويضي، وتفقّه بالتّقي القاري، وأجازه بالتدريس والإفتاء، وأمّ للشافعية بالأموي.
توفي شهيدا بعلّة البطن يوم السبت حادي عشري جمادى الأولى، ودفن بوصية منه في باب الصغير إلى جانب أخ له في الله صالح.
وفيها قاضي علي بن عبد اللطيف بن قطب بن عبد الله بن محمد بن محمد بن أحمد الحسيني القزويني الشافعي، المعروف بقاضي علي [3] .
كان من بيت علم وقضاء، وولي قضاء قزوين، ثم تركه، وكتب على الفتوى، ثم دخل بلاد الشام، وحجّ، وأخذ الحديث عن التّقي القاري وغيره، ثم عاد إلى بلاده، فدخل حلب، فاستجازه ابن الحنبلي فأجاز له.
وتوفي ببلاده في هذه السنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن شعبان بن أبي بكر بن خلف بن موسى
__________
[1] هكذا ذكره الغزّي في ترجمة المترجم من كتابه «الكواكب السائرة» ولم يذكر مصدره، ونقله عنه المؤلف ابن العماد، والواضح أنه من مبالغات الصوفية، فقد دخل السجن من علماء المسلمين من هو أفضل حالا بكثير، وما أثر عنهم أو عن غيرهم أنهم رأوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم في المنام وأمر بإطلاق سراحهم!.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 204- 205) .
[3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 1000- 1001) و «الكواكب السائرة» (2/ 205) .(10/398)
الضّيروطي المصري الشافعي، المشهور بابن عروس [1] الإمام العلّامة.
ولد سنة سبعين وثمانمائة بسندبون تجاه ضيروط، وأخذ العلم عن الشّهاب بن شقير المغربي التّونسي، وعن النور المحلّي، وأجاز له تدريس العلوم المتعارفة لتضلعه منها، وصحب سيدي الشيخ أبا العون المغربي ودعا له، وقرأ «ثلاثيات البخاري» على أمة الخالق بنت العقبي بحقّ إجازتها من عائشة بنت عبد الهادي، عن الحجّار.
وكان ذكيا، متواضعا، طارحا للتكلّف، يصل إلى المدارك الدقيقة بفهم ثاقب، وكان يحفظ كتبا كثيرة يسردها عن ظهر قلب، حتى كأنها لم تغب عنه، وجمع الله له بين الحفظ والفهم.
وكان مدرّسا بمقام الإمام الشافعي بمصر، فأخذه عنه رجل أعجمي، فرحل إلى الرّوم واستردّه مضموما إليه تدريس الخشابية بمصر المشروطة لأعلم علماء الشافعية، ودخل في رحلته إلى الرّوم دمشق وحلب، وأخذ عنه بهما جماعة من أهلهما، منهم ابن الحنبلي، وأجازه بسائر مروياته، ثم دخل دمشق ثانيا في العود واجتمع بأعيان علمائها، وأضافوه، وأكرموه، وشهدوا له بالفضل الباهر.
وتوفي بالقاهرة ليلة الجمعة سابع عشري شوال.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن الصّهيوني الشافعي [2] الإمام العلّامة، خطيب جامع الأطروش بطرابلس.
توفي بها [3] في ذي القعدة.
وفيها هداية الله بن بار علي التّبريزي الأصل القسطنطيني الحنفي [4] ، أحد موالي الرّوم.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 217- 221) و «الكواكب السائرة» (2/ 35- 37) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 41) .
[3] أي في طرابلس.
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (297) و «الكواكب السائرة» (2/ 256) و «در الحبب» (2/ 2/ 537- 539) .(10/399)
كان فصيحا، مقتدرا على التعبير بالعربية، يغلب عليه علم الكلام، ويميل إلى اقتناء الكتب النّفيسة.
وكان عارفا بالأصلين، والفقه، مشاركا في غيرهما. قرأ على المولى بير أحمد، والمولى محيي الدّين الفناري، وابن كمال باشا، وغيرهم. ثم تنقّل في المدارس إلى أن أعطي قضاء مكّة، فقدم حلب ودمشق ذاهبا إليها سنة ست وأربعين، ثم رحل من مكة إلى مصر، وترك القضاء لعلّة ألمت به بعينيه، وأخذ في علاجها بمصر فلم يبرأ، فبقي بها إلى أن مات.
وفيها- تقريبا- شرف الدّين يحيى الرّهاوي المصري الحنفي [1] الإمام العلّامة.
كان نازلا بدمشق، وسافر مع الشيخ الضّيروطي إلى مصر سنة اثنتين وأربعين، وتوفي بها.
وفيها جمال الدّين يوسف بن يحيى الجركسي الحنفي، ابن الأمير محيي الدّين بن الأمير أزبك الفاضل [2] .
قرأ شرحي الشيخ خالد على «الجرومية» و «القواعد» على ابن طولون، ثم أخذ في حلّ «الألفية» عليه، وكتب له «إجازة» وحلّ «الكنز» على القطب بن سلطان، ثم عرض له السفر إلى مصر لأجل استحقاقه في وقف جدّه، فتوفي بها غريقا، ودفن بتربة جدّه المنسوبة [3] إليه الأزبكية [خارج مصر] .
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 260) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 262) .
[3] في «آ» و «ط» : «المنسوب» وأثبت لفظ «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف، وما بين الحاصرتين زيادة منه.(10/400)
سنة خمسين وتسعمائة
فيها توفي المولى أحمد بن المولى حمزة الرّومي الحنفي، المعروف بعرب چلبي [1] العالم الفاضل.
اشتغل، وحصّل، وخدم ابن أفضل زاده، ثم رحل إلى مصر في دولة السلطان بايزيد، وقرأ على علمائها في الكتب الستة، والتفسير، والفقه، والأصول، والهندسة، والهيئة، وقرأ «المطول» بتمامه، وأجازوه، ودرّس بمصر، وأقرأ «المطول» و «المفصّل» ثم عاد إلى بلاد الرّوم فبنى له الوزير قاسم باشا مدرسة بالقرب من مدرسة أبي أيوب الأنصاري، ودرّس بها مدة عمره.
وكان أكثر اشتغاله [2] بالفقه، و «تفسير البيضاوي» .
وكان عالما، عابدا، صحيح العقيدة، حسن السّمت، انتفع به كثير من الناس، رحمه الله تعالى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن حمزة القلعي الحلبي [3] الحنفي ثم الشافعي، المشهور بابن قيما.
اعتنى بالقراءات، وتزوج بابنة الشيخ نور الدّين البكري الشافعي خطيب المقام، فانتقل إلى مذهبه، فصار شافعيا بعد أن كان حنفيا هو وأبوه، وقرأ عليه
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (288) و «الكواكب السائرة» (2/ 102) و «الطبقات السّنية» (1/ 343) .
[2] في «ط» : «أكثر إشغاله» .
[3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 138) و «الكواكب السائرة» (2/ 106) .(10/401)
بحلب، وأخذ أيضا بالقاهرة عن النّشّار المقري صاحب التآليف المشهورة.
وتوفي بحلب في أوائل ذي الحجّة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الحقّ بن محمد السّنباطي المصري الشافعي [1] الواعظ بالجامع الأزهر، الإمام العالم العلّامة.
أخذ عن والده وغيره، وكان معه بمكّة في مجاورته بها سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، ووعظ بالمسجد الحرام في حياة أبيه، وفتح عليه في الوعظ حينئذ، وهو الذي تقدّم للصلاة على والده حين توفي بمكة.
قال الشعراوي: لم نر أحدا من الوعّاظ أقبل عليه الخلائق مثله.
وكان إذا نزل عن الكرسي يقتتل الناس عليه.
قال: وكان مفنّنا في العلوم الشرعية، وله الباع الطويل في الخلاف ومذاهب المجتهدين.
وكان من رؤوس أهل السّنّة والجماعة، واشتهر في أقطار الأرض كالشام، والحجاز، واليمن، والرّوم، وصاروا يضربون به المثل، وأذعن له علماء مصر الخاص منهم والعام، وولي تدريس الخشابية بمصر بعد الضّيروطي، وهي مشروطة لأعلم علماء الشافعية كالشامية، البرانية بدمشق، وكان يقول بتحريم قهوة البن، ثم انعقد الآن الإجماع على حلّها في ذاتها.
وتوفي في أواخر صفر.
قال الشعراوي: ولما مات أظلمت مصر لموته، وانهدم ركن عظيم من الدّين، ومات رأيت في عمري كلّه أكثر خلقا من جنازته إلّا جنازة الشّهاب الرّملي.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الله بن عبد القادر البغدادي الأصل الصّالحي الحنفي، الشهير بابن الحصري [2] .
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 111- 112) .
[2] ترجمة المترجم في أحد كتب ابن طولون الخطية التي لم أقف عليها.(10/402)
قال ابن طولون: هو أخونا وابن شيخنا، العلّامة جمال الدّين، حفظ القرآن و «المختار» وغيرهما، وسمع الحديث على شيخنا ابن عبد الهادي، وأخيه الشّهاب أحمد، وولده [1] ، واشتغل، وحصّل، وألّف، ثم سلك طريق السّلف الصّالح، وحضر كثيرا عندي.
وتوفي ليلة الأحد خامس عشر رجب عن نحو خمس وستين سنة، ودفن عند والده- أي بسفح قاسيون- لصيق تربة العمّ من جهة الشرق. انتهى وفيها المولى إسحاق الرّومي [2] أحد موالي الرّوم الطبيب.
كان نصرانيا طبيبا، وكان يعرف علم الحكمة معرفة تامة، وقرأ على المولى لطفي التّوقاتي المنطق، والعلوم الحكمية، وباحث معه فيها، ثم انجرّ كلامهم إلى العلوم الإسلامية، وقرّر عنده حقيقة الإسلام فاعترف وأسلم، ثم ترك الطّب، واشتغل بتصانيف الإمام حجّة الإسلام الغزّالي، والإمام فخر الدّين الرازي، وداوم على العمل بالكتاب والسّنّة، وصنّف شرحا على «الفقه الأكبر» لأبي حنيفة، رضي الله عنه.
وفيها الشيخ شيخ بن إسماعيل بن إبراهيم بن الشيخ عبد الرحمن السّقاف اليمني [3] السيد الجليل، صاحب الكرامات الخارقة والآيات الصادقة.
كان من كبار مشايخ اليمن، حكي عنه أنه قيل له هاهنا رجل تحصل له حالة عظيمة عند السماع، فقال: ليس الرجل الذي يحتاج إلى محرك يحركه، إنما الرجل الذي لا يغيب عنه الشهود حتى في حالة الجماع فضلا عن غيره.
توفي بالشّحر [4] ودفن بها.
__________
[1] في «آ» : «ووالده» .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (321) و «الكواكب السائرة» (2/ 122) .
[3] ترجمته في «النور السافر» ص (235- 236) .
[4] جاء في «معجم ما استعجم» (2/ 783) : الشّحر: ساحل اليمن، وهو ممتدّ بينها وبين عمان. وانظر «معجم البلدان» (3/ 327) .(10/403)
وفيها عبد الرحمن المناوي المصري [1] ، الشيخ، الصّالح، العالم، العابد، الورع، أحد تلامذة سيدي محمد الشّناوي.
كان- رضي الله عنه- جميل الأخلاق، كريم النّفس، حمّالا للأذى، صبّارا على البلاء، كثير الحياء، لا يكاد يرفع بصره إلى السماء، ولا إلى جليسه.
أقام في طنتدا، ثم انتقل إلى الجامع الأزهر، فأقام به مدة، وانتفع به خلائق، ثم رجع إلى بلده المناوات، ومات بها.
وفيها زين الدّين عبد اللطيف بن علم الدّين سليمان بن أبي كثير المكّي [2] الإمام العلّامة.
قدم دمشق وأقام بها مدة، وقرأ «الشفا» على الشمس بن طولون الصّالحي في مجلسين في رجب، سنة ثمان وثلاثين، ثم سافر إلى السلطان سليمان حين كان ببغداد، فولّاه قضاء مكّة عن البرهان بن ظهيرة، وأضيف إليه قضاء جدّه، ونظر الحرم الشريف، ثم رجع إلى دمشق، وتوجه إلى مكّة مع الحاج هو والشيخ أبو الفتح المالكي، وتوفي بها.
وكان له شعر حسن منه الموشح المشهور في القهوة الذي مطلعه:
قهوة البن مرهم الحزن ... وشفا الأنفس
فهي تكسو شقائق الحسن ... من لها يحتسي
وقد عارضه الشيخ أبو الفتح المالكي المغربي بموشح على وزنه وقافيته.
وفيها عبد اللطيف بن عبد المؤمن بن أبي الحسن الخراساني الجامي الأحمدي [3] الهمداني الطريقة، العارف بالله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 161) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 179- 181) .
[3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 846- 855) و «الكواكب السائرة» (2/ 181- 183) و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 103) .(10/404)
خرج من بلاده يريد الحجّ في جمّ غفير من مريديه، فدخل القسطنطينية في دولة السلطان سليمان، فأكرم مثواه هو وأركان دولته، وتلقّن السلطان منه الذّكر، ثم دخل حلب وقرأ بها الأوراد الفتحية على وجه خشعت له القلوب وذرفت منه العيون.
قال ابن الحنبلي: وسألته عن وجه قوله في نسبته الأحمدي، فقال: هي نسبة إلى جدّي مير أحمد أحد شيوخ جام في وقته. قال: ونسبي متصل بجابر بن عبد الله البجلي.
قال: واستخبرته عن شيخه في الطريق فقال: هو حاجي محمد الجوشاني.
قال وسألته تلقين الذكر فلقّنني إيّاه. وكتب لي دستور العمل، ولكن بالفارسية، ثم حجّ، وتوجه إلى بلاده، وتوفي ببخارى.
قال ابن الحنبلي: وكان محدّثا، مفسّرا، مستحضرا للأخبار، معدودا من أرباب الأحوال، والصواب أنه توفي سنة ثلاث وستين [1] .
وفيها عبد اللطيف الخراساني الحنفي [2] العالم العلّامة.
دخل دمشق سنة تسع وثلاثين حاجّا، فنزل بالصالحية، وظهر علمه وعمله خصوصا في التفسير.
وفيها عيسى باشا بن إبراهيم الرّومي [3] الحنفي أمير أمراء دمشق.
كان له أولا اشتغال بالعلم، وصار مدرّسا بعدة مدارس، حتى اتصل إلى إحدى الثمان، ثم صار موقّعا بالديوان السّلطاني، ثم ولي الإمارة في بعض البلاد، ثم إمارة حلب فأحسن فيها السيرة، ثم إمارة دمشق وعزل منها ثم أعيد إليها ورسخ فيها.
__________
[1] يعني وتسعمائة.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 183) .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (254) و «در الحبب» (1/ 2/ 1056- 1060) و «الكواكب السائرة» (2/ 235) .(10/405)
وكان عالما بعدة من العلوم، ولم يترك المطالعة أيام الإمارة.
وكان له حسن أدب ولطف معاشرة، إلّا أنه كان إذا اشتد غضبه خمش يديه فيدميها وهو لا يدري، وأبطل كثيرا من الظّلامات، وعاش أهل القرى أيام ولايته عيشة طيبة.
وكان مكرما لأهل العلم ومشايخ الصوفية، ولبس الخرقة القادرية من الشيخ حسن الكيلاني لما قدم دمشق.
[وتوفي بدمشق] [1] في يوم الأحد تاسع صفر، وأوصى أن يلقّن فلقّته الشيخ أبو الفتح المالكي، وأوصى أن يسحب على الأرض قبل الدفن إلى قبره تعزيرا لنفسه، فحمل سريره إلى الصالحية، فلما قرّب من قبره سحب على الأرض قليلا تنفيذا لوصيته، ودفن في حوش الشيخ محيي الدّين [بن] العربي عند شبّاكه الشرقي بوصيّة منه.
وفيها قطب الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عمر بن سلطان الدمشقي الصّالحي الحنفي [2] شيخ الإسلام، مفتي بلاد الشام، الإمام العلّامة.
ولد ليلة ثاني عشر ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة، وأخذ عن القاضي عبد البرّ بن الشّحنة وغيره، وكان بيده تدريس القصّاعية المختصة بالحنفية، وتدريس الظاهرية التي هي مسكنه، والنظر عليها.
وكان له تدريس في الجامع الأموي، وغير ذلك من المناصب العليّة.
وولي القضاء بمصر في زمن الغوري نيابة عن شيخه ابن الشّحنة، وكفّ بصره من بعد مع بقاء جمال عينيه، بحيث يظن أنهما بصيرتان.
وكان حسن الوجه والذات، جليل المقدار، مهيبا، معظّما، نافذ الكلمة عند الدولة، يردون إليه الأمراء في الفتوى، ماسك زمام الفقهاء، وكان يملي من يكتب
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 12- 14) و «الأعلام» (7/ 57) .(10/406)
الجواب على الأسئلة التي ترفع إليه، واتخذ ختما منقوشا يختم به على الفتوى خوفا من التلبيس عليه.
وكان يقول بتحريم القهوة.
وصنّف مؤلفا في الفقه، ورسالة في تحريم الأفيون و «البرق اللامع في المنع من البركة في الجامع» وغير ذلك.
وتوفي ليلة الثلاثاء سابع عشري ذي القعدة ودفن داخل تربة القلندرية من باب الصغير في بيت مسقف معدّ للعلماء والصلحاء من الموتى.
وفيها نجم الدّين محمد بن أحمد بن عمر البابي الحلبي الشافعي، المعروف في مدينة الباب بابن صليلة، وفي حلب بالنّجم الإمام [1] لأنه كان إماما لخير بك الأشرفي كافل حلب، الإمام الفقيه الأصولي الخطيب ابن الخطيب.
كانت له قراءة حسنة وصوت جهوري.
وتوفي في أواخر [ذي] الحجة.
وفيها المولى محيي الدّين محمد بن عبد الله، أحد موالي الرّوم الحنفي، الشهير بمحمد بيك [2] .
كان من مماليك السلطان أبي يزيد، ورغب في العلم، وترك طريق الإمارة، وقرأ على جماعة، منهم المولى مظفّر الدّين العجمي، والمولى محيي الدّين الفناري، وغيرهما. ثم خدم ابن كمال باشا، وصار معيدا لدرسه، ثم تنقّل في المدارس، ثم اختل دماغه، ثم برئ، فسافر إلى مصر في البحر، فأسرته النصارى، فاشتراه بعض أصدقائه منهم، ثم عاد إلى قسطنطينية، فأعطاه السلطان سليمان سلطانية بروسا، ثم مدرسة أبي يزيد خان بأدرنة، ثم قضاء دمشق، فدخلها حادي عشر صفر سنة ست وأربعين، وعزل عنها في صفر سنة تسع وأربعين، فعاد
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 26) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (294) و «الكواكب السائرة» (2/ 38) .(10/407)
إلى الرّوم، واختل مزاجه غاية الاختلال، وأعطي في أثناء المرض قضاء مصر فسافر إليها في أيام الشتاء، فأدركته المنية في الطريق.
وكان محبّا للعلم وأهله وللصوفية، وله مهارة في العلوم العقلية ومعرفة بالعلوم الرياضية، وله تعليقات على بعض الكتب.
وتوفي في بلدة كوتاهية.
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن حسن [1] بن محمد [1] الرّعيني [2] الأندلسي الأصل الطرابلسي المولد المالكي، نزيل مكّة، ويعرف هناك كسلفه بالحطّاب، ويتميّز عن شقيق له أكبر منه اسمه محمد أيضا بالرّعيني، وذلك بالحطّاب، ويعرف في مكّة بالطرابلسي.
ولد في صفر سنة إحدى وستين وثمانمائة بطرابلس، ونشأ بها، فحفظ القرآن و «الرائية» و «الجزرية» وتفقه فيها يسيرا على محمد القابسي، وعلى أخيه، ثم تحوّل مع أبويه وأخيه وجماعتهم إلى مكة سنة سبع وسبعين، فحجّوا ورجعوا، وقد توفي بعضهم، فأقاموا بها سنين، ومات كل من أبويه في أسبوع واحد في ذي الحجّة سنة إحدى وثمانين بالطّاعون، واستمر هو وأخوه بها إلى أن عادا لمكّة في موسم سنة أربع وثمانين، فحجّا، ثم جاورا بالمدينة النبوية التي تليها، وعاد الأخ بعد حجّه منها إلى بلاده وهو إلى المدينة، وقرأ على الشمس العوفي في العربية، وعلى السّراج معمر في الفقه وغيره، وعاد لمكة فلازم الشيخ موسى الحاجبي، وقرأ فيها القراآت على موسى المراكشي، وصاهر ابن حزم على ابنته، وسمع من الحافظ السخاوي، كل ذلك مع الفاقة والعفّة، ونعم الرجل كان.
قال جار الله ابن فهد: وقد فتح الله عليه في آخر عمره وصار من المعتقدين في العلم والدّين، وظهر له ثلاثة من الأولاد هم الجمال محمد، وزيني بركات، والشّهاب أحمد، وزوجهم في حياته، ورأى أولادهم، مع نجابتهم، وصار أكثرهم من المفتين والمدرّسين بحرم الله الأمين، وانقطع بمنزله عدة سنين، وهو يدرّس
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (236- 237) .(10/408)
فيه، ورتّب له مرتّب في الجوالي، واعتقده الناس في الآفاق، وقصد بالفتوحات والودائع، وناله الضّرر من الدولة بسببها وهو متقنع متعفّف مجتهد في عمارة الأوقاف التي تحت نظره، وكذلك ولده الأكبر، وتحمّل لذلك كثيرا من الديون، وقاسى شدّة في مرضه حتى.
توفي ليلة السبت ثاني عشر صفر عن تسعين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبدو الشيخ الصّالح الزاهد المعمّر الخاتوني [1] الأردبيلي [2] الخرقة الحنفي.
ولد بسرة الفرات في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وثمانمائة وحملته أمه إلى الشيخ محمد الكواكبي الحلبي، فأمر خليفته الشيخ سليمان العيني أن يربيه، ولم يزل يتعاطى الذكر والفكر، حتى فتح عليه، وكان يتردّد إليه الزوّار فلا يرى نفسه إلا ذليلا، ولا يطلب أحد منه الدّعاء إلا سبقه إلى طلبه منه.
وكان زاهدا، متعففا عما في أيدي الناس، وعن أموال عظيمة، كانت تدفعها إليه الحكام، وكان يؤثر العزلة، وشاع عنه أنه كان ينفق من الغيب، وكانت مكاشفاته ظاهرة، وكان كثيرا يقول لست بشيخ ولا خليفة.
وتوفي بحلب في أواخر شوال.
وفيها المولى محيي الدّين محمد بن مصطفى القوجوي [3] الحنفي الإمام العلّامة.
اشتغل، وحصّل، ثم خدم المولى ابن فضل الدّين، ثم درّس بمدرسة خواجه خير الدّين بالقسطنطينية، ثم آثر العزلة، فترك التدريس، وتقاعد بخمسة عشر عثمانيا، وكان يستكثرها على نفسه، ويقول: يكفيني منها عشرة، ولازم بيته، وأقبل على العلم والعبادة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الخاقوني» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 186- 186) و «الكواكب السائرة» (2/ 45) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 59) .(10/409)
وكان متواضعا يحبّ أهل الصلاح، [وكان يشتري حوائجه من السوق بنفسه مع رغبة الناس في خدمته فلا يرضى إلّا بقضائها بنفسه تواضعا وهضما للنفس] [1] وكان يروي التفسير في مسجده، فيجتمع إليه أهل البلد يسمعون كلامه، ويتبرّكون بأنفاسه، وانتفع به كثيرون، وكان يقول: إذا شككت في آية من القرآن أتوجه إلى الله تعالى فيتسع صدري، حتى يصير قدر الدنيا ويطلع فيه قمران لا أدري هما أي شيء، ثم يظهر نور فيكون دليلا إلى اللوح المحفوظ، فاستخرج منه معنى الآية.
وممن أخذ عنه صاحب «الشقائق» قال: وهو من جلّة من افتخرت به، وما اخترت منصب القضاء إلّا بوصية منه، وله «حواش على البيضاوي» جامعة لما تفرّق من الفوائد في كتب التفسير سهلة قريبة، وشرح على الوقاية في الفقه، و «شرح الفرائض السراجية» و «شرح المفتاح للسكاكي» و «شرح البردة» .
وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن يوسف الحريري الأنطاكي ثم الحلبي [2] ، الحنفي، عرف بابن الحمصاني.
ولد بأنطاكية سنة تسعين وثمانمائة، وجوّد القرآن على الشيخ محمد الداديخي وغيره، وقرأ «الجزرية» على البدر السّيوفي، وغيره و «السراجية» على الزين بن فخر النساء، وسمع عليه صدر الشريعة، وقرأ على الشيخ عبد الحق السّنباطي كتاب «الحكم» لابن عطاء الله، وأجاز له إسماعيل الشّرواني، وابن فخر النّساء، وحجّ أربع مرات، منها ثنتان في المجاورة، وزار بيت المقدس، ودخل القاهرة وغيرها، وطاف البلاد، واجتمع بمشاهير العلماء، والصوفية، ثم قطن بعد أسفاره العديدة المديدة بحلب، وصحب بها ابن الحنبلي، ثم توفي بالرّملة.
وفيها المولى محمد، المعروف بشيخي چلبى [3] أحد موالي الرّوم.
كان فاضلا، ذكيا، متواضعا، محبا لأهل الخير، خدم المولى محيي الدّين
__________
[1] ما بين الحاصرتين لم يرد في «آ» و «ط» واستدركته من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (293) .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (293) و «الكواكب السائرة» (2/ 73) .(10/410)
الفناري، ثم المولى بالي الأسود، ثم درّس بمدرسة مولانا خسرو، ثم بمدرسة ابن ولي الدّين، ثم بمدرسة بيري باشا، ثم بأبي أيوب ثم بإحدى الثمان، ومات على ذلك.
وفي حدودها المولى محمد، وقيل: مصطفى، الشهير بمرحبا [1] أحد الموالي الرّومية.
كان يعرف بابن بيري محمد چلبي، وكان محقّقا مدقّقا، محبا للفقراء.
قرأ على المولى ركن الدّين بن زيرك، والمولى أمير جلبي، ثم خدم المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ثم تنقّل في المدارس، حتى درّس بإحدى الثمان، ثم صار قاضيا بدمشق، فدخلها في رابع عشري محرم سنة خمس وأربعين، وعزل عنها في عشري ذي القعدة من السنة المذكورة، وأعطى قضاء بروسا، ومات وهو قاض بها.
وفيها السيد الشريف محمود العجمي الشافعي [2] العلّامة مدرّس الأتابكية بصالحية دمشق.
وكان مقيما بالبادرائية داخل دمشق، وكان مقصدا للطلبة ينتفعون به، وكانت له يد طولى في المعقولات.
وتوفي يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخر، ودفن بباب الصغير.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (290) و «الكواكب السائرة» (2/ 73) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 294) .(10/411)
سنة إحدى وخمسين وتسعمائة
فيها توفي الشيخ شهاب الدّين أحمد بن محمد بن داود المنزلاوي الشافعي [1] ، الشيخ الصّالح الزّاهد الورع.
كان محدّثا، فقيها، صوفيا، كريما، يخدم الفقراء بنفسه- كما كان والده- ويقري الضيوف، وتظهر عليه خوارق في ذلك، فربما يجعل الماء والأرز في القدر، فيجعل الله فيه الدسم من لبن وغيره، حتى يقول الضيف: ما ذقت ألذّ منه، وربما ملأ الإبريق من البئر شيرجا أو عسلا.
وكانت له هيبة عند الحكّام، وكان قائما بشعار السّنّة في بلاد المنزلة ودمياط، بحيث لا يقدر أحد أن يتظاهر فيهما بمعصية أو ترك صلاة.
توفي بالمنزلة عن نيّف وثمانين سنة، ودفن عند والده.
وفيها- تقريبا- شهاب الدّين أحمد بن العلّامة سراج الدّين عمر البارزي الحموي الشافعي [2] المعمّر الإمام الفاضل.
وفيها أمير شريف العجمي المكّي [3] العلّامة في الطبّ.
قدم دمشق سنة تسع وأربعين وتسعمائة، متوجها إلى الرّوم.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 100) ، و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 187- 188) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 114- 115) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 124) .(10/412)
قال ابن طولون: وبلغني أنه شرح «رسالة الوجود» للسيد الشريف، وشرح «الفصوص» [1] للمحيي الدين العربي. انتهى.
وفيها بدر الدّين حسن بن إسكندر بن حسن بن يوسف بن حسن النّصيبي الحلبي، ثم المصري [2] الضّرير الشافعي، المعروف بالشيخ حسن.
ولد سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، وكان عالما بارعا في الفقه، والقراآت، والنحو، والتجويد.
قال الشعراوي: شيخي وقدوتي إلى الله تعالى، العلّامة الورع الزّاهد.
كان عالما، عاملا، حافظا لمتون الكتب الشرعية وآلاتها على ظهر قلب، حافظا للسانه، ملازما لشأنه، مواظبا على الطهارة الظّاهرة والباطنة، غزير الدمعة، لا يسمع آية أو حديثا أو شيئا من أحوال الساعة وأهوال يوم القيامة إلّا بكى، حتى أرحمه من شدة البكاء.
قال: وكان كريم النّفس، جميل المعاشرة، أمّارا بالمعروف، لا يداهن أحدا في دين الله تعالى، وهو أكثر أشياخي [3] نفعا لي، قرأت عليه القرآن، و «المنهاج» و «الألفية» و «الشاطبية» و «التوضيح» و «جمع الجوامع» و «تلخيص المفتاح» و «قواعد الإعراب» .
وتوفي بمصر ودفن خارج باب النصر. انتهى ملخصا وفيها المولى عبد العزيز بن زين العابدين الحنفي [4] أحد موالي الرّوم، الشهير بابن أم ولد شهرة جدّه لأمّه.
__________
[1] يعني «فصوص الحكم» وقد نشر قديما في مطبعة دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة في جزأين بمجلد واحد سنة (1365 هـ) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 134- 135) .
[3] في «ط» : «أشياخه» .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (244) و «در الحبب» (1/ 2/ 807- 816) ، و «الكواكب السائرة» (2/ 168- 169) .(10/413)
اشتغل بالعلم، وحصّل، واتصل بخدمة المولى ابن المؤيد، ودرّس بمدرسة داود باشا بالقسطنطينية، ثم بدار الحديث بأدرنة، ثم ولي قضاء حلب، ثم صار مفتيا ومدرّسا بأماسية، ثم ترك المناصب، وتقاعد، فعيّن له كل يوم سبعون عثمانيا.
وكان عالما، كاملا، شاعرا، لطيفا.
ومن شعره ما كتبه على وثيقة وهو قاض بمغنيسا:
هذه حجّة مبانيها [1] ... أسست بالوثاق تأسيسا
صحّ عندي جميع فحواها ... لن ترى في السطور تلبيسا
ثم عبد العزيز وقّعها ... قاضيا في ديار مغنيسا
قال ابن الحنبلي: كان فاضلا، فصيحا، حسن الخط، لطيف الشعر باللسان العربي، بديع المحاضرة، جميل المذاكرة. انتهى وتوفي بالقسطنطينية.
وفيها الشيخ زين الدّين عمر العقيبي [2] العارف بالله تعالى، المربي المسلك الحموي الأصل، ثم العقيبي الدمشقي، المعروف بالإسكاف.
كان في بدايته إسكافا يصنع النّعال الحمر، ثم صاحب الشيخ علوان الحموي، وبقي على حرفته، غير أنه كان ملازما للذّكر أو الصّمت، ثم غلبت عليه الأحوال، فترك الحرفة، وأقبل على المجاهدات، ولزم خدمة أستاذه الشيخ علوان، حتى أمره أن يذهب إلى دمشق ويرشد الناس.
وكان كثير المجاهدات، شديد التّقشف، ورعا.
وكان أمّيّا، لكن ببركة صدقه فتح الله عليه في الكلام في طريق القوم والتكلم على الخواطر التي يشكوها إليه الفقراء.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «مباينها» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 229- 233) ، و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 224- 225) .(10/414)
وكان مدة إقامته بدمشق، يسافر لزيارة شيخه في كل سنة مرة، يقيم بحماة ثلاثة أيام ويرجع.
قال الشيخ إبراهيم بن الأحدب: وأخذت عنه الطريق، وانتفعت به، وانتفع به كثير من الناس. انتهى وكان يعامل أصحابه ومريديه، بالمجاهدات الشاقة على النّفوس، وكان ربما أمر بعضهم بالركوب على بعير، ويعلّق في عنقه بعض الأمتعة، ويأمر آخر أن يقود به البعير وهما يجهران بذكر الله تعالى، كما هو المشهور من طريقته، وله أحوال خارقة.
ومن جملة مريديه وملازميه الشيخ محمد الزّغبي المجذوب المعتقد، وكان للشيخ عمر ولدان، وكان عيسى باشا كافل دمشق من جملة معتقديه، وأخذ عنه الطريق.
وتوفي الشيخ عمر في هذه السنة، ودفن بزاويته بمحلّة العقيبة، وظهر في الشمس تغيّر وظلمة شبه الكسوف يوم موته.
وفيها أقضى القضاة محبّ الدّين محمد بن قاضي القضاة سري الدّين عبد البرّ بن محمد بن الشّحنة المصري [1] المولد والمنشأ الحنفي.
كان أسمر، من سرية أبيه المسماة غزال، واشتغل بالعلم على أبيه وغيره، وولي نيابة الحكم عنده [2] ثم نيابة الحكم عنه [2] ، ثم قدم إلى [3] حلب عند انقضاء الدولة الجركسية، بعد أن حجّ وجاور.
وكان مقداما، محتشما، حسن الملبس، لطيف العمامة، حسن المطارحة، لطيف الممازحة، رقيق الطبع، سريع الشّعر مع حسنه ورقته في الجملة.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 256- 258) ، و «الكواكب السائرة» (2/ 40) ، و «إعلام النبلاء» (5/ 500- 501) .
[2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] لفظة «إلى» سقطت من «ط» .(10/415)
ومن شعره في مليح اسمه إبراهيم:
يا حبيبي صل معنّي ... ذاب وجدا وغراما
وارحمن صبّا كساه ... غزل عينيك سقاما
ورماه عن قسيّ ال ... حاجب اللّحظ سهاما
أنحلته رقّة الخص ... ر نحولا حيث هاما
لا يرى إلّا خيالا ... إن تقل [1] فيه نظاما
لم يذق من يوم غبتم ... عنه لا أكلا ولا ما
أطلقت عيناه نهرا ... طلّقت منه المناما
أوقدت حشو [2] حشاه ... نار خدّيك ضراما
عجبا للنّار فيه ... وبه حزت المقاما
إنّ بعد الوصل عادت ... بك بردا وسلاما
وتوفي بحلب ليلة الأحد تاسع شعبان قبيل الفجر، ودفن بتربة موسى الحاجب خارج باب المقام.
وفيها قاضي القضاة، عفيف الدّين محمد بن علي بن عمر بن علي بن جنغل- بضم الجيم، والغين المعجمة، بينهما نون ساكنة- الحلبي المالكي [3] آخر قضاة المالكية بحلب، وابن قضاتها.
ولد يوم الأربعاء تاسع عشري شوال سنة أربع وسبعين وثمانمائة، وتفقه بالشيخ علي المكناسي [4] المغربي المالكي، وولي القضاء من قبل السلطان
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «الكواكب السائرة» : «إن تقل» وفي «درّ الحبب» : «إن يقل» .
[2] في «آ» و «ط» : «حشي» وما أثبته من «درّ الحبب» و «الكواكب السائرة» .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 276- 278) و «الكواكب السائرة» : (2/ 48) و «إعلام النبلاء» (5/ 499- 500) .
[4] كذا في «آ» و «الكواكب السائرة» وإحدى نسخ «درّ الحبب» كما في حاشيته: «المكناسي» . وفي «ط» و «درّ الحبب» و «إعلام النبلاء» : «الكناسي» .(10/416)
الأشرف قايتباي تاسع عشري شوال سنة سبع وتسعين وهو ابن نيف وعشرين سنة، ثم انكفّ عن المناصب في الدولة العثمانية، ولزم بيته آخرا في رفاهية وطيب عيش، والمسلمون سالمون من يده ولسانه، ولم يكن يخرج من بيته إلّا لصلاة الجمعة والعيدين، وربما شهد بعض الجنائز.
وتوفي في [1] نهار الأربعاء ثاني شوال.
وفي حدودها عصام الدّين إبراهيم بن محمد بن عرب شاه [2] من ذرّيّة أبي إسحاق الإسفراييني- وإسفرايين [3] قرية من قرى خراسان.
كان أبوه قاضيا بها وجدّه في أيام أولاد تيمور- وهو من بيت علم، ونشأ هو طالبا للعلم [4] ، فحصّل وبرع، وفاق أقرانه، وصار مشارا إليه بالبنان.
وكان بحرا في العلوم، له التصانيف الحسنة النافعة في كل فنّ، خرج في أواخر عمره من بخارى إلى سمرقند لزيارة الشيخ العارف خواجه عبيد الله النّقشبندي، فمرض بها مدة اثنين وعشرين يوما، ثم قضى نحبه عن اثنتين وسبعين سنة. وكان آخر ما تلفظ به: الله.
وازدحم الناس للصلاة عليه ودفن بسمرقند قرب الشيخ المذكور.
وفيها جمال الدّين أبو مخرمة محمد بن عمر باقضام الفروعي الشافعي [5] يجتمع مع الفقيه عبد الله بن أحمد مخرمه في الأب السادس.
ولد ببلدة الهجرين من اليمن ونشأ بها، ثم ارتحل إلى عدن لطلب العلم، فأخذ عن إماميها الفقيه عبد الله بن أحمد مخرمه، والفقيه محمد بن أحمد فضل، ثم ارتحل إلى زبيد وأخذ عن علمائها، ثم رجع إلى عدن ولازم الإمام عبد الله بن
__________
[1] لفظة «في» لم ترد في «آ» .
[2] ترجمته في «الأعلام» (1/ 66) ووفاته فيه (945) وانظر حاشيته.
[3] لفظة «وإسفرايين» سقطت من «ط» .
[4] في «ط» : «العلم» .
[5] ترجمته في «النور السافر» ص (238- 239) .(10/417)
أحمد مخرمه وولده العلّامة شهاب الدّين أحمد، وانتفع بهما، وتخرّج عليهما.
ولما وصل العلّامة محمد بن الحسين القمّاط قاضيا على عدن، ثم بعده العلّامة أحمد بن عمر المزجد قاضيا أيضا، لازم كلّا منهما، ولم يزل مجتهدا حتى فاق أقرانه في الفقه، وصار في عدن هو المشار إليه، والعلم المعوّل عليه، واحتاج الناس إلى علمه، وقصدوه بالفتوى من النواحي البعيدة، لكنه قد كان [1] يتساهل في الفتاوى ويترك المراجعة، لا سيما في أواخر عمره، فاختلفت أجوبته وتناقضت فتاويه، وكان ذلك مما عيب عليه، ثم كان السلطان عامر بن داود- وهو آخر ملوك بني طاهر بعدن- استماله في آخر عمره وأحسن إليه لأغراض فاسدة عزم عليها، فكان إذا عزم على أمر فاسد يتعلق بالشرع أرسل إليه من يشاوره في كتب سؤال في القضية، فيجيبه إلى ذلك، ويكتب على سؤالاتهم أجوبة توافق أغراضهم، فيتوصلون بها إلى مفاسد لا تحصى، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وتوفي ببلدة الهجرين، سامحه الله تعالى.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ولكنه كان قد» وأثبت لفظ «النور السافر» مصدر المؤلّف، ولا حاجة للفظة «قد» في السياق هنا.(10/418)
سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة
وفيها توفي المولى بير أحمد بن حمزة، الشهير بابن بليس الحنفي [1] الفاضل.
اشتغل بالعلم، وحصّل، ودرّس ببعض المدارس، ثم بمدرسة إسكوب، ثم وصل إلى إحدى الثمان، ثم صار قاضيا بمصر، ثم أعطي تقاعدا عنها بمائة عثماني، ومات على ذلك، وخلّف دنيا طائلة، وكتبا نفيسة.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن جلال الدّين محمد البكري الصّدّيقي [2] الشافعي، الشيخ الإمام المحدّث، نادرة الزّمان وأعجوبة الدهر، الصوفي الأستاذ.
أخذ الفقه والعلوم عن القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، وغيرهما.
وأخذ التصوف عن الشيخ رضي الدّين الغزّي العامري، والشيخ عبد القادر الدشطوطي.
قال الشّعراوي: أخذ العلم عن جماعة من مشايخ الإسلام والتصوف عن الشيخ رضي الدّين الغزّي، وتبحر في علوم الشريعة، من فقه، وتفسير، وحديث، وغير ذلك.
وكان إذا تكلم في علم منها، كأنه بحر زاخر، لا يكاد السّامع يحصل من كلامه على شيء ينقله منه لوسعه إلّا أن يكتبه.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (243) و «الكواكب السائرة» (2/ 106) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 194- 197) .(10/419)
قال: وأخبرني من لفظه، ونحن بالمطاف أنه بلغ درجة الاجتهاد المطلق.
وقال: إنما أكتم ذلك عن الأقران خوفا من الفتنة بسبب ذلك، كما وقع للجلال السيوطي.
قال: وكانت مدة اشتغاله على الأشياخ نحو سنتين، ثم جاء الفتح من الله، فاشتغل بالتأليف. انتهى ومن مؤلفاته «شرح المنهاج» و «شرح الروض» و «شرح العباب» للمزجد، و «حاشية على شرح المحلّى» .
قال الشعراوي: وهو أول من حجّ من علماء مصر في محفّة، ثم تبعه الناس.
قال: وحججت معه مرة فما رأيت أوسع خلقا ولا أكثر صدقة في السرّ والعلانية منه.
وكان لا يعطي أحدا شيئا نهارا إلّا نادرا، وأكثر صدقته ليلية.
وكان له الإقبال العظيم من الخاص والعام.
وشاع ذكره في أقطار الأرض مع صغر سنّة.
وكان له كرامات كثيرة، وخوارق، وكشوفات، وترجمه الناس بالقطبية العظمى، ويدلّ على ذلك ما أخبرنا به الشيخ خليل الكشكاوي.
قال: رأيت الشيخ أبا الحسن البكري، وقد تطور، فكان كعبة مكان الكعبة، ولبس سترها كما يلبس الإنسان القميص.
قال: وكان له النظم السائغ في علوم التوحيد، وأطلعني مرة على «تائية» عملها نحو خمسة آلاف بيت، أوائل دخوله في طريق القوم، ثم إنه غسلها وقال:
إن أهل زماننا لا يحتملون سماعها لقلّة صدقهم في طلب الطريق. انتهى ومن شعره «التائية المشهورة» التي أولها:
بوجودكم تتجمّل الأوقات ... وبجودكم تتنزّل الأقوات
وهي طويلة مشهورة.(10/420)
وتوفي- رحمه الله تعالى- بالقاهرة ودفن بجوار الإمام الشافعي رضي الله عنهما.
وفيها- تقريبا- المولى محيي الدّين محمد بن بهاء الدّين بن لطف الله [1] الصّوفي الحنفي الإمام العلّامة المحقّق المعمّر المنّور، أحد الموالي الرّومية، الشهير ببهاء الدّين زاده.
قرأ على المولى مصلح الدّين القسطلاني، ثم على المعرّف معلّم السلطان أبي يزيد، ثم مال إلى التصوف، فخدم العارف محيي الدّين الإسكليبي، وأجازه ب «الإرشاد» وجلس مدة في وطنه بالي كسرى، ثم عاد إلى القسطنطينية، وجلس في زاوية شيخه المذكور بعد موت المولى عبد الرحيم بن المؤيد.
وكان عالما بالعلوم الشرعية والفرعية، ماهرا في العلوم العقلية، عارفا بالتفسير والحديث والعربية، زاهدا، ورعا، ملازما لحدود الشريعة، مراعيا لآداب الطريقة، جامعا بين علوم الشرع ومعارف الحقيقة، أمّارا بالمعروف، لا تأخذه في الله لومة لائم.
ومن تصانيفه: «شرح الأسماء الحسنى» و «تفسير القرآن العظيم» و «شرح الفقه الأكبر» للإمام الأعظم، جمع فيه بين طريق الكلام وطريق التصوف، وله في التصوف رسائل كثيرة، وحجّ في سنة إحدى وخمسين، فدخل بلاد الشام.
وتوفي ببلدة قيصرية، ودفن بها عند قبر الشيخ إبراهيم القيصري، وهو شيخ شيخه.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن القلوجي الدمشقي [2] الشافعي الواعظ المقرئ، أخو الشيخ أحمد القلوجي الآتي وأسنّ منه، إلا أنه توفي شابا.
أخذ عن البدر الغزّي، والتّقي القاري، والسعد الذّهبي، وغيرهم، ومكث في القاهرة سنين في الاشتغال، ثم قدم دمشق يوم السبت ثاني عشري رمضان سنة
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (259- 260) و «الكواكب السائرة» (2/ 29- 30) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 48- 49) .(10/421)
تسع وثلاثين وتسعمائة، ثم شرع يعظ تحت قبّة النّسر بالأموي عقب صلاة الجمعة، وابتدأ يوم عيد الفطر، وتكلّم على أول الأعراف [1] .
وكان شابا، ذكيا، واعظا، يفتي ويدرّس في الشامية البرانية، وأمّ بمقصورة الأموي، شريكا للشّهاب الطّيبي.
وكان عارفا بالقراءات.
وتوفي بدمشق ليلة السبت سادس عشر رمضان، ودفن بباب الصغير، وتأسف الناس عليه.
__________
[1] أي سورة الأعراف.(10/422)
سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة
فيها توفي الشيخ شهاب الدّين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد الأنطاكي الحلبي الحنفي، المعروف بابن حمارة [1] الإمام العلّامة الورع.
ولد بأنطاكية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، ونشأ بها، وحفظ القرآن العظيم، وتخرّج في صنعة التوقيع بجدّة.
وأخذ النحو، والصرف، عن الشيخ علاء الدّين العداسي الأنطاكي، والمنطق، والكلام، والأصول عن منلا محيي الدّين بن عرب الأنطاكي الحنفي، ثم قدم حلب، ولازم فيها البدر السيوفي، واشتغل في القراآت على الشيخ محمد الداديخي، وتعاطى صنعة الشهادة، ثم صار مدرسّا في توسعة جامع الضروري بحلب، وحجّ، وأجاز له بمكّة المحدّث عبد العزيز بن الحافظ نجم الدّين بن فهد، وبالقاهرة القاضي زكريا، والشيخ شهاب الدّين القسطلاني.
ولم يزل مكبّا على التدريس، والتحديث، والتكلم على الأحاديث النبوية بالعربي والتركي بالجامع المذكور.
وعرض عليه تدريس السلطانية بحلب فأعرض عنه، وولي خطابة الجامع المذكور، والحلاوية، والإفتاء بحلب، ثم حجّ ثانيا، فتحرك عليه وجع النقرس وهو بدمشق، وكان يعتريه أحيانا، واستمر به حتى دخل المدينة فخفّ عنه.
قال ابن الحنبلي: وكان له الخطّ الحسن والتحشية اللطيفة على حواشي الكتب، ولم تكن له خبرة بأساليب أهل الدنيا، مع الصّلاح الزائد.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 111- 120) و «إعلام النبلاء» (5/ 510- 512) و «الكواكب السائرة» (2/ 97) وفيه: «ابن حمادة» وهو تحريف.(10/423)
وله من التآليف «منسك لطيف» .
وتوفي يوم عرفة طلوع الفجر وهو يتلو القرآن.
وفيها بدر الدّين حسن، الشهير بابن الينابيعي الحلبي [1] الشافعي المقرئ.
قال ابن الحنبلي: كان عالما، فاضلا، تلميذا للبدر السيوفي وغيره، وأدرك الشيخ جاكير صاحب الزاوية المشهورة بسرمين، وأخذ عنه القراآت، وكان من العارفين بها.
وتوفي في هذه السنة وقد قارب المائة وقوته محفوظة.
وفيها- تقريبا- السيد عفيف الدّين حسين بن عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن يحيى بن أحمد بن محمد بن نصر بن عبد الرزّاق بن القطب الكبير سيدي عبد القادر الكيلاني الحلبي ثم الحموي [2] الشافعي، سبط النّظام التادفي الحنبلي.
ولد بحلب سنة ست وعشرين وتسعمائة، ثم قطن حماة، وقرأ في الفقه، وسمع الحديث على الشّهاب البازلي، وسافر إلى دمشق، فتلقاه الفقراء والمشايخ وبعض الأعيان، ولبس منه الخرقة جماعة، وحصل له القبول من عيسى باشا نائب دمشق، وصار له حلقة في الجامع الأموي بعد صلاة الجمعة، ثم عاد إلى حماة، فودّعه الناس في يوم مشهود، ثم سافر إلى الرّوم، فطلبه السلطان سليمان، فدخل عليه، فأمره بالجلوس وأمر له بعشرين عثمانيا في زوائد عمارة والده بدمشق فأبى، ثم قبل بعد التصميم عليه، ثم عاد فدخل حلب سنة اثنتين وخمسين.
وتوفي بحماة.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 531- 532) و «الكواكب السائرة» (2/ 138) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 558- 560) و «الكواكب السائرة» (2/ 138- 139) و «إعلام النبلاء» (6/ 86- 87) .(10/424)
وفيها سعد الدّين سعد بن علي بن الدّبل- بالدال المهملة ثم الموحدة من تحت- الأنصاري الحلبي ثم الدمشقي الحنفي [1] .
قال ابن طولون: هو مدرّس الماردانية بالجسر الأبيض بسفح قاسيون.
اشتغل، وحصّل، وبرع، وتفقه، وولي القضاء بحلب نيابة، ثم قدم دمشق، ونزل بالخانقاه السّميساطية، ونظم الشعر بالعربي، والتركي، والفارسي، ونظم قصيدة في قاضي دمشق السيد عربية ملمعة باللسانين وشكره عليها.
وتوفي يوم السبت سلخ صفر سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، وجد مرميا على باب الخانقاة المذكورة تحت روشن خلوته بها وإبهاماه مربوطان وهو مخنوق، ولم يعلم له غريم، ودفن بتربة باب الفراديس، ولعله في عشر السبعين. انتهى وفيها- ظنا- المولى سنان چلبي [2] أحد الموالي الرّومية الحنفي الإمام العلّامة.
ترقى في التداريس، ثم أعطي قضاء دمشق، فدخلها في صفر سنة تسع وأربعين وتسعمائة، وحكم فيها نحو ثلاث سنين وحمدت سيرته في قضائها.
وفيها عبد الوهاب بن أبي بكر اللّيموني الغزّي الأصل الحلبي [3] المولد الشافعي الصّوفي الهمداني الخرقة.
أحد أكابر حفّاظ القرآن العظيم بحلب، لبس الخرقة، وتلقّن الذّكر من الشيخ يونس بن إدريس، وألمّ ب «الشاطبية» وأقرأ فيها، وأمّ بجامع حلب.
وتوفي في رمضان.
وفيها الشيخ علي البحيري [4] .
قال المناوي في «طبقاته» : هو ذو العلم الكثير، والزهد الجمّ الغفير،
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 657- 660) و «الكواكب السائرة» (2/ 146- 147) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 149) .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 867- 868) و «الكواكب السائرة» (2/ 186) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 216) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 169- 170) .(10/425)
والخوف الذي ليس له في عصره نظير، لا يكاد يغيب شيء من أحوال القيامة عنه، وكثيرا ما يقول نسأل الله السلامة، ومنذ نشأ لم يضع له زمان ولا وضع جنبه على الأرض، مدى الأزمان، ولا ظفر الفراغ منه بأمان.
وقال الشعراوي: صحبته نحو عشرين سنة، وكان جامعا بين الشريعة والحقيقة، أخذ علم الظّاهر عن جمع، منهم ابن الأقطع.
وكان أكثر إقامته بالرّيف، يدور البلاد فيعلّم الناس دينهم ويرشدهم.
وكان يفتي في الوقائع التي لا نقل فيها بأجوبة حسنة فيعجب منها علماء مصر.
وكان يهضم نفسه، وإذا زاره عالم أو فقير يبكي ويقول: يزورك مثل فلان يا فضيحتك بين يدي الله.
وإذا سئل الدعاء يقول: كلّنا نستغفر الله ثم يدعو.
وكان يلام على كثرة الدعاء فيقول: وهل خلقت النار إلا لمثلي.
وحكى عنه مناقب كثيرة.
وتوفي في شوال ودفن بزاوية سيدي محمد المنير خارج الخانقاة السّرياقوسية.
وفيها زين الدّين عمر بن نصر الله [1] الشيخ، العالم، الزاهد، العارف بالله تعالى، الصالحي الدمشقي الحنفي.
وكان من أهل العلم، والصّلاح، طارحا للتّكلّف، يلبس العباءة، قانعا باليسير، يرجع إليه في مذهبه.
وكان القطب بن سلطان يستعين به في تأليف ألّفه في فقه الحنفية.
وتوفي مقهورا لما رآه من ظهور المنكرات وحدوث المحرّمات وضرب اليسق على الأحكام.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 227- 228) .(10/426)
وكانت وفاته في سادس رجب ودفن بسفح قاسيون بالصالحية.
وفيها السيد قطب الدّين أبو الخير عيسى بن محمد بن عبيد الله بن محمد الشريف [1] العلّامة المحقّق المدقّق الحسني الحسيني الأيجي الشافعي الصّوفي، المعروف بالصّفوي، نسبة إلى جدّه لأمّه السيد صفي الدّين والد الشيخ معين الدّين الأيجي الشافعي، اصحب «التفسير» .
ولد سنة تسعمائة، واشتغل في النحو والصرف على أبيه، وتفقّه به، وأخذ عنه «الرسالة» الصغرى والكبرى للسيد الشريف في المنطق، ثم لازم الشيخ أبا الفضل الكازواني، صاحب «الحاشية على تفسير البيضاوي» و «الشرح على إرشاد القاضي شهاب الدّين الهندي» بكجرات من بلاد الهند، فقرأ عليه «المختصر» و «المطول» وغيرهما، وأجاز له ثم فارقه، وسمع بالهند أيضا على أبي الفضل الأستراباذي أشياء بقراءة غيره، ورحل إلى دلّي [2] ، وحضر مجالس علمائها وبحث معهم فظهر فضله، وأكرمه السلطان إبراهيم بن إسكندرشاه، وأدرك الجلال الدّواني وأجاز له، ثم حجّ وجاور بمكة سنين، وزار قبر النّبي صلّى الله عليه وسلم.
وصحب بالمدينة الشيخ الزّاهد أحمد بن موسى الشّيشني المجاور بها، وأرخى له العذبة، وأذن له في ذلك، ثم دخل بلاد الشام في حدود سنة تسع وثلاثين، وأخذ عنه جماعة من أهل دمشق وحلب، ودرّس بدمشق في «شرح الكافية للرضي» وكان يعتمد على كلام الشيخ جمال الدّين بن مالك ما لا يعتمد على كلام ابن هشام.
وزار بدمشق قبور الصالحين، وزار بيت المقدس، وسافر إلى الرّوم مرتين، وأنعم عليه السلطان سليمان بخمسين عثمانيا في خزينة مصر، ثم رجع إلى حلب فقدمها الشيخ محمد الأيجي للقائه، وعادا جميعا إلى دمشق، وأخذ عنه بحلب ابن الحنبلي ولبس منه الخرقة، وتلقّن الذّكر، ثم دخل مصر واستوطنها.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 233- 235) و «درّ الحبب» (1/ 2/ 1045- 1056) و «الأعلام» (5/ 108) و «معجم المؤلفين» (8/ 32) .
[2] قلت: ويقال لها «دهلي» أيضا وتعرف الآن ب «دلهي» وهي عاصمة دولة الهند المعاصرة.(10/427)
وله مؤلفات، منها «شرح مختصر على الكافية» و «شرح الغرّة» في المنطق للسيد الشريف، و «شرح الفوائد الضيائية» في المعاني والبيان.
قال ابن الحنبلي: وهو مما لم يكمله، و «مختصر النهاية» لابن الأثير في نحو نصف حجمها، و «تفسير من سورة عم إلى آخر القرآن» وكان من أعاجيب الزمان، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الشهير بابن طولون الدمشقي الصّالحي [1] الحنفي الإمام العلّامة المسند المؤرّخ.
ولد بصالحية دمشق بالسهم الأعلى قرب مدرسة الحاجبية سنة ثمانين وثمانمائة تقريبا، وسمع وقرأ على جماعة، منهم القاضي ناصر الدّين بن زريق، والسّراج بن الصّيرفي، والجمال ابن المبرّد، والشيخ أبو الفتح المزّي، وابن النّعيمي في آخرين، وتفقّه بعمّه الجمال ابن طولون وغيره، وأخذ عن السيوطي إجازة مكاتبة في جماعة من المصريين وآخرين من أهل الحجاز.
وكان ماهرا في النحو، علّامة في الفقه، مشهورا بالحديث، وولي تدريس الحنفية بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر، وإمامة السّليمية بالصالحية، وقصده الطلبة في النحو، ورغب الناس في السماع منه، وكانت أوقاته معمورة بالتدريس، والإفادة، والتأليف، وكتب بخطّه كثيرا من الكتب، وعلّق ستين جزءا، سمّاها بالتعليقات، كل جزء منها يشتمل على مؤلفات كثيرة، أكثرها من جمعه، ومنها كثير من تأليفات شيخه السيوطي.
وكان واسع الباع في غالب العلوم المشهورة، حتى في التعبير والطب،
__________
[1] ترجمته في «الفلك المشحون بأحوال محمد بن طولون» وقد ترجم فيه لنفسه بقلمه وهو أهم مصادر ترجمته و «الكواكب السائرة» (2/ 52- 54) و «الأعلام» (6/ 291) و «معجم المؤلفين» (11/ 51- 52) ومقدمتنا لكتابه «إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين» ص (30- 37) الطبعة الثانية إصدار مؤسسة الرسالة بيروت ومقدمة الأستاذ الشيخ محمد أحمد دهمان لكتابه «القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية» (1/ 9- 19) الطبعة الأولى، ومقدمة الأستاذ نزار أباظة لكتابه «فصّ الخواتم فيما قيل في الولائم» ص (6- 27) .(10/428)
وأخذ عنه جماعة من الأعيان وبرعوا في حياته، كالشهاب الطّيبي شيخ الوعّاظ والمحدّثين، والعلاء بن عماد الدّين، والنجم البهنسي خطيب دمشق، ومن آخرهم الشيخ إسماعيل النابلسي مفتي الشافعية، والزين بن سلطان مفتي الحنفية، والشّهاب العيثاوي [1] مفتي الشافعية، والشّهاب [1] بن أبي الوفا مفتي الحنابلة، والقاضي أكمل بن مفلح، وغيرهم.
ومن شعره:
ارحم محبّك يا رشا ... ترحم من الله العلي
فحديث دمعي من جفا ... ك مسلسل بالأوّل
ومنه:
ميلوا عن الدّنيا ولذّاتها ... فإنّها ليست بمحموده
واتّبعوا الحقّ كما ينبغي ... فإنها الأنفاس معدودة
فأطيب المأكول من نحلة ... وأفخر الملبوس من دوده
وتوفي يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى ودفن بتربتهم عند عمّه القاضي جمال الدّين بالسفح قبلي الكهف والخوارزمية، ولم يعقّب أحدا.
وفيها محيي الدّين محمد الحنفي الرّومي، المعروف بإمام خانة [2] لكونه إمام قلندرخانة.
كان بارعا في العلم أصولا وفروعا، وعربية وتفسيرا، ثم تصوّف، فصحب الشيخ حبيب القرماني، والشيخ ابن أبي الوفاء، والسيد أحمد البخاري، ثم صار إمام وخطيب جامع قلندرخان، وانقطع إلى الله تعالى، ولازم بيته، وكان مباركا، صحيح العقيدة، محافظا على حدود الشريعة.
قال في «الشقائق» : وكان شيخا هرما، سألته عن سنّة فقال: مائة أو أقلّ منها
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (324) و «الكواكب السائرة» (2/ 74) .(10/429)
بسنتين [1] ، وعاش بعد ذلك مقدار ثمان سنين، رحمه الله تعالى.
وفي حدودها شمس الدّين محمد القهستاني الحنفي [2] المفتي ببخارى، وهو من شركاء المولى عصام الدّين.
وكان إماما، عالما، زاهدا، فقيها، متبحرا، جامعا، يقال: إنه ما نسي قطّ ما طرق به سمعه [3] ، وله شرح لطيف على «الوقاية» ألّفه برسم الملك البطل الشجاع العالم العامل المستنصر السلطان [4] ابن السلطان [4] أبي المغازي عبيد الله خان السّيبكي.
وقهستان: قصبة من قصبات خراسان [5] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «أو أقلّ سنين» والتصحيح من «الشقائق النعمانية» مصدر المؤلف.
[2] ترجمته في «الأعلام» (7/ 11) و «معجم المؤلفين» (9/ 179) و «معجم المطبوعات العربية» (2/ 1533) .
[3] في «ط» : «ما طرق بسمعه» .
[4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[5] قهستان ويقال «قوهستان» : معناه موضع الجبال، وهي الجبال التي بين هراة ونيسابور. انظر خبرها في «معجم البلدان» (4/ 416) و «الأنساب» (10/ 264 و 269) و «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (108- 109) بتحقيقي وإشراف والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله تعالى، طبع دار ابن كثير.(10/430)
سنة أربع وخمسين وتسعمائة
فيها توفي القاضي برهان الدّين إبراهيم بن أحمد الأخنائي الشافعي الدمشقي [1] الإمام العلّامة.
كان من العلماء والرؤساء، ماسكا زمام الفقهاء، أحد قضاة العدل، يلبس أحمد الثياب وأفخرها، ويركب حسان الخيل.
اشتغل أولا على القاضي برهان الدّين بن المعتمد، ورافق تقي الدّين القاري عليه وعلى غيره في الاشتغال، وأخذ عن الكمال بن حمزة، وكانت له ديانة، ومهابة، ووقار.
وتوفي ليلة الأربعاء سابع رجب، ودفن بتربته المعمورة قرب جامع جرّاح [2] .
وفيها برهان الدّين إبراهيم بن العلّامة زين الدّين حسن بن عبد الرحمن بن محمد الحلبي الشافعي، الشهير بابن العمادي [3] الشيخ الإمام [4] شيخ الإسلام [4] .
ولد بحلب بعد الثمانين وثمانمائة، ونشأ بها، وأخذ العلوم عن جماعة من أهلها، وممن ورد إليها منهم والده، والشمس البازلي، والشيخ أبو بكر الحبيشي،
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 78- 79) .
[2] في «الكواكب السائرة» : «بغرب جامع جرّاح» .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» : (1/ 1/ 74- 83) و «الكواكب السائرة» (2/ 79- 80) .
[4] ما بين الرقمين سقط من «ط» .(10/431)
ومظفّر الدّين الشّيرازي نزيل حلب، وقرأ «المطوّل» وبعض العضد على البدر بن السيوفي، والفقه وغيره عن المحيوي عبد القادر الأبّار وغيرهم.
وجدّ واجتهد، حتى فضل في فنون، ودرّس وأفتى ووعظ، مع الدّيانة، والسكون، ولين الجانب، وحسن الخلق.
وحجّ من طريق القاهرة، وأخذ عن جماعة من أهلها، كالقاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف والنّور المحلّي، والشّهاب القسطلاني، وقرأ عليه «شرحه على البخاري» و «المواهب اللّدنية» وغيرهما، وأخذ بمكّة عن العزّ بن فهد، وابن عمّه الخطيب، وغيرهما، ولقى بها من مشايخ القاهرة عبد الحق السّنباطي، وعبد الرحيم بن صدقة، وأخذ عنهما، وأخذ بغزّة عن شيخها الشّهاب بن شعبان، ثم أكب على إفادة الوافدين إليه في العربية، والقراآت، والفقه وأصوله، والحديث وعلومه، والتفسير، وغير ذلك، وكان لا يردّ أحدا من الطلبة، وإن كان بليدا، وأفتى، وكان لا يأخذ على الفتوى شيئا، وانتهت إليه رئاسة الشافعية بحلب.
وتوفي يوم الجمعة في رجب، ودفن وراء المقام الإبراهيمي خارج باب المقام.
وفيها جار الله بن عبد العزيز بن عمر بن محمد بن محمد بن فهد الهاشمي [1] المكّي الشافعي الإمام العلّامة المسند المؤرّخ.
ولد ليلة السبت العشرين من رجب سنة إحدى وتسعين وثمانمائة، بمكّة، ونشأ بها في كنف أبويه، فحفظ القرآن العظيم وكتبا، منها «الأربعين النواوية» و «المنهاج الفقهي» وسمع من السّخاوي، والمحبّ الطّبري، وأجاز له جماعة، كعبد الغني البساطي وغيره، ولازم والده في القراءة والسماع، وتوجه معه للمدينة وجاورا بها سنة تسع وتسعمائة، وسمع بها من لفظ والده تجاه الحجرة الشريفة
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 52) و «النور السافر» ص (241- 242) و «درّ الحبب» (1/ 1/ 434- 436) و «الكواكب السائرة» (2/ 131) و «الأعلام» (6/ 209) و «معجم المؤلفين» (3/ 107) .(10/432)
الكتب الستة، و «الشفا» لعياض، وغيرها، وعلى السيد السّمهودي بعضها، وتاريخه «الوفا» و «فتاواه» وألبسه خرقة التصوف، ولما عاد إلى مكّة أكثر على والده من قراءة الكتب الكبار والأجزاء الصغار، وانتفع بإرشاده، وخرّج الأسانيد والمشيخات لجماعة من مشايخه وغيرهم، واستوفى ما عند مشايخ بلده من السّماع [1] ، ورحل إلى مصر، والشام، وبيت المقدس، وحلب، واليمن، وأخذ بها وبغيرها من البلدان عن نحو السبعين من المسندين، وأجازه خلق كثيرون جمعهم في مجمع حافل، ولازم الشيخ عبد الحق السّنباطي، وخرّج له «مشيخة» اغتبط بها، وكذا المحبّ النّويري وغيرهما، من الأكابر، وبرع في العلوم العقلية، والشرعية، ودخل بلاد الرّوم، ورزق الأولاد، وحدّث بالحرمين وغيرهما.
وتوفي ليلة الثلاثاء خامس عشر جمادى الآخرة.
وفيها- ظنّا- المولى داود بن كمال أحد موالي الرّوم [2] .
قال في «الشقائق» : كان عالما، فاضلا، ذكيا مدقّقا، له يد طولى في العلوم، كريم الطبع، مراعيا للحقوق، قوّالا بالحقّ، لا يخاف في الله لومة [3] لائم.
اشتغل في طلب العلم حتّى توصّل إلى خدمة المولى الفاضل ابن الحاج حسن، ثم انتقل إلى خدمة المولى ابن المؤيد، ثم ولي التداريس، ثم صار قاضيا بمدينة بروسا مرّتين، ثم اختار التقاعد، فعيّن له كل يوم مائة درهم عثماني، ولم يشتغل بالتّصنيف، ومات على ذلك.
وفيها شاهين بن عبد الله الجركسي [4] العابد الزاهد، بل الشيخ العارف بالله تعالى، الدّال عليه والمرشد إليه.
__________
[1] في «آ» : «واستوفى ما عند مشايخه من السماع» .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (239) و «الكواكب السائرة» (2/ 142- 143) .
[3] في «آ» : «لومة» ولفظة «لائم» لم ترد فيها.
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 150- 151) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 184) .(10/433)
كان من مماليك السلطان قايتباي، وكان مقرّبا عنده، فسأل السلطان أن يعتقه ويخليه لعبادة ربّه ففعل، وساح إلى بلاد العجم وغيرها، وأخذ الطريق عن سيدي أحمد بن عقبة اليمني المدفون بحوش السلطان برقوق، فلما مات صحب نحو ستين شيخا ولما دخل العجم أخذ عن سيدي عمر روشني بتبريز، ثم رجع إلى مصر، وأقام بالمحل الذي دفن فيه من جبل المقطّم، وبنى له فيه معبدا. وكان لا ينزل إلى مصر إلّا لضرورة شديدة، ثم انقطع لا ينزل من الجبل سبعا وأربعين سنة، واشتهر بالصّلاح في الدولتين، وكان أمراء مصر وقضاتها وأكابرها يزورونه [1] ويتبركون به، وكان يغتسل لكل صلاة.
ومن كراماته أنه قام للوضوء بالليل فلم يجد ماء فبينما هو واقف وإذا بشخص طائر في الهواء وفي عنقه قربة ماء فأفرغها في الخابية ثم رجع طائرا نحو النيل.
وتوفي في شوال ودفن بزاويته في الجبل، وبني السلطان عليه قبّة، ووقف على مكانه أوقافا.
وفيها السيد عبد الرحمن بن حسين الرّومي الحسيني الحنفي [2] أحد الموالي الرّومية.
ولد سنة أربع وستين وثمانمائة، وقرأ في شبابه على المولى محيي السّاموني، والمولى على الفناري، وغيرهما، ثم صار مدرّسا بمدرسة جند بك بمدينة بروسا.
وكان بارعا في العلوم العقلية، مشاركا في غيرها من العلوم، محقّقا، مدقّقا، زاهدا، ورعا، راضيا من العيش بالقليل، ثم غلب عليه الانقطاع إلى الله والتوجه إلى الحقّ وترك التدريس، فعيّن له كل يوم خمسة عشر عثمانيا فقنع بها، ولم يقبل الزيادة عليها، وانقطع بمدينة بروسا، وحكى عن نفسه أنه مرض في مدينة أدرنة وهو ساكن في بيت وحده وليس عنده أحد، فكان في كل ليلة ينشقّ له
__________
[1] في «ط» : «يزورنها» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (235- 237) و «الكواكب السائرة» (2/ 159- 160) .(10/434)
الجدار ويخرج منه رجل يمرّضه ثم يذهب، فلما برئ من المرض قال له الرجل:
لا أجيء إليك بعد هذا.
وتوفي بمدينة بروسا.
وفيها محيي الدّين محمد إلياس الحنفي [1] أحد الموالي الرّومية، الشهير بجوي زاده، المولى العالم العلّامة.
قرأ على علماء عصره، ووصل إلى خدمة سعدي جلبي وبالي الأسود، وصار معيدا لدرسه، ثم تنقّل في المدارس حتى أعطي إحدى الثمان، ثم صار قاضيا بمصر، وعاد منها، وقد أعطي قضاء العساكر الأناضولية، ثم صار مفتيا بالقسطنطينية، ثم تقاعد عن [2] الفتيا، وعيّن له كل يوم مائتا عثماني، وكان سبب عزله عن الفتوى انحراف الملك عليه بسبب إنكاره على الشيخ محيي الدّين [بن] العربي، ثم صار بعد التقاعد مدرّسا بإحدى الثمان، ثم قاضيا بالعساكر الروم إيلية [3] ، وكان مرضي السيرة، محمود الطريقة، طارحا للتكلّف، متواضعا، مقبلا على الاشتغال بالعلم، مواظبا على الطاعات، مثابرا على العبادات، قوّالا بالحقّ، لا يخاف في الله لومة لائم، حافظا للقرآن العظيم، له يد طولى في الفقه، والتفسير، والأصول، ومشاركة في سائر العلوم، سيفا من سيوف الحقّ [4] قاطعا، فاصلا بين الحقّ [4] والباطل، حسنة من حسنات الأيام وله «تعليقات» ولكنها لم تشتهر.
مرض رحمه الله تعالى بعد صلاة العشاء فلم يمض نصف الليل حتّى مات.
وفيها المولى محمد بن عبد الأول التّبريزي [5] أحد موالي الرّوم الحنفي.
رأى الجلال الدّواني وهو صغير، وقرأ على والده قاضي حنفية مدينة تبريز،
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (265- 266) و «الكواكب السائرة» (2/ 28- 29) .
[2] في «ط» : «من» .
[3] في «الكواكب السائرة» : «الرومتلية» .
[4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[5] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (289) و «الكواكب السائرة» (2/ 39) و «معجم المؤلفين» (1/ 122) .(10/435)
ودخل في حياة والده الرّوم فعرضه المولى ابن المؤيد على السلطان أبي يزيد لسابقة بينه وبين والده فأعطاه مدرسة، ثم تدريس إحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثمان، وعزل ثم أعطي إحداهن ثانيا، ثم أضرّت عيناه، فأعطي تقاعدا بثمانين درهما.
وكان فاضلا، زاهدا، صحيح العقيدة، له «حاشية على شرح هداية الحكمة» لمولانا زاده.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن عطية الحموي الشافعي [1] الإمام العلّامة الأوحد، المحقّق الفهّامة، شيخ الإسلام ابن شيخ الإسلام، العارف بالله ابن العارف بالله.
