وفيها بهاء الدّين أبو المحاسن يوسف بن محمد بن يوسف بن أحمد بن يحيى ابن محمد بن علي بن الزّكي القرشي الدمشقي الشافعي [1] .
وأجاز له في سنة خمس وتسعين وستمائة ابن عساكر، والعقيمي، والعزّ الفرّا، وآخرون. وأجاز له الرّشيد، وابن وزيرة، وابن الطبّال، وغيرهم من بغداد، وعني بالفقه والحساب، وكان يحفظ «التنبيه» وباشر نظر الأسرى وغير ذلك، وتوفي في ربيع الأول.
__________
[1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 349) و «إنباء الغمر» (1/ 72) و «الدّرر الكامنة» (4/ 477) .(8/408)
سنة خمس وسبعين وسبعمائة
فيها توفي بدر الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عيسى بن عمر بن خالد ابن عبد المحسن بن نشوان المخزومي المصري بن الخشّاب الشّافعي [1] .
سمع على وزيرة، والحجّار، وابن القيم، وغيرهم. وحدّث، وناب في الحكم بالقاهرة، وكان فصيحا بصيرا بالأحكام، عارفا بالمكاتبات، ثم ولي قضاء حلب، ثم قضاء المدينة المنوّرة، وخرج منها بسبب مرض أصابه في أثناء هذه السنة، فمات في الطريق قرب ينبع.
وفيها أبو بكر بن عبد الله الدّهروطي الفقيه الشافعي السّليماني [2] .
قال ابن حجر: كان يحفظ الكثير من «الشّامل» لابن الصبّاغ، مع الزّهد والخير، وكان لأهل بلاده [3] فيه اعتقاد زائد، وكان يقول: إنه تجاوز المائة، ومات في شوال.
وفيها محيي الدّين عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله بن سالم بن أبي الوفا الحنفي القرشي [4] .
__________
[1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 370) و «غاية النهاية» (1/ 8) و «إنباء الغمر» (1/ 83- 84) و «الدّرر الكامنة» (1/ 12) و «النجوم الزاهرة» (11/ 126) و «الدليل الشافي» (1/ 8) و «التحفة اللطيفة» (1/ 102- 104) و «لحظ الألحاظ» ص (159) .
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 372) و «طبقات الأولياء» ص (573- 576) و «إنباء الغمر» (1/ 84) .
[3] في «ط» : «بلده» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 86- 87) و «الدّرر الكامنة» (2/ 392) .(8/409)
ولد سنة ست وتسعين وستمائة، وسمع وهو كبير، وأقدم سماع له على ابن الصوّاف. وسمع من الرّشيد بن العلم «ثلاثيات البخاري» ومن حسين الكردي «الموطأ» ومن خلائق. ولازم الاشتغال، فبرع في الفقه، ودرّس وأفاد، وصنّف، وشرح «الهداية» سماه «العناية» وشرح «معاني الآثار للطحاوي» وعمل «الوفيات» من سنة مولده إلى سنة ستين. وصنّف «الجواهر المضية في طبقات الحنفية» [1] وغير ذلك.
وتوفي في ربيع الأول بعد أن تغيّر وأضرّ.
وفيها علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن الكلائي البغدادي الحنبلي المقرئ، سبط الكمال عبد الحقّ [2] .
ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة، وأجاز له الدمياطي، ومسعود الحارثي، وعلي بن عيسى بن القيّم، وابن الصوّاف، وغيرهم.
قال ابن حبيب: كان كثير الخير والتّلاوة، وحجّ مرارا، وجاور، وخرّج له ابن حبيب «مشيخة» .
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله [3] ابن أحمد بن النّاصح عبد الرحمن [بن محمد] [4] بن عيّاش [5] بن حامد السّوادي الأصل الدمشقي، الحنبلي، المعروف بقاضي اللّب [6] .
كان من رؤساء الدمشقيين. أفتى، ودرّس، وحدّث، مع المروءة التّامّة والهيئة الحنة. وسمع منه ابن ظهيرة، ومات في ذي الحجّة.
__________
[1] طبع في خمس مجلدات بدار العلوم بالرياض بتحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو، وهي طبعة جيدة نافعة متقنة.
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 87- 88) و «الجوهر المنضد» ص (84) و «السحب الوابلة» ص (183) .
[3] في «آ» : «محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله ... إلخ» وفي «ط» : «محمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله ... إلخ» وما أبقيته موافق لما في مصادر الترجمة.
[4] ما بين القوسين سقط من «ط» .
[5] تصحفت «عيّاش» في «السحب الوابلة» إلى «عباس» فلتصحح.
[6] انظر «إنباء الغمر» (1/ 88) و «الدّرر الكامنة» (3/ 465) و «السحب الوابلة» ص (394) .(8/410)
وفيها بدر الدّين محمد بن عبد الله الإربلي [1] الأديب المعمّر.
ولد سنة ثمانين وستمائة، ومهر في الآداب، ودرّس بمدرسة مرجان ببغداد، ومات في جمادى الآخرة.
وفيها تاج الدّين محمد بن عبد الله الكركي [2] .
كان قاضيا ببلده، ثم بالمدينة النبوية، ثم قدم القاهرة، وولي نيابة الحكم بمصر عن ابن جماعة، وكان منفردا بذلك فيها، إلى أن مات في شعبان. وكان فاضلا، مستحضرا، مشكور السيرة.
وفيها محبّ الدّين محمد بن عمر بن علي بن الحسيني القزويني ثم البغدادي [3] ، إمام جامع بغداد.
كان أبوه آخر المسندين بها. حدّث عن أبيه وغيره، واشتغل بعد كبر إلى أن صار مفيد البلد، مع اللطافة، والكياسة، وحسن الخلق.
توفي عن نيف وستين سنة.
وفيها محمد بن عيسى اليافعي [4] الفقيه الشافعي، قاضي عدن.
قال ابن حجر: كان فاضلا، خيّرا، وهو والد صاحبنا الفقيه عمر قاضي عدن.
وفيها صلاح الدّين محمد بن مسعود [5] المقرئ المالكي.
تلا بالسبع على التّقي الصّايغ، وكان متصديا للإقراء، حتّى إن القاضي محبّ الدّين ناظر الجيش كان يقرأ عليه.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 88) و «الدّرر الكامنة» (3/ 486) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 89) و «الدّرر الكامنة» (3/ 489) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 89) و «الدّرر الكامنة» (4/ 109) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 89- 90) و «الدّرر الكامنة» (4/ 132) .
[5] انظر «غاية النهاية» (2/ 262) و «إنباء الغمر» (1/ 90) و «الدّرر الكامنة» (4/ 257) .(8/411)
وفيها محمود بن قطلوشاه السّرائي الحنفي بن عضد الدين [1] . قدم من بلاده وهو كبير فأقام بالشام مدة يشتغل، وأفاد وتخرج به جماعة، ثم أقدمه صرغتمش بعد وفاة القوام الإسنائي فولاه مدرسته، فلم يزل بها إلى أن مات، وكان غاية في العلوم العقلية والأصول والعربية والطب، مع التودد والسكون والانجماع، مع عظمة قدره عند أهل الدولة، مات في رجب عن أزيد من ثمانين سنة. قاله ابن حجر.
__________
[1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 371) و «إنباء الغمر» (1/ 91- 92) و «النجوم الزاهرة» (11/ 126) و «بغية الوعاة» (2/ 280) و «حسن المحاضرة» (1/ 545- 546) .(8/412)
سنة ست وسبعين وسبعمائة
فيها توفي كمال الدّين إبراهيم بن أمين الدولة أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن هبة الله الحلبي الحنفي [1] .
كان وكيل بيت المال بحلب، وولي بها عدة ولايات، وكان كاتبا مجيدا.
سمع من سنقر الزّيني «البخاري» و «مشيخته» تخريج الكاملي والذهبي، ومن جماعات.
وحدّث، فسمع منه ابن ظهيرة بحلب ودمشق.
وتوفي في جمادى الأولى عن إحدى وثمانين سنة.
وفيها أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن الحسن الرّهاوي ثم المصري، المعروف بطفيق [2] .
سمع من الكردي، والواني، والدّبوسي، والخثني [3] ، وغيرهم.
وحدّث. وناب في الحسبة. سقط من سلّم فمات في ذي القعدة.
__________
[1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 376) و «إنباء الغمر» (1/ 101- 102) و «الدّرر الكامنة» (1/ 6- 7) و «لحظ الألحاظ» ص (162) و «الطبقات السّنية» (1/ 171- 172) .
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 393) و «إنباء الغمر» (1/ 103- 104) و «الدّرر الكامنة» (1/ 119) و «لحظ الألحاظ» ص (162) و «الدليل الشافي» (1/ 43) و «الطبقات السنية» (1/ 378) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «والحسيني» .(8/413)
وفيها شرف الدّين أحمد بن الحسين [1] بن سليمان الدمشقي الحنفي المعروف بابن الكفري [2] .
أخذ عن أبيه وغيره، وناب في الحكم مدة، واشتغل، وتقدّم، ثم استقلّ بالحكم مدة أولها سنة ثمان وخمسين، ونزل عن القضاء لولده يوسف سنة ثلاث وستين، وأقبل على الإفادة والعبادة، وأقرأ القرآن بالروايات، حتّى مات عن خمس وثمانين سنة وقد كفّ بصره.
وفيها أحمد بن سليمان بن محمد بن سليمان الأربدي الدمشقي [3] .
تفقه على ابن خطيب يبرود وغيره، وكان حنبليا ثم انتقل شافعيا فمهر في الفقه والأصول والأدب. وكان محبّبا إلى الناس، لطيف الأخلاق. أخذ القضاء عن الفخر المصري، وسمع من ابن عبد الدائم، وكانت له أسئلة حسنة في فنون من العلم.
مات ليلة الجمعة تاسع عشر صفر.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد بن محمد بن علي الأصبحي العنّابي [4] النّحوي [5] .
اشتغل في بلاده، ورحل إلى أبي حيّان فلازمه، واشتهر بصحبته، وبرع في زمنه، ثم تحوّل بعده إلى دمشق، فعظم قدره، واشتهر ذكره، وانتفع به الناس، وصنّف كتبا، منها «شرح التسهيل» و «شرح التقريب» .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحسن» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 389) و «إنباء الغمر» (1/ 104- 105) و «الدّرر الكامنة» (1/ 125) و «لحظ الألحاظ» ص (162) و «الطبقات السنية» (1/ 391) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 105) و «الدّرر الكامنة» (1/ 138) .
[4] اختلف في نسبته، فقيل: «العناني» وقيل: «العنابي» وما أثبته من «ذيل العبر» لابن العراقي.
[5] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 392) و «إنباء الغمر» (1/ 107) و «لحظ الألحاظ» ص (162) و «بغية الوعاة» (1/ 382) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 466- 467) و «درة الحجال» (1/ 98) .(8/414)
قال ابن حبيب: إمام، عالم، حاز أفنان الفنون الأدبية، وفاضل ملك زمام العربية.
وقال ابن حجّي: كان حسن الخلق، كريم النّفس، شافعي المذهب، مات بدمشق في تاسع عشري المحرم، وقد جاوز الستين.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الواحد التّلمساني، المعروف بابن أبي حجلة [1] .
نزيل دمشق ثم القاهرة.
قال ابن حجر: ولد بزاوية جدّة بتلمسان سنة خمس وعشرين وسبعمائة، واشتغل، ثم قدم إلى الحجّ فلم يرجع، ومهر في الأدب، ونظم الكثير، ونثر فأجاد، وترسل ففاق، وعمل المقامات وغيرها، وكان حنفيّ المذهب، حنبلي الاعتقاد، كثير الحطّ على الاتحادية.
وصنّف كتابا عارض به قصائد ابن الفارض، كلّها نبوية، وكان يحطّ عليه وعلى نحلته، ويرميه ومن يقول بمقالته بالعظائم، وقد امتحن بسبب ذلك على يد السّراج الهندي.
قرأت بخطّ ابن القطّان وأجازنيه. وكان ابن أبي حجلة يبالغ في الحطّ على ابن الفارض، حتّى إنه أمر عند موته فيما أخبرني به صاحبه أبو زيد المغربي أن يوضع الكتاب الذي عارض به ابن الفارض وحطّ عليه فيه معه في نعشه ويدفن معه في قبره، ففعل به ذلك.
قال: وكان يقول للشافعية: إنه شافعي، وللحنفية: إنه حنفي، وللمحدّثين: إنه على طريقهم.
__________
[1] انظر «ذيل العبر» (2/ 383) و «إنباء الغمر» (1/ 108- 110) و «الدّرر الكامنة» (1/ 329) و «النجوم الزاهرة» (11/ 131) و «لحظ الألحاظ» ص (162) و «حسن المحاضرة» (1/ 571- 572) و «نفح الطيب» (7/ 197- 198) و «الذيل التام على دول الإسلام» الورقة (172) من المنسوخ.(8/415)
قال: وكان بارعا في الشعر مع أنه لا يحسن العروض.
قال: وكان كثير العشرة للظّلمة ومدمني الخمر.
قال: وكان جدّه من الصّالحين، فأخبرني الشّيخ شمس الدّين ابن مرزوق أنه سمّي بأبي حجلة لأن حجلة أتت إليه وباضت على كمّه. وولي مشيخة الصّهريج الذي بناه منجك. وكان كثير النّوادر، والنّكت، ومكارم الأخلاق.
ومن نوادره أنه لقّب ولده جناح الدّين، وجمع مجاميع حسنة، منها «ديوان الصّبابة» [1] و «منطق الطّير» و «السجع الجليل فيما جرى من النّيل» و «السكردان» و «الأدب الغض» و «أطيب الطّيب» و «مواصيل [2] المقاطيع» و «النّعمة الشاملة في العشرة الكاملة» و «حاطب ليل» عمله كالتذكرة في مجلدات كثيرة و «نحر أعداء البحر» و «عنوان السّعادة» و «دليل الموت على الشهادة» و «بصيرات الحجال» [3] .
وهو القائل:
نظمي علا وأصبحت ... ألفاظه منمّقه
فكلّ بيت قلته ... في سطح داري طبقه
مات في مستهل ذي الحجّة وله إحدى وخمسون سنة.
وفيها إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن جماعة الحموي الأصل المقدسي الشافعي [4] أخو القاضي بدر الدّين بن جماعة.
ولد سنة عشر وسبعمائة، وسمع علي بن مزير وغيره، وناب في تدريس الصّلاحية، وخطب في المسجد الأقصى، وأفتى، ودرّس، ومات في ربيع الأول.
__________
[1] طبع في مصر قديما على هامش كتاب «تزيين الأسواق» للأديب داود بن عمر الأنطاكي، ثم طبع منذ سنوات في مصر أيضا بتحقيق جديد فيما بلغني.
[2] في «آ» و «ط» : «ومواصل» والتصحيح من «إنباء الغمر» .
[3] في «إنباء الغمر» : «قصيرات» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 110) و «الدّرر الكامنة» (1/ 363) .(8/416)
وفيها أويس بن الشيخ حسين بن حسن بن آقبغا المغلي ثم التّبريزي [1] ، صاحب بغداد وتبريز، وما معهما.
بويع بالسلطنة سنة ستين، وكان محبّا للخير والعدل، شهما، شجاعا، خيّرا، عادلا، دامت ولايته تسع عشرة سنة، وقد خطب له بمكّة.
عاش سبعا وثلاثين سنة.
قيل: إنه رأى في النّوم أنه يموت في وقت كذا، فخلع نفسه من الملك، وقرّر ولده حسين، وصار يتشاغل بالصّيد، ويكثر العبادة، فاتفق موته في ذلك الوقت بعينه.
فيها بدر الدّين حسن بن علاء الدّين علي بن إسماعيل بن يوسف القونوي [2] الشافعي [3] .
ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وسمع الحجّار وغيره، وناب في الحكم، وولي مشيخة سعيد السعداء، ودرّس بالشريفية، واختصر «الأحكام السلطانية» فجوّده، وكتب شيئا على «التنبيه» .
ومات في شعبان عن خمس وخمسين سنة.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن أحمد بن علي بن عبد الكافي السّبكي [4] .
مات هو، وأخوه عبد العزيز، وابن عمّهم علي ابن تاج الدّين الثلاثة في يوم واحد، خامس عشري ذي القعدة بالطّاعون، وعمّتهم ستيتة قبلهم بقليل.
وفيها عبد الله بن عبد الرحمن القفصي المالكي [5] .
__________
[1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 386- 387) و «إنباء الغمر» (1/ 111- 114) و «الدّرر الكامنة» (1/ 419) و «النجوم الزاهرة» (11/ 133) و «لحظ الألحاظ» ص (163) .
[2] لفظة «القونوي» سقطت من «آ» .
[3] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 379- 380) و «إنباء الغمر» (1/ 116) و «الدّرر الكامنة» (2/ 20) و «لحظ الألحاظ» ص (163) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 118) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 118) .(8/417)
كان مشهورا بالعلم، منصوبا للفتوى، وكان يوقّع عند الحكام.
مات في ثالث رمضان.
وفيها الشّريف جمال الدّين عبد الله بن محمد بن محمد الحسيني النيسابوري [1] .
كان بارعا في الأصول والعربية، وولي تدريس الأسدية بحلب وغيرها، وأقام بدمشق مدة وبالقاهرة مدة، وولي مشيخة بعض الخوانق. وكان يتشيّع، وكان أحد أئمة المعقول، حسن الشّيبة.
وهو القائل:
هذّب النّفس بالعلوم لترقى ... وترى الكلّ وهو للكلّ بيت
إنّما النّفس كالزّجاجة والعق ... ل سراج وحكمة الله زيت
فإذا أشرقت فإنّك حيّ ... وإذا أظلمت فإنّك ميت
توفي في هذه السنة عن سبعين سنة.
وفيها علي بن عبد الوهاب بن علي السّبكي [2] .
ولي خطابة الجامع الأموي بعد أبيه وله عشر سنين، ودرّس في حياة أبيه بالأمينية وعمره سبع سنين، ومات كما تقدم [3] مع ولدي عمّه [4] في يوم واحد.
وفيها علي بن عثمان بن أحمد بن عمر بن أحمد بن هرماس بن مشرف [5]
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 118- 119) و «الدّرر الكامنة» (2/ 286- 287) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 121- 122) و «الدّرر الكامنة» (3/ 80) وقد سقطت معظم الترجمة منه فلتستدرك من «الإنباء» .
[3] انظر ترجمة ابن عمّه «عبد الله بن أحمد بن علي السّبكي» المتقدمة قبل قليل ص (417) .
[4] هما «عبد الله بن أحمد بن علي السّبكي» و «عبد العزيز بن أحمد بن علي السبكي» كما في ترجمة ابن عمّه المتقدمة.
[5] في «آ» و «ط» : «ابن شرف» والتصحيح من «إنباء الغمر» .(8/418)
التّغلبيّ الزّرعي ثم الدمشقي، المعروف بابن شمرنوح [1] .
ولد بعد الثمانين وستمائة، ولم يرزق سماع الحديث بعلو، وكانت له عناية بالعلم، وولي قضاء عدة بلاد بحلب، ثم ولي وكالة بيت المال بدمشق، ثم قضاء حلب مرّتين.
ومن شعره:
أحسن إلى من أسى ما اسطعت واعف إذا ... قدرت واصبر على رزء البليّات
وماء وجهك خير السّلعتين فلا ... تبعه بخسا ولو باليوسفيّات
فكلّ ما كان مقدورا ستبلغه ... وكلّ آت على رغم العدى [2] آت
وكان يلقّب بالقرع. وكتب له بقضاء دمشق بعد السّبكي الكبير فلم يتمّ له، وباشر توقيع الدّست ونظر الجامع. وكان حسن الخطّ جدا، سريع الكتابة بحيث إنه كتب صداقا بمدة واحدة.
وكان مفرط الكرم، حتّى إنه افتقر آخرا جدا وانقطع ببستانه خاملا إلى أن مات في جمادى الآخرة.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن أبي الفتح بن هاشم الكناني العسقلاني الحنبليّ [3] ، قاضي دمشق.
ولد سنة بضع عشرة، وسمع من أحمد بن علي الجزري، وأجاز له ابن الشّحنة، وناب أولا في الحكم بالقاهرة عن موفق الدّين، ثم ولي قضاء دمشق بعد موت ابن قاضي الجبل، وكان فاضلا متواضعا، ديّنا، عفيفا. وكان أعرج.
وهو والد جمال الدّين عبد الله بن علاء الدّين الجندي شيخ ابن حجر.
توفي في نصف شوال وقد نيّف على السبعين.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 122- 123) و «الدّرر الكامنة» (3/ 81- 83) .
[2] كذا في «ط» و «إنباء الغمر» و «الدّرر» : «على رغم العدى» وفي «آ» : «على رغم الفتى» .
[3] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 385) و «إنباء الغمر» (1/ 123) و «الدليل الشافي» (1/ 477) و «السّحب الوابلة» ص (309) .(8/419)
وفيها أمين الدّين محمد بن القاضي برهان الدّين إبراهيم بن علي بن أحمد الدمشقي [1] ، الشهير بابن عبد الحق الحنفي، ويعرف بابن قاضي الحصن [2] .
كان فاضلا، ممدّحا، من الأعيان.
اشتغل ودرس بالعذراوية والخاتونية، وولي الحسبة، ونظر الجامع الأموي [3] .
ومدحه ابن نباتة وغيره.
توفي بدمشق في المحرم بالطّاعون عن بضع وستين سنة.
وفيها جمال الدّين محمد بن أحمد بن عبد الله الخزرجي المكّي [4] .
ولد سنة اثنتين وسبعمائة، وسمع الكثير من جدّه لأبيه صفي الدّين أحمد الطّبري، وأخيه الرّضي، والفخر التّوزري، وجماعة. وكان عارفا بالفرائض والفقه، حدّث بالكثير من مسموعاته، وكان يقال له أحيانا ابن الصّفي نسبة لجدّه لأمّه.
توفي في تاسع عشر رجب.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن جامع الدمشقي بن اللبّان المقري [5] .
__________
[1] لفظة «الدمشقي» سقطت من «ط» .
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 391) و «إنباء الغمر» (1/ 125) و «الدّرر الكامنة» (3/ 289) .
[3] لفظة «الأموي» لم ترد في «ط» .
[4] انظر «ذيل العبر» (2/ 376) و «العقد الثمين» (1/ 296) و «إنباء الغمر» (1/ 125- 126) و «الدّرر الكامنة» (3/ 328) .
[5] انظر «ذيل العبر» (2/ 393) لابن العراقي و «غاية النهاية» (2/ 72- 73) و «إنباء الغمر» (1/ 126- 127) و «الدّرر الكامنة» (3/ 340) .(8/420)
ولد سنة عشر أو ثلاث عشرة، وأخذ القراءات عن سبط ابن السّلعوس [1] ، ثم رحل، فأخذ عن ابن السراج، وعلى المرداوي، وأبي حيّان، وغيرهم.
وتصدّر للإقراء، وأكثر الناس عليه. وكان يحفظ كثيرا من الشّواذ، وربما قرأ بعضها في الصّلاة فأنكر ذلك عليه. وحدّث عن ابن الشّحنة، ووجيهة بنت الصّعيدي الإسكندرانية، وغيرها.
ومات في ربيع الآخر وقد جاوز السبعين.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن عبد الله السيد الشّريف الحسيني الواسطي الشّافعي [2] نزيل الشّامية الجوانية.
ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، واشتغل، وفضل، ودرّس بالصّارمية، وأعاد بالشّامية البرّانية، وكتب الكثير، نسخا، وتصنيفا بخط حسن، فمن تصانيفه [3] «مختصر الحلية» لأبي نعيم في مجلدات سمّاه «مجمع الأحباب» و «تفسير كبير» ، و «شرح مختصر ابن الحاجب» في ثلاث مجلدات، و «كتاب في أصول الدّين» مجلد، و «كتاب في الردّ على الإسنوي في تناقضه» .
قال ابن حجي: كان منجمعا عن الناس وعن الفقهاء خصوصا.
توفي بدمشق في ربيع الأول ودفن عند مسجد القدم.
وفيها جمال الدّين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد بن عمّار بن متوّج بن جرير الحارثي الشافعي، مفتي الشام، المعروف بابن قاضي الزّبداني [4] .
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «السّعلوس» وهو أبو العبّاس أحمد بن محمد بن يحيى بن نحلة النابلسي، المعروف بسبط ابن السلعوس. انظر «غاية النهاية» (1/ 133) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 128) و «الدّرر الكامنة» (3/ 420- 421) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 328) .
[3] في «آ» : «فمن تصنيفه» .
[4] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 389) و «إنباء الغمر» (1/ 128- 129) و «الدّرر الكامنة»(8/421)
ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة، وسمع الحديث من جماعة، وتفقه على الفزاري، والكمال ابن قاضي شهبة، وابن الزّملكاني. وأذن له بالفتوى، ودرّس قديما بالنّجيبية، ثم بالظّاهرية الجوّانية، والعادلية الصّغرى، وأعاد بالشامية الجوانية. ودرّس بها نيابة.
قال ابن حجي: اشتهر بدمشق في شأن الفتوى، وصار المشار إليها فيها، ولم يضبط عليه فتوى أخطأ فيها، وكان معظّما، يخضع له الشيوخ، ويقصد لقضاء حوائج النّاس عند القضاة وغيرهم، وله تواضع وأدب زائد.
توفي بالطّاعون في مستهل المحرم، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها لسان الدّين محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد بن علي السّلماني اللّوشي الأصل الغرناطي الأندلسي [1] .
كان والده بارعا فاضلا، وتقدم ذكره سنة إحدى وأربعين.
قال العلّامة المقري في كتابه «تعريف ابن الخطيب» : هو الوزير الشهير الكبير، الطائر الصّيت في المشرق والمغرب، المزرى [2] عرف الثناء عليه بالعنبر والعبير، المثل المضروب في الكتابة، والشعر، والطبّ، ومعرفة العلوم على اختلاف أنواعها ومصنّفاته تخبر عن ذلك، ولا ينبئك مثل خبير. علم الرؤساء الأعلام الذي خدمته السّيوف والأقلام، وغني بمشهور ذكره عن مسطور التعريف والإعلام، واعترف له بالفضل أصحاب العقول الرّاجحة والأحلام، عرّف هو
__________
(3/ 423- 424) و «الدليل الشافي» (2/ 612) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 311- 312) .
[1] انظر «الإحاطة» (4/ 438- 640) و «إنباء الغمر» (1/ 129- 133) و «الدّرر الكامنة» (3/ 469) و «الدليل الشافي» (2/ 641- 642) و «لسان الدّين بن الخطيب حياته وآثاره» للأستاذ محمد عبد الله عنان رحمه الله، وقد نثر صاحب «نفح الطيب» أخباره في أماكن متفرقة من كتابه.
[2] لفظة «المزرى» سقطت من «ط» .(8/422)
بنفسه آخر كتابه «الإحاطة» فقال: يقول مؤلّف هذا الديوان، تغمد الله خطله في ساعات أضاعها وشهوة من شهوات اللّسان أطاعها، وأوقات للاشتغال بما لا يعنيه استبدل بها اللهو لمّا باعها-: أما بعد حمد الله الذي يغفر الخطيّة، ويحثّ من النّفس اللّجوج المطيّة، فيحرك [1] ركابها البطيّة، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد ميسّر سبل الخير الوطية، والرضى عن آله وصحبه منتهى الفضل [2] ومناخ الطّيّة. فإنني لما فرغت من تأليف هذا الكتاب الذي حمل عليه [3] فضل النشاط، مع الالتزام لمراعات السياسة السلطانية والارتباط، والتفتّ إليه، فراقني منه صوان درر، ومطلع غرر، قد تخلّدت مآثرهم بعد ذهاب أعيانهم، وانتشرت مفاخرهم بعد انطواء زمانهم، نافستهم في اقتحام تلك الأبواب، ولباس تلك الأثواب، وقنعت باجتماع الشّمل بهم، ولو في الكتاب. وحرصت على أن أنال منهم قربا، وأخذت [من] أعقابهم أدبا وحبّا. وكما قيل ساقي القوم آخرهم شربا. فأجريت نفسي مجراهم في التعريف، وحذوت بها حذوهم في بابي النّسب والتصريف، بقصد التشريف. والله لا يعدمني وإيّاهم واقفا يترحّم، وركاب الاستغفار بمنكبه يزحم، عند ما ارتفعت وظائف الأعمال، وانقطعت من التّكسّبات حبال الآمال، ولم يبق إلّا رحمة الله، التي تنتاش النّفوس وتخلّصها، وتعينها بميسم السّعادة وتخصصها. جعلنا الله ممن حسن ذكره ووقف على التماس ما لديه فكره [4] بمنه.
ثم ساق نسبه وأوّليته بما يطول ذكره، إلى أن قال: ومع ذلك فلم أعدم الاستهداف للشّرور، والاستعراض للمحذور، والنّظر الشّزر، المنبعث من خزر العيون، شيمة من ابتلاه الله بسياسة الدّهماء، ورعاية [5] سخطة أرزاق السماء، وقتلة الأنبياء، وعبدة الأهواء، ممّن لا يجعل الله إرادة نافذة، ولا مشيئة
__________
[1] في «آ» و «ط» : «فتحرك» وما أثبته من «الإحاطة» مصدر المؤلّف.
[2] في «الإحاطة» : «منتهى القصد» .
[3] لفظة «عليه» سقطت من «ط» .
[4] في «الإحاطة» : «ومع ذلك فقد عادت هيف إلى أديانها، من الاستهداف للشرور» .
[5] تحرفت في «ط» إلى «ودعاية» .(8/423)
سابقة [1] ، ولا يقبل معذرة، ولا يجمل في الطلب، ولا يتجمّل [2] مع الله بأدب، ربنا لا تسلّط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا. والحال إلى هذا العهد، وهو منتصف عام خمسة وستين وسبعمائة [3] .
ثم قال المقري: وكان رحمه الله مبتلى بداء الأرق لا ينام من الليل إلّا اليسير جدا. وقد قال في كتابه «الوصول لحفظ الصحة في الفصول» : العجب مني مع تأليفي لهذا الكتاب الذي لم يؤلّف مثله في الطبّ، ومع ذلك لا أقدر على داء الأرق الذي بي، ولذا يقال له ذو العمرين، لأن الناس ينامون وهو ساهر.
ومؤلفاته ما كان يصنّف غالبها إلّا بالليل. وقد سمعت بعض الرؤساء بالمغرب يقول: لسان الدّين ذو الوزارتين، وذو العمرين، وذو الميتتين، وذو القبرين.
ثم قال المقري: واعلم أن لسان الدّين لما كانت الأيام له مسالمة لم يقدر أحد أن يواجهه بما يدنّس معاليه، أو يطمس معالمه. فلما قلبت الأيام له ظهر مجنّها وعاملته بمنعها بعد منحها ومنّها، أكثر أعداؤه في شأنه الكلام، ونسبوه إلى الزّندقة والانحلال من ربقة الإسلام بتنقّص النّبيّ عليه أفضل الصلاة والسلام، والقول بالحلول والاتحاد، والانخراط في سلك أهل الإلحاد، وسلوك مذاهب الفلاسفة في الاعتقاد، وغير ذلك مما أثاره الحقد والعداوة والانتقاد، من مقالات نسبوها إليه خارجة عن السّنن السوي، وكلمات كدّروا بها منهل علمه الرّوي، لا يدين بها ويفوه إلا الضلال [4] والغوي، والظنّ أن مقامه- رحمه الله تعالى- من لبسها بريء، وجنابه- سامحه الله- عن لبسها عري. وكان الذي تولى كبر محنته وقتله تلميذه أبو عبد الله بن زمرك [5] ،................
__________
[1] في «الإحاطة» : «سابغة» وهو تحريف.
[2] في «الإحاطة» : «ولا يتلبس» .
[3] في «الإحاطة» : «وهو أول عام أحد وسبعين وسبعمائة» وعلق محققه على ذلك بقوله: هكذا ورد هذا التاريخ في الإسكوريال وورد في «النفح» كالآتي: «وهو منتصف عام واحد وسبعين وسبعمائة» .
[4] تحرفت في «ط» إلى «الضال» .
[5] هو محمد بن يوسف بن محمد الصّريحي، أبو عبد الله، المعروف بابن زمرك. وزير من كبار الشعراء والكتّاب في الأندلس. سعى في أستاذه لسان الدّين ابن الخطيب حتى قتل خنقا. وقد(8/424)
الذي لم يزل مضمر [1] الختلة، مع أنه حلّاه في «الإحاطة» أحسن الحلي، وصدّقه فيما انتحله من أوصاف العلى، ومن أعدائه الذين باينوه بعد أن كانوا يسعون في مرضاته سعي العبيد القاضي أبو الحسن بن الحسن النّباهي [2] ، فكم قبّل يده ثم جاهره [3] عند انتقال الحال، وجدّ في أمره مع ابن زمرك، حتّى قتل وانقضت دولته، فسبحان من لا يتحوّل ملكه ولا يبيد، وذلك أن ابن زمرك قدم على السلطان أبي العبّاس، وأحضر ابن الخطيب من السّجن، وعرض عليه بعض مقالات وكلمات وقعت له في كتاب «المحبّة» فعظم النكير فيها، فوبّخ ونكّل وامتحن بالعذاب، بمشهد من ذلك الملأ. ثم تلا إلى مجلسه واشتوروا في قتله بمقتضى تلك المقالات المسجلة عليه، وإفتاء بعض الفقهاء فيه، فطوقوا عليه السّجن ليلا، وقتلوه خنقا، وأخرجوا شلوه [4] من الغد، فدفن بمقبرة باب المحروق. ثم أصبح من الغد على شفير قبره طريحا، وقد جمعت له أعواد، وأضرمت عليه نار، فاحترق شعره، واسودّ بشره، فأعيد إلى حفرته. وكان في ذلك انتهاء محنته. أي ولذلك سمّي ذا القبرين، وذا الميتتين.
وكان- رحمه الله تعالى- أيام امتحانه بالسّجن يتوقع مصيبة الموت فتهجس هواتفه بالشعر يبكي نفسه، ومما قال في ذلك:
بعدنا وإن جاورتنا البيوت ... وجئنا بوعظ ونحن صموت
__________
جمع السلطان ابن الأحمر شعره وموشحاته في مجلد ضخم سمّاه «البقية والمدرك من كلام ابن زمرك» . مات سنة (793) هـ. انظر «الإحاطة» (3/ 300- 314) و «الأعلام» (7/ 154) والمصادر المذكورة في حاشيته.
[1] تحرفت في «ط» إلى «مغمر» .
[2] هو علي بن عبد الله بن محمد الجذامي المالقي النّباهي أبو الحسن، المعروف بابن الحسن.
قاض من الأدباء المؤرخين. مات سنة (792) هـ. انظر «الإحاطة» (4/ 88- 101) و «الأعلام» (4/ 306) والمصادر المذكورة في حاشيته.
[3] في «آ» و «ط» : «ثم جاهرك» وما أثبته يقتضيه السياق.
[4] جاء في «مختار الصحاح» (شلو) : الشلو: العضو من أعضاء اللّحم.(8/425)
وأنفسنا سكتت دفعة ... كجهر الصّلاة تلاها القنوت
وكنّا عظاما فصرنا عظاما ... وكنّا نقوت فها نحن قوت
وكنّا شموس سماء العلى ... غربن فناحت علينا السّموت
فكم جدّلت ذا الحسام الظّبا ... وذو البخت كم جدّلته البخوت
وكم سيق للقبر في خرقة ... فتى ملئت من كساه التّخوت
فقل للعدا ذهب ابن الخطيب ... وفات ومن ذا الذي لا يفوت
ومن كان يفرح منهم به ... فقل يفرح اليوم من لا يموت
هذا الصحيح كما ذكره ابن خلدون، فلا يلتفت إلى غيره، وقد رؤي بعد الموت فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي ببيتين قلتهما وهما:
يا مصطفى من قبل نشأة آدم ... والكون لم تفتح له أغلاق
أيروم مخلوق ثناءك بعد ما ... أثنى على أخلاقك الخلّاق
وقال ابن حجر: ومن مصنفاته «الإحاطة بتاريخ غرناطة» ، و «روضة التعريف بالحبّ الشريف» ، و «الغيرة على أهل الحيرة» ، و «حمل الجمهور على السّنن المشهور» ، و «التّاج» على طريقة «يتيمة الدّهر» ، و «الإكليل الزّاهر فيما ندر عن التّاج من الجواهر» كالذيل عليه. و «عائد الصّلة» [1] في التاريخ. وغير ذلك انتهى.
وفيها أبو جابر محمد بن عبد الله الهاروني الفقيه المالكي [2] ، مشهور بقلبه.
كان ماهرا في مذهبه، كثير المخالفة في الفتوى، كثير الاستحضار، على هوج فيه. قاله ابن حجر.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وغائلة الصلة» والتصحيح من ترجمته في «الإحاطة» (4/ 460) وزاد: وصلت به «الصلة» للأستاذ أبي جعفر بن الزّبير.
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 397- 398) و «إنباء الغمر» (1/ 135) و «الدّرر الكامنة» (3/ 489) .(8/426)
وفيها محمد بن عبد الله الصّفوي الهندي ثم الدمشقي الشافعي [1] .
وكان روميّ الأصل، أسمعه مولاه صفي الدّين الهندي. وحفظ «التنبيه» في صغره، وألبسه الخرقة، وكان يلبسها عن مولاه، وأجاز له ابن القوّاس، وعائشة بنت المجد، وجماعة. وكان حسن الشّيبة، يعرف شدّ المناكب ويجوّدها، يضرب بصنعته المثل، أثنى عليه البرزالي، وتوفي عن ثمان وسبعين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي الحسن الزّمرّديّ بن الصّايغ الحنفي النحوي [2] .
ولد سنة ثمان وسبعمائة أو بعدها بقليل، وسمع من الحجّار، والدّبوسي، وغيرهما. واشتغل في عدة فنون، ولازم أبا حيّان، ومهر في العربية وغيرها، ودرّس بجامع ابن طولون للحنفية. وولي قضاء العسكر. وكان فاضلا، بارعا، حسن النّثر والنّظم، كثير الاستحضار، قوي البادرة، دمث الأخلاق، وهو القائل:
لا تفخرّن بما أوتيت من نعم ... على سواك وخف من كسر جبّار
فأنت في الأصل بالفخّار مشتبه ... ما أسرع الكسر في الدّنيا لفخّار
ومن تصانيفه: «شرح الألفية» مجلدين. و «شرح المشارق» ست مجلدات، و «التذكرة النّحوية» ، و «المباني في المعاني» ، و «المنهج القويم في القرآن العظيم» ، و «التّمر الجني في الأدب السّني» ، و «الغمز على الكنز» و «الاستدارك على مغني ابن هشام» استفتحه بقوله: الحمد لله الذي لا مغني سواه.
ومن شعره أيضا:
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 136) و «الدّرر الكامنة» (3/ 489) .
[2] انظر «ذيل العبر» (2/ 377- 378) و «الوافي بالوفيات» (3/ 244) و «إنباء الغمر» (1/ 137- 139) و «الدّرر الكامنة» (3/ 499) و «تاج التراجم» ص (221) بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح، نفع الله به، و «الدليل الشافي» (2/ 635) .(8/427)
بروحي أفدي خاله فوق خدّه ... ومن أنا في الدنيا فأفديه بالمال
تبارك من أخلى من الشّعر خدّه ... وأسكن كلّ الحسن في ذلك الخال
وقال هو ما أحسن قول ابن أبي حجلة:
تفرّد الخال عن شعر بوجنته ... فليس في الخدّ غير الخال والخفر
يا حسن ذاك محيّا ليس فيه سوى ... خال من المسك في خال من الشّعر
توفي صاحب الترجمة في شعبان.
وفيها شمس الدّين أبو القاسم محمد بن علي بن عبد الله اليمني [1] .
أقام بمصر ملازما لعزّ الدّين بن جماعة. وكان فاضلا، شافعيا، ووقع بينه وبين الأكمل، فنزح إلى الشام فأكرمه التّاج السّبكي، وأنزله ببعض الخوانق، ثم ترك ذلك زهدا.
قال ابن حجّي: كان فاضلا، مفتيا.
وقال ابن حجر: وقفت له على عدة تصانيف لطاف، تدلّ على اتساعه في العلم.
توفي مطعونا.
وفيها محمد بن أبي محمد الشافعي [2] .
قال ابن حجر: قدم القاهرة من بلاد العجم، وأخذ عن القطب التّحتاني، وبرع في المعقول، وقرر له منكلي بغا معلوما [3] على تدريس بالمارستان
__________
[1] انظر «ذيل العبر» (2/ 393) و «إنباء الغمر» (1/ 140- 141) و «الدّرر الكامنة» (4/ 70) .
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 394) و «إنباء الغمر» (1/ 144) و «الدّرر الكامنة» (4/ 250) .
[3] أي راتبا.(8/428)
المنصوري، ثم قرّره في تدريس الفقه بالمنصورية، ثم ولي تدريس جامع المارداني، وأعاد تدريس الشافعي. وشغل الناس كثيرا، وانتفعوا به.
مات في مستهل ذي الحجة.
وفيها أبو موسى محمد بن محمود بن إسحاق بن أحمد الحلبي ثم المقدسي [1] المحدّث الفاضل.
سمع من ابن الخبّاز، وابن الحموي، وغيرهما. ولازم صلاح الدّين العلائي وغيره، وقدم دمشق، فلازم ابن رافع، وبرع في هذا الشأن [2] ، وجمع «تاريخ بيت المقدس» . وكان حنفيا فتحوّل شافعيا بعناية تاج الدّين البعلبكي.
وله «وفيات» مختصرة إلى قرب هذه السنة. توفي في رمضان.
وفيها جمال الدّين أبو المظفّر يوسف بن محمد بن مسعود بن محمد بن علي بن إبراهيم العبادي ثم العقيلي السّرمري الحنبلي [3] ، الشيخ العالم المفنّن الحافظ.
ولد في رجب سنة ست وتسعين وستمائة، وتفقه ببغداد على الشيخ صفي الدّين عبد المؤمن وغيره، ثم قدم دمشق وتوفي بها.
ومن تصانيفه «نظم مختصر ابن رزين» في الفقه. و «نظم الغريب في علوم الحديث» لأبيه نحو من [4] ألف بيت. و «نشر القلب الميت بفضل أهل البيت» ، و «غيث السّحابة في فضل الصّحابة» ، و «الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة» ، و «عقود اللآلي في الأمالي» ، و «عجائب الاتفاق» ، و «الثمانيات» .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 145) و «الدّرر الكامنة» (4/ 251) .
[2] يعني علوم الحديث النبوي الشريف.
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 150- 151) و «الدّرر الكامنة» (4/ 473- 474) و «السحب الوابلة» ص (495- 496) .
[4] لفظة «من» سقطت من «آ» .(8/429)
قال ابن حجي: رأيت بخطّه ما صورته: مؤلفاتي تزيد على مائة مصنّف كبار وصغار في بضعة وعشرين علما، ذكرتها على حرف المعجم في «الروضة المورقة في الترجمة المونقة» وقد أخذ عنه ابن رافع مع تقدمه عليه، وحدّث عنه.
وذكره الذهبي في «المعجم المختص» [1] وأثنى عليه.
توفي في جمادى الأولى.
__________
[1] لم ترد ترجمته في «المعجم المختص» المطبوع الموجود بين يدي.(8/430)
سنة سبع وسبعين وسبعمائة
فيها كان الغلاء بحلب، حتّى بيع المكّوك [1] بثلاثمائة، ثم زاد إلى أن بلغ الألف، حتّى أكلوا الميتة والقطاط [2] والكلاب، وباع كثير من المقلّين أولادهم، وافتقر خلق كثير، ويقال: إن بعضهم أكل بعضا حتّى أكل بعضهم ولده، ثم أعقب ذلك الوباء حتى فني خلق كثير حتى كان يدفن العشرة والعشرون في القبر الواحد بغير غسل ولا صلاة، ويقال: إنه دام بتلك البلاد الشامية ثلاث سنين، لكن أشدّه كان في الأولى.
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن علم الدّين محمد بن أبي بكر الأخنائي [3] ، وكان شافعي المذهب، وحفظ «التنبيه» ثم تحوّل مالكيا كعمّه.
سمع على الحجّار وغيره، وولي الحسبة ونظر الخزانة، وناب في الحكم. ثم ولي القضاء استقلالا إلى أن مات، وكان مهيبا، صارما، قوّالا بالحقّ، قائما بنصر الشرع، رادعا للمفسدين، وقد صنّف مختصرا في الأحكام.
مات في رجب.
وفيها أحمد بن عبد الكريم بن أبي بكر بن أبي الحسن البعلبكي الحنبلي الصّوفي [4] المسند.
__________
[1] جاء في «المعجم الوسيط» (2/ 917) ما نصه: المكوك: مكيال قديم يختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد، قيل: يسع صاعا ونصفا.
[2] القطاط: جمع قط وهو السّنّور الذكر كما في «مختار الصحاح» (قطط) ولكن لعله أراد أن يقول: «والقطط جمع قطة» والله أعلم.
[3] انظر «ذيل العبر» (2/ 413- 414) و «إنباء الغمر» (1/ 159) و «الدّرر الكامنة (1/ 58) .
[4] انظر «ذيل العبر» (2/ 405) و «إنباء الغمر» (1/ 160- 161) و «الدّرر الكامنة (1/ 176) .(8/431)
سمع «صحيح مسلم» من زينب بنت كندي. وسمع من اليونيني وغيره، وأجاز له أبو الفضل بن عساكر، وابن القوّاس. وحدّث بالكثير، وارتحلوا إليه، واستدعاه التّاج السّبكي سنة إحدى وسبعين إلى دمشق، فقرأ عليه «الصحيح» .
قال ابن حجي: كان خيّرا، حسنا، أخرجت له جزءا [1] .
توفي مناهزا للتسعين.
وفيها القاضي جمال الدّين أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن إلياس ابن الخضر الدمشقي، المعروف بابن الرّهاوي الشافعي [2] .
أدرك الشيخ برهان الدّين، وحضر عنده، وتفقه على جماعة من علماء العصر، وقرأ بالروايات، واشتغل بالعربية، وقرأ الأصول والمنطق على الشّمس الأصفهاني، ودرّس وأفتى، وتعانى الحساب، ودرّس بالمسروريّة والكلّاسة.
وولي وكالة بيت المال، وقام على القاضي تاج الدّين وآذاه من حوله، فمقته أكثر الناس لذلك، وناب في الحكم عن البلقيني. ودرّس بالشامية البرّانية، ثم أخذت منه بعد شهر، ودرّس بالنّاصرية الجوّانية ثم أخذت منه، وأوذي وصودر بعد موت القاضي تاج الدّين، وحصل له خمول، إلى أن توفي في ربيع الأول، عن سبع وسبعين سنة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن يوسف بن فرج الله بن عبد الرحيم الشّارمساحي- نسبة إلى شارمساح بلد قرب دمياط [3]- الشّافعي [4] .
تفقه على الشيخ جمال الدّين الإسنوي وغيره، وبرع في الفقه والأصول، وولي قضاء المحلّة، ومنفلوط، ودمياط، وغيرها. وكان موصوفا بالفضل والعقل.
__________
[1] كذا في «ط» و «إنباء الغمر» : «جزءا» ، وفي «آ» : «أجزاء» .
[2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 108- 109) و «إنباء الغمر» (1/ 161- 162) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 285) .
[3] انظر «معجم البلدان» (3/ 308) .
[4] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 424) و «إنباء الغمر» (1/ 163) .(8/432)
وفيها شرف الدّين الحسين بن عمر بن الحسن بن عمر بن حبيب الحلبي [1] .
رحل، وجمع، وأفاد، وذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال:
شاب، متيقّظ. سمع، وخرّج، وكتب عني «الكاشف» : اعتنى به أبوه بحلب، وسمع بنفسه من بنت صصرى وغيرها، وكان مولده في جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة، وأخذ عن والده، وعبد الرحمن، وإبراهيم ابني صالح، وغيرهم [2] . انتهى.
وشرح «الفهرست» و «المشيخة» وأخذ عنه ابن أبي العشائر ووصفه بالفضل، وكان يوقّع على الحكم.
توفي بحلب في ذي الحجّة.
وفيها أبو يعلى حمزة بن علي بن محمد بن أبي بكر بن عمر بن عبد الله السّبكي المالكي [3] .
سمع من الدّبوسي، والواني، وهذه الطبقة. وكتب، وطلب، ودرّس، وناب في الحكم، ووقّع في الدّست، وفي الأحباس، وله إلمام بالحديث.
مات راجعا من الحج، ودفن برابغ عن نحو ثمانين سنة.
وفيها ذو النّون بن أحمد بن يوسف السّرماري- بضم السين المهملة، وسكون الراء، نسبة إلى سرمارى قرية ببخارى [4]- الحنفي، يعرف بالفقيه [5] .
أخذ عن مشايخ أذربيجان، وديار بكر، وغيرهم. ونزل عنتاب في حدود
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (88) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 424) و «إنباء الغمر (1/ 165- 166) و «الدّرر الكامنة» (2/ 79) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 117) و «البدر الطالع» (1/ 205) .
[2] في «ط» : «وغيرهما» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 166) و «الدّرر الكامنة» (2/ 76) .
[4] انظر «معجم البلدان» (3/ 215) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 167) .(8/433)
الستين، فأقام بها يشغل الطلبة، وشرح «مقدمة أبي اللّيث» و «قصيد البستي» . وتصدّر بجامع النجّار بجوار ميدان عنتاب.
وكان قائما بالأمر بالمعروف، شديدا في ذلك، إلى أن مات في رمضان.
قاله العيني في «تاريخه» .
وفيها بهاء الدّين عبد الله بن رضي الدّين محمد بن أبي بكر بن خليل، من ذريّة عثمان بن عفّان، العسقلاني ثم المكّي الشافعي [1] نزيل الجامع الحاكمي بالقاهرة.
ولد آخر سنة أربع وتسعين وستمائة، وطلب العلم صغيرا بمكّة، فسمع من الصّفي والرّضي الطّبريين، والتّوزري، وغيرهم. وارتحل إلى دمشق، فأخذ عن مشايخها، وتفقه بالعلاء القونوي، والتّبريزي، والأصبهاني، وأخذ عن أبي حيّان وغيرهم، وأخذ عن ابن الفركاح، ورجع إلى مصر فاستوطنها، وحفظ «المحرّر» ومهر في الفقه، والعربية، واللغة، والحديث. وقد بالغ الذهبي في الثناء عليه في «بيان زغل العلم» وغيره. وقال في «معجمه الكبير» : المحدّث القدوة، هو ثوب عجيب في الورع والدّين، والانقباض، وحسن السّمت.
وقال في «المعجم المختص» : هو الإمام القدوة، أتقن الحديث، وعني به، ورحل فيه.
وقال الشيخ شهاب الدّين بن النّقيب بمكّة: رجلان صالحان، أحدهما يؤثر الخمول وهو ابن خليل، والآخر يؤثر الظهور وهو اليافعي. وكان ابن خليل ربما عرضت له جذبة فيقول فيها أشياء، وتصدى للإسماع في أواخر زمانه، ومع ذلك فلم يحدّث بجميع مسموعاته لكثرتها.
توفي بالقاهرة في جمادى الأولى ودفن بتربة تاج الدّين بن عطاء بالقرافة، وشهد جنازته ما لا يحصى كثرة.
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (126- 127) و «ذيل العبر» (2/ 408) و «إنباء الغمر» (1/ 168- 171) و «الدّرر الكامنة» (2/ 191) و «العقد الثمين» (5/ 262- 267) .(8/434)
وفيها علاء الدّين علي بن إبراهيم بن محمد بن الهمام بن محمد بن إبراهيم بن حسّان الأنصاري الدمشقي، ابن الشّاطر، ويعرف أيضا بالمطعّم الفلكي [1] .
كان أوحد زمانه في ذلك، مات أبوه وله ست سنين فكفله جدّه وأسلمه لزوج خالته وابن عمّ أبيه علي بن إبراهيم بن الشّاطر فعلمه تطعيم العاج، وتعلّم علم الهيئة والحساب والهندسة، ورحل بسبب ذلك إلى مصر والإسكندرية، وكانت لا تنكر فضائله ولا يتصدى للتعليم ولا يفخر بعلومه، وله ثروة ومباشرات ودار من أحسن الدور وضعا وأغربها، وله الزّيج المشهور والأوضاع الغريبة المشهورة التي منها البسيط الموضوع في منارة العروس بجامع دمشق. يقال: إن دمشق زيّنت عند وضعه.
وفيها علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن حجر العسقلاني ثم المصري الكناني الشافعي [2] .
قال ولده الحافظ ابن حجر في «إنباء الغمر بأنباء العمر» : ولد في حدود العشرين وسبعمائة، وسمع من أبي الفتح بن سيّد الناس، واشتغل بالفقه والعربية، ومهر في الآداب، وقال الشعر فأجاد، ووقّع في الحكم، وناب قليلا عن ابن عقيل، ثم ترك لجفاء ناله من ابن جماعة، وأقبل على شأنه، وأكثر الحجّ والمجاورة، وله عدة دواوين منها: «ديوان الحرم» مدائح نبوية ومكّية في مجلدة، وكان موصوفا بالفضل، والمعرفة، والدّيانة، والأمانة، ومكارم الأخلاق. ومن محفوظاته «الحاوي» وله استدراك على «الأذكار» للنووي فيه مباحث حسنة، وهو القائل:
يا ربّ أعضاء السّجود عتقتها ... من عبدك الجاني وأنت الواقي
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 172- 173) و «الدّرر الكامنة» (3/ 9) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 388- 389) و «الأعلام» (4/ 251) .
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 422- 423) و «إنباء الغمر» (1/ 174- 175) و «الدّرر الكامنة» (3/ 117) .(8/435)
والعتق يسري بالغنى يا ذا الغنى ... فأنعم على الفاني بعتق الباقي
تركني لم أكمل أربع سنين، وأنا الآن أعقله كالذي يخيل الشيء ولا يتحققه.
وتوفي يوم الأربعاء خامس عشري رجب، وأحفظ منه أنه قال: كنية ولدي أحمد أبو الفضل. انتهى ملخصا.
وفيها كمال الدّين عمر بن إبراهيم بن عبد الله الحلبي بن العجمي الشافعي [1] .
ولد سنة أربع وسبعمائة، وسمع من الحجّار، والمزّي، وغيرهما، وعني بهذا الشأن، وكتب الأجزاء والطّباق، ورحل إلى مصر، والإسكندرية، ودمشق، وسمع من أعيان محدّثيها، وأفتى. وانتهت [2] إليه رئاستها [3] بحلب [مع الشهاب الأذرعي.
وذكره الذهبي في «معجمه المختص» ، وأثنى عليه ابن حبيب، وصنّف في الفقه وغيره.
وتوفي بحلب] [4] في ربيع الأول، ودفن بتربة جدّه خارج باب المقام.
وفيها كلثم [5] بنت محمد بن محمود بن معبد البعلية [6] .
روت عن الحجّار. وعنها ابن بردس وغيره، وتوفيت في صفر.
وفيها محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عرية الرّبعي الاسكندراني [7] .
__________
[1] انظر «المعجم المختص» ص (179) و «ذيل العبر» لابن اعراقي (2/ 405) و «إنباء الغمر» (1/ 175- 176) و «الدّرر الكامنة» (3/ 147) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 145- 147) .
[2] في «آ» و «ط» : «فانتهت» وما أثبته من «إنباء الغمر» وهو ما يقتضيه السياق.
[3] أي رئاسة الفتوى.
[4] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[5] في «آ» و «ط» : «كليم» و «أعلام النساء» لكحالة (4/ 261) والتصحيح من مصدري الترجمة.
[6] انظر «إنباء الغمر» (1/ 177) و «الدّرر الكامنة» (3/ 268) .
[7] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 420) و «إنباء الغمر» (1/ 177- 178) و «الدّرر الكامنة» (3/ 373) .(8/436)
سمع من ابن مخلوف وخلائق لا تحصى، وعني بهذا الفنّ [1] ، وكتب العالي والنّازل، وخرّج له بعض مشايخه، وخرّج له الكمال الأدفوي «مشيخة» حدّث بها، ومات قبله.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن سليمان بن خطيب يبرود الشافعي [2] .
ولد في سنة سبعمائة أو في التي بعدها، واشتغل بالعلم، وعني بالفقه والأصول والعربية، وأخذ عن ابن الفركاح، وابن الزّملكاني، وغيرهما. وأفتى، وولي تدريس أماكن كالشّامية الكبرى بدمشق، ومدرسة الشّافعية بالقرافة.
قال ابن حجي: كان من أحسن الناس إلقاء للدرس، ينقّب، ويحرّر، ويحقّق. وكان الغالب عليه الأصول.
وقال العثماني: كان يضرب بتواضعه المثل، وكان من أئمة المسلمين في كل فنّ، مجمع على جلالته، مسددا في فتاويه، وولي قضاء المدينة، وحدّث عن الحجّار وغيره.
توفي بدمشق في شوال ودفن بباب الصغير عند الشيخ حمّاد.
وفيها بهاء الدّين أبو البقاء محمد بن عبد البرّ بن يحيى بن علي بن تمّام السّبكي الشافعي [3] .
ولد- كما قال ابن رافع- سنة سبع وسبعمائة، وتفقه على القطب السّنباطي، والمجد الزّنكلوني، وغيرهما. ولازم أبا حيّان، والجلال القزويني،
__________
[1] أي فنّ الحديث النبوي.
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 420) و «إنباء الغمر» (1/ 179- 180) و «الدّرر الكامنة» (3/ 322) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 240) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 153- 155) .
[3] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 406- 408) و «إنباء الغمر» (1/ 183- 185) و «الدّرر الكامنة» (3/ 490) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 171- 174) و «حسن المحاضرة» (1/ 437) .(8/437)
وابن عمّ أبيه تقي الدّين السّبكي، وغيرهم. وسمع من وزيرة، والحجّار، والواني، وغيرهم. وحدّث عنهم، وانتقل إلى دمشق سنة تسع وثلاثين عام ولي قريبه تقي الدّين القضاء، وناب عنه في الحكم بدمشق، ثم ولي استقلالا بعد صرف تاج الدّين السبكي مدة شهر واحد، ثم ولي قضاء طرابلس، ثم رجع إلى القاهرة، فولي قضاء العسكر ووكالة بيت المال، ثم ولي قضاءها في سنة ست وستين بعد العزّ بن جماعة، ثم ولي قضاء دمشق ومات بها. وكان الإسنويّ يقدّمه ويفضله على أهل عصره. وكان العماد الحسباني يشهد أنه يحفظ «الروضة» .
وكان هو يقول: أعرف عشرين علما، لم يسألني عنها بالقاهرة أحد. ومع سعة علمه لم يصنّف شيئا. وكان يقول: أقرأت «الكشّاف» بعدد شعر رأسي.
وتقدم على شيوخ الشام، وله بضع وثلاثون سنة.
وذكره الذهبي في «المعجم المختص» [1] وأثنى عليه.
وقال ابن حبيب: شيخ الإسلام، وبهاؤه، ومصباح أفق الحكم وضياؤه، وشمس الشريعة وبدرها، وحبر العلوم وبحرها.
كان إماما في المذهب، طرازا لردائه المذهّب، رأسا لذوي الرئاسة والرتب، حجة في التفسير، واللغة، والنحو، والأدب، قدوة في الأصول والفروع، رحلة لأرباب السّجود والركوع، مشهور في البلاد والأمصار، سالك طريق من سلف من سالفة الأنصار.
درّس وأفاد، وهدى بفتاويه إلى سبيل الرّشاد.
توفي بدمشق في جمادى الأولى، ودفن بسفح قاسيون بتربة السّبكيين.
وفيها شمس الدّين محمد بن سالم بن عبد الرحمن بن عبد الجليل، الشيخ الإمام، العالم العامل، المفتي الحنبلي الدمشقي ثم المصري [2] .
كان مقيما بالشام، فحصل له رمد، ونزل بعينيه ماء، فتوجه إلى مصر
__________
[1] لم يرد ذكر له في «المعجم المختص» المطبوع الموجود بين يدي.
[2] انظر «الجوهر المنضد» ص (122- 123) و «المقصد الأرشد» (2/ 417) و «السحب الوابلة» ص (242) .(8/438)
للتداوي، ونزل في مدارس الحنابلة، وحصل له تدريس مدرسة السلطان حسن.
وتوفي يوم السبت سادس عشري شعبان بالقاهرة.
وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن أسباسلار البعلي الحنبلي [1] .
الشيخ الإمام، العلّامة البارع، النّاقد المحقّق، أحد مشايخ المذهب. له مختصر في الفقه سمّاه «التسهيل» عبارته وجيزة ومفيدة، وفيه من الفوائد ما لم يوجد في غيره من المطولات، أثنى عليه العلماء.
وفيها جمال الدّين محمد بن عمر بن الحسن بن حبيب [2] .
ولد سنة اثنتين وسبعمائة، وأحضر على سنقر الزّيني، وسمع من بيبرس العديمي وجماعة، وخرّج له أخوه الحسين «مشيخة» وحدّث بالكثير ببلده، وبمكّة. وكان خيّرا.
توفي في جمادى بالقاهرة، فإنه كان رحل بولده ليسمعه، فأسمعه بدمشق من ابن أميلة وغيره، ثم توجّه إلى مصر، فأدركه أجله بها. وكان عنده من سنقر عدة كتب، منها «السّنن» لابن الصبّاح. سمعه منه محدّث حلب الحافظ برهان الدّين سبط ابن العجمي.
وفيها صلاح الدّين محمد بن محمد بن عبد الله بن علي بن صورة الشافعي [3] .
تفقه بالتّاج التّبريزي، والشّمس الأصبهاني، وبهاء الدّين بن عقيل، وناب عنه في الحكم بجامع الصّالح، وسمع الحديث من عبد الله بن هلال، والمزّي، وغيرهما. وكان من أعيان الشافعية.
__________
[1] انظر «الجوهر المنضد» ص (144- 145) و «السحب الوابلة» ص (420) .
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 412- 413) و «إنباء الغمر» (1/ 187) و «الدّرر الكامنة» (4/ 104) .
[3] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 423- 424) و «إنباء الغمر» (1/ 188) .(8/439)
سنة ثمان وسبعين وسبعمائة
فيها- كما قال ابن حجر [1]- ظهر بدمشق نجم كبير له ذؤابة طويلة من ناحية المغرب وقت العشاء وفي آخر الليل يظهر مثله في شرقي قاسيون.
وفيها توفي [2] [عفيف الدّين بن] [2] فخر الدّين إبراهيم بن إسحاق بن يحيى بن إسحاق الآمدي ثم الدمشقي [3] .
ولد سنة خمس وتسعين وستمائة، وسمع من ابن مشرف، وابن الموازيني وخلق، وأجيز من بغداد ودمشق والإسكندرية، وخرّج له صدر الدّين بن إمام المشهد «مشيخة» . وقد ولي نظر الإمام والأوقاف، ثم نظر الجيش والجامع بدمشق، وغير ذلك من المناصب الجليلة، وكان مشكور السيرة معظّما عند الناس، وحدث له في آخره صمم.
وحدّث بمصر ودمشق، وتوفي في ربيع الأول.
وفيها أحمد بن سالم بن ياقوت المكّي المؤذّن شهاب الدّين [4] .
ولد سنة ست أو سبع وتسعين وستمائة، وسمع من الفخر التّوزري، وتفرّد
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 195) .
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «الدّرر الكامنة» و «الطبقات السنية» وحاشية «إنباء الغمر» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 200- 201) و «الدّرر الكامنة» (1/ 17) و «الطبقات السنية» (1/ 183- 184) .
[4] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 431) و «إنباء الغمر» (1/ 201) و «الدّرر الكامنة» (1/ 134) و «العقد الثمين» (3/ 43) .(8/440)
بالسماع منه، وسمع من الصّفي، والرّضي الطّبريين، وغيرهما. وكان إليه أمر زمزم وسقاية العبّاس.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن محمد بن قاسم العرياني [1] المحدّث.
ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة بدمشق، [وسمع] من علي [أحمد بن] علي الجزري، والذهبي وغيرهما. وبمصر من الميدومي. وبالقدس من علي بن أيوب وغيره، وحصّل الكتب والأجزاء، ودار على الشيوخ، ورافق الشيخ زين الدّين العراقي كثيرا. وأسمع أولاده، وصنّف «لغات مسلم» ، و «شرح الإلمام» ، ودرّس في الحديث بمدارس، وناب في الحكم. وكان محمود الخصال.
توفي في جمادى الآخرة.
وفيها أبو البركات أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد- سبعة في نسق سابعهم- ابن أبي بكر بن جماعة الزّهري بن النّظام القوصي ثم المصري [2] .
ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وسمع من الواني، والدّبوسي، والحجّار، وغيرهم. وحدّث.
وفيها عماد الدّين إسماعيل بن خليفة بن عبد العالي النّابلسي الأصل الحسباني الشافعي [3] . الامام العلّامة أبو الفداء.
أخذ بالقدس عن تقي الدّين القلقشندي، ولازمه حتّى فضل. وقدم
__________
[1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 435) و «إنباء الغمر» (1/ 202) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «الدّرر الكامنة» (1/ 219) .
[2] انظر «ذيل العبر» (2/ 440) و «إنباء الغمر» (1/ 202- 203) و «الدّرر الكامنة» (1/ 300) .
[3] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 450) و «إنباء الغمر» (1/ 203- 205) و «الدّرر الكامنة» (1/ 366) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 162- 163 و 200- 201) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 111- 113) .(8/441)
دمشق، فقرّر فقيها بالشامية البرّانيّة، ولم يزل في نمو وازدياد، واشتهر بالفضيلة، وزلام الفخر المصري، حتّى أذن له بالإفتاء، وأفتى ودرّس وأفاد، وقصد بالفتاوى من البلاد، وناب في الحكم.
قال الحافظ ابن حجي: أحد أئمة المذهب، والمشار إليهم بجودة النّظر، وصحة الفهم، وفقه النّفس، والذكاء، وحسن المناظرة والبحث والعبارة.
وكانت له مشاركة في غير الفقه، ونفسه قوية في العلم.
وقال غيره: شرح «المنهاج» في عشرة أجزاء، ولم يشتهر لأن ولده لم يمكّن أحدا من كتابته فاحترق غالبه في الفتنة. وكان الأذرعي ينقل منه كثيرا، وكتب منه نسخة لنفسه.
توفي بدمشق في ذي القعدة ودفن بباب الصغير قبلي جرّاح.
وفيها تقي الدّين أبو الفداء إسماعيل بن علي بن الحسن بن سعيد بن صالح، شيخ الفقهاء الشافعية، القلقشندي المصري [1] ، نزيل القدس وفقيهه.
ولد سنة اثنتين وسبعمائة بمصر، وقرأ بها وحصّل، ثم قدم دمشق بعد الثلاثين، فقرأ على الفخر المصري فأجازه بالإفتاء، وسمع الحديث الكثير، وحدّث، وأقام بالقدس مثابرا على نشر العلم والتصدي لإقراء الفقه، وشغل الطلبة، وزوّجه مدرّس الصّلاحية يومئذ الشيخ صلاح الدّين العلائي ابنته، وصار معيدا عنده بها، وجاءه منها أولاد أذكياء علماء، واشتهر أمره، وبعد صيته بتلك البلاد، ورحل إليه، وكثرت تلامذته.
قال ابن حجي: وممن تخرّج به الإمام عماد الدّين الحسباني، وانتفع به أيضا حموه. وكان حافظا للمذهب، يستحضر «الروضة» ، ديّنا، مثابرا على الخيرات.
توفي في جمادى الآخرة بالقدس.
__________
[1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 434) و «إنباء الغمر» (1/ 205) و «الدّرر الكامنة» (1/ 370) و «الدليل الشافي» (1/ 126) .(8/442)
وقال ابن حجر: حدّث ب «الصحيح» لمسلم عن الشريف موسى وب «الصحيح» [1] عن الحجّار.
وفيها عبّاس بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول اليماني [2] الملك الأفضل، صاحب زبيد وتعز.
ولي سنة أربع وستين، وقام في إزالة المتغلبين من بني منكال إلى أن استبدّ بالمملكة، وكان يحب الفضل والفضلاء، وألّف كتابا سمّاه «نزهة العيون» وغير ذلك. وله مدرسة بتعز وأخرى بمكة.
مات في ربيع الأول.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن كمال الدّين محمد بن إسماعيل بن أحمد ابن سعيد الحلبي ثم المصري ابن الأثير [3] .
ولد سنة ثمان وسبعمائة، وسمع من الحجّار ووزيرة، وحدّث ب «الصحيح» . وكان ماهرا في العربية، وقد ولي كتابة السّرّ بدمشق، ثم انقطع للعبادة بالقاهرة، ومات بها في جمادى الآخرة.
وفيها تقي الدّين عبد الله بن محمد بن الصّايغ [4] .
ولد سنة ثلاث وسبعمائة، وسمع من إسحاق الآمدي، والحجّار، وغيرهما. وأجاز له ابن مكتوم، وعلي بن هارون وغيرهما. وكان أحد الرؤساء بدمشق، منوّر الشّيبة، حسن الصّور.
مات في رجب.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 447) و «إنباء الغمر» (1/ 210) و «الدليل الشافي» (1/ 380) .
[3] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 211) و «إنباء الغمر» (1/ 211) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 211) .(8/443)
وفيها فخر الدّين عثمان بن أحمد بن عثمان الزّرعي، ابن شمر نوح، الشافعي [1] قاضي حلب.
قال ابن حبيب: حكم بطرابلس وحلب عشرين سنة، وكان موصوفا بالرئاسة، والفضل، والإحسان، والتواضع، والبرّ، ومعرفة الأحوال.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن أسعد ابن المنحّى الشيخ الكبير الصالح الحنبلي [2] .
سمع «صحيح البخاري» من وزيرة، وسمع من عيسى المطعّم وغيره، وحدّث، فسمع منه الشيخ شهاب الدّين بن حجي، وقال: هو من بيت كبير، ورجل جيد، وهو أخو الشيخة فاطمة بنت المنجّى شيخة ابن حجر العسقلاني التي أكثر عنها. عاشت بعده بضعا وعشرين سنة، حتّى كانت خاتمة المسندين بدمشق.
توفي في ربيع الآخر عن ثمان وستين سنة.
وفيها عمر بن حسن بن يزيد بن أميلة بن جمعة بن عبد الله المراغي ثم المزّي [3] .
ولد سنة ثمانين وستمائة، وقال البرزاليّ: سنة اثنتين وثمانين، وهو المعتمد، وأسمع على الفخر بن البخاري «جامع الترمذي» ، و «سنن أبي داود» ، و «مشيخته» تخريج ابن الظّاهري، و «ذيلها» للمزّي، و «الشمائل» ، وتفرّد بالسنن و «الجامع» ، و «الذيل» ورحل الناس إليه. وكان صبورا على السماع، وأمّ بجامع المزّة مدة، وحدّث نحوا من خمسين سنة،
__________
[1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 457) و «إنباء الغمر» (1/ 212- 213) و «الدّرر الكامنة» (2/ 436) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 164) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 215) و «المقصد الأرشد» (2/ 262) و «السحب الوابلة» ص (191) .
[3] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 432) و «إنباء الغمر» (1/ 216- 218) و «الدّرر الكامنة» (3/ 159) .(8/444)
وسمع من جماعات، وخرّج له الناس في مشيخة لطيفة، وقرأ القراءات على ابن بصخان [1] . وله شعر وسط منه:
ولي عصا من جريد النّخل أحملها ... بها أقدّم في نقل الخطا قدمي
ولي مآرب أخرى أن أهشّ بها ... على ثمانين عاما لا على غنمي
توفي في ربيع الآخر عن مائة سنة.
وفيها عمر السّلفي الشافعي [2] من فقهاء المقادسة.
مات في رجب. كذا ذكره ابن حجر.
وفيها بدر الدّين محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن محمد بن محمد بن المظفّر السّبكي المصري ابن السّكّري [3] المسند. سمع من وزيرة مسند الشافعي، وحدّث به، وله إجازة من جماعة من المصريين، وقد ذكره البرزاليّ من مسندي مصر.
وفيها بدر الدّين محمد بن علي بن منصور الحلبي ثم الدمشقي ابن قوالح [4] .
ولد سنة خمس وتسعين وستمائة، وأحضر على أبي الفضل بن عساكر، فسمع منه «صحيح مسلم» . وسمع «صحيح البخاري» من اليونيني، ومن ابن القوّاس «عمل اليوم والليلة» لابن السّنّي بفوت. ودرّس في العربية أكثر من ستين سنة، حتّى إن النّجم القحفازي كان منزلا عنده، ومات قبله بمدة طويلة، وتفرّد. قاله ابن حجي.
__________
[1] هو محمد بن أحمد بن بصخان بن عين الدولة، الإمام، شيخ القرّاء، بدر الدّين، أبو عبد الله ابن السّراج الدمشقي المقرئ النحوي. مات سنة (743) هـ. انظر «الوافي بالوفيات» (2/ 159- 160) و «غاية النهاية» (2/ 57) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 218) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 219) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 222- 223) و «الدّرر الكامنة» (4/ 80) .(8/445)
وفيها نصير الدّين أبو المعالي محمد [بن محمد] [1] بن إبراهيم بن أبي بكر [2] ، هو ابن المؤرّخ شمس الدّين الجزري.
ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وأسمع من المطعم، والشّيرازي، وغيرهما. ثم طلب بنفسه بعد الثلاثين، فقرأ الكتب، وسمع، وكتب الأجزاء، واشتغل بالفقه، وربما كتب على الفتوى، وكان السّبكي فمن دونه يرجعون إلى قوله، وولي مباشرة الأيتام. وكان مشكور السيرة، ذا همّة عالية.
توفي في جمادى الآخرة.
وفيها محبّ الدّين محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الحلبي [3] ، ناظر الجيش الشافعي.
ولد سنة سبع وتسعين وستمائة، واشتغل ببلاده، ثم قدم القاهرة، ولازم أبا حيّان، والتّاج التّبريزي، وغيرهما. وحفظ «المنهاج» و «الألفية» وبعض «التسهيل» وتلا بالسبع على الصّايغ، ومهر في العربية وغيرها، ودرّس فيها وفي «الحاوي» . وسمع من الشريف موسى، وست الوزراء، وغيرهما. وحدّث وأفاد، وخرّج له الياسوفي «مشيخة» . وشرح «التسهيل» إلّا قليلا. وشرح «تلخيص المفتاح» شرحا مفيدا. وكانت له في الحساب يد طولى، وولي نظر الجيش، ونظر البيوت، والديوان، وكان عالي الهمّة، نافذ الكلمة، كثير البذل والجود والرفد للطلبة والرفق بهم، وكان من العجائب.
قال ابن حجر: إنه مع فرط كرمه في غاية البخل على الطّعام.
وكان كثير الظّرف والنّوادر، وبلغت مرتباته في الشهر ثلاثة آلاف، وكان من محاسن الدنيا، مع الدّين والصّيانة.
توفي في ثاني عشر ذي الحجّة.
__________
[1] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 224- 225) و «الدّرر الكامنة» (4/ 157) .
[3] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 452) و «إنباء الغمر» (1/ 225- 227) و «الدّرر الكامنة» (4/ 290) .(8/446)
وفيها قاضي القضاة شرف الدّين أبو البركات موسى بن فيّاض بن عبد العزيز بن فيّاض الحنبلي الفندقي النّابلسي [1] ، الشيخ الإمام الحبر.
سمع من جماعة، منهم: أبو بكر بن عبد الدائم، وعيسى المطعم، وحدّث، وباشر حاكما رابعا. ولي قضاء حلب سنة ثمان وأربعين، وهو أول من ولي قضاء قضاة الحنابلة بها، وكان طارحا للتكلّف، جزيل الدّيانة والتعفف، مقبلا على العبادة، وأجاز لجماعة منهم الشيخ شهاب الدّين بن حجّي.
توفي في ذي القعدة بحلب.
وفيها جمال الدّين يوسف بن أحمد بن سليمان، المعروف بابن الطّحّان الحنبلي [2] ، الشيخ الإمام الأوحد ذو الفنون.
قال شيخ الإسلام ابن مفلح: كان بارعا في الأصول، أخذه عن الشيخ شهاب الدّين الإخميمي، وأخذ العربية عن العنائي، وتفقه في المذهب على ابن مفلح، صاحب «الفروع» وغيره. وكان بارعا في المعاني والبيان، صحيح الذهن، حسن الفهم، جيد العبارة، إماما، نظّارا، مفتيا، مدرّسا، حسن السيرة، عنده أدب وتواضع، وله ثروة.
توفي بالصّالحية يوم السبت سادس عشري شوال وله نحو أربعين سنة.
وفيها جمال الدّين يوسف بن عبد الله بن حاتم بن محمد بن يوسف، الشهير بابن الحبّال الحنبلي [3] .
قال العليمي [4] هو المسند المعمّر. سمع من القاضي تاج الدّين عبد الخالق، وابن عبد السّلام، وغيرهما.
__________
[1] انظر «ذيل العبر» (2/ 451) و «إنباء الغمر» (1/ 227- 228) و «الدّرر الكامنة» (4/ 379) و «المقصد الأرشد» (3/ 8- 9) و «الجوهر المنضد» ص (168) و «السحب الوابلة» ص (475) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 229) و «المقصد الأرشد» (3/ 128- 129) و «الجوهر المنضد» ص (181) و «السحب الوابلة» ص (485) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 229) و «الدّرر الكامنة» (4/ 462) .
[4] في «المنهج الأحمد» الورقة (464) من القسم غير المنشور منه.(8/447)
قال الشيخ شهاب الدين بن حجي: سمعنا عليه مرارا «مسند الشافعي» رضي الله عنه.
توفي ببعلبك عشية يوم الخميس سابع رجب، وصلّي عليه من الغد عقب صلاة الجمعة، ودفن بباب سطحا
.(8/448)
سنة تسع وسبعين وسبعمائة
فيها توفي أحمد بن علي بن عبد الرحمن العسقلاني الأصل المصري المشهور بالبلبيسي، الملقب سمكة [1] .
كان بارعا في الفقه والعربية والقراءات، وكان الإسنوي يعظّمه، وهو من أكابر من أخذ عنه واشتغل وبرع، وأخذ عن علماء مصر، وسمع من الميدومي وغيره.
قال ابن حجر: ورافق شيخنا العراقي في سماع الحديث، وقرأ بالروايات، وكان خيّرا، متواضعا. مات في المحرم.
وفيها أبو جعفر أحمد بن يوسف بن مالك الرّعيني الغرناطي الأندلسي [2] ، رفيق محمد بن جابر الأعمى، شارح «الألفية» وهما المشهوران بالأعمى والبصير.
قال في «إنباء الغمر» : ارتحل إلى الحجّ، فرافق أبا عبد الله بن جابر الأعمى، تصاحبا وترافقا إلى أن صارا يعرفان بالأعميين، وسمعا في الرحلة من أبي حيّان، وأحمد بن علي الجزري، والحافظ المزّي، وغيرهم. وكان
__________
[1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 466- 467) و «إنباء الغمر» (1/ 244) و «بغية الوعاة» (1/ 342) و «درّر الحجال» (1/ 49- 50) .
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 473) و «غاية النهاية» (1/ 151) و «إنباء الغمر» (1/ 244) و «النجوم الزاهرة» (11/ 189) و «الدّرر الكامنة» (1/ 340) و «التحفة اللطيفة» (1/ 274) و «بغية الوعاة» (1/ 403) و «درّة الحجال» (1/ 62) .(8/449)
أبو جعفر شاعرا، ماهرا، عارفا بفنون الأدب، وكان رفيقه عالما بالعربية، مقتدرا على النّظم، واستوطنا البيرة من عمل حلب، وانتفع بهما أهل تلك البلاد.
وقال السيوطي في «طبقات النّحاة» : أقام أبو جعفر بحلب نحو ثلاثين سنة، وكان عارفا بالنحو وفنون اللّسان، مقتدرا على النّظم والنثر، ديّنا، حسن الخلق، كثير التأليف في العربية وغيرها، شرح «بديعية» رفيقه وأجاز لأبي حامد ابن ظهيرة. مولده بعد السبعمائة، ومات منتصف رمضان.
ومن شعره:
لا تعاد النّاس في أوطانهم ... قلّما يرعى غريب الوطن
وإذا ما عشت عيشا بينهم ... خالق النّاس بخلق حسن
وفيها أحمد بن أبي الخير اليمني الصّيّاد [1] ، أحد المشهورين بالصّلاح والكرامات من أهل اليمن.
كان محافظا على التّقوى، معظّما في النّفوس، اجتمع هو ورجل من الزّيدية، فتوافقا على دخول الخلوة، وإقامة أربعين يوما، لا أكل ولا شرب، فضجّ الزّيدي من رابع يوم، فأخرج وثبت ابن الصّيّاد إلى آخر الأربعين، فتاب الزّيدي على يده هو وجميع من معه، وتوفي في شوال وله أربعون سنة.
وفيها الأمير اقتمر الحنبلي الصّالحي [2] .
كان من مماليك الصالح إسماعيل، وولي رأس نوبة في دولة المنصور ابن المظفّر، ثم خازندارا في دولة الأشرف، ثم تقدم في سنة سبعين، ونفاه الجائي إلى الشام، ثم أعيد بطّالا، ثم استقرّ رأس نوبة، ثم نائب السلطنة بعد منجك، ثم قرّر في نيابة الشام إلى أن توفي بها في هذه السنة في رجبها، وكان أولا يعرف بالصّاحبي، وكان يرجع إلى دين، وعنده وسواس كثير في الطّهارة وغيرها فلقّب
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 245) .
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 474) و «إنباء الغمر» (1/ 245) و «الدّرر الكامنة» (1/ 449) و «النجوم الزاهرة» (11/ 191) و «السّحب الوابلة» ص (122) .(8/450)
لذلك الحنبلي، ثم ذكره الحنابلة في طبقاتهم، وكان يحب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
وفيها زين الدّين أبو بكر بن علي بن عبد الملك الماروني المالكي [1] قاضي دمشق بعد موت المسلاتي، ثم قاضي حلب، ثم عزل، واستمر بدمشق بعد ذلك إلى أن مات، وكان سمع من ابن مشرف، مشاركا في العلوم إلّا أنه كان بذيء اللّسان مع حسن صورته.
مات فجأة في شوال بدمشق وبلغ السبعين. قاله ابن حجر.
وفيها أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الطّرسوسي القاضي الحنفي [2] .
سمع من عمّه العماد علي بن أحمد الطّرسوسي الحنفي، القاضي، وأبي نصر الشّيرازي، وغيرهما.
وتوفي في شوال، وكان يعرف بابن أخي القاضي.
وفيها الحسن بن أحمد بن هلال بن سعد بن فضل الله الصّرخدي، ثم الصّالحي، المعروف بابن هبل الطّحّان [3] .
ولد سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وسمع من الفخر بن البخاري، ومن التّقي الواسطي، وأجازا له، وسمع بنفسه من التّقي سليمان، وأخيه، وفاطمة بنت سليمان، والدشتي، وعثمان الحمصي، وعيسى المغاري، وغيرهم. وحدّث بالكثير، ورحل إليه الناس، وتوفي في صفر.
وفيها بدر الدّين أبو محمد الحسن بن عمر بن حسن بن عمر بن حبيب بن عمر بن سريح بن عمر الدمشقي الأصل الحلبي [4] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 247- 248) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 248) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 248- 249) و «الدّرر الكامنة» (2/ 13) .
[4] انظر «ذيل العبر» (2/ 468- 469) و «إنباء الغمر» (1/ 249- 251) و «الدّرر الكامنة»(8/451)
ولد بحلب سنة عشر، وأحضر في الشهر العاشر من عمره على إبراهيم، وعبد الرحمن ابني صالح بن العجمي، وأحضر على بيبرس العديمي وغيره، ورحل، فسمع بالقاهرة من محمد بن معضاد، ومحمد بن غالي، وعبد المحسن بن الصّابوني، ويحيى بن المصري، وغيرهم. واشتغل وبرع إلى أن صار رأسا في الأدب والشروط. ثم انتقى وخرّج وأرّخ وتعانى في تأليفه السجع، وناب في الحكم، ووقّع في الإنشاء، وصنّف فيها، واشتهر بالأدب، ونظم، ونثر، وجمع مجاميع مفيدة، ثم لزم بيته بأخرة مقبلا على التصنيف، فمنها «درّة الأسلاك في دولة الأتراك» و «تذكرة النّبيه في أيام المنصور وبنيه» [1] .
وكان دمث الأخلاق، حسن المحاضرة، حميد المذاكرة.
مات ضحى يوم الجمعة حادي عشر ربيع الآخر بحلب، عن تسع وستين سنة، وهو والد الشيخ زين الدّين طاهر [2] وقد ذيّل على تاريخه.
وفيها زينة بنت أحمد بن عبد الخالق بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يونس الموصلية [3] .
سمعت من عيسى المطعم، وابن النّشو، وغيرهما، وحدّثت [4] بالكثير، وتوفيت في شعبان.
وفيها محمد بن عبد الله الطّرابلسي الحلبي [5] الشافعي الفروع الحنبلي
__________
(2/ 29) و «الدليل الشافي» (1/ 267) و «النجوم الزاهرة» (11/ 189- 190) و «البدر الطالع» (1/ 205) .
[1] وقد تم طبعه في مصر بثلاث مجلدات كبيرة، وهي طبعة متقنة محررة.
[2] هو طاهر بن الحسين بن عمر بن حبيب أبو العز الحلبي المعروف بابن حبيب. عالم فاضل، ولد ونشأ بحلب، وكتب بها في ديوان الإنشاء. وانتقل إلى القاهرة، فناب عن كاتب السرّ. وتوفي فيها سنة (808) هـ. من مصنفاته «ذيل» على تاريخ أبيه وغيره من التصانيف. انظر «الضوء اللامع» (4/ 3- 5) و «الأعلام» (3/ 221) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 252) .
[4] تحرفت في «ط» إلى و «حدّث» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 257) .(8/452)
الأصول، صاحب ابن القيّم. حمل عنه الكثير، وكان فاضلا، مشهورا، وذهنه جيد، وله نظم حسن، وكان قصيرا جدا، ولم يعاشر الفقهاء، ودرس بالظّاهرية، ومات في رمضان.
وفيها مجد الدّين أبو سالم محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن زهرة الحلبي [1] .
جال في بلاد العجم، ولقي العلماء بها، واشتغل بالمعاني وغيرها، وقال الشعر، وكان يذكر أنه سمع «المشارق» من محمد بن محمد بن الحسين بن أبي العلاء الفيروزآبادي بسماعه من محمد بن الحسين بن أحمد النيسابوري، المعروف بالخليفة، عن مؤلّفه، وحدّث بشيء من ذلك بحلب.
ومن نظمه:
أبا سالم اعمل لنفسك صالحا ... فما كلّ من لاقى الحمام بسالم
وفيها مجد الدّين محمد بن محمد بن إبراهيم البلبيسي الإسكندراني الأصل [2] ، موقّع الحكم.
سمع من الواني، والمزّي، وغيرهما. وتفقه بالمجد الزّنكلوني، وأخذ عن ابن هشام، وعني بالحساب، فكان رأسا فيه، وفي الشروط، وانتهت إليه معرفة السّجلات، وكان يوقّع عن المالكية وينوب عن الحنفية، ومن مصنّفاته حاشية على «المعونة» وشرحه للوسيلة. عاش ستين سنة.
وفيها جمال الدّين أبو بكر محمد الإمام العلّامة كمال الدّين أبو العبّاس أحمد بن الإمام جمال الدّين محمد بن أحمد بن عبد الله بن سحمان الإمام العلّامة الشافعي، بقية السّلف، القاضي البكري الوائلي الشّريشي الأصل الدمشقي [3] .
مولده سنة أربع أو خمس وتسعين وستمائة، وأحضر على جماعة، وسمع
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 257- 258) و «الدّرر الكامنة» (4/ 82) .
[2] انظر «ذيل العبر» (2/ 471) و «إنباء الغمر» (1/ 258) و «الدّرر الكامنة» (4/ 208) .
[3] انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 351- 352) و «القلائد الجوهرية» ص (91) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 117) .(8/453)
من جماعة، وأجاز له آخرون، واشتغل في صباه، وتفنّن في العلوم، واشتهر بالفضيلة، ودرّس في حياة والده، ثم بعد وفاته بالرّباط النّاصري، ثم بعدة مدارس، وأفتى كلّ ذلك، وهو في سنّ الشبيبة، ثم ولاه القاضي علاء الدين القونوي قضاء حمص، فنزح إلى هناك وأقام زمنا طويلا ثم قدم دمشق في أول ولاية السّبكي، فولي تدريس البادرائية في سنة إحدى وأربعين، وأقام يشغل الناس في الجامع ويفتي، ثم نزل عن البادرائية لولده شرف الدّين سنة خمسين، والإقبالية لولده بدر الدّين، وتوجّه إلى مصر سنة تسع وستين، فولّاه البلقيني نيابة في الطريق، ثم توجّه هو إلى القاهرة، وعاد المترجم إلى دمشق، وباشر تدريس الشامية البرّانيّة والحكم يوما واحدا، ثم مرض ومات، وحدّث بمصر والشام، واختصر «الروضة» وشرح «المنهاج» في أربعة أجزاء، وله «زوائد» على «المنهاج» وكان حسن المحاضرة، دمث الأخلاق، وله خطب ونظم.
توفي في شوال ودفن بتربتهم [1] في سفح قاسيون.
وفيها جمال أبو الفضل محمد بن محمد بن عبد الرحمن السّامي [2] ، نزيل المدينة.
تفقه بالعماد الحسباني، وأخذ عن تقي الدّين ابن رافع وغيره، وسمع من ابن أميلة وغيره، وتخرّج بالعفيف المطري، وسمع بمصر وغيرها، وكان ترافق هو وعبد السلام الكازروني إلى مكة، فيقال: إنه دسّ عليهما سمّ بسبب من الأسباب فقتلهما، فمات السّاميّ في صفر، والكازروني بعده بأيام، وقد حدّث باليسير ولم يكمل الأربعين.
وفيها بدر الدّين محمد بن محمد بن علي بن الشّمس أحمد بن خلّكان [3] الإربلي الأصل ثم الدمشقي [4] .
__________
[1] في «آ» : «في تربتهم» .
[2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 467) و «إنباء الغمر» (1/ 256) .
[3] في «آ» و «ط» : «ابن ملكان» والتصحيح من «إنباء الغمر» وانظر التعليق عليه.
[4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 260) .(8/454)
ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، وسمع من الحجّار وغيره، وحدّث عن الحنبلي ب «المنتقى من النسفي» ، ومات في ربيع الآخر.
وفيها شرف الدّين محمد بن محمد بن مشرّف بن منصور بن محمود الزّرعي [1] قاضي عجلون.
كان من الفضلاء حسن السيرة.
مات بدمشق في ربيع الأول. قاله ابن حجر.
وفيها شمس الدّين محمد بن بدر الدّين محمد بن يحيى بن عثمان بن رسلان البعلي السّلاوي، يعرف بابن شقرا [2] .
ولد بعد السبعمائة، وسمع سنة سبع وسبعمائة من شمس الدّين بن أبي الفتح، وبعد ذلك من القطب اليونيني وجماعة، وحدّث، فأخذ عنه الياسوفي، وابن حجي [3] ، وغيرهما، ومات في جمادى الأولى.
وفيها بدر الدّين محمد بن ميكال اليمني [4] بن أمير حرس والمهجم وغيرهما من بلاد اليمن.
خرج على المجاهد، وادعى أنه حسنيّ، وخطب له بالسلطنة على المنابر، ومات المجاهد في غضون ذلك فنهض الأفضل لحربه إلى أن فرّ، فلجأ إلى الإمام الزّيدي بصعدة [5] ، فأقام عنده إلى أن مات في هذه السنة.
وفيها محمود بن أحمد الحلبي الجندي [6] .
قال ابن حجر: إمام فارس، اشتغل كثيرا بحلب، ومهر، وحفظ كتبا.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 260) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 260) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «ابن حجر» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 261) .
[5] صعدة: مخلاف باليمن بينه وبين صنعاء ستون فرسخا، وبينه وبين خيوان ستة عشر فرسخا. انظر «معجم البلدان» (3/ 406) .
[6] انظر «إنباء الغمر» (1/ 261) .(8/455)
وبحث وقرأ، ثم قدم دمشق، فمات بها وهو شاب وله دون الأربعين.
وفي حدودها العلّامة عزّ الدّين يوسف الأردبيلي الشّافعي [1] صاحب كتاب «الأنوار في الفقه» .
ذكره العثماني في «طبقاته» فيمن هو باق إلى سنة خمس وسبعين، وقال:
كبير القدر، غزير العلم، أناف على التسعين، جمع كتابا في الفقه سمّاه «الأنوار» مجلدان لطيفان، عظيم النّفع، اختصر به «الروضة» وغيرها، وجعله خلاصة المذهب، وهو باق بأردبيل، أفاض الله عليه فضله الجزيل. انتهى.
وله «شرح مصابيح البغوي» في ثلاثة أجزاء.
وفي حدودها أيضا الأمير الفاضل ناصر الدّين محمد بن المقر الأشرف العالي الأمير البدري حسن كلي [2] ، أحد الأمراء الكبار بالديار المصرية.
كان فقيها حنبليا فاضلا ذكيا، له خط حسن إلى الغاية، وشعره في غاية الحسن، منه قوله:
قلب المتيّم كاد أن يتفتّتا ... فإلى متى هذا الصّدود إلى متى
يا معرضين عن المشوق تلفتوا ... فعوائد الغزلان أن تتلفّتا
كنّا وكنتم والزّمان مساعد ... عجبا لذاك الشّمل كيف تشتّتا
صدّ وبعد واشتياق دائم ... ما كلّ هذا الحال يحمله الفتى
وفي حدودها أيضا الشيخ أبو طاهر إبراهيم بن يحيى بن غنّام المعبّر الحنبلي [3] .
كان فاضلا، عالما، وله كتاب حسن في التعبير على حروف المعجم، رحمه الله تعالى.
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 484) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 186- 187) .
[2] ترجم له العليمي في «المنهج الأحمد» الورقة (465) من القسم المخطوط الذي لم ينشر بعد.
[3] ترجم له العليمي في «المنهج الأحمد» الورقة (465) من القسم المخطوط.(8/456)
سنة ثمانين وسبعمائة
فيها كان الحريق العظيم بمصر بدار التّفاح ظاهر باب زويلة، لولا أن السور منع النّار النفوذ لاحترق أكثر المدينة، وأقام الناس في شيل التراب أكثر من ثلاثة أشهر.
وفيها برهان الدّين إبراهيم بن عبد الله الحكري المصري [1] .
قال ابن حجر: ولي قضاء المدينة، وكان عارفا بالعربية، وشرح «الألفية» ثم رجع فمات بالقدس في جمادى الآخرة، وقد ناب في الحكم عن البلقيني في الخليل والقدس، وأمّ عنه نيابة في الجامع بدمشق.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن سليمان بن محمد العدناني البرشكي- بكسر الموحدة والراء وسكون المعجمة بعدها كاف [2]-.
قال ابن حجر: ولد صاحبنا المحدّث زين الدّين عبد الرحمن.
روى عن الوادياشي، والشريف المغربي، واشتغل ومهر، وله حواش على «رياض الصالحين» للنووي في مجلد، وله تأليف.
روى عنه عبد الله بن مسعود بن علي بن القرشية وغيره، من أهل تونس.
وفيها أحمد بن عبد الله العجمي المعروف بأبي ذر [3] .
قدم مصر بعد أن صحب الشريف حيدر بن محمد، فأقام مدة ثم رجع إلى
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 277) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 278) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 279) .(8/457)
القدس وبه مات، واشتهر على ألسنة العوام باذار، وكان يعرف علم الحرف، ويدرّس كتب ابن العربي، وله اشتغال في المعقول وذكاء، وكان كثير التقشف، وللناس فيه اعتقاد.
مات في ذي الحجّة، وقد أضرّ، وجاوز السبعين.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عبد الله بن ملك [1] بن مكتوم العجلوني [2] بن خطيب بيت لهيا.
ولد سنة تسع وسبعمائة، وسمع من الحجّار، وإسماعيل بن عمر الحموي، وغيرهما، وحدّث. وكان رئيسا وجيها، وله عدة مشاركات. مات في المحرم.
وفيها أبو بكر بن الحافظ تقي الدّين محمد بن رافع [3] .
ولد في رمضان سنة ست وثلاثين وسبعمائة، وأسمعه أبوه من زينب بنت الكمال، والجزري، وغيرهما. وحدّث، ودرّس بالعزيزية بعد أبيه، ومات في رجب.
وفيها الحسن بن سالار بن محمود الغزنوي ثم البغدادي الفقيه الشافعي [4] .
رحل قديما، فسمع من الحجّار وغيره، ثم رجع، وحدّث ببغداد «صحيح البخاري» عن الحجّار و «تلخيص المفتاح» عن مصنّفه الجلال القزويني، وتوفي في شوال.
وفيها بهاء الدين داود بن إسماعيل القلقيني [5] نسبة إلى قرية بين نابلس والرّملة.
كان فاضلا شافعيا. درّس وأفتى، وسكن في حلب.
ذكره القاضي علاء الدّين في «تاريخه» .
__________
[1] كذا في «ط» و «إنباء الغمر» وفي «آ» : «ابن مالك» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 279) و «الدّرر الكامنة» (1/ 255) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 281) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 281- 282) و «الدّرر الكامنة» (2/ 55) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 282) .(8/458)
وفيها ضياء الدّين عبد الله بن سعد الله بن محمد بن عثمان القزويني القرمي، ويسمى أيضا ضياء، ويعرف بقاضي القرم العفيفي الشافعي [1] ، أحد العلماء.
تفقه في بلاده، وأخذ عن القاضي عضد الدّين وغيره، واشتغل على أبيه البدر التّستري، والخلخالي، وتقدم في العلم حتّى إن السّعد التّفتازاني قرأ عليه، وحجّ قديما، وسمع من العفيف المطري بالمدينة. وكان اسمه عبيد الله فغيّره لموافقته اسم عبيد الله بن زياد بن أبيه قاتل الحسين، وكان يستحضر المذهبين، ويفتي فيهما، ويحسن إلى الطلبة بجاهه وماله، مع الدّين المتين، والتواضع الزائد، وكثرة الخير، وعدم الشّرّ، وكانت لحيته طويلة جدا بحيث تصل إلى قدميه ولا ينام إلّا وهي في كيس، وكان إذا ركب يفرقها فرقتين، وكان عوام مصر إذا رأوه قالوا: سبحان الخالق، فكان يقول: عوامّ مصر مؤمنون حقّا لأنهم يستدلون بالصّنعة على الصّانع، ولما قدم القاهرة استقرّ في تدريس الشافعية بالشيخونية والبيبرسية وغير ذلك، وكان لا يملّ من الاشتغال حتّى في حال مشيه، وركوبه، ويحلّ «الكشّاف» و «الحاوي» حلّا إليه المنتهى، حتّى قيل: إنه يحفظهما، وكان يقول: أنا حنفي الأصول شافعي الفروع، وكان يدرس دائما بغير مطالعة، وكتب إليه زين الدّين طاهر بن الحسن بن حبيب:
قل لربّ النّدى ومن طلب العل ... م مجدّا إلى سبيل السّواء
إن أردت الخلاص من ظلمة الجه ... ل فما تهتدي بغير ضياء
فأجاب:
قل لمن يطلب الهداية منّي ... خلت لمع السّراب بركة ماء
ليس عندي من الضّياء شعاع ... كيف يبغى الهدى من اسم الضّياء
توفي في ثالث ذي الحجّة من هذه السنة، كما جزم به ابن حجر بالقاهرة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 282- 283) و «النجوم الزاهرة» (11/ 193) ، وسمّاه السخاوي في «الذيل التام على دول الإسلام» «عبيد الله بن سعد» .(8/459)
وفيها عبد الله بن عبد الله الجبرتي [1] صاحب الزاوية بالقرافة، أحد من يعتقد بالقاهرة. مات في سادس عشر المحرم.
وفيها عبد الله بن محمد بن سهل المرسي المغربي، نزيل الإسكندرية، ويعرف بالشيخ نهار [2] .
كان أحد من يعتقد ببلده، ويذكر عنه مكاشفات كثيرة.
مات في جمادى الأولى. قاله ابن حجر.
وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم ابن العجمي الحلبي [3] .
سمع من أبي بكر أحمد بن العجمي، وسمع منه ابن ظهيرة، والبرهان المحدّث، وغيرهما. وكان شيخا منقطعا عن الناس من بيت كبير.
مات راجعا من الحج في ثالث المحرم.
وفيها محيي الدّين عبد الملك بن عبد الكريم بن يحيى بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى القرشي بن الزكي [4] الدمشقي [5] .
كان من بيت كبير بدمشق، وسمع من زينب بنت [6] الكمال وغيرها، وطلب بنفسه واشتغل، وحدّث، وناب في الحكم، ودرّس، وكان من الرؤساء.
مات في ذي القعدة، ولم يكمل الخمسين.
__________
[1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 477) و «إنباء الغمر» (1/ 284) و «النجوم الزاهرة» (11/ 194) و «حسن المحاضرة» (1/ 527) .
[2] انظر «طبقات الأولياء» ص (571) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 478) و «إنباء الغمر» (1/ 284) و «النجوم الزاهرة» (11/ 194) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 285) و «الدّرر الكامنة» (2/ 372) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «التركي» والتصحيح من «إنباء الغمر» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (1- 285- 286) .
[6] لفظة «بنت» سقطت من «ط» .(8/460)
وفيها علي بن صالح بن أحمد بن خلف بن أبي بكر الطّيبي ثم المصري [1] .
سمع من الحجّار ووزيرة، وحدّث عن ابن مخلوف بالسادس من «الثقفيات» سماعا. وسمع منه أبو حامد بن ظهيرة بالقاهرة، ومات في سابع عشر المحرم.
وفيها صلاح الدّين محمد بن تقي الدّين أحمد بن العزّ إبراهيم بن عبد الله ابن أبي عمر محمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي الحنبلي [2] ، مسند الدنيا في عصره.
ولد سنة أربع وثمانين وستمائة، وتفرّد بالسماع من الفخر ابن البخاري.
سمع منه «مشيخته» وأكثر «مسند أحمد» و «الشمائل» و «المنتقى الكبير» من «الغيلانيات» . وسمع من التّقي الواسطي، وأخيه محمد، وأحمد بن عبد المؤمن الصّوري، وعيسى المغاري، والحسن بن علي الخلّال، والعزّ الفرّاء، والتّقي بن مؤمن، ونصر الله بن عبّاس في آخرين، وأجاز له في سنة خمس وثمانين جماعة من أصحاب ابن طبرزد، وخرّج له الياسوفي «مشيخة» ، وحدّث بالإجازة عن النّجم بن المجاور، وعبد الرحمن بن الزّين، وزينب بنت مكّي، وزينب بنت العلم، وأسمع الكثير، ورحل الناس إليه، وتزاحموا عليه، وأكثروا عنه، وكان ديّنا، صالحا، حسن الإسماع، خاشعا، غزير الدّمعة، لا يكاد يمسك دمعته إذا قرئ عليه الحديث أو ذكر صلّى الله عليه وسلّم.
أمّ بمدرسة جدّه، وأسمع الحديث أكثر من خمسين سنة، وقد أجاز لأهل مصر خصوصا من عموم. قال ابن حجر: فدخلنا في ذلك.
__________
[1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 478) و «إنباء الغمر» (1/ 286) و «الدّرر الكامنة» (3/ 55) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 288- 289) و «النجوم الزاهرة» (11/ 195) و «الدّرر الكامنة» (3/ 304) و «المقصد الأرشد» (2/ 363) و «الجوهر المنضد» ص (130- 131) .(8/461)
مات في شوال عن ست وتسعين سنة وأشهر، ونزل الناس بموته درجة، ودفن بتربة جدّه بسفح قاسيون.
وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن جابر الأندلسي الهوّاري [1] المالكي النحوي الأعمى، رفيق أبي جعفر الرّعيني، وهما المشهوران بالأعمى والبصير.
كان ابن جابر هذا يؤلّف وينظم، والرّعيني يكتب، ولم يزالا هكذا على طول عمرهما إلى أن اتفق أن ابن جابر تزوّج فوقع بينه وبين رفيقه، فتهاجرا [2] ، ومات رفيقه في العام الماضي، وكتب ابن فضل الله في «المسالك» عن ابن جابر شيئا من شعره، ومات قبله بدهر، وذكر أنه حرص على أن يجتمع به فلم يتفق ذلك، وذكره الصّلاح الصّفدي في «تاريخه» ومات قبله بكثير.
ومن تصانيف ابن جابر «شرح الألفية» لابن مالك، وهو كتاب مفيد جليل يعتني بإعراب الأبيات، وله «نظم الفصيح» و «نظم كفاية المتحفظ» و «بديعية» نظمها عال، وله شرح على «ألفية ابن معطي» في ثلاث مجلدات، وأجاز لمن أدرك حياته.
وفيها محمد بن إسماعيل بن أحمد الدمشقي الفرّاء [3] الأشقر، الملقب بالقزل [4] .
سمع المزّي، وابن القرشية [5] ، والبرزالي، وجماعة من أصحاب ابن عبد
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (2/ 157- 158) و «إنباء الغمر» (1/ 290) و «الدّرر الكامنة» (3/ 339) و «غاية النهاية» (2/ 60) و «بغية الوعاة» (1/ 34- 35) .
[2] في «آ» و «ط» : «فتهاجروا» والتصحيح من «بغية الوعاة» مصدر المؤلّف.
[3] تحرفت في «ط» إلى «العز» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 291) .
[5] في «الوافي بالوفيات» (5/ 337) : «ابن القريشة» وهو خطأ، وقد قيدها الصفدي في الكتاب كما جاءت في كتابنا ولكن لم ينتبه لذلك محقق الجزء المذكور المستشرق س. ديدرينغ. وفي «إنباء الغمر» : «ابن الفريسة» وهو خطأ أيضا.
وهو إبراهيم بن بركات ابن أبي الفضل، وقد تقدمت ترجمته في ص (219) .(8/462)
الدائم، وحدّث، وكان دمث الأخلاق يحب أصحاب الحديث وأصحاب ابن تيميّة.
وحفظ القرآن على كبر وحفظه عليه جماعة.
توفي في ربيع الآخر.
وفيها ضياء الدّين محمد بن محمد بن سعيد بن عمر بن علي الهندي الصّغّاني [1] ، نزيل المدينة ثم مكة، الفاضل الحنفي، صاحب الفنون.
قال ابن حجر: هو والد صاحبنا شهاب الدّين بن الضّياء قاضي الحنفية الآن بمكة، وقد ادعى والده أنهم من ذرّيّة الصّغّاني، وأن الصّغّاني من ذرّيّة عمر بن الخطاب، وكان الضّياء قد سمع على الجمال المطري، والقطب بن مكرم، والبدر الفارقي، وكان سبب تحوله من المدينة أنه كان كثير المال، فطلب منه جمّاز أميرها شيئا فامتنع، فسجنه، ثم أفرج عنه، فاتفق أنهما اجتمعا بالمسجد، فوقع من جمّاز كلام في حقّ أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، فكفّره الضياء وقام من المجلس، فتغيب وتوصل إلى ينبع، واستجار بأميرها أبي الغيث، فأرسله إلى مصر، فشنّع على جمّاز، فأمر السلطان بقتله، فقتل في الموسم، فنهب آل جمّاز دار الضّياء، فتحول إلى مكة، فتعصب له يلبغا، فقرّر له درسا للحنفية في سنة ثلاث وستين، فاستمرّ مقيما بمكة إلى أن مات، وكان عارفا بالفقه والعربية، شديد التعصب للحنفية، كثير الوقيعة في الشافعية.
وفيها محمد بن محمد بن عثمان بن أبي بكر الطّبري [2] .
سمع من جدّه عثمان وجماعة بدمشق ومكة، وحدّث، وأخذ عنه السّراج الدّمنهوري وغيره، وكتب الكثير، وتوجّه إلى بلاد الهند سنة ثمان وخمسين، فأقام بها إلى أن مات.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 292- 293) و «الدّرر الكامنة» (4/ 177) و «الدليل الشافي» (2/ 691) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 294) .(8/463)
وفيها الأمير موسى بن محمد بن شهري- بضم المعجمة وسكون الهاء- التّركماني [1] ، أحد أكابر الأمراء والنوّاب في سيس وغيرها من البلاد الشمالية.
كان يحب العلم ويذاكر، ويفهم كثيرا، ويتمذهب للشافعي، ويقال: إن الباريني أذن له في الإفتاء، وكان ذلك في سنة وفاته، وتوفي في رمضان وقد جاوز الأربعين.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 295) و «الدّرر الكامنة» (4/ 380) و «الدليل الشافي» (2/ 753) و «النجوم الزاهرة» (1/ 195) .(8/464)
سنة إحدى وثمانين وسبعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن شرف الدّين عبد الله بن محمد بن عسكر بن مظفّر بن بحر بن سادن [1] بن هلال الطّائي القيراطي [2] ، الشاعر المشهور.
ولد في صفر سنة ست وعشرين وسبعمائة، وتفقه، واشتغل، وتعانى النّظم، ففاق فيه، وله ديوان جمعه لنفسه يشتمل على نثر ونظم في غاية الإجادة، واشتهرت مرثيته في الشيخ تقي الدّين السّبكي، وطارحه الصّفديّ بأبيات طائية أجاد القيراطيّ فيها غاية الإجادة. وله في محبّ الدّين ناظر الجيش، وفي تاج الدّين السّبكي غرر المدائح، ورسالته التي كتبها للشيخ جمال الدّين بن نباتة في غاية الحسن والطّول، وكان مع تعانيه النّظم والنثر، عابدا فاضلا، درّس بالفارسية. وكان مشهورا بالوسوسة في الطهارة، وقد حدّث عن ابن شاهد الجيش بالصحيح، وعن ابن ملوك، وأحمد بن علي بن أيوب المستولي، والحسن بن السّديد الإربلي، وشمس الدّين بن السّراج، وحدّث عنه من نظمه القاضي عزّ الدّين بن جماعة، والقاضي تقي الدّين بن رافع، وغيرهما ممن مات قبله، وسمع منه جماعة.
ومن شعره:
كأنّ خدّيه ديناران قد وزنا ... فحرّر الصّيرفيّ الوزن واحتاطا
__________
[1] في «الدّرر الكامنة» و «النجوم الزاهرة» : «ابن شادي» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 312- 313) و «الدّرر الكامنة» (1/ 31) و «الدليل الشافي» (1/ 18) و «النجوم الزاهرة» (11/ 196- 200) .(8/465)
فشحّ بعضهما عن وزن صاحبه ... فزاده من فتيت المسك قيراطا
توفي بمكة مجاورا في ربيع الآخر، وله خمس وخمسون سنة إلّا شهرا.
وفيها شرف الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي المالكي [1] نزيل القاهرة.
كان فاضلا، قدم دمشق، فولي قضاء المالكية بها، ثم قدم القاهرة في دولة يلبغا فعظّمه وولاه قضاء العسكر ونظر خزانة الخاص، وقد ولي قضاء دمياط مدة، وحدّث عن أبيه، وابن الحبّال وغيرهما، ولم يكن بيده وظيفة إلّا نظر الخزانة، فانتزعها منه علاء الدّين بن عرب محتسب القاهرة، فتألم من ذلك ولزم بيته إلى أن كفّ بصره، فكان جماعة من تجار بغداد يقومون بأمره إلى أن مات في سادس عشر شعبان وله أربع وثمانون سنة.
قال ابن حجر: سمع منه من شيوخنا جماعة، ومن آخر من كان يروي عنه شمس الدّين محمد بن البيطار، الذي مات سنة خمس وعشرين وثمانمائة [2] .
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عبد الله بن سالم العجلوني العرجاني ابن خطيب بيت لهيا [3] .
ولد في رمضان سنة سبع وسبعمائة، وسمع من الضّياء إسماعيل بن عمر الحموي، وابن الشّحنة، وحدّث، وكان من الرؤساء.
مات في المحرم.
وفيها عماد الدّين أبو بكر بن محمد بن أحمد بن أبي غانم بن أبي الفتح [4] ، الشيخ الجليل، الحلبي الأصل، الدمشقي المولد، الصّالحي المنشأ، المعروف بابن الحبّال، الحنبلي، وكان والده يعرف بابن الصّايغ.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 313- 314) .
[2] سترد ترجمته في المجلد التاسع إن شاء الله.
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 314) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 315) .(8/466)
حضر على هدية بنت عسكر، وسمع من القاضي تقي الدّين سليمان، وعيسى المطعم، وكان له ثروة، ووقف أوقاف برّ على جماعة الحنابلة، وعنده فضيلة، وقسّم ماله قبل موته بين ورثته، وانقطع لإسماع الحديث في بستانه بالزّعيفرية، وتوفي ليلة الثلاثاء ثالث ربيع الآخر، ودفن بالرّوضة عند والده.
وفيها تقي الدّين عبد الرحمن بن أحمد بن علي الواسطي [1] نزيل مصر، البغدادي، شيخ القراء.
قدم القاهرة، وتلا على التّقي الصائغ، وسمع من حسن سبط زيادة، ووزيرة، وتاج الدّين بن دقيق العيد، وجماعة. خرّج له عنهم أبو زرعة ابن العراقي «مشيخة» وهو آخر من حدّث عن سبط زيادة، وتصدّر للإقراء مدة، وانتفع الناس به، ودرّس القراءات بجامع ابن طولون.
قال ابن حجر: وقرأ عليه شيخنا العراقي بعض القراءات، وشرح «الشاطبية» ونظم «غاية الإحسان» لشيخه أبي حيّان أرجوزة وقرضها شيخه.
وتوفي في تاسع صفر عن تسع وسبعين سنة.
وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن مرزوق التّلمساني المالكي العجيسي- بفتح العين المهملة، وكسر الجيم، وتحتية، ومهملة، نسبة إلى عجيس، قبيلة من البربر [2]-.
ولد بتلمسان سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وتقدم في بلاده، وتمهر في العربية والأصول والأدب، وسمع من منصور المشدّائي [3] ، وإبراهيم بن عبد الرفيع، وأبي زيد بن الإمام، وأخيه موسى، ورحل إلى المشرق في كنف وحشمة، فسمع بمكّة من عيسى الحجي وغيره، وبمصر من أبي الفتح بن سيّد
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 317) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 320) و «النجوم الزاهرة» (11/ 196) و «الدّيباج المذهب» ص (305) طبع دار الكتب العلمية ببيروت، و «النجوم الزاهرة» (11/ 196) و «الإحاطة» (3/ 103- 130) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «الشدائي» .(8/467)
النّاس، وأبي حيّان، وغيرهما. وبدمشق من ابن الفركاح وغيره، وبالمدينة من الحسن بن علي الواسطي خطيب المدينة وغيره، واعتنى بذلك، فبلغت شيوخه ألفي شيخ، وكتب خطا حسنا، وشرح «الشفاء» و «العمدة» .
قال في «تاريخ غرناطة» : وكان مليح التّرسل، حسن اللقاء والحطّ [1] ، كثير التودّد، ممزوج الدّعابة بالوقار، والفكاهة بالتنسك [2] ، غاصّ المنزل بالطلبة، مشارك في الفنون، اشتمل عليه [3] السلطان أبو الحسن، وأقبل عليه إقبالا عظيما، فلما مات أفلت من النكبة في وسط سنة اثنتين وخمسين، ودخل الأندلس، فاشتمل عليه سلطانها، وقلّده الخطابة، ثم وقعت له كائنة بسبب قتيل اتّهم بمصاحبته، فانتهبت أمواله، وأقطعت رباعه، واصطفيت أمّ أولاده، وتمادى به الاعتقال إلى أن وجد الفرصة، فركب البحر إلى المشرق، وتقدّمه أهله وأولاده، فوصل إلى تونس، فأكرم إكراما عظيما، وفوضت إليه الخطابة بجامع السلطان، وتدريس أكثر المدارس، ثم قدم القاهرة، وأكرمه الأشرف شعبان، ودرّس بالشيخونية، والصّرغتمشية، والنجمية، وكان حسن الشكل، جليل القدر، وأجاز للجمال ابن ظهيرة، وذكره في «معجمه» .
ومن شعره:
أنظر إلى النّوّار في أغصانه ... يحكي النّجوم إذا تبدّت في الحلك
حيّا أمير المسلمين وقال قد ... عميت بصيرة من بغيرك مثّلك
يا يوسفا حزت الجمال بأسره ... فمحاسن الأيام تومئ هيت لك
أنت الذي صعدت به أوصافه ... فيقال فيه ذا [4] مليك أو ملك
توفي- رحمه الله تعالى- في ربيع الأول.
__________
[1] تصحفت في «آ» إلى «والحظ» .
[2] في «الإحاطة» : «بالنّسك» .
[3] في «آ» : «على» وهو خطأ.
[4] في «آ» و «ط» : «إذا» والتصحيح من «الإحاطة» .(8/468)
وفيها زين الدّين محمد بن أبي بكر بن علي بن محمود الجعفري الأسيوطي الشافعي [1] .
تفقه على الدمنهوري، وكتب الخط الحسن، وشارك في الفضائل، وولي قضاء بلده، وكان صارما في أحكامه، وبنى بأسيوط مدرسة تنسب إليه.
وفيها أبو عبد الله محمد بن أبي مروان عبد الملك بن عبد الله بن محمد ابن محمد المرجاني [2] التّونسي الأصل الإسكندراني الدار، نزيل مكة.
ولد سنة أربع وعشرين، وكان خيّرا، صالحا، صاحب عبادة وانجماع ومعرفة بالفقه وعناية بالتفسير، وكان يعرف علم الحرف.
توفي في شوال.
وفيها ناصر الدّين محمد بن يوسف بن علي بن إدريس الحرازيّ [3] الطّبردار، سبط العماد الدمياطي [4] .
ولد بدمياط سنة ست وتسعين وستمائة، وسمع «كتاب الخيل» تأليف الدّمياطي منه، وسمع عليه «كتاب العلم» للذهبي أيضا، وتفرّد بالرواية عنه بالسماع، وحدّث، فرحلت الناس إليه.
مات في ربيع الأول أو رجب.
وفيها شرف الدّين محمود [بن محمد] [5] بن أحمد بن صالح الصّرخدي [6] ، الفقيه الشافعي.
أخذ عن الشيخ فخر الدّين المصري، وسمع الحديث.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 323) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 324) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحراوي» والتصحيح من «إنباء الغمر» و «النجوم الزاهرة» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 325) و «النجوم الزاهرة» (11/ 200) .
[5] ما بين الرقمين سقط من «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» مصدر المؤلف، واستدركته من «الدّرر الكامنة» .
[6] انظر «إنباء الغمر» (1/ 305) و «الدّرر الكامنة» (4/ 333) .(8/469)
قال الحافظ شهاب الدّين ابن حجي: كان أحد الفقهاء الأخيار، وكان يجلس بالجامع يقرئ الطلبة شرحا وتصحيحا، وعنده تبتّل وخشوع، وله أوراد، وكان يصفر بالحناء، نحيفا، وانقطع بأخرة عن حضور المدارس لضعف بصره.
قال لي والدي: قدم علينا- وهو شاب- الشامية، فكنا نشبّه طريقته بطريقة النّووي.
توفي في ذي القعدة وقد جاوز الخمسين.(8/470)
سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة
فيها كما قال السيوطي [1] ورد كتاب من حلب يتضمن أن إماما قام يصلي، وأن شخصا عبث به في صلاته، فلم يقطع الإمام الصّلاة حتّى فرغ، وحين سلّم انقلب وجه العابث وجه خنزير، وهرب إلى غابة هناك، فعجب الناس من هذا الأمر، وكتب بذلك محضر.
وفيها أمر برقوق ببناء جسر الشريعة بطريق الشام، وجاء طوله مائة وعشرين ذراعا، وانتفع الناس به.