أخذ العلوم الظّاهرة والباطنة عن أبيه، وعن كثير من الواردين إليه، ولقّنه والده الذكر، وألبسه الخرقة، وكان قد ابتلي في صغره بسوء الفهم والحفظ، حتى ناهز الاحتلام، وفهمه في إدبار، فبينما هو ليلة من الليالي عند السّحر، إذا هو بوالده قد أخذته حالة، فأخذ في إنشاد شيء من كلام القوم، فلما سرّي عنه، خرج من بيته، وأخذ في الوضوء في إناء واسع من نحاس، فلما فرغ والده من وضوئه أخذ الشيخ شمس الدّين ماء وضوء والده وشربه فوجد بركته وتيسر عليه الفهم والحفظ من يومئذ، ولم يتوقف عليه بعد ذلك شيء من المطالب القلبية كما ذكر ذلك صاحب الترجمة في رسالته التي ألّفها في علم الحقيقة، وأكملها في سنة ثلاث وأربعين، وسمّاها «تحفة الحبيب» ، وكان يعظ بحماة بعد والده ويدرّس في العلوم الشرعية والعقلية، وتشتكي [2] إليه الخواطر فيجيب عنها.
وكان في وعظه وفصاحته وبلاغته آية.
وحجّ هو وأخوه أبو الوفا سنة ثمان وثلاثين، وعمل مجلسه بعد عوده في مجلس القصب خارج دمشق، وهرعت أهل دمشق إليه.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 170- 177) و «الكواكب السائرة» (2/ 50- 52) و «الأعلام» (6/ 291- 292) .
[2] في «آ» و «ط» : «وتشكي» وما أثبته من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.(10/436)
قال ابن الحنبلي [1] : ومما من الله به على صاحب الترجمة سرعة الإنشاء بحيث لو أخذ في وضوء صلاة الجمعة، وطلب منه أن يخطب لعمل على البديهة في سرّه خطبة عجيبة [غريبة] ، وخطب بها حالا، ولم يتوقف على رسمها ورقمها [2] مآلا.
قال: وكان دمث الأخلاق، جمالي المشرب، عنده طرف جذبة [3] .
وبالجملة فقد كان من خيار الأخيار [4] ، وآثاره من بديع الآثار [5] ، ولله درّه فيما أنشدنيه من شعره:
تنفّس قلب الصّب في كلّ ساعة ... لأكؤس همّ ذا الزّمان أدارها
إلى الله أشكو أنّ كل قبيلة ... من الناس قد أفنى الحمام خيارها
وتوفي بمدينة حماة في أوائل رمضان، رحمه الله تعالى.
وفيها المولى شمس الدّين محمد بن العلّامة على الفناري الحنفي [6] أحد الموالي الرّومية.
قرأ على والده في شبابه، وبعد وفاته على المولى خطيب زاده، والمولى أفضل الدّين، وترقّى في المدارس حتى صار مفتيا أعظم، واشتغل بإقراء التفسير والتّصنيف، وألّف عدة رسائل، وحواش على «شرح المفتاح» للسيد، وغير ذلك.
وكان آية في الفتوى، باهرا فيها، وله احتياط في المعاملة مع الناس، متحرزا عن حقوق العباد، محبّا للفقراء والصلحاء، لا تأخذه في الله لومة لائم.
توفي بالقسطنطينية، ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
__________
[1] انظر «درّ الحبب» (2/ 1/ 172) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[2] لفظة «ورقمها» لم ترد في نسخة «درّ الحبب» الذي بين يدي.
[3] في «آ» و «ط» : «جذب» والتصحيح من «درّ الحبب» مصدر المؤلف.
[4] في «آ» و «ط» : «من أخيار الأخيار» وما أثبته من «درّ الحبب» .
[5] في «درّ الحبب» : «من أثير بديع الآثار» وانظر حاشيته.
[6] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (229- 230) و «الكواكب السائرة» (2/ 52) و «معجم المؤلفين» (11/ 73) .(10/437)
وفيها شمس الدّين محمد بن يعقوب الصّفدي [1] الشافعي، الشيخ الإمام شيخ الإسلام، عالم صفد ومفتيها، سبط ابن حامد.
قرأ، وحصّل في بلده وغيرها، ورحل إلى دمشق للطلب، فقرأ على الكمال بن حمزة، والكمال العيثاوي، وغيرهما، ورحل إلى مصر، فأخذ عن أكابر علمائها.
وكان كثير الرحلة إلى دمشق، شديد المحبّة لأهلها، عالما، عاملا، ذا مهابة، وجلالة، وكلمة نافذة.
توفي في أواخر ذي الحجّة بصفد.
وفيها شرف الدّين يحيى بن أبي بكر بن إبراهيم بن محمد العقيلي الحلبي الحنفي، المعروف بابن أبي جرادة [2]- نسبة إلى أبي جرادة، حامل لواء أمير المؤمنين علي رضي الله عنه يوم النّهروان، وكان اسم أبي جرادة عامرا- كان صاحب الترجمة حسن الشكل، نيّر الشّيبة، كثير الرفاهية، ولي عدة مناصب بحلب.
مولده سنة إحدى وسبعين وثمانمائة ووفاته في هذه السنة.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 62) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 2/ 544- 545) و «الكواكب السائرة» (2/ 259) .(10/438)
سنة خمس وخمسين وتسعمائة
فيها توفي بدر الدّين حسن بن قاضي القضاة جلال الدّين عمر بن محمد الحلبي الشافعي، المعروف بابن النّصيبي [1] .
ولد سنة سبع وتسعمائة، واشتغل بالعلم مدة على العلاء الموصلي، والبرهان اليشبكي، وغيرهما، ثم رحل لأجل المعيشة إلى الرّوم، فصار يكتب القصص التي ترفع للسلطان بالتركية على أحسن وجه، ثم تقرّب إلى نيشانجي الباب العالي، فقرّبه، وأحبّه، وتولى بهيبته نظر الأوقاف بحلب، ونظر الحرمين، والبيمارستان الأرغوني، ثم وشي به إلى عيسى باشا لما دخل حلب مفتشا على ما بها من المظالم، وقيل له: إنّ عليه ما ينوف على عشر كرات، فاختفى منه مدة، وشدّد عيسى باشا في طلبه، فتمثل بين يديه ملقيا سلاحه، ثم عاد من عنده سليما، وتولى نظر الأمور السلطانية بحلب بعد وفاة عيسى باشا، فهابه الأمراء والكتّاب، حتى تولى إسكندر بيك دفتر دارية حلب، فأظهر عليه أموالا كثيرة بمعونة أهل الديوان وأخذها منه، حتى لم يبق معه ولا الدرهم الفرد.
وتوفي مسموما، ودفن بمقبرة سيدي على الهروي خارج باب المقام بحلب.
وفيها- تقريبا- المولى شعثل أمير الحنفي [2] أحد الموالي الرّومية العلّامة.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 533- 538) و «الكواكب السائرة» (2/ 136) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 151) .(10/439)
كان مدرّسا بإحدى الثمان، ثم ولي قضاء دمشق، فدخلها في ربيع الثاني سنة اثنتين وخمسين، واستمر قاضيا بها نحو سنتين، وحمدت سيرته، وكانت له صلابة في أحكامه وحرمة وافرة، رحمه الله تعالى.
وفيها المولى صالح جلبي بن جلال الدّين الأماسي [1] الجلدي- بفتحتين نسبة إلى جلد من أعمال أماسية- الحنفي أحد الموالي الرّومية العلّامة.
ترقى في التدريس إلى إحدى الثمان، ثم أعطي قضاء حلب، فدخلها يوم الخميس ثالث شوال سنة إحدى وخمسين، ثم عزل منها في ثاني عشري ذي القعدة، ثم ولي قضاء دمشق، فدخلها في رجب سنة أربع وخمسين، وباشر الأحكام بها نحو سنة.
وكان محمود السيرة، ذا تواضع وأخلاق حسنة.
قال ابن الحنبلي: وكان ممن منع شرب القهوة بحلب على الوجه المحرم من الدور المراعى في شرب الخمر وغيره، وكنت عنده يوم منع ذلك، فسأل أيشربونها [2] بالدور، فقلت نعم، والدور كما شاع باطل.
وأنشدته من نظمي:
وقهوة البنّ أضحى ... بها الحمى غير عاطل
لكنّهم شربوها ... بالدّور والدّور باطل
وفيها أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الكيزواني، الحموي [3] الصّوفي المسلّك المربّي، العارف بالله تعالى، منسوب إلى كازوا، فقياس النسبة الكازواني، لكن اشتهر بالكيزواني. وكان يقول: أنا الكي زواني.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 700- 701) و «الكواكب السائرة» (2/ 152- 153) .
[2] في «درّ الحبب» : «أتشربونها» .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (325) و «درّ الحبب» (1/ 2/ 906- 915) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 180) و «الكواكب السائرة» (2/ 201- 204) و «ريحانة الألبا» (1/ 441) و «إعلام النبلاء» (5/ 517- 522) و «الأعلام» (4/ 258) و «معجم المؤلفين» (7/ 28) .(10/440)
ولد- تقريبا- في عاشر رجب سنة ثمان وثمانين وثمانمائة، وتوجّه صحبة الشيخ علوان الحموي إلى بروسا من بلاد الرّوم، وأقام في صحبته عند سيدي علي بن ميمون، وانتفع به، وتهذّب بأخلاقه، ودخل حلب، وجلس في مجلس التسليك، فاجتمع عليه خلق كثير، ودخل دمشق، ونزل بالصالحية، وكان له اطلاع على الخواطر، عابدا، قانتا.
قال ابن الحنبلي: وتوفي بين مكّة والطائف- أي في هذه السنة- وحمل إلى مكّة فدفن بها.
وأورد له الشعراوي في «الطبقات الكبرى» :
القصد رمز فكن ذكيا ... والرّسم سرّ [1] على الأشاير
فلا تقف مع حروف رسم ... كلّ المظاهر لها ستاير
وفيها شمس الدّين محمد بن إسماعيل بن محمد بن علي بن إدريس العجلوني الدّيموني الشافعي [2] قاضي عجلون.
قال في «الكواكب» : كان من أخص جماعة شيخ الإسلام الوالد وتلاميذه، قسّم عليه «المنهاج» و «التنبيه» و «المنهج» وغير ذلك، وسمع عليه جانبا من «صحيح البخاري» بقراءة الشيخ برهان الدّين البقاعي، وقرأ عليه شيئا كثيرا، وقال عنه: إنه من الفضلاء المتمكنين، ذو يد طولى في القراآت، والفقه، ومشاركة حسنة في الحديث، والأصول، والنحو، وغير ذلك. وكتب له إجازة مطوّلة أذن له فيها بالإفتاء والتدريس. انتهى وفيها أقضى القضاة أبو اليمن محمد بن القاضي محبّ الدّين محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن قاضي عجلون الشافعي [3] الإمام العالم.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ستر» وما أثبته من «الطبقات الكبرى» للشعراني مصدر المؤلف.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 27- 28) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 8) .(10/441)
قال في «الكواكب» : كان من العلماء الكمّل والصلحاء الكبار، له في اليوم والليلة ختمات لكتاب الله تعالى، لا يفتر عن القراءة في ممشاه وقعوده، نيّر الوجه، حسن الشكل، ولي القضاء مدة يسيرة، نيابة عن ابن عمّه قاضي القضاة نجم الدّين بن قاضي عجلون، وكان يباشر عنه الخطابة بالجامع الأموي، وكان يلبس الثياب الحسنة، وفي آخر عمره طرح التكلّف، ولبس الثياب الخشنة، واستوى عنده كلاهما.
وتوفي بعد العشاء [1] ليلة الخميس سابع عشر جمادى الآخرة، ودفن بباب الصغير بمقبرة أهله قريبا من قبر [2] عمه شيخ الإسلام تقي الدّين.
وفيها مروان المجذوب [3] .
كان في أول أمره قاطع الطريق ببلاد الشرقية من مصر، وكان مشهورا بالفروسية، ثم لما جذب كان يدور في أسواق دمشق وتظهر عليه للناس كرامات وخوارق، وكان إذا خطر لأحد ممن يصادفه معصية أو عمل بمعصية يصكّه حتى يدع خاطره، وربما منعه بعضهم فشلّت يده.
وتوفي بمصر ودفن بجانب النّبهاويّ [4] خارج باب الفتوح.
وفيها السيد الشريف ولي بن الحسين العجمي الشّرواني الشافعي، المعروف بوالده [5] .
حجّ من بلاده، وعاد فدخل دمشق وحلب سنة تسع وعشرين وتسعمائة، وقرأ بحلب «صحيح البخاري» على البرهان العمادي تاما، وقرأ عليه بها جماعة منهم ابن الحنبلي.
__________
[1] في «ط» : «بعد عشاء» .
[2] لفظة «قبر» سقطت من «ط» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 250) و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 250) .
[4] في «ط» : «البنهاوي» .
[5] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 2/ 531- 532) و «الكواكب السائرة» (2/ 257) .(10/442)
قال: قرأت عليه في «متن الجغميني» في الهيئة [1] ، وانتفعت به، وهو أول إشغالي [2] بهذا الفنّ، ثم رحل إلى بلاده، وحدّث بها.
واشتهر بالمحدّث، وكان يعرف البيان معرفة حسنة، وتوفي ببلاده.
__________
[1] ويعرف «متنه» الذي أشار إليه المؤلف ب «الملخص» أيضا، وهو مختصر مشهور مرتب على مقدمة ومقالتين. انظر «كشف الظنون» (2/ 1819) .
[2] كذا في «آ» و «ط» : «إشغالي» وفي «درّ الحبب» : «وهو أول أستاذ لي» .(10/443)
سنة ست وخمسين وتسعمائة
فيها توفي المولى إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي الحنفي [1] الإمام العلّامة.
قال في «الشقائق» : كان من مدينة حلب، وقرأ هناك على علماء عصره، ثم ارتحل إلى مصر، وقرأ على علمائها في الحديث، والتفسير، والأصول، والفروع، ثم أتى [2] بلاد الرّوم، وقطن بقسطنطينية، وصار إماما ببعض الجوامع، ثم صار إماما وخطيبا بجامع السلطان محمد، ومدرّسا بدار القرّاء التي بناها سعدي چلبي المفتي.
قال: وكان إماما، عالما بالعلوم العربية، والتفسير، والحديث، وعلوم القراآت، وله يد طولى في الفقه والأصول، وكانت مسائل الفروع نصب عينه [3] .
وكان ملازما لبيته، مشتغلا بالعلم، لا يرى إلّا في بيته أو المسجد، ولم يسمع أحد منه أنه ذكر أحدا بسوء، ولم يلتذ بشيء من الدنيا إلّا بالعلم، والعبادة، والتصنيف، والكتابة.
وقال ابن الحنبلي: كان سعدي جلبي مفتي الدّيار الرّومية يعوّل عليه في مشكلات الفتاوي، إلا أنه كان منتقدا على ابن العربي، كثير الحطّ عليه.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (295- 296) و «درّ الحبب» (1/ 1/ 93- 95) و «الكواكب السائرة» (2/ 77) و «الطبقات السنية» (1/ 222- 223) و «الأعلام» (1/ 66- 67) و «معجم المؤلفين» (1/ 80) .
[2] في «آ» و «ط» : «ثم إلى» وهو خطأ والتصحيح من «الشقائق النعمانية» مصدر المؤلف.
[3] كذا في «آ» و «الشقائق النعمانية» : «نصب عينه» في «ط» و «الكواكب السائرة» : «نصب عينيه» .(10/444)
ومن مؤلّفاته «شرح على [1] منية المصلي» و «ملتقى الأبحر» [2] ونعم التأليف هو، ومات في هذه السنة.
وفيها إسماعيل الكردي الشافعي [3] نزيل دمشق الإمام العلّامة.
قال في «الكواكب» : قال والد شيخنا كان من أهل العلم، والعمل، والصلاح، والورع، والمجاهدة، والتوكل، صحبني، ثم حجّ وجاور بمكة، وتزوّج بامرأة من العمادية، وعاد وهي معه ورزق منها ولدا صالحا، سمّاه سليمان [وعلّمه القرآن] ، ثم رجع إلى بلاده، وتزوج امرأة أخرى من الأكراد، وعاد إلى دمشق بزوجتيه، ورزق من الأخرى أولادا، وسكن بهما في بيت من بيوت الشامية الجوانية، وصار يتردّد إليه الطلبة يشتغلون عليه في المعقولات، مع تردّده إليّ.
قال: وقرأ عليّ بعض «المنهاج» قراءة تحقيق وتدقيق.
وتوفي ليلة السبت خامس جمادى الأولى بالطّاعون بعد أن صلّى المغرب والعشاء جماعة، ودفن بمقرة باب الصغير.
ومن علامة صلاحه أنه استخرج من قبره المحفور له حجر عليه يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ 9: 21 [التوبة: 21] .
وفيها جهانكير بن السلطان سليمان بن سليم [شاة] [4] .
كان بحلب مع والده في هذه السنة فتوفي بها، وصلّى عليه أبوه في مشهد عظيم، وحمل إلى الفردوس [5] ، ثمّ شقّ بطنه، وصبّر، وحمل إلى الرّوم.
__________
[1] لفظة «على» سقطت من «ط» .
[2] وهو في فروع الحنفية، جعله مشتملا على مسائل «القدوري» و «المختار» و «الكنز» و «الوقاية» بعبارة سهلة، وأضاف إليه ما يحتاج إليه من مسائل «المجمع» ونبذة من «الهداية» وقدّم من أقاويلهم ما هو الأرجح وقد وقع على قبوله بين الحنفية الاتفاق. انظر «كشف الظنون» (2/ 1814) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 123- 124) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[4] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 460- 461) وما بين الحاصرتين زيادة منه و «الكواكب السائرة» (2/ 133) .
[5] أي جامع الفردوس وهو جامع شهير بحلب. عن حاشية «درّ الحبب» .(10/445)
وفيها محيي الدّين عبد القادر بن لطف الله بن الحسن بن محمد بن سليمان بن أحمد الحموي ثم الحلبي السّعدي العبّادي الشافعي [1] المقرئ ابن المقرئ ابن المقرئ، ويعرف بابن المحوجب، أحد أكابر حفّاظ القرآن العظيم، ورئيس قراءته بالجماعة بحلب.
ولد سنة تسع وستين [2] وثمانمائة، وقرأ القرآن العظيم بحماة برواية أبي عمرو سبع مرات على عالمها ومحدّثها ومقرئها عبد الرحمن البرواني قاضي الحنابلة بها، ثم قطن حلب فأقرأ بها مماليك نائب قلعتها، ثم انحصرت فيه رئاسة القرّاء بها، وكان البدر السيوفي يحبّ قراءته، ويميل إليه، ويعظّمه، حتى تلا عليه الفاتحة برواية أبي عمرو، واستجازه مع جلالته لما علم له من السّند العالي [3] .
قال ابن الحنبلي: وكان مبتلى بعلم جابر [4] مشغوفا بالتزوج، حتى [إنه] تزوج أكثر من ثلاثين امرأة.
وفيها المولى عبد الكريم [5] الملقّب بمفتي شيخ الرّومي الحنفي، مفتي التخت السلطاني، الإمام العلّامة، العارف بالله تعالى.
ولد بمدينة كرماسي، وحفظ القرآن العظيم، واشتغل على علماء عصره، ووصل إلى خدمة المولى بالي الأسود، ثم سلك طريقة التصوف، وصحب العارف إمام زاده، ثم جلس بأياصوفيا بقسطنطينية مشتغلا بالإرشاد والفقه، حتى أتقن مسائله، وعيّن له السلطان سليمان كل يوم مائة عثماني ونصّبه مفتيا فأفتى، وظهرت مهارته في الفقه، وملك كتبا كثيرة، وكان يطالع فيها غالب أوقاته، وكان يعظ الناس، ولكلامه تأثير في القلوب، وله في كل سنة خلوة أربعين يوما يحفر له سربا كالقبر ويصلي فيه ولا يخرج للناس، وتحكى عنه كرامات كثيرة.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 833- 835) و «الكواكب السائرة» (2/ 175) .
[2] لفظة «وستين» سقطت من «آ» .
[3] أي إلى ابن عائشة كما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[4] أي بالكيمياء نسبة إلى جابر بن حيّان الفيلسوف الكيميائي الشهير.
[5] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (314- 315) و «الكواكب السائرة» (2/ 179) .(10/446)
وكان معطّل الحواس جملة من شدة الرياضة، وكان مع ذلك حلو المحاضرة، حافظا لنوادر الأخبار وعجائب المسائل، كريم الأخلاق، متواضعا، حجّ في سنة ثلاثين وتسعمائة، ورجع على الطريق المصري، ودخل دمشق، فنزل ببيت الكاتب بمئذنة الشحم، وتردد إليه الأفاضل، ورفعت إليه أسئلة فكتب عليها كتابة عجيبة.
وتوفي مفتيا بالقسطنطينية.
وفيها علي العيّاشي [1] .
قال المناوي في «طبقاته» : هو المعروف بالتعبد، المشهور بالتزهّد، أجلّ أصحاب الشيخ أبي العبّاس الغمري والشيخ إبراهيم المتبولي.
مكث نحو سبعين سنة لا يضع جنبه إلى الأرض إلّا عن غلبة، ويصوم يوما ويفطر يوما، ولم يمسّ بيده دينارا ولا درهما، ولا يغسل عمامته إلّا من العيد إلى العيد.
وكان إذا ذكر ينطق قلبه مع لسانه فلا يقول السامع إلّا أنهما اثنان يذكران.
قال الشعراوي: أول اجتماعي به رأيته يذكر ليلا فاعتقدت أنهما اثنان، فقرّبت منه فوجدته واحدا، وكان كثيرا ما يرى إبليس فيضربه، فيقول له: لست أخاف من العصا إنما أخاف من النّور الذي في القلب.
مات بالمنزلة. انتهى وفيها- تقريبا- علي الإثميديّ المصريّ المالكيّ [2] الإمام العالم الصّالح المحدّث.
أخذ الطريق عن سيدي محمد بن عنان، واختصر كثيرا من مؤلفات الشيخ جلال الدّين السيوطي، ومؤلّفاته حسنة. وكان يعظ الناس في المساجد، مقبلا على الله تعالى، حتى توفي ويده تتحرك بالسّبحة ولسانه مشغول بذكر الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 222) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 188) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 223) و «معجم المؤلفين» (7/ 9) .(10/447)
وفيها- ظنا- المولى محيي الدّين محمد بن حسام [1] أحد الموالي الرّومية الحنفي، المعروف بقراجلبي.
ترقّى في التداريس، ثم صار قاضيا بدمشق، فدخلها في ربيع الأول سنة خمس وخمسين وتسعمائة، ولم تطل مدة ولايته بها.
وفيها المولى محيي الدّين محمد بن المولى علاء الدّين علي الجمالي الحنفي [2] أحد موالي الرّوم.
قرأ على جدّه لأمه حسام الدّين زاده، ثم على والده، ثم على سويد زاده، ثم درّس بمدرسة الوزير مراد باشا بالقسطنطينية، ثم بإحدى الثمان، ثم تقاعد، وعيّن له كل يوم مائة درهم.
وكان مشتغلا بنفسه، حسن السّمت والسيرة، محبا للمشايخ والصّلحاء، له معرفة تامة بالفقه والأصول.
وفيها شمس الدّين محمد بن الشيخ زين الدّين عمر بن ولي الله الشيخ شهاب الدّين السّفيري الحلبي الشافعي [3] الإمام العلّامة.
ولد بحلب سنة سبع وسبعين وثمانمائة، ولازم العلاء الموصلي، والبدر السّيوفي في فنون شتّى، وقرأ على الكمال بن أبي شريف في «حاشيته على شرح العقائد النسفية» و «رسالة العذبة» له، وقدم مع أخيه الشيخ إبراهيم بن أبي شريف إلى دمشق، فأجاز له ولبعض الدمشقيين، ثم إلى حلب، فقرأ عليه بها: «مختصر الرسالة القشيرية» ، وقرأ على البازلي، وأبي الفضل الدمشقي، والشيخ محمد الدّاديخي، وغيرهم أنواع العلوم، ودرّس بالجامع الكبير بحلب، والعصرونية، والسفاحية، وسافر إلى القاهرة، واجتمع بها بالقاضي زكريا وصلى عليه لما مات، واجتمع بآخرين، كالنور البحيري، والشّهاب الأنطاكي.
وتوفي بحلب في هذه السنة.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 30) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (230) و «الكواكب السائرة» (2/ 52) .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 258- 262) و «الكواكب السائرة» (2/ 56) .(10/448)
وفيها عفيف الدّين أبو اليمن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن فضل بن عميرة الغزّي [1] الأصل الحلبي المولد والدار والوفاة، الحنفي، العالم.
أخذ بحلب عن الشمسين ابن هلال، وابن بلال، وله شيوخ آخرون بها وبغيرها، واجتمع بالشيخ أبي العون الغزّي، وكان يدرّس ويفتي بحلب، وكفّ بصره فكان يأمر بالكتابة على الفتوى، وأمر آخرا أن يكتب في نسبه الأنصاري لما بلغه أنه من ذرّية خبّاب بن المنذر بن الجموح الخزرجي، وكان من العلماء العاملين.
وفيها حميد الدّين محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن خليل الحاضري الأصل الحلبي ثم القاهري الحنفي [2] .
جاور بمكّة المشرّفة، وقرأ بها الفقه، ثم أخذ بحلب عن الشّهاب الأنطاكي ثم دخل القاهرة فاستنابه بالمنزلة القاضي جلال الدّين التّادفي، فأحبه أهلها، واستوطن بها، وتزوّج من نسائها، وولد له بنون، وكان فقيها، فاضلا، حسن الشكل والهيئة، ساكنا، محتشما.
وتوفي بالمنزلة.
وفيها قاضي القضاة كمال الدّين أبو اللطف محمد بن يوسف بن عبد الرحمن الرّبعي الحلبي التّادفي الشافعي [3] .
قال في «الكواكب» : ذكره شيخ الإسلام الوالد في «الرحلة» فقال في وصفه: الشيخ الأوحد، والأصيلي الأمجد، ذو النسب الذي طارت مناقب نزاهته كل مطار، وانتظمت أسلاك أصالته، في أجياد الأسطار، وسرت سمات فضيلته مسار [4] نسيمات باسمات الأزهار، إلى أن قال: تصطفيه الرّتب العلية السّنية، وتستأنس به الخطط الشرعية السّنيّة، فطورا مقدما في أندية الأمراء والأعيان، وتارة
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 320- 321) و «الكواكب السائرة» (2/ 9) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 185- 186) و «الكواكب السائرة» (2/ 61- 62) .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 337- 361) .
[4] تحرفت في «ط» إلى «مسمار» .(10/449)
صدرا في قضاة العدل والإحسان، القضائي الكمالي التّادفي، قاضي حلب ثم مكّة.
كان صحبني من حلب إلى البلاد الرّومية، فأسفر عن أعذب أخلاق وأكرم أعراق وأحسن طوية، وولد- كما قال ابن أخيه ابن الحنبلي- سنة أربع وسبعين وثمانمائة، وتفقه على الفخري عثمان الكردي، والجلال النّصيبي، وغيرهما، وأجاز له باستدعاء والده المحبّ بن الشّحنة، وولده الأثير محمد، والسّري عبد البرّ بن الشّحنة الحنفيون، والقاضي زكريا، والجمال القلقشندي، والقطب الخيضري، والفخر الديمي في آخرين، ولبس الخرقة القادرية من الشيخ عبد الرزاق الحموي الشافعي الكيلاني، ثم ترك مخالطة الناس، ولفّ المئزر، وأقدم على خشونة اللباس، وأخذ في مخالطة الفقراء والصوفية، فلما بلغ السلطان الغوري ذلك أرسل له توقيعا بأن يكون شيخ الشيوخ بحلب، ثم ولي قضاء الشافعية بطرابلس وبحلب، وفوض إليه الجمال القلقشندي قضاء القضاة بالممالك الإسلامية، ونيابة الحكم بالدّيار المصرية ومضافاتها، مضافا إلى قضاء حلب بسؤاله، ثم ولي في الدولة العثمانية تدريس العصرونية والحاجبية، ونظر أوقاف الشافعية بحلب، وولّاه خير بك كافل الدّيار المصرية قضاء الشافعية بمكّة، وجدّة، وسائر أعمالهما، ونظر الحرمين، وكان أول قاض ولي ذلك من غير أهل مكّة في الدولة العثمانية، وبقي في دولة القضاء حتى مات خير بك. خرج بعد مدة من مكّة معزولا سنة إحدى وثلاثين.
وكان إماما، عالما، كاملا، شاعرا.
ومن شعره:
لولا رجائي أنّ الشّمل يجتمع ... ما كان لي في حياتي بعدكم طمع
يا جيرة قطّعوا رسلي وما رحموا ... قلبا تقطّع وجدا عند ما قطعوا
أوّاه وأطول شوقي للأولى [1] سكنوا ... في الصرّح يا ليت شعري ما الذي صنعوا
__________
[1] في «درّ الحبب» : «للذي» .(10/450)
لا عشت إن كنت يوما بعد بعدكم ... أمّلت أني بطيب العيش أنتفع
هم أطلقوا أدمعي [1] والنّار في كبدي ... كذاك نومي وصبري في الهوى منعوا
دع يفعلوا ما أرادوا في عبيدهم ... لا واخذ الله أحبابي بما صنعوا
وتوفي- رحمه الله تعالى- في أواسط [ذي] الحجّة.
وفيها كمال الدّين محمد البقاعي ثم الدمشقي الشافعي [2] الإمام الفاضل.
كان يحب الإصلاح بين الأخصام، والتودّد إلى الناس، ويتردّد إلى المتصوفة.
توفي فجأة بعد خروجه من الحمّام في نهار الأربعاء ثاني ربيع الآخر، ودفن بمقبرة باب [3] الفراديس.
وفيها محبّ الدّين أبو السعود محمود بن رضي الدّين محمد بن عبد العزيز بن عمر بن أحمد الحلبي الشافعي [4] ، الموقّع والده بديوان الإنشاء في الدولة الجركسية.
ولد بالقاهرة سنة اثنتين وتسعمائة، وحفظ بها كتبا، وجوّد الخطّ بها، وعرض بها في سنة خمس عشرة مواضع من «ألفية ابن مالك» و «الشاطبية» و «المنهاج الفقهي» على الشّهاب الشّيشيني الحنبلي [5] ، والبرهان بن أبي شريف، وغيرهما، وأجازوا له، وأجازه القاضي زكريا، وكان شهما، حسن الملبس والعمامة.
توفي بحلب في ذي الحجّة.
__________
[1] في «درّ الحبب» : «مدمعي» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 74) .
[3] لفظة «باب» سقطت من «آ» .
[4] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 463- 466) .
[5] تقدمت ترجمته في ص (130) من هذا المجلد ضمن وفيات سنة (919) .(10/451)
سنة سبع وخمسين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن علي، المعروف بابن البيكار المقدسي الأصل ثم الدمشقي [1] نزيل حلب، العلّامة البصير المقرئ المجوّد.
ولد بقرية القابون من غوطة دمشق سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة، وقرأ القرآن بدمشق بالرّوايات على جماعات، ثم رحل إلى مصر سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، فقرأ على الشمس السّمديسي، وأبي النجا النّحاس، والنّور السّمهودي.
قال ابن الحنبلي: ومما يحكى عنه أنه كان كثيرا ما يمرض فيرى، رسول الله صلّى الله عليه وسلم، في المنام، فيشفى من مرضه.
وكان مجتهدا [2] في أن لا ينام إلّا على طهارة، وتوفي بحلب.
وفيها القاضي باعلوى أحمد شريف بن علي بن علوي خرد الشافعي اليمني [3] الشريف العلّامة.
قال في «النور» : ولد يوم الجمعة تاسع ذي الحجّة سنة أربع أو خمس وتسعمائة، واشتغل بالفقه على جماعة، منهم العلّامة عبد الله بن عبد الرحمن بأفضل صاحب المختصر المشهور، والعلّامة محمد الأصفع، وغيرهما، وجدّ
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 70- 74) و «الكواكب السائرة» (2/ 77- 78) و «إعلام النبلاء» (5/ 537- 538) .
[2] في «درّ الحبب» : «وكان يجتهد» .
[3] ترجمته في «النور السافر» ص (248) .(10/452)
واجتهد، حتّى برع، وأشير إليه بالرئاسة والفتوى، وذكره أخوه المعلّم في «طبقات فقهاء آل باعلوى» قال: وولي قضاء وادي ابن راشد، وهو مشتمل على مدن متعددة من أرض حضرموت، أشهرها تريم، لم يعارضه معارض، ولم ينقض عليه ناقض، ولم يل أحد من آل باعلوى القضاء غيره، رحمه الله وبلغني أنه لم يكن من القضاة الورعين، سامحه الله وإيّانا.
وفي «تاريخ سنبل» إنه وأخاه عبد الله شريف ولدا توأمين في بطن، وعزل من القضاء، فقال: أنا لا أعزل وإن عزلني السلطان، بسبب أنه ليس في الجهة من هو أعلم مني.
وهذا الذي ذكره أحمد شريف لا أدري أهو وجه ضعيف له في المسألة أو أراد به التنكيت والمطايبة وإن سيادته ثابتة قاضيا كان أو غير ذلك، كقول بعضهم:
إن الأمير هو الذي ... يضحى [1] أميرا يوم عزله
إن زال سلطان الولا ... ية لم يزل سلطان فضله
وما أحسن قوله: إن أردت أن لا تعزل فلا تتولّ. انتهى وفيها أحمد الشّيبيني [2] المصري [3] .
كان مجذوبا غارقا لا يصحو إلّا وقت الوضوء والصلاة، وإذا صلّى أذن للصلاة ورفع صوته، وكان إذا رأى مجذوبا لم يصلّ، يقول: هذا قليل الدّين، ووقع من المنارة العالية التي في مدينة منوف إلى الأرض فلم ينكسر من أعضائه شيء، ونزل واقفا ومشى مسرعا على الأرض.
وفيها- تقريبا- المولى شمس الدّين أحمد المشهور بورق چلبي [4] ، أحد الموالي الرّومية.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «النور السافر» مصدر المؤلف.
[2] في «ط» : «الشبيني» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 119) .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (288- 289) و «الكواكب السائرة» (2/ 118) .(10/453)
ترقى في التداريس إلى مدرسة أبي أيوب الأنصاري.
وكان فاضلا مفيدا، صالحا، طيّب الأخلاق، وانتفع به كثير من الناس.
وفيها- ظنا- الشيخ الإمام العالم أحمد الأنقروي الرّومي ثم الحلبي [1] .
اشتغل في شبابه بالعلم، ثم رغب في التصوف، وانتسب إلى الخلوتية، وكان في أول أمره يدور البلاد ويعظ الناس، ثم توطن في بلده في شيخوخته وأقبل على الوعظ إلى أن توفي.
وفيها شهاب الدّين أحمد البرلسي المصري [2] الشافعي، الملقّب بعميرة، الإمام العلّامة المحقّق.
أخذ العلم عن الشيخ عبد الحق السّنباطي، والبرهان بن أبي شريف، والنّور المحلّى.
وكان عالما، زاهدا، ورعا، حسن الأخلاق، يدرّس ويفتي، وانتهت إليه الرئاسة في تحقيق المذهب.
وفيها شهاب الدّين أحمد الرّملي المنوفي المصري الأنصاري [3] الشافعي الإمام العلّامة النّاقد الجهبذ، شيخ الإسلام والمسلمين.
أخذ عن القاضي زكريا، ولازمه، وانتفع به، وكان يجلّه، وأذن له بالإفتاء والتدريس، وأن يصلح في كتبه في حياته وبعد مماته، ولم يأذن لأحد سواه في ذلك، وأصلح عدة مواضع في «شرح البهجة» و «شرح الروض» في حياة شيخ الإسلام، وكتب شرحا عظيما على «صفوة الزبد» في الفقه، وله مؤلفات أخر [4] ، وجمع الشيخ شمس الدّين الخطيب الشّربيني فتاويه فصارت مجلدا، وأخذ عنه ولده سيدي محمد، والخطيب الشربيني، والشّهاب الغزّي، وغيرهم.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 118) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 119) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 119- 120) و «الأعلام» (1/ 120) .
[4] في «ط» : «أخرى» .(10/454)
وانتهت إليه الرئاسة في العلوم الشرعية بمصر حتى صارت علماء الشافعية كلهم تلامذته إلّا النّادر، وجاءت إليه الأسئلة من سائر الأقطار، ووقف الناس عند قوله.
وكان جميع علماء مصر وصالحيهم حتّى المجاذيب يعظّمونه.
وكان يخدم نفسه ولا يمكّن أحدا أن يشتري له حاجة إلى أن كبر سنة وعجز.
وتوفي يوم الجمعة مستهل جمادى الآخرة، وصلّوا عليه في الأزهر.
قال الشعراوي: وما رأيت في عمري جنازة أعظم من جنازته، ودفن بتربته قريبا من جامع الميدان، وأظلمت مصر وقراها بعد موته.
وفيها إسماعيل [1] الشيخ الصّالح العابد الورع، إمام جامع الجوزة، خارج باب الفراديس بدمشق.
قال في «الكواكب» : قال والد شيخنا: كان له مكاشفات وحالات مع الله تعالى، وكان لا نظير له في الملازمة للخيرات.
توفي في أوائل [ذي] الحجّة، ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وفيها حسام الدّين جلبي الفراصوي [2] أحد موالي الروم.
قرأ على العلماء، وخدم المولى عبد الكريم بن المولى علاء الدّين العربي، وتنقّل في المدارس، حتى درّس بإحدى الثماني، ثم صار قاضيا بأدرنة، ثم بالقسطنطينية، ثم أعطي إحدى الثماني أيضا، وعيّن له كل يوم مائة عثماني إلى أن توفي.
وكان سخي النّفس، حليما، صبورا على الشدائد، طارحا للتكلّف [3] .
منصفا من نفسه، رحمه الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 124- 125) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (284- 285) و «الكواكب السائرة» (2/ 139) .
[3] في «آ» و «ط» : «للتكليف» والتصحيح من «الكواكب السائرة» و «الشقائق النعمانية» .(10/455)
وفيها شمس بن عمر بن آق شمس الدّين البرسوي الحنفي [1] خواجة السلطان سليم، المشهور بشمسي جلبي [2] .
دخل حلب، واجتمع به ابن الحنبلي، وأثنى عليه بالفضل والعلم، ثم دخل دمشق قاصدا للحجّ الشريف فمات في طريق الحجّ قبله عند المعظّم [3] .
وفيها عبد الله بن منلا صدر الدّين بن منلا كالي الهندي الحنفي [4] .
اشتغل بحلب في كبره بالعلم، واعتنى بالقراءات، فجمع للسبعة وللعشرة، وأخذ بها عن إبراهيم اليشبكي، وإبراهيم الصّيرفي، وابن قيما، ثم رجع إلى القاهرة، فأخذ عن الناصر الطّبلاوي وغيره، ثم رجع إلى حلب، ولزم الطلبة في القراآت، وحجّ في هذه السنة، فتوفي وهو راجع في الطريق.
وفيها أقضى القضاة محيي الدّين عبد القادر بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن عمر بن علي بن عبيد الفريابي المدني [5] المالكي.
ناب عن أبيه في قضاء المدينة.
وكان فقيها، فاضلا، لطيفا، ماجنا.
توفي بالمدينة المنوّرة.
وفيها القاضي محيي الدّين عبد القادر بن عمر بن إبراهيم بن مفلح الرّاميني الأصل الدمشقي الحنبلي [6] أخو القاضي برهان الدّين بن مفلح.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 683- 687) و «الكواكب السائرة» (2/ 152) .
[2] في «آ» و «ط» : «المشهور شمس جلبي» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[3] جاء في حاشية «درّ الحبب» (1/ 2/ 687) ما نصه: «المعظم: موضع أطلق عليه الاسم الذي كان يلقب به الملك المعظم شرف الدين عيسى بن الملك العادل الأيوبي ... لإقامته بركة في هذا الموضع في طريق الحجصاج، فعرفت به، ويمرّ بالمعظم الخط الحديدي المعروف بالخط الحجازي الواصل بين دمشق والمدينة المنورة، وفيه محطة للقطار، وموقعه قائم بين تبوك ومدائن صالح» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 155) .
[5] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 824- 825) .
[6] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (52/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 175) و «النعت الأكمل»(10/456)
ناب في القضاء ببر الشام، ثم بالمؤيدية، وقناة العوني، والميدان، والصالحية، وطالت إقامته بها نحو خمس وثلاثين سنة، وكانت له معرفة تامة بأحوال القضاء.
وتوفي بدمشق، ودفن بمقبرة الفراديس.
وفيها الكمال [1] التّبريزيّ العجميّ [2] الشيخ العالم الصّالح المحقّق، العارف بالله تعالى، الصوفي، نزيل دمشق.
كان يأكل الطيب، ويلبس الحسن، ولا يخالط إلّا من يخدمه، وله باع في العلوم، وغلب عليه التصوف.
وتوفي بسكنة العزيزية شمالي الكلاسة في سادس عشر ربيع الآخر ودفن بباب الفراديس.
وفيها حافظ الدّين محمد بن أحمد بن عادل باشا الحنفي [3] أحد الموالي الرّومية، الشهير بالمولى حافظ، أصله من ولاية بردعة في حدود العجم.
قرأ في صباه على مولانا مزيد بتبريز، وحصّل عنده، وبرع عليه، واشتهرت فضائله، وبعد صيته.
ولما وقعت في العجم فتنة إسماعيل بن أردبيل، ارتحل إلى الرّوم، وخدم عبد الرحمن بن المؤيد، وبحث معه، وعظم اعتقاده فيه، وربّاه عند السلطان أبي يزيد، فأعطاه تدريسا بأنقرة، فأكب على الاشتغال هناك.
وكان حسن الخطّ، سريع الكتابة، كتب الكثير، ودرّس هناك «شرح المفتاح» للسيد، وكتب عليه حواشي، ثم رحل إلى القسطنطينية وعرض ما حشّاه
__________
ص (121) و «السحب الوابلة» ص (230) .
[1] في «ط» : «كمال الدّين» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 244) .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (267- 268) و «الكواكب السائرة» (2/ 26- 27) و «معجم المؤلفين» (8/ 272) .(10/457)
على ابن المؤيد فابتهج به، ثم صار مدرّسا بمدرسة علي باشا بالقسطنطينية، وكتب بها حواشي على مواضع من شرح المواقف للسيد، ثم صار مدرّسا بمدينة أزنيق، وكتب هناك راسلة في الهيولي عظيمة الشأن، ثم أعطي إحدى الثماني، وكتب بها شرحا على «التجريد» ثم درّس بأياصوفيا.
وألّف كتابا سمّاه «مدينة العلم» ثم تقاعد، وعيّن له كل يوم سبعون عثمانيا، وأكب على الاشتغال والإشغال ليلا ونهارا، لا يفتر، وأتقن العلوم العقلية، ومهر في الأدبية، ورسخ في التفسير.
وألّف رسائل كثيرة، منها «نقطة العلم» ومنها «السبعة السّيارة» .
وكان له أدب ووقار، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين أبو اللطف محمد بن خليل القلعي الدمشقي الشافعي [1] إمام جامع الجوزة بالقرب من قناة العوني.
كان فاضلا، صالحا، زاهدا، ورعا كوالده، متعفّفا، يعتزل الناس، ويخدم نفسه، سالكا طريق السّلف، مؤثرا لخشونة العيش، يلبس العباءة، له زاوية يقيم بها الوقت يذكر الله على طريقة حسنة.
وكانت له خطبة بليغة نافعة وموعظة من القلوب واقعة.
وتوفي يوم الاثنين ثالث جمادى الأولى.
وفيها شمس الدّين محمد بن عمر البقاعي الشافعي المذوخي [2]- بمعجمتين، نسبة لقرية مذوخا بالضم من عمل البقاع-.
حفظ القرآن العظيم، واشتغل بالعلم، وحصّل، وفضل، وكره الأكل من الأوقاف، فرجع إلى بلدته المذكورة، وتعاطي الزراعة، فأثرى وتموّل، ورحل إلى مصر، فاشتغل بها قليلا، ثم رجع إلى بلده فأمّ بها. وخطب وصار يدعو أهلها إلى طاعة الله تعالى إلى أن توفي بها ليلة الجمعة خامس المحرم.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 34) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 56- 57) .(10/458)
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد العيني الأصل الحلبي الحنفي [1] ، عرف بابن بلال الإمام العلّامة.
ولد بحلب سنة خمس أو ست وسبعين وثمانمائة، وقرأ على المنلا قل [2] درويش أربع سنوات في علوم شتى، وقرأ أيضا على منلا مظفّر الدّين الشّيرازي، والبرهان العرضي، والبدر السّيوفي وغيرهم، ثم لازم الإفتاء والتدريس والتأليف بجامع حلب، حتّى أسنّ، فانقطع بمنزله، وأكبّ على التصنيف في علوم متنوعة، إلا أنه كان لا يسمح بتآليفه ولم تظهر بعده.
وكان كثير الصيام والقيام، لا يمسك بيده درهما ولا دينارا.
وكان وقورا، مهيبا نيّر الشيبة، كثير التواضع، له قوة ذكاء، ومزيد حفظ، ورسوخ قدم في العربية والمعقولات، وحجّ، وجاور، ودخل القاهرة، وأصابه فالج وعوفي منه.
وتوفي بحلب، ودفن بمقابر الحجّاج، وأوصى أن يغسله شافعي وأن يلقّن في قبره.
وفيها نظام الدّين محمد بن محمد بن إبراهيم بن علي بن كوجك [3] الحموي المولد الحنفي، ثم الحنبلي، عرف بالكوكاجي، رديف الكوجكي.
ولد في ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة، وقرأ «الكنز» على ابن رمضان الدمشقي وغيره، ثم قلّد الإمام أحمد، وولي قضاء الحنابلة بمدينة طرابلس الشام، وناب عن النّظام التّادفي الحنبلي بحلب.
وفيها محيي الدّين محمد بن محمد الحنفي [4] أحد موالي الرّوم، المعروف بابن قطب الدّين.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 118- 121) و «الكواكب السائرة» (2/ 7) و «الأعلام» (7/ 58) و «معجم المؤلفين» (11/ 257) .
[2] في «آ» و «ط» : «العلاقل» والتصحيح من الكواكب السائرة» .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 193- 194) و «الكواكب السائرة» (2/ 10) و «النعت الأكمل» ص (122) .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (266- 267) و «الكواكب السائرة» (2/ 15) .(10/459)
قرأ على الشيخ مظفّر الدّين العجمي، ثم على سيدي جلبي القوجوي، وغيرهما.
وترقّى في التداريس إلى أن ولي قضاء حلب، ثم بروسا، ثم إسلام بول [1] ، ثم قضاء العساكر الأناضولية، ثم ذهب إلى الحجّ بعد العزل، ثم رجع إلى القسطنطينية وتقاعد بمائة وخمسين عثمانيا، كل يوم.
قال في «الشقائق» : وكان عالما، فاضلا، صالحا، ورعا، محبّا للصوفية، سالكا طريقهم، واعتزل الناس، واشتغل بخويصة نفسه، له معاملة مع الله تعالى، رحمه الله تعالى.
وفيها المولى حسام الدّين يوسف القراصوي الحنفي [2] أحد موالي الرّوم.
قرأ على علماء عصره، وخدم المولى عبد الكريم العربي [3] ، ثم درّس بعدة مدارس، حتّى أعطي إحدى الثمان، ثم صار قاضيا بأدرنة، ثم بالقسطنطينية، ثم أعيد إلى إحدى الثمان، وعيّن له كل يوم مائة عثماني إلى أن مات.
وكان سخي النّفس، حليما، طارحا للتكلّف، منصفا من نفسه.
__________
[1] وهي المعروفة بإستانبول الآن عاصمة الخلافة العثمانية.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 263) .
[3] لفظة «العربي» سقطت من «ط» .(10/460)
سنة ثمان وخمسين وتسعمائة
فيها كانت وقعة الجرب- بجيم وموحدة بينهما راء ساكنة-، وقعة مشهورة باليمن حتّى صارت تاريخا عند أهل حضرموت، يقولون سنة وقعة الجرب.
وفيها توفي تقي الدّين أبو بكر بن عبد الكريم الخليصي [1] الأصل الحلبي الشافعي، المشهور بالزاهد، وهو سبط العالم، المفتي أبي بكر الخلّيصي.
كان شيخا، صالحا، منورا، زاهدا، ورعا، ذا تهجّد وبكاء، لا يراه أهل محلّته إلّا أوقات الصلوات، وفي غيرها يتردّد إلى المقابر والمزارات.
وكان كثيرا ما يقصده الزّوار يسمعون ما يقرؤوه عليهم من «رياض الصالحين» أو غيره [2] .
وتوفي بحلب.
وفيها حسين بن أحمد بن إبراهيم الخوارزمي [3] العابد الصّوفي.
كان شيخا معمّرا، مهيبا، ذكر أن له من الأتباع نحو مائة ألف ما بين خليفة ومريد.
وكان من أحواله إذا ذكر في المسجد الذي هو فيه مع مريديه يطول حتى يراه من كان خارج المسجد من غير منفذ من منافذه.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 371- 373) و «الكواكب السائرة» (2/ 91) .
[2] في «ط» : «وغيره» .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 560- 561) و «الكواكب السائرة» (2/ 138) .(10/461)
ودخل بلاد الشام حاجّا، فحجّ ورجع إلى دمشق فأعجبته، فعمّر بها خانقاه للفقراء من ماله.
وكان متمولا جدا، حتّى عمّر عدة خوانق في بلاد عديدة، ثم عاد إلى حلب، وأراد أن يعمّر بها عمارة فمرض بها.
وتوفي في عشري [1] شعبان، ودفن بها في تابوت، ثم نقل بعد أربعة أشهر إلى دمشق ولم يتغير أصلا ودفن بها. قاله في «الكواكب» .
وفيها باقشير عبد الله بن محمد الشافعي اليمني الحضرمي [2] الفقيه ابن الفقيه.
قال في «النور» : أخذ العلم عن جماعة منهم الشيخ أبو بكر العيدروس، والشيخ عبد الرحمن بن علي باعلوى، والشيخ عبد الله بن الحاج، وكان من الأئمة المحقّقين، والعلماء العاملين، والفقهاء البارعين. له تصانيف مفيدة، وحيد زمانه علما وعملا وزهدا وورعا، جمع بين معالم الشريعة وسلوك الطريقة وعلوم الحقيقة.
ومن تصانيفه كتاب «قلائد الخرائد وفرائد الفوائد» في الفقه مجلد ضخم نافع جدا، و «القول الموجز المبين» وكتاب «السعادة والخير في مناقب السادة بني قشير» و «رسالة في الفرج» .
وله كرامات وأحوال.
وتوفي في شعبان ببلده قسم من أرض حضرموت، وقبره بها معروف يزار.
وفيها تاج الدّين عبد الوهاب بن شرف الدّين يونس بن عبد الوهاب العيثاوي الشافعي [3] الإمام العلّامة، أخو الشيخ شهاب الدّين لأبيه.
ولد ليلة الأربعاء ثالث عشري رمضان سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، وقرأ
__________
[1] في «ط» : «في عشر» .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (249- 250) و «الأعلام» (4/ 128) و «معجم المؤلفين» (6/ 117) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 187- 188) .(10/462)
على والده، وحصل له بركة أشياخه، منهم الشيخ تقي الدّين البلاطنسي، وابن أبي اللطف المقدسي، وأجازاه، وأجازه بالمكاتبة مفتي بعلبك البهاء بن الفصي، واجتمع بالجمال الديروطي وأجازه، وقرأ على آخرين، وسافر إلى حلب، فحضر دروس التاج العرضي، واجتمع بقاضي قضاة العساكر المولى سنان بن حسام الدّين فعظّمه وأثنى عليه، ونشأ من صغره في طاعة الله تعالى، متأدبا، متواضعا، سليم الفطرة، منور الطلعة.
أقرأ ودرّس في الفقه، والنحو، والتفسير، والحديث، وانتفع به الطلبة، وولي تدريسا بالأموي وبمدرسة أبي عمر [1] ، وبالظاهرية.
وأمّ وخطب نيابة عن أبيه بالجامع الجديد خارج باب الفراديس.
وكان يودّ أن يموت قبل أبيه، فبلّغه الله أمنيته.
وتوفي نهار الأربعاء خامس عشري رجب عن سبع وثلاثين سنة وشهر وثمانية وعشرين يوما [2] وخرجت روحه قائلا: الله الله الله [3] لا إله إلا الله.
وفيها المولى محب الدّين، ويقال محبّ الله التّبريزي [4] الشافعي الصّوفي المشهور، نزيل دمشق.
رحل من بلاده إلى بلاد الشام، وحجّ منها، وجاور، ثم عاد إليها، ومكث بالتكية السّليمية بسفح قاسيون لمزيد شغفه بالشيخ محيي الدّين بن عربي، واعتقاده، وكثرة تعلقه بكلامه، وحلّه، وتشديد النكير على من ينكر عليه، وصار يقرأ عليه بها جماعة في التفسير وغيره.
وكان يجمع إلى تفسير الآية تأويلها على طريقة القوم، ويورد على تأويلها ما يحضره من كلام المسنوي.
وتوفي بدمشق. قاله في «الكواكب» .
__________
[1] يعني في صالحية دمشق.
[2] في «ط» : «وثمانية عشر يوما» .
[3] لفظ الجلالة المكرر لم يرد في «الكواكب السائرة» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 246) .(10/463)
وفيها أبو الفتح محمد بن صالح الكيلاني الشافعي [1] الإمام العلّامة، خطيب المدينة المنورة وإمامها.
قدم دمشق وحلب، واجتمع بعلمائها، وشهدوا له بالفضل والتقدم.
وتوفي بالمدينة المنورة.
وفيها قطب الدّين محمد بن عبد الرحمن الصّفّوري ثم الصّالحي [2] الشافعي، الإمام الفاضل.
قال الشيخ يونس العيثاوي: أخذ عن والده، والجلال السّيوطي، وغيرهما.
وكان له وعظ حسن، وخطبة بليغة، وهو من بيت علم وصلاح ودين.
توفي تاسع عشر ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون.
وفيها السيد جمال الدّين يوسف بن عبد الله الحسني الأرميوني الشافعي [3] الإمام العلّامة، تلميذ الجلال السيوطي وغيره، وأخذ عنه العلّامة منلا علي الشهرزوري نزيل دمشق وغيره.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 336) و «الكواكب السائرة» (2/ 37) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 41- 42) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 261- 262) .(10/464)
سنة تسع وخمسين وتسعمائة
فيها كان ترميم عمارة البيت الشريف- زاده الله تعظيما- وأرّخ ذلك الشيخ عبد العزيز الزّمزمي فقال:
وقد أتى تاريخ ترميمه ... (رمّم بيت الله سلطاننا) [1]
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن قاضي القضاة أبي المحاسن يوسف بن قاضي القضاة زين الدّين عبد الرحمن الحلبي الحنفي، الشهير بابن الحنبلي [2] وهو والد الشيخ شمس الدّين بن الحنبلي المؤرّخ المشهور، وسبط قاضي القضاة أثير الدّين بن الشّحنة.
قال ولده في «درّ الحبب» : ولد بحلب سنة سبع وسبعين وثمانمائة، واشتغل بها في الصرف، والنحو، والعروض، والمنطق، على العلاء بن الدمشقي المجاور بجامع المهمندار، وعلى الفخر عثمان الكردي، والزّين بن فخر النساء، وغيرهم، وجوّد الخطّ على الشيخ أحمد [بن] أخي الفخر المذكور، وألمّ بوضع الأوفاق العديدة، وتعلق بأذيال القواعد الرّملية والفوائد الجفرية، وأجازه البرهان الرّهاوي رواية الحديث المسلسل بالأولية، بعد أن سمعه منه بشرطه، وجميع ما تجوز له وعنه روايته، ثم ذكر أنه استجيز له باستدعاء والده جماعة كثيرون من المصريين، كالمحب بن الشّحنة، والقاضي زكريا، وغيرهما، وأنه سمع على البرهان بن أبي شريف ما اختصره من رسالة القشيري، وأنه لبس الخرقة القادرية من الشيخ
__________
[1] مجموعة في حساب الجمّل (959) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 50- 61) و «الكواكب السائرة» (2/ 81) و «معجم المؤلفين» (1/ 130) .(10/465)
عبد الرزاق الكيلاني الحموي. قال: ثم لبستها أنا من يده، وذكر عنه أنه رأى في المنام شخصا باديا نصفه الأعلى من ضريح وهو يقول له: إذا وقعت في شدّة فقل: يا خضير يا خضير.
وأنه كان إذا حزبه أمر قال ذلك ففرّج عنه.
وذكر من تأليفه كتابه المسمى «ثمرات البستان وزهرات الأغصان» و «السلسل الرائق المنتخب من الفائق» وكتابا انتخبه من «آداب الرئاسة» سمّاه «مصابيح أرباب الرئاسة ومفاتيح أبواب الكياسة» وغير ذلك، وأنه توفي ليلة الأحد حادي عشر ذي القعدة.
وفيها زين الدّين زكريا المصري [1] العلّامة الشافعي، حفيد شيخ الإسلام القاضي زكريا الأنصاري.
أخذ العلم عن جدّه المذكور، والبرهان بن أبي شريف، والشيخ عبد الحقّ، والكمال الطويل، ولبس خرقة التصوف من جدّه، ومن سيدي علي المرصفي، وغيرهما.
وكان جدّه يحبه محبّة عظيمة.
وكان ذكيا، فطنا، خاشعا، أفتى، ودرّس.
قال الشعراوي: سافرت معه إلى مكّة سنة سبع وأربعين وهو قاضي المحمل، فكان يقضي بالنهار ولا يملّ من الطوال بالليل، كثير الصّدقة والافتقاد لفقراء الركب.
وتوفي في شوال بالقاهرة، ودفن خارج باب النصر تجاه مقام السيدة زينب.
وفيها عثمان بن عمر الشيخ المعمّر الحلبي الشافعي، المعروف بابن شيء لله [2] .
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 145) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 887- 888) و «الكواكب السائرة» (2/ 190) .(10/466)
حفظ القرآن العظيم، وتفقّه على الفخري عثمان الكردي، والبرهاني فقيه اليشبكية، وحجّ، وانتفع به الطلبة.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن حسن الدمشقي [1] المعروف بابن الشيخ حسن.
كان من أهل الفضل والعلم والصلاح، وكان خطيبا بجامع الأفرم، وأخذ عن جماعة، منهم البدر الغزّي، حضر دروسه بالشامية وغيرها كثيرا.
وفيها نجم الدّين محمد بن محمد بن عبيد [2] الشيخ الفاضل الصّالح الواعظ، ابن الشيخ الصّالح المقرئ المجيد الضرير، إمام مسجد الباشورة.
توفي يوم الجمعة بعد العصر سادس عشري القعدة.
وفيها قاضي القضاة نظام الدّين أبو المكارم يحيى بن يوسف بن عبد الرحمن الحلبي التّادفي الحنبلي القادري [3] سبط الأثير بن الشّحنة، وهو عمّ ابن الحنبلي شقيق والده.
ولد سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، وتفقه على أبيه [4] وبعض المصريين، وأجاز له باستدعاء من أبيه [4] وأخيه جماعة من المصريين، منهم المحبّ بن الشّحنة، والقاضي زكريا، والبرهان القلقشندي، والدّيمي، والخيضري، وغيرهم، وقرأ بمصر على المحبّ بن الشّحنة، والجمال بن شاهين سبط بن حجر جميع مجلس البطاقة سنة سبع وثمانين، ثم لما عاد والده إلى حلب متوليا قضاء الحنابلة ناب عنه فيه وسنّه دون العشرين، فلما توفي والده أوائل سنة تسعمائة استقلّ بالقضاء بعده، وبقي إلى أن انصرمت دولة الجراكسة، وكان آخر قاض حنبلي بها بحلب، ثم ذهب بعد ذلك إلى دمشق، وبقي بها مدة، ثم استوطن مصر. وولي
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 10) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 20) .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 2/ 548- 554) و «الكواكب السائرة» (2/ 260) و «الأعلام» (8/ 187) .
[4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .(10/467)
بها نيابة قضاء الحنابلة بالصالحية النجمية وغيرها، وحجّ منها وجاور، ثم عاد إلى حكمه.
وكان لطيف المعاشرة، حسن الملتقى، حلو العبارة، جميل المذاكرة، يتلو القرآن العظيم بصوت حسن ونغمة طيبة، وتوفي بالقاهرة، رحمه الله تعالى.(10/468)
سنة ستين وتسعمائة
فيها وقع عمارة ميزاب الرّحمة من البيت الشريف، وقال في ذلك أبو بكر اليتيم المكّي مؤرخا:
يا أيّها المولى الجليل ومن له ال ... مجد الأثيل الفائق المرّيخا
ميزاب بيت الله جدّد فاقتبس ... نا (رحمة من ربّك) [1] التّاريخا
وفيها توفي الأمير برهان الدّين إبراهيم بن والي بن نصر خجا بن حسين الذكرى المقدسي الفقيه الحنفي [2] .
قال ابن الحنبلي: قدم حلب سنة ست وأربعين واردا من بغداد لتيمار كان له بها، وكان لطيف المذاكرة، حسن المحاضرة، اشتغل بالعربية وغيرها، وتعاطى الأدب، وله منظومة في النحو سمّاها «البرهانية» وقرض عليها سيدي محمد بن الشيخ علوان وغيره، ووضع رسالة في الصّيد وما يتعلق بالخيل برسم وزير السلطنة السليمانية وقدمها إليه بالرّوم.
ومن شعره:
قال الفؤاد مقالات يوبّخني ... لما رآني على طول من الأمل
أن ليس تنفع أقوال تقرّرها ... ما لم تكن عاملا بالفعل يا ابن ولي
عاد إلى وطنه من غير الطريق المعتاد ففقد في الطريق في هذه السنة.
__________
[1] حسابها بالجمّل (960) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 33- 39) و «الكواكب السائرة» (2/ 81) و «الأعلام» (1/ 78) و «معجم المؤلفين» (1/ 124) .(10/469)
وفيها إبراهيم بن يوسف بن سوار الكردي البياني الخاتوني ثم الحلبي الشافعي [1] .
قال ابن الحنبلي: فقيه، صوفيّ، سليم الصدر، معمر، اجتمع بالسيد علي بن ميمون بعد أن رآه في المنام، فألبسه ثوبا أبيض. قال: وكان مغرما بالكيميا.
توفي بحلب ودفن خارج باب قنسرين.
وفيها تقي الدّين أبو بكر بن شيخ الإسلام شمس الدّين محمد بن أبي اللطف المقدسي [2] الشافعي الإمام العلّامة.
أخذ عن والده وغيره، وحضر هو وأخوه الشيخ عمر إلى دمشق، فقرأ على البدر الغزّي جميع «شرح جمع الجوامع» للمحلّي، ثم برع صاحب الترجمة في فنون من العلم، خصوصا الأصول، حتى كان يعرف بالشيخ أبي بكر الأصولي.
وسكن دمشق آخرا، وتزوج بها، وتوفي بها في هذه السنة تقريبا.
وفيها زين الدّين رجب بن علي بن الحاج أحمد بن محمود اليعفوري الحموي الشافعي، الشهير بالعزازي [3] الإمام العلّامة.
قال في «الكواكب» : وهو جدّ صاحبنا العلّامة تاج الدّين القطّان النحوي الشافعي لأبيه.
أخذ عن البازلي الكردي الحموي، وبمصر عن العلّامة عبد الحقّ السنباطي، وتفقه به وبالشمس النّشيلي، والشّهاب الرّملي، وغيرهم، ثم دخل دمشق، فقرأ على شيخ الإسلام الوالد، واعتنى بجمع المهم من فتاواه، فجمع منها ثلاث مجلدات، ثم عاد إلى بلده حماة مستقرا، مفتيا، مدرّسا.
وكان مخلصا في محبة الوالد ومصافاته، ووصفه شيخ الإسلام الوالد بالفضل والصّلاح.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 44- 45) و «الكواكب السائرة» (2/ 82) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 93) .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 625- 626) و «الكواكب السائرة» (2/ 143- 144) .(10/470)
وفي «تاريخ ابن الحنبلي» أنه مرّ بحلب سنة إحدى وخمسين متوجها إلى إسلام بول [1] لعزله عن عصرونية حماة، وأنه أنشده للبهاء الفصي البعلي الشافعي:
إن صار [2] عبدك حيث شئت تواضعا ... لجلال قدرك ما تعدّى الواجبا
فلئن تأخّر كان خلفك خادما ... ولئن تقدّم كان دونك حاجبا
ثم توجه إليها [3] مرة أخرى، فتوفي بالقسطنطينية في المحرم، ودفن بالقرب من ضريح أبي أيوب الأنصاري، رضي الله عنه.
وفيها عبد القادر السّبكي المصري المجذوب [4] .
قال في «الكواكب» : كان مجذوبا، ثم أفاق في آخر عمره، وصار يصلّي ويقرأ كل يوم ختمة، مع بقاء أحواله من الكشف. ورؤي وهو راكب حمارته يسوقها على الماء أيام وفاء النيل.
وكان يخدم الأرامل ويشتري لهم الحوائج، ويضع كل ما يشتريه في إناء واحد من زيت، وشيرج، وعسل، وربّ، وغير ذلك، ثم يعطي كل واحدة حاجتها من غير اختلاط.
وكان تارة يلبس زي الجند، وتارة زي الريافة، وتارة زي الفقراء، وكان يعطب من ينكر عليه.
مات في جمادى الآخرة انتهى.
وفيها الشريف الفاضل جمال الدّين محمد بن علي بن علوي خرد باعلوى [5] صاحب كتاب «غرر البهاء» . قاله في «النور» .
__________
[1] يعني إستانبول.
[2] في «آ» : «إن سار» .
[3] في «ط» : «إليه» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 176) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 184- 185) .
[5] ترجمته في «النور السافر» ص (252) و «الأعلام» (6/ 92) و «معجم المؤلفين» (11/ 29) .(10/471)
وفيها الأمير نجم الدّين محمد بن محمد القرشي الدمشقي [1] .
كان فاضلا، يقرأ القرآن، ويبكي عند التّلاوة، وكان بينه وبين الشيخ علاء الدّين بن عماد الدّين الشافعي مودّة ومحبّة.
مات في هذه السنة أو التي بعدها.
ومات بعده ولده الأمير شمس الدّين محمد [2] بتسعة أشهر، وهو والد محمد جلبي القرمشي، رحمهم الله تعالى.
وفيها- تقريبا- نجم الدّين محمد الماتاني الحنبلي الإمام العالم الفقيه المحدّث الصّالحي [3] .
أخذ الحديث عن الشيخ أبي الفتح المزّي وغيره، وتفقه بفقهاء الشاميين، وكان ينسخ بخطّه كثيرا، وكتب نسخا كثيرة من «الإقناع» .
وفيها شرف الدّين أبو النّجا موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى بن سالم الحجّاوي المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي [4] الإمام العلّامة، مفتي الحنابلة بدمشق، وشيخ الإسلام بها.
كان إماما، بارعا، أصوليا، فقيها، محدّثا، ورعا، من تأليفه كتاب «الإقناع» جرّد فيه الصحيح من مذهب الإمام أحمد، لم يؤلّف أحد مؤلّفا مثله في تحرير النقول وكثرة المسائل، ومنها «شرح المفردات» و «شرح منظومة الآداب» لابن مفلح، وزاد «المستقنع في اختصار المقنع» و «حاشية على الفروع» وغير ذلك.
وتوفي يوم الخميس الثاني والعشرين من ربيع الأول ودفن بأسفل الروضة تجاه قبر المنقح من جهة الغرب يفصل بينهما الطريق.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 20) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 20) .
[3] ترجمته في «السحب الوابلة» ص (461- 462) .
[4] ترجمته في «ذخائر القصر» الورقة (150/ ب- 106/ آ) و «السحب الوابلة» ص (472- 473) و «النعت الأكمل» ص (124- 126) ومختصر طبقات الحنابلة» للشطي ص (93- 94) و «الأعلام» (7/ 320) و «معجم المؤلفين» (13/ 34- 35) .(10/472)
وفيها محيي الدّين يحيى الذاكر الشيخ الصالح [1] .
قال في «الكواكب» : هو أحد أصحاب الشيخ تاج الدّين الذاكر الذين أذن لهم في افتتاح الذكر.
كان معتزلا عن الناس، ذاكرا، خاشعا، عابدا، صائما أقبل عليه أمراء الدولة إقبالا عظيما، ثم تظاهر بمحبّة الدنيا والتجارة فيها طلبا للسّتر، حتى اعتقد فيه غالب أهل الدنيا أنه يحب الدّنيا مثلهم.
قال الشعراوي: قال لي مرات: ما بقي الآن لظهور الفقر فائدة بأحوال القوم. قال: وقد عوضني الله تعالى بدل ذلك مجالسته سبحانه في حال تلاوتي كلامه، ومجالسة نبيه صلّى الله عليه وآله وسلم في حال قراءتي لحديثه، فلا تكاد تراه إلّا وهو يقرأ القرآن والحديث.
قال: وأخبرني أن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم أذن له- يعني في المنام [2]- أن يربّي المريدين، ويلّقن الذكر. انتهى
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 260- 261) .
[2] قلت: لا تؤخذ الأحكام من المنامات إن صحّت الرؤيا فكيف إن لم تصح، وما هذه إلا شطحة من شطحات الصوفية وما أكثرها في الزمن الغابر والزمن الحاضر.(10/473)
سنة إحدى وستين وتسعمائة
قال في «النور» [1] في ليلة ثلاثة عشر من ربيعها الأول قتل السلطان محمود شاه بن لطيف شاه صاحب كجرات شهيدا، وسببه أن بعض خدمه سوّلت له نفسه قتله، فدبّر الحيلة، وواطأ بعض الوزراء والحرس، فقيل: دسّ له سمّا في شرابه أو في [2] حلواه، فشكا السلطان عقب تناوله حرارة عظيمة اشتعلت بباطنه، فاستغاث، فقيل: بل له سكرا نباتا، ودسّ له سمّا ليعجّل موته قبل أن يشعر به، وقيل: بل طلب السلطان الطبيب، فبادر ذلك الشقيّ وذبح السلطان والطبيب، ولم يشعر أحد، ثم أرسل رسل السلطان المعتادين إلى وزرائه وطلبوهم على لسان السلطان، فقدم كلّ على انفراده من غير شعور له بشيء، فكل من دخل من الوزراء قتلوه، فلما كثر القتل وقع الإحساس ببعض ما جرى. انتهى وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشّمّاع الحلبي الشافعي، الشهير بابن الطّويل [3] العالم الزاهد.
قرأ في سنة سبع عشرة وتسعمائة على الحافظ عبد العزيز بن فهد المكّي شيئا من كتب الحديث، وسمع عليه غالب «البخاري» وأجاز له، وألبسه خرقة التصوف.
وكان شيخا، صالحا، حسن السمت، يميل إلى كلام القوم، وكتب الوعظ، وكان يأكل الخبز اليابس منقوعا بالماء، وإذا حصل له مأكل نفيس آثر به الفقراء،
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (252) .
[2] في «ط» : «وفي» .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 179- 180) و «الكواكب السائرة» (2/ 101) .(10/474)
وترك أكل قوت حلب قدر ست عشر سنة لما بلغه من بيع ثمرها قبل بدو صلاحه.
وفيها السيد أحمد بن أبي نمي [1] صاحب مكة.
قال في «النور» : وهو الذي داس بساط سلطان الرّوم سليمان ولم يدس غيره من سلاطين مكة، وشوكته استقوت في حياة أبيه، وحكاياته مشهورة. انتهى وفيها السلطان بايزيد بن سليمان العثماني [2] .
قتله شاه طهمان بأمر أبيه السلطان سليمان.
وفيها برهان نظام شاه [3] سلطان الدّكن.
وفيها سليم شاه بن شير شاه [4] .
قال في «النور» : فهؤلاء خمسة سلاطين، أي محمود شاه، وابن أبي نمي، وهؤلاء الثلاثة اتفق موتهم في هذه السنة، فقال بعضهم مؤرّخا لذلك زوال خسروان [5] . انتهى وفيها بشر المصري الحنفي [6] الإمام العلّامة الصّالح.
أخذ العلم عن البرهان، والنّور الطرابلسيين، وعن شيخ الإسلام عبد البرّ بن الشّحنة، وأجازه بالإفتاء والتدريس، فدرّس وأفتى، وانتفع به خلائق، وغلب عليه، في آخره محبّة الخفاء والخمول، وعدم التردّد إلى الناس، وناب في القضاء مدة، ثم ترك ذلك، وأقبل على العبادة، وكان يديم الصّيام والقيام، رحمه الله تعالى.
وفيها حسن الدنجاوي [7] .
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (253) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (253) و «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (247) .
[3] ترجمته في «النور السافر» ص (253) .
[4] ترجمته في «النور السافر» ص (253) .