وفيها توفي أحمد بن إبراهيم بن سالم بن داود بن محمد المنبجي بن الطحّان [2] [وكان الطحان] [3] الذي نسب إليه زوج أمّه، فإن أباه كان إسكافا، ومات وهو صغير، فربّاه زوج أمّه فنسب إليه.
ولد أحمد هذا في محرم سنة ثلاث وسبعمائة، وسمع البرزالي، وابن السّلعوس [4] وغيرهما، وأخذ القراءات عن الذّهبي وغيره، وكان حسن الصوت بالقرآن، وكان الناس يقصدونه لسماع صوته بالتنكزية، وكان إمامها.
وتوفي بدمشق في صفر.
__________
[1] انظر «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (503) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 19) .
[3] ما بين القوسين سقط من «ط» .
[4] تحرفت في «ط» إلى «السعلوس» .(8/471)
ومن نظمه:
طالب الدّنيا كظام ... لم يجد إلّا أجاجا
فإذا أمعن فيه ... زاده وردا وهاجا
وفيها شرف الدّين أحمد بن علي بن منصور بن ناصر الحنفي الدمشقي، المعروف بابن منصور [1] .
ولد سنة سبع عشرة، واشتغل إلى أن ولي قضاء دمشق عوضا عن صدر الدّين ابن العزّ. وكان طلب إلى مصر ليولّى القضاء بعد موت ابن التركماني، فقدمها، فاتفق أن تولّى نجم الدّين ابن العزّ، فأقام بمصر مدة يدرّس، ثم ولي قضاءها في رمضان سنة سبع وسبعين إلى رجب سنة ثمان وسبعين، فتركه ورجع إلى دمشق، واختصر «المختار» في الفقه وسمّاه «التحرير» ثم شرحه.
وكان عارفا بالأصول والفروع، حسن الطريقة، جميل السيرة، له صيانة وتصمم في الأمور، وكان سمع من محمد بن دوالة، وعبد الرحمن بن تيميّة، وابنه، والمزّي، والبرزالي، وحبيبة بنت العزّ، وغيرهم.
وتوفي في شعبان وله خمس وستون سنة، وهو أصغر سنا من أخيه صدر الدّين وأفقه.
وفيها عماد الدّين أبو بكر بن أحمد بن أبي الفتح بن إدريس الدمشقي الشافعي [2] الزاهد بن السراج.
ولد سنة عشر وسبعمائة، وسمع الحجّار، والمزّي، وغيرهما. وتفقه بالشّرف البارزي، وأذن له بالإفتاء، وأثنى عليه الذهبي في «المعجم المختص بالمحدّثين» وهو آخر من ترجم له في هذا «المعجم» . وكان يعمل المواعيد
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 21) و «الدّرر الكامنة» (1/ 221) و «النجوم الزاهرة» (11/ 205) .
[2] انظر «المعجم المختص» ص (304) و «إنباء الغمر» (2/ 23) و «الدّرر الكامنة» (1/ 437) .(8/472)
ويجيد الخط ويقرأ «البخاري» في كل سنة بالجامع في رمضان، ويجتمع عنده الجمّ الغفير، وللناس فيه اعتقاد زائد.
توفي في شوال عن سبع وسبعين سنة.
وفيها علاء الدّين حجّي بن موسى بن أحمد بن سعد بن غشم بن غزوان بن علي بن مشرّف بن تركي السّعدي الحسباني [1] الشافعي، فقيه الشام وحافظ المذهب.
ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، واشتغل في صغره بالقدس، وحفظ كتبا، وأخذ عن الشيخ تقي الدّين القلقشندي، ثم قدم الشام في سنة أربع وثلاثين، فقرأ على شيوخها، وسمع الحديث من البرزالي، [وأبي العبّاس الجزري] [2] وشيخه الذي أنهاه بالشامية البرّانية شمس الدّين ابن النّقيب، وغيرهم [3] ، وحدّث وأفتى، وأعاد [بالشاميّة البرّانية] [2] .
وقال ولده حافظ العصر: أحد من اعتنى بالفقه وتحصيله وتقريره وحفظه وتحقيقه وتحريره، كان كثير الاطلاع، صحيح النقل، عارفا بالدقائق والغوامض، معروفا بحلّ المشكلات، مع فهم صحيح، وسرعة إدراك [4] ، وقدرة على المناظرة برياضة وحسن خلق، وانتهت إليه رئاسة المذهب، وكان يقال فقهاء المذهب ثلاثة، هو أحدهم وخاتمتهم.
وكان فارغا عن طلب الرئاسة في الدنيا، ليس له شغل إلّا الاشتغال في العلم والمطالعة، ولا يتردد إلى أهل الدولة، ولا يجمع مالا ولا يدّخره، وكان مع فهمه وذكائه لا يعرف صنجة عشرة من عشرين، ولا درهم من درهمين، ولا يحسن براية قلم، ولا تكوير عمامة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 25) و «الدّرر الكامنة» (2/ 6) و «النجوم الزاهرة» (11/ 206) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 203- 204) .
[2] ما بين القوسين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلّف.
[3] في «آ» و «ط» : «وغيرهما» وما أثبته من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.
[4] تحرفت في «ط» إلى «أدرك» .(8/473)
توفي في صفر ودفن بمقبرة الصّوفية بطرفها الغربي إلى جانب ابن الصّلاح بينه وبين السّهروردي مدرس القيمرية. انتهى ملخصا.
وفيها شرف الدّين عبّاس بن حسين بن بدر التّميمي الشافعي [1] .
كان ينفع الطلبة في الفقه والقراءات، ودرّس بالسابقية بالقاهرة، وخطب بجامع أصلم.
مات في ذي الحجّة، وكان برجله داء الفيل. قاله ابن حجر.
وفيها أمين الدّين عبد الوهاب بن يوسف بن إبراهيم بن بيرم بن بهرام بن السلّار الدمشقي العلّامة [2] .
ولد في شوال سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من الحجّار، والمزّي، والتّقي الصائغ، وأيوب الكحّال، وخلق بالشام، ومصر، وبغداد، والبصرة، وغيرها، وتفرّد بدمشق، وأتقن الفرائض، والعربية، والقراءات، وله فيها مؤلّفات حسنة مفيدة، وخرّج له السّرمريني «مشيخة» قرئت عليه، وأخذ عنه جماعات، منهم شمس الدّين بن الجزري، واستقرّ بعده في الإقراء بتربة أمّ الصّالح.
قال ابن حجر: وكان ثقة، صحيح النقل، وله نظم، وألّف مؤلفات محرّرة.
ومات في ثامن عشري شعبان وعمره ثمانون سنة. انتهى.
وفيها نور الدّين علي بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن مهدي الفوّي ثم المدني ثم المدلجي [3] .
عني بالحديث، وجال في البلاد، وسمع بالشام والعراق ومصر من ابن شاهد الجيش، وأبي حيّان، وابن عالي، والميدومي، وخلق. وحدّث بالإجازة عن
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 27) و «الدّرر الكامنة» (2/ 239) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 211) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 29) و «الدّرر الكامنة» (2/ 413) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 30) و «الدّرر الكامنة» (3/ 10) .(8/474)
الرّضي الطّبري، والحجّار، ومهر في العربية والحديث، واتفق له وهو ببلاد العجم أن شخصا حدّثه بحديث عن آخر عنه، فقال له: أنا الفوّي، أسمعه مني يعلو سندك، وهو نظير ما اتفق للطبراني مع الجعابي، وحدّث ببغداد، وأقام بالمدينة النّبوية مدة، ودرّس بها.
وتوفي بالقاهرة في ربيع الآخر، وسمع منه أبو حامد بن ظهيرة.
وفيها علاء الدّين علي بن زيادة بن عبد الرحمن الحبكي [1]- بحاء مهملة وباء موحدة وكاف، نسبة إلى قرية من قرى حوران- الشّافعي الإمام الجليل.
قدم دمشق، فاشتغل على ابن سلام، وحجي، ولازمه، وتفقه به، وحضر عند شيخ الشافعية ابن قاضي شهبة وغيره، وقرأ في الأصول والعربية، وكان الغالب عليه الفقه، وكان يفتي بأجرة، وعنده ديانة، وتورع، وملازمة لمباشرة وظائفه، لا يترك الحضور بها وإن بطّل المدرسون، وعنده وسواس في الطهارة.
مات في ذي القعدة، ودفن بمقبرة الصّوفية بتربة القاضي شهاب الدّين الزّهري، وكان صاحبه.
وفيها نور الدّين علي بن عبد الصّمد الحلاوي [2] المالكي الفرائضي.
انتهت إليه رئاسة الفقه، وكان مشاركا في الفنون، عارفا بالمعاني، والبيان، والحساب، والهندسة، وكان يدرّس بغير مطالعة، مع جودة القريحة، وسيلان الذهن، وانتفع به خلق.
وتوفي في العشر الأخير من ذي الحجّة.
وفيها عمر بن عمرو بن يونس بن حمزة بن عبّاس العدوي الإربلي ثم الصالحي ابن القطان [3] ، نزيل صفد.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 31) و «الدّرر الكامنة» (3/ 50) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 212) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 32) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 32) .(8/475)
سمع من التّقي سليمان، والفخر عبد الدائم، وابن الزرّاد، وغيرهم.
وكان فاضلا، مقرئا للسبع، طلب الحديث، وكتب الكثير، وحدّث، وسمع منه ابن رافع، وكتب عنه في «معجمه» ومات قبله بمدة، وخرّج له الياسوفي جزءا، وعاش ستا وثمانين سنة سواء. قاله ابن حجر.
وفيها جمال الدّين محمد بن أبي بكر بن أحمد الدوالي الزّبيدي الشافعي [1] .
كان عارفا بالأدب، مشاركا في غيره، مع الصّلاح والعبادة، وآثاره سائرة باليمن. قاله ابن حجر.
وفيها شمس الدّين محمد بن نجم الدّين عمر بن شرف الدّين محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب بن قاضي شهبة الدمشقي الأسدي الشافعي، جدّ الشيخ تقي الدّين ابن قاضي شهبة صاحب «طبقات الشافعية» [2] .
قال تقي الدّين المذكور في «الطبقات» المذكورة: هو جدي مولده في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وستمائة، وتفقه بعمّه الشيخ كمال الدّين، والشيخ برهان الدّين الفزاري، وأخذ النّحو عن عمّه المذكور، ولما توفي عمّه سنة ست وعشرين جلس مكانه، يشغل إلى أن ضعف، وانقطع بعد السبعين، كل ذلك وهو منجمع عن الناس، مقبل على العبادة وعدم الالتفات إلى أمور الدنيا، راضيا بالعيش الخشن، يخدم نفسه، ويشتري الحاجة ويحملها، وقد أخذ الناس عنه العلم طبقة بعد طبقة، وممن أخذ عنه من كبار العلماء: ابن خطيب يبرود، وابن كثير، والأذرعي. وولي في آخره تدريس الشامية البرانية بغير سؤال، فباشرها
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 33) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 35) و «الدّرر الكامنة» (4/ 110) و «النجوم الزاهرة» (11/ 206) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 236- 241) .(8/476)
سنة وثلاثة أشهر، ثم نزل عنها لضعفه، وقد سمع من ابن الموازيني وغيره، وحدّث، فسمع منه خلق من الحفّاظ والمحدّثين، منهم: العراقي، والهيثمي، والقرشي، وابن سند، وابن حجي، والحسباني، والياسوفي، وغيرهم.
قال ابن رافع: كان ابن قاضي شهبة بالشام مثل مجد الدّين الزّنكلوني بالقاهرة، وجميع الجماعة طلبته.
وقال ابن حجي: كان عنده انجماع عن الناس، وعدم معرفة بأمور الدنيا، بمعزل عن طلب الرئاسة والدخول في المناصب، على أنه قد ولي نيابة الحكم بإشارة الشيخ تقي الدّين السّبكي، وكان لا يتصدى لذلك، وكان علماء البلد والمشار إليهم فيها غالبهم تلاميذه وتلاميذ تلاميذه.
وتوفي في المحرم ودفن بباب الصغير إلى جانب عمّه الشيخ كمال الدّين.
وفيها جلال الدّين محمد بن محمد بن عبد الله بن محمود قاضي الحنفية، يلقّب جار الله، ويقال له الجار [1] .
تقدم عند الأشرف بالطبّ، وكان نائبا في الحكم عن صهره السراج الهندي، وكان بارعا في العلوم العقلية، كالطب وغيره، وولي مشيخة سعيد السعداء، ودرّس في المنصورية وجامع ابن طولون، وولي قضاء الحنفية استقلالا إلى أن مات في رجب وقد جاوز الثمانين.
وفيها شمس الدّين محمد الحكري المقرئ [2] .
قرأ على البرهان الحكري، وناب في الحكم بجامع الصالح، وولي قضاء القدس وغزة.
قال ابن حجر: ذكر لي الشيخ برهان الدّين بن رفاعة الغزّي أنه قرأ عليه القراءات وأذن له في الإقراء. توفي في ذي الحجّة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 38) و «النجوم الزاهرة» (11/ 203) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 40) و «النجوم الزاهرة» (11/ 206) .(8/477)
وفيها محيى الدّين يحيى بن يوسف بن محمد بن يحيى المكّي الشاعر الشافعي المعروف بالمبشّر [1] .
مدح أمراء مكة، وكتب لهم الإنشاء، وكان غاية في الذكاء ويسّر عليه الحفظ. حفظ «التنبيه» في أربعة أشهر، وكان سمع من نجم الدّين الطّبري، وعيسى الحجّي، وغيرهما، وعاش سبعين سنة.
وفيها أبو القاسم بن أحمد بن عبد الصمد اليماني المقرئ [2] ، نزيل مكة.
تصدّى للقراءات وأتقنها، وأقرأ الناس، حتّى يقال: إن الجنّ كانوا يقرؤون عليه. قاله ابن حجر.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 41) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 42) .(8/478)
سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد القادر بن عبد الغني بن محمد بن أحمد بن سالم بن داود الأذرعي [1]- بفتح أوله والراء وسكون الذال المعجمة، نسبة إلى أذرعات بكسر الراء ناحية بالشام [2]- الشافعي، نزيل حلب.
ولد سنة سبع وسبعمائة، وتفقه بدمشق قليلا، وناب في بعض النّواحي في الحكم، ثم تحوّل إلى حلب فقطنها، وناب في الحكم بها، ثم ترك ذلك، وأقبل على الاشتغال، والتّصنيف، والفتوى، والتدريس، وجمع الكتب. حتّى اجتمع عنده منها ما لم يحصل [عند غيره، وظفر من النقول بما لم يحصل] [3] لأهل عصره، وذلك بيّن في تصانيفه، وهو ثبت في النقل وبسيط في التصرفات، قاصر في غير الفقه. وسمع من طائفة وأجاز له القاسم بن عساكر، والحجّار، وغيرهما. وكان اشتغاله على كبر. وسبب همته في الاشتغال أنه رأى في المنام رجلا واقفا أمامه، وهو ينشد:
كيف نرجو [4] استجابة لدعاء ... قد سددنا طريقه بالذّنوب
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 61- 63) و «الدّرر الكامنة» (1/ 125- 128) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 190- 194) .
[2] قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 130) : أذرعات: جمع أذرعة، جمع ذراع، جمع قلّة.
وهو بلد في أطراف الشام، يجاور أرض البلقاء وعمّان.
[3] ما بين القوسين سقط من «ط» .
[4] في «ط» : «كيف ترجو» .(8/479)
قال: فأنشدته:
كيف لا يستجيب ربّي دعائي ... وهو سبحانه دعاني إليه
مع رجائي لفضله وابتهالي ... واتّكالي في كلّ خطب عليه
قال: وانتبهت وأنا أحفظ لأبيات الثلاثة.
قال الحافظ ابن حجر: اشتهرت فتاويه في البلاد الحلبية، وكان سريع الكتابة، صادق اللهجة، شديد الخوف من الله تعالى، وقدم القاهرة بعد موت الإسنوي، وأخذ عنه بعض أهلها، ثم رجع، ورحل إليه فضلاء المصريين، كالشيخ بدر الدّين الزّركشي، والشيخ برهان الدّين البيجوري، وأذن بالإفتاء لشرف الدّين الأنصاري، وشرف الدّين الدّاديخي، وقد بالغ ابن حبيب في الثناء عليه في «ذيله» على تاريخ والده [1] .
ومن تصانيفه: «القوت على المنهاج» في عشر مجلدات، و «الغنية» أصغر من «القوت» و «المتوسط» ، و «الفتح بين الروضة والشرح» في نحو عشرين مجلدا، وغير ذلك. وضعف بصره في آخر عمره، وثقل سمعه جدا، وسقط من سلّم فانكسرت [2] رجله، فصار ضعيف المشي، وانتهت إليه رئاسة العلم بحلب، وتوفي بها في جمادى الآخرة، ودفن خارج باب المقام تجاه تربة ابن الصّاحب.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن غانم بن كتامة [3] المحدّث ابن المحدّث. سمع من القاسم بن عساكر، وأبي نصر بن الشّيرازي، وغيرهما. وحدّث، وولي. نيابة الحكم، وتوفي بدمشق في رجب.
وفيها ركن الدّين أحمد بن محمد بن عبد المؤمن الحنفي القرميّ، ويقال له أيضا: قاضي قرم [4] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ولده» وما أثبته هو الصواب.
[2] تحرفت في «ط» إلى «فالكسرت» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 63) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 64) و «النجوم الزاهرة» (11/ 217) و «الطبقات السنية» (2/ 65) .(8/480)
قدم القاهرة بعد أن حكم بقرم ثلاثين سنة، فناب في الحكم، وولي إفتاء دار العدل، ودرّس بالجامع الأزهر وغيره، وجمع شرحا على «البخاري» استمدّ فيه من شرح ابن الملقّن.
قال العزّ بن جماعة: ولما ولي ركن الدّين التدريس قال: لأذكرنّ لكم ما لم تسمعوه، فعمل درسا حافلا، فاتفق أنه وقع منه شيء، فبادر جماعة وتعصبوا عليه وكفّروه، فبادر إلى الشيخ سراج الدّين الهندي، وكان قد استنابه في الحكم، فادعى عليه عنده، وحكم بإسلامه، فاتفق أنّه حضر درس السّراج الهندي بعد ذلك، ووقع من السّراج شيء، فبادر الرّكن وقال: هذا كفر، فضحك السّراج حتّى استلقى على قفاه، وقال: يا شيخ ركن الدّين تكفّر من حكم بإسلامك، فأخجله. توفي الرّكن في رجب.
وفيها جمال الدّين إسماعيل بن أبي البركات بن أبي العزّ بن صالح الحنفي، المعروف بابن الكشك [1] ، قاضي دمشق، وليها بعد القاضي جمال الدّين بن السّراج، فباشر دون السنة، وتركه لولده نجم الدّين، ودرّس بعدة مدارس بدمشق، وكان جامعا بين العلم والعمل، وكان مصمما في الأمور، حسن السيرة.
توفي في شوال أو بعده بدمشق وقد جاوز التسعين.
وفيها أنس [2] بن عبد الله الشّركسي [3] ، والد برقوق الملك.
كان كثير البرّ والشفقة، لا يمرّ به مقيّد إلّا ويطلقه، ولا سيما إذا رأى الذين يعمرون في المدرسة التي ابتدأ بعمارتها.
توفي في شوال ودفن بتربة يونس، ثم نقل إلى المدرسة، وأعطى ولده جلال الدّين التباني ألف مثقال وستمائة مثقال ذهبا ليحج عنه، ويقال: إنه جاوز التسعين، وكان مستقرا في خدمة قطلوبغا.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 65- 66) .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» مصدر المؤلف: «أنس» وفي «النجوم الزاهرة» : «آنص» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 66) و «النجوم الزاهرة» (11/ 218) .(8/481)
وفيها عماد الدّين أبو بكر بن يوسف بن عبد القادر الخليلي ثم الصالحي الحنبلي [1] ، الشيخ الإمام. أحد أعيان شهود الحكم العزيز بدمشق.
ولد بعد السبعمائة، وسمع من الحجّار، وجماعة، وحدّث عن ابن الشّحنة وغيره، وكان من فضلاء المقادسة، مليح الكتابة، حسن الفهم، له إلمام بالحديث.
سمع من جماعة، وقرأ بنفسه قليلا، وتوفي بدمشق يوم الثلاثاء ثامن جمادى الأولى، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها أم الهنا جويرية [2] بنت أحمد بن أحمد بن الحسن بن موسك الهكّاري [3] .
سمعت من ابن الصّوّاف مسموعه من النسائي، و «مسند الحميدي» ومن علي ابن القيّم ما عنده من «صحيح الإسماعيلي» . وكانت خيّرة، دينة، أكثر الطلبة عنها.
توفيت في صفر.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن حسن الأنصاري بن حديدة [4] .
ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وسمع من ابن شاهد الجيش، وإسماعيل التفليسي، وابن الإخوة، وغيرهم، وعني بالحديث، وكتب الأجزاء والطّباق. وسمع كتابا سمّاه «المصباح المضيء» . وكان خازن الكتب بالخانقاه الصّلاحية بالقاهرة، وربما سمّي محمدا. وكان يذكر أنه سمع من الحجّار، ولم يظفروا له بذلك، مع أنه حدّث عنه بالثلاثيات. توفي في شعبان.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 68) و «القلائد الجوهرية» (2/ 572) .
[2] مختلف في اسمها وكنيتها، ففي «الدّرر الكامنة» اسمها «جويرية» وكنيتها «أمّ أبيها» وفي «النجوم الزاهرة» : اسمها «جويرية» ولم يذكر كنية لها.
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 68) و «الدّرر الكامنة» (1/ 544) و «النجوم الزاهرة» (11/ 221) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 71) و «الدّرر الكامنة» (2/ 273) و «الأعلام» (6/ 286) .(8/482)
وفيها فاطمة بنت الشّهاب أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر الحرازي المكية [1] ، المدينة.
سمعت على جدّها لأبيها الرّضي الطّبري الكثير، وسمعت على أخيه الصّفي حضورا، وأجاز لها الفخر التّوزري، والعفيف الدلاصي، وأبو بكر الدّشتي، والمطعم وآخرون، وكانت خيّرة.
ماتت في شوال عن ثلاث وسبعين سنة.
وفيها أبو سعيد فرج بن قاسم بن أحمد بن لبّ، وقيل: ليث، الثعلبي الغرناطي [2] .
قال في «تاريخ غرناطة» : كان عارفا بالعربية واللغة، مبرزا في التفسير قائما على القراءات، مشاركا في الأصلين، والفرائض، والأدب، جيد الحفظ والنظم، والنثر، قعد للتدريس ببلده على وفور الشيوخ، وولي الخطابة بالجامع، وكان معظّما عند الخاصة والعامة. قرأ على أبي الحسن القيجاطي، والعربية على أبي عبد الله بن الفخّار. وروى عن محمد بن جابر الوادياشي.
قال ابن حجر: وصنّف كتابا في الباء الموحدة، وأخذ عنه شيخنا بالإجازة قاسم بن علي المالقي.
وفيها أمين الدّين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الدمشقي ابن الشّماع الشّافعي [3] .
ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من وزيره «مسند الشافعي» بفوت يسير، و «صحيح البخاري» . وسمع على التّقي محمد بن عمر الحريري «تفسير الكواشي» بروايته عنه. ودرّس بالفقه، وأذن له الشرف البارزي في الإفتاء، وناب عن عزّ الدّين بن جماعة. وولي قضاء القدس عن السّبكي الكبير،
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 77) و «الدّرر الكامنة» (3/ 221) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 77) و «الإحاطة» (4/ 253- 255) و «بغية الوعاة» (2/ 243) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 78) و «الدّرر الكامنة» (3/ 285) .(8/483)
ثم ترك ذلك، وجاور بمكّة، فمات بها في نصف صفر.
وفيها فخر الدّين محمد بن عبد الله بن العماد إبراهيم بن النّجم أحمد بن محمد بن خلف الحنبلي الحاسب [1] .
سمع من التّقي سليمان، والحجّار، وطبقتهما، واشتغل بالفقه والفرائض والعربية، وأفتى ودرّس، وكان حسن الخلق تامّ الخلق، فيه دين، ومروءة ولطف، وسلامة باطن. مهر في الفرائض والعربية، وكان عارفا بالحساب، وذكر لقضاء الحنابلة فلم يتم له [2] ذلك.
مات راجعا من القدس بدمشق.
وفيها محمد بن عثمان بن حسن بن علي الرّقّي ثم الصالحي المؤذن [3] .
ولد سنة اثنتي أو ثلاث عشرة وسبعمائة، وسمع «صحيح البخاري» على عيسى المطعم، وأبي بكر بن عبد الدائم، وغيرهما، وحضر على التّقي سليمان، وسمع وهو كبير من المزّي، والجزري، والسّلاوي، وغيرهم. وأجاز له الدشتي وطبقته من دمشق، وابن مخلوق، وحسن الكردي، وعلي بن عبد العظيم، وابن المهتار، والوداعي، وابن مكتوم، وغيرهم من مصر والإسكندرية. وخرّج له ابن حجي «مشيخة» . وكان على طريقة السّلف من السّكون، والتواضع، والعفّة، وكفّ اللّسان، وكان عارفا بعلم الميقات، ويقرئ الناس متبرعا [4] . مات في شعبان.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن نبهان بن عمر بن نبهان [5] ، شيخ زاوية قرية جبرين [6] . سمع من عمّ أبيه صافي بن نبهان،
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 79) .
[2] لفظة «له» سقطت من «آ» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 79) و «الدّرر الكامنة» (4/ 41) .
[4] في «ط» : «تبرعا» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 80) و «الدّرر الكامنة» (4/ 86) .
[6] قال ياقوت: جبرين قورسطايا: بضم القاف، وسكون الواو، وفتح الراء، وسكون السين(8/484)
وحدّث، فسمع منه البرهان سبط ابن العجمي، وأثنى عليه القاضي علاء الدين في «تاريخ حلب» . وتوفي في صفر.
وفيها محمد بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمد بن محمود بن عبد الله الزّريدي [1] ، الحنفي، قاضي المدينة بعد أبيه.
كان فاضلا، متواضعا، يكنى أبا الفتح، وهو بها أشهر.
وفيها محمد بن عمر بن مشرف الأنصاري الشّيرازي، الملقب طقطق [2] .
ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، وسمع من المزّي وغيره، وحدّث، وكان شيخا ظريفا يحفظ أشعارا ويذاكر بأشياء، ويتردد إلى مدارس الشافعية.
مات في جمادى الآخرة. قاله ابن حجر.
وفيها أبو حامد، وأبو المجد، وأبو الفيّاض، محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن رشيد الجمال السّرائي الأصل الدمشقي [3] .
ولد بسراي في الثاني والعشرين من جمادى الأولى، سنة سبع وسبعمائة، وقدم الشام كبيرا، وعني بالحديث على كبر، وطلبه، فسمع من الميدومي وغيره، [وكتب بخطّه الحسن، ونظم الشعر المقبول، وكتب عنه ابن سند، وسبط ابن العجمي، وغيرهما] [4] ، وكان ديّنا، خيّرا، يكنى أبا حامد، وأبا المجد، وأبا الفيّاض، وكان له ورع زائد، ولم يكن يملك شيئا إلّا ما هو
__________
المهملة، وطاء مهملة، وألف وياء وألف: من قرى حلب من ناحية عزاز، ويعرف أيضا بجبرين الشمالي. وينسبون إليها جبراني على غير قياس. انظر «معجم البلدان» (2/ 101- 102) .
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 81) وفيه «الزرندي» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 81) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 81) و «الدّرر الكامنة» (4/ 230) .
[4] ما بين القوسين سقط من «آ» .(8/485)
لابسه، وكان تارة يمشي بطاقية ولا يتكلّف هيئة، مع التواضع، والبشاشة، وحسن الخلق والخلق، وكان العلماء يترددون إليه ولا يقوم لأحد.
وفيها يعقوب بن عبد الله المغربي المالكي [1] .
قال ابن حجر: كان عارفا بالفقه، والأصول، والعربية، وانتفع الناس به، ومات في صفر.
وفيها ولي الدّين يوسف بن ماجد بن أبي المجد بن عبد الخالق المرداوي الحنبلي [2] .
كان فاضلا، فقيها، وامتحن مرارا بسبب فتياه بمسألة ابن تيميّة في الطّلاق، وكذا في عدة مسائل، وحدّث عن الحجّار، وابن الرّضي، والشّرف بن الحافظ، وغيرهم، وكان شديد التعصب لمسائل ابن تيمية، وسجن بسبب ذلك، ولا يرجع حتّى إنه بلغه أن الشيخ شهاب الدّين بن المصري يحطّ في درسه على ابن تيميّة في الجامع، فجاء إليه وضربه بيده وأهانه.
مات في تاسع عشر صفر. قاله ابن حجر.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 83) .
[2] انظر «المقصد الأرشد» (3/ 147- 148) و «الجوهر المنضد» ص (179) و «السحب الوابلة» ص (493) .(8/486)
سنة أربع وثمانين وسبعمائة
فيها كان ابتداء دولة الجراكسة، فإنه خلع الصالح القلاووني، وتسلطن برقوق، ولقّب الظّاهر، وهو أول من تسلطن من الجراكسة، وسيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى.
وفيها وقع الطّاعون بدمشق وتزايد في صفر ثم تناقص.
وفيها وقع الغلاء الشديد بمصر ثم فرّج الله تعالى.
وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب الصّالحي الحنبلي، المعروف بابن النّاصح [1] ، الإمام العلّامة.
ولد سنة اثنتين وسبعمائة، وسمع من القاضي تقي الدّين سليمان، وأبي بكر بن عبد الدائم، وست الوزراء بنت منجّى.
قال الشيخ شهاب الدّين بن حجي: حدّث وسمعنا منه، وكان يباشر في أوقاف الحنابلة، وهو رجل جيد، وبه صمم كأبيه.
توفي يوم الأربعاء ثالث المحرم ودفن بسفح قاسيون.
وفيها همام الدّين أمير غالب بن قوام الدّين أمير كاتب بن أمير عمر بن العميد بن أمير غالب القلاني الإتقاني [2] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 105) و «الدّرر الكامنة» (1/ 179) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 108) و «النجوم الزاهرة» (11/ 294) و «الدّرر الكامنة» (1/ 416) .(8/487)
كان بزيّ الجند، وله أقطاع، ثم ولي الحسبة فبدت منه عجائب، ثم ولي قضاء الحنفية سنة ثمانين، وانتزع التدريس [1] من علماء الحنفية، وكان مع فرط جهله وقلّة دينه، سليم الصّدر، جوادا، ويحكى عنه في أحكامه أشياء ما تحكى عن قراقوش وأطمّ، حتّى أنه حلّف امرأة ادعت وحكم على المدعي عليه أن يدفع لها ما حلفت عليه، وحكى ابن جماعة أنه قدمت إليه قصة فيها فلان له دعوى شرعية على شخص يسمّى أسد، فكتب إن كان وحشيا فلا يحضر.
مات في جمادى الأولى عن خمسين سنة. قاله ابن حجر.
وفيها تقي الدّين صالح بن إبراهيم بن صالح بن عبد الوهاب بن أحمد بن أبي الفتح بن سحنون التّنوخي الحنفي بن خطيب النّيرب [2] .
ولد سنة عشرين أو قبلها، وحضر على زينب بنت عبد السلام «مسند أنس» ثم سمعه عليها، وعلى أبي بكر بن عسر من لفظ البرزالي وغيرهم، وحدّث، وكان يشهد عنه جامع تنكز، وفيه انجماع وسكون.
مات مطعونا في جمادى الأولى.
وفيها عبّاس بن عبد المؤمن بن عبّاس الكفرماوي الحازمي الشافعي [3] ، قاضي جبة عسال.
ولد قبل العشرين، وحضر عند الشيخ برهان الدّين بن الفركاح، واشتغل قديما، وولاه السّبكي الكبير قضاء الخليل، وسمع من الجزري، وابن النّقيب، وحدّث، وتولّى عدة بلاد، ثم ناب بدمشق عن ولي الدّين بن أبي البقاء، ثم ولي قضاء صفد سنة ثمانين، ومات في رجب.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن حمدان العينتاوي [4] .
__________
[1] في «آ» و «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف: «التداريس» وفي «ط» : التدريس» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 111) و «الدّرر الكامنة» (2/ 202) وفيه «صالح بن عبد الوهاب» منسوبا إلى جدّه.
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 111) وفيه «الحارميّ» بالراء.
[4] في «آ» و «ط» : «العيفناوي» والتصحيح من «إنباء الغمر» (2/ 112) مصدر المؤلف.(8/488)
ولد بعينتا [1] من نابلس، وكان حنبليا، فقدم الشام لطلب العلم، وتفقه بابن مفلح وغيره، وسمع من جماعة، وتميّز في الفقه، واختصر «الأحكام» للمرداوي، مع الدّين والتعفف. قاله ابن حجر.
وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن عبد المحيي بن عبد الخالق الأسيوطي المصري الشافعي [2] .
سمع على الدّبوسي وغيره، وعني بالفقه، ودرّس في حياة ابن غيلان، ويقال: إن الشيخ سراج الدّين قرأ عليه في بداية أمره، وتفقه به جماعة، ومات في ذي الحجّة وقد جاوز الثمانين.
وفيها بدر الدّين عبد الوهاب بن كمال الدّين أحمد بن علم الدّين محمد بن أبي بكر الأخنائي الشافعي ثم المالكي [3] .
ولي القضاء، وحدّث عن صالح الأشنهي [4] ، وعبد الغفار السّعدي وغيرهما، وعزل سنة تسع وسبعين بالبساطي، فأقام معزولا، ثم حجّ وجاور في الرّحبية سنة ثلاث وثمانين، ثم رجع فتوعك إلى أن مات في سادس عشر رجب.
وفيها زين الدّين عمر بن علي بن أبي بكر بن الفوي [5] ، خطيب طرابلس.
ولد سنة نيف وعشرين، وكان يقرأ «الصحيح» قراءة حسنة، ويفهم الحديث، وله عناية بضبط رجاله.
مات في المحرم بحماة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «بعيفنا» والتصحيح من «إنباء الغمر» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 113) و «الدّرر الكامنة» (2/ 377) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 113) و «النجوم الزاهرة» (11/ 294) واسم جدّه فيه: «علم الدّين محمود» .
[4] في «ط» : «الأشمني» وفي «إنباء الغمر» : «الأشهي» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 115) .(8/489)
وفيها قيس بن يمن بن قيس الصّالحي [1] . سمع من أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم. ويحيى بن سعيد وجماعة، وحدث، ومات في ذي الحجة.
وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن راضي الصّلتي [2] .
ولد سنة عشر، واشتغل، وقرأ كتبا، وقدم دمشق فاشتغل بالشامية، ثم دخل مصر بعد السبعين، وولى القضاء بقوص وغيرها، ثم رجع فمات بمصر في المحرم.
وفيها محمد بن إبراهيم الجرماني ثم الدمشقي الحنبلي [3] .
ولد قبل الأربعين، وسمع الحديث من جماعة، وتفقه بابن مفلح وغيره، حتّى برع وأفتى، وكان إماما في العربية، مع العفّة والصّيانة والذكاء وحسن الإقراء، ومات بدمشق. قاله ابن حجر في «إنباء الغمر» .
وفيها شرف الدّين محمد بن عبد الله الأرزكياني [4]- بالفتح، فالسكون، ففتح الزاي، وكسر الكاف، فتحتية، فنون، نسبة إلى أرزكيان، رجل من بخارى، أسلم على يد علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-.
قال ابن حجر: كان أحد فضلاء العجم. شرح «المشارق» و «الكشّاف» وانتفع به أهل تلك البلاد، وكان قدم الشام قبل الثمانين أيام أبي البقاء، وقرئ عليه «الكشّاف» وغيره، وقد نقل عنه الشيخ شمس الدّين بن الصّايغ في شرحه للمشارق شيئا كثيرا. انتهى.
وفيها موفق الدّين محمد بن محمد بن عبد الله بن الحاسب الحنبلي [5] ، الإمام العالم تفقه في المذهب وحفظ «المقنع» حفظا جيدا، وكان يستحضره، وله
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 115) و «الدّرر الكامنة» (3/ 259) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 115) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 116) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 117) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 118) و «المقصد الأرشد» (2/ 516) .(8/490)
فضيلة، وكان من النّجباء الأخيار عنده حياء وتواضع، وهو سبط الشّيخ صلاح الدّين بن أبي عمر، وكان يؤمّ بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر.
توفي يوم الأحد ثاني عشري صفر ولعله بلغ الثلاثين [1] سنة.
وفيها جمال الدّين محمد بن محمد بن علي بن يوسف النيسابوري [2] الخطيب الشافعي القاضي الإسنوي.
قدم مصر سنة إحدى وعشرين، وسمع على الحجّار، وتفقه على القطب السّنباطي، وابن القمّاح، وابن عدلان، وغيرهم. وأخذ العربية عن والد سراج الدّين ابن الملقن، ودرّس، وأفتى، وشرح «التعجيز» في الفقه، وناب في الحكم، وكان عالما، خيّرا، ذا مهابة وصيانة وعفاف، قائما بالحقّ، حتّى إنه كتب على قصة سئل فيها أن يحضر يلبغا- وهو إذ ذاك صاحب المملكة- يحضر هو [3] أو وكيله، فلما وقف عليها يلبغا عظم قدره عنده، ويقال: إن ذلك كان بطريق الامتحان من يلبغا، وإنه لما جاءه الرسول قال له: قل له: إني أصالح غريمي، فقال له الرسول: والله ما أقدر أن أروح إلّا ومعي وكيل أو الغريم، يقول: قد رضيت فأعجبه ذلك ودفع للرسول ألف درهم، وأرسل للقاضي ذهبا وبغلة، فردّ ذلك، فاشتد اغتباطه به واعتقاده فيه، وكان في سمعه ثقل في كبره، ولذلك يقال له: الأطروش.
مات في ثامن ربيع الأول.
وفيها محمد بن محمد بن ناصر بن أبي الفضل الفرّاء الحمصي ثم الحلبي، المعروف بابن رياح، ويعرف أيضا بالقيّم وبالفقيه [4] .
__________
[1] في «المنهج الأحمد» : «ولعله بلغ الثمانين» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 118) و «الدّرر الكامنة» (4/ 98) و «النجوم الزاهرة» (11/ 295) وفيه «الأسواني» .
[3] لفظة «هو» سقطت من «آ» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 119) و «الدّرر الكامنة» (4/ 241) .(8/491)
ولد بحمص سنة ست وسبعمائة، وكان يحفظ القرآن ويتعانى التجارة في الفراء، وكان مشكورا في صناعته، وحدّث ب «صحيح البخاري» عن ابن الشّحنة، وكان سماعه منه سنة سبع عشرة بحمص، ومات في جمادى الآخرة.
وفيها شرف الدّين محمد بن محمد بن يوسف المرداوي الحنبلي [1] ، سبط القاضي جمال الدّين.
ولد قبل الأربعين، وأخد عن جدّه، وتخرّج بابن مفلح، وسمع الحديث من جماعة ولم يكن بالصّين. مات في ربيع الآخر. قاله ابن حجر.
وفيها جلال الدّين محمد بن النّظام محمود الشّافعي [2] ، إمام منكلي بغا.
كان عارفا بالفقه والأصول والعربية والنظم، أخذ عن بهاء الدّين الإخميمي، وأبي البقاء، وتصدّر بالجامع، وكان بزي الجند، وكان يعرف قديما بابن صاحب شيراز، وحفظ «الحاوي الصغير» وغير ذلك، وتوفي في رمضان.
وفيها مفتاح الزّيني السّبكي، مولى زين الدّين عبد الكافي، والد تقي الدّين السّبكي [3] . وكان تقي الدّين يركن إليه وكلمته نافذة عنده، وسمع من أولاده، ومن زينب بنت الكمال، وغيرها، وحدّث.
توفي في جمادى الآخرة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 120) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 120) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 121) .(8/492)
سنة خمس وثمانين وسبعمائة
فيها أحدث المؤذنون عقب الأذان الصّلاة والتّسليم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وذلك بأمر نجم الدّين الطّنبذي المحتسب [1] .
وفيها قبض برقوق على الخليفة المتوكل وخلعه وحبسه بقلعة الجبل، وبويع بالخلافة محمد بن إبراهيم بن المستمسك بالله بن الحاكم العبّاسي ولقّب الواثق بالله.
وفي جمادى الآخرة منها أعيد الصّالح حاجي إلى السلطنة وغيّر لقبه بالمنصور، وحبس برقوق بالكرك ثم خرج من الحبس وعاد إلى ملكه.
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الله التّهامي [2] قاضي الشرع بزبيد. قضى بها نيفا وخمسين سنة، وتوفي في جمادى الآخرة.
__________
[1] قلت: إن كانت الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من القربات إلى الله تعالى، ومما حضّ عليه التنزيل العزيز في قوله تعالى: إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً 33: 56 (الأحزاب: 56) . وحضت عليه السّنّة المطهّرة في أحاديث كثيرة كحديث «البخيل من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ» وهو حديث صحيح انظر تخريجه في «جلاء الأفهام» ص (90) ، إلّا أن ذلك لا يعني التساهل في الجهر بالصلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الأذان الذي علّمه الملك للصحابي الجليل عبد الله بن زيد الأنصاري ونقله إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما علّمه إيّاه فبدأ ب «الله أكبر» ، وانتهى ب «لا إله إلّا الله» وما زاد على ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا، وما زاد عليه الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم، ولا التابعون ولا أتباع التابعين ومن بعدهم، حتى كانت هذه السنة (785) هـ التي أحدثت فيها هذه الصلاة بأمر نجم الدّين الطّنبذي هذا، ثم أخذ بها المقلدون من المشايخ والعوام وزادوا فيها الكثير الكثير إلى أن بلغت الصلاة على النّبيّ في بعض المساجد عندنا في الشام أطول ألفاظا من الأذان أو هي قريبة منه ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، ونسأله تعالى أن يوفقنا إلى النهج السليم والعمل الصالح واتباع النصوص، وإن خالفت هوى المخالفين وأسخطتهم.
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 141) .(8/493)
وفيها أبو بكر أحمد بن أبي القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الكلبي ابن جزيّ [1] .
أجاز له أبو عبد الله بن رشيد، وابن الرّبيع، وابن برطال، ومن مصر الحجّار وابن جماعة، وسمع من الوادياشي وخلق، وكان عالما بالفقه، والفرائض، والعربية، والنظم، وشرح «الألفية» وغيرها، وولي الخطابة بغرناطة والقضاء [2] بها، ونظمه سائر كأبيه.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عمر بن الخضر بن مسلم الدمشقي الحنفي المعروف بابن خضر [3] .
ولد سنة ست وسبعمائة، وكان يدري الفقه والأصول، ودرّس بأماكن، وسمع من عيسى المطعم والحجّار، وغيرهما، وكان فاضلا. حدّث بدمشق وولي إفتاء دار العدل بها، وكان جلدا قويا، وشرح «الدّرر» للقونوي في مجلدات، وتوفي بدمشق في رابع عشر رجب.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن يحيى بن مخلوف بن سري بن فضل الله بن سعد بن ساعد الأعرج السّعدي [4] .
اشتغل بالعلم، وتعانى بالأدب، ونظم الشعر وهو صغير، وأدّب الأطفال.
ومن شعره:
وكيف يروم الرّزق في مصر عاقل ... ومن دونه الأتراك بالسّيف والتّرس
وقد جمعته القبط من كلّ وجهه ... لأنفسهم بالرّبع والثّمن والخمس
فللتّرك والسّلطان ثلث خراجها ... وللقبط نصف والخلائق في السّدس
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 141) و «الدّرر الكامنة» (1/ 293) .
[2] تحرفت في «ط» إلى و «والقضاة» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 142) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 143) وفيه: «ابن مري» مكان «ابن سري» وانظر التعليق عليه.(8/494)
وفيها عماد الدّين أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن قيس بن نصر بن بردس بن رسلان البعلي [1] الحنبلي الحافظ الإمام.
ولد سنة عشرين وسبعمائة، وسمع من والده قطب الدّين اليونيني وطائفة، وعني بالحديث، ورحل في طلبه إلى دمشق، فأخذ عن مشايخها، وقرأ بنفسه، وكتب الكثير، ونظم «النهاية» لابن الأثير في غريب الحديث، ونظم «طبقات الحفّاظ» للذهبي. وخرّج وألقى المواعيد، وحدّث، وتخرّج به جماعة، وسمع منه ابنه الشيخ تاج الدّين، ومحمد بن نعمة الخطيب وغيرهما، وكان أحد الحفّاظ المكثرين المصنّفين المفيدين، حسن الخلق، كثير الدّيانة، لطيف البشرة.
توفي في العشر الآخر من شوال.
وفيها أمة العزيز بنت الحافظ شمس الدّين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي [2] .
حضرت على عيسى المطعم وغيره، وسمعت من الحجّار وغيره، وحدّثت.
وفيها بدر الدّين حسن بن منصور بن ناصر الزّرعي الشافعي [3] .
ناب في الحكم عن تاج الدّين السّبكي، ومن بعده، وكان أبوه قاضي نابلس، فأرسله إلى القدس ليشتغل، فأخذ عن تقي الدّين القلقشندي وغيره، ثم تنبّه، وولي القضاء في بعض البلاد، ثم استوطن دمشق، وناب في الحكم، وكان عنده تصميم [4] وقوة نفس، بحيث كان يعزل نفسه أحيانا. وباشر الأوقاف مباشرة حسنة، وعيّن مرّة لقضاء حلب، وتوفي في صفر.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 144) وفيه «ابن بردس» مكان «قيس» و «الدّرر الكامنة» (1/ 378) و «المقصد الأرشد» (1/ 273- 274) و «الأعلام» (1/ 324) ووفاته فيهما سنة (786 هـ) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 145) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 146) .
[4] تحرفت في «ط» إلى «تصمم» .(8/495)
وفيها قطب الدّين حيدر بن علي بن أبي بكر بن عمر الدّهقلي الشّيرازي [1] ، نزيل دمشق.
قال ابن حجر: سمع الكثير، وأسمع أولاده، وكتب الطّباق بخطّه، وأخذ عن أصحاب الفخر وغيرهم، وسكن الهند، ثم مات غريقا، وهو والد شيخنا عبد الرحمن. انتهى.
وفيها علم الدّين سليمان بن أحمد بن سليمان بن عبد الرحمن القاضي الحنبلي الكناني [2] العسقلاني المصري [3] .
قدم من بلده نابلس صغيرا، واشتغل بالقاهرة في المذهب وبرع فيه، وصار من أعيان الجماعة، وأفتى، وتزوج بابنة قاضي القضاة موفق الدّين [وولي إعادات لدروس الحنابلة، وولي نيابة الحكم بمصر، وارتقى إلى أن صار أكبر النّواب، وتوفي يوم الاثنين ثالث عشري جمادى الآخرة بالقاهرة، ودفن بتربة القاضي موفق الدّين] [4] خارج باب النّصر.
وفيها ولي الدّين أبو ذرّ عبد الله ابن أبي البقاء بهاء الدّين محمد بن عبد البرّ السّبكي الشافعي [5] .
ولد سنة خمس وعشرين بالقاهرة، وأحضر على يحيى بن فضل الله، ومحمد بن علي، وأبي نعيم الإسعردي، وغيرهم، ثم سمع بدمشق من الجزري، والمزّي، وبنت الكمال، وغيرهم، واشتغل بالعلم، ومهر في الآداب، وناب في الحكم عن أبيه بالقاهرة ودمشق، وعن تاج الدّين السّبكي، ثم استقلّ بالقضاء بعد أبيه، وكان ينظم جيدا، ويحفظ «الحاوي» ويذاكر به، ويدرّس منه، كان يدرّس في «الكشاف» وله مشاركة جيدة في العربية، وكان
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 146) .
[2] لفظة «الكناني» سقطت من «آ» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 147) و «النجوم الزاهرة» (11/ 298) .
[4] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 147) و «النجوم الزاهرة» (11/ 298) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 209) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 39) .(8/496)
قد باشر توقيع الدّست، وحج سنة ثلاث وخمسين، وسنة ثلاث وستين [1] ، وكان جيد الفهم، فطنا، عارفا بالأمور، كثير المداراة، لين العريكة، بعيدا من الشرّ، صبورا على الأذى، كثير الإحسان للفقراء سرّا، وتوفي في شوال بدمشق، ودفن عند أبيه بتربة السّبكيين.
وفيها فخر الدّين عثمان بن محمد بن محمد بن الحسن بن الحافظ عبد الغني [2] .
سمع من الحجّار، واشتغل في الفقه، وقرأ على التاج المرّاكشي، وسمع من ابن الرّضي، وبنت الكمال، وحفظ «التّسهيل» وحدّث وأفاد.
وتوفي في رجب.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن صقر الغسّاني [3] الشافعي [4] ، قاضي الأقضية بزبيد، وليها في زمن المجاهد، واستمر بضعا وثلاثين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عثمان الشّشتري [5] ثم المدني [6] .
سمع «الشفاء» على محمد بن محمد بن حريث، وتفرّد عنه به.
وتوفي في شعبان وله خمس وسبعون سنة.
وفيها محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الحسن المزّي الصّحراوي المعروف بابن قطليشا [7] .
__________
[1] يعني وسبعمائة.
[2] انظر «السحب الوابلة» ص (285) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «العنتابي» والتصحيح من مصدري الترجمة، وتصحفت لفظة «صقر» في «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» إلى «صفر» والتصحيح من «العقود اللؤلؤية» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 149) و «العقود اللؤلؤية» (2/ 177) .
[5] في «إنباء الغمر» : «التشتري» وفي «الدّرر الكامنة» : «التستري» وفي «التحفة اللطيفة» :
«الشستري» .
[6] انظر «إنباء الغمر» (2/ 150) و «الدّرر الكامنة» (3/ 338) و «التحفة اللطيفة» (3/ 477- 478) .
[7] انظر «إنباء الغمر» (2/ 151) .(8/497)
ولد سنة أربع عشرة، وسمع من ابن الشّيرازي وغيره، وكان يشهد قسم الغلّات بالمزّة، وحدّث فروى عنه الياسوفي، وابن حجي، وابن الشرائحي، وآخرون، وتوفي في شعبان عن ثلاث وسبعين سنة.
وفيها محمد بن صالح بن إسماعيل الكناني المدني [1] .
سمع من أبي عبد الله القصري [2] ، وتلا عليه بالسبع، وناب في الخطابة بالمدينة، وكان خيّرا، وتوفي في تاسع المحرم عن اثنتين وثمانين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن داود بن أحمد [3] بن يوسف المرداوي الحنبلي [4] .
كان ذا عناية بالفرائض، وقرأ الفقه، ولازم ابن مفلح، حتّى فضل، ودرّس، وتفقه أيضا بقاضي القضاة جمال الدّين المرداوي.
قال ابن حجي: كان يحفظ فروعا كثيرة وغرائب، وله ميل إلى الشافعية، وكان بشع الشّكل جدا.
توفي في ذي القعدة.
وفيها محمد بن محمد بن محمد بن محمود الصّالحي المنبجي [5] .
قال ابن حجر: كان من فضلاء الحنابلة، سمع الحديث، وحفظ
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 151) و «الدّرر الكامنة» (3/ 457) .
[2] في «آ» و «ط» : «الصّصري» وهو خطأ والتصحيح من «إنباء الغمر» وانظر «غاية النهاية» (2/ 47) .
[3] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «المنهج الأحمد» الورقة (468) من القسم المخطوط وهو مصدر المؤلف: «محمد بن عبد الله بن داود بن أحمد» وفي «إنباء الغمر» : «محمد بن عبيد بن داود بن أحمد ... » . وفي «المقصد الأرشد» و «الجوهر المنضد» : «محمد بن عبيد بن أحمد» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 152) و «المقصد الأرشد» (2/ 434) و «الجوهر المنضد» ص (129) .
[5] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «المنيحي» والتصحيح من «إنباء الغمر» (2/ 152) مصدر المؤلف، و «السحب الوابلة» ص (448) .(8/498)
«المقنع» وأفتى ودرّس، وكان يكتسب من حانوت له على طريق السّلف، مع الدّين، والتقشف، والتّعبّد.
مات في رمضان، وهو صاحب «الجزء» المشهور في الطاعون، ذكر فيه فوائد كثيرة، عمله في سنة أربع وستين. انتهى.
وفيها محمود بن الصّفدي الغرّابي [1]- نسبة إلى غرّابة بفتح المعجمة، وتشديد الراء، ثم موحدة من قرى صفد- الشّافعي. اشتغل بدمشق على الشيخين تاج الدّين المرّاكشي، وفخر المصري، وفضل وتنزل بالمدارس بدمشق، ثم رجع إلى صفد، فأقام بها يدرّس إلى أن مات بها في صفر.
وفيها شرف الدّين أبو البركات موسى بن محمد [بن محمد] [2] بن الشّهاب محمود [3] . أحد الفضلا في الأدب والكتابة.
كتب في الإنشاء، وفاق في حسن الخطّ والنّثر والنّظم، وناب في الحكم، وهو القائل وكتبها على مجموع:
ومجموع كعقد الدّر نظما ... على تفضيله الإجماع يعقد
يطابق كلّ معنى فيه حسنا ... فمجموعا تراه وهو مفرد
توفي بالرّملة عن ثلاث وأربعين سنة.
وفيها جمال الدّين يوسف بن محمد بن عبد الرحمن بن سندي بن المصري العطّار الرّسام [4] .
سمع من ابن الجزري، والمزّي، وحدّث، وتوفي في المحرم.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 153) .
[2] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 153) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 154) .(8/499)
سنة ست وثمانين وسبعمائة
فيها توفي إبراهيم بن سرايا الكفرماوي الدمشقي الشافعي المعروف بالحازمي [1] ، عرف بذلك لكونه ولي قضاءها. اشتغل كثيرا، وناب في الحكم عن ابن أبي البقاء.
قال ابن حجي: كانت عنده فضيلة، ويستحضر «الحاوي الصغير» وناب في عدة بلاد.
مات في ذي القعدة.
وفيها إبراهيم بن عيسى الحلبي [2] . أحد فقهاء الشافعية.
كان معيدا بالبادرائية، وبذلك اشتهر.
قال ابن حجي: كان على سمت السّلف، سليم الفطرة، وخطه ضعيف، لكنه ألّف كثيرا، ووقف كتبه، ومات في رمضان بطرابلس.
وفيها علم الدّين أبو الرّبيع سليمان بن خالد بن نعيم بن مقدّم بن محمد بن حسن بن تمّام بن محمد الطّائي البساطي المالكي [3] .
أصله من شبرابسيون [4] من الغربية، فنزل عمه عثمان ببساط [5] ، وأخوه خالد
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 165) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 166) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 168) و «الدّرر الكامنة» (2/ 148) و «النجوم الزاهرة» (11/ 300) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «سيرابسيون» والتصحيح من «إنباء الغمر» و «النجوم الزاهرة» و «التحفة السّنية بأسماء البلاد المصرية» لابن الجيعان ص (82) .
[5] في «آ» : «بساط» .(8/500)
في كفالته، فولد له سليمان هذا بها، ثم قدم القاهرة فصار عريفا بمكتب للسبيل، ثم ولي نيابة الحكم بجامع الصّالح ثم استقلّ بالقضاء بعد أن اشتغل وتمهّر، وناب عن الأخنائي، ثم سعى على بدر الدّين بجاه قرطاي بعد قتل الأشرف، حتّى استقلّ بالقضاء سنة ثمان وسبعين، وكان متقشفا، مطّرح التكلّف، وكان طعامه مبذولا لكل من دخل عليه.
قال ابن حجر: وكان يدّعي أنه يجتمع مع الخضر، وله في ذلك أخبار كثيرة يستنكر بعضها، وصرف عن القضاء في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين، فلزم داره إلى أن مات في سادس عشر صفر.
وفيها تقي الدّين عبد الرحمن بن محمد بن يوسف الحلبي الأصل ابن ناظر الجيش [1] .
ولد سنة ست وعشرين وسبعمائة، واشتغل بالعلم، وباشر كتابة الدّست في حياة أبيه، وتقدم في معرفة الفنّ، وصنف فيه تصنيفا لطيفا عليه اعتماد الموقعين إلى هذه الغاية، وكانت له عناية بالعلم، وسمع «الشفا» على الدلاصي وغيره، وولي نظر الجيش استقلالا بعد أبيه، وتوفي في حادي عشر جمادى الأولى.
وفيها عماد الدّين عبد الرحيم بن أحمد بن عبد الرحيم بن التّرجمان الحلبي [2] .
سمع حضورا على العزّ إبراهيم بن صالح، وسمع وهو كبير على غيره، وكان ذا ثروة، وبنى مكتبا للأيتام، ووقف عليه وقفا، وسمع منه برهان الدّين المحدّث، وتوفي يوم عيد الفطر.
وفيها أوحد الدّين عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين بن أبي حسن الإفريقي ثم المصري الحنفي، سبط القاضي كمال الدّين بن التركماني [3] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 171) و «النجوم الزاهرة» (11/ 301) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 171) و «الدّرر الكامنة» (2/ 353) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 172) وفيه: «ابن أبي حفص» و «الدّرر الكامنة» (2/ 421) وفيه:
«ابن أبي فيض» و «النجوم الزاهرة» (11/ 301) .(8/501)
اشتغل على مذهب الحنفية قليلا، وباشر توقيع الحكم، ثم اتصل ببرقوق أول ما تأمّر، والسبب في معرفته به أن شخصا يقال له يونس كان أميرا بطبلخاناه في حياة الأشرف، وكان أوحد الدّين شاهد ديوانه، فادعى برقوق أنه ابن عمّه عصبته، فساعده أوحد الدّين على ذلك إلى أن ثبت ذلك بالطريق الشرعي، فلما قبض برقوق الميراث ممن وضع يده عليه وهو أحمد بن الملك مولى يونس الميت المذكور، أعطى أوحد الدّين منها ثلاثة آلاف درهم، وهي إذ ذاك تساوي مائة وخمسين مثقالا ذهبا، فامتنع من أخذها واعتذر بأنه ما ساعده إلّا لله تعالى، فحسن اعتقاد برقوق فيه، فلما صار أمير طبلخاناه استخدمه شاهد ديوانه، ثم لما تأمّر جعله موقّعا عنده، فاستمر في خدمته، وبالغ في نصحه، واستقرّ موقع الدّست مع ذلك إلى أن تسلطن، فصيّره كاتب سرّه، وعزل بدر الدّين ابن فضل الله فباشرها أوحد الدّين مباشرة حسنة، مع حسن الخلق، وكثرة السّكون، وجمال الهيئة، وحسن الصّورة، والمعرفة التّامّة بالأمور، وبلغ من الحرمة ونفاذ الكلمة أمرا عجيبا لكن لم تطل مدته وضعف، ثم اشتدّ به الأمر حتّى ذهبت منه شهوة الطّعام، وابتلي بالقيء فصار لا يستقرّ في جوفه شيء إلى أن مات في ذي الحجّة ولم يكمل الأربعين.
وفيها القاضي جمال الدّين أبو الفضل محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن بن القاسم بن عبد الله النّويري- نسبة إلى النّويرة من عمل القاهرة- الشافعي المكّي [1] . كان ينسب إلى عقيل بن أبي طالب.
ولد في شعبان سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وسمع بدمشق من المزّي وغيره، وتفقه بدمشق على الشيخ شمس الدّين بن النّقيب، والتّقي السّبكي، والتّاج المراكشي، وغيرهم. وبمكّة من جماعة، وصار قاضي مكّة وخطيبها، وأخذ العربية عن الجمال بن هشام، وشارك في المعارف.
__________
[1] انظر «العقد الثمين» (1/ 300- 307) و «إنباء الغمر» (2/ 174) و «الدّرر الكامنة» (3/ 326) و «النجوم الزاهرة» (11/ 303) .(8/502)
قال الحافظ ابن حجي: كان رجلا عالما، يستحضر الفقه وغيره، بلغني أنه كان يستحضر «شرح مسلم» للنووي، وكان منسوبا، إلى كرم ونعمة وافرة.
وقال ابن حبيب في «تاريخه» : إنه ولي قضاء مكّة نيفا وعشرين سنة.
وقال ابن حجر: كان فصيح العبارة، لسنا، جيد الخطبة، متواضعا، محبّا للفقراء.
توفي- وهو متوجه إلى الطائف- في ثالث عشر رجب، وحمل إلى مكّة فدفن بها، وخلّف تركة وافرة.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن أحمد الهكّاري ثم الصّلتي الشافعي [1] .
اشتغل على أبيه بالصّلت، وكان مدرّسا، ثم درّس بعد أبيه، ثم قدم دمشق، فسمع بها، وتنقل في قضاء البرّ، ثم ولي قضاء حمص أخيرا. وكان لا يملّ من الاشتغال بالعلم وتعليق الفوائد، ولخّص «ميدان الفرسان» [2] في قدر نصفه في ثلاث مجلدات، وهو اختصار عجيب.
وتوفي بحمص في رجب ولم يكمل الخمسين سنة.
وفيها أمين الدّين محمد بن علي بن الحسن بن عبد الله الأنفي- بفتحات- المالكي [3] .
ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وعني بالحديث، وظهر له سماع من الحجّار، فحدّث به، وسمع من البندنيجي، وأسماء بنت صصرى، وغيرهما، وكتب الكثير، وسمع العالي والنّازل، وأخذ عن البرزالي والذهبي، ونسخ كثيرا من مصنّفاته وغيرها، وولي قضاء حلب يسيرا، وكان يفتي على مذهب مالك،
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 176) و «الدّرر الكامنة» (3/ 466) و «الأعلام» (6/ 236) .
[2] قال حاجي خليفة في «كشف الظنون» (2/ 1916) : وهو كتاب نفيس في خمس مجلدات، جمع فيه أبحاث الرافعي، وابن الرّفعة، والسّبكي.
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 177) و «الدّرر الكامنة» (4/ 62) .(8/503)
وولي مشيخة الحديث بالنّاصرية، ومشيخة الخانقاه النّجمية، وأقام في قضاء حلب أربع سنين، ثم رجع إلى دمشق، فناب عن الماروني، ثم ترك.
قال ابن حجي: كان حسن العشرة، يقصده الناس لحسن محادثته وتطلبه الرؤساء لذلك، ويحرصون على مجالسته لفكاهة فيه.
وقال الذهبي في «المعجم المختص» [1] : وكان يحفظ كثيرا من الفوائد الحديثية والأدبية. انتهى.
توفي في شوال عن ثمانين سنة تقريبا.
وفيها محمد بن علي بن منصور بن ناصر الدمشقي الحنفي [2] .
ولد سنة وسبعمائة أو قبلها، وأخذ عن أبيه، والبرهان بن عبد الحقّ، والنّجم القحفازي، والعلاء القونوي، وغيرهم. وسمع من الحجّار، والبندنيجي، وغيرهما: وحدّث، ودرّس في أماكن، وولي قضاء مصر في رمضان سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، ودرّس بالصّرغتمشية وغيرها، وكان بارعا في الفقه، صلبا في الحكم، متواضعا، لين الجانب.
توفي بمصر في ربيع الأول.
وفيها أكمل الدّين محمد بن شمس الدّين محمد بن كمال الدّين محمود بن أحمد الرّومي البابرتيّ الحنفي [3] .
ولد سنة بضع عشرة وسبعمائة، واشتغل بالعلم، ورحل إلى حلب، فأنزله القاضي ناصر الدّين بن العديم بالمدرسة السادحية، فأقام بها مدة ثم قدم القاهرة بعد سنة أربعين، فأخذ عن الشيخ شمس الدّين الأصبهاني، وأبي حيّان، وسمع من ابن عبد الهادي، والدلاصي وغيرهما، وصحب شيخون، واختصّ به، وقرّره شيخا بالخانقاه التي أنشأها، وفوّض أمورها إليه فباشرها أحسن مباشرة،
__________
[1] لم أقف على ترجمته في «المعجم المختص» الذي بين يدي.
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 178) و «النجوم الزاهرة» (11/ 302) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 179) و «الدّرر الكامنة» (4/ 250) و «النجوم الزاهرة» (11/ 302) .(8/504)
وكان قوي النّفس عظيم الهمّة، مهابا، عفيفا في المباشرة، عمر أوقافها، وزاد معاليمها، وعرض عليه القضاء مرارا فامتنع، وكان حسن المعرفة بالفقه والعربية والأصول، وصنّف «شرح مشارق الأنوار» و «شرح البزدوي» و «الهداية» وعمل «تفسيرا» حسنا، وشرح «مختصر ابن الحاجب» وشرح «المنار» و «التلخيص» وغير ذلك.
قال ابن حجر: وما علمته حدّث بشيء من مسموعاته، وكانت رسالته لا تردّ مع حسن البشر والقيام مع من يقصده، والإنصاف، والتواضع، والتلطف في المعاشرة، والتنزّه عن الدخول في المناصب الكبار، وكان أرباب المناصب على بابه قائمين بأوامره، مسرعين إلى قضاء مآربه، وكان الظّاهر يبالغ في تعظيمه، حتّى إنه إذا اجتاز به لا يزال واقفا على باب الخانقاه إلى أن يخرج فيركب معه ويتحدث معه في الطريق، ولم يزل على ذلك إلى أن مات بمصر في ليلة الجمعة تاسع عشر رمضان، وحضر السلطان فمن دونه جنازته، وصلّى عليه عزّ الدّين الرّازي، ودفن بالخانقاه المذكورة.
وفيها محمد بن مكّي العراقي الرّافضي [1] .
كان عارفا بالأصول والعربية، فشهد عليه بدمشق بانحلال العقيدة واعتقاد مذهب النّصيريّة، واستحلال الخمر الصّرف، وغير ذلك من القبائح، فضربت عنقه بدمشق في جمادى الأولى، وضربت عنق رفيقه عرفة بطرابلس، وكان على معتقده.
وفيها الشيخ شمس الدّين محمد بن يوسف بن علي بن عبد الكريم الكرماني الشافعي [2] ، نزيل بغداد.
ولد في سادس عشر جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وسبعمائة، واشتغل
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 181) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 182) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 245) و «النجوم الزاهرة» (11/ 303) .(8/505)
بالعلم، فأخذ عن والده، ثم حمل عن القاضي عضد الدّين ولازمه اثنتي عشرة سنة، وأخذ عن غيره، ثم طاف البلاد، ودخل مصر والشام والحجاز والعراق، ثم استوطن بغداد، وتصدى لنشر العلم بها نحو ثلاثين سنة، وكان مقبلا على شأنه، معرضا عن أبناء الدنيا.
قال ولده: كان متواضعا بارّا لأهل العلم، وسقط من علّية فكان لا يمشي إلّا على عصا منذ كان ابن أربع وثلاثين سنة.
وقال ابن حجي: صنّف شرحا حافلا على «المختصر» وشرحا مشهورا على «البخاري» وغير ذلك، وحجّ غير مرّة، وسمع بالحرمين ودمشق والقاهرة، وذكر أنه سمع بجامع الأزهر على ناصر الدّين الفارقي.
وذكر الشيخ ناصر الدّين العراقي أنه اجتمع به في الحجاز، وكان شريف النّفس، مقبلا على شأنه، وشرح «البخاري» بالطائف وهو مجاور بمكة وأكمله ببغداد، وتوفي راجعا من مكة بمنزلة تعرف بروض مهنّا [1] في سادس عشر المحرم، ونقل إلى بغداد فدفن بها، وكان اتخذ لنفسه قبرا بجوار الشيخ أبي إسحاق الشّيرازي، وبنيت عليه قبة، ومات عن تسع وستين سنة.
وفيها شرف الدّين محمود بن عبد الله الأبطالي [2]- باللام- الحنفي [3] .
قدم دمشق، فأقام بها إلى أن ولي مشيخة السميساطية فباشرها مدة، ودرّس بالعزّية وتصدّر بالجامع، وكان من الصّوفية البسطامية.
مات في رمضان وولي بعده المشيخة القاضي برهان الدّين بن جماعة.
__________
[1] لم أقف على ذكر لها فيما بين يدي من كتب البلدان.
[2] في «إنباء الغمر» : «الأنطالي» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 183- 184) .(8/506)
سنة سبع وثمانين وسبعمائة
فيها كان الطّاعون العظيم بحلب، بلغت عدة الموتى فيه في كل يوم ألف نفس [1] .
وفيها- كما قال ابن حجر- أحضر إلى أحمد بن يلبغا صغيرة ميتة لها رأسان وصدر واحد، ويدان فقط، ومن تحت السرّة صورة شخصين كاملين كل شخص بفرج أثنى ورجلين، فشاهدها الناس وأمر بدفنها [2] .
وفيها توفي جمال الدّين إبراهيم بن ناصر الدّين محمد بن كمال الدّين عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي المعروف بابن العديم الحنفي [3] .
سمع من الحجّار، وحدّث عنه، وكان هينا لينا ناظرا إلى مصالح أصحابه، ناب عن والده مدة بحلب، ثم استقلّ بعد وفاته، وكان يحفظ «المختار» ويطالع في شرحه.
قال البرهان المحدّث: ادعى عنده مدع على آخر بمبلغ فأنكر، فأخرج المدّعي وثيقة فيها أقرّ فلان ابن فلان فأنكر المدّعى عليه أن الاسم المذكور في الوثيقة اسم أبيه. قال له: فما اسمك أنت؟ قال: فلان. قال: فما اسم [4] أبيك؟ قال: فلان. فسكت عنه القاضي وتشاغل بالحديث مع من كان عنده حتى
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 188) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 190) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 192) و «الدّرر الكامنة» (1/ 64) وفيه: «إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز» و «النجوم الزاهرة» (11/ 305) و «الطبقات السنية» (1/ 234) .
[4] في «آ» : «فاسم» .(8/507)
طال ذلك، وكان القارئ يقرأ عليه في «صحيح البخاري» فلما فرغ المجلس صاح القاضي: يا ابن فلان فأجابه المدّعى عليه مبادرا. فقال له: ادفع لغريمك حقّه، فاستحسن من حضر هذه الحيلة حيث استغفل المدّعى عليه حتّى التجأ للاعتراف.
وقال البرهان الحلبي أيضا: كان من بقايا السّلف، وفيه مواظبة على الصّلوات في الجامع الكبير، لطيف اللّسان، وافر العقل، طويل الصّمت في غاية العفّة، مع المعرفة بالمكاتيب والشروط، كبير القدر عند الملوك والأمراء، كثير النّظر في مصالح أصحابه.
توفي في سادس عشري المحرّم عن نيف وستين سنة.
وفيها أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الحضرمي الزبيدي الشافعي [1] ، مفتي أهل اليمن في زمانه.
انتهت إليه الرئاسة في ذلك.
مات في رجب.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الله بن محمد بن محمود المرداوي [2] ، نزيل حماة.
ولد بمردا، وقدم دمشق للفقه، فبرع في الفنون، وتميّز، ثم ولي قضاء حماة فباشرها مدة، ودرّس، وأفاد، ولازمه علاء الدّين بن مغلي وبه تميّز.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الهادي بن أبي العبّاس الشّاطر الدّمنهوري، المعروف بابن الشيخ [3] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 193) و «الدّرر الكامنة» (1/ 111) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 193) وفيه: «أحمد بن عبد الرحمن بن محمد» و «الدّرر الكامنة» (1/ 168) وفيه: أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 193) و «الدّرر الكامنة» (1/ 195) .(8/508)
ولد سنة ثلاث وثلاثين، وتعاني الآداب، فكان أحد الأذكياء، وكان أديبا، فاضلا، أعجوبة في حلّ المترجم.
وهو القائل:
نادى مناد لقرط ... فطاف سمع البريّه
وشنّف الأذن منه ... قرط أتى للرعيّه
وكان لا يسمع شعرا ولا حكاية إلّا ويخبر بعدد حروفها فلا يخطئ، جرّب ذلك عليه مرارا.
مات في ذي القعدة. قاله ابن حجر.
وفيها نجم الدّين أبو العباس أحمد بن عثمان بن عيسى بن حسن بن حسين بن عبد المحسن الياسوفي الأصل الدمشقي الشافعي، المعروف بابن الجابي [1] .
ولد في آخر سنة ست وثلاثين وسبعمائة، وسمع الحديث، وكتب بخطه طباقا، و «المشتبه» للذهبي، وأخذ الفقه عن المشايخ الثلاثة: الغزّي، والحسباني، وحجي، وغيرهم، وأخذ الأصول عن البهاء الإخميمي، ودرّس، وأفتى، واشتغل، واشتهر اسمه، وشاع ذكره، وكان أولا فقيرا، ثم تموّل، فإنه ورث هو وابنه مالا من جهة زوجته، وكثر ماله ونما، واتسعت عليه الدنيا، وسافر إلى مصر في تجارة، وحصل له وجاهة بالقاهرة، بكاتب السرّ الأوحد، وولي تدريس الظّاهرية، أخذها من ابن الشّهيد، وأعاد بالشّامية الجوّانية.
قال الحافظ ابن حجي: برع في الفقه والأصول، وكان يتوقّد ذكاء، سريع الإدراك، حسن المناظرة، ما كان في أصحابنا مثله، له الإقدام والجرأة في المحافل، مع الكلام المتين، وكان ينسب إلى جدّه في بحثه، وربما خرج على من يباحثه، ومع ذلك ما كنت أحبّ مناظرة أحد سواه، ولا يعجبني مباحث غيره،
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 194) و «الدّرر الكامنة» (1/ 200) ، و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 199) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 241) .(8/509)
فإنه كان منصفا، سريع التصور، وإنما كان يحتدّ على من لا يجاريه في مضماره. انتهى.
وقال ابن حجر: يقال: إنه سمّ مع أوحد الدّين بمصر. وتأخر عمل السمّ فيه إلى أن مات بدمشق بعد عوده في جمادى الأولى. وقد جاوز الخمسين، ودفن بمقبرة الصّوفية.
وفيها شاه شجاع بن محمد بن مظفّر اليزديّ [1] .
كان جدّه مظفّر صاحب درك يزد وكرمان في زمن أبي سعيد بن خربندا، ثم كان ابنه محمد، فقام مقامه، وأمنت الطرقات في زمنه، ولم يزل أمره يقوى حتّى ملك كرمان عنوة، انتزعها من شيخ بن محمود شاه، ثم تزوج محمد بن مظفّر امرأة من بنات الأكابر بكرمان، فقاموا بنصره، وفرّ شيخ إلى شيراز فحاصره محمد ابن مظفّر بها إلى أن ظفر به، فقتله واستقلّ بعد موت أبي سعيد بملك العراق كلّه، وأظهر العدل، وكان له من الأولاد خمسة: شاه ولي، وشاه محمود، وشاه شجاع، وأحمد، وأبو يزيد، فاتفقوا على والدهم، فكحلوه وسجنوه في قلعة من عمل شيراز، وذلك سنة ست وسبعمائة، فتولى شاه شجاع صاحب الترجمة شيراز، وكرمان، ويزد، وتولى شاه محمود أصبهان وغيرها، ومات شاه ولي، واستمرّ أحمد وأبو زيد في كنف شاه شجاع، ووقع الخلف بين شاه محمود وشاه شجاع، فآل الأمر إلى انتصار شاه شجاع، ومات شاه محمود، فاستولى شاه شجاع على أذربيجان، انتزعها من أويس، وكان شاه شجاع ملكا عادلا عالما بفنون من العلم، محبّا للعلم والعلماء، وكان يقرئ «الكشاف» والأصول، والعربية، وينظم الشعر بالعربي والفارسي، ويكتب الخطّ الفائق، مع سعة العلم والحلم والكرم، وكان قد ابتلي بترك الشبع، فكان لا يسير إلّا والمأكول على البغال صحبته، فلا يزال يأكل. ولما مات استقرّ ولده زين العابدين بعده إلى أن خرج عليه اللّنك فقتله وقتل أقاربه.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 198) و «الدّرر الكامنة» (2/ 187) .(8/510)
وفيها شرف الدّين حسن بن محمد بن أبي الحسن بن الشيخ الفقيه أبي عبد الله اليونيني البعلي [1] .
ولد سنة ثلاثين وسبعمائة، وقرأ، وسمع الحديث، ورحل فيه، وأفتى، ودرّس، وأفاد، وتوفي في رمضان.
وفيها عفيف الدّين أبو محمد عبد الله بن الزّين أبي الطّاهر محمد بن الجمال محمد بن المحبّ أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطّبري ثم المكي الشافعي [2] .
ولد في محرم سنة ثلاث وعشرين بمكة، وسمع من والده، وعيسى الحجي، والأمين الآق شهري، والوادي آشي، وآخرين. وأجاز له الدّبوسي والحجّار وغيرهما. وقرأ على القطب بن مكرم، وغيرهم، ودخل الهند وحدّث بها، ودرّس في الفقه، وخطب، ثم رجع فولي قضاء بجيلة وما حولها مدة، ومات بالمدينة المنورة.
وفيها عثمان بن فار بن مهنّا بن عيسى أمير آل فضل [3] .
كان شابا، كريما، شجاعا، جميلا، يحب اللهو والخلاعة، ومات شابا. قاله ابن حجر.
وفيها سعد الدّين فضل الله بن إبراهيم بن عبد الله الشّامكاني [4]- نسبة إلى شامكان بالشين قرية بنيسابور- الفقيه الشافعي.
قرأ على القاضي عضد الدّين وغيره، وحدّث عنه ب «شرح مختصر ابن الحاجب» و «المواقف» ، وغير ذلك. وصنّف في الأصول، والعربية، ونظم في العلوم العقلية، وتوفي في جمادى الأولى.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 198) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 202) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 204) وفيه «ابن قارا» و «الدّرر الكامنة» (2/ 447) و «النجوم الزاهرة» (11/ 305) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 204) .(8/511)
وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن شجرة بن محمد التّدمري الأصل الدمشقي [1] الفقيه القاضي المفتي.
اشتغل وتقدم واشتهر، وولي القضاء بمعاملة الشام، وآخر ما ولي قضاء القدس في أيام البلقيني، فشكاه أهل القدس، وجاءت كتب أعيانهم مشحونة بثلبه والحطّ عليه، فعزل، فقدم دمشق وأقام بها يدرّس بالمدرسة الموقوفة عليه وعلى أقاربه.
قال الحافظ شهاب الدّين بن حجي: كان يفتي كثيرا، ويكتب على الفتاوى خطّا حسنا بعبارة حسنة إلّا أنه كان سيء [2] السيرة في قضائه وفتواه، مشهورا بذلك. كان يتحمل للمستفتي حتّى يفتيه بما يوافق غرضه ويأخذ منه جعلا [3] على ذلك. حضر عندي مرّة فأعجبني فهمه واستنباطه في الفقه وغوصه على استخراج المسائل الحوادث من أصولها وردّها إلى القواعد. ثم ذكر ابن حجي كلاما لا أحبّ ذكره.
توفي بدمشق في شهر ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون.
وفيها زين الدّين أو علم الدّين محمد بن القاضي تقي الدّين عبد الله ابن الإمام العلّامة زين الدّين محمد بن القاضي علم الدّين عبد الله بن عمر بن مكّي ابن عبد الصّمد بن أبي بكر بن [4] عطية الدمياطي الأصل الدمشقي الشافعي، سبط الشيخ تقي الدّين السّبكي [5] .
مولده سبع وأربعين وسبعمائة، وحضر على جماعة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 206) و «الدّرر الكامنة» (3/ 403) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 220) .
[2] لفظة «سيء» سقطت من «آ» .
[3] أي مكافأة.
[4] لفظة «ابن» سقطت من «ط» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 207) و «الدّرر الكامنة» (3/ 482) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 226) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 378) .(8/512)
قال ابن حجي: سمع من جدّه عدة من مصنّفاته، وله تحقيق، ودرّس بالعذراوية سنة تسع وستين، انتزعها من يد خاله القاضي تاج الدّين، وكان ينوب عنه، وكان من خيار الناس، وأغزر خلق الله مروءة، ما رأينا أحدا أكثر مروءة وتفضلا على أصحابه ومساعدة لمن يقصده، ولا أشدّ تواضعا وأدبا ورئاسة منه.
توفي في شوال ودفن بتربة خاله بسفح قاسيون.
وفيها أبو الحسن محمد بن محمد بن ميمون البلوي- بفتح الموحدة واللام نسبة إلى بلي بن عمرو بن الحارث بن قضاعة- الأندلسي [1] .
قال ابن حجر: تقدم في الفرائض والعربية، وسمع بنفسه بالقاهرة ومصر من ابن أميلة وغيره، ورافقه الشيخ أبو زرعة بن [2] العراقي في السّماع كثيرا.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 209) و «الدّرر الكامنة» (4/ 232) .
[2] لفظة «ابن» سقطت من «ط» .(8/513)
سنة ثمان وثمانين وسبعمائة
فيها تمّت عمارة المدرسة البرقوقية بمصر بين القصرين، وكان القائم في عمارتها جركس الخليلي، وقال في ذلك ابن العطّار:
قد أنشأ الظّاهر السّلطان مدرسة ... فاقت على إرم مع سرعة العمل
يكفي الخليليّ أن جاءت لخدمته ... شمّ الجبال لها تأتي على عجل
ونزل إليها السلطان برقوق في ثاني عشر شهر رجب وقرّر أمورها ومدّ بها سماطا عظيما، ونقل أولاده ووالده من الأماكن التي دفنوا بها إلى القبة التي أنشأها بها، وقرّر فيها علاء الدّين السّراي مدرس الحنفية بها وشيخ الصّوفية فيها، والشيخ أوحد الدّين الرّومي مدرّس الشافعية، والشيخ شمس الدّين بن مكين مدرّس المالكية، والشيخ صلاح الدّين بن الأعمى مدرّس الحنابلة، والشيخ أحمد زاده العجمي مدرّس الحديث، والشيخ فخر الدّين الضّرير إمام الجامع الأزهر مدرّس القراءات، فلم يكن فيهم من هو فائق في فنّه على غيره من الموجودين غيره. قاله ابن حجر [1] .
وفيها في شعبانها توفي أمير مكّة الشّهاب أحمد بن عجلان بن رميثة بن نمي الحسيني [2] . واستقرّ ولده محمد بن أحمد، فعمد كبيش بن عجلان إلى أقاربه فكحلهم منهم أحمد بن ثقبة وولده، وحسن بن ثقبة، ومحمد بن عجلان، ففرّ
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 213- 216) .
[2] انظر «العقد الثمين» (3/ 87- 96) و «إنباء الغمر» (2/ 223 و 227) و «الدّرر الكامنة» (1/ 201) و «النجوم الزاهرة» (11/ 308) .(8/514)
منه غيّان بن مغامس [1] إلى القاهرة، فشكا إلى السلطان من صنيعه، والتزم بتعمير مكّة، وسعى في إمرتها فأجيب إلى ذلك.
قال ابن حجر: كان أحمد بن عجلان عظيم الرئاسة والحشمة، اقتنى من العقار والعبيد شيئا كثيرا إلى غير ذلك.
وفيها أحمد بن النّاصر حسن بن النّاصر محمد بن قلاوون الصّالحي [2] .
كان أكبر إخوته وقد عيّن للسلطنة مرارا فلم يتفق له ذلك.
ومات في رابع عشر جمادى الآخرة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد العزيز بن يوسف بن المرحل المصري [3] ، نزيل حلب الشافعي سمع من حسن سبط زيادة وتفرّد به، وسمع منه شهاب الدين الذاربيبي المقرئ وغيره من الرحالة، وأخذ عنه ابن عشائر والحلبيون، وأكثر عنه المحدّث برهان الدّين.
وفيها تاج الدّين أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن إسماعيل بن وهب بن محبوب المعرّي [4] ثم البعلي ثم الدمشقي [5] .
أحضر على ابن الموازيني، وست الأهل، وسمع من ابن مشرف، وابن النّور [6] ، والمطعم، والرّضي الطّبري، وغيرهم. وله إجازة من سنقر الزّيني، وبيبرس العديمي، والشرف الفزاري، وإسحاق النحّاس، والعماد النّابلسي، وغيرهم. وكان يذاكر بفوائد، وأصيب بأخرة فاستولت عليه الغفلة، ورأيت بخطّه «تذكرة» في نحو الستين مجلدة، وعبارته عاميّة، وخطّه رديء جدا.
مات في المحرم. قاله ابن حجر.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «عفّان بن معاقس» والتصحيح من «إنباء الغمر» (2/ 223) و «العقد الثمين» (3/ 92) .
[2] نظر «إنباء الغمر» (2/ 226) و «النجوم الزاهرة» (11/ 310) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 226) و «الدّرر الكامنة» (1/ 174) .
[4] تحرفت في «ط» إلى «المصري» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 228) .
[6] في «آ» : «ابن النثور» بالثاء، وفي «إنباء الغمر» : «ابن النشو» .(8/515)
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد المعطي ابن مكّي بن طراد بن حسين بن مخلوف بن أبي الفوارس بن سيف الإسلام بن قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري المكّي [1] المالكي [2] النّحوي.
اشتغل كثيرا، ومهر في العربية، وشارك في الفقه، وأخذ عن أبي حيّان وغيره، وانتفع به أهل مكّة في العربية، وكان بارعا، ثقة، ثبتا، وله تأليف ونظم كثير.
سمع من عثمان بن الصّفي وغيره، وكان حسن الأخلاق، مواظبا على العبادة، وأخذ عنه بمكّة المرجاني، وابن ظهيرة، وغيرهما.
وحدّثتنا عنه بالسّماع شيختنا أم هانئ بنت الهوريني، وهو جدّ شيخنا نحوي مكّة قاضي القضاة محيي الدّين عبد القادر بن أبي القاسم.
مولده سنة تسع وسبعمائة، وتوفي في المحرم. قاله السيوطي في «طبقات النّحاة» .
وفيها بدر الدّين أحمد بن شرف الدّين محمد بن فخر الدّين محمد بن الصّاحب بهاء الدّين علي بن محمد بن حنّاء المصري، المعروف بابن الصّاحب [3] .
قال ابن حجر: تفقّه، ومهر في العلم، ونظم ونثر، وفاق أهل عصره في ذلك، وفاق أيضا في معرفة لعب الشطرنج، وكان جمّاعا للمال، لطيف الذات، كثير النّوادر، ألّف تآليفا في الأدب وغيره، وكتب الخطّ، وكان يحسن الظّنّ بتصانيف ابن العربي ويتعصب له، ووقعت له محنة مع الشيخ سراج الدّين البلقيني، وكان يكثر الشطح، ويتكلم بما لا يليق بأهل العلم من الفحش، ويصرّح بالاتحاد.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 229) و «الدّرر الكامنة» (1/ 277) و «بغية الوعاة» (1/ 372) و «العقد الثمين» (3/ 149) .
[2] لفظة «المالكي» سقطت من «آ» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 229) و «الدّرر الكامنة» (1/ 283) و «النجوم الزاهرة» (11/ 307) .(8/516)
وهو القائل:
أميل لشطرنج أهل النّهى ... وأشكوه من ناقل الباطل
وكم رمت تهذيب لعابها ... وتأبى الطّباع على النّاقل
مات في تاسع عشري جمادى الآخرة، وله إحدى وسبعون سنة.
رأيته واجتمعت به وسمعت من تآليفه ونوادره. انتهى كلام ابن حجر.
وفيها إسماعيل بن عبد الله النّاسخ المعروف بابن الزّمكحل [1] .
قال في «إنباء الغمر» : كان أعجوبة دهره في كتابة قلم الغبار، مع أنه لا يطمس واوا ولا ميما، ويكتب آية الكرسي على أرزة، وكذلك [2] سورة الإخلاص، وكتب من المصاحف الحمائلية ما لا يحصى. انتهى.
وفيها داود بن محمد بن داود بن عبد الله الحسني الحميري [3] ، صاحب صنعاء [من جبال اليمن، حاربه الإمام صاحب صعدة فغلب على صنعاء] [4] وانتزعها منه، ففرّ داود منه إلى الأشرف صاحب زبيد فأكرمه إلى أن مات في ذي القعدة، وهو آخر من وليها من أهل بيته، ودامت مملكتهم قريبا من خمسمائة سنة.
وفيها زين الدّين سريجا- بفتح المهملة، وكسر الراء، بعدها تحتانية ساكنة، ثم جيم مفتوحة بغير مد- ابن بدر الدّين محمد بن سريجا الملطي ثم البارودي [5] .
كان من أعيان تلك البلاد في زمانه في الفقه، والقراءات، والأدب، وغير ذلك، وله تصانيف، منها «شرح الأربعين النووية» سمّاه «نثر فوائد المربعين
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 231) و «النجوم الزاهرة» (11/ 308) .
[2] في «ط» : «وكذا» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 233) و «الأعلام» (2/ 334) .
[4] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 233) و «الدّرر الكامنة» (2/ 130) .(8/517)
النّبوية في نشر فوائد الأربعين النّووية» [1] ، و «جنّة الجازع وحبّة الجارع» صنّفه [2] عند موت ولد [3] له سنة إحدى وثمانين [4] ، وسدّ باب الضّلال، وصدّ ناب الضّلّال [5] في ترجمة الغزّالي. ونظم قصيدة في القراءات السبع بوزن «الشاطبية» أولها:
يقول سريجا قانتا مبتهلا [6] ... بدأت بنظمي حامدا [7] ومبسملا
ومن نظمه وأجاد:
خذ بالحديث وكن به متمسّكا ... فلطالما ظمئت به الأكباد
شدّ الرّحال له الرّجال إذا سعوا ... لأخطار ما صرّت له الآساد
مات بماردين في المحرم وله ثمان وستون سنة.
وأخذ عنه ولده عقيل [8] الذي مات سنة أربع عشرة وثمانمائة [وبدر الدّين بن سلامة [9] الذي مات سنة سبع وثلاثين وثمانمائة] [10] .
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج [11] الإمام الحنبلي، ابن صاحب «الفروع» .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «نشر فوائد المربعين النبوية في نثر فوائد الأربعين النووية» وما أثبته من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف.
[2] في «ط» و «إنباء الغمر» : «صنعه» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «والد» .
[4] لفظة «وثمانين» سقطت من «ط» .
[5] في «ط» : «وصد باب الغلال» .
[6] كذا في «آ» : «مبتهلا» وفي «ط» : «متبهلا» وفي «إنباء الغمر» : «متبتلا» .
[7] في «ط» : «بحمدي ناظما» .
[8] مترجم في «إنباء الغمر» (7/ 37- 38) و «الضوء اللامع» (5/ 149) .
[9] هو محمد بن أبي بكر بن محمد سلامة المارديني الحلبي الحنفي بدر الدّين. انظر ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 320- 321) و «الضوء اللامع» (7/ 195- 196) .
[10] ما بين القوسين سقط من «ط» .
[11] انظر «المقصد الأرشد» (2/ 110- 111) و «الجوهر المنضد» ص (54) و «السّحب الوابلة» ص (215) .(8/518)
كان أصغر أولاده، دأب واشتغل، وحفظ «المقنع» في الفقه، وكان شكلا حسنا، بارعا مترفها.
توفي يوم الاثنين خامس جمادى الأولى ودفن بالرّوضة قريبا من والده وجدّه.
وفيها قطب الدّين عبد اللّطيف بن عبد المحسن بن عبد الحميد بن يوسف السّبكي [1] ، نزيل دمشق، ابن أخت التّقي السّبكي الشافعي.
حضر على ابن الصوّاف مسموعه من النسائي، وتفرّد به، ومن أبي الحسن بن هارون من «مشيخة» جعفر الهمداني تخريج الزكي البرزالي، وحدّث. وكان كثير التّسري، يقال: إنه وطئ أزيد من ألف جارية. وروى عنه العراقي، وابن سند، وابن حجي، وغيرهم.
وفيها محيي الدّين عبد الوهاب بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن أسد الإسكندراني القروي [2] .
سمع من عبد الرحمن بن مخلوف عدة كتب، منها «الدعاء» للمحاملي، ومن محمد بن عبد المجيد الصوّاف «التوكل» وسمع بمكة من الرّضي الطّبري «مسلسلات ابن شاذان» وسمع من غيرهم. وحدّث، وقد خرّج له الذهبي جزءا من حديثه.
وتوفي في ذي القعدة وله ست وثمانون سنة.
وفيها شرف الدّين علي بن عبد القادر المراغي الصّوفي [3] .
اشتغل في بلاده ومهر في الفقه والأصول والطب والنجوم وفاق في العلوم العقلية.
قال السيوطي: كان فاضلا في العلوم العقلية والعربية، ويقرئ
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 237) و «الدّرر الكامنة» (2/ 408) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 238- 239) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 239) و «بغية الوعاة» (2/ 176) .(8/519)
«الكشّاف» و «المنهاج» في الأصول، بارعا في الطّب والنّجوم، معتزليا، ونسب إلى رفض، فرفع إلى حاكم وعزّر واستتيب.
وكان صوفيا بخانقاه السّميساطية، فأخرج منها وأنزل بخانقاه خاتون، فاستمرّ إلى أن مات بها. انتهى.
وقرأ عليه تقي الدّين بن مفلح، ونجم الدّين بن حجي، وغيرهما.
وتوفي في ربيع الآخر وقد جاوز الستين.
وفيها الواثق بالله عمر بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن المعتصم بن الواثق بن المستمسك بن الحاكم العباسي [1] الخليفة [2] .
ولي الخلافة بعد خلع المتوكل في رجب سنة خمس وثمانين، وتوفي يوم الأربعاء تاسع عشري [3] شوال واستقرّ بعده أخوه زكريا.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التّركستاني الأصل القرميّ [4] ، نزيل بيت المقدس.
ولد بدمشق سنة عشرين وسبعمائة، ثم تجرّد، وخرج منها سنة إحدى وأربعين، فطاف البلاد، ودخل الحجاز واليمن، ثم أقام بالقدس، وبنيت له زاوية، وكان يقيم في الخلوة أربعين يوما لا يخرج إلّا للجمعة، وصار أحد أفراد الزمان عبادة وزهدا وورعا، وقصد بالزيارة من الملوك بسرور منهم، وله خلوات ومجاهدات، وسمع بدمشق من الحجّار وغيره، وكان يتورّع عن التحديث، ثم انبسط وحدّث. وكان عجبا في كثرة العبادة وملازمة التّلاوة، حتّى بلغ في اليوم ست ختمات، وقيل: بلغ ثمانية. وسأله الشيخ عبد الله البسطامي فقال له: إن
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 239) و «تاريخ الخلفاء» ص (505) .
[2] لفظة «الخليفة» سقطت من «ط» .
[3] في «تاريخ الخلفاء» : «تاسع عشر» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 240) و «الدّرر الكامنة» (3/ 335) و «النجوم الزاهرة» (11/ 309) .(8/520)
الناس يذكرون عنك القول في سرعة التّلاوة فما القدر [1] الذي نذكر عنك أنك قرأته في اليوم الواحد؟ فقال: اضبط أني قرأت من الصبح إلى العصر خمس ختمات.
ويذكر عنه كرامات كثيرة وخوارق، مع سعة العلم، ومحبة الانفراد، وقهر النّفس، وانتفع به جماعة.
ومات في تاسع [2] شهر رمضان. قاله جميعه ابن حجر.
وكانت وفاته بالقدس الشريف بخلوته، وصلّي عليه بالمسجد الأقصى، ثم ردّ إلى خلوته فدفن بها.
ومن شعره:
أسير وحدي بلا ماء ولا زاد ... إلى الحمى مستهاما ظامئا صادي
ولا رفيق ولا خلّ يؤانسني ... خلعت نعلي مني شاطئ الوادي
أدناني الحبّ منه ثم قرّبني ... كقاب قوسين أو أدنى وذا الهادي
وله أيضا:
ما زلت أقيم مذهب العشق زمان ... حتّى ظهرت أدلة الحقّ وبان
ما زلت أوحّد الذي أعبده ... حتّى ارتحل الشّرك عن الحقّ وبان
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشافعي الآصجي [3]- بمد وفتح المهملة بعدها جيم- الشّاعر الأديب.
نزل مكّة، وجاور بها عدة سنين، وكان مكثرا. أكثر عنه نجم الدّين الجرجاني. قاله ابن حجر.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «القول» .
[2] كذا في «آ» و «إنباء الغمر» : «في تاسع» وفي «ط» : «في تاسع عشري» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 242) وفيه: «الآسجي» و «الدّرر الكامنة» (3/ 466) وفيه:
«الآيجي» .(8/521)
وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن تقي الدّين عبد الله بن محمد بن محمود بن أحمد بن عزاز [1] المرداوي الحنبلي أبو عبد الله [2] .
ولد سنة أربع عشرة، وسمع الكثير من جماعات كثيرة، منهم: الشّهاب الصّرخدي، وتفقه، وناب في القضاء، ثم استقلّ به إلى أن مات. وكان محمودا في ولايته إلّا أنه في حال نيابته عن عمّه كان كثير التصميم [3] بخلافه لما استقلّ.
وكان يكتب على الفتاوى كتابة جيدة، وكان كيسا، متواضعا، قاضيا لحوائج من يقصده، خبيرا بالأحكام، ذاكرا للوقائع، صبورا على الخصوم، عارفا بالإثباتات وغيرها، ولا يلحق في ذلك، وكان يركب الحمارة على طريقة عمّه، وقد خرّج له ابن المحبّ الصّامت أحاديث متباينة، وحدّث بمشيخة ابن عبد الدائم، عن حفيده محمد بن أبي بكر، عن جدّه سماعا.
وتوفي في رمضان عن أربع وأربعين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن شمس الدّين محمد بن شهاب الدّين أحمد بن الشيخ المحدّث محبّ الدّين السّعدي المقدسي، المعروف بابن المحبّ [4] الحافظ الحنبلي.
ولد سنة إحدى وثلاثين، وسمع من ابن الرّضي، والجزري، وبنت الكمال، وغيرهم. وأحضر على أسماء بنت صصرى، وعائشة بنت مسلم، وغيرهما. وعني بالحديث، وكتب الأجزاء والطّباق، وعمل المواعيد، وأخذ عن إبراهيم بن قيّم الجوزية، وكتب بخطّه الحسن شيئا كثيرا. وكان شديد التعصب لابن تيميّة.
وتوفي يوم الأربعاء سابع جمادى الأولى بالصّالحية ودفن بالرّوضة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن عفّان» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 242- 243) و «المقصد الأرشد « (2/ 427- 428) وهو مترجم في «المنهج الأحمد» الورقة (469) من القسم غير المطبوع.
[3] تحرفت في «ط» إلى «التصمم» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 244) و «المقصد الأرشد» (2/ 511) .(8/522)
وفيها محمد بن محمد بن علي بن حزب الله المغربي [1] .
قال ابن حجر: قرأت بخطّ القاضي برهان الدّين بن جماعة: مات الإمام العالم الكاتب البليغ أبو عبد الله بن حزب الله بدمشق في خامس عشري شعبان سنة ثمان وثمانين، وله تآليف وفضائل.
قلت: منها كتاب سمّاه «عرف الطّيب في وصف الخطيب» صنّفه للبرهان المذكور.
ومن نظمه قصيدة أولها:
لبريق أرض الأبرّقين والنّقا ... قد طار منّي القلب إذ تألّقا
انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن يوسف [بن إلياس] [2] القونوي الحنفي [3] ، نزيل المزّة.
ولد سنة خمس عشرة أو في التي بعدها، وقدم دمشق شابا، وأخذ عن التّبريزي وغيره، وتنزّه عن مباشرة الوظائف حتّى المدارس، وكان الشيخ تقي الدّين السّبكي يبالغ في تعظيمه، وكان له حظ من عبادة وعلم وزهد وورع [4] .
وكان شديد البأس على الحكام، شديد الإنكار للمنكر، أمّارا بالمعروف، يحب الانفراد والانجماع، قليل المهابة للأمراء والسلاطين، يغلظ لهم كثيرا. وكان قد أقبل على اشتغال بالحديث بأخرّة، والتزم أن لا ينظر في غيره، وصارت له اختيارات يخالف فيها المذاهب الأربعة لما يظهر له من دليل الحديث.
قال ابن حجي: كانت له وجاهة عظيمة، وكان ينهى أولاده وأتباعه عن
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 244) .
[2] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 244) و «الدّرر الكامنة» (4/ 292) و «النجوم الزاهرة» (11/ 309) و «الفوائد البهية» ص (203- 204) .
[4] لفظة «وورع» لم ترد في «آ» و «إنباء الغمر» مصدر المؤلف وانفردت بها «ط» .(8/523)
الدخول في الوظائف، وكان ربما كتب شفاعة إلى النائب نصها إلى فلان المكاس، أو الظّالم، أو نحو ذلك، وهم لا يخالفون له أمرا ولا يردّون له شفاعة. وكان الكثير من الناس يتوقّون الاجتماع به لغلظه في خطابه، وكان مع ذلك يبالغ في تعظيم نفسه في العلم حتّى قال مرّة: أنا أعلم من النّووي وهو أزهد مني، وكان يتعانى الفروسية وآلات الحرب، ويحب من يتعانى ذلك، ويتردد إلى صيدا وبيروت على نيّة الرّباط، وقد باشر القتال في نوبة بيروت، وبنى برجا على الساحل.
وقد صنّف كتابا في فقه الأئمة الأربعة سمّاه «الدّرر» وهو كتاب كبير على أسلوب غريب، واختصر «شرح مسلم» للنووي، وتعقب عليه مواضع. وشرح «مجمع البحرين» [1] في عشر مجلدات [2] .
وقد قدم القاهرة وأقام بها مدة، وأقام بالقدس مدة، ثم رجع إلى دمشق، وانقطع بزاويته بالرّبوة، ثم انقطع بزاويته بالمزّة، إلى أن توفي بالطّاعون في جمادى الآخرة.
وفيها شرف الدّين محمد بن كمال الدّين يوسف بن شمس الدّين محمد بن عمر بن قاضي شبهة الشافعي [3] .
اشتغل على جدّه ثم على أبيه، وتعانى الأدبيات، وقال الشعر، وكتب الخطّ الحسن.
قال ابن حجي: كان جميل الشّكل، حسن الخلق، وافر العقل، كثير التودد، ولي قضاء الزّبداني مدة، ثم تركه، وتوفي عشر الأربعين في ربيع الآخر، ووجد عليه أبوه وجدا كثيرا، حتّى مات بعده عن قرب.
__________
[1] هو «مجمع البحرين وملتقى النهرين» في فروع الحنفية، للإمام مظفّر الدّين أحمد بن علي بن تغلب، المعروف بابن السّاعاتي المتوفى سنة (694) هـ. جمع فيه بين «مختصر القدوريّ» و «المنظومة» مع زوائد، ورتّبه فأحسن وأبدع في اختصاره. انظر «الجواهر المضية» (1/ 208- 212) و «كشف الظنون» (2/ 1599- 1600) و «الأعلام» (1/ 175) .
[2] وقال صاحب «الجواهر المضية» : «وشرحه في مجلدين» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 246) .(8/524)
وفيها إمام الدّين محمد الأصبهاني [1] .
قال ابن حجر: كان عالما، عابدا، مشهورا بالفضل والكرامات، وكان ينذر بوقوع البلاء على يد اللّنك ويخبر أنه ما دام حيّا لا يصيب أهل أصبهان أذى، فاتفقت وفاته في طروق اللّنك لهم في هذه السنة. انتهى.
وفيا جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن المجد أبي المعالي محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي القاسم بن جعفر الأنصاري، المعروف بابن الصّيرفي [2] .
ولد في رمضان سنة عشر وسبعمائة، وأسمعه أبوه الكثير من أبي بكر الدّشتي، والقاضي سليمان، وعيسى المطعم، وغيرهم. وحدّث بالكثير، وكان يزين في القبان، ثم كبر وعجز، وكان بأخرة يأخذ الأجرة ويماكس في ذلك، وآخر من حدّث عنه الحافظ برهان الدّين [3] ، محدّث حلب، وكان له «ثبت» يشتمل على شيء كثير من الكتب والأجزاء.
توفي في ذي الحجّة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 247) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 248) و «الدّرر الكامنة» (4/ 473) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «بركات الدّين» .(8/525)
سنة تسع وثمانين وسبعمائة
فيها كانت وفاة [1] ميخائيل الأسلمي [2] .
كان نصرانيا، وأسلم في شعبان السنة التي قبلها بحضرة السّلطان، فأركب بغلة، وعمل تاجر الخاص، ثم قرّر في نظر إسكندرية في محرم هذه السنة، فلما كان ثالث عشر ربيع الآخر ضربت عنقه بالإسكندرية بعد أن ثبت عليه أنه زنديق، وشهد عليه بذلك خمسون إلّا واحدا.
وفيها ضربت الدّراهم الظّاهرية وجعل اسم السّلطان في دائرة فتفاءلوا له من ذلك بالحبس، فوقع عن قريب، ووقع نظيره لولده الناصر فرج في الدّنانير النّاصرية.
وفيها توفي خليل بن فرح بن سعيد الإسرائيلي القدسي ثم الدمشقي القلعي الشّافعي [3] .
أسلم ببيت المقدس، وله تسع عشرة سنة، وعني بالعلم، ولازم الشيخ ولي الدّين المنفلوطي، وانتفع به، وقرأ القرآن، ولقّب فخر الدّين ومحبّ الدّين، وكان مولده في آخر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وتفقه على مذهب الشافعي، فمهر وصار من أكثر الناس مواظبة على الطّاعة من قيام الليل وإدامة التّلاوة والمطالعة، وولي مشيخة القصّاعين ثم تركها لولده، وجاور في آخر عمره بمكّة، وقدم دمشق ممرضا فمات في حادي عشر صفر.
__________
[1] لفظة «وفاة» سقطت من «آ» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 256) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 264) و «الدّرر الكامنة» (2/ 90) .(8/526)
وفيها الحافظ صدر الدّين سليمان بن يوسف بن مفلح بن أبي الوفاء الياسوفيّ الدمشقي الشافعي [1] .
ولد سنة تسع وثلاثين تقريبا، وسمع الكثير، وعني بالحديث، واشتغل بالفنون، وحدّث، وأفاد، وخرّج، مع الخط الحسن، والدّين المتين، والفهم القوي، والمشاركة الكثيرة. أوذي في فتنة الفقهاء القائمين على الملك الظّاهر، فسجن حتّى مات في السّجن، مع أنّه صنّف في منع الخروج على الأمراء تصنيفا حسنا، وكان مشهورا بالذكاء، سريع الحفظ، دأب في الاشتغال، ولازم العماد الحسباني وغيره، وفضل في مدة يسيرة، وتنزل في المدارس، ثم تركها، وقرأ في الأصول على الإخميمي، وترافق هو وبدر الدّين بن خطيب الحديثة، فتركا الوظائف، وتزهدا، وصارا يأمران بالمعروف وينهيان عن المنكر، أوذيا بسبب ذلك مرارا، ثم حبّب إلى الصّدر الحديث، فصحب ابن رافع، وجدّ في الطلب، وأخذ عن ابن البخاري كثيرا، ورحل إلى مصر، وسمع بها من جماعة، ودرّس، وأفتى، واستمرّ على الاشتغال بالحديث يسمع ويفيد الطلبة القادمين، وينوّه بهم، مع صحّة الفهم وجودة الذّهن.
قال ابن حجي: وفي آخر أمره صار يسلك مسلك الاجتهاد، ويصرّح بتخطئة الكبار، واتفق وصول أحمد الظّاهري من بلاد الشرق، فلازمه، فمال إليه، فلما كانت كائنة تدمر مع ابن الحمصي أمر بالقبض على أحمد الظّاهري ومن ينسب إليه، فاتفق أنه وجد مع اثنين من طلبة الياسوفي فذكرا أنهما من طلبة الياسوفي، فقبض على الياسوفي، وسجن بالقلعة أحد عشر شهرا، إلى أن مات في ثالث عشر شوال.
ومن شعر الياسوفي:
ليس الطّريق سوى طريق محمّد ... فهي الصّراط المستقيم لمن سلك
من يمش في طرقاته فقد اهتدى ... سبل الرّشاد ومن يزغ عنها هلك
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 265) و «الدّرر الكامنة» (2/ 166) و «النجوم الزاهرة» (11/ 312) .(8/527)
وفيها أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن السّجلماسي [1] ، المعروف بالحفيد، ابن رشد المالكي [2] .
كان بارعا في مذهبه، وروى عن أبي البركات البلقيني، والعفيف المطري، والشيخ خليل، وولي قضاء حلب، ثم غزّة، ثم سكن بيت المقدس.
قال القاضي علاء الدّين في «تاريخ حلب» : كان فاضلا، يستحضر، لكن كلامه أكثر من علمه، حتّى كان يزعم أن ابن الحاجب لا يعرف مذهب مالك، وأما من تأخر من أهل العلم فإنه كان لا يرفع بهم رأسا إلّا ابن عبد السّلام، وابن دقيق العيد، ووقع بينه وبين شهاب الدّين بن أبي الرّضا قاضي حلب الشافعي منافرة، فكان كل منهما يقع في حقّ الآخر، وأكثر الحلبيين مع ابن أبي الرّضا لكثرة وقوع الحفيد في الأعراض، وسافر في تجارة من حلب إلى بغداد، ثم حجّ، وعاد إلى القاهرة، ومات عن ثلاث وسبعين سنة، وهو [3] معزول عن القضاء، ولم يكن محمودا. قاله ابن حجر.
وفيها تاج الدّين عبد الواحد بن عمر بن عبّاد المالكي بن الحكّار [4] .
برع في الفقه، وشارك في غيره.
وفيها أبو الحسن علي بن عمر بن عبد الرحيم بن بدر الجزري الأصل الصّالحي النسّاج، المعروف بأبي الهول [5] .
ولد سنة بضع وسبعمائة، وسمع الكثير من التقي سليمان وغيره، وحدّث، وكان سمحا بالتحديث، ثم لحقه في أواخر عمره طرف صمم، فكان لا يسمع
__________
[1] تحرفت في «آ» إلى «السّلجماسي» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 267) و «الدّرر الكامنة» (2/ 343) و «النجوم الزاهرة» (11/ 313) .
[3] لفظة «وهو» سقطت من «آ» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 267) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 268) و «الدّرر الكامنة» (3/ 88) .(8/528)
إلّا بمشقة، وقد حدّث بالكثير، وسمع منه السّكّري، وابن العجمي، وابن حجي، وآخرون، وتوفي في ربيع الأول عن نحو تسعين سنة.
وفيها شمس الدّين أبو المجد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي الحسني [1] ، نقيب الأشراف بحلب.
ذكره طاهر بن حبيب في «ذيل تاريخ أبيه» ، وأثنى عليه بالفضل الوافر، وحسن المجالسة، وطيب المحاضرة، ومات في الطّاعون الكائن بحلب، واتفق أنه قبضت روحه وهو يقرأ سورة يس.
وفيها الحافظ شمس الدّين، أبو بكر محمد بن المحبّ عبد الله بن أحمد ابن المحبّ عبد الله الصّالحي المقدسي الحنبلي المعروف بالصّامت [2] الشيخ الإمام الحافظ الأصيل، بقية المحدّثين. سمّي بالصّامت لكثرة سكوته ووقاره.
سمع من عيسى المطعم، والقاضي تقي الدّين، وابن عبد الدائم، والقاسم بن عساكر. وقرأ على خالته زينب بنت الكمال كثيرا، وعلى أبيه، والمزّي، والبرزالي، والذهبي.
وذكره في «معجمه المختص» وقال: فيه عقل وسكون، وذهنه جيّد، وهمّته عالية في التحصيل.
وأثنى عليه الأئمة، وكان آخر من بقي من أئمة هذا الفنّ. وحدّث فسمع منه [3] خلق كثير، منهم: الشيخ شمس الدّين بن عبد الهادي، سمع منه في سنة ثلاثين.
قال ابن حجر: كان كثير التقشف جدا، بحيث يلبس الثوب أو العمامة فيتقطع قبل أن يبدلها أو يغسلها، وربما مشى إلى البيت بقبقاب عتيق، وإذا بعد
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 270) .
[2] انظر «المعجم المختص» ص (235- 236) و «إنباء الغمر» (2/ 270) و «الدّرر الكامنة» (3/ 465) و «السحب الوابلة» ص (393) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «من» .(8/529)
عليه المكان أمسكه بيده ومشى حافيا، وكان يمشي إلى الحلق التي تحت القلعة فيتفرج على أصحابها مع العامّة، ولم يتزوج قطّ، وكانت إقامته بالضّيائية، وتوفي في خامس ذي القعدة، وباع ابن أخيه كتبه بأبخس ثمن وبذّر ثمنها بسرعة لأنه كان كثير الإسراف على نفسه.
وفيها محمد بن علي بن عمر بن خالد بن الخشّاب المصري [1] .
سمع «الصحيح» من وزيرة، والحجّار، وحدّث به، وولي نيابة الحسبة، وأضرّ قبل موته.
توفي في شعبان.
وفيها الحافظ ناصر الدّين محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي المكارم بن حامد بن عشائر الشافعي الحلبي [2] .
ولد سنة اثنتين وأربعين، وسمع الكثير ببلده ودمشق والقاهرة، وأخذ بدمشق عن ابن رافع، وكان بارعا في الفقه والحديث والأدب، حسن الخطّ جدا، ذا ثروة وملك كثير. جمع مجاميع جيدة، وحدّث وناظر، وألّف، وأسمع ولده ولي الدّين الكثير، وشرع في «تاريخ» لحلب يذيّل به على «تاريخ ابن العديم» ، رتّبه على حروف المعجم، وتمّمه في أربعة أسفار يذكر فيه من مات من أهل حلب أو دخلها أو دخل شيئا من معاملتها، وكان رأسا ببلده، ذكر لقضائها، وكان خطيبا بها، ثم لما قدم القاهرة فاجأته الوفاة في ربيع الآخر فمات غريبا، ويقال: إنه مات مسموما.
وفيها محبّ الدّين محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الدّمراقي [3] الهندي الحنفي [4] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 273) و «الدّرر الكامنة» (4/ 78) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 273) و «الدّرر الكامنة» (4/ 85) .
[3] في «إنباء الغمر» : «الدمراني» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 275) و «نزهة الخواطر» (2/ 148) .(8/530)
قدم مكة قديما، وسمع من العزّ بن جماعة، وهو عالم بارع، وكان يعتمر في كل يوم، ويقرأ كل يوم ختمة، ويكتب العلم.
قال ابن حجر: ولكنه كان شديد العصبية، يقع في الشافعي، ويرى ذلك عبادة. نقلت ذلك من خطّ الشيخ تقي الدّين المقريزي، ومات وقد قارب المائة. انتهى.
وفيها صلاح الدّين محمد بن الملك الكامل محمد بن الملك السعيد عبد الملك بن صالح إسماعيل بن العادل بن أيوب الدمشقي [1] .
كان أحد الأمراء بدمشق، ومولده سنة عشر تقريبا، وأجاز له الدّشتي، والقاضي، وغيرهما، وحدّث، وتوفي في رمضان.
وفيها محمود بن موسى بن أحمد الأذرعي [2] التاجر.
أجاز له التّقي سليمان وغيره، وحدّث.
وفيها منشا موسى بن ماري حاطه بن منشا مغابن منشا موسى ملك التّكرور [3] .
وليها بعد أبيه سنة خمس وسبعين، وكان عادلا عاقلا. قاله ابن حجر.
وفيها جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن الشيخ العلّامة شمس الدّين محمد بن القاضي نجم الدّين عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب بن مشرف بن قاضي شبهة الأسدي الشافعي [4] ، عمّ صاحب «الطبقات» .
ولد سنة عشرين وسبعمائة، وسمع الحديث من جماعة، وتفقه على
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 276) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 276) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 276) و «الدّرر الكامنة» (3/ 275) ضمن ترجمة أبيه.
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 277) و «الدّرر الكامنة» (4/ 272) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 404) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 250) .(8/531)
والده، وعلى أهل عصره، وأذن له والده في الإفتاء، وكان يثني على فهمه، وتنقّل في قضاء البرّ، ثم ترك ذلك، وأقام بدمشق على وظائف والده، نزل له عنها في حياته، وكان فاضلا في الفقه، غير أنه حصل له ثقل في لسانه في مرضة مرضها، فكان يعسر عليه الكلام، وكان خيّرا، ديّنا، منجمعا [1] ، ساكنا، حسن الشكل.
قال الحافظ برهان الدّين الحلبي: قال لي: ما أعلم منذ وعيت إلى الآن أني خلوت ساعة من وجع.
توفي في شوال ودفن عند والده، رحمهما الله تعالى.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «منجما» .(8/532)
سنة تسعين وسبعمائة
فيها أصاب الحاجّ [1] في رجوعهم في [2] ليلة تاسع المحرم عند ثغرة [3] حامد سيل عظيم، مات منه عدد كثير، عرف [4] منهم مائة وسبعة وثلاثين نفسا، وأما من لم يعرف فكثير جدا [5] .
وفيها- كما قال ابن حجر-: هبّت ريح عظيمة بمصر وتراب شديد إلى أن كاد يعمي المارة في الطرقات، وكان ذلك صبيحة المولد الذي يعمله الشيخ إسماعيل بن يوسف الأنبابي فيجتمع فيه من الخلق من لا يحصى عددهم، بحيث إنه وجد في صبيحته مائة وخمسين جرّة من جرار الخمر فارغات، إلى ما كان في تلك الليلة من الفساد، من الزنا، واللواط، والتجاهر بذلك، فأمر الشيخ إسماعيل بإبطال المولد بعد ذلك فيما يقال، ومات في سلخ شعبان. وكان نشأ على طريقة حسنة، واشتغل بالعلم، وانقطع بزاويته، وصار يعمل عنده المولد كما يعمل بطنتدا، ويحصل فيه من المفاسد والقبائح ما لا يعبّر عنه. انتهى.
وفيها توفي برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن الخطيب زين الدّين أبي محمد عبد الرحيم بن قاضي مصر والشام بدر الدّين محمد بن جماعة الكناني الحموي الأصل المقدسي الشافعي [6] ، قاضي مصر والشام، وخطيب الخطباء، وشيخ الشيوخ، وكبير طائفة الفقهاء، وبقية رؤساء الزّمان.
__________
[1] في «ط» : «الحجّاج» .
[2] سقطت لفظة «في» من «ط» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «ثغر» .
[4] في «آ» : «غرق» وفي «ط» : «أغرق» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف.
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 278) .
[6] انظر «إنباء الغمر» (2/ 292) و «الدّرر الكامنة» (1/ 38) و «النجوم الزاهرة» (11/ 314) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 188) .(8/533)
ولد بمصر في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين، وقدم دمشق صغيرا، فنشأ عند أقاربه بالمزّة، وأحضر على جدّه، وسمع من أبيه وعمّه، وطلب الحديث بنفسه وهو صغير في حدود الأربعين، وسمع من شيوخ مصر والشام، ولازم المزّي، والذهبي، وأثني على فضائله، وحصّل الأجزاء، وتخرّج على الشيوخ، واشتغل في فنون العلم، وتوفي والده سنة تسع وثلاثين وهو صغير، فكتبت خطابة القدس باسمه، واستنيب له، ثم باشر بنفسه وهو صغير، وانقطع ببيت المقدس، ثم أضيف إليه تدريس الصّلاحية [1] بعد وفاة العلائي، ثم خطب إلى قضاء الدّيار المصرية بعد عزل أبي البقاء في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين، وباشره بنزاهة وعفّة ومهابة وحرمة، وعزل نفسه، فسأله السلطان وترضّاه حتّى عاد، واستمرّ إلى أن عزل نفسه ثانيا في شعبان سنة سبع وسبعين، وعاد إلى القدس على وظائفه، ثم سئل في العود إلى القضاء [2] فأعيد في صفر سنة إحدى وثمانين، فباشرها ثلاث سنين إلى أن عزل نفسه في صفر سنة أربع وثمانين، وعاد إلى القدس، ثم خطب إلى قضاء دمشق والخطابة بعد موت القاضي ولي الدّين في ذي القعدة سنة خمس وثمانين، ثم أضيف إلى مشيخة الشيوخ بعد سنة من ولايته، وقام في أمور كبار تمّت له.
قال الحافظ ابن حجر: عزل نفسه في أثناء ولايته غير مرّة ثم يسأل ويعاد، وكان محببا إلى الناس [3] ، وإليه انتهت رئاسة العلماء في زمانه، فم يكن أحد يدانيه في سعة الصّدر، وكثرة البذل، وقيامة الحرمة، والصّدع بالحقّ، وقمع أهل الفساد، مع المشاركة الجيدة في العلوم، واقتنى من الكتب النّفيسة بخطوط مصنّفيها وغيرهم ما لم يتهيأ لغيره. انتهى.
وجمع «تفسيرا» في عشر مجلدات، وفيه غرائب وفوائد، وتوفي شبه الفجأة في شعبان ودفن بتربة أقاربه بني الرّحبي بالمزّة.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «الصالحية» .
[2] كذا في «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف: «فأعيد» وفي «آ» :
«فعاد» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «أناس» .(8/534)
وفيها جمال الدّين أحمد بن محمد [1] بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن يحيى بن أبي المجد اللّخمي الأسيوطي [2] ثم المكّي [3] .
ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة، وتفقه للشافعي بالزّملكوني، والتاج التّبريزي، والكمال النّسائي، ولازم الشيخ جمال الدّين الإسنوي، وصحب شهاب الدّين بن الميلق، وأخذ عنه في الأصول والتصوف، وسمع «صحيح البخاري» من الحجّار، وسمع «مسلم» من الواني، وحدّث عنهما وعن الدّبوسي ونحوه بالكثير، وسمع بدمشق من الرّضي، والمزّي، وجماعة، ومهر في الفنون، وناب في الحكم، ثم جاور بمكّة مدة طويلة من سنة سبعين وتصدى [4] للتدريس والتحديث، وجمع بين «الشرح الكبير» و «الروضة» و «التهذيب» بيّض نصف الكتاب في سبع مجلدات، وله «شرح بانت سعاد» .
وتوفي بمكة في ثالث رجب.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن شمس الدّين أبي عبد الله محمد بن القاضي نجم الدّين أبي حفص عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب بن مشرف الأسدي الشافعي، المعروف بابن قاضي شهبة [5] ، وهو والد صاحب «طبقات الشافعية» .
قال ولده: مولده في رجب سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وحفظ «التنبيه» وغيره، واشتغل على والده وأهل طبقته، وأذن له والده بالإفتاء، واشتغل في الفرائض، ومهر فيها، وصنّف فيها مصنّفا، ودرّس وأعار [6] ، وجلس للاشتغال
__________
[1] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» : «أحمد بن محمد ... » والذي في مصادر الترجمة: «إبراهيم بن محمد ... » .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 294) و «الدّرر الكامنة» (1/ 60) و «النجوم الزاهرة» (11/ 315) .
[3] في مصادر الترجمة: «الأميوطي» .
[4] كذا في «آ» و «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف: «وتصدى» وفي «ط» : «وتصدر» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 296) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 200) و «معجم المؤلفين» (2/ 140) .
[6] في «ط» : «وأعار» وهو خطأ.(8/535)
بالجامع الأموي مدة، وكان كريم النّفس جدا، كثير الإحسان إلى الطلبة والفقهاء والغرباء، وإلى أقاربه وذوي رحمه، ولم يكن ببلده في طائفته أكرم منه ومن الشيخ نجم الدّين بن الجابي.
توفي في ذي القعدة ودفن بالباب الصغير بمقبرة والده، رحمهما الله تعالى. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن غازي بن حاتم [1] التركماني المعروف بابن الحجازي [2] .
ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وحضر على أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وغيره، وأجاز له ابن المهتار، وست الوزراء، وغيرهما، وهو جدّ أبيه لأمّه، وطلب بنفسه بعد الثلاثين، وسمع من جماعة، وأجاز له جماعة، وكان فاضلا مشاركا. أقرأ الناس القراءات، ومات في رجب.
وفيها شجاع الدّين أبو بكر بن محمد بن قاسم السّنجاري الحنبلي [3] ، نزيل بغداد، الشيخ الإمام المحدّث.
كان فاضلا، مسندا، حدّث بالكثير، فمن ذلك «جامع المسانيد» و «مسند الشافعي» و «رموز الكنوز» في التفسير للرّسعني، و «كتاب التّوابين» لشيخ الإسلام موفق الدّين بن قدامة [4] ، وحدّث عنه الشيخ نصر الله البغدادي، وولده قاضي القضاة محبّ الدّين، وتوفي عن ثمانين سنة.
__________
[1] تصحفت في «آ» إلى «جانم» وفي «ط» إلى «جاثم» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 127) و «غاية النهاية» (1/ 127) وقال في آخر ترجمته فيه: «ومات سنة إحدى وثمانين وسبعمائة فيما أحسب، ودفن في السفح» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 298) و «الدّرر الكامنة» (1/ 460) و «المقصد الأرشد» (3/ 153- 154) و «السحب الوابلة» ص (134) .
[4] المطبوع بتحقيق والدي الأستاذ المحدّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله.(8/536)
وفيها عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان النيسابوري الأصل ثم المكّي، المعروف بالنّشاوري [1] [2] .
ولد سنة خمس وسبعمائة، وقيل قبل ذلك، وسمع من الرّضي الطّبري، وأجاز له أخوه الصّفي، وحدّث بالكثير.
قال ابن حجر العسقلاني: سمعت عليه «صحيح البخاري» بمكة، وتفرّد عن الرّضي بسماع «الثقفيات» وقد حضر إلى القاهرة في أواخر عمره، وحدّث، ثم رجع إلى مكّة، وتغيّر قليلا، ومات بها في ذي الحجّة.
وفيها عبد الواحد بن عبد الله المغربي، المعروف بابن اللّوز [3] .
كان فاضلا، ماهرا في الطب والهيئة وغير ذلك، مات في شوال. قاله ابن حجر.
وفيها العلاء علاء الدّين بن أحمد بن محمد بن أحمد السّيرامي- بمهملة مكسورة بعدها تحتانية ساكنة [4]-.
قال في «إنباء الغمر» : كان من كبار العلماء في المعقولات، قدم من البلاد الشرقية بعد أن درّس في تلك البلاد، فأقام في ماردين مدة، ثم فارقها لزيارة القدس، فلزمه أهل حلب للإفادة، وبلغ خبره الملك الظّاهر، فاستدعى به فقرّره شيخا ومدرّسا بمدرسته التي أنشأها بين القصرين، وأفاد النّاس في علوم عديدة، وكان إليه المنتهى في فعل المعاني والبيان، وكان متودّدا إلى الناس، محسنا إلى الطّلبة، قائما في مصالحهم، لا يلوي بشره عن أحد، مع الدّين المتين والعبادة الدائمة.
مات في ثالث جمادى الأولى، وكانت جنازته حافلة، وقد جاوز السبعين.
انتهى.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «المعروف بالشاوري» والتصحيح من «إنباء الغمر» و «الدّرر» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 300) و «الدّرر الكامنة» (2/ 300- 301) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 302) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 302) و «الدّرر الكامنة» (1/ 307) و «النجوم الزاهرة» (1/ 316) .(8/537)
وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن يعقوب، شيخ الوضوء، الشافعي [1] .
كان يقرئ بالسبع، ويشارك في الفضائل، وقيل له: شيخ الوضوء لأنه كان يطوف على المطاهر فيعلّم العامة الوضوء [2] .
قال ابن حجي: قدم من صفد، وسمع على السّادجي أحد أصحاب الفخر، وتفقه بوالدي وغيره، وأذن له ابن الخطيب يبرود في الإفتاء، وكان التّاج السّبكي يثني عليه ويسلك مع ذلك طريق التصوف، ودخل القاهرة واجتمع بالسلطان، ورتّب له راتبا على المارستان المنصوري، وكان حسن الفهم، جيد المناظرة، يعتقد ابن عربي، وأقام بالقاهرة تسع سنين، وتوفي في جمادى الآخرة وقد جاوز السبعين. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن المنبجي الأسمري [3] ، خطيب المزّة. سمع الكثير من التّقي سليمان، ووزيره، وابن مكتوم، وغيرهم، وتفرّد بأشياء، وأكثروا عنه، وهو آخر من حدّث عن ابن مكتوم ب «الموطأ» ، وعن وزيره ب «مسند الشافعي» وولي بأخرة قضاء الزّبداني، وتوفي في ذي القعدة عن ست وثمانين سنة.
وفيها بدر الدّين محمد بن إسماعيل الإربلي بن الكحّال [4] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 305) .
[2] قلت: وكم تمنيت أن يفعل ذلك الخطباء وأئمة المساجد في أيامنا، فترى الكلام في الدّروس والخطب يدور حول كل شيء فيما عدا الطهارة. ولقد اطلعت على الكثير الكثير من جهل العامة بأمور الطهارة. فمن ذلك أروي هذه القصة: سألني أحد العامة وهو في حدود الخمسين عن غسل الجنابة وهو لا يدري إلى الآن كيف يغتسل من الجنابة وهل يغني غسل الجنابة عن الوضوء. ولما قلت له: إن الوضوء هو مفتاح غسل الجنابة بعد غسل العورة وإزالة أثر الجنابة، وأن غسل القدمين هو ختام غسل الجنابة. قال لي: هذه أول مرة أسمع فيها كيفية غسل الجنابة، وأنا من حوالي ثلاثين عاما أغتسل غسلا عاديا، ثم أتوضأ وبعدها أصلّي، فليت الخطباء بشكل خاص يعيرون أمور الطهارة اهتمامهم فينتج عن ذلك فوائد عظيمة للمجتمع والأمة بشكل عام، والله الموفق لكل خير.
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 306) و «الدّرر الكامنة» (3/ 323) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 306) .(8/538)
قال ابن حجر: عني بالفقه والأصول، وكان جيد الفهم، فقيرا، ذا عيال، وهو مع ذلك راض قانع، جاوز الأربعين [1] . انتهى.
وفيها عزّ الدّين أبو اليمن محمد بن عبد اللطيف بن محمود بن أحمد الرّبعي بن الكويك [2] .
أصله من تكريت، ثم سكن سلفه الإسكندرية، وكانوا تجارا بها [3] .
وسمع بالإسكندرية من العتبي، ووجيهة بنت الصّعيدي، وبدر الدّين بن جماعة، وعلي بن قريش، وأبي حيّان، وغيرهم. وكان رئيسا، مسموع الكلمة عند القضاة.
توفي في جمادى الأولى عن خمس وسبعين سنة.
__________
[1] كذا في «آ» و «إنباء الغمر» : «جاوز الأربعين» وفي «ط» : «جاوز السبعين» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 307) و «النجوم الزاهرة» (11/ 318) .
[3] لفظة «بها» سقطت من «آ» .(8/539)
سنة إحدى وتسعين وسبعمائة
توفي شهاب الدّين أبو الخير أحمد بن عمر بن محمد بن أبي الرّضا [1] قاضي القضاة الحموي الشافعي، نزيل حلب.
اشتغل في الفقه وغيره، وأخذ عن العلّامة شرف الدّين يعقوب خطيب قلعة حماة، ورحل إلى الشام، وقرأ على أهلها، ورحل إلى القاهرة، واشتغل بها، وقدم حلب سنة بضع وسبعين قاضي العسكر ومفتي دار العدل، فأقام بها يفتي ويفيد، ثم تولى قضاء حلب فحمدت سيرته.
ذكره الحافظ برهان الدّين الحلبي سبط ابن العجمي فقال: فريد الشام ذكاء ومعرفة ودهاء وحفظا، غير أنه كان له أناس يعادونه وما يصنعه يخرجونه في قوالب رديئة ويتكلمون فيه بأشياء ليست فيه، ولكن الحسد حملهم على ذلك، وكان أوحد العلماء، متقنا، متفننا، أستاذا في القراءات وتوجيهها، والتفسير، والمعاني، والبيان، والبديع، والعروض، والنّظم، والنّثر الفائق، والإنشاء، عالما بالفقه والأصلين، ويحفظ جملة صالحة من الحديث وصناعته، يكاد يحفظ «شرح مسلم» و «معالم السنن» للخطابي، وكان أستاذا في معرفة الطبّ والعلاج، وهو رجل غريب في بابه، وكان يحافظ على الجلوس في المسجد لا يكاد يخرج منه إلّا لحاجته، وعنده حشمة، وله سياسة وكياسة، يعظّم العلم وأهله، ولا يقدّم عليهم أحدا. لم أر بحلب أحدا بعده من أهلها أعلم منه ولا من غيرها إلّا ما كان من شيخنا سراج الدّين البلقيني، إلى أن قال: وله مؤلفات
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 227) و «إنباء الغمر» (2/ 358) و «النجوم الزاهرة» (11/ 352، 382) و «الأعلام» (1/ 187) .(8/540)
نفيسة، منها كتاب «الناسخ والمنسوخ» وكتاب في فنون القراءات [1] مجلد ضخم، ونظم «غريب القرآن» للعزيزي على قافية «الشّاطبية» ووزنها، وكتاب «مفاخرة بين السيف والقلم» وكتاب ليس فيه حرف معجم، وغير ذلك. ودخل بين التّرك فأخذ وحبس بالقلعة، ثم حمل مقيّدا إلى قريب من خان شيخون وقتل هناك في ذي القعدة، ثم نقل إلى حماة إلى مقبرة والده وأهله.
وقال العيني في «تاريخه» : قتل شرّ قتلة، وكان ذلك أقلّ جزائه، فإن الظّاهر هو الذي جعله من أعيان الناس وولّاه القضاء من غير بذل ولا سعي، فجازاه بأن أفتى في حقّه بما أفتى، وقام في نصر أعدائه بما قام، وشهر السّيف، وركب بنفسه والمنادي بين يديه ينادي [2] : قوموا انصروا الدولة المنصورية بأنفسكم وأموالكم، فإن الظّاهر من المفسدين العصاة الخارجين، فإن سلطنته ما صادفت محلا، إلى غير ذلك، وكان عنده بعض شيء من العلم، ولكنه كان يرى نفسه في مقام عظيم، وكان مولعا بثلب أعراض الكبار، وكان باطنه رديئا وقلبه خبيثا.
قال: وسمعت أنه كان يقع في حقّ الإمام أبي حنيفة. انتهى كلام العيني ملخصا.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن زين الدّين عمر بن الشّهاب محمود بن سلمان [3] بن فهد الحلبي الأصل الدمشقي، المعروف بالقنّبيط [4] .
قال ابن حجر: ولد سنة عشر أو نحوها، وسمع من أمين الدّين محمد بن أبي بكر بن النّحاس وغيره، ووقع في الدّست، فكان أكبرهم سنا وأقدمهم.
مات في ربيع الأول عن ثمانين سنة وزيادة ولم يحدّث شيئا، وهو الذي أراد صاحبنا شمس الدّين بن الجزري بقوله:
__________
[1] في «ط» : «القرآن» .
[2] في «ط» : «والمنادي ينادي بين يديه» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «سليمان» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 362) .(8/541)
باكر إلى دار عدل جلّق يا ... طالب خير فالخير في البكر
فالدّست قد طاب واستوى وغلا ... بالقرع والقنّبيط والجزر
وأشار بالقنّبيط إلى هذا، وبالجزر إلى نفسه، وبالقرع إلى أبي بكر بن محمد الآتي ذكره سنة أربع وتسعين. انتهى.
وفيها محبّ الدّين أحمد بن محمد المعروف بالسبتي [1] .
انقطع بمصلى حولان ظاهر مصر، وكان معتقدا ويشار إليه بعلم الحروف والزايرجا [2] .
ومات في عشري صفر وقد جاوز الثمانين ظنا، وكان حسن السّمت.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن موسى بن علي، المعروف بابن الوكيل [3] .
عني بالفقه والعربية، وقال النظم فأجاد، وكان سمع بمكّة من الجمال بن عبد المعطي المكّي، وبدمشق من الصّلاح بن أبي عمر. ومن شيوخه في العلم صلاح الدّين العفيفي، ونجم الدّين بن الجابي، وجمال الدّين الأسيوطي، وشمس الدّين الكرماني، وكان يتوقد ذكاء.
مات بالقاهرة في صفر.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن ركن الدّين بن أبي يزيد بن محمد السّرائي الحنفي الشهير بمولانا زاده [4] .
قال [ابن حجر] [5] في «إنباء الغمر» : كان والده كثير المراعاة للعلماء
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 363) و «الدّرر الكامنة» (1/ 315) .
[2] كذا في «آ» و «ط» : «والزايرجا» وفي «إنباء الغمر» : «الزّيجات» جمع «زيج» . وجاء في كتاب «معجم الألفاظ الفارسية المعرّبة» لأدشير ص (82) : الزّيج: عند المنجمين كتاب تعرف به أحوال حركات الكواكب مأخوذ من زيك.
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 363) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 363) .
[5] ما بين القوسين سقط من «آ» .(8/542)
والتعهد للصالحين، وكان السلاطين من بلاد سراي قد فوّضوا إليه النظر على أوقافهم، فكانت تحمل إليه الأموال من أقطار البلاد ولا يتناول لنفسه ولا لعياله شيئا. وكان يقول: أنا أتجنبه ليرزقني الله ولدا صالحا، ثم مات الشيخ سنة ثلاث وستين وخلّف ولده هذا ابن تسع سنين، وقد لاحت آثار النّجابة عليه، فلازم الاشتغال حتّى أتقن كثيرا من العلوم، وتقدم في التدريس والإفادة وهو دون العشرين، ثم رحل من بلاده فما دخل بلدا [1] إلّا عظّمه أهلها [2] لتقدمه في الفنون ولا سيما فقه الحنفية، ودقائق العربية، والمعاني، وكانت له مع ذلك يد طولى في النّظم والنّثر، ثم حبّب إليه السلوك، فبرع في طريق الصّوفية، وحجّ وجاور، ورزق في الخلوات فتوحات عظيمة، ثم دخل القاهرة، ثم رجع إلى المدينة فجاور بها، ثم رجع فأقام بخانقاه سعيد السعداء، واستقرّ مدرسا للمحدّثين بالظّاهرية الجديدة أول ما فتحت بين القصرين، وقرر مدرسا للصرغتمشية في الحديث أيضا، ثم إن بعض الحسدة دسّ إليه سمّا، فتناوله فطالت علّته بسببه إلى أن مات في المحرم. انتهى.
وفيها صدر الدّين أبو المعالي عبد الخالق، ويقال له أيضا: محمد بن محمد بن محمد الشّعيبي- بالمعجمة والموحدة مصغرا- الإسفراييني [3] .
ولد سنة أربع وثلاثين، وكان عارفا بالفقه، وحدّث بكتاب «المناسك» تصنيف أبيه عنه، وشرح منه قطعة، وجمع هو كتابا في المناسك أيضا كثير الفائدة [4] ، وكان مشهورا ببغداد.
مات بفيد [5] منصرفا من الحجّ في المحرم.
__________
[1] في «ط» : «ثم رحل من بلاده قلما فما دخل ... » وما جاء في «آ» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[2] في «آ» و «ط» : «أهلوها» وأثبت لفظ «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 369- 370) .
[4] في «آ» : «كثير الفوائد» وما جاء في «ط» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف.
[5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «بفند» والتصحيح من «إنباء الغمر» وقال ياقوت في «معجم البلدان» (4/ 282) : وفيد: بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة ... يودع الحاج فيها أزوادهم وما يثقل(8/543)
وفيها القاضي جمال الدّين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سليمان الإسكندراني المالكي، المعروف بابن خير [1] .
سمع من ابن الصّفي، والوادي آشي، وغيرهما، وكان عارفا بالفقه، ديّنا، خيّرا. ولي الحكم فحمدت سيرته.
قال ابن حجر: قرأت عليه شيئا.
مات في سابع عشر رمضان واستقرّ بعده تاج الدّين بهرام الدّميري في قضاء المالكية بعناية الخليفة المتوكل. انتهى.
وفيها نجم الدّين عبد الرحيم بن عبد الكريم بن عبد الرحيم بن رزين الحموي الأصل القاهري [2] .
قال ابن حجر: سمع «الصحيح» من وزيرة، والحجّار، وسمع من غيرهما. وحدّث. سمعت عليه بمصر.
مات في جمادى الأولى وله إحدى وتسعون سنة. انتهى.
وفيها تقي الدّين عبد الوهاب بن سبع البعلبكي [3] .
عني بالعلم وحصّل ودرّس، وألّف مختصرا في الأحكام، وولي قضاء بعلبك فلم يحمد في القضاء. مات بدمشق.
وفيها فخر الدّين علي بن أحمد بن محمد بن التّقي سليمان بن حمزة المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي [4] .
ولد سنة أربعين، وسمع الكثير، ولازم ابن مفلح، وتفقه عنده، وخطب
__________
من أمتعتهم عند أهلها فإذا رجعوا أخذوا أزوادهم ووهبوا لمن أودعوها شيئا من ذلك.
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 370) و «الدّرر الكامنة» (2/ 345) و «النجوم الزاهرة» (11/ 386) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 371) و «الدّرر الكامنة» (2/ 357) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 371) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 372) و «السحب الوابلة» ص (286) .(8/544)
بالجامع المظفّري، وكان أديبا، ناظما، ناثرا، منشئا، له خطب حسان ونظم كثير وتعاليق في فنون، وكان لطيف الشمائل.
توفي في جمادى الآخرة.
وفيها علي بن الجمال محمد بن عيسى اليافعي [1] .
كان عارفا بالنحو في بلاد اليمن.
مات بعدن في صفر. قاله السيوطي في «طبقات النّحاة» .
وفيها شرف الدّين الأشقر عثمان بن سليمان بن رسول بن يوسف بن خليل بن نوح الكراديّ الحنفيّ [2] .
أصله من تركمان البلاد الشمالية، واشتغل في بلاده، ثم قدم القاهرة في دولة الأشرف، فصحب الملك الظّاهر قبل أن يتأمّر. وكانت له به معرفة من بلاده فلما كبر قرّره إماما عنده، وتقدم في دولته، وولاه قضاء العسكر ومشيخة الخانقاه البيبرسية. وكان حسن الهيئة، مشاركا في الفضائل، جيد المحاضرة.
مات في رابع عشري ربيع الآخر عن نحو خمسين سنة.
وفيها محبّ الدّين محمد بن بدر الدّين عبد الله بن محمد بن فرحون اليعمري المغربي ثم المدني المالكي [3] .
كانت له عناية بالعلم، وولي قضاء بلده ولم يجاوز الخمسين.
وفيها تقي الدّين محمد بن عبد القادر بن علي بن سبع البعلي [4] .
قال ابن حجر: اشتغل ودرّس مكان عمّه أحمد في الأمينية وغيرها، وأفتى، ودرّس، وولي قضاء بعلبك وطرابلس، ولم يكن مرضيا في سيرته،
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 373) و «بغية الوعاة» (2/ 198) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 373) و «الدّرر الكامنة» (2/ 440) و «النجوم الزاهرة» (11/ 387) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 375) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 375) و «الدّرر الكامنة» (4/ 20) .(8/545)
وجمع كتابا في الفقه مع قصور في [1] فهمه. وكان يكتب خطا حسنا، ويقرأ في المحراب قراءة جيدة، ويخطب بجامع رأس العين.
مات في المحرم. انتهى.
وفيها بدر الدّين أبو اليمن محمد بن سراج الدّين عمر بن رسلان بن نصير الكناني المصري البلقيني الشافعي، سبط بهاء الدّين بن عقيل [2] .
قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» : ولد في صفر سنة ست، وقيل سنة سبع وخمسين، وقدم دمشق مع والده سنة تسع وستين وهو مراهق، وقد حفظ عدة كتب فعرضها على مشايخ الشام إذ ذاك، وأجاز له جماعة [3] من أصحاب البخاري، وابن القوّاس، وغيرهم، وأخذ عن والده وعن غيره من علماء عصره، منهم: جدّه الشيخ بهاء الدّين، وجمال الدّين الإسنوي، وتقدم وتميّز، وفاق أقرانه باجتهاده وجودة ذهنه، ودرّس واشتغل وأفتى، ونزل له والده عن قضاء العسكر في شعبان سنة تسع وسبعين، وكان حسن الذات، مليح الصّفات، وكان يكثر البحث مع والده ويعارضه، وكان والده يسرّ بذلك كثيرا.
وقد ذكر له الأديب زين الدّين طاهر بن حبيب ترجمة حسنة، وقال: كان كلفا بالجود لا متكلفا، مطبوعا على مكارم الأخلاق لا متطبعا، وأخذ الفقه عن والده شيخ الإسلام، وبرع فيه، إلى أن روت عنه أفواه المحابر وألسنة الأقلام، وشارك أهل العلوم. فكان لهم منه أوفى نصيب، وجامل أرباب الفنون فظهر لهم بكل معنى غريب، ثم دوّن العلم الشريف، وكرّس، وباشر الوظائف الجليلة، وأفتى [4] ودرّس، وتولى قضاء العسكر بالدّيار المصرية، واستمرّ إلى أن تطاولت إليه يد القضاء
__________
[1] لفظة «في» سقطت من «ط» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 376) و «الدّرر الكامنة» (4/ 105) و «النجوم الزاهرة» (11/ 389) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 233) وقد تصحفت «الكناني» فيه إلى «الكتاني» بالتاء و «معجم المؤلفين» (11/ 82) .
[3] لفظة «جماعة» سقطت من «ط» .
[4] لفظة «وأفتى» سقطت من «آ» .(8/546)
القسرية، فتوفي في شعبان بالقاهرة، ودفن بمدرسة والده التي أنشأها بقرب جامع الحاكم وتألم والده عليه كثيرا، وتوفي عن نيف وثلاثين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمود بن عبد الله النيسابوري [1] ، ابن أخي جار الله الحنفي. قدم القاهرة، ولازم عمّه وغيره في الاشتغال، وولي إفتاء دار العدل، ومشيخة سعيد السّعداء، وكان بشوشا، حسن الأخلاق، عالما بكثير من المعاني والبيان والتصوف.
ومات في ربيع الآخر ولم يكمل الخمسين.
وفيها سعد الدّين مسعود بن عمر بن عبد الله [2] هكذا أثبته السيوطي في «طبقات النحاة» بلفظ مسعود وهو المشهور، والذي أثبته ابن حجر في كتابيه «الدّرر الكامنة» و «إنباء الغمر» بلفظ محمود بن عمر بن عبد الله التّفتازاني الإمام العلّامة، عالم النحو، والتصريف، والمعاني، والبيان، والأصلين، والمنطق، وغيرهما.
قال ابن حجر: ولد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة بتفتازان- بفتح الفوقيتين والزاي، وسكون الفاء، وبالنون، قرية بنواحي نسا [3]- وأخذ عن القطب والعضد، وتقدم في الفنون، واشتهر ذكره، وطار صيته، وانتفع الناس بتصانيفه، وكان في لسانه لكنة، وانتهت إليه معرفة العلم بالمشرق. انتهى ملخصا.
وقال غيره: فرغ من تأليف «شرح الزّنجاني» حين بلغ ست عشرة سنة، ومن «شرح تلخيص المفتاح» في صفر سنة ثمان وأربعين بهراة، ومن اختصاره سنة ست وخمسين، ومن «شرح الرسالة الشّمسية» في جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين بمزارجام، ومن «شرح التلويح» في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 377) و «النجوم الزاهرة» (11/ 389) وفيه: «محمود بن عبد الله» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 377) و «الدّرر الكامنة» (4/ 350) و «بغية الوعاة» (2/ 285) .
[3] انظر «معجم البلدان» (2/ 35) .(8/547)
بكلستان تركستان، ومن «شرح العقائد» في شعبان سنة ثمان وستين، ومن «حاشية شرح مختصر الأصول» في ذي الحجّة سنة سبعين، ومن «رسالة الإرشاد» سنة أربع وسبعين كلّها بخوارزم، ومن «مقاصد الكلام» وشرحه في ذي القعدة سنة أربع وثمانين بسمرقند، ومن «تهذيب الكلام» في رجب، ومن شرح «القسم الثالث من المفتاح» في شوال كلها في سنة تسع وثمانين بظاهر سمرقند.
وشرع في تأليف «فتاوى الحنفية» يوم التاسع من ذي القعدة سنة تسع وستين.
ومن تأليفه «مفتاح الفقه» سنة اثنتين وسبعين، ومن «شرح تلخيص الجامع» سنة ست وثمانين كلها بسرخس، ومن «شرح الكشّاف» في الثاني من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين بظاهر سمرقند.
ومن شعره:
إذا خاض في بحر التفكّر خاطري ... على درّة من معضلات المطالب
حقرت ملوك الأرض في نيل ما حووا ... ونلت المنى بالكتب لا بالكتائب
ومنه أيضا:
فرق فرق الدّرس وحصل مالا ... فالعمر مضى ولم تنل آمالا
ولا ينفعك القياس والعكس ولا ... افعنلل يفعنلل افعنلالا
ومنه:
طويت بإحراز العلوم وكسبها ... رداء شبابي والجنون فنون
فلمّا تحصّلت العلوم ونلتها ... تبيّن لي أن الفنون جنون
وحكي بعض الأفاضل أن الشيخ سعد الدّين كان في ابتداء طلبه بعيد الفهم جدا، ولم يكن في جماعة العضد أبلد منه ومع ذلك فكان كثير الاجتهاد ولم يؤيسه جمود فهمه من الطلب، وكان العضد يضرب به المثل بين جماعته في البلاد، فاتفق أن أتاه إلى خلوته رجل لا يعرفه فقال له: قم يا سعد الدّين لنذهب إلى السير، فقال: ما للسير خلقت أنا، لا أفهم شيئا مع المطالعة فكيف إذا ذهبت(8/548)
إلى السير ولم أطالع، فذهب وعاد، وقال له: قم بنا إلى السير، فأجابه بالجواب الأول ولم يذهب معه، فذهب الرجل وعاد، وقال له مثل ما قال أولا، فقال:
ما رأيت أبلد منك، ألم أقل لك ما للسير خلقت فقال له: رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- يدعوك فقام منزعجا ولم ينتعل بل خرج حافيا حتّى وصل به إلى مكان خارج البلد به شجيرات، فرأى النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- في نفر من أصحابه تحت تلك الشجيرات فتبسم له، وقال: «نرسل إليك المرّة بعد المرّة ولم تأت» . فقال: يا رسول الله ما علمت أنك المرسل وأنت أعلم بما اعتذرت به من سوء فهمي وقلة حفظي، وأشكو إليك ذلك. فقال له رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «افتح فمك» وتفل له فيه ودعا له، ثم أمره بالعود إلى منزله وبشّره بالفتح، فعاد وقد تضلّع علما ونورا. فلما كان من الغد أتى إلى مجلس العضد وجلس مكانه فأورد في أثناء جلوسه أشياء ظنّ رفقته من الطلبة أنها لا معنى لها لما يعهدون منه فلما سمعها العضد بكى وقال:
أمرك يا سعد الدّين إليّ فإنك اليوم غيرك فيما مضى، ثم قام من مجلسه وأجلسه فيه وفخّم أمره من يومئذ. انتهى.
وتوفي- رحمه الله- بسمرقند، وكان سبب موته ما ذكره في «شقائق النّعمان» في ترجمة ابن الجزري أن تيمورلنك جمع بينه وبين السيد الشّريف فأمر التّيمور بتقديم السّيد على السّعد، وقال: لو فرضنا أنكما سيّان في الفضل فله شرف النّسب، فاغتم لذلك العلّامة التّفتازاني وحزن حزنا شديدا فما لبث حتّى مات- رحمه الله تعالى-، وقد وقع ذلك بعد مباحثتهما عنده، وكان الحكم بينهما نعمان الدّين الخوارزمي المعتزلي فرجح كلام السيد الشريف على كلام العلّامة التّفتازاني. انتهى.
وفيها منهاج الدّين الرّومي الحنفي [1] .
كان أعجوبة في قلّة العلم والتلبيس على التّرك في ذلك.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 379) .(8/549)
قدم القاهرة فولي تدريس الحنفية [بمدرسة أم الأشرف. قاله ابن حجر.
وقال: قال شيخنا ناصر الدّين بن الفرات: حضرت درسه] [1] مرارا، فكان لا ينطق في شيء من العلم بكلمة، بل إذا قرأ القارئ شيئا استحسنه، وربما تكلّم بكلام لا يفهم منه شيء.
مات في رابع عشري ربيع الأول.
__________
[1] ما بين القوسين سقط من «آ» .(8/550)
سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة
في صفرها أخرج برقوق الملك الظّاهر من السّجن وعاد إلى ملكه، فاستمرّ إلى أن مات سنة إحدى وثمانمائة في شوالها كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وفيها توفي القاضي شهاب الدّين أحمد بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة بن محمد بن علي بن عليّان بن هاشم بن مرزوق المخزومي المكّي الشافعي القرشي [1] .
قال ابن أخيه القاضي جمال الدّين في معجم شيوخه الذي سمّاه «إرشاد الطالبين إلى شيوخ ابن ظهيرة جمال الدّين» ما لفظه: أبو العبّاس شهاب الدّين أحمد بن ظهير الدّين ظهيرة عمّي الإمام الفقيه المفتي.
ولد بمكة في شهور سنة ثماني عشرة وسبعمائة، وسمع بها من القاضي نجم الدّين محمد [بن الجمال] [2] بن المحبّ الطّبري، وأخيه الزّين محمد، وأحمد بن الرّضي الطّبري، والأمين الأقشهري، والجمال محمد بن أحمد بن خلف المطري، وعيسى بن عبد العزيز الحجي. سمع منه «صحيح البخاري» في آخرين، وتفقه على جماعة، منهم: العلّامة نجم الدّين الأصفوني وبه تخرّج، وأخذ الحساب والفرائض، وأخذ الأصول عن العلّامة جمال الدّين
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 53) و «الدّرر الكامنة» (1/ 143) و «العقد الثمين» (3/ 52) .
[2] ما بين سقط من «آ» .(8/551)
عبد الرحيم الإسنوي، وقرأ بالروايات على أبي إسحاق إبراهيم بن مسعود المروزي وغيره، وأذن له الحافظ أبو سعيد بن العلائي وغيره بالإفتاء، وتصدّر للاشتغال بالمسجد الحرام فانتفع به جماعة، وناب في الحكم عن القاضيين تقي الدّين وكمال الدّين، ثم ولي قضاء مكّة وخطابتها بعد موت شيخنا القاضي أبي الفضل، ثم عزل عن ذلك سنة ثمان وثمانين، فلازم شغل الطلبة بالحرم الشريف إلى أن توفي ليلة السبت ثالث عشري ربيع الأول وصلّي عليه من الغد بالمسجد الحرام ودفن بالمعلاة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن موسى بن علي بن الحداد الزّبيدي [1] الحنفي الفرضي [2] .
كان عارفا بالفرائض فاضلا.
مات بزبيد في ذي الحجة. قاله ابن حجر.
وفيها شرف الدّين إسماعيل بن حاجي الفروي [3]- بفتح الفاء وسكون الراء نسبة إلى فروة جد- الفقيه الشافعي [4] .
كان أحد علماء بغداد، ثم قدم دمشق في حدود السبعين فأفاد بها في الجامع وغيره، ودرّس بالعينية وغيرها، وكان ديّنا، خيّرا، تصدّق بما يملكه في مرض موته، ومات في صفر.
وفيها سرحان بن عبد الله الفقيه المالكي [5] .
قال ابن حجر: كان عارفا بمذهبه.
مات في ذي الحجّة بالقاهرة، وكان أكولا مشهورا بذلك.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 37) و «الدّرر الكامنة» (1/ 322) .
[2] اللفظة مستدركة من هامش «آ» .
[3] بعدا في هامش «آ» الشافعي وسترد بعد.
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 38) و «الدّرر الكامنة» (1/ 365) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 39) .(8/552)
وفيها عبد المؤمن بن أحمد بن عثمان المارداني ثم الدمشقي الشافعي [1] .
قدم دمشق، فاشتغل ومهر، واستنابه التاج السّبكي في إمامة الجامع والخطابة، واستمرّ ينوب في ذلك إلى أن مات.
وكان ديّنا، خيّرا، ملازما للجامع، يشغل الطلبة.
مات في ربيع الآخر.
وفيها علاء الدّين علي بن خلف بن خليل بن عطاء الله الشافعي الغزّي [2] ، قاضي غزّة.
مولده سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وهو أخو القاضي شمس الدّين الغزّي، وأسنّ منه.
قال الحافظ ابن حجي: كان له قديم اشتغال بدمشق، وسمع من ابن الشّحنة، وجماعة، أجاز لي ولم أسمع منه. انتهى.
وقال ابن قاضي شهبة: بلغني أن أخاه والشيخ عماد الدّين الحسباني قرءا عليه في أول أمرهما وأنه اجتمع بالشّيخ سراج الدّين البلقيني فسأله عن شيء يمتحنه به، فقال: تمتحنني وأنا لي تلميذان أفتخر بهما على الناس أخي والحسباني [3] .
وولي قضاء غزّة مدة، ثم عزل بسبب سوء سيرة أولاده، وأقام مدة بقرن الحارة منقطعا إلى العبادة ورأيت آخرا بخطّه «مختصر تاريخ الإسلام» للذهبي، وبلغني أنه اختصر «التاريخ» جميعه.
توفي في ربيع الآخر أو جمادى الأولى بغزّة. انتهى.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 39) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 40) و «الدّرر الكامنة» (3/ 46) و «طبقات ابن قاضي شهبة» (3/ 211) و «معجم المؤلفين» (7/ 86) .
[3] في «ط» : «الحسباني وأخر» .(8/553)
وفيها زين الدّين أبو حفص عمر بن مسلم بن سعيد بن عمر بن بدر بن مسلم الكتّاني [1]- بتشديد الفوقية وبالنون- القرشي الملحي الدمشقي الإمام الفقيه الشافعي المحدّث المفسّر الواعظ.
قال ابن قاضي شهبة: ولد في شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وورد دمشق بعد الأربعين، واشتغل بالفقه [2] على خطيب جامع جرّاح شرف الدّين قاسم، وأخذ عن الشيخ علاء الدّين حجّي [3] ، وأخذ الأصول عن البهاء الإخميمي، واشتغل في الحديث، وشرع في عمل المواعيد، وكان يعمل مواعيد نافعة تفيد الخاصة والعامة، وانتفع به خلق كثير من العوام، وصار لديهم فضيلة، وأفتى، وتصدّر للإفادة، ودرّس بالمسرورية ثم بالناصرية، ووقع بينه وبين ابن جماعة بسببها وحصل له محنة، ثم عوض عنها بالأتابكيّة، ثم أخذت عنه فلما ولي ولده قضاء دمشق في سنة إحدى وتسعين ترك له الخطابة وتدريس النّاصرية والأتابكية، ثم فوض إليه دار الحديث الأشرفية، فلما عادت دولة الظاهر أخذ واعتقل مع ابنه بالقلعة، وجرت لهما محن، وطلب منهما أموال، فرهن الشيخ كثيرا من كتبه على المبلغ الذي طلب منهما.
قال الحافظ ابن حجّي: برع في علم التفسير، وأما علم الحديث، فكان حافظا للمتون، عارفا بالرجال، وكان سمع الكثير من شيوخنا، وله مشاركة في العربية. انتهى.
وكان مشهورا بقوة الحفظ ودوامه، إذا حفظ شيئا لا ينساه، شجاعا مقداما، كثير المساعدة لطلبة العلم، يقول الحقّ على من كان من غير مداراة في الحق ولا محاباة، وملك من نفائس الكتب شيئا كثيرا، وكان كثير العمل والاشتغال لا يملّ، ولم يزل حاله على أحسن نظام إلى أن قدّر الله عليه ما قدّر
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 42) و «الدّرر الكامنة» (3/ 194) وفيهما: «عمر بن مسلّم» و «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 359- 360) .
[2] في «ط» : «في الفقه» .
[3] في «ط» : «علاء الدّين بن حجي» .(8/554)
فتوفي معتقلا بقلعة دمشق في ذي الحجّة ودفن بالقبيبات وحضر جنازته من لا يحصى كثرة.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن علي المصري [1] ، المعروف بالرفاء.
قال ابن حجر: عني بالعلم قليلا، وسمع الحديث فأكثر، وسمع العالي والنازل، وجاور كثيرا فكان يلقّب حمامة الحرم، وكان يسكن الناصرية بين القصرين، صحبته قليلا، ومات في جمادى الأولى.
وفيها فخر الدّين محمد بن مجد الدّين أحمد بن عمر بن عبد الكريم بن محبوب سبط شرف الدّين ابن الحافظ [2] .
سمع من يحيى بن سعيد، وابن الشّحنة، والتقيّ ابن تيميّة، وغيرهم.
وكان مكثرا من الحديث، وقد تفقّه على جدّه وأذن له في الإفتاء، وكان فاضلا، ذكيا، يتعانى كل شيء يراه حتّى الخياطة والنجارة والبناء والموسيقى، مع حسن الشكالة ولطف المعاشرة، ورقّة النّظم.
مات في ربيع الأول عن ثمان وثمانين سنة.
وفيها محمد بن إسماعيل الأفلاقي [3]- نسبة إلى أفلاق قرية بالقرب من دمنهور- المالكي. كان فاضلا ينظم الشعر نظما وسطا.
توفي في سادس جمادى الأولى.
وفيها جمال الدّين محمد بن عبد الله بن عبد الله بن أبي بكر الحثيثي- بمهملة ومثلثتين مصغرا- الصّرد في الرّيمي- بفتح الراء بعدها تحتانية ساكنة نسبة إلى ريمة ناحية باليمن- الشافعي [4] . اشتغل في العلم [5] ، وتقدم في الفقه،
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 45) و «الدّرر الكامنة» (3/ 341) و «النجوم الزاهرة» (12/ 122) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 45) و «الدّرر الكامنة» (3/ 345) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 46) و «النجوم الزاهرة» (12/ 122) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 47) و «الدّرر الكامنة» (3/ 486) و «الأعلام» (6/ 236) .
[5] في «ط» : «بالعلم» .(8/555)
فكانت إليه الرحلة في زمانه. وصنّف التصانيف النافعة منها «شرح التّنبيه» في أربعة وعشرين سفرا، أثابه الملك الأشرف على إهدائه إليه أربعة وعشرين ألف دينار ببلادهم، يكون قدرها ببلادنا أربعة آلاف دينار، وله «المعاني الشريفة» و «بغية الناسك في المناسك» و «خلاصة الخواطر» وغير ذلك.
ولّي قضاء الأقضية بزبيد دهرا.
قال ابن حجر: قال لي الجمال المصري: كان الرّيمي كثير الازدراء بالنّووي، فرأيت لسانه في مرض موته قد اندلع [1] واسودّ، فجاءت هرة فخطفته فكان ذلك آية للناظرين. انتهى. توفي في أوائل المحرم، وقيل: في أول صفر بزبيد قاضيا بها.
وفيها شمس الدّين أبو [2] عبد الله محمد بن سليمان الصّرخدي [3] الشافعي الإمام العلّامة المصنّف الجامع بين أشتات العلوم.
أخذ [4] العلوم عن مشايخها، وممن أخذ عنه شمس الدّين بن قاضي شهبة، والعماد الحسباني. وكان أجمع أهل البلد لفنون العلم. أفتى ودرّس، وأشغل وصنّف، غير أن لسانه كان قاصرا، وقلمه أحسن من لسانه، وكان حظّه من الدنيا قليلا، لم يحصل له شيء من المناصب، وإنما درّس بالتقوية والكلّاسة نيابة له، وتصدّر بالجامع، وكان ينصر مذهب الأشعري كثيرا ويعادي الحنابلة، وصنّف «شرح المختصر» ثلاثة أجزاء، واختصر «إعراب» السفاقسي. واعترض عليه [5] في مواضع، واختصر «قواعد العلائي» و «التمهيد» للإسنوي واعترض عليهما في مواضع، واختصر «المهمات» وله غير ذلك. وكتب الكثير بخطّه
__________
[1] في «ط» : «انزلع» وهو تحريف. واندلع اللسان: خرج. «القاموس المحيط» (دلع) .
[2] في «آ» : «ابن» وهو تحريف.
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 48) وفيه: «محمد بن عبد الله» ، و «الدّرر الكامنة» (3/ 449) .
[4] لفظة «أخذ» سقطت من «آ» .
[5] في «ط» : «عليهما» وهو تحريف.(8/556)
واحترق غالب مصنّفاته في الفتنة قبل تبييضها. وكان فقيرا ذا عيال.
توفي في ذي القعدة ودفن بباب الصغير بالقرب من معاوية رضي الله تعالى عنه.
وفيها صدر الدّين محمد بن علاء الدّين علي بن محمد بن محمد بن أبي العزّ الحنفي الصالحي [1] .
اشتغل قديما، ومهر، ودرّس، وأفتى، وخطب بحسبان مدة، ثم ولي قضاء دمشق في المحرم سنة تسع وسبعين، ثم ولّي قضاء مصر بعد ابن عمّه، فأقام شهرا، ثم استعفى ورجع إلى دمشق على وظائفه، ثم بدت منه هفوة فاعتقل بسببها، وأقام مدة مقترا خاملا إلى أن جاء النّاصري فرفع إليه أمره فأمر بردّ وظائفه فلم تطل مدته بعد ذلك، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها شمس الدّين محمد بن شرف الدّين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن فلاح الإسكندراني [2] ثم الدمشقي.
سمع الحجّار، وحدّث، وكان ينسب إلى غفلة. قاله ابن حجر.
وفيها صلاح الدّين محمد بن محمد بن عمر الأنصاري البلبيسيّ [3] نزيل مصر.
سمع «صحيح مسلم» على الشريف الموسوي موسى بن علي بن أبي طالب، والعزّ محمد بن عبد الحميد، وتفرّد عنهما بالسماع، وقد تأخر بعده رفيقه محمد بن يس لكنه كان حاضرا.
توفي في رمضان عن سبع وثمانين سنة.
وفيها الحافظ شمس الدّين أبو العبّاس محمد بن موسى بن محمد بن
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 50) و «الدّرر الكامنة» (3/ 118) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 50) .
[3] في «آ» و «ط» : «البلقيني» وهو خطأ والتصحيح من «إنباء الغمر» (3/ 50) و «الدّرر الكامنة» (4/ 205) .(8/557)
سند بن تميم، الإمام العالم الحافظ اللّخمي المصري الأصل الدمشقي الشافعي، المعروف بابن سند [1] .
ولد في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وسبعمائة، وطلب الحديث في حدود الخمسين، وسمع من جماعة بدمشق ومصر، وقرأ الفقه على شرف الدين بن قاسم خطيب جامع جرّاح، وقرأ الأصول بالديار المصرية على الجمال الإسنوي، وأخذ العربية عن التاج المراكشي، وأذن له في إقرائها، وأخذ في القدس عن الحافظ صلاح الدّين العلائي وأجازه بالفتوى والتدريس، وصحب القاضي تاج الدّين ولازمه وناب في الحكم عن القاضي سري الدّين المالكي، ثم عن القاضي ولي الدّين.
ذكره الذهبي في «المعجم المختص» [2] وهو آخر من ذكرهم فيه وفاة.
وقال الحافظ شهاب الدّين بن حجّي: كان من أحسن الناس قراءة للحديث كان يرجح على كل أحد لحسن فصاحته، وخرّج لنفسه أربعين متباينة المتن والإسناد، وخرّج لغيره، وتعين في الفنّ. سمعنا بقراءته كثيرا وله محفوظات في الفقه، والأصول، والعربية، وأجازه بالفتيا ابن كثير، والقاضي تاج الدّين.
وقال في «إنباء الغمر» : ناب عن بعض القضاة الشافعية، كالتاج السّبكي، وكان شديد اللزوم له وقارئا لتصانيفه، وناب عنه في مشيخة دار الحديث الأشرفية وغيرها [3] ، ثم تحول مالكيا فناب عن بعض المالكية، ثم رجع فناب عن أبي البقاء، ومات شافعيا عاشر صفر بدمشق، ودفن بمقبرة الصوفية وهو القائل:
الحافظ الفرد إن أحببت رؤيته ... فانظر إليّ تجدني ذاك منفردا
كفى لهذا دليل أنّني رجل ... لولاي أضحى الورى لم يعرفوا سندا
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 51) و «الدّرر الكامنة» (4/ 270) .
[2] لم أقف على ترجمته في المطبوع منه الموجود بين أيدينا.
[3] كذا في «آ» : «وغيرها» وهو موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف وفي «ط» :
«وغيرهما» .(8/558)
وقرأت بخطّ البرهان المحدّث أنه اختلط قبل موته بسنة بسبب مرض طال به اختلاطا فاحشا.
وقرأت بخط ابن حجي: أنه تغير في أخرة تغيّرا شديدا، ونسي بعض القرآن، فكان يقال: إن ذلك لكثرة وقيعته في الناس. انتهى ملخصا.
وفيها شرف الدّين يعقوب بن عيسى الأقصرائي ثم الدمشقي [1] .
ولد سنة عشرين، وسمع من الحجار والمزّي وغيرهما. وحدّث وخطب ودرّس، وناب في الحكم، وكان رجلا خيرا.
مات في ذي الحجة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 54) .(8/559)
سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة
فيها توفي أحمد بن زيد التّميمي الفقيه الشافعي [1] أحد المعلّمين في بلاد المخلاف [2] . سخط عليه الإمام صلاح الدّين بن علي في قضية جرت له، فأمر بقتله، فحمل المصحف مستجيرا به على رأسه فلم يغن ذلك عنه، وقتل في تلك الحالة، ثم أصيب الإمام بعد قليل، فقيل كان ذلك سببه.
وفيها ولي الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خير المالكي [3] قاضي القضاة.
قرّر في بعض وظائفه ابنه بعد موته، منها درس الحديث بالشيخونية، ومات شابا في جمادى الآخرة.
وفيها أحمد بن قطلوبغا العلائي الحلبي [4] .
سمع من إبراهيم بن صالح بن العجمي شيئا من «عشرة الحداد» [5] .
وحدّث.
مات في شعبان وقد جاوز السبعين.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 84) و «الدّرر الكامنة» (1/ 134) .
[2] في «آ» و «ط» : «في بلاد المحلا» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف، وأراد بذلك «مخلاف صعدة» وانظر «معجم البلدان» (5/ 70) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 85) و «الدّرر الكامنة» (1/ 168) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 86) و «الدّرر الكامنة» (1/ 238) .
[5] انظر «كشف الظنون» (2/ 1141) .(8/560)
وفيها جلال بن أحمد بن يوسف بن طوع رسلان الثّيري [1]- بكسر المثلثة وسكون التحتية [2] بعدها راء- الشيخ العلّامة جلال الدّين التبّاني الحنفي، وقيل:
اسمه رسول.
قدم القاهرة في آخر دولة الناصر، فأقام بمسجد بالتبّانة فغلب عليه نسبته إليها، وكان يذكر أنه سمع «صحيح البخاري» على علاء الدّين التركماني، وتلمذ للشيخين جمال الدّين بن هشام، وبهاء الدّين بن عقيل، فبرع في العربية، وصنف فيها وتفقّه على القوام الأتقاني، والقوام الكاسي، وانتصب للإفادة مدة وشرح «المنار» ، ونظم في الفقه «منظومة» وشرحها في أربع مجلدات، وعلّق على البزدوي، واختصر «شرح البخاري» لمغلطاي، وعلّق على «المشارق» و «التلخيص» ، وصنّف في منع تجدد الجمعة وفي أن الإيمان يزيد وينقص، وانتهت إليه رئاسة الحنفية وعرض عليه القضاء مرارا فامتنع وأصرّ على الامتناع.
ومات بالقاهرة في ثالث رجب.
وفيها صلاح بن علي بن محمد بن علي العلويّ الزّيديّ [3] الإمام.
ولي الإمامة بصعدة، وحارب صاحب اليمن مرارا وكاد يتغلّب على المملكة كلّها، فإنه ملك لحج وأبين، وحاصر عدن وهدم أكثر سورها، وحاصر زبيد فكاد أن يملكها ورحل عنها، ثم هاداه الأشرف، وصار يهاديه، وكان مهابا فاضلا عالما عادلا، سقط عن بغلته بسبب نفورها من طائر طار فتعلّل حتّى مات بعد ثلاثة أشهر في ذي القعدة. قاله ابن حجر.
وفيها عائشة بنت السّيف أبي بكر بن عيسى بن منصور بن قواليج [4] الدمشقيّة [5] بنت عمّ بدر الدّين بن قواليج.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 87) و «النجوم الزاهرة» (12/ 123) .
[2] في «ط» : «التحتانية» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 89) و «الأعلام» (3/ 207) و «فيه وفاته سنة 849 هـ» .
[4] في «ط» : «قوالج» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 90) و «الدّرر الكامنة» (2/ 236) و «أعلام النساء» (3/ 126) .(8/561)
روت عن القاسم بن مظفّر والحجّار، وغيرهما، وحدّثت، وماتت في شوال.
وفيها عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن بهرام السّروجي [1] ، حفيد القاضي شمس الدّين محمد بن بهرام.
قال في «إنباء الغمر» : ولد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة. واشتغل وتفقه [2] ، وتعانى الشروط، وصنّف فيه، وولي قضاء عين تاب، وكان حسن الخطّ، قدوة في فنّه.
وفيها شرف الدّين أبو حاتم عبد القادر بن شمس الدّين أبي عبد الله محمد الآتي ذكره ابن عبد القادر الجعفري النابلسي الحنبلي [3] قاضي القضاة العلّامة.
كان من أهل العلم وبيته ورئاسته، تولّى قضاء دمشق في حياة والده، ولمّا دخل متواليا إليها في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة.
سلّم له الموافق والمخالف في كثرة علومه، وكان في مبدإ أمره يقف الصفان له في صغره، يتأمّلون حسنه وحسن شكله.
توفي مسموما بدمشق في شهر رمضان ومات سائر من أكل معه، وهو والد القاضي بدر الدين قاضي نابلس الآتي ذكره أيضا إن شاء الله تعالى، ولما بلغ والده موته انزعج لذلك كثيرا واختلط عقله، وما زال مختلطا إلى أن مات.
وفيها صدر الدّين عمر بن عبد المحسن بن عبد اللطيف بن رزين [4] .
سمع الدّبوسي، والقطب الحلبي، وغيرهما، وأجاز له الحجّار، وابن الزرّاد، وطائفة، وحدّث، وناب في الحكم بصلابة ومهابة، ودرّس بأماكن
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 90) .
[2] في «ط» : «وتفقه واشتغل» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 91) و «النجوم الزاهرة» (12/ 125) و «السّحب الوابلة» ص (235) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 92) و «الدّرر الكامنة» (3/ 173) .(8/562)
وكان [1] بيده تدريس الحديث بالظّاهرية البيبرسية وبالفاضلية، واستقرّ فيهما بعده العراقي، وتوفي في المحرم.
وفيها فاطمة بنت عمر بن يحيى المدنيّة [2] ، وتعرف ببنت الأعمى.
أجاز لها الدّشتي، والقاضي، والمطعم، وحدّثت بمصر مدة، وماتت في آخر السنة.
وفيها فتح الدّين أبو بكر محمد بن إبراهيم بن محمد القاضي، العالم المتفنّن الأديب الكاتب الفقيه الشافعي النابلسي الأصل ثم الدمشقي، المعروف بابن الشهيد [3] .
كان كاتب السّرّ بدمشق.
ولد سنة ثمان وعشرين، واشتغل في العلوم، وتفنّن، وفاق أقرانه في النّظم والنّثر والكتابة.
وولي كتابة السر، ومشيخة الشيوخ في ذي القعدة سنة أربع وستين، فباشر مدة ثلاث سنين ونصف، ثم عزل ثم أعيد إلى الوظيفتين بعد أشهر، واستمرّ أكثر من سبع سنين، ثم عزل من كتابة السرّ، وأعيد غير مرّة ومدة ولايته خمس عشرة سنة وأشهر، ودرّس بالناصرية الجوانية والظّاهرية الجوّانية، وولاه منطاش الخطابة.
وكان يخطب خطبا فصيحة بليغة لكن لم يكن عليها قبول، وكان بينه وبين الأمر سيف الدّين نائب الشام عداوة شديدة عند ما يلي نيابة الشام يعزل المذكور ويصادر ويؤذى، وتارة يختفي، وفي بعض النّوب في اختفائه منه نظم «السيرة النّبوية» من عدة كتب ثلاث مجلدات في خمسة وعشرين ألف بيت وسمّاه «الفتح
__________
[1] في «ط» : (وكانت) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 93) و «أعلام النساء» (4/ 89) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 93) و «الدّرر الكامنة» (3/ 296) و «طبقات ابن قاضي شهبة» (3/ 218) و «معجم المؤلفين» (8/ 218) .(8/563)
القريب من سيرة الحبيب» وضمّ إلى ذلك فوائد «الرّوض» [1] مع زيادات وإشكالات تدلّ على طول باعه في العلم، وحدّث بها بدمشق، وممن سمع ذلك الحافظ شهاب الدّين بن حجّي، وحدّث بها بالقاهرة أيضا وشرح مجلدة منها في اثنتي عشرة مجلدة، وهو الثلث من المنظومة.
وكان الشيخ سراج الدّين البلقيني يثني على فضائله.
توفي قتيلا بظاهر القاهرة لقيامه على الظّاهر في شعبان.
قال ابن حجر: لما آل الأمر إلى برقوق حقد عليه فأمر بالقبض عليه- أي من الشام- فحمل إلى القاهرة مقيّدا وأودع السّجن مع أهل الجرائم، ثم أمر به فأخرج إلى ظاهر القاهرة فضربت عنقه بالقرب من القلعة وذلك قبل رمضان بيوم، ودفن إلى جانب أخيه شمس الدّين محمد بن إبراهيم [1] لأنه كان مقيما بالقاهرة ومات قبل قتل أخيه في هذه السنة.
وإلى جانب أخيه الآخر نجم الدّين محمود بن إبراهيم [2] أخو اللذين قبله.
تنقّل في البلاد، وولي كتابة السرّ بتنّيس عشرين سنة، ثم قدم [3] القاهرة، فمات بها بعد أخويه في ذي القعدة، واتّفق أن دفن الثلاثة في قبر واحد بعد الشتات الطّويل.
وفيها تقي الدّين محمد [بن أحمد] [4] بن عبد الرحمن الدمشقي ابن الظّاهري [5] .
سمع من الحجّار ومحمد بن محمد بن عرب شاه وتفقه، وتوفي في صفر.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 95) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 95) «وسمّاه محمدا» .
[3] في «آ» : «أقدم» .
[4] ليس ما بين القوسين من «ط» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 95) .(8/564)
وفيها تقي الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حاتم المصري [1] ابن إمام جامع ابن الرّفعة.
قال ابن حجر: ولد سنة سبع عشرة، وسمع علي الحجّار، والواني، والدّبوسي وغيرهم، وكان عالما بالفقه، درّس بالشريفية ودرّس للمحدّثين بقبة بيبرس، وحدّث، وأفاد، ومات في ذي القعدة.
وفيها فتح الدّين أبو الفتح محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد العسقلاني [2] المقرئ، إمام جامع طولون.
ولد سنة أربع وسبعمائة، وتلا بالسبع على التّقي الصّائغ، وسمع عليه «الشاطبية» فكان خاتمة أصحابه بالسماع، وأقرأ الناس بأخرة فتكاثروا عليه.
مات في المحرم.
وفيها أبو الوليد محمد بن أحمد بن أبي الوليد محمد بن أبي محمد القرطبي ثم الغرناطي [3] ، نزيل دمشق.
أمّ بالجامع، وكان فاضلا.
توفي في ذي الحجّة.
وفيها بدر الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن مزهر الشافعي الدمشقي [4] ، كاتب السرّ، وليها مرتين قدر عشر سنين [5] ، وكان قد تفقه على ابن قاضي شهبة، وهو الذي قام معه في تدريس الشّامية البرّانية، ونشأ على طريقة مثلي، وباشر بعفة ونزاهة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 96) و «الدّرر الكامنة» (3/ 349) و «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 408- 409) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 96) و «الدّرر الكامنة» (3/ 352) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 97) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 97) و «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 410) .
[5] في «ط» : «سنوات» .(8/565)
وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن موسى بن عيسى البطرقي الأنصاري [1] .
سمع من والده كثيرا، وأجاز له أبو جعفر بن الزّين، وقاضي فاس أبو بكر محمد بن محمد بن عيسى بن منتصر، وتفرّد بذلك، وكان آخر المسندين ببلاد إفريقية، وكان زاهدا، مقبلا على القراءات والخير.
مات بتونس في ذي القعدة عن تسعين سنة وأشهر.
وفيها محمد بن إسماعيل بن سراج الكفربطناوي [2] .
حدّث بالصحيح عن الحجّار بمصر وغيرها، وكان من فقهاء المدارس بدمشق، وأذن له ابن النّقيب، وتوفي في إحدى الجمادين ببيسان راجعا من القاهرة.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن أحمد بن محمد اليونيني البعلي الحنبلي، المعروف بابن اليّونانية [3] .
ولد سنة سبع وسبعمائة، وسمع من الحجّار، وتفقه فصار شيخ الحنابلة على الإطلاق، وسمع الكثير، وتميّز، وولي قضاء بعلبك سنة تسع وثمانين عوضا عن ابن النّجيب، وسمع عليه ببعلبك القاضي تقي الدّين بن الصّدر قاضي طرابلس، ولخص «تفسير ابن كثير» في أربع مجلدات وانتفع به.
وتوفي في شوال.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن يوسف الرّكراكي المالكي [4] .
قال ابن حجر: كان عالما بالأصول والمعقول وينسب لسوء الاعتقاد وسجن بسبب ذلك ونفي إلى الشام ثم تقدم عند الظاهر وولاه القضاء وسافر معه في هذه
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 98) وفيه: «البطرني» ، و «الدّرر الكامنة» (3/ 370) و «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 409) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 98) و «الدّرر الكامنة» (4/ 56) و «السّحب الوابلة» (3/ 4) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 102) و «النجوم الزاهرة» (12/ 124) و «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 413- 414) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 102) و «النجوم الزاهرة» (12/ 124) .(8/566)
السنة فمات بحمص في رابع شوال ورثاه حجّاج بن عيسى بقوله:
لهفي على قاضي القضاة محمّد ... إلف العلوم الفارس الرّكراكي
قد كان رأسا في القضا فلأجل ذا ... أسفت عليه عصابة الأتراك
ولما سمع شيخنا سراج الدّين بموته قال: لله درّ عقارب حمص، وكانت هذه تعدّ من [1] نوادر شيخنا، إلى أن وجد في «ربيع الأبرار» أن أرض حمص [2] لا تعيش فيها عقارب [2] وإن أدخل فيها عقرب غريبة [3] ماتت من ساعتها.
وفيها مراد بن أورخان ثالث ملوك بني عثمان [4] .
ولي السلطنة بعد موت أبيه سنة إحدى وستين [5] وسبعمائة، وكان شديد البطش والفتك في الكفّار، وافتتح كثيرا من البلاد منها أدرنة، ولما ضاق الكفّار به ذرعا أظهر واحد من ملوكهم الطّاعة له، وقدم ليقبّل يده فضرب السلطان بخنجر كان بيده، فاستشهد رحمه الله تعالى.
وفيها شرف الدّين موسى بن عمر [بن منصور] [6] اللّوبياني الشّامي [7] .
ولد بعد سنة عشرين، وسمع من الحجّار، وكان فقيها نبيها، أذن له ابن النّقيب في الإفتاء، وكان يدرّس ويفتي ويرتزق من الشهادة.
توفي في ربيع الأول.
__________
[1] رواية «ط» : «في» .
[2] رواية «ط» : «لا يعيش فيها عقرب» .
[3] في «ط» : «غريب» .
[4] انظر «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (129- 136) بتحقيق الدكتور إحسان حقي، طبع دار النفائس.
[5] لفظة «وستين» سقطت من «آ» .
[6] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[7] انظر «إنباء الغمر» (3/ 103) .(8/567)
سنة أربع وتسعين وسبعمائة
في شعبانها كان الحريق العظيم بدمشق، فاحترقت المئذنة الشرقية وسقطت، واحترقت الصّاغة والدهشة، وتلف من الأموال ما لا يحصى، وعمل في ذلك تقي الدّين ابن حجّة الحموي «مقامة» في نحو عشرة أوراق من رائق النثر وفائق النظم، وهي أعجوبة في فنّها. قاله ابن حجر.
وفيها ثار الغلاء المفرط بدمشق.
وفيها رجع تمرلنك إلى بلاد العراق في جمع عظيم، فملك أصبهان، وكرمان، وشيراز، وفعل بها الأفاعيل المنكرة، ثم قصد شيراز، فتهيأ منصور شاه لحربه، فبلغ تمرلنك اختلاف من في سمرقند فرجع إليها فلم يأمن منصور من ذلك، بل استمرّ على حذره، ثم تحقق رجوع تمرلنك، فأمن، فبغته تمرلنك، فجمع أمواله وتوجه إلى هرمز، ثم انثنى عزمه، وعزم على لقاء تمرلنك، فالتقى بعسكره وصبروا صبر الأحرار، لكن الكثرة غلبت الشّجاعة، فقتل منصور في المعركة ثم استدعى ملوك البلاد فأتوه طائعين، فجمعهم في دعوة وقتلهم أجمعين.
وفيها توفي ناصر الدّين إبراهيم بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن إسماعيل بن عمر بن بختيار [1] الصالحي، المعروف بابن السلّار [2] .
ولد سنة أربع وسبعمائة، وسمع من عبد الله بن أحمد بن تمّام، وابن الزرّاد، وست الفقهاء بنت الواسطي، وهو آخر من روى عن الدّمياطي بالإجازة، وكان له نظم ونباهة ونوادر ومجاميع مشتملة على غرائب مستحسنة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن مختار» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 124) و «الدّرر الكامنة» (1/ 21) .(8/568)
توفي في شعبان عن تسعين سنة، وكان موت والده سنة ست عشرة وسبعمائة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي الدّنيسريّ بن العطّار القاهري الشافعي [1] .
ولد سنة ست وأربعين، وقرأ القرآن، واشتغل بالفقه، ثم تولع بالأدب، ونظم فأكثر، وأجاد المقاطيع في الوقائع، ومدح [2] الأكابر بالقصائد، ونظم «بديعية» ولم يكن ماهرا في العربية فيوجد في شعره اللّحن، وقد تهاجى هو وعيسى بن حجّاج، وله «نزهة الناظر في المثل السائر» .
وكان حادّ البادرة، وله ديوان قصائد نبوية نظمها بمكّة، سمّاها «فتوح مكة» وديوان مدائح في ابن جماعة سمّاه «قطع المناظر بالبرهان الحاضر» و «الدرر الثمين في التضمين» .
وهو القائل:
أتى بعد الصّبا شيبي وظهري ... رمي بعد اعتدال باعوجاج
كفى أن كان لي بصر حديد ... وقد صارت عيوني من زجاج
توفي في ربيع الآخر.
وفيها عبد الله بن خليل بن عبد الرحمن بن جلال الدّين البسطامي [3] نزيل بيت المقدس، صاحب الأتباع.
كان للناس فيه اعتقاد كثير، وله زاوية في القدس معروفة، وكان نشأ ببغداد، وتفقه بمذهب الشافعي، إلى أن أعاد [4] بالنظامية، فاتفق قدوم الشيخ علاء الدّين العشقي البسطامي فلازمه وانتفع به، وصار من مريديه، فسلّكه
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 125) و «النجوم الزاهرة» (12/ 128) .
[2] في «ط» : «ومدائح» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 130) و «الدّرر الكامنة» (2/ 259) و «الدليل الشافي» (1/ 385) .
[4] في «ط» : «عاد» .(8/569)
وهذّبه، وتوجه معه لزيارة بيت المقدس فطاب للشيخ المقام بها فأقام وكثر أتباعه، واستمر يتعانى المجاهدات وأنواع الرياضات إلى أن حضرت شيخه الوفاة، فعهد إليه أن يقوم مقامه، فقام [1] أتم قيام، ورزقه الله تعالى القبول، وكثرت أتباعه، وكان كثير التواضع، مهيبا.
توفي بالقدس في المحرم.
وفيها عبد الله بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي المكّي الشافعي [2] ، والد قاضي مكّة وأخو قاضيها.
ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وسمع من عيسى الحجي، وعيسى بن الملوك، وغيرهما، وكان ديّنا، خيّرا، له نظم وعبادة.
توفي في ربيع الآخر وحدّث عنه ولده.
وفيها عبد الخالق بن علي بن الحسين بن الفرات المالكي [3] ، موقّع الحكم. برع في الفقه، وشرح «مختصر الشيخ خليل» وحمل عن الشيخ جمال الدّين بن هشام، وكتب الخط المنسوب، ودرّس، ووقّع على القضاة راتبة مرارا، وكان سمع من أبي الفتح الميدومي، وحدّث، وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها فخر الدّين عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس الحنفي [4] ، الكاتب النّاظم النّاثر المشهور.
ولي نظر الدولة مرارا، وتنقل في الولايات، وولي وزارة دمشق أخيرا، ثم استدعي أخيرا إلى القاهرة ليستقرّ وزيرا بها فاغتيل بالسمّ في الطريق فدخل القاهرة
__________
[1] لفظة «فقام» سقطت من «آ» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 131) و «الدّرر الكامنة» (2/ 264) و «العقد الثمين» (5/ 183) و «الدليل الشافي» (1/ 385) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 132) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 132) و «الدّرر الكامنة» (2/ 230) و «النجوم الزاهرة» (12/ 131) و «الدليل الشافي» (1/ 400) .(8/570)
ميتا، وكان ماهرا في الكتابة، عارفا بصناعة الحساب، أعجوبة في الذكاء، له الشعر الفائق والنّظم الرائق.
قال ابن حجر: ما طرق سمعي أحسن من قوله في الرسالة التي كتبها للبشتكي لما صاد السمكة، وهي الرسالة الطويلة، منها: وقعد لصيد السمك بالمرصاد، وأطاعه حرف النصر، فكلما تلا لسان البحر نون تلا لسان العزم صاد.
وهو القائل:
علقتها معشوقة خالها ... قد عمّها بالحسن بل خصّصا
ما وصلها [1] الغالي وما جسمها ... لله ما أغلى وما أرخصا
سمعت من لفظه شيئا من الشعر، وكانت بيننا مودة.
قال المقريزي- بعد أن أثنى على أدبه وفضله-: إلّا أنه كان لعراقة آبائه في النّصرانية يستخف بالإسلام وأهله، ويخرج ذلك في أساليب من سخفه وهزله، من ذلك أنه سمع المؤذّن يقول: وأشهد أن محمدا رسول الله، فقال: هذا محضر له ثمانمائة سنة تؤدى فيه الشهادة وما ثبت.
ومات وله عدة بنات نصارى، عامله الله بما يستحقه. انتهى كلام المقريزي.
ومات في خامس عشر ذي الحجّة.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن بهاء الدّين عبد الرحمن بن قاضي القضاة عزّ الدّين محمد بن قاضي القضاة تقي الدّين سليمان بن حمزة المقدسي الأصل ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي [2] .
حضر على جدّ والده التّقي سليمان وغيره.
__________
[1] في «إنباء الغمر» : «يا وصلها» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 135) و «الدّرر الكامنة» (3/ 60) و «المقصد الأرشد» (2/ 236) .(8/571)
قال الشيخ شهاب الدّين [1] بن حجي: سمعت منه قديما، وكان رجلا حسنا، وقد بقي صدر بيت الشيخ أبي عمر، وكان عنده كرم وسماحة، كثير الضافية للناس.
توفي ليلة السبت حادي عشري شعبان.
وفيها علاء الدّين علي [بن مجاهد] [2] الجدلي [3] .
اشتغل ببلده، ثم قدم القدس، فلازم التّقي القلقشندي، ثم قدم دمشق، فاشتغل، وقدم مصر سنة ثمانين، فأخذ عن الضّياء القرمي، وعاد إلى دمشق، وتصدّر بالجامع، وأشغل الناس، واختصّ بالقاضي سري الدّين، وأضاف إليه قضاء المجدل، ثم وقع بينهما، فأخذت وظائفه، ثم غرم مالا حتّى استعادها، وولي مشيخة النّجيبية بأخرة، وسكنها، وكان جيدا متوسطا في الفقه.
توفي في شهر رمضان. قاله ابن حجر.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عبد الله الحلبي بن مهاجر الحنفي [4] .
ولد سنة ثمان وعشرين، وكان فاضلا، ورأس في الحنفية حتّى كان يقصد للفتوى، ثم ولي كتابة السرّ بحلب مدة، ثم صرف سنة سبع وثمانين، فدخل القاهرة، وتحوّل، فصار شافعيا، وولي قضاء حماة، ثم حلب، ثم عزل بابن أبي الرّضي، وكان ذا فضيلة في النّظم والنّثر، خيّرا، مهيبا، حسن الخطّ، أثنى عليه فتح الدّين بن الشهيد، وتوفي في ربيع الأول.
وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزّركشي الشافعي، الإمام العلّامة المصنّف المحرّر [5] .
__________
[1] في «ط» : «الشهاب» .
[2] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 137) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 138) و «الدّرر الكامنة» (3/ 328) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 138) و «الدّرر الكامنة» (3/ 397) و «النجوم الزاهرة» (12/ 134)(8/572)
ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وأخذ عن الشيخين جمال الدّين الإسنوي، وسراج الدّين البلقيني، ورحل إلى حلب إلى الشيخ شهاب الدّين الأذرعي، وسمع الحديث بدمشق وغيرها، وكان فقيها، أصوليا، أديبا، فاضلا في جميع ذلك، ودرّس وأفتى، وولي مشيخة خانقاه كريم الدّين بالقرافة الصّغرى.
قال البرماوي: كان منقطعا إلى الاشتغال لا يشتغل عنه بشيء، وله أقارب يكفونه أمر دنياه، ومن تصانيفه «تكملة شرح المنهاج» للإسنوي، ثم أكمله لنفسه، و «خادم الشرح» و «الروضة» وهو كتاب كبير فيه فوائد جليلة، و «النكت على البخاري» و «البحر» في الأصول في ثلاثة أجزاء، جمع فيه جمعا كثيرا لم يسبق إليه، وشرح «جمع الجوامع» للسبكي في مجلدين، و «لقطة العجلان وبلّة الظمآن» ، وله غير ذلك. وكان خطّه ضعيفا جدا قلّ من يحسن استخراجه.
توفي بمصر في رجب ودفن بالقرافة الصّغرى بالقرب من تربة بكتمر السّاقي.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الحميد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات اللّخمي، الملقّب بالقاضي ابن الشّيرازي [1] .
ولد في جمادى الأولى سنة سبعمائة، وسمع من جدّته ست الفخر ابنة عبد الرحمن بن أبي نصر «مشيخة كريمة» بسماعها منها، وتفرّد بذلك، وكان يذكر أنه سمع «البخاري» من ابن الشّحنة بحضور ابن تيمية، وكان من الرؤساء المعتبرين، وله مال جزيل وثروة، ووقف متسع، وأنفق ذلك على نفسه ومن يلوذ به قبل موته، وتوفي في جمادى الآخرة في عشر المائة.
__________
و «الدليل الشافي» (2/ 609) .
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 141) و «الدّرر الكامنة» (3/ 493) .(8/573)
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي الرّشيد [1] .
سمع القاضي، والمطعم، وابن سعد، وغيرهم. وحدّث وتوفي في شوال عن أربع وثمانين سنة.
وفيها محمد بن قاسم بن محمد بن مخلوف الصّقلي [2] ، نزيل الحرمين.
كان خيّرا. سمع من الزّيادي، وابن أميلة وغيرهما [3] ، ولازم قراءة الحديث بمكّة. توفي في شوال.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن إسماعيل بن أمين الدولة الحلبي الحنفي المرغياني [4] .
ذكره ابن حبيب، وقال: سكن القاهرة، وكان من فضلاء الحنفية، وناب في الحكم، وولي مشيخة خانقاه طقز دمر بالقرافة، وتوفي في شوال.
وفيها جمال الدّين محمد بن محمد بن النّجيب نصر الله بن إسماعيل الأنصاري بن النّحاس [5] .
ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة سنة موت أبيه، وسمع من ابن الشّيرازي، وابن عساكر، والحجّار، وغيرهم، وأحضر على والده من مشيخة قريبه العماد ابن النّحاس، واعتنى به أخوه، فأسمعه الكثير، وخرّج له ابن الشّرائحي «مشيخة» فمات قبل أن يحدّث بها، وتوفي في شوال.
وفيها بدر الدّين محمد بن نصر الله بن بصاقة الدّمشقي [6] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 142) و «الدّرر الكامنة» (4/ 6) و «السحب الوابلة» ص (383) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 143) و «العقد الثمين» (2/ 257) .
[3] في «ط» : «وغيرهم» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 143) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 144) و «الدّرر الكامنة» (4/ 241) .
[6] انظر «إنباء الغمر» (3/ 145) .(8/574)
سمع على أسماء بنت صصرى، ولازم العنّابي، وابن هشام، ومهر في العربية، وأحسن الخطّ، وتوفي في رمضان.
وفيها شرف الدّين موسى بن ناصر بن خليفة الباعوني [1] ، أخو القاضي شهاب الدّين.
قدم دمشق، ونزل بالبادرائية، وقرأ بالسبع على ابن اللّبّان، وسمع من ابن أميلة وغيره، وطلب بنفسه، وكان أسنّ من أخيه، فأسمع أخاه معه [2] قليلا، ولما ولي أخوه استنابه، وقرّر له بعض جهات. مات غريبا في رمضان.
وفيها محيي الدّين يحيى بن يوسف بن يعقوب بن يحيى بن زعب [3] الرّحبي [4] .
ولد سنة خمس عشرة، وسمع «الصحيح» من الحجّار، والمزّي، وحدّث به، وكان معتنيا بالعلم، وله رئاسة وحشمة، وكان البرهان بن جماعة قد صاهره، فكان له بذلك جاه كبير، وقد أكثر عن الجزري وغيره، ولازم ابن كثير، وأخذ عنه فوائد حديثية، وأخذ عن كثير من أصحاب ابن تيميّة، وكان تاجرا، فلما كبر دفع ماله لولده محمد، وأقبل على الإسماع، وكان يقصد لسماع «الصحيح» وله به نسخة قد أتقنها، وحجّ مرارا، وأصيب في رجليه بالمفاصل، وتوفي في شهر ربيع الأول، والله أعلم.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 147) .
[2] في «ط» : «منه» وهو تحريف.
[3] في «إنباء الغمر» : «ابن زعيب» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 148) و «الدّرر الكامنة» (4/ 430) .(8/575)
سنة خمس وتسعين وسبعمائة
فيها عاث تمرلنك بالعراق، وخرّب بغداد، وتبريز، وشيراز، وغيرها، واتصل شرر فتنته إلى الشام، ووصل خبر ضرره إلى مصر، فارتاع كلّ قلب لما يحكى عنه، فإنه أوسع القتل والنّهب والأسر ببغداد وما حولها وما داناها، وعاد إلى البصرة والحلّة وغيرها، وأكثر النّهب والتعذيب، ثم توجه نحو الشمال، فوصل إلى ديار بكر، وعضت عليه قلعة تكريت فحاصرها من ذي الحجّة إلى أن أخذها بالأمان في صفر سنة ست وتسعين.
وفيها في ربيع الآخر حصل بحلب سيل عظيم، فساق جملة كثيرة من الوحوش والأفاعي، فوجد ثعبان فمه يسع ابن آدم إذا بلعه، وكان طوله أكثر من سبعة أذرع.
وفيها وقع الفناء بالإسكندرية، فيقال: مات في مدة يسيرة عشرة آلاف.
وفيها كان الطّاعون الشّديد بحلب بلغت عدة الموتى كلّ يوم خمسمائة نفس وأكثر.
وفيها اجتمع بالقدس أربعة من الرّهبان ودعوا الفقهاء لمناظرتهم، فلما اجتمعوا جهروا بالسوء من القول، وصرحوا بذمّ الإسلام، فثار الناس عليهم فأحرقوهم.
وفيها توفي أحمد بن إبراهيم الكتبي الصّالحي الحنفي [1] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 168) و «الدّرر الكامنة» (1/ 97) .(8/576)
كان من فضلاء الحنفية، مشاركا في الفنون، أفتى وناظر، ولازم أبا البقاء السّبكي مدة، وقرأ عليه «الكشّاف» ، وهو المشار إليه في كتابة «السجلات» .
توفي في رجب.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن صالح بن أحمد بن الخطّاب بن رقم البقاعي الدمشقي المعروف بالزّهري [1] ، الفقيه الشافعي.
ولد سنة اثنتين أو ثلاث وعشرين، وأخذ عن النّور الأردبيلي، والفخر المصري، وابن قاضي شهبة، وأبي البقاء السّبكي، والبهاء الإخميمي، ومهر في الفقه وغيره، وسمع الحديث من البرزالي وغيره، ودرّس كثيرا، وأفتى، وتخرّج به البهاء، وناب في الحكم عن البلقيني وغيره، ودرّس بالشامية والعادلية وغيرهما، وولي إفتاء دار العدل، واستقلّ بالقضاء في ولاية منطاش وأوذي بسبب ذلك، وكانت مدة ولايته شهرا ونصفا، وعدّ ذلك من زلّات العقلاء.
قال ابن حجي: كان مشهورا بحلّ «المختصر» في الأصول، و «التمييز» في الفقه، وله نظم. وكان مشهورا [2] ، له حظ من عبادة، مع حفظ لسانه من الوقيعة في الناس، مهيبا مقتصدا في معاشه، كثير التّلاوة، وقد انتهت إليه رئاسة الشافعية بدمشق.
وقال ابن قاضي شهبة: ومن تصانيفه «العمدة» أخذ «التنبيه» وزاده التصحيح، وشرح «التنبيه» في مجلدات، ومصنفاته ليست على قدر علمه، وكان شكلا حسنا مهيبا، كأنما خلق للقضاء.
توفي في المحرم ودفن بمقبرة الصّوفية.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عمر بن هلال الإسكندراني ثم الدمشقي [3] ، الفقيه المالكي.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 168) و «الدّرر الكامنة» (1/ 140) و «طبقات ابن قاضي شهبة» (3/ 194) .
[2] لفظة «مشهورا» سقطت من «آ» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 171) و «الدّرر الكامنة» (1/ 232) .(8/577)
أخذ عن الأصفهاني وغيره، وشرح «ابن الحاجب» [1] في الفقه، وأخذ عن أبي حيّان وكان حسن الخط والعبارة، ماهرا في الأصول، فاضلا، إلّا أنه عيب عليه أنه كان يرتشي على الإذن في الإفتاء ويأذن لمن ليس بأهل، وشاع عنه أنه قال في النزع: قولوا لابن الشّريشي يلبس ثيابه ويلاقينا إلى الدرس، فمات ابن الشريشي عقب ذلك.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن الضّياء محمد بن إبراهيم بن إسحاق المناوي [2] الشافعي ابن عمّ القاضي صدر الدّين.
ناب في الحكم، وولي مشيخة الخانقاه الجاولية، ومات في ربيع الأول.
وفيها ولي الدّين أبو حامد أحمد بن الحافظ ناصر الدّين محمد بن علي بن محمد بن عشاير [3] ، خطيب حلب وابن خطيبها.
أسمعه أبوه الكثير بحلب وغيرها [4] ، ورحل به إلى القاهرة، واشتغل ومهر، ونظم الشعر، وخطب بعد أبيه مدة، ومات بحلب [5] في ذي الحجّة بالطّاعون شابا.
وفيها سليمان بن داود بن سليمان المزّي- بالزاي- المعروف بالعاشق [6] .
حضر على ابن الشّيرازي وغيره، وحدّث، وكان كثير الحجّ.
توفي مستهل صفر.
وفيها الحافظ زين الدّين وجمال الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الإمام المقرئ المحدّث شهاب الدّين أحمد بن الشيخ الإمام المحدّث أبي أحمد
__________
[1] يعني «مختصر ابن الحاجب» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 172) و «الدّرر الكامنة» (1/ 240) و «النجوم الزاهرة» (12/ 138) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 172) و «الدّرر الكامنة» (1/ 238) .
[4] في «ط» : «وغيره» .
[5] لفظة «بحلب» سقطت من «ط» .
[6] انظر «إنباء الغمر» (3/ 174) .(8/578)
رجب عبد الرحمن البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي الشهير بابن رجب [1] لقب جدّه عبد الرحمن، الشيخ الإمام العالم العلّامة، الزاهد القدوة، البركة، الحافظ، العمدة، الثقة، الحجّة، الحنبلي المذهب.
قدم من بغداد مع والده إلى دمشق وهو صغير سنة أربع أربعين وسبعمائة، وأجازه ابن النّقيب، والنّووي [2] ، وسمع بمكّة على الفخر عثمان بن يوسف، واشتغل بسماع الحديث باعتناء والده، وحدّث عن محمد بن الخبّاز، وإبراهيم بن داود العطّار، وأبي الحرم محمد بن القلانسي، وسمع بمصر من صدر الدين أبي الفتح الميدومي، ومن جماعة من أصحاب ابن البخاري، ومن خلق من رواة الآثار، وكانت مجالس تذكيره للقلوب صارعة وللناس عامة مباركة نافعة، اجتمعت الفرق عليه، ومالت القلوب بالمحبة إليه، وله مصنّفات مفيدة، ومؤلّفات عديدة، منها «شرح جامع أبي عيسى الترمذي» و «شرح أربعين النّواوي» [3] ، وشرع في شرح «البخاري» فوصل إلى الجنائز، سمّاه «فتح الباري في شرح البخاري» ينقل فيه كثيرا من كلام المتقدمين [4] ، وكتاب «اللطائف» [5] في الوعظ وأهوال القيامة، و «القواعد الفقهية» تدل على معرفة
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 175) و «الدّرر الكامنة» (2/ 321) و «الردّ الوافر» ص (106- 107) و «المقصد الأرشد» (2/ 81- 82) و «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 488- 489) و «الجوهر المنضد» ص (46) .
[2] هو أحمد بن عبد المؤمن السبكي النووي. تقدمت ترجمته في ص (272) من هذا المجلد.
[3] وقد طبع عدة مرات أفضلها التي صدرت في العام الماضي (1411 هـ) عن مؤسسة الرسالة ببيروت بتحقيق الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، والأستاذ إبراهيم باجس عبد المجيد.
[4] وهو جدير بالنشر على ما به من النقص لاحتوائه على فوائد كثيرة متنوعة. انظر «كشف الظنون» (1/ 550) و «هدية العارفين» (1/ 527) .
[5] واسمه الكامل «لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف» وقد طبع قديما في مصر سنة (1343) هـ دون تحقيق، وكنت قد شرعت بتحقيقه قبل أربع سنوات بالاشتراك مع الأستاذ ياسين محمد السواس، وأفردنا من القسم الذي أنجزنا تحقيقه منه- وهو في حدود ربعه- كتابا صغيرا سميناه «مجالس في سيرة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» تولى مراجعته والحكم على أحاديثه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله، ونشرته دار ابن كثير بدمشق سنة (1408) هـ، ثم تخليت عن مشاركة(8/579)
تامة بالمذهب [1] ، وتراجم أصحاب مذهبه رتّبه على الوفيات ذيّل بها على «طبقات ابن أبي يعلى» [2] . وله غير ذلك من المصنّفات.
وكان لا يعرف شيئا من أمور الناس ولا يتردد إلى أحد من ذوي الولايات، وكان يسكن بالمدرسة السّكرية بالقصّاعين.
قال ابن حجي: أتقن الفنّ- أي فنّ الحديث- وصار أعرف أهل عصره بالعلل، وتتبع الطرق، وتخرّج به غالب أصحابنا الحنابلة بدمشق.
توفي- رحمه الله- ليلة الاثنين رابع شهر رمضان بأرض الخميرية ببستان كان استأجره وصلّي عليه من الغد، ودفن بالباب الصغير جوار قبر الشيخ الفقيه أبي الفرج عبد الواحد بن محمد الشّيرازي ثم المقدسي الدمشقي المتوفى في ذي الحجّة سنة ست وثمانين وأربعمائة.
قال ابن ناصر الدّين [3] : ولقد حدّثني من حفر لحد ابن رجب أن الشيخ زين الدّين ابن رجب جاءه قبل أن يموت بأيام، قال [4] : فقال لي: احفر لي هاهنا لحدا، وأشار إلى البقعة التي دفن فيها، قال: فحفرت له، فلما فرغ نزل في القبر واضطجع فيه فأعجبه، وقال: هذا جيد، ثم خرج.
قال: فو الله ما شعرت بعد أيام إلّا وقد أتي به ميتا محمولا في نعشه فوضعته في ذلك اللّحد.
وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي الحنبلي [5] الإمام المفتي الزّاهد.
__________
الأستاذ السواس في تحقيق «اللطائف» لأمر لا مجال لذكره هنا، غفر الله لي وله ولسائر المسلمين وألهمنا العمل بما يرضيه على النحو الذي يرضيه.
[1] وهو مطبوع طبعة جيدة في مصر منذ سنوات طويلة.
[2] واسمه «الذيل على طبقات الحنابلة» وهو مطبوع طبعة قديمة في مصر بعناية الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله تعالى.
[3] انظر «الردّ الوافر» ص (107) .
[4] لفظة «قال» سقطت من «ط» .
[5] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 336) و «السّحب الوابلة» ص (209) .(8/580)
سمع من إسماعيل بن الفرّاء وغيره، وحدّث، وكان فاضلا، متعبدا.
توفي في ثامن المحرم.
وفيها عبد الرحيم بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن الفصيح الهمداني الأصل ثم الكوفي ثم الدمشقي الحنفي [1] .
قدم أبوه وعمّه دمشق، فأقام بها، وأسمع أحمد [2] أولاده من شيوخ العصر بعد الأربعين، وقدم عبد الرحيم هذا القاهرة في هذه السنة، فحدّث عن أبي عمرو بن المرابط ب «السنن الكبرى» للنسائي بسماعه منه في «ثبت» كان معه، وحدّث عن محمد بن إسماعيل بن الخبّاز ب «مسند الإمام أحمد» كلّه، واعتماده على «ثبته» أيضا.
قال ابن حجر: وسمع منه غالب أصحابنا، ثم رجع إلى دمشق فمات بها في شوال هذه السنة، وهو والد صاحبنا شهاب الدّين بن الفصيح. انتهى.
وفيها علي بن أيدغدي التركي الأصل الدمشقي الحنبلي البعلي [3] .
كان يلقب حنبل. سمع الكثير، وطلب بنفسه، وجمع «معجم شيوخه» وترجم لهم.
قال ابن حجي: علّقت من «معجمه» تراجم وفوائد. قال: ولا يعتمد على نقله.
مات في رجب.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عبد المعطي بن سالم، المعروف بابن السّبع [4]- بفتح المهملة وسكون الموحدة وبالعين المهملة-.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 177) و «الدّرر الكامنة» (2/ 353) وفيه: «عبد الرحيم بن أحمد بن علي» .
[2] في «آ» : «أحد» وما جاء في «ط» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف.
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 177) و «السحب الوابلة» ص (292) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 178) و «الدّرر الكامنة» (3/ 111) .(8/581)
قال ابن حجر: حضر بعض «البخاري» على وزيره، والحجّار، وسمع من يحيى بن فضل الله، والقاضي، ومحمد بن غالي، وغيرهم، وكان ممن يخشى لسانه، وكان أبوه قاضي المدينة.
مات هو في رمضان وقد اختلط عقله. انتهى.
وفيها علاء الدّين علي بن محمود بن علي بن محمود بن علي بن محمود- ثلاثة على نسق- ابن العطّار الحرّاني [1] ، سبط الشيخ زين الدّين الباريني.
ولد بعد الستين وسبعمائة، وتفقه للشافعي بالشيخ أبي البركات الأنصاري وغيره، وبرع في النحو والفرائض، وتصدى لنفع الناس، وتصدر بأماكن، وكانت دروسه فائقة، وكان يتوقّد ذكاء.
ذكر القاضي علاء الدّين في «تاريخ حلب» أنه حفظ ربع «ألفية العراقي» في يوم واحد ولو عمّر لفاق الأقران، لكن مات عن نيف وثلاثين سنة في شهر رمضان.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عبد الرحيم الأفقهسي المقبري [2] .
قدم من بلده سنة إحدى وثلاثين، وهو كبير، فاشتغل، وأخذ عن ابن عدلان، والكمال النسائي، وغيرهما. ومهر في الفقه، وشارك في غيره، وكان ديّنا، مع فكاهة فيه، ودرّس بأماكن بالقاهرة، وأفاد، وولي مشيخة خانقاه بشتك، وناب في الحكم، وتوفي في شوال، وانتفع به جمع كثير.
وفيها محبّ الدّين أبو البركات محمد بن أحمد بن الرّضي إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الطّبري المكّي [3] .
قال ابن حجر: ولد سنة بضع وعشرين، وسمع من عيسى الحجي، وطائفة من الوادي آشي، والأمين الأقشهري، وأجاز له الحجّار وآخرون، ومات في ذي القعدة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 179) و «الدّرر الكامنة» (3/ 126) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 179) و «النجوم الزاهرة» (12/ 138) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 182) و «الدّرر الكامنة» (3/ 306) .(8/582)
اجتمعت به وصلّيت خلفه مرارا، وكان أعرج لأنه سقط فانكسرت رجله، وباشر العقود، وعمّر بعده أخوه أبو اليمن دهرا. انتهى.
وفيها صلاح الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن سالم بن عبد الرحمن ابن الأعمى الحنبلي [1] ، الشيخ الإمام العالم الجيلي ثم المصري.
اشتغل وحصّل وأشغل، وأعاد ودرّس، وأفتى، ودرّس بالظّاهرية الجديدة، وبمدرسة السلطان حسن.
وتوفي بالقاهرة ليلة الأربعاء سادس ربيع الأول ودفن من الغد بحوش الصّوفية.
وفيها أمين الدّين محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الدمشقي الحنفي الآدمي [2] .
ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، وأخذ عن زوج ابنته الفخر بن الفصيح، وسمع من ابن الخبّاز، وابن تبّع [3] وغيرهما، وعني بالعربية، وأخذ عن الصّلاح الصّفدي وغيره، وكانت له وجاهة بدمشق، وباشر بها أماكن، وهو والد القاضي صدر الدّين.
قال ابن حجي: لم يكن محمودا بالنسبة إلى الوقيعة في الناس، ومع ذلك فكان أحد أوصياء تاج الدّين السّبكي، ثم صار من أخصاء البرهان بن جماعة، ودرّس بالإينالية، وحصل دنيا واسعة وأموالا جمّة، وعرض عليه بعض الحكّام نيابته [4] فلم يقبل.
وتوفي في جمادى الأولى فجأة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 185) و «النجوم الزاهرة» (12/ 138) و «المقصد الأرشد» (2/ 512) و «الجوهر المنضد» ص (125) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 183) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «سبع» .
[4] في «ط» : «نيابة» .(8/583)
وفيها جمال الدّين محمد بن يحيى بن سليمان السّكوني المغربي المالكي [1] .
قال في «إنباء الغمر» : كان عارفا بالمعقولات إلّا أنه طائش العقل، ولي قضاء حماة وطرابلس. فلم يحمد، ثم ولي قضاء دمشق شهرين بعد غلبة الظّاهر، فبدا منه طيش أهين بسببه، وذلك أنه تصدّى لأذى الكبار وتغريم بعضهم، فكوتب فيه السلطان، وعرّفوه ثبوت فسقه، فقدم مصر، ثم نفي إلى الرّملة فمات بها في أوائل هذه السنة.
وقال ابن حجي: كان كثير الدّعوي، ولما عزل عن القضاء وقف للسلطان بمصر وشكا من غرمائه، فقال له: أنا ما عزلتك هم حكموا بعزلك، فأخذ يعرّض ببعض الأكابر، فعملوا عليه حتّى أخرجوه.
وفيها شرف الدّين أبو البقاء محمود بن العلّامة جمال الدّين محمد بن الإمام كمال الدّين أحمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن الشريشي [2] الشافعي، العلّامة الورع، بقية السّلف، مفتي المسلمين وأقدم المدرسين وأقضى القضاة، البكري الوائلي.
ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة بحمص، وأخذ العلم عن والده، والشيخ شمس الدّين بن قاضي شهبة، وأضرابهما، وقرأ في الأصول والنحو والمعاني والبيان، وشارك في ذلك كلّه [3] ، مشاركة قوية، ونشأ في عبادة وتقشف وسكون وأدب وانجماع عن الناس، ودرس بالبادرائية، نزل بها والده عنها، واستمرّ يدرّس بها إلى حين وفاته من سنة خمسين، وناب للقاضي تاج الدّين في آخر عمره فمن بعده، ولازم الاشتغال والإفتاء، واشتهر بذلك، وصار هو المقصود بالفتاوى من سائر الجهات، وكان يكتب على الفتاوى كتابة حسنة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 186) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 186) و «الدّرر الكامنة» (4/ 334) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 248) .
[3] لفظة «كلّه» سقطت من «آ» .(8/584)
وقال الشيخ زين الدّين القرشي: يقبح علينا أن نفتي مع وجود ابن الشّريشي، وتخرّج به خلق كثير، وكتب بخطّه أشياء كثيرة، وكان محببا إلى الناس، كلّه خير، ليس فيه شيء من الشرّ، وانتهت إليه وإلى رفيقه الشيخ شهاب الدّين الزّهري رئاسة الشافعية، وكان مباركا له في رزقه، ليس له سوى البادرائية وتصدير على الجامع، ولا يزال [1] يضيف الطلبة ويحسن إليهم ويكثر الحجّ.
وقال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» : لم أر في مشايخي أحسن من طريقته، ولا أجمع لخصال الخير منه، وكان يلعب بالشطرنج، وكان رأسا فيه.
توفي في صفر ودفن بتربتهم بالصالحية مقابل الجامع الأفرم بالسفح.
وفيها موسى بن أحمد بن منصور العبدوسي المالكي [2] .
كان عالما، صالحا، عابدا، على طريقة السّلف.
نزل دمشق، وعيّن للقضاء فامتنع، ودرّس وأفاد، ثم تحوّل إلى القدس، وله أسئلة مفيدة واعتراضات واستنباطات حسنة.
توفي ببلد الخليل- صلوات الله عليه- بزاوية الشيخ عمر المجرّد [3] في أحد الجمادين.
وفيها ناصر الدّين أبو الفتح نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني العسقلاني ثم المصري [4] الشيخ الإمام علّامة الزّمان، قاضي قضاة الحنابلة بنابلس.
ولد سنة ثماني عشرة وسبعمائة، وسمع من الميدومي وجماعة، واشتغل
__________
[1] كذا في «آ» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف: «ولا يزال» وفي «ط» : «ولا زال» وهو أصوب وأوجه.
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 189) .
[3] في «ط» : «المجود» وما جاء في «آ» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 189) و «الدّرر الكامنة» (4/ 390) و «النجوم الزاهرة» (12/ 137) و «المقصد الأرشد» (3/ 60) و «الجوهر المنضد» ص (169) .(8/585)
في العلوم، وتفنّن، وأفتى، ودرّس، وناب في القضاء عن حموه قاضي القضاة موفق الدّين مدة طويلة، ثم استقلّ بالقضاء بعد وفاته سنة تسع وستين، وكانت مباشرته للقضاء نيابة واستقلالا ما يزيد على ست وأربعين سنة، وكان من القضاة العدول، مثابرا على التهجد بالليل، ودرّس بالشيخونية، وحدّث.
قال ابن حجر: كان دينا [1] ، عفيفا، مصونا، صارما، مهيبا، محبا في الطّاعة والعبادة. وحدّث ودرّس وأفاد، وأجاز لي بعد أن قرأت عليه شيئا.
انتهى.
توفي ليلة الأربعاء حادي عشري شعبان بالقاهرة ودفن عند حموه قاضي القضاة موفق الدّين خارج باب النصر، وحضر جنازته نائب السلطنة سودون والحجّاب والقضاة والأعيان، وغيرهم.
وفيها أبو تاشفين بن أبي حمو موسى يوسف [2] التّلمساني [3] آخر بني عبد الواد.
خرج على أبيه وحاربه، وجرت له معه خطوب وحروب، إلى أن قتل أبوه في محرم سنة اثنتين وتسعين، وأسر أخوه أبو عمر فقتله [4] هو، وملك تلمسان، وصار [5] يخطب لصاحب فاس لكونه نصره على أبيه ويقوم له كل سنة بمال، إلى أن قام أبو زبّان بن أبي حمو، فجمع جموعا، ونزل على تلمسان فحصرها، فكاده أخوه، وفرّق جمعه، ووفد على صاحب فاس فجهّز معه عسكرا، فمات أبو تاشفين صاحب الترجمة في شهر رمضان، فأقام وزيره أحمد بن العزّ ولده، فسار إليهم يوسف بن أبي حمو فقتل الصّبي والوزير، فخرج صاحب فاس إلى تلمسان
__________
[1] لفظة «ديّنا» سقطت من «آ» .
[2] في «آ» و «ط» : «أبو تاشفين موسى بن أبي حمد يوسف» وأثبت ما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 192- 193) .
[4] في «ط» : «فقتل» .
[5] في «ط» : «فصار» .(8/586)
فملكها، وانقضت دولة بني عبد الواد بتلمسان، وصارت لصاحب فاس، والله تعالى أعلم.
وفيها أمّة الرحيم، ويقال أمة العزيز بنت الحافظ صلاح الدّين العلائي [1] .
أسمعها [أبوها] من الحجّار وغيره، وحدّثت، وتوفيت في رابع شوال.
وكذلك أسماء أختها [2] ، وماتت في العشرين منه.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 193) وما بين الحاصرتين زيادة يقتضيها السياق.
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 193) .(8/587)
سنة ست وتسعين وسبعمائة
في أولها سار تمرلنك بنفسه وعساكره إلى تكريت فحاصرها في بقية المحرم كلّه ودخلها عنوة في آخر الشهر فقتل صاحبها، وبنى من رؤوس القتلى مأذنتين [1] وثلاث قباب، وخرّب [2] البلد، واستولى على قلعتها، وهدم على أميرها دارا بعد أن نزل إليه بالأمان فمات تحت الرّدم، ثم أثخن في قتل الرجال وأسر النساء والأطفال.
ثم نازل الموصل فصالحه صاحبها وسار في خدمته.
ثم نزل رأس العين فملكها.
ونازل الرّها فأخذها بغير قتال، ووقع النّهب والأسر، وانتهى ذلك في آخر صفر، واتفق هجوم الثلج والبرد، ولما بلغ ذلك صاحب الحصن جمع خواصه وما عنده من التّحف والذخائر، وقصد تمرلنك ليدخل في طاعته فقبل هديته وأكرم ملتقاه، ورعى له كونه راسله قبل جميع تلك البلاد، ثم خلع عليه وأذن له في الرجوع إلى بلاده.
ثم سار إلى ماردين وتملّك [3] البلاد بأسرها، فاستولى على بلاد الجزيرة والموصل، وسار فيهم سيرة واحدة من القتل والسّبي، والأسر، والنّهب، والتعذيب.
__________
[1] في «ط» : «مأذنتين» وفي «إنباء الغمر» مصدر المؤلف: «منارتين» .
[2] في «ط» : «وضرب» .
[3] في «ط» : «وتلك» .(8/588)
ثم أقام على نصيبين في شدة الشتاء، فلما أتى الرّبيع نازل ماردين [1] في جمادى الآخرة، وبنى قدامها جوسقا يحاصرها منه ففتحها عن قرب وقتل ما لا يحصى، ثم توجه إلى خلاط ففعل بها نحو ذلك، ثم رجع عن [2] البلاد الشامية إلى تبريز لما بلغه أن طقتمش خان صاحب بلاد الدّشت والسراي وغيرهما، مشى على بلاده فصنع في بلاد الكرج عادته في غيرها من البلاد ثم رجع إلى تبريز فأقام بها قليلا.
ثم توجه إلى قتال صاحب السراي وغيرها، وكان طقتمش خان قد استعدّ لحربه، فالتقيا جميعا، ودام القتال، فكانت الهزيمة على القفجاق والسّراي فانهزموا وتبعهم إلى أن ألجأهم إلى داخل بلادهم.
وأرسل اللّنك صاحب سيواس القاضي برهان الدّين أحمد يستدعي منه طاعته فلم يجبه، وأرسل نسخة كتابه إلى الظّاهر صاحب مصر، وإلى أبي يزيد ملك الرّوم.
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن عبد الله بن عمر الصّنهاجي المالكي القاضي [3] .
ولد سنة سبع عشرة، وسمع من الوادياشي وغيره، وتفقه بدمشق على القاضي بدر الدّين الغماري المالكي، وتزوج بنته بعده، وكان يحفظ «الموطأ» وولي قضاء دمشق غير مرّة أولها سنة ثلاث وثمانين، فلما جاءه التوقيع لم يقبل، وصمّم على عدم المباشرة، وامتنع من لبس الخلعة فولّي غيره، ثم ولّي في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين فامتنع أيضا، فلم يزالوا به حتّى قبل، فباشر ثلاث سنين، ثم صرف، ومات في ربيع الآخر فجأة بعد أن خرج من الحمّام وقد ناهز الثمانين، وهو صحيح النّقيبة، حسن الوجه واللّحية.
وفيها السلطان أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «مارقين» .
[2] في «ط» : «إلى» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 218) و «الدّرر الكامنة» (1/ 30) .(8/589)
يعقوب بن عبد الحقّ المريني صاحب فاس، لقبه المستنصر بالله أمير المسلمين [1] .
تملّك فاس في شوال سنة ثمان وثمانين، وملك طنجة وغيرها من بلاد المغرب.
توفي في المحرم وقام بعده ابنه أبو فارس ولم تطل مدته.
وفيها أبو السّباع وأبو العبّاس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي جعفر الحفصي [2] الهنتاتي [3]- بفتح الهاء، وسكون النون، بعدها مثناة فوقية، وبعد الألف مثناة أخرى، نسبة إلى هنتاتة قبيلة من البربر بالمغرب- صاحب تونس وإفريقية وغيرهما. كان يقال له أبو السّباع.
ولي المملكة في ربيع الأول من سنة اثنتين وسبعين، وكل من ذكر [4] في عمود نسبه ولي السلطنة إلّا أباه وجدّ أبيه.
توفي في شعبان واستقرّ بعده ولده عبد العزيز.
وفيها أحمد بن يعقوب الغماري [5] ، المالكي.
كان فاضلا في مذهبه، درّس وأفتى، وولي قضاء حماة، ثم صرف، فأقام بدمشق إلى أن مات في ذي القعدة عن نحو من ستين سنة.
وفيها تقي الدّين أبو بكر بن محمد بن الزكي عبد الرحمن المزّي ابن أخي الحافظ جمال الدّين [6] .
سمع الحجّار، والمزّي، وغيرهما. وحدّث.
وتوفي في المحرم عن خمس وسبعين سنة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 219) و «الدّرر الكامنة» (1/ 30) و «النجوم الزاهرة» (12/ 142) و «الدليل الشافي» (1/ 36) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «الجعفي» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 223) و «الدّرر الكامنة» (1/ 257) و «النجوم الزاهرة» (12/ 143) .
[4] لفظة «ذكر» سقطت من «ط» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 224) و «الدّرر الكامنة» (1/ 338) .
[6] انظر «إنباء الغمر» (3/ 224) و «الدّرر الكامنة» (1/ 338) .(8/590)
وفيها علاء الدّين علي بن نجم الدّين بن عبد الواحد بن شرف الدّين محمد بن صغير [1] ، رئيس الأطباء بالديار المصرية.
قال ابن حجر: كان فاضلا، مفنّنا، انتهت إليه المعرفة، وكان ذا حدس صائب جدا، يحفظ عنه المصريون أشياء كثيرة، وكان حسن الصورة، بهي الشكل، جميل الشّيبة، أخذ عنه شيخنا ابن جماعة، وكان يثني على فضائله، اجتمعت به مرارا، وسمعت فوائده، وكان له مال قدر خمسة آلاف دينار قد أفرده للقرض، فكان يقرض من يحتاج من غير استفضال، بل ابتغاء الثواب.
قرأت بخط الشيخ تقي الدّين المقريزي: كان يصف الدواء للموسر بأربعين ألفا [2] ويصف الدواء في ذلك الداء بعينه للمعسر بفلس. قال: وكنت عنده، فدخل عليه شيخ شكا ما به من السّعال، فقال: لعلك تنام بغير سراويل؟ قال: أي والله، قال: لا تفعل، نم بسراويلك، فمضى فصدفت ذلك الشيخ بعد أيام فسألته عن حاله، فقال: عملت بما قال فبرئت.
قال: وكان لنا جار حدث لابنه رعاف [3] حتّى أفرط، فانحلت قوى الصغير، فقال له شرّط آذانه [4] فتعجب وتوقف، فقال: توكل على الله وافعل. قال:
ففعل ذلك فبرئ، وله من هذا النمط أشياء عجيبة.
مات بحلب في ذي الحجّة ثم نقلته ابنته إلى مصر فدفنته بتربتهم.
وفيها أبو الفتح محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن علي الحسني [5] الفاسي ثم المكي المالكي، سبط الخطيب بهاء الدّين محمد بن التّقي عبد الله بن المحبّ الطبري [6] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 228) و «الدّرر الكامنة» (3/ 79) و «النجوم الزاهرة» (12/ 140) و «الدليل الشافي» (1/ 462) .
[2] كذا في «ط» و «إنباء الغمر» : «بأربعين ألفا» وفي «آ» : «بأربعين فلسا» .
[3] الرّعاف: سيلان الدم من الأنف. انظر «معجم الوسيط» (1/ 367) .
[4] في «إنباء الغمر» : «أذنيه» وانظر التعليق عليه.
[5] تحرفت في «ط» إلى «الحببي» .
[6] انظر «إنباء الغمر» (3/ 229) و «العقد الثمين» (1/ 383) .(8/591)
ولد بمكة في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين، وسمع بها على عثمان بن الصّفي أحمد بن محمد الطّبري وغيره، وبالمدينة على الزّين بن علي [1] الأسواني، والجمال الطّبري وغيرهما، وأجاز له جماعة من مصر والشام، وحدّث، وتوفي بمكة المشرّفة في خامس صفر.
وفيها محمد بن علي بن سالم الفرغاني [2] أحد شهود الحكم بدمشق.
اشتغل بالقراءات، وتلا بالسبع على اللبّان، وأقرأ. وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها ناصر الدّين محمد بن محمد بن داود بن حمزة [3] .
ولد سنة ثمان وسبعمائة، وسمع على عمّ أبيه التّقي سليمان وغيره، وأجاز له الكمال إسحاق النحّاس، وأولاد ابن العجمي الثلاثة، وتفرّد بالرواية عنهم، وتوفي في رجب.
وفيها تاج الدّين محمد بن محمد المليحي، المعروف بصائم الدّهر [4] .
ولي نظر الأحباس والجوالي والحسبة، وخطب بمدرسة السلطان حسن بالقاهرة، وكان ساكنا، قليل الكلام، جميل السيرة.
توفي في صفر.
وفيها أمين الدّين يحيى بن محمد بن علي الكناني العسقلاني الحنبلي [5] .
قال ابن حجر: عمّ شيخنا عبد الله بن علاء الدّين.
سمع الميدومي وغيره، وحدّث، رأيته ولم يتفق لي أن أسمع منه.
__________
[1] لفظة «علي» سقطت من «ط» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 231) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 233) و «الدّرر الكامنة» (4/ 176) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 234) و «النجوم الزاهرة» (12/ 141) وفيه «المليجي» بالجيم، و «الدليل الشافي» (2/ 701) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 237) .(8/592)
سنة سبع وتسعين وسبعمائة
فيها كانت الوقعة بين تمرلنك وبين طقتمش خان، فدام القتال ثلاثة أيام، ثم انكسر طقتمش خان، ودخل بلاد الروس، واستولى تمرلنك على القرم، وحاصر بلد كافا ثمانية عشر يوما ثم استباحها وخرّبها.
وفيها توفي أبو محمد إبراهيم بن داود الآمدي ثم الدمشقي [1] ، نزيل القاهرة.
قال ابن حجر في «إنباء الغمر بأنباء الغمر» : أسلم على يد الشيخ تقي الدّين بن تيميّة وهو دون البلوغ، وصحبه إلى أن مات، وأخذ عن أصحابه، ثم قدم القاهرة فسمع بطلبه بنفسه من الحسن الإربلي، وابن السرّاج الكاتب، وإبراهيم بن الخيمي، وأبي الفتح الميدومي ونحوهم، وكان شافعي الفروع، حنبلي الأصول، ديّنا، خيّرا، متألها. قرأت عليه عدة أجزاء، وأجازني قبل ذلك. قلت له يوما: رضي الله عنكم وعن والديكم، فنظر إليّ منكرا ثم قال: ما كان على الإسلام. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن عثمان الفيشي المصري الضّرير المقرئ [2] .
أخذ القراءات عن الشيخ تقي الدّين البغدادي وغيره، وتوفي في صفر.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 254) و «الدّرر الكامنة» (1/ 25) و «النجوم الزاهرة» (12/ 143) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 257) و «الدّرر الكامنة» (1/ 217) .(8/593)
وفيها أبو بكر بن عبد البرّ بن محمد الموصلي الشافعي [1] .
قال في «ذيل الإعلام» : الشيخ الإمام القدوة الزّاهد العابد الخاشع العالم النّاسك الرّبّاني بقية مشايخ علمه الصّوفية وجنيد الوقت.
كان في ابتداء أمره حين قدم من الموصل وهو شاب يتعانى الحياكة، وأقام بالقبيبات عند منزله المعروف زمانا طويلا على هذه الحال، وفي أثناء ذلك يشتغل بالعلم، ويسلك طريق الصّوفية والنّظر في كلامهم، ولازم الشيخ قطب الدّين مدة، واجتمع بغيره، وكان يطالع أيضا كتب الحديث، ويحفظ جملة من الأحاديث ويعزوها إلى رواتها، وله إلمام جيد بالفقه، وكلام الفقهاء، فاشتهر أمره، وصار له أتباع، وكان شعاره إرخاء عذبة خلف الظّهر، ثم علا ذكره وبعد صيته، وصار يتردد إليه نوّاب الشام ويمتثلون أوامره، وسافر بأخرة إلى مصر مستخفيا، وحجّ غير مرّة، ثم عظم قدره عند السلطان، وكان يكاتبه بما فيه نفع للمسلمين، ثم إن السلطان عام أول اجتمع به في منزله وصعد إلى علّية كان فيها، وأعطاه مالا فلم يقبله، وكان إذ ذاك بالقدس الشريف.
وقال في «إنباء الغمر» : وكان يشغل في «التنبيه» و «منازل السائرين» وكان ولده عبد الملك يذكر عنه أنه قال: كنت في المكتب ابن سبع سنين فربما لقيت فلسا أو درهما فأنظر أقرب دار فأعطيهم إيّاه وأقول: لقيته قريب داركم.
توفي بالقدس في شوال وقد جاوز الستين.
وفيها سعيد بن عمر بن علي الشريف البعلي الحنبلي [2] .
قال ابن حجر: كان من قدماء الفقهاء بدمشق، أفاد ودرّس، وأفتى وحدّث.
مات في المحرم عن نيف وستين سنة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 259) وفيه «ابن عبد الله» و «الدّرر الكامنة» (1/ 449) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 262) وفيه: «سعيد بن نصر» .(8/594)
وفيه عبد الرحمن بن عبد الله بن أسعد اليافعي الشافعي المكي [1] ، ولد الشيخ عفيف الدّين.
اشتغل بفنون من العلم، وحفظ «الحاوي» وكانت تعتريه حدّة، وفيه صلاح، وله شعر منه قوله:
ألا إن مرآة الشّهود إذا انجلت ... أرتك تلاشي الصدّ والبعد والقرب
وصانت فؤاد الصّبّ عن ألم الأسى ... وعن ذلّة الشكوى وعن منّة الكتب
وله سماع من أبيه، وبالشام من ابن أميلة، وبمصر من البهاء بن خليل، ولزم السياحة، والتجريد، فمات غريقا بالرّحبة بين الشام والعراق، وله ست وأربعون سنة.
وفيها عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الخير الشّماخي- بفتح المعجمة، وفي آخره خاء معجمة، نسبة إلى الشّماخ جدّ- الزّبيدي [2] ، محدّث زبيد.
أخذ عنه عفيف الدّين العلوي وغيره، وتوفي في شعبان.
وفيها نور الدّين عبد الرحمن بن أفضل الدّين محمد بن عبد الرحمن بن محمد الإسفراييني الصّوفي الحنفي [3] .
ولد سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وكان عارفا بالفقه والتصوف، وله أتباع ومريدون، وقد حدّث ب «المشارق» [4] ، عن عمر بن علي القزويني، عن محمد بن عراك الواسطي، عن الصّغّاني إجازة.
وهو القائل:
زعم الّذين تشرّقوا وتغرّبوا ... أنّ الغريب وإن أعزّ ذليل
فأجبتهم إن الغريب إذا اتّقى ... حيث استقلّ به الرّكاب جليل
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 262) و «العقد الثمين» (5/ 364) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 263) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 263) .
[4] يعني «مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية» انظر «كشف الظنون» (2/ 1688) .(8/595)
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد القادر بن محيي الدّين عثمان بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور الجعفري النّابلسي الحنبلي [1] المعروف بالجنّة، الإمام العلّامة.
ولد بنابلس سنة سبع وعشرين تقريبا، وسمع بها من الإمام شمس الدّين أبي محمد عبد الله بن محمد بن يوسف، وسمع على الحافظ صلاح الدّين العلائي، والشيخ إبراهيم الزّيتاوي وغيرهم مما لا يحصى كثرة، ورحل إلى دمشق، فسمع بها، وكان من الفضلاء الأكابر، وكان يلقّب بالجنّة لكثرة ما عنده من العلوم لأن الجنّة فيها ما تشتهي الأنفس، وكان عنده ما تشتهي أنفس الطلبة، وانتهت إليه الرحلة في زمانه، ولما مات ولده قاضي القضاة شرف الدّين عبد القادر المتقدم ذكره حصل له عليه اختلاط وسلب عقله، واستمرّ على ذلك إلى أن مات ببلده نابلس في شوال. وله مصنّفات حسنة، منها «مختصر طبقات الحنابلة» ومنها «تصحيح الخلاف المطلق في المقنع» مطولا ومختصرا و «مختصر كتاب العزلة» لأبي سليمان الخطّابي، وقطعة من «تفسير القرآن العظيم» من أوله، وشرع في شرح «الوجيز» وصحب ابن قيّم الجوزية، فقرأ عليه أكثر تصانيفه، وكان خطّه حسنا جدا.
وفيها نور الدّين علي بن عبد الرحمن بن عبد المؤمن الهوريني [2] .
سمع من الزّين الأسواني «الشفاء» للقاضي عياض، وحدّث عنه، وعن الوادي آشي، وقد ولي أبوه قضاء المدينة، وولي هو مشيخة خانقاه قوصون، وكان مشكورا، وتزوج ببنت القاضي فخر الدّين القاياتي، وعاش القاياتي بعده مدة، وناب في الحكم، وكان قد حفظ كتبا منها «الشفاء» و «الإلمام» و «المقامات» وعرضها. وتوفي في رجب.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 272) و «الدّرر الكامنة» (4/ 20) و «السحب الوابلة» ص (388) و «غاية النهاية» (2/ 173) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 265) .(8/596)
وفيها أبو الحسن علي بن عجلان بن رميثة بن أبي نمي الحسني [1] أمير مكة وابن أميرها.
ولي في أول شعبان سنة تسع وثمانين، وكان في غالب ولايته في الحروب، ولم يهنأ له عيش إلى أن قتل في شوال، قتله جماعة من آل بيتهم، ودفن بالمعلاة [2] ، واستقرّ بعده أخوه حسن بن عجلان.
وفيها علي بن محمد القليوبي ثم المصري [3] .
قال ابن حجر: أحد المهرة في مذهب الشافعي. ناب في الشيخونية، وتوفي في رجب.
وفيها سراج الدّين عمر بن محمد بن أبي بكر الكومي [4] .
قال ابن حجر: سمع من أحمد بن علي الجزري، وعلي بن عبد المؤمن ابن عبد، وغيرهما، وحدّث، ولم يتهيأ لي السماع منه، مع حرصي على ذلك.
توفي بمصر وقد جاوز الثمانين.