[5] أي سنة (961) في حساب الجمّل.
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 128) .
[7] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 138) .(10/475)
ذكره الشعراوي وأشار إلى أنه كان من أصحاب النوبة والتصرف بمصر.
وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها- تقريبا- سليمان الخضيريّ المصري الشافعي [1] الشيخ الصالح الفاضل العارف بالله تعالى.
أخذ العلم عن الجلال السيوطي، والقطب الأوجاقي، وأخذ الطريق عن الشّهاب المرحومي، وأذن له أن يربّي المريدين ويلقّنهم الذّكر، فتلمذ له خلائق لا يحصون.
وكان زاهدا، ديّنا، لا ينتقص أحدا من أقرانه، ويقول: لا يتعرض لنقائص الناس إلّا كل ناقص.
قال الشعراوي: أدركت الأشياخ وهم يضربون به وبجماعته المثل في الاجتهاد في العبادات.
وصحب بعد موت شيخه مشايخ لا يحصون، كسيدي محمد بن عنان، وسيدي علي المرصفي، وسيدي محمد المنزلاوي، وغيرهم، وكانوا يحبّونه، وغلب عليه في آخر عمره الخفاء لعلو مقامه.
وكان له مكاشفات وكرامات.
قال الشعراوي: أخبرني في سنة تسع وخمسين وتسعمائة، أن عمره مائة سنة وثمان سنين. انتهى وفيها زين الدّين عبد الرحمن الأجهوري [2] المالكي الشيخ الإمام العلّامة، الزاهد الخاشع، مفتي المسلمين.
تلا على الشّهاب القسطلاني للأربعة عشر، وحضر عليه قراءة كتابه «المواهب اللدنية» وأخذ الفقه وغيره عن شمس الدّين اللقاني، وعن أخيه ناصر
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 149) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 160) .(10/476)
الدّين، وغيرهما، وأجازوه بالإفتاء والتدريس فأفتى ودرّس، وصنّف كتبا نافعة، منها «شرح مختصر الشيخ خليل» وسارت الرّكبان. بمصنّفاته، حتّى إلى المغرب والتّكرور، وكان الشيخ ناصر الدّين اللقاني إذا جاءته الفتيا يرسلها إليه من شدة إتقانه وحفظه للنقول.
وكان كريم النّفس، قليل الكلام واللغو، حافظا لجوارحه، كثير التّلاوة والتهجد.
قال الشعراوي: لما مرض دخلت إليه فوجدته لا يقدر يبلع الماء من غصة الموت، فدخل عليه شخص بسؤال، فقال: أجلسوني. قال: فأجلسناه وأسندناه، فكتب على السؤال ولم يغب له ذهن مع شدة المرض، وقال: لعل ذلك آخر سؤال نكتب عليه، فمات تلك الليلة ودفن بالقرافة.
وكان كلما مرّ على موضع قبره يقول: أأنا أحب هذه البقعة، فدفن بها، وقبره ظاهر يزار.
وفيها علي البرلسي المجذوب المصري [1] .
قال في «الكواكب» : كان نحيف البدن، يكاد يحمله الطفل. وكان يتردّد بين مدينة قليوب ومصر، لا بد له كل يوم من الدخول إلى قليوب ورجوعه إلى مصر.
وكان من أصحاب الخطوة، وكثيرا ما يمر عليه صاحب البغلة الناهضة وهو نائم تحت الجيزة [2] بقليوب فيدخل مصر فيجده ماشيا أمامه وكان كثيرا ما يغلقون عليه الباب فيجدونه خارج الدار. قالوا [3] : وما رؤي قط في معدية، إنما يرونه في ذلك البرّ وهذا البرّ، وربما رأوه في البرلس، وفي دسوق، وفي طندتا، وفي مصر في ساعة واحدة، وهذه صفة الأبدال. وأما رؤيته بعرفة كل سنة فكثير.
توفي في ربيع الأول، ودفن في زاويته المرتفعة داخل باب الشعرية.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 223) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 187) .
[2] كذا في «آ» و «الكواكب السائرة» : «تحت الجيزة» وفي «ط» : «الجميزة» .
[3] في «ط» : «قال» .(10/477)
وفيها شمس الدّين محمد بن سيف [1] الحلبي ثم القسطنطيني الشافعي [2] الإمام العلّامة إمام عمارة محمود باشا.
أخذ عن البدر السيوفي وغيره من علماء حلب، ثم توطن القسطنطينية حتّى مات.
وكان حسن السّمت والملبس.
وكان يعظ المواعظ الحسنة، وله حظوة تامة عند أكابر الدولة.
وذكر ابن الحنبلي أن أباه كان جمّالا.
__________
[1] في «آ» و «ط» و «إعلام النبلاء» : «ابن يوسف» والتصحيح من «درّ الحبب» و «الكواكب السائرة» .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 90- 91) و «الكواكب السائرة» (2/ 35) و «إعلام النبلاء» (6/ 21- 22) .(10/478)
سنة اثنتين وستين وتسعمائة
فيها توفي قاضي قضاة الشافعية بمكّة المشرّفة برهان الدّين إبراهيم بن ظهيرة [1] .
ميلاده سنة خمس عشرة وتسعمائة، وتوفي في هذه السنة كذا بخطّ ابن صاحب «العنوان» .
وفيها توفي [2] أبو الفتح السّبستري ثم التّبريزي الشافعي [3] نزيل دمشق، الإمام العلّامة المحقّق المدقّق الفهّامة.
انتفع به الطلبة، وهرعوا إليه، ورغبوا فيما عنده.
وكان ذا علم جزل، وأخلاق حسنة، وآداب جميلة.
أخذ عنه النجم البهنسي، والشيخ إسماعيل النابلسي، والشيخ عماد الدّين، والشمس المنقاري، والمنلا أسد، والقاضي عبد الرحمن بن الفرفور، وغيرهم.
وكان له خلوة في السميساطية، يدرّس العلوم فيها.
وتوفي بالصالحية شهيدا بالطّاعون في هذه السنة، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها حامد بن محمود [4] نزيل مكّة المشرّفة، الإمام الهمام العلّامة.
__________
[1] ترجمته في «عنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران» للبقاعي وهو مخطوط لا يعرف مكان وجوده، وقد مرّت ترجمة مؤلّفه في المجلد التاسع ص (509- 510) .
[2] لفظة «توفي» لم ترد في «ط» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 94) .
[4] ترجمته في «النور السافر» ص (253) .(10/479)
قال في «النور» : كان إليه النهاية في العلم والعبادة، ورثاه الشيخ عبد العزيز الزمزمي بقصيدة طنّانة مطلعها:
أيّها الغافل الغبي تنبّه ... إن بالنّوم يقظة النّاس أشبه
ومنها:
قد مضى حامد حميدا فما لي ... بعده في الحياة والعيش رغبه
صاحبي من قريب خمسين عاما ... ما تراءيت في محياه غضبه
ومنها:
من جميع العلوم حاز فنونا ... فتسامى بها لأرفع رتبه
وهي طويلة جيدة. انتهى وفيها عبد الله بن عبد الرحمن بن أصفهان الكردي الشافعي [1] المنسوب إلى بزين- بالموحدة والتصغير قبيلة من الأكراد-.
قرأ في الصّرف وغيره على أبيه الفقيه المحرّر عبد الرحمن، والنحو على مولانا حسين العمادي المقيم بسمرقند، والمنطق على منلا نصير الأستراباذي، والكلام على منلا على الكردي الحوزي- بحاء مهملة وواو ساكنة وزاي-.
ومن سنة تسع وأربعين لزم ابن الحنبلي في علم البلاغة.
قال ابن الحنبلي: وكان فاضلا، ذكيا، كتب بخطّه «تفسير منلا عبد الرحمن الجامي» وطالعه.
وتوفي ببلد القصير مطعونا في هذه السنة.
وفيها عبد الرؤوف اليعمري المصري الأزهري [2] أحد شعراء مصر.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 726- 727) و «الكواكب السائرة» (2/ 155) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 157) .(10/480)
قال في «الكواكب» : قدم حلب هو وصاحبه الشيخ نور الدّين العسيلي، ونزلا [1] بالمدرسة الشرفية.
وكان حسن الشعر، لطيف الطّباع.
مات بالقاهرة. انتهى وفيها شرف الدّين عبد القادر بن محمد بن محمد [2] بن قاضي سراسيق الصّهيوني [2] ثم [2] الطرابلسي [2] ثم [2] الدمشقي الشافعي [3] الإمام العلّامة.
قال في «الكواكب» : أخذ عن شيخ الإسلام الوالد. قرأ عليه في «البهجة» جانبا صالحا، وفي «صحيح مسلم» وفي «الأذكار» وغير ذلك. وولي إعادة الشامية البرّانية بدمشق، وقدم حلب في حياة الشّهاب الهندي، فقرأ عليه في «شرح الشمسية» للقطب، وسمع عليه في غيره، ثم عاد إلى طرابلس، فدرّس بجامع العطّار، وانتفع به الطلبة.
وكان الثناء عليه جميلا في الدّيانة وحسن الخلق، إلّا أنه كان ينكر على ابن العربي.
وتوفي بطرابلس. انتهى ملخصا وفيها شرف الدّين أبو حمزة عبد النافع بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عراق الدمشقي الأصل الحجازي الحنبلي ثم الحنفي [4] القاضي الفاضل المفنّن، أحد أولاد القطب الكبير سيدي محمد بن عراق.
ولد بمجدل مغوش سنة عشرين وتسعمائة.
وكان فاضلا، لبيبا، أديبا، حسن المحاضرة، مأنوس المعاشرة، دخل بلاد الشام مرات، وتولى قضاء زبيد باليمن، وله مؤلّف سمّاه «بيان ما تحصّل في جواب
__________
[1] في «ط» : «ونزل» وهو خطأ.
[2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 836- 837) و «الكواكب السائرة» (2/ 172) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 184- 185) و «معجم المؤلفين» (6/ 199) .(10/481)
أي المسجدين أفضل» أهو القائم بالعبادة المعمور، أم الداثر العادي المهجور.
وله شعر حسن منه:
إن الغرام حديثه لي سنّة ... مذ صحّ أني فيه غير مدافع
يا حائزا لمنافعي ومملكا ... رقّي تهنّ برقّ عبد النّافع
ومنه:
ورشيق مليح قدّ وصوره ... قال: إن القلوب لي مأموره
رام كشفا لما حوته ضلوعي ... قلت: بالله خلّها مستوره
ومنه:
يا ربّ أثقلني ذنب أقارفه ... فهل سبيل إلى الإقلاع عن سببه
وأنت تعلمه فاغفره لي كرما ... وخذ بناصيتي عن سوء مكتسبه
توفي بمكة المشرّفة، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين أبو اليسر محمد بن محمد بن حسن بن البيلوني الحلبي [1] المقرئ الخير.
سمع على ابن النّاسخ كأخيه بقراءة أبيه ولا أجاز له، ولازم شيخ القراء المحيوي عبد القادر الحموي، ثم الشيخ تقي الدّين الأرمنازي، وكانت له معرفة جيدة بالطب.
وكان صالحا، متواضعا، أثوابه إلى أنصاف ساقيه كأبيه، وربما حمل طبق العجين على عاتقه مع جلالته.
توفي مطعونا ودفن عنده والده.
وفيها شمس الدّين أبو الطيب محمد بن محمد بن علي الحسّاني [2] ،
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 266- 267) و «الكواكب السائرة» (2/ 9) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 268- 274) و «الكواكب السائرة» (2/ 10) و «معجم المؤلفين» (11/ 245) .(10/482)
الغماري الأصل المدني المولد والمنشأ والوفاة، المالكي، عرف بابن الأزهري.
كان كثير الفضائل، حسن المحاضرة، صوفي المشرب، له ميل إلى كتب ابن العربي من غير غلو، وله نثر ونظم، منه أرجوزة سمّاها «لوامع تنوير المقام في جوامع تفسير المنام» .
دخل بلاد الشام قاصدا الرّوم، فدخل دمشق وحلب، واجتمع فيها بابن الحنبلي، فأخذ كل منهما عن الآخر، وأجاز كل منهما الآخر.
وتوفي بالمدينة المنورة.
وفيها نصر الله بن محمد العجمي الخلخالي الشافعي [1] الفقيه ابن الفقيه.
درّس بالعصرونية بحلب، وكان ذكيا، فاضلا، صالحا، متواضعا، ساكنا، ملازما على الصلوات في الجماعة، حسن العبارة باللسان العربي.
توفي مطعونا في هذه السنة، رحمه الله.
وفيها السلطان همايون بن بابور [2] .
وكان سبب موته سقوطه من سقف، فقال مؤرخ وفاته بالفارسي: همايون بادشاه از بام افتاد. قاله في «النور» .
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 2/ 521- 522) و «الكواكب السائرة» (2/ 255) و «معجم المؤلفين» (13/ 98) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (255) .(10/483)
سنة ثلاث وستين وتسعمائة
فيها توفي أحمد بن حسين بن حسن بن محمد، المعروف بابن سعد الدّين الشامي القبيباتي الجبائي [1] الصّالح القدوة، العارف بالله تعالى، شيخ بني سعد الدّين بدمشق.
قال في «الكواكب» : كان له أوقات يقيم فيها الذكر والسّماع، ويكتب النشر والحجب على طريقة أهله المعروفة، وكان له الكشف التام والكرامات الكثيرة، وكان له سخاء وقرى للواردين على عادتهم.
وتوفي يوم الجمعة من شهر شعبان، ودفن بتربة الشيخ تقي الحصني خارج باب الله وخلفه في المشيخة أخوه الشيخ سعد الدّين.
وفيها- تقريبا- شهاب الدّين أحمد بن حسين بن حسن بن عمري البيري الأصل الحلبي الشافعي [2] العلّامة الصّوفي.
ولد سنة سبع وتسعين وثمانمائة، ولقّنه الذكر وهو صغير الشيخ علاء الدّين الأنطاكي الخلوتي سنة ست وتسعمائة، وألبسه الخرقة والتاج الأدهميين الشيخ عبد الله الأدهمي، وكان عنده وسوسة زائدة في الطهارة، ولا يلبس الملبس الحسن.
قال في «الكواكب» : ذكره شيخ الإسلام الوالد في «فهرست تلاميذه» وأثنى عليه كثيرا، وذكر أنه اجتمع به في رحلته من حلب إلى دمشق، وقرأ عليه مدة في
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 103) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 221- 223) و «الكواكب السائرة» (2/ 104- 105) .(10/484)
الفقه، والنحو، والأصول، والحديث شيئا كثيرا، وكتب له إجازة حافلة بما قرأه، وبالإذن بالإفتاء والتدريس. انتهى ملخصا وفيها شهاب الدّين أحمد بن الشيخ مركز [1] الإمام العالم العامل.
قرأ في العربية، والتفسير، والحديث، على والده، واشتغل بالوعظ والتذكير، فانتفع الناس به، وله رسائل في بعض المسائل. قاله في «الكواكب» .
وفيها صدر الدّين إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن سيف الدّين بن عربشاه [2] الشافعي، ولد منلا عصام البخاري، المشهور ب «الحواشي على شرح الكافية» للجامي.
قدم حلب سنة ثمان وأربعين، وقرأ شيئا من «البخاري» على شيخ الشيوخ الموفق بن أبي بكر، وأجاز له، وظهر له فضل حسن.
وتوفي بين الحرمين الشريفين وهو ذاهب من المدينة إلى مكّة.
وفيها أقضى القضاة سعد الدّين الأنصاري ابن القاضي علاء الدّين علي بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الأنطاكي الحلبي الدمشقي [3] .
قال ابن طولون: لازم شيخنا العلاء المرحّل في قراءة «قطر الندى» و «الوافية» و «عروض الأندلسي» وغير ذلك، واشتغل على الجلال النّصيبي وغيره، وعني بالأدب، وتولّع ب «مقامات الحريري» فحفظ غالبها، وخطّ الخط الحسن، وأخذ في صنعة الشهادة، وناب في القضاء بأنطاكية فلم يشك منه أحد، وتزّوج، ثم ترك التزوج، مع الدّيانة والصّيانة.
ومن شعره:
نظري إلى الأعيان قد أعياني ... وتطلّبي الأدوان قد أدواني
من كل إنسان إذا عاينته ... لم تلق إلّا صورة الإنسان
انتهى.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 115) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 318- 320) و «الكواكب السائرة» (2/ 122) .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 657- 660) و «الكواكب السائرة» (2/ 146- 147) .(10/485)
وكان فاضلا، ناظما، ناثرا، يعرف باللسان التركي والفارسي.
وكان ساكنا في خلوة بالسميساطية، فأصبح مخنوقا ملقى على باب الخانقاة المذكورة يوم السبت ختام صفر، ودفن بباب الفراديس.
وفيها بدر الدّين أبو الفتح عبد الرحيم بن أحمد السيد الشريف العبّاسي الشافعي القاهري ثم الإسلامبولي [1] .
ولد في سحر يوم السبت رابع عشري شهر رمضان سنة سبع وستين وثمانمائة بالقاهرة، وأخذ العلم بها عن علمائها، فأول مشايخه الشمس النشائي، وأخذ عن محيي الدّين الكافيجي، وأمين الدين الأقصرائي، والمحب بن الشّحنة، والشرف [2] بن عيد، والبرهان اللقاني، والسّراج العبادي، والشمس الجوجري، والجلال البكري، والشمس بن قاسم، والفخر الدّيمي، والبرهان بن ظهيرة، والمحب بن الغرس [3] البصروي.
وسمع «صحيح البخاري» على المسندين: العزّ الصحراوي، وعبد الحميد الحرستاني بالأزهر، وقرأه على البدر بن نبهان، ثم لازم آخرا الرّضي الغزّي.
قال في «الشقائق» : كانت له يد طولى، وسند عال في علم الحديث، ومعرفة تامة بالتواريخ والمحاضرات والقصائد الفرائد.
وكان له إنشاء بليغ، ونظم حسن، وخط مليح.
وبالجملة كان من مفردات العالم، صاحب خلق عظيم، وبشاشة، ووجه بسّام، لطيف المحاورة، عجيب النادرة، متواضعا، متخشعا، أديبا، لبيبا، يبجّل الصغير ويوقّر الكبير، كريم الطبع، سخي النفس، مباركا، مقبولا. انتهى باختصار
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (246- 247) و «الكواكب السائرة» (2/ 161- 162) و «معجم المؤلفين» (5/ 205- 206) .
[2] في «ط» : «والشريف» وهو خطأ.
[3] في «ط» : «ابن الفرس» وهو خطأ.(10/486)
وأتى إلى القسطنطينية في زمن السلطان با يزيد ومعه شرح له على «البخاري» أهداه إلى السلطان، فأعطاه بايزيد جائزة سنية ومدرسته التي بناها بالقسطنطينية ليقرئ فيها الحديث فلم يرض، ورغب في الذهاب إلى الوطن، ثم لما انقرضت دولة الغوري أتى القسطنطينية وأقام بها، وعيّن له كل يوم خمسون عثمانيا على وجه التقاعد.
ومن مؤلفاته «شرح البخاري» شرحه في القاهرة، وآخر مبسوط ألّفه بالرّوم، والظاهر أنه لم يتم، وشرح على «مقامات الحريري» حافل جدا، وقطعة على «الإرشاد» في فقه الشافعي، وشرح على «الخزرجية» في علم العروض، وشرح على «شواهد التلخيص» واختصره في مختصر لطيف جدا.
ومن شعره:
إن رمت أن تسبر طبع امرئ ... فاعتبر الأقوال ثم الفعال
فإن تجدها حسنت مخبرا ... من حسن الوجه فذاك الكمال
ومنه:
حال المقلّ ناطق ... عمّا خفي من عيبه
فإن رأيت عاريا ... فلا تسل عن ثوبه
ومنه:
يا من بنى داره لدنيا ... عاد بها الربح منه خسرا
لسان أقوالها ينادي ... عمّرت دارا لهدم أخرى
ومنه:
دع الهوى واعزم على ... فعل التّقى ولا تبل
فآفة الرأي الهوى ... وآفة العجز الكسل
ومنه:
أرعشني الدّهر أي رعش ... والدّهر ذو قوة وبطش(10/487)
قد كنت أمشي ولست أعيا ... والآن أعيا ولست أمشي
وتوفي- رحمه الله تعالى- في هذه السنة.
وفيها- تقريبا- عزّ الدّين عبد العزيز بن علي بن عبد العزيز المكّي الزّمزمي الشافعي [1] الإمام العالم المفنّن.
ولد سنة تسعمائة، ودخل بلاد الشام مارا بها إلى الرّوم سنة اثنتين وخمسين، وله مؤلفان سمّى أحدهما ب «الفتح المبين» والثاني ب «فيض الجود على حديث شيّبتني هود» .
ومن شعره وفيه تورية من ثلاثة أوجه:
وقال الغواني ما بقي فيه فضلة ... لشيء وفي ساقيه لم يبق من مخّ
وفي ظلّ دوح [2] المرخ مرخى غصونه ... فحيث انثنى أعرضن عن ذلك المرخي
قال في «الكواكب» : هو والد شيخنا شيخ الإسلام شمس الدّين محمد الزّمزمي.
أخذت عنه، واستجزت منه لنفسي ولولدي البدري والسعودي في سنة سبع وألف.
وتوفي سنة تسع وألف.
أخذ عن والده المذكور، وعن العلّامة شهاب الدّين بن حجر المكّي.
انتهى وفيها محيي الدّين عبد القادر بن أحمد القصيري [3] البكراوي شهرة الشافعي [4] .
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 170) و «معجم المؤلفين» (5/ 254) .
[2] في «آ» : «دمع» وقد سقطت اللفظة من «الكواكب السائرة» المطبوع فلتستدرك.
[3] تحرفت في «ط» إلى «القيصري» .
[4] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 837- 838) و «الكواكب السائرة» (2/ 174) .(10/488)
تفقه بالسيد كمال الدّين بن حمزة، والبرهان العمادي الحلبي، وأخذ عن غيرهما أيضا.
وكان علّامة، عارفا بالفقه والفرائض والأصول، ولي مشيخة خانقاه أمّ الملك الصّالح بحلب، ودرّس بالفردوس، وولي تدريس الجامع الكبير بها.
وتوفي وهو يذكر اسم الله تعالى ذكرا متواليا، ودفن بمقابر الصّالحين بحلب.
وفيها سعد الدّين علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عراق [1] ولد سيدي محمد الفقيه المقرئ الشامي الحجازي الشافعي.
ولد كما ذكره والده في السفينة العراقية سنة سبع وتسعمائة بساحل بيروت، وحفظ القرآن العظيم وهو ابن خمس سنين في سنتين، ولازم والده في قراءة ختمة كل جمعة ست سنين، فعادت بركة الله تعالى عليه، وحفظ كتبا عديدة في فنون شتّى، وأخذ القراآت عن تلميذ أبيه الشيخ أحمد بن عبد الوهاب خطيب قرية مجدل معوش، وعن غيره، وكان ذا قدم راسخة في الفقه، والحديث، والقراآت، ومشاركة جيدة في غيرها، وله اشتغال في الفرائض، والحساب، والميقات، وقوة في نظم الأشعار الفائقة، واقتدار على نقد الشعر.
وكان ذا سكينة ووقار، لكنه أصم صمما فاحشا.
وولي خطابة المسجد النبوي، ودخل دمشق وحلب في رحلته إلى الروم.
قال ابن طولون: وعرض له الصّمم في البلاد الرّومية.
قال: وذكر لي أنه عمل شرحا على «صحيح مسلم» كصنيع القسطلاني على «صحيح البخاري» وشرع في شرح على «العباب» [2] في فقه الشافعية.
قال وسافر من دمشق في عوده من الرّوم لزيارة بيت المقدس يوم الخميس
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 1004- 1010) و «الكواكب السائرة» (2/ 197- 198) و «الأعلام» (5/ 12) و «معجم المؤلفين» (7/ 218) .
[2] قلت: «العباب» في فقه المذهب الشافعي، نظمه القاضي شهاب الدّين أبو العباس أحمد بن ناصر ابن الباعوني، المتوفى سنة (810 هـ) . انظر «كشف الظنون» (2/ 1122) .(10/489)
ثالث جمادى الآخرة سنة تسع وأربعين، ثم انصرف إلى مصر، وذكر أنه في مدة إقامته بدمشق كان يزور قبر ابن العربي ويبيت عنده، وأنه أشهر شرب القهوة بدمشق، فكثرت من يومئذ حوانيتها.
قال: ومن العجب [1] أن والده كان ينكرها، وخرّب بيتها بمكة.
وتوفي المترجم بالمدينة المنورة وهو خطيبها وإمامها.
وفيها قاضي القضاة شمس الدّين محمد بن عبد الأول السيد الشريف الحسيني الجعفري التّبريزي الشافعي [2] ثم الحنفي، صدر تبريز، وأحد الموالي الرّومية، المعروف بشصلي أمير.
اشتغل على والده، وعلى منلا محمد البرلسي الشافعي، وغيرهما، ودرّس في حياة أبيه الدرس العام سنة ست عشرة، ثم دخل الرّوم، وترقّى في مدارسها، إلى أن وصل إلى إحدى الثمان، ثم ولي قضاء حلب في أواخر سنة تسع وأربعين، ثم قضاء دمشق، فدخلها في ربيع الثاني سنة اثنتين وخمسين، ووافق القطب بن سلطان، والشيخ يونس العيثاوي في القول بتحريم القهوة، ونادى بإبطالها، ثم عرض بإبطالها إلى السلطان سليمان، فورد أمره بإبطالها في شوال سنة ثلاث وخمسين، وأشهر النداء بذلك.
وكان عالما، فصيحا، حسن الخط.
قال ابن الحنبلي: وكان له ذؤابتان يخضبهما ولحيته بالسواد.
وذكر ابن طولون: أنه كان محمود السيرة، له حرمة زائدة.
وتوفي بالقسطنطينية.
وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر العلقمي الشافعي [3] الإمام العلّامة.
__________
[1] في «ط» : «ومن العجيب» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 221- 225) و «الكواكب السائرة» (2/ 39- 40) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 41) و «الأعلام (6/ 195) و «معجم المؤلفين» (10/ 144) .(10/490)
ولد خامس عشر صفر سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وأخذ عن جماعة، منهم البدر الغزّي، والشّهاب الرّملي، وغيرهما، وأجيز بالتدريس والإفتاء، وكان أحد المدرّسين بجامع الأزهر، وله حاشية حافلة على «الجامع الصغير» للحافظ السيوطي، وكتاب سمّاه «ملتقى البحرين» [1] .
وكان متضلعا من العلوم العقلية والنقلية، قوّالا بالحقّ، ناهيا عن المنكر، له توجه عظيم في قضاء حوائج إخوانه، وعمر عدة جوامع في بلاد الرّيف، رحمه الله تعالى.
وفيها محمد بن عبد القادر [2] أحد الموالي الرّومية.
أخذ عن جماعة منهم المولي محيي الدّين الفناري، وابن كمال باشا، والمولى حسام جلبي، والمولى نور الدّين، ثم خدم خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ثم تنقل في المدارس حتى أعطى إحدى الثمان، ثم ولي قضاء مصر، ثم قضاء العساكر الأناضولية، ثم تقاعد بمائة عثماني لاختلال عرض له برجله منعه من مباشرة المناصب، ثم ضم له في تقاعده خمسون درهما.
وكان عارفا بالعلوم العقلية والنقلية، وله ثروة بنى دارا للقراء بالقسطنطينية، ودارا للتعليم في قرية قوملة [3] ، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمود الطّنّيخي المصري [4] الشافعي الإمام العلّامة المجمع على جلالته، إمام جامع الغمري.
__________
[1] ذكره حاجي خليفة في «كشف الظنون» (2/ 1816) وسمّاه: «ملتقى البحرين في الجمع بين كلام الشيخين» ولكنه اضطرب في سنة وفاة مؤلّفه فذكر أولا أنها كانت سنة (670) ثم ذكر بأنها كانت سنة (929 هـ) ، والصواب أن وفاته كانت سنة (963 هـ) كما في كتابنا.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 43) و «الشقائق النعمانية» ص (289- 290) وقال عنه:
«المشتهر بالمعلول» .
[3] كذا في «آ» : قوملة» وفي «ط» : «قرملة» وفي «الشقائق النعمانية» : «قملة» وفي «الكواكب السائرة» : «قرمانة» وعلّق محققه بقوله: «كذا في الأصل» ، وفي «ج» : «قرمات» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 58) .(10/491)
أخذ عن الشيخ ناصر الدّين اللّقاني، والشّهاب الرّملي، والشمس الدواخلي، وأجازوه بالإفتاء والتدريس، وكان كريم النّفس، حافظا للسانه، مقبلا على شأنه، زاهدا، خاشعا، سريع الدمعة، لم يزاحم قطّ على شيء من وظائف الدنيا، رحمه الله تعالى.
وفيها المولى محمد بن محمود المغلوي الوفائي الحنفي [1] أحد الموالي الرّومية، المعروف بابن الشيخ محمود.
خدم المولى سيدي القرماني، وصار معيدا لدرسه، وتنقّل في المدارس، ثم اختار القضاء، فولي عدة من البلاد، ثم عاد إلى التدريس، حتّى صار مدرّسا بإحدى الثمان، ثم أعطي قضاء القسطنطينية، ثم تقاعد بمائة عثماني إلى أن مات.
وكان عارفا بالعلوم الشرعية والعربية، له إنشاء بالتركية، والعربية، والفارسية، يكتب أنواع الخطّ، وله تعليقات على بعض الكتب.
وكان له أدب ووقار، ولا يذكر أحدا إلّا بخير، رحمه الله تعالى.
وفيها قاضي القضاة جلال الدّين أبو البركات محمد بن يحيى بن يوسف الرّبعي التّادفي الحلبي الحنبلي ثم الحنفي [2] .
ولد في عاشر ربيع الأول سنة تسع وتسعين وثمانمائة، وأخذ عن أحمد بن عمر البارزي، وأجاز له، وعن الشمس السّفيري، والشمس بن الدّهن المقرئ بحلب، والشهابي بن النّجار الحنبلي بالقاهرة، وغيرهم، وبرع، ونظم، ونثر، وولي نيابة قضاء الحنابلة بحلب عن أبيه، وعمره ست عشرة سنة إلى آخر الدولة الجركسية، ثم لم يزل يتولى المناصب السّنية في الدولتين بحلب وحماة ودمشق، فإنه تولى بها نظر الجامع الأموي عن والده، ثم ضم إليه نظر الحرمين الشريفين، ثم سافر إلى القاهرة، فناب للحنابلة بمحكمة الصالحية النجمية، ثم بباب
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (287- 288) و «الكواكب السائرة» (2/ 58- 59) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 289- 298) و «الأعلام» (7/ 140) و «معجم المؤلفين» (12/ 112) .(10/492)
الشعرية، ثم ولي نظر وقف الأشراف بالقاهرة، ثم استقلّ بقضاء رشيد، ثم تولى قضاء المنزلة مرتين، ثم ولي قضاء حوران من أعمال دمشق، ثم عزل عنه سنة تسع وأربعين، فذهب إلى حماة، وألّف بها «قلائد الجواهر في مناقب الشيخ عبد القادر» وضمّنه أخبار رجال أثنوا عليه وجماعة ممن لهم انتساب إليه من القاطنين بحماة وغيرهم.
ومن شعره:
يا ربّ قد حال حالي ... والدّين أثقل ظهري
وقد تزايد ما بي ... والهمّ شتّت فكري
ولم أجد لي ملاذا ... سواك يكشف ضرّي
فلا تكلني لنفسي ... واشرح إلهي صدري
وعافني واعف عنّي ... وامنن بتيسير أمري
بباب عفوك ربّي ... أنخت أنيق فقري
فلا تردّ سؤالي ... واجبر بحقّك كسري
وتوفي بحلب.
قال ابن عمه ابن الحنبلي في «تاريخه» : ولم يعقّب ذكرا.
وفيها- تقريبا- يحيى بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن جلال الدّين الخجندي المدني الحنفي [1] قاضي الحنفية بالمدينة الشريفة وإمامهم بها بالمحراب الشريف النبوي.
كان عالما، عاملا، فاضلا، عالي الإسناد، معمّرا، ولي القضاء بغير سعي، ثم عزل عنه فلم يطلبه، ثم عزل عن الإمامة. وكان معه ربعها فصبر على لأواء المدينة، مع كثرة أولاده وعياله، ثم توجه إلى القاهرة، فعظّمه كافلها وعلماؤها،
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 2/ 559- 560) و «الكواكب السائرة» (2/ 258) .(10/493)
وأخرج له من حواليها شيئا، ثم عرض له بحيث يستغني عن القضاء، ثم قدم حلب في حدود سنة ثلاث وخمسين والسلطان سليمان بها، واجتمع به ابن الحنبلي وغيره من الأعيان.
قال ابن الحنبلي: وكنت قد اجتمعت به في المدينة عائدا من الحجّ وتبركت به. انتهى(10/494)
سنة أربع وستين وتسعمائة
فيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن علي المزجاجي الحنفي [1] الإمام العلّامة.
قال في «النور» : ولد سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وحفظ القرآن، وسمع الحديث على جماعة، منهم الشيخ عبد الرحمن [بن] الدّيبع، وكتب له الإجازة والأسانيد بخطّه، وتفقه بجماعة من الحنفية، وقرأ [2] في كتب الرقائق، وسمع على الشيخين الوليين الكاملين المحقّقين يحيى بن الصّديق النّور وبه تخرّج وانتفع، والشيخ أبي الضّياء وجيه الدّين العلوي، ولبس الخرقة من والده، ثم ألبسه مرة أخرى أخوه لأمه الشيخ إسماعيل المزجاجي، وأذن له في إلباسها.
وكان إماما، علّامة، محقّقا، عارفا، مدقّقا، بحرا من بحار الحقيقة والشريعة، مرشدا، مسلكا، بلغ من كل فضل الأمل، له اليد الطولى في كتب القوم، وتخرّج به جماعة، منهم ولده العلّامة المجتهد الحافظ شيخنا ومولانا أبو الحسن شمس الدّين علي، والشريف حاتم بن أحمد الأهدل، وخلائق لا تحصى.
وبالجملة، فقد كان فريد دهره، ونادرة عصره، ونسيج وحده، ولازم أبده [3] علما وعملا وإفادة وسيادة، وله كلام في الحقائق يشهد له بذلك.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (256- 259) .
[2] في «ط» : «وكتب» وما جاء في «آ» موافق لما في «النور السافر» مصدر المؤلف.
[3] في «آ» و «ط» : «يده» وما أثبته من «النور السافر» وفيه: «ولزيم أبده» .(10/495)
وكان علماء وقته يجلّونه غاية الإجلال، ويشهدون له بالتقدم على الأمثال.
وتوفي في جمادى الأولى بقرية الظاهر التي أنشأها جدّه الشيخ الصّديق بن عبد الله المزجاجي الصّوفي. انتهى وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي البصروي الحنفي [1]- خلاف أبيه وجدّه، فإنهما شافعيان- العالم ابن العالم ابن العالم.
قرأ على والده، والبدر الغزّي وغيرهما، وولي قضاء قارة [2] ، ثم الصّلت، وعجلون.
وتوفي في هذه السنة وتاريخ وفاته (قاضي أحمد) [3] .
وفيها عبد الرحمن بن رمضان القصّار [4] والده.
اشتغل في العلم على ابن الحنبلي، والجمال بن حسن ليه.
وكان صالحا، ديّنا، عفيفا، طارح التكلف، قانعا بأجرة أزرار كان يصنعها.
وكان له ذوق صوفي ومشرب صفي، حجّ وجاور ومرض، ثم شفي، وعاد إلى حلب ومات بها في شعبان. قاله في «الكواكب» .
وفيها عبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد بن موسى المغربي المكناسي المالكي [5] الإمام العالم الأديب، شيخ القراء بالمدينة المنورة.
كان فاضلا، علّامة، مفنّنا، شاعرا، صالحا، دمث الأخلاق، كثير التواضع،
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 100) .
[2] في «آ» و «ط» : «فارا» والتصحيح من «الكواكب السائرة» وهي بلدة كبيرة على الطريق بين دمشق وحمص، وقد سبق التعريف بها.
[3] وهو في حساب الجمّل سنة (964) .
[4] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 762- 763) وفيه «القصاب» مكان «القصار» و «الكواكب السائرة» (2/ 158) .
[5] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 800- 806) و «الكواكب السائرة» (2/ 169- 170) و «الأعلام» (4/ 22) و «معجم المؤلفين» (5/ 252) .(10/496)
له عدة منظومات في علوم شتّى، منها «منهج الوصول ومهيع السالك للأصول» في أصول الدّين، و «نظم جواهر السيوطي في علم التفسير» و «درر الأصول في أصول الفقه» و «نتائج الأنظار ونخبة الأفكار» في الجدل، و «نظم العقود في المعاني والبيان» و «تحفة الأحباب» في الصّرف، و «غنية الإعراب» في النحو، و «نزهة الألباب في الحساب» و «الدّر في المنطق» .
وقدم دمشق بعد أن زار بيت المقدس من جهة المدينة في سنة إحدى وخمسين، وأنشد:
قالوا دمشق جنّة زخرفت ... من كل ما تهوى نفوس البشر
أما ترى الأنهار من تحتها ... تجري فقلت مجاوبا: بل سقر
لأنها حفّت بما يشتهى [1] ... فهي إذا نار كما في الخبر
ودخل حلب، واستجاز بها الشمس السّفيري، والموفق بن أبي ذرّ.
ومن شعره أيضا:
ذوو المناصب إمّا أن يكون لهم ... نصب وإلّا فهم فيها ذوو نصب
فلا تعرّج عليها ما بقيت وكن ... بالله محتسبا في تركها تصب
لا سيما منصب القاضي فإنك إن ... تزغ عن الحقّ فيه كنت ذا عطب
فإن قضى الله يوما بالقضاء أخي ... عليك فاعدل ولكن لا إلى الذّهب
وتوفي بالمدينة المنورة، رحمه الله تعالى.
وفيها محيي الدّين عبد القادر بن حسن العجماوي الشافعي [2] العالم الفاضل.
أخذ عن علماء عصره، وبرع، ومهر، وأخذ عنه جماعات، منهم شيخ
__________
[1] في «آ» و «ط» : «بما تشتهي» وأثبت لفظ «الكواكب السائرة» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 175) .(10/497)
الإسلام بدر الدّين محمد بن حسن البيلوني، وأجازه في خامس عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وستين.
وتوفي في هذه السنة ظنّا.
وفيها محبّ الدّين محمد بن عبد الجليل بن أبي الخير محمد، المعروف بابن الزّرخوني المصري الأصل الدمشقي الشافعي [1] الإمام العلّامة الأستاذ ابن الأستاذ القواس.
قال في «الكواكب» : ولد سنة خمس وتسعين وثمانمائة، وطلب العلم على كبر، وحصّل عدة فنون، وكان من أخصاء الشيخ الوالد ومحبيه، وكان ينوب عنه في إمامة الجامع الأموي.
قال الوالد: ولزمني كثيرا، وقرأ عليّ ما لا يحصى كثرة. انتهى وفيها محمد بن عمر بن سوار الدمشقي العاتكي الشافعي [2] العبد الصّالح الورع، والد الشيخ عبد القادر بن سوار شيخ المحيا بدمشق.
أخذ الطريق عن الشيخ عبد الهادي الصفّوري.
وكان صوّاما، قواما، ينسج القطن، ويأكل من كسب يمينه، وما فضل من كسبه تصدّق به، وتعاهد الأرامل واليتامى.
قال في «الكواكب» : وأخبرني بعض جماعته قال: كان ربما سقى الشاش العشرة أذرع بكرة النهار ونسجه فيفرغ من نسجه وقت الغداء من ذلك اليوم، فيمد له في الزمان. انتهى
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 40) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 57) .(10/498)
سنة خمس وستين وتسعمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عثمان بن محمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن عثمان بن عمر بن محمد العمودي اليمني الشافعي [1] الإمام العلّامة الفقيه ابن الفقيه.
قال في «النور» : ولد بزبيد سنة خمس عشرة وتسعمائة تقريبا، واشتغل في العلوم، وبرع، وكان من كبار أهل العلم والفتيا والتدريس، مع الورع التّام، والزّهد العظيم، والإقبال على الطاعة، وكثرة العبادة، والسلوك على نهج السّلف الصّالح، ولزوم الخمول، وترك ما لا يعني، والإحسان الدائم إلى الفقراء والمحتاجين والطلبة.
وكان يعرف اسم الله الأعظم، وينفق من الغيب، وتعظّمه الأكابر.
من محفوظاته «الإرشاد» في الفقه.
وكانت تأتيه الفتاوى من البلاد البعيدة فيجيب عنها.
وتوفي يوم السبت حادي عشر المحرم بتعز، وبنيت على قبره قبّة عظيمة.
انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن ناصر الأعزازي الأصل الشافعي [2] إمام الثانية بجامع المهمندار.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (259- 260) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 115) .(10/499)
تفقه على البرهان العمادي كأبيه، وأشغل بعض الطلبة. قاله في «الكواكب» وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن العلاوي [1] .
قال في «الكواكب» : كان يعرف الفرائض والحساب، وكان يتولى القضاء في برّ الشام، فقتل في بعض القرى، وهو والد يوسف الشاعر. انتهى وفيها المولى نور الدّين حمزة الكرماني الرّومي الحنفي الصوفي [2] .
طلب العلم، ثم رغب في التصوف، وخدم العارف بالله تعالى سنبل سنان، ثم العارف بالله تعالى محمد بن بهاء الدّين، وصار له عنده القبول التام.
وكان خيّرا، ديّنا، قوّالا بالحقّ، مواظبا على آداب الشريعة، مراعيا لحقوق الإخوان.
توفي بالقسطنطينية، رحمه الله تعالى.
وفيها عبد الصّمد بن الصّالح المرشد محيي الدّين محمد العكّاري الحنفي [3] نزيل دمشق، الإمام العلّامة.
قال الشيخ يونس العيثاوي: كان رجلا، صالحا، وانتهت إليه الفتيا في مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وحصل له محنة من نائب دمشق سنان الطواشي، والقاضي السيد المعروف بشصلي أمير.
قال: وحصل الإنكار عليه بسكنه في المدرسة العادلية المقابلة للظّاهرية.
وكان له تدريس مدرسة القصّاعية، وحصل له ثروة.
وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان في الجامع الأموي.
__________
[1] لم أعثر على ترجمته في «الكواكب السائرة» المطبوع الذي بين يدي.
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (323) وفيه: «الكرمياني» و «الكواكب السائرة» (2/ 140) وفيه: «الكرمباني» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 177- 178) و «النعت الأكمل» ص (127- 128) .(10/500)
وكان والده يربّي الفقراء على طريقة حسنة.
وتوفي عبد الصّمد يوم الاثنين ثامن رجب.
وفيها كريم الدّين عبد الكريم بن إبراهيم بن مفلح الحنبلي [1] الشيخ الفاضل.
كان كاتبا في المحكمة الكبري بدمشق، ومات فجأة، فإنه بيّض أربعة أوراق مساطير، ثم خرج، فبينما هو في الطريق سقط لوجهه وحمل إلى منزله، فلما وضع مات، ودفن بالقلندرية بباب الصغير، وصبر والده واحتسب.
وفيها عبد الملك بن عبد الرحمن بن رمضان بن حسن الحلبي الشافعي [2] ، المعروف بابن القصّاب.
قال ابن الحنبلي: تفقه على والده، وجلس [3] بعده لشكاية الخواطر على حسب حاله، وحدّث على كرسي جامع دمرداش. انتهى وفيها محمد بن سويدان الحلبي الصّوفي [4] .
قال في «الكواكب» : كان شيخا، صالحا، منوّرا همذاني الخرقة، أدرك السيد عبد الله التّستري الهمذاني، وتلقّن منه الذكر، وذكر في حلقته كوالده الشيخ سويدان.
وتوفي عن نحو مائة سنة، رحمه الله تعالى. انتهى وفيها أبو الفتح محمد بن فتيان المقدسي الشافعي [5] الإمام العلّامة.
كان إمام الصخرة بالمسجد الأقصى أربعين سنة.
وتوفي في ربيع الآخر، رحمه الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 177) و «النعت الأكمل» ص (127- 128) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 859- 860) و «الكواكب السائرة» (2/ 184) .
[3] في «ط» : «وحبس» وهو خطأ.
[4] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 139- 141) و «الكواكب السائرة» (2/ 35) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 58) .(10/501)
وفيها أبو البقاء محمد البقاعي الحنفي [1] ، خطيب الجامع الأموي بدمشق، وكان خادم سيدي الشيخ أرسلان.
ميلاده يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة، سنة تسعين وثمانمائة.
وتوفي فجأة ليلة الخميس عاشر ذي القعدة. كذا بخطّ ابن صاحب «العنوان» .
__________
[1] ترجمته في «عنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران» للبقاعي وهو مخطوط لا يعرف مكان وجوده، وهو جدير بالتحقيق والنشر إن وجد لما فيه من الفوائد القيّمة.(10/502)
سنة ست وستين وتسعمائة
فيها توفي- تقريبا- برهان الدّين إبراهيم بن بخشي [1]- بالموحدة- ابن إبراهيم الحنفي، المشهور بدادة خليفة [2] مفتي حلب، قيل: كان في الأصل دباغا، فمنّ الله تعالى عليه بطلب العلم، حتّى صار من موالي الرّوم، وهو أول من درّس بمدرسة خضر باشا بحلب، وأول من أفتى بها من الأروام.
قال ابن الحنبلي: صحبناه، فإذا هو مفنّن ذو حفظ مفرط، ترجمه عبد الباقي العربي وهو قاضيها لأنه انفرد في المملكة الرّومية بذلك، مع غلبة الرطوبة على أهلها، واستيلاء النسيان عليهم بواسطتها.
قال: وذكر هو عن نفسه أنه كان بحيث لو توجّه إلى حفظ «التلويح» في شهر لحفظه إلّا أنه كان واظب على صوم داود عليه السلام ثمان سنوات، فاختلف دماغه، فقلّ حفظه، ولم يزل في حلب على جدّ في المطالعة وديانة في الفتوى، حتى ولي منصب الإفتاء بأزنيق [3] من بلاد الرّوم.
وكان يقول: لو أعطيت بقدر هذا البيت ياقوتا ما حلت عن الشرع شبرا.
وألّف رسالة في «تحريم اللّواط» وأخرى في «أقسام أموال بيت المال وأحكامها ومصارفها» وثالثة في «تحريم الحشيش والبنج» . انتهى
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 90- 93) و «الكواكب السائرة» (2/ 79) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «خيلفة» .
[3] قلت: وتعرف الآن ب «أزنيك» وقد ورد ذكرها في «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (118 و 124 و 150) طبع دار النفائس ببيروت.(10/503)
وفيها شهاب الدّين أحمد بن القاضي برهان الدّين إبراهيم الأخنائي الشافعي [1] أحد أصلاء دمشق.
كان قليل المخالطة، ملازما للأموي.
توفي يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول ودفن عند والده بالقرب من جامع جرّاح.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الأول القزويني، المشهور في دياره بالسعيدي [2] الإمام العلّامة المفنّن المحقّق.
سئل عن مولده فأخبر أنه ولد سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة، وأن له نسبا إلى سعيد بن زيد الأنصاري أحد العشرة [3] رضي الله تعالى عنهم [3] . وذكر أنه ختم القرآن وهو ابن ست سنين وأربعة أشهر وأربعة أيام، وأنه أخذ الفرائض عن أبيه، وأفتى فيها صغيرا سنة إحدى وتسعمائة.
وله مؤلفات، منها: «شرح ايساغوجي» ألّفه ببلاده، ثم دخل بلاد العرب، واستوطن دمشق، وحجّ منها، ثم سافر إلى حلب فأكرم مثواه دفتردارها إسكندر بيك، ثم سافر معه، وجمعه بالسلطان سليمان، وأعطي بالقسطنطينية تدريسا جليلا، وسافر مع السلطان إلى قتال الأعاجم، وعاد معه، وألّف هناك كتبا، منها: «حاشية على شرح فرائض السّراجي» للسيد، ناقش فيها ابن كمال باشا، ثم عاد إلى دمشق سنة أربع وستين، واشترى بيت ابن الفرفور، وعمره عمارة عظيمة، وجعل فيها حمّاما وبيوتا كثيرة، بالسقوف الحسنة، والأرائك العظيمة، وغرس أشجارا، ومات وأرباب الصنائع يشتغلون عنده في أنواع العمائر.
وتوفي ليلة الأحد رابع عشر شعبان، ودفن بباب الصغير بالقلندرية. قاله في «الكواكب»
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 101) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 274- 278) و «الكواكب السائرة» (2/ 110- 111) و «معجم المؤلفين» (1/ 259- 260) .
[3] ما بين الرقمين زيادة من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.(10/504)
وفيها بدر الدّين حسن بن يحيى بن المزلق الدمشقي الشافعي [1] العالم الواعظ.
قال الشيخ يونس العيثاوي: كان من أهل العلم والدّيانة، ولي تدريس الأتابكية بالصالحية، وتفقّه على الشيخ تقي الدّين القاري أي، وعلى الشيخ يونس العيثاوي، وأخذ عن القاضي زكريا، والتّقوي بن قاضي عجلون، والبدر الغزّي.
وتوفي يوم الأربعاء سادس عشري صفر، ودفن بتربة أهله خارج باب الجابية بدمشق في المحلّة المحروقة تجاه تربة باب الصغير، وخلّف كتبا كثيرة، اشتراها جدّ الشيخ إسماعيل النابلسي.
وفيها حسين چلبي [2] متولي تكية السلطان سليم خان بالصالحية بدمشق.
قال في «الكواكب» : شنق هو وسنان القرماني يوم الخميس رابع عشر شوال، صلبا معا بدار السعادة، وشاشاهما وعمامتاهما على رؤوسهما، وهما ذوا شيبتين نيرتين، رحمهما الله تعالى. انتهى وفيها سنان القرماني [3] نزيل دمشق.
قال في «الكواكب» : هو والد أحمد جلبي ناظر أوقاف الحرمين الآن بدمشق.
ولي نظارة البيمارستان، ثم نظارة الجامع الأموي، وانتقد عليه أنه باع بسط الجامع وحصره، وأنه خرّب مدرسة المالكية التي بقرب البيمارستان النوري وتعرف بالصّمصامية، وحصل به الضّرر بمدرسة النورية، فشنق بسبب هذه الأمور هو وحسين چلبي. انتهى ملخصا وفيها كريم الدّين عبد الكريم بن الشيخ الإمام قطب الدّين محمد بن عبادة الصالحي الحنبلي [4] الأصيل العريق الفاضل.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 136- 137) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 139) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 149) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 177) و «النعت الأكمل» ص (128) .(10/505)
قال في «الكواكب» : توفي في أواخر ذي القعدة عن بنتين ولم يعقّب ذكرا، وانقرضت به ذكور بني عبادة، ولهم جهات وأوقاف كثيرة. انتهى وفيها فاطمة بنت عبد القادر بن محمد بن عثمان، الشهيرة ببنت قريمزان [1] الشيخة الفاضلة الصالحة الحنفية الحلبية، شيخة الخانقين العادلية والدجاجية معا.
كان لها خطّ جيد، ونسخت كتبا كثيرة، وكان لها عبارة فصيحة وتعفّف وتقشف وملازمة للصلاة، حتّى في حال المرض.
ولدت في رابع محرم سنة ثمان وسبعين وثمانمائة، ثم تزوجها الشيخ كمال الدّين محمد بن مير جمال الدّين بن قلي درويش الأردبيلي الشافعي نزيل المدرسة الرواحية بحلب، الذي قيل: إن جدّه أول من شرح «المصباح» .
قالت وعن زوجي هذا أخذت العلم، وكان يقول: ملّكني الله تعالى ستة وثلاثين علما.
وتوفيت في هذه السنة وأوصت أن تدفن معها سجادتها.
قال ابن الحنبلي: وقد ظفرت بشهود جنازتها وحملها فيمن حمل، رحمها الله تعالى.
وفيها ناصر الدّين محمد بن سالم الطّبلاوي الشافعي [2] الإمام العلّامة أحد العلماء الأفراد بمصر.
أجاز العلّامة محمد البيلوني كتابة في مستهل جمادى الأولى سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة. قال: فيها تلقيت العلم عن أجلّة من المشايخ، منهم قاضي القضاة زكريا، وحافظو عصرهم الفخر بن عثمان الدّيمي، والسيوطي، والبرهان القلقشندي بسندهم المعروف، وبالإجازة العالية مشافهة عن الشيخ شهاب الدّين
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 21- 22) و «الكواكب السائرة» (2/ 238) و «الأعلام» (5/ 131) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 33) و «معجم المؤلفين» (10/ 17) .(10/506)
البيجوري شارح «جامع المختصرات» نزيل الثغر المحروس بدمياط بالإجازة العالية، عن شيخ القراء والمحدّثين محمد بن الجزري.
وقال الشعراوي: صحبته نحو خمسين سنة، فما رأيت في أقرانه أكثر عبادة لله تعالى منه، لا تكاد تراه إلّا في عبادة، وانتهت إليه الرئاسة في سائر العلوم بعد موت أقرانه، وكان مشهورا في مصر بكثرة رؤية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، وأقبل عليه الخلائق إقبالا كثيرا بسبب ذلك، فأشار عليه بعض الأولياء بإخفاء ذلك فأخفاه. قال: وليس في مصر الآن أحد يقرئ في سائر العلوم الشرعية وآلاتها إلّا هو، حفظا. وقد عدّوا ذلك من جملة إمامته، فإنه من المتبحرين في التفسير، والقراآت، والفقه، والنحو، والحديث، والأصول، والمعاني، والبيان، والحساب، والمنطق، والكلام، والتصوف، وما رأيت أحدا في مصر أحفظ لمنقولات هذه العلوم منه، وجمع على «البهجة» شرحين جمع فيهما ما في «شرح البهجة» لشيخ الإسلام وزاد عليها ما في «شرح الروض» وغيره.
وولي تدريس الخشابية وهي من أجلّ تدريس في مصر، وشهد له الخلائق بأنه أعلم من جميع أقرانه، وأكثرهم تواضعا، وأحسنهم خلقا، وأكرمهم نفسا، لا يكاد أحد يغضبه.
وتوفي بمصر عاشر جمادى الآخرة، ودفن في حوش الإمام الشافعي رضي الله عنه، وعمّر نحو مائة سنة.
وفيها شمس الدّين محمد الجعيدي الدمشقي الشافعي [1] رئيس دمشق في عمل الموالد.
كان من محاسن دمشق التي انفردت بها. قاله في «الكواكب» وفيها يونس بن يوسف الطّبيب [2] رئيس الأطباء بدمشق، الشيخ الفاضل، وهو والد الشيخ شرف الدّين الخطيب.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 74) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 263) .(10/507)
قال الشيخ يونس العيثاوي: كان ذكيا، فطنا، انتهت إليه رئاسة الطب بدمشق، وأقبلت عليه الدنيا. انتهى وأخذ عنه الطبّ ولده الشيخ شرف الدّين، والشيخ محمد الحجازي.
وتوفي يوم الاثنين رابع عشر شعبان أو خامس عشره
.(10/508)
سنة سبع ستين وتسعمائة
فيها- تقريبا- توفي أحمد بن محمود بن عبد الله الحنفي [1] أحد موالي الرّوم، المعروف بابن حامد، الإمام العلّامة. تنقّل في المدارس إلى أن ولي قضاء حلب، وأثنى على فضله ابن الحنبلي.
وله مؤلفات، منها: «شرح المفتاح» للسيد الجرجاني، وحاشية على كتاب «الهداية» في الفقه.
وفيها وجيه الدّين عبد الرحمن بن الشيخ عمر بن الشيخ أحمد بن عثمان بن محمد العمودي [2] الشافعي.
أخذ عن الحافظ شهاب الدّين بن حجر الهيتميّ، والشيخ أبي الحسن البكري، وغيرهما.
وتفقّه، وبرع، وكان إماما، وليا، قدوة، حجّة من الأولياء الصالحين والمشايخ العارفين، كثير العبادة والاجتهاد، عظيم الورع والزّهد والمثابرة على الأعمال الصّالحة، مع الاشتغال بالعلوم النافعة، والتواضع الزائد، والاستقامة العظيمة.
قال الشيخ عبد القادر الفاكهي فيه، حين ذكر أنه أخذ عن ابن حجر: أخذ عنه أخذ رواية، أخذ شيخ عن شيخ كما قيل في أخذ أحمد عن الشافعي، وأن جل الشيخ- يعني ابن حجر-.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 284- 286) و «الكواكب السائرة» (3/ 124) و «معجم المؤلفين» (2/ 172) .
[2] ترجمته في «معجم المؤلفين» (5/ 160) .(10/509)
ومن تصانيفه «حاشية على الإرشاد» وكان أراد محوها فمنعه ابن حجر من ذلك، ومنها: «النور المذرور» ولم يتزوج مدة عمره.
قال الفاكهي: ومناقبه أفردتها برسالة.
وجاور بمكة المشرفة سنين، ومات بها يوم الجمعة تاسع عشري رجب.
وفيها- تقريبا- مصلح الدّين محمد بن صلاح بن جلال الملتويّ الأنصاري السّعدي العبادي الشافعي [1] المشهور بمنلا مصلح الدّين اللاريّ، تلميذ أمير [2] غياث الدّين بن أمير صدر الدّين محمد الشيرازي.
قال ابن الحنبلي: قدم حلب سنة أربع وستين في تجارة، فأسفر عن علوم شتّى وتأليفات متنوعة، منها: «شرح الشمائل» و «شرح الأربعين النووية» و «شرح الإرشاد» في الفقه، و «شرح السراجية» وحاشية على بعض «البيضاوي» ، وحاشية على مواضع من «المطوّل» وأخرى على مواضع من «المواقف» وأخرى على «شرح الكافية» للجامي انتصر فيه لمحشّيه عبد الغفور اللّاري على محشّيه منلا عصام البخاري، وهي كثيرة الفوائد والزوائد، وغير ذلك.
قال: ولما دخل حلب دخلها في ملبس دنيء وهو يستفسر عن أحوال علمائها، ثم لبس المعتاد، وطاف بها ومعه بعض العبيد والخدم في أموال التجارة ولكن من غير تعاظم في نفسه ولا تكثّر في حدّ ذاته لما كان عنده من مشرب الصّوفية، واشتغل عليه بعض الطلبة واستفتاه بعض الناس هل اجتماع الدفّ والشبّابة في السماع مباح أم لا، فأجاب أن كلا منهما مباح، فاجتماعهما مباح أيضا، واستند إلى قول الغزّالي في «الإحياء» أن أفراد المباحات ومجموعها على السواء إلّا إذا تضمن المجموع محذورا لا يتضمنه الآحاد. قال: وقد وقع المنع من قبل أهل زماننا، وأفتى جدي بالجواز وصحّح فتواه أكابر العلماء من معاصريه ببلاد فارس، ثم نقل فتوى جدّه بطولها، ونقل قول البلقيني في تحريم النووي [3] الشبّابة
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 414- 418) و «معجم المؤلفين» (10/ 93) .
[2] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «مير» .
[3] لفظة «النووي» لم ترد في «آ» .(10/510)
لا يثبت تحريمها إلّا بدليل معتبر، ولم يقم النووي دليلا على ذلك، ثم نقل تصحيح الجلال الدّواني لفتوى جدّه، ثم كلام الدّواني في «شرح الهياكل» حيث قال: الإنسان يستعد بالحركات العبادية الوضعية الشرعية للشوارق القدسية، بل المحقّقون من أهل التجريد قد يشاهدون في أنفسهم طربا قدسيا مزعجا، فيتحركون بالرّقص والتّصفيق والدوران، ويستعدون بتلك الحركة لشروق أنوار أخر، إلى أن ينقص ذلك الحال عليهم بسبب من الأسباب كما يدل عليه تجارب السالكين، وذلك سرّ السماع وأصل الباعث للمتألهين على وضعه، حتى قال بعض أعيان هذه الطائفة: إنه قد ينفتح لهم في الأربعينيات.
قال ابن الحنبلي: وكان مصلح الدّين قد حكم قبل هذا النقل بإباحة الرّقص أيضا بشرط عدم التثني والتكسر في كلام مطول. قال: ثم إن مصلح الدّين رحل في تلك السنة إلى مكّة، فحجّ وجاور، ثم رجع من مكة إلى حلب فقطن بها، واستفتي، ثم توجه إلى الباب الشريف ومعه عرض من قاضي مكّة عتيق الوزير الأعظم، فخلع عليه خلعة ذات وجهين، وأهدى إليه مالا، وأعطاه من جوالي مصر أربعين درهما في كل يوم، فظهر لها مستحقون، فلم يتصرف بها، ثم عاد إلى حلب، ثم رحل منها إلى آمد. انتهى وفيها- ظنا- زين الدّين منصور بن عبد الرحمن الحريري الدمشقي الشافعي [1] الشهير بخطيب السّقيفة، الإمام العلّامة.
كان خطيبا بجامع السقيفة خارج باب توما سنين كثيرة، وكان خادم ضريح الشيخ أرسلان مدة طويلة، وكانت له يد طولى في علوم كالتفسير والعربية، وكان صوفيّ المشرب، رسلاني الطريقة. أخذ عن جماعة، منهم: البدر الغزي، وله أرجوزة في حفظ الصحة، ورسالة سمّاها ب «رسالة النصيحة في الطريقة الصحيحة» .
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 496- 498) و «الكواكب السائرة» (3/ 210- 215) و «معجم المؤلفين» (13/ 16) .(10/511)
قال ابن الحنبلي: تعانى الأدب، ونظم ونثر، وألّف مقامه حسنة غزلة سمّاها «لوعة الشاكي ودمعة الباكي» وشاع ذكره بحلّ «الزايرجة للسبتي» واتصل بسبب ذلك بالسلطان أبي يزيد خان، فأكرم مثواه، وبلّغه مناه، ثم عاد إلى وطنه ومأواه، ثم رحل [1] إلى حلب سنة خمس وستين، ثم ذكر كلاما يقتضي الطعن فيه.
ومن شعره:
يا صاحبيّ اهجرا الدّجى الوسنا ... لتخبرا في الورى عن بهجة وسنا
خذا [2] من الشّرع ميزانا [3] لفعلكما ... ولا تميلا إلى مستقبح وزنا
ومنه مقتبسا:
عاذلي ظنّ قبيحا ... مذ رأى عشقي ينم
ظنّ بي ما هو فيه ... إن بعض الظنّ إثم [4]
وله:
ظنّ بالناس جميلا ... واتبع الخيرات تسمو
واجتنب ظنّا قبيحا ... إن بعض الظنّ إثم [4]
وله:
إن عزت الصّهباء يا سيدي ... وكان في الحضرة عذب اللّمى
جعلت سكري ماء ريق له ... لا واخذ الله السّكارى بما
__________
[1] في «ط» : «ثم دخل» .
[2] في «ط» : «هذا» .
[3] في «ط» : «ميزان» .
[4] اقتباس من قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً من الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ 49: 12 [الحجرات: 12] .(10/512)
سنة ثمان وستين وتسعمائة
فيها كما قال في «النور» [1] : جاء جنكز خان إلى سرت، وأحرق دورها، وخرّبها، وسبى أهلها، واستأثر، وقتل صاحبها خداوند خان، قتل يوم الثلاثاء آخر ذي القعدة بجلنجان، وكان خداوند هذا أميرا، كبيرا، جليلا، رفيع المنزلة، حسن الأخلاق، جميل الصورة، طيّب السيرة، جوادا، سخيا محببا إلى الناس، محبّا لأهل الخير، مجمعا لأهل العلم، حسن العقيدة في الأولياء، عريق الرئاسة.
وكانت سرت في زمنه مأوى للأفاضل، ورثاه أبو السعادات الفاكهي بقصيدة طنّانة مطلعها:
الدّهر في يقظة والسّهو للبشر ... والموت يبدو ببطش البدو والحضر
والسّأم أصعب كأس أنت ذائقه ... قبل التّدثّر للأجساد بالحفر
انتهى.
وفيها توفي القطب العارف بالله تعالى أحمد بن الشيخ حسين بن الشيخ عبد الله العيدروس [2] .
قال في «النور» : كان من سادات مشايخ الطريقة المكاشفين بأنوار الحقيقة، جمع له بين كمال الخلق والخلق، وبسط المعرفة، وصحّة النّيّة، وصدق المعاملة، ومناقبه كثيرة وأحواله شهيرة.
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (268- 269) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (272- 273) .(10/513)
وتوفي في سابع جمادى الأولى بتريم، ورثاه والدي بمرثية عظيمة مطلعها:
تقضي فتمضي حكمها الأقدار ... والصّفو تحدث بعده الأكدار
انتهى.
وفيها المولى عصام الدّين أبو الخير أحمد بن مصلح الدّين، المشتهر بطاش كبري زاده [1] صاحب «الشقائق النعمانية» .
قال في «ذيل الشقائق» المذكورة المسمى ب «العقد المنظوم في ذكر أفاضل الرّوم» : كان من العلماء الأعيان، توفي وهو مدرّس بإحدى المدارس الثمان بعد ما كان قاضيا بحلب، وأخذ عن أبيه الحديث والتفسير، ثم قرأ على المولى سيدي محمد القوجوي، وصار ملازما له [2] ، ثم على المولى محمد الشهير بميرم جلبي، وكمّل عنده العلوم الرياضية، وقرأ على غير هؤلاء، ودرّس بعدة مدارس، ثم قلّد قضاء قسطنطينية، فأجرى الأحكام الدينية إلى أن رمد رمدا شديدا، انتهى إلى أن عميت كريمتاه، فكان مصداق ما جاء في الأثر «إذا جاء القضاء عمي البصر» [3] فاستعفى عن المنصب، واشتغل بتبييض بعض تآليفه، وكان بحرا، زاخرا، منصفا، مصنّفا، راضيا بالحقّ، عاريا عن المكابرة والعناد، وإذا أحسّ من أحد مكابرة أمسك عن التكلم.
وحكي عنه أنه أمسك لسان نفسه وقال: إن هذا فعل ما فعل من التقصير والزّلل، وصدر عنه ما صدر من الحق والغلط، غير أنه ما تكلم في طلب المناصب الدنيوية قطّ.
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (336- 340) و «الشقائق النعمانية» ص (325- 331) و «الأعلام» (1/ 257) و «معجم المؤلفين» (2/ 177) .
[2] في «ط» : «ملازما منه» .
[3] ذكره العجلوني في «كشف الخفاء» (1/ 107) بلفظ: «إذا نزل القضاء عمي البصر» وعزاه للحاكم من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما، وتكلم عليه ضمن كلامه عن حديث: «إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، سلب من ذوي العقول عقولهم، حتّى ينفذ فيهم قضاؤه وقدره» (1/ 81- 82) وانظر «الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة» للسيوطي ص (23) طبع مكتبة دار العروبة بالكويت.(10/514)
ومن مصنّفاته «المعالم في الكلام» و «حاشية على حاشية التجريد» للشريف الجرجاني من أول الكتاب إلى مباحث الماهية، جمع فيه مقالات المولى القوشي، والجلال الدّواني، ومير صدر الدّين، وخطيب زاده، وشرح القسم الثالث من «المفتاح» وكتاب «الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية» وقد جمعه بعد عماه، وهو أول من تصدى له. وكتاب ذكر فيه أنواع العلوم وضروبها وموضوعاتها وما اشتهر من المصنّفات في كل فنّ مع نبذ من تواريخ مصنّفيها [1] وهو كتاب نفيس غزير الفوائد، وجمع كتابا في التاريخ كبيرا واختصره، وله غير ذلك، وابتلى بمرض الباسور وبه توفي سنة ثمان وستين وتسعمائة. انتهى ما ذكره صاحب «ذيل الشقائق» باختصار.
وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن حسين بن علي بن أبي بكر بن علي الأسدي الحلبي الحنفي، المشهور بابن درم ونصف [2] الإمام العلّامة.
ولد في محرم سنة ست وثلاثين وتسعمائة، وحفظ القرآن العظيم، وتخرّج بعمّه أخي أبيه لأمه الشيخ عبد الله الأطعاني في معرفة الخطّ والقراءة، ثم لازم ابن الحنبلي أكثر من عشرين سنة في عدة فنون، كالعربية، والمنطق، وآداب البحث، والحكمة، والكلام، والأصول، والفرائض، والحديث، والتفسير، وأجازه إجازة حافلة في سنة سبع وستين.
وحجّ وجاور سنة، فأخذ فيها عن السيد قطب الدّين الصّفوي «المطول» وعاد إلى حلب، فلازم منلا أحمد القزويني في الكلام والتفسير، وتولى مدرسة الشهابية تجاه جامع الناصري بحلب، وطالع كتب القوم وتواريخ الناس، ونظم الشعر.
ومن شعره مقتبسا:
يا غزالا قد دهاني ... لم يكن لي منه [3] علم
لا تظنن ظنّ سوء ... إنّ بعض الظنّ إثم
__________
[1] وهو كتابه الهام «مفتاح السعادة ومصباح السيادة» وله أكثر من طبعة.
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 386- 396) .
[3] في «درّ الحبب» : «فيه» .(10/515)
وفيها القاضي أبو الجود محمد بن محمد بن محمد الأعزازي [1] .
قال في «الكواكب» : كتب بخطّه لنفسه ولغيره من الكتب المبسوطة ما يكاد يخرج عن طوق البشر، من ذلك خمس نسخ من «القاموس» وعدة نسخ من «الأنوار» وعدة نسخ من «شرح البهجة» و «شرح الروض» [2] وكتب «البخاري» وشرحه لابن حجر [2] في كتب أخرى لا تحصى كثرة.
وكتب نحو خمسين مصحفا. كل ذلك مع اشتغاله بالقضاء، ووقف نسخة من «البخاري» على طلبة اعزاز قبل وفاته. انتهى وفيها المولى محمود الإيديني [3] المعروف بخواجه قيني [4] .
قال في «العقد المنظوم» : كان أبوه من كبار قضاة القصبات، ثم طلب ابنه هذا العلم، وأكبّ حتّى صار ملازما، وتزوج المولى خير الدّين معلم السلطان بأخته، فعلت به كلمته، وارتفعت مرتبته، فقلّد مدارس عدة، ثم قلّد قضاء حلب، ثم قضاء مكة مرتين.
وكان حسن الخلق، بشوشا، حليما، لا يتأذى منه أحد، أدركته منيته بقصبة إسكدار. انتهى وفيها المولى يحيى بن نور الدّين الشهير بكوسج الأمين الحنفي [5] .
كان أبوه من الأمناء العثمانية، متوليا على الخراجات الخاصة، فاختار صاحب الترجمة طريق العلم على طريق آبائه، فاشتغل على أفاضل زمانه، حتى صار معيدا لدرس علاء الدّين الجمالي، وتميّز في خدمته، حتى زوّجه بابنته، ودرّس بعدة مدارس، ثم قلّد قضاء بغداد.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 178- 179) و «الكواكب السائرة» (3/ 12) .
[2] ما بين الرقمين لم يرد في «درّ الحبب» الذي بين يدي.
[3] في «ط» : «الايدني» وهو خطأ.
[4] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (341) .
[5] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (340) .(10/516)
وكان من أفاضل الرّوم، صاحب يد طولى في الحديث والتفسير والوعظ، بحيث لما بنى السلطان سليمان مدرسته بقسطنطينية وجعلها دار حديث أعطاها له لاشتهاره بعلم الحديث، وعيّن له كل يوم مائة درهم، ثم اتفق أنه اتهم [1] ببيع الإعادة والملازمة، وأخذ الرشى على إعطاء الحجرات، فغضب عليه السلطان وعزله، فاغتم لذلك غما شديدا، فلم يمض إلّا القليل حتّى توفي.
وكان لذيذ الصحبة، حلو المحاورة، خاليا عن الكبر والخيلاء، مختلطا بالمساكين والفقراء، إلا أن فيه خصلة سميه يحيى بن أكتم. قاله في «ذيل الشقائق» .
__________
[1] لفظة «اتهم» لم ترد في «آ» .(10/517)
سنة تسع وستين وتسعمائة
فيها توفي القاضي برهان الدّين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن مفلح الرّاميني الحنبلي [1] الإمام العلّامة.
ولد في رابع عشر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعمائة، وقرأ على والده وغيره، ودأب وحصّل، وباشر القضاء.
وتوفي ليلة الاثنين ثالث أو رابع عشري شعبان.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن ياسين الدّجاني الشافعي [2] الإمام العالم العامل العارف بالله تعالى، أحد أصحاب سيدي علي بن ميمون، وصاحب سيدي محمد بن عراق.
كان يحفظ القرآن العظيم، و «منهاج النووي» .