وفيها أبو علي محمد بن أحمد بن علي بن عبد العزيز المهدوي ثم المصري، البزّاز بسوق الفاضل، المعروف بابن المطرّز [5] .
سمع من الواني، والدبوسي، وغيرهما. وحدّث بالكثير، وأجاز له إسماعيل بن مكتوم، والمطعم، ووزيرة، وأبو بكر بن عبد الدّائم، وغيرهم من دمشق.
قال ابن حجر: قرأت عليه الكثير، وتوفي في جمادى الأولى.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 266) و «النجوم الزاهرة» (12/ 144) و «العقد الثمين» (6/ 206) و «الدليل الشافي» (1/ 464) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المعلّى» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 269) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 269) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 269) و «النجوم الزاهرة» (12/ 150) .(8/597)
وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عيسى بن عبد الكريم بن عساكر بن سعد بن أحمد بن محمد بن سليم بن مكتوم القيسي السّويدي الأصل.
الدمشقي الشافعي، المعروف بابن مكتوم [1] ، الفقيه المحدّث النّحوي.
ولد في بضع وأربعين وسبعمائة، وسمع من جماعة، وحفظ «التّنبيه» ثم «الحاوي» وطلب الحديث، وقرأ بنفسه، وكان يقرئ «صحيح البخاري» بالجامع في رمضان بعد الظهر مدة.
قال ابن حجي: هو رجل فاضل، قرأ في الفقه على والدي، وعلى الحسباني ولازمه، وقرأ في النحو على أبي العبّاس العنّابي، وبرع فيه، وتصدى للإشغال بالجامع خمس عشرة سنة، وكان يفتي بأخرة، وأعاد بالنّاصرية وبالعادلية الصّغرى، وولي مشيخة النحو بالناصرية أيضا، وكان رجلا خيّرا، عنده ديانة، وله عبادة من صوم وقراءة. انتهى.
وقال ابن قاضي شهبة: كان فيه إحسان إلى طلبة العلم والفقراء، يضيفهم، ويفطّرهم في رمضان، وعنده برّ وصلة لأقاربه، وتقلّل في ملبسه، ويشتري حاجته بنفسه ويحملها، وهو قليل الخلطة بالفقهاء وغيرهم.
توفي في جمادى الأولى ودفن بمقبرة باب الصغير عند والده وعمّه عند قبر الشيخ حمّاد.
وفيها ناصر الدّين محمد بن عبد الدائم بن محمد بن سلامة الشّاذلي ابن بنت الميلق [2] .
سمع من أحمد بن محمد الحكمي وغيره من أصحاب النّجيب وغيره،
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 270) و «الدّرر الكامنة» (3/ 347) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 222) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 371) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 270) و «الدّرر الكامنة» (3/ 494) و «النجوم الزاهرة» (12/ 146) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 230) و «تاريخه» (3/ 568- 569) و «معجم المؤلفين» (10/ 131) .(8/598)
واعتنى بالعلم، وتعانى طريق التصوف، وفاق أهل زمانه في حسن الأداء في المواعيد، وأنشأ الخطب البليغة، وقال الشعر الرائق، والتفت عليه جماعة من الأمراء والعامة، إلى أن ولي القضاء، فباشره بمهابة وصرامة، ولم يحمد مع ذلك في ولايته، وأهين بعد عزله بمدة.
وقال ابن القطّان: كان شديد البخل بالوظائف، وكان أيام هو واعظا خيرا من أيام هو قاضيا.
توفي في أحد الجمادين وقد جاوز الستين.
وفيها محمد بن علي بن صلاح الحريري الحنفي [1] ، إمام الصرغتمشية. سمع من الوادي آشي، ومحمد بن غالي في آخرين [2] واعتنى بالقراءات والفقه، وأخذ عن قوام الدّين الأتقاني وغيره، وله إلمام بالحديث، وناب في الحكم، وسمع منه ابن حجر وغيره، وتوفي في رجب.
وفيها غياث الدّين أبو المكارم محمد بن صدر الدّين محمد بن محيي الدّين عبد الله بن أبي الفضل محمد بن علي بن حمّاد بن ثابت الواسطي ثم البغدادي الشافعي، المعروف بابن العاقولي [3] .
قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» : صدر العراق، ومدرّس بغداد وعالمها، ورئيس العلماء بالمشرق.
مولده في رجب سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة ببغداد، ونشأ بها، وسمع من والده وجماعة، وأجاز له جماعة.
قال الحافظ شهاب الدّين بن حجي: كان مدرس المستنصرية ببغداد كأبيه وجده، ودرّس أيضا بالنظامية كأبيه، ودرّس هو بغيرهما، وكان هو وأبوه وجدّه كبراء بغداد، وانتهت إليه الرئاسة بها في مشيخة العلم والتدريس، وصار المشار
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 273) و «الدّرر الكامنة» (4/ 66) و «النجوم الزاهرة» (12/ 148) .
[2] في «ط» : «وآخرين» وما جاء في «آ» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 275) و «الدّرر الكامنة» (4/ 194) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 241) و «بغية الوعاة» (1/ 225) و «الأعلام» (7/ 43) .(8/599)
إليه والمعول عليه، تهرع القضاة والوزراء إلى بابه والسلطان يخافه، وكان بارعا في الحديث، والمعاني، والبيان، وشرح «مصابيح البغوي» وخرّج لنفسه «أربعين حديثا» ، وفيها أوهام وسقوط رجال في الأسانيد [1] ، وكانت نفسه قوية وفهمه جيدا، وكان بالغا في الكرم، حتّى ينسب إلى الإسراف، ولما دخل تمرلنك بغداد هرب منها مع السلطان أحمد، فنهبت أمواله، وسبيت حريمه، وقدم الشام، واجتمعنا به، وأنشدنا من نظمه، فلما رجع السلطان إلى بغداد رجع معه، فأقام دون خمسة أشهر.
وقال الحافظ برهان الدّين الحلبي: كان إماما علّامة، متبحرا في العلوم، غاية في الذكاء، مشارا إليه، وكان يدخله كل سنة زيادة على مائة ألف درهم وكلّها ينفقها، وصنّف في الردّ على الرافضة في مجلد.
توفي في صفر ودفن بالقرب من معروف الكرخي بوصية منه.
قال ابن حجر: شرح «منهاج البيضاوي» و «الغاية القصوى» له، وحدّث بمكّة وبيت المقدس، وأنشد لنفسه بالمدينة:
يا دار خير المرسلين ومن بها ... شغفي وسالف صبوتي وغرامي
نذر عليّ لئن رأيتك ثانيا ... من قبل أن أسقى كؤوس حمامي
لأعفّرنّ على ثراك محاجري ... وأقول هذا غاية الإنعام
وفيها محمد بن أبي محمد الأقصرائي، نزيل القاهرة الحنفي [2] .
قال ابن حجر: درّس بمدرسة ايتمش للحنفية، وهو والد صاحبنا بدر الدّين محمود وأخيه أمين الدّين يحيى. وتوفي في جمادى الأولى.
__________
[1] قلت: وله كتاب «الرّصف لما روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الفعل والوصف» وقد طبع سنة (1393) هـ بدمشق أول مرة، وقام بتحقيقه وتدقيقه وتخريج أحاديثه الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط وشاركه العمل في تحقيقه وتخريج أحاديثه شقيقه السيد إبراهيم الأرناؤوط، وأسهم بقراءته وتدقيقه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله، ثم صورت طبعته في مصر سنة (1406) هـ.
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 278) و «النجوم الزاهرة» (11/ 149) .(8/600)
سنة ثمان وتسعين وسبعمائة
فيها رجع اللنك بعساكره من بلاد الدّشت بعد أن أثخن فيهم، فوصل إلى السلطانية في شعبان، ثم توجّه إلى همذان، وأمر بالإفراج عن الظّاهر صاحب ماردين، فوصل إليه في رمضان، فتلقاه واعتذر إليه، وأضافه أياما ثم خلع عليه وأعطاه مائة فرس وجمالا وبغالا وخلعا كثيرة، وعقد له لواء، وكتب له ستة وخمسين منشورا كل منشور بتولية بلد من البلاد التي كان تيمور افتتحها في سنة ست وتسعين ما بين أذربيجان إلى الرّها وشرط عليه أنه [1] يلبي دعوته كلّما طلبه.
وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة الحنبلي، المعروف بابن العزّ [2] ، الشيخ الإمام الفقيه المفتي.
سمع من عيسى المطعم، وابن عبد الدائم، والحجّار، وأكثر عن القاضي تقي الدّين سليمان، ويحيى بن سعد، وحدّث عن المعمار، وهو آخر من حدّث عنه، وعن القاضي [3] بالسماع، وكان شيخا طوالا عليه أبّهة. أقعد في آخر عمره، وسمع «جزء ابن عرفة» على نحو من ثمانين شيخا، و «جزء ابن الفرات» على نحو من خمسين شيخا.
__________
[1] كذا في «آ» و «إنباء الغمر» (3/ 291) مصدر المؤلف: «أنه» وفي «ط» : «أن» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 297) و «الدّرر الكامنة» (1/ 109) و «المقصد الأرشد» (1/ 78) و «السحب الوابلة» ص (50) .
[3] يعني القاضي تقي الدّين سليمان المتقدم ذكره في الترجمة.(8/601)
توفي ليلة الاثنين العشرين من شهر ربيع الأول ودفن بمقبرة الشيخ موفق الدّين وقد كمل له إحدى وتسعون سنة إلّا خمسة أيام.
وفيها أحمد بن علي بن أيوب بن رافع الحنفي [1] إمام القلعة بدمشق.
قال ابن حجر: سمع من أبي بكر بن الرّضي وغيره، وحدّث، وأجاز لي غير مرة.
وتوفي في شوال وله ثمانون سنة.
وفيها أبو سعد أحمد بن شمس الدّين محمد بن موسى بن سند [2] .
ولد سنة سبع وأربعين، وأحضره أبوه على ابن الخبّاز، وابن الحموي، وغيرهما. وأسمعه من ابن القيّم وغيره، واشتغل في العربية وغيرها، ووعظ الناس، ومات في شعبان.
وفيها عماد الدّين إسماعيل بن أحمد بن علي الباريني الحلبي [3] الفقيه الشافعي.
ولد سنة تسع عشرة، وقدم من حلب إلى دمشق وهو طالب علم، فقرأ على الشيخ ولي الدّين المنفلوطي، وولاه البلقيني قضاء بعلبك، ثم ولي خطابة القدس، [ثم توجه إلى مصر، وكان ممن قام على التّاج السّبكي مع البلقيني، ثم ولي قضاء الشّوبك، ثم قضاء القدس] [4] ، وحدّث، وأفتى، ودرّس.
وتوفي في ربيع الأول ببيت المقدس وقد جاوز الثمانين.
وفيها بدر الدّين خليل بن محمد بن عبد الله النّاسخ الحلبي [5] .
ولد بدمشق بعد العشرين، وأحضره أبوه عند ابن تيميّة فمسح رأسه ودعا له، واشتغل فمهر في عدة فنون، ثم سكن حلب، ووقّع في الحكم، واشتهر،
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 296) و «الدّرر الكامنة» (1/ 206) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 297) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 299) و «الدّرر الكامنة» (1/ 365) .
[4] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 302) و «الدّرر الكامنة» (2/ 93) .(8/602)
وكان يذكر أنه سمع من الوادي آشي، وابن النّقيب الشافعي.
توفي في ربيع الأول.
وفيها ستّ الرّكب بنت علي بن محمد بن محمد بن حجر [1] ، أخت كاتبه [2] .
قال ابن حجر: ولدت في رجب سنة سبعين [3] في طريق الحجّ، وكانت قارئة كاتبة أعجوبة في الذكاء، وهي أمي بعد أمي، أصبت بها في جمادى الآخرة من هذه السنة.
وفيها سعد بن إبراهيم الطّائي الحنبلي البغدادي [4] .
قال في «إنباء الغمر» : كان فاضلا، وله نظم فمنه:
خانني ناظري وهذا دليل ... لرحيلي [5] من بعده عن قليل
وكذا الرّكب إن أرادوا قفولا ... قدّموا ضوءهم أمام الحمول
وفيها سفر شاه بن عبد الله الرّومي الحنفي [6] .
تقدم في العلم ببلاده، وتقدم عند أبي يزيد بن عثمان، وقدم القاهرة رسولا من صاحب الرّوم فأخذ عن فضلائها، وأكرمه السلطان، وحصل له وعك، واستمرّ إلى أن بغته الأجل بالقاهرة، فمات في جمادى الآخرة.
وفيها طقتمش خان التّركي صاحب بلاد الدّشت [7] .
قتل في هذه السنة بعد أن انكسر من اللّنك، قتله أمير من أمراء التتار، يقال له تمرقطلو.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 302) و «أعلام النساء» (2/ 154) .
[2] يعني أخت الحافظ ابن حجر كاتب ومؤلف «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[3] يعني وسبعمائة.
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 302) و «السحب الوابلة» ص (171) وفيه «سعيد بن إبراهيم القطان» وهو تحريف.
[5] تحرفت في «ط» إلى «لرحيل» .
[6] انظر «إنباء الغمر» (3/ 304) .
[7] انظر «إنباء الغمر» (3/ 304) .(8/603)
وفيها عبد الله بن عمر بن محلى بن عبد الحافظ البيتليدي- بفتح الموحدة، وسكون المثناة التحتية [1] ، وفتح المثناة الفوقية، بعدها لام مكسورة خفيفة، ثم مثناة تحتانية ساكنة- الورّاق الدمشقي [2] .
قال ابن حجر: سمع من أبي بكر بن الرّضي، وشرف الدّين بن الحافظ، ومحمد بن علي الجزري، وغيرهم. أجاز لي غير مرة، ومات في ذي القعدة.
وفيها فخر الدّين عثمان بن عبد الله العامري [3] أخو تقي الدّين.
كان شافعيا بارعا في الفقه، وهو منسوب إلى كفر عامر قرية من ناحية الزّبداني، فربما قيل فيه الكفر العامري.
أخذ عن الشّرف الشّريشي، وأثنى عليه ابن حجي بحسن الفهم وصحة الذّهن، وهو ممن أذن له البلقيني في الإفتاء.
توفي في ذي الحجّة كهلا دون الأربعين.
وفيها موفق الدّين علي بن عبد الله الشّاوري الزّبيدي اليمني الشّافعي [4] .
كان بارعا في الفقه والصّلاح، مع الدّين والتواضع، وعرض عليه القضاء فامتنع. توفي في صفر.
وفيها فرج بن عبد الله الشّرفي الحافظي الدمشقي [5] ، مولى شرف الدّين بن الحافظ.
قال ابن حجر: سمع من يحيى بن سعد، وابن الزّرّاد وغيرهما، وأجاز لي غير مرّة. وتوفي في شوال وقد قارب التسعين.
__________
[1] في «آ» : «التحتانية» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 304) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 305) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 306) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 307) و «الدّرر الكامنة» (3/ 230) .(8/604)
وفيها محبّ الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن عماد المصري ثم المقدسي الشّافعي ابن الهايم [1] .
قال ابن حجر في «إنباء الغمر» : ولد سنة ثمانين أو إحدى وثمانين، وحفظ القرآن. وهو صغير جدا، وكان من آيات الله في سرعة الحفظ وجودة القريحة، واشتغل في الفقه، والعربية، والقراءات، والحديث، ومهر في الجميع في أسرع مدة، ثم صنّف، وخرّج لنفسه ولغيره، رافقني في سماع الحديث كثيرا، وسمعت بقراءته «المنهاج» عن شيخنا برهان الدّين وهو أذكى من رأيت من البشر، مع الدّين، والتواضع، ولطف الذات، وحسن الخلق، والصّيانة.
مات في رمضان وأصيب به أبوه وأسف عليه كثيرا، عوّضه الله الجنّة، انتهى بحروفه.
وفيها عزّ الدّين محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الأماسي- بهمزة وميم مفتوحتين وبعد الألف سين مهملة- الدمشقي [2] .
قال ابن حجر: سمع من الحجّار «صحيح البخاري» ، وحدّث. أجاز لي، وكان ناظر الأيتام بدمشق، ويتكسب بالشهادة تحت السّاعات، ويوقّع على الحكّام، أقام على ذلك أكثر من ستين سنة. مات في ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين.
وفيها محمد بن محمد بن موسى بن عبد الله الشنشي [3]- بمعجمتين وبينهما نون مفتوحتان [4]- الحنفي.
ناب في الحكم، وكان أحد طلبة الصّرغتمشية، وكان فاضلا. جاور بمكة سنة ثلاث وثمانين، ومات في جمادى الأولى.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 308) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 310) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 310) و «النجوم الزاهرة» (12/ 154) .
[4] في «ط» : «مفتوحات» .(8/605)
وفيها مقبل بن عبد الله الصّرغتمشي [1] .
تفقه وتقدم في العلم، وصنّف وشرح، وشارك في العربية، ومات في رمضان. وأنجب ولده محمدا [2] فشارك في الفضائل، ومهر في الحساب، وكان قصير القامة، أحدب مات قبل أبيه بشهرين. قاله ابن حجر.
وفيها ميكائيل بن حسين بن إسرائيل التّركماني الحنفي [3] ، نزيل عنتاب، قدمها فأخذ عن الشيخ فخر الدّين إياس وغيره، وباشر بها بعض المدارس، ولازم الإفادة. أخذ عنه القاضي بدر الدّين العيني، وهو الذي ترجمه، وقال: إنه عاش أكثر من سبعين سنة.
مات في سابع عشر ذي الحجّة.
وفيها جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن تقي الدّين أحمد بن العزّ إبراهيم ابن الخطيب شرف الدّين عبد الله بن الشيخ أبي عمر المقدسي الحنبلي [4] ، أخو مسند عصره صلاح الدّين الصّالحي إمام مدرسة جدّه الشيخ أبي عمر.
سمع من الحجّار وغيره، ومهر في مذهبه، وكان فاضلا، جيد الذّهن، صحيح الفهم، معروفا بذلك. أثنى عليه ابن حجي بذلك.
وقال ابن حجر: مهر في مذهبه، وكان يعاب بفتواه بمسألة الطلاق البتة.
أجاز لي. انتهى.
توفي يوم الأحد ثامن عشر رمضان وصلّي عليه من الغد، ودفن بمقبرة جدّه أبي عمر.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 312) و «النجوم الزاهرة» (12/ 154) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 310) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 312) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 312) و «الدّرر الكامنة» (4/ 445) و «المقصد الأرشد» (3/ 129) و «الجوهر المنضد» ص (173) .(8/606)
سنة تسع وتسعين وسبعمائة
فيها وصلت كتب من جهة تمرلنك فعوقبت [1] رسله بالشام وأرسلت الكتب التي معهم إلى القاهرة ومضمونها التحريض على إرسال قريبه أطلمش الذي أسره قرا يوسف، فأمر السلطان أطلمش المذكور أن يكتب إلى قريبه كتابا، يعرّفه فيه ما هو عليه من الخير والإحسان بالدّيار المصرية، وأرسل السلطان ذلك مع أجوبته. ومضمونها: أنك إذا أطلقت الذين عندك من جهتي أطلقت من عندي من جهتك، والسلام.
وفيها توفي إبراهيم بن عبد الله الحلبي الصّوفي الملقّن [2] .
قدم دمشق وهو كبير، وأقرأ القرآن بالجامع، وصارت له جماعة مشهورة، ويقال: إنه قرأ عليه أكثر من ألف نفس اسمه محمد خاصة، وكان الفتوح يأتيه فيفرّقه في أهل حلقته، وكان أول من يدخل الجامع وآخر من يخرج منه، واستسقوا به مرّة بدمشق، وكان شيخا طوالا، كامل البنية، وافر الهمّة، كثير الأكل.
مات في شعبان عن مائة وعشرين سنة، وكانت جنازته حافلة جدا.
وفيها إبراهيم بن عبد الله، وسمّاه الغسّاني في «تاريخه» حسن بن عبد الله [3] .
قال الغسّاني المذكور: حسن بن عبد الله الأخلاطي الحسيني.
كان منقطعا في منزله، ويقال: إنه كان يصنع اللازورد، ويعرف الكيمياء،
__________
[1] في «ط» : «فعوقب» وتحرفت في «إنباء الغمر» إلى «فعوقت» فلتصحح.
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 335- 336) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 336) و «الدّرر الكامنة» (1/ 32) .(8/607)
واشتهر بذلك، وكان يعيش عيش الملوك ولا يتردد لأحد، وكان ينسب إلى الرفض لأنه كان لا يصلي الجمعة، ويدّعي من يتبعه أنه المهدي، وكان في [1] أول أمره قدم حلب- أي من بلاد العجم التي نشأ بها- فنزل بجامعها منقطعا عن الناس، فذكر للظّاهر أنه يعرف الطب معرفة جيدة، فأحضره إلى القاهرة ليداوي ولده فلم ينجع، فاستمر مقيما بمنزله على شاطئ النيل إلى أن مات في جمادى الآخرة وقد جاوز الثمانين، وخلّف موجودا كثيرا ولم يوص بشيء، فنزل قلمطاي الدويدار الكبير فاحتاط على موجودة فوجد عنده جام ذهب وقوارير فيها خمر وزنانير للرّهبان ونسخة من الإنجيل، وكتبا تتعلق بالحكمة والنّجوم والرّمل، وصندوق فيه فصوص مثمنة على ما قيل.
وفيها برهان الدّين أبو الوفا إبراهيم بن نور الدّين أبي الحسن علي بن محمد بن أبي القاسم فرحون بن محمد بن فرحون اليعمري المدني المالكي [2] .
ولد بالمدينة الشريفة، ونشأ بها، وسمع من الحافظ جمال الدّين المطري، والوادياشي. سمع منه «الموطأ» ، وغيرهما.
وتفقه وبرع، وصنّف، وجمع، وحدّث، وولي قضاء المالكية بالمدينة المنورة، وكانت وفاته بها في ذي الحجّة ودفن بالبقيع وقد جاوز التسعين.
وفيها نجم الدّين أحمد [بن إسماعيل] [3] بن محمد بن أبي العزّ [بن صالح بن أبي العزّ] [4] وهيب [5] الأذرعي ثم الدمشقي الحنفي، المعروف بابن الكشك [6] .
__________
[1] لفظة «في» سقطت من «ط» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 338) و «الدّرر الكامنة» (1/ 48) و «التحفة اللطيفة» (1/ 132) .
[3] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[4] ما بين القوسين سقط من «ط» .
[5] كذا في «إنباء الغمر» و «الدّرر» : «وهيب» وفي «آ» و «ط» : «وهب» .
[6] انظر «إنباء الغمر» (3/ 339) و «الدّرر الكامنة» (1/ 107) و «النجوم الزاهرة» (12/ 160) و «الطبقات السنية» (1/ 284) .(8/608)
ولد سنة عشرين، وسمع من الحجّار وحدّث عنه، وتفقه وولي قضاء مصر سنة سبع وسبعين فلم تطب له، فرجع، وولي قضاء دمشق مرارا آخرها سنة اثنتين وتسعين، ثم لزم داره، وكان خبيرا بالمذهب. درّس بأمكان وهو أقدم المدرسين والقضاة، وكان عارفا صارما، وأجاز له سنة مولده وبعدها القاسم بن عساكر، ويحيى بن سعد، وابن الرزّاز، وابن شرف، وزينب بنت سكّر، وغيرهم.
وأجاز هو للحافظ ابن حجر، وضربه أخ له مختل بسكين فقتله، رحمه الله.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن إبراهيم الصّفدي [1] ، نزيل مصر، المعروف بابن شيخ الوضوء.
قال ابن حجر: كانت له عناية بالعلم، وعرف والده بشيخ الوضوء لأنه كان يتعاهد المطاهر فيعلّم العوام الوضوء، وهو والد الشيخ شهاب الدّين، وتوفي المترجم في ربيع الأول.
وفيها محبّ الدّين أحمد بن أبي الفضل محمد بن أحمد بن عبد العزيز النّويري الشافعي [2] ، قاضي مكّة وابن قاضيها.
ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وأسمعه أبوه على البدر بن جماعة وغيره، وتفقه بأبيه وغيره، وناب عن أبيه، وولي قضاء المدينة في حياته، ثم تحوّل إلى قضاء مكّة سنة سبع وثمانين فمات بها. وكان عارفا بالأحكام مشكورا.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أسد بن قطليشا العطّار [3] .
ولد سنة بضع وعشرين وسبعمائة، وحدّث عن زينب بنت الكمال، وأبي بكر بن الرّضي، وغيرهما.
قال ابن حجر: أجاز لي، ومات في ربيع الأول وقد جاوز السبعين.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 340) و «الدّرر الكامنة» (1/ 242) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 341) و «الدّرر الكامنة» (1/ 244) و «العقد الثمين» (3/ 123) و «التحفة اللطيفة» (1/ 221) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 341) و «الدّرر الكامنة» (1/ 262) .(8/609)
وفيها أبو بكر بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي [1] .
قال في «إنباء الغمر» : سمع من الحجّار، وحدّث، وكان به صمم.
مات في المحرّم وقد جاوز الثمانين. أجاز لي. انتهى.
وفيها عماد الدّين أبو الفداء إسماعيل بن الشيخ زين الدّين عبد الرحمن ابن أبي بكر بن أيوب الزّرعي الأصل ثم الدمشقي الحنبلي، المعروف بابن قيم الجوزية [2] .
كان من الأفاضل، واقتنى كتبا نفيسة، وهي كتب عمّه الشيخ شمس الدّين ابن القيم، وكان لا يبخل بعاريتها.
توفي يوم السبت خامس عشري رجب.
وفيها زينب بنت عبد الله بن عبد الحليم ابن تيميّة الحنبلية [3] بنت أخي الشيخ تقي الدّين.
قال ابن حجر: سمعت من الحجّار وغيره، وحدّثت، وأجازت لي.
وفيها زينب بنت محمد بن عثمان بن عبد الرحمن الدمشقية [4] ، يعرف أبوها بابن العصيدة.
حدّثت بالإجازة العامة عن الفخر بن البخاري وغيره، وأجازت لابن حجر، وزاد عمرها على المائة وعشر سنين.
وفيها سعد بن عبد الله البهائي السّبكي الشافعي [5] مولى أبي البقاء.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 343) و «الدّرر الكامنة» (1/ 438) و «السّحب الوابلة» ص (125) .
[2] انظر «الجوهر المنضد» ص (21) و «المقصد الأرشد» (1/ 265) و «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 629- 630) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 345) و «أعلام النساء» (2/ 74) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 345) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 346) .(8/610)
سمع من زينب بنت الكمال، والجزري بدمشق، ومن العلّامة شمس الدّين بن القمّاح، وإسماعيل بن عبد ربّه بالقاهرة، ومن غيرهم. وأجاز للحافظ ابن حجر العسقلاني، وتوفي في رمضان.
وفيها عبد الله بن علي بن عمر السّنجاري الحنفي [1] ، قاضي صور.
ولد سنة اثنتين وعشرين، وتفقه بسنجار، وماردين، والموصل، وإربل.
وحمل عن علماء تلك البلاد، وحدّث عن الصّفي الحلّي بشيء من شعره، وقدم دمشق أخذ بها عن القونوي الحنفي، ثم قدم مصر فأخذ عن شمس الدّين الأصبهاني، وأفتى ودرّس، وتقدم، ونظم [2] «المختار» في فقه الحنفية، وغير ذلك. وكان يصحب أمير [3] علي المارداني، فأقام معه بمصر مدة، وناب في الحكم، ثم ولي وكالة بيت المال بدمشق، ودرّس بالصالحية، وكان حسن الأخلاق، لطيف الذات، لين الجانب.
ومن شعره:
لكلّ امرئ منّا من الدّهر شاغل ... وما شغلي ما عشت إلّا المسائل
وكان يحفظ كثيرا من الحكايات والنّوادر، وعنده سكون وتواضع.
توفي بدمشق في ربيع الآخر.
وفيها أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن مبارك بن حمّاد بن تركي بن عبد الله المعرّي [4] ، نزيل القاهرة الشافعي.
ولد سنة أربع أو خمس عشرة [5] ، وسمع من الدّبوسي، والواني، وابن
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 346) و «الدّرر الكامنة» (2/ 277) و «الطبقات السنية» (4/ 175- 176) و «الفوائد البهية» ص (103) .
[2] في «ط» و «نظر» وهو تحريف.
[3] لفظة «أمير» سقطت من «آ» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 347) و «الدّرر الكامنة» (2/ 324) و «النجوم الزاهرة» (12/ 157) .
[5] يعني وسبعمائة.(8/611)
سيّد النّاس، وخلق كثير. وأجاز له ابن الشّيرازي، والقاسم بن عساكر، والحجّار، وخلق كثير أيضا. وطلب بنفسه، وتيقظ، وأخذ الفقه عن السبكي وغيره.
وكان يقظا نبيها، مستحضرا، عابدا، قانتا. وكان يتسبب في حانوت بزّاز ظاهر باب الفتوح، ثم ترك ذلك.
قال ابن حجر: وكان بينه وبين أبي مودّة وصحبة، فكان يزورنا بعد موت أبي وأنا صغير، ثم اجتمعت به لما طلبت الحديث، فأكرمني، وكان يديم الصبر لي على القراءة إلى أن أخذت عنه [1] أكثر مروياته، وقد تفرّد برواية «المستخرج على صحيح مسلم» لأبي نعيم، قرأته عليه كلّه، وحدّثت بالكثير من مسموعاته.
وقال لي شيخنا العراقي مرارا: عزمت على أن أسمع عليه شيئا.
وقد تغيّر قليلا في أول هذه السنة، واتفق له لمّا كان في الحانوت أن أودع عنده شخص مائتي دينار فوضعها في صندوق بالحانوت، فنقب اللّصوص الحانوت وأخذوا ما فيه، فطابت نفس صاحب الذّهب ولم يكذّب الشيخ ولا اتهمه، فاتفق أن الشيخ رأى في النّوم بعد نحو [2] ستة أشهر من يقول له: إن الذهب الوديعة في الحانوت وأنه وقع من اللّص لما أخذ الصندوق في الدّروند، فأصبح فجاء إلى الحانوت فوجد الصّرّة كما هي قد غطّاها التّراب، فأخذها وجاء إلى صاحب الذهب، فقال: خذ ذهبك، فقال: ما علمت منك إلّا الصّدق والأمانة وقد نقب حانوتك وسرق الذهب فلم كلّفت نفسك واقترضت هذا الذهب، فحدّثه بالخبر، فقال: لا آخذ منه شيئا وأنت في حلّ منه، فعالجه حتّى أعياه، فامتنع من أخذه، فحجّ الشيخ وجاور مدة حتّى أنفق الذهب.
وتوفي بمصر في تاسع عشري ربيع الآخر.
__________
[1] لفظة «عنه» سقطت من «ط» .
[2] لفظة «نحو» سقطت من «ط» .(8/612)
وفيها أبو هريرة عبد الرحمن بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي [1] الشافعي مسند الشام في عصره.
أحضره أبوه على وزيرة بنت المنجّى، والقاضي سليمان، وإسماعيل بن مكتوم، وابن عبد الدائم، وأسمعه من عيسى المطعم، وابن الشيرازي، وابن مشرف، والقاسم بن عساكر، وأهل عصره، فأكثر عنهم.
قال في «إنباء الغمر» : وخرّج له «أربعين حديثا» ، وحدّث بها في حياة أبيه سنة سبع وأربعين وسبعمائة، وحدّث في غالب عمره، وكان صبورا على الإسماع، محبا لأهل الحديث والروايات، ويذاكر بأشياء حسنة، وأمّ بجامع كفر بطنا عدة سنين، وأضر بأخرة، وتفرّد بكثير من الشيوخ والروايات، وأجاز لي غير مرة.
مات في ربيع الأول بقرية كفر بطنا وله إحدى وثمانون سنة.
وفيها عبد القادر بن محمد بن علي بن حمزة العمري المدني، المعروف بالحجار [2] .
قال ابن حجر: روى عن جدّه، وسمع من أصحاب الفخر، وعني بالعلم، وتفقه قليلا.
مات في عيد الأضحى. وذكر لنا السّكّري أنه رأى سماعه «الموطأ» على الوادياشي. انتهى.
وفيها عثمان بن محمد بن وجيه الشّيشيني [3]- بمعجمتين مكسورتين بعد كل منهما تحتانية ساكنة، ثم نون قبل ياء النّسب-.
سمع «جامع الترمذي» من العرضي، ومظفّر الدّين العسقلاني بسندهما
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 350) و «الدّرر الكامنة» (2/ 341) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 351) و «التحفة اللطيفة» (3/ 56) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 351) .(8/613)
المعروف، وكان يباشر في الشهادات وينوب في الحكم ببعض البلاد، وكان ذا مروءة ومواساة لأصحابه، وأجاز للحافظ ابن حجر.
وتوفي يوم نصف ربيع الآخر.
وفيها علي بن أحمد بن عبد العزيز النّويري ثم المكّي المالكي [1] .
ولد سنة أربع وعشرين، وسمع من عيسى الحجّي، والزّين بن علي، والوادياشي، وغيرهم. وتفقه، وباشر إمامة مقام المالكية بمكة خمسا وثلاثين سنة، وناب في الحكم عن أبيه أبي الفضل، ثم عن ابن أخيه، وكان ذا مروءة وعصبية، وتصلب في الأحكام، مع المهابة.
وفيها شرف الدّين عيسى بن عثمان بن عيسى بن غازي الغزّي الشافعي [2] .
ولد سنة تسع وخمسين، وقدم دمشق وهو كبير، فأخذ عن ابن حجي، والحسباني، وابن قاضي شهبة، وغيرهم. وعني بالفقه والتدريس، وناب في الحكم، وولي قضاء داريّا، وأخذ عن ابن الخابوري الفقه بطرابلس، وأذن له في الفتوى، وكان بطيء الفهم، متشاغلا في الأحكام، مع المعرفة التّامة. وله تصنيف في أدب القضاء جوّده، وهو حسن في بابه، وكان في أول أمره فقيرا، ثم تزوج فماتت الزوجة فحصل له منها مال له صورة، ثم تزوج أخرى كذلك، ثم أخرى، إلى أن أثرى وكثر ماله.
قال ابن حجي: كان أكثر الناس يمقتونه.
مات في رمضان. قاله ابن حجر.
وفيها زين الدّين قاسم بن محمد بن إبراهيم بن علي النّويري المالكي [3] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 352) و «الدّرر الكامنة» (3/ 17) و «العقد الثمين» (6/ 132) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 355) و «الدّرر الكامنة» (3/ 205) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 216) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 273) و «البدر الطالع» (1/ 515) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 357- 358) .(8/614)
تفقه، وقرأ المواعيد، وأعاد للمالكية بأماكن، وتصدّر بالجامع الأزهر وغيره، وكان صالحا، خيّرا، ديّنا، متواضعا.
مات في المحرم عن نحو ستين سنة.
وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن أحمد بن أبي بكر الطّرابلسي الحنفي [1] .
تفقه ببلده على شمس الدّين بن إيمان التركماني وغيره، وبدمشق على صدر الدّين بن منصور، وقدم القاهرة فتقرّر من طلبة الصرغتمشية، وأخذ عن السّراج الهندي، وناب عنه في الحكم، وسمع على الشيخ جمال الدّين الأسيوطي بمكّة. وولي القضاء بالقاهرة مرتين استقلالا، وكان خبيرا بالأقضية، عارفا بالوثائق.
قال العثماني في «تاريخه» : كان شيخا مهابا، مليح الشّيبة، فقيها، مشاركا في الفنون، عارفا بالشعر، وطرق أحوال الأحكام. انتهى.
توفي في ذي الحجّة قبل انسلاخ الشهر بيوم، وقد زاد على السبعين.
وفيها محمد بن أحمد بن سليمان الكفرسوسي اللّبّان المعمّر [2] .
قال ابن حجر: زاد على المائة يقرؤون عليه بإجازته العامة من الأبرقوهي ونحوه، وأجاز لي. انتهى.
وفيها محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن سلامة بن المسلم بن البهاء الحرّاني ثم الصّالحي [3] المؤذن، المعروف بابن البهاء.
سمع من القاسم بن عساكر، والحجّار، وغيرهما. وحدّث في سنة ست وثمانين بالصحيح، قرأه عليه بدر الدّين بن مكتوم، ومات في هذه السنة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 357) و «النجوم الزاهرة» (12/ 157) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 358) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 359) .(8/615)
وفيها محبّ الدّين محمد بن العلّامة جمال الدّين عبد الله بن يوسف بن هشام [1] .
حضر على الميدومي وغيره، وسمع من بعده، وقرأ العربية على أبيه وغيره، وشارك في غيرها قليلا، وكان إليه المنتهى في حسن التعليم، مع الدّين المتين.
مات في رجب عن نحو خمسين سنة.
وفيها ناصر الدّين محمد بن الشيخ عزّ الدّين محمد بن الشيخ ناصر الدّين داود بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي، المسند الأصيل المقرئ [2] .
أجاز له إسحاق النحّاس وجماعة، وسمع من القاضي سليمان، وكان إمام المسجد المعروف بأبيه عزّ الدّين، وقد أضرّ في آخر عمره.
انقطع ثلاثة أيام مطعونا، وتوفي في ليلة ثامن رجب ودفن بتربة جدّه الشيخ أبي عمر على والده.
وفيها شرف الدّين أبو الخطّاب محمد بن القاضي جمال الدّين محمد بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الملك الدمشقي سبط التّقي السّبكي [3] .
ولد في رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وأحضر على ابن الخبّاز وغيره، وأجاز له ابن الملوك وجماعة من المصريين، وكان أبوه قاضي المالكية، ثم تحوّل هو شافعيا مع أخواله السّبكية، ونشأ بينهم، فسلك طريقهم، وولي إفتاء دار العدل، وناب في الحكم عن برهان الدّين بن جماعة نحو سنة بعد أن صاهره على ابنته فصرف عن قريب، ثم استقلّ بالحكم بعده، وولي خطابة
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 359) و «بغية الوعاة» (1/ 148) .
[2] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 176) و «المقصد الأرشد» (2/ 512) و «الجوهر المنضد» ص (127) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 360) و «النجوم الزاهرة» (12/ 160) .(8/616)
المسجد الأقصى بعد وفاة ولد البرهان بن جماعة، ثم طلب للقاهرة ليولّى القضاء فأدركه أجله بها في شهر رجب، وكان عفيفا، صارما، مع لين جانب، شريف النّفس، حسن المباشرة للأوقاف، مقتصدا في مأكله وملبسه.
وفيها جمال الدّين محمود بن علي القيصري الرّومي الحنفي، المعروف بالعجمي [1] .
قدم القاهرة قديما [واشتغل بالفنون، ومهر، وولي الحسبة مرارا، ثم نظر الأوقاف، ودرّس بالمنصورية في التفسير] [2] وولي مشيخة الشيخونية، وقضاء الحنفية، ونظر الجيش. وكان بحالة إملاق، ثم وصل إلى ما وصل إليه، حتّى قال: هذا الذي حصل لي- أي من الغنى- غلطة من غلطات الدهر، وكان عنده دهاء، مع حشمة زائدة وسخاء، وكان فصيحا بالعربية والتركية والفارسية، كثير التأنق في ملبسه ومأكله. مات في سابع ربيع الأول.
وفيها يوسف بن أمين الدّين عبد الوهاب بن يوسف بن السّلّار الشّمّاع [3] .
حضر على الحجّار وغيره، وحدّث، وأجاز لابن حجر.
وتوفي في المحرم عن سبعين سنة، والله تعالى أعلم.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 362) و «النجوم الزاهرة» (12/ 158) .
[2] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 366) .(8/617)
سنة ثمانمائة
فيها نازل تمرلنك الهند فغلب على ولي كرسي المملكة، وفتك على عادته، وخرّب، وكان توجّه إليها على طريق غريبة على البرّ ووصل زحفه [1] إلى اليمن، وكان السبب المحرّك له على ذلك أن فيروز شاه ملك الهند مات فبلغه ذلك فسمت نفسه إلى الاستيلاء على أمواله، فتوجه في عساكره، وكان فيروز شاه لما مات قام بالأمر بعده يلوا [2] الوزير، واستقر في المملكة، فقصده اللّنك فاستقبله يلوا بجد وصدّر أمام عسكره الفيلة عليها المقاتلة، فلما استقبلتها خيل اللّنك هربت منها، فبادر اللّنك وأمر باستعمال قطع من الحديد على صفة الشّوك وألقاها في المنزلة التي كان بها، فلما أصبحوا واصطفوا للقتال أمر عساكره بالتقهقر إلى خلف، فظنوا أنهم انهزموا، فتبعوهم، فاجتازت الفيلة على ذلك الشوك الكائن في الأرض فجفلت منه أعظم من جفل الخيل منها، ورجعت القهقرى من ألم الحديد، فكانت أشدّ عليهم من عدوهم، بحيث طحنت المقاتلة الرجّالة [3] والفرسان، فانهزموا بغير قتال.
وفيها في شوال كان الحريق العظيم بدمشق عمّ الحريريين والقواسين والسّيوفيين [4] وبعض النحاسين [5] ، ووصلت النّار إلى حائط الجامع، وإلى قرب
__________
[1] في «إنباء الغمر» : (رجيفه) وانظر التعليق عليه.
[2] في «إنباء الغمر» : (ملّو) وانظر التعليق عليه.
[3] في «آ» و «ط» : «الرجال» وهو خطأ والتصحيح من «إنباء الغمر» (3/ 375) مصدر المؤلف.
[4] في «ط» : «السوفيين» وهو خطأ.
[5] تصحفت في «ط» إلى «النخاسين» .(8/618)
النّورية، واحترقت الجوزية، وحمّام نور الدّين، وغير ذلك. وأقام من يوم السبت العشرين من شوال إلى يوم الثلاثاء ثالث عشرينه [1] .
وفيها برهان الدّين إبراهيم بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة الحنبلي، المعروف بالقاضي [2] الشيخ الإمام الصّالح، أخو الحافظ شمس الدّين.
حضر على الحجّار، وسمع من أحمد بن علي الحريري، وعائشة بنت المسلّم، وزينب بنت الكمال، وحدّث، فسمع منه الحافظ ابن حجر، وتوفي في شوال.
وفيها إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد [بن عبد المؤمن بن سعيد] [3] بن علوان بن كامل التّنوخي البعلي ثم الشّامي [4] ، نزيل القاهرة الشافعي، شيخ الإقراء، ومسند القاهرة.
ولد سنة تسع أو عشر وسبعمائة، وأجاز له إسماعيل بن مكتوم، وابن عبد الدائم، والقاسم بن عساكر، وجمع كثير يزيدون على الثلاثمائة، ثم طلب الحديث بنفسه، فسمع الكثير من أبي العبّاس الحجّار، والبرزالي، والمزّي، وخلق كثير يزيدون [5] على المائتين، وعني بالقراءات فأخذ عن البرهان الجعبري، والبرقي، وغيرهما. ثم رحل فأخذ عن أبي حيّان، وابن السّرّاج وغيرهما، ومهر في القراءات، وكتب مشايخه له خطوطهم بها، وتفقه على المازري بحماة، وابن النّقيب بدمشق، وابن القمّاح بالقاهرة، وغيرهم، وأذنوا له، وأفاد، وحدّث قديما.
قال ابن حجر: قرأت عليه الكثير، ولازمته طويلا، وخرّجت له عشاريات
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 382) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 398) و «الدّرر الكامنة» (1/ 10) و «السّحب الوابلة» ص (22) .
[3] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 398) .
[5] في «ط» : «يزيد» .(8/619)
مائة [1] ، ثم خرّجت له «المعجم الكبير» في أربعة وعشرين جزءا، فصار يتذكر به مشايخه وعهده القديم، فانبسط للسماع، وحبّب إليه، فأخذ عنه أهل البلد والرّحّالة فأكثروا عنه، وكان قد أضرّ بأخرة، وحصل له خلط ثقل منه لسانه، فصار كلامه قد يخفى بعضه بعد أن كان لسانه كما يقال كالمبرد.
ومات فجأة من غير علّة في جمادى الأولى. انتهى.
وفيها تاج الدّين أحمد بن القاضي فتح الدّين محمد بن أبي بكر إبراهيم بن أبي الكرم محمد بن الشهيد الشامي [2] الفقيه الشافعي.
شارك في الفنون، والنّظم، والنّثر، ودرّس في عدة أماكن، وباشر قضاء العسكر، وكان محبوبا إلى النّاس.
توفي في ذي القعدة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن موسى الدمشقي الشّوبكي [3] ، نزيل مكة.
قال ابن حجر: كان عارفا بالفقه والعربية، مع الدّين والورع، وأتقن القراءات، وجاور بمكة نحو عشر سنين، فقرءوا عليه ومات بها في ربيع الأول، وهو في عشر الخمسين، وكانت جنازته حافلة جدا.
وفيها بدر الدّين حسن بن علي بن سرور بن سليمان البرماوي الشافعي [4] ابن خطيب الحديثة.
قال ابن حجي: اشتغل وحصّل، وذكر في النّبهاء من [5] بعد
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «غاية» وانظر «الرسالة المستطرفة» ص (101) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 402) و «الدّرر الكامنة» (1/ 242) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 403) و «الدّرر الكامنة» (1/ 304) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 403) و «الدّرر الكامنة» (2/ 24) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 206) .
[5] لفظة «من» سقطت من «ط» .(8/620)
الخمسين [1] . وقرّر في عدة وظائف، ثم تركها، وأقبل على العبادة والمواظبة على الأوراد الشاقة، ولم يغيّر زي الفقهاء، وكان شكلا حسنا، نيّر الوجه، منبسطا، ولا يكون في الخلوة إلّا مصليا أو تاليا، أو ذاكرا، أو مطالعا في كتاب، وكان يبدي مسائل ومشكلات ويحسن الجواب، ولم يكن في عصره من الفقهاء أعبد منه، وكان أخوه القاضي شرف الدّين قد كفاه همّ الدنيا.
مات في سلخ رمضان. انتهى.
وفيها زينب بنت عثمان بن محمد بن لؤلؤ الدمشقية [2] .
سمعت الحجّار، وأجازت للحافظ ابن حجر.
وفيها أبو عامر عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحقّ المريني [3] ، صاحب فاس وبلاد المغرب.
توفي في جمادى الآخرة واستقرّ بعده أخوه أبو سعيد عثمان ودبّر أمر المملكة أحمد بن علي القبائلي على عادته في أيام أخيه.
وفيها تاج الدّين أبو محمد عبد الله بن علي بن عمر السّنّجاري الحنفي [4] المعروف بقاضي صور- بفتح الصاد المهملة بلدة بين حصن كيفا وبين ماردين بديار بكر [5]-.
ولد بسنجار سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وتفقه بها وبالموصل وماردين، وكان إماما عالما بارعا مفننا في الفقه، والأصلين، والعربية، واللغة. أفتى ودرّس سنين، وقدم إلى دمشق ثم إلى القاهرة، وأخذ عن علماء المصريين، وألّف عدة كتب، منها: «البحر الحاوي» في الفتاوى، و «نظم المختار» في الفقه، و «نظم السّراجية» في الفرائض، و «نظم سلوان المطاع لابن ظفر» .
__________
[1] يعني وسبعمائة.
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 404) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 404) .
[4] لفظة «الحنفي» سقطت من «آ» وانظر «إنباء الغمر» (3/ 405) و «النجوم الزاهرة» (12/ 162) .
[5] تنبيه: كذا قيّدها المؤلّف بفتح الصاد المهملة، والذي في «معجم البلدان» (3/ 434) «صوّر» بالضم ثم التشديد والفتح، وقال: هي قرية على شاطئ الخابور، بينها وبين الفدين نحو أربعة فراسخ. وانظر «المسالك والممالك» ص (74) .(8/621)
وناب في الحكم بالقاهرة ودمشق وولي وكالة بيت المال بدمشق، وكان من محاسن الدنيا.
توفي في [1] آخر هذه السنة، رحمه الله تعالى.
وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن المقداد بن أبي الوسم بن هبة الله بن المقداد القيسي الصّقلي الأصل ثم الدمشقي [2] .
قال ابن حجر: سمع من الحجّار، وحفيد العماد، والمزّي، وهلال بن أحمد البصراوي، وأيوب بن نعمة الكحّال، وغيرهم. وحدّث، وهو رجل جيد أجاز لي غير مرّة. وكان قد انفرد بسماع «مسند الحميدي» . انتهى.
وفيها مجد الدّين عبد الرحمن بن مكّي الأقفهسي [3] المالكي.
تفقه وناب في الحكم، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها علاء الدّين علي بن صلاح الدّين محمد بن زين الدّين محمد بن المنجّى بن محمد بن عثمان الحنبلي التّنوخي [4] قاضي الشام.
تقدم في العلم إلى أن صار أمثل فقهاء الحنابلة في عصره، مع الفضل والصّيانة والدّيانة والأمانة، وناب عن ابن قاضي الجبل، ثم استقلّ بالقضاء سنة ثمان وثمانين بعد موت ابن التّقي، ثم صرف مرارا، وأعيد، إلى أن مات في رجب بالطّاعون بمنزله بصالحية دمشق.
وفيها علي بن محمد بن محمد بن أبي المجد بن علي الدمشقي [5] المحدّث سبط القاضي نجم الدّين الدمشقي، ويعرف بابن الصّايغ وبابن خطيب عين ترما، وبالجوزي لأن أباه كان إمام مسجد الجوزة بدمشق.
__________
[1] لفظة «في» سقطت من «ط» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 406) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 407) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 407) و «السحب الوابلة» ص (311) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 407) .(8/622)
ولد في ربيع الأول سنة سبع وسبعمائة، وسمع من ابن تيميّة، والقاسم بن عساكر، ووزيرة، والحجّار، وخلق، وتفرّد بالسماع منهم، وخرّجت له عنهم «مشيخة» وأجاز له سنة ثلاث عشرة التّقي سليمان، والمطعم، والدّبوسي، وابن سعد، وابن الشّيرازي، وظهر سماعه للصحيح من ست الوزراء بأخرة، فقرءوا عليه بدمشق، ثم قدم القاهرة فحدّث به مرارا.
قال ابن حجر: سمعت عليه «سنن ابن ماجة» و «مسند الشافعي» و «تاريخ أصبهان» وغير ذلك من الكتب الكبار والأجزاء الصغار، فأكثرت عنه، وكان صبورا على التسميع، ثابت الذهن، ذاكرا، ينسخ بخطّه وقد جاوز التسعين. صحيح السمع والبصر، رجع إلى بلده فأقام بمنزله إلى أن مات في ربيع الأول.
وفيها شمس الدّين محمد بن يسير البعلبكي، المعروف بابن الأقرع الحنبلي الأعجوبة [1] .
قال في «إنباء الغمر» : اشتغل كثيرا، وتمهر، وكان جيد الذهن، قوي الحفظ، يعمل المواعيد عن ظهر قلب، وله عند العامة بدمشق قبول زائد، وكان طلق اللّسان، حلو الإيراد.
مات في شهر رمضان مطعونا. انتهى.
وفيها بهاء الدّين أبو البقاء محمد بن حجي الحسباني الشافعي [2] ، أخو قاضي الشام الآن نجم الدّين عمر، والشيخ شهاب الدّين.
ولد سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وعني بالعلم، وشارك في عدة فنون، وكان حسن الصّوت بالقرآن جدا.
توفي في شوال شابا.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 411) وفيه: «محمد بن بشير» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 411) .(8/623)
وفيها أبو عبد الله محمد بن سلامة التّوزري المغربي الكركي [1] نزيل القاهرة.
قال ابن حجر: كان فاضلا، مستحضرا لكثير من الأصول والفقه، صحب السلطان في الكرك فارتبط عليه واعتقده، ثم قدم عليه فعظمه جدا، وكان يسكن في مخزن في اسطبل الأمير قلمطاي الدويدار، وإذا ركب إلى القلعة ركب على فرس بسرج ذهب، وكبنوش مزركش من مراكب السلطان، وكان داعية إلى مقالة ابن العربي الصّوفي يناضل عنها ويناظر عليها، ووقع له مع شيخنا الشيخ سراج الدّين البلقيني مقامات. اجتمعت به وسمعت كلامه، وكنت أبغضه في الله تعالى، وكان قد حجّ في السنة الماضية، ووقع بينه وبين ابن النقّاش وغيره ممن حجّ من أهل الدّين وقائع وكتبوا عليه محضرا بأمور صدرت منه فيها ما يقتضي الكفر، ولم يتمكنوا من القيام عليه لميل السلطان إليه.
مات في الرابع والعشرين من ربيع الأول، ولمّا مات أمر السلطان ليبلغا السالمي بمائتي دينار ليجهزه بها، فتولى غسله وتجهيزه، وأقام على قبره خمسة أيام بالمقرءين على العادة. انتهى كلام ابن حجر.
وفيها جمال الدّين محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن يوسف الزّرندي المدني الحنفي [2] .
عني بالفقه والحديث، وبرع في مذهب الإمام الأعظم.
توفي بين مكة والمدينة.
وفيها أمين الدّين محمد بن محمد بن علي الأنصاري الحمصي الدمشقي الحنفي [3] .
تقدم في الأدب، وأخذ الفقه عن رمضان الحنفي، والعربية عن تقي الدّين ابن الحمصية، وولي كتابة السرّ بحمص، ثم بدمشق.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 411) و «النجوم الزاهرة» (12/ 165) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 413) و «التحفة اللطيفة» (3/ 654) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 414) و «النجوم الزاهرة» (12/ 163) .(8/624)
قال ابن حجر: قدم القاهرة مع نائبها تنم فاجتمعت به، وسمعت عليه قطعة من نظمه، وأجاز لي، وكان شكلا حسنا، مع التواضع والأدب، وكان له في النظم والنثر اليد البيضاء طارح فتح الدّين بن الشهيد، وعلاء الدّين التّبريزي، وفخر الدّين بن مكانس وغيرهم، وأثنى عليه طاهر بن حبيب، وقال: كانت له مشاركة في الفنون، وكتابة فائقة، وعبارة رائقة.
توفي في ربيع الأول ولم يكمل الخمسين.
ومن شعره:
كلّما قلت قد نصرت عليه ... لاح من عسكر اللّحاظ كمينا
خنت فيه مع التشويق صبري ... ليت شعري فكيف أدعى أمينا
وفيها شمس الدّين محمد بن المبارك بن عثمان الحلبي الرّومي الأصل الحنفي [1] .
أصله من قرية يقال لها فنرى [2] . قرأ ببلاده «الهداية» على التاج بن البرهان، ثم قدم حلب، فأخذ عن الشيخ شمس الدّين بن الأقرب وقطبها، وكان صالحا، خيّرا، متعبدا، وهو آخر فقهاء حلب المتعبدين العاملين، كثير التلاوة والخير والعبادة والإيثار.
قدم القاهرة فأخذ عن العراقي، وابن الملقن، والجلال التباني، وحجّ، وجاور، ومات في ثامن عشر شهر رمضان.
وفيها بدر الدّين محمد بن يوسف بن أحمد بن الرّضي عبد الرحمن الدمشقي الحنفي [3] .
اشتغل، وبرع، وسمع من ابن الخبّاز، وابن عبد الكريم، وكان أعرف
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 415) و «الدّرر الكامنة» (4/ 153) .
[2] في «آ» و «ط» : «يرى» من غير تنقيط وما أثبته من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف.
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 416) .(8/625)
من بقي من الحنفية بنقل الفقه، مع جودة النباهة، ودرّس بأماكن وأفتى، وناب في الحكم، وكان هو المعتمد عليه في المكاتيب بدمشق، وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها شمس الدّين محمد بن يوسف بن أبي المجد الحكّار [1] .
سمع من الميدومي، وابن عبد الهادي، وغيرهما، وأجاز له جماعة من المصريين والشاميين، وحدّث، وسمع منه الحافظ ابن حجر، وتوفي في رجب، والله تعالى أعلم.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 416) .(8/626)
تمّ بعون الله تعالى وتوفيقه تحقيقنا للمجلد الثامن من «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» للإمام ابن العماد الحنبلي في اليوم الثاني من شهر ربيع الثاني الأغر لعام 1412 هـ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وأسأل الله عزّ وجلّ أن يعيننا على الانتهاء من تحقيق بقية الكتاب بحوله وقوته، إنه تعالى خير مسؤول، وأسرع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين محمود الأرناؤوط(8/627)
[المجلد التاسع]
تقديم [1] للأستاذ الدكتور شاكر الفحّام نائب رئيس مجمع اللّغة العربيّة بدمشق المدير العام لهيئة الموسوعة العربيّة
- 1- أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الصالحي الحنبلي المعروف بابن العماد (1032- 1089 هـ) من أبرز من أنجبته دمشق من المؤرخين في القرن الحادي عشر الهجري.
وصفه تلميذه المحبي في (خلاصة الأثر) فأضفى عليه حلل الثناء تقديرا لمكانته العلمية، وتحدّث بإعجاب بالغ عن سعة معرفته بالعلوم المختلفة، وعدد تآليفه، وأشاد بمهارته في تعليم طلابه والآخذين عنه.
شهر ابن العماد بكتابه العظيم: (شذرات الذهب) الذي لخص فيه أحداث ألف عام (سنة 1- 1000 هـ) ، وعني فيه بتراجم العلماء والأعلام.
وقد فرغ من تأليفه في يوم الاثنين التاسع عشر من شهر رمضان المعظم من شهور سنة ثمانين وألف [2] وكان في نحو الثامنة والأربعين من عمره.
__________
[1] تفضل الأستاذ الكبير الدكتور شاكر الفحّام بكتابة هذا التقديم بعد اطلاعه على المجلدات السبعة الأولى الصادرة من الكتاب، وعلى تجربة الطبع الأولى للمجلد الثامن منه، فجزاه الله تعالى خير الجزاء وحفظه ذخرا لطلبة العلم في هذه الدّيار. (المحقق) .
[2] شذرات الذهب (مكتبة القدسي) 8: 443.(9/1)
ودلّ هذا الكتاب على سعة اطلاع ابن العماد، وكثرة الكتب التي نقل عنها. وقد ذكر طائفة من تلك الكتب في مقدمة كتابه [2] ، ونثر الكثير منها في متن الكتاب، وأغفل ذكر جملة منها فقال:
«وربما لم أعز ما أنقله إلى كتاب لظهور ما أثبته ولطلب الاختصار» [3] .
وعني الخالفون بكتاب (الشذرات) ووألوا إليه، ومما يدل على تلك العناية ما انتهى إلينا من اختصار ابن شقدة الدمشقي (ت. 116 هـ) له في كتابه:
(منتخب شذرات الذهب) [4] .
- 2- طبع كتاب (شذرات الذهب) طبعته الأولى سنة (1350- 1351 هـ) .
أصدرته مكتبة القدسي بالقاهرة في ثمانية أجزاء، وأثبتت على صفحته الأولى أنه طبع عن نسخة المصنّف المحفوظة في دار الكتب المصرية، مع مقابلة بعضها بنسختين في الدار أيضا، وبعضها بنسخة الأمير عبد القادر الجزائري.
ونشرت في مطلع الجزء الأول من الكتاب صورة الصفحة الأولى من مخطوط (الشذرات) وقد ظهر فيها: «انتقل، ولله الحمد والمنّة، إلى ملك جامعه الفقير أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد ابن العماد، غفر الله تعالى ذنوبه، آمين» ، وتحت هذا التملك ختمه. ثم ظهر في أسفل الصفحة:
«دخل، ولله الحمد والمنة، وفي ... وأحوجهم إلى وجود ربه ... ابن عبد الحي بن ... العماد، غفر ... لهم أجمعين، آمين» .
ثم جاء في ختام الجزء الرابع المطبوع: «نجز الجزء الأول [أي من تجزئة الأصل] من (شذرات الذهب في أخبار من ذهب) في منتصف جمادى الثانية الذي هو من شهور سنة إحدى وثمانين وألف على يد أفقر عباد الله محمد بن أحمد بن شيخ المحيا ... وهذه نسخة نقلت من خط المصنّف حفظه الله تعالى.
وهي ثاني نسخة، ولله الحمد» [5] .
__________
[2] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 1: 111- 112.
[3] شذرات الذهب (مكتبة القدسي) 8: 443.
[4] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 6: المقدمة (1- 2) .
[5] شذرات الذهب (مكتبة القدسي) 4: 348.(9/2)
وقال الناسخ في آخر الكتاب: «وكان الفراغ من نسخه يوم الخميس خامس عشر شهر رجب الفرد الذي هو من شهور سنة أربعة وثمانين وألف على يد الفقير الحقير محمد بن أحمد المحيوي الصالحي ... وهي أول نسخة نقلت من خط المصنّف حفظه الله تعالى» . [6] وذكر الناشر في مطلع الكتاب ترجمة ابن العماد مقتبسة من (النعت الأكمل) و (السحب الوابلة) ، و (خلاصة الأثر) . ثم ذكر جملة من مصادر ابن العماد [7] . ووعد بإضافة تعليقات للسيد أحمد رافع الطهطاوي، ولكنه لم يستطع الوفاء بما وعد [8] .
وقد يسرت مكتبة القدسي بطبعتها الاطلاع على كتاب نفيس، كانت تتشوق إليه النّفوس.
- 3- لم يلق الكتاب آنذاك ما يستحق من التحقيق والتدقيق والمراجعة، فوقع فيه التصحيف والتحريف والسقط. ومرّت على طبعته تلك خمس وخمسون سنة، وهي الطبعة الوحيدة التي تصورها المطابع، وتتداولها الأيدي، حتى انتدب الأستاذ محمود الأرناؤوط لتحقيق الكتاب تحقيقا علميا، فأعد للأمر عدته، وشدّ له حيازيمه، واعتمد مخطوطة الظاهرية (رقم 3465 عام) أصلا [9] . وهي نسخة فرغ شعبان بن عبد الله الشافعي المخزومي من كتابتها صبيحة يوم الجمعة رابع عشر شهر شوال من شهور سنة خمس وثمانين وألف. ونقلت من خط مؤلّفها. وهي ثالث نسخة تمت. كما عاد في تحقيقه إلى النسخة المطبوعة [10] .
__________
[6] شذرات الذهب (مكتبة القدسي) 8: 443.
[7] شذرات الذهب (مكتبة القدسي) 1: 363- 364، 8: 487.
[8] شذرات الذهب (مكتبة القدسي) 1: 362.
[9] انظر وصف المخطوطة في فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية- التاريخ وملحقاته للأستاذ يوسف العش ص 11، فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية- التاريخ وملحقاته للأستاذ خالد الريان ص 656.
[10] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 1: 97- 98، 105.(9/3)
ثم أفاد في التحقيق من كتاب: (منتخب شذرات الذهب) لابن شقدة [11] .
وعني بتخريج النصوص والأشعار من مظانها، ونسبة ما أغفله ابن العماد فلم يعزه، مستدركا تارة من المصادر، ومصححا تارة أخرى. وقد ضبط الألفاظ وفسّر المشكل.
وقد تولى والد المحقق الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وهو العالم المحدّث الثقة، تخريج الأحاديث النبوية والإشراف على التحقيق فحظي الكتاب بمزيّة لا تضاهى [12] .
وقدّم الأستاذ محمود للكتاب بمقدمة أطال فيها عنان القول متحدثا عن مشهوري المؤرخين الذين سبقوا ابن العماد، ثم ترجم لابن العماد، وكشف عن قيمة كتاب (الشذرات) بين كتب المؤرخين، وبيّن النهج الذي سلك في تحقيق الكتاب [13] .
وقد كلّفته هذه الخطة العلمية التي انتهجها العودة إلى مصادر كثيرة تطالعك بوجوهها في حواشي الكتاب، وتكشف لك عن هذا الجهد الجاهد الذي أخذ به نفسه ليقدّم الكتاب في أبهى حلّة، وقد استكمل حقّه في التحقيق.
وزيّن المحقّق الكتاب بتعليقات ضافية تلوح كالدرر، فبدا الكتاب بتعليقاته ومصادره مجمع فوائد، تأخذ بيد قارئه لتهديه إلى مراده بأيسر سبيل.
ولا أزعم أن الكتاب قد خلا من الغلط والسهو فذلك فوق الوسع، وقد سأل الأستاذ المحقّق ألا يبخل أحد عليه باستدراك وقع له، فالكتاب إرث الأمة، يتعاون الناصحون المخلصون ليبلغوا بالكتاب المحقّق ما يرجون له من الإتقان [14] .
__________
[11] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 5: 6، 6: المقدمة (1- 2) .
[12] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 1: 10 و 95- 101.
[13] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 1: 7- 105.
[14] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 1: 99.(9/4)
ولئن كان المحقّق قد وفق التوفيق كله في تحقيق متن الكتاب، إنه قد أخذ نفسه من بعد، بتهيئة فهارس ضافية، تفتح مغاليق هذا الكتاب الضخم، لتجعله لقارئه على طرف الثّمام.
لا أملك إلا أن أهنئ الأستاذ محمود الأرناؤوط على ما بذل من جهد حتى أظهر كتاب (شذرات الذهب) بحلّته القشيبة، ميسرا للواردين.
جزاه الله الجزاء الأوفى على ما بذل وقدم وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا 18: 46.
دمشق في 8 ربيع الأول 1413 هـ.
5 أيلول 1992 م الدكتور شاكر الفحّام(9/5)
نسخة أخرى من منتخب شذرات الذّهب بين أيدينا
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم أنعمت فتمم، ويسرت السّبيل فسدّد الخطا، يا أرحم الراحمين.
وبعد: فقد من الله تعالى علينا بمصورة نسخة خطية أخرى من «منتخب شذرات الذهب» للعلّامة المؤرخ البارع الشيخ عبد الرحيم بن مصطفى بن أحمد بن محمد الشهير بابن شقدة الدّمشقي الصّالحي [1] ، وهذه النسخة الجديدة هي في الأصل من محفوظات مكتبة الرئيس الشيخ محمد تاج الدّين الحسنيّ الدّمشقي [2] ، وهي نسخة خزائنية نفيسة وخطها جميل جدا، وتقع في (1489) صفحة، وقد وقفت عليها في مكتب البحث العلمي العائد للشركة المتحدة للتوزيع بدمشق في بداية عام (1412) هـ، واستأذنت القائمين عليه بالاستفادة منها وتصوير نسخة عنها فأذنوا لي بذلك، جزاهم الله تعالى خير الجزاء [3] .
__________
[1] هكذا ورد اسمه في صدر «المنتخب» بنسختيه، وقد سبق التعريف به وبكتابه في صدر المجلد السادس عند الكلام على مصورة النسخة الخطية الأخرى من «المنتخب» التي توفرت لنا واستعنا بها في التحقيق ابتداء من أول المجلد المذكور.
[2] انظر ترجمته في «الأعلام» للعلّامة الأستاذ خير الدّين الزركلي (7/ 82- 83) الطبعة السادسة، و «معالم وأعلام» للأستاذ أحمد قدامة (1/ 304) و «أعلام دمشق في القرن الرابع عشر» للدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفورص (252) و «تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري» للأستاذين محمد مطيع الحافظ ونزار أباظة (2/ 576- 578) .
[3] ومن حسنات هذه النسخة القيّمة من «المنتخب» أنها نسخت عن نسخة بخط العالم الكبير الشيخ حسن بن عمر الشّطّي البغدادي الأثري الحنبلي السّلفي المتوفى سنة (1274 هـ) كما هو مبين في صورة الصفحة الأخيرة منها المرفقة مع هذه الكلمة.(9/5)
وقد استفدت من المراجعة في نسخة «المنتخب» هذه ابتداء من أول المجلد التاسع من الكتاب وإلى نهاية المجلد العاشر والأخير منه.
وأرى من المفيد أن أشير هنا إلى أن القيمة الحقيقة لكتاب «شذرات الذهب» إنما تكمن في العدد الكبير جدا من التراجم المختلفة المنوعة التي احتوت عليها مجلداته العشر، والتي لا يجاريه في عددها وتنوعها أي مصدر آخر من المصادر الموثوقة الأخرى لفنّي التأريخ والسّير مما خلّفه الأسلاف من علماء هذه الأمّة العظيمة، أحسن الله إليهم.
وأضرع إلى الله عزّ وجل أن يعينني ويعين والدي- المشرف على تحقيق الكتاب- على الانتهاء من إخراج ما بقي من مجلدات هذا السّفر الجليل على أحسن صورة ترضي الله تعالى، وتسعد فؤاد كل محبّ للتراث العربي الإسلامي إن شاء الله تعالى.
وختاما اكرر ما قلته في آخر مقدمتي للمجلد الأول من هذا الكتاب [1] وفي الكلمة التي كتبتها بين يدي المجلد الخامس منه: إن هذا الكتاب هو في نهاية الأمر إرث لأفراد الأمة جميعهم، والنصح للقائمين على تحقيقه وإخراجه هو نصح للناطقين بالعربية في مشارق الأرض ومغاربها. راجيا من جميع العالمين في فنّ التحقيق وسواهم أن لا يبخلوا عليّ بملاحظاتهم وتصويباتهم، ولسوف أذكر أصحابها بالجميل في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى [2] .
اللهم إني أسألك أن تسدّد خطاي لما فيه الخير والفلاح في الدّنيا والآخرة، وأن تجعلني ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وممن يعملون أضعاف ما يتكلمون، والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا.
دمشق 29 من شهر رمضان المبارك لعام 1412 هـ.
محمود الأرناؤوط
__________
[1] ص (99) .
[2] عنواني الدائم هو: (ص. ب/ 6000/ دمشق- الجمهورية العربية السورية) .(9/6)
بسم الله الرحمن الرحيم
سنة إحدى وثمانمائة وهي أول القرن التاسع من الهجرة
قال ابن حجر [1] : دخلت وسلطان مصر والشام والحجاز الملك الظّاهر أبو سعيد برقوق، وسلطان الرّوم أبو يزيد بن عثمان، وسلطان اليمن من نواحي تهامة الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل بن المجاهد، وسلطان اليمن من نواحي الجبال الإمام الزّيدي الحسني علي بن صلاح، [2] وسلطان المغرب الأدنى أبو فارس عبد العزيز الحفصيّ [2] ، وسلطان المغرب الأوسط [3] أبو سعيد عثمان [3] المرّيني، وسلطان المغرب الأقصى ابن الأحمر، وصاحب البلاد الشرقية تيمور كوركان، المعروف باللّنك، وصاحب بغداد أحمد بن أويس، وأمير مكّة حسن بن عجلان بن رميثة الحسني، وبالمدينة ثابت بن نفير، والخليفة العبّاسي، أبو عبد الله محمد المتوكل على الله بن المعتضد بالله أبي بكر، ويدعى أمير المؤمنين، ونازعه في هذا الاسم الإمام الزّيدي وبعض ملوك المغرب، وصاحب اليمن، لكن خطيبها يدعو في خطبته للمستعصم العبّاسي أحد الخلفاء ببغداد.
وكان نائب دمشق يومئذ تنم الحسني، وبحلب أرغون شاه، وبطرابلس آقبغا الجمالي، وبحماة القلمطاوي [4] ، وبصفد شهاب الدّين بن الشيخ علي، وبغزّة طيفور. انتهى.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (4/ 1- 2) .
[2] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[3] ما بين الرقمين من «إنباء الغمر» الذي بين يدي.
[4] تحرفت في «ط» إلى «الغلمطاوي» .(9/11)
وقال الحافظ السّخاوي [1] : قد أفردت تراجم أهله في ست مجلدات.
وفيها غزا اللّنك بلاد الهند، واستولى على دلّي [2] ، وسبى منها خلقا كثيرا، ولما رجع إلى سمرقند بيع السّبي [3] الهندي [3] برخص عظيم لكثرته.
وفيها توفي العلّامة برهان الدّين أبو محمد إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي [4]- بفتح الهمزة، وسكون الموحدة بعدها نون، وفي آخره سين، نسبة إلى أبناس قرية صغيرة بالوجه البحري-.
ولد على ما نقل من خطّه بأبناس سنة خمس وعشرين وسبعمائة تقريبا [5] .
وقدم القاهرة وله بضع وعشرون سنة، وسمع بها وبدمشق من جماعة. وخرّج له الحافظ ولي الدّين بن العراقي «مشيخة» وتخرّج في فقه الشافعية على الشيخين جمال الدّين الإسنائي، وولي الدّين المنفلوطي، وغيرهما. وتخرّج في الحديث بمغلطاي.
قال المؤرخ ناصر الدّين بن الفرات: كان شيخ الدّيار المصرية، مربيا للطلبة، وله مصنفات في الحديث، والفقه، والأصول، والعربية، وحجّ وجاور مرات.
وقال الحافظ ابن حجر: مهر في الفقه، والأصول، والعربية، وشغل فيها، وبنى زاوية بالمقس ظاهر القاهرة، وأقام بها يحسن إلى الطلبة ويجمعهم على التفقه ويرتب لهم ما يأكلون [6] ، ويسعى لهم في الرزق، خصوصا الواردين من النّواحي، فصار أكثر الطلبة بالقاهرة تلامذته، وتخرّج به خلق كثير، وكان حسن التعليم، لين الجانب، متواضعا، بشوشا، متعبدا، متقشفا، مطّرح التكلّف، وقد عيّن للقضاء فتوارى، وذكر أنه فتح المصحف فخرج: قال رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ 12: 33
__________
[1] قلت: قاله في الورقة (48/ 1) من كتابه «الذيل التام على دول الإسلام» ويقصد بذلك كتابه «الضوء اللامع» .
[2] وتعرف الآن: ب- «دلهي» وهي عاصمة دولة الهند الآن كما كانت في السابق.
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» و «إنباء الغمر» (4/ 144- 147) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 1- 4) وقد ذكره المؤلف فيمن مات سنة (802 هـ) . انظر ص (27) .
[5] وجاء في «الضوء اللامع» ما نصه: «وقال مرة حين سئل عنه: لا أدري يعني تحقيقا» .
[6] كذا في «آ» و «إنباء الغمر» وفي «ط» : «ما يأكلونه» .(9/12)
[يوسف: 33] ولم يزل مستمرا على طريقته وإفادته ونفعه إلى أن حجّ، فمات راجعا في المحرّم بعيون القصب بالقرب من عقبة إيلة ودفن هناك.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن إبراهيم بن عبد العزيز بن علي الموصلي الأصل الدّمشقي ابن الخبّاز [1] ، نزيل الصّالحية.
قال في «إنباء الغمر» : سمع من أبي بكر بن الرّضي، وزينب بنت الكمال، وغيرهما، وحدّث. سمع منه صاحبنا الحافظ غرس الدّين وأظنه استجازه لي، ومات في شهر ربيع الأول عن بضع وثمانين سنة. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن محمد العبّادي الحنفي [2] .
تفقّه على السّراج الهندي، وفضل، ودرّس، وشغل، ثم صاهر القليجي، وناب في الحكم، ووقّع على القضاة [3] . ودرّس بمدرسة النّاصر حسن، وكان يجمع الطلبة ويحسن إليهم، وحصلت له محنة مع السّالمي، وأخرى مع الملك الظّاهر. وتوفي في ثامن أو تاسع عشر ربيع الآخر.
وفيها أحمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن مروان الشّيباني البعلبكي ثم الصّالحي [4] ، أحد رواة «الصحيح» عن الحجّار. وسمع أيضا من [5] غيره، وله إجازة من أبي بكر بن محمد بن عنتر السّلمي وغيره، وحدّث، ومات في ذي الحجّة.
وفيها القاضي برهان الدّين أحمد بن عبد الله السّيواسي [6] الحنفي، قاضي سيواس.
__________
[1] «إنباء الغمر» (4/ 36) و «الضوء اللامع» (1/ 195) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 39) و «الدّرر الكامنة» (1/ 112) ولم يذكر فيه سنة وفاته، و «الطبقات السنية» (1/ 288) و «الدليل الشافي» (1/ 36) و «الضوء اللامع» (1/ 262) .
[3] في «ط» : «القضاء» .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 309) .
[5] في «ط» : «منه» .
[6] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 40) و «الدّرر الكامنة» (1/ 344) وفيه وفاته أواخر سنة (800) و «الضوء اللامع» (1/ 370) و «الطبقات السّنية» (1/ 374) .(9/13)
قدم حلب، واشتغل بها، ودخل القاهرة، ورجع إلى سيواس فصاهر صاحبها، ثم عمل عليه حتّى قتله، وصار حاكما بها، وقد قتل في المعركة لما نازله التتار الذين كانوا بأذربيجان، وكان جوادا فاضلا. وله نظم.
وفيها القاضي عماد الدّين أبو عيسى أحمد بن عيسى بن موسى بن جميل المعيريّ [1]- بكسر الميم، وسكون العين المهملة، وفتح التحتية، وآخره راء، نسبة إلى معير بطن من بني أسد [2]- الكركي العامري الأزرقي الشّافعي.
ولد في شعبان سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وحفظ «المنهاج» واشتغل بالفقه وغيره، وسمع الحديث من التبّاني [3] وغيره، وسمع بالقاهرة من أبي نعيم بن الحافظ تقي الدّين عبيد الإسعردي وغيره، وحدّث ببلده قديما سنة ثمان وثمانين، ولما قدم القاهرة قاضيا خرّج له الحافظ أبو زرعة «مشيخة» سمعها عليه الحافظ ابن حجر، وكان أبوه قاضي الكرك، فلما مات استقرّ مكانه وقدم القاهرة سنة اثنتين وسبعين، ثم قدمها سنة اثنتين وثمانين.
وكان كبير القدر في بلده، محبّبا إلى أهلها بحيث لا يصدرون إلّا عن رأيه، فاتفق أن الظّاهر لما سجن في الكرك قام هو وأخوه علاء الدّين علي في خدمته، فحفظ لهما ذلك، فلما تمكّن أحضرهما إلى القاهرة وولّى عماد الدّين قضاء الشافعية، وعلاء الدّين كتابة السرّ، وذلك في رجب سنة اثنتين وتسعين [4] ، فباشر بحرمة ونزاهة، واستكثر من النوّاب وشدّد في ردّ رسائل الكبار، وتصلب في الأحكام فتمالؤوا عليه، فعزل في أواخر سنة أربع وتسعين، واستمرت عليه وظائف كثيرة، ثم شغرت خطابة الأقصى وتدريس الصّلاحية سنة تسع وتسعين، فقررهما عليه السّلطان، وباشرهما بالقدس، وانجمع عن الناس، وأقبل على العبادة
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 41) و «الضوء اللّامع» (2/ 60) .
[2] وفي «الضوء اللامع» «المقيري» : بضم الميم، ثم قاف مفتوحة، وآخره راء مصغر نسبة للمقيري قرية من أعمال الكرك» .
[3] في «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «البياني» .
[4] كذا في «آ» و «الضوء اللامع» : «اثنتين وتسعين» وفي «ط» و «إنباء الغمر» : «اثنتين وسبعين» .(9/14)
والتّلاوة إلى أن مرض، فنزل عن خطابة القدس لولده شرف الدّين عيسى، ثم مات في سابع عشري [1] ربيع الأول.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن السلّار الصّالحي [2] ابن أخي الشيخ ناصر الدّين إبراهيم.
ولد سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وأحضر على أبي العبّاس بن الشّحنة، وأجاز له أيوب بن نعمة الكحّال، والشّرف بن الحافظ، وعبد الله بن أبي التّائب، وآخرون. وحدّث، فسمع منه الحافظ غرس الدّين، وأجاز لي [3] ، وتوفي في أواخر ذي الحجّة.
وفيها تاج الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن البلبيسي الشافعي الخطيب [4] .
ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، واشتغل، وتفقه، ولم يحصل له من سماع الحديث ما يناسب سنّه، لكنه لما جاور بمكة سمع من الكمال بن حبيب عدّة كتب، حدّث عنه بها ك- «معجم ابن قانع» و «أسباب النزول» و «جزء ابن ماجة» . وولي أمانة الحكم بالقاهرة، ودرّس بالجامع الخطيري، وخطب به، وناب في الحكم ببولاق، ومات في ربيع الأول.
وفيها ناصر الدّين أحمد بن جمال الدّين محمد بن شمس الدّين محمد بن رشيد الدّين محمد بن عوض الإسكندراني الزّبيري [5]- نسبة إلى الزّبير بن العوّام- المالكي.
قال ابن حجر: مهر [6] وفاق الأقران في العربية، وولي قضاء بلده، ثم قدم القاهرة، وظهرت فضائله، وولي قضاء المالكية بها فباشره بعفّة ونزاهة، وناب عنه البدر الدّماميني، وقال فيه من أبيات:
__________
[1] وفي رواية: «سابع عشر» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 44) و «الضوء اللامع» (2/ 105) .
[3] تحرفت هذه اللفظة في «آ» و «ط» إلى «والمعازفي» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 44- 45) و «الضوء اللامع» (2/ 123) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 46) و «الضوء اللامع» (2/ 192) .
[6] تحرفت في «ط» إلى «بهر» .(9/15)
وأجاد فكرك في بحار علومه ... سبحا لأنّك من بني العوّام
وكان عاقلا، متودّدا، موسّعا عليه في المال، سليم الصّدر، طاهر الذيل، قليل الكلام، لم يؤذ أحدا بقول ولا فعل، وعاشر النّاس بجميل فأحبوه، شرح «التسهيل» و «مختصر ابن الحاجب» ، وتوفي في أول شهر رمضان.
وفيها الملك الظّاهر برقوق بن آنص [1] بن عبد الله الجركسي العثماني [2] .
ذكر الخواجا عثمان الذي أحضره من بلاد الجركس أنه اشتراه منه يلبغا الكبير، واسمه حينئذ الطنبغا، فسمّاه برقوقا لنتوء في عينيه، فكان في خدمة يلبغا من جملة المماليك الكتابية، ثم كان فيمن نفي إلى الكرك بعد قتل يلبغا، ثم اتصل بخدمة منجك نائب الشام، ثم حضر معه إلى مصر، ثم اتصل بخدمة الأشرف شعبان، فلما قتل الأشرف ترقى برقوق إلى أن أعطي إمرة أربعين، وكان هو وجماعة من إخوته في خدمة إينبك [3] ثم [4] ، لما قام طلقتمر [5] على اينبك، وقبض عليه ركب بركة، وبرقوق ومن تابعهما على المذكور، وأقاما طشتمر العلائي مدبرا لمملكة أتابكا واستمروا [6] في خدمته إلى أن قام عليه مماليكه في أواخر سنة تسع وسبعين، فآل الأمر إلى استقلال بركة وبرقوق في تدبير المملكة بعد القبض على طشتمر، فلم تطل الأيام حتّى اختلفا وتباينت أغراضهما، وقد سكن برقوق في الاصطبل السلطاني، وأول شيء صنعه أن قبض على ثلاثة من أكابر الأمراء كانوا من أتباع بركة، فبلغه ذلك، فركب على برقوق، ودام الحرب بينهما أياما، إلى أن قبض على بركة وسجنه بالإسكندرية، وانفرد برقوق بتدبير المملكة إلى أن دخل شهر رمضان سنة أربع وثمانين، تم له أمر الاستقلال [7] بالملك فجلس على تخت
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن أنس» وما أثبته من مصادر الترجمة.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 50) و «الضوء اللامع» (3/ 10- 11) و «الدليل الشافي» (1/ 187) .
[3] كذا في «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» : «إينبك» وفي «الضوء اللامع» : «أيبك» .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «شم» بالشين.
[5] في «آ» و «ط» : «طلعتمر» بالعين والتصحيح من مصدري الترجمة.
[6] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «واشتهروا» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[7] في «ط» : «الأمر استقلالا» .(9/16)
الملك ولقّب الملك الظاهر، وبايعه الخليفة وهو المتوكل محمد بن المعتضد، والقضاة، والأمراء، ومن تبعهم، وخلعوا الصّالح حاجي بن الأشرف، وأدخل به إلى دور أهله بالقلعة، واستمرّ في الملك إلى وفاته، وجرت عليه أتعاب، وكان شهما شجاعا، ذكيا، خبيرا بالأمور، عارفا بالفروسية، خصوصا اللعب بالرّمح، يحب الفقراء ويتواضع لهم، ويتصدق كثيرا ولا سيما إذا مرض، وأبطل في ولايته كثيرا من المكوس، وضخم ملكه حتّى خطب له على منابر توريز [1] ، وضربت الدنانير والدراهم فيها باسمه، وعلى منابر ماردين والموصل وسنجار وغير ذلك، وكان جهوري الصوت، كبير اللّحية، واسع العينين، محبّا لجمع المال، طمّاعا، جدا.
ومن آثاره المدرسة القائمة بين القصرين بالقاهرة، لم يتقدم بناء مثلها، وعمل جسر الشريعة وانتفع به المسافرون كثيرا. وفي ذلك يقول شمس الدّين محمد المزيّن:
بنى سلطاننا للنّاس جسرا ... بأمر والوجوه له مطيعة
مجازا في الحقيقة للبرايا ... وأمرا بالسّلوك على الشّريعه
وبالجملة فإنه كان أعظم ملوك الجراكسة بلا مدافعة، بل المتعصب يقول:
إنه أعظم ملوك الترك قاطبة.
وتوفي على فراشه ليلة نصف شوال بالقاهرة عن نحو ستين سنة، وترك من الذهب العين ألفي ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار، ومن الأثاث وغيره ما قيمته ألف ألف دينار [2] وأربعمائة ألف دينار [2] . قاله المقريزي.
وعهد بالسلطنة إلى ابنه فرج ولده يومئذ عشر سنين.
وفيها الشيخ الصّالح عبد الله بن سعد بن عبد الكافي المصري ثم المكّي
__________
[1] انظر «تقويم البلدان» ص (400) .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .(9/17)
المعروف بالحرفوش [1] ، صاحب كتاب «الحريفيش» في الوعظ.
كان رجلا عالما زاهدا صوفيا واعظا، مشهورا بالخير، وللناس فيه اعتقاد زائد، ويخبر بأشياء فتقع كما يقول. وجاور بمكة أكثر من ثلاثين سنة، ومات في أول هذه السنة.
وفيها ستّ القضاة بنت عبد الوهاب بن عمر بن كثير [2] ابنة أخي الحافظ عماد الدّين.
حدّثت بالإجازة عن القاسم بن عساكر وغيره من الشيوخ الشام، وعن علي الواني وغيره من شيوخ مصر، وخرّج لها صلاح الدّين «أربعين حديثا» عن شيوخها.
وتوفيت في جمادى الآخرة وقد جاوزت الثمانين.
وفيها صفية بنت القاضي عماد الدّين إسماعيل بن محمد بن العزّ الصّالحية [3] .
ولي أبوها القضاء، وحدّثت هي بالإجازة عن الحجّار، وأيوب الكحّال، وغيرهما، وسمعت من عبد القادر الأيوبي، وماتت في المحرّم.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن شهاب الدّين أحمد بن صالح بن أحمد بن خطّاب الزّهري الشافعي [4] .
ولد في جمادى الآخرة سنة تسع وستين، وحفظ «التمييز» وأذن له أبوه في الإفتاء، ودرّس بالقليجية وغيرها، وناب في الحكم، وكان عالي الهمّة.
توفي في المحرّم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 63) و «الضوء اللامع» (5/ 20) و «العقد الثمين» (5/ 171) و «إتحاف الورى» ص (417) .
[2] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 60) و «الضوء اللامع» (12/ 57) و «أعلام النساء» (2/ 164) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 64- 62) و «أعلام النساء» (2/ 331- 332) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 62) و «الضوء اللامع» (5/ 7) .(9/18)
وفيها جمال الدّين عبد الله بن أبي عبد الله السّكوني [1]- بفتح السين المهملة وضم الكاف وفي آخره نون، نسبة إلى سكون بطن من كندة- المالكي، أحد المدرسين في مذهبه.
كان بارعا في العلم، مع الدّين والخير، ودرّس بالأشرفية.
وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن الموفق إسماعيل بن أحمد الصّالحي المعروف بابن الذّهبي الحنبلي [2] ناظر المدرسة الصّلاحية بالصّالحية.
حدّث عن ابن أبي النائب، ومحمد بن أيوب بن حازم، وزينب بنت الكمال، وأجاز له الحجّار، وأجاز هو للشهاب بن حجر. وقال: بلغني أنه تغيّر بآخرة، ولم يحدّث في حال تغيره.
وتوفي في جمادى الأولى وقد جاوز السبعين.
وفيها صدر الدّين عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن داود الكفري الشافعي [3] .
عنى بالفقه، وناب في الحكم في دمشق، ومات بها في المحرم عن أربعين سنة، وكانت له همّة في طلب الرئاسة. قاله ابن حجر.
وفيها عبد الرحمن بن موسى بن راشد بن طرخان الملكاوي [4] ابن أخي الشيخ شهاب الدّين الشافعي.
اشتغل بالفقه، وحفظ «المنهاج» ونظر في الفرائض، واعترته في آخر أمره غفلة، وكان مع ذلك حافظا لأمره، وتوفي في المحرم ولم يكمل الخمسين.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 63) و «الضوء اللامع» (5/ 20) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 64) و «الضوء اللامع» (4/ 45) و «المقصد الأرشد» (2/ 82) و «الجوهر المنضد» ص (53) و «القلائد الجوهرة» ص (425) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 65) و «الضوء اللامع» (4/ 89) وفيه: «الكفيري» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 66) .(9/19)
وفيها علي بن أحمد بن الأمير بيبرس [1] الحاجب المعروف بأمير علي بن الحاجب المقرئ.
تلا بالسبع، وكان حسن الأداء، مشهورا بالمهارة في العلاج، يقال: عالج بمائة وعشرة أرطال.
مات في ربيع الآخر وقد شاخ. قاله ابن حجر.
وفيها علي بن أيبك بن عبد الله الدمشقي الشاعر [2] .
اشتهر بالنّظم، وكان له إلمام بالتاريخ، وعلّق «تاريخا» لحوادث زمانه.
ومن شعره:
كأنّ الرّاح لمّا راح يسعى ... بها في الرّاح ميّاس القوام
سنا المرّيخ في كفّ الثّريّا ... يحيّينا به بدر التّمام
ومنه:
مليح قام يجذب غصن بان ... فمال الغصن منعطفا عليه
وميل الغصن نحو أخيه طبع ... وشبه الشّيء منجذب إليه
وأجاز ابن حجر العسقلاني.
وتوفي في ثاني عشر ربيع الأول عن اثنتين وسبعين سنة.
وفيها عمر بن سراج الدّين عبد اللطيف بن أحمد المصري الفيّومي الشافعي [3] ، نزيل حلب.
تفقه بالقاهرة على السّراج البلقيني وغيره، ثم رحل إلى حلب، فولي بها قضاء العسكر، ثم عزل، وكان فقيها بارعا في الفرائض، مشاركا في بقية العلوم.
وله نظم ونثر [4] ، وخمّس البردة.
__________
[1] ترجمته في «أنباء الغمر» (4/ 67) و «الوضوء اللامع» (5/ 165) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 67) و «الضوء اللامع» (5/ 194) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 74) و «الضوء اللامع» (4/ 324) . وفيه: «عبد اللطيف ابن أحمد» .
[4] في «ط» : «وله نثر ونظم» .(9/20)
ومن شعره:
دع منطقا فيه الفلاسفة الألى ... ضلّت عقولهم ببحر مغرق
واجنح إلى نحو البلاغة واعتبر ... إنّ البلاء موكّل بالمنطق
ومنه فيما يحيض من الحيوان الناطق وغيره:
المرأة والخفّاش ثمّ الأرنب ... والضّبع الرّابع ثمّ المرآب
وفي كتاب «الحيوان» يذكر للجاحظ: أنكر عنه ما لا ينكر.
قتل في أواخر المحرم في خان غباغب خارج دمشق وهو قاصد الديار المصرية.
وفيها قنبر بن عبد الله العجمي الشّرواني الأزهري الشافعي [1] .
اشتغل في بلده، وقدم الديار المصرية فأقام بالجامع الأزهر، وكان معرضا عن الدنيا، قانعا باليسير، يلبس صيفا وشتاء قميصا ولبادا، وعلى رأسه كوفية لبد لا غير، وكان لا يتردد إلى أحد، ولا يسأل من أحد شيئا، وإذا فتح عليه بشيء ما أنفقه على من حضر، وكان يحبّ السّماع والرقص، ويتنزه في أماكن النّزهة على هيئته، ومهر في الفنون العقلية، وتصدّر بالجامع الأزهر، واشتغل، وكان حسن التقرير، جيد التعليم.
قال ابن حجر: اجتمعت به مرارا، وسمعت درسه، وكان يذكر بالتّشيّع، وشوهد مرارا يمسح على رجليه من غير خف.
وتوفي في شعبان.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن أبي العزّ بن أحمد بن أبي العزّ بن صالح بن وهب الأذرعي الأصل الدمشقي الحنفي، المعروف بابن النشو [2] .
ولد سنة إحدى وعشرين، وأسمع من الحجّار، وإسحاق الآمدي،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 76) و «الضوء اللامع» (6/ 225) .
[2] ترجمته في «إنباء القمر» (4/ 80) .(9/21)
وعبد القادر بن الملوك، وغيرهم، وحدّث، وكان أحد العدول بدمشق، وتوفي في صفر.
وفيها شرف الدّين أبو بكر محمد بن عمر العجلوني [1] نزيل حلب، المعروف بابن خطيب سرمين.
أصله من عجلون، ثم سكن أبوه عزاز، وولي خطابة سرمين، وقرأ المترجم بحلب على الباريني، وسمع من ابن العجمي وغيره، ووعظ على الكرسي بحلب، وحجّ وجاور بمكّة مرارا، وسمع منه في مجاورته في هذه السنة ابن حجر، وكتب هو عن أبي عبد الله بن جابر الأعمى المغربي قصيدته البديعية [2] وحدّث بها عنه، وسمعها منه ابن حجر.
وتوفي بمكة في سادس عشر صفر.
وفيها بدر الدّين محمد بن أحمد بن موسى الدمشقي الرّشادي [3] الفقيه الشافعي.
اشتغل كثيرا ونسخ بخطّه الكثير، ودرّس، بالعصرونية، وكان منجّما قليل الشرّ.
أفتى ودرّس.
وتوفي في ربيع الأول وقد جاوز الأربعين.
وفيها الملك المنصور محمد بن الملك المظفّر حاجي بن النّاصر محمد بن قلاوون الصّالحي [4] .
ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وولي السلطنة بعد عمّه النّاصر حسن في جمادى الأولى سنة اثنتين وستين، ودبّر دولته يلبغا، وسافر معه إلى الشام، وكان عمره إذ ذاك نحو خمس عشرة سنة، فترعرع بعد أن رجع من السفر، وكثر أمره ونهيه، فخشي يلبغا منه، فأشاع أنه مجنون، وخلعه من السلطنة في شعبان سنة
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 80) و «الضوء اللامع» (7/ 33) و «العقد الثمين» (1/ 363) .
[2] في «ط» : «البديعة» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 82) و «الضوء اللامع» (7/ 114) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 83) و «الضوء اللامع» (7/ 216) و «الدليل الشافي» (2/ 611) .(9/22)
أربع وستين، فكانت مدة سلطنته ثلاث سنين وشهرين وخمسة أيام، واعتقل بالحوش في المكان الذي به ذرّيّة الملك الناصر إلى أن مات في تاسع محرم هذه السنة، وخلّف عشرة أولاد، وقرّر لهم الملك الظّاهر مرتبا.
وفيها نسيم الدّين أبو عبد الله محمد بن سعيد بن مسعود بن محمد بن علي النّيسابوري ثم الكازروني [1] الفقيه الشافعي.
نشأ بكازرون، وكان يذكر أنه من ذرّيّة أبي علي الدّقّاق، وأنه ولد سنة خمس وثلاثين وسبعمائة، وأن المزّي أجاز له، واشتغل بكازرون على أبيه، وبرع في العربية، وشارك في الفقه وغيره مشاركة حسنة، مع عبادة ونسك وخلق رضيّ.
وحجّ وأقام بمكّة مدة طويلة، ثم حجّ سنة اثنتين وثمانين، وجاور بمكة أيضا نحو ست عشرة سنة، وكان حسن التعليم، غاية في الورع، وانتفع به أهل مكّة وغيرهم.
قال السيوطي: وروى لنا عنه جماعة من شيوخنا المكّيّين.
وتوفي ببلده في هذه السنة.
وفيها أمين الدّين محمد بن علي بن عطاء الدمشقي [2] .
كان فاضلا، بارعا [3] في التصوف والعقليات، درّس بالأسدية. وكان يسجل على القضاة وإليه النّظر على وقف جدّه الصّاحب شهاب الدّين بن تقي الدّين مات في ذي الحجّة.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن علي بن ضرغام بن عبد الكافي البكري بن سكر [4]- بضم المهملة وتشديد الكاف- الحنفي المصري، نزيل مكة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 84) و «الضوء اللامع» (10/ 21) و «بغية الوعاة» (1/ 113) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 86) و «الضوء اللامع» (8/ 196) .
[3] في «ط» : «فارعا» وهو خطأ.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 86) و «الضوء اللامع» (8/ 196) و «غاية النهاية» (2/ 207) و «العقد الثمين» (2/ 201) .(9/23)
ولد سنة ثمان عشرة وسبعمائة، وطلب الحديث والقراءات، وسمع ما لا يحصى ممن لا يحصى، وجمع شيئا كثيرا، بحيث كان لا يذكر له «جزء» حديثي إلّا ويخرّج سنده من ثبته عاليا أو نازلا. وذكر أن سبب كثرة مروياته وشيوخه أنه كان إذا قدم الركب مكّة طاف على الناس في رحالهم ومنازلهم يسأل من له رواية أو حظ من علم، فيأخذ عنه مهما استطاع، وكتب بخطّه ما لا يحصى من كتب الحديث، والفقه، والأصول، والنحو، وغيرها. وخطّه رديء، وفهمه بطيء، وأوهامه كثيرة.
قال ابن حجر: سمعت منه بمكة وقد أقرأ القراءات بها وتغير بأخرة تغيّرا يسيرا. وكان ضابطا للوفيات، محبا للمذاكرة.
مات في صفر. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن يعقوب الشّافعي النّابلسي الأصل، نزيل حلب [1] .
ولد سنة بضع وخمسين وسبعمائة، وكان فقيها مشاركا في العربية والميقات، وحفظ أكثر «المنهاج» و «التمييز» للمازري، وأكثر «الحاوي» و «العمدة» و «الشّاطبية» و «التسهيل» و «مختصر ابن الحاجب» و «منهاج البيضاوي» وغيرها.
وكان يكرّر عليها.
قال البرهان المحدّث بحلب: كان سريع الإدراك، محافظا على الطّهارة، سليم اللّسان، صحيح العقيدة، لا أعلم بحلب أحدا من الفقهاء على طريقته.
مات في تاسع عشر ربيع الآخر.
وفيها بدر الدّين محمد بن جمال الدّين محمد بن أحمد بن طوق الطّواويسي [2] الكاتب.
سمع بعناية زوج أخته الحافظ شمس الدّين الحسيني من أصحاب الفخر
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 88) و «الضوء اللامع» (8/ 225) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 89) و «الضوء اللامع» (9/ 5) .(9/24)
وغيرهم، وحدّث عن زينب بنت الخبّاز وغيرها، وأجاز له جماعة، وباشر ديوان الإنشاء مع الشّهرة بالأمانة.
وتوفي في آخر ذي الحجّة وقد قارب التسعين.
وفيها بدر الدّين محمود بن عبد الله الكلستاني [1] نسبة إلى الكلستان، لأنه كان في مبدأ أمره يقرأ كتاب سعدي [2] العجمي، المعروف بالكلستاني السّرائي نسبة إلى مدينة من مدن الدّشت الحنفي كاتب السرّ بالدّيار المصرية.
اشتغل ببلاده ثم ببغداد، وقدم دمشق خاملا، ثم قدم مصر، فحصل له نوع يسر وظهور لقربه عند الجوباني، فلما ولي نيابة الشام قدم معه، وولي تدريس الظّاهرية، ثم ولي مشيخة الأسدية بعد الياسوفي، وأعطى تصدير الجامع الأموي، ثم رجع إلى مصر فأعطاه الظّاهر وظائف كانت لجمال الدّين محمود القشيري، فلما رضي عن جمال الدّين استعاده بعضها، منها تدريس الشيخونية، ثم لما سار السلطان إلى حلب احتاج إلى من يقرأ له كتابا بالتّركي، ورد عليه من اللّنك فلم يجد من يقرؤه، فاستدعى به، وكان قد صحبهم في الطريق، فقرأه، وكتب الجواب فأجاد، فأمره السلطان أن يكون صحبته إلى أن ولّاه كتابة السرّ فباشرها [3] بحشمة ورئاسة، وكان يحكي عن نفسه أنه أصبح ذلك اليوم لا يملك الدرهم الفرد، فما أمسى ذلك اليوم إلّا وعنده من الخيل والبغال والجمال والمال والمماليك والملبوس والآلات ما لا يوصف كثرة، وكان حسن الخطّ جدا مشاركا في النّظم والنثر والفنون، مع طيش وخفّة.
وتوفي في خامس جمادى الأولى وخلّف أموالا جمّة يقال إنها وجدت بعده مدفونة في كراسي المستراح. قاله ابن حجر.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 92) و «الضوء اللامع» (10/ 136) و «الدليل الشافي» (2/ 726) .
[2] في «ط» : «سعد» .
[3] في «ط» : «وباشرها» .(9/25)
سنة اثنتين وثمانمائة
في آخر شوال وقع بالحرم المكّي حريق عظيم أتى على نحو ثلثه واحترق من العمد الرخام مائة وثلاثون عمودا صارت كلسا والذي احترق من باب العمرة إلى باب حزورة.
وفيها توفي إبراهيم بن عبد الرحمن بن سليمان السرائي الشافعي [1] .
قدم القاهرة، وولي مشيخة الرّباط بالبيرسية، وكان يعرف بإبراهيم شيخ، واعتنى بالحديث كثيرا، ولازم الشيخ زين الدّين العراقي، وحصّل النّسخ الحسنة، واعتنى بضبطها وتحسينها، وكان يحفظ «الحاوي» ويدرّس غالبه، مع الخير والدّين، ومن لطائف قوله: كان أول خروج تمرلنك في سنة (عذاب) يشير [إلى] [2] أن أول [3] ظهوره سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وكان يحسن عمل صنائع عديدة، مع الدّين والصّيانة.
وتوفي في ربيع الأول.
وفيها إبراهيم بن محمد بن عثمان بن إسحاق الدّجوي- بضم الدال المهملة وسكون الجيم وبالواو، نسبة إلى دجوة قرية على شط النّيل الشرقي على بحر رشيد- ثم المصري [4] النّحوي.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 143) و «الضوء اللامع» (1/ 58) .
[2] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف.
[3] لفظة «أول» سقطت من «ط» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 144) و «الضوء اللامع» (1/ 153) و «بغية الوعاة» (1/ 427) وفيه وفاته سنة (830 هـ) .(9/26)
قال ابن حجر: أخذ عن الشّهاب بن المرحّل، والجمال بن هشام، وغيرهما. ومهر في العربية، وأشغل الناس فيها. وكان جلّ ما عنده حلّ «الألفية» .
وفيه دعابة.
مات في ربيع الأول وقد بلغ الثمانين.
وفيها برهان الدّين أبو محمد إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي [1] الشافعي، نزيل القاهرة.
ولد سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وسمع من الوادي آشي، وأبي الفتح الميدومي، ومغلطاي، وبه تخرّج، وغيرهم، واشتغل في الفقه، والحديث، والأصول، والعربية، وتفقه بالإسنوي، والمنفلوطي، وغيرهما. ودرّس بعدة أماكن، واتخذ بظاهر القاهرة مدرسة فأقام بها يحسن إلى الطلبة ويجمعهم على الفقه، ورتّب لهم ما يأكلون، وسعى لهم في الأرزاق، حتّى صار كبار الطلبة بالقاهرة من تلامذته، وممن أخذ عنه الفقه ابن حجر العسقلاني.
وكان متقشفا، عابدا، طارحا للتكلف، وعين للقضاء فتوارى، وتفاءل بالمصحف خرج له قال رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ 12: 33 [يوسف: 33] ، ولم يزل على طريقته الحسنة إلى أن حجّ، فتوفي راجعا في المحرّم، ودفن بعيون القصب، ورثاه الزّين العراقي بأبيات دالية.
وفيها القاضي برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن قاضي القضاة نصر الله ناصر الدّين أبي الفتح بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد العسقلاني الأصل ثم المصري الكناني [2] الحنبلي. الإمام العالم.
ولد في رجب سنة ثمان وستين وسبعمائة، وأخذ العلم عن أبيه وغيره، ونشأ على طريقة حسنة، وناب عن والده، ثم استقلّ بالقضاء في الديار المصرية بعد
__________
[1] تنبيه: سبق أن ترجم له المؤلف في سنة (801 هـ) ص (12) من هذا المجلد فلتراجع.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 184) و «الضوء اللامع» (1/ 179) و «المقصد الأرشد» (1/ 239) و «الدليل الشافي» (1/ 30) .(9/27)
وفاة والده في شعبان سنة خمس وتسعين، وسلك مسلك والده في العقل والمهابة والحرمة، وكان الظّاهر برقوق يعظّمه.
قال ابن حجر: كان خيّرا، صيّنا، وضيء الوجه، ولم يزل على ولايته إلى أن توفي يوم السبت تاسع ربيع الأول، ودفن عند والده بتربة القاضي موفق الدّين، وهو والد قاضي القضاة عزّ الدّين الكناني.
وفيها جلال الدّين أحمد بن نظام الدّين إسحاق بن مجد الدّين بن عاصم سعد الدّين محمد الأصبهاني [1] الحنفي، المعروف بالشيخ أصلم [2] .
ولد في حدود الستين وسبعمائة، ونشأ بالقاهرة، وتفقه بوالده وغيره، وولي مشيخة سرياقوس، وسار فيها سيرة جيدة إلى الغاية، وكان جميلا، فصيحا، مهابا، بهيا، وله فضل وإفضال ومكارم، وكان له خصوصية عند الملك الظّاهر برقوق أولا، ثم تنكّر له وعزله عن مشيخة سرياقوس، ثم أعيد إليها بعد موته إلى أن مات.
قال العيني: كان ينسب إلى معرفة علم الحرف وليس بصحيح، وكان يجمع من أموال الخانقاه ويطعم الناس من غير استحقاق، وكان يجمع في مجلسه ناسا أراذل وأصحاب ملاهي. انتهى.
وتوفي بالخانقاه المذكورة خامس عشري ربيع الآخر.
وفيها أبو الخير أحمد بن خليل بن كيكلدي العلائي المقدسي [3] .
قال ابن حجر: سمع بإفادة أبيه من الكبار، كالحجّار وغيره من المسندين، والمزّي، وغيره من الحفّاظ بدمشق، ورحل به إلى القاهرة، فأسمعه من أبي حيّان، ومن عدّة من أصحاب النّجيب، وسكن بيت المقدس إلى أن صار من
__________
[1] في «آ» و «ط» : «أحمد بن نظام الدّين إسحاق بن مجد الدّين محمد بن سعد الدّين عاصم» وما أثبته من «إنباء الغمر» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 148) و «الضوء اللامع» (1/ 226) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 149) و «الضوء اللامع» (1/ 296) .(9/28)
أعيانه، وكانت الرحلة في سماع الحديث بالقدس إليه، فحدّث بالكثير، وظهر له في أواخر عمره سماع ابن ماجة على الحجّار رحلت إليه من القاهرة بسببها في هذه السنة، فبلغني وفاته وأنا بالرّملة فعرّجت عن القدس إلى الشام، وكان موته في ربيع الأول وله ست وسبعون سنة، وقد أجاز لي غير مرّة. انتهى.
وفيها أحمد بن عبد الخالق بن محمد بن خلف الله المجاصي [1]- بفتح الميم والجيم مخففا إحدى قرى العرب-. وكان شاعرا ماهرا، طاف البلاد، وتكسّب بالشعر، وله مدائح وأهاجي كثيرة.
مات بالقاهرة في ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين.
وفيها جمال الدّين أحمد بن علي بن محمد بن علي بن يوسف الدمشقي الحنفي، المعروف بابن عبد الحقّ، ويعرف قديما بابن قاضي الحصن [2] ، وعبد الحق هو جدّه لأمّه [3] ، وهو ابن خلف الحنبلي.
سمع الكثير بإفادة جدّه لأمّه من محمد بن أبي النائب، وعائشة بنت المسلم الحرّانية، والمزّي، وخلق كثير من أصحاب ابن عبد الدائم.
قال ابن حجر: سمعت عليه كثيرا أو كان قد تفرّد بكثير من الروايات، وكان عسرا في التحديث.
مات في ثاني ذي الحجّة وقد جاوز السبعين.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي [4] .
قال ابن حجر: سمع من العزّ محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر، وغيره، ولي منه إجازة، وتوفي في المحرم وله إحدى وستون سنة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 152) و «الضوء اللامع» (1/ 324) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 152) و «الضوء اللامع» (2/ 33) و «الطبقات السنية» (1/ 405) .
[3] في «الضوء اللامع» : «جدّ جدّه لأمّه» وهو خطأ.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 153) و «الضوء اللامع» (2/ 74) و «السحب الوابلة» ص (90) .(9/29)
وفيها أبو طاهر أحمد بن محمد الأخوي الخجندي الحنفي [1] ، نزيل المدينة، الإمام العلّامة.
حدّث بجزء عن عزّ الدين بن جماعة، وأشغل الناس بالمدينة أربعين سنة، وانتفع به لدينه وعلمه، وتوفي وقد جاوز الثمانين.
وفيها القاضي مجد الدّين إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن موسى قاضي القضاة الكنانيّ البلبيسيّ [2] الحنفي، قاضي مصر.
ولد ليلة السابع من شعبان سنة تسع وعشرين وسبعمائة، وسمع من عبد الرحمن بن عبد الهادي، وعبد الرحمن ابن الحافظ المزّي، وصدر الدّين الميدومي، وخلائق، وتفقه فبرع في الفقه، والأصلين، والفرائض، والحساب، والأدب وشارك في عدة علوم، كالحديث، والنحو، والقراءات [3] ، وباشر في مبدأ أمره توقيع الحكم مدة طويلة، ثم ولي نيابة الحكم بالقاهرة مرارا ثم استقلّ بقضاء قضاء الحنفية بها، وكان إماما، بارعا، متفننا [4] ، فكه المحاضرة، بهج الزّي، له يد في النّظم والنثر، وله ديوان شعر في مجلد منه:
إن كنت يوما كاتبا لرقعة ... تبغي بها نجح وصول الطّلب
إياك أن تغرب في ألفاظها ... فتكتسي حرفة أهل الأدب.
ومنه:
لا تحسبنّ الشّعر فضلا بارعا ... ما الشّعر إلّا محنة وخبال
فالهجو قذف والرّثاء نياحة ... والعتب ضغن والمديح سؤال
قال المقريزي: وشعره كثير وأدبه غزير، وفضله جمّ غير يسير، ولقد صحبته
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 154) و «الضوء اللامع» (2/ 194) و «الطبقات السّنية» (2/ 89) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 158) و «الضوء اللامع» (2/ 286) و «الطبقات السّنية» (2/ 175- 176) و «حسن المحاضرة» (1/ 472) .
[3] في «آ» : «والقرآن» .
[4] في «آ» : «مفننا» .(9/30)
مدة أعوام وأخذت عنه فوائد، وكان لي به أنس وللناس بوجوده جمال إلّا أنه امتحن بالقضاء في دنياه كما امتحن به ابن ميلق في دينه، وكان في ولايتهما كما قال الآخر:
تولّاها وليس له عدوّ ... وفارقها، وليس له صديق [1]
انتهى.
وتوفي في أول ربيع الأول.
وفيها بركة بنت سليمان بن جعفر الأسنائي [2] ، زوج القاضي تقي الدّين الأسنائي.
سمعت على عبد الرحمن بن عبد الهادي، وحدّثت وماتت في سلخ المحرم.
وفيها خديجة بنت العماد أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر الخليلية [3] ثم الصّالحية [4] . قاله ابن حجر.
روت عن عبد الله بن قيم الضيائية وماتت في أواخر السنة ولي منها إجازة.
وفيها سليمان بن أحمد بن عبد العزيز الهلالي المغربي ثمّ المدني المعروف بالسقا [5] .
قال ابن حجر: سمع من محمد بن علي الجزري، وفاطمة بنت العزّ إبراهيم، وابن الخبّاز، وغيرهم. وحدّث. سمعت منه بالمدينة الشريفة، وكان باشر أوقاف الصّدقات بالمدينة وسيرته مشكورة، ثم أضرّ بأخرة.
ومات في أواخر هذه السنة وقد ناهز الثمانين. انتهى.
__________
[1] في «ط» : «صدوق» .
[2] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 161) و «الضوء اللامع» (12/ 13) و «أعلام النساء» (1/ 128) .
[3] في «آ» و «ط» : «الحينية» وما أثبته من «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» وفي «أعلام النساء» :
«الحلبية» وهو خطأ فليصحح.
[4] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 162) و «الضوء اللامع» (12/ 27) و «أعلام النساء» (1/ 324) .
[5] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 163) و «الضوء اللامع» (3/ 260) و «التحفة اللطيفة» (2/ 175) .(9/31)
وفيها سراج الدّين عبد اللطيف بن أحمد الفوي الشافعي [1] نزيل حلب.
ولد سنة أربعين وسبعمائة تقريبا، وقدم القاهرة، واشتغل بالفقه على الإسنوي وغيره، وأخذ الفرائض عن صلاح الدّين العلائي فمهر فيها، ثم دخل حلب، فولي قضاء العسكر، ثم عزل، ثم ولي تدريس الظّاهرية، ثم نوزع في نصفها، وكان يقرئ في محراب الجامع الكبير، ويذكر الميعاد بعد صلاة الصبح في محراب الحنابلة، وكان ماهرا في علم الفرائض، مشاركا في غيرها، وله نظم ونثر ومجاميع. طارح الشيخ زاده لما قدم عليهم بنظم ونثر فأجابه، ولم يزل مقيما بحلب إلى أن خرج منها طالبا القاهرة، فلما وصل خان غباغب أصبح مقتولا وذهب دمه هدرا.
وفيها عبد اللطيف بن أبي بكر بن أحمد بن عمر الشّرجي [2]- بفتح المعجمة وسكون الراء، بعدها جيم- نزيل زبيد.
كان عارفا بالعربية، مشاركا في الفقه، ونظم «مقدمة ابن بابشاذ» في ألف بيت وشرح ملحة الأعراب، وله تصنيف في النجوم.
قال ابن حجر: كان حنفي المذهب اجتمعت به بزبيد، وسمع علي شيئا من الحديث، وكان السلطان الأشرف يشتغل عليه، وأنجب ولده أحمد. انتهى.
وفيها عبد المنعم بن عبد الله المصري الحنفي [3] .
اشتغل بالقاهرة، ثم قدم حلب فقطنها، وعمل المواعيد، وكان يحفظ ما يلقيه في الميعاد دائما من مرّة أو مرتين، شهد له بذلك البرهان المحدّث. قال:
وكان يجلس مع الشهود، ثم دخل إلى بغداد، فأقام بها، ثم عاد إلى حلب فمات بها في ثالث صفر.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 165) و «الضوء اللامع» (4/ 324) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 167) و «الضوء اللامع» (4/ 325) و «بغية الوعاة» (2/ 107) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 168) و «الضوء اللامع» (5/ 88) .(9/32)
وفيها علاء الدّين علي بن محمود بن أبي بكر بن إسحاق بن أبي بكر بن سعد الدّين بن جماعة الكناني الحموي بن القبّاني [1] .
اشتغل بحماة، ثم [2] قدم دمشق في حدود الثمانين وسبعمائة، وولي إعادة البادرائية، ثم تدريسها عوضا عن شرف الدّين الشّريشي، وكان ربما أمّ وخطب بالجامع الأموي، وكان يفتي، ويدرّس، ويحسن المعاشرة، وكان طويلا، بعيد ما بين المنكبين، حجّ مرارا، وجاور، وتوفي في ذي القعدة، وقد شارك علاء الدّين بن مغلي [3] قاضي حماة في اسمه واسم أبيه وجدّه ونسبه حمويا، وليس هو ابن مغلي فليعلم.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن أبي الفتح بن إدريس الدمشقي بن السّراج [4] ، أخو المحدّث عماد الدّين.
سمع من الحجّار «الصحيح» ، ومن محمد بن حازم، والمزّي، والبرزالي، والجزري، وغيرهم.
وتوفي في رجب وقد قارب الثمانين.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن محمد المصري [5] ، ويعرف بابن شيخ السنين الحنفي [6] .
برع في المذهب، ودرّس، وأفتى، وناب في الحكم، وأحسن في إيراد مواعيده بجامع الحاكم، وكتب الخطّ الحسن، وخرّج «الأربعين النووية» وجمع مجاميع مفيدة.
وتوفي في سلخ صفر في الأربعين وتأسف النّاس عليه.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 171) و «الضوء اللامع» (6/ 34) .
[2] لفظة «ثم» سقطت من «ط» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «ابن مقلي» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 172) و «الضوء اللامع» (6/ 293) .
[5] تحرفت في «ط» إلى «المعرّي» .
[6] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 174) و «العقد الثمين» (2/ 6) .(9/33)
وفيها أبو السّعود محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي المكّي الشافعي [1] .
ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، واشتغل بالفقه والفرائض، ومهر فيها، وناب في الحكم عن صهرة القاضي شهاب الدّين، وهو والد أبي البركات، وتوفي في صفر.
وفيها محمد بن عبد الله بن نشابة الحرضي- بفتح المهملتين ومعجمة- ثم العريشي [2]- بعين مهملة، وراء وشين معجمة، نسبة إلى قرية يقال لها عريش من عمل حرض، وحرض آخر بلاد اليمن من جهة الحجاز بينها وبين جلا مفازة-.
كان محمد المذكور فقيها شافعيا، ذكره ابن الأهدل في «ذيل تاريخ الحميدي» .
وقال خلفه ولده عبد الرحمن: وكان مولده سنة أربع وسبعين، وتفقه بأبيه، وبأحمد مفتي مور، وذكر أنه اجتمع به بعد الثلاثين وثمانمائة بأبيات حسين وهو مفتي بلده ومدرّسها، وينوب في الحكم. انتهى ملخصا.
وفيها بدر الدّين محمد بن عسّال الدمشقي الشافعي [3] .
ولد قبل الخمسين وسبعمائة، وتفقه بالسّراج البلقيني، وأجازه بالإفتاء، وشهد عند الحكّام، وولي قضاء بعلبك عن البرهان بن جماعة، ثم ولي قضاء حمص، وتوفي في ربيع الأول.
وفيها شمس الدّين محمد بن جمال الدّين عمر بن إبراهيم بن العجمي الحلبي الشافعي [4] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 174) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 175) و «الضوء اللامع» (8/ 115) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 176) و «الضوء اللامع» (8/ 139) وفيهما: «عبيدان» وجاء في حاشية «إبناء الغمر» ما نصه: وقع في با «عسال» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 177) و «الضوء اللامع» (8/ 234) .(9/34)
ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، واشتغل في شبيبته، وحفظ «الحاوي» ، ونزل في المدارس، وجلس مع الشهود، ثم ولي بعض المدارس بعد والده، ونازعه الأذرعي ثم الفوي، ثم استقرّ ذلك بيده، وكان سمع المسلسل بالأولية من الشيخ تقي الدّين السّبكي، ومن محمد بن يحيى بن سعد، وحدّث به عنهما، وله إجازة حصّلها له أبوه فيها المزّي وتلك الطبقة، ولكنه لم يحدّث بشيء منها، وكان سليم الفطرة، نظيف اللّسان خيّرا، لا يغتاب أحدا، رحمه الله.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن علي بن عبد الرزاق الغماري ثم المصري المالكي [1] .
قال ابن حجر: أخذ العربية عن أبي حيّان وغيره، وسمع الكثير من مشايخ مكّة، كاليافعي، والفقيه خليل، وسمع بالإسكندرية من النّويري، وابن طرخان.
وحدّث بالكثير، وكان عارفا باللغة والعربية، كثير المحفوظ للشعر لا سيما الشواهد، قوي المشاركة في فنون الأدب. تخرّج به الفضلاء. وقد حدّثنا [2] بالبردة [2] بسماعة من أبي حيّان عن ناظمها، وأجاز لي غير مرّة.