قال تلميذه يوسف الدّجاني الإربدي: كان الشيخ أحمد الدّجاني لا يعرف النحو، فبينما هو في خلوته بالأقصى إذ كوشف بروحانية النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، فقال له: «يا أحمد تعلّم النحو» . قال: فقلت له: يا رسول الله علّمني، فألقى عليّ شيئا من أصول العربية ثم انصرف. قال: فلما ولّى لحقته إلى باب الخلوة، فقلت الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، وضممت اللام من رسول، فعاد إليّ وقال في: «أما
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (25/ آ) و «الكواكب السائرة» (3/ 90- 91) و «النعت الأكمل» ص (128) و «السحب الوابلة» ص (29) و «مختصر طبقات الحنابلة» للشطّي ص (94- 95) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 120- 121) و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 330) .(10/518)
علّمتك النحو أن لا تلحن، قل: يا رسول الله بفتح اللام» قال فاشتغلت بالنحو، ففتح عليّ فيه.
دخل إلى [1] دمشق في أوائل سنة إحدى وخمسين وتسعمائة بسبب قضاء حوائج للناس عند نائب الشام، وكاتب الولايات، وخطب بجامع دمشق يوم الجمعة منتصف رجب وشكره الناس على خطبته، وزار الشيخ محيي الدّين بن عربي، وأقام الذكر عنده، وكان صالحا، قانتا، عابدا، خاشعا.
وتوفي ببيت المقدس في جمادى الأولى.
وفيها شاه علي جلبي ابن المرحوم قاسم بك [2] .
قال في «العقد المنظوم» : كان أبوه من الغلمان الذين يخدمون في دار السعادة العامرة في عهد السلطان محمد خان، ولما خرج منها صار متوليا لبعض العماير، ونشأ ابنه صاحب الترجمة في حجر أبيه، وسار نحو تحصيل العلوم الظاهرة وأسباب الفوز في الآخرة، فقرأ على عبد الرحمن بن علي بن المؤيد، حتّى حصّل طرفا صالحا، ثم تفرّغ للعبادة، وصحب رجال الطريقة، منهم الشيخ محمود النقشبندي، والشيخ جمال الدّين الخلوتي، ثم وزّع أوقاته بين العلم والعبادة والإفادة.
وكان عالما، عاملا، مثابرا على الطّاعة إلى أن توفي عن خمس وستين سنة.
انتهى.
وفيها مصلح الدّين بن شعبان المعروف بسروري الحنفي [3] الإمام العلّامة.
ولد بقصبة كليبولي، وكان أبوه تاجرا صاحب يسار، فبذل له مالا عظيما
__________
[1] لفظة «إلى» لم ترد في «ط» .
[2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (353- 354) .
[3] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (343- 345) و «الأعلام» (7/ 235) و «معجم المؤلفين» (12/ 256) .(10/519)
لطلب العلم، ودار به على الأعلام، فأخذ عن المولى القادري، وطاش كبري زاده، وغيرهما، وبرع، وأحرز فضائل جمّة، وقال الشعر اللطيف، فلقّب بسروري.
وكان فارسا في لغة فارس، وله مؤلفات عربية ورومية وفارسية، وتنقّل في المدارس، وأكبّ على الاشتغال والتصنيف. وكان بهيّ المنظر، حلو المخبر، تلوح عليه آثار الفوز والفلاح، جوادا، سمحا.
ومن مصنفاته «الحواشي الكبرى على تفسير البيضاوي» وأولها: الحمد لله الذي جعلني كشّاف القرآن، وصيّرني قاضيا بين الحقّ والبطلان. و «الحواشي الصغرى» عليه أيضا. وشرح قريبا من نصف «البخاري» و «حاشية على التلويح» و «حاشية على أوائل الهداية» وشروح لبعض المتون المختصرة، وغير ذلك.
وتوفي بمرض الهيضة عن اثنتين وسبعين سنة، ودفن عند مسجده بقصبة قاسم باشا.
وفيها أبو محمد معروف بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد اليمني [1] الشيخ الكبير القدوة، الشهير العارف بالله تعالى.
قال في «النور» : ولد بشبام [2] في ليلة الجمعة حادي عشر شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة.
وكان كبير الشأن، ذا كرامات ظاهرة، وآيات باهرة، أفرد مناقبه بعض الفضلاء بالتصنيف.
وكان ذا جاه عظيم، وقبول عند الخاص والعام، وكان سبب خروجه من بلده إلى دوعان أنه وشي به إلى السلطان بدر الكثيري بأشياء، منها فرط اعتقاد الناس فيه، وامتثالهم أوامره ونواهية، فأمر بنفيه من البلاد بعد الإشهار بإهانته، فنودي
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (273- 274) .
[2] شبام: جبل عظيم بصنعاء، به شجر وعيون، وشرب صنعاء منه. انظر خبره في «معجم ما استعجم» (2/ 778) و «مراصد الإطلاع» (2/ 779) .(10/520)
عليه: هذا معبودكم يا أهل شبام، وجعل في عنقه حبلا، وطيف به. ومن غريب الاتفاق أن السلطان أمر بعض أمرائه أن يتولى فعل ذلك، وكان ذلك الأمير من معتقدي الشيخ المذكور فتوقف لذلك، فأرسل إليه الشيخ أن افعل ما أمرت به وأنا ضمينك على الله بالجنّة فرضي الله عنه.
وتوفي ليلة السبت خامس عشر صفر بدوعان. انتهى(10/521)
سنة سبعين وتسعمائة
فيها كما قال في «النور» [1] : كان في ثاني يوم من شوال السيل العظيم الهائل بحضرموت الذي لم يسمع بمثله، أخرب كثيرا من تلك الجهة، وأتلف كثيرا من النخيل، وهم يذكرونه ويؤرخون به، وهو المسمى عندهم سيل الإكليل، وقد ضمن تاريخه صاحبنا الفاضل الفقيه عبد الله بن أحمد بن فلاح الحضرمي، فقال:
سيل بوادي حضرموت أذاه عم ... في سنوء [2] إكليل النّجوم لقد نسم
وضعوا له «تاريخ» ناسب جوره ... يلقاه من يطلبه في أحرف (ظلم) [3]
وفيها توفي المولى أحمد أفندي بن المفتي أبي السعود [4] .
قال في «ذيل الشقائق» : كان من الأفاضل الأماثل، ظهرت عليه النجابة من صغره، ودأب في الطلب، فاشتغل على أبيه، حتى صار معيد درسه، واشتغل أيضا على طاش كبري زاده، وبرع في عدة فنون، وتنقّل في المدارس إلى أن صار مدرّسا بإحدى الثمان، ثم صحب بعض الأراذل، فرغبه في أكل بعض المعاجين، فلما أدام أكله تغيّر مزاجه، وآل به الأمر إلى أن توفي في جمادى الأولى وما بلغ ثلاثين سنة.
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (274) .
[2] في «آ» و «ط» : «في نوء» وما أثبته من «النور السافر» مصدر المؤلف.
[3] حسابها في الجمّل (970) .
[4] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (354- 356) .(10/522)
وفيها خليل بن أحمد بن خليل بن أحمد بن شجاع الحمصي [1] الحلبي المولد والمنشأ الشافعي، المشهور بابن النّقيب، الإمام العالم.
توفي في هذه السنة أو التي قبلها كما قاله في «الكواكب» .
وفيها الشيخ زين الدّين بن إبراهيم بن محمد بن محمد الشهير بابن نجيم الحنفي [2] الإمام العلّامة.
قال ولده الشيخ أحمد: هو الإمام العلّامة، البحر الفهامة، وحيد دهره، وفريد عصره، كان عمدة العلماء العاملين، وقدوة الفضلاء الماهرين، وختام المحقّقين والمفتين.
أخذ عن العلّامة قاسم بن قطلوبغا، والبرهان الكركي، والأمين بن عبد العال، وغيرهم. وألّف رسائل وحوادث ووقائع في فقه الحنفية من ابتداء أمره يحتاج إليها في زماننا، وشرح «الكنز» وسماه ب «البحر الرائق شرح كنز الدقائق» وصل إلى آخر كتاب الإجارة، وكتاب «الأشباه والنظائر» [3] وكتاب «شرح المنار» في الأصول، وكتاب «لب الأصول مختصر [4] تحرير الأصول» لابن الهمام، وكتاب [4] «الفوائد الزّينية في فقه الحنفية» وصل فيها إلى ألف قاعدة وأكثر، و «تعليق على الهداية» و «حاشية على جامع الفصولين» وغير ذلك.
وتوفي صبيحة يوم الأربعاء من رجب. انتهى ملخصا، أي وتأخرت وفاة أخيه الشيخ عمر إلى بعد الألف.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 590- 594) و «الكواكب السائرة» (3/ 148- 149) و «الأعلام» (2/ 314) و «معجم المؤلفين» (4/ 111) .
[2] ترجمته في «الطبقات السّنية» (3/ 275- 276) و «الكواكب السائرة» (3/ 154) و «معجم المؤلفين» (4/ 192) .
[3] طبع في مصر عدة مرات أفضلها التي صدرت بعناية وتعليق الأستاذ عبد العزيز محمد الوكيل سنة (1387) هـ. ثم طبع بدار الفكر بدمشق بعناية وتعليق الأستاذ محمد مطيع الحافظ.
[4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .(10/523)
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله عبد البرّ بن قاضي القضاة الحنابلة بدمشق زين الدّين عمر بن مفلح [1] الحنبلي.
ميلاده يوم الاثنين ثالث ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، كذا في «العنوان» .
وتوفي ثالث عشري جمادى الأولى كذا بخط ابن صاحب «العنوان» .
__________
[1] ترجمته في «النعت الأكمل» ص (132) .(10/524)
سنة إحدى وسبعين وتسعمائة
فيها كان سيل عظيم بمكّة المشرّفة بل سيول، فدخل السّيل الحرم الشريف، وعلا على الركن اليماني ذراعا، فقال مؤرّخا لذلك الأديب صلاح الدّين القرشي:
يا سائلي تاريخ سيل طمى ... علا على الرّكن اليماني ذرا
وفيها توفي، تقريبا إن لم يكن تحديدا، برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم التّسيلي- بفتح المثناة الفوقية وبالمهملة وبعد المثناة التحتية لام- الصّالحي الشافعي [1] الإمام العالم المحدّث المسند العارف بالله تعالى.
أخذ عن الإمام محمد بن علي الحنفي الصّالحي الإمام، وسمع منه [2] ومن غيره [3] من الأعلام ما لا يحصى، ودأب وحصّل، وشاع ذكره، وبعد صيته بعلو الإسناد، وأخذ عنه الأعيان، منهم شيخ شيوخنا الشيخ إبراهيم بن الأحدب، وأثنى عليه بالعلم، ووصفه بالتصوف والولاية.
وبالجملة فقد كان آية من آيات الله تعالى، علما، وعملا، وزهدا، وورعا، وعلو سند، رحمه الله تعالى.
وفيها- تقريبا- شهاب الدّين أحمد بن أحمد بن حمزة الرّملي الأنصاري الشافعي [4] ، الإمام العالم العلّامة، شيخ الإسلام، تلميذ القاضي زكريا.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 86) .
[2] في «ط» : «منهم» .
[3] في «آ» و «ط» : «ومن غيرهم» وما أثبته يقتضيه السياق.
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 119- 120) و «الأعلام» (1/ 120) و «معجم المؤلفين» (1/ 147- 148) .(10/525)
أخذ الفقه عنه، وعن طبقته، وكان من رفقاء البدر الغزّي، وأخذ عنه النور الزيّادي، والنور الحلبي [1] وأضرابهما، وأقرأ وأفتى، وخرّج وصنّف، ومن مصنّفاته «شرح الزبد لابن أرسلان» و «شرح منظومة البيضاوي» في النكاح، ورسالة في شروط الإمامة، و «شرح شروط الوضوء» وغير ذلك. قاله ولده. وقال: توفي في بضع وسبعين وتسعمائة.
وفيها حسين بن علي الحصكفي الشافعي [2] الإمام العالم.
قال في «الكواكب» : مولده سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، ونظم «تصريف العزّي» وهو ابن أربع عشرة سنة، وقرّظ له عليه شيخ الإسلام الوالد. انتهى وفيها المولى عبد الباقي بن المولى علاء الدّين العربي الحلبي الحنفي [3] اشتغل بطلب العلوم، حتى وصل إلى مجلس المفتي علاء الدّين الجمالي، وصار ملازما منه، ثم تنقّلت به الأحوال إلى أن ولي قضاء حلب، ثم قضاء مكّة، ثم قضاء بروسة، ثم قضاء القاهرة، ثم قضاء مكة ثانيا.
وكان من أعلام العلماء، صاحب يد في العلوم، وربى أكابر من أعيان الرّوم.
وكان كثير العناية بالدرس، وجمع الأماثل، صاحب اشتهار كثير، حتى قيل لم يبلغ أحمد مبلغه في الاشتهار والظهور.
وكان يلقي مدة إقامته سبعة دروس أو ثمانية، لكنه كان في غاية الحرص على حبّ الرئاسة والجاه، وقد بذل في تحصيل قضاء العسكر أموالا عظيمة، منها أنه كان بنى زمن قضائه ببرسا حمّاما عاليا على ماء جار من غرائب الدنيا يحصّل منه مال عظيم في كل سنة، فوهبه للوزير رستم باشا فلم يثمر له بثمرة.
وتوفي بحلب في الطاعون ولم يعقب. قاله في «ذيل الشقائق» .
__________
[1] كذا في «ط» و «المنتخب» لابن شقدة بنسختيه: «والنور الحلبي» وفي «آ» : «والبرهان الحلبي» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 143- 145) .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 739- 743) و «العقد المنظوم» ص (360- 362) .(10/526)
وفيها المولى عبد الرحمن بن جمال الدّين الحنفي، الشهير بشيخ زاده [1] الإمام العلّامة.
قال في «العقد المنظوم» : ولد بقصبة مرزيقون [2] ، وطلب العلم، وخدم العلماء، كالمولى حافظ العجمي، والمولى محمد القراباغي [3] ، وحصّل طرفا من العلم، ثم اتصل بخدمة عرب جلبي، فأخذ عنه، وأقام على قدم الإقدام، واهتم في تحصيل المعارف، فمهر في العلوم العربية، والفنون الأدبية، وتميّز في الحديث والتفسير والوعظ، ثم ولي مدرسة دار الحديث بقصبة أبي أيوب الأنصاري، وخطابة جامع قاسم باشا.
وكان حسن النغم، طيب الألحان. ومن جملة من يتغنى بالقرآن، ثم عيّن له وظائف الوعظ والتذكير في عدة جوامع، وتميّز على أقرانه.
وكان من جلّة العلماء وأكابر الفضلاء، ويكفيه من الفخر ما كتب له به أبو السعود أفندي المفتي في صورة إجازته، وهو هذا: اللهم ربّ الأرباب، مالك الرّقاب، منزل الكتاب، محقّ الحقّ وملهم الصواب، صلّ وسلم على أفضل من أوتي الحكمة وفصل الخطاب، وعلى آله الأوتاد وصحبه الأقطاب، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهّاب. وبعد: فلما توسمت في رافع هاتيك الأرقام زين العلماء الأعلام الألمعي الفطن اللّبيب، واللّوذعي اللّقن الأريب، ذي الطبع الوقّاد، والذّهن القوي النقّاد، العاطف لأعنّة عزائمه إلى ابتغاء مرضاة الله تعالى من غير عاطف يثنيه، والصارف لأزمة مراده نحو تحصيل زلفاه بلا صارف يلويه، الساعي في تكميل النفس بالكمالات العلية بحسب قوتيه النظرية والعملية، سليل المشايخ الأخيار، نجل العلماء الأبرار، مولانا الشيخ عبد الرحمن بن قدوة العارفين الشيخ جمال الدّين وفقه الله تعالى لما يحبه ويرضاه، وأتاح له في أولاه وأخراه ما هو أولاه وأحراه، دلائل نبل ظاهر في الفنون، ومخائل فضل باهر في
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (362- 364) .
[2] في «ط» : «من زيقون» وهو من التحريف الطباعي.
[3] في «ط» : «القراماني» وهو تحريف.(10/527)
معرفة الكتاب المكنون، أجزت له في مطالعة الكتب الفاخرة واقتناص العلوم الزاخرة [1] التي ألّفها أساطين أئمة التفسير من كل وجيز وبسيط، وصنّفها سلاطين أسرة التقرير من كل شامل ومحيط، واستخراج ما في بطونها [2] من الفوائد البارعة، واستنباط ما في تضاعيفها من الفوائد [3] الرائعة، وسوغت له إفادتها للمقتبسين من أنوارها [الرائقة] تفسيرا وتقريرا، وإفاضتها على المغتنمين من مغانم آثارها عظة وتذكيرا، على ما نظمه بنان البيان في سمط السطور، ورقمه يراعة البراعة في طي رقها المنشور، حسبما [4] أجاز لي شيخي ووالدي المرحوم بحر المعارف ولجة العلوم، صاحب النفس المطمئنة القدسية، محرز الملكات الإنسية، المنسلخ من النعوت الناسوتية، الفاني في أحكام الشئون اللاهوتية، العارف لأطوار خطرات النفس، الواقف على أسرار الحضرات الخمس، مالك زمام الهداية والإرشاد، حجّة الخلق على كافة العباد، محيي الحقيقة والشريعة [5] والدّين محمد بن مصطفى العمادي، المجاز له من قبل مشايخه الكبار، لا سيما أستاذه الجليل المقدار، الجميل الآثار، الحبر السّامي والبحر الطامي، الصّنديد الفريد والنحرير المجيد، عمّ والدي علاء الملّة والدّين، المولى الشهير بعلي القوشجي، صاحب «الشرح الجديد للتجريد» وأستاذي العلّامة العظيم الشأن والفهامة الجلي العنوان الإمام الهمام السميدع القمقام، نسيج وحده ووحيد عهده، عبقري لا يوجد له مثال، أو حدي تضرب بمآثره الأمثال، المولى البارع الأمجد أبو المعالي عبد الرحمن بن علي المؤيد [6] المجاز له من قبل أستاذه المشهور جلالة قدره فيما بين الجمهور، المعروف فضائله لدى القاصي والداني، جلال الملّة والدّين محمد بن أسعد الدواني، المجاز له من قبل أساتذته [7] العظام، الذين من زمرتهم
__________
[1] في «آ» و «ط» : «واختياض المعالم الزاخرة» وما أثبته من «العقد المنظوم» مصدر المؤلف.
[2] في «آ» : «ما في مطلوبها» وفي «العقد المنظوم» : «ما في مطاويها» .
[3] في «العقد المنظوم» : «من الفرائد» .
[4] في «آ» و «ط» : «حيثما» والتصحيح من «العقد المنظوم» .
[5] في «العقد المنظوم» : «محيي الشريعة والحقيقة» .
[6] كذا في «آ» و «العقد المنظوم» وفي «ط» : «علي بن المؤيد» .
[7] في «آ» : «أساتذة» .(10/528)
والده العلي القدر سعد الملّة والدّين أسعد الصّدّيقي، المجاز له من قبل مشايخه الفهام، لا سيما أستاذه علّامة العالم مسلم الفضل بين جماهير الأمم، الغني عن التعريف على الإطلاق، المشتهر بلقبه الشريف في أكناف الآفاق، زين الملّة والدّين علي المحقق الجرجاني، وأستاذي الماجد الخطير النّقاب المحدّث النحرير، ذو القدر الأتم والفخر الأتم أبو الفضائل سيدي محمد بن محمد، المجاز له من قبل أستاذه الفاضل وشيخه الكامل، ذو النسب السّامي والفضل العصامي، المولى الشهير بحسن جلبي، محشّي «شرح المواقف» و «التلويح» و «المطول» المجاز له من جهة شيخه الأجل وأستاذه الشامخ المحل وحيد عصره وأوانه، وفريد دهره وزمانه، علاء المجد والدّين، المشهور بالمولى على الطوسي، صاحب كتاب «الذخر» وغيره، والله سبحانه أسأل مكبا على وجه الذل والمهانة ساجدا على جبهة الضراعة والاستكانة أن يفيض عليهم سجال عفوه وغفرانه، وشآبيب رحمته ورضوانه، ويهدينا سبل الهدى ومناهج الرشاد، ويقينا مصارع السوء يوم التناد، إنه رؤوف بالعباد. كتبه العبد الفقير إلى الله سبحانه [1] ، الراجي من جنابه عفوه وغفرانه، أبو السعود الفقير، عفى عنه.
وتوفي شيخ زاده في هذه السنة. انتهى وفيها بدر الدّين حسين بن السيد كمال الدّين محمد بن السيد عزّ الدّين حمزة بن السيد شهاب الدّين أحمد بن علي بن محمد السيد الشريف الحسيني الشافعي الدمشقي [2] .
ولد سنة ست وعشرين وتسعمائة، وأخذ عن والده وغيره، وكان مدرّسا في الشامية الجوانية والجامع الأموي، وفيه انحصر نسب هذا البيت من الذكور، وكانت وفاته بعد صلاة الجمعة سابع عشر [3] ذي القعدة، ودفن بتربة والده بالقرب من سيدي بلال الحبشي.
__________
[1] في «آ» : «إليه سبحانه» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 143) .
[3] في «ط» : «سابع عشري» .(10/529)
وفيها السيد وجيه الدّين عبد الرحمن بن حسين بن الصّدّيق الأهدل اليمني الشافعي [1] .
قال في «النور» : ولد سنة إحدى وتسعين وثمانمائة بمدينة زبيد، ونشأ بها، وقرأ القرآن، وصحب جماعة من المشايخ، ونصّبه الشيخ المعروف بابن إسماعيل الجبرتي شيخا وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وظهرت عليه آثار بركة المشايخ الصالحين، وفتح عليه فتوح العارفين، حتى لحق من قبله، وساد أهله، وتضاءلت عليه [2] المشايخ الأكابر، وشهدت له بالتقدم على الأوائل والأواخر، فأصبح فريد دهره ووحيد عصره، منقطع النّظير، متصلا بجدّه بالأثير، كثرت أتباعه وأصحابه من المشايخ والعلماء والقضاة والأمراء والوزراء والأغنياء والفقراء.
وكان كثير الإنفاق، ميسرة عليه الأرزاق، ما قصده سائل فخاب، ولا أمه وافد إلا ورجع بزلفى وحسن مآب، وهو مع ذلك على قدم التوكل والفتح الرّباني، وكان مشاركا في كثير من العلوم، وجمع كتبا كثيرة في فنون شتّى.
وكان إذا خرج من بيته تزدحم عليه الناس تلتمس بركته.
ومن كراماته أنه جاءه مريض قد عظم بطنه [3] من الاستسقاء فقرب إليه طعاما وأمره أن يأكله جميعه ففعل ما أمره فزال عنه ذلك المرض في الحال [4] .
وكراماته لا تنحصر.
وتوفي بزبيد في جمادى الأولى وقبره بها مشهور مزور، وعليه قبة حسنة.
انتهى.
وفيها علاء الدّين علي بن إسماعيل بن موسى بن علي بن حسن بن
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (275- 276) .
[2] في «آ» : «له» وما أثبته من «النور السافر» وقد سقطت اللفظة من «ط» .
[3] لفظة «بطنه» سقطت من «ط» .
[4] في «النور السافر» : «فحسب إن فعل ما أمره زال عنه ذلك المرض في الحال» .(10/530)
محمد الدمشقي الشافعي [1] الشهير بابن عماد الدّين، وبابن الوس- بكسر الواو وتشديد السين المهملة- الإمام العلّامة.
كان أبوه سمسارا في القماش بسوق جقمق، وولد صاحب الترجمة ليلة السبت خامس عشري رجب سنة سبع عشرة وتسعمائة، ولازم في الفقه الشيخ تقي الدّين القاري وغيره، وأخذ الحديث عن جماعات، منهم الشّهاب الحمصي ثم الدمشقي، والبرهان البقاعي، وأخذ العربية عن الشمس ابن طولون، والكمال ابن شقير، والأصول عن المولى أمير جان التبريزي حين قدم دمشق، والكلام والحكمة عن منلا حبيب الله الأصفهاني، والعربية أيضا والتفسير عن الشيخ مغوش المغربي، وأخذ عن خلائق، وحجّ، وقرأ على قاضي مكّة ابن أبي كثير، وولي نيابة القضاء بمحكمة الميدان، ثم نيابة الباب مدة طويلة، وأقامه بعض قضاة القضاة مقامه، وسافر إلى الرّوم، فعجب علماء الرّوم من فطانته وفضيلته، مع قصر قامته وصغر جثّته، وسموه كجك [2] علاء الدّين، وكانوا يضربون المثل به، وأعطي ثم تدريس دار الحديث الأشرفية بثلاثين عثمانيا.
قال ابن طولون: وهو درس متجدد لم يكن بالدار المذكورة سوى مشيخة الحديث، ثم أعرض عن نيابة القضاء، وأقبل على التدريس، وغلبت عليه المعقولات، وعمل حواشي على «شرح الألفية» لابن المصنّف.
وكان يقرئ، ويدرّس، ويفتي.
وكان يحفظ القرآن العظيم ويكثر تلاوته، وانتفع به كثيرون، منهم الشيخ إسماعيل النابلسي، والشيخ عماد الدّين، والشمس بن المنقار، والمنلا أسد، وغيرهم.
ومن شعره:
لولا ثلاث هنّ لي بغية ... ما كنت أرضى أنني أذكر
عزّ رفيع وتقى زائد ... والعلم عني في الملا ينشر
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 182- 186) و «معجم المؤلفين» (7/ 37) .
[2] في «ط» : «جك» وهو خطأ.(10/531)
ومنه:
قل لأبي الفتح إذا جئته ... قول عجول غير مستأن
أدرك بني البرش على برشهم ... قد منعوا من قهوة البن
وتوفي بدمشق بعد ظهر يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الآخر، وحضر جنازته قنالي زاده.
وفيها غرس الدّين جلبي بن إبراهيم بن أحمد الحنفي [1] الإمام العلّامة.
نشأ بمدينة حلب، وطلب العلم، وجد واجتهد، فبلغ ما قصد، وقرأ بحلب على الشيخ حسن السيوفي، ثم ارتحل ماشيا إلى دمشق، وأخذ فيها الطب عن ابن المكي، وانتقل إلى القاهرة ماشيا أيضا، فاشتغل بها على ابن عبد الغفّار، أخذ عنه الحكميات والرياضيات والعلوم العقلية، وأخذ علوم الدّين عن القاضي زكريا، وفاق أقرانه، وسار بذكره الركبان، ورفع منزلته الملك الغوري، ولما وقع بينه وبين سلطان الرّوم حضر الوقعة مع الجراكسة، إلى أن استولى السلطان سليم على الدّيار المصرية، وتم الأمر جيء بابن الغوري، وصاحب الترجمة أسيرين فعفا عنهما، وصحبهما إلى قسطنطينية فاستوطنها المترجم، وشرع في إشاعة معارفه، حتّى اشتغل عليه كثير من ساداتها.
وكان رأسا في جميع العلوم خصوصا الرياضيات، صاحب فنون غريبة.
وكان مشهورا بالبخل في التعليم، ولم يقبل مدة عمره وظيفة.
وكان يلبس لباسا خشنا وعمامة صغيرة، ويقنع بالنّزر من القوت، ويكتسب بالتطبب.
ومن مصنفاته «التذكرة في علم الحساب» و «متن» و «شرح» في الفرائض، و «حاشية على فلكيات شرح المواقف» و «حاشية على الجامي» إلى آخر
__________
[1] مختلف في اسمه بين المصادر، وقد ترجم له صاحب «العقد المنظوم» ص (357- 360) و «درّ الحبب» (1/ 1/ 590- 594) و «إعلام النبلاء» (6/ 57- 62) .(10/532)
المرفوعات، و «حاشية على شرح النّفيسي للموجز في الطب» و «شرح جزءين من تفسير القاضي البيضاوي» وكتاب في علم الزايرجة، و «شرح القصيدة الميمية» للمفتي أبي السعود، وأتي به إليه فعانقه، وأكرمه غاية الإكرام، ولما نظر إلى ما كتبه استحسنه وأعطاه جائزة سنية.
وفيها المولى محمد بن المفتي أبي السعود [1] .
ربّي في حجر والده، وأخذ عنه العلوم، حتى برع فيها، واستدل بطيب الأصل على طيب الثمر، ثم أخذ عن المولى محيي الدّين الفناري، ثم تنقّل في المدارس، إلى أن قلّد قضاء دمشق، فحسنت سيرته، ثم قضاء حلب، ثم بعد مضي سنة انتقل إلى رحمة الله تعالى في حياة أبيه وما أناف [2] عمره على أربعين سنة.
وفيها رضي الدّين أو عبد الله محمد بن إبراهيم بن يوسف بن عبد الرحمن، المعروف بابن الحنبلي الحنفي الحلبي [3] الإمام العلّامة المؤرّخ.
أخذ عن الخناجري، والبرهان الحلبي، وعن أبيه وآخرين، وقد استوفى مشايخه في «تاريخه» [4] وحجّ سنة أربع وخمسين وتسعمائة، ودخل دمشق، وانتفع به جماعة من الأفاضل بدمشق، كشيخ الإسلام محمود البيلوني، والشمس بن المنقار، وأخذ عنه جماعات، منهم العلّامة أحمد بن المنلا، والقاضي محبّ الدّين.
وكان إماما، بارعا، مفنّنا، مسندا، مصنّفا، وله مؤلفات في عدة فنون، منها «حاشية على شرح تصريف العزّي» للتفتازاني، و «شرح على النزهة في الحساب»
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (364- 366) .
[2] في «ط» : «وما ناف» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 42- 43) و «إعلام النبلاء» (6/ 62- 72) و «الأعلام» (5/ 302- 303) و «معجم المؤلفين» (8/ 223- 224) .
[4] المعروف ب «درّ الحبب في تاريخ أعيان حلب» وقد طبع في وزارة الثقافة بدمشق بين عامي 1972- 1974 بتحقيق الأستاذين محمود الفاخوري ويحيى عبارة، وهي طبعة جيدة متقنة نافعة.(10/533)
و «الكنز المظهر في حلّ المضمر» و «مخايل الملاحة في مسائل المساحة» و «شرح المقلتين في مساحة القلّتين» و «كنز من حاجي وعمّى في الأحاجي والمعمّى» و «درّ الحبب في تاريخ حلب» .
ونظم الشعر فمنه قوله مضمنا:
بالله إن نشوات شمطاء الهوى ... نشأت فكن للناس أعظم ناس
متغزّلا في هالك بجماله ... بل فاتك بقوامه المياس
واشرب مدامة حب حب وجهه ... كاس ودع نشوات خمر الطّاس
وإذا شربت [1] من المدام وشربها ... فاجعل حديثك كلّه في الكاس
وله:
يا من لمضطرم الأوا ... م حديثه المروي ري
أروي شمائلك العظا ... م لرفقة حضروا لدي
عليّ أنال شفاعة ... تسدى لدى العقبى إلى
وإذا شفعت لذنبه ... ولأنت لم تنعت بلي
حاشا شمائلك اللطي ... فة أن ترى عونا علي
وتوفي يوم الأربعاء [2] ثالث عشر [2] جمادى الأولى، ودفن بمقابر الصالحين بالقرب من قبر الشيخ الزاهد محمد الخاتوني بين قبريهما نحو عشرة أذرع.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن أبي اللطف الحصكفي الأصل المقدسي الشافعي [3] الإمام العلّامة، عالم بلاد القدس الشريف، وابن عالمها، وأخذ الخطباء بالمسجد الأقصى.
__________
[1] في «إعلام النبلاء» : «وإذا جلست» .
[2] ما بين الرقمين من «إعلام النبلاء» وفي «الكواكب السائرة» : «خامس ... » وانظر تعليق محققة.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 10- 11) .(10/534)
كان كأبيه وجدّه علّامة، فهّامة، جليل القدر، رفيع المحلّ، شامل البرّ للخاصة والعامة، كثير السّخاء، وافر الحرمة، ديّنا، صالحا، ماهرا في الفقه وغيره. تفقه على والده، ورحل إلى مصر، فأخذ عن علمائها، كالقاضي زكريا، والنّور المحلّي، ودخل دمشق بعد موت عمّه الشيخ أبي الفضل لاستيفاء ميراثه، فخطب بالجامع الأموي يوم الجمعة حادي عشري ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين وتسعمائة.
وتوفي ببيت المقدس في رجب.(10/535)
سنة اثنتين وسبعين وتسعمائة
فيها توفي العلّامة عبد الله بن أحمد الفاكهي المكّي الشافعي النحوي [1] قال في «النور» : أمه أم ولد حبشية وولد سنة تسع وتسعين وثمانمائة وكان من كبار العلماء، مشاركا في جميع العلوم، وله مصنّفات مفيدة، منها «شرح الأجرومية» و «شرح على متممتها» [2] للحطّاب أجاد فيها [3] كل الإجادة، وشرح على «قطر ابن هشام» [4] في غاية الحسن، وصنّفه عام ستة عشر وتسعمائة، وعمره حينئذ ثمان عشرة سنة [5] . ولما سار إلى مصر وجد جماعة يقرؤونه وقد أشكل عليهم محلّ منه، فأجاب عن الإشكال، فلم يثقوا بالجواب لعدم علمهم بأنه مصنّفه حتّى أخبرهم أنه هو الشارح، واستشهد على ذلك من كان هناك من المكّيين و «شرح الملحة» واستنبط حدودا للنحو في نحو كراسة ثم شرحها أيضا في كراريس ولم يسبق إلى مثل ذلك.
وبالجملة فإنه لم يكن له نظير في زمانه في علم النحو، فإنه كان فيه آية من آيات الله تعالى. انتهى ملخصا وفيها عبد الله بن عمر بن عبد الله بن أحمد مخرمة اليمني الشافعي [6] .
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (277- 278) و «الأعلام» (4/ 69) و «معجم المؤلفين» (6/ 28) .
[2] في «آ» و «ط» : «متمميها» وما أثبته من «النور السافر» مصدر المؤلف.
[3] في «ط» : «فيهما» .
[4] المعروف ب «قطر الندى» .
[5] لفظة «سنة» سقطت من «ط» .
[6] ترجمته في «النور السافر» ص (278- 279) و «الأعلام» (4/ 110) و «معجم المؤلفين» (6/ 95) .(10/536)
أخذ عن والده وعمّه العلّامة الطّيب، والقاضي عبد الله باسرومي، وكان يقول: إني استفدت من هذا الولد أكثر مما استفاد مني، وجدّ واجتهد، حتى برع، وانتصب للتدريس والفتوى، وصار عمدة يرجع إلى فتواه، وانتهت إليه رئاسة العلم والفتوى في جميع جهات اليمن، وقصد بالفتاوى من الجهات النازحة والأقاليم البعيدة، وأخذ عنه الأعلام، منهم محمد بن عبد الرحيم باجابر، وأبحاثه في كتبه وأجوبته تدلّ على قوة فطنته وغزارة مادته، وكانت تغلب عليه الحرارة حتّى على طلبته، وكان فيه على ما قيل بأو [1] مفرط، والكمال لله.
وكان ناثرا، ناظما، فصيحا، مفوها.
ومن تصانيفه كتاب ينكّت فيه على «شرح المنهاج» للهيتمي في مجلدين، و «فتاوى» في مجلد ضخم، و «المصباح لشرح [2] العدة والسلاح» و «شرح الرحبية» و «ذيل على طبقات الشافعية» للإسنوي، ورسالتان في الفلك والميقات، ورسالة في الربع المجيب، وغير ذلك.
ومن شعره:
قلت: سلام الله من مغرم ... ما إن سلا عنكم فقالوا سلا
فقلت هل ترضون لي وقفة ... قالوا فما تطلب قلت الكلا
ومنه:
الواو من صدغه في العطف يطمعني ... والسّيف من لحظه يومي إلى العطب
فحينما حرت قام الهجر ينشدني ... السّيف أصدق أنباء من الكتب [3]
ومنه:
قالت: أراك من الذكا في غاية ... جلّت عن الإسهاب والإطناب
__________
[1] البأو: الكبر والفخر. انظر «لسان العرب» (بأي) .
[2] لفظة «الشرح» سقطت من «آ» .
[3] الشطر الثاني من البيت مستعار من البيت الشهير لأبي تمام:
السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حدّه الجدّ بين الجدّ واللعب(10/537)
فعلام تبدي في الأمور تغابيا ... فأجبت: سيّد قومه المتغابي
وتوفي بعدن ليلة الاثنين لعشر مضت من رجب عن خمس وستين سنة.
وفيها السّيّد الشريف عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان العبّاسي البيروتي ثم الدمشقي الصوفي [1] .
قال في «الكواكب» : جاور بمكة نحو عشرين سنة، وكان يعتمر كل يوم مرة أو مرتين مع كبر سنه، وربما اعتمر في اليوم والليلة خمس مرات، قيل: كان يطوف في اليوم والليلة مائة أسبوع [2] ولم يزل على [2] الصوم والعبادة إلى أن توفي بمكّة ودفن بالمعلاة.
وفيها شمس الدّين محمد الطّبلني- بضم الطاء المهملة والباء الموحدة وإسكان اللام، ثم نون نسبة إلى طبلنة قرية من قرى تونس- المغربي المالكي [3] الإمام العلّامة، تلميذ الشيخ مغوش.
برع في العربية والمنطق، وشرح «مقامات الحريري» ، وحشّى «توضيح ابن هشام» .
وتوفي بطرابلس خامس عشر صفر.
وفيها المولى مصلح الدّين بن المولى محيي الدّين، المشتهر بابن المعمار الحنفي [4] الإمام العلّامة.
قال في «ذيل الشقائق» : توفي أبوه قاضيا بحلب، فوجه هو همته إلى العلوم، وقرأ على المولى محيي الدّين، الشهير بالمعلول، والشيخ محمد جوي زاده، ثم صار ملازما من المولى خير الدّين معلم السلطان سليمان، ثم تنقّل في
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 166- 167) .
[2] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» وكانت العبارة في «ط» على النحو التالي: «مائة أسبوع من الصوم والعبادة» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 77) .
[4] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (366- 368) و «معجم المؤلفين» (12/ 286) .(10/538)
المدارس إلى أن قلّد قضاء برسا، ثم قضاء أدرنة، ثم قضاء قسطنطينية، ثم قضاء المدينة المنورة.
وكان عالما، عاملا، قليل الكبر، كثير الانشراح، محبّا للمفاكهة والمزاح، وقد علّق حواشي على «حاشية حسن جلبي على التلويح» و «حواش على الدّرر والغرر» ولم تتم، ولما انفصل عن المدينة المنورة وعاد وبلغ [1] مصر أدركته منيته في شوال. انتهى
__________
[1] كان النص في «آ» و «ط» : «ولما انفصل عن المدينة المنورة وعاد، فلما بلغ» والتصحيح من «العقد المنظوم» مصدر المؤلف.(10/539)
سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة
فيها توفي تاج الدّين إبراهيم بن عبد الله الحميدي الحنفي [1] .
قال في «العقد المنظوم» : اشتغل بالعلوم، وأفنى عنفوان شبابه في ذلك، وتلقى من الأفاضل كالمولى صاروكرز [2] ، وصار منه ملازما، ثم تنقل في المدارس، وكتب حاشية على صدر الشريعة ردّ فيها على المولى ابن كمال باشا في مواضع كثيرة، ثم كتب رسالة وجمع فيها من مواضع ردّه عليه ستة عشر موضعا.
وقال في أول ديباجتها: اعلموا معاشر طلاب اليقين، سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين، إن المختصر الذي سوّده الحبر الفاضل والبحر الكامل، الشهير بابن كما باشا، رحمه الله، وسمّاه بالإصلاح والإيضاح مع خروجه عن سنن [3] الفلاح والصّلاح باشتماله على تصرفات فاسدة واعتراضات غير واردة، من السهو والزّلل، والخبط والخلل، لإتيانه بما لا ينبغي وتحرزه عما ينبغي، مشتمل على كثير من المسائل المخالفة للشرع، بحيث لا يخفى بعد التنبه [4] للأصل والفرع، ولا ينبغي الانقياد لحقيقتها للمبتدي ولا العلم بها للمنتهي، لوجود خلافها صريحا في الكتب المعتبرات من المطوّلات والمختصرات، ثم كتب منها نسختين دفع إحداهما إلى الوزير محمد باشا الصّوفي وكان ينتسب إليه، والثانية إلى الوزير الكبير رستم باشا، فلما أخذها طلب قراءتها، فلما وصل إلى تشنيعه على المولى
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (371- 373) و «معجم المؤلفين» (1/ 52) .
[2] في «آ» : «صادكوز» وفي «ط» : «صار كوز» وما أثبته من «العقد المنظوم» مصدر المؤلف.
[3] لفظة «سنن» لم ترد في «آ» .
[4] في «ط» : «بعد التنبيه» .(10/540)
المزبور تغيّر غاية التغيّر بسبب أنه كان قرأ على المولى المزبور، وكان ذلك سببا لخموله ثم تنبه له الدهر، فولي المدارس إلى أن صار مفتيا بأماسية.
وكان بحر المعارف، ولجّة العلوم، بارعا في العلوم العقلية والنقلية، خصوصا الفقه، قانعا باليسير، سخيا، وأخذ عنه الأجلاء، وكثر الازدحام عليه، وكتب حاشية على بعض المواضع من «شرح المفتاح» للسيد يردّ فيها على المولى ابن كمال باشا في المواضع التي يدّعي التفرّد فيها، وله عدة رسائل على مواضع من «شرح التجريد» للشريف، وله «شرح لمتن [1] المراح» .
وتوفي في أول الربيعين. انتهى وفيها أحمد بن علوي بن محمد بن علي بن جحدب [2] بن عبد الرحمن [2] ابن محمد بن عبد الله بن علوي بن باعلوى اليمني الزاهد.
قال في «النور» : كان يعدّ في حكم رجال الرسالة لشدة ورعه وتقشفه واستقامته وحسن طريقته، وله في الزهد والتّقلل من الدنيا حكايات لعلها لا توجد في تراجم كبار الأولياء، ولم يتقدموه إلّا بالسبق في الزمان.
ومن كراماته أنه لما حجّ رؤي يشرب من ماء البحر، فقيل له في ذلك، فقال: أليس كل أحد يشربه، فأخذ بعضهم ما بقي في الإناء فشربه، فإذا هو حلو، وكفّ بصره في آخر عمره، وحصل عليه قبل انتقاله بأربعة أيام جذبة من جذبات الحقّ اندهش بها [3] عقله، وتحيّر لبّه، وانغمر بها سرّه، وأخذ عن نفسه، فكان يقوم إلى الصلاة بطريق العادة وهو مأخوذ عن حسّه، وربما صلى إلى غير القبلة.
وتوفي ببلده تريم يوم الثلاثاء ثامن عشر شهر رمضان.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن
__________
[1] في «ط» : «على متن» .
[2] في «ط» : «ابن جحدب بن محمد» وفي «آ» : «ابن جحدب اليمني بن محمد» وما أثبته من «النور السافر» .
[3] في «ط» : «دهش بها» .(10/541)
حجر- نسبة على ما قبل إلى جدّ من أجداده كان ملازما للصمت فشبّه بالحجر- الهيتمي السّعدي الأنصاري الشافعي [1] الإمام العلّامة البحر الزاخر.
ولد في رجب سنة تسع وتسعمائة في محلّة أبي الهيتم من إقليم الغربية بمصر المنسوب إليها، ومات أبوه وهو صغير، فكفله الإمامان الكاملان شمس الدّين بن أبي الحمائل، وشمس الدّين الشّنّاوي، ثم إن الشمس [2] الشّنّاوي نقله من محلّة أبي الهيتم إلى مقام سيدي أحمد البدوي، فقرأ هناك في مبادئ العلوم، ثم نقله في سنة أربع وعشرين إلى جامع الأزهر، فأخذ عن علماء مصر، وكان قد حفظ القرآن العظيم في صغره.
وممن أخذ عنه شيخ الإسلام القاضي زكريا، والشيخ عبد الحق السنباطي، والشمس المشهدي، والشمس السّمهودي، والأمين الغمري، والشّهاب الرّملي، والطبلاوي، وأبو الحسن البكري، والشمس اللقاني الضيروطي، والشّهاب بن النّجار الحنبلي، والشّهاب بن الصائغ في آخرين.
وأذن له بالإفتاء والتدريس وعمره دون العشرين، وبرع في علوم كثيرة من التفسير، والحديث، والكلام، والفقه أصولا وفروعا، والفرائض، والحساب، والنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والمنطق، والتصوف.
ومن محفوظاته «المنهاج الفرعي» ومقروءاته لا يمكن حصرها، وأما إجازات المشايخ له فكثيرة جدا استوعبها في «معجم مشايخه» وقدم إلى مكة في آخر سنة ثلاث وثلاثين، فحجّ وجاور بها، ثم عاد إلى مصر، ثم حجّ بعياله في آخر سنة سبع وثلاثين، ثم حجّ سنة أربعين، وجاور من ذلك الوقت بمكة، وأقام بها يدرّس ويفتي ويؤلّف.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (287- 292) ووفاته فيه سنة (974) و «الكواكب السائرة» (3/ 111- 112) و «الأعلام» (1/ 234) و «معجم المؤلفين» (2/ 152) ومقدمة التحقيق لكتاب المترجم «تحرير المقال في آداب وفوائد يحتاج إليها مؤدبو الأطفال» ص (13- 15) تحقيق الأستاذ محمد سهيل الدّبس بإشرافي، طبع دار ابن كثير.
[2] في «آ» : «ثم إن الشيخ» .(10/542)
ومن مؤلفاته «شرح المشكاة» و «شرح المنهاج» وشرحان على «الإرشاد» و «شرح الهمزية البوصيرية» و «شرح الأربعين النواوية» و «الصواعق المحرقة» و «كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع» و «الزواجر عن اقتراف الكبائر» و «نصيحة الملوك» و «شرح [مختصر] الفقيه» [1] عبد الله بأفضل الحاج المسمى «المنهج القويم في مسائل التعليم» و «الأحكام في قواطع الإسلام» و «شرح العباب» المسمى ب «الإيعاب» ، و «تحذير الثقات عن أكل الكفتة والقات» وشرح قطعة صالحة من «ألفية ابن مالك» و «شرح مختصر أبي الحسن البكري» في الفقه، و «شرح مختصر الروض» و «مناقب أبي حنيفة» وغير ذلك.
وأخذ عنه من لا يحصى كثرة، وازدحم الناس على الأخذ عنه وافتخروا بالانتساب إليه.
وممن أخذ عنه مشافهة شيخ مشايخنا البرهان بن الأحدب.
وبالجملة فقد كان شيخ الإسلام خاتمة العلماء الأعلام، بحرا لا تكدره الدّلاء، إمام الحرمين كما أجمع عليه الملأ، كوكبا سيّارا في منهاج سماء الساري، يهتدي به المهتدون تحقيقا لقوله تعالى: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ 16: 16 [النحل: 16] واحد العصر، وثاني القطر، وثالث الشمس والبدر، أقسمت المشكلات ألا تتضح إلّا لديه وأكدت المعضلات أليتها أن لا تنجلي إلا عليه، لا سيما وفي الحجاز عليها قد حجر، ولا عجب فإنه المسمى بابن حجر.
وتوفي- رحمه الله تعالى- بمكّة في رجب، ودفن بالمعلاة في تربة الطّبريين.
وفيها المولى صالح بن جلال الحنفي [2] .
قال في «العقد المنظوم» : كان أبوه من كبار [3] ، قضاة القصبات، ونشأ هو مشغولا بالعلم وأربابه، واهتم بالتحصيل، وقرأ على الأجلاء، وصار ملازما من
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ألفية» وما أثبته من «النور السافر» مصدر المؤلف ولفظة «مختصر» مستدركة منه.
[2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (368- 370) و «معجم المؤلفين» (5/ 5) .
[3] لفظة «كبار» لم ترد في «آ» .(10/543)
المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ثم تنقّل في المدارس والمناصب، إلى أن ولي قضاء حلب، ثم قضاء دمشق، ثم قضاء مصر، ثم كفّ فتقاعد بمدرسة أبي أيوب الأنصاري بمائة درهم.
وكان مشاركا في أكثر العلوم، له منها حظّ وافر، زكي النفس، كثير السخاء، محسنا متفضلا، كتب حواشي على «شرح المواقف» وعلى «شرح الوقاية» لصدر الشريعة، وعلى «شرح المفتاح» للشريف الجرجاني، وجمع «لطائف علماء الروم ونوادرهم» .
وله «ديوان شعر» و «ديوان إنشاء» كلاهما بالتركي. انتهى وفيها الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراوي الشافعي [1] .
قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» : هو شيخنا الإمام العالم [2] العامل العابد الزاهد الفقيه المحدّث الأصولي الصوفي المربّي المسلّك، من ذريّة محمد بن الحنفيّة.
ولد ببلده ونشأ بها، ومات أبواه [3] وهو طفل، ومع ذلك ظهرت فيه علامة النجابة ومخايل الرئاسة والولاية، فحفظ القرآن و «أبا شجاع» [4] و «الأجرومية» وهو ابن نحو سبع أو ثمان، ثم انتقل إلى مصر سنة إحدى عشرة وتسعمائة وهو مراهق، فقطن بجامع الغمري، وجدّ واجتهد، فحفظ عدة متون، منها «المنهاج» و «الألفية» و «التوضيح» و «التلخيص» [5] و «الشاطبية» و «قواعد ابن هشام» بل حفظ «الروض إلى القضاء» وذلك من كراماته.
وعرض ما حفظ على علماء عصره، ثم شرع في القراءة، فأخذ عن الشيخ
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 176- 177) و «الأعلام» (4/ 180- 181) و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 134- 139) و «معجم المؤلفين» (6/ 218- 219) .
[2] لفظة «العالم» لم ترد في «ط» .
[3] في «ط» : «أبوه» .
[4] أي «متنه» .
[5] لفظة «والتلخيص» سقطت من «آ» .(10/544)
أمين الدّين إمام جامع الغمري، قرأ عليه ما لا يحصى كثرة، منها الكتب الستة، وقرأ على الشمس الدواخلي، والنّور المحلّي، والنّور الجارحي، ومنلا على العجمي، وعلى القسطلاني، والأشموني، والقاضي زكريا، والشّهاب الرّملي ما لا يحصى أيضا.
وحبّب إليه الحديث، فلزم الاشتغال به، والأخذ عن أهله، ومع ذلك لم يكن عنده جمود المحدّثين، ولا لدونة النقلة، بل هو فقيه النظر صوفي الخبر، له دربة بأقوال السّلف ومذاهب الخلف، وكان ينهى عن الحطّ على الفلاسفة وتنقيصهم، وينفّر ممن يذمهم، ويقول هؤلاء عقلاء، ثم أقبل على الاشتغال بالطريق، فجاهد نفسه مدة، وقطع العلائق الدنيوية، ومكث سنين لا يضطجع على الأرض ليلا ولا نهارا، بل اتخذ له حبلا بسقف خلوته يجعله في عنقه ليلا حتى لا يسقط، وكان يطوي الأيام المتوالية، ويديم الصوم، ويفطر على أوقية من الخبز، ويجمع الخروق من الكيمان فيجعلها مرقعة يستتر بها، وكانت عمامته من شراميط الكيمان وقصاصة الجلود، واستمر كذلك حتى قويت روحانيته، فصار يطير من صحن الجامع الغمري إلى سطحه، وكان يفتتح مجلس الذكر عقب العشاء فلا يختمه إلّا عند الفجر، ثم أخذ عن مشايخ الطريق، فصحب الخواص، والمرصفي، والشناوي فتسلّك بهم، ثم تصدى للتصنيف، فألّف كتبا، منها «مختصر الفتوحات» و «سنن البيهقي الكبرى» و «مختصر تذكرة القرطبي» و «الميزان» و «البحر المورود في المواثيق والعهود» و «كشف الغمّة عن جميع الأمة» و «المنهج المبين في أدلة المجتهدين» و «البدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير» و «مشارق الأنوار القدسية في العهود المحمدية» و «لواقح الأنوار واليواقيت» و «الجواهر في عقائد الأكابر» و «الجوهر المصون في علوم الكتاب المكنون» و «طبقات ثلاث» و «مفحم الأكباد في مواد الاجتهاد» و «لوائح الخذلان على من لم يعمل بالقرآن» و «حدّ الحسام على من أوجب العمل بالإلهام» و «البرق [1] الخاطف لبصر من عمل بالهواتف» و «رسالة الأنوار» في آداب
__________
[1] في «ط» : «والبراق» .(10/545)
العبودية، و «كشف الرّان عن أسئلة الجان» و «فرائد القلائد في علم العقائد» و «الجواهر والدّرر» و «الكبريت الأحمر في علوم الكشف الأكبر» و «الاقتباس في القياس» و «فتاوى الخواص» و «العهود ثلاثة» وغير ذلك.
وحسده طوائف، فدسوا عليه كلمات يخالف ظاهرها الشرع، وعقائد زائغة، ومسائل تخالف الإجماع، وأقاموا عليه القيامة، وشنّعوا وسبّوا، ورموه بكل عظيمة فخذلهم الله وأظهره عليهم.
وكان مواظبا على السّنّة، مبالغا في الورع، مؤثرا ذوي الفاقة على نفسه حتى بملبوسه، متحملا للأذى، موزعا أوقاته على العبادة ما بين تصنيف وتسليك وإفادة، واجتمع بزاويته من العميان وغيرهم نحو مائة، فكان يقوم بهم نفقّه وكسوة.
وكان عظيم الهيبة، وافر الجاه والحرمة، تأتي إلى بابه الأمراء. وكان يسمع لزاويته دويّ كدوي النحل ليلا ونهارا.
وكان يحيي ليلة الجمعة بالصلاة على المصطفى صلّى الله عليه وسلم، ولم يزل مقيما على ذلك، معظما في صدور الصدور، إلى أن نقله الله تعالى إلى دار كرامته.
ومن كلامه: دوروا مع الشرع كيف كان لامع الكشف، فإنه قد يخطئ وقال: ينبغي إكثار مطالعة كتب الفقه عكس ما عليه المتصوفة الذين لاحت لهم بارقة من الطريق فمنعوا مطالعته وقالوا: إنه حجاب جهلا منهم.
وقال: كل إنسان لا يعذّب في النار إلّا من الجزء الناري الذي هو أحد أركان بدنه [1] .
وقال: ذهب بعض أهل الكشف إلى أن جميع الحيوان لهم تكليف إلهي برسول منهم في ذواتهم لا يشعر به إلّا من كشف عن بصره، فإن لله الحجّة على خلقه، فلا يعذّب أحدا إلا جزاء، فلا إشكال في إيلام الدواب.
وقال: الجبر آخر ما تنتهي إليه المعاذير، وذلك سبب مآل أهل الرحمة إلى الرحمة.
__________
[1] قلت: ليس على ذلك دليل من الكتاب والسّنّة وآراء الجمهور من السّلف والخلف.(10/546)
وتوفي- رحمه الله- في هذه السنة، ودفن بجانب زاويته بين السورين.
وقام بالزاوية بعده ولده الشيخ عبد الرحمن لكنه أقبل على جمع المال ثم توفي في سنة إحدى عشرة بعد الألف. انتهى ملخصا وفيها المولى كمال الدّين، المعروف بدده خليفة الحنفي [1] الإمام العلّامة.
قال في «ذيل الشقائق» : كان من أولاد الأتراك، ومن أصحاب البضائع، وعالج صنعة الدباغة سنين حتى أناف عمره على العشرين، مقيما ببلدة أماسية على ذلك، فاتفق أن صنع لمفت من علماء العصر وليمة ببلده، فذهب متطفلا، فلما باشروا أمر الطعام طلبوا من يجمع لهم الحطب، فرأوا صاحب الترجمة قائما بزي الدّباغين، فأشار المفتي إلى صاحب الترجمة، وقال: ليذهب هذا الجاهل، فعلم حينئذ وخامة الجهل، وتأثر تأثيرا عظيما من الإزدراء به، ثم تضرّع إلى الله تعالى وطلب منه الخلاص من ربقة الجهل، وباع حانوته، واشترى مصحفا، وذهب إلى باب المفتي، وبدأ في القراءة، وقام في الخدمة، حتّى ختم القرآن العظيم، وتوجهت همّته إلى طلب العلم، فأكب على الاشتغال، حتّى صار معيدا للمولى سنان الدّين، المشتهر باقلق [2] ، ثم تولى عدة مدارس، ثم عيّن مفتيا ببعض الجهات، ثم تقاعد.
وكان عالما فاضلا، آية في الحفظ والإحاطة، له اليد الطولى في الفقه والتفسير، وكتب «حاشية على شرح تصريف العزي» للتفتازاني، وبسط فيه الكلام، وله منظومة في الفقه وعدة رسائل في فنون عديدة. انتهى ملخصا وفيها المولى محيي الدّين الشهير بابن الإمام [3] .
نشأ طالبا للعلم، مكبّا عليه، وقرأ على جماعات، منهم المولى كمال
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (374- 375) .
[2] ترجمته في «العقد المنظوم» : «المشتهر بالق» .
[3] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (370) .(10/547)
وغيره، ثم تنقّل في الوظائف إلى أن قلّد قضاء حلب بلا رغبة منه في ذلك ولا طلب، فباشره قدر سنتين، ولم يتلفّظ بلفظ حكمت، ثم صار مفتيا بأماسية.
وكان من العلماء العاملين، والفضلاء الكاملين، يحقّق كلام القدماء، ويدقّق النظر في مقالات الفضلاء، وقد علّق على أكثر الكتب المتداولة حواشي إلا أنه لم يتيسر له جمعها وتبييضها.
وتوفي في أول الرّبيعين.(10/548)
سنة أربع وسبعين وتسعمائة
فيها توفي المولى تاج الدّين إبراهيم المناوي الحنفي [1] .
قال في «العقد المنظوم» : قرأ على علماء زمانه، حتى اتصل بابن كمال باشا، فتقيّد به، وصار ملازما منه، وحصّل، وبرع، ودرّس بعدة من المدارس، إلى أن وصل إلى إحدى المدارس [2] الثمان، وتولى مدرسة السلطان سليمان بدمشق والإفتاء بها.
وكان عالما، ديّنا، فقيها، لين الجانب، صحيح العقيدة، حميد [3] الأخلاق.
وتوفي بدمشق. انتهى وفيها- أو في التي بعدها جزم بالأول في «النّور السافر» وبالثاني في «الأعلام» - السلطان سليمان خان بن السلطان سليم خان [4] الحادي عشر من ملوك بني عثمان. قال في «الأعلام» : كان سلطانا سعيدا ملكا، أيده الله لنصر الإسلام تأييدا.
ولي السلطنة بعد وفاة أبيه السلطان سليم خان في سنة ست وعشرين
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (383) .
[2] لفظة «المدارس» سقطت من «ط» .
[3] في «آ» : «جيد» .
[4] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (375- 381) و «النور السافر» ص (292- 298) و «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (198- 251) .(10/549)
وتسعمائة، وجلس على تخت السلطنة وما دمي أنف أحد ولا أريق في ذلك محجمة من دم، ومولده الشريف سنة تسعمائة، واستمر في السلطنة تسعا وأربعين سنة، وهو سلطان غاز في سبيل الله، مجاهد لنصرة دين الله، مرغم أنوف عداه بلسان سيفه وسنان قناه.
كان مؤيدا في حروبه ومغازيه، مسددا في آرائه ومعازيه، مسعودا في معانيه ومغانيه، مشهودا في مواقعه [1] ومراميه، أيّان سلك ملك، وأنى توجّه فتح وفتك، وأين سافر سفر وسفك، وصلت سراياه إلى أقصى الشرق والغرب، وافتتح البلدان الشاسعة الواسعة بالقهر والحرب، وأخذ الكفّار والملاحدة بقوة الطعان والضرب، وكان مجدد دين هذه الأمة المحمدية في القرن العاشر، مع الفضل الباهر، والعلم الزاهر، والأدب الغض الذي يقصر عن شأوه كل أديب وشاعر، إن نظم نضد [2] عقود الجواهر، أو نثر آثر منثور [3] الأزاهر، أو نطق قلّد الأعناق نفائس الدّر الفاخر، له ديوان فائق بالتركي، وآخر عديم النظير بالفارسي، تتداولهما بلغاء الزمان وتعجز أن تنسج على منواله فضلاء الدوران.
وكان رؤوفا، شفوقا، صادقا، صدوقا، إذا قال صدق، وإذا قيل له صدّق، لا يعرف الغلّ والخداع، ويتحاشى عن سوء الطباع، ولا يعرف المكر والنّفاق، ولا يألف مساوئ الأخلاق، بل هو صافي الفؤاد، صادق الاعتقاد، منّور الباطن، كامل الإيمان، سليم القلب، خالص الجنان:
وما تناهيت في بثي محاسنه ... إلّا وأكثر مما قلت ما أدع
وأطال في ترجمته وترجمة أولاده، وذكر غزواته، فذكر له أربع عشرة غزوة انتصر وفتح في جميعها، وذكر كثيرا من مآثره، فمن ذلك الصّدقة الرّومية التي هي الآن مادة حياة أهل الحرمين الشريفين، فإنه أضاف إليها من خزائنه الخاصة مبلغا كبيرا، ومنها صدقات الجوالي وهي جمع جالية، ومعناه ما يؤخذ من أهل الذّمة في
__________
[1] في «ط» : «في وقائعه» .
[2] لفظة «نضد» سقطت من «ط» .
[3] في «ط» : «منشور» .(10/550)
مقابلة استمرارهم في بلاد الإسلام تحت الذّمة وعدم جلائهم عنها، وهي من أحلّ الأموال ولأجل حلّها جعلت وظائف للعلماء والصلحاء والمتقاعدين من الكبراء.
ومنها إجراء العيون، ومن أعظمها إجراء عين عرفات إلى مكّة المشرّفة.
ومنها بمكّة المدارس الأربعة السليمانية.
ومنها تكيته ومدرسته العظيمة الشأن الكائنة بمرجة دمشق [1] إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة. انتهى ملخصا، ومن أراد البسط الزائد فليراجع «الأعلام» .
__________
[1] قلت: وهي قائمة إلى الآن وتعرف ب «التكية السليمانية» وتعدّ من أهم المعالم الأثرية العثمانية بدمشق.(10/551)
سنة خمس وسبعين وتسعمائة
قال في «النور» [1] : فيها غرق مركب بالهند [في خوركنباته] فكان فيه عشرة من السادة آل بالعلوي فكانوا من جملة من غرق وحصلت لهم الشهادة [بسبب ذلك] .
وفيها توفي أبو الضّياء عبد الرحمن بن عبد الكريم بن إبراهيم بن علي ابن زياد الغيثي المقصري [2]- نسبة إلى المقاصرة بطن من بطون عك بن عدنان- الزّبيدي مولدا ومنشأ ووفاة، الشافعي مذهبا الأشعري معتقدا الحكمي [3] خرقة، اليافعي تصوفا، وفي ذلك يقول رحمه الله تعالى:
أنا شافعيّ في الفروع ويافع ... ي في التّصوف أشعريّ المعتقد
وبذا أدين الله ألقاه به ... أرجو به الرّضوان في الدّنيا وغد
ولد في رجب سنة تسعمائة، وحفظ القرآن و «الإرشاد» وأخذ عن محمد بن موسى الضّجاعي، وأحمد المزجد، وتلميذه الطنبذاوي وبه تخرّج وانتفع، وأذن له في التدريس والإفتاء، فدرّس وأفتى في حياته، وأخذ التفسير والحديث والسير عن الحافظ وجيه الدّين بن الدّيبع وغيره، والفرائض عن الغريب الحنفي والأصول عن جمال الدّين يحيى قتيب [4] ، والعربية عن محمد مفضّل اللحّاني، وجدّ واجتهد، حتّى صار عينا من أعيان الزمان، يشار إليه بالبنان، وقصدته الفتاوى من شاسع
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (319) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (305- 314) و «الأعلام» (3/ 311) و «معجم المؤلفين» (5/ 145- 146) .
[3] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «الحاكمي» .
[4] في «آ» و «ط» : «قبيب» وما أثبته من «النور السافر» مصدر المؤلف.(10/552)
البلاد، وضربت إليه آباط الإبل من كل ناد، وعقدت عليه الخناصر، وتلمذت له الأكابر، وحجّ وزار القبر الشريف، فاجتمع بفضلاء الحرمين، ودرّس فيهما، واشتغل بالإفتاء من وفاة شيخه أبي العباس الطنبذاوي، وذلك سنة ثمان وأربعين وتسعمائة، وكان من الفقر على جانب عظيم، بحيث كان- كما أخبر عن نفسه- يصبح وليس عنده قوت يومه، حتى اتفق أن زوجته وضعت وليس عنده شيء، حتى عجز عن المصباح، وباتوا كذلك.
وفي سنة أربع وستين نزل في عينيه ماء فكفّ بصره، فاحتسب ورضي، وقال: مرحبا بموهبة الله وجاءه قداح فقال له أنا أصلح بصرك، وقال بعض أهل الثروة وأنا أنفق عليك وعلى عيالك مدة ذلك فامتنع، وقال: شيء ألبسنيه الله لا أتسبب في إبطاله. ومع ذلك كان على عادته من التدريس والإفتاء والتصنيف.
ومن مصنّفاته «إثبات سنّة [1] رفع اليدين عند الإحرام، والركوع، والاعتدال، والقيام من الركعتين» وكتاب «فتح المبين في أحكام تبرع المدين» و «المقالة الناصة على صحة ما في الفتح والذيل والخلاصة وهذه الكتب الثلاثة» صنّفها بسبب ما وقع بينه وبين ابن حجر في عدم بطلان تبرع المدين، وله كتاب «النخبة في الأخوة والصحبة» و «الأدلة الواضحة في الجهر بالبسملة وأنها من الفاتحة» وهو كتاب مشتمل على مناقب الأئمة الأربعة، و «التقليد وأحكام رخص الشريعة» وله كتاب «إقامة البرهان على كميّة التراويح في رمضان» و «كشف الغمّة عن حكم المقبوض عما في الذمة وكون الملك فيه موقوفا عند الأئمة» و «مزيل العناء في أحكام الغناء» و «سمط اللآل في كتب الأعمال» و «كشف النّقاب عن أحكام المحراب» وله غير ذلك مما لا يعدّ كثرة.
وتوفي بزبيد ليلة الأحد حادي عشر رجب. قاله في «النور» وفيها عزّ الدّين أبو نصر عبد السلام بن شيخ الإسلام وجيه الدّين عبد الرحمن بن عبد الكريم بن زياد اليمني الشافعي [2] .
__________
[1] لفظة «سنّة» سقطت من «ط» .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (314- 315) و «معجم المؤلفين» (5/ 225) .(10/553)
ولد سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة، ونشأ في حجر والده، وتغذى بدّر علومه وفوائده، وقرّت به عينه، وتفقه بوالده كثيرا، ورأس على الأكابر صغيرا، ودرّس وأفتى في حياة أبيه، وصنّف مصنّفات لا يستغني عنها فقيه، وكتب معاصر وأبيه على فتاويه، وانفرد بعد والده بالإفتاء، مع زحمة البلد بأثمة شتّى. وكان من الولاية والعلم على جانب عظيم.
ومن مصنّفاته «شرح على مولد السيد حسين بن الأهدل» و «شرح لوداع ابن الجوزي» مات عنهما مسودتين، و «تشنيف الأسماع بحكم الحركة في الذكر والسماع» و «القول النافع القويم لمن كان ذا قلب سليم» و «التحرير الواضح الأكمل في حكم الماء المطلق والمستعمل» و «المطالع الشمسية» .
وبالجملة فإنه كان مفتي الأنام، وعلّامة الأعلام.
توفي في ثاني عشر شوال. قاله في «النور» أيضا وفيها علي المتقي بن حسام الدّين الهندي ثم المكّي [1] .
كان من العلماء العاملين وعباد الله الصالحين، على جانب عظيم من الورع والتّقوى والاجتهاد في العبادة، ورفض السّوى، وله مصنّفات عديدة [2] وكرامات كثيرة.
وتوفي بمكّة المشرّفة بعد مجاورته بها مدة طويلة.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (315- 319) و «أبجد العلوم» (3/ 223- 224) طبع وزارة الثقافة بدمشق و «كنز العمال» (16/ 776- 788) و «الأعلام» (4/ 309) و «معجم المؤلفين» (7/ 59) و «حركة التأليف باللغة العربية في الإقليم الشمالي الهندي» ص (80) ، وقد أفرد الشيخ عبد القادر بن أحمد الفاكهي مناقبه في تأليف سمّاه: «القول النقي في مناقب المتقي» .
[2] قال العيدروس في «النور السافر» ص (317) : «ومؤلفاته كثيرة نحو مائة مؤلف ما بين صغير وكبير» .
قلت: أهمها المصنّفات التالية:
1- «كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال» جمع فيه أهم مصادر الحديث النبوي فبلغت الأحاديث المودعة فيه (46624) حديثا عليها مدار العمل في الغالب لدى المشتغلين بفنّ التخريج والتحديث. وقد طبع هذا الكتاب الجليل في مدينة حلب المحروسة عام 1397 هـ بعناية الشيخين الفاضلين بكري الحياني وصفوة السقا، وهي طبعة جيدة نافعة، وقام بإعداد فهارس شاملة لأطراف(10/554)
وفيها الشيخ محمد بن خليل بن قيصر القبيباتي الحنبلي الصّوفي [1] الفاضل الصّالح المعتقد.
توفي في هذه السنة وقد جاوز المائة، رحمه الله تعالى.
وفيها المولى محمد بن عبد الوهاب بن عبد الكريم، الشهير بعبد الكريم زاده الحنفي [2] الإمام العلّامة.
قال في «العقد المنظوم» : كان جدّه عبد الكريم قاضيا بالعسكر في دولة السلطان محمد خان، وولي أبوه عبد الوهاب الدفتر دارية في عهد السلطان سليم خان، ونشأ هو غائصا في بحار العلوم ولجج المعارف، طالبا لدرر الفضائل واللطائف، واشتغل على إسرافيل زادة، وجوي زادة، وابن كمال باشا، والمولى أبي السعود، وغيرهم، وتبحّر وتمهّر، وفاق أقرانه، وطار صيته في الآفاق، وجمع أشتات العلوم، وتنقّل في المدارس على عادة أمثاله، إلى أن صار طودا من المعارف نحوا وعربية وأدبا وفقها، وغير ذلك، حلو المفاكهة، طيب المعاشرة.
وكان من عادته أن لا يكتب بالقلم الذي يكتب به اسم الله تعالى، ولا ينام ولا يضطجع في بيت كتبه تعظيما للعلم.
ومن تصانيفه عدة «مقامات» على منوال الحريري، و «حاشية على تفسير البيضاوي» من أوله إلى سورة طه، و «حواش على حاشية المولى جلال الدّين الدواني للتجريد» وكتب أشياء أخر إلا أنها لم تظهر بعد موته.
__________
الأحاديث الواردة فيه الأستاذان الفاضلان نديم مرعشلي وأسامة مرعشلي وصدرت في مجلدين كبيرين عن الشركة المتحدة للتوزيع بدمشق عام (1404 هـ) .
2- «مختصر كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال» وقد طبع قديما على هامش «مسند الإمام أحمد بن حنبل» .
3- «المواهب العلية في الجمع بين الحكم القرآنية والحديثية» وهو مخطوط لم ينشر بعد.
4- «منهج العمال في سنن الأقوال» وهو مخطوط لم ينشر بعد وتحتفظ مكتبة الرباط بنسخة منه تحت رقم (د 255) . قاله العلّامة الزركلي.
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 59- 60) و «النعت الأكمل» ص (133- 136) و «مختصر طبقات الحنابلة» للشطي ص (95- 96) .
[2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (384- 390) .(10/555)
وكان ينظم بعدة لغات نظما جيدا منه:
كفاني كفاف النّفس ما أنا قاصد ... إلى دولة فيها الأنام خصام
فهل هي إلا نحو طيف لناعس ... وهل هي إلا ما يراه نيام
فيا عجبا للمرء يعقد قلبه ... على شهوات ضرهنّ [1] لزام
ولله صعلوك قنوع بحظّه ... وما معه عند اللئام لوام
قناعته أغنته عن كلّ حاجة ... فذاك أمير والزمان غلام
وتوفي في سابع عشري رمضان.
وفيها القاضي أبو الفتح محمد بن محمد بن عبد السلام بن أحمد الرّبعي التونسي الخروبي [2] لإقامته بإقليم الخروب بدمشق [3] ، نزيل دمشق المالكي الإمام العلّامة المفنّن.
قال في «الكواكب» : ولد ليلة الاثنين غرّة شهر ربيع الأول سنة إحدى وتسعمائة، ودخل دمشق قديما وهو شاب، فكان يتردّد إلى ضريح الشيخ محيي الدّين بن عربي، وأخذ عن شيخ الإسلام الوالد.
وكان فقيها أصوليا، يفتي الناس على مذهبه وفتاويه مقبولة، وله حرمة ووجاهة.
وكان علّامة في النحو، والصّرف، والمعاني، والبيان، والبديع، والعروض، والمنطق، وأكثر العلوم العقلية والنقلية.