وقال السيوطي في «طبقات النحاة» تفرّد على رأس الثمانمائة خمسة علماء بخمسة علوم: البلقيني بالفقه، والعراقي بالحديث، والغماري هذا بالنحو، والشّيرازي صاحب «القاموس» باللغة، ولا استحضر الخامس. انتهى.
وتوفي في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة.
وفيها نجم الدّين محمد بن محمد بن عبد الدائم الباهلي [3]- نسبة إلى باهة بالموحدة. التحتية قرية من قرى مصر من الوجه القبلي- المصري الحنبلي.
قال ابن حجر: اشتغل كثيرا، وسمع من شيوخنا ونحوهم، وعني بالتحصيل، ودرّس وأفتى، وكان له نظر في كلام ابن عربي فيما قيل. انتهى.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 179) و «الضوء اللامع» (9/ 149) و «بغية الوعاة» (1/ 230) .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 181) و «الضوء اللامع» (9/ 224) و «السحب الوابلة» ص (445) .(9/35)
وقال ابن حجي: كان أفضل الحنابلة بالدّيار المصرية وأحقّهم بولاية القضاء.
توفي في شعبان عن ستين سنة.
وفيها محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الغلفي [1]- بضم المعجمة وسكون اللام ثم فاء- ابن شيخ المعظمية.
قال ابن حجر: سمع الحجّار، وحضر على إسحاق الآمدي، وأجاز له أيوب الكحّال وغيره، وأجاز لي غير مرّة.
وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها محمد بن محمد الجريدي القيرواني [2] .
تفقه ثم تزهد، وانقطع، وظهرت له كرامات، وكان يقضي حوائج الناس، وكان ورعه مشهورا، وحجّ سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة فجاور بمكة إلى أن مات.
وفيها مقبل بن عبد الله الرّومي الشّافعي [3] عتيق الناصر حسن.
طلب العلم، واشتغل في الفقه وتعمق في مقالة الصّوفية الاتحادية، وكتب الخطّ المنسوب إلى الغاية، وأتقن الحساب وغيره، ومات في أوائل السنة وقد جاوز الستين. قاله ابن حجر.
وفيها ملكة بنت الشريف عبد الله بن العزّ إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي الصّالحي [4] .
قال ابن حجر: أحضرت على الحجّار، وعلى محمد بن الفخر البخاري، وعلى أبي بكر بن الرّضي، وزينب بنت الكمال، وغيرهم. وأجاز لها ابن
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 182) و «الضوء اللامع» (9/ 240) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 182) وفيه «الجريدي» وانظر التعليق عليه، و «الضوء اللامع» (10/ 41) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 183) و «الضوء اللامع» (10/ 168) .
[4] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 184) و «الضوء اللامع» (12/ 127) و «أعلام النساء» (5/ 103) .(9/36)
الشّيرازي، وابن عساكر، وابن سعد، وإسحاق الآمدي، وغيرهم. وحدّثت بالكثير، وأجازت لي وتوفيت في تاسع عشر جمادي الأولى وقد جاوزت الثمانين.
وفيها عزّ الدّين يوسف بن الحسن بن الحسن [1] بن محمود السّرائي ثم التّبريزي الحلاوي الحنفي ظنا، ويعرف بالحلوائي أيضا [2] .
قال في «تاريخ حلب» : قال ولده بدر الدّين لما قدم علينا: ولد- أي صاحب الترجمة- سنة ثلاثين وسبعمائة، وأخذ عن العضد وغيره، ورحل إلى بغداد فقرأ على الكرماني، ثم رجع إلى تبريز، فأقام بها ينشر العلم ويصنف إلى أن بلغه أن ملك الدعدع قصد تبريز لكون صاحبها أساء السيرة مع رسول أرسله إليه في أمر طلبه منه، وكان الرسول جميل الصّورة إلى الغاية فتولع به صاحب تبريز، فلما رجع إلى صاحبه أعلمه بما صنع معه، وأنه اغتصبه نفسه أيّاما وهو لا يستطيع الفلت منه، فغضب أستاذه، وجمع عسكره، وأوقع بأهل تبريز فأخربها، وكان أوّل ما نازلها سأل عن علمائها، فجمعوا له فآواهم في مكان وأكرمهم، فسلم معهم ناس كثير ممن اتبعهم، ثم لما نزح عنهم تحوّل عزّ الدّين إلى ماردين، فأكرمه صاحبها، وعقد له مجلسا حضره فيه علماؤها مثل شريح، والهمام، والصّدر، فأقروا له بالفضل، ثم لما ولي إمرة تبريز أمير زاده بن اللّنك طلب عزّ الدّين المذكور وبالغ في إكرامه وأمره بالاستقرار عنده فأخبره بما كان شرع في تصنيفه واستعفاه، ثم انتقل بأخرة إلى الجزيرة فقطنها إلى أن مات بها في هذه السنة.
ومن سيرته أنه لم تقع منه كبيرة، وما لمس بيده دينارا ولا درهما، وكان لا يرى إلّا مشغولا بالعلم أو التصنيف، وشرح «منهاج البيضاوي» وعمل حواشي على «الكشّاف» وشرح «الأسماء الحسنى» . قاله ابن حجر.
وفيها يوسف بن عثمان بن عمر بن مسلم بن عمر الكتّاني بالمثناة الفوقية الثقيلة الصّالحي [3] .
__________
[1] كذا في «الشذرات» وفي «الإنباء» و «الضوء» : «يوسف بن الحسن بن محمود ... » .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 185) و «الضوء اللامع» (10/ 309) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 187) و «الضوء اللامع» (10/ 323) .(9/37)
سمع من الحجّار حضورا، ومن الشرف بن الحافظ، وأحمد بن عبد الرحمن الصّرخدي، وعائشة بنت مسلم الحرّانية، وغيرهم. وأجاز له الرّضي الطّبري، وهو خاتمة أصحابه. وأجاز له أيضا ابن سعد، وابن عساكر، وآخرون.
وحدّث بالكثير، وكان خيّرا، وأجاز لابن حجر وغيره.
وتوفي في نصف صفر عن ثلاث وثمانين سنة
.(9/38)
سنة ثلاث وثمانمائة
دخلت والناس في أمر مريج من اضطراب البلاد الشمالية بطروق تمرلنك.
وفيها كائنته بدمشق وما والاها، وسيأتي ذلك مفصلا في ترجمته في سنة سبع وثمانمائة إن شاء الله تعالى.
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن الشيخ عماد الدّين إسماعيل النّقيب بن إبراهيم المقدسي النابلسي الحنبلي [1] ، أقضى القضاة. تفقه على جماعة، منهم ابن مفلح. وكان فقيها جيدا متقنا للفرائض، وناب عن قاضي القضاة شمس الدّين النّابلسي فباشر مباشرة حسنة، وله «تعليقة» على «المقنع» .
توفي بالصّالحية في خامس رمضان وقد ناهز الستين، ودفن بالرّوضة.
وفيها برهان الدّين أبو سالم إبراهيم بن محمد بن علي التّادلي- بالمثناة الفوقية وفتح المهملة، نسبة إلى تادلة [2] من جبال البربر بالمغرب- المالكي [3] ، قاضي المالكية بدمشق.
ولد سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، وكان قوي العين، مصمما في الأمور، ملازما لتلاوة القرآن والأسباع، وشجاعا، جريئا، ولي قضاء الشام سنة ثمان وسبعين
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 245) و «الضوء اللامع» (1/ 32) و «المقصد الأرشد» (1/ 214) و «السحب الوابلة» ص (24) .
[2] في «الروض المعطار» ص (127) : «تادلي» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 246) و «الضوء اللامع» (1/ 155) .(9/39)
إلى هذه المدة عشر مرار، يتعاقب هو والقفصي وغيره، وولي أيضا قضاء حلب.
وتوفي في جمادى الأولى من جراحات جرحها لما حضر وقعة اللّنكية.
وفيها برهان الدّين وتقي الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن مفلح بن مفرّج الرّاميني الأصل ثم الدمشقي الحنبلي [1] الحافظ، شيخ الحنابلة ورئيسهم، وقاضي قضاتهم.
ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وحفظ كتاب عديدة، وأخذ عن جماعة، منهم: والده، وجدّه قاضي القضاة جمال الدّين المرداوي، وقرأ على البهاء السّبكي، واشتغل وأشغل، وأفتى ودرّس، وناظر وصنّف، وشاع اسمه، واشتهر ذكره، وبعد صيته، ودرّس بدار الحديث الأشرفية بالصّالحية والصاحبة [2] وغيرهما، وأخذ عنه جماعات، منهم: ابن حجر العسقلاني.
ومن تصانيفه كتاب «فضل الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم» وكتاب «الملائكة» وشرح «المقنع» و «مختصر ابن الحاجب» و «طبقات أصحاب الإمام أحمد» وتلف غالبها في فتنة تيمور، وناب في الحكم لابن المنجّى وغيره، وانتهت إليه مشيخة الحنابلة، وكان له ميعاد في الجامع الأموي بمحراب الحنابلة، بكرة نهار السبت يسرد فيه نحو مجلد ويحضر مجلسه الفقهاء من كل مذهب، ثم ولي القضاء بدمشق. ولما وقعت فتنة التتار كان ممن تأخر بدمشق، ثم خرج إلى تيمور ومعه جماعة، ووقع بينه وبين عبد الجبّار المعتزلي إمام تيمور مناظرات وإلزامات بحضرة تمرلنك، فأعجبه ومال إليه، فتكلم معه في الصّلح فأجاب إلى ذلك، ثم غدر، فتألم صاحب الترجمة إلى أن توفي في يوم الثلاثاء سابع عشري شعبان ودفن عند رجل والده بالروضة.
وفيها عزّ الدّين أبو جعفر أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 247) و «الضوء اللامع» (1/ 167) و «المقصد الأرشد» (1/ 236) و «الدليل الشافي» (1/ 27) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 47 و 85) و «الدّر المنضد في أسماء كتب مذهب الامام أحمد» ص (90- 91) .
[2] في «ط» : «والصاحبية» .(9/40)
محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر الصّادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني الإسحاقي الحلبي [1] الشافعي، الرئيس الجليل، نقيب الأشراف.
ولد سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وسمع من جدّه لأمّه الجمال إبراهيم بن الشّهاب محمود، والقاضي ناصر الدّين بن العديم، وغيرهما. وأجاز له بمصر أبو حيّان، والوادي آشي، والميدومي، وآخرون من دمشق وغيرها، واشتغل كثيرا، واعتنى بالأدب، ونظم الشعر فأجاد.
قال القاضي علاء الدّين: كان من حسنات الدّهر زهدا، وورعا، ووقارا، ومهابة، وسخاء، لا يشك من رآه أنه من السّلالة النّبوية [2] ، حتى انفرد في زمانه برئاسة حلب، وتردد إليه القضاة فمن دونهم، وحدّث بالإجازة من الوادي آشي، وأجاز لابن حجر وغيره.
ومن شعره:
يا رسول الله كن لي ... شافعا [3] في يوم عرضي
فأولو الأرحام نصّا ... بعضهم أولى ببعض
وكان تحوّل في كائنة تيمور إلى تبريز من أعمال حلب بينهما مرحلتان من جهة الفرات، فمات بها في رجب، ونقل إلى حلب فدفن عند أهله.
وفيها أحمد بن آق برس [4] بن يلغان [5] بن كنجك [6] الخوارزمي ثم الصّالحي [7] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 249) و «الضوء اللامع» (1/ 219) .
[2] في «آ» : «من سلالة النبوة» وما جاء في «ط» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[3] أقول: كذا كتبها الشاعر لضرورة الوزن، والصواب أن يقال: «اللهم فشفعة في.» (ع) .
[4] في «الضوء اللامع» : «أحمد بن آق برس- بالسين المهملة آخره وربما قلبت صادا-» .
[5] في «الضوء اللامع» : «ابن بلغاق» .
[6] كذا في «آ» و «ط» و «الضوء اللامع» : «كنجك» وفي «إنباء الغمر» : «كجك» .
[7] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 254) و «الضوء اللامع» (1/ 190) .(9/41)
قال ابن حجر: سمع من إسحاق بن يحيى الآمدي، ومحمد بن عبد الله بن المحبّ، وزينب بنت الكمال. أخذت عنه بالصالحية كثيرا وكان خيّرا.
مات في الفتنة. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن راشد بن طرخان الملكاوي [1] الدمشقي الشافعي [2] أقضى القضاة.
كان أحد العلماء الأئمة المعتبرين. اشتغل في الفقه، والحديث، والنحو، والأصول.
قال الزّهري: ما في البلد من أخذ العلوم على وجهها غيره، وكان ملازما للاشتغال، وتخرّج به جماعة، وناب في القضاء، ودرّس في الدماغية، وناب في الشامية الجوانية، وقصد بالفتاوى من سائر الأقطار، وكان يكتب عليها كتابة حسنة وخطّه جيد. كان في ذهنه وقفة وعبارته ليست كقلمه، وكان يميل إلى ابن تيمية كثيرا. ويعتقد رجحان كثير من مسائله، وفي أخلاقه حدّة، وعنده نفرة من الناس.
انفصل من الوقعة وهو متألم مع ضعف بدنه السابق، وحصل له جوع فمات في رمضان وهو في عشر السبعين ظنا، ودفن بمقبرة باب الفراديس بطرفها الشمالي من جهة الغرب. قاله ابن قاضي شهبة.
وفيها أحمد بن ربيعة المقرئ [3] ، أحد المجوّدين للقراءة والعارفين بالعلل.
أخذ عن ابن اللّبّان وغيره، وانتهت إليه رئاسة هذا الفنّ بدمشق، ومع ذلك كان عاملا لمعاناة ضرب المندل، واستحضار الجنّ.
توفي في شعبان وقد جاوز السبعين.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «المكاوي» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 253) و «الضوء اللامع» (1/ 299) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 13- 14) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 254) و «الضوء اللامع» (1/ 300) و «غاية النهاية» (1/ 53) .(9/42)
وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن عبد الله النّحريري المالكي [1] .
قدم القاهرة وهو فقير جدا، فاشتغل، وأقرأ الناس في العربية، ثم ولي قضاء طرابلس فسار إليها، ونالته محنة من منطاش، ضربه فيها وسنه بدمشق، فلما فرّ منطاش رجع إلى القاهرة وقد تموّل، فسعى إلى أن ولي قضاء المالكية في محرم سنة أربع وتسعين فلم تحمد سيرته، فصرف في ذي القعدة، واستمرّ إلى أن مات معزولا في رجب.
وفيها سعد الدّين أحمد بن عبد الوهاب بن داود بن علي [2] بن محمد [2] المحمدي القوصي [3] .
ولد بقوص، وتفقه، ثم دخل القاهرة واشتغل، ثم دخل الشام فأقام بها، ثم دخل العراق فأقام بتبريز وأصبهان ويزد وشيراز، ثم استمرّ مقيما بشيراز بالمدرسة البهائية إلى أن مات في ربيع الآخر.
وفيها أحمد بن علي بن يحيى بن تميم الحسيني الدمشقي [4] ، وكيل بيت المال بها.
سمع الكثير من الحجّار، وابن تيمية، والمزّي، وغيرهم. وولي نظر المارستان النّوري قديما، ووكالة بيت المال، ونظر الأوصياء، وكان مشكورا في مباشراته، ثم ترك ذلك، وانقطع في بيته يسمع الحديث إلى أن مات.
قال ابن حجر: قرأت عليه كثيرا، وكان [5] ناصر الدّين بن عدنان يطعن في نسبه.
مات في ربيع الآخر وله سبع وثمانون سنة واستراح من رعب الكائنة العظمى.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 255) و «الضوء اللامع» (1/ 372) .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 256) و «الضوء اللامع» (1/ 375) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 257) و «الضوء اللامع» (2/ 45) .
[5] في «ط» : «فكان» .(9/43)
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر الأيلي الفارسي نزيل بيت المقدس ثم الرّملة، يلقب، زغلش- بزاي أوله ومعجمتين بينهما لام- الحنبلي، ويعرف بابن العجمي وبابن المهندس [1] .
سمع من ابن الميدومي فمن بعده بالقدس والشام، ثم طلب بنفسه، وحصّل كثيرا من الأجزاء والكتب، وتمهّر ثم افتقر.
قال ابن حجر: سمعت منه بالرّملة فوجدته حسن المذاكرة لكنه عانى الكدية واستطابها، وصار زري الملبس والهيئة. سمعت منه في ثاني عشر رمضان سنة اثنتين وثمانمائة وقد سمع أبوه من الفخر علي، وحدّث، ومات شهاب الدّين هذا في وسط السنة وتمزّقت كتبه مع كثرتها. انتهى.
وفيها موفق الدّين أبو العبّاس أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني الحنبلي العسقلاني [2] قاضي الحنابلة بالديار المصرية.
استقرّ فيها بعد موت أخيه برهان الدّين في يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة، وتفقه على والده، وعلى الشيخ مجد الدّين سالم، وقرأ العربية على البرهان الواحدي، وسمع الحديث من والده، وابن الفصيح، وأجاز له ابن أميلة وغيره، ولم يحدّث، وكان حسن الذات، جميل الصّفات، كثير الحياء، حسن السيرة.
وتوفي بمصر في حادي عشر رمضان عن أربع وثلاثين سنة.
وفيها جلال الدّين أسعد بن محمد بن محمود الشّيرازي الحنفي [3] .
قدم بغداد صغيرا، فاشتغل على الشيخ شمس الدّين السّمرقندي، والشمس الكرماني، وقرأ عليه «صحيح البخاري» . أكثر من عشرين مرة، وجاور معه بمكّة
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 259) و «الضوء اللامع» (2/ 86) و «السحب الوابلة» ص (91) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 261) و «الضوء اللامع» (2/ 239) و «السحب الوابلة» ص (116) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 263) و «الضوء اللامع» (2/ 279) و «الطبقات السنية» (2/ 171) .(9/44)
سنة خمس وسبعين، وكان يقرئ ولديه ويشغلهما، ويشغل في النحو والصّرف وغيرهما [1] ودرس [1] وأعاد، وحدّث وأفاد، وكانت عنده سلامة باطن ودين وتعفف وتواضع، ويكتب خطا حسنا. كتب «البخاري» في مجلد وأخرى في مجلدين، وكتب «الكشاف» و «البيضاوي» وغير ذلك. وولي آخر إمامة السميساطية بدمشق ومات بها في جمادى الآخرة وقد جاوز الثمانين.
وفيها الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل عبّاس بن المجاهد علي بن المؤيد داود بن المظفّر عمر بن المنصور علي بن رسول اليمني ممهد الدّين [2] .
قال ابن حجر: التركماني الأصل، ولي السلطنة بعد أبيه فأقام بها خمسا وعشرين سنة، وكان في ابتداء أمره طائشا ثم توقّر وأقبل على العلم والعلماء، وأحبّ جمع الكتب، وكان يكرم الغرباء ويبالغ في الإحسان إليهم. امتدحته لما قدمت بلده فأثابني، أحسن الله جزاءه.
توفي في ربيع الأول بمدينة تعز ودفن بمدرسته التي أنشأها بها ولم يكمل الستين انتهى.
وفيها إسماعيل بن عبد الله المغربي المالكي [3] نزيل دمشق.
كان بارعا [4] في مذهبه، وناب في الحكم، وأفتى وتفقه به الشاميون.
ومات في شعبان عن نحو سبعين سنة، وقد ضعف بصره.
وفيها عماد الدّين أبو بكر إبراهيم بن العزّ محمد بن العزّ إبراهيم بن عبد الله ابن أبي عمر المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي، المعروف بالفرائضي [5] .
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 264) و «الضوء اللامع» (2/ 299) و «الدليل الشافي» (1/ 124) و «غاية الأماني في أخبار القطر اليماني» (2/ 508) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 260) و «الضوء اللامع» (2/ 301) .
[4] في «آ» : «عارفا» .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 266) و «الضوء اللامع» (11/ 12) و «المقصد الأرشد» (3/ 153) .(9/45)
سمع الكثير على الحجّار، وابن الزرّاد، وغيرهما. وأجاز له أبو نصر بن الشّيرازي، والقاسم بن عساكر، وآخرون.
قال ابن حجر: أكثرت عليه، وكان قبل ذلك عسرا في التحديث، فسهّل الله تعالى له خلقه.
مات عام الحصار عن نحو ثمانين سنة. انتهى.
وفيها شرف الدّين أبو بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة الحموي الأصل ثم المصري الشافعي [1] .
سمع الكثير من جدّه، والميدومي، ويحيى بن فضل الله، وغيرهم. وأجاز له مشايخ مصر والشام إذ ذاك بعناية أبيه، واشتغل مدة، وناب عن أبيه في الحكم والتدريس، ثم ترك وخمل لاشتغاله بما لا يليق بأهل العلم.
قال ابن حجر: وكان يدري أشياء عجيبة، رأيته يجعل الكتاب في كمه ويقرأ ما فيه من غير أن يكون شاهده.
مات في رابع عشر جمادى الأولى بمصر عن خمس وسبعين سنة.
وفيها عزّ الدّين الحسن بن محمد بن علي العراقي المعروف بأبي أحمد [2] ، الشاعر المشهور، نزيل حلب.
قال ابن خطيب الناصرية: كان من أهل الأدب، وله النظم الجيد، وكان خاملا، وينسب إلى التشيع وقلّة الدّين، وكان يجلس مع العدول للشهادة بمكتب داخل باب النّيرب.
ومن نظمه:
ولمّا اعتنقنا للوداع عشيّة ... وفي كلّ قلب من تفرّقنا جمر
بكيت فأبكيت المطيّ توجّعا ... ورقّ لنا من حادث السّفر السّفر
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 269) و «الضوء اللامع» (11/ 47) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 274) و «الضوء اللامع» (3/ 126) .(9/46)
جرى درّ دمع أبيض من جفونهم ... وسالت دموع كالعقيق لنا حمر
فراحوا وفي أعناقهم من دموعنا ... عقيق وفي أعناقنا منهم درّ
وله مؤلّف سمّاه «الدّرّ النّفيس من أجناس التجنيس» يشتمل على سبع قصائد. وله عدة قصائد في مدح النّبيّ صلى الله عليه وسلم مرتبة على حروف المعجم.
وتوفي بحلب في سابع عشر المحرم.
وفيها خديجة بنت أبي بكر بن عبد الملك الصّالحية المعروفة ببنت اللّوري [1] .
قال ابن حجر: حدّثتنا عن زينب بنت الكمال، وماتت في حصار دمشق.
وفيها بهاء الدّين أبو الفتح رسلان بن أبي بكر بن رسلان بن بن نصير بن صالح البلقيني الشافعي [2] ابن أخي سراج الدّين.
اشتغل بالفقه كثيرا، ومهر، وشارك في غيره، وناب في الحكم، وتصدى للإفتاء والتدريس، وانتفع به في جميع ذلك، وكان كثير المنازعة لعمّه في اعتراضاته على الرافعي.
قال ابن حجي: كان من أكابر العلماء، وحمدت سيرته في القضاء.
وتوفي في آخر جمادى الأولى وله سبع وأربعون سنة، وكثر تأسف الناس عليه.
وفيها زينب بنت العماد أبي بكر بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبّاس بن جعوان [3] .
قال ابن حجر: سمعت من الحجّار، وعبد القادر بن الملوك، وغيرهما.
وماتت في شوال وسمعت عليها أيضا.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 276) و «الضوء اللامع» (12/ 26) و «أعلام النساء» (1/ 324) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 277) و «الضوء اللامع» (3/ 225) و «الدليل الشافي» (1/ 305) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 279) و «الضوء اللامع» (12/ 40) و «أعلام النساء» (2/ 100) .(9/47)
وفيها ستّ الكلّ بنت أحمد بن محمد بن الزّين القسطلّانية ثم المكية [1] .
حدّثت بالإجازة عن يحيى بن فضل الله، ويحيى بن البصري، وابن الرّضي، وغيرهم من الشاميين والمصريين، وسمع منها ابن حجر بمكّة.
وفيها شرف الدّين شعبان بن علي بن إبراهيم المصري الحنفي [2] .
سمع من أصحاب الفخر، وكان بصيرا بمذهبه، ودرّس في العربية، وحصل له خلل في عقله، ومع ذلك يدرّس ويتكلم في العلم. وتوفي في شوال.
وفيها شمس الملوك بنت ناصر الدّين محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن يعقوب بن الملك العادل الدمشقيّة [3] .
قال ابن حجر: روت عن زينب بنت الكمال.
وماتت في شعبان ولي منها إجازة. انتهى.
وفيها تقي الدّين عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله القدسي ثم الصّالحي [4] . سمع من الحجارة وغيره.
وقال ابن حجر: قرأت عليه الكثير بالصالحية مات بعد الوقعة.
وفيها تقي الدّين أبو الفتح عبد الله بن يوسف بن أحمد بن الحسين بن سلمان بن فزارة بن بدر بن محمد بن يوسف قاضي القضاة الكفري الدمشقي الحنفي [5] .
ولد بدمشق سنة ست وأربعين وسبعمائة، وسمع على أصحاب ابن عبد الدائم، وغيرهم، وتفقه بوالده وغيره، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، وغير ذلك، وتولى قضاء قضاة الحنفية بدمشق هو وأخوه زين الدّين عبد الرحمن، وأبوه، وجدّه، وكان مشكور السيرة، محمود الطريقة.
__________
[1] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 279) و «الضوء اللامع» (12/ 57) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 280) و «الضوء اللامع» (3/ 300) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 280) و «الضوء اللامع» (12/ 69) و «أعلام النساء» (2/ 304) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 282) و «الضوء اللامع» (5/ 40) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 284) و «الضوء اللامع» (5/ 73) و «الدليل الشافي» (1/ 392) .(9/48)
وتوفي في عشري ذي القعدة في أسر الطّاغية تيمور.
وفيها تقي الدّين عبد الله بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي المعروف بابن عبيد الله [1] .
كان إماما، علّامة، رحلة. سمع علي الحجّار، ومن ابن الرّضي، وبنت الكمال، والجزري، وغيرهم. وسمع من ابن حجر. سمع من لفظه «المسلسل بالأولية» وسمع عليه غير ذلك. وتوفي بالصالحية بعد كائنة تيمور.
وفيها عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الفخر عبد الرحمن البعلي الدمشقي الحنبلي [2] .
قال ابن حجر: حدّثنا عن المزّي وغيره.
مات في رجب.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن لاجين الرشيدي الشافعي [3] .
ولد سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وأسمع على جماعة، وسمع بدمشق من جماعة، وحدّث، وكان عنده علم بالميقات، وولي رئاسة المؤذنين.
قال الحافظ ابن حجي: كان بارعا في الحساب، والفرائض، والميقات، شرح «الجعبرية» و «الأشنهية» و «الياسمينية» وله مجاميع حسنة. انتهى.
وأخذ عنه ابن حجر.
وتوفي في مستهل جمادى الأولى.
وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن محمد بن محمد بن الخضر بن الخضري الطّيبي [4] .- بتشديد التحتانية بعدها موحدة-.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 282) و «الضوء اللامع» (5/ 45) و «السحب الوابلة» ص (263) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 286) و «الضوء اللامع» (4/ 89) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 287) و «الضوء اللامع» (4/ 119) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 289) و «الضوء اللامع» (4/ 231) .(9/49)
ولد قبل ثلاثين وسبعمائة، وأسمع على يحيى بن فضل الله، وصالح بن مختار، وآخرين. وقّع في الحكم عند أبي البقاء فمن بعده، وباشر نظر الأوقاف.
قال ابن حجر: سمعت عليه شيئا، وخرّجت له «جزءا» ومات في ثالث عشر المحرم.
وفيها عبد القادر بن محمد بن علي بن عمر بن نصر الله الدمشقي الفرّاء المعروف بابن القمر، سبط الحافظ الذهبي [1] .
سمع بإفادة جدّه منه، ومن زينب بنت الكمال، وأحمد بن علي الجزري في آخرين.
قال ابن حجر: حدّثنا في حانوته وكان نعم الرجل مات في الكائنة.
وفيها كريم الدّين أبو الفضائل عبد الكريم بن عبد الرزّاق بن إبراهيم بن مكانس [2] .
ولي الوزارة وغيرها، مرارا. وكان مهابا مقداما متهورا، وقبض عليه بسبب تهوره وصودر، ثم ضرب بالمقارع، ولم يكن فيه ما في أخيه فخر الدّين من الإنسانية والأدب إلّا أنه كان مفضالا كثير الجود لأصحابه.
قال في «المنهل» : كان من أعاجيب الزّمان في الخفّة، والطيش، وقلّة العقل، وسرعة الحركة، يقال: إنه لما أعيد إلى الوزارة بعد أن ضرب بالمقارع قال لمن معه وهو في موكبه بالحلقة والناس بين يديه: يا فلان ما هذه الرّكبة غالية بعلقة مقارع.
وتوفي يوم الثلاثاء رابع عشري جمادى الآخرة.
وفيها فخر الدّين عثمان بن محمد بن عثمان بن محمد بن موسى بن جعفر
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 290) و «الضوء اللامع» (4/ 91) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 290) و «الضوء اللامع» (4/ 312) و «النجوم الزاهرة» (13/ 22) و «الدليل الشافي» (1/ 425) .(9/50)
الأنصاري السّعدي العبادي- بالضم والتخفيف- الكركي ثم الدمشقي [1] الشافعي الكاتب المجوّد.
ولد بالكرك سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وقدم دمشق سنة إحدى وأربعين، فسمع بها من أحمد بن علي الجزري والسّلاوي، ثم عاد إلى بلده، ثم استوطن دمشق من سنة خمس وأربعين، واشتغل في الفقه، وسمع أيضا من زينب ومحمد ابني إسماعيل بن الخبّاز، وفاطمة بنت العزّ، ثم دخل مصر، فأقام بها مدة، وتزوج بنت العلّامة جمال الدّين بن هشام، ثم جاور بمكّة، ثم عاد إلى دمشق، وحدّث.
سمع منه الياسوفي وغيره، ومات في شعبان.
وفيها علاء الدّين علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمود المرداوي ثم الصّالحي الحنبلي [2] سبط أبي العبّاس بن المحبّ.
ولد سنة ثلاثين وسبعمائة، وكان أقدم من بقي من شهود الحكم بدمشق، فإنه شهد عند قاضي القضاة جمال الدّين المرداوي، وكان رجلا خيّرا. سمع من ابن الرّضي، وزينب بنت الكمال، وعائشة بنت المسلم، وقرأ عليه الشّهاب بن حجر وغيره، وتوفي في رمضان.
وفيها علي بن أيوب الماحوزي [3] ، النسّاج الزّاهد.
كان يسكن بقرية قبر عاتكة، وينسج بيده، ويباع ما ينسجه بأغلى ثمن، ويتقوت منه هو وعائلته، ولا يزور أحدا، وكانت له مشاركة في العلم.
قال ابن حجي: هو عندي خير من يشار إليه بالصّلاح في وقتنا، وكان طلق الوجه، حسن العشرة، له كرامات ومكاشفات.
توفي في عاشر ربيع الآخر.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 293) و «الضوء اللامع» (5/ 139) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 295) و «الضوء اللامع» (5/ 187) و «المقصد الأرشد» (2/ 214) و «السحب الوابلة» ص (179) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 296) .(9/51)
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن عبّاس بن شيبان البعلي.
ثم الدمشقي الحنبلي المعروف بابن اللحام [1] ، شيخ الحنابلة في وقته.
اشتغل على الشيخ زيد الدّين بن رجب.
قال البرهان بن مفلح في «طبقاته» : وبلغني أنه أذن له في الإفتاء، وأخذ الأصول عن الشّهاب الزّهري، ودرّس وناظر، واجتمع عليه الطلبة وانتفعوا به، وصنّف في الفقه والأصول، فمن مصنّفاته «القواعد الأصولية» و «الأخبار العلمية في اختيارات الشيخ تقي الدّين بن تيميّة» و «تجريد العناية في تحرير أحكام النهاية» وناب في الحكم عن قاضي القضاة علاء الدّين بن المنّحى رفيقا للشيخ برهان الدّين بن مفلح، ثم ترك النّيابة، وتوجه إلى مصر، وعيّن له وظيفة القضاء بها فلم ينبرم ذلك، واستقرّ مدرس المنصورية إلى أن توفي يوم عيد الفطر، وقيل الأضحى، وقد جاوز الخمسين.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن يحيى الصّرخدي الشافعي [2] نزل حلب.
تفقّه بالموضعين، وسمع من المزّي وغيره، وجالس الأزرعي، وكان يبحث معه ولا يرجع إليه، وكان يلازم بيته غالبا ولا يكتب على الفتاوى إلّا نادرا، ثم درّس بجامع تغري بردي.
قال القاضي علاء الدّين قاضي حلب في «تاريخه» : قرأت عليه، وانتفعت به كثيرا، وناب في الحكم عن ابن أبي الرّضا وغيره، وكان البلقيني لما قدم حلب وجالسه يثني عليه. وتوفي بأيدي اللنكية.
وفيها نور الدّين علي بن يوسف بن مكّي بن عبد الله الدّميري ثم المصري [3] ابن الجلال المالكي [4] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 301) و «الضوء اللامع» (5/ 320) و «المقصد الأرشد» ، (2/ 237) .
و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 124) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 303) و «الضوء اللامع» (6/ 26) .
[3] في «آ» : «العزي» وفي «ط» : «الغزي» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 305) و «الضوء اللامع» (6/ 55) .(9/52)
أصله من حلب، وكان جدّه مكّي يعرف بابن نصر، ثم قدم مصر، وسكن دميرة، فولد له بها يوسف، فاشتغل بفقه المالكية، وسكن القاهرة، وناب عن البرهان الإخنائي، وعرف بجلال الدّميري، وولد له هذا، فاشتغل حتّى برع في مذهب مالك، ولم يكن يدري من العلوم شيئا سوى الفقه، وكان كثير النقل لغرائب مذهبه، شديد المخالفة لأصحابه، إلى أن اشتهر صيته في ذلك، وناب في الحكم مدة، ثم ولي القضاء استقلالا في أول هذه السنة، وعيب بذلك لأنه اقترض مالا بفائدة حتّى بذله للولاية، وكان منحرف المزاج مع المعرفة التّامة بالأحكام، وسافر مع العسكر إلى قتال اللنك فمات قبل أن يصل في جمادى الآخرة ودفن باللّجون.
وفيها زين الدّين عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد المقدسي الحنبلي [1] ، الشيخ المسند المعمّر.
أحضر على زينب بنت الكمال، وأسمع على أحمد بن علي الجزري، وعبد الرحيم بن أبي اليسر، وهو ابن أخت الشيخة فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي الآتي ذكرها.
توفي في شعبان في فتنة التّيمور.
وفيها زين الدّين عمر بن براق الدّمشقي الحنبلي [2] .
كان سريع الحفظ، قوي الفهم، على طريقة ابن تيمية، وكان له طلبة وأتباع، وكان ممن أوذي في الفتنة، وأخذ ماله، وأصيب في أهله وولده فصبر واحتسب، ثم مات في عاشر شوال.
وفيها زين الدّين عمر بن جمال الدّين عبد الله بن داود الكفري [3] ، الفقيه الشافعي.
قال ابن حجر: اشتغل كثيرا حتى قيل: إنه كان يستحضر «الروضة» وعرض
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 311) و «الضوء اللامع» (6/ 115) و «السّحب الوابلة» ص (322) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 308) و «الضوء اللامع» (6/ 75) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 309) و «الضوء اللامع» (6/ 97) .(9/53)
عيه الحكم فامتنع، وأفتى بدمشق، ودرّس، وتصدّر بالجامع، وكان قوي النّفس، يرجع إلى دين ومروءة.
قتل في الفتنة التمرية.
وفيها زين الدّين عمر بن محمد بن أحمد بن سلمان البالسي ثم الصالحي الملقّن [1] .
أسمعه أبوه الكثير من المزّي، والذهبي، والبرزالي، وزينب بنت الكمال، وخلق كثير. وكان مكثرا جدا، كثير البرّ للطلبة، شديد العناية بأمرهم، يقوم بأحوالهم ويؤدّبهم، وكان لا يضجر من التسميع.
قال ابن حجر: قرأت عليه الكثير، وسمعت عليه ومعه.
مات في شعبان وقد جاوز السبعين.
وفيها عائشة بنت أبي بكر بن الشيخ أبي عبد الله محمد بن عمر بن قوام البالسية ثم الصّالحية [2] .
قال ابن حجر: روت لنا عن أبي بكر بن أحمد بن أبي بكر المغار، وماتت في ثالث عشر شعبان.
وفيها عمران بن إدريس بن معمّر- بالتشديد- الجلجولي ثم الدمشقي الشافعي [3] .
ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وعني بالقراءات، فقرأ على ابن اللّبّان وغيره، ولازم القاضي تاج الدّين السّبكي، وقرأ وحصّل، وكان في لسانه ثقل، فكان لا يفصح بالكلام إلّا إذا قرأ. وكان يحجّ على قضاء الرّكب الشامي، وسمع من بعض أصحاب الفخر.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 310) و «الضوء اللامع» (6/ 116) .
[2] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 312) و «الضوء اللامع» (12/ 75) و «أعلام النساء» (3/ 132) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 306) و «الضوء اللامع» (6/ 63) .(9/54)
قال ابن حجي: لم يكن مشكورا في ولايته، ولا شهاداته، وكان يلبس دلقا ويرخي عذبة عن يساره، وكان فقير النّفس، لا يزال يظهر الفاقة، وإذا حصلت له وظيفة نزل عنها، وكان كثير الأكل جدا، وكان يقرأ حسنا.
مات بعد الكائنة العظمى.
وفيها فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي المقدسية ثم الصّالحية الحنبلية أم يوسف [1] .
كان أبوها محتسب الصالحية، وهو عمّ الحافظ شمس الدّين. أسمعت الكثير على الحجّار وغيره، وأجاز لها أبو نصر بن الشّيرازي وآخرون من الشام، وحسن [2] الكردي، وعبد الرحيم المنشاوي، وآخرون من مصر.
قال ابن حجر: قرأت عليها الكثير من الكتب والأجزاء بالصّالحية، ونعم الشيخة كانت.
ماتت في شعبان وقد جاوزت الثمانين.
وفيها قاضي القضاة صدر الدّين أبو المعالي محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن السّلمي المناوي ثم القاهري الشافعي [3] .
ولد في رمضان سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وأبوه حينئذ ينوب في القضاء عن عزّ الدّين بن جماعة، وأمّه بنت قاضي القضاة زين الدّين عمر البسطامي، فنشأ في حجر السعادة، وحفظ «التنبيه» وأسمع من الميدومي، وابن عبد الهادي، وغيرهما تجمعهم مشيخته التي خرّجها له أبو زرعة في خمسة أجزاء، وناب في الحكم وهو شاب، ودرّس وأفتى، وولي إفتاء دار العدل، وتدريس الشيخونية والمنصورية، وخرّج أحاديث المصابيح.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 313) و «الضوء اللامع» (12/ 101) و «أعلام النساء» (4/ 133) .
[2] في «ط» : «حسين» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 315) و «الضوء اللامع» (6/ 249) .(9/55)
قال ابن حجر: سمعت منه، وكتب [شيئا] [1] على «جامع المختصرات» .
ثم ولي القضاء استقلالا، وكان كثير التودد إلى الناس، معظّما عند الخاص والعام، محبّبا إليهم. وكان له عناية بتحصيل الكتب النّفيسة، على طريق ابن جماعة، فحصّل منها شيئا كثيرا، وسافر مع العسكر فأسر [2] مع اللّنكية، فلم يحسن المداراة مع عدوه فأهانه وبالغ في إهانته، حتّى مات وهو معهم في القيد غريقا. غرق في نهر الفرات في شوال بعد أن قاسى أهوالا عسى الله أن يكون كفّر بها عنه ما جناه [3] عليه القضاء. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي الجزري ثم الدمشقي بن الظّهير [4] .
سمع من ابن الخبّاز وغيره، وأكثر عن أصحاب الفخر بطلبه، وكان خيّرا يتغالى في مقالات ابن تيمية.
توفي في [5] تاسع عشر شوال عن ستين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن علي بن سليمان المعرّي ثم الحلبي بن الرّكن الشافعي [6] .
كان ينسب إلى أبي [7] الهيثم التّنوخي عمّ أبي العلاء المعرّي.
ولد سنة تسع وثلاثين وسبعمائة وتفقه [8] ، وأخذ عن الزّين الباريني، والتّاج ابن الدّريهم، وبدمشق عن التّاج السّبكي، وكتب كثيرا، وخطب بجامع حلب
__________
[1] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «إنباء الغمر» .
[2] تحرفت في «ط» إلى «فأسرع» .
[3] تصفحت في «ط» إلى «ما جباه» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 317) و «الضوء اللامع» (6/ 276) .
[5] لفظة «في» سقطت من «آ» .
[6] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 319) و «الضوء اللامع» (7/ 12) .
[7] تحرفت في «آ» إلى «ابن» .
[8] في «ط» : «تفقه» من غير الواو.(9/56)
مدّة. وكان حاد الخلق، مع كثرة البرّ والصّدقة، وله ديوان خطب، ونظم وسط.
وأخذ عنه القاضي علاء الدّين، وابن الرّسّام.
وتوفي في الكائنة العظمى.
وفيها شمس الدّين محمد بن إسماعيل بن الحسن بن صهيب بن خميس البابي ثم الحلبي [1] .
ولد بالباب [2] ثم قدم حلب، وكان يسمّى سالما، فتسمى محمدا، وقرأ على عمّه العلّامة علاء الدّين علي البابي، والزين الباريني، وبرع في الفرائض والنحو، وشارك في الفنون، وأشغل الطلبة، وأفتى ودرّس، وكان ديّنا، عفيفا، وولّاه القاضي شرف الدّين الأنصاري قضاء ملطية، فلما حاصرها ابن عثمان عاد إلى حلب إلى أن عدم في الكائنة التّيمورية.
وفيها بدر الدّين محمد بن الحافظ عماد الدّين إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي ثم الدمشقي الشافعي [3] .
ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة، واشتغل، وتميّز، وطلب، وسمع الكثير من بقية أصحاب الفخر ومن بعدهم.
قال ابن حجر: وسمع معي بدمشق، ثم رحل إلى القاهرة، فسمع من بعض شيوخنا، وتمهّر في هذا الشأن قليلا، وتخرّج بابن النّجيب، وشارك في الفضائل، مع خطّ حسن، ودرّس في مشيخة الحديث بعد أبيه بتربة أمّ الصّالح.
مات في ربيع الآخر فارا عن دمشق بالرّملة، وكان قد علّق «تاريخا» للحوادث التي في زمنه. انتهى.
وقال ابن حجي: لم يكن محمود السّيرة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 320) و «الضوء اللامع» (7/ 136) و «بغية الوعاة» (1/ 54) .
[2] الباب: بلدة كبيرة تقع في الشمال الشرقي لمدينة حلب بينها وبين منبج نحو ميلين. انظر خبرها في «معجم البلدان» (1/ 303) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 321) و «الضوء اللامع» (7/ 138) .(9/57)
وفيها محمد بن حسن بن عبد الرّحيم الصّالحي الدّقّاق [1] .
قال ابن حجر: حدّثنا عن الحجّار، سمعت منه أجزاء انتهى.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله [2] محمد بن خليل بن محمد بن طوغان الدمشقي الحريري الحنبلي، المعروف بابن المنصفي [3] .
ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة، واشتغل في الفقه، وشارك في العربية والأصول، وسمع الكثير من أصحاب ابن البخاري، وسمع بمصر أيضا، وحصلت له محنة بسبب مسألة الطّلاق المنسوبة إلى ابن تيميّة، ولم يرجع عن اعتقاده، وكان خيّرا، ديّنا. قاله ابن حجر. وقال: سمعت منه شيئا.
ومات في شعبان بعد أن عوقب، واستمرّ متألما. انتهى.
وقال ابن حجي: كان فقيها، محدّثا، حافظا، قرأ الكثير، وضبط وحرّر، وأتقن وألّف، وجمع، مع المعرفة التّامة.
تخرّج بابن المحبّ، وابن رجب، وكان يفتي ويتقشف، مع الانجماع، ولم تكن الحنابلة ينصفونه، وأقام بالضّيائية ثم بالجوزية. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن سليم بن كامل الحوراني ثم الدمشقي الشافعي [4] .
تفقه، ومهر، واعتنى بالأصول والعربية، وكان من عدول دمشق، وقرأ «الروضة» على علاء الدّين حجي، وكتب عليها حواشي مفيدة، وأذن له في الإفتاء، ودرّس وأجاد، وتصدّر وأفاد، وكان أكثر أقرانه استحضارا للفقه، وكان أسمر شديد السّمرة، وكان يكتب الحكم [5] ، وكتب من مصنّفات التّاج السّبكي له كثيرا.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 323) و «الضوء اللامع» (7/ 224) .
[2] في «ط» : «أبو عبيد الله» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 323) و «المقصد الأرشد» (2/ 409) و «السحب الوابلة» ص (378) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 325) و «الضوء اللامع» (7/ 262) .
[5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المحكم» والتصحيح من مصدري الترجمة.(9/58)
وتوفي في رجب بعد أن عوقب بأيدي اللّنكية وقد قارب الستين.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن عثمان بن شكر البعلي الحنبلي [1] ، الشيخ الإمام.
سمع الحديث من جماعة، وروى، وألّف، وجمع، وكانت كتابته حسنة وعباراته جيدة في التصنيف حدّث ب «معجم ابن جميع» وتوفي بغزّة.
وفيها الحافظ ناصر الدّين محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي المعروف بابن زريق [2] الشيخ الإمام.
تفقه، وطلب الحديث، فسمعه من صلاح الدّين بن أبي عمر، وتخرّج بابن المحبّ، وتمهر في فنون الحديث، وسمع العالي والنّازل، وخرّج، ورتّب «المعجم الأوسط» على الأبواب، و «صحيح ابن حبان» .
قال ابن حجر: استفدت منه كثيرا، وسمع معي على الشيوخ بالصّالحية وغيرها، ولم أر في دمشق من يستحق، اسم الحافظ غيره.
وتوفي في ذي القعدة أسفا على ولده أحمد ولم يكمل الخمسين، وكان اللّنكية قد أسروه وله نحو عشر سنين. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن الحافظ أبي عبد الله الذهبي الكفر بطناوي [3] .
سمع بإفادة جدّه منه، ومن زينب بنت الكمال، وغيرهما.
قال ابن حجر: سمعت منه، وكان من شيوخ الرواية. قتل بالعقوبة في حادي
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 327) و «الضوء اللامع» (8/ 146) و «المقصد الأرشد» (2/ 431) وسيكرر المؤلف ترجمته بعد قليل.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 325) و «الضوء اللامع» (7/ 300) و «المقصد الأرشد» (2/ 437) و «القلائد الجوهرية» (2/ 323) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 327) و «الضوء اللامع» (7/ 301) .(9/59)
عشري جمادى الأولى، وقيل: بل ضرب عنقه صبرا، وكان ببلده كفر بطنا، فأخذه العسكر التمري وقتلوه.
وفيها شمس الدّين محمد بن عثمان بن عبد الله بن شكر- بضم المعجمة وسكون الكاف- البعلي ثم الدمشقي الحنبلي النبحالي- بفتح النون وسكون الموحدة بعدها مهملة [1] سمع من ابن الخبّاز وغيره، وأجاز له الميدومي وغيره، وكان خيّرا، صالحا، ديّنا، متواضعا. أفاد وحدّث، وجمع مجاميع حسنة، منها كتاب في الجهاد، وكان خطّه حسنا ومباشرته محمودة، وجمع وألّف بعبارة جيدة.
توفي بغزّة في رمضان عن ثمان وسبعين سنة.
وفيها بدر الدّين محمد بن محمد بن مقلّد المقدسي الحنفي [2] ، قاضي قضاة دمشق، وليه فحسنت سيرته. وكان فقيها بارعا ذكيا، أفتى، ودرّس، وأقرأ، وتوفي بغزّة فارّا من تيمور في ربيع الأول.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل بن مكين المالكي [3] العلّامة، مدرّس ظاهرية برقوق.
كان إماما، فقيها، بارعا، أفتى ودرّس وأشغل عدة سنين، وانتهت إليه رئاسة المالكية في زمنه، وتوفي بالقاهرة في عشري ربيع الآخر.
وفيها شرف الدّين محمد بن معين الدّين محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن محمد المخزومي الدّماميني ثم الإسكندراني الشافعي [4] .
تفقه، واشتغل بالعربية والمعقول، وكان ديّنا، يعاني الكتابة، وباشر في أعمال
__________
[1] تقدمت ترجمته قبل قليل.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 341) و «الضوء اللامع» (10/ 22) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 330) و «الضوء اللامع» (9/ 54) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 331) و «الضوء اللامع» (9/ 63) .(9/60)
الدولة بالإسكندرية، ثم سكن القاهرة، وكان حادّ [1] الذهن، وبرع في الفقه والأصول، وولي حسبة القاهرة مرارا ووكالة بيت المال، مع الكسوة. ثم نظر الجيش، وسعى في القضاء فلم يتمّ له، ودفع في كتابة السرّ قنطارا من الذهب وهو عشرة آلاف دينار فلم يتفق له، وقبض عليه ثم أفرج عنه، وولي قضاء الإسكندرية، فلم يلبث أن مات بها مسموما في المحرّم.
وفيها بدر الدّين محمد بن محمد بن عبد البرّ بن يحيى بن علي بن تمّام السّبكي الخزرجي الشافعي [2] .
أسمع في صغره من ابن أبي اليسر، ونفيسة بنت الخبّاز، وعلى ابن العزّ عمر، وغيرهم، واشتغل بالفقه والأصول، وولي القضاء مرارا وفوض [3] له قضاء الشام لكن عزل قبل أن يتوجّه إليه، وولي خطابة الجامع بعد ابن جماعة، ودرّس بالأتابكية بدمشق، وكان لين الجانب، قليل الحرمة في مباشرته، وكان بخيلا بالوظائف وغيرها، مع حسن خلق وفكاهة، كثير الإنصاف، وإذا وقع عليه البحث لا يغضب بخلاف والده، واستقرّ في يده تدريس الشافعي إلى أن مات في ربيع الآخر وقد جاوز السبعين.
وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن عرفة الورغميّ التونسي المالكي [4] شيخ الإسلام بالمغرب.
سمع من ابن عبد السلام الهوّاري [5] والوادي آشي، وابن سلمة، وغيرهم.
واشتغل بالفنون.
قال ابن ظهيرة في «معجمة» [5] إمام علّامة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «حديد» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 333) و «الضوء اللامع» (9/ 88) و «الدرس في تاريخ المدارس» (1/ 135)
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «وفرض» والتصحيح من «إنباء الغمر» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 336) و «الضوء اللامع» (9/ 240) و «نيل الابتهاج على هامش الديباج» ص (274) .
[5، 5] ما بين الرقمين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .(9/61)
ولد بتونس سنة ست عشرة وسبعمائة، وقرأ بالروايات على ابن سلمة وغيره، وبرع في الأصول، والفروع، والعربية والمعاني، والبيان، والفرائض، والحساب، وسمع من الوادي آشي «الصحيحين» .
وكان رأسا في العبادة، والزّهد، والورع، ملازما للشغل بالعلم. رحل إليه الناس، وانتفعوا به، ولم يكن بالعربية من يجري مجراه في التحقيق، ولا من اجتمع له في العلوم ما اجتمع له. وكانت الفتوى تأتي إليه من مسافة شهر، وله مؤلفات مفيدة، منها «المبسوط في المذهب» في سبعة أسفار، و «مختصر الحوفي» في الفرائض.
وقال ابن حجر: أجاز لي، وكتب لي خطه لما حجّ. وعلّق عنه بعض أصحابه كلاما في التفسير كثير الفوائد في مجلدين.
وتوفي ليلة الخميس الرابع والعشرين من جمادى الآخرة ولم يخلّف بعده مثله.
وفيها بدر الدّين محمد بن محمد [1] بن محمد [1] بن عمر بن الفقيه أبي بكر بن قوام الصّالحي [2] .
قال ابن حجر: كان ديّنا، خيّرا، به طرش كثير. سمع الكثير من الحجّار وإسحاق الآمدي وغيرهما، فقرأنا عليه شبيها بالأذان، وكنا نتحقق أنه يسمع ما نقرؤه بامتحانه تارة وبصلاته على النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- أخرى، وبالرّضا عن الصحابة كذلك.
مات في شعبان متحرقا بدمشق وقد جاوز الثمانين انتهى.
وفيها محبّ الدّين محمد بن محمد بن محمد بن منيع الصالحي المؤقت المعروف بالورّاق [3] .
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 339) و «الضوء اللامع» (9/ 262) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 340) و «الضوء اللامع» (10/ 6) .(9/62)
قال في «إنباء الغمر» : سمع من ابن أبي التائب، وابن الرّضي، وغيرهما.
سمعت منه الكثير، ومات في رمضان بدمشق.
وفيها بدر الدّين محمد بن محمد بن مقلّد المقدسي ثم الدمشقي الحنفي [1] .
ولد سنة أربع وأربعين وسبعمائة، وبرع في الفقه والعربية والمعقول، ودرّس وأفتى، وناب في الحكم. ثم ولي القضاء استقلالا نحو سنة ثم عزل، ولم تحمد مباشرته، ثم سار إلى القاهرة، فسعى في العود فأعيد، فوصل إلى الرّملة فمات بها في ربيع الآخر.
وفيها محمد بن محمد البصروي ثم الدمشقي الضّرير [2] قرأ بالروايات، واشتغل في الفقه، ومات في رجب.
وفيها محمد بن محمود بن أحمد بن رميثة بن أبي نمي الحسيني المكّي [3] من بيت الملك، وقد ناب في إمرة مكّة، وكان خاله علي بن عجلان لا يقطع أمرا دونه، وكانت لديه فضيلة، وينظم الشعر، مع كرم وعقل.
مات في شوال وقد جاوز الأربعين.
وفيها القاضي شرف الدّين موسى بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن جمعة الأنصاري الشافعي [4] ، قاضي حلب.
ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، ونشأ في حجر عمّه شهاب الدّين خطيب حلب.
قال في «المنهل» : تفقه على شمس الدّين محمد العراقي شارح «الحاوي» ، وعلى الشيخ شهاب الدّين الأذرعي، وقدم القاهرة، فأخذ عن الجمال
__________
[1] سبقت ترجمته قبل قليل. انظر ص (60) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 342) و «الضوء اللامع» (10/ 41) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 342) و «الضوء اللامع» (10/ 42) و «العقد الثمين» (2/ 348) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 343) و «الضوء اللامع» (10/ 189) و «الدليل الشافي» (2/ 753) .(9/63)
الإسنوي [1] ، والولي الملوي، وسمع من الحافظ مغلطاي وغيره، وبدمشق من ابن المهندس، وأحمد الأيكي المعروف بابن زغلش. ثم عاد إلى حلب، وقد برع في فنون، وتولّى خطابة الجامع، ثم استقرّ قاضي قضاة حلب، وفي أيّامه قدم تيمور إلى البلاد الشّامية، وحضر مجلس تيمور، ورسم عليه ثم أفرج عنه [2] ، وكان عالما، كبيرا، مشكور السيرة وله «شرح الغاية القصوي» للبيضاوي.
وتوفي بحلب في شهر رمضان.
وفيها يوسف بن إبراهيم بن عبد الله الأذرعي [3] نزيل حلب.
اشتغل كثيرا في الفقه وغيره بدمشق، ثم قدم حلب، فقرّر في قضاء الباب، ثم قضاء سرمين، وكان فاضلا في الفقه، مقتصرا عليه.
مات في الكائنة العظمى. قاله القاضي علاء الدّين في «تاريخ حلب» .
وفيها جمال الدّين يوسف بن موسى بن محمد بن أحمد بن أبي تكين [4] بن عبد الله الملطي ثم الحلبي الحنفي [5] .
أصله من خرت برت [6] ، وولد سنة ست وعشرين وسبعمائة، ونشأ بملطية، واشتغل بحلب، حتّى مهر، ثم رحل إلى الديار المصرية وهو كبير، فأخذ عن علمائها، وسمع من العزّ بن جماعة، ومغلطاي، وحدّث عنه بالسيرة النبوية، وذكر أنه سمعها منه سنة ستين [7] ، واشتغل، وحصّل، وأفتى، ودرّس، وكان يستحضر
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «الضوء اللامع» : «الاسنوي» وفي «إنباء الغمر» : «الاسنائي» .
[2] لفظة «عنه» سقطت من «آ» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 345) و «الضوء اللامع» (10/ 292) .
[4] في «آ» و «ط» : «ابن أبي بكر» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 346) و «الضوء اللامع» (10/ 335) .
[6] كذا في «آ» و «ط» ومصدري الترجمة «خرت برت» مفصولة وفي «معجم البلدان» (2/ 355) :
«خرتبرت» بالفتح ثم السكون، وفتح التاء المثناة، وباء موحدة مكسورة، وراء ساكنة، وتاء مثناة من فوقها، هو اسم أرمنيّ، وهو الحصن المعروف بحصن زياد الذي يجيء في أخبار بني حمدان في أقصى ديار بكر من بلاد الروم، بينه وبين ملطية مسيرة يومين، وبينهما الفرات.
[7] يعني وستين وسبعمائة.(9/64)
«الكشاف» والفقه على مذهبهم، فاستدعاه برقوق لما مات الشمس الدّين الطّرابلسي، فحضر من حلب سنة ثمانمائة، واستقرّ في قضاء الحنفية مدة قدرها مائة وعشرة أيام فباشر مباشرة عجيبة، فإنه قرّب الفسّاق، واستكثر من استبدال الأوقاف، وقتل مسلما بنصرانيّ، ثم لما مات الكلستاني، استقرّ بعده في تدريس الصّر غتمشية، واشتهر أنه كان يفتي بأكل الحشيش وبوجوه من الحيل في أكل الرّبا، وأنه كان يقول: من نظر في كتاب البخاري تزندق. قاله ابن حجر.
وقد أثنى ابن حجي على علمه.
وقال العيني: كان عنده بعض شح وطمع، وتغفّل، وكان قد حصّل بحلب مالا كثيرا فنهب في الفتنة، وكان ظريفا ربع القامة.
قال: وهو أحد مشايخي، قرأت عليه بحلب سنة ثمانين انتهى.
وقال القاضي علاء الدين الحلبي في «تاريخه» : لما هجم اللّنكية البلاد عقد مجلس بالقضاة والعلماء لمشاطرة الناس في أموالهم، فقال الملطي: إن كنتم تعملون بالشوكة فالأمر لكم، وأما نحن فلا نفتي بهذا، ولا يحلّ أن يعمل فوقفت الحال، وكانت من حسناته، ولما طلب إلى مصر على رأس القرن قال لي: أنا الآن ابن خمس وسبعين، ومات بالقاهرة في ربيع الآخر. انتهى.
وقال في التاريخ المذكور: مات في هذه السنة من الفقهاء الشافعية في الكائنة وبعدها:
علاء الدّين الصّرخدي [1] .
وشرف الدّين الداديخي [2] .
وشهاب الدّين بن الضعيف [3] .
__________
[1] هو علي بن محمد بن يحيى الصّرخدي. ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 303) و «الضوء اللامع» (6/ 36) .
[2] هو أبو بكر بن سليمان بن صالح الدّاديخي. ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 267) و «الضوء اللامع» (11/ 34) .
[3] هو أحمد بن يونس الغزي ثم الحلبي الشافعي. ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 253) .(9/65)
وشمس الدّين البابي [1] .
وبهاء الدّين داود الكردي [2] .
وشمس الدّين ابن الزّكي الجعبري [3] .
__________
[1] هو محمد بن إسماعيل بن الحسن بن صهيب البابي ثم الحلبي. ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 320) و «الضوء اللامع» (7/ 136) .
[2] هو داود بن علي الكردي. ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 277) و «الضوء اللامع» (3/ 214) .
[3] ذكره ابن حجر في «إنباء الغمر» (4/ 350) كما ذكر في كتابنا، وانظر تعليق محققه عليه.(9/66)
سنة أربع وثمانمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن راشد الملكاوي الشافعي [1] .
اشتغل بدمشق، وحصّل، ومهر في القراءات، وكان يشغل بالفرائض بالجامع بين العشاءين. وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن الحسن بن محمد بن زكريا بن يحيى المقدسي ثم المصري السّويدائي [2]- نسبة إلى السّويداء قرية من أعمال حوران- الشّافعي.
اعتنى به أبوه، فأسمعه الكثير من يحيى ابن المصري وجماعة من أصحاب ابن عبد الدّائم، والنّجيب، وغيرهم، وأكثر له من الشيوخ والمسموع، واشتغل في الفقه، وبحث في «الروضة» . وكان يتعانى الشّهادات، ثم أضرّ بأخرة وانقطع بزاوية الست زينب خارج باب النّصر.
قال ابن حجر: قرأت عليه الكثير، ونعم الشيخ كان، وتفرّد بروايات كثيرة، وكان الشيخ جمال الدّين الحلاوي يشاركه في أكثر مسموعاته، مات في تاسع عشر ربيع الآخر وقد قارب الثمانين أو أكملها.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الخالق بن علي بن حسن بن عبد العزيز بن محمد بن الفرات المالكي [3] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 26) و «الضوء اللامع» (1/ 146) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 26) و «الضوء اللامع» (1/ 278) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 28) و «الضوء اللامع» (1/ 323) .(9/67)
اشتغل بالفقه، والعربية، والأصول، والطبّ، والأدب، ومهر في الفنون، ونظم الشعر الحسن، ومنه:
إذا شئت أن تحيا حياة سعيدة ... ويستحسن الأقوام منك التّقبّحا [1]
تزيّا بزيّ التّرك واحفظ لسانهم ... وإلّا فجانبهم وكن متصولحا
وفيها نور الدّين أحمد بن علي بن أبي الفتح الدمشقي [2] نزيل حلب، المعروف بالمحدّث.
سمع الكثير من أصحاب الفخر وغيرهم بدمشق وحلب، واشتغل في علم الحديث وأقرأ فيه مدة بحلب ودمشق، وأخذ الأدب عن الصّلاح الصّفدي، وكان حسن المحاضرة.
وفيها القاضي تقي الدّين أحمد بن محمد [3] بن محمد [3] بن المنجّى بن عثمان بن أسعد بن محمد بن المنجّى الحنبلي الشيخ الإمام [4] .
حصّل ودأب، وكان له شهامة ومعرفة وذهن مستقيم. وناب لأخيه القاضي علاء الدّين، ثم اشتغل بقضاء قضاة دمشق بعد فتنة تيمور مدة أشهر، وذكر عنه الشيخ شرف الدّين بن مفلح أنه ابتدأ عليه قراءة «الفروع» لوالده، فلما انتهى في القراءة إلى الجنائز حضره أجله، ومات معزولا في ذي الحجّة ولم يكمل الخمسين سنة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد المصري، نزيل القرافة ابن النّاصح [5] .
__________
[1] في «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «المقبّحا» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 29) و «الضوء اللامع» (2/ 35) .
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 30) و «الضوء اللامع» (2/ 202) و «المقصد الأرشد» (1/ 183) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 48) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 30) و «الضوء اللامع» (2/ 202) .(9/68)
قال ابن حجر: سمع من الميدومي، وذكر أنه سمع من ابن عبد الهادي، وحدّث عنه بمكّة ب «صحيح مسلم» وحدّث عن الميدومي ب «سنن أبي داود» و «جامع الترمذي» سماعا. أخذت عنه قليلا، وكان للناس فيه اعتقاد، ونعم الشيخ كان، سمتا وعبادة ومروءة.
مات في أواخر رمضان، وتقدم في الصلاة عليه الخليفة. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن المهندس المقدسي الحنبلي [1] المتقن الضّابط.
ولد سنة أربع وأربعين وسبعمائة، ورحل، وكتب، وسمع على الحفّاظ، وروى عنه جماعة من الأعيان، منهم القاضي [2] سعد الدّين الدّيري الحنفي، وتوفي بالقدس الشّريف في شهر رمضان.
وفيها تقي الدّين أبو بكر بن عثمان بن خليل الحوراني المقدسي الحنفي [3] سمع من الميدومي، وحدّث عنه، وناب في الحكم، وتوفي في أواخر السنة ببيت المقدس.
وفيها عماد الدّين أبو بكر بن أبي المجد بن ماجد بن أبي المجد بن بدر بن سالم السّعدي الدمشقي ثمّ المصري الحنبلي [4] .
ولد سنة ثلاثين وسبعمائة، وسمع من المزّي والذّهبي، وغيرهما، وأحبّ الحديث فحصّل طرفا صالحا منه، وسكن مصر قبل الستين فقرّر في طلب الشيخونية، فلم يزل بها حتّى مات، وجمع الأوامر والنّواهي من الكتب الستة، واختصر «تهذيب الكمال» .
قال ابن حجر: اجتمعت به وأعجبني سمته وانجماعه وملازمته للعبادة، وحدّث عن الذهبي، ومات في أواخر جمادى الأولى.
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (478) من القسم المخطوط.
[2] في «المنهج الأحمد» : «القاضي القضاة» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 32) و «الضوء اللامع» (11/ 49) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 32) و «الضوء اللامع» (11/ 66) .(9/69)
وفيها بركة السّيّد الشريف المعتقد، المعروف بالشريف بركة [1] .
قال في «المنهل الصّافي» : كان لتيمور فيه اعتقاد كثير إلى الغاية، وله معه ماجريات، من ذلك أن تيمور لما أخذ السّلطان حسين صاحب بلخ سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، ثم سار لحرب القآن تقتمش ملك التتار وتلاقيا على أطراف تركستان، واشتدّ الحرب بينهما، حتّى قتل أكثر أصحاب تيمور، وهمّ تيمور بالفرار، وظهرت الهزيمة على عسكره، ووقف في حيرة، وإذا بالسّيّد هذا قد أقبل على فرس، فقال له تيمور: يا سيدي انظر حالي، فقال له: لا تخف، ثم نزل عن فرسه ووقف على رجليه يدعو ويتضرّع، ثم أخذ من الأرض ملء كفّه من الحصباء، ورمى بها في وجوه عسكر تقتمش خان، وصرخ بأعلى صوته: باغي قجتي ومعناه باللغة التركية العدو هرب، فصرخ بها معه تيمور وعسكره، وحمل بهم على القوم، فانهزموا أقبح هزيمة، وظفر تيمور بعساكر تقتمش وقتل وأسر على عادته القبيحة، وله معه أشياء من هذا النمط، ولهذا كانت منزلته عند تيمور إلى الغاية، ودام معه إلى أن قدم دمشق سنة ثلاث وثمانمائة، وقد اختلف في أصل هذا الشريف، فقيل: إنه كان مغربيا حجّاما بالقاهرة، ثم سافر إلى سمرقند، وادعى أنه شريف علويّ، وقيل: إنه من أهل المدينة النبوية، وقيل: من أهل مكة، وعلى كل حال فأنا لا أعتقد عليه لمصاحبته وإعانته لتيمور على أغراضه الكفرية، فأمره إلى الله تعالى. انتهى باختصار.
وفيها صالح بن خليل بن سالم بن عبد النّاصر بن محمد بن سالم الغزّي الشّافعي [2] .
سمع من الميدومي، وحدّث عنه، وناب في الحكم، وتوفي في ذي القعدة ببيت المقدس.
وفيها زين الدّين عبد اللطيف بن تقي الدّين محمد بن الحافظ
__________
[1] ترجمته في «الدليل الشافي» (1/ 189) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 34) و «الضوء اللامع» (3/ 311) .(9/70)
قطب الدّين. عبد الكريم بن عبد النّور بن منير الحلبي ثم المصري [1] .
قال ابن حجر: أحضر على ابن عبد الهادي، وسمع من الميدومي، وسمعت منه، وكان وقورا، خيّرا.
مات في وسط صفر.
وفيها عبد المؤمن العينتابي المعروف بمؤمن الحنفي [2] قال العيني في «تاريخه» : كان فاضلا في عدة علوم، منها الفقه، وكان حسن الوجه، مليح الشكل، درّس بعينتاب، ثم تحوّل إلى حلب، فأقام بها إلى أن مات.
وفيها فخر الدّين عثمان بن عبد الرحمن المخزومي البلبيسي ثم المصري الشافعي [3] المقرئ الضرير، إمام الجامع الأزهر.
تصدى للاشتغال بالقراءة فأتقن السبع، وصار أمّة وحده.
قال ابن حجر: وأخبرني أنه لما كان ببلبيس كان الجنّ يقرؤن عليه. قرأ عليه خلق كثير، وكان صالحا خيّرا، أقام بالجامع الأزهر يؤمّ فيه مدة طويلة، وقد حدّث عنه خلق كثير في حياته، انتفع به ما لا يحصى عددهم في القراءة، وانتهت إليه الرئاسة في هذا الفنّ، وعاش ثمانين سنة، وتوفي في ثاني ذي القعدة.
وفيها سراج الدّين أبو حفص عمر بن أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي الوادي آشي ثم المصري، المعروف بابن الملقّن [4] .
قال في «المنهل» : رحل أبوه نور الدّين من الأندلس إلى بلاد التّرك، وأقرأ أهلها هناك القرآن الكريم، فنال منهم مالا جزيلا، فقدم به إلى القاهرة واستوطنها،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 35) و «الضوء اللامع» (4/ 335) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 35) و «الضوء اللامع» (5/ 90) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 36) و «الضوء اللامع» (5/ 130) و «غاية النهاية» (1/ 506) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 41) و «الضوء اللامع» (6/ 100) .(9/71)
فولد له بها سراج الدّين هذا في يوم السبت رابع عشري ربيع الأول، سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وتوفي والده وله من العمر سنة واحدة، وأوصى إلى الشيخ شرف الدّين عيسى المغربي الملقّن لكتاب الله بالجامع الطولوني، وكان صالحا، فتزوّج أمّ الشيخ سراج الدّين، وربّاه، فعرف بابن الملقّن نسبة إليه، وقرأه القرآن ثم العمدة، ثم أراد أن يشغله على مذهب الإمام مالك، فقال له بعض أولاد ابن جماعة: أقرئه «المنهاج» فأقرأه وأسمعه على الحافظين ابن سيّد الناس، وقطب الدّين الحلبي، وأجاز له الحافظ المزّي وغيره من دمشق ومصر وحلب، وطلب الحديث بنفسه، وعني به، وسمع الكثير من حفّاظ عصره، كابن عبد الدائم وغيره، وتخرّج بابن رجب ومغلطاي، ورحل إلى دمشق في سنة سبع وسبعين، فسمع بها من متأخري أصحاب الفخر بن البخاري، وبرع، وأفتى، ودرّس، وأثنى عليه الأئمة، ووصف بالحافظ، ونوه بذكره القاضي تاج الدّين السّبكي، وكتب له تقريظا [1] على شرحه ل «المنهاج» ، وتصدى للإفتاء والتدريس دهرا طويلا، وناب في الحكم، ثم طلب للاستقلال بوظيفة القضاء فامتحن بسبب ذلك في سنة ثمانين، ولزم داره، وأكبّ على الأشغال والتصنيف، حتّى صار أكثر أهل زمانه تصنيفا، وبلغت مصنّفاته نحو ثلاثمائة مصنّف، وكان جمّاعة للكتب جدا، ثم احترق غالبها قبل موته، وكان ذهنه مستقيما قبل أن تحترق كتبه ثم تغيّر حاله بعد ذلك، وهو ممن كان تصنيفه أحسن من تقريره، وبالغ بعضهم فقال: إنه أحضر إليه بعض تصانيفه فعجز عن تقرير ما تضمنه، وقام من المجلس ولم يتكلم، وأخذ عنه جماعات من الحفّاظ وغيرهم، منهم حافظ دمشق ابن ناصر الدّين، ووصفه بالحفظ والإتقان.
وقال ابن حجر: كان موسّعا عليه في الدنيا، مديد القامة، حسن الصورة، يحبّ المزاح والمداعبة، مع ملازمة الاشتغال والكتابة، حسن المحاضرة، جميل الأخلاق، كثير الإنصاف، شديد القيام مع أصحابه، وربما اشتهر بابن النّحوي، وربما كتب بخطّه كذلك ولذلك اشتهر بها ببلاد اليمن وتغيّر حاله بأخرة فحجبه
__________
[1] في «ط» : «تقريظا» وكلاهما بمعنى.(9/72)
ولده نور الدّين إلى أن مات في سادس عشري [1] ربيع الأول بالقاهرة، ودفن على والده بحوش الصّوفية خارج باب النّصر.
وفيها نجم الدّين محمد بن نور الدّين علي بن العلّامة نجم الدّين محمد بن عقيل بن محمد بن الحسن بن علي البالسي ثم المصري الشافعي [2] .
قال ابن حجر: تفقه كثيرا، ثم تعانى الخدم عند الأمراء، ثم ترك ولزم بيته، ودرّس بالطّيبرسية إلى أن مات، وأضرّ قبل موته بيسير، ونعم الشيخ كان، خيرا، واعتقادا، ومروءة، وفكاهة لازمته مدة وحدّثني عن ابن عبد الهادي، ونور الدّين الهمداني، وغيرهما.
مات في عاشر المحرم وله أربع وسبعون سنة. انتهى.
وفيها أبو جعفر محمد بن محمد بن عنقة- بنون وقاف وفتحات- البسكري- بفتح الموحدة وبعدها مهملة، نسبة إلى بسكرة [3] بلد بالمغرب- ثم المدني [4] .
كان يسكن المدينة ويطوف البلاد، وقد سمع من جمال الدّين بن نباتة قديما، ثم طلب بنفسه، فسمع الكثير من بقية أصحاب الفخر بدمشق، وحمل عن ابن رافع، وابن كثير، وحصّل الأجزاء، وتعب كثيرا، ولم ينجب.
قال ابن حجر: سمعت منه يسيرا، وكان متوددا، رجع من إسكندرية إلى مصر فمات بالسّاحل غريبا، رحمه الله تعالى.
وفيها عزّ الدّين يوسف بن الحسن بن محمود السّرّائي الأصل التّبريزي، الشهير بالحلوائي- بفتح أوله وسكون اللام مهموز- الفقيه الشافعي [5] .
ولد سنة ثلاثين وسبعمائة، وتفقه ببلاده، وقرأ على القاضي عضد الدّين
__________
[1] في «ط» : «في سادس عشر» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 49) .
[3] انظر «معجم البلدان» (1/ 422- 423) و «الروض المعطار» ص (113- 114) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 50- 51) و «الضوء اللامع» (9/ 172) .
[5] تقدمت ترجمته في وفيات سنة (802) ص (37) .(9/73)
وغيره، وأخذ ببغداد عن شمس الدّين الكرماني الحديث و «شرحه للبخاري» ومهر في أنواع العلوم، وأقبل على التدريس، وشغل الطلبة، وعمل على البيضاوي شرحا، وتحوّل من تبريز لما خرّبه الدعادعة وهم أصحاب طقتمش [1] خان إلى ماردين، فأقام بها مدة، ثم راسله [2] مرزا ابن اللّنك، وقدم عليه تبريز فبالغ في إكرامه فأقام بها، وكتب على «الكشاف» حواشي، وشرح «الأربعين النواوية» .
وكان زاهدا، عابدا، معرضا، عن أمور الدنيا، مقبلا على العلم، حجّ وزار المدينة وجاور بها سنة، وكان لا يرى مهموما قطّ. ورجع إلى الجزيرة لما كثر الظّلم في تبريز فقطنها إلى أن توفي بها، وخلّف ولدين بدر الدّين محمد، وجمال الدّين محمد.
وفيها يوسف بن حسين الكردي الشّافعي [3] نزيل دمشق.
كان عالما، صالحا، معتقدا، تفقّه وحصّل.
قال الشيخ شهاب الدّين الملكاوي: قدمت من حلب سنة أربع [4] وستين وسبعمائة، وهو كبير يشار إليه، وكان يميل إلى السّنّة وينكر على الأكراد في عقائدهم وبدعتهم، وكان له اختيارات، منها المسح على الجوربين مطلقا، وكان يفعله، وله فيه مؤلّف لطيف، جمع فيه أحاديث وآثارا. ومنهاج تزويج الصغيرة التي لا أب لها ولا جدّ.
وقال ابن حجي: كان يميل إلى ابن تيميّة ويعتقد صواب ما يقول في الفروع والأصول، وكان من يحبّ ابن تيميّة يجتمع إليه، وكان قد ولي مشيخة الخانقاه الصّالحيّة، وأعاد بالظاهرية، وقد وقع بينه وبين ولده الشيخ زين الدّين عبد الرحمن الواعظ بسبب العقيدة، وتهاجرا مدة، إلى أن وقعت فتنة اللّنك فتصالحا، ثم جلس مع الشهود، وأحسن إليه ولده في فاقته ولم يلبث أن مات في شوال.
__________
[1] في «ط» : «ظغتمش» وهو خطأ.
[2] في «ط» : «أرسله» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 54- 55) و «الضوء اللامع» (10/ 311) .
[4] تحرفت في «ط» إلى «ربع» .(9/74)
سنة خمس وثمانمائة
فيها استولى تمرلنك على أبي يزيد بن عثمان وأسر ولده موسى، ثم مات أبو يزيد في الأسر إمّا من القهر أو من غيره، وكان أبو يزيد من خيار ملوك الأرض، ولم يكن يلقّب [بلقب] ولا أحد من أبنائه وذريته، ولا دعي بسلطان ولا ملك، وإنما يقال الأمير تارة، وخوند [1] خان تارة أخرى، وكان مهابا يحبّ العلم والعلماء، ويكرم أهل القرآن، وكان يجلس بكرة النهار في مراح من الأرض متسع ويقف الناس بالبعد منه بحيث يراهم، فمن كانت له ظلامة رفعها إليه فأزالها في الحال، وكان الأمن في بلاده فاشيا للغاية، وكان يشترط [2] على كل من يخدمه أن لا يكذب ولا يخون، إلى غير ذلك من الأوصاف الحسنة، وترك لما مات [من الأولاد] سليمان [3] ، ومحمدا، وموسى، وعيسى، فاستقلّ بالملك سليمان [3] وسيأتي شيء من ذكره في ترجمة تيمور [4] .
وفيها استولى تيمور على غالب البلاد الرّومية ورجع إلى بلاده في شعبان من هذه السنة.
وفيها استشهد سعد الدّين أبو البركات محمد بن أحمد بن علي بن صبر الدّين [5] ، ملك الحبشة.
__________
[1] قال الشيخ محمد أحمد دهمان في «معجم الألفاظ التاريخية» ص (70) : الخوند: في الفارسية، السيد العظيم أو الأمير، استعملت في العربية لقبا بمعنى السيد أو السيدة.
[2] في «ط» و «إنباء الغمر» : «يشرط» .
[3] في «آ» و «ط» : «سلمان» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[4] انظر «إنباء الغمر» (5/ 55- 60) وما بين الحاصرتين في الخبر مستدرك منه.
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 88) و «الضوء اللامع» (7/ 16) .(9/75)
استقر في مملكة الحبش بعد أخيه حقّ الدّين، فسار سيرته في جهاد الكفرة [1] ، وكانت عنده سياسة، وكسرت عساكره، وتعددت غاراته، واتسعت مملكته، حتّى وقع له مرّة أن بيع الأسرى الذين أسرهم من الحبشة كل عبدين بتفصيلة، وبلغ سهمه من بعض الغنائم أربعين ألف بقرة لم تبت عنده بقرة واحدة بل فرّقها وله في مدة ولايته وقائع وأخبار يطول ذكرها، فلما كان في هذه السنة جمع الحطي صاحب الحبشة جمعا عظيما وجهز عليه أميرا يقال له باروا، فالتقى الجمعان، فاستشهد من المسلمين جمع كثير، منهم أربعمائة شيخ من الصّلحاء أصحاب العكاكيز، وتحت يد كلّ واحد منهم عدة فقراء [2] واستبحر القتل في المسلمين حتّى هلك أكثرهم، وانهزم من بقي، ولجأ سعد الدّين إلى جزيرة زيلع في وسط البحر، فحصروه فيها، إلى أن وصلوا إليه، فأصيب في جبهته بعد وقوعه في الماء ثلاثة أيام، فطعنوه فمات، وكانت مدة ملكه ثلاثين سنة، واستولى الكفّار على بلاد المسلمين، وخرّبوا المساجد، وبنوا بدلها الكنائس، وأسروا وسبوا ونهبوا، وفرّ أولاد سعد الدّين، وهمّ صبر الدّين علي ومعه تسعة من إخوته إلى البرّ الآخر فدخلوا مدينة زبيد، فأكرمهم النّاصر أحمد بن الأشرف وأنزلهم وأعطاهم خيولا ومالا، فتوجهوا إلى مكان يقال له سيّارة فلحق بهم بعض عساكرهم، واستمرّ صبر الدّين على طريقة أبيه وكسر عدة من جيوش الحطي وحرق عدة من الكنائس، وغنم عدة غنائم. قاله ابن حجر.
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الله بن الحسن البوصيري الشافعي [3] .
تفقه، ولازم الشيخ ولي الدّين الملوي، وبرع في الفنون، ودرّس مدة، وأفاد، وتعانى التّصوّف، وتكلّم على مصطلح المتأخرين فيه، وكان ذكيا، وسمع منه ابن حجر، ومات في جمادى الأولى.
__________
[1] في «ط» : «الكفر» .
[2] في «ط» : «فقرأ» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 93) و «الضوء» (1/ 359) .(9/76)
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الله الحلبي ثم الدمشقي [1] قاضي كرك نوح.
قال ابن حجي: كان من خيار الفقهاء، وقد ولي القضاء القدس، وولي الخطابة والقضاء بكرك نوح ثم القدس، وناب في الخطابة بالجامع الأموي، وفي تدريس البادرائية، وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها أحمد بن محمد بن عثمان بن عمر بن عبد الله الحنبلي [2] ، نزيل غزّة.
سمع من الميدومي، ومحمد بن إبراهيم بن أسد، وأكثر عن العلائي وغيرهم، وكان صالحا، دينا، خيّرا، بصيرا ببعض المسائل.
سكن غزّة واتخذ بها جامعا، وكان للناس فيه اعتقاد، ونعم الشيخ كان، وقرأ عليه ابن حجر عدة أجزاء، ومات في صفر وله اثنتان وسبعون سنة.
وفيها أحمد بن محمد بن عيسى بن الحسن الياسوفي ثم الدمشقي [3] ، المعروف بالثّوم- بمثلثة مضمومة-.
قال ابن حجر: روى عن أحمد بن علي بن الجزري وغيره، وكان له مال وثروة، ثم افتقر بعد الكائنة.
وتوفي في جمادى الآخرة عن ست وستين سنة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن يحيى بن أحمد بن مالك العثماني الصّرميني من معرّة صرمين [4] الشافعي.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 94) و «الضوء اللامع» (1/ 371) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 94) و «الضوء اللامع» (2/ 140) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 95) و «الضوء اللامع» (2/ 163) .
[4] تنبيه: كذا قال المؤلف رحمه الله: «الصّرميني من معرّة صرمين» وهو خطأ، والصواب: «المصريني من معرّة مصرين» ومعرّة مصرين من أعمال سرمين. انظر «معجم البلدان» (5/ 155) و «الدّر المنتخب» ص (164) والتعليق على «در الحبب» (1/ 187) وفي «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» :
«المعرّي من معرّة سرمين» .(9/77)
اشتغل، ومهر، وكان قاضي بلده مدة، ثم ولي قضاء حلب بعد الفتنة العظمى دون الشهر، فاغتيل بعد صلاة الصبح، ضرب في خاصرته فمات ثالث عشر شوال، وكانت سيرته حسنة وفيه سكون.
وفيها تاج الدّين بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز قاضي القضاة ابن الدّميري [1] المالكي [2] .
كان إماما في الفقه والعربية وغيرهما، وتصدّر للإفتاء والتدريس عدة سنين، وانتفع به الطلبة، ثم ولي قضاء قضاة المالكية، بالدّيار المصرية فحمدت سيرته، ولم يزل ملازما للاشتغال والأشغال، وقد انتهت إليه رئاسة السّادة المالكية في زمنه.
وتوفي يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة.
وفيها سعد الدّين بن يوسف بن إسماعيل بن يوسف بن يعقوب بن سرور بن نصر بن محمد النّووي ثم الخليلي الشافعي [3] .
ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة، وقدم دمشق بعد الأربعين فاشتغل بها ومهر، وأخذ عن الذهبي، وشمس الدّين بن نباتة وغيرهما، وحمل عن التّاج المراكشي، وابن كثير، وقرأ عليه «مختصره» في علم الحديث، وأذن له، وحدّث، وأفتى، ودرّس.
قال ابن حجي: كان ذا ثروة جيدة فاحترقت داره في الفتنة، وأخذ ماله فافتقر فاحتاج أن يجلس مع الشهود، ثم ولي قضاء بعض القرى وقضاء بلد الخليل عليه السلام، فمات هناك في جمادى الأولى.
وفيها سارة بنت علي بن عبد الكافي السّبكي [4] .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الديري» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 98) و «الضوء اللامع» (3/ 19) و «نيل الابتهاج» ص (101) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 100) و «الضوء اللامع» (3/ 254) .
[4] ترجمتها في «إنباء الغمر» (5/ 102) و «الضوء اللامع» (12/ 51) و «أعلام النساء» (2/ 138) .(9/78)
قال ابن حجر: أسمعت من أحمد بن علي الجزري، وزينب بنت الكمال، وسمعت على أبيها أيضا، وتزوجها أبو البقاء، فلما مات تحولت إلى القاهرة، ثم رجعت إلى دمشق في أيام سري الدّين، وكان صاهرها، ثم رجعت إلى القدس، ثم إلى القاهرة، فسمعنا منها قديما، ثم في سنة موتها.
ماتت بالقاهرة في ذي الحجّة وقد جاوزت السّبعين.
وفيها عبد الله بن خليل بن الحسن بن طاهر بن محمد بن خليل بن عبد الرّحمن الحرستاني ثم الصّالحي المؤذن [1] .
سمع من الشّرف ابن الحافظ وغيره، وأجاز له الحجّار، وسمع منه ابن حجر.
وفيها عبد الجبّار بن عبد الله المعتزلي الحنفي الخوارزمي [2] عالم الدّشت، صاحب تيمور لنك وإمامه وعالمه.
ولد في حدود سنة سبعين وسبعمائة، وكان إماما عالما بارعا، متقنا للفقه، والأصلين، والمعاني، والبيان، والعربية، واللغة انتهت إليه الرئاسة في أصحاب تيمور، وكان هو عظيم دولته، ولما قدم تيمور البلاد الحلبية والشامية كان عبد الجبّار هذا معه، وباحث وناظر علماء البلدين، وكان فصيحا باللغات الثلاث [3] العربية، والعجمية، والتركية، وكانت له ثروة، ووجاهة، وعظمة، وحرمة زائدة إلى الغاية، وكان ينفع المسلمين في غالب الأحيان عند تيمور، وكان يتبرّم من صحبة تيمور ولا يسعه إلّا موافقته، ولم يزل عنده حتّى مات في ذي القعدة.
وفيها أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسيني الفاسي ثم المكّي المالكي [4] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 102) و «الضوء اللامع» (5/ 18) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 103) و «الضوء اللامع» (4/ 35) و «الدليل الشافي» (1/ 394) .
[3] في «ط» : «الثلاثة» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 104) و «الضوء اللامع» (4/ 149) .(9/79)
سمع من تاج الدّين ابن بنت أبي سعد، وشهاب الدّين الهكّاري، وغيرهما، وعني بالفقه فمهر فيه إلى الغاية، وشارك في غيره، ودرّس، وأفتى أكثر من أربعين سنة.
وتوفي بمكة في نصف ذي القعدة عن خمس وستين سنة.
وفيها تاج الدّين عبد الوهاب بن الشيخ عفيف الدّين عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي المكّي الشافعي [1] .
اشتغل بالفقه، وأذن له الأبناسي، وسمع من أبيه وجماعة بمكة، ورحل إلى دمشق، فسمع من ابن أميلة وغيره، وتفقّه بالأميوطي وغيره، وكان خيّرا، عابدا، ورعا، قليل الكلام فيما لا يعنيه، وسمع منه ابن حجر.
وتوفي في رجب عن خمس وخمسين سنة.
وفيها الحافظ سراج الدّين عمر بن رسلان بن نصير بن صالح- وصالح هذا أول من سكن بلقينة- ابن شهاب [2] الدين [2] بن عبد الخالق بن مسافر بن محمد البلقيني الكناني الشافعي [2] شيخ الإسلام.
ولد ليلة الجمعة ثاني عشر شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وحفظ القرآن العظيم وهو ابن سبع سنين، وحفظ «المحرّر» في الفقه، و «الكافية» لابن مالك في النحو، و «مختصر ابن الحاجب» في الأصول، و «الشاطبية» في القراءات، وأقدمه أبوه إلى القاهرة وله اثنتا عشرة سنة، فطلب العلم، واشتغل على علماء عصره، وأذن له في الفتيا وهو ابن خمس عشرة سنة، وسمع من الميدومي وغيره، وقرأ الأصول على شمس الدّين الأصفهاني، والنّحو على أبي حيّان، وأجاز له من دمشق الحافظان المزّي والذّهبي، وغيرهما، وفاق الأقران، واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها، فقيل: إنه مجدّد القرن التاسع، وما رأى مثل نفسه، وأثنى عليه العلماء وهو شاب، وانفرد في آخره برئاسة العلم، وولي إفتاء دار
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 105) و «الضوء اللامع» (5/ 102) و «العقد الثمين» (5/ 534) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 107) و «الضوء اللامع» (6/ 85) و «الدليل الشافي» (1/ 497) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 42- 52) .(9/80)
العدل، وقضاء دمشق سنة تسع وستين وسبعمائة، فباشره مدة يسيرة، ثم عاد إلى القاهرة، وسافر إلى حلب سنة ثلاث وتسعين صحبة الظّاهر برقوق، واشتغل بها، ثم عاد صحبة السلطان، وعظم، وصار يجلس في مجلس السلطان فوق قضاة القضاة، وأكب على الأشغال والتصنيف، وانتفع به عامة الطلبة، وأتته الفتاوى من الأقطار.
ومن تصانيفه: شرحان على «الترمذي» «تصحيح المنهاج» لكنه لم يكمل [1] وغير ذلك [1] ، وكان أعجوبة زمانه حفظا واستحضارا.
قال برهان الدّين المحدّث: رأيته فريد دهره، فلم تر عيني أحفظ للفقه ولأحاديث الأحكام منه، ولقد حضرت دروسه وهو يقرئ «مختصر مسلم» للقرطبي [2] يتكلم على الحديث الواحد من بكرة إلى قريب الظّهر، وربما أذّن الظّهر ولم يفرغ من الحديث الواحد، واعترفت له علماء جميع الأقطار بالحفظ وكثرة الاستحضار. انتهى.
وتزوج بنت ابن عقيل، ولازمه [3] في شبيبته.
وممن أخذ عنه حافظ دمشق ابن ناصر الدّين وأثنى عليه بالحفظ وغيره، والحافظ ابن الحجر وقال: خرّجت له أربعين حديثا عن أربعين شيخا حدّث بها مرارا، وقرأت عليه «دلائل النّبوة» للبيهقي فشهد لي بالحفظ في المجلس العام، وقرأت عليه دروسا من «الروضة» وأذن لي، وكتب لي [4] خطه بذلك. انتهى.
وتوفي بالقاهرة نهار الجمعة حادي عشر ذي القعدة وصلّى عليه ولده جلال الدّين عبد الرحمن، ودفن بمدرسته التي أنشأها.
__________
[1] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .
[2] هو الإمام الحافظ المحدّث أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري القرطبي المالكي، المتوفى سنة (656) .
وقد تقدمت ترجمته في المجلد السابع ص (473) ومختصره لصحيح مسلم طبع في مصر منذ فترة قريبة، وقد صنّف شرحا لمختصره المشار إليه سمّاه «المفهم في شرح مختصر مسلم» وهو شرح نفيس جدير بالنشر والإخراج نظرا لما فيه من الفوائد النافعة.
[3] في «ط» : «ولازمته» وهو خطأ.
[4] لفظة «لي» سقطت من «ط» .(9/81)
وفيها عميد بن عبد الله الخراساني الحنفي [1] ، قاضي تمرلنك.
مات بعد رجوعه من الرّوم في هذه السنة. قاله ابن حجر.
وفيها أمّ عمر كلثم [2] بنت الحافظ تقي الدّين محمد بن رافع السّلامي الدمشقية [3] .
سمعت من عبد الرحيم بن أبي اليسر حضورا وغيره، وأجازت لابن حجر.
وتوفيت في ربيع الأول.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن أحمد [4] بن محمود النّابلسي [5] الحنبلي، الشيخ الإمام العلّامة. تفقه على الشيخ شمس الدّين بن عبد القادر، وقرأ عليه العربية وأحكمها، ثم قدم دمشق بعد السبعين، فاستمر في طلب العلم في حلقة بهاء الدّين السّبكي، ثم جلس [في الجوزية] يشهد، واشتهر أمره، وعلا صيته [وكان له معرفة وكتابة حسنة] ، وقصد في الاشتغال [6] ، ولم يزل يترقى حتّى ولي قضاء قضاة الحنابلة بدمشق، وعزل وتولى مرارا، وكانت له حلقة لإقراء العربية يحضرها الفضلاء، ودرس بعدة مدارس، وكان ذا عظمة وبهجة زائدة، لكن باع من الأوقاف كثيرا بأوجه واهية سامحه الله، وتوفي بمنزله بالصالحية ليلة السبت ثاني عشر المحرم.
وفيها جمال الدّين محمد بن أحمد البهنسي ثم الدمشقي الشافعي [7] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 109) و «الضوء اللامع» (6/ 147) .
[2] تصحف اسمها في «آ» و «ط» إلى «كليم» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] ترجمتها في «إنباء الغمر» (5/ 115) و «الضوء اللامع» (12/ 118) و «أعلام النساء» (4/ 284) .
[4] كذا في «آ» و «ط» و «المنهج الأحمد» للعليمي مصدر المؤلف: «محمد بن محمد بن أحمد» والذي في باقي المصادر «محمد بن أحمد» .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 116) و «المقصد الأرشد» (2/ 366) و «الضوء اللامع» (7/ 170) و «المنهج الأحمة» الورقة (479) من القسم المخطوط وما بين الحاصرتين في الترجمة زيادة منه.
[6] في «آ» و «ط» : «في الأشغال» والتصحيح من «المنهج الأحمد» مصدر المؤلف و «المقصد الأرشد» .
[7] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 119) و «الضوء اللامع» (7/ 125) .(9/82)
اشتغل بالقاهرة، وحفظ «المنهاج» واتصل بالقاضي برهان الدّين ابن جماعة، ولما ولي قضاء الشام استنابه واعتمد عليه في أمور كثيرة، وكان حسن المباشرة، مواظبا عليها، وعنده ظرف ونوادر، وكان مقلّا، مع العفّة، ولما وقعت الكائنة العظمى بدمشق فرّ إلى القاهرة، فاستنابه القاضي جلال الدّين.
ومات في ذي القعدة.
وفيها علم الدّين محمد بن ناصر الدّين محمد بن محمد الدمشقي القفصي المالكي [1] .
كان أبوه جنديا، ثم ألبس ولده كذلك، ثم شغله بالعلم وهو كبير، ودار في الدروس، واشتغل كثيرا لكن مع قصور فهم وقلّة عقل وعناية بالعلم.
ولي قضاء دمشق إحدى عشرة مرّة في مدة خمس وعشرين سنة، أولها سنة تسع وسبعين، وولي قضاء حلب وحماة مرارا، وكان عفيفا.
قال القاضي علاء الدّين في «ذيل تاريخ حلب» : أصيب في الوقعة الكبرى بماله، وأسرت له ابنة، وسكن عقب الفتنة بقرية من قرى سمعان إلى أن نزح التتر عن البلاد، فرجع [2] إلى حلب على ولايته. قال: وكان بيننا صحبة، وكان يكرمني، وولّاني عدة وظائف علمية، ثم توجه إلى دمشق فقطنها، وولي قضاءها، ومات بها في المحرم ولم يكمل الستين، وهو قاضي دمشق. انتهى.
وفيها محمد بن يوسف الإسكندراني المالكي [3] .
قال ابن حجر: كان فقيه أهل الثّغر، درّس وأفتى، وانتهت إليه الرئاسة في العلم، وكان عارفا بالفقه، مشاركا في غيره، مع الدّين والصّلاح. انتهى.
وفيها محمود بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد المجيد بن هلال الدولة عمر بن منير الحارثي الدمشقي [4] ، موقع الدست بدمشق.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 122) و «الضوء اللامع» (10/ 13) .
[2] في «آ» و «ط» : «رجع» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 123) و «الضوء اللامع» (10/ 137) و «نيل الابتهاج» ص (279) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 124) و «الضوء اللامع» (10/ 143) .(9/83)
كان كاتبا، مجوّدا، ناظما، ناثرا، مشهورا بالخفّة والرقاعة والضّنانة بنفسه.
أخذ عن صلاح الدّين الصّفدي وغيره، وسمع من إبراهيم بن الشّهاب محمود، وأجازت له زينب بنت الكمال.
ومن عيون [1] شعره ما قاله في فرجية خضراء أعطاه إيّاها بعض الرؤساء:
مدحت إمام العصر صدقا بحقّه ... وما جئت فيما قلت بدعا ولا وزرا
تبعت أبا [2] ذرّ بمصداق لهجتي ... فمن أجل هذا قد أظلّتني الخضراء [3]
وتوفي بالقاهرة فجأة وله فوق الستين.
وفيها بدر الدّين محمود بن محمد بن عبد الله العينتابي [4] ، الحنفي العابد الواعظ.
أخذ في بلاد الرّوم عن الشيخ موفق الدّين، وجمال الدّين الأقصرائي، ثم قدم عينتاب فنزل بجامع مؤمن مدة يذكّر الناس، وكان يحصل للناس في مجلسه رقّة [5] وخشوع وبكاء، وتاب على يده جماعة، ثم توجه إلى القدس زائرا، فأقام مدة، ثم رجع إلى حلب، فوعظ الناس في الجامع العتيق.
قال البدر العينتابي: أخذت عنه في سنة ثمانين تصريف العزّي، والفرائض السراجية، وغير ذلك، وذكرته في هذه السنة تبركا انتهى.
__________
[1] في «آ» و «إنباء الغمر» : «ومن عنوان» .
[2] في «ط» : «أبي» .
[3] إشارة منه إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء على رجل أصدق لهجة من أبي ذرّ» رواه الترمذي رقم (3802) في المناقب: باب مناقب أبي ذرّ رضي الله عنه، وابن ماجة رقم (156) ورواه الحاكم في «المستدرك» (3/ 342) وصححه، ووافقه الذهبي، وهو حديث صحيح.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 125) و «الضوء اللامع» (10/ 146) .
[5] في «آ» و «ط» : «دقة» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.(9/84)
وفيها أمّ عيسى مريم بنت أحمد بن أحمد بن قاضي القضاة شمس الدّين محمد بن إبراهيم الأذرعي [1] .
قال ابن حجر: سمعت الكثير من علي بن عمر الواني، وأبي أيوب الدّبوسي، والحافظ قطب الدّين الحلبي، وناصر الدّين بن سمعون، وغيرهم، وأجاز لها التّقي الصّائغ وغيره من المسندين بمصر والحجاز، وغيره من الأئمة بدمشق، خرّجت لها «معجما» في مجلدة، وقرأت عليها الكثير من مسموعاتها وأشياء كثيرة بالإجازة، وهي أخت شمس الدّين المتقدم ذكره في هذه السنة عاشت أربعا وثمانين سنة ونعمت الشيخة كانت ديانة وصيانة ومحبة في العلم، وهي آخر من حدّثت عن أكثر مشايخها المذكورين، وقد سمع أبو العلاء الفرضي من يوسف الدبوسي، وسمعت هي منه، وبينهما في الوفاة مائة وبضع سنين.
انتهى.
__________
[1] ترجمتها في «إنباء الغمر» (5/ 126) و «الضوء اللامع» (12/ 124) و «أعلام النساء» (5/ 37) .(9/85)
سنة ست وثمانمائة
وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن صدّيق بن إبراهيم بن يوسف المؤذّن، المعروف بالرسّام [1] .
كان أبوه بوّاب الظّاهرية، مسند الدّنيا من الرجال، سمع صاحب الترجمة الكثير من الحجّار، وإسحاق الآمدي، والشيخ تقي الدّين بن تيميّة، وطائفة، وتفرّد بالرواية عنهم، ومتّع بسمعه وعقله.
قال ابن حجر: سمعت منه بمكّة، وحدّث بها بسائر مسموعاته، وقد رحل في السنة الماضية إلى حلب ومعه «ثبت» مسموعاته، فأكثروا عنه وانتفعوا به، وألحق جماعة من الأصاغر بالأكابر، ورجع إلى دمشق ولم يتزوج، فمات في شوال وله خمس وثمانون سنة وأشهر. انتهى.
وفيها أحمد بن إبراهيم بن علي العسلقي [2]- نسبة إلى عسالق عرب [3] .
قال ابن الأهدل في «تاريخ اليمن» : كان فقيها، نحويا، لغويا، مفسّرا، محدّثا، وله معرفة تامّة بالرجال والتواريخ، ويد قويّة في أصول الدّين. تفقه بأبيه وغيره، ولم يكن يخاف في الله لومة لائم، في إنكار ينكره [4] الشرع، لازم التّدريس وإسماع الحديث والعكوف على العلم، وعليه نور وهيبة، وأضر بأخرة.
قاله السيوطي في «طبقات النّحاة» .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 157) و «الضوء اللامع» (1/ 147) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 197) و «بغية الوعاة» (1/ 294) وقد تأخرت هذه الترجمة في «آ» إلى عقب ترجمة القاضي السلطان برهان الدين أبي العبّاس التي سترد بعد قليل.
[3] وقال السخاوي في «الضوء اللامع» : «نسبة إلى العسالق طائفة من العرب» .
[4] في «آ» و «ط» : «ما أنكره» والتصحيح من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف.(9/86)
وفيها أحمد بن علي بن محمد بن علي البكر العطاردي المؤذّن، المعروف بابن سكّر [1] .
سمع بإفادة أخيه شمس الدّين من يحيى بن يوسف بن المصري وغيره، وحدّث بالقاهرة، فسمع منه ابن حجر وغيره.
وتوفي في رجب وقد جاوز السبعين.
وفيها عبد الله بن عبد الله الدّكاري [2] المغربي المالكي [3] ، نزيل المدينة، أقرأ بها، ودرّس، وأفاد، وناب في الحكم عن بعض القضاة، وكان يتجرأ على العلماء سامحه الله. قاله ابن حجر.
وفيها الحافظ زين الدّين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم المهراني المولد العراقي الأصل الكردي العراقي الشافعي [4] ، حافظ العصر.
قال في «إنباء الغمر» : ولد في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وحفظ «التنبيه» واشتغل بالقراءات، ولازم المشايخ في الرواية، وسمع في غضون ذلك من عبد الرحيم بن شاهد الجيش، وابن عبد الهادي، وعلاء الدّين التّركماني، وقرأ بنفسه على الشيخ شهاب الدّين بن البابا، وتشاغل بالتخريج، ثم تنبّه للطلب بعد أن فاته السّماع من مثل يحيى المصري آخر من روى حديث السّلفي عالى بالإجازة، ومن الكثير من أصحاب ابن عبد الدائم، والنّجيب بن علاق، وأدرك أبا الفتح الميدومي فأكثر عنه، وهو من أعلى مشايخه إسنادا، وسمع أيضا من ابن الملوك وغيره، ثم رحل إلى دمشق، فسمع من ابن الخبّاز، ومن أبي عبّاس المرداوي، ونحوهما، وعني بهذا الشأن، ورحل فيه مرّات إلى دمشق
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 160) و «الضوء اللامع» (2/ 33) .
[2] في «آ» و «ط» : «الأكاري» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 168) و «الضوء اللامع» (5/ 29) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 170) و «الضوء اللامع» (4/ 171) و «ذيل طبقات الحفاظ» للذهبي ص (370) و «الدليل الشافي» (1/ 409) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 33) .
و «طبقات الحفاظ» ص (538- 540) و «حسن المحاضرة» (1/ 360) .(9/87)
وحلب والحجاز، وأراد الدخول إلى العراق ففترت همّته من خوف الطريق، ورحل إلى الإسكندرية، ثم عزم على التوجه إلى تونس فلم يقدر له ذلك، وصنّف «تخريج أحاديث الإحياء» واختصره في مجلد ولم يبيضه [1] ، وكتبت منه النسخ الكثيرة، وشرع في إكمال «شرح الترمذي» لابن سيّد الناس، ونظم «علوم الحديث» لابن الصلاح وشرحها، وعمل عليه نكتا، وصنّف أشياء أخر كبارا وصغارا، وصار المنظور إليه في هذا الفنّ من زمن الشيخ جمال الدّين الإسنائي وهلم جرا، ولم نر في هذا الفنّ أتقن منه، وعليه تخرّج غالب أهل عصره، ومن أخصهم به نور الدّين الهيثمي، وهو الذي درّبه وعلّمه كيفية التخريج والتصنيف، وهو الذي يعمل له خطب كتبه ويسميها له، وصار الهيثميّ لشدة ممارسته أكثر استحضارا للمتون من شيخه، حتّى يظنّ من لا خبرة له أنه أحفظ منه وليس كذلك، لأن الحفظ المعرفة، وولي شيخنا العراقي قضاء المدينة سنة ثمان وثمانين، فأقام بها نحو ثلاث سنين، ثم سكن القاهرة، وأنجب ولده القاضي القضاة ولي الدّين. لازمت شيخنا [2] عشر سنين تخلل في أثنائها رحلاتي إلى الشام وغيرها، وقرأت عليه كثيرا من المسانيد والأجزاء، وبحثت عليه شرحه على منظومته وغير ذلك، وشهد لي بالحفظ في كثير من المواطن، وكتب لي خطه بذلك مرارا، وسئل عند موته من بقي بعده من الحفّاظ فبدأ بي، وثنّى بولده، وثلّث بالشيخ نور الدّين، وتوفي عقب خروجه من الحمّام في ثاني شعبان وله إحدى وثمانون سنة وربع سنة، نظير عمر شيخنا شيخ الإسلام سراج الدّين، وفي ذلك أقول في المرثية:
لا ينقضي عجبي من وفق عمرهما ... العام كالعام حتّى الشّهر كالشّهر
عاشا ثمانين عاما بعدها سنة ... وربع عام سوى نقص لمعتبر
انتهى باختصار.
وفيها القاضي بل السّلطان برهان الدّين أبو العبّاس أحمد [بن عبد الله] [3]
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وبيضه» والتصحيح من «إنباء الغمر» .
[2] يعني المترجم.
[3] ترجمته في «درر العقود الفريدة» للمقريزي (1/ 253- 256) و «الضوء اللامع» (1/ 370- 371)(9/88)
صاحب سيواس وقاضيها وسلطانها.
ولد بها وبها نشأ، ثم قدم حلب، وقرأ بها مدة قليلة، وقدم القاهرة، وأقام بها مدة، ثم عاد إلى سيواس.
قال المقريزي: أحمد حاكم قيصرية، وتوقات، وسيواس.
اعلم أن مملكة [1] الرّوم كانت أخيرا لبني قلج أرسلان الذين أقاموا بها دين الإسلام لما انتزعوها من يد ملك القسطنطينية، وكان كرسيهم قونية وأعمالهم كثيرة جدا إلى أن اتخذت سيواس كرسي ملكهم، ثم إن صاحب الترجمة قدم القاهرة وأخذ بها عن شيوخ زمانه، فعرف بالذكاء حتّى حصل على طرف من العلم، فبشّره بعض الفقراء بأنه يتملك بلاد الرّوم وأشار إليه بعوده إليها، فمضى إلى سيواس ودرّس بها وصنّف، ونظم الشعر وهو يتزيا بزي الأجناد، وسلك طريقة الأمراء فيركب بالجوارح والكلاب إلى الصيد، ويلازم الخدم السلطانية إلى أن مات [السلطان] ابن أرثنا [2] صاحب سيواس عن ولد صغير اسمه محمد، فأقيم بعده، وقام الأمراء بأمره، وأكبرهم الذي يرجعون إليه في الرأي قاضي سيواس، والد البرهان هذا، فدبّر الأمر المذكورون مدة حياة القاضي، فلما مات ولّي ابنه برهان الدّين هكذا مكانه، فسدّ مسدّه، وأربى عليه بكثرة علمه، وحسن سياسته، وجودة تدبيره، وأخذ في إحكام أمره، فأول ما بدا به بعد تمهيد قواعده أن فرّق أعمال ولايته على الأمراء، وبقي من الأمراء اثنان فريدون وغضنفر فثقلا عليه فتمارض ليقعا في قبضته، فدخلا عليه يعودانه، فلما استقرّ بهما الجلوس خرج عليهما من رجاله جماعة أقعدهم في مخدع، فقبضوا عليهما وخرج من فوره، فملك الأمر من غير منازع، ولقّب بالسلطان ثم خرج فاستولى على مملكة قرمان، وقاتل من عصى عليه، ونزع توقات، واستمال إليه تتار الرّوم، وهم جمع كبير لهم بأس ونجدة وشجاعة، وانضاف إليه الأمير عثمان قرايلك [3] بتراكمينه فعزّ جانبه، ثم إن قرايلك
__________
وما بين الحاصرتين في صدر الترجمة زيادة منه.
[1] في «آ» و «ط» : «ممالك» والتصحيح من «درر العقود الفريدة» مصدر المؤلف.
[2] في «درر العقود الفريدة» : «ابن أرثنا» ولفظة «السلطان» مستدركة منه.
[3] في المواطن الخمسة من «آ» و «ط» : «قرانبك» وما أثبته من «السّلوك» (3/ 3/ 1042 و 1151(9/89)
خالف عليه ومنع تقادمه التي كان يحملها إليه، فلم يكترث به القاضي برهان الدّين احتقارا له، فصار قرايلك يتردد إلى أماسية وأزرنجان، إلى أن قصد ذات يوم مصيفا بالقرب من سيواس، ومرّ بظاهر المدينة، فشق عليّ القاضي برهان الدّين كونه لم يعبأ به، وركب عجلا بغير أهبة ولا كثرة جماعة، وساق في أثره ليوقع به، فكّر عليه قرايلك بجماعته فأخذه قبضا باليد، وتفرّقت عساكره [1] شذر مذر، وكان قرايلك عزم أن يعيده إلى مملكته، فنزل عليه شيخ نجيب، فما زال به حتّى قتله.
وكان- رحمه الله- فقيها، فاضلا، كريما، جوادا، قريبا من الناس، شديد البأس، أديبا، شاعرا، ظريفا، لبيبا [2] ، مقداما، يحبّ العلم والعلماء، ويدني إليه أهل الخير والفقراء، وكان دائما يتخذ يوم الاثنين والخميس والجمعة لأهل العلم خاصة، لا يدخل عليه سواهم، وأقلع قبل موته، وتاب، ورجع إلى الله تعالى.
ومن مصنّفاته كتاب «الترجيح على التلويح» .
وكان للأدب وأهله عنده سوق نافق [3] .
وقتل في ذي القعدة. انتهى كلام المقريزي باختصار.
وفيها الشيخ الكبير الولي الشهير العارف بالله تعالى الشيخ أبو بكر بن داود الصّالحي [4] الحنبلي المسلك، المخلص الفقيه المتين.
قال الشّهاب بن حجي: كان معدودا في الصّالحين، وهو على طريقة السّنّة، وله زاوية حسنة بسفح قاسيون فوق جامع الحنابلة، وله إلمام بالعلم.
ومات في سابع عشري رمضان. انتهى أي ودفن بحوش تربته من جهة الشمال قريبا من الطريق.
قال الشيخ إبراهيم ابن الأحدب في «ثبته» والدّعاء عند قبره مستجاب [5] .
__________
و1166) و «النجوم الزاهرة» (13/ 59) والضبط عنه. وفي «درر العقود الفريدة» : «قرايلوك» .
[1] في «ط» : «عسكره» .
[2] في «درر العقود الفريدة» : «لينا» .
[3] في «درر العقود الفريدة» : «سوق نافقة» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 166) و «الضوء اللامع» (11/ 31) و «السحب الوابلة» ص (127) .
[5] قلت: وذلك من المبالغة في الإطراء، فالدعاء لا يحتاج قبوله من الله تعالى إلى وسيط. قال تعالى:(9/90)
وقال فيه أيضا: له التصانيف النّافعة، منها «قاعدة السفر» ومنها «الوصية النّاصحة» لم يسبق إلى مثلها، ومنها «النّصيحة الخالصة» وغير ذلك من التصانيف النافعة الدالة على فقهه وعلمه وبركته، له مغارة في زاويته انقطع عن الخلق فيها. انتهى.
وفيها عبد الصّادق بن محمد الحنبلي الدمشقي [1] .
كان من أصحاب ابن المنجّى، ثم ولي قضاء طرابلس، وشكرت سيرته، وقدم دمشق فتزوج بنت السّلاوي زوجة مخدومه تقي الدّين بن المنجّى، وسعى في قضاء دمشق.
وتوفي في المحرم سقط عليه سقف بيته فهلك تحت الرّدم.
وفيها نور الدّين أبو الحسن علي بن خليل بن علي بن أحمد بن عبد الله الحكري المصري [2] ، الفقيه الحنبلي، العالم الواعظ، قاضي القضاة.
ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة، واشتغل في الحديث والفقه، وولي القضاء بالديار المصرية بعد عزل القاضي موفق الدّين في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثمانمائة، وقدم مع السلطان الناصر فرج [3] إلى دمشق، وكان يجلس بمحراب الحنابلة يعظ الناس، وكانت مدة ولايته للقضاء خمسة أشهر، واستمرّ معزولا إلى أن مات في تاسع المحرم.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن عمرو بن سلمعان الخوارزمي [4] ، وكان أبوه من الأجناد فنشأ هو على أجمل طريق وأحسن سيرة، وأكبّ على الاشتغال بالعلم، ثم طالع في كتب ابن حزم فهوي كلامه، واشتهر في محبّته والقول بمقالته، وتظاهر بالظّاهر، وكان حسن العبادة، كثير الإقبال على التضرع
__________
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ 2: 186 (البقرة: 186) .
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 208) و «السّحب الوابلة» ص (220) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 177) و «الضوء اللامع» (5/ 216) و «المقصد الأرشد» (2/ 223) و «الجوهر المنضد» ص (86) و «السحب الوابلة» ص (185) .
[3] في «ط» : «الفرج» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 178) و «الضوء اللامع» (5/ 266) .(9/91)
والدّعاء والابتهال، ونزل عن إقطاعه سنة بضع وثمانين، وأقام بالشام، ثم عاد إلى مصر، وباشر عند بعض الأمراء.
وتوفي في تاسع صفر.
وفيها نور الدّين علي [بن محمد] بن عبد الوارث بن جمال الدّين محمد بن زين الدّين عبد الوارث بن عبد العظيم بن عبد المنعم بن يحيى بن حسن بن موسى بن يحيى بن يعقوب بن محمد بن عيسى بن شعبان بن عيسى بن داود بن محمد بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصّدّيق القرشي البكري التّيمي [1] الشافعي ظنا.
اشتغل بالعلم، ومهر في الفقه خاصة، وكان كثير الاستحضار، قائما بالأمر بالمعروف، شديدا على من يطلع منه على أمر منكر فجرّه الإكثار من ذلك إلى أن حسّن له بعض أصحابه أن يتولى الحسبة، فولي حسبة مصر مرارا، وامتحن بذلك حتّى أضرّ ذلك به.
ومات في ذي القعدة مفصولا وله ثلاث وستون سنة.
وفيها زين الدّين عمر بن إبراهيم بن سليمان الرّهاوي الأصل ثم الحلبي [2] ، كاتب الإنشاء بحلب.
قرأ على الشيخ شمس الدّين الموصلي، وأبي المعالي بن عشائر، وتعانى الأدب، وبرع في النّظم وصناعة الإنشاء وحسن الخط، وولي كتابة السّرّ بحلب، ثم ولي خطابة جامع الأموي بعد وفاة أبي البركات الأنصاري، وكان فاضلا ذا عصبية ومروءة.
وهو القائل:
يا غائبين وفي سرّيّ محلّهم ... دم الفؤاد بسهم البين مسفوك
أشتاقهم ودموع العين جارية ... والقلب في ربقة الأشواق مملوك
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 179) و «الضوء اللامع» (5/ 317) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 179) و «الضوء اللامع» (6/ 64) .(9/92)
ومن شعره:
وحائك يحكيه بدر الدّجى ... وجها ويحكيه القنا قدّا
ينسج أكفانا لعشّاقه ... من غزل جفنيه وقد سدّا
توفي في ثاني ربيع الآخر.
وفيها أبو حيّان محمد بن فريد الدّين حيّان بن العلّامة أثير الدّين أبي حيّان محمد بن يوسف الغرناطي ثم المصري [1] .
ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وسمع من جدّه، ومن ابن عبد الهادي، وغيرهما، وكان حسن الشّكل، منوّر الشّيبة، بهي المنظر، حسن المحاضرة، أضرّ بأخرة، وسمع منه ابن حجر وغيره، وتوفي في ثالث رجب.
وفيها شمس الدّين محمد بن سعد بن محمد بن علي بن عثمان بن إسماعيل الطّائي الشافعي ابن خطيب الناصرية [2] .
ولد سنة ثلاث وأربعين، وحفظ «التنبيه» وتفقه على أبي الحسن البابي، والكمال بن العجمي، والجمال بن الشّريشي، وسمع من بدر الدّين بن حبيب وغيره، وولي خطابة النّاصرية، واشتهر بها أيضا، وكان كثير التّلاوة والعبادة، سليم الصّدر، وهو والد قاضي قضاة حلب.
وتوفي في جمادي الأولى.
وفيها شمس الدّين محمد بن سلمان [3] بن عبد الله بن الحرّاني الشافعي الحموي [4] ، نزيل حلب.
أصله من الشرق، وأقدمه أبوه طفلا فسكن حماة، وعلّمه صناعة الحرف، ثم ترك وأقبل على الاشتغال، وأخذ عن شرف الدّين يعقوب خطيب القلعة،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 184) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 185) و «الضوء اللامع» (7/ 249) .
[3] في «آ» و «ط» : «محمد بن سليمان» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 186) و «الضوء اللامع» (7/ 255) .(9/93)
والجمال يوسف بن خطيب المنصورية وصاهره، ثم رحل إلى دمشق، وأخذ عن بدر الدّين القرشي، ورأس، وحصّل، وشارك في الفنون، ثم قدم حلب سنة ثلاث وسبعين، وناب في الحكم، ثم ولي [1] قضاء الرّها، ثم قضاء بزاعة [2] ثم ناب في الحكم بحلب أيضا، وولي عدة تداريس، وكان فاضلا تقيا، مشكورا في أحكامه.
وتوفي في سابع ربيع الأول بالفالج.
وفيها محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن حسن المصري القمني الصّوفي [3] .
سمع من شمس الدّين بن القمّاح «صحيح مسلم» بفوت، وسمع من غيره، وحدّث، فسمع منه ابن حجر وغيره.
وتوفي عن سبع وسبعين سنة.
وفيها أبو بكر يحيى بن عبد الله بن عبد الله بن محمد بن محمد بن زكريا الغرناطي [4] .
كان إماما في الفرائض والحساب، وشارك في الفنون، وصنّف في الفرائض كتاب «المفتاح» وولي القضاء ببلده.
وتوفي في ربيع الأول.
__________
[1] لفظة «ولي» سقطت من «ط» .