وكان له الباع الطويل في الأدب ونقد الشعر، وشعره في غاية الحسن إلّا أنه كان متكيفا، يأكل البرش والأفيون، لا يكاد يصحو منه، وربما قرأ الناس عليه في
__________
[1] في «آ» و «ط» : «صرمهن» وهو تحريف والتصحيح من «العقد المنظوم» مصدر المؤلف.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 21- 26) .
[3] قلت: كان إقليم الخروب من أعمال دمشق قديما وهو الآن في الجنوب الشرقي من لبنان. انظر «غوطة دمشق» للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي ص (108) .(10/556)
علوم شتّى وهو يسرد، فإذا فرغ القارئ من قراءته المقالة فتح عينيه وقرر العبارة أحسن تقرير.
وكان على مذهب الشعراء من التظاهر بمحبّة الأشكال والصور الحسنة، حتى رمي واتّهم.
وكان هجاء يتفق له النكات في هجائه وفي شعره، ولو على نفسه.
وكان يقع في حقّ العلماء والأكابر وإذا وصله من أحدهم نوال مدحه وأثنى عليه، وكانوا يخافون من لسانه. وولي نيابة القضاء بالمحكمة الكبرى زمانا طويلا، مع الوظائف الدينية، وحمل عنه الناس العلم وانتفعوا به، وأنبل من تخرّج به في الشعر والعربية العلّامة [1] درويش ابن طالو مفتي الحنفية بدمشق. انتهى ملخصا ومن شعره مؤرخا عمارة الحمام الذي بناه مصطفى باشا تحت قلعة دمشق:
لما كملت عمارة الحمّام ... وازداد به حسن دمشق الشّام
قالت طربا وأرخت منشدة ... (حمّامك أصل راحة الأجسام) [2]
ومنه مواليا موجها بأسماء الكواكب السبعة:
كم صدغ عقرب على مريخ خدّك دب ... وقوس حاجبك دايم مشتريه الصّب
وكم أسد شمس حسنك يا قمر قد حب ... والعاذل الثور في زهرة جمالك سب
وتوفي قاضيا في غرّة شوال ودفن بمقبرة باب الفراديس، وكانت له جنازة مشهودة حمل بها مصطفى باشا الوزير وهو إذ ذاك متولي الشام، ورثاه بعض أدباء عصره مؤرّخا وفاته فقال:
مذ عالم الدّنيا قضى نحبه ... منتقلا نحو جوار الإله
قد أغلق [3] الفضل له بابه ... مؤرّخا [4] مات أبو الفتح آه
__________
[1] لفظة «العلّامة» سقطت من «آ» .
[2] مجموعها في حساب الجمّل (975) .
[3] في «آ» و «ط» : «فأغلق» وما أثبته من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[4] مجموعها في حساب الجمّل (975) .(10/557)
سنة ست وسبعين وتسعمائة
فيها توفي عبد العزيز الزّمزمي المكّي [1] الإمام العلّامة.
قال في «النور» : ولد سنة تسعمائة، وكان من علماء مكّة وفضلائها وأكابرها ورؤسائها، وله النظم البديع الرائق، منه قوله في قصيدته المسماة ب «الفتح المبين في مدح سيد المرسلين» :
فاز بالرّفع مقلق لك وشا ... كيف ترقى وأفحم الشّعراء
وبخفض الجنان جوزي منشي ... ذكر الملتقى جزاء وفاء
جئت من بعد ذا وذاك أخيرا ... فلهذا نظمي على الفتح جاء
وكان له جاريتان إحداهما اسمها غزال، والأخرى دام السّرور، فاتفق أنه باعهما ثم ندم على ذلك، فقال:
بجاريتيّ كنت قرير عين ... وأفق مسرّتي بهما منير
فنفّر صرف أيّامي غزالي ... فلا دامت ولا دام السّرور
وله غير ذلك مما لا يحصى.
وكان من أجلاء عصره، رحمه الله تعالى. انتهى وفيها مصلح الدّين، المشتهر بداود زاده الحنفي [2] الإمام العلّامة.
قال في «العقد المنظوم» : قرأ على أفاضل عصره، منهم محيي الدّين قطب الدّين زاده الحنفي [3] ، وصار ملازما من المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ثم تنقّل في المدارس، إلى أن قلّد قضاء المدينة المنورة.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (320- 324) وقد أرخ وفاته سنة (976) .
[2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (392) .
[3] لفظة «الحنفي» لم ترد في «ط» و «العقد المنظوم» مصدر المؤلف وانفردت بها «آ» .(10/558)
ويحكى أنه لما دخل الحرم أعتق مماليكه واجتهد في أداء مناسك الحجّ. وكان صاحب يد في العلوم، سهل القياد، صحيح الاعتقاد، سمحا، جوادا، إلا أن فيه خصلة ابن حزم الذي قيل فيه: لسان ابن حزم وسيف الحجّاج شقيقان [1] ، وعلّق حواشي في أثناء دروسه على بعض المواضع من «شرح المفتاح» للشريف الجرجاني.
وتوفي بعد أن تمّم أعمال حجّه بمكّة المشرّفة، ودفن بالبقيع. انتهى وفيها القاضي كمال الدّين محمد بن القاضي شهاب الدّين أحمد بن يوسف بن أبي بكر الزّبيدي [2] الصّفدي ثم الدمشقي الحنفي، الشهير بابن الحمراوي [3] .
قال في «الكواكب» : قال والدي: حضر كثيرا من دروسي، وذكر أن مولده سنة تسع وتسعمائة، وتولى وظائف متعددة، كنظر النظّار، ونظر الجامع الأموي، والحرمين الشرفين. وكان الحرب بينه وبين السيد تاج الدّين وولده محمود [4] قائمة، وكان هو المؤيد عليهما.
وكان من رؤساء دمشق وأعيانها المعدودين، جوادا، له في كل يوم أول النهار وآخره مائدة توضع بألوان الأطعمة المفتخرة، وكان ذا مهابة وحشمة ووجاهة، لا تردّ شفاعته في قليل ولا كثير، وكان ينفع الناس بجاهه ويكرم القادمين إلى دمشق من أعيان أهل البلاد، ويتردد إليه الفضلاء والأعيان.
وكان باب الخضر [5] الذي يمر منه إلى الطواقية ضيقا فوسّعه من ماله.
وللشعراء فيه مدائغ طنّانة.
وتوفي نهار الاثنين رابع عشر ربيع الأول ودفن بباب الصغير.
__________
[1] أي كان يقع في الناس كثيرا.
[2] في «ط» : «الزبيري» وهو تحريف.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 43- 44) .
[4] في «ط» : «وولده محمد» وهو خطأ.
[5] كذا في «آ» و «ط» و «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف: «باب الخضر» ولم أقف على ذكر له فيما بين يدي من المصادر.(10/559)
سنة سبع وسبعين وتسعمائة
فيها كما قال في «النور» [1] : توفي السلطان بدر بن السلطان عبد الله بن السلطان جعفر الكثيري سلطان حضرموت.
ولد سنة اثنتين وتسعمائة، وولي السلطنة وهو شاب، وطالت مدته، وحسنت سيرته، وكان جميل الأخلاق، جوادا، وافر العقل، جميل الصورة، كان كاسمه بدرا منيرا مقداما، هزبرا محظوظا جدا، بحيث لا يقصد بابا مغلقا إلّا انفتح، ولا يقدم [2] على أمر مهم [3] إلا اتضح.
وتوفي في آخر شعبان بعد أن قبض عليه ولده السلطان عبد الله وحجر عليه حتى مات، وتولى بعده.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن عبد السّلام بن أحمد البتروني ثم الطرابلسي ثم الحلبي الشافعي ثم الحنفي [4] الإمام العلّامة الصّوفي، واعظ حلب ووالد مفتيها الشيخ أبي الجود.
قرأ على الشيخ علوان الحموي وغيره من علماء عصره، وجدّ واجتهد، فبلغ ما قصد، ونظم «تصريف الزّنجاني» في أرجوزة، وشرح «الجزرية» وكتب على «تائية ابن حبيب» تعليقة استمد فيها من شرح شيخه الشيخ علوان.
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (327- 329) .
[2] في «ط» : «ولا يتقدم» وهو خطأ.
[3] في «النور السافر» الذي بين يدي: «على أمر مبهم» وهو خطأ.
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 163) و «درّ الحبب» (1/ 2/ 768- 773) و «معجم المؤلفين» (5/ 180) .(10/560)
وفيها محيي الدّين يحيى بن عبد القادر بن محمد النّعيمي الشافعي [1] الفقيه المحدّث الإمام العلّامة.
ولد سنة اثنتين وتسعمائة، وأخذ عن والده وغيره، وعني بالحديث أتمّ عناية، وبرع في الفقه وغيره، وأخذ عنه الشيخ شمس الدّين الميداني وغيره، وكان من محاسن الدّنيا، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الوهاب الأبّار الدمشقي العاتكي الشافعي الخطيب التبريزي [2] الشيخ الإمام العالم الصّالح.
كان من العلماء العاملين، والورثة الكاملين، والجلّة المتعبدين، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد الشّربيني القاهري الشافعي [3] الخطيب الإمام العلّامة.
قال في «الكواكب» : أخذ عن الشيخ أحمد البرلسي الملقّب عميرة، والنّور المحلّي، والنّور الطهواني، والشمس محمد بن عبد الرحمن بن خليل النشلي [4] الكردي، والبدر المشهدي، والشّهاب الرّملي، والشيخ ناصر الدّين الطّبلاوي، وغيرهم، وأجازوه بالإفتاء والتدريس، فدرّس وأفتى في حياة أشياخه، وانتفع به خلائق لا يحصون، وأجمع أهل مصر على صلاحه، ووصفوه بالعلم والعمل، والزهد والورع، وكثرة النّسك والعبادة.
وشرح كتاب «المنهاج» و «التنبيه» شرحين عظيمين، جمع فيهما تحريرات أشياخه بعد القاضي زكريا، وأقبل الناس على قراءتهما وكتابتهما في حياته، وله على «الغاية» شرح مطول حافل.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 219) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 64) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 79- 80) و «معجم المؤلفين» (8/ 269) .
[4] في «ط» : «النشكي» وهو خطأ.(10/561)
وكان من عادته أن يعتكف من أول رمضان فلا يخرج من الجامع إلّا بعد صلاة العيد.
وكان إذا حجّ لا يركب إلّا بعد تعب شديد، وإذا خرج من بركة الحاج لم يزل يعلّم الناس المناسك وآداب السّفر ويحثّهم على الصّلاة، ويعلّمهم كيف القصر والجمع. وكان يكثر من تلاوة القرآن في الطريق وغيره، وإذا كان بمكّة أكثر من الطواف، ومع ذلك، فكان يصوم بمكّة والسفر أكثر أيامه، ويؤثر على نفسه، وكان يؤثر الخمول ولا يكترث بأشغال الدنيا.
وبالجملة كان آية من آيات الله تعالى، وحجّة من حججه على خلقه.
وتوفي بعد عصر يوم الخميس ثاني شعبان سنة سبع وسبعين وتسعمائة، وهي سنة ميلادي. انتهى ملخصا وفيها شمس الدّين محمد بن مسلّم- بتشديد اللام المفتوحة- المغربي التونسي الحصيني- نسبة إلى حصين مصغّرا طائفة من عرب المغرب- المالكي ثم الحنفي [1] نزيل حلب.
كان إماما، عالما، صالحا.
توفي بحلب في هذه السنة.
وفيها المولى مصلح الدّين المشتهر بمعلّم السلطان جهانكير [2] .
قال في «ذيل الشقائق» : طلب العلوم، وشمّر عن ساق الاجتهاد، وأخذ عن جوي زادة، والمولى عبد الواسع، وصار ملازما منه، ثم [3] تنقلت به الأحوال إلى أن صار معلّم السلطان جهانكير بن سليمان خان، واستمر على تعليمه إلى أن توفي، فلم تطل مدة المترجم أيضا.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 128- 135) و «الكواكب السائرة» (3/ 74- 75) .
[2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (393- 394) .
[3] لفظة «ثم» لم ترد في «آ» .(10/562)
وكان عالما، عاملا، ورعا، ديّنا، سريع الفهم، قوي الذهن، حسن الأخلاق.
وتوفي في المحرم. انتهى وفيها المولى مصلح الدّين الشهير ببستان الحنفي [1] .
قال في «العقد المنظوم» : ولد بقصبة تيرة [2] سنة أربع وتسعمائة، وطلب العلم، ورحل في الطلب، وأخذ عن علماء عصره، كالمولى محيي الدّين الفناري، والمولى شجاع، وابن كمال باشا، وتخرّج به وصار ملازما من المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ثم تنقّل في المدارس وقضاء القصبات، إلى أن قلّد قضاء برسة، ثم قضاء أدرنة، ثم قضاء قسطنطينية، ثم قضاء عسكر أناضول، ثم بعد عشرة أيام قضاء روم إيلي لموت جوي زاده، فاستقرّ فيه خمس سنين، ثم عزل، وعيّن له مائة وخمسون درهما كل يوم.
وكان من أكابر العلماء وفحول الفضلاء إذا باحث أقام للإعجاز برهانا وأصمت ألبابا وأذهانا، وكان المشاهير من كبار التفاسير مركوزة في صحيفة خاطره، وأما العلوم العقلية فإليه فيها المنتهى.
وكتب «حاشية على تفسير البيضاوي لسورة الأنعام» ثم سلك مسلك الزّهد والصلاح.
وكان يحفظ القرآن العظيم ويختمه في صلاته كل أسبوع.
وتوفي في العشر الأخير من شهر رمضان، ودفن بقرب زاوية السيد البخاري خارج قسطنطينية.
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (395- 398) و «هدية العارفين» (2/ 435) و «معجم المؤلفين» (12/ 280- 281) واسمه: «مصطفى بن محمد علي الرّومي» .
[2] في «آ» : «تيرة» في «ط» : «نيرة» والتصحيح من «العقد المنظوم» و «معجم المؤلفين» .(10/563)
سنة ثمان وسبعين وتسعمائة
فيها كان ميلاد صاحب «النّور السافر في أعيان القرن العاشر» في عشية يوم الخميس لعشرين خلت من شهر ربيع الأول كما قاله في «نوره» [1] .
وفيها توفي المولى أحمد بن عبد الله، المعروف بفوري أفندي [2] مفتي الحنفية بدمشق الشام.
قال في «الكواكب» : كان من العلماء البارعين والفضلاء المحقّقين، ولي تدريس السليمانية بدمشق والإفتاء بها، وعمل درسا عاما استدعى له العلماء، وكتب إلى شيخ الإسلام الوالد يستدعيه إليه وكان الشيخ مريضا مدة طويلة، فكتب يعتذر إليه:
حضوري عند مولاي مناي [3] ... ولكنّ الضّرورة لا تساعد
لضعف ليس يمكنني ركوب ... ولا مشي يقارب أو يباعد
وأشهر علّتي لا شكّ عشر ... تعذّر أن أرى فيهنّ قاعد
وأحسن حالتي ذا الحين مشي ... يكون به المعاون والمساعد
ولولا ذاك مولانا قعدنا ... لسمع دروسك العليا مقاعد
بقيت مدى الزّمان فريد عصر ... إلى أعلى المراتب أنت صاعد
وكانت وفاة المفتي يوم الثلاثاء ختام شوال ودفن بتربة باب الصغير بالقلندرية، رحمه الله تعالى.
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (334) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 117- 118) .
[3] في «آ» و «ط» : «منائي» وما أثبته من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.(10/564)
وفيها رحمة الله بن قاضي عبد الله السّندي الحنفي [1] نزيل مكّة.
قال في «الكواكب» : كان عالما [2] فاضلا، له رسالة سمّاها «غاية التحقيق ونهاية التدقيق» في مسائل ابتلي بها أهل الحرمين الشريفين. انتهى وفيها الشيخ محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الله، المعروف بالزّغبي [3] الشيخ الصّالح المجذوب.
قال في «الكواكب» : كان سمينا طويل اللحية، له شيبة بيضاء، وكان له ذوق ونكت ولطائف على لسان القوم وإشارات الصوفية.
وكان قد صحب في طريق الله جماعة، منهم الشيخ عمر العقيبي.
وحدثني بعض إخواننا الصّالحين قال: كنت مرة مع الزّغبي بقرية برزة بالمقام، فسألته بماذا أعطي ما أعطي، قال: فقال لي: ما لك بهذا السؤال، فقلت: لا بد أن تخبرني، فقال: يا ولدي ما نلت هذه الرّتبة حتّى سحت في البرّية أربع عشرة سنة.
وحكى لي أنه في بدء أمره وحال تجرّده وقف على جبل الرّبوة المعروف بالمنشار، فوثب منه إلى جبل المزّة وأنا أنظر.
وكان الزّغبي يحبّ أن يشرب الماء عن الرّماد ويصفه لكل من شكا إليه مرضا أي مرض كان، وكان يقول هو الصفوة.
وكان منزله بمحلّة القيمرية، ومرّ يوما على دكان جزار بمحلّة القيمرية فوجد الشيخ شهاب الدّين الطّيبي واقفا على الجّزار، فقال الزّغبي للجزّار: يا معلّم توصّ من هذا الشيخ، فإنه يتصرّف في الألوف [4] من الناس ويطاوعونه ولا يتجرأ أحد على مخالفته، إن طأطأ رأسه طأطؤوا معه، وإن رفع رأسه رفعوا معه.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 152) .
[2] في «ط» : «عاملا» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 32- 37) و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 184) .
[4] في «آ» و «ط» : «من الألوف» والتصحيح من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.(10/565)
قال: وسأله بعض الناس عن أسفار زوجته فقال: وَالْقَواعِدُ من النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً 24: 60 الآية [النّور: 60] .
وكانت وفاة زوجته قبله في سنة سبع وسبعين بقرية حرستا، ودفنت هناك، ولما توفيت قال: تقدمتنا الحجّة واتسعنا لحزنها ولو تقدمناها ما وسعت حزننا.
ومرّ قبل موته بنحو سنة بالمكان الذي هو مدفون فيه الآن، فقال لا إله إلّا الله إن لنا هنا حبسة [1] طويلة، فلما توفي دفن هناك قريبا من الشيخ أبي بكر بن قوام، وقبره مشهور يزار، وعليه قبّة حسنة، وقيل: إن يوم موته وافق فتح قبرس [2] . انتهى باختصار.
__________
[1] كذا في «ط» و «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف: «حبسة» وفي «آ» : «حبسة» .
[2] المعروفة الآن ب «قبرص» .(10/566)
سنة تسع وسبعين وتسعمائة
فيها توفي الفقيه بأفضل حسين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الشافعي الحضرمي [1] .
قال في «النور» : كان من أكمل المشايخ العارفين الجامعين بين علوم الشريعة وسلوك الطريقة وشهود الحقيقة، صاحب أحوال سنيّة، ومقامات عليّة، وفراسات صادقة، وكرامات خارقة، وله في التصوف رسالة سمّاها «الفصول الفتحية والنفثات الروحية فيما يوجب الجمعية» و «عدم البراح من جانب [2] الحق والفناء والبقاء به بالكّلية والجزئية» .
وتوفي بتريم رحمه الله ورضي عنه.
وفيها الشيخ رمضان [3] ، المعروف ببهشتي [4] كان من قصبة ديزه، فخرج منها لطلب العلم، واتصل بمجالس الأعلام، فقرأ على المولى محمد الشهير بمرحبا ثم اتصل بخدمة المولى سعد الله، ثم حبّبت إليه العزلة والقناعة، ورغب عن قبول المناصب، واختار خطابة جامع أحمد باشا في قصبة جورلي، وأكبّ على الاشتغال والأشغال، وانتفع به الطلبة وهرعوا إليه، وكتب في أثناء دروسه حاشية لطيفة على «حواشي الخيالي» وعلى «شرح المسعود الرومي في آداب البحث» وحواشي على بعض المواضع من «شرح المفتاح» للشريف.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (344- 348) .
[2] لفظة «جانب» سقطت من «ط» .
[3] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (408- 410) .
[4] في «آ» : «المعروف ببهشي» .(10/567)
وكان عالما، فاضلا، مدقّقا لطيف الطبع، حسن الصّحبة، حلو المحاورة، ينظم الشعر التركي أبلغ نظام، فاتسم فيه ببهشتي على عادتهم.
وتوفي في القصبة المزبورة.
وفيها المولى خواجه عطاء الله [1] معلّم السلطان سليم خان بن السلطان سليمان خان.
قال في «ذيل الشقائق» : نشأ بقصبة بركي من ولاية آيدين صارفا لرائج عمره في إحراز العلوم والمعارف، بحيث لا يلويه عن تحصيلها عائق ولا صارف، وقرأ على ابن كمال باشا، والمولى أبي السعود المفتي، وسعد الله محشّي «تفسير البيضاوي» وهو قاض بقسطنطينية، ثم صار ملازما بطريق الإعادة من إسرافيل زاده، ثم تنقّل في المدارس، ثم عيّن لتعليم السلطان سليم خان وهو يومئذ أمير بلواء مغنيسا، ولما وصلت السلطنة إلى مخدومه علت كلمته، وارتفعت مرتبته [2] ، واستقام أمره، واشتعل جمره، فبالغ في إكرامه، وأفرط في إعظامه، وكان يدعوه إلى داره العامرة فيجتمع به، ثم قدّم صغار طلبته على المشايخ الكبار وقلّدهم المناصب الجليلة في الأزمنة القليلة، فضجّ الناس عليه بالدعاء.
وكان عالما، فاضلا، ورعا، ديّنا، قوي الطبع، صحيح الفكر، إلّا أن فيه التعصب الزائد، وكتب رسالة تشتمل على خمسة فنون، الحديث، والفقه، والمعاني، والكلام، والحكمة.
وتوفي في أوائل صفر بقسطنطينية وصلّى عليه المولى أبو السعود المفتي.
وفيها المولى علي [3] .
قال في «الكواكب» : «ابن إسرافيل» . وقال في «العقد المنظوم» : «ابن محمد» الشهير بقنالي زاده.
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (406- 408) و «معجم المؤلفين» (6/ 283) .
[2] في «ط» : «رتبته» وما جاء في «آ» موافق لما في «العقد المنظوم» مصدر المؤلف.
[3] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (411- 417) وفيه: «المشتهر بحنّاوي زاده» . و «الكواكب السائرة» (3/ 187- 190) و «معجم المؤلفين» (7/ 193- 194) .(10/568)
ولد سنة ثمان عشرة وتسعمائة في قصبة أسيارية من لواء حميد، وكان أبوه من قضاة بعض القصبات، ثم اشتغل المترجم بالعلوم، فقرأ على المولى محيي الدّين المشتهر بالمعلول، والمولى سنان الدّين محشّي «تفسير البيضاوي» والمولى محيي الدّين المشتهر بمرحبا ثم صار معيدا لدرس المولى صالح الأسود، وعلى جوي زادة ولازمه وصار ملازما من المولى محيي الدّين الفناري، ثم عمل رسالة حقّق فيها بحث نفس الأمر وعرضها على أبي السعود أفندي، وهو يومئذ قاضي روم إيلي، فقلّده المدرسة الحسامية بأدرنة بعشرين، ثم تنقّل في المدارس إلى أن قلّد قضاء دمشق، ثم القاهرة، ثم بروسه، ثم أدرنة، ثم قسطنطينية، ثم قضاء عسكر أناضولي.
وكان- رحمه الله تعالى- إماما، عالما، بليغا، واسع المعرفة، كثير الافتنان، جاريا في مجاري المعارف بغير عنان اخترع الكثير من المعاني وولّد وقلّد جيد الزمان من منثوره ومنظومه ما قلّد فمن نظمه:
أرى من صدغك المعوجّ دالا ... ولكن نقطة من مسك خالك
فصارت [1] داله بالنقط ذالا ... فها أنا هالك من أجل ذلك
ومنه:
لهيب [نار] [2] الهوى من أين جاء إلى ... أحشاك حتى رأينا القلب وهّاجا
وما دروا أنّه من سحر مقلته ... ألفى سبيلا إلى قلبي ومنهاجا
ومنه:
أنفق فإن الله كافل عبده ... فالرّزق في اليوم الجديد جديد
المال يكثر كلّما أنفقته ... كالبئر ينزح ماؤها [3] فيزيد
ومن نثره قوله في رسالة قلمية: مدّ باعه في العلوم، وقده قيد شبر [4] ، حبر
__________
[1] في «الكواكب السائرة» : «فأصبح» .
[2] لفظة «نار» مستدركة من «العقد المنظوم» مصدر المؤلف.
[3] في «العقد المنظوم» : «ماؤه» .
[4] في «العقد المنظوم» : «ومده فيه شبر» .(10/569)
باهر [1] ، إذا رأيت آثاره تقول: [ما] أحسن بهذا الحبر [2] ، قادر على تحرير العلوم وتحبيره، يتكلم ويدر على الكافور عبيرا، فيا حسن تعبيره إذا شكّل رفع الإشكال، وإذا قيّد أطلق العقول من العقال، طورا يجلس على الدست مثل الكرام الصيد وطورا يبيت على [كهف] المحبرة [3] ، باسطا ذراعيه بالوصيد، [كأنه] يتنزه في مراتع الطّرب، ويتبختر في غلايل القصب [4] إذا شطّ داره نشط [5] عنه مزاره، فهو يبكي كالغمام وينوح كالحمام [6] يذكّر [7] لداته وأترابه، ويحنّ إلى أول أرض مسّ جلده ترابه [8] على منبر [9] الأنامل، خطيب مصقع ألف، تراه تارة في الدولة وطورا على الإصبع، يقوم في خدمة الناس، وإذا قلت له أجر يقول على الرأس يتعيش بكسب يمينه ويقتات من عرق جبينه، لفظوا باسمه فصيحا وهو محرّف، أرادوا أن يصحّفوه فلم يصحّف، ميزاب عين الحكمة عنه، نابعة مقياس بمصر العلم، يعتبرون أصابعه أخرس ولكن لسانه قارئ يتكلم بعد ما قطع رأسه، وهو حكمة الباري، مدّاح لكنه لا يفارقه الهجا ستر [10] طرة صبح تحت أذيال الدّجى.
وله رسالة سيفية طنّانة وأشعار فارسية وغيرها.
وكان أعجوبة من الأعاجيب.
وتوفي- رحمه الله- شهيدا في سابع عشر رمضان بمدينة أدرنة، وذلك أنه سافر مع السلطان إلى أدرنة، وكان مبتلى بعرق النساء، فاشتد ألمه بالحركة وشدة
__________
[1] في «العقد المنظوم» : «حبر ماهر» .
[2] في «ط» : «الخبر» .
[3] في «ط» : «المجرة» .
[4] في «العقد المنظوم» : «ويستمر في بلال القصب» .
[5] في «العقد المنظوم» : «شط عنه» .
[6] في «العقد المنظوم» : «فهو يبكي كالغمامة وينوح كالحمامة» .
[7] في «آ» و «ط» : «ويذكر» وهو تصحيف والتصحيح من «العقد المنظوم» .
[8] في «ط» : «مسّ جلد ترابه» .
[9] لفظة «منبر» لم ترد في «العقد المنظوم» الذي بين يدي.
[10] في «العقد المنظوم» : «يستر» .(10/570)
البرد، فعالجه بعض المتطببة ودهنه بدهن فيه بعض السموم، ثم أعقبه بالطّلاء بدهن النّفط، فوصل السم إلى باطنه فكان سبب موته.
[1] وفي حدودها [2] الإمام العلّامة تقي الدّين [محمد بن] أحمد بن شهاب الدّين الفتّوجي [3] صاحب «المنتهى» [4] .
قال الشعراوي في «ذيله على طبقاته» : ومنهم سيدنا ومولانا الشيخ الإمام العلّامة الشيخ تقي الدّين، ولد شيخنا شيخ الإسلام الشيخ شهاب الدّين الشهير بابن النّجار، صحبته أربعين سنة فما رأيت عليه ما يشينه في دينه بل نشأ في عفّة، وصيانة، ودين، وعلم، وأدب، وديانة.
أخذ العلم عن والده شيخ الإسلام المذكور وعن جماعة من أرباب المذاهب المخالفة، وتبحّر في العلوم، حتّى انتهت إليه الرئاسة في مذهبه، وأجمع الناس أنه إذا انتقل إلى رحمة الله تعالى مات بذلك فقه الإمام أحمد من مصر، وسمعت القول مرارا من شيخنا الشيخ شهاب الدّين الرّملي وما سمعته قطّ يستغيب أحدا من أقرانه ولا غيرهم، ولا حسد أحدا على شيء من أمور الدنيا، ولا تزاحم عليها، وولي القضاء بسؤال جميع أهل مصر، فأشار عليه بعض العلماء، بالولاية، وقال:
يتعين عليك كذلك، فأجاب مصلحة للمسلمين.
وما رأيت أحدا أحلى منطقا منه، ولا أكثر أدبا مع جليسه، حتى يود أنه لا يفارقه ليلا ولا نهارا.
وبالجملة فأوصافه الجميلة تجلّ عن تصنيفي، فأسأل الله أن يزيده من فضله علما وعملا وورعا إلى أن يلقاه، وهو عنه راض، آمين اللهم آمين، انتهى [1] .
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[2] قلت: هكذا دوّن المؤلف رحمه الله هذه الترجمة متشككا في سنة وفاة صاحبها، وفي معظم المصادر أنه مات سنة (972) هـ.
[3] ترجمته في «النعت الأكل» ص (141- 142) و «السحب الوابلة» ص (347- 350) و «مختصر طبقات الحنابلة» للشطي ص (91- 92) و «الأعلام» (6/ 6) و «معجم المؤلفين» (8/ 276) وما بين الحاصرتين مستدرك منها جميعا.
[4] واسمه الكامل: «منتهى الإرادات» وهو في فقه الحنابلة. انظر «كشف الظنون» (2/ 1853) .(10/571)
وفيها يعقوب أفندي الكرماني الحنفي [1] الإمام العالم الزّاهد الناسك.
ولد ببلدة شيخلو، وكان أبوه من الأجناد العثمانية، ورغب هو في العلم وأهله، فجد واجتهد، وأخذ عن علماء عصره، ثم رأى صورة المحشر في المنام وشاهد فيه شدائد الساعة وأهوال القيامة [2] ، فلما استيقظ سلك طريق الصوفية، واختار [3] سلوك منهج الخلوتية، فأخذ ذلك عن مصلح الدّين المشتهر بمركز أنف، وصار خليفة من خلفائه إلى أن فوض إليه مشيخة زاوية مصطفى باشا بقسطنطينية فسلك بها أحسن الطرق، مع العلم، والدّين، والوعظ، والتذكير، والتفسير، وانتفع به الناس إلى أن توفي في ذي القعدة.
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (417- 418) .
[2] في «ط» : «القيام» .
[3] في «ط» : «فاختار» .(10/572)
سنة ثمانين وتسعمائة
فيها كما قال في «النور» [1] أخذ السلطان أكبر بن همايون كجرات، وهو من ذرّية تيمورلنك بينه وبينه أربعة آباء، وكان عظيم الشأن، ورزق السّعد، وطالت أيامه، واتسع ملكه جدا، وكان عادلا إلا أنه كان [2] يميل إلى الكفرة، ويستصوب أقوالهم، ويستحسن أفعالهم.
وتوفي في جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وألف، وكانت مدة سلطنته خمسين سنة، وتولى بعده ولده سليم شاه. انتهى وفيها توفي الشيخ بالي الخلوتي، المعروف بسكران [3] .
قال في «العقد المنظوم» : نشأ في طلب العلم وتحصيل الفضائل، حتى صار ملازما من المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ودرّس في عدة مدارس، ثم رأى مناما كان سببا لتركه ذلك وإقباله على طريق التصوف.
وتلقّن الذّكر، وسلك الطريق، وفوضت إليه زاوية داخل قسطنطينية، فاشتغل بالإرشاد والإفادة وتربية المريدين.
وكان عالما، فاضلا، عابدا، صالحا معرضا عن أبناء الدّنيا غير مكترث بالأغنياء لم يدخل قط إلى باب أمير ولا صاحب منصب، غاية في [الحبّ و] الميل إلى الخيل، الجياد ويرسل بعضها إلى الغزو، صاحب جذبة عظيمة.
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (349- 350) .
[2] لفظة «كان» سقطت من «آ» .
[3] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (426- 427) .(10/573)
وله في تعبير الرؤيا ما يدهش.
وتوفي في ذي القعدة ودفن بقسطنطينية.
وفيها زينب بنت محمد بن محمد بن أحمد الغزّي الشافعية [1] .
قال في «الكواكب» : كانت من أفاضل النساء، من أهل العلم والدّين والصّلاح.
مولدها في القعدة سنة عشر وتسعمائة، وقرأت على والدها وعلى أخيها شقيقها الشيخ الوالد كثيرا، وكتبت له كتبا بخطّها، ومدحته بقصيدة تقول فيها:
إنما العالم الذي ... جمع العلم واكتمل
قام فيه بحقّه ... يتبع العلم بالعمل
سهر اللّيل كلّه ... بنشاط بلا كسل
فهو في الله دأبه ... أبد الدّهر لم يزل
حاز علما بخشية ... وبدنياه ما اشتغل
حاسديه تعجّبوا ... ليس ذا الفضل بالحيل
ذاك مولاه خصّه ... بكمال من الأزل
من يرم مشبها له ... في الورى عقله اختبل
أو بلوغا لفضله ... فله قطّ ما وصل
فهو شيخي وسيّدي ... وبه النّفع قد حصل
وشعرها في المواعظ وغيرها في غاية الرّقة والمتانة، اتصلت بمنلا كمال، وبعده بالقاضي شهاب الدّين البصروي. انتهى وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي الغزّي الأزهري الشافعي [2] الإمام العلّامة المعمّر.
__________
[1] ترجمتها في «الكواكب السائرة» (3/ 154- 155) و «الأعلام» (3/ 67) و «أعلام النساء» (2/ 112- 113) .
[2] لم أعثر على ترجمته فيما بين يدي من المصادر والمراجع.(10/574)
أخذ عن القاضي زكريا وغيره.
وكان إماما، محدّثا، مسندا، جليل القدر، وافر العلم، رحمه الله تعالى.
وفيها المولى مصلح الدّين، المشتهر بمعلّم زاده الحنفي [1] ، ينتهي نسبه إلى السلطان إبراهيم بن أدهم [2] رضي الله عنه [2] .
قرأ على سعد الله بن عيسى بن أمير خان، وتنقّل في المدارس إلى أن ولي قضاء حلب، ثم قضاء برسه، ثم قضاء العسكر الأناضولي، ثم الرّوم إيلي، ودام فيه خمس سنين.
وكان بينه وبين عطاء الله معلّم السلطان مصاهرة واتصال، فلذا حصلت له الحظوة وعظم الشوكة، ولما مات عطاء الله اغتنم أعداؤه الفرصة، وسعوا به حتّى عزل.
وكان عالما، فاضلا، محقّقا، كاملا، مجيدا للكتابات على الفتاوى، لين الجانب مجبولا على الكرم وحسن المعاشرة، غير أن فيه طمعا زائدا وحرصا وافرا.
وتوفي في ربيع الأول وقد أناف على سبعين سنة، ومات وهو متوض وصلّى ركعتين، وأخذ سبحته بيده واضطجع، فخرجت روحه، ودفن بفناء مسجده الذي بناه في مدينة برسه.
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (425- 426) .
[2] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» .(10/575)
سنة إحدى وثمانين وتسعمائة
وفيها- وقيل سنة تسع وسبعين وهو الصحيح- توفي الشيخ شهاب الدّين أحمد الطيّبي الشافعي [1] الإمام العلّامة.
أخذ عن الكمال بن حمزة وغيره من علماء عصره، وأجازوه، وعني بالحديث والقراآت، فصار ممن يشار إليه فيهما بالبنان.
وكان إماما بجامع بني أمية، علّامة، محدثا، فاضلا، عديم النظير.
ومن شعره عاقدا لما أخرجه أبو المظفّر ابن السّمعاني عن الجنيد رحمه الله إنما تطلب الدّنيا لثلاثة أشياء: الغنى، والعزّ، والرّاحة، فمن زهد فيها عزّ، ومن قلّ سعيه فيها استراح، ومن قنع فيها استغنى:
لثلاث يطلب الدّنيا الفتى ... للغني والعزّ أو أن يستريح
عزّه في الزّهد والقنع غنى ... وقليل السّعي فيها مستريح
وبالجملة فكان أحد مشايخ دمشق وعلمائها وصدورها، رحمه الله تعالى.
وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد الفارضي القاهري الحنبلي [2] الشاعر المشهور الإمام العلّامة.
قال في «الكواكب» : أخذ عن جماعة من علماء مصر، واجتمع بشيخ
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 114- 116) و «الأعلام» (1/ 91- 92) و «معجم المؤلفين» (1/ 146- 147) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 83- 85) و «النعت الأكل» ص (142- 148) و «مختصر طبقات الحنابلة» (97- 99) و «الأعلام» (6/ 325) و «معجم المؤلفين» (11/ 114) .(10/576)
الإسلام الوالد حين كان بالقاهرة سنة اثنتين وخمسين، وكان بدينا سمينا، فقال الوالد يداعبه:
الفارضيّ الحنبليّ الرّضي ... في النحو والشعر عديم المثيل
قيل ومع ذا فهو ذو خفّة ... فقلت كلا بل رزين ثقيل
واستشهد الشيخ شمس الدّين العلقمي [1] بكلامه في «شرح الجامع الصغير» فمن ذلك قوله في معنى ما رواه الدّينوري في «المجالسة» والسّلفي في بعض تخاريجه، عن سفيان الثوري قال: «أوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام: لأن تدخل يدك إلى المنكبين في فم التّنين خير من أن ترفعها إلى ذي نعمة قد عالج الفقر» :
إدخالك اليد في التّنّين تدخلها ... لمرفق منك مستعد فيقضمها
خير من المرء يرجى في الغنى وله ... خصاصة سبقت قد كان يسنمها
ومن بدائع شعره:
إذا ما رأيت الله للكلّ فاعلا ... رأيت جميع الكائنات ملاحا
وإن لا ترى إلا مضاهي صنعه ... حجبت فصيّرت المساء صباحا
ومن محاسنه أيضا أنه صلّى شخص إلى جانبه ذات يوم فخفّف جدا، فنهاه فقال: أنا حنفيّ، فقال الفارضي:
معاشر النّاس جمعا حسبما رسمت ... أهل الهدى والحجا من كل من نبها
ما حرّم العلم النّعمان في سند ... يوما طمأنينة أصلا ولا كرها
وكونها عنده ليست بواجبة ... لا يوجب التّرك فيما قرّر الفقها
فيا مصرّا على تفويتها أبدا ... عد وانتبه رحم الله الذي انتبها
انتهى ملخصا.
وأخذ عن الفارضي كثير من الأجلاء، منهم العلّامة شمس الدّين محمد
__________
[1] تقدمت ترجمته في وفيات سنة (963) من هذا المجلد ص (490) .(10/577)
المقدسي العلمي، مدرّس القصّاعية بدمشق، وأنشد له، وذكر أن القاضي البيضاوي خطّأ من أدغم الراء في اللام ونسبه إلى أبي عمرو:
أنكر بعض الورى على من ... تدغم في اللام عنه راء
ولا نخطّي أبا شعيب ... والله يغفر لمن يشاء
وله:
ألا خذ حكمة مني ... وخلّ القيل والقالا
فساد الدّين والدّنيا ... قبول الحاكم المالا
وقال يرثي الشيخ مغوش التونسي لما مات بمصر:
تقضّى التونسيّ فقلت بيتا ... يروّح كل ذي شجن ويؤنس
أتوحشنا وتؤنس بطن لحد ... ولكن مثل ما أوحشت تونس
وفيها- تقريبا أيضا- قال في «الكواكب» ما لفظه: محمد بن عبد الله بن علي الشيخ العلّامة الشّنشوري المصري الشافعي [1] .
مولده- تقريبا- سنة ثمان وثمانين وثمانمائة، وأخذ عن الجلال السيوطي، والقاضي زكريا، [2] والدّيمي، والقلقشندي [2] ، والسّعد الذهبيّ، والكمال الطّويل، والنور المحلّي، وله مؤلفات في الفرائض وغيرها، وأجاز ابن كسباي في ربيع الثاني سنة ثمانين وتسعمائة. انتهى بحروفه وقال ولده الشيخ عبد الله [3] شارح «الترتيب» [4] في إجازة ذكر فيها مشايخه:
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 37- 38) و «معجم المؤلفين» (10/ 226- 227) والشنشوري: نسبة إلى قرية شنشور من قرى المنوفية. انظر «التحفة السّنية» ص (107) وانظر ما علّقه العلامة الزركلي في ضبطها في «الأعلام» (4/ 129) في ترجمة ولده.
[2] ما بين الرقمين سقط من «الكواكب السائرة» الذي بين يدي.
[3] هو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علي العجمي الشنشوري، الفرضي، من فقهاء الشافعية في عصره. كان خطيب الجامع الأزهر بمصر. له مؤلفات مختلفة. مات سنة (999) هـ. عن «معجم المطبوعات العربية» (2/ 1147) و «الأعلام» للزركلي (4/ 128- 129) و «معجم المؤلفين» لكحالة (6/ 128) .
[4] واسم كتابه: «فتح القريب المجيب بشرح الترتيب» وهو مطبوع بمجلدين بمطبعة محمد مصطفى(10/578)
ومن مشايخي الشيخ العلّامة والدي الشيخ بهاء الدّين محمد بن الشيخ الصّالح عبد الله بن الشيخ المسلّك نور الدّين علي الشّنشوري الشافعي.
وتوفي والدي سابع عشر الحجّة الحرام سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، وله من العمر تسع وتسعون سنة. انتهى ومن خطّه نقلت.
وفيها المولى علي بن عبد العزيز، المشتهر بأم ولد زاده [1] .
قال في «العقد المنظوم» : صار ملازما من المولى محيي الدّين الفناري، وتنقّل في المدارس، وقاسى فقرأ شديدا أيام طلبه، إلى أن ولي قضاء حلب فلم يكمل سنة حتى توفي.
وكان عالما، أديبا، وفاضلا لبيبا، مبرّزا على أقرانه، حائزا قصبات السبق في ميادين العلوم، وله رسائل أنيقة وألفاظ رشيقة.
ومن شعره القصيدة الميمية الطنّانة التي أولها:
أبا لصّدّ تحلو عشرة وتدام ... وفي القلب من نار الغرام ضرام
شربت بذكر العامريّة قهوة ... فسكري إلى يوم القيام مدام
وهي طويلة انتهى ملخصا.
__________
بمصر سنة 1301 هـ. انظر «معجم المطبوعات» لسركيس (2/ 1147) .
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (430- 436) و «درّ الحبب» (1/ 2/ 1001- 1003) .(10/579)
سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة
فيها عمر درويش باشا الوزير جامعا بدمشق المحروسة [1] فجعل له ماميّة [2] تاريخا فقال:
في دولة السّلطان بالعدل مراد ... من قام بالفرض وأحيا السّنّه
درويش باشا قد أقام معبدا ... وكم له أجر به ومنه
بناه خير جامع تاريخه ... (لله فاسجد واقترب بجنّه) [3]
وفيها توفي السلطان الأعظم سليم بن سليمان [4] .
قال في «الأعلام» مولده الشريف سنة تسع وعشرين وتسعمائة، وجلوسه على تخت ملكه الشريف بالقسطنطينية العظمى في يوم الاثنين لتسع مضين من ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وتسعمائة، ومدة سلطنته الشريفة تسع سنين، وسنّه حين تسلطن ست وأربعون سنة، وعمره كلّه ثلاث وخمسون سنة.
وكان سلطانا، كريما، رؤوفا بالرّعية، رحيما، عفوّا عن الجرائم، حليما، محبّا للعلماء والصلحاء، محسنا إلى المشايخ والفقراء، طالما طافت بكفّيه الآمال واعتمرت، وصدع بأوامره الليالي والأيام فائتمرت. كم أظهرت لسواد الكفرة يد
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (355) .
[2] هو محمد بن أحمد بن عبد الله، المعروف بمامية الرومي. سترد ترجمته في وفيات سنة (987) من هذا المجلد ص (606) .
[3] مجموعها في حساب الجمّل (982) .
[4] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (454- 456) و «النور السافر» ص (354- 355) و «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (253- 258) و «أخبار الدول وآثار الأول» للقرماني (3/ 66- 73) .(10/580)
صارمه البيضاء آية للناظرين، وكم جهّز جيوشا للجهاد في سبيل الله فقطع دابر القوم الكافرين، فمن أكبر غزواته فتح جزيرة قبرس بسيف الجهاد، ومنها فتح تونس المغرب، وحلق الواد [1] ، ومنها فتح ممالك اليمن واسترجاعها من العصاة البغاة أهل الإلحاد.
ومن خيراته تضعيف صدقة الحبّ على أهل الحرمين والأمر ببناء المسجد الحرام.
وتوفي لسبع مضين من شهر رمضان، ودفن بقرب أيا صوفيا، وتولى بعده ولده السلطان مراد، ولماميّة الرّوم في تاريخ جلوسه:
بالبخت فوق التّخت أصبح جالسا ... ملك به رحم الإله عباده
وبه سرير الملك سرّ فأرّخوا ... حاز الزّمان من السّرور مراده
وفيها إلياس القرماني الطّبيب الحنفي [2] .
قال في «العقد المنظوم» : ولد بولاية قرمان [3] ، ثم خرج من بلاده لطلب العلم بعد ما بلغ الحنث، وتنقّل في البلدان، حتّى وصل إلى خدمة الحكيم إسحاق، وحصل عنده بعض العلوم، سيما الطب، وفتح حانوتا في بعض الأسواق، وتكسّب بالطب وبيع المعاجين والأشربة، ثم فرغ عن الحانوت، وشمّر عن ساق الاجتهاد، وبعد ما ظهر فيه الشّيب وتقيد بأخي زاده، وحصّل عليه كثيرا من العلوم، هذا مع العائلة [4] والاحتياج، إلى أن برع وفاق أقرانه، وكان من
__________
[1] ويقال لها أيضا (حلق الوادي) وهي بلدة سياحية ومركز تجاري على ساحل البحر الأبيض المتوسط من أعمال ولاية تونس عاصمة الجمهورية التونسية. انظر «المنجد في الأعلام» ص (257) و «أطلس العالم» للأستاذ شارل جورج بدران الخريطة (28) المربع (هـ) و «أطلس العالم» طبع مكتبة لبنان ص (61) .
[2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (456- 457) .
[3] قرمان: مدينة في وسط تركية الأسيوية اسمها القديم لا رندة. اتخذها سلالة قرمان أغلو عاصمة لها في القرآن الثامن الهجري. انظر «المنجد في الأعلام» ص (548) .
[4] أي مع الفقر.(10/581)
العلماء العاملين، مع كمال الورع والتصلّب في الدّين، آية في الزّهد والتّقوى، متبحّرا في الفنون الشرعية والنقلية، مشاركا في العلوم العقلية. وكان يفسّر القرآن العظيم وينتفع به الناس، إلى أن توفي شهيدا في ذي القعدة، وذلك أنه طبّب فرهاد باشا الوزير [1] من سلس البول، فمات في أيام قلائل بالزّحير [2] فاتّهم بقتله، فترصّد له جماعته ساعة، حتّى خرج من داره، فضربوه بالسكاكين حتّى قتلوه، فغضب السلطان لذلك، وصلب بعضهم، ونفى الباقين.
وفيها الشيخ عبد القادر بن أحمد بن علي الفاكهي المكّي الشافعي [3] .
قال في «النور» : ولد في ربيع الأول عام عشرين وتسعمائة.
وكان إماما، عالما، وله تصانيف كثيرة، لا تحصى، منها شرحان على «البداية» للغزالي، ورأيت منها جملة عديدة في فنون شتّى، ولعمري أنه كان يشبه الجلال السيوطي في كثرتها، بحيث إنه يكتب على كل مسألة رسالة، مع أن عبارته ما هي بذاك رحمه الله.
وتوفي بمكّة. انتهى وفيها سراج الدّين عمر بن عبد الوهاب النّاشري اليمني الشافعي [4] .
قال في «النور» : ولد بمدينة زبيد.
وكان إماما، علّامة. وكان سئل عما يعتاده أهل زبيد من العيد الذي في أول خميس من رجب هل له أصل وهل هو سنّة أم لا، فأجاب بهذه الأبيات [5] :
وسائل سال عن قوم وعادتهم ... عيد الخميس الذي في مبتدا رجب
__________
[1] أخبار الوزير فرهاد باشا في «أخبار الدول وآثار الأول» (3/ 75 و 76 و 103) .
[2] الزحير: استطلاق البطن بشدة وتقطيع في البطن يمشّي دما. «القاموس المحيط» (زحر) .
[3] ترجمته في «النور السافر» ص (353- 354) و «الأعلام» (4/ 36) و «معجم المؤلفين» (5/ 283) .
[4] ترجمته في «النور السافر» ص (352- 353) .
[5] الأبيات في «النور السافر» ص (352- 353) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.(10/582)
[أسنّة هو أو لا؟ أوضحوه لنا ... وما لتمييز هذا اليوم من سبب؟
فقلت ذا مبدأ الإسلام في يمن ... عيد الخميس الذي في مبتدا رجب]
أتى معاذ بأمر الله فيه لنا ... بالاتّباع إلى منهاج خير نبي
فصار ذلك عيدا عندنا فلذا ... نخصّه لمزيد الحبّ بالقرب
ولا نقول بتخصيص الصّيام له ... ولا صلاة ولا شيء من القرب
نعم لنا فيه تخصيص المحبّة إذ ... كان النّجاة لنا فيه من العطب
فصار إقباله فيه القبول على ... قوابل القابلين الكل عن أرب
ثم الصّلاة مع التّسليم لا برحا ... على محمد خير العجم والعرب
والآل والصّحب ثم التّابعين لهم ... ما انهلّ مزن على الأشجار والكثب
وفيها القاضي عيسى الهندي [1] العلّامة المفنّن.
قال في «النور» : كان من أعيان العلماء المشهورين، وواحد المشايخ المدرّسين، وله تصانيف نافعة، رحمه الله تعالى.
وتوفي بأحمدآباد. انتهى.
وفيها ناصر الدّين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عيسى بن شرف، المعروف بابن أبي الجود، وبابن أبي الحيل قديما، وبابن الكشك الشلّاح أبوه [2] .
قال في «الكواكب» : قال الوالد قرأ عليّ من «الترمذي» إلى كتاب الصلاة، والبردة، والمنفرجة، وسمع قصيدتي القافية والخائية، مرثيتي شيخ الإسلام.
[وقصيدتي التائية المثلثة، في مجدّدي دين الأمة، وبعض كتابي الدرّ النضيد،] وغير ذلك وأجزته، مولده سنة تسع عشرة وتسعمائة. انتهى.
وأخبرنا الشيخ أبو اليسر القوّاس أنه كان له ذكاء مفرط، وعرض له أكل الأفيون، وهو لبن الخشخاش، وغلب عليه فكتبت إليه العمّة خالة أبي اليسر المذكور السيدة زينب بنت الشيخ رضي الدّين تنصحه:
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (354) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 53- 54) وما بين الحاضرتين مستدرك منه.(10/583)
يا ناصر الدّين يا بن الكشك يا ذا الجود ... اسمع أقول لك نصيحة تطرب الجلمود
بسك تعاني اللبن فهمك هو المفقود ... يصير بالك وما لك والذّكا مفقود
وكان المذكور رئيس الكتبة بمحكمة القسمة ومامية ترجمانها، وكان يصير بينهما لطائف ووقائع.
وتوفي يوم السبت رابع عشر الحجّة ودفن بباب الفراديس. انتهى ملخصا.
وفيها المولى أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي الحنفي [1] الإمام العلّامة.
قال في «العقد المنظوم» : ولد سنة ثمان وتسعين وثمانمائة بقرية قريبة من قسطنطينية، وقرأ على والده كثيرا من جملة ما قرأه عليه «حاشية التجريد» للشريف الجرجاني بتمامها، و «شرح المفتاح» للشريف أيضا قرأه عليه مرتين، و «شرح المواقف» له أيضا، وصار ملازما من المولى سعدي جلبي، وتنقّل في المدارس، ثم قلّد قضاء برسه، ثم قضاء قسطنطينية، ثم قضاء العسكر في ولاية روم إيلي، ودام عليه مدة ثمان سنين، ثم لما توفي المولى سعد الله بن عيسى بن أمير خان تولى مكانه الفتيا، فقام بأعبائها أتمّ قيام، وذلك سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، واستمر على ذلك إلى أن مات، وسارت أجوبته في جميع العلوم وجميع الآفاق مسير النّجوم، وجعلت رشحات أقلامه تميمة نحر لكونها يتيمة بحر يا له من بحر [2] ، وكان من الذين قعدوا من الفضائل والمعارف على سنامها وغاربها، وضربت له نوبة الامتياز في مشارق الأرض ومغاربها، تفرّد في ميدان فضله فلم يجاره أحد، وانقطع عن
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (439- 454) و «الكواكب السائرة» (3/ 35- 37) و «النور السافر» ص (239- 241) ووفاته فيه: «أبو السعود محمد بن مصطفى» وفيه وفاته سنة (952) وهو وهم. و «الأعلام» (7/ 59) و «معجم المؤلفين» (11/ 301- 302) و «الفوائد البهية» ص (81- 82) و «البدر الطالع» (1/ 261) .
[2] العبارة في «آ» على الشكل التالي: «وجعلت رشحات أقلامه تميمة نحر لكونها تميمة نحر لكونها من بحر يا له من بحر» .(10/584)
القرين والمماثل في كل بلد، وحصل له من المجد والإقبال والشّرف والأفضال ما لا يمكن شرحه بالمقال، وقد عاقه الدرس والفتوى والاشتغال بما هو أهم وأقوى عن التفرغ للتصنيف، سوى أنه اختلس فرصا وصرفها إلى التفسير الشريف، وقد أتى فيه بما لم تسمح به الأذهان ولم تقرع بمثله الآذان، وسماه ب «إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم» [1] ولما وصل منه إلى آخر سورة ص ورد التقاضي من طرف السلطان سليمان خان، فبيّض الموجود وأرسله إليه، وبعد ذلك تيسّر له الختام، وأنعم عليه السلطان بما لم يدخل تحت الحصر، وله «حاشية على العناية» من أول كتاب البيع، وبعض حواش على بعض «الكشّاف» جمعها حال إقرائه له.
وكان طويل القامة، خفيف العارضين، غير متكلّف في الطعام واللباس، وغير أن فيه نوع اكتراث بمداراة الناس والميل الزائد لأرباب الرئاسة، فكان ذا مهابة عظيمة، واسع التقرير، سائغ التحرير، يلفظ الدّرر من كلمه، وينثر الجوهر من حكمه، بحرا زاخرا، وطودا باذخا.
وله شعر كثير مطبوع، منه قصيدته الميمية الطويلة التي أولها [2] :
أبعد سليمى مطلب ومرام ... وغير هواها لوعة وغرام
وفوق حماها ملجأ ومثابة ... ودون ذراها موقف ومقام
وهيهات أن تثنى إلى غير بابها ... عنان المطايا أو يشدّ حزام
وهي طويلة انتهى ملخصا.
وينسب إليه البيتان اللذان أجيب بهما بيتا العجم وهما:
نحن أناس قد غدا دأبنا ... حبّ عليّ بن أبي طالب
يعيبنا النّاس على حبّه ... فلعنة الله على العائب
__________
[1] انظر «كشف الظنون» (1/ 65) فقد أطال الكلام عليه بما هو مفيد.
[2] الأبيات في «العقد المنظوم» ص (445- 447) وقال العلّامة طاش كبري زاده: «وقد عارض فيها ميمية الفاضل السري إمام هذا الشأن أبي العلاء المعرّي، وانظر «النور السافر» ص (240) .(10/585)
فأجاب المولى أبو السعود بقوله:
ما عيبكم هذا ولكنّه ... بغض الذي لقّب بالصّاحب
وقولكم فيه وفي بنته ... فلعنة الله على الكاذب
وتوفي بقسطنطينية مفتيا في أوائل جمادى الأولى، وصلّى عليه المولى سنان محشّي «تفسير البيضاوي» ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.(10/586)
سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة
فيها توفي شمس الدّين أحمد السرائي الحنفي [1] الإمام العالم.
ولد بمدينة سراي ونشأ بها، وطلب العلم، وأكثر من الشيوخ، حتّى صار ملازما من محيي الدّين عرب زادة، ومعيدا له، وصار معلّما للوزير محمود الشهير بزال، فارتفع قدره، وعظم شأنه، ثم تنقّلت به الأحوال، وتقلب في المدارس.
وكان عارفا، عالما، حسن السّمت، مرضي السيرة، صاحب ذهن سليم وطبع مستقيم، معرضا عن البطالة، مكبا على الاشتغال، حسن النثر والنظم باللسان العربي، وله رسالتان سيفية وقلمية في غاية البلاغة.
وتوفي في رجب.
وفيها المولى محمد بن عبد العزيز، المشتهر بمعيدزاده [2] .
قال في «ذيل الشقائق» : مولده بمرعش سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، واشتغل على علماء بلده، ثم جاء إلى قسطنطينية، فقرأ على معمار زاده، ثم على المولى سنان، وصار ملازما من المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ثم تنقّل في المدارس إلى أن توفي، ولم يجلس بمجلس القضاء.
وكان عالما، محقّقا، مدقّقا، صاحب يد طولى في العلوم الأدبية، وقدم
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (479- 481) .
[2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (483- 484) و «الكواكب السائرة» (3/ 85) و «عرف البشام» ص (34- 35) .(10/587)
راسخة في فنون العربية، مع المشاركة التّامة في سائر العلوم المتداولة. وله تعليقات على بعض المواضع من التفسير، والفروع، وغيرهما.
ومن شعره:
لقد جار الزّمان على بنيه ... عليهم ضاق بالرّحب البقاع
ترى الأشعار في الأسعار أغلى ... وعلم الشّرع أكسد ما يباع
فقد صارت جوائزهم عقودا ... وغايتها خماس أو رباع
وكم من شاعر أمسى عزيزا ... لقد أضحى له أمر مطاع
وذي فضل ينادي في البوادي [1] ... أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا [2]
توفي ببيت المقدس لما توجه قاضيا لها قبل أن يباشر الحكم في ذي القعدة انتهى.
وذكر في «الكواكب» أنه كان مفتيا بدمشق ومدرّسا بالسّليمانية بها.
وفيها محمود بن أحمد المشتهر بابن برزان [3] .
ولد بقصبة أسكليب، ونشأ على طلب العلم والفضائل، وأخذ عن أعيان الأفاضل، حتى صار ملازما من المولى أبي السعود وتنقّل في المدارس، وأذن له في الإفتاء فلم تطل مدته.
وكان عارفا، كاملا، مطلعا على دقائق العربية، له باع في العلوم الأدبية، عالما بالفقه والكلام.
وتوفي بقسطنطينية في شوال.
وفيها المولى محمود بن حسن السامون الحنفي [4] الإمام العلّامة.
__________
[1] في «ط» : «في النوادي» وهو تصحيف.
[2] الشطرة الثانية من هذا البيت هي صدر بيت مشهور للعتبي هو:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
[3] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (481) واسمه فيه: «محمد بن أحمد المشتهر بابن بزن» .
[4] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (482- 483) .(10/588)
قرأ على علماء عصره، ومهر، وصار ملازما من المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، وتنقّل في المدارس إلى أن ولي قضاء حلب، ثم دمشق، ثم مكّة، ثم تقاعد بوظيفة مثله.
وكان عالما، صالحا، مشتغلا بنفسه، جيد الحفظ، كثير العلوم، محمود السيرة في قضائه.
وتوفي في ذي القعدة.
وفيها الشيخ محيي الدّين الإسكليبي الحنفي [1] .
ولد بقصبة تسمى إسكليب، ونشأ في طلب العلم، ودار البلاد العجمية، والرّومية، والعربية في طلبه، واجتمع بكثير من الأعيان، وتلقى عن جلّة من علماء الزمان، إلى أن برع في العلوم، وتضلع من المنطوق والمفهوم، ثم سلك طريق السادة الصوفية، وتسلّك بالشيخ إبراهيم القيصري، إلى أن صار كما قال فيه محيي الدّين المشتهر بحكيم جلبي من الرّجال الكاملين، مملوءا من المعارف الآلهية من فرقه إلى قدمه، وروحه المطهرة متصرّفة الآن في هذه الأقطار [2] وإن أرباب السّلوك وطلبة المعارف الإلهيّة مستفيدون من معارفه.
وتوفي- رحمه الله تعالى- بإسكليب.
وفيها مصلح الدّين مصطفى بن الشيخ علاء الدّين المشتهر بجراح زاده الحنفي [3] .
ولد بمدينة أدرنة في صفر سنة إحدى وتسعمائة، ونشأ بها طالبا للعلوم والمعارف، وقرأ كتاب «المفتاح» بإتقان وتحقيق على المولى لطف الله بن شجاع، ثم هبّت عليه نسمات الزّهد، فتلقى طريق القوم من سادات زمانه، وتحمّل مشاق العبادات، والمجاهدات، حتّى صار بحرا من بحار الحقيقة، وكهفا منيفا لأرباب
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (463- 468) .
[2] أقول: هذا من المبالغات التي لا تجوز، فالذي يتصرف في الأقطار هو الله الواحد القهار. (ع) .
[3] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (458- 463) .(10/589)
الطريقة، متخليا عن الأخلاق الناسوتية، متحليا بمفاخر الحلل اللاهوتية، منجمعا عن الناس، معرضا عن تكلّفاتهم، راغبا عن بدعهم وعن خرافاتهم، لا يطرق أبواب الأمراء، ولا يطرف مجالس الأغنياء، وله كشوفات عجيبة وإشرافات على الخواطر غريبة.
وتوفي بأدرنة في المحرّم ودفن بقرب زاوية الشيخ شجاع.(10/590)
سنة أربع وثمانين وتسعمائة
فيها توفي المولى رمضان المعروف بناظر زاده الرومي الحنفي [1] الإمام العلّامة.
قال في «العقد المنظوم» : ولد بقصبة صوفية من بلاد الرّوم، ونشأ في طلب العلم والأدب، وأخذ عن المولى عبد الباقي، والمولى برويز، وصار ملازما من قطب الدّين زاده، وحفظ «الكنز» ، وقلّد المدارس، ثم قلّد قضاء الشام، ثم مصر، ثم بروسه ثم أدرنة، وقبل أن يصل إليها قلّد قضاء قسطنطينية.
وكان ممن حاز قصب السّبق في مضمار الفضائل، وشهد بوفور علمه وغزارة فضله الأفاضل، علما مستقيما، عفيفا، نزها، جميل الصورة، حسن السيرة، متواضعا. ومع هذا الفضل الباهر والتقدم الظاهر لم ير له تأليف لغاية احترازه عن النسبة إلى الخطأ.
وتوفي بقسطنطينية فجأة في أواسط شعبان.
وفيها زين العباد القيصري الحنفي [2] .
ولد ببلدة قيصرية [3] واشتغل على الشيخ شمس الدّين مدرّس البكتوتية ببلدة مرعش، ثم رحل إلى القسطنطينية، وقرأ على علمائها، حتى وصل إلى خدمة
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (486- 487) .
[2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (485- 486) .
[3] قيصرية ويسميها الأتراك قيصري، تقع في وسط الأناضول إلى الجنوب الشرقي من أنقرة. عن حاشية «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (281) .(10/591)
سعدي چلبي محشّي «البيضاوي» ، ثم بعد موته بجوي زاده، وصار ملازما منه، وتنقّل في المدارس حتّى وصل إلى مدرسة با يزيد خان بأماسية بثمانين، وأقام بها على الإفتاء والدرس إلى الموت.
وكان واسع العلم، كثير المحفوظ، قليل الاعتناء بزخارف الدنيا، مكبا على الاشتغال والإشغال.
وكان له أخ يسمى عبد الفتاح [1] .
كان فاضلا، كاملا، تنقّل في مدارس عديدة إلى أن نقل إلى مدرسة السلطان سليمان خان بدمشق فباشرها مع الإفتاء بها واستمر فيها إلى أن توفي في هذه السنة أيضا.
وفيها سعيد سلطاني الحبشي الحنفي [2] .
قال في «النور» : كان عالما، فاضلا، صالحا، دينا، فقيها، مشاركا في كثير من العلوم، يحفظ القرآن العظيم، كثير العبادة، يختم في رمضان خمس ختمات في الصلاة.
وكان أمراء الجيوش يحترمونه ويجلّونه، وجعلوا له معلوما يوازي خمسة عشر ألف دينار.
وكان محسنا لأهل العلم، ولما حجّ قرأ على ابن حجر الهيتمي.
وكان له رغبة في تحصيل الكتب، وابتنى بأحمد أباد مسجدا حسنا إلّا أنه كان فيه كبر، والكمال لله.
وتوفي بأحمد أباد يوم الاثنين ثالث شوال، ودفن بمسجده، ثم دفن إلى جنبه شيخنا الشيخ عبد المعطى باكثير. انتهى
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (486) و «عرف البشام» ص (35) و «الكواكب السائرة» (3/ 13- 15) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (357- 358) .(10/592)
وفيها عبد الله بن سعد الدّين المدني السّندي [1] .
قال في «النور» أيضا: كان من كبار العلماء البارعين، وأعيان الأئمة المتبحّرين، وله جملة مصنّفات، منها «حاشية» على «العوارف» للسّهروردي.
وتوفي بمكة في ذي الحجّة. انتهى وفيها شمس الدّين محمد بن شمس الدّين محمد بن الشيخ علوان الحموي الشافعي [2] .
أخذ عن أبيه وغيره وتفقه وكان إماما كاملا وتوفي بحماة.
وفيها بدر الدّين أبو البركات محمد بن القاضي رضي الدّين محمد بن محمد بن عبد الله بن بدر بن عثمان بن جابر الغزّي العامري القرشي الشافعي [3] الإمام العلّامة شيخ الإسلام بحر العلوم.
قال ولده النجم في «الكواكب» : ولد في وقت العشاء ليلة الاثنين رابع عشر ذي القعدة سنة أربع وتسعمائة، وحمله والده إلى الشيخ أبي الفتح المزّي الصّوفي فألبسه خرقة التصوف، ولقّنه الذّكر، وأجاز له بكل ما تجوز له وعنه روايته، وهو دون السنتين، وأحسن والده تربيته، وهو أول من فتق لسانه بذكر الله تعالى، ثم قرأ القرآن العظيم على عدة مشايخ، منهم البدر السّنهوري [4] بروايات العشرة، ثم لزم في الفقه والعربية والمنطق والده الشيخ رضي الدّين. وقرأ في الفقه أيضا على تقي الدّين بن قاضي عجلون. وكان معجبا به يلقّبه شيخ الإسلام، وأكثر انتفاعه بعد والده عليه، وسمع عليه في الحديث، ثم أخذ الحديث والتصوف عن البدر ابن الشويخ المقدسي، ثم رحل مع والده إلى القاهرة، فأخذ عن مشايخ الإسلام بها، القاضي زكريا، وأكثر انتفاعه في مصر به، والبرهان بن أبي شريف، والبرهان القلقشنديّ، والقسطلاني، وغيرهم، وبقي في الاشتغال بمصر مع والده نحو
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (357) و «معجم المؤلفين» (6/ 57) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 26) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 3- 10) و «ريحانة الألبا» (1/ 138- 144) و «الأعلام» (7/ 59) و «معجم المؤلفين» (11/ 270- 271) و «منتخبات التواريخ لدمشق» (2/ 589) .
[4] تحرفت في «ط» : إلى «السّنهودي» .(10/593)
خمس سنوات، واستجاز له والده قبل ذلك من الحافظ جلال الدّين السيوطي.
وبرع، ودرّس، وأفتى، وألّف، وشيوخه أحياء، فقرّت أعينهم به وجمعه بجماعة من أولياء مصر وغيرها، والتمس له منهم الدّعاء كالشيخ عبد القادر الدّشطوطي، وسيدي محمد المنير الخانكي.
ثم تصدر بعد عوده مع والده من القاهرة في سنة إحدى وعشرين للتدريس والإفادة، واجتمعت عليه الطلبة وهو ابن سبع عشرة سنة، واستمر على ذلك إلى الممات، مشتغلا بالعلم تدريسا وتصنيفا وإفتاء ليلا ونهارا، مع الاشتغال بالعبادة وقيام الليل وملازمة الأوراد.
وتولى الوظائف الدينية كمشيخة القراء بالجامع الأموي، وإمامة المقصورة، ودرّس بالعادلية، ثم بالفارسية، ثم الشامية البرّانيّة، ثم المقدّميّة، ثم التّقويّة، ثم جمع له بينهما وبين الشامية الجوانية، ومات عنهما، وانتفع به الناس طبقة بعد طبقة، ورحلوا إليه من الآفاق، ولزم العزلة عن الناس في أواسط عمره، لا يأتي قاضيا، ولا حاكما، ولا كبيرا، بل هم يقصدون منزله الكريم للعلم والتّبرّك.
وطلب الدعاء، وإذا قصده قاضي قضاة البلد أو نائبها لا يجتمع به إلا بعد الاستئذان عليه والمراجعة في الأذن، وقصده نائب الشام مصطفى باشا فلم يجتمع به إلّا بعد مرات. وكذا درويش باشا نائب الشام. وقال له: يا سيدي ما تسمع عني؟ قال: الظلم.
وكان لا يأخذ على الفتوى شيئا، بل سدّ باب الهديّة مطلقا فلم يقبل إلّا من أخصائه وأقاربه، ويكافئ أضعافا. وكان يحبّ الصوفية ويكرمهم، وأخذ عنه العلم من لا يحصى كثرة.
وأما تصانيفه فبلغت مائة وبضعة عشر مصنّفا، من أشهرها التفاسير الثلاثة المشهورة «المنثور» و «المنظومان» وأشهرها «المنظوم الكبير» في مائة ألف بيت وثمانين ألف بيت وحاشيتان على «شرح المنهاج» للمحلّي، وشرحان على «المنهاج» كبير وصغير، وكتاب «فتح المغلق في تصحيح ما في الروضة من الخلاف المطلق» و «التّنقيب على ابن النّقيب» و «البرهان الناهض في نيّة استباحة(10/594)
الوطء للحائض» و «شرح خاتمة البهجة» و «الدر النّضيد في أدب المفيد والمستفيد» و «التذكرة الفقهية» وشرحان على «الرّحبية» وثلاثة شروح على «الألفية» في النحو منظومان ومنثور، و «شرح الصدور بشرح الشذور» وشرح على «التّوضيح» لابن هشام، و «شرح شواهد التلخيص» و «أسباب النّجاح في آداب النّكاح» وكتاب «فصل الخطّاب في وصل الأحباب» و «منظومة في خصائص النّبي صلّى الله عليه وسلم» و «منظومة في خصائص يوم الجمعة وشرحها» و «منظومة في موافقات سيدنا عمر للقرآن العظيم وشرحها» و «العقد الجامع في شرح الدّرر اللوامع» نظم «جمع الجوامع» ، وغير ذلك.
ومن شعره [1] :
إله العالمين رضاك عنّي ... وتوفيقي لما ترضى مناي
فحرماني عطائي إن ترده ... وفقري إن رضيت به غناي
ومنه:
بالحظّ والجاه لا بفضل ... في دهرنا المال يستفاد
كم من جواد بلا حمار ... وكم حمار له جواد
وكان ابتداء مرضه في ثاني شوال من هذه السنة، واستمر مريضا إلى يوم الأربعاء سادس عشري شوال المذكور، وصلّى عليه الشّهاب العيثاوي، ودفن بتربة الشيخ أرسلان، وقال ماميّة الشاعر مؤرخا لوفاته:
أبكى الجوامع والمساجد فقد من ... قد كان شمس عوارف التّمكين
وكذا المدارس أظلمت لما أتى ... تأريخه (بخفاء بدر الدّين) [2]
وفيها نجم الدّين محمد بن أحمد بن علي بن أبي بكر الغيطي السّكندري ثم المصري الشافعي [3] الإمام العلّامة المحدّث المسند، شيخ الإسلام.
ولد في أثناء العشر الأول من القرن العاشر.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «منائي» و «غنائي» وأثبت لفظ «الكواكب السائرة» مصدر المؤلّف.
[2] مجموعه في حساب الجمّل (984) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 51- 53) و «الأعلام» (6/ 6) و «معجم المؤلفين» (8/ 293- 294) وقد رجح العلّامة الزركلي وفاته سنة (981) في تعليق طويل مفيد يحسن بالقارئ الباحث الرجوع إليه.(10/595)
قال في «الكواكب» : كان رفيقا لوالدي على والده وعلى القاضي زكريا. قرأ عليه «البخاري» و «مسلم» كاملين «وسنن أبي داود» إلّا يسيرا من آخرها، وجمع عليه للسبعة، ولبس منه خرقة التصوف، وسمع على الشيخ عبد الحقّ السّنباطي «سنن ابن ماجة» كاملا، و «الموطأ» وغير ذلك. وقرأ عليه في التفسير، والقراآت، والنحو، والصرف، وأذن له بالإفتاء والتدريس، وقرأ وسمع على السيد كمال الدّين بن حمزة لما قدم مصر. وقرأ على الكمال الطويل كثيرا وأجازه بالتدريس والإفتاء، وأخذ عن الأمين بن النّجار، والبدر المشهدي كثيرا، وعن الشمس الدّلجي، وأبي الحسن البكري، وغيرهم.