[2] قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 409) : بزاعة: سمعت من أهل حلب من يقوله بعضهم بالضم والكسر، ومنهم من يقول: بزاعا بالقصر، وهي بلدة من أعمال حلب في وادي بطنان بين منبج وحلب ... وفيها عيون ومياه جارية وأسواق حسنة وقد خرج منها بعض أهل الأدب.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 193) و «الضوء اللامع» (9/ 212) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 194) و «الضوء اللامع» (10/ 229) .(9/94)
سنة سبع وثمانمائة
فيها توفي محيى الدّين أبو اليسر أحمد بن تقي الدّين عبد الرحمن [1] بن نور الدّين بن محمد بن محمد بن الصّائغ الأنصاري [2] نزيل الصّالحية.
ولد سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، وسمع من الوادي آشي، وأحمد بن علي الجزري، وزينب بنت الكمال بعناية أبيه فأكثر، وسمع من زين الدّين بن الوردي، وعني بالآداب، وطلب بنفسه، وكتب الطّباق، وتخرّج بابن سعد، وتفرّد بأشياء سمعها، وسمع منه ابن حجر وغيره بدمشق، وكان عسرا في الرواية.
توفي في شهر رمضان.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن كندغدي [3]- بضم الكاف وسكون النّون ودال مضمومة وغين معجمة ساكنة ودال مهملة مكسورة، لفظ تركي معناه بالعربية ولد النهار- الإمام العلّامة الفقيه الحنفي.
ولد بالقاهرة، وكان أبوه علاء الدّين أستادار [4] للأمير آقتمر، وكان شهاب الدّين هذا يتزيّا بزيّ الجند، وطلب العلم، واشتغل على علماء عصره،
__________
[1] في «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «أحمد بن عبد الله» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 226) و «الضوء اللامع» (1/ 368) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 227) و «الضوء اللامع» (2/ 64) و «الطبقات السنية» (2/ 12- 13) .
[4] قال الشيخ محمد أحمد دهمان رحمه الله في «معجم الألفاظ التاريخية» ص (14) : الاستدار، بضم الهمزة، لقب مملوكي يطلق على القائم على شؤون الخاصة للسلطان.(9/95)
وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، وغير ذلك، وتفقه به جماعة، وصحب الأمير شيخ الصّفوي، ثم اختصّ عند الملك الظّاهر برقوق، وعظم في الدولة بذلك.
قال المقريزي: وكان يتّهم بأنه هو الذي رخّص للسلطان في شرب النّبيذ على قاعدة مذهبه، فأفضى ذلك إلى أن تعاطى ما أجمع على تحريمه، وقد شافهته بذلك فلم ينكره منّي، فلما كانت أيام الناصر فرج بعثه رسولا إلى تيمور بعد أن عيّنت أنا، فمات بحلب في شهر ربيع الأول وقد قارب الخمسين أو بلغها، وكان من أذكياء الناس وفضلائهم. انتهى.
وفيه تاج الدّين تاج بن محمود الأصفهندي العجمي الشّافعي [1] ، نزيل حلب.
قدم من بلاد العجم حاجّا، ثم رجع فسكن في حلب بالمدرسة الرّواحية، وأقرأ بها النحو، ثم أقبلت عليه الطلبة فلم يكن يتفرغ لغير [2] الاشتغال، بل يقرئ من بعد صلاة الصبح إلى الظهر بالجامع، ومن الظهر إلى العصر بجامع منكلي بغا، ويجلس من العصر إلى المغرب بالرّواحية، وكان عفيفا، ولم يكن له حظّ ولا يطلع إلى [3] أمر من أمور الدنيا، وأسر مع اللّنكية فاستنقذه الشيخ إبراهيم صاحب شماخي وأحضره إلى بلده مكرّما، فاستمر عنده إلى أن مات في ربيع الأول، وأخذ عنه غالب أهل حلب وانتفعوا به، وشرح «المحرر» في الفقه.
وتوفي عن ثمان وسبعين سنة.
وفيها تمر وقيل تيمور- كلاهما يجوز- ابن ايتمش قنلغ بن زنكي بن سيبا بن طارم طر بن طغربك بن قليج بن سنقور بن كنجك بن طغر سبوقا الطاغية تيمور كوركان ومعناه باللغة العجمية صهر الملوك [4] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 229) و «الضوء اللامع» (3/ 25) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 23) و «بغية الوعاة» (1/ 478) .
[2] في «ط» : «بغير» .
[3] في «ط» : «على» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 231) و «الضوء اللامع» (4/ 46) و «النجوم الزاهرة» (12/ 253) .(9/96)
ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة بقرية تسمى خواجا أبغار من عمل كشّ أحد مدائن ما وراء النهر وبعد هذه البلدة عن سمرقند يوم واحد. يقال: إنه رؤي ليلة ولد كأنّ شيئا يشبه الخودة تراءى طائرا في جو السماء، ثم وقع إلى الأرض في فضاء فتطاير منه شرر حتى ملأ الأرض، وقيل: إنه لما خرج من بطن أمّه وجدت كفّاه ملوءتين دما فزجروا أنه تسفك على يديه الدماء، وقيل: إن والده كان إسكافا، وقيل: بل كان أميرا عند السلطان حسين صاحب مدينة بلخ، وكان أحد أركان دولته، وإن أمّه من ذرّية جنكز خان، وقيل: إن أول ما عرف من حاله أنه كان يتحرم فسرق في بعض الليالي غنمة وحملها ليمرّ بها فانتبه الراعي ورماه بسهم فأصحاب كتفه ثم ردفه بآخر فلم يصبه، ثم بآخر فأصاب فخذه، وعمل عليه الجرح الثاني حتى عرج منه، ولهذا يسمى تمرلنك، فإن لنك باللغة العجمية أعرج، ثم أخذ في التحرم وقطع الطريق، وصحبه في تحرمه جماعة عدّتهم أربعون رجلا، وكان تيمور يقول لهم في تلك الأيام: لا بد أن أملك الأرض وأقتل ملوك الدّنيا فيسخر منه بعضهم ويصدّقه البعض لما يروه من شدّة حزمه وشجاعته.
قال ابن حجر: كان من أتباع طقتمش خان آخر الملوك من ذرّيّة جنكز خان، فلما مات وقرّر في السلطنة ولده محمود استقرّ تيمور أتابكة [1] ، وكان أعرج، وهو اللّنك بلغتهم، فعرف بتمر اللنك، ثم خفّف وقيل: تمرلنك، وتزوج أمّ محمود وصار هو المتكلم في المملكة، وكانت همّته عالية، وتطلع [2] إلى الملك، فأول ما جمع عسكرا ونازل صاحب [3] بخارى فانتزعها من يد أميرها حسن المغلي، ثم نازل خوارزم فاتفق وفاة أميرها حسن المغلي، واستقرّ أخوه يوسف وانتزعها اللّنك أيضا، ولم يزل إلى أن انتظم له ملك ما وراء النهر، ثم سار إلى سمرقند، وتملّكها، ثم زحف إلى خراسان وملكها، ثم ملك هراة، ثم ملك طبرستان وجرجان بعد حروب طويلة سنة أربع وثمانين، فلجأ صاحبها شاه وتعلّق بأحمد بن أويس صاحب العراق فتوجّه اللّنك إليهم فنازلهم بتبريز وأذربيجان فهلك شاه في
__________
[1] في «ط» : «أتابك» .
[2] في «آ» : «ويطّلع» وفي «ط» : «ويتطلع» وما أثبته من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[3] لفظة «صاحب» لم ترد في «إنباء الغمر» .(9/97)
الحصار، وملكها اللّنك، ثم ملك أصبهان، وفي غضون ذلك خالف عليه أمير من جماعته يقال له قمر الدّين وأعانه طقتمش خان صاحب صراي، فرجع إليهم، ولم يزل يحاربهم إلى أن أبادهم واستقلّ بمملكة المغل، وعاد إلى أصبهان سنة أربع وتسعين فملكها، ثم تحول إلى فارس وفيها أعيان بني المظفّر اليزدي فملكها، ثم رجع إلى بغداد سنة خمس وتسعين فنازلها إلى أن غلب عليها، وفرّ أحمد بن أويس صاحبها إلى الشام، واتصلت مملكة اللّنك بعد بغداد بالجزيرة [1] وديار بكر، فبلغته أخباره الظّاهر برقوق فاستعدّ له، وخرج بالعساكر إلى حلب فرجع إلى أذربيجان فنزل بقراباغ [2] ، فبلغه رجوع طقتمش إلى صراي فسار خلفه ونازله إلى أن غلبه على ملكه في سنة سبع وتسعين، ففرّ إلى بلغار، وانضم عسكر المغل إلى اللّنك، فاجتمع معه فرسان التتار والمغل وغيرهم، ثم رجع إلى بغداد، وكان أحمد فرّ منها، ثم عاد إليها فنازلها إلى أن ملكها، وهرب أحمد ثانيا، وسار إلى أن وصل سيواس فملكها، ثم حاصر بهنسا مدة، وبلغ ذلك أهل حلب ومن حولها فانجفلوا، ونازل حلب في ربيع الأول فملكها وفعل فيها الأفاعيل الشنيعة، ثم تحول إلى دمشق في ربيع الآخر- أي سنة ثلاث وثمانمائة- وسار حتّى أناخ على ظاهر دمشق من داريّا إلى قطنا والحولة وما يلي تلك البلاد، ثم احتاط بالمدينة، وانتشرت عساكره في ظواهرها تتخطف الهاربين.
وقال صاحب «المنهل الصّافي» وصار تيمور يلقي من ظفر به تحت أرجل الفيلة، حتّى خرج إليه أعيان المدينة بعد أن أعياه أمرهم يطلبون منه الأمان، فأوقفهم ساعة ثم أجلسهم وقدّم إليهم طعاما وأخلع عليهم وأكرمهم ونادى في المدينة بالأمان والاطمئنان، وأن لا يعتدي أحد على أحد، فاتفق أن بعض عسكره نهب شيئا من السوق فشنقه وصلبه برأس سوق البزوريين، فمشى ذلك على الشاميين وفتحوا أبواب المدينة فوزّعت الأموال التي كان فرضها عليهم لأجل الأمان على الحارات، وجعلوا دار الذهب هي المستخرج، ونزل تيمور بالقصر الأبلق [3]
__________
[1] يعني جزيرة أقور.
[2] قراباغ: ورد ذكرها في كتاب «بلدان الخلافة الشرقية» ص (213) وقال عنها: هي في شرقي الرّان.
[3] كان القصر الأبلق في مكان التكية السلمانية الشهيرة وسط دمشق على ضفة بردى، وعلى أنقاضه(9/98)
من الميدان، ثم تحول منه إلى دار وهدمه وحرقه، وعبر المدينة من باب الصغير، حتى صلّى الجمعة بجامع بني أميّة، وقدّم القاضي الحنفي محمود بن الكشك للخطبة والصلاة، ثم جرت مناظرات [1] بين إمامه عبد الجبّار، وفقهاء دمشق، وهو يترجم عن تيمور بأشياء، منها وقائع علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع معاوية، وما وقع ليزيد بن معاوية مع الحسين، وأن ذلك كلّه كان بمعاونة أهل دمشق له، فإن كانوا استحلوه فهم كفّار، وإلّا فهم عصاة بغاة، وإثم هؤلاء على أولئك، فأجابوه بأجوبة قبل بعضها وردّ البعض، ثم قام من الجامع وجدّ في حصار القلعة حتّى أعياه أمرها، ولم يكن بها يومئذ إلّا نفر يسير جدا، ونصب عليها عدة مناجيق، وعمر تجاها قلعة عظيمة من خشب، فرمى من بالقلعة على القلعة التي عمرها بسهم فيه نار فاحترقت عن آخرها، فأنشأ قلعة أخرى، ثم سلّموها له بعد أربعين يوما بالأمان، ولما أخذ تيمور قلعة دمشق أباح لمن معه النّهب والسّبي [2] ، والقتل والإحراق، فهجموا المدينة ولم يدعوا بها شيئا قدروا عليه، وطرحوا على أهلها أنواع العذاب، وسبوا النّساء والأولاد، وفجروا بالنساء جهارا، ولا زالوا على ذلك أياما، وألقوا النار في المباني حتّى احترقت بأسرها، ورحل عنها يوم السبت ثالث شعبان سنة ثلاث وثمانمائة، ثم اجتاز بحلب وفعل بأهلها ما قدر عليه، ثم على الرّها وماردين، ثم على بغداد وحصرها أيضا حتى أخذها عنوة في يوم عبد النّحر من السنة ووضع السيف في أهلها، وألزم جميع من معه أن يأتي كل واحد منهم برأسين من رؤوس أهلها، فوقع القتل، حتى سالت الدّماء أنهارا وقد أتوه بما التزموه، فبنى من هذه الرؤوس مائة وعشرين مئذنة، ثم جمع أموالها وأمتعتها وسار إلى قرى باغ فجعلها خرابا بلقعا.
ثم قال ابن حجر: فلما كان سنة أربع وثمانمائة قصد بلاد الرّوم فغلب عليها
__________
أقيمت التكية على عهد العثمانيّين حكام آخر الدول الإسلامية الكبرى. انظر «غوطة دمشق» لكرد علي ص (185) .
[1] في «ط» : «مناظرة» .
[2] في «ط» : «والسّلب» .(9/99)
وأسر صاحبها- أي أبا يزيد بن عثمان- ومات معه في الاعتقال، ودخل الهند، فنازل مملكة المس لمين حتى غلب عليها، وكان مغرى بقتل المسلمين وغزوهم وترك الكفّار، وكان شيخا، طوالا، شكلا، مهولا، طويل اللّحية، حسن الوجه، بطلا شجاعا جبّار، ظلوما، غشوما، سفّاكا للدماء، مقداما على ذلك، وكان أعرج، سلت رجله في أوائل أمره، وكان يصلي عن قيام، وكان جهوري الصّوت، يسلك الجدّ مع القريب والبعيد، ولا يحبّ المزاح، ويحب الشطرنج، وله فيها يد طولى، وزاد فيها جملا وبغلا، وجعل رقعته عشرة في أحد عشر، وكان ماهرا فيه لا يلاعبه فيه إلا الأفراد، وكان يقرّب العلماء، والصّلحاء، والشّجعان، والأشراف، وينزلهم منازلهم، ولكن من خالف أمره أدنى مخالفة استباح دمه، وكانت هيبته لا تدانى بهذا السبب، وما أخرب البلاد إلّا بذلك، وكان من أطاعه في أول وهلة أمن، ومن خالفه أدنى مخالفة وهن، وكان له فكر صائب ومكايد في الحرب، وفراسة قلّ أن تخطئ، وكان عارفا بالتواريخ لإدمانه على سماعها، لا يخلو مجلسه عن قراءة شيء منها، سفرا ولا حضرا، وكان مغرى بمن له صناعة ما، إذا كان حاذقا فيها، وكان أمّيّا لا يحسن الكتابة، وكان حاذقا باللغة الفارسية والتركية والمغلية خاصة، وكان يقدم قواعد جنكز خان ويجعلها أصلا، ولذلك أفنى جمعا جمّا بكفره، مع أن شعائر الإسلام في بلاده ظاهرة، وكان له جواسيس في جميع البلاد التي ملكها والتي لم يملكها، وكانوا ينهون إليه الحوادث الكائنة على جليتها ويكاتبونه بجميع ما يروم، فلا يتوجه إلى جهة إلّا وهو على بصيرة من أمرها، وبلغ من دهائه أنه كان إذا قصد جهة جمع أكابر الدولة وتشاوروا إلى أن يقع الرأي على التوجه في الوقت الفلاني إلى الجهة الفلانية، فيكاتب جواسيس تلك الجهات، فيأخذ أهل تلك الجهة المذكورة حذرها ويأنس غيرها، فإذا ضرب بالنّفير وأصبحوا سائرين ذات الشمال، عرّج بهم ذات اليمين فلا يصل الخبر الثاني إلّا ودهم الجهة التي يريد وأهلها غافلون، وكان أنشأ بظاهر سمرقند بساتين وقصورا عجيبة، وكانت من أعظم النّزه، وبنى عدة قصاب سمّاها بأسماء البلاد الكبار، كحمص، ودمشق، وبغداد، وشيراز. انتهى وقال في «المنهل» وكان يستعمل المركّبات والمعاجين ليستعين بها على(9/100)
افتضاض الأبكار، وخرج من سمرقند في شهر رجب- أي من هذه السنة- قاصدا بلاد الصّين والخطا، وقد اشتدّ البرد حتّى نزل على سيحون وهو جامد فعبره، ومرّ سائرا، واشتد عليه وعلى من معه الرّياح والثلج، وهلكت دوابهم، وتساقط الناس هلكى، ومع ذلك فلا يرقّ لأحد، ولا يبالي بما نزل بالناس، بل يجدّ في السير، فلما وصل إلى مدينة انزار [1] أمر أن يستقطر له الخمر حتّى يستعمله بأدوية حارة وأفاويه لدفع البرد وتقوية الحرارة، وشرع يتناوله ولا يسأل عن أخبار عسكره وما هم فيه، إلى أن أثّرت حرارة ذلك في كبده وأمعائه، فالتهب مزاجه حتّى ضعف بدنه وهو يتجلد ويسير السّير السّريع وأطباؤه يعالجونه بتدبير مزاجه إلى أن صاروا يضعون الثّلج على بطنه لعظم ما بن من التّلهب وهو مطروح مدة ثلاثة أيام، فتلفت كبده وصار يضطرب ولونه يحمر إلى أن هلك في يوم الأربعاء تاسع عشر شعبان وهو نازل بضواحي انزار [1] ، ولم يكن معه من أولاده سوى حفيده خليل بن أميران شاه بن تيمور فملك خزائن جدّه وتسلطن وعاد إلى سمرقند برمّة جدّه إلى أن دفنه على حفيده محمد سلطان بمدرسته، وعلّق بقبته قناديل الذهب، من جملتها قنديل زنته عشرة أرطال دمشقية، وتقصد تربته بالنّذور للتبرك من البلاد البعيدة- لا تقبّل الله ممن يفعل ذلك- وإذا مرّ على هذه المدرسة أمير أو جليل خضع ونزل عن فرسه إجلالا لقبره لما له في صدورهم من الهيبة.
وتوفي عن نيف وثمانين سنة، وخلّف من الأولاد أميران شاه والقآن معين الدّين شاه رخ صاحب هراة، وبنتا يقال لها سلطان بخت، وعدة أحفاد.
انتهى باختصار.
وفيها جمال الدّين أبو المعالي عبد الله بن عمر بن علي بن مبارك الهندي السّعودي الأزهري المعروف بالحلاوي [2]- بمهملة ولام خفيفة-.
ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وسمع الكثير من يحيى المصري،
__________
[1] لم أعثر على ذكر لها فيما بين يدي من كتب البلدان.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 239) و «الضوء اللامع» (5/ 38) .(9/101)
وأحمد بن علي المستولي، وإبراهيم الخيمي، وجمع جمّ من أصحاب النّجيب، وابن علّان، وابن عبد الدائم فأكثر.
قال ابن حجر: كان ساكتا،: خيّرا، صبورا على الإسماع، قلّ أن يعتريه نعاس، قرأت عليه «مسند أحمد» في مدة يسيرة في مجالس طوال، وكان لا يضجر، وفي الجملة لم يكن في شيوخ الرّواية من شيوخنا أحسن أداء منه، ولا أصغى للحديث.
وتوفي في صفر وقد قارب الثمانين.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن إدريس بن نصر النّحريري المالكي [1] .
ولد سنة أربعين وسبعمائة، واشتغل بالعلم بدمشق وبمصر، وسمع من الظّهير بن العجمي وغيره، ثم ناب في الحكم بحلب، ثم ولي قضاء حلب سنة سبع وستين، ثم أراد الظّاهر إمساكه لمّا قام عليه، فأحس بذلك فهرب إلى بغداد، فأقام بها على صورة فقير، فلم يزل هناك إلى أن وقعت الفتنة اللّنكية، ففرّ إلى تبريز، ثم إلى حصن كيفا، فأكرمه صاحبها، فأقام عنده، وكان صاحب الترجمة يحبّ الفقهاء الشافعية وتعجبه مذاكرتهم، ثم رجع إلى حلب، ثم توجه إلى دمشق سنة ست فحجّ ورجع قاصد الحصن، وكان إماما، فاضلا، فقيها، يستحضر كثيرا من التاريخ، ويحب العلم وأهله، وكان من أعيان الحلبيين.
وتوفي بسرمين راجعا من الحجّ بكرة يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول.
وفيها عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن لاجين الرّشيدي [2] .
قال ابن حجر: سمع الميدومي، وابن الملوك، وغيرهما، وكان يلازم قراءة «صحيح البخاري» وسمعت لقراءته، وكان حسن الأداء، وسمعت منه من «المعجم الكبير» أجزاء.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 241) و «الضوء اللامع» (5/ 42) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 244) و «الضوء اللامع» (5/ 43) .(9/102)
مات في رجب وقد جاوز السبعين بأشهر. انتهى.
وفيها [1] أبو بكر [1] عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن أبي الرّجاء ابن أبي الأزهر الدمشقي، المعروف بابن السّلعوس [2] .
سمع من زينب بنت الخبّار، وحدّث عنها، وأجاز لابن حجر.
وفيها شرف الدّين عبد المنعم بن سليمان بن داود البغدادي ثم المصري الحنبلي [3] .
ولد ببغداد، وقدم [4] إلى القاهرة وهو كبير، فحجّ، وصحب القاضي تاج الدّين السّبكي وأخاه الشيخ بهاء الدّين، وتفقه على قاضي القضاة موفق الدّين وغيره، وعيّن لقضاء الحنابلة بالقاهرة فلم يتمّ ذلك، ودرّس بمدرسة أمّ الأشرف شعبان، وبالمنصورية، وولي إفتاء دار العدل، ولازم الفتوى، وانتهت إليه رئاسة الحنابلة بها، وانقطع نحو عشر سنين بالجامع الأزهر يدرّس ويفتي، ولا يخرج منه إلّا في النّادر، وأخذ عنه جماعات.
وأنشد قبل موته من نظمه [5] .
قرب الرّحيل إلى ديار الآخره ... فاجعل بفضلك خير عمري آخره
وارحم مقيلي في القبور ووحدتي ... وارحم عظامي حين تبقي ناخره
فأنا المسيكين الذي أيّامه ... ولّت بأوزار غدت متواترة
لا تطردنّ [6] فمن يكن لي راحما ... وبحار جودك يا إلهي زاخره
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 245) و «الضوء اللامع» (4/ 84) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 247) و «الضوء اللامع» (5/ 88) وفيه «ابن داود بن سليمان» و «المقصد الأرشد» (2/ 138) .
[4] في «ط» : «قدم» .
[5] الأبيات في «المقصد الأرشد» (2/ 139) .
[6] في «المقصد الأرشد» : «فلئن طردت» .(9/103)
يا مالكي يا خالقي يا رازقي ... يا راحم الشّيخ الكبير وناصره
مالي سوى قصدي لبابك سيّدي ... فاجعل بفضلك خير عمري آخره
وتوفي بالقاهرة في ثامن عشر شوال.
وفيها جلال الدّين عبيد الله [1] بن عبد الله الأردبيلي الحنفي [2] .
لقي جماعة من الكبار بالبلاد العراقية وغيرها، وقدم القاهرة فولي قضاء العسكر، ودرّس بمدرسة الأشرف بالتّبانة وغير ذلك.
وتوفي في أواخر شهر رمضان.
وفيها علاء الدّين علي بن إبراهيم بن علي القضامي الحموي الحنفي [3] .
تفقه بالقاضي صدر الدّين بن منصور، وأخذ النحو عن سري الدّين المالكي، وبرع في الأدب، وكتب في الحكم عن البارزي، ثم ولي القضاء بحماة، وكان من أهل العلم والفضل والذكاء، مع الدّين، والخير، والرئاسة، وسمع منه ابن حجر لما قدم القاهرة في آخر سنة ثلاث وثمانمائة.
ومن شعره:
عين على المحبوب قد قال لي ... راح إلى غيرك يبغي اللّجين
فجئته بالتّبر مستدركا ... وقلت ما جئتك إلّا بعين
وتوفي ثامن عشر ربيع الأول.
وفيها نور الدّين علي بن سراج الدّين عمر ابن الملقّن الشافعي [4] .
ولد في سابع شوال سنة ثمان وستين وسبعمائة، وتفقه قليلا، وسمع من أبيه وبعض المشايخ بالقاهرة، ورحل مع أبيه إلى دمشق وحماة، وأسمعه هناك، وناب
__________
[1] في «ط» : «عبد الله» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 248) و «الضوء اللامع» (5/ 117) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 250) و «الضوء اللامع» (5/ 155) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 252) و «الضوء اللامع» (5/ 267) .(9/104)
في الحكم، ودرّس بمدارس أبيه بعده، وكان عنده سكون وحياء، وتمول في الآخر، وكثرت معاملاته.
وتوفي في شعبان.
وفيها نور الدّين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر الهيثميّ الشافعي [1] الحافظ.
ولد في رجب سنة خمس وثلاثين وسبعمائة، وصحب الشيخ زين الدّين العراقي وهو صغير، فسمع معه من ابتداء طلبه على أبي الفتح الميدومي، وابن الملوك، وابن القطرواني، وغيرهم من المصريين. ومن ابن الخبّاز، وابن الحموي، وابن قيّم الضّيائية، وغيرهم من الشاميين. ثم رحل جميع رحلاته معه- أي مع العراقي- وحجّ معه حجّاته، ولم يكن يفارقه حضرا ولا سفرا، وتزوج بنته، وتخرّج به في الحديث، وقرأ عليه أكثر تصانيفه، فكتب عنه جميع مجالس إملائه، وسمع بنفسه، وعني بهذا الشأن، وكتب، وجمع، وصنّف، فمن تصانيفه «مجمع الزوائد ومنبع الفوائد» جمع فيه زوائد المعاجم الثلاث للطبراني [2] ، و «مسند الإمام أحمد بن حنبل» و «مسند البزّار» و «مسند أبي يعلى» [3] وحذف أسانيدها، وجمع «ثقات ابن حبّان» ورتّبها على حروف المعجم، وكذا «ثقات العجلي» ورتّب «الحلية» على الأبواب، وصار كثير الاستحضار للمتون جدا لكثرة الممارسة، وكان هينا، لينا، خيرا محبّا لأهل الخير، لا يسأم ولا يضجر من خدمة الشيخ وكتابة الحديث، كثير الخير، سليم الفطرة.
قال ابن حجر: قرأت عليه الكثير قرينا [4] الشيخ، ومما قرأت عليه بانفراده نحو النّصف من «مجمع الزوائد» له وغير ذلك، وكان يشهد لي بالتقدم في الفنّ،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 256- 260) و «ذيل تذكرة الحفاظ» ص (372- 373) و «الضوء اللامع» (5/ 200) و «طبقات الحفاظ» ص (541) و «حسن المحاضرة» (1/ 362) .
[2] في «ط» : «الطبراني» .
[3] الكبير منها وهو المفقود، وأما المنشور في دار المأمون للتراث بدمشق بتحقيق الأستاذ حسين الأسد فهو «مسنده الصغير» كما سبقت الإشارة إلى ذلك عند ترجمته في المجلد الرابع ص (35) .
[4] في «ط» : «قرأنا» .(9/105)
جزاه الله عني خيرا، وكنت قد تتبعت أوهامه في كتابه «مجمع الزوائد» فبلغني أن ذلك شقّ عليه فتركته رعاية له. انتهى.
وتوفي بالقاهرة ليلة الثلاثاء تاسع عشر شهر رمضان ودفن خارج باب البرقوقية.
وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن وفا [1] .
قال في «المنهل الصّافي» : الشيخ الواعظ، المعتقد الصّالح، الأديب الأستاذ، المعروف بسيّد علي بن والإسكندري الأصل المالكي الشّاذلي، صاحب النّظم الفائق، والألحان المحزنة الحسنة، والحزب المعروف عنده بني وفا.
ولد بالقاهرة سنة تسع وخمسين وسبعمائة، ومات أبوه، وتركه صغيرا، ونشأ هو وأخوه أحمد تحت كنف وصيّهما العبد الصّالح شمس الدّين محمد الزّيلعي فأدّبهما وفقههما، فنشآ على أحسن حال وأجمل طريقة، ولما صار عمر سيدي علي هذا سبع عشرة سنة جلس موضع أبيه، وعمل الميعاد، وأجاد وأفاد، وشاع ذكره، وبعد صيته، واشتهر أعظم من شهرة أبيه.
قال المقريزي: وتعددت أتباعه وأصحابه، ودانوا بحبّه، واعتقدوا رؤيته عبادة، وتبعوه في أقواله وأفعاله، وبالغوا في ذلك مبالغة زائدة، وسمعوا ميعاده المشهد، وبذلوا رغائب أموالهم، هذا مع تحجّبه وتحجب أخيه التحجب الكثير، إلّا عند عمل الميعاد والبروز لقبر أبيهما أو تنقلهما في الأماكن، فنالا من الحظّ ما لا ناله من هو في طريقتهما، وكان- أي صاحب الترجمة- جميل الطريقة، مهابا، معظّما، صاحب كلام بديع ونظم جيدا. انتهى.
ثم قال في «المنهل» : وكان فقيها، عارفا بفنون من العلوم، بارعا في التصوف، مستحضرا لتفسير القرآن الكريم، وله تآليف، منها كتاب «الباحث على الخلاص في أحوال الخواص» و «تفسير القرآن العزيز» ، وكتاب «الكوثر المترع في الأبحر الأربع» في الفقه، وديوان شعر معروف، منه:
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 253) و «الضوء اللامع» (6/ 21) و «نيل الابتهاج» ص (206) .(9/106)
ترفّق فسهم الوجد في مهجتي رشق ... ملكت فأحسن فالتجلد قد أبق
وطال عليّ الهجر واتصل الضّنى ... وقصّر عنّي الصّبر وانعدم الرّمق
وهي طويلة. انتهى ملخصا.
وقال ابن حجر في «إنباء الغمر» : كان له نظم كثير، واقتدار على جلب الخلق، مع خفّة ظاهرة، اجتمعت به مرّة في دعوة، فأنكرت على أصحابه إيمائهم إلى جهته بالسّجود، فتلا هو وهو في وسط السماع يدور فأينما تولوا فثمّ وجه الله، فنادى من كان حاضرا من الطلبة: كفرت كفرت، فترك المجلس وخرج هو وأصحابه، وكان أبوه معجبا به. وأذن له في الكلام على الناس، وكان أكثر إقامته بالرّوضة قريب المشتهى، وشعره ينعق بالاتحاد المفضي إلى الإلحاد، وكذا نظم والده، ونصب في أواخر أمره منبرا في داره، وصار يصلي الجمعة هو ومن يصاحبه، مع أنه مالكي المذهب يرى أن الجمعة لا تصحّ في البلد وإن كبر إلا في المسجد العتيق من البلد. انتهى باختصار.
وتوفي الرّوضة يوم الثلاثاء ثاني عشري ذي الحجة، ودفن عند أبيه في القرافة.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد العزيز بن محمد الحنفي، المعروف بابن الفرات المصري [1] .
سمع من أبي بكر بن الصنّاج [2] راوي «دلائل النبوة» وتفرّد بالسماع منه، وسمع «الشفاء» للقاضي عياض من الدلاصي، وأجاز له أبو الحسن البندنيجي، وتفرّد بإجازته [3] في آخرين، وكان لهجا بالتاريخ، فكتب تاريخا كبيرا جدا، بيّض بعضه، فأكمل منه المائة الثامنة، ثم السابعة، ثم السادسة في نحو عشرين مجلدا،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 267- 268) و «الضوء اللامع» (8/ 51) و «حسن المحاضرة» (1/ 556) .
[2] تصحفت في «ط» إلى «الصباح» .
[3] في «ط» : «إجازته» وهو خطأ.(9/107)
ثم شرع في تبييض الخامسة والرابعة فأدركه أجله، وكتب شيئا يسيرا من [1] أول القرن التاسع، وتاريخه هذا كثير الفائدة إلا أنه بعبارة عامية جدا، وكان يتولى عقود الأنكحة، ويشهد في الحوانيت ظاهر القاهرة، مع الخير والدّين والسلامة.
مات ليلة عيد الفطر وله اثنتان وسبعون سنة.
وفيها أبو الطّيب محمد بن عمر بن علي السّحولي [2]- بضم المهملتين- اليمني ثم المكّي المؤذّن.
ولد سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة في رمضان، وسمع «الشفاء» على الزّبير بن علي الأسواني، وهو آخر من حدث عنه، وسمع على الجمال المطري وغيره، وأجاز له عيسى الحجي وآخرون، وسمع منه ابن حجر في آخرين.
وتوفي يوم التّروية وقد أضرّ بأخرة، وكان حسن الخطّ، جيد الشعر.
وفيها شمس الدّين محمد بن قرموز الزّرعي [3] .
تفقه قليلا، وحصّل، ومهر [4] ، ونظم الشعر الحسن، وولي قضاء القدس وغيره، ثم توجه إلى قضاء الكرك فضعف، فرجع إلى دمشق، فمات بها في رجب وقد بلغ السبعين.
وفيها سراج الدّين أبو الطّيب محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن محمود الرّبعي، المعروف بابن الكويك [5] .
قال ابن حجر: سمع من الميدومي وغيره، وهو أخو شيخنا شرف الدّين أبو الطّيب الأصغر.
توفي في وسط السنة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «منه» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 269) و «الضوء اللامع» (8/ 251) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 269- 270) .
[4] تحرفت في «ط» إلى: «معهد» .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 270- 271) و «الضوء اللامع» (9/ 112) .(9/108)
وفيها شرف الدّين عيسى بن حجّاج السّعدي المصري الحنبلي، الأديب الفاضل، المعروف بعويس العالية [1] .
كان فاضلا في النحو واللغة، وله النّظم الرائق، وله «بديعية» في مدح النّبيّ صلى الله عليه وسلم، مطلعها:
سل ما حوى القلب في سلمى من العبر ... فكلّما خطرت أمسى على خطر
وله أشياء كثيرة، وسمي عويس العالية، لأنه كان عالية في لعب الشطرنج، وكان يلعب به استدبارا.
وتوفي في أوائل المحرم ذكره العليمي في «طبقاته» .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 260) و «الضوء اللامع» (6/ 151) و «المنهج الأحمد» الورقة (479) من القسم المخطوط منه.(9/109)
سنة ثمان وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عماد بن محمد بن يوسف الأقفهسي- بفتح الهمزة، وسكون القاف، وفتح الفاء وسكون الهاء- المعروف بابن العماد [1] .
أحد أئمة الفقهاء الشافعية.
ولد قبل الخمسين وسبعمائة، واشتغل في الفقه والعربية، وغير ذلك، وأخذ عن الجمال الإسنوي وغيره، وصنّف التصانيف المفيدة نظما ونثرا ومتنا وشرحا، منها «أحكام المساجد» و «أحكام النّكاح» و «حوادث الهجرة» وكتاب «التبيان فيما يحلّ ويحرم من الحيوان» و «رفع الإلباس عن دهم الوسواس» و «شرح حوادث الهجرة» له، و «القول التّام في أحكام المأموم والإمام» وغير ذلك.
وسمع منه ابن حجر، وكتب عنه برهان الدّين محدّث حلب.
وفيها أبو هشام أحمد بن محمد بن إسماعيل بن عبد الرحيم بن يوسف بن شمير بن حازم المصري، المعروف بابن البرهان الظّاهري التّيمي [2] .
ولد بين القاهرة ومصر في ربيع الأول سنة أربع وخمسين وسبعمائة، وهو أحد من قام على الظّاهر برقوق، وكان أبوه من العدول، ونشأ أحمد بالقاهرة، واشتغل بالفقه على مذهب الشافعي، ثم صحب شخصا ظاهريّ المذهب
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 313) و «الضوء اللامع» (2/ 47) و «الطبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 15) و «البدر الطالع» (1/ 93) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 316) و «الضوء اللامع» (2/ 96) .(9/110)
فجذبه [1] إلى النّظر في كلام أبي محمد بن حزم فأحبه، ثم نظر في كلام ابن تيميّة فغلب عليه، حتّى صار لا يعتقد أن أحدا أعلم منه، وكانت له نفس أبيّة ومروءة وعصبية، ونظر كثيرا في أخبار الناس، فكانت نفسه تطمح إلى المشاركة في الملك وليس له قدم فيه، لا من عشيرة، ولا من وظيفة، ولا من مال، ثم رحل إلى الشام والعراق يدعو إلى طاعة رجل من قريش، فاستقرأ جميع الممالك فلم يبلغ قصدا، ثم رجع إلى الشام فاستغوى كثيرا من أهلها ومن أهل خراسان، وآخر الأمر قبض عليه وعلى جماعة من أصحابه بحمص، وحمل الجميع في القيود إلى الديار المصرية فأوقفه الظّاهر برقوق بين يديه ووبّخه على فعله، وضرب أصحابه بالمقارع، ثم حبسه مدة طويلة، ثم أطلقه في سنة إحدى وتسعين، وطال خموله إلى أن توفي.
وأطنب المقريزي في الثناء عليه، وأمعن، وزاد، لكونه كان ظاهريا، وذكر أنه كان فقيرا عادما للقوت.
وتوفي يوم الخميس السادس والعشرين من جمادى الأولى.
وفيها شيخ زادة العجمي الحنفي [2] .
قدم من بلاده إلى حلب سنة أربع وتسعين وسبعمائة، وهو شيخ ساكن يتكلّم في العلم بسكون، ويتعانى حلّ المشكلات، فنزل في جوار القاضي محبّ الدّين بن الشّحنة، فشغل الناس.
قال ابن حجر: وكان عالما بالعربية والمنطق والكشّاف، وله اقتدار على حلّ المشكلات من هذه العلوم، ولقد طارحه سراج الدّين الفوّي بأسألة من العربية وغيرها، نظما ونثرا [3] ، منها في قول «الكشّاف» [4] إن الاستثناء في قوله تعالى:
إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ 15: 58- 59 [الحجر: 58- 59] متصل أو
__________
[1] في «ط» : «مجلبة» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 321) و «الضوء اللامع» (3/ 231) .
[3] في «آ» و «ط» : «نظم ونثر» وما أثبته من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف.
[4] انظر «الكشّاف» (2/ 581- 582) وقد نقل عنه بتصرف.(9/111)
منقطع؟ فأجابه جوابا حسنا بأنه إن كان يتعلق بقوم يكون منقطعا لأن القوم صفتهم الإجرام أو عن الضّمير في صفتهم فيكون متصلا، واستشكل أن الضّمير هو الموصوف المقيّد بالصّفة، فلو قلت: مررت بقوم مجرمين إلا رجلا صالحا كان الاستثناء منقطعا، فينبغي أن يكون الاستثناء منقطعا في الصورتين، فأجاب بأنه لا إشكال. قال: وغاية ما يمكن أن يقال إن الضّمير المستكن في المجرمين، وإن كان عائدا إلى القوم بالإجرام إلّا أن إسناد الإجرام إليه يقتضي تجرّده عن اعتبار اتصافه بالإجرام فيكون إثباتا للنائب إلى آخر كلامه.
ثم دخل القاهرة وولي بعد ذلك تدريس الشيخونية ومشيختها، فأقام مدة طويلة إلى أن كان في أواخر هذه السنة فإنه طال ضعفه، فسعى عليه القاضي كمال الدّين بن العديم أنه خرّف، ورتّب على الوظيفة، فاستقرّ فيها بالجاه، فتألم لذلك هو وولده، ومقت أهل الخير ابن العديم بسبب هذا الصنيع، ومات الشيخ زاده عن قرب ودفن بالشيخونية.
وفيها أمين الدّين سالم بن سعيد بن علوي الحسّاني الشافعي [1] .
قدم القدس وهو ابن عشرين سنة، فتفقه بها، ثم قدم دمشق في حياة السّبكي، واشتغل وداوم على ذلك، وتفقه بعلاء الدّين حجي وغيره، وأخذ النّحو عن السّكسكي وغيره، وقدم القاهرة، فقرأ في النحو على ابن عقيل، وفي الفقه على البلقيني، وقدم معه دمشق، ولما ولي قضاءها ولّاه قضاء بصرى، ثم لم يزل ينتقل في النيابة بالبلاد إلى أن مات في جمادى الأولى وقد جاوز السبعين.
وفيها زين الدّين أبو العزّ طاهر بن الحسن بن عمر بن الحسن بن حبيب بن شريح الحلبي الحنفي [2] .
ولد بعد الأربعين وسبعمائة بقليل، واشتغل بالعلم، وتعانى الأدب، ولازم الشيخين أبا جعفر الغرناطي، وابن حازم، وسمع من إبراهيم بن الشّهاب محمود
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 323) و «الضوء اللامع» (3/ 241) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 324) و «الضوء اللامع» (4/ 3) .(9/112)
وغيره، وأجاز له أبو العبّاس المرداوي خاتمة أصحاب ابن عبد الدائم وجماعة، وحصّل، وبرع في الأدب وغيره، وصنّف، وكتب في ديوان الإنشاء بحلب، ثم رحل إلى دمشق، وأقام بها مدة، ثم توجه إلى القاهرة، وكتب بها في ديوان الإنشاء، وولي عدة وظائف، وكان يكتب الخطّ المنسوب، وله نظم ونثر، نظم «تلخيص المفتاح» في المعاني والبيان، وشرح «البردة» للبوصيري، وخمّسها، وذيّل على تاريخ والده.
ومن شعره:
قلت له إذ ماس في أخضر ... وطرفه ألبابنا يسحر
لحظك ذا أو أبيض مرهف ... فقال هذا موتك الأحمر
وتوفي بالقاهرة [1] يوم الجمعة سابع عشر ذي الحجّة.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن علي بن خلف الفارسكوري [2] الشافعي العلّامة.
ولد سنة خمس وخمسين وسبعمائة، وقدم القاهرة، ولازم الاشتغال، وتفقه على الشيخ جمال الدّين، والشيخ سراج الدّين وغيرهما. وسمع الحديث فأكثر، وكتب بخطّه المليح كثيرا، ثم تقدّم وصنّف، وعمل شرحا على «شرح العمدة» لابن دقيق العيد، وجمع فيه أشياء حسنة، وكان له حظّ من العبادة والمروءة والسّعي في قضاء حوائج الغرباء لا سيما أهل الحجاز، وقد ولي قضاء المدينة، ولم تتم له مباشرة ذلك، واستقرّ في سنة ثلاث وثمانمائة في تدريس المنصورية، ونظر الظّاهرية ودرسها فعمرها أحسن عمارة، وحمد [3] في مباشرته، وقد جاور بمكة، وصنّف بها شيئا يتعلق بالأحكام.
قال ابن حجر: وكان يودني وأوده، وسمع بقراءتي وسمعت بقراءته، وأسفت
__________
[1] في «ط» : «في القاهرة» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 326) و «الضوء اللامع» (4/ 96) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 30) و «معجم المؤلفين» (5/ 155) .
[3] في «ط» : «وجد» .(9/113)
عليه جدا، وقد سئل في مرض موته أن ينزل عن بعض وظائفه لبعض من يحبّه من رفقته، فقال لا أتقيّد بها حيّا وميتا.
وتوفي في رجب وله ثلاث وخمسون سنة.
وفيها ولي الدّين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحيم الحضرمي الإشبيلي المالكي، المعروف بابن خلدون [1] .
ولد يوم الأربعاء أول شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة بمدينة تونس، ونشأ بها، وطلب العلم، وسمع من الوادي آشي وغيره، وقرأ القرآن على عبد الله بن سعد بن نزال إفرادا وجمعا، وأخذ العربية عن أبيه، وأبي عبد الله السّائري وغيرهما، وأخذ الفقه عن قاضي الجماعة ابن عبد السلام وغيره، وأخذ عن عبد المهيمن الحضرمي، ومحمد بن إبراهيم الإربلي شيخ المعقول بالمغرب، وبرع في العلوم، وتقدم في الفنون، ومهر في الأدب والكتابة، وولي كتابة السّرّ بمدينة فاس لأبي عنان، ولأخيه أبي سالم، ورحل إلى غرناطة في الرسيلة سنة تسع وستين، وكان ولي بتونس كتابة العلّامة ثم ولي الكتابة بفاس، ثم اعتقل سنة ثمان وخمسين نحو عامين، ودخل بجاية، فراسله صاحبها فدبّر أموره، ثم رحل بعد أن مات إلى تلمسان باستدعاء صاحبها فلم يقم بها، ثم استدعاه عبد العزيز بفاس، فمات قبل قدومه فقبض عليه، ثم خلص فسار إلى مراكش، وتنقلت به الأحوال إلى أن رجع إلى تونس سنة ثمانين فأكرمه سلطانها، فسعوا به عند السلطان إلى أن وجد غفلة ففرّ إلى الشرق، وذلك في شعبان سنة أربع وثمانين، ثم ولي قضاء المالكية بالقاهرة، ثم عزل، وولي مشيخة البيبرسية، ثم عزل عنها، ثم ولي القضاء مرارا آخرها في رمضان من هذه السنة فباشره ثمانية أيام فأدركه أجله، وكان ممن رافق العسكر إلى تمرلنك، وهو مفصول عن القضاء، واجتمع بتمرلنك،
__________
[1] ترجمته في «الإحاطة» (3/ 497- 516) و «إنباء الغمر» (5/ 327) و «الضوء اللامع» (4/ 145) و «نيل الابتهاج» ص (169) و «حسن المحاضرة» (1/ 462) و «الأعلام» (3/ 330) و «معجم المؤلفين» (5/ 188- 191) .(9/114)
وأعجبه كلامه وبلاغته وحسن ترسله، إلى أن خلّصه الله من يده، وصنّف «التاريخ الكبير» في سبع مجلدات ضخمة، ظهرت [1] فيه فضائله، وأبان فيه عن براعته، وكان لا يتزيّا بزيّ القضاة [2] بل هو مستمر على طريقته في بلاده.
قال لسان الدّين بن الخطيب في «تاريخ غرناطة» : رجل فاضل، جمّ الفضائل، رفيع القدر، وأصيل [3] المجد، وقور المجلس، عالي الهمّة، قوي الجأش، متقدم في فنون عقيلة ونقلية، كثير الحفظ، وصحيح التّصوّر، بارع الخطّ [4] ، حسن العشرة، مفخرة [5] من مفاخر الغرب [6] . قال هذا كلّه في ترجمته والمترجم في حد الكهولة. انتهى.
وتوفي وهو قاض فجأة يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر رمضان، ودفن بمقابر الصّوفية خارج باب النصر، وله ست وسبعون سنة وخمسة وعشرون يوما.
وفيها قوام الدّين قوام بن عبد الله الرّومي الحنفي [7] .
قال ابن حجر: قدم الشام وهو فاضل في عدة فنون، فأشغل وأفاد، وصاهر بدر الدّين بن مكتوم، وولي تصديرا بالجامع، وصحب النّواب، وكان سليم الباطن، كثير المروءة والمساعدة للناس.
مات في ربيع الآخر بدمشق.
وفيها شمس الدّين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم الجعبري الحنبلي العابر [8] .
__________
[1] في «ط» : «أظهرت» .
[2] في «ط» : «القضاء» .
[3] في «ط» : «أسيل» وما جاء في «آ» موافق لما في «الاحاطة» مصدر المؤلف.
[4] في «ط» : «بارع الحظ» .
[5] في «ط» : «فخر» .
[6] في «الاحاطة» : «مفخرة من مفاخر التخوم المغربية» .
[7] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 335) و «الضوء اللامع» (6/ 225) .
[8] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 336) و «الضوء اللامع» (7/ 157) و «السّحب الوابلة» ص (365) وفيه: «محمد بن أبي بكر بن إسماعيل ... » .(9/115)
كان يتعانى [1] صناعة القبان، وتنزل [2] في دروس الحنابلة، وتنزل [2] في سعيد السعداء، وفاق في تعبير الرؤيا.
ومات في جمادى الآخرة.
وفيها أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عبد الله محمد بن المعتضد أبي بكر بن المستكفي سليمان بن الحاكم أحمد العبّاسي [3] .
ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة أو نحوها، وتولى الخلافة في سنة ثلاث وستين بعهد من أبيه إليه، واستمرّ في ذلك إلى أن مات في شعبان من هذه السنة سوى ما تخلّل من السنين التي غضب عليه فيها الظّاهر برقوق.
واستقرّ بعده في الخلافة ولده أبو الفضل العبّاسي ولقّب المستعين بالله بعهد من أبيه.
وفيها شمس الدّين محمد بن شرف الدّين أبي بكر بن محمد بن الشّهاب محمود بن سلمان بن فهد الحلبي الأصل الدمشقي [4] .
ولد في شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وحضر علي البرزالي، وأبي بكر بن قوام، وشمس الدّين بن السّرّاج، والعلم سليمان المنشد، بطريق الحجاز في سنة تسع وثلاثين، وسمع في سنة ثلاث وأربعين من عبد الرحيم بن أبي اليسر، ويعقوب بن يعقوب الجزري، وغيرهما، وحدّث، وكان شكلا حسنا، كامل الثّغر، مفرط السّمن، ثم ضعف بعد الكائنة العظمى وتضعضع حاله بعد ما كان مثريا، وكان يكثر الانجماع عن الناس، مكبّا على الأشغال بالعلم، ودرّس بالبادرائية نيابة، وكان كثير من الناس يعتمد عليه لأمانته ونقله.
__________
[1] في «ط» : «يتعاطى» .
[2] في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف: «ونزل» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 336) و «الضوء اللامع» (7/ 168) و «تاريخ الخلفاء» ص (501- 505) و «حسن المحاضرة» (2/ 81- 84) و «السلوك» (4/ 1/ 23- 24) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 338- 340) و «الضوء اللامع» (7/ 201) .(9/116)
توفي في خامس عشري جمادي الأولى، وكان أبوه موقّع الدّست بدمشق، وكان قد ولي قبل ذلك كتابة السّرّ.
وفيها شمس الدّين محمد بن الحسن الأسيوطي [1] .
كان عالما بالعربية، حسن التعليم لها، انتفع به جماعة، وكان يعلّم بالأجرة، وله في ذلك وقائع عجيبة ننبئ عن دناءة شديدة وشح مفرط، وكان منقطعا إلى القاضي شمس الدّين بن الصّاحب الموقّع، ونبغ [2] له ولده شمس الدّين محمد، لكن مات شابا قبله رحمهما الله تعالى. قاله ابن حجر.
وفيها محمد بن عبد الرحمن بن عبد الخالق بن سنان البرشسي- بفتح الموحدة التحتية وسكون الراء وفتح المعجمة بعدها سين مهملة [3]- الشافعي [4] .
اشتغل قديما، وسمع من القلانسي ونحوه، وحدّث، وأفاد، ودرّس، مع الدّين والخير، وله منظومة في علم الحديث، وشرحها، وشرح أسماء رجال الشافعي، وله كتاب في فضل الذّكر، وغير ذلك، وسمع عليه ابن حجر، وتوفي عن سبعين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن الخضر الزّبيري [5] العيزري الغزّي الشافعي [6] .
ولد في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وتفقه بالقاهرة على ابن عدلان، وأحمد بن محمد العطّار، ومحيى الدّين ولد مجد الدّين الزّنكلوني. وقرأ على البرهان الحكري، ورجع إلى غزّة سنة أربع وأربعين وسبعمائة، فاستقرّ بها،
__________
[1] ترجمته في «إنباه الرواة» (5/ 340) و «بغية الوعاة» (1/ 91) وفيه: «السيوطي» .
[2] تصفحت في «ط» إلى «ونبع» .
[3] تنبيه: كذا قال المؤلف رحمه: «البرشسي» وفي «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «البرشنسي» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 341) و «الضوء اللامع» (7/ 290) .
[5] في «ط» : «ابن الخضري الزبيدي» وهو خطأ.
[6] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 344) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 73) و «الضوء اللامع» (9/ 218) و «البدر الطالع» (2/ 254) .(9/117)
ودخل دمشق، وأخذ عن البهاء المصري، والتّقي والتاج السّبكيّين، وغيرهم، وأذن له البدر محمود بن علي بن هلال في الإفتاء، وأخذ عن القطب التّحتاني [1] ، وصنّف تصانيف في عدة فنون، وكتب على أسئلة من عدة علوم، وله مناقشة على «جمع الجوامع» وذكر أنه شرحه، واختصر «القوت» للأذرعي، وله «تعليق على الشرح الكبير» للرافعي، ونظم في العربية أرجوزة سمّاها «قضم الضّرب في نظم كلام العرب» .
وتوفي في نصف ذي الحجّة.
وفيها كمال الدّين أبو البقاء محمد بن موسى بن عيسى بن علي الدّميري [2]- بالفتح والكسر، نسبة إلى دميرة قرية بمصر- الشافعي العلّامة.
ولد في أوائل سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وتفقه على الشيخ بهاء الدّين أحمد السّبكي، والشيخ جمال الدّين الإسنوي، والقاضي كمال الدّين النّويري المالكي، وأجازه بالفتوى والتدريس، وأخذ الأدب عن الشيخ برهان الدّين القيراطي، وبرع في الفقه، والحديث، والتفسير، والعربية، وسمع «جامع الترمذي» على المظفّر العطّار المصري، وعلى علي بن أحمد الفرضي الدمشقي «مسند أحمد بن حنبل» بفوت يسير، وسمع بالقاهرة من محمد بن علي الحراوي وغيره، ودرّس في عدة أماكن، وكان ذا حظّ من العبادة تلاوة وصياما ومجاورة بالحرمين، ويذكر عنه كرامات كان يخفيها، وربما أظهرها وأحالها على غيره، وصنّف «شرح المنهاج» في أربع مجلدات، ونظم في الفقه أرجوزة طويلة، وله كتاب «حياة الحيوان» كبرى وصغرى ووسطى، أبان فيها عن طول باعه وكثرة اطلاعه، وشرع في «شرح ابن ماجة» [3] فكتب مسودة وبيّض بعضه، ودرّس بالأزهر وبمكة المشرّفة، وتزوج بها في بعض مجاوراته، ورزق فيها أولادا.
__________
[1] تقدمت ترجمته في المجلد الثامن ص (355) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 347) و «الطبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 77- 79) و «الضوء اللامع» (10/ 59) و «حسن المحاضرة» (1/ 439) .
[3] يعني «سنن ابن ماجة» .(9/118)
وتوفي بالقاهرة في الثالث جمادى الأولى.
وفيها شمس الدّين محمد الحنبلي، المعروف بابن المصري [1] .
قال ابن حجر: كان من نبهاء الحنابلة، يحفظ «المقنع» ، وهو آخر طلبة القاضي موفق الدّين موتا، وكان قد ترك وصار يتكسّب في حانوت بالصّاغة.
وفيها محيى الدّين محمود بن نجم الدّين أحمد بن عماد الدّين إسماعيل بن العزّ الحنفي بن الكشك [2] .
اشتغل قليلا، وناب عن أبيه، واستقلّ بالقضاء وقتا، ولما كانت فتنة تيمور دخل معهم في المنكرات، وولي القضاء من قبلهم، ولقّب قاضي المملكة، واستخلف بقية القضاة من تحت يده، وخطب بالجامع، ودخل في المظالم، وبالغ في ذلك فكرهه الناس ومقتوه، ثم اطلع تمر على أنه خانه فصادره وعاقبه وأسره إلى أن وصل تبريز، فهرب ودخل القاهرة، فكتب توقيعا بقضاء الشام فلم يمضه نائب الشام شيخ، واستمرّ خاملا، وتفرّق أخوه وأولاده وظائفه، ثم صالحوه على بعضها.
وتوفي في ذي الحجة. قاله ابن حجر.
وهو والد رئيس الشام شهاب الدّين.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 348) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 348) و «الضوء اللامع» (10/ 127) .(9/119)
سنة تسع وثمانمائة
فيها قويت فتن جكم، وشيخ، ونوروز، حتى بويع جكم بالسلطنة بالشام، ولقّب بالعادل، ثم قتل في أثناء ذلك، كبا به فرسه فمات.
وفيها توفي صارم الدّين إبراهيم بن محمد بن أيدمر بن دقماق الحنفي [1] .
ولد بمصر في حدود خمسين وسبعمائة، وتزيا بزي الجند، وطلب العلم، وتفقه يسيرا، ومال إلى الأدب، ثم حبّب إليه التاريخ فمال إليه بكلّيته، وكتب الكثير، وصنّف.
قال الشيخ تقي الدّين المقريزي: مال إلى فنّ التاريخ، فأكبّ عليه حتّى كتب نحو مائتي سفر من تأليفه وغيره، وكتب تاريخا كبيرا على السنين، وآخر على الحروف، وأخبار الدولة التركية في مجلدين، وأفرد سيرة الملك الظّاهر برقوق، وكتب «طبقات الحنفية» وامتحن بسببها، وكان عارفا بأمور الدولة التّركية ومذاكرا بجملة أخبارها، مستحضرا لتراجم أمرائها، ويشارك في أخبار غيرها مشاركة جيدة، وكان جميل العشرة، فكه المحاضرة، كثير التّودّد، حافظا للسانه من الوقيعة في الناس، لا تراه يذمّ أحدا من معارفه بل يتجاوز عن ذكر ما هو مشهور عنهم مما يرمى به أحدهم، ويعتذر عنهم بكل طريق، صحبته مدة، وجاورني سنين. انتهى كلام المقريزي.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 16) و «الضوء اللامع» (1/ 145) و «الطبقات السنية» (1/ 225- 226) .(9/120)
وقال [1] ابن حجر: ولي في آخر الأمر إمرة دمياط، فلم تطل مدته فيها، ورجع إلى القاهرة، [2] وكان مع اشتغاله بالأدب عريّا عن العربية، عامّيّ العبارة.
مات بالقاهرة [2] في أواخر ذي الحجّة وقد جاوز الستين.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن خاص التّركي الحنفي [3] ، أحد الفضلاء المتميزين من الحنفية.
أخذ عنه [4] بدر الدّين العيني المحتسب، وكان يطريه.
وتوفي بالقاهرة. قاله ابن حجر.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الله العجمي الحنبلي [5] أحد الفضلاء الأذكياء.
قال ابن حجر: أخذ عن كثير من شيوخنا، ومهر في العربية والأصول، وقرأ في علوم الحديث، ولازم [الإقراء، و] الاشتغال [6] في الفنون.
مات عن ثلاثين سنة بالطّاعون في شهر رمضان بالقاهرة. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عمر بن علي بن عبد الصّمد البغدادي الجوهري [7] .
ولد سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وقدم من بغداد قديما مع أخيه عبد الصّمد، فسمعا من المزّي، والذهبي، وداود بن العطّار، وغيرهم، وسمع بالقاهرة من شرف الدّين بن عسكر، وكان يحبّ التواجد في السماع مع المروءة التّامة والخير والمعرفة بصنف الجوهر.
__________
[1] في «ط» : «مآل» .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 17) و «الضوء اللامع» (1/ 319) .
[4] في «ط» : «عن» وهو خطأ.
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 18) و «الضوء اللامع» (1/ 372) .
[6] في «ط» : «الأشغال» وما بين الحاصرتين مستدرك من «إنباء الغمر» .
[7] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 18) و «الضوء اللامع» (2/ 55) .(9/121)
قال ابن حجر: قرأت عليه «سنن ابن ماجة» بجامع عمرو بن العاص، وقرأت عليه قطعة كبيرة من «طبقات الحفّاظ» للذهبي، وقطعة كبيرة من «تاريخ بغداد» للخطيب.
مات في ربيع الأول وقد جاوز الثمانين وتغيّر ذهنه قليلا.
وفيها أحمد بن محمد بن عبد الغالب الماكسيني [1] .
ولد في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، وسمع من جماعة، وحدّث وهو من بيت رواية، وكان يكتب القصص، ثم جلس مع الشهود بالعادلية، وكان يكتب خطا حسنا.
وتوفي في صفر.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن قماقم- وقماقم لقب أبيه- الدّمشقي الفقّاعي [2] الشافعي [3] .
كان أبوه فقّاعيا، واشتغل هو بالعلم، وأخذ عن علاء الدّين بن حجي، وقرأ.
بالرّوايات على ابن السّلّار.
قدم القاهرة في سنة الكائنة العظمى فأقام بها مدة، ورجع إلى دمشق، وسمع على البلقيني في الفقه والحديث.
قال ابن حجي: كان يستحضر البويطي، وسمعت [4] البلقيني يسمّيه البويطي الكبير في استحضاره له، ودرّس بالأمجدية.
وتوفي بدمشق في جمادى الآخرة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 19) و «الضوء اللامع» (2/ 124) .
[2] في «الضوء اللامع» : «الفقاعي نسبة لبيع الفقّاع» . قلت: والفقّاع: شراب. انظر «تاج العروس» (فقع) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 20) و «الضوء اللامع» (2/ 167) .
[4] في «آ» و «ط» : «سمعت» وما أثبته من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.(9/122)
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن نشوان بن محمد بن نشوان بن محمد بن أحمد الشّافعي [1] .
قال ابن قاضي شهبة: الإمام العالم أبو العبّاس الحواري الدمشقي.
مولده سنة سبع وخمسين وسبعمائة.
قدم دمشق، وقرأ القرآن، ثم أقرأ ولدي الشيخ شهاب الدّين الزّهري، واشتغل في العلم معهما وبسببهما على الشيخ شهاب الدّين ولازمه كثيرا، وحضر عند مشايخ العصر، إلى أن تنبه وفضل، وانتهى في الشامية البرّانية سنة خمس وثمانين، وظهر فضله، وأذن له الشيخ شهاب الدّين الزّهري بالإفتاء، ثم نزل له الشيخ شهاب الدّين بن حجي عن إعادة الشّامية البرّانية بعوض، وجلس للاشغال بالجامع، ولما كان بعد الفتنة ناب في القضاء، ولازم الجامع للإشغال وانتفع به الطلبة، وقصد بالفتاوى، وكان يكتب عليها كتابة حسنة، ودرّس في آخر عمره بالعذراوية، وكان عاقلا، ذكيا، يتكلّم في العلم بتؤدة وسكون، وعنده [2] إنصاف، وله محاضرة حسنة ونظم، وكان في يده جهات كثيرة، ومات ولم يحجّ، مرض بالاستسقاء وطال مرضه، حتى رأى العبر في نفسه.
وتوفي بالبيمارستان النّوري في جمادى الأولى، ودفن بمقابر الصّوفية عند شيخه. انتهى باختصار.
وفيها بدر الدّين أحمد بن محمد بن عمر بن محمد [3] الطّنبذي- بضم الطاء والموحدة بينهما نون ساكنة آخره معجمة، نسبة إلى طنبذا قرية بمصر- الشافعي [4] ، العالم الأوحد.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 20) و «الضوء اللامع» (2/ 210) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 18) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 320) .
[2] في «آ» و «ط» : «عنده» وما أثبته من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف.
[3] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة، و «الضوء اللامع» : «أحمد بن عمر بن محمد» وفي «إنباء الغمر» : «أحمد بن محمد» فقط.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 21- 23) و «الضوء اللامع» (2/ 56) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 16) .(9/123)
قال ابن قاضي شهبة: أحد مشاهير الشافعية الأعلام بالقاهرة، اشتغل كثيرا، ولازم أبا البقاء، والإسنوي، والبلقيني، وغيرهم، وأفتى، ودرّس، ووعظ، ومهر في العربية، والتفسير، والأصول، والفقه، وسمع الحديث من جماعة، وكان ذكيا، فصيحا، يلقي على الطّلبة دروسا حافلة، وتخرّج به جماعة كثيرة، لكنه لم يكن مرضيّ الدّيانة، سامحه الله.
توفي في ربيع الأول.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد البالسي الأصل ثم الدمشقي الحنفي الحواشي [1] .
اشتغل في صباه، وصاهر أبا البقاء على ابنته، وأفتى ودرّس، وناب في الحكم، وولي نظر الأوصياء ووظائف كثيرة بدمشق، وكان حسن السّيرة، ثم ناب في الحكم، وسعى في القضاء استقلالا، فباشر قليلا جدا، ثم عزل، ثم سعى فلم يتمّ له ذلك.
وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها بدر الدّين حسن بن علي بن عمر الإسعردي [2] .
قال ابن حجر: صاحبنا، كان من بيت نعمة وثروة، فأحبّ سماع الحديث، فسمع الكثير، وكتب الطّباق، وحصّل الأجزاء، وسمع من أصحاب التّقي سليمان وغيرهم، وأحبّ هذا الشأن، وذهبت أجزاؤه في قصة تمرلنك، وقد رافقني في السماع وأعطاني أجزاء بخطّه، وبلغني أنه حدّث في هذه السنة بدمشق ببعض مسموعاته.
ومات بدمشق في ربيع الأول.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 23) و «الضوء اللامع» (2/ 216) وفيهما «الجواشني» مكان «الحواشي» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 27) و «الضوء اللامع» (3/ 112) .(9/124)
وفيها خير الدّين خليل بن عبد الله البابرتي [1] الحنفي [2] .
كان فاضلا في مذهبه، محبّا للحديث وأهله، مذاكرا بالعربية، كثير المروءة، وقد عيّن لقضاء الحنفية مرّة فلم يتمّ ذلك، وولي قضاء القدس.
وفيها شهاب الدّين رسول بن عبد الله القيصري ثم الغزّي الحنفي [3] .
قدم دمشق في حدود السبعين وسبعمائة وهو فاضل، وسمع من ابن أميلة، وابن حبيب، ثم ولي نيابة الحكم بدمشق في أول دولة الظّاهر، ثم ولي قضاء غزّة في أيّام ابن جماعة، وحصّل مالا كثيرا بعد فقر شديد، ثم مات بدمشق في جمادى الأولى وقد شاخ.
وفيها شرف الدّين صدّيق بن علي بن صدّيق الأنطاكي [4] .
ولد سنة بضع وأربعين، وقدم من بلاده بعد الستين، فاشتغل بالعلم ونزل [5] في المدارس، ورافق الصّدر الياسوفي في السماع، فأكثر عن ابن رافع، وسمع من بقية أصحاب الفخر وغيرهم، وكان على دين وصيانة، ولم يتزوج، ثم سكن القاهرة، وصار أحد الصّوفية بالبيبرسية، وأجاز لابن حجر، وكان يتردّد إلى دمشق.
توفي بمصر بالطّاعون في رمضان.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن خليل بن يوسف المارداني [6] الحاسب [أبو أمّ سبط المارديني] [7] ، وانتهت إليه الرئاسة في علم الميقات في زمانه، وكان عارفا بالهيئة، مع الدّين المتين، وله أوضاع وتأليف، وانتفع به أهل زمانه، وكان أبوه من
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الفايزي» والتصحيح من «الضوء اللامع» و «الطبقات السنية» وفي «إنباء الغمر» :
«البابري» وهو تحريف، قلت: وقيل عنه أيضا: «ويعرف بالعنتابي» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 28) و «الضوء اللامع» (3/ 199) و «الطبقات السنية» (3/ 219) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 367) و «الضوء اللامع» (3/ 225) و «الطبقات السّنية» (3/ 247) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 30) و «الضوء اللامع» (3/ 320) .
[5] في «آ» و «ط» : «وتنزل» وما أثبته من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف.
[6] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 31) و «الضوء اللامع» (5/ 19) .
[7، 7] ما بين الرقمين لم يرد في «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» .(9/125)
الطّبّالين، ونشأ هو مع قرّاء الجوق، وكان له صوت مطرب، ثم مهر في الحساب، وكان شيخ الخاصكي قد قدّمه ونوّه به.
ومات في جمادى الآخرة.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن يوسف بن الكفري الحنفي [1] .
قال ابن حجر: ولد سنة إحدى وخمسين، وتفقه على ابن الخبّاز، وأسمعه أبوه من جماعة. سمعت منه في الرحلة، وولي القضاء غير مرّة بعد الفتنة، ولم يكن محمود السيرة، وكان متحريا لكتبه ويعرف أسماءها، مع وفور جهل بالفقه وغيره.
ومات في يوم الأحد ثالث ربيع الآخر.
وفيها قطب الدّين عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن عبد النّور بن منير الحلبي ثم المصري [2] .
سمع من الحسن الإربلي، وأحمد بن علي المستولي، وغيرهما، وتصرّف بأبواب القضاة، وسمع منه ابن حجر.
وتوفي في نصف السنة عن ثلاث وسبعين سنة.
وفيها علاء الدّين علي بن إبراهيم القضاميّ [3] الحموي الحنفي [4] أحد الفضلاء.
أخذ العربية عن سري الدّين أبو هانئ المالكي، والفقه عن أثير الدّين بن وهبان، وتمهّر، وبهرت فضائله، وولي قضاء بلده، وقدم القاهرة سنة الكائنة العظمى فاشتهرت فضائله وعرفت فنونه، وحدّث وأفاد، فسمع منه ابن حجر وغيره.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 33) و «الضوء اللامع» (4/ 159) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 34) و «الضوء اللامع» (4/ 317) و «حسن المحاضرة» (1/ 358) .
[3] في «آ» و «ط» : «القضاعي» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 250) و (6/ 35) و «الضوء اللامع» (5/ 155) .(9/126)
وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها علي بن أحمد اليمني الملقّب بالأزرق [1] .
قال ابن حجر: من أهل أبيات حسين. كان كثير العناية بالفقه، فجمع فيه كتابا كبيرا. انتهى.
وفيها سراج الدّين عمر بن منصور بن سليمان القرمي الحنفي، المعروف بالعجمي [2] .
قال في «المنهل» : كان فقيها بارعا فاضلا، قدم إلى الديار المصرية فنوّه قاضي القضاة جمال الدّين محمود القيصري العجمي بذكره، فولي حسبة مصر وعدة وظائف، ودرّس التفسير بالقبّة المنصورية وغيرها، وتصدّر للإقراء والتدريس، وكان مشكور السيرة في دينه ودنياه، وله عبادة، وأوراد، وصلاة وقراءة، وصدقات، وكان يغلب عليه الخير وسلامة الباطن، وكانت العامة تسمّيه فلق، فإنه كان إذا أراد تأديب أحد يقول: هات فلق، يعني الفلقة، وكان جميل الصّورة، مليح الشكل، عنده بشاشة وطلاقة.
وتوفي يوم الاثنين خامس عشر جمادى الأولى. انتهى.
وفيها أبو اليمن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر الطّبري المكّي الشافعي [3] إمام المقام.
ولد في شعبان سنة ثلاثين وسبعمائة، وسمع من عيسى الحجي، والزّين أحمد بن محمد بن المحبّ الطّبري، وابن عمّ أبيه عثمان بن الصّفي الطّبري، وقطب الدّين بن مكرم، وعثمان بن شجاع بن عيسى الدّمياطي، وعيسى بن الملك المعظّم، وأجاز له يحيى بن فضل الله، وأبو بكر بن الرّضي، وزينب بنت
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 36) و «الضوء اللامع» (5/ 92) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 39) و «الضوء اللامع» (6/ 138) و «الدليل الشافي» (1/ 506) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 40) و «الضوء اللامع» (6/ 287) و «العقد الثمين» (1/ 285) و «إتحاف الوري» (3/ 455) .(9/127)
الكمال، ونحوهم. وولي إمامة المقام نيابة، ثم استقلالا، وسمع منه ابن حجر وغيره، وكان خيّرا، سليم الباطن، معتقدا، وهو آخر من حدّث عن عيسى، ومن ذكر بعده بالسماع، وعن يحيى بالإجازة.
وتوفي في صفر وقد ناهز الثمانين.
وفيها شمس الدّين محمد بن تقي الدّين إسماعيل بن علي القلقشندي المصري ثم القدسي الشافعي [1] .
ولد سنة خمس وخمسين وسبعمائة، وسمع من الميدومي وغيره، وأخذ عن الشيخ صلاح الدّين [العلائي] وعن والده تقي الدّين، ومهر، وبهر، وساد، حتّى صار شيخ بيت المقدس في الفقه، وعليه مدار الفتوى.
وتوفي بها في رجب.
وفيها ناصر الدّين محمد بن أنس الحنفي الطّنتدائي [2] ، نزيل القاهرة.
كان عارفا بالفرائض، وأقرأ بالجمع، وانتفعوا به، وكان حسن السّمت، كثير الدّيانة، محبّا للحديث.
قال ابن حجر: كتبت عنه الكثير، وسمع من ناصر الدّين الجرداوي وغيره، ومات وله دون الأربعين.
وفيها محمد بن أبي بكر بن أحمد النّحريري المالكي [3] ، أخو خلف.
ناب في الحكم، وتنبه في الفقه، ودرّس.
ومات في صفر.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 41) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 65) و «الضوء اللامع» (7/ 137) .
[2] في «آ» و «ط» : «الطنبذاوي» وهو خطأ والتصحيح من «إنباء الغمر» (6/ 43) مصدر المؤلف و «الضوء اللامع» (7/ 148) قلت: والطنتدائي نسبة إلى «طنتدا» انظر «التحفة السنية في أسماء البلاد المصرية» ص (85) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 44) و «الضوء اللامع» (7/ 157) .(9/128)
وفيها تقي الدّين أبو بكر محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن حيدرة الشّافعي الدّجوي [1]- بضم الدال المهملة، وسكون الجيم، نسبة إلى دجوة، قرية على شطّ النّيل الشرقي على بحر رشيد.
ولد سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وسمع من ابن عبد الهادي، والميدومي، وغيرهما، وتفقه، واشتغل، وتقدّم، ومهر، وكان ذاكرا للعربية، واللغة، والغريب، والتاريخ، مشاركا في الفقه وغيره، وكان بيده عمالة المودع الحكمي، فشانته هذه الوظيفة، وكان كثير الاستحضار. سمع منه ابن حجر وغيره، ونوّه السّالمي بذكره، وقرّره مستمعا عند كثير من الأمراء، وحدّث مرارا ب «صحيح مسلم» ، وقرأ عليه طاهر بن حبيب وغيره.
توفي ليلة الأحد ثامن عشر جمادى الأولى.
وفيها محمد بن معالي بن عمر بن عبد العزيز الحلبي [2] ، نزيل القاهرة ومكّة.
جاور كثيرا، وسكن القاهرة زمانا، وحدّث عن أحمد بن محمد الجوخي، ومحمود بن خليفة، وابن أبي عمر، وغيرهم، وسمع منه ابن حجر، وتوفي بمكة.
وفيها يحيى بن محمد التّلمساني الأصبحي المالكي النحوي [3] .
قال السيوطي في «طبقات النّحاة» : ولد سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة تقريبا، وكان ماهرا في العربية والشعر، وسمع «صحيح مسلم» من أبي عبد الله بن مرزوق، و «الموطأ» من أبي القاسم العنبري، وأجاز له الوادياشي وأبو القاسم بن يربوع، واشتغل في عدة فنون، وأجاز لابن حجر.
قدم حاجّا سنة تسع وثمانمائة، ومات راجعا من الحجّ في ذي الحجّة من السنة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 45) و «الضوء اللامع» (9/ 91) و «الدليل الشافي» (2/ 700) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 47) و «العقد الثمين» (2/ 358) و «الضوء اللامع» (2/ 358) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 249) و «بغية الوعاة» (2/ 343) وفي تاريخ وفاته خلاف.(9/129)
وفيها جمال الدّين يوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن بن مسعود بن عبد الله بن خطيب المنصورية الحموي الشافعي القاضي [1] .
ولد في ذي الحجة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، واشتغل بحماة، فأخذ عن بهاء الدّين الإخميمي المصري، وبدمشق على صدر الدّين الخابوري، وتاج الدّين السّبكي، وجمال الدّين الشّريشي، وجدّ، ودأب، وحصّل، إلى أن تميّز ومهر، وفاق أقرانه في العربية وغيرها من العلوم، وشرح «الاهتمام مختصر الإلمام» في ست مجلدات، و «ألفية ابن مالك» و «فرائض المنهاج» وغير ذلك، وله نظم حسن وشهرة ببلده وغيرها، وانتهت إليه مشيخة العلم بالبلاد الشمالية، ورحل الناس إليه، وفاق الأقران، وكان ساكنا، خيّرا.
وتوفي بحماة في تاسع شوال.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 50) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 87) و «الضوء اللامع» (10/ 308) و «بغية الوعاة» (2/ 355) .(9/130)
سنة عشر وثمانمائة
فيها توفي أحمد بن محمد [بن أبي العبّاس الحفصيّ [1] ابن أخي السلطان أبي فارس، صاحب بجاية مات في هذه السنة، فقرر السلطان بدله أخاه الريّان محمدا.
[وفيها] إسماعيل بن عمر] [2] المغربي المالكي [3] ، نزيل مكّة.
جاور بها مدة، وكان خيرا فاضلا عارفا بالفقه تذكر له كرامات وتوفي في رمضان.
وفيها سيف الدّين سيف، وقيل: يوسف- وبه سمّاه المقريزي- ابن عيسى السّيرامي [4] الحنفي [5] ، نزل القاهرة.
قال ابن حجر: كان منشأه بتبريز، ثم قدم حلب لما حرقها تمرلنك، ثم استدعاه الظّاهر من حلب فقرّره في المشيخة بمدرسته عوضا عن علاء الدّين السيرامي سنة تسعين، ثم ولّاه مشيخة الشيخوخة بعد وفاة عزّ الدّين الرّازي، مضافة إلى الظاهرية، وأذن له أن يستنيب في الظّاهرية ولده الكبير وهو محمود،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 72- 73) و «الضوء اللامع» (2/ 118) .
[2] ما بين الحاصرتين سقط بطرفة عين من المؤلف رحمه الله واستدركته من مصدره «إنباء الغمر» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 73) و «الضوء اللامع» (2/ 304) و «العقد الثمين» (3/ 303- 304) وقد أطال في ترجمته فيحسن بالباحث الرجوع إليه.
[4] في «آ» و «ط» : «السّيرافي» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 75- 77) و «السّلوك» (4/ 1/ 65) و «الضوء اللامع» (3/ 289) و (10/ 327) .(9/131)
فباشر مدة، ثم ترك الشيخونية، واختصر على الظّاهرية، وكان ديّنا، خيّرا، كثير العبادة، وكان شيخنا عزّ الدّين ابن جماعة يثني على فضائله.
وتوفي في ربيع الأول، وولي المشيخة بعده ولده يحيى.
وفيها أبو المعالي عبد الله بن المحدّث شهاب الدّين أحمد بن علي بن محمد بن قاسم العرياني الشافعي [1] .
ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وأحضره أبوه على الميدومي، وأسمعه على القلانسي والعرضي [2] ، وغيرهما. وطلب بنفسه، فسمع الكثير، وحصّل الأجزاء، ثم ناب في الحكم، وفتر عن الاشتغال.
وتوفي في عاشر رمضان.
وفيها عبد الله بن أبي يحيى الدّويري اليماني الشافعي [3] ، أحد الفضلاء من أهل تعز.
أفتى ودرّس بالمظفّرية، وكان مشكور السيرة.
وفيها عبد الله بن محمد الهمداني الحنفي [4] ، مدرس الجوهرية بدمشق.
كان يدري القراءات ويقرئ، وكان خيّرا، عارفا بمذهبه.
توفي في جمادى الأولى وقد بلغ السبعين.
وفيها جلال الدّين أبو المعالي محمد بن أحمد بن سليمان بن يعقوب الأنصاري النيسابوري الأصل ثم الدمشقي، المعروف بابن خطيب داريّا [5] .
قال ابن حجر: ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وعني بالأدب، ومهر في اللغة وفنون الأدب، وقال الشعر في صباه، ومدح جماعات من الأمراء والعلماء،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 77) و «الضوء اللامع» (5/ 8) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «الفرضي» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 78) و «الضوء اللامع» (5/ 170) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 78) و «الضوء اللامع» (5/ 70) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 80) و «الضوء اللامع» (6/ 310) و «بغية الوعاة» (1/ 25) .(9/132)
وتقدم في الإجادة إلى أن صار شاعر عصره من غير مدافع، وقد طلب الحديث بنفسه كثيرا، وسمع من القلانسي ومن بعده، ولازم الشيخ مجد الدّين الشّيرازي صاحب اللغة وصاهره، وسمعت من شعره ومن حديثه، وطارحني وطارحته، ومدحني، وكان بعد الفتنة أقام بالقاهرة مدة في كنف ابن غراب، ثم رجع إلى بيسان من الغور الشامي فسكنها، وكان له بها وقف.
وتوفي بها في ربيع الأول.
وفيها موسى بن عطية المالكي الفقيه [1] .
قال ابن حجر: سمع من إبراهيم الزّيتاوي «سنن ابن ماجة» وقرأ عليه الكلوتاتي بعضا، وهو والد شمس الدّين محمد صاحبنا.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 83) و «الضوء اللامع» (10/ 184) .(9/133)
سنة إحدى عشرة وثمانمائة
في عاشر شعبانها جاءت زلزلة عظيمة في نواحي بلاد حلب وطرابلس، فخرب من اللّاذقية، وجبلة، وبلاطنس [1] أماكن عديدة، وسقطت قلعة بلاطنس، فمات تحت الرّدم خمسة عشر نفسا، وخرّبت شغر بكاس [2] كلها وقلعتها، ومات جميع أهلها إلّا خمسين نفسا، وانتقلت بلد قدر ميل بأشجارها وأبنيتها وأهلها لم يشعروا بذلك، وخرب من قبرص أماكن كثيرة، وشوهد ثلج [3] على رأس الجبل الأقرع، وقد نزل البحر وطلع وبينه وبين البحر عشرة فراسخ، وذكر أهل البحر أن المراكب في البحر المالح وصلت إلى الأرض لما انحسر البحر ثم عاد الماء كما كان. قاله ابن حجر.
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الله بن الحسن بن طوغان بن عبد الله الأوحدي [4] ، المقرئ الأديب.
ولد في المحرم سنة إحدى وستين، وقرأ بالسبع على التّقي البغدادي، ولازم الشيخ فخر الدّين البلبيسي.
__________
[1] جاء في «معجم البلدان» (1/ 478) : بلاطنس: حصن منيع بسواحل الشام مقابل اللاذقية من أعمال حلب.
[2] في «آ» و «ط» : «شغر كاس» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف.
وجاء في «معجم البلدان» (3/ 352) : «بلاد شغر: قلعة حصينة مقابلها أخرى يقال لها بكاس على رأس جبلين بينهما واد كالخندق لهما، كلّ واحدة تناوح الأخرى، وهما قرب أنطاكية، وهما اليوم لصاحب حلب ... » .
[3] في «آ» و «ط» : «بلح» والتصحيح من «إنباء الغمر» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 112) و «الضوء اللامع» (1/ 358) و «حسن المحاضرة» (1/ 556) .(9/134)
قال ابن حجر: وسمع معي من بعض مشايخي، وكان لهجا بالتاريخ، وكتب مسودة كبيرة لخطط مصر والقاهرة، وبيّض بعضه، وأفاد فيه وأجاد.
وله نظم كثير منه:
إنّي إذا ما نابني ... أمر نفى تلذّذي
واشتدّ منه [1] جزعي ... وجهّت وجهي للّذي
وتوفي في تاسع عشر جمادى الآخرة.
وفيها تاج الدّين أحمد بن علي بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى البلبيسي الأصل المقري المالكي، المعروف بابن الظّريف [2] .
سمع من ناصر الدّين بن التّونسي وغيره، وطلب العلم، فأتقن الشروط، ومهر في الفرائض، وانتهى إليه التمييز في فنّه، مع حظّ كبير من الأدب، ومعرفة حلّ المترجم، وفك الألغاز، مع الذكاء البالغ، وقد وقّع للحكام، وناب في الحكم، وقد نقم عليه بعض شهاداته وحكمه، ثم نزل عن وظائفه بأخرة، وتوجه إلى مكّة فمات بها في شهر رجب.
وفيها أحمد بن محمد بن ناصر بن علي الكناني المكّي الحنبلي [3] .
ولد قبل الخمسين وسبعمائة، ورحل إلى الشام، فسمع من ابن قوالح، وابن أميلة بدمشق، ومن بعض أصحاب ابن مزهر بحماة، وتفقه، وكان خيّرا فاضلا، جاور بمكة فحصل له مرض أقعده [4] فعجز عن المشي حتّى مات.
وفيها تقيّ الدّين أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز الدمشقي الحنفي، ابن شيخ الربوة [5] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «مني» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 113) و «الضوء اللامع» (2/ 14) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 115) و «الضوء اللامع» (2/ 209) و «العقد الثمين (3/ 175) ووفاته سنة (812) .
[4] في «آ» : «القعدة» وفي «ط» : «العقدة» وما أثبته من «إنباء الغمر» .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 116) و «الضوء اللامع» (11/ 68) .(9/135)
اشتغل في الفقه، ومهر في المذهب، ودرّس بالمقدّمية، وأفتى، وكان اشتغل على الشيخ صدر الدّين بن منصور وغيره.
وتوفي في ربيع الأول عن ستين سنة.
وفيها أبو بكر بن محمد بن صالح الجبلي- بكسر الجيم وسكون الموحدة وباللام نسبة إلى جبلة مدينة باليمن- اليمني الشافعي [1] .
نشأ بتعز، وتفقه بجماعة من أئمة بلده، ومهر في الفقه، ودرّس بالأشرفية وغيرها من مدارس تعز، وتخرّج به جماعة، وكان يقرّر من «الرافعي» وغيره بلفظ الأصل، ويشارك في غير الفقه، وله أجوبة كثيرة على مسائل شتّى، وولي القضاء مكرها مدة يسيرة، ثم استعفى.
وتوفي في شهر رمضان.
وفيها الجنيد بن محمد البلياني الأصل، نزيل شيراز [2] .
قال ابن حجر: سمع مع أبيه بمكّة من ابن عبد المعطي، والشّهاب بن ظهيرة، وأبي الفضل النّويري، وجماعة، وبالمدينة وبلاده، وأجاز له القاضي عزّ الدّين بن جماعة، ومن دمشق عمر بن أميلة، وحسن بن هبل، والصّلاح ابن أبي عمر في آخرين، خرّج له عنهم الشيخ شمس الدّين الجزري مشيخة، وحدّث بها، وصار عالم شيراز ومحدّثها وفاضلها، وتوفي بها.
وفيها صدر الدّين سليمان بن عبد الناصر بن إبراهيم الأبشيطي الشافعي [3] .
ولد قبل الثلاثين وسبعمائة، واشتغل قديما، وسمع من الميدومي وغيره، وبرع في الفقه وغيره، وناب في الحكم بالقاهرة وغيرها، وكانت فيه سلامة، وكان
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 117) و «الضوء اللامع» (11/ 87) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 7) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 117) و «الضوء اللامع» (3/ 79) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 118) و «الضوء اللامع» (3/ 265) .(9/136)
الصّدر المناوي يعظّمه، وعجز بأخرة وتغيّر قليلا، مع استحضاره للعلم جيدا، جاوز الثمانين. قاله ابن حجر.
وفيها زين الدّين أبو هريرة عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد بن الحسن بن سليمان بن فزارة بن محمد بن يوسف الكفري الحنفي [1] ، قاضي القضاة.
قال في «المنهل الصافي» : ولد سنة خمسين وسبعمائة تقريبا، وأحضر على محمد بن إسماعيل بن الخبّاز، وسمع على بشر بن إبراهيم بن محمود بن البعلي، وتفقه بعلماء عصره، حتّى برع في الفقه والأصلين والعربية، وشارك في عدة فنون، وأفتى، ودرّس، وتولى قضاء القضاة بدمشق هو وأبوه وأخوه وجدّه، وهم بيت علم وفضل ورئاسة، ثم قدم القاهرة بعد سنة ثلاث وثمانمائة، وولي قضاءها مدة وحمدت سيرته، وأفتى ودرّس بها، ولازم الاشتغال والإشغال إلى أن توفي ثالث ربيع الآخر. انتهى.
وفيها جمال الدّين أبو حفص عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز ابن أبي جرادة، قاضي القضاة ابن العديم، الحنفي العقيلي الحلبي [2] .
ولد بحلب سنة ستين أو إحدى وستين وسبعمائة، ونشأ بها، وتفقه وبرع، وتولى قضاء العسكر بها، ثم استقلّ بقضائها سنة أربع وتسعين، وأفتى، ودرّس، وشارك في العربية والأصول والحديث، وسمع من ابن حبيب وابنه، وباشر القضاء بحرمة وافرة، وكان رئيسا محترما، من بيت علم وفضل ورئاسة.
قال ابن حجر: قدم القاهرة غير مرة، وفي الآخر استوطنها لما طرق التتار البلاد الشامية وأسر مع من أسر، ثم خلّص بعد رجوع اللّنك، فقدم القاهرة في شوال- أي سنة ثلاث وثمانمائة- ثم سعى، وولي قضاء القضاة بها في سادس
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 33 و 118) و «الضوء اللامع» (4/ 159) و «الدليل الشافي» (1/ 408) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 122) و «الضوء اللامع» (6/ 65) .(9/137)
عشري رجب سنة خمس وثمانمائة، ودرّس بالشيخونية والمنصورية، ثم نزل عنهما لولده محمد، وباشرهما في حياته.
وكان عمر هذا من رجال الدّنيا دهاء ومكرا، ماهرا في الحكم، ذكيا، خبيرا بالسعي في أموره، يقظا، غير متوان في حاجته، كثير العصبية لمن يقصده، لا يتحاشى من جمع المال من أي وجه كان. انتهى ملخصا.
وقال صاحب «المنهل» : وحطّ عليه المقريزي، وذكر له مساوئ، وقوله فيه غير مقبول لأمور جرت بينهما.
وتوفي قاضيا بمصر ليلة السبت ثاني عشر جمادى الآخرة.
وفيها أبو القاسم قاسم بن علي بن محمد بن علي الفاسي المالكي [1] .
سمع من أبي جعفر الطّنجالي [2] الخطيب، والقاضي أبي القاسم بن سلمون، والحسين بن محمد بن أحمد التّلمساني في آخرين وتلا بالسبع على جماعة، وقرأ الأدب، وتعانى النّظم، وجاور بمكّة، فخرج له غرس الدّين خليل الأقفهسي «مشيخة» وحدّث بها، وكان يذكر أنها سرقت منه بعد رجوعه من الحجّ، ويكثر التأسف عليها.
ومن شعره:
معاني عياض أطلعت فجر فخره ... لما قد شفى من مؤلم الجهل بالشّفا
مغاني رياض من إفادة ذكره ... شذا زهرها يحيى من أشفى على شفا
وتوفي بالبيمارستان المنصوري.
وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن عبد الله الكردي القدسي [3] ، نزيل القاهرة الشافعي.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 124) و «الضوء اللامع» (6/ 183) .
[2] في «آ» و «ط» : «الطحالي» وفي «إنباء الغمر» : «الطحاوي» وكلاهما خطأ والتصحيح من «الضوء اللامع» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 126) و «الضوء اللامع» (6/ 56) .(9/138)
ولد سنة سبع وأربعين وسبعمائة، وصحب الصّالحين، ولازم الشيخ محمد القرمي ببيت المقدس، وتلمذ له، ثم قدم القاهرة فقطنها، وكان لا يضع جنبه إلى الأرض بل يصلي في الليل ويتلو فإذا نعس أغفى إغفاءة وهو محتبي، ثم يعود، وكان يواصل الأسبوع كاملا، وذكر أن السبب فيه أنه تعشى مع أبويه قديما، فأصبح لا يشتهي أكلا، فتمادى على ذلك ثلاثة أيام، فلما رأى أنه لم قدرة على الطي تمادى فيه فبلغ أربعينا، ثم اقتصر على سبع، وكان فقيها، وكان يكثر في الليل من قول سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا 17: 108 [الإسراء: 108] ، وكان يذكر أنه يقيم أربعة أيام لا يحتاج إلى تجديد وضوء.
ومن شعره:
لم يزل الطّامع في ذلّة ... قد شبّهت عندي بذلّ الكلاب
وليس يمتاز عليهم سوى ... بوجهه الكالح ثمّ الثياب.
توفي بمكة في ذي القعدة.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عبد الله القزويني ثم المصري [1] .
قال ابن حجر: سمع من مظفّر الدّين بن العطّار وغيره، وكان على طريقة الشيخ يوسف الكوراني المعروف بالعجمي لكنه حسن المعتقد، كثير الإنكار على مبتدعة الصّوفية، اجتمع بي مرارا، وسمعت منه أحاديث، وكان كثير الحجّ والمجاورة بالحرمين، ومات في شعبان بمكة.
وفيها رضي الدّين أبو حامد محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن خلف الخزرجي المدني الشافعي ابن الطّبري [2] .
ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة، وسمع من العز بن جماعة، وأجاز له يوسف القاضي، والميدومي، وغيرهما من مصر، وابن الخبّاز وجماعة من دمشق،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 127) و «الضوء اللامع» (7/ 105) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 128) و «الضوء اللامع» (7/ 299) .(9/139)
وكان نبيها في الفقه، له حظّ من حسن خطّ ونظم، ودرّس، وكان مؤذّن الحرم النّبوي وبيده نظر مكة.
قال ابن حجر: ثم نازع صهره شيخنا زين الدّين بن الحسين في قضاء المدينة فوليه في أول سنة إحدى عشرة، فوصلت إليه الولاية وهو بالطائف، فرجع إلى مكة، وسار إلى المدينة فباشره بقية السنة، وحجّ فتمرض فمات في خامس عشر ذي الحجّة عن اثنتين وستين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن محمود بن يحيى بن عبد الله بن منصور السّلمي الدمشقي الحنفي، المعروف بابن خطيب زرع [1] .
كان جدّ والده خطيب زرع، فاستمرت بأيديهم، وولد هذا في ذي الحجة سنة أربع وسبعين وسبعمائة، وكان حنفيا فتحول شافعيا، وناب في قضاء بلده، ثم تعلّق على فنّ الأدب ونظم [2] الشعر، وباشر التوقيع عند الأمراء، ثم اتصل بابن غراب امتدحه، وقدم معه إلى القاهرة، وكان عريض الدعوى جدا، واستخدمه ابن غراب في ديوان الإنشاء، وصحب بعض الأمراء، وحصّل وظائف، ثم رقّت حاله بعد موت ابن غراب.
ومن شعره:
وأشقر في وجهه غرّة ... كأنّها في نورها فجر
بل زهرة الأفق لأني أرى ... من فوقها قد طلع البدر
وله فيما يقرأ مدحا، فإذا صحّف كان هجوا:
التّاج بالحقّ فوق الرأس يرفعه ... إذ كان فردا حوى وصفا مجالسه
فضلا وبذلا وصنعا فاخرا وسخا ... فأسأل [3] الله يبقيه ويحرسه
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 130) و «الضوء اللامع» (8/ 210) .
[2] في «آ» و «ط» : «ونظام» والتصحيح من «إنباء الغمر» .
[3] في «ط» : «وأسأل» .(9/140)
وتصحيفه هجو كما قال:
الباخ بالخفّ فوق الرأس يرقعه ... إذ كان قردا حوى وضعا مخالسه
فصلا ونذلا وضيعا فاجرا وسخا ... فأسأل الله ينفيه ويخرسه
وفيها نجم الدّين محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن فهد القرشي الهاشمي المكّي الشافعي [1] .
ولد بمكة سنة ستين وسبعمائة تقريبا، وسمع من العزّ ابن جماعة ما لا يحصى، ومن ابن حبيب «سنن ابن ماجة» بفوت، و «مقامات الحريري» وغير ذلك، وأجاز له عدة مشايخ من الشام ومصر والإسكندرية، وحدّث، وكان رحل إلى القاهرة، وسكن بالصّعيد ببلدة يقال لها أصفون لأن جدّه لأمّه الشيخ نجم الدّين الأصفوني كان له بها رزق ودور موقوفة على ذريته فأقام بها مدة، ثم عاد إلى مكة.
وتوفي بها يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول.
وفيها جلال الدّين محمد بن بدر الدّين محمد بن أبي البقاء محمد بن عبد الله بن يحيى بن علي بن تمّام السّبكي الشافعي المصري [2] .
ولد سنة سبعين وسبعمائة، واشتغل في صباه قليلا، وكان جميل الصورة.
قال ابن حجر: لكنه صار قبيح السيرة، كثير المجاهرة بما أذرى بأبيه في حياته وبعد موته، بل لولا وجوده لما ذمّ أبوه، وقد ولي تدريس الشافعي بعد أبيه بجاه ابن غراب بعد أن بذل في ذلك دارا تساوي ألف دينار، وولي تدريس الشيخونية بعد صدر الدّين المناوي بعد أن بذل لنوروز [3] مالا جزيلا، وكان ناظرها.
مات في جمادى الأولى. انتهى.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 131) و «الضوء اللامع» (9/ 231) و «العقد الثمين» (2/ 333) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 132) و «الضوء اللامع» (9/ 224) .
[3] في «ط» : «النوروز» .(9/141)
وفيها يلبغا بن عبد الله السّالمي الظّاهري [1] .
قال ابن حجر كان من مماليك الظّاهر ثم صيّره خاصكيا، وكان ممن قام له بعض القبض عليه في أخذ صفد فحمد له ذلك، ثم ولّاه النّظر على خانقاه سعيد السّعداء سنة سبع وتسعين، وتنقلت به الأحوال فعمل الاستدارية الكبرى، والإشارة، وغير ذلك، وكان طول عمره يلازم الاشتغال بالعلم ولم يفتح عليه بشيء سوى أنه يصوم يوما بعد يوم ويكثر التّلاوة، وقيام الليل، والذكر، والصّدقة، وكان يحبّ العلماء والفضلاء ويجمعهم، وقد لازم سماع الحديث معنا مدة، وكتب بخطّه الطّباق، وأقدم علاء الدّين بن أبي المجد من دمشق حتّى سمع الناس عليه «صحيح البخاري» ومرارا، وكان يبالغ في حبّ ابن العربي وغيره من أهل طريقته ولا يؤذي من ينكر عليه.
مات مخنوقا وهو صائم في رمضان بعد صلاة عصر يوم الجمعة. انتهى ملخصا، والله أعلم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 133) و «الضوء اللامع» (10/ 289) و «الدليل الشافي» (2/ 794) و «النجوم الزاهرة» (13/ 171) .(9/142)
سنة اثنتي عشرة وثمانمائة
في ثالث عشر شعبانها قتل بالقاهرة [شخص] شريف لأنه ادعى عليه أنه عوتب في شيء فعله فعزّر بسببه، فقال: قد ابتلي الأنبياء، فزجر عن ذلك، فقال:
قد جرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حارة اليهود أكثر من هذا، فاستفتي في حقّه فأفتوا بكفره، فضربت عنقه بين القصرين بحكم القاضي المالكي شمس الدّين المدني.
قاله ابن حجر [1] .
وفيها قتل محمد بن أميرزا [2] شيخ ابن عمّ تمرلنك صاحب فارس، قام عليه أخوه إسكندر شاه فغلبه، وكان محمد كثير العدل والإحسان فيما يقال فتمالا عليه بعض خواصه فقتله تقرّبا إلى خاطر أخيه إسكندر شاه، واستولى إسكندر على ممالك أخيه فاتسعت مملكته.
وفيها شمس الدّين أحمد بن عبد اللطيف بن أبي بكر بن عمر الشّرجي [3]- بفتح الشين المعجمة وسكون الراء وبالجيم نسبة إلى شرجة موضع بنواحي مكة- ثم الزّبيدي.
قال السيوطي النّحوي ابن النّحوي، اشتغل كثيرا، ومهر في العربية، ودرّس بصلاحية زبيد.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (6/ 172) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 175- 76) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 182) و «الضوء اللامع» (1/ 354) و «بغية الوعاة» (1/ 330) وفي «ط» : «محمد بن أحمد بن عبد اللطيف بن أبي بكر بن عمر الشرجي» وهو خطأ ولا أدري من أين جاء ناشرها ب «محمد بن» في أول الاسم مع أنه صرح بأنها ليست في «الأصل» !.(9/143)
وقال ابن حجر: اجتمعت به، وسمع عليّ شيئا من الحديث، وسمعت من فوائده.
مات بحرض عن أربعين سنة. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن محمد [1] .
قال في «المنهل» : الشيخ الزّاهد الصّالح، المعروف بابن وفاء الشّاذلي المالكي.
ولد بظاهر مدينة مصر سنة ست وخمسين وسبعمائة، ونشأ على قدم جدّ، ولزم الخلوة، وقام أخوه سيدي علي بعمل الميعاد وتربية الفقراء، كل ذلك وسيدي أحمد هذا ملازم للخلوة قليل الاجتماع بالناس إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني عشر شوال، ودفن بالقرافة عند أبيه وأخيه، وترك أولادا عدة، كبيرهم سيدي أبو الفضل عبد الرحمن غرق في النيل سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وله شعر جيد إلى الغاية، وسيدي أبو الفتح محمد وهو عالمهم ورئيسهم رحمه الله، وسيدي أبو المكارم إبراهيم، ومات سنة ثلاث وثلاثين عن خمس وثلاثين سنة، وسيدي أبو الجود حسن، ومات سنة ثمان وثمانمائة عن تسع عشرة سنة، وسيدي أبو السيّادات يحيى وهو باق إلى الآن ومولده سنة ثمان وتسعين وسبعمائة. انتهى.
وفيها أبو بكر بن عبد الله بن ظهيرة المخزومي الشافعي [2] ، أخو الشيخ جمال الدّين.
اشتغل قليلا، وسمع من عزّ الدّين بن جماعة وغيره.
وتوفي بمكة في جمادى الأولى.
وفيها أبو بكر بن عبد الله بن قطلوبك [3] المنجّم الشاعر.
تعانى التنجيم والآداب، وكان بارعا في النّظم والمجون، وله مطارحات مع
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 183) و «الضوء اللامع» (2/ 302) و «الدليل الشافي» (1/ 77) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 184) و «الضوء اللامع» (11/ 38) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 185) و «الضوء اللامع» (11/ 40) .(9/144)
أدباء عصره أولهم شمس الدّين المزيّن، ثم خطيب زرع، ثم علي البهائي، واشتهر بخفّة الرّوح والنّوادر المطربة.
وهو القائل:
حنفيّ مدرّس حاز خدّا ... كرياض الشّقيق في التّنميق
لو رآه النّعمان في مجلس الدّر ... س لقال النّعمان هذا شقيقي
وتوفي في صفر.
وفيها عبد الله بن أحمد اللّخمي التّونسي الفرّياني [1]- بضم الفاء، وتشديد الراء، بعدها تحتانية خفيفة، وبعد الألف نون، نسبة إلى فرّيانة قرية قرب سفاقس [2]- المالكي.
كان فاضلا، مشاركا في الفقه، والعربية، والفرائض، مع الدّين والخير.
توفي راجعا من مكة إلى مصر، ودفن بعد عقبة إيلة.
وفيها موفق الدّين أبو الحسن علي بن الحسن [3] بن أبي بكر بن الحسن بن علي بن وهّاس الخزّرجي الزّبيدي [4] مؤرخ اليمن.
اشتغل بالأدب، ولهج بالتاريخ فمهر فيه، وجمع لبلده تاريخا كبيرا على السنين، وآخر على الأسماء، وآخر على الدول، وكان ناظما ناثرا، وعلي بن وهّاس جدّ جدّه هو الذي يقول فيه الزّمخشريّ صاحب «الكشّاف» :
ولولا ابن وهّاس وسابق فضله ... رعيت هشيما واستقيت مصرّدا
وتوفي المترجم في أواخر هذه السنة وقد جاوز السبعين.
وفيها موفق الدّين علي بن محمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله بن
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 188) و «الضوء اللامع» (5/ 7) .
[2] انظر «معجم البلدان» (4/ 259) .
[3] في «آ» و «ط» : «ابن الحسين» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 190) و «الضوء اللامع» (5/ 210) و «الإعلان بالتوبيخ» ص (134) طبعة القدسي، و «الأعلام» (4/ 274) وفيه أسماء مصنفاته التي أشار إليها المؤلف.(9/145)
عمر بن عبد الرحمن النّاشري الزّبيدي [1] ، الشاعر المشهور.
اشتغل بالأدب ففاق أقرانه، ومدح الأفضل ثم الأشرف ثم الناصر، وكانوا يقترحون عليه الأشعار في المهمات فيأتي بها على أحسن وجه، وكانت طريقة شعره الانسجام والسّهولة دون تعاني المعاني التي لهج بها المتأخرون.
حجّ في سنة إحدى عشرة ورجع فمات بنواحي حرض في المحرم أو في الذي بعده وقد جاوز الستين.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن أبي بكر القليوبي الشافعي [2] العالم الكبير.
تلمذ للشيخ ولي الدين الملوي.
قال ابن حجر: رأيت سماعه على العرضي، ومظفّر الدّين ابن العطّار في جامع الترمذي، وما أظنه حدّث عنهما، واشتهر بالدّين والخير، وكان متقلّلا جدا إلى أن قرّر في مشيخة الخانقاه النّاصرية بسرياقوس فباشرها إلى أن مات في جمادى الأولى، وكان متواضعا ليّنا. انتهى.
وفيها ناصر الدّين محمد بن عبد الرحمن بن يوسف الحلبي المعروف بابن سحلول [3] .
كان عمّه عبد الله وزيرا بحلب، وسمع محمد «المسلسل بالأولية» من عبد الكريم، وسمع عليه «الأربعين المخرّجة من صحيح مسلم» بسماعه من زينب الكندية عن المؤيد، وسمع من ابن الحبّال جزء المناديلي، وولي مشيخة خانقاه والده، ثم في مشيخة الشيوخ بعد موت الشيخ عزّ الدّين الهاشمي، وكان أهل حلب يترددون إليه لرئاسته، وحشمته، وسؤدده، ومكارم أخلاقه.
وكان مواظبا على إطعام من يرد عليه، ثم عظم جاهه لما استقرّ جمال الدّين
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 190) و «الضوء اللامع» (5/ 290) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 192) و «الضوء اللامع» (8/ 83) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 66) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 193) و «الضوء اللامع» (8/ 45) .(9/146)
الأستادار في التكلم في المملكة فإنه كان قريبه من قبل الأم، وسافر من حلب إلى القاهرة، فبالغ جمال الدّين في إكرامه، وجهّزه إلى الحجاز في أبّهة زائدة، وأحمد ولد جمال الدّين يومئذ أمير الركب، فحجّ وعاد، فمات بعقبة أيلة في شهر الله المحرم، وسلم مما آل إليه أمر قريبه جمال الدّين وآله.
وفيها ناصر الدّين محمد بن عمر بن إبراهيم بن القاضي العلّامة شرف الدّين هبة الله البارزي الشافعي الحموي [1] قاضي حماة هو وأسلافه.
كان موصوفا بالخير والمعرفة، فاضلا، عفيفا، مشكورا في الحكم، باشر القضاء مدة، ومات بحماة.
وفيها جلال الدّين أبو الفتح نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر التّستري الأصل ثم البغدادي الحنبلي [2] نزيل القاهرة.
ولد في حدود الثلاثين وسبعمائة، ومات أبوه وهو صغير، فربّاه الشيخ الصّالح أحمد السقّا، وأقرأه القرآن، واشتغل بالفقه، فمهر، وسمع الحديث من جمال الدّين الحضري، وكمال الدّين الأنباري، وآخرين، وقرأ الأصول على بدر الدّين الإربلي، وأخذ عن الكرماني شارح «البخاري» «شرح العضد على ابن الحاجب» وباشر عدة مدارس ببغداد، وصنّف في الفقه وأصوله، ونظم «الوجيز في الفقه» في ستة آلاف بيت. وذكر صاحب «الإنصاف» أنه من جملة الكتب التي نقل منها في «إنصافه» . ونظم «أرجوزة» في الفرائض مائة بيت جيدة في بابها، واختصر «ابن الحاجب» . وله غير ذلك. وذكر ببغداد وانتفع الناس به، وخرج منها لما قصدها اللّنك، فوصل إلى دمشق فبالغوا في إكرامه، ثم قدم القاهرة وتقرّر في تدريس الحنابلة بمدرسة الظّاهر برقوق، وحدّث بالقاهرة ب «جامع المسانيد» لابن الجوزي.
وتوفي في عشري صفر.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 194) و «الضوء اللامع» (8/ 236) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 196) و «الضوء اللامع» (10/ 198) و «الجوهر المنضد» ص (171- 172) .(9/147)
وفيها جمال الدّين يوسف بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن قاسم البيري ثم الحلبي [1] ، نزيل القاهرة.
ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وكان أبوه خطيب ألبيرة، فصاهر الوزير شمس الدّين عبد الله بن سحلول، فنشأ جمال الدّين في كنف خاله، وكان أولا بزي الفقهاء، وحفظ القرآن، وكتبا في الفقه والعربية، وسمع من ابن جابر الأندلسي قصيدته «البديعية» وعرض عليه «ألفية ابن معطي» ، وأخذ عنه شرحها له بحلب، ثم قدم مصر بعد سنة سبعين وهو بزي الجند، فتنقلت به الأحوال بها إلى أن باشر الوزارة مع عدة وظائف كبار، وصار هو مرجع الإقليمين المصري والشامي، لا يتمّ أمر من أمورهما وإن قلّ إلّا بمعرفته وإرادته، ولم يبق فوق منصبه إلّا الملك، مع أنه كان ربما مدح باسم السلطنة فلا يغير ذلك ولا ينكره، ثم آل أمره إلى أن قتل في جمادى الآخرة.
قال ابن حجر: ولقد رأيت له مناما صالحا بعد قتله، حاصله أني ذكرت وأنا في النوم ما كان فيه، وما صار إليه، وما ارتكب من الموبقات، فقال لي قائل: «إن السّيف محّاة للخطايا» [2] فلما استيقظت اتفق أني نظرت هذا اللفظ بعينه في «صحيح ابن حبّان» في أثناء حديث، فرجوت له بذلك الخير.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 198) و «الضوء اللامع» (10/ 294) .
[2] هو جزء من حديث طويل رواه ابن حبان في «صحيحه» رقم (4663) في الجهاد، باب فضل الشهادة، وإسناده حسن. ورواه أحمد في «المسند» (4/ 185) والدارمي في «سننه» رقم (2411) في الجهاد، باب في صفة القتل في سبيل الله، وأبو داود الطيالسي رقم (1267) ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» (9/ 164) والطبراني (17/ 310 و 311) وذكره الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/ 291) وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح، خلا أبي المثنى الأملوكي، وهو ثقة.(9/148)
سنة ثلاث عشرة وثمانمائة
في ليلة الحادي والعشرين من محرّمها اجتمع رجلان من العوام بدمشق فشربا الخمر فأصبحا محروقين ولم يوجد بينهما نار ولا أثر حريق في غير بدنهما وبعض ثيابهما، وقد مات أحدهما وفي الآخر رمق، فأقبل الناس أفواجا لرؤيتهما في [1] والاعتبار بحالهما [2] .
وفيها كانت الحادثة العظيمة [3] بفاس من بلاد المغرب حتّى خربت [4] .
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن رضوان الحريري الدّمشقي، المعروف بالسّلاوي الشافعي [5] .
ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة أو نحوها، وسمع من ابن رافع، وابن كثير، وتفقه على علاء الدّين ابن حجي، والتّقي الفارقي، وسمع الحديث بنفسه فأخذه عن جدّه محمد بن عمر السّلاوي، وتقي الدّين بن رافع، وابن كثير. ثم أخذ في قراءة المواعيد، وقرأ «الصحيح» مرارا على عدة مشايخ، وعلى العامة، وكان صوته حسنا وقراءته جيدة، وولي قضاء بعلبك سنة ثمانين، ودرّس وأفتى، ثم ولي قضاء المدينة، ثم تنقل في ولاية القضاء بصفد، وغزّة، والقدس، وغيرها. وكان كثير العيال.
وتوفي في صفر.
__________
[1] في «ط» : «إلى رؤيتهما» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (6/ 226) .
[3] في «آ» : «العظيمي» وما جاء في «ط» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[4] انظر «إنباء الغمر» (6/ 236) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 244) و «الضوء اللامع» (2/ 81) .(9/149)
وفيها غياث الدّين أحمد بن أويس بن الشيخ حسن بن حسين بن أقبغا ابن أيلكان [1] سلطان بغداد، وتبريز، وغيرهما، من بلاد العراق.
قال في «المنهل الصّافي» : ملك بعد موت أخيه الشيخ حسين بن أويس سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وكان سلطانا فاتكا له سطوة على الرّعية، مقداما، شجاعا، مهابا، سفّاكا للدماء، وعنده جور وظلم على أمرائه وجنده، وكانت له مشاركة في عدة علوم ومعرفة تامّة بعلم النّجامة، ويد في معرفة الموسيقا، وفي تأديته يجيد ذلك إلى الغاية، منهمكا في اللّذات التي تهواها الأنفس [2] مسرفا على نفسه جدا.
وكان الأستاذ عبد القادر من جملة ندمائه.
وكان يقول الشعر باللغات الثلاث: الأعجمية، والتركية، والعربية.
ومن شعره:
حماك ما قربت حماك لعلّة ... فلا تروم وتشتهي ما أشتهي
لو لم تكن مشغوفة بك في الهوى ... ما عانقتك وقبّلت فاك الشّهي
واستمر ببلاد العراق إلى سنة خمس وتسعين، فخرج من بغداد فارّا من تيمور، فأرسل اللّنك ابنه في أثره، فأدركه بالحلّة، فتواقعا، وانتصر ابن تيمور ونهب ابن أويس، وسبيت حريمه، ونجا هو في طائفة وهم عراة، وقصد حلب لائذا بجناب الملك الظّاهر برقوق سلطان مصر، فأكرمه نائب حلب غاية الإكرام بأمر برقوق، ثم برز المرسوم السلطاني بطلبه إلى القاهرة، فتوجه إليها [2] ، فأكرمه برقوق غاية الإكرام، وأنعم عليه أجل الإنعام، وأعطاه تقليد نيابة السلطنة ببغداد، فأهوى ابن أويس لتقبيل الأرض فلم يمكّنه الظّاهر من ذلك إجلالا له، ثم سار إلى بغداد فدخلها بعد ذهاب التتار منها بعد وفاة تيمور، واستمرّ بها حاكما على عادته،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 238- 242) و «الضوء اللامع» (1/ 244) و «الدليل الشافي» (1/ 41) .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «ط» وانفردت به «آ» فقط.(9/150)
إلى أن تغلب قرا يوسف على التتار وأخذ منهم تبريز وما والاها، فوقع الخلف بينه وبين ابن أويس، فتقابلا للقتال، فكانت الكرّة على ابن أويس، وأخذ أسيرا، ثم قتل يوم الأحد آخر شهر ربيع الآخر.
وفيها تقي الدّين عبد الرحمن بن محمد بن عبد النّاصر بن تاج الرئاسة المحلّي الزّبيري الشافعي [1] .
ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، واشتغل قديما، ووقع على القضاة، وصاهر القاضي موفق الدّين الحنبلي على ابنته، وكان قد سمع من الميدومي وحدّث عنه، ثم ناب في الحكم مدة طويلة، وكانت معه عدة جهات من الضواحي ينوب فيها، وقرّره الملك الظّاهر في القضاء سنة تسع وتسعين في جمادى الأولى فباشره إلى أثناء رجب سنة إحدى وثمانمائة، واستمرّ بطالا خاملا إلى أن مات.
وكان عارفا بالشروط والوثائق، ومطّرحا للتكلف، وفوض له تدريس الناصرية والصالحية فباشرهما مباشرة حسنة، ولم يذم في مدة قضائه، وكتب قطعة على «التنبيه» وعمل تاريخا حسنا نقل منه ابن حجر كثيرا.
وتوفي في أول شهر رمضان.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن المؤرخ شمس الدّين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد العزيز الجزري ثم الدمشقي الشافعي، المعروف بابن الجزري [2] . ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، ومات أبوه وله سنة، فربّاه عمّه نصير الدّين، وأسمعه من جماعة من أصحاب الفخر، وحضر على المرداوي صاحب عمر الكرماني، وقرأ وأعاد بالتقوية، وحدّث، وباشر نظر الأيتام، مع خفض جناح، وطهارة لسان، ولين عريكة، وحج غير مرّة، وجاور، وعلّق وفيات، وأصيب بماله في فتنة اللّنك، ولم يكن فيه [3] ما يعاب به إلّا مباشرته مع قضاة السوء.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 246) و «الضوء اللامع» (4/ 138) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 248) و «الضوء اللامع» (5/ 157) .
[3] لفظة «فيه» سقطت من «ط» .(9/151)
وبرع في مذهبه وعمل الميعاد، وأقرأ الحديث بجامع بني أميّة.
وتوفي بدمشق في ذي الحجة.
وفيها علي بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الأدمي الشافعي [1] .
سمع من الطيالسي، وحدّث عنه، ولازم الشيخ ولي الدّين المنفلوطي ونحوه، واشتغل كثيرا، وتنبه، وأشغل، وأفاد، ودرّس، وأعاد، وأفتى، وشارك في العلوم، وانتفع به أهل مصر كثيرا، مع الدّين المتين، والسكون، والتقشف، والانجماع، وكان يتكلم على الناس بجامع عمرو، وتحوّل إلى القاهرة، وسكن جوار جامع الأزهر.
ومات رابع شعبان عن سبعين سنة.
وفيها أبو زيد علي بن زيد بن علوان بن صبرة [2] بن مهدي بن حريز الردماوي الزّبيدي [3] تسمى بأخرة عبد الرحمن.
ولد برد ما وهو مشارق اليمن دون الأحقاف في جمادى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، ونشأ بها، وجال في البلاد، ثم حجّ وجاور مدة، وسكن الشام، ودخل العراق ومصر، وسمع من اليافعي، والشيخ خليل، وابن كثير، وابن خطيب يبرود، وبرع في فنون، من حديث، وفقه، ونحو، وتاريخ، وأدب، وكان يستحضر من الحديث كثيرا ومن الرجال، ويذاكر من «كتاب سيبويه» ويميل إلى مذهب ابن حزم، وتحوّل إلى البادية، فأقام بها نحو عشرين سنة يدعو إلى الكتاب والسّنّة، ثم قدم القاهرة وقد ضعف بصره، وكان شهما قوي النّفس، له معرفة بأحوال الناس على اختلاف طبقاتهم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 249) و «الضوء اللامع» (5/ 163) .
[2] في «ط» : «ابن صبرط» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 250) و «الضوء اللامع» (5/ 221) و «بغية الوعاة» (2/ 167) وفيه:
«الدّرماوي» مكان «الردماوي» .(9/152)
ومن شعره:
ما العلم إلّا كتاب الله والأثر ... وما سوى ذاك لا عين ولا أثر
إلا هوىّ وخصومات ملفقّة ... فلا يغرّنّك من أربابها هدر
توفي بالقاهرة في أول ذي القعدة. قاله المقريزي.
وفيها نور الدّين علي بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الرّبعي الرّشيدي [1] ، نزيل القاهرة الشافعي.
قدم القاهرة فاشتغل بالعلم، ولازم البلقيني، ثم الدّميري، ودرّس بعده في الحديث بقبة بيبرس، وكان قد فاق في استحضار الفقه، فصار كثير [2] النقل، كثير البحث، وكان يقظا نبيها، كثير العصبية.
توفي في رجب وقد جاوز الخمسين، ودرّس بعده بالقبة المذكورة ابن حجر.
وفيها نور الدّين علي بن عبد الرحمن الصّريحي [3] .
قال ابن حجر: سمع «صحيح مسلم» على ابن عبد الهادي، و «سنن أبي داود» على عبد القادر بن أبي الدّر. سمعت منه قديما وحديثا، وحدّث في العام الماضي مع الشيخ نور الدّين الأنباري بالسنن في البيبرسية، وكان صوفيا بها.
مات في شعبان. انتهى.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن علي الدمشقي الحريري [4] الحنفي [5] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 252) و «الضوء اللامع» (5/ 237) .
[2] تصحفت في «ط» إلى «كبير» .
[3] في «آ» و «ط» : «الصريحي» والتصحيح من «إنباء الغمر» (6/ 252) و «الضوء اللامع» (5/ 238) وفيه: «الصرنجي: بصاد أو سين مهملة» .
[4] في «آ» و «ط» : «الجزيري» وما أثبته منه من «الضوء اللامع» و «إنباء الغمر» .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 253) و «الضوء اللامع» (5/ 328) .(9/153)
ولد سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، وتفقه، وتعانى، حفظ السير والمغازي، فكان يستحضر شيئا كثيرا منها، وكان كثير اليسار، فتزوج الشيخ شهاب الدّين الغزّي ابنته فماتت بعد أمّها بقليل. قاله ابن حجر.