قال الشعراوي: أفتى ودرّس في حياة مشايخه بإذنهم، وألقى الله محبته في قلوب الخلائق، فلا يكرهه إلّا مجرم أو منافق، وانتهت إليه الرئاسة في علم الحديث، والتفسير، والتصوف، ولم يزل أمّارا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، يواجه بذلك الأمراء والأكابر، لا يخاف في الله لومة لائم.
قال: وتولى مشيخة الصّلاحية بجوار الإمام الشافعي، ومشيخة الخانقاة السرياقوسية، وهما من أجلّ وظائف مشايخ الإسلام من غير سؤال منه، وأجمع أهل مصر على جلالته، وما رأيت أحدا من أولياء مصر إلّا يحبه ويجلّه.
وذكره القاضي محبّ الدّين الحنفي في «رحلته إلى مصر» فقال: وأما حافظ عصره، ومحدّث مصره، ووحيد دهره، الرحلة الإمام والعمدة الهمام الشيخ نجم الدّين الغيطي، فإنه محدّث هذه الدّيار على الإطلاق، جامع للكمالات الجميلة ومحاسن الأخلاق، حاز أنواع الفضائل والعلوم، واحتوى على بدائع المنثور والمنظوم، إذا تكلّم في الحديث بلفظه الجاري أقرّ كل مسلم بأنه البخاري، أجمعت على صدارته في العلم علماء البلاد، واتفقت على ترجيحه بعلو الإسناد، وقفت له على مؤلّف سمّاه «القول القويم في إقطاع تميم» . انتهى أي ومن مؤلفاته «المعراج» المتداول بأيدي الناس، يقرؤه علماء الأزهر كل سنة في رجبها
.(10/596)
سنة خمس وثمانين وتسعمائة
فيها كما قال في «النور» [1] طلع نجم ذو ذؤابة كهيئة الذّنب طويل جدا له شعاع، ومكث كذلك يطلع نحو شهرين. انتهى.
قلت: قال السيوطي في كتابه «حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة» [2] ما لفظه: ذكر كوكب الذنب. قال صاحب «المرآة» : إن أهل النّجوم يذكرون أن كوكب الذنب طلع في وقت قتل قابيل هابيل، وفي وقت الطوفان، وفي وقت نار إبراهيم الخليل، وعند هلاك قوم عاد، وقوم ثمود، وقوم صالح، وعند ظهور قوم موسى وهلاك فرعون، وفي غزوة بدر، وعند قتل عثمان، وعلي، وعند قتل جماعة من الخلفاء، منهم الرّاضي، والمعتز، والمهتدي، والمقتدر.
قال [3] : وأدنى الأحداث عند ظهور هذه الكواكب الزلازل والأهوال.
قلت: يدل لذلك ما أخرجه الحاكم في «المستدرك» وصححه من طريق ابن أبي مليكة، قال: «غدوت على ابن عبّاس، فقال: ما نمت البارحة، قلت: لم؟
قال: طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدّجّال قد طرق [4] » . انتهى ما أورده السّيوطي بحروفه.
وفيها توفي المولى حامد أفندي المفتي [5] .
قال في «العقد المنظوم» : ولد بقونية، وطلب العلم في كبره بعد أن ذهب
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (358) .
[2] انظر «حسن المحاضرة» (2/ 323) .
[3] لفظة «قال» سقطت من «ط» .
[4] رواه الحاكم في «المستدرك» (4/ 459) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه، غير أنه على خلاف عبد الله بن مسعود، وأن آية الدّجّال قد مضى.
[5] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (487- 489) .(10/597)
شبابه، لكنه أكبّ على الطلب ولازم الأفاضل، وحصل له منهم قبول زائد، منهم المولى سعدي محشّي «تفسير البيضاوي» . وصار ملازما من المولى القادري، ثم تنقّل في المدارس من سنة أربعين وتسعمائة إلى أن قلّد قضاء دمشق فلم يمكث فيه سنة حتّى نقل إلى قضاء مصر، فأقام فيها ثلاث سنين، ثم قلّد قضاء برسه، ثم قضاء قسطنطينية، ثم قضاء العسكر بولاية روم إيلي، فاستمرّ فيه تسع سنين، سالكا أحسن مسلك وكان السلطان- لكثرة اعتماده عليه وحبه له- أراد أن يوليه الوزارة العظمى [1] ، فوافق موت المرحوم المولى أبي السعود أفندي المفتي، فأقيم مقامه، وسلّم إليه المجد زمامه، فدام في الفتوى إلى أن توفي، وذلك في أوائل شعبان، ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
وفيها ميان عبد الصّمد الهندي [2] الرجل الصالح.
قال في «النور» : كان من الأخيار، عالما، فاضلا، محسنا، متواضعا، وحكي أنه كان إذا لم يكن على طهارة وثمّ أحد ممن اسمه اسم نبي لم يتلفظ باسمه تعظيما واحتراما لذلك الاسم الشريف، رحمه الله تعالى. انتهى.
وفيها شمس الدّين أبو النّعمان محمد بن كريم الدّين محمد الأيجي العجمي الشافعي الصالحي [3] نزيل صالحية دمشق، الإمام العلّامة العارف بالله تعالى.
قال في «الكواكب» : قدم دمشق وهو شاب في سنة عشرين وتسعمائة، وصحب سيدي محمد بن عراق سنين كثيرة، وتعانى عنده المجاهدات، واشتغل بالعلم قبل أن يدخل بلاد الشام، وبعده علي الشيخ الصّفوي الأيجي وغيره، وكان له يد في المعقولات، وتولى تدريس الشامية عن شيخ الإسلام الوالد، بعد ما كان بينهما من المودة والصّحبة ما لا يوصف، وانتقد على الأيجي ذلك، وعوّض الله على الوالد بأحسن منها. وكان الأيجي ملازما على الأوراد والعبادات، أمارا
__________
[1] أي رئاسة الوزارة في أيامنا.
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (361) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 37) .(10/598)
بالمعروف، نهاء عن المنكر، وكان يتردد إلى الحكّام وغيرهم لقضاء حوائج الناس، وسافر إلى الرّوم مرتين. انتهى.
وكان إماما، عالما، عاملا، زاهدا، وليا من أولياء الله تعالى، له كرامات كثيرة شهيرة.
توفي بصالحية دمشق يوم الجمعة بعد الصلاة عاشر جمادى الأولى، وصلّى عليه بجامع الحنابلة قاضي قضاة دمشق حسين جلبي ابن قرا، ونائب الشام حسن باشا ابن الوزير محمد باشا، ودفن من الغد بمنزله بسفح قاسيون.
وفيها الشيخ مسعود بن عبد الله المغربي [1] المعتقد العارف بالله تعالى.
قال في «الكواكب» : صحب بدمشق الشيخ شهاب الدّين الأخ، وكان يجلس عنده في درسه عن يمينه فيقول له الأخ: يا سيدي مسعود احفظ لي قلبي [2] ، فإن جدّي الشيخ رضي الدّين كان يجلس إلى جانبه سيدي علي بن ميمون في درسه، فيقول له: يا سيدي على امسك لي قلبي، ولما دخل سيدي مسعود دمشق كان يقتات من كسب يمينه، فكان يضرب الأبواب المغربية جدرانا لبساتين دمشق، فكان يبقى ما يعمله خمسين سنة أو أكثر لا يتهدم من إتقانه لها، وأخبرت أنه عرض له جندي والشيخ في لباس الشغل، فقال له: خذ هذه الجرّة واحملها- وكان بها خمر- فحملها الشيخ معه، فلما وضعها له وجدها الجندي دبسا فجاء إلى الشيخ واعتذر إليه وتاب على يديه.
وكان لأهل دمشق فيه كبير اعتقاد، يتبرّكون به ويقبّلون يديه، وكان الشيخ يحيى العمادي يزوره.
قال النجم الغزّي: ولقد دعا لي ومسح على رأسي، وأنا أجد بركة دعائه الآن.
وتوفي- رحمه الله- يوم الخميس رابع عشري شهر رمضان، ودفن بالزاوية.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 206- 207) و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 252- 253) .
[2] أقول: هذا من المبالغات في الكرامات، والله أعلم. (ع) .(10/599)
سنة ست وثمانين وتسعمائة
فيها توفي المولى أحمد بن محمد المشتهر بنشاجي زاده [1] .
قال في «ذيل الشقائق» :
ولد بمدينة قسطنطينية سنة أربع وثلاثين وتسعمائة، وقرأ على علماء عصره، كالمولى شيخ زاده شارح «البيضاوي» والمولى عبد الكريم زاده، والمولى برويز.
وصار ملازما من المولى سنان، وتنقّل في المدارس، ثم اتفق أن مات عدة من أولاده، فترك تصاريف الدّنيا، وأعرض عن المدارس، واختار الانزواء، ثم رجع، وصار مدرّسا بإحدى المدارس الثمان، ثم قلّد قضاء مكة، ثم مصر، ثم المدينة المنوّرة، وقبل توجهه إليها تغيّر عليه خاطر السلطان، فعزله وأمره بالخروج عن البلدة فخرج متوجها إلى الحجّ فلما حجّ وعاد توفي بقرب دمشق، فحمل إليها ودفن فيها.
وكان- رحمه الله تعالى- طويل الباع في العلوم العربية، مائلا إلى الصّلاح، متصلا بأسباب الفلاح، مكبّا على الاشتغال والإشغال، بدأ بإعراب القرآن العظيم مقتفيا أثر السّفاقسي [2] والسّمين [3] وصل بها إلى سورة الأعراف، وشرح الحزب
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (491- 492) .
[2] هو الإمام إبراهيم بن محمد بن إبراهيم القيسي السّفاقسي، أبو إسحاق برهان الدّين، فقيه مالكي، له «إعراب القرآن المجيد» ويسمى «المجيد في إعراب القرآن المجيد» . مات سنة (2/ 74) هـ. انظر «النجوم الزاهرة» (10/ 98) و «بغية الوعاة» (1/ 425) و «كشف الظنون» (2/ 1607) .
[3] هو الإمام أحمد بن يوسف بن عبد الدائم الحلبي المعروف بالسّمين، أبو العبّاس، شهاب الدّين، النحوي المقرئ. له «الدّر المصون في علم الكتاب المكنون» في إعراب القرآن الكريم. مات(10/600)
المنسوب إلى الإمام علي بن أبي طالب الذي أوله: اللهم يا من ولع لسان الصبح، وعلّق حواشي على مواضع من «تفسير البيضاوي» و «الهداية» و «شرح المواقف» و «المفتاح» .
وله رسائل كثيرة بقيت في المسودات.
ومن شعره:
بفضل الله إنّا لا نبالي ... وإن كان العدوّ رمى بجهله
وليس يضرّنا الحسّاد شيئا ... فسوء المكر ملتحق بأهله
وفيها جمال الدّين محمد طاهر الهندي، المقلب بملك المحدّثين [1] .
قال في «النور» : ولد سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، وحفظ القرآن قبل أن يبلغ الحنث، وجدّ في طلب العلم نحو خمس عشرة سنة، وبرع في فنون عديدة، حتى لم يعلم أن أحدا من علماء كجرات بلغ مبلغه في الحديث، وورث عن [2] أبيه مالا جزيلا فأنفقه على طلبة العلم.
وكان يرسل إلى معلّمي الصّبيان ويقول: أيّما صبيّ حسن ذكاؤه فأرسله إليّ، فيرسل إليه جماعة، فيقول: لكل واحد كيف حالك، فإن كان غنيا أمره بطلب العلم، وإن كان فقيرا يقول له: تعلّم ولا تهتم من جهة معاشك، ثم يتعهّده بجميع ما يحتاج إليه. وكان هذا دأبه، حتى صار منهم جماعة كثيرة علماء [3] في فنون كثيرة.
ولما حجّ أخذ عن أبي الحسن البكري، وابن حجر الهيتمي، والشيخ على
__________
سنة (756) هـ. انظر «غاية النهاية» (1/ 152) و «الدّرر الكامنة» (1/ 339) و «الذيل التام على دول الإسلام» (1/ 146) . بتحقيق صاحبي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة ومراجعتي، طبع مكتبة دار العروبة بالكويت، ودار ابن العماد ببروت، و «بغية الوعاة» (1/ 402) و «كشف الظنون» (1/ 732) و «الأعلام» (1/ 274) .
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (361- 362) و «الرسالة المستطرفة» ص (158) و «الأعلام» (6/ 172) و «معجم المؤلفين» (10/ 100) .
[2] في «ط» : «من» .
[3] كذا في «ط» : و «النور السافر» : «علماء» وفي «آ» : «من العلماء» .(10/601)
المتّقي الهندي، وجار الله بن فهد، والشيخ عبد الله العيدروس، وغيرهم.
وكان عالما، عاملا، متضلعا، متبحّرا. ورعا. وله مصنّفات، منها: «مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار» .
وكان يقوم على طائفتي الرافضة والمهدوية ويناظرهم ويريد إرجاعهم إلى الحقّ، وقهرهم في مجالس، وأظهر فضائحهم، وقال بكفرهم، فسعوا عليه، واحتالوا حتّى قتلوه في سادس شوال.
وفيها شمس الدّين، وقيل نجم الدّين، محمد بن محمد بن رجب البهنسي [1] الأصل الدمشقي المولد والمنشأ والوفاة، الحنفي الإمام العلّامة، شيخ الإسلام.
ولد في صفر سنة سبع وعشرين وتسعمائة، وأخذ عن ابن فهد المكّي وغيره، وتفقه بالقطب بن سلطان وبه تخرّج لأنه كان يكتب عنه على الفتوى، لأن القطب كان ضريرا، ثم أفتى استقلالا من سنة خمسين، واشتغل في بقية العلوم على الشيخ أبي الفتح المالكي، والشيخ محمد الأيجي نزيل الصالحية، وتخرّج به غالب حنفية دمشق، منهم الشيخ عماد الدّين المتوفى قبله، ورأس في دمشق.
وكان إماما، بارعا، وولي خطابة الجامع الأموي، ودرّس بالأموي والسيبائية، ثم بالمقدّمية، ثم بالقصّاعية، ومات عنها وعلوفته في التدريس بها ثمانون عثمانيا.
وحجّ مرتين، وألّف شرحا على كتاب «منتهى الإرادات» لم يكمله.
وكان من أفراد الدّهر وأعاجيب العصر.
وتوفي بعد ظهر يوم الأربعاء رابع أو خامس جمادى الآخرة، ودفن بمقبرة باب الصغير، وأرخ موته بعض الشعراء فقال:
لمّا لدار التّقى مفتي الأنام مضى ... فالعين تبكي دما من خشية الله
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 13- 15) و «عرف البشام» ص (35- 37) و «منتخبات التواريخ لدمشق» (2/ 590) و «معجم المؤلفين» (11/ 217) .(10/602)
لفقد مولى خطيب الشّام سيّدنا ... من لم يزل قائما في نصرة الله
وفاته قد أتت فيما أؤرّخه ... (البهنسيّ عليه رحمة الله) [1]
وفيها عماد الدّين محمد بن محمد البقاعي الأصل ثم الدمشقي الحنفي [2] الإمام الأوحد العلّامة.
قال في «الكواكب» : مولده في سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، وقرأ في النحو، والعروض، والتجويد، على الشّهاب الطّيبي المقرئ، والمعقولات على أبي الفتح المالكي، والشيخ علاء الدّين بن عماد الدّين رفيقا عليهما للشيخ إسماعيل النابلسي، والشمس بن المنقار، والأسد، والشيخ محمد الصّالحي، وغيرهم.
وقرأ في الفقه على النّجم البهنسي وغيره، وبرع في العربية وغيرها، وتصدّر للتدريس بالجامع الأموي، ودرّس بالريحانية، والجوهرية، والخاتونية، والناصرية، ومات عنها، وقصده للقراءة عليه الفضلاء وتردّد إليه النّواب وغيرهم.
وكان حسن الأخلاق، ودودا. وكان في ابتداء أمره فقيرا، ثم حصّل دنيا، ونال وجاهة وثروة، ولم يتزوج حتّى بلغ نحو أربعين سنة.
وكان حسن الشّكل، لطيف الذّات، جميل المعاشرة، خفيف الرّوح، عنده عقل وشرف نفس.
وكان يدرّس في التفسير وغيره، وانتفعت به الطلبة، منهم إبراهيم بن محمد بن مسعود بن محبّ الدّين، والشيخ تاج الدّين القطّان، والشيخ حسن البوريني، وغيرهم.
ومن شعره معمّى في عمر:
ولم أنس إذ زارني منيتي ... عشيّة عنّا الرّقيب احتبس
فمن فرحتي رحت أتلو الضّحى ... وحاسدنا مرّ يتلو عبس
وله معمّى في عليّ:
قد زارني من أحبّ ليلا ... بطلعة البدر والكمال
__________
[1] مجموعها في حساب الجمل (987) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 40- 41) .(10/603)
وبتّ منه بطيب عيش ... أوله بالهنا وفالي
وله في القهوة:
هذه القهوة الحلال أتتكم ... تتهادى والطّيب يعبق منها
سوّدوها على الحرام بحلّ ... وأماطوا غوائل الغول عنها
وتوفي ليلة الاثنين ثاني عشر شعبان، ودفن بمقبرة باب توما جوار الشيخ أرسلان. انتهى ملخصا.
وفيها المولى يوسف المشتهر بالمولى سنان [1] .
قال في «العقد المنظوم» : ولد بقصبة صونا، وجدّ في الطلب، ورحل فيه، وتحمّل المتاعب، وأخذ عن أفاضل عصره، منهم المولى محيي الدّين الفناري، والمولى علاء الدّين الجمّالي، وصار ملازما من المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ثم تنقّل في المدارس، ثم صار مفتشا ببغداد، ثم عزل، وقبل وصوله إلى قسطنطينية بشّر بقضاء دمشق، ثم نقل إلى قضاء أدرنة، ثم إلى قضاء قسطنطينية، وقبل الوصول إليها بشّر بقضاء العساكر في ولاية أناضولي، وجلس للدرس العام بحضرة الأعيان. وكان رحمه الله تعالى جميل الصّورة من جلّة وأعيان أفاضل الرّوم شهد بفضله الخاص والعام، واعترفوا برسوخ قدمه في الفنون.
ومن تصانيفه «حاشية على تفسير البيضاوي» أظهر فيها اليد البيضاء، و «الحجّة الزهراء» وشرح لكتاب «الكراهية» وكتاب «الوصايا من الهداية» .
وامتحن في آخر أمره بأن أشاع عنه بعض الحسدة ما هو بريء منه، فعزل من قضاء العسكر وأمر بالتفتيش عليه مع شريكه المولى مصلح الدّين، الشهير ببستان، فلما ظهرت براءة ذمّته عيّنت له وظيفة أمثاله، وقلّد تدريس دار الحديث التي بناها السلطان سليمان، ثم استعفى منها لهرمه.
وتوفي في صفر وقد أناف على التسعين.
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (489- 491) .(10/604)
سنة سبع وثمانين وتسعمائة
فيها- كما قال في «النّور» [1]- مات السلطان حيدرة بن حنش صاحب أحور [2] .
وفيها درويش باشا بن رستم باشا الرّومي [3] هو ابن أخت محمد باشا [4] الوزير.
تولى إيالة دمشق، وعمّر بها الجامع خارج باب الجابية لصيق المغيربية، وعمّر الحمّام داخل المدينة بالقرب من الجامع الأموي، ويعرف الآن بحمّام القيشاني، وعمّر القيسارية، والسوق، والقهوة، ووقف ذلك فيما وقفه على جامعه، وشرط تدريسه للشيخ إسماعيل النابلسي، وكان خصيصا به، وعمّر الجسر على نهر بردى عند عين القصّارين بالمرجة [5] ومات ببلاده قرمان، وحمل تابوته إلى دمشق فدفن بها.
وفيها نور الدّين علي بن صبر اليافعي الشافعي [6] . قاله في «النور» كان فقيها، صالحا، قانتا، ذا كرامات. انتهى
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (363) .
[2] أحور: مخلاف في اليمن. انظر «معجم البلدان» (1/ 118) و «مراصد الاطلاع» (1/ 39) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 150- 152) .
[4] في «ط» : «محمد محمد باشا» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلّف.
[5] عين القصّارين تقع الآن تحت مدرسة التجهيز الأولى. انظر «غوطة دمشق» لكرد علي ص (175) .
[6] ترجمته في «النور السافر» ص (363) .(10/605)
وفيها عمر بن عبد الله بن عمر باعلوى الهندوان [1] .
قال في «النور» : اشتهر بذلك لقوة كانت في بدنه ودينه تشبيها بالحديد الهندوان.
وكان وليا، صالحا، شريفا.
ومن كراماته أنه أخبر أخي السيد عبد الله عن شيء يقع من شخص بعينه فكان كما قال بعد موته بيسير [2] .
وتوفي بتريم.
وفيها محمد بن أحمد بن عبد الله، المعروف بماميّة الرّومي [3] الشاعر المشهور.
أصله من الرّوم، وقدم دمشق في حال صغره، فلما التحى صار ينكجريا [4] بخمسة عثمانية، وحجّ في زمرة الينكجرية سنة ستين وتسعمائة، وكان في تلك الحال يميل إلى الأدب، ونظم الشعر، ثم عزل عن الينكجرية، وصحب الشيخ أبا الفتح المالكي وعليه تخرّج بالأدب.
قال في «الكواكب» : وقرأ على الشيخ شهاب الدّين الأخ في «الجرومية» وكان قبل قراءته في النحو جمع لنفسه «ديوانا» كله ملحون، فلما ألمّ بالنحو أصلح ما أمكن إصلاحه وأعرض عن الباقي. وتولى آخرا [5] الترجمة بمحكمة الصالحية، ثم بالكبرى، وعزل منها ثم أعيد إليها في [6] زمن جوي زاده، ثم عزل، ثم ولى ترجمة القسمة فأثرى.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (362- 363) .
[2] أقول: هذا من المبالغات في الكرامات، فإنه لا يعلم الغيب إلّا الله تعالى. (ع) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 50- 51) .
[4] جاء في «معجم الألفاظ التاريخية» للعلّامة الشيخ محمد أحمد دهمان رحمه الله ما نصه:
«الينكجرية الإنكشارية، الجيش الجديد بالتركية، وتتألف من (يني) بمعنى جديد أو محدث، و (تشري) بمعنى جيش أو جند» .
[5] في «آ» و «ط» : «آخر» والتصحيح من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلّف.
[6] لفظة «في» سقطت من «ط» .(10/606)
وكان إليه المنتهى بالزّجل، والموّال، والموشحات، وقال فيه أستاذه أبو الفتح:
ظهرت لماميّة الأديب فضيلة ... في الشّعر قد رجحت بكلّ علوم
لا تعجبوا من حسن رونق نظمه ... هذا إمام الشّعر ابن الرّومي
وجمع لنفسه «ديوانا» وجعل تاريخ جمعه قوله: وَأْتُوا الْبُيُوتَ من أَبْوابِها 2: 189 [البقرة: 189] ، وذلك سنة إحدى وسبعين وتسعمائة. وله التواريخ التي لا نظير لها، كقوله في تاريخ عرس:
هنّئتم بعرسكم ... والسّعد قد خوّلكم
وقد أتى تأريخه [1] ... نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ 2: 223 [2]
ولقد أحسن في قوله:
قل لقوم ضلّوا عن الرّشد لمّا ... أظهروا منهم اعتقادا خبيثا
كيف تنبي عن القديم عقول ... لا يكادون يفقهون حديثا
وتوفي في ذي الحجّة من هذه السنة أو في محرّم التي بعدها، ودفن بباب الفراديس بالقرب من قبري: ابن مليك، وأبي الفتح المالكي.
وفيها محمد باشا الوزير [3] وزير السلطان سليمان ثم السلطان سليم ثم السلطان مراد وقف الطاحون خارج باب الفراديس وغيرها على المقرئة وتوفي شهيدا بالقسطنطينية.
__________
[1] أي في حساب الجمّل كما أشار المؤلّف بعد ذلك.
[2] وهو استعارة من قوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ 2: 223 (البقرة: 223) .
ومجموعها في حساب الجمل (969) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 78) .(10/607)
سنة ثمان وثمانين وتسعمائة
فيها توفى المولى شمس الدّين أحمد المشتهر بقاضي زاده [1] .
قال في «العقد المنظوم» : قرأ على علماء عصره، منهم جوي زاده، وسعدي جلبي، وصار ملازما من المولى القادري، وتنقّل في المدارس، ثم قلّد قضاء حلب، فأقام به [2] عدة سنين، ثم تولى قضاء قسطنطينية بعد تعب شديد، ثم صار قاضيا بعساكر روم إيلي، فبعد سبعة أشهر اختلّ أمره وتراجع سعره ففرّ طائر عزّه، وطار قبل أن يقضي الأوطار بسبب وحشة كانت بينه وبين المولى عطاء الله معلّم السلطان سليم خان، فتقاعد بوظيفة مثله، ثم لما جلس السلطان مراد خان على سرير السلطنة أعاده إلى قضاء العسكر بالولاية المزبورة، فلما سمع عنه من الفضيلة الباهرة والصلابة الدينية الظّاهرة، فاستمر مدة ثم قلّد الفتوى بدار السلطنة السّنية، فاستمر فيها إلى أن دخل في خبر كان، وأبلى ديباجة حياته الجديدان [3] .
وكان- رحمه الله تعالى- من أساتذة العلوم والجهابذة القروم [4] ، طالما جال في ميدان الفضائل وبرز، وأحرز من قصبات السّبق في مضمار المعارف ما أحرز، أفحم من عارضه بشقاشقه الهادرة، وأرغم من عاناه بحقائقه النادرة، كثير الاعتناء بدرسه، دائم الاشتغال في يومه وأمسه، رفيع القدر، شديد البأس، عزيز النّفس، يهابه الناس.
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (496- 498) و «معجم المؤلفين» (2/ 171) .
[2] في «ط» : «فيه» .
[3] الجديدان: الليل والنهار. انظر «مختار الصحاح» (جدد) .
[4] القروم: جمع (قرم) وهو الفحل. انظر «لسان العرب» (قرم) .(10/608)
ومن تصانيفه: «شرح الهداية» من أول كتاب الوكالة إلى آخر الكتاب، و «حاشية على شرح المفتاح» للسيد الشريف، من أوله إلى آخر الفنّ الثاني، و «حاشية على أوائل صدر الشريعة» و «حاشية [على] التجريد» في بحث الماهية، ورسائل أخرى.
وكان أيام قضائه بالعسكر ثانيا سببا لسنن جميلة منها تقديم قضاء العسكر على غير الوزراء وأمير الأمراء، وكانوا قبل ذلك، يتقدم عليهم كل [1] من كان أمير الأمراء في الممالك.
وبالجملة فإنه كان- رحمه الله- عين الأعيان، وقدوة الزّمان، وفارس الميدان، غير أن فيه من التهوّر المفرط، والحدّة، ما زاد على المعتاد، ستره الله بفضله يوم التناد.
وتوفي بآخر الرّبيعين بقسطنطينية [2] ، ودفن قريبا من جامع السلطان محمد.
__________
[1] لفظة «كل» سقطت من «ط» .
[2] أي إستانبول.(10/609)
سنة تسع وثمانين وتسعمائة
فيها توفي- ظنا- داود بن عمر الأنطاكيّ [1] الطّيب الأكمه، العالم العلّامة.
قال الطالوي في «السانحات» : داود بن عمر الأنطاكي نزيل القاهرة المعزّيّة، والمميّز على من له [2] فيها المزيّة، المتوحّد بأنواع الفضائل، والمتفرّد بمعرفة علوم الأوائل [3] ، سيما علم الأبدان، المقدّم على علم الأديان، فإنه بلغ فيه الغاية التي لا تدرك.
وأما معرفته لأقسام النبض فآية له باهرة، وكرامة على صدق دعواه ظاهرة.
ولقد سألته عن مسقط رأسه ومشعل [4] نبراسه، فأخبرني أنه ولد بأنطاكية بهذا العارض، قال: وقد بلغت سيّارة النجوم وأنا لا أستطيع أن أقوم لعارض، ريح تحكم في الأعصاب. وكان والدي رئيس قرية حبيب النجار، واتخذ قرب مزار
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 150) و «سانحات دمى القصر» (2/ 32- 52) و «البدر الطالع» (1/ 246) و «الأعلام» (2/ 333- 334) و «معجم المؤلفين» (4/ 140) .
تنبيه: هكذا كتب المؤلّف هذه الترجمة في هذه السنة وهو وهم منه، فالصواب- والله أعلم- سنة (1008) كما ذكره صاحب «كشف الظنون» (1/ 386) والزركلي في «الأعلام» (2/ 333) وجاء في هامش «ط» ما نصه: «قلت: وفاته سنة (1011) ألف وإحدى عشرة تحقيقا، كما في هامش الأصل. وفي «الكواكب» أنه مات في حدود التسعين وتسعمائة» .
[2] لفظة «له» سقطت من «سانحات دمى القصر» فلتستدرك.
[3] في «سانحات دمى القصر» : «والمتفرد بعلوم الأوائل» .
[4] في «سانحات دمى القصر» (2/ 35) : «ومشتعل» .(10/610)
سيدي حبيب رباطا للواردين، وبنى فيه حجرات للمجاورين، ورتّب لها في كل يوم من الطعام ما يحمله إليه بعض الخدام، وكنت أحمل إلى الرّباط فأقيم فيه سحابة يومي، وإذا برجل من أفاضل العجم يدعى محمد شريف، نزل بالرّباط، فلما رآني سأل عني فأخبر، فاصطنع لي دهنا مسّدني به في حرّ الشمس، ولفّني في لفافة من فرقي إلى قدمي، حتى كدت أموت، وتكرّر منه ذلك الفعل مرارا، من غير فاصل، فقمت على قدمي، ثم أقرأني في المنطق، والرياضي، والطبيعي، ثم أفادني اللغة اليونانية، وقال: إني لا أعلم الآن على وجه الأرض من يعرفها غيري، فأخذتها عنه، وأنا الآن فيها بحمد الله هو إذ ذاك، ثم سار [1] . فسرت إلى جبل عاملة، ثم إلى دمشق، واجتمعت ببعض علمائها، كأبي الفتح المغربي، والبدر الغزّي، والعلاء العمادي، ثم دخلت مصر وها أنا فيها إلى الآن.
قال وكان فيه دعابة وحسن سجايا، وكرم نجار [2] ، وخوف من المعاد، وخشية من الله. كان يقوم الليل إلّا قليلا، ويتبتّل إلى ربّه [3] تبتيلا.
وكان إذا سئل عن شيء من العلوم الحكمية، والطبيعية، والرياضية، أملى ما يدهش العقل بحيث يجيب على السؤال الواحد بنحو الكرّاسة.
ومن مصنّفاته «التذكرة» [4] جمع فيها الطب والحكمة، ثم اختصرها في مجلدة، وشرح «قصيدة النفس» لابن سينا شرحا حافلا نفيسا، وقرئ عليه.
قال: وأجازني إجازة طنّانة، ثم أوردها في «السّانحات» فراجعه.
وفيها المولى أحمد المشتهر بمظلوم ملك [5] .
__________
[1] في «آ» : «ثم سافر» .
[2] كرم نجار: أي كرم أصل. انظر «لسان العرب» (نجر) .
[3] في «آ» : «ويتبتل إليه» .
[4] واسمه الكامل «تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب» وهو مطبوع عدة مرات ويعرف ب «تذكرة داود» . انظر «كشف الظنون» (1/ 386- 387) و «معجم المطبوعات العربية» (1/ 491) .
[5] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (498) .(10/611)
قال في «ذيل الشقائق» : اشتغل بالعلوم، وصار من ملازمي المولى جعفر، وتنقّل في المدارس، ثم قلّد قضاء بيت المقدس، ثم المدينة المنورة، ثم مكّة المشرّفة.
وكان- رحمه الله تعالى- عالما، فصيحا، حازما، جيد العقيدة، صاحب أخلاق حميدة ووقار واتّعاظ.
وتوفي بقسطنطينية [1] . انتهى وفيها المولى خضر بك ابن القاضي عبد الكريم [2] .
ولد بقسطنطينية المحمية، ونشأ في خدمة الفضل وذويه، وقرأ على علماء عصره، حتى صار ملازما من المولى أحمد المشتهر بمعلّم زاده، ودرّس بعدة مدارس، إلى أن قلّد المدرسة المشهورة بمناستر بمحروسة بروسة.
وتوفي مدرّسا بها، وكان من الغائصين في لجج بحار العلوم على درر دقائق الفهوم، مكبّا على الاشتغال، غير أنه لا يخلو عن القيل والقال، مطلق اللسان في السّلف، ومزدريا بشأن الخلف، مع غاية الإعجاب بنفسه، عفا الله عنه بلطفه في رمسه. قاله في «العقد المنظوم» .
وفيها باكثير عبد المعطي بن الشيخ حسن بن الشيخ عبد الله المكّي الحضرمي الشافعي [3] الإمام العلّامة [4] المحدّث المعمّر.
قال في «النور» : ولد بمكّة في رجب سنة خمس وتسعمائة، ونشأ بها، ولقي جماعة من العلماء، منهم الشيخ زكريا الأنصاري، سمع عليه «صحيح البخاري» بقراءة والده، فهو يرويه عنه سماعا كما في اصطلاح أهل الحديث، وأخذ عن
__________
[1] أي باستانبول.
[2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (502- 503) .
[3] ترجمته في «النور السافر» ص (364- 370) .
[4] في «ط» : «العالم» .(10/612)
جماعة، وقرأ على بعض شيوخه كتاب «الشفا» في مجلس واحد من صلاة الصبح إلى الظهر [1] .
وكان عالما، مفنّنا، لطيف المحاورة، فكها، له ملح ونوادر، أديبا شاعرا، مصقعا.
ومن شعره:
قلت إذ أقبل الرّبيع ووافى ... ورده الغض ليت ذاك نصيبي
فخدود الملاح تعزى إليه ... وشذاه أربي على كلّ طيب
ومنه:
الورد سلطان الزّهو ... ر وما سواه الحاشية
فللونه المحمرّ ين ... سب حسن خدّ الغانية
وإذا تضوّع نشره ... يهدي إليك الغالية
ومنه:
وميمات الدّواة تعدّ سبعا ... وسبعا عدّهنّ بلا خفاء
مداد ثم محبرة مقصّ ... ومرملة ومصمغة الغراء
ومكشطة ومقلمة مقطّ ... ومصقلة مموّهة لماء
ومحراك ومسطرة مسن ... وممسحة لختم وانتهاء
ومنه في القهوة:
أهلا بصافي قهوة كالإثمد ... جليت فزينت بالخمار الأسود
لمّا أديرت في كؤوس لجينها ... بيمين ساق كالقضيب الأملد
يحكي بياض إنائها وسوادها ... طرفا كحيلا لا بكحل المرود
ودخل الهند بأخرة، وأقام بها إلى أن مات بأحمد أباد ليلة الثلاثاء لثلاث بقين من ذي الحجّة.
__________
[1] قلت: في هذا الكلام مبالغة، فقراءة التدبر والفهم والمدارسة لا تتم بمثل هذه السرعة التي ذكرها المؤلّف هنا نقلا عن «النور السافر» في كتاب ككتاب «الشفاء» الذي يحتاج إلى أيام عدة على أقل تقدير.(10/613)
وفيها السيّد علاء الدّين علي بن محمد بن حمزة [1] الفقيه الشافعي المسند، قاضي القضاة الشافعية بدمشق، ونقيب الأشراف بها.
ولد يوم الخميس سادس ربيع الأول سنة ثمان وتسعمائة، وأخذ عن والده وغيره، وسمع على والده «المشيخة» التي خرّجها لنفسه بقراءة الشيخ شرف الدّين موسى الحجّاوي الحنبلي في مجلسين آخرهما يوم الثلاثاء حادي عشر شوال سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة بمنزل والده شمالي المدرسة البادرائية، وأجازه أن يرويها عنه، وجميع ما يجوز له وعنه روايته، وقد تسلسل له فيها من المسلسلات قبل ذلك.
وممن أخذ عن صاحب الترجمة الشيخ زين الدّين الشهير بابن صارم الدّين الصّيداوي الشافعي، وروى عنه المسلسل بالقضاة.
وتوفي يوم الأحد سابع عشري القعدة الحرام، رحمه الله تعالى.
وفيها قطب شاه [2] سلطان كلكندة.
قال في «النور» : كان عادلا، كريما إلا أنه كان غاليا في التّشيّع.
وفيها- تقريبا- ولي الدّين محمد بن علي بن سالم الشّبشيري القاهري [3] الشافعي العالم الفاضل المعمّر.
قال في «الكواكب» : أخذ عن السخاوي، والديمي، والسيوطي، والقاضي زكريا، وآخرين.
وتوفي في حدود التسعين وتسعمائة، رحمه الله تعالى، انتهى.
وفي حدودها شمس الدّين محمد الصّفري القدسي [4] الشافعي الإمام العالم الواعظ بالجامع الأزهر.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 179- 180) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (371) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 66) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 80- 81) .(10/614)
أخذ عن علماء عصره، ودأب، وحصّل، ووعظ، وأفاد، رحمه الله تعالى.
وفيها المولى محمد المعروف بصار كرز [أو غلي] زاده [1] نسبة إلى جدّه من قبل أبيه، الحنفي الرّومي.
قال في «العقد المنظوم» : نشأ في مجالس الأفاضل الأكارم، ومحافل الأماثل الأعاظم، مغترفا من حياض معارفهم، ومتأنّقا في رياض لطائفهم، إلى أن صار ملازما من المولى أبي السعود، وتنقّل في المدارس إلى أن قلّد قضاء المدينة المنوّرة، فتبرّم من ذلك، فبدّل بقضاء حلب فلم يبارك له في عمره، بل في مدة تقرب من سنتين توفي.
وكان- رحمه الله تعالى- عالما، عاملا، فاضلا، كاملا، حليما، سليما، لطيف الطبع، وقورا، صبورا، مهتما بدرسه، مشتغلا بنفسه، وله «تعليقة» على كتاب الصوم من «الهداية» و «حواش على المفتاح» من القانون الأول إلى آخر بحث الاستعارة، و «حواش على الهيئات من شرح المواقف» وله رسالة بليغة في وصف العلم مطلعها:
لك الحمديا من أنطق [2] النّون والقلم ... فأوصافه [3] جلّت عن النّقص والعدم
وأضحك من طرس ثغورا [4] بصنعه ... وأبكى به عين اليراع من السّقم
صلاة وتسليم على الرّوضة التي ... تعطّر من أنفاسها المسك والشّمم
وبقيتها سجع في غاية البلاغة. انتهى
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (501- 502) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «معجم المؤلفين» (1/ 79) وقال حاجي خليفة في «كشف الظنون» (1/ 884) . «المتوفى سنة 990» .
[2] في «آ» : «أطلق» .
[3] في «آ» : «بأوصافه» .
[4] في «العقد المنظوم» : «من ثغر طروسا» .(10/615)
سنة تسعين وتسعمائة
فيها توفي القاضي الشريف حسين المكّي المالكي [1] ، الملقب بالكرم لفرط كرمه. قيل كان سماطه في الأعياد ألف صحن صيني.
قال في «النور» : كان من أعيان مكّة وفضلائها وأجوادها ورؤسائها لم يخلّف مثله، ولبعض فضلاء مكّة هذا التخميس على البيتين المشهورين جعله رثاء فيه:
لهفي على بدر الوجود وسعده ... ومغيبه تحت الثّرى في لحده
مات الحسين المالكيّ بمجده ... يا دهر بع رتب العلا من بعده
بيع الهوان ربحت أم لم تربح ... وافعل مرادك يا زمان كما ترى
وارفع من الغوغا وحطّ ذوي الذرى ... لا تعتذر لذوي النّهى عمّا جرى
قدّم وأخّر من أردت من الورى ... مات الذي قد كنت منه تستحي
ومن شعره هو وقد أهدى إليه القطب الحنفي سمكا:
يا أيّها القطب الذي ... بوجوده دار الفلك
لو لم تكن بحر النّدى ... ما جاءنا منك السّمك
وولي قضاء المدينة المنورة مدة طويلة، مع حسن السيرة.
وتوفي في تاسع صفر.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (380- 383) .(10/616)
وفيها قطب الدّين محمد بن علاء الدّين أحمد بن محمد بن قاضي خان بن بهاء الدّين بن يعقوب بن حسن بن علي النّهرواني الهندي ثم المكّي الحنفي [1] الإمام العلّامة.
ولد سنة سبع عشرة وتسعمائة، وأخذ عن والده، والشيخ عبد الحقّ السنباطي، وهو أجلّ من أخذ عنه من المحدّثين، والشيخ محمد التونسي، والشيخ ناصر اللقاني، والشيخ أحمد بن يونس بن الشّلبي، وغيرهم.
وذكره ابن الحنبلي في «تاريخه» إلا أنه سمّى والده عليا [2] والصحيح الأول، وأثنى عليه ثناء حسنا.
قال ومن مؤلفاته «طبقات الحنفية» احترقت في جملة كتبه.
وقال النجم الغزّي: وقفت له على «تاريخ» كتبه لمكّة المشرّفة.
وكان بارعا مفنّنا في الفقه، والتفسير، والعربية، ونظم الشعر، وشعره في غاية الرّقة، منه الزائية المشهورة، وهي:
أقبل كالغصن حين يهتز ... في حلل دون لطفها الخز
مهفهف القدّ ذو محيّا ... بعارض الخدّ قد تطرز
دار بخدّيه واو صدغ ... والصّاد من لحظه تلوّز
الخمر والجمر في [3] لماه ... وخدّه ظاهر وملغز
يشكو له الخصر جور ردف ... أثقله حمله وأعجز
طلبت منه شفاء سقمي ... فقال لحظي لذاك أعوز
قد غفر الله ذنب دهر ... لمثل هذا المليح أبرز
حزّ فؤادي بسيف لحظ ... أوّاه لو دام ذلك الحز
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (389) و «الكواكب السائرة» (3/ 44- 48) و «درّ الحبب» (2/ 1/ 439- 441) و «البدر الطالع» (2/ 57- 58) و «الأعلام» (6/ 6- 7) و «معجم المؤلفين» (9/ 17- 18) .
[2] في «آ» و «ط» : «علي» .
[3] في «آ» و «ط» : «من» وما أثبته من «النور السافر» مصدر المؤلّف.(10/617)
أفديه من أغيد مليح ... بالحسن في عصره تميّز
كان نديمي فمذ رآني ... أسيره في الهوى تعزّز
يا قطب لا تسل عن هواه ... وأثبت وكن في هواه [1] مركز
وقال في «النور» : ومن شعره:
الدّن لي والكأس والقرقف ... وللفقيه الكتب والمصحف
إن كان ما تعجبه قسمتي ... فليقتسمها مثل ما يعرف [2]
لا تنكروا حالي ولا حاله ... كلّ بما [3] ينفعه أعرف
لكنه ينكر أذواقنا ... وما له ذوق ولا ينصف
كم يزدري الرّاح وشرّابها ... أخشى على هذا الفتى يقصف
دعني وحالي يا فقيه الورى ... فأنت عن إدراكه تكسف
هيهات أن يدرك طعم الهوى ... من لم يكن في ذوقه يلطف
للعشق سرّ لم يزل غامضا ... لغير أهل الحبّ لا يكشف
فيا نديمي اشرب على رغمه ... ودعه في إنكاره يرشف
واحبسه في باب الطّهارات من ... كتابه لعله ينظف
وبي غزال طاب مرعاه في ... كناس قلبي وهو لا يألف
بدر كمال لا يرى حسنه ... نقصا ولا محقا ولا يكسف
في خدّه أنبت ماء الحيا ... وردا بغير اللحظ لا يقطف
عارضه لام وفي صدغه ... واو ولكن آه لو يعطف
عزيز مصر الحسن لو كان في ... زمانه هام به يوسف
ومنه معمّى في عليّ:
بلّغ حبيبي بعض ما ... ألقاه إن أبصرته
أمّا عذولي قل له ... دع عنك ما أضمرته
__________
[1] في «ط» : «وكن في الغرام» وما جاء في «آ» موافق لما في «النور السافر» مصدر المؤلف.
[2] هذا البيت لم يرد في «النور السافر» المطبوع.
[3] في «النور السافر» : «مما» .(10/618)
ومنه معمّى في أحمد:
لنا إن دارت الكأس العقار ... بأطراف الرّماح دم مدار
ومنه إفاداته أن لفظ ابن خلّكان ضبط على صورة الفعلين «خلّ» أمر من التخلية و «كان» الناقصة. قال: وسببه أنه كان يكثر قول كان والدي كذا، كان جدّي كذا، كان فلان كذا، فقيل له (خلّ كان) فغلبت عليه. انتهى.
وتوفي- رحمه الله تعالى- بمكّة المشرّفة.
وفيها الشريف أبو نمي محمد بن بركات [1] صاحب مكّة.
قال في «النور» : ولبعض فضلاء مكة في تاريخ وفاته:
يا من به طبنا وطاب الوجود ... قد كنت بدرا في سماء السّعود
ما صرت في التّرب ولكنما ... أسكنك الله جنان الخلود
ولد سنة عشر وتسعمائة.
وتوفي يوم عاشوراء. انتهى وفيها المولى محمد بن نور الله المشتهر بأخي زاده [2] نسبة إلى جدّه من قبل أمه المولى أخي يوسف التّوقاتي، محشّي «صدر الشريعة» .
قال في «العقد المنظوم» : نشأ صاحب الترجمة في طلب العلم والسيادة، وأخذ عن جلّة من [3] المشايخ، منهم عرب چلبي، والمولى عبد الباقي، ثم صار ملازما من المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ثم قلّد المدارس، إلى أن قلّد قضاء حلب، ثم برسة، ثم أدرنة، ثم صار قاضيا بالعساكر في ولاية أناضولي، ثم تقاعد بوظيفة مثله، ثم قلّد تدريس دار الحديث السليمانية، فدام على الدرس والإفادة، ونشر العلوم والمعارف إلى الوفاة.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (380) .
[2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (499- 500) .
[3] لفظة «من» سقطت من «آ» .(10/619)
وكان بحرا من بحار العلوم زاخرا، وطودا من أطواد الفهوم [1] باذخا، يقذف للقريب من جواهر معارفه عجائب، ويبعث للغريب من طماطم فضائله سحائب، طالما فتح بمفاتيح أنظاره الدقيقة مغالق المعضلات، وحلّ بخاطره اليقظان، وفكره العجيب الشأن عقد المشكلات عديم النظير في سرعة الانتقال، وحسن التقرير، وصاحب أدب وسكينة ومعارف رصينة، أنظر أهل زمانه وفارس ميدانه.
وتوفي في آخر ذي القعدة. انتهى ملخصا وفيها الشيخ العارف بالله تعالى شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس اليمني الشافعي [2] .
قال ولده في «النور السافر في أعيان القرن العاشر» : ولد سنة تسع عشرة وتسعمائة بتريم من اليمن، [3] وروى عن جلّة مشايخ اليمن [3] ، وصار شيخ زمانه باتفاق عارفي وقته، ولقد ألهم الله أهله حيث سمّوه شيخا كما ألهم الله آل النّبي صلّى الله عليه وسلم حيث سمّوه محمدا.
وكان علّامة وقته وشيخ الطريقة حقيقة واسما، فإن الشيخ أبا بكر باعلوى كان يقول: ما أحد من آل باعلوى أولهم وآخرهم أعطي مثله.
وقال غيره: والله ما هو إلّا آية من آيات الله تعالى، وما ألّف مثل كتابه «الفوز والبشرى» .
وحكى من مجاهداته أنه كان يعتمر غالبا في رمضان أربع عمرات بالليل وأربعا بالنهار، وهذا شيء من أعظم الكرامات [4] .
__________
[1] في «آ» : «من أطواد العلوم» .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (372- 379) و «الأعلام» (3/ 182) و «معجم المؤلفين» (4/ 312) .
[3] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .
[4] أقول: هذا ليس من الكرامات، بل من التعمق والتشدّد الذي هو خلاف السّنّة، وأفضل من ذلك الطواف حول البيت (ع) .(10/620)
قال: وممن أخذ عنه العلم ابن حجر الهيتمي، والعلّامة عبد الله باقشير الحضرمي، وله من كل منهما إجازة في جماعة آخرين يكثر عددهم.
ومن مصنّفاته «العقد النبوي والسر المصطفوي» و «الفوز والبشرى» وشرحان على قصيدته المسماة «تحفة المريد» و «مولدان» كبير وصغير، و «معراج» و «رسالة في العدل» و «ورد» سمّاه «الحزب النّفيس» و «نفحات الحكم على لامية العجم» وهو على لسان التصوف ولم يكمله، وديوان شعر.
ومن شعره:
كفاني أن أزهو بجدّ ووالد ... ولي حسب من فوق هام الفراقد
ولي نسب بالمصطفى وابن بنته ... حسين عليّ زين زاكي المحامد [1]
أبا وأبا من سيّد الرّسل هكذا ... إلى العيدروس المجتبى خير ما جد
وراثة خير الخلق أحمد جدّنا ... ونحن به نعلو العلا في المعاقد
ورثنا العلا أكرم بنا خير سادة ... شذا مجدنا يشذوا بطيب المحامد
وقد أفرد ترجمته ومناقبه غير واحد بالتأليف، كالعلامة حميد بن عبد الله السّندي، وقال فيه الفاضل عبد اللطيف الدّبيري [2] :
شيخ الأنام مفيد كلّ محقّق ... بحر العلوم العارف الرّبّاني
ابن العفيف أبو الشّهاب المجتبى ... قطب الزّمان العيدروس الثاني
شرف السّيادة والزّهادة والتّقي ... فخر الحماة الغرّ من عدنان
هو كالسّفينة من تولّاه نجا ... وسواه لم يأمن من الطّوفان
دخل الهند سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، فأقام بها إلى أن توفي بأحمد أباد ليلة السبت بخمس وعشرين خلت من شهر رمضان. انتهى ما أورده ولده ملخصا.
__________
[1] رواية الشطرة الثانية من البيت «آ» و «ط» :
............... ........ ... حسين علا زينا زكي المحاتد
[2] في «آ» : «الدّيري» وفي «النور السافر» : «الدّبير» .(10/621)
سنة إحدى وتسعين وتسعمائة
فيها- تقريبا- توفي برهان الدّين إبراهيم بن المبلّط القاهري [1] شاعر القاهرة.
كان فاضلا، أديبا، شاعرا.
ومن شعره في القهوة:
يقول عذولي قهوة البن مرّة ... وشربة حلو الماء ليس لها مثل
فقلت على ما عبتها بمرارة [2] ... قد اخترتها فاختر لنفسك ما يحلو
وقال:
أرى قهوة البّن في عصرنا ... على شربها النّاس قد أجمعوا
وصارت لشرابها عادة ... وليست تضرّ ولا تنفع
وقال:
يا عائبا لسواد قهوتنا التي ... فيها شفاء النّفس من أمراضها
أو ما تراها وهي في فنجانها ... تحكي سواد العين وسط بياضها
وفيها نور الدّين علي بن علي السّنفي المصري ثم الدمشقي الشافعي [3] الإمام العلّامة.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 92- 93) .
[2] في «ط» : «من مرارة» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 193- 194) .(10/622)
قال في «الكواكب» : ولد بمصر سنة إحدى وتسعمائة، وأخذ الفقه وغيره عن القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، والبرهان القلقشندي، والكمال الطّويل، وغيرهم. وورد الشام وقطنها، وانتفع به الفضلاء، كالشيخ إسماعيل النابلسي، وشيخنا شيخ الإسلام أحمد العيثاوي.
وولي نيابة القضاء بالكبرى، وتنزّه عن المحصول برهة ثم تناوله، وكانت وفاته بدمشق ليلة الأحد رابع شعبان.
وفيها جمال الدّين محمد بن أبي بكر الأشخر- بالشين المعجمة السّاكنة، والخاء المعجمة، بعدها راء- اليمني الشافعي [1] الإمام العلّامة.
قال في «النور» : ولد في اليوم الثاني والعشرين من ذي الحجّة سنة خمس وأربعين وتسعمائة، وتخرّج بأبيه، وقرأ على جماعة من الجلّة، وحصل له من الجميع الإجازة، وبرع في العلوم، حتّى صار شيخ الإسلام، ومفتي الأنام، الفرد الحافظ الحجّة السالك بالطالبين في أوضح المحجّة، إمام الفنون الذي اعترف بتقدّمه المفتون.
وله التصانيف المفيدة والتآليف العديدة، منها «منظومة الإرشاد» و «شرح الشذور» و «منظومة» في أصول الفقه وشرحها، و «مختصر المحرّر» للسّمهودي في تعليق الطلاق، و «منظومة في أسماء الرجال» و «ألفية» في النحو، نظمها في مرض موته، وله «فتاوى» مجلد ضخم، و «شرح بهجة المحافل» واختصر «التفاحة في علم المساحة» وله غير ذلك.
ومن نظمه جامعا غزوات [2] النّبيّ صلّى الله عليه وسلم:
غزوة بدر أحد فالخندق ... بني قريظة بني المصطلق
وخيبر وطائف بالاتفاق ... قاتل فيها المصطفى أهل الشّقاق
والخلف في بني النّضير ذكرا ... فتح حنين غاية وادي القرى
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (390- 401) و «البدر الطالع» (2/ 146) و «الأعلام» (6/ 59) و «معجم المؤلفين» (9/ 106) .
[2] في «آ» : «لغزوات» .(10/623)
وله فيها مرتبا على سني الهجرة الشريفة:
فبدر فأحد بعد هاذين خندق ... فذات رقاع والمريسيع خيبر
وفتح تبوك رتّبت هذه على ... سني هجرة كلّ بذاك يخبر
ومنه مما يتعلق بالبروج والمنازل:
وزنوا عقربا بقوس شتاء ... غفروا للبليد لمّا أساء
شرب الجدي دلو حوت ربيعا ... فله الذّبح حيث حلّ الرشاء
حمل الثور جوزة نحو صيف ... شاركا للذّراع لما أشاء
سرط اللّيث سنبلا بخريف ... ناثرا أنجم السّماك شراء
ونظمه كثير، وعلمه غزير، ونظم كثيرا من المسائل العلمية والقواعد الفقهية ليقرب ضبطها ويسهل حفظها.
وبالجملة فإنه كان آية من آيات الله تعالى خاتمة المحقّقين لم يخلّف بعده مثله، وتخرّج به جماعة من بلده وغيرها:
منهم أخوه العلّامة أحمد الأشخر، وناهيك به، إذ حفظ «العباب» للمزجّد [1] ، وكان أخوه يعظّمه ويقدمه على سائر الطلبة، غير أنه بعد ذلك ظهرت فيه طبيعة السوداء، فترك الاجتماع بالناس، إلّا نادرا، ومع ذلك لما اجتمع به الفقيه أحمد بن الفقيه محمد باجابر، حصل له عنده الحظوة التامة، واختلى به أياما مدة إقامته عنده، وأملى عليه شيئا كثيرا من نظم أخيه، وبحث معه في مسائل فقهية، وتعجب الناس لذلك، فرحمهم الله تعالى جميعا.
__________
[1] هو أحمد بن عمر بن محمد السّيفي المرادي المذحجي الزّبيدي، تقدمت ترجمته في وفيات سنة (930) من هذا المجلد.(10/624)
سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة
فيها توفي الولي الكبير الشيخ أبو بكر بن سالم باعلوى [1] .
قال في «النور» : كان من المشايخ الأفراد المقصودين بالزيارة من أقصى البلاد، وانتفع ببركته الحاضر والباد، وانغمرت بنفحات أنفاسه العباد، واشتهرت كراماته ومناقبه في الآفاق، وسارت بها الرّكبان والرّفاق، ووقّع على ولايته الإجماع والاتفاق.
توفي- رحمه الله تعالى- ليلة الأحد السابع والعشرين من ذي الحجّة بعينات- بكسر المهملة، وسكون المثناة التحتية، وقبل الألف نون، وبعدها مثناة فوقية- من قرى حضرموت على نصف مرحلة من تريم.
وفيها شهاب الدّين [2] أحمد الشيخ بدر الدّين العبّاسي المصري الشافعي [3] .
ولد بمصر. سنة ثلاث وتسعمائة، وأخذ عن القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، والنّور المحلّي، وكمال الدّين الطّويل، ونور الدّين المليجي- بالجيم- وأبي العبّاس الطّنبذاوي البكري. بزبيد، وحفظ «المنهاج الفقهي» و «الشاطبية» و «العمدة» في الحديث للحافظ عبد الغني المقدسي، و «الأربعين النواوية» و «الأجرومية» و «مختصر أبي شجاع» .
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (413) .
[2] لفظة «الدّين» سقطت من «ط» .
[3] ترجمته في «النور السافر» ص (404- 407) .(10/625)
وكان عالما، عاملا، علّامة، شديد الورع، قليل الاختلاط بالناس، متمسكا بالكتاب والسّنّة، وطريقة السّلف الصّالح، له اليد الطولى في علم الحرف والفلك والميقات، وله الشعر الرائق فمنه:
كان البخاريّ حافظا ومحدّثا ... جمع الصّحيح مكمّل التّحرير
ميلاده صدق ومدّة عمره ... فيها حميد وانقضى في نور
ولما وقف على هذه الأبيات التي نظم فيها بعضهم ما لكل فصل من المنازل على اصطلاح أهل اليمن وهي:
شرط البطين ثريّا دبر هقعقها ... وهنة الذّرع فصل الصّيف قد كملا
فنثرة الطّرف جبهة [1] الزّبرة انصرفت ... عوى سماك فدا فصل الخريف خلا
غفر زبانا تكلّل قلب شولتها ... نعائم [2] بلدة فصل الشتا كملا
واذبح بلاعا سعودا واخب فرعهما [3] ... في بطن حوت، فذا فصل الرّبيع تلا
استحسنها وقال: إنه أجاد فيها غير أنه اعتمد في ذلك على حساب المتقدمين في المنازل حيث بدأ بالشرطين، وعلى حساب المتأخرين، يبدءون بالفرع المؤخر.
وتوفي بالهند بأحمدآباد ليلة الجمعة رابع صفر ودفن بها بتربة العرب بالقرب من تلميذه وصاحبه الشيخ عبد الرحيم العمودي، وكانا في حياتهما روحين في جسد.
وفيها القاضي زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن الفرفور الحنفي [4] .
كان إماما، فاضلا، شاعرا، بارعا.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «جبة» وما أثبته من «النور السافر» مصدر المؤلف ولا يستقيم وزنه.
[2] في «آ» و «ط» : «نعامة» .
[3] في «آ» و «ط» : «مزعهما» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 164) .(10/626)
ومن شعره:
اترك الدّنيا لناس زعموا ... أنّ فيها مرهم القلب الجريح
ذاك ظنّ منهم بل غلط ... آه منها ما عليها مستريح
وأهدى سفينة لبعض أصحابه وكتب معها:
سفينة وافتك يا سيدي ... مشحونة بالنّظّم والنّثر
قد ملئت بالدّر أرجاؤها ... من أجل ذا جاءت إلى البحر
وفيها أبو السعادات محمد بن أحمد بن علي الفاكهي المكّي الحنبلي [1] الإمام العلّامة.
ولد سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وقرأ في المذاهب الأربعة، فكانت له اليد الطولى، وتفنّن في العلوم.
ومن شيوخه الشيخ أبو الحسن البكري، وابن حجر الهيتمي، والشيخ محمد الحطّاب في آخرين من أهل مكة، وحضرموت، وزبيد، يكثر عددهم بحيث يزيدون على التسعين، وأجازوه، وحفظ «الأربعين النواوية» و «العقائد النسفية» و «المقنع» في فقه الحنابلة، و «جمع الجوامع» الأصولي و «ألفية ابن مالك» و «تلخيص المفتاح» وغير ذلك، منها، القرآن العظيم، وقرأ للسبعة، ونظم ونثر، وألّف من ذلك «شرح مختصر الأنوار» المسمى «نور الأبصار» في فقه الشافعي، ورسالة في اللغة، وغير ذلك، ورزق الحظوة في زمنه.
وكان جوادا، سخيا، لا يمسك شيئا، ولذلك كان كثير الاستقراض، وكانت تغلب عليه الحدّة، ودخل الهند وأقام بها مدة مديدة، ثم رجع إلى وطنه مكّة سنة سبع وخمسين وتسعمائة، وفي ذلك العام زار النّبيّ صلّى الله عليه وسلم، ثم حجّ في السنة التي تليها، وعاد إلى الهند فمات بها ليلة الجمعة الحادي والعشرين من جمادى الآخرة.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (407- 410) و «النعت الأكمل» ص (154- 155) و «الأعلام» (6/ 7) و «معجم المؤلفين» (8/ 292) .(10/627)
وفي حدودها بهاء الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله المصري [1] النحوي الشيخ العالم الصّالح.
قال في «الكواكب» : ولد تقريبا سنة ثمان وتسعمائة، وتوفي في عشر التسعين. انتهى.
وفيها- قطعا- شهاب الدّين محمود بن شمس الدّين محمد السّندي [2] الطّيب.
قال في «النور» : كان آية في الطب [3] والمعالجات، حكي أن بعض السلاطين أهدى إلى السلطان محمود صاحب كجرات أشياء نفيسة، من جملتها جارية وصيفة، فأعطاها السلطان لبعض [4] الوزراء، فاتفق أن صاحب الترجمة جسّ نبضها قبل أن يمسها ذلك الوزير، فحذّره من جماعها وقال: كل من جامعها يموت، فأرادوا تجربته في ذلك. وجاءوا بعبد وأدخلوه عليها فمات لوقته، فازدادوا تعجبا منه، وسأله الوزير عن السبب فقال: إنهم أطعموها أشياء أورثت ذلك، وأن مهديها قصد هلاك السلطان، ويقرب من هذا بل يؤيده أن القزويني ذكر في «عجائب البلدان» عند الكلام على عجائب الهند. ومن عجائبها البيش، وهو نبت لا يوجد إلّا في الهند، سمّ قاتل، أي حيوان يأكل منه يموت، ويتولد تحته حيوان يقال له: فأرة البيش، تأكل منه ولا يضرّها.
ومما ذكر أن ملوك الهند إذا أرادوا الغدر بأحد عمدوا إلى الجواري إذا ولدن، وفرشوا من هذا النبت تحت مهودهنّ زمانا، ثم تحت فرشهن زمانا، ثم تحت ثيابهن زمانا، ثم يطعمونهن [5] منه في اللبن، حتى تصير الجارية إذا كبرت تتناول منه ولا يضرّها، ثم يبعثوا بها مع الهدايا إلى من أرادوا الغدر به من الملوك فإذا غشيها مات. انتهى
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 61- 62) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (413- 414) .
[3] في «النور السافر» : «في الحكمة والمعالجات» .
[4] في «آ» : «إلى بعض» .
[5] في «النور السافر» : «يطعموهن» .(10/628)
سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة
فيها توفي الشيخ تقي الدّين أبو بكر بن محمد الحمّامي والده، الصّهيوني الشافعي [1] الإمام العلّامة.
قال في «الكواكب» : قرأ على الشيخ شهاب الدّين الطّيبي في القراآت وغيرها، وعلى الشيخ شهاب الدّين أخي في الحساب وغيره، وكان يعتمد علم الحرف ويعمل الأوفاق، اعتقده الحكّام بسبب ذلك، وعاش فقيرا ثم أثرى في آخر عمره، فقال لبعض أصحابه: حيث وسّعت علينا الدنيا فالأجل قريب، فمات عن قرب.
ومن كلامه: ليس في التردد إلى من ليس فيه كبير فائدة كبير فائدة.
وله نظم لطيف منه:
أضنى الجوانح بالهوى ولهيبه ... بدر تزايد في الهوى ولهي به
وجوانحي جنحت إلى ذاك الذي ... شغل الفؤاد بحبّه ولهيبه
وعلى هواه مقلتي سحّت وما ... شحّت بفيض مدامعي وصبيبه
فإذا أصبت أذى بأوصاف الهوى ... لا تنكروا بحياتكم وصبي به
للَّه صبّ ما تذكّر للهوى ... إلا وهام بذكره وصبي به
ذكر الشيخ حسن البوريني أنه ذاكرا أبابكر الصّهيوني [2] فوجده فاضلا في علوم إلّا أنه اشتهر بعلم النجوم. انتهى ملخصا.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 94- 95) و «تراجم الأعيان» للبوريني (1/ 276) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «الصيوني» .(10/629)
وفيها الشيخ إسماعيل بن أحمد بن الحاج إبراهيم النّابلسي الشافعي [1] .
قال في «الكواكب» : هو شيخ الإسلام ومفتي الأنام، أستاذ العصر، ومفرد الوقت، تصدّر للإفتاء والتدريس، وصار إليه المرجع بعد شيخ الإسلام الوالد.
مولده كما [2] وجدته بخطّ المنلا أسد، سنة سبع وثلاثين وتسعمائة.
واشتغل على جماعة من أهل العلم في النحو والصّرف، وحفظ القرآن العظيم، و «ألفية ابن مالك» ثم لازم الشيخ أبا الفتح الشّيشري هو وصاحبه الشيخ عماد الدّين الحنفي، ثم لزم العلّامة الشيخ علاء الدّين بن عماد الدّين في المعقولات وغيرها، وأخذ عن شيخ الإقراء الشيخ شهاب الدّين الطّيبي، وقرأ «المنهاج» على العلّامة الفقيه السّنفي، ودرّس بالجامع الأموي، ثم بدار الحديث الأشرفية، وبالشامية البرّانية عن الشّهاب الفلوجي [3] ، ودرّس بالدرويشية بشرط واقفها، وضم إليها تدريس العادلية الكبرى، وكانت دروسه حافلة، لصفاء ذهنه وطلاقة لسانه، وحسن تقريره.
وله شعر منه قوله محاجيا في عاقر قرحا:
مولاي يا خير مولى ... ويا سليم القريحه
ما مثل قول المحاجي ... يوما عجوز قريحه
وأجاب عن قول بعضهم:
يا أيّها النّحوي ما اسم قد حوى ... من مانعات الصّرف خمس موانع
وتزول من تلك الموانع علّة ... فيصير مصروفا بغير منازع
بقوله:
يا أكمل الفضلاء يا من قد غدا ... في فضله فردا بغير مدافع
في أذربيجان لقد ألغزت إذ ... شنّفت باللّغز البديع مسامعي
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 130- 135) و «تراجم الأعيان» (2/ 61- 79) و «معجم المؤلفين» (2/ 258) .
[2] لفظة «كما» سقطت من «ط» .
[3] تصحفت في «ط» إلى «القلوجي» .(10/630)
توفي- رحمه الله تعالى- يوم السبت ثالث عشر المحرم، ودفن بمقبرته التي أنشأها شمالي مقبرة باب الصغير بالقرب من جامع جرّاح.
وفيها رحمة الله بن عبد الله السّندي الحنفي [1] ، نزيل المدينة المشرّفة.
قال في «النور» : كان من العلماء العاملين وعباد الله الصّالحين.
وتوفي في مكة في ثامن عشر المحرّم.
وكان له أخ اسمه حميد، وكان أيضا من أهل العلم والصّلاح، حسن الأخلاق، كثير التواضع، ظاهر الفضل، جليل القدر، وحصل له في آخر الأمر جاه عظيم، وجاور بها تسع سنين، ومات بها أيضا. انتهى.
وممن أخذ عنه النّجم الغيطي.
وممن أخذ عن الشيخ حميد الشيخ محمد علي ابن الشيخ محمد علّان المكّي الشافعي الصّديقي، الشهير بابن علّان شيخ شيخنا السيد محمد بن سيد حمزة الحسيني نقيب السّادة الأشراف بدمشق.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن أبي اللطف المقدسي الشافعي [2] المتقدّم ذكر والده في سنة إحدى وسبعين وتسعمائة [3] .
[4] ولد صاحب الترجمة سنة أربعين وتسعمائة [4] ، وبرع وهو شاب، وفضل، وتقدم على من هو أسنّ منه، حتى على أخويه، وصار مفتي القدس الشريف على مذهب الإمام الشافعي.
وكان له يد طولى في العربية والمعقولات، وله شعر منه قوله مقيدا لأسماء النّوم بالنهار وما في كل نوع منها:
النّوم بعد صلاة الصّبح غيلوله ... فقر وعند الضّحى فالنّوم فيلوله
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (439- 440) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 11- 12) .
[3] انظر ص (534) من هذا المجلد.
[4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .(10/631)
وهو الفتور وقبل الميل قيل له ... إذ زاد في العقل أي بالقاف قيلوله
والنّوم بعد زوال بين فاعله ... وبين فرض صلاة كان ميلوله
وبعد عصر هلاكا مورثا وكذا [1] ... كقلّة العقل بالإهمال عيلوله
وكان إماما، علّامة.
وتوفي- رحمه الله تعالى- بالقدس الشريف في أواخر صفر.
وفيها الأستاذ الأعظم شمس الدّين محمد بن الشيخ أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عوض بن عبد الخالق بن عبد المنعم بن يحيى بن يعقوب بن نجم الدّين بن عيسى بن داود بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصّدّيق، رضي الله عنه، البكري الصّدّيقيّ الشّافعي الأشعريّ المصري [2] .
قال في «النور» : أخذ عن والده، والقاضي زكريا، وغيرهما. وكان من آيات الله في الدرس والإملاء، يتكلم بما يحيّر العقول ويذهل الأفكار، بحيث لا يرتاب سامعه في أن ما يتكلم به ليس من جنس ما ينال بالكسب، وربما كان يتكلّم بكلام لا يفهمه أحد من أهل مجلسه، مع كون كثير منهم أو أكثرهم على الغاية من التمكن في سائر مراتب العلوم، وكان إليه النهاية في العلم، حتّى كان بعض الأجلاء ممن يحضر دروسه يقول: لولا أن باب النّبوة سدّ لاستدلّينا بما نسمعه منه على نبوته.
وأما مجالسه في التفسير وما يقرّره فيها من المعاني الدقيقة والأبحاث الغامضة، مع استيعاب أقوال الأئمة، وذكر المناسبات بين السّور والآيات، وبين أسماء الذّات المقدس والصّفات، وما قاله أئمة الطريق في كل آية من علوم الإشارة، فمما يحيّر العقول ويدهش الخواطر، وجميع ما يلقيه بألفاظ مسجعة معربة موضوع كل لفظ في محلّه الذي لا أولى به.
__________
[1] في «آ» : «وبعد عصر هلاك مورثا وكذا» وفي «ط» : «وبعد عصر هلاك كان مورثا وكذا» .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (414- 432) و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 187- 193) و «الأعلام» (7/ 60- 61) و «معجم المؤلفين» (11/ 281) .(10/632)
ولم يحفظ أحد له هفوة في لفظ من ألفاظه من جهة إعراب أو تصريف، أو تقديم، أو تأخير، أو غير ذلك من هفوات الألسن. وما من درس من دروسه إلّا وهو مفتتح بخطبة مشتملة على الإشارة إلى كل ما اشتمل عليه ذلك الدرس على طريق براعة الاستهلال، وهكذا كانت مجالسه في الفقه والحديث، وكل علم يتصدى لتقريره، وله جملة تصانيف، منها «شرح مختصر على أبي شجاع» في الفقه، وكتب أيضا على أوائل «منهج القاضي زكريا» وله رسائل في أنواع من العلوم والمعارف والآداب، كرسالته في الاسم الأعظم، ورسالته في الصّلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلم ورسالته في السّماع، وغير ذلك، وله ديوان شعر كبير منه قوله [1] :
ما أريض مفتّح الأزهار ... وبهيج مشعشع الأنوار
ولآل منظّمات عقودا ... لغوان عرائس أبكار
وشموس تضيء في أفق السّع ... د زها ضوؤها على الأقمار
وغصون بأيكها تسجع الور ... ق فتنسي ترنّم الأوتار
مثل قول الإله في حقّ جدّي ... ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما في الْغارِ 9: 40 [2]
ومنه قصيدته الطويلة التي مطلعها [3] :
ما أرسل الرّحمن أو يرسل ... من رحمة تصعد أو تنزل
في ملكوت الله أو ملكه ... من كلّ ما يختصّ أو يشمل
إلّا وطه المصطفى عبده ... نبيّه مختاره المرسل
واسطة فيها وأصل لها ... يفهم هذا كلّ من يعقل
ومنه [4] :
إذا خطب ذنب علينا دجا ... أنرنا دجاه بنور الرّجا
__________
[1] الأبيات في «النور السافر» ص (419) .
[2] اقتباس من قوله تعالى في سورة التوبة الآية (40) : ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما في الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنا 9: 40.
[3] الأبيات في «النور السافر» ص (419) .
[4] الأبيات في «النور السافر» ص (421- 422) .(10/633)
فكم شدّة من ذنوب عظام ... لها الله بالعفو قد فرّجا
وكم ضقت ذرعا بجرمي فما ... وجدت سوى العفو لي مخرجا
فلله فالجأ ولا تيأسن ... فما خاب عبد إليه التجا
ومنه [1] :
انظر إلى الماء الذي ... بيد النّسيم تجعّدا
قد شبّهوه بمبرد ... فلأجل ذا يبري الصّدا
وكان- رضي الله عنه- يحجّ في كل عامين مرّة.
وبالجملة فلم يكن له نظير في زمانه، ولم يخلف مثله.
وتوفي بالقاهرة في ربيع الثاني، وقيل في تاريخ وفاته:
مات من نسل أبي بكر فتى ... كان في مصر له قدر مكين
قلت لما الدّمع من عيني جرى ... أرّخوه [2] (مات قطب العارفين)
وفيها المولى السيد محمد بن محمد بن عبد القادر أحد موالي الرّوم وابن أحد مواليها السّيد الشريف الحنفي، المعروف بابن معلول [3] .
قال في «الكواكب» : ولي قضاء الشام، وكلّف الناس المبالغة في تعظيمه، وماتت له بنت فصلى عليها شيخ الإسلام الوالد، وعزّاه بالجامع الأموي، ولم يذهب معها [4] ، [5] [لأنه حينئذ كان يؤثر العزلة وعدم التردد إلى الحكّام] [5] ، فحنق عليه، ثم لما ولي مصر ثم قضاء العسكر [6] وجّه [7] التّقوية عن الوالد للشيخ محمد
__________
[1] البيتان في «النور السافر» ص (425) .
[2] وفاته في حساب الجمّل سنة (984) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 29- 30) .
[4] كذا في «آ» و «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف: «معها» وفي «ط» : «معه» .
[5] ما بين الرقمين زيادة من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[6] في «ط» : «العساكر» .
[7] في «آ» و «ط» : «فوجه» وما أثبته من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف وانظر تعليق محققه على هذه اللفظة فيه.(10/634)
الحجازي، المعروف بابن سماقة. ثم باشر قضاء العسكر سبعة عشر يوما، ثم جنّ وأخذ من مجلس الديوان محمولا. وولي قضاء العسكر بعده جوي زاده فأعاد التقوية إلى الشيخ [1] ، ثم ولي ابن معلول الإفتاء، ثم عزل عنه سريعا، وأعطي نقابة الأشراف، ومات وهو نقيب عن ثمان وخمسين سنة. انتهى باختصار.
__________
[1] أي إلى والد صاحب «الكواكب السائرة» .(10/635)
سنة أربع وتسعين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر العلقميّ القاهري الشافعي [1] الإمام العلّامة أخو الشيخ شمس الدّين العلقمي.
ولد سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وهو منسوب إلى بلدة العلاقمة، قرية من كورة بلبيس، ونشأ بها، ثم رحل إلى القاهرة، وتفقّه بأخيه، والشيخ شهاب الدّين البلقيني، وقرأ «البخاري» كاملا، وثلث «مسلم» وجميع «الشفا» على قاضي القضاة شهاب الدّين الفتّوحي، وسمع عليه الأكثر من بقية الكتب الستة، بقراءة الشمس البرهمتوشي، وقرأ جميع «سيرة ابن هشام» على المحيوي يحيى الوفائي قاضي الحضرة، وجميع «رياض الصالحين» على العارف بالله تعالى أحمد بن داود النّسيمي، وجميع «البخاري» و «سيرة ابن سيد الناس» على السيد الشريف يوسف بن عبد الله الأرميوني، وأجازه بالفقه والنحو الشّهاب البلقيني تلميذ القسطلاني، وقرأ الكثير من «حلية» أبي نعيم، على الإمام المحدّث أحمد بن عبد الحقّ.
وكان في ابتداء أمره يلازم دروس الشّهاب الرّملي ويسمعه، وله مشايخ غير هؤلاء.
وبالجملة فقد كان إماما، عالما، عاملا، رحمه الله تعالى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن قاسم العبّاديّ القاهريّ الشافعيّ [2] الإمام العلّامة الفهّامة.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 87- 88) .
[2] ترجمته في «تراجم الأعيان» (1/ 62- 64) و «الكواكب السائرة» (3/ 124) و «معجم المؤلفين» (2/ 48- 49) .(10/636)
أخذ العلم عن الشيخ ناصر الدّين اللقاني، ومحقّق عصره بمصر شهاب الدّين البرلسي المعروف بعميرة، والعلّامة قطب الدّين عيسى الصّفوي.
وبرع وساد، وفاق الأقران، وسارت [1] بتحريراته الرّكبان، وتشنّفت من فرائد فوائده الآذان.
ومن مصنّفاته «الحاشية على شرح جمع الجوامع» المسماة ب «الآيات البيّنات» و «حاشية على شرح الورقات» و «حاشية على المختصر في المعاني والبيان» و «حاشية على شرح المنهج» .
وأخذ عنه الشيخ محمد بن داود المقدسي وغيره.
وتوفي بالمدينة المنورة عائدا من الحجّ.
وفيها- تقريبا- نور الدّين علي بن محمد العسيلي المصري الشافعي [2] الإمام العلّامة الأديب المفنّن في العلوم النقلية والعقلية.
ذكره الشعراوي، وأثنى عليه بالخشية والبكاء عند سماع القرآن والتهجد.
قال: وكان يغلب عليه أحوال الملامية، وأن غالب أعماله قلبية.
وكان إماما، علّامة، له «حاشية» حافلة على «مغني ابن هشام» .
ومن نظمه قوله في صدر قصيدة:
رعى الله ليلة وصل خلت ... خلوت بها وضجيعي القمر
صفت عن رقيب وعن عاذل ... فلم تك إلّا كلمح البصر
وقد قصرت بعد طول النّوى ... وما قصرت مع ذاك القصر
وقوله في عبد له اسمه فرج:
لكلّ ضيق إذا استبطأته فرج ... وكلّ ضيق أراه فهو منفرج
__________
[1] في «ط» : «وسارات» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 180- 181) .(10/637)
وكان الشيخ نور الدّين من أخصّ الناس بالشيخ محمد بن أبي الحسن البكري.
وفيها شمس الدّين أبو مسلم محمد بن محمد بن خليل بن علي بن عيسى بن أحمد الصّماديّ الدمشقي القادريّ الشافعيّ [1] .
ولد سنة إحدى عشرة وتسعمائة.
قال في «الكواكب» : وكان من أمثل الصوفية في زمانه، وله شعر في طريقتهم، إلا أنه لا يخلو من مؤاخذة في العربية، وكان شيخ الإسلام الوالد يجلّه ويقدّمه على أقرانه من الصّوفية ويترجمه بالولاية، وأفتى شيخ الإسلام الوالد تبعا لشيخي الإسلام شمس الدّين بن حامد، والتّقوى بن قاضي عجلون بإباحة طبولهم في المسجد وغيره، قياسا على طبول الجهاد والحجيج، لأنها محرّكة للقلوب إلى الرّغبة في سلوك الطريق، وهي بعيدة الأسلوب عن طريقة أهل الفسق والشرب.
وكان الأستاذ الشيخ محمد البكري يجلّ [2] صاحب الترجمة لأنهما اجتمعا في بيت المقدس، وعرف كل منهما مقدار الآخر.
قال النجم الغزّي: وما رأيت في عمري أنور من أربعة إذا وقعت الأبصار عليهم شهدت البصائر بنظر الله إليهم، أجلّهم والدي، والشيخ محمد الصّمادي، والشيخ محمد اليتيم، ورجل رأيته بمكّة المشرّفة سنة إحدى وألف.
وكان الشيخ محمد الصّمادي [3] معتقدا للخواص والعوام، خصوصا حكام دمشق والواردين إليها من الدولة. وكانوا يقصدونه في زاويته للتبرك وطلب الدّعاء منه.
وبالجملة كان من أفراد الدهر.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 168- 169) و «الكواكب السائرة» (3/ 16- 20) و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 185- 187) .
[2] في «ط» : «يبجل» وهو خطأ.
[3] في «ط» : «الصماد» .(10/638)
توفي- رضي الله عنه- ليلة الجمعة عاشر صفر، ودفن بزاويتهم داخل باب الشاغور. وكانت دمشق قبل ذلك مزيّنة بثلاثة أيام [1] لفتح تبريز، وقيل في تاريخ وفاته:
لهف قلبي على الصّماديّ دوما [2] ... الحسيب النّسيب أعني محمّد
مذ توفي أهل النّهى أرّخوه [3] ... (مات قطب من الرّجال ممجّد)
انتهى باختصار.
وفيها المولى محمد بن عبد الكريم، الملقّب بزلف نكار الحنفي الرّومي القسطنطيني [4] الإمام العلّامة.
قال في «العقد المنظوم» وهو آخر من ترجم فيه.
كان من ملازمي المولى جعفر، وتنقّل في المدارس، وله «حواش» مقبولة على «حواشي التجريد» للشريف الجرجاني، و «رسالة» على أول كتاب العتاق من «الهداية» ورسائل أخر في علم البيان، وغيره.
وكان فاضلا، عالما، عاملا، أديبا، وقورا، خيّرا، صبورا. انتهى
__________
[1] في «ط» : «قبل ذلك بثلاثة أيام مزينة» .
[2] في «ط» : «يوما» وهو خطأ.
[3] وفاته في حساب الجمّل سنة (994) .
[4] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (502) .(10/639)
سنة خمس وتسعين وتسعمائة
فيها توفي المولى محيي الدّين محمد [1] بن محمد [1] بن إلياس، المعروف بجوي زاده [2] الحنفي الإمام العلّامة.
قال في «الكواكب» : هو أحسن قضاة الدولة العثمانية وأعفّهم وأصلحهم سيرة. ترقّى في المدارس على عادة موالي الرّوم، وولي قضاء دمشق، فدخلها في خامس عشر صفر سنة سبع وسبعين وتسعمائة، وهي سنة ميلادي، وانفصل في ختام السنة عن قضاء دمشق، وأعطي قضاء مصر، ثم صار قاضيا بالعساكر. وفي آخر أمره صار مفتيا بالتخت السلطاني، وكانت سيرته في قضائه في غاية الحسن بحيث يضرب بها المثل.
وكان عالما، فاضلا، بارعا، ديّنا، خيّرا، عفيفا. كان رسم الحجة في دمشق قبل ولايته أربع عشرة قطعة فجعله عشرا، وكان رسم الصورة ثمان قطع فجعله ستا، ودام على ذلك، وأخذ بعض نوابه في بعض الوقائع ما زاد على ذلك فردّه، وقرأ على الشيخ الوالد في أوائل الكتب الستة وغير ذلك، وحضر بعض دروسه في الفقه والتفسير، واستجازه فأجازه، وكان يفتخر بقراءته على الشيخ وإجازته.
وكان- رحمه الله تعالى- حليما إلى الغاية إلا في أمر الدّين ومصالح المسلمين، فإنه كان صلبا، يغضب لله تعالى، وبالغ في ردع الساسة، وربما
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 27- 29) .(10/640)
ضرب بعضهم، ولم يقبل من أحد هديّة أيام قضائه، ولما انفصل عن دمشق أمر مناديا ينادي يوم الجمعة بالجامع الأموي أنّ قاضي القضاة عزل عن دمشق، فمن أعطاه شيئا، أو أخذ منه أحد من جماعته شيئا، أو تعدى عليه أحد من جماعته، فليرفع قصته إليه حتى يردّ إليه ما انتزع منه، فرفعت الناس أصواتهم بالبكاء والدعاء له، ودام في ولاياته كلها على التعبّد والورع في طعامه، وشرابه، ولباسه.
ومات، وهو مفتي التخت السلطاني ليلة الخميس سادس جمادى الآخرة.
انتهى ملخصا.
وفيها مصطفى بن محمد العجمي [1] الحلبي ثم الدمشقي الشافعي [2] .
كان أبوه من تجار دمشق وأهل الخير، وكان لصاحب الترجمة معرفة بالفرائض والحساب، ومشاركة في عدة فنون، وله شعر لطيف. قاله في «الكواكب» .
__________
[1] تحرفت لفظة «العجمي» في «ط» إلى «العجي» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 207) .(10/641)
سنة ست وتسعين وتسعمائة
فيها توفي المولى برويز بن عبد الله الرّومي الحنفي [1] الإمام العالم العلّامة.
قرأ على علماء عصره، وتنقّل في المدارس، وولى عدة من المناصب الشريفة.
وكان بارعا مفنّنا، له «حاشية على تفسير البيضاوي» . و «حاشية على الهداية» ورسائل في فنون عديدة.
وفيها الشريف الفاضل محمد بن الحسين الحسيني السّمرقندي [2] .
قال في «النور» : كان فاضلا، منشئا، يعرف عدة ألسن، مثل العربية، والفارسية، والرّومية، والهندية، والحبشية. وكان أهل المدينة إذا أرادوا مكاتبة أحد الأكابر، لا يكتبون ذلك إلّا بإنشائه، ولما مات أحصيت كتبه فكانت ألفا وتسعين كتابا، ووجد بخطه هذان البيتان [3] :
روحي ائتلفت بحبّكم في القدم ... من قبل وجودها وبعد العدم
ما يجمل بي من بعد عرفانكم ... أن أنقل من طرق هواكم قدمي
وذكر أنهما لسيدي الشيخ عبد القادر الكيلاني [4] قدس الله روحه، وأنهما إذا قرئا في أذن المصروع أفاق البتة.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 137) و «معجم المؤلفين» (3/ 43- 44) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (442) و «الأعلام» (6/ 102) .
[3] وهما من الدّوبيت.
[4] ويقال له أيضا «الجيلاني» .(10/642)
وتوفي بالمدينة المشرّفة ليلة الخميس تاسع المحرم. انتهى وفيها جمال الدّين محمد بن الصّديق الخاص الحنفي اليمني الزّبيدي [1] .
قال في «النور» : كان إماما، عالما، رحلة، محقّقا، مدقّقا، من كبار علماء زبيد وأعيان المدرّسين بها، والمفتين على مذهب الإمام الأعظم، ليس له نظير في زمانه، ولم يخلّف في ذلك القطر مثله.
وتوفي بزبيد عصر يوم الأربعاء رابع شعبان. انتهى
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (443) .(10/643)
سنة سبع وتسعين وتسعمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن الشيخ شهاب الدّين أحمد بن عبد الحقّ المصري الشافعي [1] الإمام العلّامة.
أخذ عن والده وغيره من أعيان علماء مصر، ودأب، وحصّل، ودرّس وأفتى، وصار ممن يشار إليه في الإقليم المصري بالبنان، وتتشنّف بفرائد فوائده الآذان، رحمه الله تعالى [2] .
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 117) .
[2] قلت: وفيها مات العلّامة الشيخ عمر بن محمد بن أبي اليمن بن سلطان الدمشقي، مفتي الشام، الذي طواه يومه كما طوى قومه في غرة ربيع الثاني. انظر «الذيل الأول لعرف البشام» ص (218) .
وفيها أيضا مات الحسين الحافظ التبريزي، الشهير بابن الكربلائي، نزيل دمشق، وكانت بينه وبين العلّامة محمد بن الحسن البوريني صحبة ومودة، وقد نظم في مدحه التالي:
محاسن مولانا الحسين كثيرة ... يقصّر عنها وصف كلّ مقال
ففي الشّعر ما وزن الهلاليّ وزنه ... وفي الخطّ قد أربى على ابن هلال
انظر «تراجم الأعيان» (2/ 165- 169) .
وفيها أيضا مات الملا حسين قنبر الشيرازي المذهب الشاعر الشهير. انظر «تراجم الأعيان» (2/ 170- 175) .(10/644)
سنة ثمان وتسعين وتسعمائة
فيها توفي المنلا أسد [الدّين] بن معين الدّين الشّيرازي الشافعي [1] نزيل دمشق الإمام العلّامة المحقّق المدقّق.
قال في «الكواكب» : أكثر انتفاعه بالشيخ علاء الدّين بن عماد الدّين، قرأ عليه «الإرشاد» في الفقه لابن المقري، وقرأ عليه في «شرح المفتاح» في المعاني، والبيان، وشرح «الطوالع» للأصبهاني، و «العضد» [كلاهما في الأصول] وفي «الكشّاف» والقاضي.
وكتب بخطّه «المطوّل» و «ديوان أبي تمّام» و «المتنبي» و «شرح ابن المصنّف» على «الألفية» وغير ذلك، ودرّس بالنّاصرية البرّانية، ثم بالشامية، وجمع له بينهما، وأفتى بعد موت الشيخ إسماعيل النابلسي، وعنه أخذ أكثر فضلاء الوقت، كالشيخ حسن البوريني، والشّهابي أحمد بن محمد المنقار، والشيخ محمد بن حسين الحمّامي، وغيرهم.
وله شعر رائق بليغ، كأنه لم يكن أعجميا.
ومن شعره:
قال لي صاحبي غداة التقينا ... إذ رآني بمدمع مهراق
لم تبكي فقلت قد أنشدوني ... مفردا فائقا لطيف المذاق
كلّ من كان فاضلا كان مثلي ... فاضلا عند قسمة الأرزاق
وتوفي في جمادى الثانية ودفن بسفح قاسيون. انتهى
__________
[1] ترجمته في «تراجم الأعيان» (2/ 34- 48) وما بين الحاصرتين زيادة منه، و «الكواكب السائرة» (3/ 127- 129) وعبارة «كلاهما» في الأصول زيادة منه.(10/645)
وفيها الحافظ جمال الدّين الطّاهر بن الحسين بن عبد الرحمن الأهدل اليمني الشافعي [1] محدّث الدّيار اليمنية.
قال في «النور» : ولد سنة أربع عشرة وتسعمائة بقرية المراوعة، وبها نشأ وتعلّم القرآن، وقرأ على إمام جامعها فخر الدّين بن أبي بكر المعلّم علوم النحو، والفقه، والحساب، وغير ذلك، ثم انتقل إلى مدينة زبيد، ولازم الحافظ عبد الرحمن بن الدّبيع، وانتفع به انتفاعا كلّيا [2] رقى به إلى درجة الكمال، وساد على الأمثال، وله مشايخ كثيرة في الحديث وغيره، منهم أبو العبّاس الطّنبذاوي، ووجيه الدّين ابن زياد، والسّيد عبد المحسن الأهدل، وبرهان الدّين مطيّر، وخلائق، وأجازوا له، وارتحل إلى مكّة المشرّفة، وجاور بها، واجتمع فيها بجماعة من العلماء، مثل شيخ الإسلام أبي الحسن البكري، وقرأ عليه وعلى الحافظ أبي السّعادات المالكي وغيرهما، ثم إنه انفرد بعد شيخه ابن الدّيبع برئاسة الحديث، وارتحل إليه الناس، وكثر الآخذون عنه، منهم الحافظ محيي الدّين البزّاز، ومحمد بن أحمد الصّابوني، وبرهان الدّين بن جعمان، وعبد الرحمن الضّجاعي، وأمين الدّين الأحمر [3] ، وتخرّج به ابن ابنه العلّامة السيد الحسين بن أبي بكر بن الطّاهر المترجم، وعمي بآخر عمره بعد أن حصّل بخطّه كتبا كثيرة، وصنّف أشياء حسنة.
وبالجملة فإنه كان أوحد عصره علما، وعملا، وحفظا، وإتقانا، وضبطا، ومعرفة بأسماء الرجال، وجميع علوم الحديث، بحيث كان مسند الدّنيا.
وتوفي يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول بمدينة زبيد، ودفن بباب سهام بمقبرة أهله. انتهى.
وفيها وجيه الدّين ميان الهندي [4] .
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (447) و «معجم المؤلفين» (5/ 34- 35) .
[2] لفظة «كلّيا» لم ترد في «ط» و «النور السافر» مصدر المؤلف.
[3] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «الأعمر» .
[4] ترجمته في «النور السافر» ص (456) .(10/646)
قال في «النور» : توفي بأحمدآباد، وكان من أهل العلم والزّهد، وحصل له القبول التام من الناس، وانتفع به الطلبة في كثير من الفنون، واشتهر أمره جدا.
انتهى.
وتقدمت ترجمة ميان عبد الصّمد الهندي أيضا [1] ، وهذا غيره [2] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «عبد الصمد ميان الهندي» والتصحيح من ترجمته في وفيات سنة (985) ص (598) من هذا المجلد.
[2] قلت: وفي هذه السنة أيضا مات العلّامة الشيخ أحمد بن أحمد بن محمد الأيدوني الشّافعي، كان من حفّاظ كتاب الله تعالى، قرأه بالعشر على الشيخ شهاب الدّين الطيبي، وقرأ التفسير على العلّامة الشيخ بدر الدين الغزّي.
وكان عالما، عاملا، ديّنا، خاشعا لله تعالى، كثير البكاء، وكان الناس يقصدون إمامته لحسن صوته وصحة قراءته.
قال تلميذه العلّامة الحسن بن محمد البوريني: وسمعته يقول عند ما كتب علماء دمشق محضرا بأن غيره أولى منه بالإمامة: سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ 43: 19 (الزخرف: 19) .
انظر «تراجم الأعيان» (1/ 160) .(10/647)
سنة تسع وتسعين وتسعمائة
قال في «النور» [1] : في يوم الأربعاء رابع عشر رجب زالت الدولة المهدويّة بأحمد نكر من بلاد الدّكن.
وقتل الوزير جمال خان [2] ، وجيء برأسه إلى أحمد نكر، وطيف به فيها، ثم علّق أيّاما، وتسلطن برهان شاه. انتهى.
وفيها توفي المولى عبد الغني بن ميرشاه الحنفي [3] أحد الموالي الرّومية.
تنقّل في المدارس إلى أن وصل إلى السليمانية، ثم أعطي منها قضاء دمشق عوضا عن محمد أفندي بن بستان في سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، وعزل عنها بتولية قضاء مصر سنة أربع وثمانين وتسعمائة، ثم ولي دمشق بعد قضاء العسكرين في سنة أربع وتسعين وتسعمائة، ثم عزل عنها وعاد إلى الرّوم فمات بها.
وفيها الشيخ محمد بن محمد بن موسى البقاعي الحمّادي الشافعي [4] نزيل دمشق، المعروف بالعرّة، الزّاهد الصّالح العارف بالله تعالى.
قال في «الكواكب» : كان دسوقي الطريقة، وصحب سيدي محمد الأسد الصّفدي من أصحاب سيدي محمد بن عراق، وكان بينهما مصاهرة أو قرابة، وكان الشيخ محمد العرّة مواظبا على ذكر الله، لا يفتر عنه طرفه عين، ووجهه مثل الورد
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (459) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (459- 460) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 30- 32) .(10/648)
يتهلل نورا، بحيث إنّ من رآه ذكر الله تعالى عند رؤيته، وعلم أنه من أولياء الله تعالى، إلى أن قال بعد ثناء طويل حسن: وهو ممن أرجو أن ألقى الله على محبته واعتقاده رضي الله تعالى عنه.
وكانت وفاته في صبيحة يوم الثلاثاء، تاسع عشر ربيع الأول.
وفيها المولى محمد بن حسن الشريف الحسيب، المعروف بالسّعودي [1] .
أخذ هو وأخوه [2] محمد المعروف بالحبابي عن المولى أبي السعود، وتوفي أخوه [2] قبله، بعد أن ولي عدة مناصب، منها قضاء حلب.
وكان صاحب الترجمة إماما، محقّقا، مدقّقا، وتوفي بآمد [3] .
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 55- 56) .
[2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] قلت: وفيها مات العلّامة الفاضل الشيخ علي بن بيان الفارسي الشهير ب «عيان» صاحب كتاب «مملكة المنتصف ومهلكة المعتسف» .
انظر «كشف الظنون» (2/ 182) و «معجم المؤلفين» (7/ 49) .(10/649)
سنة ألف
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن يوسف بن حسين بن يوسف بن موسى الحصكفي [1] الأصل الحلبي المولد والدار، الشافعي، المعروف بابن المنلا جدّه لأبيه.
كان قاضي قضاة تبريز، شهرته منلا جامي شرح المحرر، وجدّه لأمّه الشرفي يحيى أجا بن أجا.
قال في «الكواكب» : مولده سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، ونشأ في كنف أبيه، واشتغل بالعلم، فقرأ على ابن الحنبلي في «مغني اللبيب» فما دونه من كتب النحو، وفي «شرح المفتاح» ، والمنطق، والقراآت، والحديث، وفي مؤلفاته.
وصحب سيدي محمد بن الشيخ علوان وهو بحلب سنة أربع وخمسين، وسمع منه نحو الثلث من البخاري، وحضر مواعيده، وسمع المسلسل بالأولية من البرهان العمادي، وأجاز له، وقرأ بالتجويد على الشيخ إبراهيم الضّرير الدمشقي نزيل حلب كثيرا، وأجاز له، وذلك في سنة ست وخمسين، ورحل إلى دمشق رحلتين، وأخذ بها عن شيخ الإسلام الوالد، وحضر دروسه بالشامية، وبحث فيها بحوثا حسنة مفيدة أبان فيها عن يد في الفنون طولى، وكلما انتقل من مسألة إلى غيرها تلا لسان حاله وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ من الْأُولى 93: 4 [الضحى: 4] كما شهد
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 109- 111) و «درّ الحبب» (1/ 1/ 239- 268) و «الأعلام» (1/ 235) و «معجم المؤلفين» (2/ 133) .(10/650)
بذلك الوالد في إجازته له [1] وقرأ على النّور السّنفي [2] قطعة من «البخاري» و «مسلم» وحضر عنده دروسا من المحلّي و «شرح 1) البهجة» ، وأجاز له، وقرأ بها شرح منلا زاده على «هداية الحكمة» وعلى محب الدّين التبريزي، مع سماعه عليه في التفسير، وقرأ قطعتين صالحتين من «المطوّل» و «الأصفهاني» على الشيخ أبي الفتح الشّبستري [3] ، ورحل إلى القسطنطينية سنة ثمان وخمسين، فأخذ «رسالة الأسطرلاب» عن نزيلها الشيخ غرس الدّين الحلبي، واجتمع بالفاضل المحقّق السيد عبد الرحيم العبّاسي، واستجاز منه رواية «البخاري» فأجاز له فمدحه بقوله:
لك الشّرف العالي على قادة النّاس ... ولم لا وأنت الصّدر من آل عبّاس
حويت علوما أنت فيها مقدّم ... وفي نشرها أضيحت ذا قدم راس
وفقت بني الآداب قدرا ورتبة ... وسدتهم بالجود والفضل والباس
فيا بدر أفق الفضل يا زاهر السّنا ... ويا عالم الدّنيا ويا أوحد الناس
إلى بابك العالي أتاك ميمما ... كليم بعضب عدت أنت له آس
فتى عاري الآداب بادي الحجا فما ... سواك لعار عن سنى الفضل من كاس
فأقبسه من مشكاة نورك جذوة ... وعلّله من ورد الفضائل بالكأس
وسامحه في تقصيره ومديحه ... فمدحك بحر فيه من كل أجناس
فلا زلت محمود المآثر حاوي ال ... مفاخر مخصوصا بأطيب أنفاس
مدى الدّهر ما احمرّت خدود شقائق ... وما قام غصن الورد في خدمة الآس
ودرّس وأفاد، وصنّف وأجاد، وله شرح على «المغني» جمع فيه بين حاشيتي الدّماميني والشّمنّي، وشرح شواهده للسيوطي، وكتب ونظم الشعر الحسن.
فمن شعره في مليح لابس أسود:
ماس في أسود اللباس حبيبي ... ورمى القلب في ضرام بعاده
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] هو الإمام العلّامة نور الدين علي بن علي السّنفي المصري، وقد تقدمت ترجمته في وفيات سنة (991) من هذا المجلد ص (622) .
[3] في «آ» و «ط» : «الشبشتري» وفي «الكواكب السائرة» : «السبستري» وما أثبته من «درّ الحبب» .(10/651)
لم يمس في السواد يوما ولكن ... حلّ في الطّرف فاكتسى من سواده
وتوفي سنة ألف، قتله اللصوص في بعض قراه، رحمه الله تعالى، ثم تحرر لي [1] من خطّ العلّامة الشيخ عمر العرضي أنه مات في سنة ثلاث وألف. انتهى.
وفيها بدر الدّين حسين بن عمر بن محمد النّصيبي الشافعي [2] .
أخذ النحو والصّرف عن العلاء الموصلي، والفقه عن البرهان التسيلي، والبرهان العمادي، والشّمس الخناجري، والنحو وغيره عن الشّهاب الهندي، وعن منلا موسى بن عوض الكردي، والشيخ محمد المعرّي، الشهير بابن المرقي.
ورحل إلى حماة، فدخل في مريدي الشيخ علوان، وزوّجه الشيخ ابنته.
وكان إماما، عالما، شاعرا، مطبوعا، له مساجلات، مع ابن المنلا. وكان بينهما غاية الاتحاد والمحبّة.
وفيها سراج الدّين عمر بن عبد الله العيدروس [3] الشريف الحسيب اليمني الشافعي الإمام العالم.
قال في «النور» : كان من العلماء العاملين والمشايخ العارفين، وكان عيدروسيا من الأب والأم، الشيخ عبد الله العيدروس جدّه من الطرفين، وتصدّر بمكّة المشرّفة سنة ثمان وسبعين وتسعمائة، فقام بالمقام أتمّ قيام، ومشى على طريق السّلف الصالح.
وتوفي بعدن في المحرّم ودفن بها في قبّة جدّه لأمّه الشيخ أبي بكر العيدروس.
وفيها جمال الدّين محمد بن علي الحشيبريّ [4] الشيخ الكبير.
__________
[1] القائل الغزّي صاحب «الكواكب السائرة» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 145- 146) .
[3] ترجمته في «النور السافر» ص (461- 463) .
[4] ترجمته في «النور السافر» ص (463- 464) .(10/652)
قال في «النور» : كان من المشايخ المشهورين، ورزق القبول في حركاته وسكناته، وحصلت له شهرة عظيمة، ورويت عنه كرامات، ولا يقدح في جلالته ذمّ بعض العلماء له، وتنقيصهم [1] إيّاه بحسب ما يظهر لهم من أموره، من غير نظر إلى خصوصيته، فقد قيل: المعاصر لا يناصر، ولا زالت الأكابر على هذا وفيما يقع له من التخريفات والشّطحات له أسوة بغيره من الصوفية، كما أن للمنكرين أسوة بغيرهم من العلماء، وحمل ما يصدر منه من الأحوال الغريبة على أحسن المحامل أولى، فإن بني حشيبر أهل صلاح وولاية، وخرقتهم تعود إلى أبي الغيث بن جميل اليمني.
وتوفي المترجم ليلة الأحد سابع عشر ربيع الثاني بأحمدآباد. انتهى، والله أعلم.
__________
[1] في «ط» : «وتنقيصه» وهو خطأ.(10/653)
[1] قال مؤلّفه شيخنا أمتع الله به وأطال بقاءه ونفع به المسلمين [1] : وهذا آخر ما أردنا جمعه من «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» وقد بذلت في تهذيبه وتنقيحه وسعي، وسهرت لأجله ليالي من عمري، ونقّحت عبارات رأيت ناقليها انحرفوا فيها عن نهج الصواب، إما لغلط، أو سبق قلم، أو تحامل على مترجم، ونحو ذلك، وتحريت ما صحّ نقله، وربما لم أعز ما أنقله إلى كتاب لظهور ما أثبتّه ولطلب الاختصار، وأنا أرجو من [2] الله تعالى أن ييسر لي عمل ذيل لأهل القرن الحادي عشر بمنّه وكرمه.
[3] قال مؤلّفه فسح الله في مدته وأعاد علي وعلى المسلمين من بركته وبركة علومه في الدنيا والآخرة [3] : وكان الفراغ منه [4] في يوم الاثنين تاسع عشر شهر رمضان المعظّم من شهور سنة ثمانين وألف، [5] وصلى الله وسلّم على سيدنا محمد وعلى آله [5] [6] على يد جامعه أفقر العباد أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد بن العماد، غفر الله له ولمن ستر عيبا رآه وأصلح فيه خللا أبصرته عيناه، آمين، والحمد لله ربّ العالمين [6] .
__________
[1] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» .
[2] لفظة «من» لم ترد في «ط» .
[3] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .
[4] في «ط» : «وكان الفراغ من تأليفه» .
[5] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .
[6] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» .(10/654)
وكان الفراغ من كتابة هذه النسخة الشريفة صبيحة يوم الجمعة رابع عشر شهر شوال من شهور سنة خمس وثمانين وألف، على يد أحقر العباد الفقير إلى الله تعالى شعبان بن عبد الله بن يوسف بن علي الشافعي الخزرجي، غفر الله له ولوالديه ولمن دعا له بالمغفرة آمين.
ونقلت هذه النسخة المباركة من خطّ مؤلّفها بلّغه الله مناه، وجعل الجنة جزاه، وهي ثالث نسخة تمت فلله الحمد والمنة.
وصلّى الله على من لا نبي بعده، وصلى الله على آله وأصحابه وتابعيه وأجزى به وسلّم تسليما كثيرا [1] .
__________
[1] وجاء في آخر النسخة «ط» ما نصه:
«وكان الفراغ من نسخه يوم الخميس خامس عشر شهر رجب الفرد، الذي هو من شهور سنة أربع وثمانين وألف، على يد الفقير الحقير محمد بن أحمد المحيوي الصالحي، عفي عنهم آمين.
وهي أول نسخة نقلت من خط المصنّف حفظه الله تعالى» .(10/655)
بسم الله الرحمن الرحيم
خاتمة التحقيق
تمّ بعون الله تعالى وتوفيقه تحقيق المجلد العاشر- وهو الأخير- من هذا الكتاب العظيم «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» للإمام ابن العماد الحنبلي الدمشقي، والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات. وأسأل الله تعالى أن يتقبل عملنا فيه، وإن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن يجعله حجّة لنا ولمؤلّفه يوم العرض عليه بفضله وكرمه.
وأغتنم هذه المناسبة لأتقدم بالشكر الجزيل لكل من أعان بجهد أدبي أو بذل مادي، فكان لعونهم أكبر الأثر في وصول الكتاب إلى أيدي القراء بهذا القدر من الإتقان، وأخص منهم بالذّكر:
والدي وأستاذي المحدّث المحقّق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، الذي كان لإشرافه وتخريجاته وملاحظاته وتوجيهاته أكبر الأثر في بلوغ الكتاب ما بلغه من الإتقان، جزاه الله تعالى عني كل خير، وأحسن إليه في الدّنيا والآخرة.
والأستاذ الكبير الدكتور شاكر الفحام رئيس مجمع اللغة العربية والمدير العام لهيئة الموسوعة العربية بدمشق، لتفضله بالتقديم للمجلد التاسع من الكتاب، ولما لمسته منه من التأييد والتشجيع أثناء عملي في تحقيق الكتاب، جزاه الله تعالى خير الجزاء وأعلى مقامه في الدنيا والآخرة.
وصديقي الفاضل الأستاذ الدكتور خالد عبد الكريم جمعة المدير السابق لمعهد المخطوطات العربية، الذي تكرّم بالتقديم للمجلد الأول من الكتاب،(10/657)
وتفضل بتأمين المصورات لمعظم المصادر غير المطبوعة التي استعنت بها في التحقيق وأرسلها إليّ هدايا خالصة منه، فجزاه الله تعالى عني وعن العلم والتراث خير الجزاء.
وصديقي الفاضل الأستاذ رياض عبد الحميد مراد، الذي أفدت من ملاحظاته القيّمة النافعة التي اتصلت بالتحقيق وتصحيح تجارب الطبع، جزاه الله تعالى كل خير ونفع به.
وصديقي الفاضل الأستاذ صلاح الشّعّال، الذي أعانني في مقابلة الأصول وتصحيح تجارب الطبع للمجلدات السبعة الأولى من الكتاب، أحسن الله إليه، والسادة القائمين على دار ابن كثير ممثلين بصاحب الدار الأستاذ الفاضل علي مستو، الذين بذلوا جهودا مضنية في سبيل إصدار هذه الطبعة من الكتاب وإخراجها على أفضل وجه، جزاهم الله تعالى خير الجزاء وجعل تجارتهم رابحة في الدّنيا والآخرة.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك [1] .
دمشق في الحادي عشر من شهر شعبان المعظم لعام 1413 هـ الموافق للثالث من شهر شباط لعام 1993 م محمود الأرناؤوط
__________
[1] عنواني الدائم هو: (ص. ب 6000- دمشق- سورية) .(10/658)
[المجلد الحادي عشر]
تقديم
الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم.
والصلاة والسلام على سيّدنا محمد سيّد العرب والعجم، وعلى آله وأصحابه ومن تبعه ووالاه إلى يوم الدّين.
وبعد: فها هي فهارس «شذرات الذهب» تنضم إلى مجلدات الكتاب العشر من الطبعة التي أكرمني الله عزّ وجل بتحقيقها والتعليق عليها، بإشراف والدي وأستاذي المحدّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، ونشرتها دار ابن كثير الزاهرة بدمشق وبيروت بين عامي 1406 و 1414 هـ.
وقد كان من خطتي التي وضعتها لتحقيق الكتاب وخدمته، إعداد فهارس تفصيلية لجميع ما احتوى عليه من الفوائد في مجلد واحد [1] ، ظنا مني في حينها بأنه سيتسع لها، ولكنني حين شرعت بإعداد الفهارس بعد انتهاء العمل في المجلد السابع، أيقنت بأنه لا يمكن لمجلد واحد أن يستوعب جميع الفهارس التي كان في نيتي إعدادها، فالكتاب يحتوي على نحو من عشرة آلاف ترجمة، أي: بما يزيد على ال (40 در صد) - على الأقل- عن عدد التراجم التي احتوى عليها كتاب «سير أعلام النبلاء» للذهبي [2] ، وهو من أكبر كتب التراجم حجما وأبعدها أثرا، وقد عبّرت عن ذلك للأخ الأستاذ علي مستو صاحب دار ابن كثير، وبيّنت له بأنه لا بدلي من إخراج الفهارس في مجلدين لتستوعب العدد الذي كان من خطتي إعدادها من الفهارس، فألح عليّ بالالتزام بما كنت وعدت القراء به في حاشية المجلد الأول التي سبقت الإشارة إليها، فما كان أمامي سوى الامتثال لرغبته، ومن ثم التفكير بالاقتصار على عدد من الفهارس الهامة التي تفتح مغاليق الكتاب وتقرّب فوائده إلى أيدي القراء ولا سيما الباحثين منهم، فيممت وجهي نحو إعداد خمس منها وهي التالية:
1- فهرس الآيات القرآنية الكريمة: وفائدتها تكمن في مراجعة مواطن الاستشهاد بها، علّها تقدم شيئا يتصل بأمور العقيدة والتفسير والاحتجاج.
2- فهرس الأحاديث والآثار: وفائدتها تكمن في مراجعة مواطن الاستشهاد بها من جهة، والاستفادة من تخريجها والحكم عليها من جهة أخرى.
3- فهرس التراجم التي احتوى عليها الكتاب: وقد عنيت به عناية خاصة لأنه أهم الفهارس جميعها، فعن طريقه يمكن للباحث الوصول إلى الترجمة التي يرغب بالوقوف عليها. وقد اجتهدت بفهرسة اسم المترجم في محلّه من ترتيب حروف المعجم مراعيا ذكر كنيته في آخر اسمه لتمام الفائدة، ثم فتحت بطاقات فرعية لمن دعت الحاجة لفتح بطاقة له من الأعلام المترجم لهم في الكتاب وفي بعض الأحيان أكثر من بطاقة، وذلك فيما يتصل بالأنساب والألقاب والكنى، وبما عرف به البعض منهم من أوصاف أو نعوت أخرى، كي يستطيع الباحث الوصول إلى بغيته من أيسر طريق، وقد التزمت في إعداد هذا الفهرس ترتيب اللفظة الأولى والثانية والثالثة والرابعة على نسق حروف المعجم وفي الأسماء والإحالات على حد سواء.
4- فهرس البلدان والأماكن: وقد بذلت قصارى جهدي- أثناء ترتيبه- في بيان موضع الأماكن في الوقت الراهن ولا سيما بالنسبة للمساجد والمدارس لأنها من أكثر الأمور اختلاطا على المشتغلين في أيامنا، وهذا الفهرس من الأهمية بمكان بما تضمنه من أسماء البقاع الكثيرة في جنبات العالم الإسلامي الكبير، مما قد لا يقع الباحث عليه في مراجع أخرى نظرا لوصول الكتاب إلى نهاية القرن العاشر الهجري ومروره بدول إسلامية مختلفة وآخر تلك الدول الدولة العثمانية.
5- فهرس الشعر: وقد حرصت على إعداده حرصا خاصا نظرا لأهميته القصوى لدى المشتغلين بالشعر والأدب، ولما احتوى عليه الكتاب من أبيات شعرية كثيرة جدا ولشعراء كثر ومن فترات زمنية مختلفة، وربما استشهد المؤلف بالبعض منها ولم أجده في ديوان صاحبه المطبوع، وقد روعي في ترتيب الأبيات حرف الروي ثم البحر ضمن الحرف الواحد، والحركة ضمن البحر الواحد، والبحور: الطويل، المديد، البسيط، وهكذا حسب الدوائر العروضية، وحرصت على ذكر صدر البيت، والقافية، والبحر، والقائل، وعدد الأبيات، ثم الجزء والصفحة التي ورد فيها البيت أو الأبيات.
ذلك ما صنعته في إعداد هذه الفهارس التي يراها القارئ الكريم بين يديه، فإن وفقت فذلك ما أرجوه، وإن كانت الأخرى فحسبي أنني بذلت جهدي ولم أدخر وسعا أستطيعه من أجل الوصول إلى أحسن النتائج.
وتلح عليّ الأمانة أن أشيد في خاتمة هذا التقديم بمن أسهم في إعداد هذه الفهارس من الأساتذة الذين يعملون معي في مكتب ابن عساكر لتحقيق وتصحيح كتب التراث بدمشق، وهم السادة: رياض عبد الحميد مراد، محمد أمين لطفي [3] ، حسن إسماعيل مروة، ياسين محمود الخطيب، وليد يوسف العاني [4] ، جزاهم الله تعالى أحسن الجزاء وأحسن مثوبتهم.
كما تلح عليّ الأمانة أن أشيد بفضل أسرة مركز المأمون للتنضيد الضوئي الذين بذلوا جهودا مضنية في تنفيذهم لهذه الفهارس على هذا النحو المتقن، وبأسرة دار ابن كثير الزاهرة ممثلة بالأخ الأستاذ علي مستو لحرصهم على طبعها وإيصالها إلى أيدي القراء بأفضل حلّة، محمود الأرناؤوط دمشق الشام في الثامن عشر من شهر جمادى الآخرة لعام 1415 هـ.
وآخر دعواي أن الحمد لله ربّ العالمين.
فهرس الآيات
الفاتحة (1) الآية رقمها الجزء والصفحة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ 1: 2 1 3/ 212 إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 1: 5 5 3/ 212 و 4/ 506 سورة البقرة (2) الآية رقمها الجزء والصفحة إِنَّ الله لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها 2: 26 26 6/ 198 إِنَّ الله اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 2: 132 132 7/ 55 لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ 2: 68 68 7/ 56 فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله 2: 115 115 1/ 386 فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 2: 137 137 1/ 202 وَأْتُوا الْبُيُوتَ من أَبْوابِها 2: 189 189 10/ 607 نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ 2: 223 223 10/ 607 وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ 2: 228 228 3/ 124 فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ 2: 229 229 7/ 474 الله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ 2: 255 255 1/ 265 وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ 2: 255 255 6/ 277 مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبِيلِ الله 2: 261 261 4/ 275 سورة آل عمران (3) الآية رقمها الجزء والصفحة قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ 3: 26 26 5/ 319 يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ من خَيْرٍ مُحْضَراً ... 3: 30 30 6/ 25
__________
[1] انظر المجلد الأول صفحة (407) .
[2] الصادر عن مؤسسة الرسالة في بيروت تحقيق عدد كبير من الأساتذة والباحثين بإشراف أستاذي وزميل والدي المحدّث الشيخ شعيب الأرناؤوط.
[3] وقد سعدت وسعد بصحبته معي كل من عمل في مكتب ابن عساكر أثناء عمله معنا خلال السنة الأخيرة التي سبقت مرضه ووفاته، رحمه الله تعالى وجعل مثواه الجنة.
[4] وأسهم ببعض المراحل منها أيضا السادة: حسن مراد الأرناؤوط، عبد المالك الحمصي، عبد الهادي محمد منصور، أحسن الله إليهم.(11/1)
وَجِيهاً في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ 3: 45 45 [1] 5/ 188 إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً 3: 49 49 8/ 93 رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ 3: 53 53 6/ 521 وَمن دَخَلَهُ كانَ آمِناً 3: 97 97 2/ 543 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقاتِهِ 3: 102 102 3/ 89 وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ الله أَمْواتاً 3: 169 169 1/ 203 فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ الله من فَضْلِهِ 3: 170 170 10/ 45 لَقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ 3: 181 181 7/ 348 رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ ... 3: 191 191- 194 10/ 364- 365 فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ 3: 195 195 10/ 365 سورة النساء (4) الآية رقمها الجزء والصفحة قُلْ كُلٌّ من عِنْدِ الله 4: 78 78 7/ 41 لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ من الْمُؤْمِنِينَ 4: 95 95 2/ 352 غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ 4: 95 95 2/ 352 الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ 4: 97 97 10/ 120 وَمن يَخْرُجْ من بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ ... 4: 100 100 10/ 325 سورة المائدة (5) الآية رقمها الجزء والصفحة بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ 5: 64 64 4/ 132 سورة الأنعام (6) الآية رقمها الجزء والصفحة وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ 6: 79 79 1/ 386 وَمن ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ 6: 84 84 2/ 124
__________
[1] تنبيه: رقمت خطأ في الكتاب برقم (3) وهو رقم السورة والصواب ما أثبته هنا.(11/2)
سورة الأعراب (7) الآية رقمها الجزء والصفحة وَنَزَعْنا ما في صُدُورِهِمْ من غِلٍّ 7: 43 43 1/ 207 وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ 7: 117 117- 119 4/ 222 إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها من يَشاءُ 7: 128 128 2/ 262 يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً 7: 138 138 1/ 226 وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ 7: 156 156 3/ 344 سَنَسْتَدْرِجُهُمْ من حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ 7: 182 182 7/ 341 سورة الأنفال (8) الآية رقمها الجزء والصفحة وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ الله رَمى 8: 17 17 10/ 200 وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ 8: 23 23 8/ 233 لِيَقْضِيَ الله أَمْراً كانَ مَفْعُولًا 8: 42 42 118/ 6 و 7/ 111 وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها 8: 61 61 7/ 344 إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ في الْأَرْضِ 8: 73 73 4/ 149 سورة التوبة (9) الآية رقمها الجزء والصفحة يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ ... 9: 21 21 10/ 445 ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما في الْغارِ 9: 40 10 10/ 633 وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ ... 9: 92 94 10/ 143 إِنَّ الله اشْتَرى 9: 111 111 6/ 223 سورة يونس (10) الآية رقمها الجزء والصفحة فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ 10: 92 92 4/ 149 فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ 10: 98 98 2/ 277(11/3)
سورة هود (11) الآية رقمها الجزء والصفحة إِنَّهُ لَيْسَ من أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ 11: 46 11 2/ 465 وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا 11: 113 113 8/ 90 سورة يوسف (12) الآية رقمها الجزء والصفحة قال رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ 12: 33 35 9/ 13 فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ 12: 64 64 6/ 277 قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي 12: 65 65 4/ 320 إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ 12: 94 94 6/ 147 سورة الرعد (13) الآية رقمها الجزء والصفحة إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ 13: 11 11 6/ 303 وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها 13: 13 13 9/ 257 فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً 13: 17 17 8/ 390 وَمن عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ 13: 43 43 1/ 234 سورة إبراهيم (14) الآية رقمها الجزء والصفحة وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ 14: 15 15- 16 2/ 111 إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ 14: 34 34 8/ 90 رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ من ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ... 14: 37 37- 40 10/ 364 سورة الحجر (15) الآية رقمها الجزء والصفحة رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ 15: 2 2 6/ 182 نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ 15: 49 49 10/ 167(11/4)
إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ 15: 58 58- 59 9/ 111 سورة النحل (16) الآية رقمها الجزء والصفحة وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ 16: 16 16 10/ 543 يَخافُونَ رَبَّهُمْ من فَوْقِهِمْ 16: 50 50 7/ 41 وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ به 16: 126 126 1/ 120 سورة الإسراء (17) الآية رقمها الجزء والصفحة وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ به عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا 17: 36 36 7/ 339 عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً 17: 79 79 4/ 253 سورة الكهف (18) الآية رقمها الجزء والصفحة وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ 18: 18 18 4/ 488 وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً 18: 49 49 7/ 471 فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً 18: 105 105 4/ 67 سورة مريم (19) الآية رقمها الجزء والصفحة إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ 19: 18 18 1/ 384 أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا 19: 83 83 5/ 21 تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ 19: 90 90 6/ 25(11/5)
سورة طه (20) الآية رقمها الجزء والصفحة الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى 20: 5 5 4/ 132 و 5/ 22 و 6/ 334 و 7/ 41 مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ 20: 55 55 1/ 386 وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى 20: 84 84 6/ 496 سورة الأنبياء (21) الآية رقمها الجزء والصفحة لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا 21: 22 22 2/ 133 وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ 21: 47 47 3/ 252 وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا 21: 73 41 6/ 72 وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ في الْحَرْثِ 21: 78 78 2/ 59 وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ 21: 111 111 1/ 229 سورة المؤمنون (23) الآية رقمها الجزء والصفحة قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ 23: 1- 2 1- 2 4/ 372 رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً 23: 29 29 9/ 363 سورة النور (24) الآية رقمها الجزء والصفحة إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها 24: 31 31 4/ 396 وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا 24: 54 54 3/ 420 وَالْقَواعِدُ من النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ ... 24: 60 60 10/ 567 سورة النمل (27) الآية رقمها الجزء والصفحة إِنَّهُ من سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 27: 30 30 8/ 35(11/6)
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها 27: 37 37 6/ 525 وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ 27: 82 82 3/ 221 سورة الروم (30) الآية رقمها الجزء والصفحة الم غُلِبَتِ الرُّومُ في أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ من بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. 30: 1- 4 1- 4 6/ 549 سورة السجدة (32) الآية رقمها الجزء والصفحة يُدَبِّرُ الْأَمْرَ من السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ 32: 5 5 6/ 334 سورة الأحزاب (33) الآية رقمها الجزء والصفحة يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ من النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ 33: 32 32 6/ 116 وَكانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَقْدُوراً 33: 38 38 2/ 203 سورة فاطر (35) الآية رقمها الجزء والصفحة إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ 35: 10 10 7/ 41 إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ 35: 10 10 5/ 22 و 6/ 334 سورة يس (36) الآية رقمها الجزء والصفحة وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي 36: 22 22 2/ 432 يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي من الْمُكْرَمِينَ 36: 26- 27 26- 27 6/ 276 إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ 36: 53 53 75/ 7(11/7)
وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ 36: 59 59 2/ 283 سورة الصافات (37) الآية رقمها الجزء والصفحة وَحِفْظاً من كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ 37: 7 7 6/ 277 فَاطَّلَعَ فَرَآهُ في سَواءِ الْجَحِيمِ ... 37: 55 56 10/ 49 طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ 37: 65 65 3/ 50 افْعَلْ ما تُؤْمَرُ 37: 102 103 6/ 65 سورة ص (38) الآية رقمها الجزء والصفحة قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ. أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ 38: 67- 68 68- 69 6/ 179 ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ 38: 75 75 4/ 132 و 5/ 22 و 5/ 342 سورة الزمر (39) الآية رقمها الجزء والصفحة قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ 39: 53 53 6/ 99 وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ 39: 54 54 4/ 226 سورة فصلت (41) الآية رقمها الجزء والصفحة وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ 41: 12 12 6/ 277 الشورى (42) الآية رقمها الجزء والصفحة لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 42: 11 11 3/ 412 و 4/ 160 و 5/ 139 و 6/ 116 و 7/ 41(11/8)
يَجْتَبِي إِلَيْهِ من يَشاءُ 42: 13 13 8/ 90 وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها 42: 40 40 7/ 344 الزخرف (43) الآية رقمها الجزء والصفحة وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً 43: 33 33 4/ 264 إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ 43: 59 59 1/ 188 سورة الدخان (44) الآية رقمها الجزء والصفحة يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ 44: 10 10 1/ 134 سورة الأحقاف (46) الآية رقمها الجزء والصفحة وَشَهِدَ شاهِدٌ من بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ 46: 10 10 1/ 234 وَالَّذِي قال لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما 46: 17 17 1/ 251 سورة محمد (47) الآية رقمها الجزء والصفحة فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا في الْأَرْضِ 47: 22 22 2/ 377 وَالله الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ 47: 38 38 7/ 41 سورة ق (50) الآية رقمها الجزء والصفحة ما يَلْفِظُ من قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ 50: 18 18 1/ 110 وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ من حَبْلِ الْوَرِيدِ 50: 16 160 4/ 132(11/9)
الذاريات (51) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة وَفي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ 51: 22 22 3/ 97 سورة النجم (53) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى 53: 8- 9 8- 9 4/ 132- 133 سورة القمر (54) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة تَجْرِي بِأَعْيُنِنا 54: 14 14 4/ 132 و 5/ 342 إِنَّ الْمُتَّقِينَ في جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ 54: 54 54- 55 8/ 150 سورة الرحمن (55) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ 55: 17 17 10/ 55 وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ 55: 27 27 4/ 132 و 5/ 22 و 5/ 342 كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ 55: 29 29 7/ 342 سورة المجادلة (58) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ في زَوْجِها 58: 1 1 1/ 138 ما يَكُونُ من نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ 58: 7 7 5/ 139 سورة الحشر (59) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة وَالَّذِينَ جاؤُ من بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا 59: 10 10/ 5/ 142(11/10)
كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ 59: 19/ 19/ 7/ 472 سورة الممتحنة (60) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي 60: 1 1 1/ 190 سورة الجمعة (62) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ من يَوْمِ الْجُمُعَةِ 62: 9 9 4/ 149 وَابْتَغُوا من فَضْلِ الله 62: 10 10 4/ 320 سورة الملك (67) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة أَأَمِنْتُمْ من في السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ 67: 16 16 5/ 22 أَمْ أَمِنْتُمْ من في السَّماءِ 67: 17 17 5/ 22 سورة القلم (68) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ من رَبِّكَ 68: 19 91 8/ 334 سورة الحاقة (69) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة في عِيشَةٍ راضِيَةٍ في جَنَّةٍ عالِيَةٍ 69: 21- 22 21- 22 5/ 21 يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ 69: 27 27 388 ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ 69: 28 28- 29 4/ 390 خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ... 69: 30- 31 30- 32 10/ 194(11/11)
سورة المعارج (70) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ 70: 40 40/ 10/ 55 سورة نوح (71) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة إِنَّ أَجَلَ الله إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ 71: 4 4 9/ 374 سورة المزمل (73) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ 73: 9 9 10/ 55 سورة المدثر (74) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة فَإِذا نُقِرَ في النَّاقُورِ. فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ 74: 8- 9 8- 9 1/ 369 النازعات (79) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة وَأَمَّا من خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى 79: 40- 41 40- 41 2/ 376 سورة عبس (80) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى 80: 2 2 1/ 162 سورة البروج (85) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ 85: 8 8 1/ 247(11/12)
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ 85: 12 12 6/ 277 سورة الفجر (89) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا 89: 22 22 4/ 132 يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى 89: 23 23 6/ 25 سورة الشمس (91) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة وَالشَّمْسِ وَضُحاها 91: 1 1 3/ 331 فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ الله 91: 13 13 8/ 334 سورة الضحى (93) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة وَالضُّحى 93: 1 1 3/ 331 وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ من الْأُولى 93: 4 4 10/ 650 وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ 93: 11 11 9/ 502 سورة الشرح (94) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة أَلَمْ نَشْرَحْ 94: 1 1 9/ 502 سورة البينة (98) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة لَمْ يَكُنِ 98: 1 1 1/ 176(11/13)
سورة قريش (106) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة لِإِيلافِ قُرَيْشٍ 106: 1 1 5/ 189 سورة المسد (111) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ 111: 1 1 4/ 149 سورة الإخلاص (112) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ 112: 1 1 3/ 254 و 7/ 41 و 7/ 53 لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ 112: 3- 4 3- 4 3/ 412(11/14)
فهرس الأحاديث وو الآثار [1]
- أ- طرف الحديث أو الأثر الراوي الجزء والصفحة أبوه طوال ضرب اللحم أبو بكرة 1/ 148 أتذكر إذ تلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا، وأنت، وابن عباس عبد الله بن أبي مليكه 1/ 326 أتشهد أني رسول الله- قاله لابن صياد- عبد الله بن عمر 1/ 143 اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله [أبو سعيد الخدري] 3/ 417 احترسوا من الناس بسوء الظن أنس بن مالك 4/ 169 احلق رأسك وأطعم فرقا بين ستة مساكين 1/ 249 (ح) إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه [عدي بن حاتم] 1/ 293 إذا بلغ المرء ستين سنة فقد أعذر الله إليه أبو هريرة/ 9/ 189 إذا تزوج المرأة لدينها وجمالها، [كان] فيها سداد من عوز [ابن عباس] [2] 3/ 16 إذا جاء القضاء عمي البصر ابن عباس 10/ 514 إذا ذكر أصحابي فأمسكوا [ثوبان مولى 4/ 161- 162 رسول الله صلى الله وسلم] إذا كان آخر الزمان واختلفت الأهواء، فعليكم بدين أهل البادية والنساء عبد الله بن عمر 5/ 342 (ح)
__________
[1] تنبيه: قمت بفهرسة الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب في متنه وحواشيه رغبة في تحصيل أكبر قدر من الفائدة منه للقارئ الباحث، وربما أشرت في هذا الفهرس إلى قصة الحديث أو الأثر ورتبتها في مكانها من أحرف الهجاء لأن حديثها مخرج في مكان ورودها من الكتاب فتحصل الفائدة من التخريج إن شاء الله تعالى، وما كان من حديث أو أثر في الحواشي فقد أثبت حرف (ح) إلى جوار مكان وروده من الكتاب، ولم أميز في ترتيب حرف الألف من الفهرس بين همزة الوصل وهمزة القطع.
[2] أثبت اسم راوي الحديث من كتاب «درة الغواص في أوهام الخواص» للحريري ص (142) مصدر المؤلف ولم يكن عندي وقت تخريج الحديث فاكتفيت بتخريجه من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف فيه، ولفظه «كان» التي بين الحاصرتين مستدركة من «وفيات الأعيان» و «درة الغواص» .(11/15)
إشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخوارج سهل بن حنيف 1/ 217 أشبهت خلقي وخلقي البراء بن عازب 1/ 126 أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد 1/ 230 (ح) أطع أباك عبد الله بن عمرو 1/ 290 أعطه حقه [أبو حدرد] 1/ 301 (ح) أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك [شيبان بن أبي نوفل] 1/ 307 أفطر الحاجم والمحجوم رافع بن خديج 3/ 298 اقتلوا اليهودي [ابن أخي عبد الله بن سلام] 1/ 202 سلام] أكثروا من الاستغفار في شهر رجب 5/ 122 (ح) ألا أنبئكم بأخف الناس 4/ 252 اللهم إن كانت كاذبة سعيد بن زيد القرشي 1/ 246 اللهم إنك أمرتنا فعصينا عمرو بن العاص/ 1/ 233 اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب ابن عباس 1/ 295 اللهم علمه الحكمة ابن عباس 1/ 295 اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ابن عباس 1/ 294 اللهم وال من والاه وعاد من عاداه زيد بن أرقم 5/ 377 أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون سعد بن أبي وقاص 1/ 224 أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله [أبو هريرة] 1/ 151 أمر النبي صلى الله عليه وسلم الحمى أن تخرج من المدينة إلى خم 5/ 378 أنى أصبت هذا العلم؟ قال: بلسان سؤول ابن عباس 1/ 295 أن ابن صياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم أبو سعيد الخدري 1/ 145 إن ابني هذا سيد أبو بكرة 1/ 228 ابن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما حسب دين أبيه فكان ألفي ألف ومائتي ألف [عبد الله بن الزبير] 1/ 208 إن عبد الله رجل صالح عبد الله بن عمر 1/ 310 إن الله يأمرك أن تراجع حفصة عقبة بن عامر 1/ 229 أن امرأة من اليهود بالمدينة ولدت غلاما ممسوحة عينه جابر 1/ 148 إن من الشعر لحكمة أنس بن مالك 1/ 336 إن تحت العرش ريحا هفافة 5/ 189(11/16)
إن السيف محاء للخطايا 9/ 148 إن الشمس والقمر آتيان لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته أبو مسعود البدري 1/ 130 (ح) أن في ثقيف مبيرا وكذابا [شيبان بن أبي نوفل] 1/ 307 إنك غليم معلم [عبد الله بن مسعود] 1/ 195 إن قاتلتهم نصرت عليهم 1/ 201 إنك [1] لمسقى (قالها لعبد الله بن عامر بن كريز) 1/ 189 إن الله وعدني أن يقتل كسرى 2/ 74 إن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه [ابن عمر] 1/ 178 إن الله هو المسعر [أنس بن مالك] 1/ 127 إنما الأعمال بالنيات [عمر بن الخطاب] 3/ 314 إنما نسمة المؤمن- إذا مات- طير تعلق في شجر الجنة [كعب بن مالك] 3/ 377 إنما يخرج من غضبة يغضبها 1/ 146 إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره أنس بن مالك 8/ 327 إن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت [أبو هريرة] 1/ 368 (ح) أن وزيريه من أهل السماء جبريل وميكائيل ابن عباس 6/ 321 إني أنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذر قومه عبد الله بن عمر 1/ 144 إني أحبك يا معاذ [معاذ بن جبل] 1/ 167 إني خبأت لك خبيئا عبد الله بن عمر 1/ 143 إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم محمد بن المنكدر 1/ 147 إني لأستحي أن أعذب شيبة بالنار أبو هريرة 3/ 195 إن يكن هو فلست صاحبه جابر بن عبد الله 1/ 149 اهتز العرش لموت سعد بن معاذ جابر بن عبد الله 1/ 122 (ح) الإيمان لا يزيد ولا ينقص ابن عمر 3/ 248 إياكم ومحقرات الذنوب عائشة 3/ 77- ب- بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان- رضي الله عنه- ببلوى تصيبه [أبو موسى الأشعري] 1/ 202
__________
[1] وفي «أسد الغابة» (3/ 288) : «إنه»(11/17)
بشرى الرسول صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان بأنه شهيد سعيد [أنس بن مالك] 1/ 202 بيعة عثمان بالخلافة [عمرو بن ميمون] 1/ 181- ت- تأتي العلماء تحت راية معاذ بن جبل يوم القيامة 1/ 167 ترى عرش إبليس على البحر أبو سعيد الخدري 1/ 145 تضرب الإبل أكبادها إلى عالم المدينة [أبو هريرة] 1/ 353 تفطر عندنا الليلة 1/ 203 تقتلك الفئة الباغية عمار بن ياسر 1/ 212 و 1/ 217 و 4/ 320- ث- ثلاث أعطنيهن ابن عباس 1/ 192- ج- جبلت القلوب على حب من أحسن إليها [ابن مسعود] 3/ 360- ح- حج بي أبي مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين السائب بن يزيد 1/ 360 الكندي حديث القسامة أبو قلابة 2/ 23 حديث القسامة أبو قلابة 2/ 23 حديث الهجرة [البراء بن عازب] 1/ 181 حديث وفاة عمرو بن العاص [ابن شماسة المهري] 1/ 233 الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة أبو سعيد الخدري 1/ 321 الحلال بين والحرام بين [النعمان بن بشير] 3/ 315(11/18)
حياء منك إذ قتلك واحد من أهل بيتي 3/ 140- خ- خذوا ثلث دينكم عن الحميراء [أنس بن مالك] 1/ 259 (ح) خذوا نصف دينكم عن الحميراء أنس بن مالك 1/ 259 خلافة النبوة ثلاثون سنة [سفينة] 1/ 227 خلط عليك الأمر عبد الله بن عمر 1/ 143- د- دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل عائشة أبو ذر 1/ 155 در مكة بيضاء مسك خالص أبو سعيد الخدري 1/ 145 دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا عبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي 1/ 349 (ح) الديك الأبيض الأفرق حبيبي أنس 3/ 229- ذ- ذهب بثلاثة أضياف إلى بيته [عبد الرحمن بن أبي بكر] 1/ 157- ر- رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال/ محمد بن المنكدر 1/ 147 رأيت خاتم النبوة بين كتفيه [1] السائب بن يزيد الكندي 1/ 361
__________
[1] تنبيه: فاتنا تخريج هذا الحديث في مكان وروده من الكتاب والكمال لله وحده، وإليك تخريجه هنا رجاء إثباته في مكانه بدل التعليق المثبت:
«هو قطعة من حديث رواه البخاري رقم (190) في الوضوء، ومسلم رقم (234) في الفضائل: باب إثبات خاتم النبوة وصفته ومحله من جسده صلى الله عليه وسلم» .(11/19)
- س- سلمان منا آل البيت/ عمرو بن عوف/ 1/ 209 سيولد لك غلام بعدي/ علي بن أبي طالب/ 1/ 330- ش- شفاء أمتي في ثلاث/ ابن عباس/ 3/ 299- ص- صحبت ابن صياد إلى مكة/ أبو سعيد الخدري/ 1/ 146 صحبني ابن صياد إلى مكة/ أبو سعيد الخدري/ 1/ 149 صحبني ابن صياد إلى مكة/ أبو سعيد الخدري/ 1/ 149 صدقك وهو كذوب/ أبو هريرة/ 1/ 265- ط- طرقوا لأميركم/ أبو هريرة/ 1/ 265- ع- عتقاء النار في رجب/ 5/ 122 عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني. عبد الله بن عمر/ 1/ 121 (ح) عزمت على صاحب هذه الريح إلا قام فتوضأ/ عمر بن الخطاب/ 1/ 250 عسى أن يقوم مقاما يحمد فيه/ 1/ 158 عقوا عن أولادكم فإنها نجاة لهم من كل آفة/ أبو هريرة/ 2/ 433 علي مني كهارون من موسى/ أبو سعيد الخدري/ 5/ 377 عليكم بدين العجائز/ [عبد الله بن عمر] / 5/ 342(11/20)
- ف- فأقول يا رب أصحابي/ 1/ 279 فأنا سأعينه بفرق من تمر/ عائشة/ 1/ 140 فإنها صوامة قوامة- يعني حفصة-/ [قيس بن زيد] / 1/ 229 فقدنا ابن صياد يوم الحرة/ جابر بن عبد الله/ 1/ 147 الفقر أحب إلي/ أبو ذر/ 1/ 243- ق- قد سهل لكم من أمركم/ [المسور بن مخرمة] / 1/ 169 قد كان في الأمم قبلكم محدثون/ [أبو هريرة] / 1/ 177 قد كان فيمن مضى قبلكم/ 5/ 189 قصة أبي جندل في صلح الحديبية/ [البراء بن عازب] / 1/ 168 قصة الأذان/ [عبد الله بن زيد] / 1/ 197 قصة إسلام أبي ذر رضي الله عنه/ [ابن عباس] / 1/ 197 قصة إسلام عبد الله بن سلام/ [أنس بن مالك] / 1/ 233- ك- كان ينقل معهم الحجارة [للكعبة] وهو صغير/ جابر بن عبد الله/ 1/ 133 كان يوم بعاث يوما قدمه الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم/ [عائشة] / 1/ 237 (ح) كلكم حارث وكلكم همام/ أبو وهب الجشمي/ 6/ 83 كنت أكتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم/ خارجة بن زيد عن أبيه/ 1/ 352 كل مسكر خمر وكل مسكر حرام/ عبد الله بن عمر/ 1/ 119 (ح) - ل- لبس عليه فدعوه/ أبو سعيد الخدري/ 1/ 145(11/21)
لتقاتلنه وأنت ظالم له/ 1/ 207 الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون/ [ابن عباس] / 1/ 249 الذين لا يرقون ولا يسترقون ... عمران بن حصين/ 1/ 249 لقد شكرك الله يا كعب على قولك هذا/ 1/ 245 لقنوا موتاكم لا إله إلا الله/ 8/ 233 لقيته وقد نفرت عينه- يعني ابن صياد-/ ابن عمر/ 1/ 146 لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر/ أبو سعيد الخدري/ 1/ 145 لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة/ [أبو بكرة] / 1/ 129 لو تركته بين/ عبد الله بن عمر/ 1/ 144 لو سمعت شعرها قبل أن أقتله/ 1/ 366 لو كان بعدي نبي لكان عمر/ [عقبة بن عامر] / 1/ 178 لولا أنه طلب ذلك/ ابن عباس/ 1/ 192 لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر/ [بلال بن رباح] / 1/ 178 ليأتين على الناس يوم تشيب فيه الولدان/ ابن عمر/ 2/ 78 ليلة الهرير/ [عمار بن ياسر] 1/ 211- 212 ليهنك العلم يا أبا المنذر/ [أبي بن كعب] / 1/ 176- م- ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني/ [أبو هريرة] / 1/ 172 ما أذكر صفين/ معاوية/ 1/ 303 ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء/ [عبد الله بن عمرو وأبو الدرداء] / 1/ 196 مات بين حاقنتي وذاقنتي/ [عائشة] / 1/ 258 (ح) ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم/ جرير بن عبد الله/ 1/ 250 ما أراك إلا قد حرمت عليه- يعني في قصة الظهار-/ عائشة/ 1/ 139 ما رأيت مجلسا قط أكرم من مجلس ابن عباس/ عطاء بن أبي رباح/ 1/ 295 ما أمرنا بشيء من أمرك- يعني في قصة الظهار-/ عائشة/ 1/ 139 ما أنعم الله تعالى على عبد نعمة/ أبو ذر/ 7/ 159 مالها قاتلها الله؟ لو تركته لبين/ جابر/ 1/ 149(11/22)
ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر/ [علي بن أبي طالب] / 1/ 178 ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم/ [عبد الرحمن بن سمرة] / 1/ 181 ما فعل أسيرك/ أبو هريرة/ 1/ 265 ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت/ عمير بن سعيد النخعي/ 2/ 76 (ح) ما مدح من سب قومه ... / عمر بن الخطاب/ 1/ 250 ما مررت بملإ من الملائكة/ عائشة/ 3/ 299 مريه فليأت أم المنذر/ عائشة/ 1/ 140 مريه فليحرر رقبة- يعني في قصة الظهار- عائشة/ 1/ 140 مريه فليصم شهرين متتابعين- يعني في قصة الظهار-/ عائشة/ 1/ 140 من أحب جميع أصحابي/ ابن عباس/ 1/ 156 من أحب أصحابي وأزواجي/ ابن عباس/ 1/ 156 من أحسن القول في أصحابي/ أنس/ 1/ 156 من اتكل على حسن اختيار الله ... / الحسن بن علي بن أبي طالب/ 1/ 243 من اغبرت قدماه في سبيل الله/ أبو عبس/ 3/ 124 من أنعم الله عليه فليحمد الله/ علي رضي الله عنه/ 3/ 77، 78 من أهديت له هدية فجلساؤه شركاؤه فيها/ ابن عباس/ 2/ 368 من تفقه في دين الله كفاه الله همه/ عبد الله بن الحارث ابن جزء 2/ 230 من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه/ [أبو هريرة] / 3/ 315 من حفظ على أمتي أربعين حديثا/ 6/ 15 من كان آخر كلامه لا إله إلا الله/ معاذ بن جبل/ 3/ 279 من قتل حية كان له قيراطان/ عبد الله بن مسعود/ 6/ 491 من مر بحائط فليأكل منه/ عبد الله بن عمر/ 2/ 448 من نام عن قيام الليل بال الشيطان في أذنه/ عبد الله بن مسعود/ 2/ 219 من نام عن قيام الليل بال الشيطان في أذنه/ [عبد الله بن مسعود وأبو هريرة] / 1/ 217(11/23)
- ن- النذر لا يأتي بخير/ عبد الله بن عمر/ 6/ 123 نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيمة/ هند بنت الجون/ 1/ 182 نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة/ أبو هريرة/ 1/ 368 (ح) نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل/ عبد الله بن عمر/ 1/ 310 نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب/ عبد الله بن عباس/ 1/ 368 (ح) نهى عن النجش/ عبد الله [1] بن عمر/ 7/ 725 نهى عن بيع حبل الحبلة/ عبد الله [1] بن عمر/ 7/ 725 نهى عن المزابنة/ عبد الله [1] بن عمر/ 7/ 725- هـ- هذا سيد أهل الوبر/ قيس بن عاصم/ 2/ 13 هذا المال لا يصلحه إلا ثلاث/ علي بن أبي طالب/ 3/ 77 هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا/ زيد بن ثابت/ 1/ 238 هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء/ ابن عباس/ 1/ 238 هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش/ أبو هريرة/ 1/ 277 هم كسهام الجعبة/ جرير بن عبد الله/ 1/ 250 هن لهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن/ [ابن عباس] / 8/ 335- و وصف المتوكلين/ [ابن عباس] / 1/ 249 وصية علي بن أبي طالب/ 1/ 221- 222 (ح)
__________
[1] تحرفت «عبد الله» في الكتاب إلى «عبدان» في المواطن الثلاثة وذلك من أخطاء الطبع، والصواب ما أثبته هنا.(11/24)
وضوء النبي صلى الله عليه وسلم/ [عبد الله بن زيد بن عاصم المازني] / 1/ 284 وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحرها ونحرها- يعني عائشة-/ 1/ 28 والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة/ [أبو هريرة] / 1/ 151 والله ما أشك أن المسيح الدجال/ نافع/ 1/ 147- لا- لا أشبع الله بطنك/ ابن عباس/ 4/ 17 لا تحتجموا يوم كذا وساعة كذا/ ابن عمر/ 3/ 299 لا تسأل الإمارة/ [عبد الرحمن بن سمرة] / 1/ 244 لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء/ [جابر] / 2/ 288 لا تقوم الساعة حتى تظهر نار بالحجاز/ 7/ 454 لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق/ 2/ 49 لا نذر في معصية/ [عائشة] / 2/ 219 لا يأكل طعامك إلا تقي/ 4/ 200 لا يبيع بعضكم على بيع بعض/ عبد الله بن عمر/ 7/ 725 لا يحل للقاضي أن يقضي وهو غضبان/ أبو بكرة/ 3/ 414 لا يدخل النار- إن شاء الله- من أصحاب الشجرة أحد/ جابر بن عبد الله/ 1/ 351 (ح) لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه/ [أنس بن مالك] / 3/ 315 لا هجرة بعد الفتح/ [عبد الله بن عباس وعائشة] / 1/ 230- ي- يا أبا عمير ما فعل النغير/ 4/ 192 يا رسول الله إني رجل ضرير/ خارجة بن زيد عن أبيه/ 2/ 352 يا زيد! ما وصف لي أحد ... / زيد الخيل/ 6/ 217 يا عائشة ألا أبشرك/ أبو ذر/ 1/ 155 يا عائشة أنا سيد المرسلين/ أبو ذر/ 1/ 155(11/25)
يا عبد الله كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل/ عبد الله بن عمر/ 2/ 20 يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة/ [أبو هريرة] / 1/ 309 يدفن فيك رجل صالح/ 1/ 203 يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة/ [أبو هريرة] / 1/ 340- 341 يكون أمام العلماء يوم القيامة برتوة [1]- يعني معاذ بن جبل-/ 1/ 167 (ح) يكون لأصحابي من بعدي هنات/ 1/ 207 يمكث أبو الدجال ثلاثين عاما لا يولد لهما ولد/ أبو بكرة/ 1/ 148 يوم بعاث/ [عائشة] / 1/ 237 يوم الجرعة/ [جندب] / 1/ 199
__________
[1] والرتوة: رمية سهم، وقيل: درجة، وقيل: خطوة.(11/26)
فهرس التراجم [1]
حرف الألف الآباري داود بن عمر بن يوسف الزبيدي المقدسي 7/ 475.