وفيها أبو الحسن علي بن مسعود بن علي بن عبد المعطي المالكي المكّي الخزرجي [1] .
ولد سنة أربعين وسبعمائة، وسمع من عثمان بن الصّفي الطّبري «سنن أبي داود» ومن إبراهيم بن محمد بن نصر الله الدمشقي «مشيخته» وحدّث بمكة، وكان مشاركا في الفقه، مع الدّيانة والمروءة.
وتوفي في تاسع المحرم.
وفيها أمّ الحسن فاطمة بنت أحمد بن محمد علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن زيد الحسنية الحلبية [2] ، أخت نقيب الأشراف.
ولدت سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين وسبعمائة، وسمعت على جدّها لأمّها جمال الدّين إبراهيم بن الشّهاب محمود، وأجاز لها المزّي وجماعة، وحدّثت بحلب.
وتوفيت في العشر الأول من المحرم وقد جاوزت الثمانين سنة.
وفيها بدر الدّين محمد بن خاص بك السّبكي الحنفي [3] .
كان ينسب إلى الظّاهر بيبرس من جهة النساء.
اشتغل في مذهب الحنفية فبرع، وأخذ عن أكمل الدّين وغيره، وكان يجيد البحث، مع الدّيانة، والمروءة، والعصبية لمذهبه وأهله.
وتوفي في خامس رجب وقد جاوز الخمسين.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 253) و «الضوء اللامع» (6/ 38) .
[2] ترجمتها في «إنباء الغمر» (6/ 255) و «الضوء اللامع» (12/ 88) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 258) .(9/154)
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن عمر بن عيسى المصري الشافعي، المعروف بابن القطّان [1] .
كان أبوه قطّانا وأخوه كذلك، واشتغل هذا بالعلم، ومهر، ولازم الشيخ بهاء الدّين بن عقيل وصاهره على بنت له من جارية، وسكن مصر، ودرّس، وأفتى، وصنّف.
قال ابن حجر: قرأت عليه، وأجاز لي، ولم يحصل له سماع في الحديث على قدر سنه، وقد حدّث ب «صحيح مسلم» بإسناد نازل، وسمع معنا على بعض شيوخنا كثيرا وبقراءتي، وكان ماهرا في القراءات، والعربية، والحساب، وناب في الحكم بأخرة فتهالك على ذلك إلى أن مات انتهى. أي وتوفي في أواخر شوال عن نيف وثمانين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن سعد الدّين بن محمد بن نجم الدّين محمد البغدادي، نزيل القاهرة الزركشي [2] مهر في القراءات، وشارك في الفنون، وتعانى النّظم، وله قصيدة حسنة في العروض وشرحها، ونظم «العواطل الحوالي» ست عشرة قصيدة على ستة عشرة بحرا ليس فيها نقطة، وسمع منه ابن حجر، وسمع هو أيضا من ابن حجر، ورافقه في السماع، وجرت له في آخر عمره محنة.
وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد الشّوبكي الحنبلي [3] .
قدم دمشق، وتفقه بها، وتولى وظائف وخطابة.
وتوفي في المحرم.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمود بن بون [4] الخوارزميّ الحنفي،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 259) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 72) و «البدر الطالع» (2/ 226) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 262) و «الضوء اللامع» (9/ 208) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 263) و «السّحب الوابلة» ص (451) .
[4] في «آ» و «ط» : «ابن نون» والتصحيح من «إنباء الغمر» و «العقد الثمين» .(9/155)
المعروف بالمعيد [1] ، نزيل مكة وإمام مقام الحنفية بها.
جاور بمكّة زيادة على أربعين سنة، وسمع الحديث، وتفقّه، وبرع، وأفتى، ودرّس، واستقرّ معيدا بدرس الحنفية للأتابك يلبغا العمري بمكة فعرف بالمعيد، وكان بارعا في الفقه، والأصول، والعربية، وتصدّر للإقراء بالمسجد الحرام عدة سنين وانتفع الناس به، مع الدّيانة والصّيانة، وحدّث عن الوادي آشي وغيره.
ومن شعره:
أفنى بكلّ وجودي في محبّته ... وأنثني ببقاء الحبّ ما بقيا
لا خير في الحبّ إنّ لم يغن صاحبه ... وكيف يوجد صبّ بعد ما لقيا
وتوفي بمكة المشرّفة في آخر جمادى الأولى وقد جاوز الثمانين.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 263) و «الضوء اللامع» (10/ 45) و «العقد الثمين» (2/ 349) .(9/156)
سنة أربع عشرة وثمانمائة
في رجبها رجم رجل تركماني بدمشق تحت قلعتها اعترف بالزّنا وهو محصن فأقعد في حفرة ورجم حتّى مات [1] .
وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن حسين الموصلي ثم المصري [2] ، نزيل مكة المشرّفة المالكي.
أقام بمكة ثلاثين سنة، وكان يتكسّب بالنسخ بالأجرة، مع العبادة، والورع، والدّين المتين، وكان يحجّ ماشيا من مكة، وأثنى عليه المقريزي، وتوفي بمكّة.
وفيها محيى الدّين أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشيخ الإمام العلّامة القدوة ابن النّحاس الدمشقي الشافعي [3] .
صنّف في الجهاد كتابا حافلا سمّاه «مصارع العشاق» [4] استجاب الله فيه دعاءه، فإنه قال في أول سجعه فيه [5] : أحمدك اللهم [ربّ] وأسألك أعلى رتب الشهادة. واختصره هو بنفسه، وله «تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين» في الحوادث والبدع نفيس في بابه، قتل بدمياط لما دهمها الفرنج، فخرج هو وجماعة من أهلها، وجرت وقعة كبيرة، فقتل في المعركة مقبلا غير مدبر.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (7/ 23) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 29) وفيه «إبراهيم بن أحمد» و «الضوء اللامع» (1/ 13) و «العقد الثمين» (3/ 249) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 31) و «الضوء اللامع» (1/ 203) .
[4] واسمه الكامل كما في «كشف الظنون» (2/ 1686) : «مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق» .
[5] انظر «كشف الظنون» وما بين الحاصرتين مستدرك منه.(9/157)
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن مفلح بن مفرج الرّاميني ثم الدمشقي الصّالحي [1] الحنبلي، وأخو الشيخ تقي الدّين.
ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة، واشتغل على أخيه الشيخ برهان الدّين وغيره، وحصّل ودأب، وأجاز له جدّه قاضي القضاة جمال الدّين المرداوي، وقاضي القضاة شرف الدّين بن قاضي الجبل، وناب في الحكم بدمشق مدة، ثم ترك ذلك، وأقبل على الله تعالى، وكان فقيها صالحا متعبدا.
توفي بالصّالحية وصلّي عليه بالجامع المظفّري ودفن بالرّوضة عند رجل والديه.
وفيها بدر الدّين حسين بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الأذرعي ثم الصالحي الشافعي، المعروف بابن قاضي أذرعات [2] .
تفقه في صباه على الشّرف ابن الشّريشي، والنّجم بن الجابي، وتعانى الأدب، وفاق الأقران، ومهر في الفنون، ودرّس، وأفتى، وناظر، وناب في الحكم، ثم تركه تورعا، وولي عدة إعادات، وأذن له البلقيني بالإفتاء لما قدم الشام سنة ثلاث وتسعين، وكان يثني عليه كثيرا، ودخل القاهرة بعد الكائنة العظمى، واجتمع بابن حجر، فسمع كل منهما من الآخر.
وتوفي بدمشق بالطّاعون في المحرم أو صفر، ودفن بمقبرة الشيخ رسلان.
وفيها أبو الفضل عبد الرحمن بن شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أبي الوفا الشّاذلي المالكي المصري [3] .
اشتغل في صباه قليلا، وتعانى النّظم، فقال الشعر الفائق، وكان ذكيا، حسن الأخلاق، لطيف الطّباع.
ومن نظمه في «مرثية محبوب» له:
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 32) و «الضوء اللامع» (2/ 207) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 34) و «الضوء اللامع» (3/ 152) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 35) و «الضوء اللامع» (4/ 58) وفيه: «ويسمى محمدا أيضا» .(9/158)
مضت قامة كانت أليفة مضجعي ... فلله ألحاظ لها ومراشف
ولله أصداغ حكين عقاربا ... فهنّ على الحكم المعنّى سوالف
وما كنت أخشى أمس إلا من الجفا ... وإنّي على ذاك الجفا اليوم آسف
رعى الله أيّاما وناسا عهدتهم ... جيادا ولكنّ اللّيالي صيارف
غرق في بحر النّيل. وهو:
محمد بن عبيد اليشكالسي [1] .
وعبد الله بن أحمد التّنسي [2] جمال الدّين قاضي المالكية وابن قاضيهم.
وفيها علي بن سيف [3] علي بن سليمان اللّواتي الأصل الأبياري النّحوي الشافعي المصري [4] ، نزيل دمشق.
ولد سنة بضع وخمسين وسبعمائة بالقاهرة، ونشأ بغزّة يتيما فقيرا، فحفظ «التنبيه» ثم دخل دمشق فعرضه على تاج الدّين السّبكي فقرّره في بعض المدارس، واستمرّ في دمشق، وأخذ عن العنّابي وغيره، ومهر في العربية، وأشغل الناس، وأدّب أولاد ابن الشهيد، وقرأ عليه «التيسير» وسمع الكمال بن حبيب، وابن أميلة، وغيرهما، وكان خازن كتب السميساطية، وحصّل كثيرا من الكتب والوظائف، وفاق في حفظ اللغة، وعني بالأصول، فقرا «مختصر ابن الحاجب» دروسا على المشايخ، وأكثر مطالعة كتب الأدب، ولم يتزوج قطّ، ونهب ما حصّله في فتنة اللّنك، ودخل القاهرة بعد الكائنة العظمى، فأقام بها، وحصّل كتبا، ثم قدم دمشق، ثم رجع ففوضت له مشيخة البيبرسية، ثم قرّر في تدريس الشافعي، وحدّث بالبيبرسية ب «سنن أبي داود» و «جامع الترمذي» عن ابن أميلة، وبغير ذلك. وسمع منه ابن حجر. قال: وكان فقير النّفس، شديد الشكوى، وكلما
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 36- 42) و «الضوء اللامع» (8/ 139) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 36) و «الضوء اللامع» (5/ 12) .
[3] في «آ» و «ط» : «ابن سند» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 38) و «الضوء اللامع» (5/ 230) و «بغية الوعاة» (2/ 169) .(9/159)
حصل له شيء اشترى به كتبا، ثم تحوّل بما جمعه إلى دمشق في هذه السنة، وجمع جزءا في الرد على «تعقبات أبي حيّان» لابن مالك.
وتوفي بدمشق في ذي الحجّة وتفرّقت كتبه شذر مذر.
وفيها شمس الدّين محمد بن خليل بن محمد العرضي الغزّي الشافعي [1] .
ولد قبل الستين وسبعمائة، واشتغل بالفقه فمهر فيه إلى أن فاق الأقران، وصار يستحضر أكثر المذهب، مع المعرفة بالطبّ وغيره.
توفي في جمادى الأولى.
وفيها فتح الدّين محمد بن محمد بن الشيخ شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن الجزري الدمشقي [2] الشافعي، نزيل بلاد الرّوم ثم دمشق.
باشر الأتابيكة بدمشق إلى أن مات.
قال ابن حجي: كان ذكيا، جيد الذهن، يستحضر «التنبيه» ويقرأ بالروايات.
أخذ ذلك عن أبيه وعن الشيخ صدقة، وغيرهما، وعاش والده بعده دهرا، وباشر تدريس الأتابكية بدمشق ونظرها إلى أن توفي في صفر مطعونا.
وفيها محمد الشّبراوي [3] .
قال ابن حجر: اشتغل كثيرا، وكان مقتدرا على الدّرس، فدرّس كتاب «الشفا» وعرضه، ثم درّس «مختصر مسلم» للمنذري، ولم يكن بالماهر.
مات في سلخ السنة. انتهى.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 42) و «الضوء اللامع» (9/ 287) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 43) و «الضوء اللامع» (9/ 287) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 44) وفيه: «محمد بن مسكين بن مسعود الشبراوي» و «الضوء اللامع» (7/ 262) وفيه: «محمد بن سليمان بن مسعود الشبراوي» .(9/160)
وفيها يحيى بن محمد بن حسن بن مرزوق المرزوقي الجبلي- بكسر الجيم وسكون الباء الموحدة- اليماني الشافعي [1] .
تفقه على رضي الدّين بن أبي داود، وسمع من علي بن شدّاد، واشتغل كثيرا، وكان عابدا، ديّنا خيّرا [2] ، يتعانى السّماعات على طريق الصّوفية ويجتمع الناس عنده لذلك.
توفي في جمادى الآخرة وقد بلغ ثمانين سنة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 45) و «الضوء اللامع» (11/ 247) .
[2] في «ط» : «خيّرا ديّنا» .(9/161)
سنة خمس عشرة وثمانمائة
فيها تسلطن شيخ المحمودي، ولقّب بالمؤيد، وكنّي بأبي نصر، وذلك بعد خلع النّاصر وسلطنة المستعين الخليفة وخلعه، وقتل الناصر فرج.
وفيها توفي إبراهيم بن أحمد بن حسين الموصلي المالكي [1] .
تفقّه واحترف بتأديب الأطفال بالقاهرة، ثم حجّ وجاور، وسلك طريق الورع والنّسك، وصار يتكسّب بالنسخ، ويحجّ ماشيا، وكان غاية في الورع والتّحري.
مات في عشر التسعين.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن إسماعيل بن خليفة بن عبد العال قاضي القضاة الدمشقي الشافعي، المعروف بابن الحسباني [2] .
ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.
قال المقريزي: وتفقّه بأبيه وغيره، وسمع من أصحاب الفخر، وطلب بنفسه فأكثر جدا بدمشق والقاهرة، ولم يزل يسمع حتّى سمع من هو دون شيوخه، مع ذكاء وتفنّن، وكتب تفسيرا أجاد فيه لو كمل، وعلّق على «الحاوي» في الفقه شرحا، وخرّج أحاديث «الرّافعي» وشرح «ألفية ابن مالك» في النحو، وناب في الحكم بدمشق مدة، ثم ولي قضاء القضاة بها غير مرّة فلم تحمد سيرته، وكان
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 78) و «الضوء اللامع» (1/ 13) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 78) و «الضوء اللامع» (1/ 237) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 9) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 164) .(9/162)
لا يزال يخرج على السلطان ويترامى على الشّرّ، ويلج في مضايق الفتن حبّا في الرئاسة. انتهى كلام المقريزي.
وعدّة ابن ناصر الدّين في الحفّاظ وأثنى عليه [1] .
وتوفي بدمشق في يوم الأربعاء عشر ربيع الآخر عن خمس وستين سنة وسبعة أشهر وأيام.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن رضي الدّين أبي بكر بن موفق الدّين علي بن محمد النّاشري الزّبيدي اليمني الشافعي [2] .
قال ابن حجر في «أنباء الغمر» : عني بالعلم، وبرع في الفقه، وشارك في غيره، وتخرّج به أهل بلده مدة طويلة، وولي قضاء زبيد، فراعى الحقّ في أحكامه فتعصبوا عليه فعزل، وانتهت إليه رئاسة الفتوى ببلده، وكان شديد الحطّ على صوفية زبيد المنتمين إلى كلام ابن العربي، وكان يستكثر من كلام من يرد عليه، فجمع من ذلك شيئا كثيرا في فساد مذهبه ووهاء عقيدته، اجتمعت به بزبيد ونعم الشيخ كان.
مات في خامس عشري المحرم وقد جاوز السبعين. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عماد بن علي المصري ثم المقدسي الشافعي الفرضي الحاسب ابن الهائم [3] .
ولد سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، واشتغل بالقاهرة، وحصّل طرفا صالحا من الفقه، وعني بالفرائض والحساب، حتّى فاق الأقران، ورحل إليه النّاس من الآفاق، وصنّف التصانيف النّافعة في ذلك، ودرّس بالقدس في أماكن، وناب عن القمني في تدريس الصّلاحية مدة، فلما قدم نوروز القدس في هذه السنة لملاقاة
__________
[1] وذلك في «التبيان شرح بديعة البيان» (194/ ب) حيث قال فيه: وكان أحد العلماء الحفّاظ النّقاد.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 80) و «الضوء اللامع» (1/ 257) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 8) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 81) و «الضوء اللامع» (5/ 157) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 17) و «البدر الطالع» (1/ 117) .(9/163)
زوجته بنت الظّاهر قرّر الهروي في الصّلاحية ثم قسمها بينه وبين ابن الهائم لقيام أهل البلد معه، وسمع منه ابن حجر.
وتوفي في بيت المقدس في جمادى الآخرة.
وفيها تغري بردي بن عبد الله- ومعنى تغري بردي بلغة التتار الله أعطى- الظّاهري [1] نائب الشام.
قال ولده في «المنهل الصّافي» : كان والدي روميّ الجنس، اشتراه الملك الظّاهر برقوق في أوائل سلطنته تقريبا وأعتقه، وجعله في يوم عتقه خازكيا، ثم صار ساقيا، وأنعم عليه فجعله رأس نوبة الجمدارية، وتنقلت به الأحوال إلى أن ولي نيابة دمشق غير مرّة.
وقال ابن حجر: ولي نيابة حلب فسار فيها سيرة حسنة، وأنشأ بها جامعا، ثم ولي نيابة دمشق.
قال القاضي علاء الدّين في «تاريخه» : كان عنده عقل وحياء وسكون، حليما، عاقلا، مشارا إليه بالتعظيم في الدول، وكان جميلا، حسن الصّورة جدا، وكان يلهو لكن في سترة وحشمة وإفضال، والله يسمح له. انتهى.
وقال ولده: استقرّ في نيابة دمشق ثالث مرة على كره منه، وذلك سنة ثلاث عشرة وثمانمائة. وتوفي واليا لها [2] يوم الخميس سادس عشر المحرم، وصلّى عليه الملك النّاصر فرج لأنه كان يومئذ في دمشق، وشهد دفنه يوم الجمعة بتربة الأمير تنم نائب الشام بميدان الحصا، ثم قتل الناصر بعد أيام في صفر من السنة المذكورة، وخلّف والدي عشرة أولاد ستة ذكور وأربع إناث، وخلّف أموالا كثيرة استولى عليها الملك النّاصر فرج، منها ألف مملوك إلا ثلاثين مملوكا.
وفيها جار الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم الشّيباني المكّي [3] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 83) و «الضوء اللامع» (3/ 29) و «الدليل الشافي» (1/ 215- 216) .
[2] في «ط» : «واليا بها» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 84) و «الضوء اللامع» (3/ 52) .(9/164)
سمع على تاج الدّين ابن بنت أبي سعد، ونور الدّين الهمداني، وعزّ الدّين ابن جماعة، وشهاب الدّين الهكّاري، وحدّث عنهم.
قال ابن حجر: قرأت عليه أحاديث من «جامع الترمذي» بمدينة ينبع، وكان خيّرا عاقلا.
مات في هذه السنة.
وهو الذي قال فيه صدر الدّين بن الآدمي البيتين المشهورين وسنذكرهما في ترجمته. انتهى.
وفيها رقية بنت العفيف عبد السّلام بن محمد بن مزروع المدنية [1] .
حدّثت بالإجازة عن شيوخ مصر والشام كالختني، وابن المصري، وابن سيّد النّاس من المصريين، والمزّي وغيره من الشاميين. وتوفيت عن سبع وثمانين سنة.
وفيها طيبغا [2] الشّريفي عتيق الشّريف شهاب الدّين [3] ، نقيب الأشراف بحلب.
قال القاضي علاء الدّين في «تاريخه» : سمع من أولاد مولاه من الجمال بن الشّهاب محمود، وتعلّم الخطّ معهم ففاق في الخطّ الحسن، وكتب الناس عليه، واستقرّ في وظيفة تعليم الخطّ بالجامع الكبير، وتسمى عبد الله، وأجلسه الكمال بن العديم مع الشهود العدول، وفرّ في الكائنة العظمى إلى القاهرة، فأقام بها مدة، وحدّث بها، وعلّم الخطّ. كتبت عليه بحلب، وقرأت عليه الحديث بالقاهرة في سنة ثمان وثمانمائة.
وتوفي في آخر هذه السنة. انتهى.
وفيها عائشة بنت علي بن محمد بن عبد الغني بن منصور الدمشقية [4] .
__________
[1] ترجمتها في «إنباء الغمر» (7/ 80) و «الضوء اللامع» (12/ 36) و «أعلام النساء» (1/ 454) .
[2] في «آ» و «ط» : «طنبغا» وهو تصحيف والتصحيح من مصدري الترجمة.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 86) و «الضوء اللامع» (4/ 13) .
[4] ترجمتها في «إنباء الغمر» (7/ 78) و «الضوء اللامع» (12/ 77) و «أعلام النساء» (3/ 180) .(9/165)
سمعت مع زوجها الحافظ شمس الدّين الحسني من ابن الخبّاز، والمرداوي، ومن بعدهما، وحدّثت.
وتوفيت في رمضان عن بضع وستين سنة.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن محمد بن طيمان- بفتح الطاء المهملة وسكون الياء التحتانية- المصري الطّيماني الشّافعي [1] ، نزيل دمشق.
ولد قبل السبعين وسبعمائة بيسير، وحفظ «الحاوي الصغير» ولازم البلقيني، وعزّ الدّين ابن جماعة، واشتغل بالقاهرة، ونبغ في الفقه، وشارك في الفنون، ثم نزل دمشق، وأفتى، ودرّس، وكان يلبس قريبا من زي التّرك، وكان ذكيا ماهرا لا يتكلم إلّا معربا، ويتعانى طريق الصّوفية، وكان يتردد إلى دمشق بسبب وقف له، وحضر عند شيوخها، وشهدوا له بالتقدم في الفقه.
وأقام بدمشق يفتي، ويشغل، ويصنّف، ويدرّس، وشرع في جمع أشياء لم تكمل، واختصر شرح الشيخ شرف الدّين الغزي على «المنهاج» ولخص من كلام الأذرعي وغيره أشياء، على «المنهاج» لم تشتهر لغلاقة لفظه واختصاره، وأثنى عليه ابن حجي، وأخبر أنه أخذ عنه، وقتل بمنزله بالتعديل في الفتنة التي بين الناصر وغرمائه في صفر عن نحو سبع وأربعين سنة، ودفن بمقابر الحميرية [2] بالقرب من قبر عاتكة إلى جانب الشيخ الزّاهد علي بن أيوب، رحمهما الله تعالى.
وفيها سراج الدّين عمر بن عبد الله الهندي، المعروف بالفافا [3] [4] بفاءين، لقّب بذلك لكثرة نطفة بالفاء [4] .
قال ابن حجر: كان عارفا بالفقه والأصول والعربية، أقام بمكة أزيد من أربعين سنة، فأفاد الناس في هذه العلوم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 78) و «الضوء اللامع» (5/ 50) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 28) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 256) .
[2] في «آ» : «الحمرية» وفي «ط» : «الحموية» وما أثبته من «الدارس في تاريخ المدارس» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 89) و «الضوء اللامع» (6/ 98) .
[4، 4] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .(9/166)
ومات في ذي الحجّة عن سبعين سنة.
وفيها الملك النّاصر فرج بن برقوق بن أنس [1] .
ولد سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وسمّاه أبوه بلغاق، ثم سمّاه فرجا، وأجلس على التخت يوم الجمعة نصف شوال سنة إحدى وثمانمائة بعهد من أبيه وعمره عشر سنين وستة أشهر، وقتل بمصر سلطانا ليلة السبت سادس عشر صفر.
وفيها زين الدّين أبو الخير محمد بن زيد الدّين أبي الطّاهر أحمد بن جمال الدّين محمد بن الحافظ محبّ الدّين عبد الله الطّبري [2] .
سمع من الفخر القونوي، وابن بنت سعد، وابن جماعة، والعلائي، وأجاز له أحمد بن علي الجزري، وابن القمّاح، وابن عالي، والمستوري، وغيرهم.
وتفرّد بإجازة الجزري بمكّة، وحدّث بأشياء كثيرة بالإجازة عن جماعة من المصريين والشّاميين، وبرع في العلم، وعرف بالمروءة.
وتوفي في رمضان.
وفيها بهاء الدّين أبو حامد محمد بن أبي الطّيب أحمد بن بهاء الدّين محمد بن علي بن سعيد بن [3] إمام المشهد الشافعي ظنا.
ولد سنة سبع وستين وسبعمائة، وأحضره أبوه وأسمعه على بعض [4] أصحاب الفخر، وابن القواس، ونحوهم.
وتوفي أبوه وهو صغير، فأدّبه رجل أعمى، وبرع من [5] صباه، وكان صحيح الفهم، دينا، عاقلا، نشأ نشأة حسنة، وأفتى، ودرّس، وعرض عليه حموه شهاب الدّين الحسباني النّيابة في الحكم فامتنع.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 89) و «الضوء اللامع» (6/ 168) و «الدليل الشافي» (2/ 520) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 90) و «الضوء اللامع» (7/ 46) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 90) و «الضوء اللامع» (7/ 46) .
[4] لفظة «بعض» سقطت من «ط» .
[5] في «ط» : «في» .(9/167)
وتوفي في ذي القعدة بعلّة الاستسقاء.
وفيها جمال الدّين محمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن أحمد بن مسلم المكّي الحلوي [1]- بفتح المهملة وسكون اللام، نسبة إلى حلي كظبي مدينة باليمن، المعروف بابن العليف- بمهملة ولام وفاء مصغر-.
ولد بحلي سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، ونزل بمكّة، وسمع من العزّ بن جماعة، وكان غاليا في التشيّع وتعاني والنّظم فمهر فيه وفاق أقرانه إلّا أنه كان عريض الدّعوى ومدح ملوك اليمن، وأمراء مكّة، وينبع، وانقطع إلى حسن بن عجلان بمكّة.
ومن مدائحه في النّاصر لدين الله صلاح الدّين بن علي بن محمد صاحب صنعاء:
جادك الغيث من طلول بوالي [2] ... كبروج من النّجوم خوالي
فقدت بيض أنسها فتساوى ... بيض أيامها وسود الليالي
قاسمتني وجدي بها فتساوى ... حالها بعد من أحبّ وحالي
وهي طويلة. وله فيه من أخرى:
يا وجه آل محمّد في وقته ... لم يبق بعدك منهم إلا قفا
لو كانت الأشراف آل محمد ... كتب العلوم لكنت فيها المصحفا
أو كانت الأسباط آل محمد ... يا ابن النّبيّ لكنت فيها يوسفا
وتوفي في سابع رجب.
وفيها جمال الدّين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد البعلبكي المعروف بابن اليونانية [3] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 91) و «العقد الثمين» (1/ 471) .
[2] لفظة «بوالي» سقطت من «آ» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 94) و «الضوء اللامع» (9/ 145) .(9/168)
ولد أول سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وسمع الحديث، وقرأ، ودرّس، وأفتى، وشارك في الفضائل، وكان عارفا بأخبار أهل بلده. [1] وهو ابن أخي الشيخ شمس الدّين البعلبكي. قاله ابن حجر [1] .
وفيها محبّ الدّين أبو الوليد محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي ابن أيوب بن الشّحنة محمود [2] والشّحنة جدّه الأعلى محمود، الشهير بابن الشّحنة التّركي الأصل الحلبي [3] الحنفي.
ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وحفظ القرآن العظيم وعدة متون، وتفقه، وبرع في الفقه، والأصول، والنحو، والأدب، وأفتى، ودرّس، وتولى قضاء قضاة الحنفية بحلب، ثم دمشق، إلى أن قبض عليه الظّاهر برقوق في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وقدم به إلى القاهرة، ثم أفرج عنه، ورجع إلى حلب فأقام بها إلى أن قبض عليه الملك الناصر فرج سنة ثلاث عشرة وثمانمائة لقيامه مع جماعة على الناصر، ثم أفرج عنه، فقدم القاهرة، ثم عاد إلى دمشق صحبة الملك الناصر المذكور سنة أربع عشرة وثمانمائة، فلما انكسر الناصر وحوصر بدمشق ولّاه قضاء الحنفية بالقاهرة فلم يتمّ لأنه لما أزيلت دولة الناصر أعيد بن العديم لقضاء الدّيار المصرية، واستقرّ ابن الشّحنة في قضاء حلب وأعطى تداريس بدمشق.
قال ابن حجر كان كثير الدعوى والاستحضار، عالي الهمّة، وعمل تاريخا لطيفا فيه أوهام عديدة، وله نظم فائق وخط رائق.
ومن نظمه:
ساق المدام فكلّ ما في النّا ... س من وصف المدامة فيكا
فعل المدام ولونها ومذاقها ... في مقلتيك ووجنتيك وفيكما
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 95) و «الضوء اللامع» (10/ 3) .
[3] لفظة «الحلبي» لم ترد في «آ» .(9/169)
وله:
أسير بالجرعى أسيرا ومن ... همّي لا أعرف كيف الطّريق.
في منحني الأضلع وادي الغضا ... وفوق سفح الخدّ وادي العقيق
انتهى.
وقال القاضي علاء الدّين في «ذيل تاريخ حلب» : وله: «ألفية رجز» تشتمل على عشرة علوم، و «ألفية» اختصر فيها منظومة النّسفي وضم إليها مذهب أحمد.
وله تآليف أخرى في الفقه، والأصول، والتفسير. انتهى.
وتوفي بحلب يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر.
وفيها شرف الدّين مسعود بن عمر بن محمود بن أنمار الأنطاكي النّحوي [1] ، نزيل دمشق.
قدم إلى حلب، وقد حصّل طرفا صالحا من العربية، ثم قدم دمشق، فأخذ عن الصّفدي، وابن كثير، وغيرهما، وتقدم في العربية، وفاق في حسن التّعليم حتّى كان يشارط عليه إلى أمد معلوم بمبلغ معلوم، وكان يكتب حسنا وينظم جيدا، وكان يتعانى الشّهادة ولو لم يكن بالمحمود فيها، وكان مزّاحا قليل التّصوّن.
مات في تاسع شعبان وهو في عشر الثمانين. قاله ابن حجر.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 98) و «الضوء اللامع» (10/ 157) .(9/170)
سنة ست عشرة وثمانمائة
في ربيعها الأول ظهر الخارجيّ الذي ادعى أنه السّفيانيّ، وهو رجل عجلونيّ يسمّي عثمان بن ثقالة، اشتغل بالفقه قليلا بدمشق، ثم قدم عجلون فنزل بقرية الجيدور [1] ودعا إلى نفسه، فأجابه بعض الناس، فأقطع الإقطاعات، ونادى أن مغل هذه السنة مسامحة، ولا يؤخذ من أهل الزراعة بعد هذه السنة التي سومح بها سوى العشر، فاجتمع عليه خلق كثير من عرب، وعشير، وترك، وعمل له ألوية خضراء، وسار إلى وادي إلياس، وبث كتبه إلى النّواحي ترجمتها بعد البسملة:
[من] السّفياني إلى حضرة فلان، أن يجمع فرسان هذه الدولة السّلطانية الملكية الإمامية الأعظمية الربّانية المحمدية السّفيانية، ويحضر بخيله ورجاله مهاجرا إلى الله ورسوله، ومقاتلا في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، فسار عليه في أوائل ربيع الآخر غانم الغزّاوي، وجهز إليه طائفة، وطرقوه وهو بجامع عجلون، فقاتلهم فقبضوا عليه وعلى ثلاثة من أصحابه، فاعتقل الأربعة، وكتب إلى المؤيد بخبره فأرسلهم إلى قلعة صرخد [2] .
وفيها توفي إبراهيم بن أحمد بن خضر الصّالحي الحنفي [3] .
ولد في رمضان سنة أربع وأربعين وسبعمائة، واشتغل على أبيه، وناب في القضاء بمصر، ودرّس وأفتى، وولي إفتاء دار العدل، وكان جريئا مقداما، ثم ترك الاشتغال بأخرة وافتقر.
__________
[1] في «معجم البلدان» (2/ 197) : الجيدور: كورة من نواحي دمشق فيها قرى، وهي في شمالي حوران، ويقال: إنها والجولان كورة واحدة.
[2] قاله الحافظ ابن حجر في «إنباء الغمر» (7/ 106- 107) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 118) و «الضوء اللامع» (1/ 13) .(9/171)
وتوفي في ربيع الأول، وكانت وفاة أبيه سنة خمس وثمانين وسبعمائة.
وفيها برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن بهادر بن أحمد الشّافعي الغزّي القرشي النّوفلي، الشهير بابن زقّاعة [1]- بضم الزاي، وفتح القاف المشدّدة، وألف، وعين مهملة، وهاء-.
قال في «المنهل» : كان إماما بارعا مفنّنا في علوم كثيرة لا سيما معرفة الأعشاب، والرياضة، وعلم التصوف.
مولده سنة أربع وعشرين وسبعمائة على الصحيح.
قال المقريزي: عانى صناعة [2] الخياطة، وأخذ القراءات عن الشيخ شمس الدّين الحكري، والفقه عن بدر الدّين القونوي، والتّصوف عن الشيخ عمر حفيد الشيخ عبد القادر، وسمع الحديث من نور الدّين على الفويّ، وقال الشعر، ونظر في النّجوم وعلم الحرف، وبرع في معرفة الأعشاب، وساح في الأرض، وتجرّد وتزهّد فاشتهر ببلاد غزّة، وعرف بالصّلاح. انتهى اختصارا.
قلت: بالجملة كانت رئاسته في علوم كثيرة، وله حظّ وافر [3] عند ملوك مصر، ونال من الحرمة والوجاهة ما لم ينله غيره من أبناء جنسه، فإنه كان يجلس فوق قضاة القضاة.
ومن شعره اللّطيف:
ومن عجبي أن النّسيم إذا سرى ... سحيرا بعرف البان والرّند والآس
يعيد على سمعي حديث أحبّتي ... فيخطر لي أن الأحبّة جلّاسي
ومنه أيضا:
ووردي خدّ نرجسيّ لواحظ ... مشايخ علم السّحر عن لحظه رووا
وواوات صدغيه حكين عقاربا ... من المسك فوق الجلّنار قد التووا
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 119) و «الضوء اللامع» (1/ 130) و «الدليل الشافي» (1/ 28) .
[2] في «آ» : «صنعة» .
[3] في «آ» : «وله حظ زائد» .(9/172)
ووجنته الحمراء تلوح كجمرة ... عليها قلوب العاشقين قد انكووا
وودّي له باق ولست بسامع ... لقول حسود والعواذل إن عووا
وو الله لا أسلو ولو صرت رمّة ... وكيف وأحشائي على حبّه انطووا
وتوفي بالقاهرة في ثامن عشر ذي الحجة، ودفن خارج باب النصر انتهى. ما قاله صاحب «المنهل» باختصار.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن علاء الدّين حجّي بن موسى بن أحمد بن سعيد [1] بن غشم بن غزوان بن علي بن مسرور بن تركي الحسباني الدمشقي الشافعي [2] الحافظ، مؤرخ الإسلام.
قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» : ولد في المحرم سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وحفظ «التنبيه» وغيره، وسمع الحديث من خلائق، وأجاز له خلق من بلاد شتّى، وقرأ بنفسه الكثير، وكتب الكثير، وقد كتب أسماء مشايخه مجرّدا في بعض مجاميعه على حروف المعجم، وأخذ الفقه عن والده، والشيخ شمس الدّين بن قاضي شهبة، وقاضي القضاة بهاء الدّين أبي البقاء وغيرهم، واستفاد من مشايخ العصر، منهم الأذرعي، والحسباني، وابن قاضي الزّبداني، وابن خطيب يبرود، والغزّي، والقاضي تاج الدّين السّبكي، وشمس الدّين الموصلي، وتخرّج في علوم الحديث بالحافظين ابن كثير، وابن رافع، وأخذ النحو عن أبي العبّاس العناني وغيره، ودرّس وأفتى، وأعاد وناب في الحكم، وصنّف، وكتب بخطّه الحسن ما لا يحصى كثرة، فمن ذلك شرح على «المحرّر» لابن عبد الهادي، كتب منه قطعة، وردّ على مواضع من «المهمات» للإسنوي، وعلى مواضع من الألغاز له وبيّن [3] غلطه فيها، وجمع فوائد في علوم متعددة في
__________
[1] في «ط» : «سعد» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 121- 124) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 10) و «الضوء اللامع» (1/ 269) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 138) .
[3] في «ط» : «بين» من غير الواو.(9/173)
كراريس كثيرة سمّاها «جمع المفترق» وكتابا سمّاه «الدارس من أخبار المدارس» يذكر فيه ترجمة الواقف وما شرطه، وتراجم من درّس بالمدرسة إلى آخر وقت، وهو كتاب نفيس يدلّ على اطلاع كثير، وقد وقفت على كراريس منه.
وكتب «ذيلا» [1] على «تاريخ ابن كثير» وغيره، بدأ فيه من سنة إحدى وأربعين يذكر فيه حوادث الشهر، ثم من توفي فيه، وهو مفيد جدا، كتب منه ست سنين، ثم بدأ من سنة تسع وستين فكتب إلى قبيل وفاته بيسير، وكان قد أوصاني بتكميل الخرم المذكور فأكملته، وأخذت «التاريخ» المذكور وزدت عليه حوادث من تواريخ المصريين وغيرهم بقدر ما ذكره الشيخ، وتراجم أكثر من التراجم التي ذكرها بكثير، وبسطت الكلام في ذلك، وجاء إلى آخر سنة أربعين وثمانمائة في سبع مجلدات كبار، ثم اختصرته في نحو نصفه، وقد ولي الشيخ في آخر عمره، الخطابة ومشيخة الشيوخ شريكا لغيره، وانتهت المشيخة في البلاد الشامية إليه،
__________
[1] قلت: الذي ترجح عندي بأن الحافظ ابن كثير قد توقف في «تاريخه» أول الأمر سنة (738 هـ) ، ثم تابع التأريخ إلى سنة (774 هـ) ويشهد لذلك كلام الحافظ ابن حجر في أول كتابه «إنباء الغمر» (1/ 4) حيث يقول: ... وهذا الكتاب يحسن من حيث الحوادث أن يكون ذيلا على ذيل التاريخ الحافظ عماد الدّين ابن كثير فإنه انتهى في «تاريخه» إلى هذه السنة. وما كتبه الحافظ السخاوي في أوائل سنة (774) حيث قال: وفي أثناء شعبانها انتهى «تاريخ العماد ابن كثير» وكان حين ضرره وضعفه يملي فيه على ولده عبد الرحمن. ويبدو بأن النسخة التي كانت محفوظة في المكتبة الأحمدية بحلب من «البداية والنهاية» والتي اعتمدناها كنسخة أولى في تحقيقنا للكتاب مع طائفة من الأساتذة المحققين في طبعته التي ستصدر عن دار ابن كثير هي نسخة نسخت عن النسخة الأولى المشار إليها، ثم نسخ عن النسخة التامة نسخ أخرى، فقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن الحافظ السخاوي قد نقل عن «البداية والنهاية» في كتابه «الذيل التام على دول الإسلام» الذي يقوم بتحقيقه صاحبي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة، وأقوم بمراجعته، وقد أنجزنا منه المجلد الأول وهو تحت الطبع الآن، ومعلوم بأن كتاب السخاوي يبدأ بحوادث سنة (745 هـ) . وأما ما كتبه ابن حجي، وابن قاضي شهبة من التذييل على «البداية والنهاية» فإنما كان على النسخة الأولى من «البداية والنهاية» المتوقفة عند سنة (738 هـ) وأنهما لم يطلعا على النسخة الأخرى منه التي تممها ابن كثير بنفسه من الكتاب، والله أعلم، وانظر ما كتبه العلّامة الشيخ محمد راغب الطباخ في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق (18/ 376) وما كتبه العلّامة الشيخ محمد أحمد دهمان في المجلة المذكورة (20/ 90) وما بعدها حول هذا الموضوع، والله الموفق لكل خير وصواب.(9/174)
وكان يكتب على الفتاوى كتابة حسنة، وخطه مليح، وكان يضرب المثل بجودة ذهنه وحسن أبحاثه، وكان حسن الشكل، ديّنا، خيّرا، له أوراد من صلاة وصيام، وعنده أدب كثير وحشمة وحسن معاشرة، وعنه أخذت هذا الفنّ، واستفدت منه كثيرا.
توفي في المحرم ودفن عند والده على جادة الطّريق. انتهى كلام ابن قاضي شهبة.
وفيها أحمد بن علي بن النّقيب المقدسي الحنفي [1] .
قال ابن حجر: ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وتقدم في فقه الحنفية، وشارك في فنون، وكان يؤم بالمسجد الأقصى.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن الناصري الباعوني الشافعي [2] .
قال ابن قاضي شهبة فيه: الشيخ الإمام العالم المفنّن، قاضي القضاة، خطيب الخطباء [3] ، إمام البلغاء، ناصر الشّرع.
ولد بقرية النّاصرة من البلاد الصّفدية سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وحفظ القرآن، وله عشر سنين، وحفظ «المنهاج» في مدة يسيرة، ثم «المنهاج» للبيضاوي، و «الألفية» وغير ذلك، وقدم دمشق، وعرض كتبه على جماعة من العلماء، منهم القاضي [4] تاج الدّين السّبكي، والمشايخ: ابن خطيب يبرود، وابن قاضي الزّبداني، وابن قاضي [4] شهبة، وابن الشّريشي، والزّهري، وغيرهم. وأخذ عنهم، وسمع الحديث من جماعة من المسندين، وقرأ النحو على الشيخ أبي عبد الله المالكي، وغيره، ومهر في ذلك، وكتب الخطّ الحسن، ثم رجع إلى
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 124) و «الضوء اللامع» (2/ 46) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 124) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 20) و «الضوء اللامع» (2/ 231) .
[3] في «ط» : «خطيب الخطابة» .
[4، 4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .(9/175)
صفد، وقد أجيز، وأخذ من طلب العلم أربه، فاشتغل بالعلم، وأفتى، وفاق في النّظم، والنثر، وصحب الفقراء والصّالحين، ثم توجه إلى الدّيار المصرية، واجتمع بالملك الظّاهر فولاه خطابة بالجامع الأموي، فقدم في ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين، ثم لما قدم السلطان في سنة ثلاث وتسعين ولّاه القضاء في ذي الحجّة، فباشر بعفّة، ومهابة زائدة وتصميم في الأمور، مع نفوذ لحكمه، وكان يكاتب السلطان بما يريد فيرجع الجواب بما يختاره، وانضبطت [1] الأوقاف في أيامه، وحصل للفقهاء معاليم كثيرة، ودرّس الفقه والتفسير في مدارس كثيرة، وولي مشيخة الشيوخ، ثم وقعت له أمور أوجبت تغير خاطر السلطان عليه، منها أنه طلب أن يقرضه من مال الأيتام شيئا فامتنع فعزله بعد ما باشر سنتين ونصفا، وكشف عليه، وعقدت له مجالس وحصل في حقّه تعصب، ولفّقت عليه قضايا باطلة أظهر الله براءته منها ولم يسمع عنه مع كثرة أعدائه أنه ارتشى في حكم من الأحكام، ولا أخذ شيئا من قضاة البر كما فعله من بعده من القضاة، ثم ولي خطابة القدس مدة طويلة ثم خطابة دمشق ومشيخة الشيوخ، ثم ولاه الناصر القضاء في صفر سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، ولم يمكنه إجراء الأمور على ما كان أولا لتغير الأحوال واختلاف الدول، ثم صرفه الأمير شيخ عند استيلائه على دمشق في جمادى الآخرة من السنة وفي فتنة الناصر، ولي قضاء الدّيار المصرية مدة الحصار، ثم انتقض، وكان خطيبا بليغا له اليد الطولي في النّظم والنّثر، مع السّرعة في ذلك، وكان من أعظم أنصار الحقّ وأعوانه، أعزّ الله تعالى به الدّين، وكفّ به أكفّ المفسدين، وكان ظاهر الدّيانة، وكثير البكاء، وكتب الكثير بخطّه، وجمع أشياء. انتهى باختصار.
وقال ابن حجر: اجتمعت به ببيت المقدس والقاهرة، وأنشدني من نظمه، وسمعت عليه، وهو القائل:
ولما رأت شيب رأسي بكت ... وقالت عسى غير هذا عسى
فقلت البياض لباس الملوك ... وإنّ السّواد لباس الأسى
فقالت صدقت ولكنّه ... قليل النّفاق بسوق النّسا
__________
[1] في «ط» : «والضبطت» .(9/176)
وله في العقيدة قصيدة أولها:
أثبت صفات العلى وانف الشبيه فقد ... أخطا الذي على ما قد بدا جمدوا
وضلّ قوم على التأويل قد عكفوا ... فعطّلوا وطريق الحقّ مقتصد
انتهى.
وتوفي في أوائل المحرم ودفن بسفح قاسيون بحوش زاوية الشيخ أبي بكر بن داود.
وفيها زين الدّين هو زين الدّين أبو بكر بن حسين بن عمر بن محمد بن يونس العثماني المراغي ثم المصري [1] الشافعي، نزيل المدينة.
ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وأجاز له أبو العبّاس بن الشّحنة، فكان آخر من حدّث عنه في الدنيا بالإجازة، وأجاز له أيضا المزّي، والبرزالي، والحجّار، وآخرون من دمشق، وحماة وحلب وغيرها، وتفرّد بالرواية عن أكثرهم، وسمع بالقاهرة من جماعة، وخرج له الحافظ ابن حجر أربعين حديثا عن أربعين شيخا، وقرأ على الشيخ تقي الدّين السّبكي شيئا من محفوظاته عرضا قبل أن يلي القضاء ولازم الشيخ جمال الدّين الأسنوي، وولي قضاء المدينة وخطابتها سنة تسع وثمانمائة، وأخذ عن مغلطاي وغيره من المحدّثين، وشرح المنهاج الفقهي، واختصر «تاريخ المدينة» وحصل للمدينة جهات تقوم بحاله، ولازم الأشغال، والتحديث بالروضة الشريفة إلى أن صار شيخها المشار إليه، ثم عزل عن قضائها فتألم لذلك.
وتوفي بالمدينة المنورة في ذي الحجّة.
وفيها رضي الدّين أبو بكر بن يوسف بن أبي الفتح العدني بن المستأذن [2] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 128) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 4) و «الضوء اللامع» (11/ 28) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 129) و «الضوء اللامع» (11/ 98) .(9/177)
قال ابن حجر: حجّ كثيرا، وقدم القاهرة، وتعانى النّظر في الأدب، ومهر في القراءات، وتكلّم على النّاس بجامع عدن، وخطب ولم ينجب، سمعت من نظمه، وسمع مني كثيرا.
مات وقد جاوز السبعين. انتهى.
وفيها حسام الدّين حسن بن علي بن محمد الأبيوردي [1]- بفتح الهمزة والواو، وسكون التحتية، وكسر الباء، وسكون الراء- نسبة إلى باورد بلدة بخراسان، الشافعي الخطيب، نزيل مكة.
أخذ عن السعد التّفتازاني وغيره، وبرع في المعقولات، ودخل اليمن، واجتمع بالناصر ففوض إليه تدريس بعض المدارس بتعز فعاجلته المنيّة بها، وصنّف «ربيع الجنان في المعاني والبيان» وغير ذلك.
وفيها عائشة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الأصل أبوها الصّالحية [2] الحنبلية المذهب المحدّثة محدّثة دمشق.
ولدت سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وحضرت في أوائل الرابعة من عمرها جميع «صحيح البخاري» على مسند الآفاق الحجّار، وروت عن خلق، وروى عنها الحافظ ابن حجر، وقرأ عليها كتبا عديدة، وكانت في آخر عمرها أسند أهل زمانها، مكثرة سماعا وشيوخا.
قاله العليمي [3] في «طبقات الحنابلة» وتوفيت في أحد الربيعين ودفنت بالصالحية.
قال ابن حجر: تفرّدت بالسّماع من الحجّار، ومن جماعة، وسمع منها
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 131) و «الضوء اللامع» (7/ 118) .
[2] ترجمتها في «إنباء الغمر» (7/ 132) و «الضوء اللامع» (12/ 81) و «المنهج الأحمد» الورقة (481) من القسم المخطوط منه و «أعلام النساء» (3/ 187) .
[3] في «آ» و «ط» : «العلموي» وهو خطأ والصواب ما أثبته فإن المؤلف قد نقل عن «المنهج الأحمد» .(9/178)
الرّحالة فأكثروا، وكانت سهلة في الأسماع، سهلة الجانب، ومن العجائب أن ستّ الوزراء كانت آخر من حدّثت عن ابن الزّبيدي بالسّماع، ثم كانت عائشة آخر من حدّثت عن صاحبه الحجّار بالسّماع وبين وفاتيهما مائة سنة.
وفيها عبد القوي بن محمد بن عبد القوي المالكي البجائي المغربي [1] الأصل والمولد والمنشأ، نزيل مكة.
قال ولده قطب الدّين أبو الخير، ولد والدي سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ببجاية من بلاد الغرب، ورحل من بلده وعمره ثمان عشرة سنة، وقدم القاهرة، وحجّ سنة أربع وستين، ثم عاد إلى القاهرة، ثم حجّ في سنة سبعين، وقطن بمكة إلى أن مات.
وقال الشيخ تقي الدّين الفاسي: قدم ديار مصر في شبيبته، فأخذ بها عن الشيخ [يحيى الرّهوني، وغيره من علمائها، وسكن الجامع الأزهر، ثم انتقل إلى مكة، وأخذ بها عن الشيخ] موسى المرّاكشي وغيره، وسمع بها من المناوي، وسعد الدّين الإسفرائيني، وغيرهما، ودرّس بالحرم الشريف، وأفتى باللفظ تورعا، وكان ذا معرفة بالفقه.
قال ابن حجر: تفقه، وأفاد، ودرّس، وأعاد، وأفتى.
وتوفي بمكة في شوال ودفن بالمعلاة.
وفيها فخر الدّين عثمان بن إبراهيم بن أحمد الشيخ الإمام البرماوي [2] الشافعي، شيخ قرّاء مدرسة الظّاهر برقوق.
قال في «المنهل» : كان إماما بارعا في معرفة القراءات، عالما بالفقه
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 133) و «الضوء اللامع» (4/ 230) و «نيل الابتهاج» على هامش «الديباج المذهب» ص (187) و «العقد الثمين» (5/ 472) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 133- 134) و «الضوء اللامع» (5/ 123) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 40) و «الدليل الشافي» (1/ 438) .(9/179)
والحديث والعربية، تصدّر للإقراء عدة سنين إلى أن توفي فجأة بعد خروجه من الحمّام يوم الاثنين تاسع عشر شعبان.
والبرماوي: نسبة إلى برمة بلدة بالغربية من أعمال القاهرة بالوجه البحري وإليها ينسب جماعة كثيرة من الفقهاء وغيرهم. انتهى.
وفيها فتح الدّين فتح الله بن معتصم بن نفيس الدّاودي التّبريزي الحنفي الطبيب [1] .
ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة، وقدم مع أبيه إلى القاهرة فمات أبوه وهو صغير فكفله عمّه بديع بن نفيس فتميّز في الطب، وقرأ «المختار» في الفقه، وتردّد إلى مجالس العلم، وتعلم الخطّ، وباشر العلاج، وكان بارع الجمال، فانتزعه برقوق وصار من أخص المماليك عنده، واشتهر، وشاع ذكره، واستقر في رئاسة الطب بعد موت عمّه بديع، ثم عالج برقوق فأعجبه، وكان يدري كثيرا من الألسن، ومن الأخبار، فراج عند برقوق، وباشر رئاسة الطب بعفة ونزاهة.
قال البقاعي: كان ذا باع طويل في الطبّ، حتّى إنه مرّ يوما في سوق الكتبيين فرأى شخصا ينسخ في كتاب وليس به مرض، فتأمله وقال: هذا يموت اليوم، فكان كذلك.
وقال المقريزي: كان له فضائل جمّة غطّاها شحّه حتّى اختلق عليه أعداؤه معايب برأه الله منها، فإني صحبته مدة طويلة تزيد على العشرين [سنة] ، ورافقته سفرا وحضرا، فما علمت عليه إلّا خيرا، بل كان من خير أهل زمانه عقلا، وديانة، وحسن عبارة [2] ، وتأله، ونسك، ومحبة للسّنّة وأهلها، وانقياد إلى الحقّ، وصبر على الأذى، وجودة للحافظة. وكان يعاب بالشّح بماله، فإنه كان يخذل صديقه أحوج ما يكون إليه، وقد جوزي بذلك فإنه لما نكب في هذه السنة تخلّى عنه كل أحد عن الزيارة، فلم يجد مغنيا ولا معينا، فلا قوة إلّا بالله.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 137) و «الضوء اللامع» (6/ 165) .
[2] في «ط» : «وحسن عبادة» .(9/180)
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن خليل المصري الغرّاقي [1]- بفتح المهملة، وتشديد الراء، وبعد الألف قاف، نسبة إلى بعض قرى الدّيار المصرية- الشافعي.
اشتغل كثيرا، وتمهّر في الفرائض، وأشغل الناس فيها بالجامع الأزهر، وكثرت طلبته، وأمّ بالجامع المذكور نيابة، مع الدّين، والخير، وحسن السّمت، والتواضع، والصّبر على الطلبة. وكان يقسم «التنبيه» و «المنهاج» فيقرن بينهما جميعا في مدة لطيفة، وقد سمع من العزّ بن جماعة بمكّة، وحدّث، وجاور كثيرا، وكان يعتمر في كل يوم أربع عمر، ويختم كل يوم ختمة.
وتوفي في خامس شعبان.
وفيها محمد بن عبد الله الحجيني [2] الحنفي، الملقب بالقطعة [3] .
قال ابن حجر: كان من أكثر الحنفية معرفة باستحضار الفروع، مع جمود ذهنه، وكان خطّه رديئا إلى الغاية، وكان رثّ الثياب والهيئة، خاملا.
مات في رمضان. انتهى.
وفيها جمال الدّين محمد بن عمر العوادي [4]- بفتح المهملة وتخفيف الواو- التّعزي [5] الشافعي.
اشتغل ببلده، وأشغل الناس كثيرا، واشتهر، وأفتى، ودرّس، ونفع الناس، وكثرت تلامذته، وولي القضاء ببلده فباشر بشهامة، وترك مراعاة لأهل الدولة فتعصبوا عليه، حتّى عزل، وقد أراق في مباشرته الخمور، وأزال المنكرات، وألزم اليهود بتغيير عمائمهم، ثم بعد عزله أقبل على الاشتغال والنفع للناس إلى أن مات.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «العراقي» والتصحيح من «إنباء الغمر» (7/ 139) و «الضوء اللامع» (6/ 307) .
[2] في «آ» و «ط» : «الحجبي» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 140) و «الضوء اللامع» (8/ 120) .
[4] في «آ» و «ط» : «العواري» بالراء والتصحيح من مصدري الترجمة.
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 140) و «الضوء اللامع» (8/ 249 و 269) .(9/181)
وفيها شهاب الدّين موسى بن أحمد بن موسى الرّمثاوي ثم الدمشقي الشافعي [1] .
ولد تقريبا سنة ستين وسبعمائة، واشتغل على الشيخ شرف الدّين الغزّي، ولازمه، وأذن له في الإفتاء، وأخذ الفرائض عن محبّ الدّين المالكي وفضل فيها، وأخذ بمكّة عن ابن ظهيرة، وأخذ طرفا من الطبّ عن الرئيس جمال الدّين، وكتب بخطّه، ومهر، وتعانى الزراعة، ثم تزوج بنت شيخه فماتت معه فورث منها مالا، ثم بذل مالا حتّى ناب في الحكم واستمرّ، ثم ولي قضاء الكرك.
قال ابن قاضي شهبة في «تاريخه» : كان سيء السيرة، وفتح أبوابا من الأحكام الباطلة، فاستمرت بعده [2] وكان عنده دهاء، وصاهر الإخنائي، وقد امتحن.
ومات بدمشق في ربيع الأول، وقيل: إنه سمّ، والله أعلم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 143) و «الضوء اللامع» (10/ 178) .
[2] في «ط» : «بعد» .(9/182)
سنة سبع عشرة وثمانمائة
في سابع شعبانها دخل الفرنج مدينة سبتة من بلاد المغرب وخرّبوها وأخذوا ما كان بها من الأموال والذخائر، حتّى الكتب العلمية، وتركوها قاعا خرابا، ومع ذلك فهي بأيديهم فلا قوة إلّا بالله، وكان أهلها وهم محاصرون أرسلوا قصيدة طنّانة يستجدون فيها أهل الإسلام من أهل مصر وغيرهم [1] مطلعها:
حماة الهدى سبقا وإن بعد المدى ... فقد سألتكم نصرها ملّة الهدى
فلم تفدهم شيئا، غير أن أجيبوا بقصيدة من نظم ابن حجّة ويا ليتها مثلها.
وفيها توفي تقي الدّين أبو بكر بن علي بن سالم بن أحمد الكناني العامري- نسبة إلى قرية كفر عامر من قرى- الزّبداني [2] ابن قاضي الزّبداني الشافعي.
ولد في ذي الحجّة سنة خمسين وسبعمائة، واشتغل بدمشق، فبرع في الحساب، وشارك في الفقه، وقرأ في الأصول، وولي قضاء بعلبك وبيروت، وقدم القاهرة بعد الفتنة الكبرى، وكان قد أسر مع التمرية ثم تخلّص، وأخبر عن بعض من أسره أنه قال له: علامة وقوع الفتنة كثرة نباح الكلاب وصياح الدّيكة في أول الليل. قال: وكان ذلك قد كثر بدمشق قبل مجيء تمرلنك، وكان يقرأ في المحراب جيدا، وولي قضاء كفر طاب، وتقدم في معرفة الفرائض والحساب، وكان دينا، خيرا، يتعانى المتجر.
توفي بدمشق في ذي الحجّة.
__________
[1] في «ط» : «وغيرها» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 153) و «الضوء اللامع» (11/ 52) .(9/183)
وفيها سعد الدّين سعد بن علي بن إسماعيل الهمداني الحنفي ثم العيني [1] نزيل حلب.
كان فاضلا عاقلا، دينا له مروءة ومكارم أخلاق، وله وقع في النّفوس لخيره ونفعه للطلبة وإحسانه إليهم بعلمه وجاهه.
مات في أول شعبان، وخلّف ولده سعد الدّين سعد الله، ولم تطل مدّته بل مات في [2] سنة إحدى وعشرين ولم يتكهّل [3] .
وفيها عبد الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم ابن أبي المعالي الشّيباني المكّي [4] .
سمع من عثمان بن الصّفي الطّبري، والسّراج الدّمنهوري، وغيرهما، وتفرّد بالرواية عنهم بمكة، وكان خطيبا بجدّة.
توفي في ربيع الآخر وقد قارب الثمانين.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن علاء الدّين علي بن محمد بن علي بن عبد الله الكناني العسقلاني الحنبلي، المعروف بالجندي [5] ، سبط أبي الحرم القلانسي.
ولد سنة خمسين وسبعمائة، وأحضر على الميدومي، وسمع من الأتقوي، والعرضي، وألبسه الميدومي خرقة التصوف، وحدّث باليسير في آخر عمره، وأحب الرواية، وأكثروا عنه، وكان ذا سمت حسن، وديانة ونادرة حسنة، ويتكلم في مسائل الفقه، وسمع منه ابن حجر جزءا من حديث أبي الشيخ بسماعه على جدّه
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 154) و «الضوء اللامع» (3/ 248) و «الطبقات السنية» (4/ 9) .
[2] لفظة «في» سقطت من «ط» .
[3] في «ط» و «طبقات السنية» : «يكتهل» وفي «إنباء الغمر» : «يكهل» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 155) و «الضوء اللامع» (5/ 21) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 155) و «الضوء اللامع» (5/ 34) و «المقصد الأرشد» (2/ 47- 48) و «المنهج الأحمد» الورقة (481) من القسم المخطوط، و «الجوهر المنضد» ص (76) و «السحب الوابلة» ص (259- 260) .(9/184)
أبي الحرم القلانسي بسنده، وقرأ عليه أيضا «سباعيات» مونسة خاتون بنت الملك العادل بسماعه على جدّه أيضا عنها سماعا.
وتوفي في القاهرة في رجب.
وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمود المدني الزّرندي [1]- بالزاي، والراء، والنون، نسبة إلى زرند بلد بأصبهان- الحنفي.
ولد في ذي القعدة سنة ست وأربعين وسبعمائة بالمدينة النبوية، وسمع على العزّ بن جماعة، والصّلاح العلائي، وأجاز له الزّبير الأسواني، وهو آخر من حدّث عنه، وتفقه، وبرع في الفقه وغيره، وولي قضاء الحنفية بالمدينة النبوية نحوا من ثلاث وثلاثين سنة مع حسبتها، وحمدت سيرته لعفّته ودينه، ولم يزل بالمدينة إلى أن توفي بها في ربيع الأول.
وفيها الحافظ جمال الدّين أبو حامد محمد بن عبد الله بن ظهيرة بن أحمد بن عبد الله بن عطية بن ظهيرة بن مرزوق بن محمد بن سليمان المخزومي المكي الشافعي [2] .
ولد سنة خمسين وسبعمائة تقريبا، وعني بالحديث، فرحل فيه إلى دمشق، وحماة، وحلب، والقدس، ومصر، وغيرها، وحصل الأجزاء، ونسخ، وكتب الكثير بخطه الدقيق الحسن، وبرع في الفقه والحديث، وأخذ عن ابن أميلة، وصلاح الدّين بن أبي عمر، وجمع من أصحاب التّقي سليمان، ومن بعدهم، وتفقه بعمه أبي الفضل النّويري، وبالبهاء السّبكي، وبالأذرعي، والبلقيني، ولزم العراقي في الحديث، وانتفع الناس به بمكة، وأشغلهم نحوا من أربعين سنة، وخرّج له غرس الدّين خليل «معجما» عن شيوخه بالسماع والإجازة في مجلدة، وشرح هو قطعة من «الحاوي» وله عدة ضوابط نظما ونثرا، وله أسئلة تدل على باع
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 156) و «الضوء اللامع» (4/ 105) و «التحفة اللطيفة» (2/ 518) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 157) و «الضوء اللامع» (8/ 83) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 67) و «العقد الثمين» (2/ 53) .(9/185)
واسع في العلم استدعى الجواب عنها من البلقيني فأجابه عنها، وهي معروفة تلقّب بالأسئلة المكّية، وحدّث بكثير من مروياته بالمسجد الحرام، وسمع منه ابن حجر، وقال: وهو أول شيخ سمعت الحديث بقراءته بمصر في [1] سنة ست وثمانين، وولي قضاء مكة، وعزل، وأعيد مرارا، وكان كثيرا العبادة والأوراد، مع السّمت الحسن والسّكون والسّلامة.
وتوفي قاضيا بمكة في شهر رمضان.
وفيها مجد الدّين أبو الطّاهر محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن عمر الفيروزآبادي. [2] اللّغوي الشافعي العلّامة.
قال السخاوي في «الضوء اللّامع» : ولد في ربيع سنة تسع وعشرين وسبعمائة بكازرون، ونشأ بها، وحفظ القرآن وهو ابن سبع، وانتقل إلى شيراز، وهو ابن ثمان، وأخذ الأدب واللغة عن والده وغيره من علماء شيراز، وانتقل إلى العراق، فدخل واسط، وأخذ عن الشّرف عبد الله بن بكتاش، وهو قاضي بغداد، ومدرّس النّظامية بها، وولي بها تداريس وتصادير، وكثرت فضائله، وظهرت، وكثر الآخذون عنه، فكان ممن أخذ عنه الصّفدي، والفهّامة ابن عقيل، والجمال الإسنوي، وابن هشام، ثم قدم القاهرة وأخذ عن علمائها، ورجال في البلاد الشرقية والشامية، ودخل الرّوم والهند، ولقي جمعا من الفضلاء، وحمل عنهم شيئا كثيرا تجمعهم [3] مشيخته تخريج الجمال بن موسى المرّاكشي، وفيه أن مروياته [4] الكتب الستة، و «سنن البيهقي» و «مسند أحمد» و «صحيح ابن حبّان» و «مصنّف ابن أبي شيبة» وغير ذلك من [5] مشايخ عديدة، وجمّ غفير، ثم دخل زبيد في
__________
[1] لفظة «في» سقطت من «آ» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 159) و «الضوء اللامع» (10/ 79) و «العقد الثمين» (2/ 392- 401) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 79) و «البدر الطالع» (2/ 280) و «بغية الوعاة» ص (117) .
[3] في «ط» : «تجمعه» .
[4] في «ط» : «مرواياته» .
[5] في «ط» : «على» .(9/186)
رمضان سنة ست وتسعين بعد وفاة قاضي الأقضية باليمن كلّه الجمال الرّيمي شارح «التنبيه» فتلقاه الأشراف إسماعيل وبالغ في إكرامه، وصرف له ألف دينار سوى ألف أخرى أمر صاحب عدن أن يجهّزه بها، واستمر مقيما في كنفه على نشر العلم، وكثر الانتفاع به، وأضيف إليه قضاء اليمن كلّه في ذي الحجّة سنة سبع وتسعين بعد ابن عجيل، فارتفق بالمقام في تهامة، وقصده الطلبة، وقرأ السلطان فمن دونه عليه، واستمرّ بزبيد مدة عشرين سنة، وهي بقية أيام الأشرف ثم ولده الناصر، وكان الأشرف قد تزوّج ابنته لمزيد جمالها، ونال منه رفعة وبرّا بحيث إنه صنّف كتابا وأهداه له على طباق فملأها له دراهم، وفي أثناء هذه المدة قدم مكة مرارا، وجاور بالمدينة والطائف، وعمل بها مآثر حسنة، وكان يجب الانتساب إلى مكة ويكتب بخطّه الملتجئ إلى حرم الله تعالى، ولم يدخل بلدا إلّا وأكرمه متوليها وبالغ في تعظيمه، مثل شاه منصور ابن شجاع صاحب تبريز، والأشرف صاحب مصر، والسلطان بايزيد خان بن عثمان متولي الرّوم، وابن أويس صاحب بغداد، وتمرلنك، وغيرهم واقتنى كتبا كثيرة، حتى نقل عنه أنه قال: اشتريت بخمسين ألف مثقال كتبا، وكان لا يسافر إلّا وفي صحبته منها أحمال ويخرجها في كل منزل وينظر فيها، لكنه كان كثير التبذير، وإذا أملق باع منها، وإذا أيسر اشترى غيرها، وصنّف كتبا كثيرة، منها «بصائر ذوي التمييز في الطائف الكتاب العزيز» مجلدان، و «تنوير المقباس في تفسير ابن عبّاس» أربع مجلدات، و «تيسير فاتحة الإهاب بتفسير فاتحة الكتاب» مجلد كبير، و «الدرّ النّظيم المشير [1] إلى فضائل [2] القرآن العظيم» و «حاصل كورة الخلاص في فضائل سورة الإخلاص» و «شرح خطبة الكشّاف» و «شوارق الأسرار العليّة في شرح مشارق الأنوار النّبوية» مجلدان، و «منح [3] الباري بالسّيل [4] الفسيح الجاري في شرح صحيح البخاري» كمّل ربع
__________
[1] في «آ» و «ط» و «الضوء اللامع» و «المرشد» وما أثبته من «العقد الثمين» .
[2] في «العقد الثمين» : «إلى مقاصد» .
[3] في «آ» و «ط» : «فتح» وهو خطأ والتصحيح من «العقد الثمين» و «كشف الظنون» (2/ 1859) .
[4] كذا في «آ» و «ط» وفي «العقد الثمين» و «كشف الظنون» : «بالسيح» والسّيح: الماء الجاري.
انظر «مختار الصحاح» (سيح) .(9/187)
العبادات منه، في عشرين مجلدا، و «الإسعاد بالإصعاد إلى درجة الاجتهاد» ثلاثة مجلدات، و «النّفخة العنبرية في مولد خير البريّة» و «الصّلات والبشر في الصّلاة على خير البشر» و «الوصل والمنى في فضل منى» و «المغانم المطابة في معالم طابة» [1] و «مهيج [2] الغرام إلى البلد الحرام» و «إثارة الحجون [3] لزيارة الحجون» عمله في ليلة، و «أحاسن اللطائف في محاسن الطائف» و «فصل الدّرة من الخرزة في فضل السّلامة على الخبزة» و «روضة الناظر في ترجمة الشيخ عبد القادر [4] » و «المرقاة الوفية في طبقات الحنفية» و «البلغة في ترجمة أئمة النّحاة واللغة [5] » و «الفضل الوفي في العدل الأشرفي» و «نزهة الأذهان في تاريخ أصبهان» مجلد، و «تعيين الغرفات للمعين على عين عرفات» و «منية السّول في دعوات الرّسول» و «التجاريح في فوائد متعلقة بأحاديث المصابيح» و «تسهيل طريق الوصول إلى» الأحاديث الزائدة على جامع الأصول» و «الأحاديث الضعيفة» [6] و «الدّر الغالي في الأحاديث العوالي» و «سفر السّعادة» و «المتفق وضعا المختلف صقعا» ، و «اللّامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب» قدّر تمامه في مائة مجلد يقرب كل مجلد منه «صحاح الجوهري» كمل منه خمس مجلدات، و «القاموس المحيط» [7] و «القابوس الوسيط» و «مقصود ذوي الألباب في علم الإعراب» مجلد، و «تحبير
__________
[1] حققه علّامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر حفظه الله، ونشرته دار اليمامة في الرياض سنة (1389 هـ-)
[2] في «آ» و «ط» : «وتهييج» والتصحيح من «العقد الثمين» و «الضوء اللامع» و «كشف الظنون» (2/ 1916) .
[3] في «آ» و «ط» : «وإثارة الشجون» والتصحيح من «العقد الثمين» و «الضوء اللامع» والحجون:
الكسلان. انظر «القاموس المحيط» (حجن) .
[4] يعني الجيلاني.
[5] حققه الأستاذ محمد المصري نفع الله به ونشرته وزارة الثقافة بدمشق سنة (1392 هـ-) ، ثم أعيد طبعه في الكويت سنة (1407) هـ- في جمعية إحياء التراث الإسلامي.
[6] قال السخاوي في «الضوء اللامع» : وهو في مجلدات.
[7] نشر عدة مرات في مصر ولبنان وغيرها آخرها الطبعة الصادرة في مجلد واحد كبير عن مؤسسة الرسالة ببيروت، وهي طبعة جيدة متقنة، جزى الله تعالى ناشرها ومن قام عليها خير الجزاء. وانظر مقالة صديقنا الدكتور يحيى مير علم التقيمية لهذه الطبعة في «المجلة المعجمية» التونسية، العدد الرابع، ص (153- 177) لعام (1408) هـ فهي مفيدة.(9/188)
الموشّين فيما يقال بالسين والشين» تتبع [1] فيه أوهام «المجمل» لابن فارس في ألف موضع، و «المثلث الكبير» في خمس مجلدات، و «الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف» [2] و «تحفة القماعيل فيمن تسمى من الناس والملائكة بإسماعيل» و «أسماء السراح في أسماء النكاح» و «الجليس الأنيس في أسماء الخندريس [3] » مجلد، و «أنواء الغيث في أسماء اللّيث» [4] و «ترقيق الأسل في تصفيق [5] العسل» كرّاسين، و «زاد المعاد في وزن بانت سعاد [6] » وشرحه في مجلد، و «النّخب الظرائف في النّكت الشّرائف» وغير ذلك من مختصر ومطول.
وقال الخزرجي في «تاريخ اليمن» : إنه لم يزل في ازدياد من علو الجاه، والمكان، ونفوذ الشّفاعات والأوامر على القضاة في الأمصار، ورام في عام تسع وتسعين الوصول إلى مكة شرّفها الله تعالى، فكتب إلى السلطان ما مثاله ومما ينهيه إلى المعلوم الشريف: ضعف العبد، ورقّة جسمه، ودقّة بنيته، وعلو سنّه، وآل أمره إلى أن صار كالمسافر الذي تحزّم وانتقل إذ وهن العظم، والرأس اشتعل، وتضعضع السنّ، وتقعقع الشنّ، فما هو إلا عظام في جراب، وبنيان قد أشرف على الخراب، وقد ناهز العشر التي تسميها العرب دقّاقة الرّقاب، وقد مرّ على المسامع الشريفة غير مرّة في «صحيح البخاري» ، في [7] قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذا بلغ المرء ستّين سنة فقد أعذر الله إليه» [8] فكيف من نيّف على السبعين وأشرف على الثمانين، ولا
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وتبع» والتصحيح من «الضوء اللامع» مصدر المؤلف.
[2] أسقط المؤلف ابن العماد اسمي كتابين من كتب الفيروزآبادي أثناء نقله عن «الضوء اللامع» هما:
«الدّرر المثبتة في الغرر المثلثة» و «بلاغ المتقين في غرائب اللعين» وفي «العقد الثمين» سمّاه:
«بلاغ التلغين في غرائب الملغين» .
[3] الخندريس: الخمر القديمة (يونانية) . انظر «المنجد في اللغة» (خند) .
[4] أسقط المؤلف ابن العماد اسم مؤلّف ابن العماد اسم مؤلّف آخر بعده أثناء نقله عن «الضوء اللامع» هو «أسماء الحمد» .
[5] في «آ» و «ط» : «في تضعيف» والتصحيح من «الضوء اللامع» وانظر «كشف الظنون» (1/ 401) .
[6] وقبله في «الضوء اللامع» من مؤلّفاته: «مزاد المزاد» .
[7] في «ط» : «من» .
[8] رواه البخاري في «صحيحه» رقم (6056) في الرقاق: باب من بلغ ستين سنة، فقد أعذر الله إليه(9/189)
يجمل بالمؤمن أن يمضي عليه أربع سنين ولا يتجدد له شوق إلى ربّ العالمين وزيارة سيّد المرسلين [1] وقد ثبت في الحديث النبوي ذلك [2] والعبد له ست سنين عن تلك المسالك، وقد غلب عليه الشوق حتّى فاق عمرو بن طوق، ومن أقصى أمنيته أن يجدّد العهد بتلك المعاهد، ويفوز مرة أخرى تلك المشاهد، وسؤاله من المراحم العلية الصّدقة عليه بتجهيزه في هذا العام قبل اشتداد الحرّ وغلبة الأوام، فإن الفصل أطيب، والرّيح أزيب، وأيضا كان من عادة الخلفاء سلفا وخلفا أنهم كانوا يبردون البريد لتبليغ سلامهم لحضرة [3] سيّد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، فاجعلني- جعلني الله فداك- ذلك البريد، فلا أتمنى شيئا سواه ولا أريد:
شوقي إلى الكعبة الغرّاء قد زادا ... فاستحمل القلص الوخّادة الزّادا
واستأذن الملك المنعام زيد على ... واستودع الله أصحابا وأولادا
فلما وصل كتابه إلى السلطان كتب على طرّته ما مثاله: إن هذا الشيء ما ينطق به لساني ولا يجري به قلمي، فقد كانت بلاد [4] اليمن عمياء، فاستنارت، فكيف يمكن أن نتقدم وأنت أعلم أن الله قد أحيا بك ما كان ميّتا من العلم، فبالله عليك إلا ما وهبتنا بقية هذا العمر، والله يا مجد الدّين يمينا بارّة إني أرى فراق الدنيا ونعيمها ولا فراقك، أنت اليمن وأهله.
__________
في العمر، بلفظ «أعذر الله إلى امرئ أخّر أجله حتى بلّغه ستين سنة» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[1] أقول: الأولى أن يقال: وزيارة مسجد سيد المرسلين (ع) .
[2] ذكره عبد الرزاق في «مصنفه» رقم (8826) في باب فضل الحج بلفظ «أربعة أعوام» وهو حديث قدسي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقد رواه ابن حبّان في «صحيحه» رقم (3703) في الحج، باب فضل الحج والعمرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: «إن عبدا صححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة، يمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليّ المحروم» وهو حديث صحيح، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/ 206) وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في «الأوسط» ورجاله رجال الصحيح.
[3] في «ط» : «إلى حضرة» .
[4] لفظة «بلاد» سقطت من «آ» .(9/190)
وقال الفاسي [1] : وله شعر كثير، ونثر أعلى [2] ، وكان كثير الاستحضار لمستحسنات [من] الشعر والحكايات، وله خطّ جيّد مع السرعة. وكان كثير [3] الحفظ، حتى قال: ما كنت أنام حتّى أحفظ مائتي سطر. وكانت له دار بمكّة على الصّفا عملها مدرسة للأشرف صاحب اليمن، وقرّر بها مدرسين وطلبة، وفعل بالمدينة كذلك، وله بمنى دور، وبالطائف بستان، وقد سارت الرّكبان بتصانيفه، سيما «القاموس» فإنه أعطي قبولا كثيرا.
قال الأديب المفلق نور الدّين علي بن محمد العفيف المكّي الشافعي [4] لما قرأ عليه «القاموس» :
مذ مدّ مجد الدّين في أيامه ... من فيض بحر علومه القاموسا
ذهبت صحاح الجوهريّ كأنّها ... سحر المدائن حين ألقى موسى
ومن شعره هو:
أحبّتنا الأماجد إن رحلتم ... ولم ترعوا لنا عهدا وإلّا
نودّعكم ونودعكم قلوبا ... لعلّ الله يجمعنا وإلّا
وقال المقري في كتاب «زهر الرّياض» [5] في أخبار عياض» : قلت: ومن أغرب ما منح الله به المجد مؤلّف «القاموس» أنه قرأ بدمشق بين باب النصر والفرج تجاه نعل النّبي [6] صلى الله عليه وسلم على ناصر الدّين أبي عبد الله محمد بن جهبل «صحيح مسلم» في ثلاثة أيام، وتبجّج بذلك فقال:
__________
[1] انظر «العقد الثمين» (2/ 397- 400) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف واختصار.
[2] جملة «ونثر أعلى» لم ترد في «العقد الثمين» الذي بين يدي ولفظة «من» التي بين الحاصرتين مستدركة منه.
[3] في «العقد الثمين» : «وكان سريع» .
[4] في «ط» : «نور الدّين بن العفيف المكّي الشافعي» وما جاء في «آ» هو الصواب، وهو مترجم في «الضوء اللامع» (5/ 279) و «السحب الوابلة» ص (303- 304) .
[5] كذا في «آ» و «ط» : «زهر الرياض» وهو خطأ والصواب: «أزهار الرياض» . انظر «كشف الظنون» (1/ 72) .
[6] أقول: نعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليس بدمشق، ولا أثره، والتبرّك بذلك المكان خلاف السّنّة (ع) .(9/191)
قرأت بحمد الله جامع مسلم ... بجوف دمشق الشّام جوف الإسلام
على ناصر الدّين الإمام بن جهبل ... بحضرة حفّاظ مشاهير أعلام
وتمّ بتوفيق الإله وفضله ... قراءة ضبط في ثلاثة أيام
فسبحان المانح الذي يؤتي فضله من يشاء، وكان يرجو وفاته بمكّة فما قدّر له ذلك، بل توفي بزبيد ليلة العشري من شوال، وهو متمتّع بحواسه، وقد ناهز التسعين.
وفيها- أو في التي قبلها، وبه جزم في المنهل الصّافي- صدر الدّين أبو الحسن علي بن محمد قاضي القضاة الدمشقي الحنفي، المعروف بابن الأدمي [1] .
ولد بدمشق سنة سبع وستين وسبعمائة، ونشأ بها، وحفظ القرآن الكريم، وطلب العلم، حتّى تفقه وبرع، وشارك في عدة فنون، ومهر في الأدب، وقال الشعر الفائق الرائق، وولي كتابة سرّ دمشق، ثم عزل، وولي قضاءها، وكان خصيصا بالأمير شيخ المحمودي نائب دمشق، وامتحن من أجله، فلما تسلطن شيخ المذكور عرف له ذلك، وولّاه قضاء قضاة الحنفية بالدّيار المصرية فلم تطل مدته، بل باشر أقل من سنة.
ومن شعره:
يا متّهمي بالسّقم كن مسعفي ... ولا تطل رفضي فإني عليل
أنت خليلي فبحقّ الهوى [2] ... كن لشجوني راحما يا خليل
ومنه:
قد نمّق العاذل يا منيتي ... كلامه بالزّور عند الملام
__________
[1] ترجمته في «المنهل الصافي» (1/ 481) و «النجوم الزاهرة» (14/ 143) و «الضوء اللامع» (6/ 8- 9) .
[2] أقول: لا يحلف بحق الهوى ولا بغيره، بل بالله تعالى فقط. (ع) .(9/192)
وما درى جهلا بأنّي فتى ... لم يرع سمعي عاجلا فيك لام
ومنه قصيدته الرائية المشهورة [1] التي مطلعها [1] :
عدمت غداة البين قلبي وناظري ... فيا مقلتي حاكي السّحاب وناظري
وتوفي ليلة السبت ثامن شهر رمضان.
__________
[1، 1] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .(9/193)
سنة ثمان عشرة وثمانمائة
فيها كان بمصر طاعون وغلاء عظيمان.
وفي أولها كانت كائنة الشيخ سليم- بفتح السين- وذلك أنه كان بالجيزة بالجانب الغربي من النّيل كنيسة للنصاري، فقيل إنهم جدّدوا فيها شيئا كثيرا، فتوجه الشيخ سليم من الجامع الأزهر ومعه جماعة فهدموها، فاستعان النصارى بأهل الدّيوان من القبط، فسعوا عند السلطان بأن هذا الشيخ افتأت على المملكة وفعل ما أراد بيده بغير حكم حاكم، فاستدعى بالمذكور فأهين، فاشتدّ ألم المسلمين لذلك، ثم توصّل النصارى ببعض قضاة السوء إلى أن أذن لهم في إعادة ما تهدّم، فجر ذلك إلى أن شيّدوا ما شاءوا بعلّة إعادة المنهدم [1] الأول، فلله الأمر [2] .
وفيها كانت كائنة شمس الدّين ابن عطاء الله الرّازي، المعروف بالهروي [3] الذي شاع عنه أنه يحفظ اثني عشر ألف حديث، وأنه يحفظ «صحيح مسلم» بأسانيده، ويحفظ متون البخاري، فجرت مناظرة بينه وبين ابن حجر بحضرة الملك المؤيد، وظهر زيفه [4] ومن جملتها أنه سأله أن يزيد على السبعة الذين يظلهم الله في ظله، فعجز فزاد ابن حجر سبعة أخرى بأحاديث حسان، وأربعة عشر بأحاديث ضعاف، وذكر ذلك في «إنباء الغمر» [5] فراجعه.
__________
[1] في «ط» : «المتهدم» .
[2] انظر الخبر في «إنباء الغمر» (7/ 191- 192) .
[3] سترد ترجمته في وفيات سنة (829 هـ-) .
[4] في «آ» : «زيغه» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (7/ 171) .(9/194)
قلت: أوصلهم بعضهم إلى تسع وثمانين، وممن أوصلهم إلى هذا المقدار العلّامة ابن علّان المكّي المدرك في كتابه «شرح رياض الصالحين» [1] للنووي.
وفيها توفي أيوب بن سعد بن علوي الحسباني الشّاغوري الدمشقي الشافعي [2] .
ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وحفظ «التنبيه» وعرض على ابن جملة [3] وطبقته، وأخذ عن العماد الحسباني وذويه، ثم فتر عن الطلب، واعتذر بأنه لم يحصل له نيّة خالصة، وكان ذا أوراد، من تلاوة، وقيام، وقناعة، واقتصاد في الحال، وفراغ عن الرئاسة مع سلامة الباطن.
توفي في صفر.
وفيها خلف بن أبي بكر النّحريري المالكي [4] . أخذ عن الشيخ خليل في شرح ابن الحاجب، وبرع في الفقه، وناب في الحكم، وأفتى ودرّس، ثم توجه إلى المدينة المنورة، فجاور بها معتنيا بالتدريس، والإفادة، والانجماع، والعبادة، إلى أن مات بها في صفر عن ستين سنة.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن أبي عبد الله الدّمشقي الفرخاوي [5]- نسبة إلى فرخا، بفاء وخاء معجمة مفتوحتين، بينهما راء ساكنة، قرية من عمل نابلس-، قال ابن حجر: عني بالفقه، والعربية، والحديث، ودرّس وأفاد، وكان قد أخذ عن العنّابي، فمهر في النحو، وكان يعتني ب «صحيح مسلم» ويكتب منه نسخا، وقد سمع من جماعة من شيوخنا بدمشق.
ومات في عمل الرّملة.
__________
[1] قلت: واسم كتابه «دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين» وهو مطبوع متداول.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 195) و «الضوء اللامع» (2/ 331) .
[3] تقدمت ترجمته في المجلد الثامن ص (347) ضمن وفيات سنة (764) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 196) و «التحفة اللطيفة» (2/ 19) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 199) و «الضوء اللامع» (5/ 69) .(9/195)
وفيها موفق الدّين علي بن أحمد بن علي بن سالم الزّبيدي الشافعي [1] .
أصله من مكّة. ولد بها سنة سبع وأربعين وسبعمائة، وعني بالعلم، فبرع في الفقه والعربية، ورحل إلى مصر والشام، وأخذ عن جماعة، ثم رجع إلى مكّة، وتحوّل إلى زبيد فمات بها في ذي القعدة.
وفيها أبو الحسن علاء الدّين بن محمد بن العفيف النّابلسي الحنبلي [2] .
ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وولي قضاء نابلس.
قال العليمي في «طبقاته» : كان من أئمة الحديث، وهو من مشايخ شيخنا شيخ الإسلام [3] تقي الدّين [3] القرقشندي.
وتوفي بنابلس. انتهى.
وفيها عزّ الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن جمعة بن مسلم الدمشقي الحنفي الصّالحي، المعروف بابن خضر [4] .
ولد سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، واشتغل، ومهر، وأذن له في الإفتاء، وناب في الحكم، وصار المنظور إليه في أهل مذهبه بالشام.
وتوفي في شوال.
وفيها شمس الدّين محمد بن جلال بن أحمد بن يوسف التركماني الأصل التّبّاني- بالمثناة الفوقية وتشديد الموحدة نسبة إلى بيع التبن- الحنفي [5] .
ولد في حدود السبعين وسبعمائة، وأخذ عن أبيه وغيره، ومهر في العربية والمعانيّ، وأفاد ودرّس، ثم اتصل بالملك المؤيد، وهو حينئذ نائب الشام، فقرّره
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 200) و «الضوء اللامع» (5/ 183) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» و «المنهج الأحمد» الورقة (481) من القسم المخطوط منه.
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 201) و «الضوء اللامع» (7/ 60- 61) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 201) و «الضوء اللامع» (7/ 213) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 568) .(9/196)
في نظر الجامع الأموي وفي عدة وظائف، وباشر مباشرة غير مرضية، ثم ظفر به النّاصر فأهانه وصادره، فباع ثيابه واستعطى باليد [1] وأحضره [2] إلى القاهرة، ثم أفرج عنه، فلما قدم المؤيد القاهرة عظم قدره، ونزل له القاضي جلال الدّين البلقيني عن درس التفسير بالجمالية، واستقرّ في قضاء العسكر، ثم رحل مع السلطان في سفرته إلى نوروز، فاستقرّ قاضي الحنفية بالشام فباشره مباشرة لا بأس بها، ولم يكن يتعاطى شيئا من الأحكام بنفسه بل له نوّاب يفصلون القضايا بالنّوبة على بابه.
وتوفي بدمشق في تاسع عشري رمضان.
وفيها نجم بن عبد الله القابوني [3] أحد الفقراء الصّالحين.
انقطع بالقابون ظاهر دمشق مدة، وكان صحب جماعة من الصالحين، وكان ذا اجتهاد وعبادة، وتحكى عنه كرامة، وللناس فيه اعتقاد.
وتوفي في صفر.
__________
[1] في «ط» : «بالسيد» وهو خطأ.
[2] في «ط» : «فأحضره» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 203) و «الضوء اللامع» (10/ 197) .(9/197)
سنة تسع عشرة وثمانمائة
استهلت والغلاء والطّاعون باقيين زائدين بمصر وطرابلس، حتى قيل مات بطرابلس في عشرة أيام عشرة آلاف نفس، وتواتر انتشار الطّاعون في البلاد، حتّى قيل إن أهل أصبهان لم يبق منهم إلّا النّادر، وأن أهل فاس أحصوا من مات منهم في شهر واحد فكانوا ستة وثلاثين ألفا، حتى كادت البلدان تخلو من أهلها [1] .
وفيها أمر السلطان الخطباء إذا وصلوا إلى الدّعاء له في الخطبة أن يهبطوا من المنبر درجة أدبا ليكون اسم الله ورسوله في مكان أعلى من المكان الذي يذكر فيه السلطان، فصنع ذلك واستمرّ.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن قاضي المالكية بمكّة تقي الدّين علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن السيد الشريف الحسني الفاسي [2] محتدا المكي مولدا ومنشأ ووفاة، المالكي مذهبا، والد الحافظ المؤرخ تقي الدّين الفاسي.
قال ولده المذكور في «تاريخه» : ولد والدي في الثاني والعشرين من ربيع الأول سنة أربع وخمسين وسبعمائة بمكّة، وسمع بها على قاضيها شهاب الدّين الطّبري تساعيّات جدّه الرّضي الطّبري، وتفرّد بها عنه، وعلى الشيخ خليل المالكي «صحيح مسلم» خلا المجلد الرابع من تجزئة أربعة، وسمعه بكماله على
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (7/ 206) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 229) و «الضوء اللامع» (2/ 35) و «العقد الثمين» (3/ 109) و «نيل الابتهاج» ص (76) على هامش «الدّيباج المذهب» .(9/198)
الشيخ عبد الله بن أسعد اليافعي، وعلى القاضي عزّ الدّين بن جماعة «الأربعين التساعية» له، ومنسكه الكبير، وغير ذلك، وعلى القاضي موفق الدّين الحنبلي قاضي الحنابلة بمصر، وسمع بالقاهرة من قاضيها أبي البقاء السّبكي «صحيح البخاري» ومن غيره، وسمع بحلب، وأجاز له جماعة من أصحاب ابن البخاري وطبقته وغيرهم، وحفظ كتبا علمية في صغره، واشتغل في الفقه، والمعاني، والبيان، والعربية، والأدب، وغير ذلك، وكان ذا فضل ومعرفة تامّة بالأحكام والوثائق، وله نظم كثير ونثر، ويقع له في ذلك أشياء حسنة، إلى أن قال: وتوفي بأثر صلاة الصبح من يوم الجمعة الحادي والعشرين من شوال بمكّة ودفن بالمعلاة.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن نشوان بن محمد بن نشوان بن محمد بن أحمد الحوراني [1] ثم الدمشقي الشافعي [2] .
ولد سنة سبع وخمسين وسبعمائة، وقدم دمشق من بلده، وقرأ القرآن، ثم أقرأ ولدي الشيخ شهاب الدّين الزّهري، واشتغل في العلم معهما وبسببهما على الشيخ شهاب الدّين ولازمه كثيرا، وحضر عند مشايخ العصر، إلى أن تنبّه، وفضل، ومهر، واشتهر بالفضل، وناب في الحكم بدمشق، وأفتى ودرّس، ولازم الجامع للاشغال [3] ، وانتفع به الطلبة، وقصد بالفتاوى، وكان يكتب عليها كتابة حسنة، ودرّس في آخر عمره بالعذراوية، وكان عاقلا، ذكيا، يتكلم في العلم بتؤدة وسكون، وعنده إنصاف، وله محاضرة حسنة، ونظم رائق، منه قوله:
وا خجلتي وفضيحتي في موقف ... صعب المسالك والخلائق تعرض
وتوقّعي لمهدّد لي قائل ... أصحيفة سودا وشعرك أبيض
__________
[1] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «الحوراني» ، وفي «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة و «الدارس في تاريخ المدارس» : «الحوّاري» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 230) و «الضوء اللامع» (2/ 210) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 18- 19) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 320) .
[3] في «آ» : «للاشتغال» .(9/199)
وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة، ووهم من أرخه سنة تسع [1] .
وفيها ظهيرة بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة القرشي المخزومي المكّي [2] .
ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وسمع بمكّة من العزّ بن جماعة وغيره، وأجاز له من شيوخ مصر الجزائري، وأبو الحرم القابسي، وجماعة، وروى عن القلانسي «جزء الغطريف» بسماعه له من ابن خطيب المزّة، وأخذ عنه حافظ العصر ابن حجر «جزء الغطريف» لغرابة اسمه.
وتوفي بمكّة ليلة الخميس العاشر من صفر [3] .
وفيها عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي [4] .
قال ابن حجر: من بيت كبير، ولد في ذي الحجّة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وسمع من عبد الرحمن بن إبراهيم بن علي بن بقاء الملقّن، وأحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي وغيرهما، وحدّث، ومات بالصّالحية. انتهى.
وفيها زين الدّين أبو هريرة عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبد الواحد بن يوسف بن عبد الرحيم الدّكّالي [5] بفتح الدال المهملة، والكاف المشددة، وباللام نسبة إلى دكّالة بلد بالمغرب [6]- ثم المصري الشافعي ابن النقّاش.
قال ابن حجر: ولد في [7] رابع عشر ذي الحجّة سنة سبع وأربعين وسبعمائة
__________
[1] يعني سنة (809) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 231) و «العقد الثمين» (5/ 77- 78) و «الضوء اللامع» (4/ 15) .
[3] في «ط» : «عاشر صفر» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 232) و «الضوء اللامع» (4/ 82) و «السحب الوابلة» ص (205) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 232) و «الضوء اللامع» (4/ 140) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 31- 32) .
[6] انظر «معجم البلدان» (2/ 459) .
[7] لفظة «في» سقطت من «ط» .(9/200)
بالقاهرة، واشتغل بالعلم، ودرّس بعد وفاة أبيه وله بضع عشرة سنة، وسمع من محمد بن إسماعيل الأيوبي، والقلانسي وغيرهما، واشتهر بصدق اللهجة، وجودة الرأي، وحسن التذكير، والأمر بالمعروف، مع الصّرامة والصّدع بالوعظ في خطبه وقصصه، وصارت له وجاهة عند الخاصة والعامة، وانتزع خطابة جامع ابن طولون من ابن بهاء الدّين السّبكي، فاستمرت بيده، وكان مقتصدا في ملبسه مفضالا على المساكين، كثير الإقامة في منزله مقبلا على شأنه، عارفا بأمر دينه ودنياه، يتكسب من الزراعة وغيرها، ويبرّ أصحابه مع المحبة التّامة في الحديث وأهله، وله حكايات مع أهل الظّلم، وامتحن مرارا، ولكن ينجو سريعا بعون الله، وقد حجّ مرارا وجاور، وكانت بيننا مودة تامة.
مات ليلة الحادي عشر من ذي الحجّة ودفن عند باب القرافة، وكان الجمع في جنازته حافلا جدا، فرحمه الله تعالى. انتهى.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن يوسف الكردي الدمشقي الشافعي [1] .
حفظ «التنبيه» في صباه، وقرأ على الشّرف بن الشّريشي، ثم تعانى عمل المواعيد فنفق سوقه فيها، واستمر على ذلك أكثر من أربعين سنة، وصار على ذهنه من التفسير والحديث وأسماء الرجال شيء كثير، وكان رائجا عند العامة مع الدّيانة وكثرة التّلاوة، وكان ولي قضاء بعلبك، ثم طرابلس، ثم ترك واقتصر على عمل المواعيد بدمشق، وقدم مصر وجرت له محنة مع القاضي جلال الدّين البلقيني، ثم رضي عنه وألبسة ثوبا من ملابسه، واعتذر إليه ورجع إلى بلده، وكان يعاب بأنه قليل البضاعة في الفقه، ومع ذلك لا يسأل عن شيء إلّا بادر بالجواب، ولم يزل بينه وبين الفقهاء منافرات.
قال ابن حجر: ويقال: إنه يرى حلّ المتعة على طريقة ابن القيم وذويه.
ومات مطعونا في ربيع الآخر وهو في عشر السبعين.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 233) و «الضوء اللامع» (4/ 110) .(9/201)
وفيها أمين الدّين عبد الوهاب بن محمد بن أحمد بن أبي بكر الحنفي الطّرابلسي [1] .
نزيل القاهرة القاضي ابن القاضي.
ولد سنة أربع وسبعين وسبعمائة، واشتغل في حياة أبيه، وولي القضاء استقلالا بعد موت الملطي فباشره بعفّة ومهابة، وكان مشكور السيرة إلا أنه كان كثير التعصب لمذهبه مع إظهار محبته [2] للآثار عار من أكثر الفنون إلّا استحضار شيء يسير من الفقه.
توفي بالطّاعون في خامس عشري ربيع الأول.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن عيسى الفهري البسطي [3] .
اشتغل ببلاده، ثم حجّ، ودخل الشام، ونزل بحلب على قاضيها الجمال النّحريري، واقرأ بحلب «التسهيل» وعمل المواعيد، وكان يذكر في المجلس بنحو سبعمائة سطر يرتّبها أولا ثم يلقيها ويطرّزها بفوائد ومجانسات، ثم رحل إلى الرّوم، وعظم قدره ببرصا [4] ، وكان فاضلا ذكيا أديبا يعمل المواعيد بالجامع، ثم دخل الرّوم فسكنها، وحصل له ثروة، ثم دخل القرم، وكثر ماله، واستمر هناك إلى أن مات.
وفيها شمس الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة بن محمد بن ناصر الحسيني الدمشقي [5] الشافعي المحدّث الشهير.
مات أبوه سنة خمس وستين وسبعمائة وهو صغير، فحفظ القرآن و «التنبيه» ، وقرأ على ابن السلّار، وابن اللّبان، ومهر في ذلك، حتّى صار شيخ الإقراء بالقرمية، وكتب الخطّ المنسوب، وجلس مع الشهود مدة، ووقّع، وكان عين البلد
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 235) و «الضوء اللامع» (5/ 106) .
[2] في «آ» : «محبة» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 236) و «الضوء اللامع» (5/ 273) .
[4] التي تعرف الآن ب (بورصة) وهي في الشمال الغربي لتركيا المعاصرة.
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 237) و «الضوء اللامع» (5/ 32) .(9/202)
في ذلك، وكان مشكورا في ذلك، وولي نقابة الأشراف مدة يسيرة، وولي نظر الأوصياء أيضا، ومات في شوال.
وفيها جلال الدّين غانم بن محمد بن محمد بن يحيى بن سالم الخشبي- بمعجمتين مفتوحتين ثم موحدة- المدني الحنفي [1] .
ولد سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وسمع من ابن أميلة وغيره بدمشق، وسمع منه ابن حجر، وكان نبيها في العلم، ثم خمل، وانقطع بالقاهرة، وتوفي بالطّاعون.
وفيها محمد بن أحمد بن أبي البيريّ ابن الحدّاد الشافعي [2] . أخذ عن أبي جعفر، وأبي عبد الله الأندلسيّين، وتمهّر في العربية، وحفظ «المنهاج» وكان يستحضر أشياء حسنة، وحدّث عن شرف الدّين ابن قاضي الجبل وغيره، وتوفي بالبيرة [3] .
وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التّونسي المالكي المعروف بالوانّوغيّ [4]- بتشديد النون المضمومة، وسكون الواو، بعدها معجمة-.
قال السيوطي: ولد بتونس سنة تسع وخمسين وسبعمائة، ونشأ بها، وسمع من مسندها أبي الحسن بن أبي العبّاس البواني خاتمة أصحاب ابن الزّبير بالإجازة، وسمع أيضا من ابن عرفة، وأخذ عنه الفقه، والتفسير، والأصلين، والمنطق، وعن الولي بن خلدون الحساب، والهندسة، والأصلين، والمنطق، والنحو عن أبي العبّاس البصّار، وكان شديد الذكاء، سريع الفهم، حسن الأداء للتدريس والفتوى، وإذا رأى شيئا وعاه وقرّره وإن لم يعتن به، وله تآليف على
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 238) و «الضوء اللامع» (6/ 159) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 238) و «الضوء اللامع» (7/ 197) .
[3] في «ط» : «في البيرة» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 239) و «الضوء اللامع» (7/ 3) و «العقد الثمين» (1/ 308) و «بغية الوعاة» (1/ 31- 32) .(9/203)
قاعدة ابن عبد السّلام، وعشرون سؤالا في فنون من العلم تشهد بفضله بعث بها إلى القاضي جلال الدّين البلقيني، وقد وقفت على الأسئلة وجوابها ولم أقف على الردّ، وكان يعاب عليه إطلاق لسانه في العلماء ومراعاة السائلين في الإفتاء، وأجاز لغير واحد من شيوخنا المكيين [1] .
ومات بمكة المشرّفة سحر يوم الجمعة تاشع عشري [2] ربيع الآخر.
وفيها محمد بن أيوب بن سعيد بن علوي الحسباني الأصل الدمشقي الشافعي [3] .
ولد سنة بضع وسبعين وسبعمائة، واشتغل، وحفظ «المنهاج الفقهي» و «المحرّر» لابن عبد الهادي، وغيرهما، وأخذ عن الزّهري، والشّريشي، والصّرخدي، وغيرهم، ولازم الملكاوي، ومهر في الفقه والحديث، وجلس للاشتغال [4] بالجامع والنّفع إلى الطلبة، وكان قليل الغيبة والحسد، بل حلف أنه ما حسد أحدا.
توفي مطعونا في ربيع الآخر.
وفيها عزّ الدّين محمد بن شرف الدّين أبي بكر بن عزّ الدّين عبد العزيز بن بدر الدّين محمد بن برهان الدّين إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة الشافعي [5] .
ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة بمدينة ينبع.
قال السيوطي في ترجمته العلّامة المفنّن، المتكلّم الجدلي النّظّار النّحوي
__________
[1] في «ط» : «المكين» وهو خطأ.
[2] في «بغية الوعاة» : «تاسع عشر» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 240) و «الضوء اللامع» (7/ 148) .
[4] كذا في «ط» و «إنباء الغمر» : «للاشتغال» وفي «آ» : «للاشتغال» .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 240) و «الضوء اللامع» (7/ 171- 174) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 60) و «بغية الوعاة» (1/ 63- 66) .(9/204)
اللّغوي البياني الخلافي، أستاذ الزّمان، وفخر الأوان، الجامع لأشتات جميع العلوم.
وقال ابن حجر: سمع من القلانسي، والعرضي، وغيرهما، وحفظ القرآن في شهر واحد كل يوم حزبين، واشتغل بالعلوم على كبر، وأخذ عن السّراج الهندي، والضّياء القرمي، والمحبّ ناظر الجيش، والرّكن القرمي، والعلاء السّيرامي، وجار الله، والخطابي، وابن خلدون، والحلاوي، والتاج السّبكي وأخيه البهاء، والسراج البلقيني، والعلاء بن صفير الطبيب، وغيرهم، وأتقن العلوم، وصار بحيث يقضى له في كل فنّ بالجميع، حتى صار المشار إليه بالدّيار المصرية في الفنون العقلية، والمفاخر به علماء العجم في كل فنّ، والمعوّل عليه، وأقرأ، وتخرّج به طبقات من الخلق، وكان أعجوبة زمانه في التقرير، وليس له في التأليف حظ، مع كثرة مؤلفاته حتى التي [1] جاوزت الألف، فإن له على كل كتاب أقرأه التأليف والتأليفين والثلاثة وأكثر، ما بين شرح مطول ومتوسط ومختصر، وحواش ونكت، إلى غير ذلك، وكان قد سمع الحديث على جدّه، والبايني، والقلانسي، وغيرهم، وأجاز له أهل عصره مصرا وشاما، وكان ينظم شعرا عجيبا غالبه بلا وزن، وكان منجمعا عن بني الدّنيا، تاركا للتعرض للمناسب، بارّا بأصحابه، مبالغا في إكرامهم، يأتي مواضع النّزه، ويحضر حلق المنافقين [2] وغيرهم، ويمشي بين العوام، ولم يحجّ، ولم يتزوج، وكان لا يحدّث إلّا متوضئا ولا يترك أحدا يستغيب عنده مع محبته المزاح والمفاكهة واستحسان النادرة، وكان يعرف علوما عديدة، منها الفقه، والتفسير، والحديث، والأصلين [3] ، والجدل، والخلاف، والنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والبديع، والمنطق، والهيئة، والحكمة، والزّيج، والطبّ، والفروسية، والرّمح، والنّشاب، والدّبوس، والثقاف، والرّمل، وصناعة النفط، والكيمياء، وفنون أخر.
وعنه أنه قال: أعرف ثلاثين علما لا يعرف أهل عصري أسماءها.
__________
[1] في «ط» : «حتى» .
[2] تصفحت في «ط» إلى «المنافقين» .
[3] في «ط» : «والأصلان» .(9/205)
وقال في رسالته «ضوء الشمس» : سبب ما فتح به عليّ من العلوم منام رأيته.
وقال السيوطي: وقد علّقت أسماء مصنّفاته في نحو كرّاسين، ومن عيونها في الأصول «شرح جمع الجوامع مع [1] نكت عليه» و «ثلاث نكت على مختصر ابن الحاجب» و «حاشية على شرح البيضاوي للإسنوي» و «حاشية على المغني» و «ثلاثة شروح على القواعد الكبرى» و «ثلاث نكت عليها» و «ثلاث شروح على القواعد الصّغرى» و «ثلاث نكت عليها» و «إعانة الإنسان على أحكام اللّسان» و «حاشية على الألفية» و «حاشية على شرح الشافية للجار بردي» وغير ذلك.
وأخذ عنه جمع، منهم: الكمال بن الهمام، وابن قزيل، والمشس القاياتي، والمحبّ بن الأقصرائي، وابن حجر، وقال: لازمته من سنة تسعين [2] إلى أن مات، وكنت لا أسميه في غيبته إلّا إمام الأئمة، وقد أقبل في الأخير على النظر في كتب الحديث، وكان ينهى أصحابه عن دخول الحمّام أيّام الطّاعون، فقدّر أن الطّاعون ارتفع أو كاد، فدخل هو الحمّام وخرج فطعن عن قرب، ومات.
وقال العلّامة البقاعي: حدّثني الشيخ محبّ الدّين الأقصرائي- وكان ممن لازم الشيخ عزّ الدّين- أنه رأى رجلا تكروريا اسمه الشيخ عثمان ما غفا- بالغين المعجمة والفاء- وردّ إلى القاهرة، وله عشرة بنين، رجال أتى بهم إلى الشيخ عزّ الدّين للاستفادة، فقرأ عليه كتابا، فكان إذا قرّر له مسألة ففهمها [3] وقف ودار ثلاث دورات على هيئة الراقص، ثم انحنى للشيخ على هيئة الراكع [4] ، وجلس، فإذا جلس قام بنوه العشرة ففعلوا مثل فعله.
وقال ابن حجر: وكان يعاب الشيخ عزّ الدّين بالتزيّي بزيّ العجم من طول الشارب [5] وعدم السّواك حتّى سقطت أسنانه.
__________
[1] لفظة «مع» سقطت من «بغية الوعاة» فلتستدرك.
[2] يعني وسبعمائة.
[3] لفظة «ففهمها» سقطت من «ط» .
[4] أقول: لا يجوز الانحناء على هيئة الراكع لأحد من البشر. (ع) .
[5] في «الشوارب» .(9/206)
وتوفي في عشري ربيع الآخر، واشتد أسف الناس عليه، ولم يخلّف بعده مثله.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد المشهدي بن القطّان [1] .
قال ابن حجر: أخذ عن الشيخ ولي الدّين الملوي ونحوه، واعتنى بالعلوم العقلية، واشتغل كثيرا حتّى تنبه، وكان يدري الطبّ ولكن ليست له معرفة بالعلاج. سمعت من فوائده.
ومات في الطّاعون عن نحو ستين سنة. انتهى.
وفيها محمد بن علي بن معبد القدسي المالكي، المعروف بالمدني [2] .
ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة، واشتغل قليلا، وأخذ عن جمال الدّين بن خير ولازمه، وسمع الحديث من محيى الدّين بن عبد القادر الحنفي، وحدّث، ثم ولي تدريس الحديث بالشيخونية فباشره، مع قلّة علمه به مدة، ثم نزل عنه، ثم ولي القضاء في الأيام الناصرية، ثم صرف وأعيد مرارا، وكان مشكورا في أحكامه، ووقعت له كائنة صعبة مع شريف حكم بقتله فأنكر عليه ذلك أهل مذهبه، ولم يكن بالماهر في مذهبه.
وتوفي في عاشر ربيع الأول.
وفيها ناصر الدّين محمد بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن أبي جرادة العقيلي الحلبي، نزيل القاهرة ابن العديم الحنفي [3] .
ولد سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة بحلب، وأسمع على عمر بن ايدغمش مسند حلب، وعلى غيره، وقدم القاهرة مع أبيه وهو شاب فشغله في عدة فنون على عدة مشايخ، وقرأ بنفسه على العراقي قليلا من منظومته، وكان يتوقّد ذكاء،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 244) و «الضوء اللامع» (8/ 217) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 244- 245) و «الضوء اللامع» (8/ 220) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 245) و «الضوء اللامع» (8/ 235) وقد تقدمت ترجمته في «آ» إلى ما قبل ترجمة «المشهدي» وأبقيتها كما جاءت في «ط» .(9/207)
مع هوج ومحبّة في المزاح والفكاهة، إلى أن مات أبوه، وأوصاه أن لا يترك منصب القضاء ولو ذهب فيه جميع ما خلّفه، فقبل الوصية، ورشا على الحكم إلى أن وليه، ثم صار يرشي أهل الدولة بأوقاف الحنفية بأن يؤجّرها لمن يخطر منه ببال بأبخس أجرة ليكون عونا له على مقاصده، إلى أن كاد يخرّبها، ولو دام قليلا لخربت كلّها، وصار في ولايته القضاء كثير الوقيعة في العلماء، قليل المبالاة بأمر الدّين، كثير التّظاهر بالمعاصي ولا سيما الرّبا، سيء المعاملة جدا، أحمق أهوج، متهوّرا، وقد امتحن وصودر، وهو مع ذلك قاضي الحنفية، ثم قام في موجب قتل الناصر قياما بالغا ولم ينفعه ذلك، لأنه ظنّ أن ذلك يبقيه في المنصب، فعزل عن قرب، ثم لما وقع الطّاعن في هذه السنة ذعر منه ذعرا شديدا، وصار دأبه أن يستوصف ما يدفعه ويستكثر من ذلك أدوية وأدعية ورقى، ثم تمارض لئلا يشاهد ميّتا ولا يدعى إلى جنازة لشدة خوفه من الموت، فقدّر الله أنه سلم من الطّاعون وابتلي بالقولنج الصّفراوي، فتسلسل به الأمر إلى أن اشتد به الخطب، فأوصى، ثم مات في ليلة السبت تاسع ربيع الآخر. قاله ابن حجر.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن عبد الله بن مؤذّن الزنجبيلية الحنفي [1] .
اشتغل وهو صغير، فحفظ «مجمع البحرين» و «الألفية» وغيرهما، وأخذ الفقه عن البدري المقدسي، وابن الرّضي، ومهر في الفرائض، وأخذها عن الشيخ محبّ الدّين، واحتاج الناس إليه فيها، وجلس للاشتغال بالجامع الأموي، وكان خيّرا، ديّنا.
وتوفي في شوال.
وفيها نجم الدّين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد [2] بن محمد [2] بن عبد الدائم الباهي الحنبلي [3] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 247) و «الضوء اللامع» (9/ 129) .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 247) و «الضوء اللامع» (9/ 129) و «الحسب الوابلة» ص (445) .(9/208)
برع في الفنون، وتقرّر مدرسا للحنابلة في مدرسة جمال الدّين برحبة باب العيد، وكان عاقلا، صيّنا، التأدّب.
توفي في [1] ليلة الجمعة رابع عشري ربيع الأول بالطّاعون عن بضع وثلاثين سنة.
وفيها قطب الدّين محمد الأبرقوهي [2] .
أحد الفضلاء ممن قدم القاهرة في رمضان سنة ثماني عشرة، فأقرأ «الكشاف» و «العضد» وانتفع به الطلبة.
ومات في آخر صفر مطعونا.
وفيها مساعد بن ساري بن مسعود بن عبد الرحمن الهوّاري المصري [3] ، نزيل دمشق، الشافعي.
ولد سنة بضع وثلاثين وسبعمائة، وطلب بعد أن كبر، فقرأ على الشيخ صلاح الدّين العلائي، والولي المنفلوطي، والبهاء بن عقيل، والإسنوي وغيرهم، ومهر في الفرائض، والميقات، وكتب بخطه الكثير لنفسه ولغيره، ثم سكن دمشق، وانقطع بقرية عقربا، وكان الرؤساء يزورونه، وهو لا يدخل البلد، مع أنه لا يقصده أحد إلّا أضافه وتواضع معه، وكان متديّنا، متقشّفا، سليم الباطن، حسن الملبس، مستحضرا لكثير من الفوائد وتراجم الشيوخ الذين لقيهم، وله كتاب سمّاه «بدر الفلاح في أذكار المساء والصباح» .
وتوفي بقرية عقربا شهيدا بالطّاعون، وكان ذميم الشّكل جدا، رحمه الله.
وفيها همام الدّين، همام بن أحمد الخوارزمي الشافعي [4] .
اشتغل في بلاده، ثم جاء إلى حلب قبل اللّنكية، فأنزله القاضي شرف الدّين
__________
[1] لفظة «في» لم ترد في «ط» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 248) و «الضوء اللامع» (10/ 114) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 248) و «الضوء اللامع» (10/ 155) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 250) و «الضوء اللامع» (7/ 128) وفيه: «محمد بن أحمد» .(9/209)
في دار الحديث البهائية، ثم قدم القاهرة في الدولة الناصرية وحصل له بها حظ عظيم [1] وجاه كبير، وسماع كلمة، وأقبل عليه الطلبة لأجل الجاه، وأقرأ «الحاوي» و «الكشّاف» ثم طال الأمر، فاقتصر على «الكشّاف» وكان ماهرا في إقرائه إلّا أنه بطيء العبارة جدا بحيث يمضئ قدر درجة حتى ينطق بقدر عشر كلمات، وكانت مشاركة في العلوم العقلية مع اطراح التكلّف، وكان يمشي في السّوق، ويتفرج في الحلق في بركة الرطلي وغيرها، وكانت له ابنة ماتت أمّها فصار يلبسها بزيّ الصّبيان ويحلق شعرها. ويسمّيها سيدي علي، وتمشي معه في الأسواق، إلى أن راهقت، وهي التي تزوجها الهروي فحجبها بعد ذلك.
وتوفي في العشر الأخير من ربيع الأول وقد جاوز السبعين. قاله ابن حجر.
وفيها صلاح الدّين يوسف [بن أحمد بن غازي] ابن أخي الملك العادل سليمان [2] .
قال البرهان البقاعي: كان إماما، عالما، صالحا، ذكيا جدا، زاهدا، حتى قال شيخنا: ما رأيت مثله، وكان قد عرفت نفسه عن الدّنيا فتركها، ورحل إلى القاهرة لقصد الاشتغال بالعلم، ثم التوجه إلى بعض الثّغور للجهاد، فاخترمته المنية في الطّاعون.
وفيها يوسف بن عبد الله المارديني الحنفي [3] .
قدم القاهرة، ووعظ الناس بالجامع الأزهر، وحصّل كثيرا من الكتب، مع لين الجانب والتواضع والخير والاستحضار لكثير من التفسير والمواعظ.
توفي بالطّاعون وقد جاوز الخمسين، وخلّف تركة جيدة [4] ورثها أخوه أبو بكر، ومات بعده بقليل.
__________
[1] لفظة «عظيم» لم ترد في «ط» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 293) وما بين الحاصرتين زيادة منه، و «الأعلام» (8/ 215) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 251) و «الضوء اللامع» (10/ 319) .
[4] كذا في «ط» و «إنباء الغمر» : «جيدة» وفي «آ» : «جليلة» .(9/210)
سنة عشرين وثمانمائة
فيها قتل الشيخ نسيم الدّين التّبريزي [1] ، نزيل حلب، وهو شيخ الحروفية [2] .
سكن حلب، وكثر أتباعه، ونشأت بدعته، وشاعت، فآل أمره إلى أن أمر السلطان بقتله، فضربت عنقه، وسلخ جلده، وصلب.
وفيها- كما قال ابن حجر- وضعت جاموسة ببلبيس [3] مولودا برأسين وعينين وأربع أيد وسلسلتي ظهر، ودبر واحد، ورجلين اثنتين لا غير، وفرج واحد أنثى، والذنب مفروق باثنين، فكانت من بديع صنع الله تعالى.
وفي أواخرها مالت المئذنة التي بنيت على البرج الشمالي بباب زويلة بمصر من جامع المؤيد، وكادت تسقط، واشتد خوف الناس منها، وتحولوا من حواليها، فأمر السلطان بنقضها فنقضت بالرّفق إلى أن أمنوا شرّها، وعامل السلطان من ولي بناءها بالحلم، وكان ناظر العمارة ابن البرجي، فقال تقي الدّين بن حجّة في ذلك:
على البرج من بابي زويلة أنشئت ... منارة بيت الله والمعبد المنجي
فأخنى بها البرج الخبيث أمالها ... ألا صرّحوا يا قوم باللعن للبرجي
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (7/ 269- 270) .
[2] الحروفية: فرقة من فرق الشيعة اشتقت اسمها من حروف الأبجدية الثمانية والعشرين لاعتقادهم أن لهذه الحروف أسرارها لها أثر في حياة الإنسان، وتنسب هذه الفرقة إلى فضل الله الاستراباذي. انظر «القاموس الإسلامي» للأستاذ أحمد عطية الله (2/ 68) .
[3] لفظة «بلبيس» سقطت من «آ» ، وفي «إنباء الغمر» (7/ 271) : «ببلقيس» .(9/211)
وقال الشّهاب بن حجر العسقلاني:
لجامع مولانا المؤيد رونق ... منارته بالحسن تزهو وبالزّين
تقول وقد مالت عن القصد أمهلوا ... فليس على جسمي أضرّ من العين
فغضب الشيخ بدر الدّين العيني وظنّ أن ابن حجر عرّض به، فاستعان بالنّواجي الأبرص فنظم له بيتين معرّضا بابن حجر، ونسبهما العينيّ لنفسه، وهما:
منارة كعروس الحسن إذ جليت ... وهدمها بقضاء الله والقدر
قالوا أصيبت بعين قلت ذا غلط ... ما أوجب الهدم إلّا خسة الحجر
وفيها توفي [1] شهاب الدّين أحمد بن أحمد الغزّاوي المالكي [2] .
قال ابن حجر: اشتغل كثيرا، وبرع في العربية وغيرها، وشارك في الفنون، وشغل الناس، وقد عيّن مرّة للقضاء فلم يتمّ ذلك.
مات في تاسع عشر شعبان. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن يهودا الدمشقي الطرابلسي النحوي الحنفي [3] .
ولد سنة بضع وسبعين وسبعمائة، وتعابى العربية، فمهر في النحو، واشتهر به، وأقرأ فيه، ونظم «التسهيل» في تسعمائة بيت، وكان تحول بعد فتنة اللّنك إلى طرابلس فقطنها فانتفع به أهلها إلى أن مات في آخر هذه السنة، وكان يتكسّب بالشهادة.
وفيها برهان الدّين حيدرة الشيرازي ثم الرّومي [4] .
__________
[1] لفظة «توفي» سقطت من «آ» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 283) وفيه «الفراوي» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 284) و «الضوء اللامع» (2/ 246) و «بغية الوعاة» (1/ 401) .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 168) وفيه «حيدر بن أحمد بن إبراهيم و «بغية الوعاة» (1/ 549) ولفظة «أقرأ» التي بين حاصرتين في الترجمة مستدركة منه.(9/212)
قال السيوطي: كان علّامة بالمعاني، والبيان، والعربية، وأخذ عن التّفتازاني، وشرح «الإيضاح» للقزويني شرحا ممزوجا وقدم الرّوم [وأقرأ] وأخذ عنه شيخنا العلّامة محيى الدّين الكافيجي. انتهى.
وفيها داود بن موسى الغماري المالكي [1] .