الآبري محمد بن الحسين السجستاني أبو الحسن 4/ 337.
آبق الملك المظفر محيي الدين صاحب دمشق 6/ 351.
الآبندوني عبد الله بن إبراهيم بن يوسف الجرجاني 4/ 369.
ابن الآبنوسي [2] أحمد بن عبد الله بن علي البغدادي 6/ 213.
الآبنوسي أمة الله بنت أحمد بن عبد الله بن علي 7/ 209.
الآثاري شعبان بن محمد بن داود المصري 9/ 267.
ابن آجروم محمد بن محمد بن داود الصّنهاجي صاحب «الآجرومية» .
8/ 316.
الآجري محمد بن الحسين البغدادي أبو بكر المحدّث 4/ 316.
آجه خليفة يعقوب الحميدي آجه خليفة 10/ 223.
آدم بن أبي إياس الخراساني ثم البغدادي 3/ 95.
آدم بن علي الشيباني الكوفي 2/ 106.
ابن آدم الفزاري محمد بن محمد بن عبد الحميد أبو علي القاضي 4/ 303.
أبو الآذان عمر بن إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك الخوارزمي البغدادي 3/ 380.
آسية بنت عبد الواحد المقدسية، والدة السيف بن المجد 7/ 358.
آشق قاسم الحنفي، المولى 10/ 374.
آق سنقر البرسقي 6/ 100.
آق سنقر الظاهري شمس الدين المعروف بالفارقاني 7/ 622.
آق سنقر، قسيم الدولة أبو الفتح 5/ 372.
آق شمس الدّين أمر الله بن محمد بن حمزة 10/ 60.
آقوشي النجمي جمال الدين المعروف بالنجيبي 7/ 622.
آل والويه إدريس بن محمد العطار 7/ 36.
__________
[1] ويشتمل على جميع الأعلام المترجم لهم في الكتاب، والأعلام الذين ذكرت وفياتهم في ثنايا الأحداث من الكتاب، وقد رتّبت الأسماء والأنساب والألقاب والكنى بإسقاط لفظ (أبو، وأم، وابن، وبنت، وابنة) .
[2] فى الكتاب «الآبنوسي» والصواب ما أثبته هنا(11/27)
الآمدي إبراهيم بن داود الدمشقي 8/ 593.
الآمدي إسحاق بن يحيى الآمدي الحنفي 8/ 119.
الآمدي عثمان بن شمس الدمشقي الحنفي 10/ 366.
الآمدي عثمان بن موسى بن عبد الله الطّائي الإربلي 7/ 598.
الآمدي عفيف الدّين بن إبراهيم بن إسحاق الدمشقي 8/ 440.
الآمدي علي بن أبي علي بن محمد الحنبلي، أبو الحسن 7/ 253.
الآمدي علي بن محمد بن عبد الرحمن الحنبلي 5/ 280.
الآمدي محمد بن إسماعيل بن أبي سعد بن علي بن المنصور المصري 8/ 21.
الآمدي محمد بن عثمان بن يوسف بن محمد الحدّاد 8/ 117.
الآمدي محمد بن محمد بن عثمان بن موسى 8/ 322.
الأبّار الحسن بن يحيى بن روبيل الدمشقي 6/ 160.
ابن الأبّار محمد بن عبد الله القضاعي الأندلسي البلنسي 7/ 510.
الأبّار محمد بن عبد الوهاب الأبّار الخطيب التّبريزي 10/ 561.
أبان بن عثمان بن عفّان الأموي 2/ 35.
أبان بن تغلب الكوفي القارئ المشهور.
2/ 193.
الأبرادي أحمد بن علي بن عبد الله البغدادي 6/ 159.
ابن الأبرادي محمد بن أحمد بن علي بن عبد الله البغدادي 6/ 287.
إبراهيم بن إبراهيم بن أبي بكر الأريحاوي الحلبي، الصّيرفي، الشافعي برهان الدين 10/ 377.
إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن هبة الله الحلبي الحنفي.
8/ 413.
إبراهيم بن أحمد الأخنائي الشافعي الدمشقي، برهان الدين 10/ 431.
إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الجعفري الدمشقي 8/ 396.
إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل بن فارس التميمي الإسكندراني أبو إسحاق 7/ 612.
إبراهيم بن أحمد البلخي المستملي أبو إسحاق 4/ 404.
إبراهيم بن أحمد البيجوري برهان الدّين 9/ 245.
إبراهيم بن أحمد بن حاتم الحنبلي أبو إسحاق 8/ 54.
إبراهيم بن أحمد بن حسين الموصلي المالكي. 9/ 162.
إبراهيم بن أحمد بن حمزة الدمشقي، الشافعي، برهان الدّين 10/ 297.
إبراهيم بن أحمد بن خضر الصالحي الحنفي. 9/ 171.
إبراهيم بن أحمد بن شاقلا البغدادي البزّاز أبو إسحاق شيخ الحنابلة. 4/ 373.
إبراهيم بن أحمد الطبري أبو إسحاق.
4/ 497.
إبراهيم بن أحمد بن عبد الكافي الطّباطبي المقرئ 9/ 444.(11/28)
إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني العراقي عز الدين. 8/ 142.
إبراهيم بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة الحنبلي 8/ 619.
إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن بن سعيد بن علوان بن كامل التّنوخي البعلي ثم الشامي. 8/ 619.
إبراهيم بن أحمد بن عقبة البصروي أبو إسحاق 7/ 764.
إبراهيم بن أحمد بن عيسى الغافقي الإشبيلي أبو إسحاق. 8/ 70.
إبراهيم بن أحمد بن عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن بن نشوان المخزومي المصري ابن الخشّاب الشافعي، أبو إسحاق. 8/ 409.
إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت السامري أبو إسحاق 4/ 203.
إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الصقّال الطّيبي ثم البغدادي الأزجي أبو إسحاق 6/ 552.
إبراهيم بن أحمد بن محمد بن خلف بن راجح بن نجم الدّين المقدسي الصالحي، المعروف بالعماد الماسح 7/ 778.
إبراهيم بن أحمد بن محمد بن رجاء النيسابوري أبو إسحاق 4/ 340.
إبراهيم بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد الخجندي المدني، برهان الدّين 9/ 392.
إبراهيم بن أحمد بن محمد بن معالي بن محمد بن عبد الكريم الرقي أبو إسحاق 8/ 15.
إبراهيم بن أحمد بن محمد بن المولد الرّقّي أبو الحسن 4/ 226.
إبراهيم بن أحمد المروزي أبو إسحاق 4/ 217.
إبراهيم بن أحمد بن ناصر بن خليفة المقدسي الناصري الباعوني الدمشقي 9/ 458.
إبراهيم بن أحمد بن هلال الزّرعي ثم الدمشقي أبو إسحاق، برهان الدّين 8/ 227.
إبراهيم بن أحمد بن يعقوب الكردي القصيري الحلبي المعروف بفقيه اليشبكية 10/ 268.
إبراهيم بن أدنبا مجاهد الدّين 7/ 456.
إبراهيم بن أدهم البلخي أبو إسحاق 2/ 282.
إبراهيم بن إسحاق بن بشير الحربي الحافظ أبو إسحاق 3/ 355.
إبراهيم بن إسحاق بن المظفّر المصري برهان الدّين، المعروف بالوزيري 7/ 672.
إبراهيم بن إسحاق النيسابوري الأنماطي أبو إسحاق 4/ 20.
إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى القرشي الدمشقي البرهان بن الدرجي أبو إسحاق 7/ 650.
إبراهيم بن إسماعيل الطوسي العنبري الحافظ أبو إسحاق 3/ 334.
إبراهيم بن علي بن محمد بن داود بن شمس بن عبد الله بن رستم البيضاوي الزّمزمي 9/ 329.
إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي النابلسي الحنبلي 9/ 39.
إبراهيم بن الأشتر النّخعي 1/ 305.
إبراهيم بن الأمير ناصر الدّين محمد بن أبي(11/29)
بكر بن علي بن أيوب المقدسي المصري الشافعي برهان الدّين المعروف بابن أبي شريف 10/ 166.
إبراهيم بن أورمة الأصبهاني الحافظ أبو إسحاق 3/ 284.
إبراهيم بن البحلاق البعلي 9/ 367.
إبراهيم بن بخشي بن إبراهيم الحنفي المشهور بدادة خليفة 10/ 503.
إبراهيم بن بركات بن إبراهيم بن طاهر الدمشقي الخشوعي أبو إسحاق 7/ 358.
إبراهيم بن بركات بن أبي الفضل بن القرشية البعلبكي 8/ 219.
إبراهيم بن بشار الرّمادي الزاهد 3/ 122.
إبراهيم بن أبي بكر بن إسماعيل بن علي الحمّامي أبو إسحاق المعروف بالزعبي 7/ 474.
إبراهيم بن أبي بكر الجزري الكتبي شمس الدين المعروف بالفاشوشة 7/ 796.
إبراهيم بن أبي بكر الشنويهي ثم المصري 9/ 542.
إبراهيم بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن إسماعيل بن عمر بن بختيار الصالحي، المعروف بابن السّلّار 8/ 568.
إبراهيم بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم 8/ 373.
إبراهيم بن ثابت الطبيب 3/ 367.
إبراهيم بن جعفر بن أحمد، المتقي لله العباسي 4/ 297.
إبراهيم بن حجاج الأبناسي الشافعي، برهان الدين 9/ 314.
إبراهيم بن الحجاج الشامي المحدث 3/ 153.
إبراهيم بن حجي الحنبلي الكفل حارسي 9/ 352.
إبراهيم بن حسن الشيخ النّبيسي الشيشري، برهان الدين 10/ 98.
إبراهيم بن حسن بن عبد الرحمن بن محمد الحلبي الشافعي، الشهير بابن العمادي برهان الدين 10/ 431.
إبراهيم بن أبي الحسن الفرّاء الصالحي أبو عمر وأبو إسحاق 7/ 778.
إبراهيم بن الحسين الكسائي الهمذاني ابن ديزيل ويعرف بدابة عفّان 3/ 332.
إبراهيم بن حمزة الزبيري المدني الحافظ 3/ 137.
إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الفقيه أبو ثور 3/ 180.
إبراهيم بن خليل الدمشقي الأدمي أبو إسحاق 7/ 180.
إبراهيم بن خليل الدمشقي الأدمي أبو إسحاق 7/ 505.
إبراهيم بن داود الآمدي ثم الدمشقي أبو محمد 8/ 593.
إبراهيم بن داود بن ظافر العسقلاني ثم الدمشقي جمال الدين أبو إسحاق المعروف بالفاضلي 7/ 734.
إبراهيم بن داود بن محمد بن أبي بكر العباسي المعتضد بن المتوكل العبّاسي 9/ 318.
إبراهيم الدّميري المالكي، برهان الدين 10/ 86.
إبراهيم بن دينار بن أحمد بن الحسين بن حامد بن إبراهيم النّهرواني الرزّاز أبو حكيم(11/30)
6/ 294.
إبراهيم بن رضوان الحلبي برهان الدين 9/ 389.
إبراهيم الرومي الحنفي، الشهير بابن الخطيب 10/ 137.
إبراهيم الزيات المجذوب 9/ 440.
إبراهيم بن سرايا الكفرماوي الدمشقي المعروف بالحازمي 8/ 500.
إبراهيم بن سعد الزهري العوفي المدني أبو إسحاق 2/ 380.
إبراهيم بن سعيد الجوهري البغدادي الحافظ أبو إسحاق 3/ 216.
إبراهيم بن سعيد الحبال النعماني مولاهم المصري أبو إسحاق 5/ 351.
إبراهيم بن سعيد الشاغوري المعروف ب:
جيعانة 7/ 639.
إبراهيم بن سليمان بن حمزة القرشي الدمشقي المجودابن النجار جمال الدّين 7/ 437.
إبراهيم بن سليمان بن داود الأسدي الملقب بالبرلسي 3/ 305.
إبراهيم بن سليمان الرومي المنطيقي 8/ 171.
إبراهيم السمديسي المصري الحنفي برهان الدين 10/ 147.
إبراهيم بن سهل الإسرائيلي الإسلامي 7/ 422.
إبراهيم بن سهل الإشبيلي 7/ 515.
إبراهيم بن أبي سويد البصري الذارع 3/ 109.
إبراهيم الشاذلي، المصري الشيخ العارف 10/ 90.
إبراهيم بن شاه رخ أميرزا صاحب شيراز 9/ 334.
إبراهيم بن شريك الأسدي الكوفي 4/ 13.
إبراهيم بن شمس الدين الفاشوشة الكتبي 8/ 182.
إبراهيم بن شيبان القرميسيني أبو إسحاق 4/ 199.
إبراهيم شيخ إبراهيم بن عبد الرحمن السرائي الشافعي 9/ 26.
إبراهيم بن شيخ المحمودي الظاهري، الملك المؤيد أبوه 9/ 232.
إبراهيم بن شيركوه بن محمد بن شير كوه المعروف بالملك المنصور 7/ 396.
إبراهيم بن صالح بن العجمي 7/ 396.
إبراهيم بن صالح بن العجمي 8/ 166.
إبراهيم الصفوري، برهان الدين 10/ 324.
إبراهيم بن أبي طالب النيسابوري 3/ 400.
إبراهيم بن طهمان الخراساني 2/ 286.
إبراهيم ابن ظهيرة برهان الدين 10/ 479.
إبراهيم بن العباس الصولي البغدادي 3/ 196.
إبراهيم بن عبد الحافظ بن عبد الحميد بن محمد بن أبي بكر بن ماضي المقدسي أبو إسحاق 8/ 87.
إبراهيم بن عبد الخالق السيلي الحنبلي 9/ 389.
إبراهيم بن عبد ربّه الصوفي 9/ 483.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري المصري 8/ 154.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن المغربي(11/31)
البعلي أبو إسحاق المعروف بالزكي المعري 7/ 729.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن أبي نصر بن الشيرازي 8/ 61.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن حسين بن حسن المدني المعروف بابن القطان 9/ 542.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن سليمان السرائي الشافعي 9/ 26.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الكرم المعروف: بأبي شعر 9/ 367.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان القرشي الدمشقي أبو إسحاق 4/ 92.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر العلقمي القاهري الشافعي، برهان الدين 10/ 636.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق 1/ 387.
إبراهيم بن عبد الرحمن القطيعي المواقيتي الخياط أبو إسحاق 7/ 174.
إبراهيم بن عبد الرحمن ابن محمد بن إسماعيل الكركي الأصل القاهري المولد برهان الدين، أبو الوفا 10/ 147.
إبراهيم بن عبد الرحيم بن محمد بن جماعة الكناني الحموي الأصل المقدسي أبو إسحاق 8/ 533.
إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي. 4/ 203.
إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى بن محمد أبو علي الأمير أبو إسحاق الهاشمي 4/ 135.
إبراهيم بن عبد العزيز بن يحيى الرعيني الأندلسي اللوري أبو إسحاق 7/ 699.
إبراهيم بن عبد الكريم الكردي. 9/ 340.
إبراهيم بن عبد الله الأرموي. 7/ 734.
إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني أبو إسحاق. 4/ 392.
إبراهيم بن عبد الله الأنصاري الإشبيلي ويعرف بالشرقي أبو إسحاق. 8/ 283.
إبراهيم بن عبد الله البصري الكجي الحافظ أبو مسلم. 3/ 387.
إبراهيم بن عبد الله الحكري المصري.
8/ 457.
إبراهيم بن عبد الله الحلبي الصوفي الملقّن.
8/ 607.
إبراهيم بن عبد الله بن علي بن يحيى بن خلف الحكري. 8/ 271.
إبراهيم بن عبد الله الحميدي الحنفي، تاج الدّين 10/ 540.
إبراهيم بن عبد الله بن حنين المدني. 2/ 11.
إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن علي بن محمد بن فاتك بن محمد أبو إسحاق شهاب الدّين المعروف بابن أبي الدم 7/ 370.
إبراهيم بن عبد الله بن عمر العبسي القصّار الكوفي أبو إسحاق. 3/ 327.
إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي أبو إسحاق المعروف بالشيخ العز خطيب الجبل. 7/ 560.
إبراهيم بن عبد الله بن عمر الصنهاجي المالكي. 8/ 589.
إبراهيم بن عبد الله، وسماه الغساني في «تاريخه» حسن بن عبد الله. 8/ 607.(11/32)
إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن خرشيذ قوله الأصبهاني أبو إسحاق. 4/ 523.
إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أبي العزائم الكوفي أبو إسحاق. 4/ 319.
إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عسكر بن مظفر بن بحر بن سادن بن هلال الطائي القيراطي. 8/ 465.
إبراهيم بن عبد الله المخرمي أبو إسحاق.
4/ 21.
إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس الهاشمي المدني. 2/ 11.
إبراهيم بن عبد الله بن هبة الله العسقلاني المعروف بالصفي بن مرزوق. 7/ 515.
إبراهيم بن عبد الله الهروي الحافظ.
3/ 201.
إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي أبو إسحاق المعروف بالشيخ العماد. 7/ 105.
إبراهيم بن عبد الوهاب بن عبد السلام بن عبد القادر البغدادي. 9/ 452.
إبراهيم بن أبي عبلة. 2/ 241.
إبراهيم بن عبيدان. 8/ 10.
إبراهيم بن عثمان الغزي أبو إسحاق.
6/ 112.
إبراهيم بن عثمان بن محمد بن عثمان بن موسى بن يحيى المرداوي الدمشقي الصالحي الحنبلي، المعروف بجابي بن عبادة، برهان الدين. 10/ 129.
إبراهيم بن عثمان بن الوزان القيرواني أبو القاسم. 4/ 244.
إبراهيم بن عثمان بن يوسف الزركشي الكاشغري أبو إسحاق. 7/ 399.
إبراهيم العجمي الصوفي. 10/ 333.
إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن يوسف الحسيني العراقي، المعروف بابن أبي الوفاء.
9/ 518.
إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل بن الواسطي الصالحي تقي الدين أبو إسحاق.
7/ 733.
إبراهيم بن علي بن أحمد القلقشندي الشافعي القاهري، برهان الدين. 10/ 149.
إبراهيم بن علي البصري الهجيمي أبو إسحاق.
4/ 269.
إبراهيم بن علي بن الحسين البغدادي أبو إسحاق. 7/ 99.
إبراهيم بن علي بن سيبخت أبو الفتح.
4/ 501.
إبراهيم بن علي بن صدقة المخرمي أبو إسحاق. 8/ 36.
إبراهيم بن علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة. 8/ 202.
إبراهيم بن علي القرصلي الحلبي برهان الدين. 10/ 123.
إبراهيم بن علي بن محمد بن داود البيضاوي ثم المكي، ويعرف بالزمزمي. 9/ 446.
إبراهيم بن علي بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس البغدادي أبو إسحاق.
7/ 74.
إبراهيم بن علي بن محمد بن محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المكي القرشي. 9/ 525.(11/33)
إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون بن محمد بن فرحون اليعمري المدني المالكي أبو الوفا. 8/ 608.
إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآباذي الشيرازي أبو إسحاق. 5/ 323.
إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل الربعي الجعبري أبو إسحاق. 8/ 171.
إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح بن عبد الله الحنبلي برهان الدين.
10/ 111.
إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن مفلح الرّاميني الحنبلي. 10/ 518.
إبراهيم بن عمر بن إبراهيم اليمني الحرازي القحطانيّ الحاتميّ الشافعيّ. 10/ 234.
إبراهيم بن عمر البرمكي البغدادي أبو إسحاق.
5/ 197.
إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط البقاعي.
9/ 509.
إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن علي بن محمد بن يحيى المعين القرشي أبو إسحاق. 7/ 542.
إبراهيم بن عمر بن مضر بن فارس المصري الواسطي ابن البرهان العدل الصدر رضي الدين. 7/ 548.
إبراهيم بن عنبر المارديني الأسمر. 7/ 778.
إبراهيم بن عيسى الحلبي. 8/ 500.
إبراهيم بن عيسى المرادي الأندلسي ثم المصري ثم الدمشقي ضياء الدين أبو إسحاق. 7/ 568.
إبراهيم بن الفضل الأصبهاني البأآر أبو منصور. 6/ 155.
إبراهيم بن فلاح النابلسي. 9/ 359.
إبراهيم بن قاسم بن محمد الشهير بابن الكيّال الشافعي الدمشقي، برهان الدين.
10/ 179.
إبراهيم بن لاجين بن عبد الله الرشيدي المصري. 8/ 271.
إبراهيم بن ماهان الموصلي التميمي المعروف بالنديم. 2/ 402.
إبراهيم بن مبارك شاه الإمعردي. 9/ 251.
إبراهيم بن المبلّط، برهان الدّين.
10/ 389.
إبراهيم بن المبلّط القاهري برهان الدين.
10/ 622.
إبراهيم بن أبي المجد الدسوقي الهاشمي القرشي. 7/ 611.
إبراهيم المجذوب المصري الشهير بأبي لحاف. 10/ 333.
إبراهيم بن محاسن بن عبد الملك بن علي بن منجّى التنوخي الحموي ثم الدمشقي نجم الدين أبو إسحاق وأبو طاهر. 7/ 498.
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر البقاعي الحنبلي الشافعي. 10/ 288.
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي الحنفي، المولى. 10/ 444.
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري المكي أبو إسحاق. 8/ 103.
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطيان الأصبهاني القفال أبو إسحاق. 5/ 349.
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله ابن أبي(11/34)
عمر المقدسي ثم الصالحي الحنبلي المعروف بالفرائضي. 9/ 45.
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن يعقوب بن المعتمد القرشي، الدمشقي، الصالحي، الشافعي برهان الدين. 10/ 20.
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن يوسف بن خليل اليمني الزّبيدي الحسوي المالكي، برهان الدين. 10/ 297.
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإسفراييني أبو إسحاق. 5/ 90.
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم التسيلي.
10/ 525.
أحمد بن محمد بن أحمد الشّويكي النابلسي، الدمشقي، الصالحي، الحنبلي، شهاب الدين، أبو الفضل. 10/ 325.
إبراهيم بن محمد بن أحمد العقيلي الدمشقي المعروف بابن القلانسي. 8/ 103.
إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمويه النصر أباذي النيسابوري أبو القاسم. 4/ 356.
إبراهيم بن محمد بن أحمد بن هارون المرادي السبتي ابن الكمّاد أبو إسحاق. 7/ 548.
إبراهيم بن محمد بن الأزهر بن أحمد بن محمد الصريفيني تقي الدين أبو إسحاق 7/ 363.
إبراهيم بن محمد بن أيدمر بن دقماق الحنفي.
9/ 120.
إبراهيم بن محمد الحسني، برهان الدين، نقيب الأشراف بدمشق. 10/ 86.
إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الأخنائي برهان الدين. 8/ 431.
إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن علي بن أيوب المعروف بابن أبي شريف المقدسي.
10/ 166.
إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية.
8/ 357.
إبراهيم بن محمد بن بهادر بن أحمد الغزي القرشي النوفلي الشهير بابن زقّاعة.
9/ 172.
إبراهيم بن محمد بن الحارث الكوفي الفزاري أبو إسحاق. 2/ 383.
إبراهيم بن محمد بن الحسن بن متويه الأصفهاني أبو إسحاق. 4/ 13.
إبراهيم بن محمد بن حسين بن شنظير الأموي أبو إسحاق. 5/ 12.
إبراهيم بن محمد بن حسين الموصلي ثم المصري. 9/ 157.
إبراهيم بن محمد بن حمزة بن عمارة أبو إسحاق. 4/ 278.
إبراهيم بن محمد الخلاطي الوافي. 8/ 191.
إبراهيم بن محمد بن خليل المعروف بالقوف سبط بن العجمي. 9/ 346.
إبراهيم بن محمد بن راشد الملكاوي الشافعي. 9/ 67.
إبراهيم بن محمد بن زكريا الزهري الوقاصي الإفليلي أبو القاسم. 5/ 184.
إبراهيم بن محمد بن السري بن سهل الزجاج النحوي أبو إسحاق. 4/ 51.
إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه النيسابوري أبو إسحاق. 4/ 39.
إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عون بن(11/35)
مسلم بن مكي بن رضوان الهلالي الدمشقي الحنفي المعروف بابن عون. 10/ 104.
إبراهيم بن محمد بن السواملي العراقي 8/ 26.
إبراهيم بن محمد بن صديق بن إبراهيم بن يوسف المؤذن المعروف بالرسام.
9/ 86.
إبراهيم بن محمد بن طرخان الأنصاري الدمشقي عز الدين أبو إسحاق المعروف بالسويدي. 7/ 718.
إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي. 2/ 48.
إبراهيم بن محمد الطليطلي أبو إسحاق.
6/ 207.
إبراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان المطلبي أبو إسحاق. 3/ 171.
إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الأموي الإشبيلي أبو إسحاق. 7/ 456.
إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الدّسوقي الشافعي الصوفي. 10/ 129.
إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن بن نوح المقدسي الدمشقي. 8/ 99.
إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي المعروف بابن العديم. 8/ 507.
إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح. 9/ 507.
إبراهيم بن محمد بن عبيد بن جهينة الشهرزوري أبو إسحاق. 4/ 100.
إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي أبو مسعود. 4/ 523. و 5/ 9.
إبراهيم بن محمد بن عثمان بن إسحاق الدجوي ثم المصري. 9/ 26.
إبراهيم بن محمد بن عرب شاه، أبو إسحاق الإسفراييني. 10/ 417.
إبراهيم بن محمد بن عرعرة الشامي البصري أبو إسحاق. 3/ 140.
إبراهيم بن محمد بن عرفة العتكي الواسطي.
أبو عبد الله. 4/ 122.
إبراهيم بن محمد بن علي، المعروف بابن البيكار المقدسي، الدمشقي، برهان الدّين. 10/ 452.
إبراهيم بن محمد بن علي التادلي قاضي المالكية بدمشق. 9/ 39.
إبراهيم بن محمد بن عيسى بن زياد العجلوني الشهير بابن خطيب عذراء. 9/ 246.
إبراهيم بن محمد بن عيسى بن مطير اليمني.
8/ 396.
إبراهيم بن محمد بن محمد بن عمر بن يوسف اللقاني. 9/ 539.
إبراهيم بن محمد بن محمد بن محمد بن سليمان بن علي البعلي المعروف: بابن المراحلي. 9/ 436.
إبراهيم بن محمد بن محمد بن مفلح، الكفل حارسي، برهان الدّين. 9/ 479.
إبراهيم بن محمد بن محمود بن بدر الحلبي القبيباتي. 9/ 550.
إبراهيم بن محمد بن مفلح بن مفرج الراميني الأصل ثم الدمشقي الحنبلي. 9/ 40.
إبراهيم بن محمد بن منصور الكرخي أبو(11/36)
البدر. 6/ 199.
إبراهيم بن محمد بن نبهان الرّقّي الغنوي أبو إسحاق. 6/ 220.
إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي مولاهم المدني. 2/ 381.
إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي النيسابوري أبو إسحاق. 4/ 328.
إبراهيم بن محمد بن يعقوب الهمذاني البزاز الشهير: بممّوس. 4/ 136.
إبراهيم بن محمود بن أحمد بن حسن الأقصرائي [1] ، القاهري، الشافعيّ، الحنفيّ، المواهبيّ، برهان الدّين، أبو الطيب. 10/ 52.
إبراهيم بن محمود بن سالم بن مهدي الأزجي أبو إسحاق المعروف بابن الخير.
7/ 415.
إبراهيم بن مسلم بن هبة الله الحموي شمس الدين المعروف بابن البارزي. 7/ 572.
إبراهيم المصري المجذوب الصّالح، الشهير بعصيفير. 10/ 348.
إبراهيم بن مظفر بن إبراهيم بن البرني أبو إسحاق. 7/ 175.
إبراهيم المعروف بابن أبي خليفة، علم الدين. 8/ 32.
إبراهيم بن معضاد الجعبري أبو إسحاق.
7/ 698.
إبراهيم بن معقل السانجني أبو إسحاق النسفي. 3/ 400.
إبراهيم بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن الموفق العباسي المتقي لله.
4/ 297.
إبراهيم المناوي الحنفي، تاج الدّين المولى.
10/ 549.
إبراهيم بن المنذر الحزامي المدني أبو إسحاق. 3/ 166.
إبراهيم بن منقذ الخولاني المصري.
3/ 293.
إبراهيم بن منصور السلمي الكراني الأصبهاني أبو القاسم المعروف ب: سبط بحرويه.
5/ 234.
إبراهيم بن منصور بن المسلم العراقي أبو إسحاق. 6/ 529.
إبراهيم بن المهدي بن محمد المنصور العباسي الأسود. 3/ 108.
إبراهيم بن المهدي بن محمد المنصور العباسي الأسود. 3/ 108.
إبراهيم بن موسى بن أيوب الأنباسي، برهان الدّين أبو محمد. 9/ 12 و 27.
إبراهيم بن موسى بن أبي بكر بن علي الطرابلسي الدمشقي الحنفي برهان الدين.
10/ 150.
إبراهيم بن موسى الرازي الفرّاء الحافظ أبو إسحاق. 3/ 139.
إبراهيم بن ميمون الصائغ الخراساني أبو مسلم. 2/ 134.
إبراهيم المولى برهان الدّين الحنفي أحد موالي الرّوم. 10/ 288.
إبراهيم بن ميسرة الطائفي صاحب أنس 2/ 146.
__________
[1] في الكتاب: «أوقصرائي» والصواب ما جاء في هذا الفهرس، فلتصحح في موضعها.(11/37)
إبراهيم بن ناصر الدّين بن الحسام الصقري.
9/ 293.
إبراهيم بن نجم الدّين محمد بن برهان الدّين إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن جماعة، برهان الدّين.
10/ 389.
إبراهيم بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد العسقلاني الأصل ثم المصري الكتاني الحنبلي، أبو إسحاق. 9/ 27.
إبراهيم بن هانئ النيسابوري الثقة العابد.
3/ 281.
إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم. 1/ 130.
إبراهيم بن هبة الله بن علي بن الصنيعة الحميري الإسنائي. 8/ 99.
إبراهيم بن هلال الصابئ المشرك الحرّاني أبو إسحاق. 4/ 437.
إبراهيم بن والي بن نصر خجا بن حسين الذكري المقدسي الفقيه الحنفي.
10/ 469.
إبراهيم بن أبي الوفاء بن أبي بكر بن أبي الوفاء الأرمنازي الحلبي الشافعي برهان الدين.
10/ 205.
إبراهيم بن يحيى بن غنام المعبر أبو طاهر.
8/ 456.
إبراهيم بن يحيى بن الكيّال الدمشقي.
8/ 172.
إبراهيم بن يزيد التيمي الكوفي. 1/ 362.
إبراهيم بن يزيد النخعي أبو عمران.
1/ 387.
إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله التنوخي بهاء الدين. 7/ 237.
إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني أبو إسحاق.
3/ 263.
إبراهيم بن يوسف الباهلي البلخي الحنفي الفقيه أبو إسحاق. 3/ 177.
إبراهيم بن يوسف الحموي المعروف بابن قرقول. 7/ 573.
إبراهيم بن يوسف بن خالد بن إسحاق الرازي الهسنجاني. 4/ 7.
إبراهيم بن يوسف بن سوار الكردي البياني الخاتوني، الحلبي، الشافعي.
10/ 470.
إبراهيم بن يوسف بن عبد الرحمن الحلبي الحنفي، الشهير بابن الحنبلي، برهان الدين. 10/ 465.
إبراهيم بن يوسف المقصاتي الرافضي.
8/ 243.
إبراهيم بن يوسف الوهراني الحمزي أبو إسحاق بن قرقول. 6/ 382.
الأبرقوهي أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد. 8/ 9.
الأبرودي أحمد بن أبي غالب بن أبي عيسى الجبابيني. 6/ 408.
الأبزازي إبراهيم بن أحمد بن محمد بن رجاء. 4/ 340.
الإبشيطي أحمد بن إسماعيل. 9/ 308.
الإبشيطي أحمد بن إسماعيل بن عمر بن خالد. 9/ 504.
الإبشيطي سليمان بن عبد الناصر القاهري.(11/38)
9/ 569.
الإبشيهي أحمد بن محمد بن علي بن موسى المحلي. 9/ 529.
الأبشيمي عمر الشافعي زين الدين.
10/ 69.
الأبطالي محمود بن عبد الله. 8/ 506.
الأبله محمد بن بختيار البغدادي.
6/ 437.
الأبلي شيبان بن فروخ. 3/ 164.
الأبناسي إبراهيم بن حجاج الشافعي.
9/ 314.
الأبناسي إبراهيم بن موسى بن أيوب.
9/ 12 و 27.
ابن الأبنوسي عبد الله بن علي البغدادي.
6/ 18.
الأبهري أحمد بن محمد بن المرزبان.
4/ 497.
الأبهري عبد الواسع بن عبد الكافي شمس الدين. 7/ 723.
الأبهري محمد بن أحمد بن الحسن بن ماجة الأصبهاني. 5/ 350.
الأبهري محمد بن عبد الله بن محمد التّميمي أبو بكر شيخ المالكية العراقيين. 4/ 402.
أبي بن كعب الخزرجي أبو المنذر.
1/ 170 و 176.
أبي [1] النرسي محمد بن علي بن ميمون الكوفي أبو الغنائم. 6/ 47.
الأبياري أبو بكر المصري. 10/ 369.
أبيض بن محمد بن أبيض بن أسود الفهري المصري. 4/ 407.
الأبيوردي حسن بن علي بن محمد.
9/ 178.
الأبيوردي عبد الله بن محمد عبيد.
9/ 537.
الأبيوردي محمد بن أحمد بن إسحاق الأموي المعاوي أبو المظفر. 6/ 30.
الأبيوردي محمد بن محمد بن أبي بكر الصوفي أبو الفتح. 7/ 565.
ابن أبيه عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن الدجاجية. 7/ 360.
أبيه محمد بن ولي الدين الحنفي الحلبي شمس الدين. 10/ 358.
الأتابكي أرسلان شاه ويسمى أيضا علي بن عز الدين. 7/ 113.
الإتقاني كاتب بن أمير عمر بن غازي.
8/ 316.
الأثرم أحمد بن محمد بن هانئ الطائي.
3/ 266.
الأثرم محمد بن أحمد بن حماد المقرئ البغدادي. 4/ 198.
الإثميدي علي الإثميدي المصري المالكي.
10/ 447.
ابن الأثير حسين بن راشد بن مبارك.
8/ 192.
ابن الأثير عبد الله بن محمد بن إسماعيل الحلبي. 8/ 443.
ابن الأثير علي بن محمد بن محمد بن عبد
__________
[1] قال ابن تغرى فى «النجوم الزاهره» (5/ 212) يعرف ب «ابى» لأنه كان يجيد القرائة.(11/39)
الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري.
7/ 241.
ابن الأثير المبارك بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري ثم الموصلي، صاحب «جامع الأصول» . 7/ 42.
ابن الأثير نصر الله بن محمد بن محمد الشيباني الجزري. 7/ 328.
ابن أجا محمد بن محمود بن خليل.
9/ 498.
ابن أجا محمود بن محمد بن محمود بن خليل التدمري القاهري. 10/ 191.
الأجلح الكندي من مشاهير محدثي الكوفة.
2/ 207.
الأجهوري عبد الرحمن الأجهوري.
10/ 476.
أحمد بن آق برس بن يلغان بن كنجك الخوارزمي ثم الصالحي. 9/ 41.
أحمد بن إبراهيم بن أحمد الأقباعي الدمشقي الشافعي الصوفي. 10/ 254.
أحمد بن إبراهيم الأخنائي الشافعي، شهاب الدين. 10/ 504.
أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب المرشدي المكي. 9/ 288.
أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشّماع الحلبي الشافعي، الشهير بابن الطويل.
10/ 474.
أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن النحاس.
9/ 157.
أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن عطية البغدادي المصري بن الحداد أبو بكر. 4/ 281.
أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن فراس المكي العطار العبقسي أبو الحسن. 5/ 29.
أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني الإسماعيلي أبو بكر 4/ 379 و 384.
أحمد بن إبراهيم بن جامع السكري أبو العباس. 4/ 269.
أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي البزاز أبو بكر. 4/ 433.
أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي أبو جعفر.
8/ 31.
أحمد بن إبراهيم بن سالم بن داود بن محمد المنبجي بن الطحان. 8/ 471.
أحمد بن إبراهيم بن سباع الفزاري. 8/ 23.
أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن مسعود الواسطي الحزامي. 8/ 45.
أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحيم الأنصاري، الحاملي، المقدسي، شهاب الدين.
10/ 5.
أحمد بن إبراهيم بن عبد العزيز بن علي الموصلي الأصل الدمشقي ابن الخباز.
9/ 13.
أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي. 8/ 127.
أحمد بن إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الصالحي. 7/ 705.
أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني أبو العباس الملقب بالمستنصر بالله أمير المسلمين.
8/ 589.(11/40)
أحمد بن إبراهيم بن علي العسلقي. 9/ 86.
أحمد بن إبراهيم بن عمر الواسطي عز الدين أبو العباس المعروف بالفاروثي. 7/ 743.
أحمد بن إبراهيم الكتبي الصالحي. 8/ 576.
أحمد بن إبراهيم بن كثير العبدي البغدادي الدورقي الحافظ أبو عبد الله. 3/ 211.
أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن منجك الدمشقي، شهاب الدين.
10/ 125.
أحمد بن إبراهيم بن محمد بن خليل الطرابلسي. 9/ 508.
أحمد بن إبراهيم المعروف بالصدر الفاضل.
7/ 758.
أحمد بن إبراهيم بن موسى بن أبي شمس النيسابوري أبو سعد. 5/ 228.
أحمد بن إبراهيم بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني العسقلاني. 9/ 479.
أحمد بن أحمد بن أحمد بن كرم بن غالب البندنيجي البغدادي الأزجي أبو العباس.
7/ 111.
أحمد بن أحمد الباجي المشهور بابن كلف، شهاب الدّين. 10/ 334.
أحمد بن أحمد بن حمزة الرّملي الأنصاري الشافعي. 10/ 525.
أحمد بن أحمد بن الخليل بن سعادة المعروف بشهاب الدين. 7/ 739.
أحمد بن أبي أحمد الطبري الشافعي أبو العباس بن القاص. 4/ 191.
أحمد بن أحمد بن عبد الحق المصري الشافعي، شهاب الدين. 10/ 644.
أحمد بن أحمد بن عبد الواحد الهاشمي العباس المتوكلي أبو السعادات. 6/ 105.
أحمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي شرف الدين أبو العباس. 7/ 698.
أحمد بن أحمد بن علي الحريمي الخراز أبو علي. 6/ 268.
أحمد بن أحمد بن علي بن زكريا الجديد البدراني. 9/ 520.
أحمد بن أحمد [1] [بن محمد] بن عيسى البرنسي الفاسي، أبو العباس، ويعرف زرّوق. 9/ 547.
أحمد بن أحمد بن أبي غالب البغدادي أبو القاسم ويعرف بالسّمّذي. 7/ 228.
أحمد بن أحمد الغزاوي المالكي. 9/ 212.
أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. 9/ 40.
أحمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن زهير بن خليل الرّملي الدمشقي الشافعي، شمس الدين. 10/ 168.
أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن خليل الحاضري، الأصل الحلبي الحنفي، عرف
__________
[1] تنبيه: وقع اسم المترجم في الكتاب (إسماعيل ابن أحمد) والصواب ما أثبته هنا. انظر «الأعلام» (1/ 91) وتعليق العلّامة الزركلي عليه.(11/41)
بابن خليل، أبو العباس شهاب الدين.
10/ 87.
أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عثمان بن مكي الشارعي. 8/ 211.
أحمد بن أحمد بن محمد بن ينال الأصبهاني أبو العباس. 6/ 465.
أحمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد المقدسي شرف الدين. 7/ 742.
أحمد بن إدريس بن محمد بن مزيز الحموي.
8/ 182.
أحمد بن الأزهر بن منيع بن سليط النيسابوري الحافظ أبو الأزهر. 3/ 276.
أحمد بن إسحاق بن أيوب الصّبغي [1] أبو بكر.
4/ 225.
أحمد بن إسحاق بن بهلول بن حسان التنوخي الحنفي الأنباري أبو جعفر. 4/ 85.
أحمد بن إسحاق بن مجد الدين بن عاصم سعد الدين محمد الأصبهاني الحنفي المعروف بالشيخ أصلم. 9/ 28.
أحمد بن إسحاق بن محمد المؤيد الأبرقوهي أبو المعالي. 8/ 9.
أحمد بن إسحاق بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد العباسي الخليفة أبو العباس.
5/ 110.
أحمد بن أسد بن عبد الواحد الأميوطي الشافعي. 9/ 467.
أحمد بن إسكندر بن يوسف، وقيل ابن يوسف بن إسكندر المعروف بابن الشيخ إسكندر، الشافعي شهاب الدين. 10/ 225.
أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى المنوفي المعروف: بابن أبي السعود.
9/ 458.
أحمد بن إسماعيل الأبشيطي. 9/ 308.
أحمد بن إسماعيل بن أحمد الساماني أبو نصر. 4/ 10.
أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر بن قدامة المعروف بابن النجم.
8/ 387.
أحمد بن إسماعيل بن الأفضل عباس بن علي صاحب اليمن. 9/ 257.
أحمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن عمر بن خالد الأبشيطي الصوفي. 9/ 504.
أحمد بن إسماعيل بن خليفة بن عبد العال المعروف بابن الحسباني. 9/ 162.
أحمد بن إسماعيل السهمي المدني أبو حذافة.
3/ 262.
أحمد بن إسماعيل بن علي بن الحباب أبو الهدى. 8/ 97.
أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أبي العز بن صالح بن أبي العز وهيب الأذرعي ثم الدمشقي المعروف بابن الكشك.
8/ 608.
أحمد بن إسماعيل بن نصر بن أبي سعيد الكاساني أبو نصر. 6/ 50.
أحمد بن إسماعيل بن يوسف الطالقاني أبو الخير المعروف بالقزويني العلامة رضي الدين. 6/ 492.
أحمد الأشخر العلّامة. 10/ 624.
__________
[1] تنبيه: في الكتاب «الضّبعي» وهو خطأ والصواب ما أثبته هنا وقد نبّهت على هذا الخطأ عند موضع الترجمة من الكتاب.(11/42)
أحمد بن الأشرف برسباي. 9/ 456.
أحمد الأعزازي الدمشقي الصّالحي شهاب الدين. 10/ 87.
أحمد بن الأفضل أمير الجيوش شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي المصري المعروف ب: الملك الأكمل. 6/ 128.
أحمد أفندي ابن المفتي أبو السعود.
10/ 522.
أحمد بن أكمل بن أحمد بن مسعود بن عبد الواحد بن مطر بن أحمد بن محمد الهاشمي العباسي البغدادي أبو العباس. 7/ 291، 7/ 292.
أحمد الأنقروي الرّومي، الحلبي.
10/ 454.
أحمد بن أويس بن الشيخ حسن بن حسين بن أقبغا بن أيلكان سلطان بغداد. 9/ 150.
أحمد بن إينال العلائي الظاهري من ذرية الظاهر بيبرس. 9/ 532.
أحمد باشا أحمد بن ولي الدّين الحسيني.
10/ 21.
أحمد بن بترس الصّفدي. 10/ 194.
أحمد البجيري المصري المالكي. 10/ 226.
أحمد البخاري السّيد. 10/ 151.
أحمد البخاري، المكّي، شهاب الدين.
10/ 319.
أحمد بن بدر بن إبراهيم الطّيبي الشافعي شهاب الدين. 10/ 319.
أحمد بن [1] بدر الدّين العبّاسي المصري الشافعي، شهاب الدّين. 10/ 625.
أحمد بن بديل اليامي الكوفي الإمام أبو جعفر.
3/ 258.
أحمد بن بركات بن الكيّال الدمشقي الشافعي، شهاب الدّين. 10/ 378.
أحمد البرلسي المصري الشافعي شهاب الدّين. 10/ 454.
أحمد بن بشرويه الأصبهاني. 5/ 416.
أحمد البغدادي المعروف بابن عصبة.
8/ 97.
أحمد البقاعي، الشافعي شهاب الدّين.
10/ 337.
أحمد بن بقي بن مخلد الأندلسي أبو عمر.
4/ 127.
أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة أبو العباس. 8/ 601.
أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن علي بن إسماعيل، المعروف بابن الرسام.
9/ 367.
أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان بن عمر البوصيري.
9/ 340.
أحمد بن سيف الدّين أبي بكر بن برق الدمشقي. 8/ 197.
أحمد بن أبي بكر البغدادي الدمشقي أبو بكر المعروف بنقيب المتعممين. 8/ 79.
أحمد بن أبي بكر الحبيشي الحلبي.
10/ 357.
__________
[1] تنبيه: لفظة «ابن» التي بين الحاصرتين لم ترد في الكتاب واستدركتها من «النور السافر» للعيدروس ص (404) مصدر المؤلف.(11/43)
أحمد بن أبي بكر بن حطة البغدادي، أبوه الدمشقي. 8/ 86.
أحمد بن أبي بكر بن رسلان بن نصير بن صالح المعروف: بالعجيمي. 9/ 362.
أحمد بن أبي بكر الزهري الفقيه أبو مصعب.
3/ 192.
أحمد بن أبي بكر بن سليمان بن علي الدمشقي الجمال بن الحموي أبو العباس.
7/ 699.
أحمد بن أبي بكر بن صالح بن عمر المرعشلي الحلبي. 9/ 467.
أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الأسدي العبشمي الشهير جده بالطواشي. 9/ 267.
أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الحضرمي الزبيدي. 8/ 508.
أحمد بن أبي بكر بن علي المعروف ببواب الكاملية. 9/ 308.
أحمد بن أبي بكر بن العماد الحموي.
9/ 505.
أحمد بن أبي بكر العيدروسي. 10/ 150.
أحمد بن أبي بكر بن قدامة المقدسي الأصل المشهور: بابن زريق. 9/ 526.
أحمد بن أبي بكر بن محمد العبادي الحنفي، شهاب الدّين. 9/ 13.
أحمد بن أبي بكر بن محمود الحموي الحلبي، الشافعي، بدر الدّين. 10/ 269.
أحمد بن بلبان بن عبد الله الدمشقي المالكي.
8/ 388.
أحمد بن بندار البقّال أبو ياسر. 5/ 414.
أحمد بن بندار الشعار بن إسحاق الفقيه أبو عبد الله. 4/ 306.
أحمد بن بويه الديلمي بختيار أبو منصور.
4/ 358.
أحمد بن بويه الديلمي، معز الدولة.
4/ 290.
أحمد البيت لبدي الحنبلي، 9/ 462.
أحمد بن ترمش الخياط البغدادي. 6/ 544.
أحمد بن تميم بن هشام الأندلسي محب الدين المعروف ب: اللبلي. 7/ 204.
أحمد بن جعفر بن أحمد بن معبد الأصبهاني السمسار أبو جعفر. 4/ 243.
أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي البغدادي أبو بكر. 4/ 367.
أحمد بن جعفر الدبيثي. 6/ 304.
أحمد بن جعفر بن سلم الختلي أبو بكر.
4/ 343.
أحمد بن جعفر بن مدني بن عيسى بن عدنان بن محمود، شعبة النسفي الكائني أبو اللّيث.
5/ 261.
أحمد بن جعفر بن موسى البرمكي جحظة 4/ 127.
أحمد بن حاتم بن أحمد بن أحمد الأنصاري الأرتاحي أبو العباس. 7/ 514.
أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاري الحافظ أبو عمرو. 3/ 317.
أحمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد الحافظ المهدي المصري المقرئ أبو جعفر.
3/ 387.
أحمد بن حجي (المعروف ب) : أمير آل مري. 7/ 656.(11/44)
أحمد بن حجي الحسباني، الدمشقي، الأطروشي الشافعي، شهاب الدين.
10/ 48.
أحمد بن حجي بن موسى بن أحمد بن سعيد بن غشيم بن غزوان بن علي بن مسرور بن تركي الحسباني. 9/ 173.
أحمد بن حرب الطائي الموصلي. 3/ 282.
أحمد بن حرب النيسابوري الزاهد. 3/ 157.
أحمد الحريزي عامل المقتفي. 6/ 255.
أحمد الحسامي، شهاب الدّين الصوفي.
10/ 184.
أحمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني الكرخي ثم البغدادي أبو طاهر. 5/ 392.
أحمد بن الحسن بن أحمد البغدادي المخلطي أبو العباس. 6/ 36.
أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص الحرشي النيسابوري الحيري أبو بكر. 5/ 103.
أحمد بن الحسن بن أبي البقاء العاقولي أبو العباس. 7/ 59.
أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن الحسن الرّهاوي ثم المصري، المعروف بطفيق.
8/ 413.
أحمد بن الحسن بن الحسن بن علي القبي بن المسترشد بالله العباسي أبو العباس.
8/ 6.
أحمد بن الحسن بن خيرون البغدادي أبو الفضل. 5/ 379.
أحمد بن الحسن بن سليمان الدمشقي الحنفي المعروف بابن الكفري، شرف الدّين.
8/ 414.
أحمد بن حسن شهاب الدين مفتي مدينة تعز.
10/ 125.
أحمد بن الحسن العباسي. 9/ 457.
أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي أبو عبد الله. 4/ 29.
أحمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الأصل ثم الدمشقي المشهور بابن قاضي الجبل أبو العباس. 8/ 376.
أحمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن الأزهر النيسابوري الشروطي الأزهري أبو حامد. 5/ 262.
أحمد بن حسن بن عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي ثم الصالحي أبو العباس. 8/ 40.
أحمد بن الحسن بن محمد بن زكريا بن يحيى المقدسي ثم المصري السويدائي. 9/ 67.
أبو أحمد الحسن بن محمد بن علي العراقي. 9/ 46.
أحمد بن الحسن بن محمد بن قلاوون الصالحي. 8/ 515.
أحمد بن الحسن بن يوسف الجاربردي الشافعي. 8/ 256.
أحمد بن الحسين بن أحمد بن طلاب الدمشقي المشغراني أبو الجهم. 4/ 92.
أحمد بن الحسين بن أحمد بن محمد البغدادي أبو العباس المعروف بالعراقي. 6/ 480.
أحمد بن الحسين بن أحمد بن معالي الإربلي ثم الموصلي الشمس بن الخباز النحوي أبو عبد(11/45)
الله. 7/ 350.
أحمد بن حسين بن أرسلان المقدسي الصوفي. 9/ 362.
أحمد بن الحسين بن إسحاق البغدادي أبو الحسين المعروف بالصوفي الصغير.
4/ 19.
أحمد بن الحسين بن إسحاق بن عتبة الرازي ثم المصري أبو العباس. 4/ 297.
أحمد بن الحسين البردعي أبو سعيد. 4/ 81.
أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي الكوفي أبو الطيب الشهير ب: المتنبي. 4/ 282.
أحمد بن حسين بن حسن بن عمري البيري، الحلبي، الشافعي، شهاب الدين.
10/ 484.
أحمد بن حسين بن حسن بن محمد المعروف بابن سعد الدين الشامي القبيباتي الجبائي.
10/ 484.
أحمد بن الحسين الرازي الصغير أبو زرعة.
4/ 400.
أحمد بن الحسين بن عبد الله بن أحمد بن هبة الله البغدادي البيع بن النرسي أو نصر.
7/ 222.
أحمد بن حسين بن عبد الله العيدروس.
10/ 513.
أحمد بن الحسين بن علي الخسروجردي البيهقي أبو بكر. 5/ 248.
أحمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن عيسى بن محمد بن أحمد بن مسلم الشهاب بن البدر المكّي ويعرف كأبيه بابن العليق، شهاب الدين. 10/ 195.
أحمد بن حسين بن محمد العليني المكي شهاب الدّين. 10/ 141.
أحمد بن الحسين بن مروان الضبي المرواني النيسابوري أبو نصر. 4/ 421.
أحمد بن الحسين بن مهران الأصبهاني ثم النيسابوري أبو بكر. 4/ 424.
أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد البديع الهمذاني أبو الفضل المعروف ب: بديع الزمان. 4/ 512.
أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي النيسابوري أبو علي. 3/ 259.
أحمد الحلبي أبو جلنك. 7/ 795.
أحمد بن حماد بن مسلم أخو عيسى زغبة التجيبي. 3/ 409.
أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد القادر بن عبد الغني بن محمد بن أحمد بن سالم بن داود الأذرعي. 8/ 479.
أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان بن شبيب بن حمدان بن شبيب بن حمدان بن محمود بن غياث بن سابق بن وثّاب النّميري الحرّاني أو عبد الله. 7/ 748.
أحمد بن حمدان بن علي بن سنان الحيري النيسابوري أبو جعفر. 4/ 55.
أحمد بن حمدون بن أحمد بن عمارة بن رستم الأعمشي النيسابوري أبو حامد، ويقال:
أبو تراب. 4/ 104.
أحمد بن حمزة التركي الطرابلسي الدمشقي الشافعي الصوفي، شهاب الدين.
10/ 137.
أحمد بن حمزة الرّومي الحنفي المعروف بعرب(11/46)
جلبي. 10/ 401.
أحمد بن حمزة المولى بير أحمد بن حمزة 10/ 419.
أحمد بن حمزة بن علي بن الحسن السلمي أبو الحسين المعروف ب: ابن الموازيني.
6/ 465.
أحمد بن حمزة القلعي الحلبي الحنفي الشافعي. 10/ 401.
أحمد بن أبي الحواري الزاهد الكبير الدمشقي أبو الحسن. 3/ 211.
أحمد بن خاص التركي الحنفي. 9/ 121.
أحمد بن خالد بن الجباب القرطبي أبو عمر.
4/ 113.
أحمد بن خالد الذهبي الحمصي. 3/ 68.
أحمد الخشّاب الدمشقي شهاب الدين العلّامة الشافعي. 10/ 87.
أحمد بن الخصيب الوزير أبو العباس.
3/ 281.
أحمد بن خضر بن جلال الدّين الرّومي الحنفي. 10/ 206.
أحمد بن الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاووس أبو المعالي. 7/ 204.
أحمد بن خليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى المهبلي الخويي أبو العباس. 7/ 320.
أحمد بن خليل بن كيكلدي العلائي المقدسي أبو الخير. 9/ 28.
أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب النسائي الحافظ بن الحافظ أبو بكر. 3/ 327.
أحمد بن أبي الخير اليمني الصياد. 8/ 450.
أحمد بن أبي دواد الإيادي أبو عبد الله.
3/ 179.
أحمد بن راشد بن طرخان الملكاوي الدمشقي الشافعي. 9/ 42.
أحمد، المعروف بالراعي شهاب الدين.
10/ 219.
أحمد بن ربيعة المقرئ. 9/ 42.
أحمد بن رجب بن حسين بن محمد بن مسعود البغدادي. 8/ 396.
أحمد بن رجب بن طيبغا الشهير: بابن المجدي. 9/ 390.
أحمد بن رضي الدّين أبي بكر بن علي بن محمد النّاشري الزّبيدي اليمني. 9/ 163.
أحمد بن رضيّ الدّين الغزّيّ، شهاب الدين أبو المكارم. 10/ 36.
أحمد بن ركن الدين بن أبي يزيد بن محمد السرائي. 8/ 542.
أحمد بن رمضان، عرف بابن كيسرات مهتار الطستخاناه. 8/ 86.
أحمد الرّملي المنوفي المصري الأنصاري الشافعي. 10/ 454.
أحمد الرويس الأقباعي. 8/ 65.
أحمد الزّبيدي المكّي شهاب الدّين.
10/ 320.
أحمد بن زهير بن حرب النسائي ثم البغدادي أبو بكر الحافظ ابن الحافظ. 3/ 327.
أحمد الزواوي. 10/ 152.
أحمد بن زيد التميمي. 8/ 560.
أم أحمد زينب بنت مكي بن علي بن كامل الحراني. 7/ 706.(11/47)
أحمد بن سالم الزاهد البصري أبو الحسن.
4/ 318.
أحمد بن سالم المصري النحوي. 7/ 546.
أحمد بن سالم بن ياقوت المكي المؤذن شهاب الدين. 8/ 440.
أحمد بن سراج الدّين عمر البارزي الحموي الشافعي، شهاب الدّين. 10/ 412.
أحمد السرائي الحنفي، شمس الدين.
10/ 587.
أحمد بن سعد بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير الأنصاري أخو محمد.
7/ 433.
أحمد بن سعد بن محمد العسكري الأندرشي أبو العباس. 8/ 283.
أحمد بن أبي السعود. 10/ 522.
أحمد بن سعيد بن أحمد بن نفيس المصري أبو العباس. 5/ 225.
أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي أبو عمر.
5/ 11.
أحمد بن سعيد الرباطي أبو عبد الله.
3/ 196.
أحمد بن سعيد بن صخر الحافظ الدارمي السرخسي أبو جعفر. 3/ 240.
أحمد بن سلامة بن إبراهيم الدمشقي الحداد أبو العباس. 7/ 628.
أحمد بن سلامة بن أحمد الإسكندراني.
8/ 86.
أحمد بن سلامة بن أحمد بن سلمان النجار الحراني أبو العباس. 7/ 404.
أحمد بن سلامة بن عبد الله بن مخلد بن الرطبي أبو العباس الكرخي. 6/ 132.
أحمد السلفيتي الخبلي. 9/ 492.
أحمد بن سلمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس البغدادي النجّاد أبو بكر 4/ 251.
أحمد بن سليمان الحنفي، الشهير بابن كمال باشا، شمس الدين. 10/ 335.
أحمد بن سليمان بن محمد بن عبد الله الكناني، الحوراني، الحنفي، الغزّي الشّهاب. 10/ 237.
أحمد بن سلمة النيسابوري الحافظ أبو الفضل.
3/ 359.
أحمد بن سليمان بن أحمد بن إسماعيل بن عطاف المقدسي ثم الحراني أبو العباس.
7/ 775.
أحمد بن سليمان بن أحمد الحربي الملّقب ب:
السكر. 7/ 6.
أحمد بن سليمان بن أيوب الأسدي الدمشقي أبو الحسن بن حذلم. 4/ 247.
أحمد بن سليمان بن أيوب العباداني أبو بكر.
4/ 239.
أحمد بن سليمان الأيوبي الملك الأشرف.
9/ 314.
أحمد بن سليمان الرهاوي الحافظ أبو الحسن.
3/ 266.
أحمد بن سليمان بن زبان الكندي الدمشقي الضرير أبو بكر. 4/ 202.
أحمد بن سليمان بن محمد بن سليمان الإربدي الدمشقي. 8/ 414.
أحمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن مروان الشيباني البعلبكي ثم الصالحي.(11/48)
9/ 13.
أحمد بن سليمان بن محمد العدناني البرشكي أبو العباس. 8/ 457.
أحمد بن سليمان بن مروان بن البعلبكي الدمشقي. 8/ 54.
أحمد بن سنان القطان الواسطي الحافظ أبو جعفر. 3/ 259.
أحمد سنجر معز الدين أبو الحارث.
6/ 268.
أحمد بن السّندي البغدادي الحدّاد أبو بكر.
4/ 306.
أحمد بن سهل الأشناني أبو العباس. 4/ 35.
أحمد بن سيّار المروزي الحافظ. 3/ 290.
أحمد بن شاه رخ، ملك الشرق. 9/ 334.
أحمد شريف بن علي بن علوي خرد، الشافعي اليمني، باعلوى. 10/ 452.
أحمد بن شعبان بن علي بن شعبان شهاب الدين. 10/ 105.
أحمد بن شعيب بن علي النسائي أبو عبد الرحمن. 4/ 15.
أحمد بن شقير المغربي التّونسي المالكي شهاب الدين. 10/ 59.
أحمد، الشهير بابن شكم، الشافعي الدمشقي، الصالحي، شهاب الدّين.
10/ 26.
أحمد بن شيبان بن تغلب بن حيدرة الشيباني الصالحي العطار ثم الخياط بدر الدين أبو العباس. 7/ 681.
أحمد بن شيبان الرملي أبو عبد المؤمن.
3/ 290.
أحمد الشّيبيني المصري. 10/ 453.
أحمد بن شيرويه بن شهردار الديلمي الهمذاني أبو مسلم. 7/ 204.
أحمد بن صالح بن أحمد بن الخطاب بن رقم البقاعي الزهري الدمشقي 8/ 577.
أحمد بن صالح السينكي أبو العباس.
7/ 546.
أحمد بن صالح بن شافع الجيلي ثم البغدادي أبو الفضل. 6/ 356.
أحمد بن صالح الطبري ثم المصري الحافظ أبو جعفر. 3/ 222.
أحمد بن صالح المحلّي الشافعي أبو العباس.
9/ 363.
أحمد بن الصّايغ المصري الحنفي، شهاب الدّين. 1/ 280.
أحمد بن صدقة الشافعي شهاب الدين.
10/ 130.
أحمد بن صلاح بن محمد بن محمد بن عثمان بن علي السمسار المعروف بابن المحمرة. 9/ 341.
أحمد بن طارق الكركي ثم البغدادي أبو الرضا. 6/ 504.
أحمد بن أبي طالب الحمامي البغدادي الزانكي أبو العباس. 8/ 36.
أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن الصالحي الحجار المعروف بابن الشحنة. 8/ 162.
أحمد بن أبي الطاهر بن أبي الفضل المقدسي الصالحي. 7/ 735.
أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد الإسفراييني أبو حامد. 5/ 37.(11/49)
أحمد بن طاهر النجم الميانجي أبو عبد الله.
4/ 318.
أحمد بن طلحة بن المتوكل جعفر بن المعتصم العباسي أبو العباس الملقب بالمعتضد.
3/ 371.
أحمد بن طلحة المنقي البغدادي أبو بكر.
5/ 98.
أحمد بن طولون أبو العباس. 3/ 295.
أحمد الطيب بن شمس الدّين الطّنبذاوي البكري الصّدّيقي الشافعي، شهاب الدّين.
10/ 390.
أحمد الطّيبي الشافعي. 10/ 576.
أحمد بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة بن محمد بن علي بن عليان بن هاشم بن مرزوق المخزومي المكي القرشي.
8/ 551.
أحمد بن عامر بن بشر المروروذي الشافعي أبو حامد. 4/ 327.
أحمد بن عبدان بن محمد بن الفرج الشيرازي أبو بكر. 4/ 471.
أحمد بن عبد الأول القزويني، شهاب الدين، المشهور بالسعدي. 10/ 504.
أحمد بن عبد الباري الصعيدي ثم الإسكندراني الداري أبو العباس. 7/ 750.
أحمد بن عبد الباقي بن الحسن الموصلي، ابن طوق، أبو نصر. 5/ 253.
أحمد بن عبد البصير القرطبي. 4/ 471.
أحمد بن عبد الجبار الصيرفي أبو سعد المعروف ب: ابن الطيوري. 6/ 87.
أحمد بن عبد الجبار العطاردي الكوفي.
3/ 305.
أحمد بن عبد الحق بن محمد السنباطي، المصري، الشافعي شهاب الدين.
10/ 402.
أحمد بن عبد الحق بن محمد بن عبد الحق المالكي المالقي الجدلي أبو جعفر، ويعرف بابن عبد الحق. 8/ 348.
أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني أبو العباس.
8/ 142.
أحمد بن عبد الخالق بن عبد المحيي بن عبد الخالق بن عبد العزيز الأسيوطي.
9/ 328.
أحمد بن عبد الخالق بن علي بن حسن بن عبد العزيز بن محمد بن الفرات المالكي.
9/ 67.
أحمد بن عبد الخالق بن محمد بن خلف الله المجاصي. 9/ 29.
أحمد بن عبد الدائم بن نعمة بن أحمد بن محمد بن إبراهيم زين الدين أبو العباس.
7/ 567.
أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الهكّاري الصرخدي. 8/ 196.
أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الذهبي، المعروف بابن ناظر الصالحية. 9/ 384.
أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن موسى الفارسي الجوال أبو بكر الشيرازي.
5/ 57.
أحمد بن عبد الرحمن الأندلسي البطروجي أبو(11/50)
جعفر. 6/ 213.
أحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أحمد بن منصور العامري الرّملي. 9/ 482.
أحمد بن عبد الرحمن بن جمال الدّين بن هشام المصري. 9/ 309.
أحمد بن عبد الرحمن الذكواني الأصبهاني أبو الحسين. 5/ 359.
أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي أبو بكر.
5/ 47.
أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم البعلبكي ثم الدمشقي أبو العباس، المعروف بابن النقيب. 8/ 342.
أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الكريم النّابلسي، الدمشقي، الشهير بابن مكيّة الشافعي، شهاب الدين. 10/ 48.
أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الدمشقي الظاهري. 8/ 303.
أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم النابلسي سيف الدين بن شهاب أبي العباس أبو بكر.
7/ 784.
أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة النابلسي الشهاب العابر أبو العباس.
7/ 764.
أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر التميمي الدمشقي أبو علي.
5/ 183.
أحمد بن عبد الرحمن بن عمر الشويكي الأصل النابلسي، الصالحي، الحنبلي، شهاب الدين. 10/ 247.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي أبو العباس.
7/ 712.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد المطري المدني. 9/ 225.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الأزجي أبو علي. 6/ 244.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الحسيني الدمشقي المنقذي أبو الفضائل. 7/ 750.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن زهر الحمصي. 9/ 464.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خير المالكي. 8/ 560.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد الولي بن جبارة المقدسي ثم الصالحي المرداوي الحريري أبو العباس. 8/ 318.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد الحسيني الشّيرازي الأيجي السيد.
9/ 537.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي المالكي. 8/ 466.
أحمد بن عبد الرحمن بن نور الدّين بن محمد بن محمد بن محمد بن الصائغ الأنصاري محيي الدين أبو اليسر. 9/ 95.
أحمد بن عبد الرحمن بن مؤمن الصّوري الصالحي. 8/ 7.
أحمد بن عبد الرحمن بن وهب المصري المحدث أبو عبيد الله. 3/ 277.
أحمد بن عبد الرحيم بن حسن التّلّعفري الدمشقي، القبيباتي، الشافعي ابن المحوجب، شهاب الدين. 10/ 81.(11/51)
أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي. 9/ 251.
أحمد بن عبد الرحيم بن علي البيساني ثم المصري أبو العباس. 7/ 378.
أحمد بن عبد السلام بن تميم بن أبي نصر بن عبد الباقي بن عكبر البغدادي. 8/ 191.
أحمد بن عبد السلام بن المطهر بن أبي سعد بن أبي سعد بن أبي عصرون التميمي قطب الدين أبو المعالي. 7/ 602.
أحمد بن عبد السيد بن شعبان الإربلي، صلاح الدين. 7/ 251.
أحمد بن عبد الصمد الهروي الغورجي أبو بكر. 5/ 349.
أحمد بن عبد العزيز بن أحمد التيمي البغدادي أبو الحسن المعروف ب: ابن ثرثال.
5/ 50.
أحمد بن عبد العزيز بن الجعد البغدادي الوشاء أبو بكر. 4/ 10.
أحمد بن عبد العزيز الدمشقي المالكي، الشافعي. 10/ 279.
أحمد بن عبد العزيز السبكي ثم الشيرازي.
9/ 334.
أحمد بن عبد العزيز السّنباطي المصري الشافعي، شهاب الدّين، أبو السعود.
10/ 219.
أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتّوحي الحنبلي، المعروف بابن النّجار. 10/ 396.
أحمد بن عبد العزيز بن يوسف بن المرحل المصري. 8/ 515.
أحمد بن عبد الغفار بن أشته الأصبهاني أبو العباس. 5/ 399.
أحمد بن عبد الغني بن محمد بن حنيفة الباجسرائي. 6/ 344.
أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم بن محمد القيسي أبو محمد. 8/ 273.
أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي اليوسفي أبو الحسين. 5/ 401.
أحمد بن عبد القادر النبراوي المصري الحنبلي. شهاب الدين. 10/ 183.
أحمد بن عبد الكريم بن أبي بكر بن أبي الحسن البعلبكي الحنبلي الصوفي المسند 8/ 431.
أحمد بن عبد الكريم بن عبد الصمد أنو شروان التبريزي المعروف بالمكشوت. 8/ 193.
أحمد بن عبد الكريم بن غازي الواسطي ثم المصري المعروف بابن الأغلاقي.
7/ 758.
أحمد بن عبد الكريم بن محمد بن عبادة السعدي الأنصاري. 9/ 526.
أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني أبو نعيم. 5/ 149.
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب الصالحي أبو العباس المعروف بابن الناصح. 8/ 487.
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي الأندلسي القرطبي أبو الوليد.
5/ 264.
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام اللخمي الفاسي بن الحطيئة أبو العباس. 6/ 314.
أحمد بن عبد الله بن أحمد اليمني بامخرمة.
10/ 71.(11/52)