عني بالعلم، ثم لازم العبادة، وتزهّد، وجاور بالحرمين أزيد [2] من عشرين سنة، وكانت إقامته بالمدينة المنوّرة أكثر منها بمكة.
وتوفي في مستهل المحرّم.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن إبراهيم بن خليل البعلبكي الدمشقي، المعروف بابن الشرائحي الشافعي [3] .
قال ابن حجر: ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وأخذ عن الشيخ جمال الدّين بن بردس وغيره، ثم دخل دمشق، فأدرك جماعة من أصحاب الفخر، وأحمد بن سنان، ونحوهم، فسمع منهم، ثم من أصحاب ابن القوّاس، وابن عساكر، ثم من أصحاب القاضي، والمطعّم، ومن أصحاب الحجّار، ونحوه، ومن أصحاب الجزري، وبنت الكمال، والمزّي فأكثر جدا، وهو مع ذلك أمّي وصار أعجوبة دهره في معرفة الأجزاء والمرويات ورواتها، ولديه مع ذلك محفوظات وفضائل ومذاكرات حسنة، وكان لا ينظر إلّا نظرا ضعيفا، وقد حدّث بمصر والشام، وسمعت منه، وسمع معي الكثير في رحلتي، وأفادني أشياء، وكان شهما، شجاعا، مهابا جدا كله، لا يعرف الهزل.
قدم القاهرة بعد الكائنة العظمى فقطنها مدة طويلة، ثم رجع إلى دمشق، وولي تدريس الحديث بالأشرفية إلى أن مات في هذه السنة. انتهى.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 285) و «الضوء اللامع» (3/ 216) و «العقد الثمين» (4/ 261) و «التحفة اللطيفة» (2/ 37) .
[2] في «ط» : «أكثر» .
[3] ترجمته في «التبيان شرح بديعة البيان» الورقة (195/ آ) و «إنباء الغمر» (7/ 286) و «الضوء اللامع» (5/ 2) .(9/213)
وقال ابن ناصر الدّين: الحافظ المفيد الضّرير.
كان فقيها، فرضيا، آية في حفظ الرّواة المتأخرين.
حدّث ب «صحيح مسلم» وثاني ليلة ختمه مات. انتهى.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن أحمد بن عبد العزيز بن موسى بن أبي بكر البشيتي [1]- بفتح الموحدة، وكسر الشين المعجمة، وتحتية، وفوقية، نسبة إلى بشيت قرية بأرض فلسطين [2] .
ولد عاشر شعبان سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وتفقه بسراج الدّين بن الملقّن، وأخذ العربية عن الشّمس الغماري، واختصّ به، وبرع في الفقه والعربية واللغة، وكتب الخطّ المنسوب، وصنّف كتابا جليلا في الألفاظ المعرّبة، وكتابا استوعب فيه أخبار قضاة مصر، وكتابا في شواهد العربية أوسع الكلام فيه.
وتوفي بالإسكندرية في رابع ذي القعدة.
وفيها فراج الكفل الحنبلي [3] .
قال العليمي في «طبقاته» : هو الشيخ الإمام العالم الفقيه.
توفي في هذه السنة. انتهى.
وفيها عزّ الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز النّويري ثم المكّي العقيلي الشافعي [4] .
ولد سنة أربع أو خمس وسبعين وسبعمائة، واشتغل وهو صغير، وناب لأبيه في الخطابة والحكم، ثم استقلّ بعد وفاته في رمضان سنة تسع وتسعين إلى أن صرف في ذي الحجّة سنة ثمانمائة، ثم وليها مرارا، ثم استقرّت بيده الخطابة
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 287) وفيه «البششي» وهو خطأ و «الضوء اللامع» (5/ 7) .
[2] انظر «معجم البلدان» (1/ 429) .
[3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (498) من القسم المخطوط منه، و «السحب الوابلة» ص (321) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 288) و «الضوء اللامع» (7/ 44- 45) و «العقد الثمين» (1/ 371) .(9/214)
وغيرها، ثم استقرّ في الخطابة ونظر الحرم والحسبة حتّى مات. وكان مشكور السيرة في غالب أموره.
وتوفي في ربيع الأول.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن جعفر البلالي- نسبة إلى بلالة من أعمال عجلون-.
نشأ هناك، وسمع الحديث، واشتغل بالعلم، وسلك طريق الصّوفية، وصحب الشيخ أبا بكر الموصلي. ثم قدم القاهرة فاستوطنها بضعا وثلاثين سنة، واستقرّ في مشيخة سعيد السعداء مدة متطاولة، مع التواضع الكامل، والخلق الحسن، وإكرام الوارد [1] ، وصنّف «مختصر الإحياء» فأجاد فيه، وطار اسمه في الآفاق، ورحل إليه بسببه، ثم صنّف تصانيف أخرى، وكانت له مقامات وأوراد، وله محبون معتقدون ومبغضون منتقدون.
توفي في رابع شوال وقد جاوز السبعين.
وفيها عزّ الدّين محمد بن بهاء الدّين علي بن عزّ الدّين عبد الرحمن بن محمد بن التّقي سليمان المقدسي الحنبلي [2] ، خطيب الجامع المظفّري بالصّالحية وابن خطيبه.
ولد سنة أربع وستين وسبعمائة، وحفظ «المقنع» وسمع الحديث وبرع في الفقه والحديث، وأخذ عن ابن رجب، وابن المحبّ، وكان له النّظم الرائق، وباشر القضاء، وحج وأكثر المجاورة بمكة، ودرس بدار الحديث الأشرفية بالجبل، وكان في آخره عين الحنابلة، وألف مؤلفات حسنة، منها «نظم المفردات» سمّاه «النّظم المفيد الأحمد في مفردات الإمام أحمد» واقترح عليه صاحب مجد الدّين عمل مؤلّف على نمط «عنوان الشرف» لابن المقري [3] فعمل قطعة نظما أولها:
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «الوارد» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 290) و «الضوء اللامع» (8/ 187) و «السحب الوابلة» ص (418) .
[3] هو إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله بن إبراهيم الشرجي الحسيني الشاوري اليمني، المعروف بابن(9/215)
أشار المجد مكتمل المعاني ... بأن أحذو على حذو اليماني
وتوفي مغرب ليلة الأحد سابع عشري ذي القعدة.
وفيها كمال الدّين أبو البركات محمد بن أبي السّعود محمد بن حسين بن علي بن ظهيرة المخزومي المكّي الشافعي قاضي مكة [1] .
ولد سنة خمس وستين وسبعمائة، وأحضر في سنة سبع وستين على العزّ بن جماعة، وسمع من غير واحد، وولي قضاء مكة، ونظر الأوقاف بها والرّبط، وباشر ذلك، ثم عزل، واستمرّ معزولا إلى أن توفي بمرض ذات الجنب ليلة الخميس ثالث عشر ذي الحجّة ودفن صبيحتها بالمعلاة، وخلّف عدة أولاد صغار. قاله في «المنهل» .
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبادة السّعدي [2] الأنصاري الحنبلي قاضي قضاة دمشق.
أخذ عن ابن رجب، وابن اللّحام، وكان فردا في زمنه في معرفة الوقائع والحوادث، استقلّ بقضاء دمشق بعد وفاة ابن المنجّى، وكانت وظيفة القضاء دولا بينه وبين القاضي عزّ الدّين ناظم المفردات، إلى أن لحق بالله تعالى ليلة الخميس خامس رجب وله خمسون سنة.
وأما ولده قاضي القضاة شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد فولد في صفر سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، وكان من خيار المسلمين، كثير التّلاوة لكتاب الله العزيز ناب لأبيه في القضاء، ثم استقلّ بعد وفاة والده في ربيع الأول سنة إحدى وعشرين، ثم عزل في صفر سنة ثلاث وعشرين، ثم عرض عليه المنصب مرارا فلم يقبله، وحصلت له الراحة الوافرة إلى أن توفي، ودفن عند والده بالروضة قريبا من الشيخ موفق الدّين ولم أطلع على تاريخ وفاته.
__________
المقري، عالم باحث من أهل اليمن. مات سنة (837 هـ-) . انظر «بغية الوعاة» (1/ 444) و «كشف الظنون» (2/ 1175) و «الأعلام» (1/ 310- 311) .
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 77) و «العقد الثمين» (2/ 287) و «الدليل الشافي» (2/ 701) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 291) و «الضوء اللامع» (9/ 88) و «المقصد الأرشد» (2/ 491) .(9/216)
وفيها شرف الدّين نعمان بن فخر بن يوسف الحنفي [1] .
ولد سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وكان والده عالما، فأخذ عنه، وقدم دمشق، وجلس بالجامع بعد اللّنك للاشغال، ودرّس في أماكن، وكان ماهرا في الفقه، بارعا في ذلك.
مات في شعبان. قاله ابن حجر، والله أعلم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 293) و «الضوء اللامع» (10/ 201) .(9/217)
سنة إحدى وعشرين وثمانمائة
فيها كما قال برهان الدّين البقاعي: ومن خطّه نقلت في ليلة الأحد تاسع شعبان أوقع ناس من قريتنا خربة [1] روحا من البقاع يقال لهم بنو مزاحم بأقاربي بني حسن من القرية المذكورة، فقتلوا تسعة أنفس، منهم أبو عمر بن حسن الرّباط بن علي بن أبي بكر، وأخواه محمد سويد شقيقه وعلي أخوهما لأبيهما، وضربت أنا بالسيف ثلاث ضربات إحداها في رأسي فجرحتني، وكنت إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة، فخرجنا من القرية المذكورة واستمرّينا ننقل في قرى وادي التّيم والعرقون وغيرهما، إلى أن أراد الله تعالى بإقبال السعادتين الدّنيوية والأخروية، فنقلني جدّي لأمي علي بن محمد السّليمي إلى دمشق، فجودت القرآن وجددت حفظه، وأفردت القراآت وجمعتها على بعض المشايخ، ثم على الشّمس بن الجزري لما قدم إلى دمشق سنة سبع وعشرين وثمانمائة، واشتغلت بالنّحو، والفقه، وغيرهما من العلوم، وكان ما أراد الله من التنقل في البلاد والفوز بالعزّ والحجّ أدام الله نعمه آمين، ومن ثمرات ذلك أيضا الإراحة من الحروب والوقائع التي أعقبتها هذه الواقعة، فإنها استمرّت أكثر من ثلاثين سنة، ولعلها زادت على مائة وقعة، كان فيها ما قاربت القتلى فيه ألفا. انتهى بحروفه.
وفيها توفي القاضي شهاب الدّين أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي الشافعي [2] نزيل القاهرة.
__________
[1] في «ط» : «خرجت» وهو خطأ والصواب ما جاء في «آ» وخربة روحا تابعة مدراشيا. انظر «قاموس لبنان» لوديع نقولا حناص (95) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 330) و «الضوء اللامع» (2/ 8) .(9/218)
تفقه، ومهر، وتعانى الأدب، وكتب في الإنشاء، وناب في الحكم، وكان يستحضر «الحاوي» وكتب شيئا على «جامع المختصرات» وصنّف كتابا حافلا سمّاه «صبح الأعشى في معرفة الإنشا» [1] . وكان مستحضرا لأكثر ذلك، وصنّف غير ذلك، وكان مفضالا، وقورا في الدول إلى أن توفي ليلة السبت عاشر جمادى الآخرة عن خمس وستين سنة.
وفيها بدر الدّين أبو عمر حسين بن علي بن محمد بن داود البيضاوي الأصل المكّي، المعروف بالزّمزمي [2] .
ولد قبل السبعين وسبعمائة، وأجاز له الصّلاح بن أبي عمر، وابن أميلة، وحسن بن الهبل، وجماعة من قادمي مكّة، واشتغل بالعلم، ومهر في الفرائض والحساب، وفاق الأقران في معرفة الهيئة والهندسة، وحدّث باليسير.
وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها صلاح الدّين وغرس الدّين أبو الصّفا خليل بن محمد [3] بن محمد [3] بن عبد الرحمن الأقفهسي المصري [4] المحدّث الحافظ.
ولد سنة ثلاث وستين وسبعمائة تقريبا، واشتغل بالفقه قليلا وبالفرائض والحساب والأدب، ثم أحب الحديث، فسمع بنفسه من غرس الدّين المليجي، وصلاح الدّين البلبيسي، وصلاح الدّين الزّفتاوي، وغيرهم، ثم حجّ سنة خمس وتسعين، وجاور، فسمع بمكة من شيوخها، ثم قدم دمشق سنة سبع وتسعين للسماع، فسمع من ابن الذّهبي وغيره، وأكثر عن ابن العزّ، وسمع الكثير.
__________
[1] وهو من خيرة الكتب المصنفة في المعارف العامة في عصر المؤلف، وقد طبع في مصر منذ سنوات طويلة، وصورت طبعته من بعد ذلك عدة مرات، واختصره الأستاذ عبد القادر زكّار في خمسة أجزاء صغيرة أصدرتها وزارة الثقافة بدمشق ضمن سلسلة المختار من التراث العربي.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 331- 332) و «الضوء اللامع» (3/ 151) و «العقد الثمين» (4/ 205) .
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 332) و «الضوء اللامع» (3/ 202) .(9/219)
قال ابن حجر: ثم قدم إلى مصر سنة ثمان وتسعين فلازمنا في الأسمعة، وسافر صحبتي إلى مكة في البحر، فجاور بها، ثم رحل إلى دمشق مرة ثانية، فأقام بها، ورافقني في السماع في سنة اثنتين وثمانمائة بدمشق، ورجع معي إلى القاهرة، ثم حجّ سنة أربع، وجاور سنة خمس، فلقيته في آخرها مشمرا على ما أعهده من الخير، والعبادة، والتخريج، والإفادة، وحسن الخلق، وخدمة الأصحاب، واستمر مجاورا إلى أن خرج إلى المدينة وتوجه في ركب العراق، ثم ركب البحر إلى كنباية [1] من بلاد الهند، ثم رجع إلى هرمز، ثم جال في بلاد المشرق، فدخل هراة، وسمرقند، وغيرها، وقد خرّج لشيخنا مجد الدّين الحنفي «مشيخة» ولشيخنا جمال الدّين بن ظهيرة «معجما» وخرّج لنفسه «المتباينات» فبلغت مائة حديث، وخرّج أحاديث الفقهاء الشافعية، ونظم الشعر.
وتوفي بيزد، خرج من الحمام فمات فجأة. انتهى.
وفيها سعد الله بن سعد بن علي بن إسماعيل الهمداني الحنفي [2] .
قدم حلب مع والده وهو شاب، واشتغل بالعلم، وتفقّه، ومهر، ودرّس في حلب بمدارس منها، فاتفق أن فجأة الموت في رابع جمادى الأولى وأسف الناس عليه.
وفيها عبد الله بن إبراهيم بن أحمد الحرّاني ثم الحلبي الحنبلي [3] .
كان يذكر أنه من ذريّة ابن أبي عصرون، وكان شافعي الأصل، وولي قضاء الثّغر شافعيا، وكانت له وظائف في الشافعية، ثم انتقل حنبليا، وولي قضاء الحنابلة بحلب.
قال القاضي علاء الدّين في «تاريخ حلب» : كان حسن السيرة، ولي القضاء، ثم صرف، ثم أعيد مرارا ثم صرف قبل موته بعشرة أشهر، فمات في شعبان.
__________
[1] انظر «أحسن التقاسيم» للمقدسي ص (359 و 365) طبع دار إحياء التراث العربي ببيروت.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 334) و «الضوء اللامع» (3/ 247) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 334) و «الضوء اللامع» (5/ 2) و «السحب الوابلة» ص (246) .(9/220)
وفيها عبد الرحمن بن هبة الله الملحاني اليماني [1] .
قال ابن حجر: جاور بمكة، وكان بصيرا بالقراءات، سريع القراءة، قرأ في الشتاء في يوم ثلاث ختمات وثلث ختمة، وكان ديّنا، عابدا، مشاركا في عدة علوم.
مات في رجب. انتهى.
وفيها كمال الدّين محمد بن حسن بن محمد بن محمد بن خلف الله الشّمنّي- بضم المعجمة والميم، وتشديد النون، نسبة إلى شمنّة مزرعة بباب قسطنطينية- ثم الإسكندري المالكي [2] .
ولد سنة بضع وستين، واشتغل بالعلم في بلده ومهر، ثم قدم القاهرة، فسمع بها من شيوخها، وسمع في الإسكندرية، وتقدم في الحديث، وصنّف فيه، وتخرّج بالبدر الزّركشي، والزّين العراقي، ونظم الشعر الحسن، ثم استوطن القاهرة، وأصيب في بعض كتبه.
وتوفي في ربيع الأول.
وفيها غياث الدّين محمد بن علي بن نجم الكيلاني التاجر [3] .
ولد في حدود سبعين وسبعمائة، وكان أبوه من أعيان التّجار، فنشأ ولده هذا في عزّ ونعمة طائلة، ثم شغله أبوه بالعلم بحيث كان يشتري له الكتاب الواحد بمائة دينار وأزيد، ويعطي معلميه فيفرط، فمهر في أيام قلائل، واشتهر بالفضل، ونشأ متعاظما، ثم لما مات أبوه التهى عن العلم بالتجارة، وتنقلت به الأحوال، فصعد وهبط، وغرق وسلم، وزاد ونقص، إلى أن تزوّج جارية من جواري الناصر يقال لها سمراء، فهام بها، وأتلف عليها ماله وروحه، وطلّق لأجلها زوجته ابنة عمه، وأفرطت هي في بغضه إلى أن قيل: إنها سقته السّمّ فتعلّل مدة، ولم تزل به [4]
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 335) و «الضوء اللامع» (4/ 248) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 339) و «الضوء اللامع» (8/ 71) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 71) .
[4] في «ط» : «بها» وهو خطأ.(9/221)
حتى فارقها، فتدلّه عقله من حبّها إلى أن مات ولها بها، ويحكى أنها تزوجت بعده رجلا من العوام فأذاقها الهوان وأحبّته وأبغضها عكس ما جرى لها مع غياث الدّين، ويحكى أنها زارته في مرضه واستحللته فحاللها من شدّة حبّة لها.
ومن شعره فيها:
سلوا سمراء عن حربي وحزني ... وعن جفن حكى هطّال مزن
سلوها هل عراها ما عراني ... من الجنّ الهواتف بعد جن
سلوا هل هزّت الأوتار بعدي ... وهل غنّت كما كانت تغنّي
ويقول في آخرها:
سأشكوها إلى مولى حليم ... ليعفو في الهوى عنّها وعنّي
قال ابن حجر: وهذا آخر ما عرفنا خبره من المتيّمين.
مات في سابع عشر شوال.
وفيها شرف الدّين أبو الطّاهر محمد بن عزّ الدّين أبي اليمن محمد بن عبد اللّطيف بن أحمد بن محمود، المعروف بابن الكويك الرّبعي التّكريتي ثم الإسكندري [1] ، نزيل القاهرة الشافعي المسند المحدّث.
ولد في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وأجاز له فيها المزّي، والبرزالي، والذهبي، وبنت الكمال، وإبراهيم بن القريشة، وابن المرابط، وعلي بن عبد المؤمن في آخرين، وهو آخر من حدّث عنهم بالإجازة في الدنيا، وسمع بنفسه من الإسعردي، وابن عبد الهادي، وغيرهما، ولازم القاضي عزّ الدّين بن جماعة، وتعانى المباشرات، فكان مشكورا فيها، وتفرّد بأخرة بأكثر مشايخه، وتكاثر عليه الطلبة ولازموه، وحبّب إليه التّحديث ولازمه.
قال ابن حجر: قرأت عليه كثيرا من المرويات بالإجازة والسماع، من ذلك «صحيح مسلم» في أربعة مجالس سوى مجلس الختم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 341) و «الضوء اللامع» (9/ 111) و «الدليل الشافي» (2/ 687) .(9/222)
وقال في «المنهل» تصدّر للإسماع عدة سنين، وأضرّ بأخرة، وكان شيخا، ديّنا، ساكنا، كافّا عن الشّرّ، من بيت رئاسة، ولم يشتهر بعلم.
وتوفي يوم السبت سادس عشري ذي القعدة.
وفيها جمال الدّين يوسف بن محمد بن عبد الله الحميدي- نسبة إلى امرأة ربّته كانت تعرف بأمّ عبد الحميد- الحنفي [1] .
نشأ بالإسكندرية، وتفقّه، وبرع في عدة علوم، وكانت له ثروة، ويتعانى المتجر، وتولى قضاء الإسكندرية فحمدت سيرته، وكانت له ديانة وصيانة، وأفتى ودرّس بالثّغر، إلى أن توفي بالإسكندرية ليلة خمس وعشرين من جمادى الآخرة وقد أناف على الثمانين.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 343) و «الضوء اللامع» (10/ 331) .(9/223)
سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة
في ربيع الآخر منها، كما قال ابن حجر [1] : اتفق أن شخصا له أربعة أولاد ذكور، فلما وقع الموت في الأطفال، سألت أمهم [2] أن تختنهم لتفرح بهم قبل أن يموتوا، فجمع الناس لذلك على العادة، وأحضر المزيّن، فشرع في ختن واحد بعد آخر، وكل من يختن يسقى شرابا مذابا بالماء على العادة، فمات الأربعة في الحال عقب ختنهم، فاستراب أبوهم بالمزيّن، وظنّ أن مبضعه مسموم، فجرح المزيّن نفسه ليبرئ ساحته، وانقلب فرحهم عزاء، ثم ظهر في الزّير الذي كان يذاب منه الشراب حيّة عظيمة ماتت فيه وتمزقت [3] فكانت سبب هلاك الأطفال، ولله الأمر.
وفيها توفي شهاب الدّين أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن بدر بن مفرّج بن يزيد بن عثمان بن جابر العامري الغزّي ثم الدمشقي الشافعي [4] .
ولد سنة بضع وستين وسبعمائة بغزّة، وأخذ عن الشيخ علاء الدّين بن خلف، وحفظ «التنبيه» وقدم دمشق بعد الثمانين وهو فاضل، فأخذ عن الشّريشي، والزّهري، وشرف الدّين الغزّي بلديّة، وغيرهم، ومهر في الفقه والأصول، وجلس بالجامع يشغل الناس في حياة مشايخه، وأفتى، ودرّس، وأعاد، ثم أصيب بماله
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (7/ 358) .
[2] في «إنباء الغمر» : «أمه» .
[3] في «آ» و «ط» : «وتمزعت» والتصحيح من «إنباء الغمر» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 363) و «الضوء اللامع» (1/ 356) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 100- 102) .(9/224)
وكتبه بعد الفتنة اللنكية، وناب في القضاء، وعيّن مرّة مستقلا فلم يتم، وولي إفتاء دار العدل، واختصر «المهمات» اختصارا حسنا، وكتب عليه «الحاوي» و «جمع الجوامع» ، ودرّس بأماكن، وأقبل على الحديث حتّى لم يبق بالشام في آخر عمره من يقاربه في رئاسة فقه الشافعية إلا ابني [1] نشوان، وكان يرجع إلى دين وعفّة من صغره، وعلو همّة، ومروءة، ومساعدة لمن يقصده، مع عجلة فيه، وحسن عقيدة، وسلامة باطن، وجاور في أواخر أمره بمكة فمات بها مبطونا في شوال وله اثنتان وستون سنة.
وفيها أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد المطريّ المدنيّ [2] .
سمع من العزّ ابن جماعة، وعنى بالعلم، وكان يذاكر بأشياء حسنة، ثم تزهّد، ودخل اليمن، فأقام بها نحوا من عشرة أعوام، وكان ينسب إلى معاناة الكيمياء.
توفي في أول ذي الحجّة.
وفيها أحمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن علي بن عيّاش الجوخي الدمشقي [3] ، نزيل تعز.
ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة، وتعانى بيع الجوخ فرزق منه دنيا طائلة، وعني بالقراءات، فقرأ على جماعة، وكان يقرأ في كل يوم نصف ختمة، وكان قد أسمع في صغره على علي بن العزّ عمر حضورا «جزء ابن عرفة» وحدّث به عنه، وقرأ بدمشق على شمس الدّين بن اللّبان، وابن السلّار، وغيرهما، وتصدى للقراءات، فانتفع به جمع من أهل الحجار واليمن، وكان غاية في الزّهد في الدنيا، فإنه ترك بدمشق أهله، وماله، وخيله، وخدمه، وساح في الأرض، وحدّث، وهو مجاور بمكّة، واستمرّ في إقامته باليمن في خشونة العيش حتّى مات.
وكان بصيرا بالقراءات، كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنجب ولده المقرئ عبد الرحمن مقرئ الحرم.
__________
[1] في «ط» : «ابن» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 365) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 365) و «الضوء اللامع» (2/ 203) .(9/225)
وفيها أحمد بن يوسف بن محمد الدمشقي [1] ، الشاعر المشهور، عرف بابن الزّعيفريني.
قال في «المنهل الصّافي» : كانت له فضيلة، ويكتب الخطّ المنسوب، وينظم الشعر، ويشتغل بعلم الحرف، ويزعم أن له فيه اليد الطّولى، وحصل له حظ بهذا المعنى عند جماعة من أعيان الأمراء وغيرهم، إلى أن ظفر بعض أعيان الدولة بأبيات من نظمه بخطّه نظمها للأمير جمال الدّين الاستادار يوهمه أنه سيملك مصر، ويملك بعده ابنه. فقطع الملك الناصر فرج لسانه وعقدتين من أصابعه، ورفق به عند القطع فلم يمنعه ذلك من النطق، لكنه أظهر الخرس مدة أيام الناصر، ثمّ تكلّم بعد ذلك، وأخذ في الظّهور والكتابة بيده اليسرى، فلم يرج في الأيام المؤيّدية، وانقطع إلى أن مات.
ومن شعره: ما كتبه بيده اليسرى إلى قاضي القضاة صدر الدّين علي بن الأدمي الحنفي:
لقد عشت دهرا في الكتابة مفردا ... أصوّر منها أحرفا تشبه الدّرّا
وقد صار خطي [2] اليوم أضعف ما ترى ... وهذا الذي قد يسّر الله لليسرى
فأجابه صدر الدّين المذكور:
لئن فقدت يمناك حسن كتابة ... فلا تحتمل همّا ولا تعتقد عسرا
وأبشر ببشر دائم ومسرّة ... فقد يسّر الله العظيم لك اليسرى [3]
وتوفي ابن الزّعيفريني يوم الأربعاء ثاني ربيع الأول.
وفيها تندو بنت حسين بن أويس [4] .
__________
[1] ترجمته في «المنهل الصافي» (2/ 272- 273) و «الدليل الشافي» (1/ 98) و «الضوء اللامع» (2/ 250) .
[2] في «أ» : «حظي» وهو تصحيف. وفي «المنهل الصافي» : «وقد عاد خطي» .
[3] تنبيه: هذا البيت سقط من «المنهل الصافي» المطبوع فليستدرك من هنا.
[4] ترجمتها في «إنباء الغمر» (7/ 366) و «الضوء اللامع» (12/ 16) و «أعلام النساء» (1/ 179) .(9/226)
كانت بارعة الجمال، وقدمت مع عمّها أحمد بن أويس إلى مصر، فتزوجها الظّاهر برقوق، ثم فارقها، فتزوجها ابن عمها شاه ولد ابن شاه زاده بن أويس، فلما رجعوا إلى بغداد ومات أحمد أقيم شاه ولد في السلطنة فدبّرت مملكته حتّى قتل، وأقيمت هي بعده في السلطنة، ثم ملكت تستر وغيرها، واستقلّت بالمملكة مدة، وصار في ملكها الحويزة وواسط، يدعى لها على منابرها، وتضرب السّكة باسمها، إلى أن ماتت في هذه السنة. وقام بعدها ابنها أويس بن شاه ولده. قاله ابن حجر.
وفيها علم الدّين أبو الرّبيع سليمان بن نجم الدّين فرج بن سليمان الحجبي [1] الحنبلي بن المنجّى.
ولد سنة سبع وستين وسبعمائة، واشتغل على ابن الطحّان وغيره، ورحل إلى مصر، فأخذ عن ابن الملقّن وغيره، ثم عاد بعد فتنة اللّنك، فناب في القضاء، وشارك في الفقه وغيره، وأشغل الناس بالجامع الأموي وبمدرسة أبي عمر.
وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن مظفّر بن أبي بكر البلقيني [2] قريب شيخ الإسلام سراج الدّين الشافعي.
اشتغل على الشيخ سراج الدّين، وكان يشارك في الفنون، ويذاكر بالفقه مذاكرة حسنة.
قال ابن حجر: رافقنا في سماع الحديث كثيرا، وناب في الحكم، وكان سيء السيرة في القضاء، جمّاعة للمال من غير حلّه في الغالب، زري الملبس، مقترا على نفسه إلى الغاية.
توفي في ثالث عشري جمادي الأولى وخلّف مالا كثيرا جدا فحازه ولده.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 367) و «الضوء اللامع» (3/ 369) و «السّحب الوابلة» ص (174) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 367) و «الضوء اللامع» (4/ 232) وفيه: «عبد العزيز بن محمد بن مظفّر بن نصير» .(9/227)
وفيها نجم الدّين عبد اللطيف بن أحمد بن علي الفاسي الشافعي [1] .
قال ابن حجر: سمع معنا كثيرا من شيوخنا، ولازم الاشتغال في عدة فنون، وأقام في القاهرة [2] مدة بسبب الذّب عن منصب أخيه تقي الدّين قاضي المالكية، إلى أن مات مطعونا في هذه السنة. انتهى.
وفيها مجد الدّين فضل الله بن القاضي فخر الدّين عبد الرحمن بن عبد الرزّاق بن إبراهيم، الشهير بابن مكانس القبطي المصري الحنفي [3] الشاعر المشهور.
ولد في سابع شعبان سنة سبع وستين وسبعمائة، ونشأ في كنف والده الوزير فخر الدّين، وعنه أخذ الأدب، وقرأ النحو، والفقه، والأدب على علماء مصره، إلى أن برع ومهر، ونظم الشعر وهو صغير السنّ جدا، وكتب في الإنشاء وتوقيع الدّست مدة في حياة أبيه بدمشق، وكان أبوه وزيرا بها، ثم قدم القاهرة وساءت حالته بعد أبيه، ثم خدم في ديوان الإنشاء، وتنقّلت رتبته فيه إلى أن جاءت الدولة المؤيدية فأحسن إليه القاضي ناصر الدّين البارزي كثيرا، واعتنى به، ومدح السلطان بقصائد فأثابه ثوابا حسنا. وشعره في الذّروة العليا، وكذلك منثورة، وجمع هو ديوان أبيه ورتّبه، وفيه يقول والده:
أرى ولدي قد زاده الله بهجة ... وكمّله في الخلق والخلق مذ نشا
سأشكر ربّي حيث أوتيت مثله ... وذلك فضل الله يؤتيه من يشا
ومن شعره هو:
تساومنا شذا أزهار روض ... تحيّر ناظر فيه وفكري
فقلت نبيعك الأرواح حقا ... بعرف طيّب منه ونشر
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 367) .
[2] في «أ» : «بالقاهرة» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 368) و «الدليل الشافي» (2/ 522) و «الضوء اللامع» (6/ 172) .(9/228)
ومنه:
جزى الله شيبي كلّ خير فإنّه ... دعاني لما يرضى الإله وحرّضا
فأقلعت عن ذنبي وأخلصت تائبا ... وأمسكت [1] لما لاح لي الخيط أبيضا
قال ابن حجر: وكانت بيننا مودة أكيدة، اتصلت نحوا من ثلاثين سنة، وبيننا مطارحات، وكان قليل البضاعة من العربية، فربما وقع له اللّحن الظّاهر، وأما الخفي فكثير جدا.
مات في يوم الأحد خامس عشر ربيع الآخر. انتهى.
وفيها الخواجا محمد الزّاهد البخاري [2] .
قال في «المنهل الصّافي» في ترجمة. تيمور: اجتمع في أيامه- أي تمرلنك- بسمرقند ما لم يجتمع لغيره من الملوك، فمن ذلك الفقيه عبد الملك من أولاد صاحب «الهداية الفقهية» فإنه كان بلغ الغاية في الدروس، والفتيا، ونظم القريض، ويعرف النّرد والشطرنج، ويلعب بهما جيدا في حالة واحدة دائما مدى الأيام، والخواجا محمد الزّاهد البخاري أي صاحب الترجمة المحدّث المفسّر.
صنّف «تفسيرا للقرآن العظيم» في مائة مجلد.
ومات بالمدينة النبوية سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة. انتهى.
وفيها محمد بن عبد الله بن شوعان الزّبيدي الحنفي [3] .
قال ابن حجر: انتهت إليه الرئاسة في مذهب أبي حنفية بزبيد، ودرّس وأفاد. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الماجد العجيمي [4] سبط العلّامة جمال الدّين بن هشام الشافعي.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «واسكت» والتصحيح من «الضوء اللامع» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 20) و «الأعلام» (7/ 44- 45) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 369) و «الضوء اللامع» (8/ 90) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 669) و «الضوء اللامع» (8/ 122) وفيه «محمد بن عبد الأحد» .(9/229)
أخذ عن خاله الشيخ محبّ الدّين بن هشام، ومهر في الفقه، والأصول، والعربية، ولازم الشيخ علاء الدّين البخاري لما قدم القاهرة، وكذلك الشيخ بدر الدّين الدّماميني، وكان كثير الأدب، فائقا في معرفة العربية، ملازما للعبادة، وقورا، ساكنا.
توفي في العشرين من شعبان.
وفيها نظام الدّين محمد بن عمر الحموي الأصل الحنفي، المعروف بالتّفتازاني [1] ، لعله تشبيها لنفسه بالسعد.
قال ابن حجر: كان أبوه حصريا، فنشأ هذا بين الطلبة، وقرأ في مذهب أبي حنيفة، وتعانى الآداب، واشتغل في بعض العلوم الآلية، وتعليم كلام العجم، وتزيا بزيّهم، وتسمى نظام الدّين التّفتازاني، وغلب عليه الهزل والمجون، وجاد خطه، وقرّر موقعا في الدرج، وكان عريض الدعوى، وله شعر وسط.
وقال محب الدّين الحنبلي: كان حسن المنادمة، لطيف المعاشرة، ولم يتزوج قطّ، وكان متّهما بالولدان، وكان يأخذ الصغير فيربيه أحسن تربية، فإذا كبر وبلغ حدّ التزويج زوّجه. انتهى.
وتوفي في رابع عشري ذي القعدة عن نحو الستين.
وفيها أبو البركات محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن فرحون اليعمري [2] المالكي، قاضي المدينة.
مات بها في المحرم. قاله ابن حجر.
وفيها فتح الدّين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد النّحريري [3] ، المعروف بابن أمين الحكم.
قال ابن حجر: سمع على جماعة من شيوخنا، وعني بقراءة «الصحيح»
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 369) و «الضوء اللامع» (8/ 271) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 370) و «الضوء اللامع» (9/ 127) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 371) و «الضوء اللامع» (9/ 274) .(9/230)
وشارك في الفقه والعربية، وأكثر المجاورة بالحرمين، ودخل اليمن، فقرأ الحديث بصنعاء وغيرها، ثم قدم القاهرة بأخرة فوعك، ومات بالمارستان عن نحو من خمسين سنة. انتهى.
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن محمود الجعفري البخاري [1] .
اشتغل ببلاده، ثم قدم مكّة، فجاور بها، وانتفع الناس به في علوم المعقول.
وتوفي بمكة في العشر الأخير من ذي الحجّة عن ستة وسبعين سنة.
وفيها يوسف ابن شريكار العنتابي المقري [2] .
قال العنتابي في «تاريخه» : ولد بعنتاب، وتعانى القراآت فمهر فيها، وانتفعوا به، وكان يتكلّم على الناس بلسان الوعظ، وكان فصيح اللّسان، حلو المنطق، مليح الوجه، له يد في التفسير، وعاش خمسا وستين سنة. انتهى.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 337) و «الضوء اللامع» (10/ 20) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 273) و «الضوء اللامع» (10/ 317) .(9/231)
سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة
في ثالث رمضان ذبح جمل بغزّة فأضاء لحمه كما تضيء الشّموع، وشاع ذلك وذاع حتى بلغ حد التواتر، قاله ابن حجر [1] .
وفيها توفي صارم [2] الدّين إبراهيم بن شيخ المحمودي الظّاهري [3] الملك المؤيد أبوه.
قال في «المنهل» : ولد بالبلاد الشامية في أوائل القرن تقريبا، وأمه أم ولد جاركسية تسمى نوروز.
وكان ملكا شجاعا، شابا، حسنا، مقداما، كريما، ساكنا، وعنده أدب وحشمة ملوكية، وكان يميل إلى الخير، والعدل، والعفّة عن أموال الرّعية إلّا أنه كان مسرفا على نفسه، سامحه الله. انتهى.
وقال ابن حجر: أغرى والده عليه بأنه كان يتمنى موته ويعد الأمراء بمواعيد إذا وقع ذلك، فحقد عليه ودسّ بعض خواصه أن يعطيه ما يكون سببا لقتله من غير إسراع، فدسّوا عليه من سقاه من الماء الذي يطفأ فيه الحديد، فلما شربه أحس بالمغص في جوفه فعالجه الأطباء مدة، وندم السلطان على ما فرط منه، فتقدم الأطباء بالمبالغة في علاجه، فلازموه نصف شهر إلى أن كاد يتعافى، فدسّوا إليه ثانيا من سقاه بغير علم أبيه، فانتكس، واستمر إلى ليلة الجمعة خامس عشر جمادى الآخرة، فمات، فاشتد جزع السلطان عليه، إلا أنه تجلّد، وأسف الناس
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (7/ 390) .
[2] في «آ» : «صدر الدّين» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 380- 381) و «الضوء اللامع» (1/ 53) و «المنهل الصافي» (1/ 78- 82) و «الدليل الشّافي» (1/ 16) .(9/232)
كافة على فقده، ولم يعش أبوه بعده إلا ستة أشهر تزيد أياما كدأب [1] من قتل أباه أو ابنه على الملك قبله عادة مستقرّة وطريقة مستقرأة. انتهى.
وفيها زين الدّين أبو المحاسن تغري برمش بن يوسف بن عبد الله التركماني [2] الحنفي.
قدم القاهرة شابا، وقرأ على الجلال التّباني [3] وغيره، وتفقه بجماعة من أعيان العلماء، وكان كثير الاستحضار لفروع مذهبه، ويحفظ بعض مختصرات.
قال في «المنهل» : وكان يميل إلى الصّوفية، مع أنه [كان] يبالغ في ذمّ ابن عربي وأتباعه [4] ، وأحرق كتبه. وأرسله المؤيد شيخ [5] إلى الحجاز وعلى يديه مراسيم تتضمن النظر في أحوال مكة المشرّفة، وجاور بها، وأخذ بالأمر فيها بالمعروف والنّهي عن المنكر، ومنع المؤذنين من المدائح النّبوية فوق المنابر ليلا، ومنع المدّاحين من الإنشاد في المسجد الحرام [6] ومنع الصّغار من الخطابة في ليالي رمضان، ومن الوقيد في الليالي المعروفة بالحرم [6] ، وجرى له مع أهل مكة أمور بسبب ذلك يطول شرحها، ثم عاد إلى القاهرة، وكان يميل إلى دين وخير. انتهى.
وقال ابن حجر: كان يكثر الحطّ على ابن العربي وغيره من متصوفي الفلاسفة، وبالغ في ذلك، وصار يحرق ما يقدر عليه من كتب ابن العربي، وربط مرّة كتاب «الفصوص» في ذنب كلب، وصارت له بذلك سوق نافقة عند جمع كثير، وقام عليه جماعة من أضداده فما بالي بهم.
وقال المقريزي ذاما له: رضي من دينه وأمانته بالحطّ على ابن العربي، مع
__________
[1] في «ط» : «لدأب» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 394) و «الضوء اللامع» (3/ 31) و «المنهل الصافي» (4/ 56- 57) و «الدليل الشافي» (1/ 218) ووفاته فيه (820) .
[3] في «آ» : «التبياني» .
[4] لفظة «وأتباعه» لم ترد في «المنهل الصافي» المطبوع فلتستدرك.
[5] في «المنهل الصافي» : «الملك المؤيد» .
[6، 6] ما بين الرقمين سقط من «ط» .(9/233)
عدم معرفته بمقالته، وكان يتعاظم مع دناءته، ويتمصلح مع رذالته، حتّى انكشفت للناس سيرته، وانطلقت الألسن بذمّة بالدّاء العضال، مع عدم مداراته وشدّة انتقامه ممن يعارضه في أغراضه، ولم يزل على ذلك حتّى مات بمكة ليلة الأربعاء مستهل المحرّم.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن مقداد بن إسماعيل قاضي القضاة الأقفهسي المالكي [1] قاضي الدّيار المصرية.
نشأ بالقاهرة، وطلب العلم، وتفقه بالشيخ خليل وغيره إلى أن برع في الفقه والأصول، وأفتى ودرّس، وناب في الحكم، ثم استبدّ به، ثم صرف، ثم ولي، وكان مشكور السيرة في أحكامه، ديّنا، خيّرا، وشرح رسالة الشيخ خليل.
وتوفي على القضاء في رابع عشر جمادى الأولى.
وفيها محمد بن مورمة البخاري الحنفي [2] .
قال ابن حجر: يلقّب نبيرة- بنون وموحدة وزن عظيمة- ذكر أنه من ذرّية حافظ الدّين النّسفي، ونشأ ببلاده، وقرأ الفقه، وسلك الزّهد، وحجّ في هذه السنة، وأراد أن يرجع إلى بلاده فذكر أنه رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في النّوم، فقال له: «إن الله قد قبل حجّ كلّ من حجّ في هذا العام وأنت منهم» وأمره أن يقيم بالمدينة فأقام، فاتفقت وفاته يوم الجمعة ودفن بالبقيع. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن حسين المخزومي البرقي الحنفي [3] .
كان مشهورا بمعرفة الأحكام، مع قلّة الدّين وكثرة التهتّك، وقد باشر عدة أنظار وتداريس.
مات في جمادى الأولى. قاله ابن حجر.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 396) ، و «الضوء اللامع» (5/ 71) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 399) وفيه (ابن بوزنة) و «الضوء اللامع» (7/ 207) وفيه: محمد بن بورسة.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 400) و «الضوء اللامع» (9/ 78) .(9/234)
وفيها شمس الدّين محمد بن العلّامة شمس الدّين محمد بن سليمان بن الخرّاط الحموي [1] ، الشاعر المنشئ الموقّع.
أخذ عن أبيه وغيره، وقال الشعر فأجاد، ووقع في ديوان الإنشاء، وكان مقرّبا عند ابن البارزي، ومات ولم يكمل الخمسين وعاش أخوه زين الدّين عبد الرحمن بعده وهو أسن منه إلى سنة أربعين.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن أحمد الصّغير [2]- بالتصغير- الطبيب المشهور.
ولد في خامس عشر جمادى الأولى سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وكان أبوه فرّاشا، فاشتغل هو بالطبّ، وحفظ «الموجز» وشرحه، وتصرّف في العلاج، فمهر، وصحب البهاء الكازروني، وكان حسن الشكل، له مروءة.
مات بعد مرض طويل في عاشر شوال. قاله ابن حجر.
وفيها القاضي ناصر الدّين محمد بن محمد بن عثمان البارزي [3] الشافعي كاتب السرّ.
ولد في شوال سنة تسع وستين وسبعمائة، وحفظ «الحاوي» في صغره، واستمرّ يكرّر عليه ويستحضر منه، وتعانى الشعر، والأدب، وكتب الخط الجيد، ثم ولي قضاء بلده وكتابة السرّ بها، وقضاء حلب، وكتابة السرّ بالقاهرة طول دولة المؤيد.
وكان لطيف المنادمة، كبير الرئاسة، ذا طلاقة وبشر وإحسان للعلماء والفضلاء على طريقة قدماء الكرماء.
وتوفي بالقاهرة يوم الأربعاء ثامن شوال.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 400) و «الضوء اللامع» (9/ 83) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 401) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 401) و «الضوء اللامع» (9/ 137) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 137) .(9/235)
وفيها الحافظ جمال الدّين أبو المحاسن محمد بن موسى بن علي بن عبد الصّمد بن محمد بن عبد الله المراكشي الأصل ثم المكي [1] .
ولد في ثالث رمضان سنة سبع وثمانين وسبعمائة، وحفظ القرآن العظيم، وأجاز له وهو صغير قبل التسعين وبعدها أبو عبد الله بن عرفة، وتقي الدّين بن حاتم، وناصر الدّين بن الميلق، وجماعة، وتفقه، وحبّب إليه، الطلب، فسمع بمكة على مشايخ مكّة، كابن صديق ومن دونه، وعلى القادمين عليها، وأخذ علم الحديث عن الشيخ جمال الدّين بن ظهيرة، والحافظ تقي الدّين الفاسي، والحافظ صلاح الدّين الأقفهسي، وتخرّج به في معرفة العالي والنّازل، ورحل إلى الدّيار المصرية، فسمع من شيوخها، ثم رحل إلى الشام، فأدرك عائشة بنت عبد الهادي خاتمة أصحاب الحجّار، وجال في رحلته، فسمع بحلب، وحماة، وحمص، وبعلبك، والقدس، والخليل، وغزّة، والرّملة، والإسكندرية، وغيرها، ورجع وقد كمل معرفته، وخرّج لغير واحد من مشايخه، وعمل تراجم مشايخه فأفاد، وخرّج لنفسه «أربعين» متباينة لكن لم يلتزم فيها السماع، ورحل إلى اليمن، فسمع بها، ومدح الناصر أحمد فأجازه وولّاه مدرسة هناك، فأقام بتلك البلاد، وصار يحجّ كل سنة، وكان حافظا، ذا مروءة وقناعة وصبر على الأذى، باذلا لكتبه [2] وفوائده، موصوفا بصدق اللهجة وقلّة الكلام.
قدم في هذه السنة حاجّا فعاقهم الرّيح، فخشي فوات الحجّ، فركب البحر، وأجهد نفسه، فأدرك الحجّ لكنه توعك، واستمرّ مريضا إلى أن مات بمكة في ثامن عشر ذي الحجّة ودفن بالمعلاة.
وفيها القاضي شرف الدّين أبو الفتح موسى بن محمد بن نصر البعلبكي، المعروف بابن السّقيف- تصغير سقف- الشافعي [3] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 401) ، و «الضوء اللامع» (10/ 56) و «العقد الثمين» (2/ 364) .
[2] في «آ» : «كتبه» .
[3] ترجمته في «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 142) ، و «إنباء الغمر» (7/ 403) ، و «الضوء اللامع» (10/ 191) .(9/236)
ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وأخذ الفقه عن الخطيب جلال الدّين، والحديث عن عماد الدّين بن بردس، وغيرهما، واشتغل بدمشق على ابن الشّريشي، والزّهري، وغيرهما، ومهر، وتصدّى للإفتاء والتدريس ببلده من أول سنة إحدى وثمانين وهلم جرا، وولى قضاء بلده مرارا فحمدت سيرته، وكان كثير البرّ للطلبة، سليم الباطن، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وله أوراد وعبادة، وانتهت إليه رئاسة الفقه ببلده إلى أن توفي في جمادى الآخرة.
وفيها جمال الدّين يوسف بن الشيخ إسماعيل الأنبابي [1] .
قال ابن حجر: ابن القدوة إسماعيل. أخذ الكثير عن شيوخنا، وقرأ في الفقه، والأصول، والعربية، وأكثر جدا، ثم انقطع بزاوية أبيه بأنبابة، وأحبه الناس واعتقدوه، وحجّ مرارا، وكان يذكر لنفسه نسبا إلى سعد بن عبادة، ومات في شوال وخلّف مالا كثيرا جدا. انتهى.
وفيها السلطان قرا يوسف بن محمد قرا التّركماني [2] ملك العجم.
كان في أول أمره من التركمان الرحّالة النزّالة، فتنقلت به الأحوال إلى أن استولى بعد اللّنك على عراق العرب والعجم، ثم ملك تبريز، وبغداد، وماردين، وغيرها، واتسعت مملكته، وكان ينتمي إلى أحمد بن أويس، وتزوج أحمد أخته، ثم وقع بينهما، وتقابلا، فهرب أحمد منه، فملك بغداد سنة خمس وثمانمائة، فأرسل إليه اللّنك عسكرا، فهرب إلى دمشق، واجتمع مع أحمد بن أويس وتصالحا، ثم تنقلت به الأحوال إلى أن قتل مرزاشاه بن اللّنك في ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة، واستبدّ بملك العراق، وسلطن ابنه محمد شاه ببغداد، ثم نهب سنجار، والموصل، وأوقع بالأكراد، واختلف الحال بينه وبين شاه رخ، ثم تصالحا وتحالفا وتصاهرا، ثم انتقض الصّلح سنة سبع عشرة وتحاربا. وفي سنة إحدى وعشرين سبى أهل عنتاب، وقتل، وأسر، وأفحش في القتل والسّبي بحيث أبيع
__________
[1] ترجمته في «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 146) و «إبناء الغمر» (7/ 404) و «الضوء اللامع» (10/ 302) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 397) و «الضوء اللامع» (6/ 216) .(9/237)
صغير واحد بدرهمين، وحرق المدينة، وأخذ أموالها، وتوجه إلى البيرة فنهبها، ثم بلغه أن ولده محمد شاه عصى عليه ببغداد فتوجه إليه وحصره واستصفى أمواله وعاد إلى تبريز، وكان شديد الظّلم، قاسي القلب، لا يتمسك بدين، واشتهر عنه أن في عصمته أربعين امرأة، وقد خرجت في أيامه وأيام أولاده مملكة العراقين.
وتوفي بتبريز في ذي القعدة وقام بعده ابنه إسكندر
.(9/238)
سنة أربع وعشرين وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن هلال الحلبي [1] .
اشتغل قديما على الشيخ شمس الدّين بن الخرّاط وغيره، وكان مفرط الذّكاء، وأخذ التّصوف عن شمس الدّين البلالي، ثم توغل في مذهب أهل الوحدة ودعا إليه، وصار كثير الشطح، وجرت له وقائع، وكان أتباعه يبالغون في إطرائه ويقولون: هو نقطة الدائرة، إلى غير ذلك من مقالاتهم المستبشعة. قاله ابن حجر.
وفيها جقمق [2] .
كان من أبناء التّركمان، فاتفق مع بعض التجار أن يبيعه ويقسم ثمنه بينهما ففعل، فتنقل في الخدم حتّى تقرّر دويدارا ثانيا عند الملك المؤيد قبل سلطنته، ثم استمرّ، وكان يتكلم بالعربية [3] لا يشك من جالسه أنه من أولاد الأحرار، ثم استقرّ دويدارا كبيرا إلى أن قرّره الملك المؤيد في نيابة الشام، فبنى السوق المعروف بسوق جقمق، وأوقفه على المدرسة التي بناها قرب الأموي، ثم أظهر العصيان لما مات الملك المؤيد.
قال المقريزي: كان سيء السيرة، شديدا في دواداريته على الناس، حصّل أموالا كثيرة، وكان فاجرا، ظلوما، غشوما، لا يكف عن قبيح [4] . انتهى.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 434) ، و «الضوء اللامع» (2/ 241) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 435) ، و «الضوء اللامع» (3/ 74- 75) .
[3] في «آ» : «بالعربي» .
[4] في «ط» : «قبح» .(9/239)
قتله ططر بدمشق بعد أن صادره، في أمواله في أواخر شعبان، ودفن بمدرسته لصيق الكلّاسة.
وفيها الملك المؤيد شيخ بن عبد الله المحمودي [1] .
قدم القاهرة وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وكان جميل الصورة، فمات جالبه، فاشتراه محمود تاجر المماليك، وانتسب إليه، وقدّمه لبرقوق فأعجبه وجعله خاصكيا، ثم جعله من السّقاة، ونشأ ذكيا، فتعلم الفروسية من اللعب بالرّمح، ورمي النّشّاب والضّرب بالسيف وغير ذلك، ومهر في جميع ذلك، مع جمال الصّورة، وكمال العشرة، والتهتّك، وضرب بسبب ذلك، ثم تنقلت به الأحوال من الإمارة على الحاج وغير ذلك، إلى أن ولي نيابة الشام، ثم تسلطن يوم الاثنين مستهل شعبان سنة خمس عشرة وثمانمائة.
قال في «المنهل» : وكان ملكا، شجاعا، مقداما، مهابا، سيوسا، عارفا بالحروب والوقائع، جوادا على من يستحق الإنعام، بخيلا على من لا يستحقه إلى الغاية، طويلا، بطينا، واسع العينين، أشهلهما، كثّ اللّحية، جهوري الصّوت، فحّاشا، سبّابا، ذا خلق سيء، وسطوة، وجبروت، وهيبة زائدة، يرجف القلب عند مخاطبته، محبّا لأهل العلم، مبجلا للشرع، مذعنا له، غير مائل إلى شيء من البدع، إلا أنه كان مسرفا على نفسه، متظاهرا بذلك، وبنى أماكن تقام فيها الخطبة، منها جامعه المؤيدي داخل باب زويلة الذي ما عمر في الإسلام أكثر زخرفة وأحسن ترخيما منه بعد جامع دمشق.
وتوفي يوم الاثنين تاسع المحرم.
وسلطنوا ولده المظفّر أبا السعادات وعمره سنة واحدة وثمانية أشهر وسبعة أيام.
قال المقريزي: واتفق في موته موعظة وهو أنه لما غسّل لم يوجد له منشفة ينشف بها، فنشّف في منديل لبعض من حضر من الأمراء، ولا وجد له مئزر يستره،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 435) و «الضوء اللامع» (3/ 308) و «المنهل الصافي» (6/ 263- 312) و «الدليل الشافي» (1/ 346) .(9/240)
حتّى أخذ له مئزر صوف صعيدي من فوق رأس بعض جواريه، ولا وجد له طاسة يصب بها عليه الماء وهو يغسل، مع كثرة ما خلّف من الأموال. انتهى.
ودفن بقبته التي أنشأها بالجامع المؤيدي بباب زويلة.
وفيها أبو الفتح ططر بن عبد الله الظّاهري [1] ، ملك الدّيار المصرية والشامية.
كان من جملة مماليك الظّاهر برقوق، ولا زال يترقى حتى صار أمير مائة مقدم ألف بالدّيار [2] المصرية، وتنقلت به الأحوال إلى أن مرض الملك المؤيد، وأوصى له بالتكلم على ابنه أحمد، فلما مات المؤيد خرج ططر إلى البلاد الشامية بالسلطان والخليفة والقضاة والعساكر، وعزل، وولّي، ثم دخل حلب، ثم عاد إلى دمشق، واستمال الخواطر، وتحبّب إلى الأمراء، ثم عزم على خلع الملك المظفّر لصغره، فخلعه في تاسع عشري شعبان من هذه السنة، وتسلطن هو، ولقّب بالملك الظّاهر أبي الفتح، وجلس على كرسي الملك، ثم في سابع عشر شهر رمضان برز من دمشق إلى الدّيار المصرية فوصلها يوم الخميس رابع شوال، فمرض ولزم بيته إلى يوم الثلاثاء أول ذي القعدة، نصل، ودخل الحمام، وتباشر الناس بعافيته، ثم أخذ مرضه يتزايد إلى ثاني ذي الحجّة، فجمع الخليفة المعتضد بالله داود والقضاة، وعهد لولده محمد، وأن يكون الأمير جانبك الصّوفي متكلما في الأمور، وحلف الأمراء على ذلك، كما حلف هو غير مرّة لابن الملك المؤيد، وتوفي ضحى يوم الأحد رابع ذي الحجّة وله نحو خمسين سنة، ودفن بالقرافة بجوار الإمام اللّيث بن سعد، وكانت مدة سلطنته أربعة وتسعين يوما، وفي هذه المدة اليسيرة لا يستقلّ ما فعل من الانتقام والجور وسفك الدماء، فأتعب نفسه، ومهد لغيره، وكان ملكا عارفا فطنا، عفيفا عن المنكرات، مائلا إلى العدل، يحب الفقهاء وأهل العلم، ويذاكر بالفقه، ويشارك فيه، وله فهم وذوق في البحث، بارعا في حفظ الشعر التركي، عارفا بمعانيه، وعنده إقدام وجرأة وكرم مفرط، مع طيش
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 438) و «الضوء اللامع» (4/ 7- 8) ، و «الدليل الشافي» (1/ 363) .
[2] في «آ» : «الدّيار» .(9/241)
وخفّة، وكان قصيرا جدا كبير اللّحية أسودها، مليح الشكل، يتكلم بأعلى حسّه، وفي صوته بحة، شنعة، كثير التعصب لمذهب الحنفية، يريد أن لا يدع أحدا من الفقهاء غير الحنفية. قاله في «المنهل الصّافي» .
وفيها جلال الدّين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام سراج الدّين عمر بن رسلان البلقيني [1] الشافعي.
ولد في جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وأمه بنت القاضي بهاء الدّين بن عقيل النّحوي، ونشأ بالقاهرة، وحفظ القرآن وعدة متون في عدة علوم، وتفقه بوالده وغيره، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، والتفسير، والمعاني، والبيان، وأفتى، ودرّس في حياة والده، وتولى قضاء العسكر بالدّيار المصرية في حياة والده أيضا.
قال المقريزي: لم يخلّف بعده مثله في كثرة علومه بالفقه وأصوله، والحديث، والتفسير، والعربية، والنّزاهة عما ترمي به قضاة السوء. انتهى.
وممن أثنى عليه جلال الدّين بن ظهيرة المكّي، وأنشد فيه لنفسه:
هنيئا لكم يا أهل مصر جلالكم ... عزيز فكم من شبهة قد جلا لكم
ولولا اتّقاء الله جلّ جلاله ... لقلت لفرط الحبّ جلّ جلالكم
وقال ابن تغري بردي، بعد أن أثنى عليه أحسن الثناء: وأنا أعرف به من غيري فإنه كان تأهل بكريمتي، وما نشأت إلّا عنده، وقرأت عليه غالب القرآن الكريم، وكان إذا توجه إلى منتزه يأخذني صحبته إلى حيث سار، فإذا أقمنا بالمكان يطلبني ويقول: اقرأ الماضي من محفوظك فأقرأ عليه ما شاء الله أن أقرأه.
وتوفي ليلة الخميس بعد العشاء الآخرة بساعة الحادي عشر من شوال.
وفيها تاج الدّين أبو نصر عبد الوهاب بن أحمد بن صالح بن أحمد بن
__________
[1] ترجمته في «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 112) و «إنباء الغمر» (7/ 440) و «الضوء اللامع» (4/ 106) و «الدليل الشافي» (1/ 403) و «النجوم الزاهرة» (14/ 237) .(9/242)
خطاب البقاعي [1] الفاري- بالفاء والراء الخفيفة- نسبة إلى قرية بالبقاع تسمّى بيت فار- الدمشقي الشافعي.
ولد سنة سبع وستين وسبعمائة، وحفظ «التمييز» وغيره، واشتغل على والده، وعلى النّجم ابن الجابي، والشريشي، وغيرهم، ونشأ هو وأخوه عبد الله على خير وتصون، ودرّس في حياة أبيه بالعادلية الصّغرى، واستمرت بيده إلى أن مات، ودرّس بعد أبيه بالشامية البرّانية، وولي إفتاء دار العدل، وناب في الحكم مدة طويلة، وولّاه الأمير نوروز القضاء باتفاق الفقهاء عليه بعد موت الأخنائي، فباشره مباشرة حسنة، فلما غلب المؤيد على نوروز صرفه ولم يعزله بسوء، فلزم الشباك الكمالي بجامع دمشق يفتي، وبالشامية يدرّس، وكان حسن الرأي والتدبير، ديّنا له حظ من عبادة إلّا أنه لم يكن مشكورا في مباشرة الوظائف، وكان عاقلا، ساكنا، كثير التّلاوة، يقوم اللّيل، كثير الأدب والحشمة، طاهر اللّسان.
توفي في أحد الرّبيعين. قاله ابن حجر.
وفيها قتل أبو سعيد عثمان بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الخالق المريني [2] .
قتله مدبر مملكته عبد العزيز الكناني، وقتل إخوته وأولاده وأكابر البلد وأبطالها وشيوخها، وكانت فتنة كبيرة انقطعت فيها دولة بني مرين من فاس، وأقام محمد بن أبي سعيد في المملكة، واستبدّ هو بتدبير الأمور، فسبحان من لا يزول ملكه.
وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم البوصيري الشافعي [3] .
قال ابن حجر: كان خيّرا، ديّنا، كثير النّفع للطلبة، يحج كثيرا ويقصد الأغنياء لنفع الفقراء وربما استدان للفقراء على ذمته ويوفي الله عنه، وكانت له عبادة، وتؤثر عنه كرامات.
__________
[1] ترجمته في «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 116) و «إنباء الغمر» (7/ 442) و «الضوء اللامع» (5/ 96) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 427) و «الضوء اللامع» (5/ 124) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 445) .(9/243)
مات في سادس ربيع الآخر. انتهى.
وفيها عزّ الدّين محمد بن خليل بن هلال الحاضري الحلبي الحنفي [1] .
ولد في أحد الجمادين سنة سبع وأربعين وسبعمائة، ورحل إلى دمشق، فأخذ بها عن جماعة، منهم ابن أميلة، قرأ عليه «سنن أبي داود» و «الترمذي» ودخل القاهرة، فأخذ عن الشيخ ولي الدّين المنفلوطي، والجمال الإسنوي، ورحل إلى القاهرة مرة أخرى، وتفقه ببلده، وحفظ كتبا نحو الخمسة عشر كتابا في عدة فنون، وقرأ على العراقي في علوم الحديث، وأجاز له، ولازم العلم إلى أن انفرد، وصار المشار إليه ببلاده، وولي قضاء بلده، ودرّس، وأفتى، وكان محمود السيرة، مشكور الطريقة.
قال البرهان المحدّث: لا أعلم بالشام كلها مثله ولا بالقاهرة مثل مجموعه الذي اجتمع فيه من العلم الغزير، والتواضع، والدّين المتين، والذّكر، والتّلاوة.
انتهى.
وتوفي في أحد الجمادين.
وفيها رضي الدّين أبو حامد محمد بن عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن أبي عبد الله الفاسي الحسني المكّي المالكي [2] .
ولد في رجب سنة خمس وثمانين وسبعمائة، وسمع الحديث، وتفقه، وأفتى، ودرّس، وولي قضاء المالكية، ثم عزل، فناب عن القاضي الشافعي، وكان خيّرا ساكنا، متواضعا، ذاكرا للفقه.
توفي في ربيع الأول.
وأخوه محبّ الدّين أبو عبد الله محمد [3] .
كان أسنّ منه أجاز له ابن أميلة وغيره، ومهر في الفقه.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 446) و «الضوء اللامع» (7/ 232) .
[2] ترجمته في «العقد الثمين» (2/ 105) و «إنباء الغمر» (7/ 447) و «الضوء اللامع» (8/ 41) .
[3] ترجمته في «العقد الثمين» (2/ 113) و «إنباء الغمر» (7/ 447) .(9/244)
سنة خمس وعشرين وثمانمائة
فيها كما قال ابن حجر [1] : ولدت فاطمة بنت القاضي جلال الدّين البلقيني من بعلها تقي الدّين رجب بن العماد قاضي الفيّوم ولدا خنثى، له ذكر وفرج أنثى، وقيل: إن له يدين زائدتين نابتتان في كتفيه، وفي رأسه قرنان كقرني الثّور، فيقال: ولدته ميتا، ويقال: مات بعد أن ولدته. انتهى.
وفيها أخذ الفرنج مدينة سبتة من أيدي المسلمين [2] .
وفيها كان الطّاعون الشديد بحلب، حتّى خلال أكثر البلد من الناس [2] .
وفيها برهان الدّين إبراهيم بن أحمد البيجوري الشافعي [3] .
ولد في حدود الخمسين وسبعمائة، وأخذ عن الإسنوي، ولازم البلقيني، ورحل إلى الأذرعي بحلب سنة سبع وسبعين، وبحث معه، وكان الأذرعي يعترف له بالاستحضار، وشهد له الشيخ جمال الدّين الحسباني عالم دمشق بأنه أعلم الشافعية بالفقه في عصره.
وقال محيى الدّين المصري: فارقته سنة خمس وثمانين وهو يسرد «الروضة» حفظا، وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا، لا يتردد إلى أحد، سليم الباطن، لا يكتب
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (7/ 448- 449) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (7/ 464) .
[3] ترجمته في «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 91) و «إنباء الغمر» (7/ 470) و «الضوء اللامع» (1/ 17) .(9/245)
على الفتوى تورعا، وولي بأخرة مشيخة الفخرية بين السورين، وكان الطلبة يصححون عليه تصانيف العراقي نقلا وفهما، وكانوا يراجعون العراقي في ذلك فلا يزال يصلح في تصانيفه ما ينقلونه له عنه، ولم يخلّف بعده من يقارنه، وكان فقيرا جدا، مع قلّة وظائف.
وتوفي يوم السبت رابع عشر رجب، رحمه الله تعالى.
وفيها برها الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عيسى بن عمر بن زياد العجلوني الدمشقي الشافعي، الشهير بابن خطيب عذراء [1] .
ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة بعجلون، وحفظ «المنهاج» في صغره، واشتغل على مشايخ عصره، ودأب في الفقه خصوصا «الروضة» وتصدّر للاشغال مدة طويلة، وولي قضاء صفد في أيام الظّاهر برقوق سنة ثلاث وثمانمائة، وقدم دمشق سنة ست وثمانمائة، وولي نيابة الحكم، وأقام على ذلك سنين، ثم تنزه عن ذلك كلّه وأكب على الأشغال، وصار يفتي ويدرّس، إلى أن حصل له فالج فلزم منه الفراش من غير أن يتكلم إلى أن توفي سابع عشري المحرم.
وفيها صدر الدّين أبو بكر بن تقي الدّين إبراهيم بن محمد بن مفلح المقدسي الأصل ثم الدمشقي الحنبلي [2] .
ولد سنة ثمانين وسبعمائة، وتفقه قليلا، واستنابه أبوه وهو صغير، واستنكر الناس منه ذلك، ثم ناب لابن عبادة، وشرع في عمل المواعيد بجامع الأرموي، وشاع اسمه، وراجع بين العوام، وكان على ذهنه كثير من التفسير، والأحاديث، والحكايات، مع حضور شديد في الفقه، وولي القضاء استقلالا في شوال سنة سبع عشرة فباشر خمسة أشهر ثم عزل وتوفي في جمادى الآخرة. قاله ابن حجر.
__________
[1] ترجمته في «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 93) و «إنباء الغمر» (7/ 471) و «الضوء اللامع» (1/ 156) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 473) و «الضوء اللامع» (11/ 13) ، و «السحب الوابلة» ص (123) .(9/246)
وفيها نفيس الدّين سليمان بن إبراهيم بن عمر التّعزي [1] الشافعي [2] ، الفقيه العلوي- نسبة إلى علي بن بلي بن وائل-.
سمع أباه، وابن شدّاد، وغيرهما، وعني بالحديث، وأحب الرواية، واستجيز له من جماعة من أهل مكة.
قال ابن حجر: وسمع مني، وسمعت منه، وكان محبّا في السماع والرواية، محثا على ذلك، مع عدم مهارة فيه، فذكر لي أنه مرّ على «صحيح البخاري» مائة وخمسين مرة ما بين قراءة وسماع وإسماع ومقابلة، وحصل من شروحه كثيرا، وحدّث بالكثير، وكان محدّث أهل بلده.
مات في ذي الحجّة، وقد جاوز الثمانين.
وفيها صدقة بن سلامة بن حسين بن بدران بن إبراهيم بن جملة الجيدوري [3] ثم الدمشقي المقرئ.
عني بالقراءات وأتقنها، وأقرى بالجامع الأموي، وأدّب خلقا، وانتفعوا به، وله تآليف في القراآت.
توفي في عاشر جمادى الأولى.
وفيها أسد الدّين عبد الرحمن بن محمد بن طولوبغا التّنكزي [4] ، مسند الشّام.
قال ابن حجر: تفرّد، وحدّث، وحجّ في سنة أربع وعشرين وثمانمائة بمكّة، ورجع فمات بدمشق في ثاني عشر ذي القعدة، وكان مسند الشام.
وفيها عثمان بن سليمان الصّنهاجي [5] .
__________
[1] في «آ» : «التغري» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 474) ، و «الضوء اللامع» (3/ 29) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 475) و «الضوء اللامع» (3/ 317) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 476) ، و «الضوء اللامع» (4/ 132) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 476) ، و «الضوء اللامع» (5/ 129) .(9/247)
قال ابن حجر في «إنباء الغمر» : من أهل الجزائر الذين بين تلمسان وتونس، رأيته كهلا وقد جاوز الخمسين وقد شاب أكثر لحيته، وطوله إلى رأسه ذراع واحد بذراع الآدميين لا يزيد عليه شيئا، وهو كامل الأعضاء، وإذا قام قائما يظنّ من رآه أنه صغير قاعد، وهو أقصر آدمي رأيته، وذكر لي أنه صحب أبا عبد الله بن الغمار، وأبا عبد الله بن عرفة، وغيرهما، ولديه فضيلة ومحاضرة حسنة. انتهى.
وفيها علي بن أحمد بن علي المارديني [1] .
سمع من ابن قواليح «صحيح مسلم» بدمشق، وحدّث عنه.
وتوفي بمكّة في شوال.
وفيها صبر الدّين علي بن سعد الدّين محمد [2] ملك المسلمين بالحبشة.
كان شجاعا، فارسا، شديدا على كفرة الحبشة، وجرت له معهم وقائع عديدة.
وتوفي مبطونا واستقرّ بعده أخوه.
وفيها شمس الدّين أبو المعالي محمد بن أحمد بن معالي الحبتي [3]- بفتح الحاء المهملة، وسكون الموحدة، وفوقية، نسبة إلى حبتة بنت ملك بن عمرو بن عوف- الحنبلي المحدّث.
ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وسمع من عمر بن أميلة، والعماد بن كثير، وغيرهما، ومهر في فنون كثيرة، وتفقّه بابن قاضي الجبل، وابن رجب، وغيرهما، وتعانى الآداب فمهر، وقدم القاهرة في رمضان سنة أربع وثمانمائة، وحدّث بها ببعض مسموعاته، وقصّ على الناس في عدة أماكن، وناب في الحكم، وكان يحب جمع المال، مع مكارم الأخلاق، وحسن الخلق، وطلاقة الوجه، والخشوع التّام.
__________
[1] ترجمته في «العقد الثمين» (6/ 138) ، و «إنباء الغمر» (7/ 436) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 476) ، و «الضوء اللامع» (5/ 283) .
[3] ترجمته في «المقصد الأرشد» (2/ 67) و «إنباء الغمر» (7/ 480) و «الضوء اللامع» (7/ 107) .(9/248)
قال ابن حجر: سمعنا بقراءته «صحيح البخاري» في عدة سنين بالقلعة، وسمعنا من مباحثه وفوائده ونوادره وماجرياته.
وتوفي فجأة ليلة الخميس وقت العشاء ثامن عشري المحرم بالقاهرة.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن خالد الشافعي، المعروف بابن البيطار [1] .
سمع من مشايخ ابن حجر معه، وغيره، وكان وقورا، ساكنا، حسن الخلق، كثير التّلاوة.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن أحمد الزّراتيتي الحنبلي [2] المقرئ إمام الظّاهرية البرقوتية.
ولد سنة سبع وأربعين وسبعمائة، وعني بالقراءات، ورحل فيها إلى دمشق وحلب، وأخذ عن المشايخ، واشتهر بالدّين والخير.
قال ابن حجر: سمع معنا الكثير، وسمعت منه شيئا يسيرا، ثم أقبل على الطلبة بأخرة، فأخذوا عنه القراآت، ولازموه، وأجاز للجماعة، وانتهيت إليه الرئاسة في الإقراء بمصر، ورحل إليه من الأقطار، ونعم الرجل كان.
توفي يوم الخميس سادس جمادي الآخرة بعد أن أضرّ.
وفيها السلطان محمد جلبي بن با يزيد [3] بن مراد بن أورخان بن [4] عثمان.
كان يلقب بكرشي. كان شجاعا مقداما مجاهدا، فتح عدة قلاع وبلاد،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 481) و «الضوء اللامع» (8/ 180) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 482) و «الضوء اللامع» (9/ 11) ، و «السحب الوابلة» ص (413) .
[3] في «آ» و «ط» : «بن أبي يزيد» والصواب ما أثبته نقلا عن «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (777) و «الشقائق النعمانية» ص (37) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 484) و «الضوء اللامع» (10/ 47) و «الشقائق النعمانية» ص (37) و «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (149- 152) و 777) .(9/249)
وبنى المدارس، وعمر العماير، وهو أول من عمل الصرة [1] للحرمين الشريفين من آل عثمان، رحمه الله تعالى.
وفيها بدر الدّين محمود بن العلّامة شمس الدّين الأقصرائي [2] الأصل المصري المولد والدار والوفاة الحنفي.
ولد سنة بضع وتسعين وسبعمائة، ونشأ بالقاهرة، وطلب العلم، فبرع في الفقه والعربية، وشارك في عدة فنون، ورأس على أقرانه، وجالس الملك المؤيد شيخ، ثم اختص بالملك الظّاهر ططر اختصاصا زائدا، وتردّد الناس إلى بابه، وتحدّثوا برفعته فعوجل بمنيته ليلة الثلاثاء خامس المحرم.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الصر» والتصحيح من «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (152) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 484) و «الضوء اللامع» (10/ 143) وفيه «محمود بن محمد بن إبراهيم بن أحمد البدر» .(9/250)
سنة وست وعشرين وثمانمائة
فيها كان طاعون مفرط بالشام، حتّى قيل: إن جملة من مات في أيام يسيرة زيادة على خمسين ألفا، ووقع أيضا بدمياط طاعون عظيم.
وفيها توفي إبراهيم بن مبارك شاه الإسعردي الخواجا [1] التّاجر المشهور صاحب المدرسة بالجسر الأبيض.
كان كثير المال، واسع العطاء، كثير البذل. قاله ابن حجر.
وفيها الحافظ ولي الدّين أبو زرعة أحمد بن حافظ العصر شيخ الإسلام عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي [2] الإمام بن الإمام، والحافظ ابن الحافظ، وشيخ الإسلام ابن شيخ الإسلام الشافعي.
ولد في ذي الحجّة سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وبكّر به أبوه، فأحضره عند المسند أبي الحرم القلانسي في الأولى، وفي الثانية، واستجاز له من أبي الحسن العرضي، ثم رحل به إلى الشام في سنة خمس وستين وقد طعن في الثالثة، فأحضره عند جمع كثير من أصحاب الفخر ابن البخاري وأنظارهم، ثم رجع، فطلب بنفسه وقد أكمل أربع عشرة سنة، فطاف على الشيوخ، وكتب الطّباق، وفهم الفنّ، واشتغل في الفقه، والعربية، والمعاني، والبيان، وأحضر على جمال
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 120) و «الضوء اللامع» (1/ 118) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 21) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 103) و «الضوء اللامع» (1/ 302) و «حسن المحاضرة» (1/ 206) و «الدليل الشافي» (1/ 53) و «البدر الطالع» (1/ 72) .(9/251)
الدّين الإسنوي، وشهاب الدّين ابن النّقيب، وغيرهما، وأقبل على التّصنيف، فصنّف أشياء لطيفة في فنون الحديث، ثم ناب في الحكم، وأقبل على الفقه، فصنّف «النّكت على المختصرات الثلاثة» جمع فيها بين «التوشيح» للقاضي تاج الدّين السّبكي، وبين «تصحيح الحاوي» لابن الملقّن، وزاد عليهما فوائد من «حاشية الروضة» للبلقيني، ومن «المهمات» للإسنوي، وتلقى الطلبة هذا الكتاب بالقبول ونسخوه وقرأوه عليه، واختصر أيضا «المهمات» وأضاف إليها «حواشي البلقيني على الروضة» .
وكان لما مات أبوه تقرّر في وظائفه، فدرّس بالجامع الطّولاني وغيره، ثم ولي القضاء الأكبر، وصرف عنه، فحصل له سوء مزاج من كونه صرف ببعض تلامذته، بل ببعض من لا يفهم عنه كما ينبغي، فكان يقول: لو عزلت بغير فلان ما صعب عليّ، وكان من خير أهل عصره بشاشة وصلابة في الحكم، وقياما في الحقّ وطلاقة وجه، وحسن خلق، وطيب عشرة.
وتوفي في يوم الخميس التاسع والعشرين من شهر رمضان عن ثلاث وستين سنة وثمانية أشهر، ودفن عند والده، رحمهما الله تعالى.
وفيها مجد الدّين أبو البركات سالم بن سالم بن أحمد المقدسي ثم المصري الحنبلي [1] ، قاضي القضاة بالدّيار المصرية وشيخ الإسلام بها.
ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وقدم القاهرة في سنة أربع وستين، واستقرّ في القضاء بعد وفاة القاضي موفق الدّين بن نصر الله المتقدّم ذكره، وكان يعدّ من فقهاء الحنابلة وأخيارهم، باشر القضاء نيابة واستقلالا أكثر من ثلاثين سنة بتواضع وعفّة، وعزل بابن مغلي، فقال بعضهم عند عزله:
قضى المجد قاضي الحنبليّة نحبه ... بعزل وما موت الرّجال سوى العزل
وقد كان يدّعى قبل ذلك سالما ... فخالطه فرط انسهال من المغلي
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 28) و «الضوء اللامع» (3/ 241) و «السّحب الوابلة» ص (170) .(9/252)
وتوفي يوم الخميس تاسع عشري [1] ذي القعدة بعد أن ابتلي بالزّمانة والعطلة عدة سنين.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن الشيخ شمس الدّين محمد بن إسماعيل القلقشندي [2] الشافعي، سبط الشيخ صلاح الدّين العلائي.
اشتغل على أبيه وغيره، وأحبّ الحديث وطلبه، وكتب الطّباق بخطّه، وصنّف، ونظم، وكان فاضلا نبيها.
قال ابن حجر: سمع معي في الرحلة إلى دمشق، كثيرا بها، وبنابلس، والقدس، وغيرها، وصار مفيد بلده في عصره، وقدم القاهرة في هذه السنة فأسمع ولده بها من جماعة، وكان حسن العقل والخط، حاذقا، رجع إلى بلده فمات بها، وأسفنا عليه، رحمه الله تعالى. انتهى.
وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن علي بن أحمد النّويري ثم المكّي الشافعي العقيلي [3] .
ولد سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، وتفقّه، ومهر، وقرأ «سنن أبي داود» على السّراج البلقيني سنة اثنتين وثمانمائة، وكان أبوه مالكي المذهب، فخالفه وأقام بالقاهرة مدة، وأخذ عن شيوخها، وأذن له الشيخ برهان الدّين الأنباسي، وبدر الدّين الطّنبدي، ثم دخل اليمن وولي القضاء بتعزّ، ثم رجع إلى مكة فتوفي بها في حادي عشر ذي الحجّة.
وفيها عبد القادر، ويدعى محمدا، ابن قاضي الحنابلة علاء الدّين علي بن محمود بن المغلي السّليماني ثم الحموي الحنبلي [4] .
نشأ على طريقة حسنة، ونبغ، وحفظ «المحرّر» وغيره.
__________
[1] في «آ» : «تاسع عشر» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 29) و «الضوء اللامع» (4/ 124) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 31) و «الضوء اللامع» (4/ 221) و «العقد الثمين» (5/ 452) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 31) و «الضوء اللامع» (4/ 280) .(9/253)
وتوفي مراهقا في نصف ذي القعدة وأسف أبوه عليه جدا، ولم يكن له ولد غيره.
وفيها نور الدّين علي بن رمح بن سنان بن قنا الشافعي [1] .
سمع من عزّ الدّين ابن جماعة وغيره، ولم ينجب، وصار بأخرة يتكسّب في حوانيت الشهود، وهو أحد الصّوفية بالخانقاه البيبرسية.
وتوفي عن أزيد من ثمانين سنة.
وفيها زين الدّين وسراج الدّين عمر بن عبد الله بن علي بن أبي بكر، الأديب الشاعر، الأنصاري الأسواني [2] نزيل القاهرة.
ولد بأسوان سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وقدم القاهرة فأقام بها مدة، ثم توجه إلى دمشق، وأخذ الأدب عن الشيخ جلال الدّين ابن خطيب داريا، ثم عاد إلى القاهرة واستوطنها إلى أن مات بها.
قال المقريزي: كان يقول الشعر، ويتقن شيئا من العربية، مع تعاظم وتطاول وإعجاب بنفسه، واطّراح جانب الناس، لا يرى أحدا وإن جلّ شيئا، بل يصرّح بأن أبناء زمانه كلّهم ليسوا بشيء، وأنه هو العالم دونهم، وأنه يجب على الكافة تعظيمه والقيام بحقوقه وبذل أموالهم كلها له، لا لمعنى فيه يقتضي ذلك، بل سوء طباع، وكان يمدح فلا يجد من يوفيه حقه بزعمه، فيرجع إلى الهجاء، فلذلك كان مشنوءا عند الناس.
ومن شعره [3] :
إنّ دهري لقد رماني بقوم ... هم على بلوتي أشدّ حثيثا
إن أفه بينهم بشيء أجدهم ... لا يكادون يفقهون حديثا
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 32) و «الضوء اللامع» (5/ 220) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 33) و «الضوء اللامع» (6/ 95) .
[3] البيتان في «إنباء الغمر» ورواية الشطر الأول من البيت الأول فيه كما يلي:
إن ذا الدهر قد رماني بقوم(9/254)
وتوفي يوم الجمعة حادي عشر ربيع الأول.
وفيها زين الدّين عمر بن محمد الصّفدي ثم النّيني [1]- بنون مفتوحة، ثم ياء تحتية ساكنة، ثم نون- الشافعي.
اشتغل قديما، ومهر، حتّى صار يستحضر «الكفاية» لابن الرّفعة، وأخذ بدمشق عن علاء الدّين حجي وأنظاره. وسمع من ابن قوالح، وناب في الحكم في بلاد عديدة في معاملات حلب، ثم قدم القاهرة قبل العشرين وثمانمائة، ونزل بالمؤيدية في طلبة الشافعية، وكان كثير التقتير على نفسه.
وتوفي بمصر في جمادى الأولى وقد قارب الثمانين، ووجد له مبلغ عند بعض الناس فوضع يده عليه ولم يصل لوارثه منه شيء، عفا الله عنه.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن عمر بن يوسف المقدسي الصّالحي الحنبلي، المعروف بابن المكّي [2] .
ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وتفقه قليلا، وتعانى الشهادة، ولازم مجلس القاضي شمس الدّين بن التّقي، وولي رئاسة المؤذنين بجامع الأموي، وكان من خيار العدول، عارفا، جهوري الصّوت، حسن الشكل، طلق الوجه، منوّر الشّيبة، أصيب بعدة أولاد له كانوا أعيان عدول البلدة مع النجابة والوسامة فماتوا بالطاعون ثم توفي هو في جمادى الأولى.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن أحمد الغزّي الحلبي المقرئ، المعروف بابن الركّاب [3] .
ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة بغزّة، وتعانى الاشتغال بالقراءات، فمهر، وقطن بحلب، واشتغل في الفقه بدمشق مدة، ثم أقبل على التّلاوة والإقراء، فانتفع
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 34) و «الضوء اللامع» (6/ 118) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 36) و «الضوء اللامع» (8/ 101) و «السحب الوابلة» ص (396) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 36) و «الضوء اللامع» (8/ 158) وفيه: «ابن أبي البركات» .(9/255)
به [1] أهل حلب، واقرأ أكابرهم وفقراءهم بغير أجرة. وممن قرأ عليه قاضي حلب علاء الدّين ابن خطيب الناصرية، وكان قائما بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ومواظبة الإقراء، مع الهرم.
وتوفي في تاسع عشر ربيع الأول.
وفيها محمد بن الشيخ شمس الدّين محمد بن عبد الدائم البرماوي [2] .
كان قد مهر، وحفظ عدة كتب، وتوجه مع أبيه إلى الشام فمات بالطّاعون، ولم يكمل العشرين سنة، وأسف عليه أبوه، ولم يقم بالشام بعده بل قدم القاهرة.
__________
[1] لفظه «به» سقطت من «آ» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 37) و «الضوء اللامع» (9/ 90) .(9/256)
سنة سبع وعشرين وثمانمائة
فيها توفي الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل بن الأفضل عبّاس بن المجاهد علي صاحب اليمن [1] .
استقرّ في المملكة بعد أبيه سنة ثلاث وثمانمائة، وجرت له كائنات، وكان فاجرا جائرا.
قال ابن حجر: مات بسبب صاعقة سقطت على حصنه من زجاج فارتاع من صوتها فتوعك.
ثم مات في سادس عشر جمادى الآخرة.
قال الله تعالى: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها من يَشاءُ 13: 13 [الرّعد: 13] .
انتهى بحروفه.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الله البوتيجي الشافعي [2] .
تفقه ومهر، وحفظ «المنهاج» وكان يتكسّب بالشهادة، ثم تركها تورعا.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن أحمد النّويري المكّي المالكي [3] ، قاضي مكّة وإمام المالكية بحرمها الشريف وابن إمامهم.
ولد في صفر سنة ثمانين وسبعمائة، وسمع على والده، والعفيف عبد الله،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 49) و «الضوء اللامع» (1/ 239) و «الدليل الشافي» (1/ 41) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 50) و «الضوء اللامع» (1/ 371) .
[3] ترجمته في «العقد الثمين» (3/ 98) و «الضوء اللامع» (2/ 8) .(9/257)
وبقراءة أخيه عبد العزيز المذكور في السنة التي قبلها على الشيخ نصر الله بن أحمد البغدادي الحنبلي، ومن جماعة أخر بمكّة. وحفظ «رسالة ابن أبي زيد المالكي» وتفقه على الشريف أبي الخير الفاسي وغيره، وأفتى، ودرّس، وولي بعد وفاة والده بمدة إمامة المالكية بالحرم، ثم بعد مدة طويلة ولي القضاء فلم يتمّ أمره، ودام مصروفا إلى أن توفي قبيل العصر من يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الآخر، ودفن بالمعلاة، وكان له ثروة.
وفيها القاضي محبّ الدّين أحمد بن الشيخ جمال الدّين محمد بن عبد الله بن ظهيرة المخزومي الشافعي [1] قاضي مكّة وابن قاضيها، ومفتيها وابن مفتيها.
ولد في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وسبعمائة، وحفظ «المنهاج» وعدة كتب، وتفقه بوالده وغيره، وأذن له في الإفتاء الشّهاب الغزّي، والشّهاب ابن حجي، وغيرهما.
وكان ماهرا في الفقه والفرائض، حسن السيرة في القضاء، ولي من سنة ثماني عشرة إلى أن مات.
وتوفي في جمادى الأولى، وخلت مكّة بعده ممن يفتي فيها على مذهب الشافعي. قاله ابن حجر.
وفيها زين الدّين أبو بكر بن عمر بن محمد الطّريني ثم المحلّي المالكي [2] الشيخ الفاضل المعتقد.
كان صالحا، ورعا، حسن المعرفة بالفقه، قائما في نصر الحق، وله أتباع وصيت كبير.
وتوفي في حادي عشر ذي الحجّة وقد جاوز الستين.
وفيها الملك العادل فخر الدّين أبو المفاخر سليمان بن الملك الكامل
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 50) و «الضوء اللامع» (2/ 134) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 51) و «الضوء اللامع» (11/ 64) .(9/258)
غازي بن محمد بن أبي بكر بن شادي [1] صاحب حصن كيفا وابن صاحبه.
تسلطن في الحصن بعد موت أبيه، وحسنت أيامه، وكان مشكور السيرة، محبّبا للرعية، مع الفضيلة التّامة، والذكاء، والمشاركة الحسنة، وله نظم، ونثر، وديوان شعر لطيف.
ومن شعره:
أريعان الشّباب عليك منّي ... سلام كلّما هبّ النّسيم
سروري مع زمانك قد تناءى ... وعندي بعده وجد مقيم
فلا برحت لياليك الغوادي ... وبدر التّمّ لي فيها نديم
يغازلني بغنج والمحيّا ... يضيء وثغره درّ نظيم
وقد مثل لدنّ [2] إن تثنّى ... وريقته بها يشفي السّقيم
إذا مزجت رحيق مع رضاب ... ونحن بليل طرّته نهيم
ونصبح في ألذّ العيش حتّى ... تقول وشاتنا هذا النّعيم
ونرتع في رياض الحسن طورا ... وطورا للتّعانق نستديم
واستمرّ في مملكة الحصن إلى أن توفي، وأقيم بعده ولده الملك الأشرف أحمد المقتول بيد أعوان قرايلك في سنة ست وثلاثين وثمانمائة.
وفيها عبيد الله [3] بن محمد بن محمد [4] بن محمد [4] بن زبد- بالزاي والباء الموحدة [5]- البعلبكي الشافعي، المعروف بان زبد [6] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 53) و «الضوء اللامع» (3/ 268) و «المنهل الصافي» (6/ 48- 51) و «الدليل الشافي» (1/ 320) .
[2] في «الضوء اللامع» : «وقد سل لدن» .
[3] كذا في «آ» و «ط» : «عبيد الله» وفي «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «عبد الله» .
[4، 4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[5] كذا في «آ» و «ط» : «ابن زبد بالزاي والباء الموحدة» وفي «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «ابن زيد» بالياء.
[6] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 54) و «الضوء اللامع» (5/ 65- 66) .(9/259)
ولد سنة ستين وسبعمائة تقريبا، وتفقه على ابن الشّريشي، والقرشي، وغيرهما بدمشق. ثم ولي قضاء بلده قبل اللّنك، ودرّس وأفتى، ثم ولي قضاء طرابلس في سنة عشر، ثم ولاه المؤيد قضاء دمشق عوضا عن نجم الدّين بن حجي في سنة تسع عشرة، ثم في سنة ست وعشرين في أيام الأشرف، وكانت مدته في الولايات يسيرة جدا الأولى ستة أشهر، والثانية شهرا ونصفا. ولما صرف في النّوبة الثانية حصل له ذلّ كبير، وقهر زائد، وذهب غالب ما كان حصّله في عمره، ولحقه فالج، فاستمرّ به إلى أن مات في ربيع الأول. قاله ابن حجر.
وفيها أبو محمد بن عبد الله بن مسعود بن علي الملبّي [1] المعروف بابن القرشية [2] .
أخذ عن أبيه عن الوادياشي، وعن أبي عبد الله بن عرفة، وأبي علي عمر بن قدّاح الهواري، وأحمد بن إدريس الزواوي شيخ بجاية.
أخذ عنه «المسلسل بالأولية» و «مصافحة المعمّرين» وأبي عبد الله بن مرزوق في آخرين تتضمنهم «فهرسته» التي أجاز فيها لابن أخيه أبي الفرج سرور بن عبد الله القرشي.
وتوفي بتونس على ما ذكره ابن أخيه سرور.
وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمد الزّرندي المدني الحنفي [3] قاضي الحنفية بالمدينة المنورة.
ولد في ذي القعدة سنة ست وأربعين وسبعمائة بالمدينة، وسمع على عزّ الدّين بن جماعة، وصلاح الدّين العلائي، وأجاز له الزّبير بن علي الأسواني، فكان خاتمة أصحابه.
وتوفي في ربيع الأول.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «الحلبي» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 55) و «الضوء اللامع» (5/ 70) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 56) و «الضوء اللامع» (4/ 105) و «التحفة اللطيفة» (2/ 518) .(9/260)
وفيها محيي الدّين عبد القادر بن أبي الفتح محمد بن أبي المكارم أحمد بن أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الشريف الحسني الفاسي [1] الأصل المكي الحنبلي أخو قاضي القضاة سراج الدّين عبد اللّطيف الحنبلي.
ولد سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وقرأ، وتفقه، وناب في الحكم عن أخيه شقيقه سراج الدّين المذكور.
وتوفي بمكة في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شعبان، ودفن بالمعلاة.
قاله تقي الدّين الفاسي في «تاريخه» .
وفيها نور الدّين علي [بن محمد] بن عبد الكريم الفوي [2] .
قال ابن حجر: سمع من الشيخ جمال الدّين بن نباتة، وأحمد بن يوسف الخلاطي، وغيرهما. وحدّث بالكثير.
سمعت عليه «السيرة النبوية» لابن هشام ونعم الشيخ كان.
مات في خامس ذي الحجّة وبلغ الستين.
وفيها [3] نور الدّين [3] علي بن لؤلؤ [4] .
قال ابن حجر: كان عالما متورّعا، لا يأكل إلّا من عمل يده، ولم يتقلّد وظيفة قطّ، ولازم الإقراء بالجامع الأزهر وغيره، وانتفع الناس به، وله مقدّمة في العربية سهلة المأخذ.
مات في عشر الستين. انتهى.
وفيها عيسى بن يحيى الرّيغي- براء، ومثناة تحية، وغين معجمة، نسبة
__________
[1] ترجمته في «العقد الثمين» (5/ 47) و «الضوء اللامع» (4/ 287) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 56) و «الضوء اللامع» (5/ 313) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 57) و «الضوء اللامع» (5/ 276) .(9/261)
إلى ريغة إقليم بالمغرب- المغربي [1] المالكي، نزيل مكة.
قال الفاسي: كان خيرا متعبدا معتنيا بالعلم نظرا وإفادة، وله في النحو وغيره يد، وسمع الحديث بمكّة على جماعة من شيوخها والقادمين إليها، وكان كثير السعي في مصالح الفقراء والطّرحاء، وجمعهم من الطرقات إلى البيمارستان المستنصري بالجانب الشامي من المسجد الحرام، وربما حمل الفقراء المنقطعين بعد الحجّ إلى مكّة من منى، وجاور بمكة سنين كثيرة تقارب العشرين [2] وتأهل فيها بنساء من أعيان مكة، ورزق بها أولادا، وبها توفي ليلة الاثنين سلخ المحرم، ودفن بالمعلاة وهو في عشر الستين ظنا [2] وفيها محمد بن أحمد بن المبارك الحموي بن الخرزي الحنفي [3] ولد قبل سنة ستين وسبعمائة، واشتغل على الصّدر منصور وغيره [4] من أشياخ الحنفية بدمشق، ثم سكن حماة، وتحول إلى مصر بعد اللّنك، وناب في الحكم، ثم تحوّل إلى دمشق، ودرّس، وكان مشاركا في عدة فنون إلّا أن يده في الفقه ضعيفة، وكان كثير المرض. وتوفي في شعبان.
وفيها بدر الدّين محمد بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن محمد بن سليمان بن جعفر القرشي المخزومي الإسكندراني [5] المالكي النحوي الأديب.
قال السيوطي في «طبقات النّحاة» : [6] ولد بالإسكندرية سنة أربع وستين وسبعمائة، وتفقه، وتعانى الأدب ففاق في النحو [6] والنّظم، والنّثر، والخط، ومعرفة الشّروط، وشارك في الفقه وغيره، وناب في الحكم، ودرّس بعدة مدارس، وتقدم، ومهر، واشتهر ذكره، وتصدّر بالجامع الأزهر لإقراء النحو، ثم رجع إلى
__________
[1] ترجمته في «العقد الثمين» (6/ 472) و «الضوء اللامع» (5/ 158) وفيه «الريفي» .
[2- 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 58) و «الضوء اللامع» (7/ 38) .
[4] لفظة «وغيره» سقطت من «ط» .
[5] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 184) و «بغية الوعاة» (1/ 66) .
[6- 6] ما بين الرقمين سقط من «آ» .(9/262)
الإسكندرية، واستمرّ يقرئ بها، ويحكم، ويتكسب بالتجارة، ثم قدم القاهرة، وعيّن للقضاء لم يتفق له، ودخل دمشق سنة ثمانمائة، وحجّ منها، وعاد إلى بلده، وتولي خطابة الجامع، وترك الحكم، وأقبل على الاشتغال، ثم أقبل على أشغال الدنيا وأمورها، فتعانى الحياكة، وصار له دولاب متّسع، فاحترقت داره، وصار عليه مال كثير، ففرّ إلى الصّعيد، فتبعه غرماؤه، وأحضروه مهانا إلى القاهرة، فقام معه الشيخ تقي الدّين بن حجة، وكاتب السرّ ناصر الدّين البارزي، حتّى صلحت حاله، ثم حجّ سنة تسع عشرة، ودخل اليمن سنة عشرين، ودرّس بجامع زبيد نحو سنة فلم يرج له بها أمر، فركب البحر إلى الهند، فحصل له إقبال كثير، وعظّموه، وأخذوا عنه، وحصل له دنيا عريضة، فبغته الأجل ببلد كلبرجة من الهند في شعبان، قتل مسموما.
وله من التصانيف: «شرح الخزرجية» و «جواهر البحور» في العروض، و «تحفة الغريب في شرح مغني اللّبيب» و «شرح البخاري» و «شرح التسهيل» و «الفواكه البدرية» من نظمه و «مقاطع الشرب ونزول الغيث» وهو حاشية على الغيث الذي انسجم في «شرح لامية العجم» للصّفدي و «عين الحياة» مختصر «حياة الحيوان» للدّميري، وغير ذلك.
روى لنا عنه غير واحد.
ومن شعره:
رماني زماني بما ساءني ... فجاءت نحوس وغابت سعود
وأصبحت بين الورى بالمشيب ... غليلا فليت الشّباب يعود
وله في امرأة جبّانة:
مذ تعانت لصنعة الجبن خود [1] ... قتلتنا عيونها الفتّانة
لا تقل لي كم مات فيها قتيل؟ ... كم قتيل بهذه الجبّانة
__________
[1] رواية الشطر الأول من البيتين في «بغية الوعاة» كما يلي:
منذ عانت صناعة الجبن خود(9/263)
انتهى كلام السيوطي بحروفه ومن نظمه أيضا:
قلت له والدّجى مولّ ... ونحن بالأنس في التّلاقي
قد عطس الصّبح يا حبيبي ... فلا تشمّته بالفراق
وله ملغزا في غزال:
إنّ من قد هويته ... محنتي في وقوفه
فإذا زال ربعه ... زال باقي حروفه
وفيها نجم الدّين محمد بن أبي بكر بن علي بن يوسف الذّروي الأصل الصّعيدي ثم المكّي الشافعي، المعروف بالمرجاني [1] .
ولد سنة ستين وسبعمائة بمكة، وأسمع على العزّ بن جماعة وغيره، وقرأ في الفقه والعربية، وتصدى للتدريس والإفادة، وله نظم حسن ونفاذ في العربية، وحسن عشرة، ورحل في طلب الحديث إلى دمشق، فسمع من ابن خطيب المزّة، وابن المحبّ، وابن الصّيرفي، وغيرهم بإفادة الياسوفي وغيره، وكان يثني عليه وعلى فضائله، وحدّث قليلا، فسمع منه ابن حجر. وتوفي في رجب.
وفيها شمس الدّين محمد بن سعد بن محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي بكر بن مصلح بن أبي بكر بن سعد المقدسي الحنفي، المعروف بابن الدّيري [2] نسبة إلى مكان بمردا من جبل نابلس.
ولد سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين وسبعمائة، وتعانى الفقه والاشتغال في الفنون، وعمل المواعيد، ثم تقدم في بلده حتّى صار مفتيها والمرجوع إليه فيها، وكانت له أحوال مع الأمراء وغيرهم، يقوم فيها عليهم ويأمرهم بكف الظّلم، واشتهر اسمه، فلما مات ناصر الدّين بن العديم في سنة تسع عشرة استدعاه المؤيد فقرّره في قضاء الحنفية بالقاهرة، وكان قدمها مرارا، فباشرها بصرامة، وشهامة،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 159) و «الضوء اللامع» (7/ 182) و «العقد الثمين» (1/ 429) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 60) و «الضوء اللامع» (8/ 88) وفيهما: «محمد بن عبد الله بن سعد ... » .(9/264)
وقوة نفس، ثم انمزج مع المصريين، ومازج [1] الناس، وكان منقادا لما يأمر ويروم ابن البارزي، ولما كملت المؤيدية قرّر في مشيختها، وظنّ أن السلطان لا يخرج عنه القضاء، فجاء الأمر بخلاف ظنّه، فإنه لما قرّره في المشيخة قال له: استرحنا واسترحت، يشير بذلك إلى كثرة الشكاوي عليه من الأمراء، وكان ابن الديري، كثير الازدراء بأهل عصره، لا يظنّ أن أحدا منهم يعرف شيئا، مع دعوى عريضة وشدّة إعجاب مع شدّة التعصب لمذهبه والحطّ على مذهب غيره، سامحه الله.
وكان يأسف على بيت المقدس، ويقول: سكنته أكثر من خمسين سنة، ثم أموت في غيره، فقدرت وفاته به في سابع ذي الحجّة، واستقرّ ولده سعد الدّين في مشيخة المؤيدية.
وفيها المولى حافظ الدّين محمد بن محمد الكردي الحنفي المشهور بابن البزّازي [2] له كتاب مشهور من الفتاوى، اشتهر ب «الفتاوى البزّازية» وكتاب في مناقب الإمام الأعظم، وكتاب في «المطالب العالية» نافع جدا، ولما دخل بلاد الرّوم ذاكر وباحث المولى الفناري، وغلبه في الفروع، وغلبه الفناري في الأصول.
وتوفي في أواسط رمضان.
وفيها شرف الدّين يعقوب بن جلال، واسم جلال رسولا [3] ، ويسمى أيضا أحمد الرّومي الحنفي العجمي الأصل المصري المولد والدار والوفاة، المعروف بالتبّاني- بفتح المثناة الفوقية، وتشديد الموحدة التحتية، لسكنه بالتبانة خارج القاهرة-.
نشأ بالقاهرة، وتفقه بوالده وغيره، وبرع في الفقه، والأصلين، والعربية، والمعاني، والبيان، وأفتى، ودرّس سنين، وولي وكالة بيت المال، ونظر الكسوة،
__________
[1] في «إنباء الغمر» : «وساس» وفي «الضوء اللامع» : «وياسر» .
[2] ترجمته في «تلفيق الأخبار» (2/ 39) و «أعلام» (7/ 45) و «معجم المؤلفين» (3/ 177- 178) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 61) و «الضوء اللامع» (10/ 282) و «الدليل الشافي» (2/ 790) .(9/265)
ومشيخة خانقاه شيخون، كان ذا همّة عالية، ومكارم، وبرّ، وإيثار، وصدقة، وحرمة في الدولة، وكلمة مسموعة، وصلة بالأمراء والأكابر، واختص بالملك المؤيد شيخ اختصاص كثيرا، وعظم، وضخم، وتردّد الناس إلى بابه، وهو منع ذلك ملازم للاشتغال والإشغال، مع الدّيانة والصّيانة. قاله في «المنهل الصّافي» .
وشرع في شرح «المشارق» .
وتوفي بالقاهرة فجأة يوم الأربعاء سادس عشر صفر عن نيف وسبعين سنة، واستقرّ بعده في الشيخونية سراج الدّين قارئ «الهداية»
.(9/266)
سنة ثمان وعشرين وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الأسدي العبشمي، الشهير جدّه بالطواشي [1] .
ولد بعد الستين وسبعمائة، وأحضر في الثالثة على ابن جماعة، وأسمع على الضّياء الهندي وغيره، وأجاز له الكمال بن حبيب، ومحمد بن جابر، وأبو جعفر الرّعيني، وأبو الفضل النّويري، والزّرندي، والأميوطي، وغيرهم، وكان خيّرا، ديّنا، منقطعا عن الناس.
توفي بمكة يوم الجمعة سابع عشر شعبان.
وفيها الإمام في الأدب وفنونه الزّين شعبان بن محمد بن داود المصري الأثاري [2] . قاله في [3] «ذيل دول الذهبي» .
وفيها الحافظ نور الدّين أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن سلامة بن عطوف الشّافعي المكي السّلمي، المعروف بابن سلامة [4] .
ولد في سابع شوال سنة ست وأربعين وسبعمائة بمكّة، وسمع بها من الشيخ خليل المالكي، والعزّ ابن جماعة، وغيرهما، ورحل إلى بغداد، فسمع بها على جماعة، ورحل إلى البلاد الشامية والمصرية، فسمع بها على من لا يحصى ما لا
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 80) و «الضوء اللامع» (1/ 256) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 82) و «الضوء اللامع» (3/ 301) و «الذيل التام على دول الإسلام» .
[3] لفظة «في» سقطت من «آ» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 85) و «الضوء اللامع» (5/ 183) و «العقد الثمين» (6/ 139) .(9/267)
يحصى، وسمع ببيت المقدس، وبلد الخليل، ونابلس، والإسكندرية، وعدة من البلاد، وأجاز له جماعة كثيرة، وله مشيخة شيوخة بالسّماع والإجازة، و «فهرست» ما سمعه وقرأه من الكتب والأجزاء تخريج الإمام تقي الدّين بن فهد، وتفقه بجماعة، وأذن له بالإفتاء والتدريس جماعة، منهم سراج الدّين بن الملقّن، وبرهان الدّين الأبناسي، وكان له حظ من العبادة، وله عناية كثيرة بالقراءات.
ومن نظمه وقد أهدى للشيخ شمس الدّين بن الجزريّ من ماء زمزم:
ولقد نظرت فلم أجد يهدى لكم ... غير الدّعاء المستجاب الصّالح
أو جرعة من ماء زمزم قد سمت ... فضلا على مدّ الفرات السّائح
هذا الذي وصلت له يد قدرتي ... والحقّ قلت ولست فيه بمازح
فأجابه الشيخ شمس الدّين بن الجزري:
وصل المشرّف من إمام مرتضى ... نور الشّريعة ذي الكمال الواضح
وذكرت أنّك قد نظرت فلم تجد ... غير الدّعاء المستجاب الصّالح
أو جرعة من ماء زمزم حبّذا ... ما قد وجدت ولست فيه بمازح
أما الدّعاة فلست أبغي غيره ... ما كنت قطّ إلى سواه بطامح
وتوفي ابن سلامة بمكّة المشرّفة يوم السبت رابع عشري شوال.
وفيها القاضي علاء الدّين أبو الحسن علي بن محمود بن أبي بكر بن مغلي الحنبلي [1] أعجوبة الزّمان الحافظ.
قال في «المنهل» : ولد بحماة، وقيل بسلمية سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، ونشأ بحماة، وطلب العلم، وقدم دمشق، فتفقّه بابن رجب الحنبلي وغيره، وسمع «مسند الإمام أحمد» وغيره، وبرع في الفقه، والنحو، والحديث، وغير ذلك.
وتولى قضاء حماة وعمره نحو عشرين سنة، ثم قضاء حلب، وعاد إلى بلده حماة،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 86) و «الضوء اللامع» (6/ 34) و «الدليل الشافي» (1/ 481) .(9/268)
وولي قضاءها، وحمدت سيرته، إلى أن طلبه السلطان المؤيد شيخ إلى الدّيار المصرية، وولاه قضاء قضاة الحنابلة بها مضافا إلى قضاء حماة.
وكان إماما، عالما، حافظا، يحفظ في كل مذهب من المذاهب الأربعة كتابا يستحضره في مباحثه.
وكان سريع الحفظ إلى الغاية، ويحكى عنه في ذلك غرائب، منها ما حكى بعض الفقهاء قال: استعار منّي أوراقا نحو عشرة كراريس، فلما أخذها منّي احتجت إلى مراجعتها في اليوم، فرجعت إليه بعد ساعة هنيّة وقلت: أريد أنظر في الكراريس نظرة ثم خذها ثانيا، فقال: ما بقي لي فيها حاجة قد حفظتها، ثم سردها من حفظه.
وتوفي بالقاهرة قاضيا يوم الخميس العشرين من المحرّم، ودفن بتربة باب النصر، وخلّف مالا جمّا ورثه ابن أخيه محمود. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الحريري البيري [1] الشافعي [2] أخو جمال الدّين الاستادار.
ولد في حدود الخمسين وسبعمائة، وتفقه على أبي البركات الأنصاري، وسمع من أبي عبد الله بن جابر، وأبي جعفر الغرناطي نزيل البيرة بحلب، وولي قضاء البيرة مدة، ثم قضاء حلب سنة ست وثمانمائة، ثم تحوّل إلى القاهرة في دولة أخيه، وتوجه إلى مكّة فجاور بها، ثم قدم فعظم قدره، وعيّن للقضاء، ثم ولي مشيخة البيبرسية، ثم درّس بالمدرسة المجاورة للشافعي، ثم انتزعتا منه بعد كائنة أخيه، ثم أعيدت إليه البيبرسية في سنة ست عشرة، ثم صرف عنها بابن حجر في سنة ثماني عشرة، ثم قرّر في مشيخة سعيد السّعداء، وكان قد ولي خطابة بيت المقدس.
وتوفي في سحر يوم الجمعة رابع عشري ذي الحجّة.
__________
[1] لفظة «البيري» سقطت من «آ» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 89) و «الضوء اللامع» (7/ 43) و «الدليل الشافي» (2/ 595) .(9/269)
وفيها شمس الدّين محمد بن القاضي شهاب الدّين أحمد الدّمزي المالكي [1] .
ولد سنة بضع وستين وسبعمائة، وتفقّه، وأحبّ الحديث، فسمعه وطاف على الشيوخ.
قال ابن حجر: وسمع معنا كثيرا من المشايخ [2] وكان حسن المذاكرة، جيد الاستحضار، ودرّس بالناصرية الحسنية وغيرها [2] . وكان قليل الحظ.
مات في العشرين من جمادى الأولى. انتهى.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن المحبّ عبد الله السّعدي المقدسي الأصل ثم الدمشقي الحنبلي [3] ، المحدّث الإمام.
ولد في شوال سنة خمس وخمسين وسبعمائة، وأحضره والده في السنة الأولى من عمره مجالس الحديث، وأسمعه كثيرا على عدة شيوخ، منهم عبد الله ابن القيّم، وأحمد بن الحوفي، وعمر بن أميلة، وستّ العزّ ابنة محمد بن الفخر بن البخاري، وحدّث قبل فتنة تمرلنك وبعدها، وصنّف شرحا على البخاري، وله نظم ونثر، وكان يقرأ «الصحيحين» في الجامع الأموي، وحصل به النّفع العام.
توفي بطيبة في رمضان وقد رأى في نومه من نحو عشرين سنة ما يدل على موته هناك.
وفيها شمس الدّين محمد الحموي النّحوي، المعروف بابن العيّار [4] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 91) وفيه «الدفري» .
[2- 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 93) و «الضوء اللامع» (9/ 194) و «السحب الوابلة» ص (427) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 93) و «بغية الوعاة» (1/ 289) .(9/270)
قال ابن حجر: كان في أول أمره حائكا، ثم تعانى الاشتغال فمهر في العربية، وأخذ عن ابن جابر وغيره، ثم سكن دمشق، ورتّب له على الجامع تصدير بعناية البارزي، وكان حسن المحاضرة، ولم يكن محمودا في تعاطى الشهادات.
مات في ذي القعدة. انتهى.(9/271)
سنة تسع وعشرين وثمانمائة
في رمضانها كان فتح قبرس، وعمل زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن الخرّاط موقّع الدست بالقلعة قصيدة طويلة فائية أولها:
بشراك يا ملك الملوك الأشرف ... بفتح قبرس بالحسام المشرفي
فتح بشهر الصّوم تمّ قتاله ... من أشرف في أشرف في أشرف
قالت دمى تلك البلاد وقد عفا ... إنجيلهم أهلا بأهل المصحف
وفي آخرها:
لم تخلف الأيام مثلك فاتكا ... ملكا ومثلي شاعرا لم تخلف
فيك التّقى والعدل والإحسان في ... كلّ الرّعية والوفا والفضل في
وبيع السّبي والغنائم، وحمل الثمن إلى الخزانة السلطانية، وفرّق في الذين جاهدوا منه بعضه.
وفيها نهب المدينة عاملها عجلان بن ثابت لما بلغه أنه عزل بابن عمه حسن بن جمّاز، وهدم أكثر بيوتها، وحرق، وسلم منه بيوت الرافضة، وأقام قاضيا رافضيا بها يقال له: الصّيقل، ولم يسلم منه من أرباب الخدم إلّا القاضي الشافعي لأنه استجار بقريب لعجلان يقال له: مانع فأجاره.
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن محمد القطوي الشافعي [1] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 109) و «الضوء اللامع» (2/ 208) .(9/272)
ولد بقطية سنة تسع وسبعين وسبعمائة، وأبوه إذ ذاك الحاكم [1] بها، ونشأ نشأة حسنة، وحفظ «الحاوي» ، واشتغل في الفرائض، ولازم الشيخ شمس الدّين العراقي في ذلك، وكان يستحضر «الحاوي» وكثيرا من شرحه، واشتغل في العربية قليلا، ثم ولي قضاء قطية [2] بعد أبيه، ثم ولي قضاء غزّة في أول الدولة المؤيدية، ثم استقرّ في دمياط [3] مع بقاء قطية معه، فاستناب فيها قريبة زين الدّين عبد الرحمن، واستمرّ في دمياط [3] في غاية الإعزاز والإكرام، وكان كثير الاحتمال، حسن الأخلاق، وصاهر ابن حجر على ابنته رابعة، ودخل بها وهي [4] بكر سنة خمس عشرة، وولدت منه بنتا، ثم مات عنها في شهر رمضان، وكثر الأسف عليه.
وفيها الشيخ تقي الدّين أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن بن حريز بن معلى بن موسى بن حريز بن سعيد بن داود بن قاسم بن علي بن علوي بن ناشي بن جوهر بن علي بن أبي القاسم بن سالم بن عبد الله بن عمر بن موسى بن يحيى بن علي الأصغر بن محمد المتّقي بن حسن العسكري [5] بن علي بن محمد الجواد بن علي الرّضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصّادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الحصني،- نسبة إلى الحصن قرية من قرى حوران [6]- ثم الدمشقي الفقيه الشافعي [7] .
ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وتفقه بالشّريشي، والزّهري، وابن الجابي، والصّرخدي، والغزّي، وابن غنّوم. وأخذ عن الصّدر الياسوفي، ثم
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «الحكم» .
[2] تحرفت في «ط» إلى «قضية» .
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[4] لفظة «وهي» سقطت من «آ» .
[5] لفظة «العسكري» سقطت من «ط» .
[6] قال ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 265) : «حصن مقدية» : هو من أعمال أذرعات من أعمال دمشق.
[7] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 110) وفيه «محمد بن عبد الله» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 97- 99) و «الضوء اللامع» (11/ 81) و «درر العقود الفريدة» (1/ 190- 191) .(9/273)
انحرف عن طريقته، وحطّ على ابن تيميّة [1] ، وبالغ في ذلك، وتلقى ذلك عنه الطلبة بدمشق، وثارت بسبب ذلك فتن كثيرة، وكان يميل إلى التقشف ويبالغ في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وللناس فيه اعتقاد زائد، ولخّص «المهمات» في مجلد، وكتب على «التنبيه» .
قال القاضي تقي الدّين الأسدي: كان خفيف الرّوح، منبسطا، له نوادر، ويخرج إلى النّزه ويبعث الطلبة على ذلك، مع الدّين المتين، والتّحري في أقواله وأفعاله، وتزوّج عدة نساء، ثم انقطع وتقشّف وانجمع، وكل ذلك قبل القرن [2] ثم ازداد بعد الفتنة تقشّفه وانجماعه، وكثرت مع ذلك أتباعه، حتّى امتنع من مكالمة الناس، ويطلق لسانه في القضاة وأصحاب الولايات، وله في الزّهد والتّقلّل من الدنيا حكايات تضاهي ما نقل عن الأقدمين، وكان يتعصب للأشاعرة، وأصيب في سمعه وبصره فضعف، وشرع في عمارة رباط داخل باب الصغير، فساعده الناس بأموالهم وأنفسهم، ثم شرع في عمارة خان السّبيل ففرغ في مدة قريبة، وكان قد جمع تآليف كثيرة قبل الفتنة، وكتب بخطّه كثيرا في الفقه والزّهد.
وقال السخاوي: شرح «التنبيه» و «المنهاج» وشرح «مسلم» في ثلاث مجلدات، ولخص «المهمات» في مجلدين، وخرّج أحاديث «الإحياء» مجلد [3] وشرح «النواوية» مجلد، و «أهوال القيامة» مجلد، وجمع «سير نساء السّلف العابدات» مجلد، و «قواعد الفقه» مجلد، و «تفسير القرآن إلى الأنعام» آيات متفرقة مجلد، و «تأديب القوم» مجلد، و «سير السالك» مجلد، و «تنبيه السالك على مضار [4] المهالك» ست مجلدات، و «شرح الغاية» مجلد، و «شرح النهاية»
__________
[1] لفظة «تيمية» سقطت من «آ» .
[2] أي قبل دخول القرن التاسع الهجري.
[3] قلت: لم أعثر على ذكر لكتابه المذكور عند السخاوي في «الضوء اللامع» ولكن ذكره ابن قاضي شهبة في «طبقاته» في معرض حديثه عن مؤلفاته ولعل المؤلف قد نقل عنه وعزا النقل للسخاوي.
والله أعلم.
[4] في «ط» : «مظان» وما جاء في «آ» موافق لما عند ابن قاضي شهبة والسخاوي، وفي اسم الكتاب اختلاف.(9/274)
مجلد، و «قمع النّفوس» مجلد، و «دفع الشّبه» مجلد، و «شرح أسماء الله الحسنى» مجلد، و «المولد» مجلد.
وتوفي بخلوته بجامع المزّاز بالشاغور بعد مغرب ليلة الأربعاء خامس عشر جمادى الآخرة وصلّى عليه بالمصلي، صلّى عليه ابن أخيه، ثم صلّي عليه ثانيا عند جامع كريم الدّين، ودفن بالقبيبات في أطراف العمارة على جادة الطريق عند والدته، وحضر جنازته عالم لا يحصيهم إلا الله، مع بعد المسافة وعدم علم أكثر الناس بوفاته، وازدحموا على حمله للتبرك به، وختم عند قبره ختمات كثيرة، وصلّى عليه أمم ممن فاتته الصلاة على قبره، ورؤيت له منامات صالحة في حياته وبعد موته. انتهى.
وفيها شمس الدّين شمس بن عطاء الهروي الرّازي الأصل [1] القاضي الشافعي.
كان يكتب أيام قضائه محمد بن عطا قال ابن حجر: كان شيخا عالما [2] ، ضخما، طوالا، أبيض اللحية، مليح الشكل، إلا أن في لسانه مسكة.
وقال الحافظ تاج الدّين محمد بن الغرابيلي [3] ما نصه- كما نقله عنه البرهان البقاعي-: محمد بن عطا شمس الدّين أبو عبد الله الهروي، شيخنا الامام العالم، أحد عجائب الوقت في كل أموره، حتى في كذبه وزوره، ولم ير مثل نفسه، ولا والله ما رأى أحد من أهل عصره المخرّفة مثله [4] في كل شيء من العلوم والظلم،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 113) .
[2] لفظة «عالما» لم ترد في «ط» و «إنباء الغمر» .
[3] هو محمد بن محمد بن محمد بن مسلم بن علي بن أبي الجود السالمي القاهري ثم الكركي المقدسي الشافعي، ويعرف بابن الغرابيلي، محدّث، حافظ، مؤرخ، مشارك في بعض العلوم.
ولد بالقاهرة وتوفي فيها سنة (835 هـ-) . انظر «الضوء اللامع» (9/ 306- 308) و «معجم المؤلفين» (11/ 296) .
[4] في «ط» : «ولا والله ما رأى من أهل عصره أحد مثله» ولفظة «المخرّقة» تصحفت فيها إلى «المخرقة» وتأخرت إلى ما بعد لفظة «والظلم» .(9/275)
ولولا أني كنت أشاهد جوارحه في كل وقت لقلت: إنه شيطان، خرج إلى الناس في زي إنسان. أفردت ترجمة تشتمل على عجائبه في نحو كرّاسة.
مات- رحمه الله وأرضى عنه خصومه- يوم الاثنين بعد الفجر تاسع عشر ذي الحجّة من جمرة طلعت بين كتفيه، وصلّى عليه بعد الظهر بالمسجد الأقصى، وحمل إلى تربة ماملا فدفن إلى جوار شيخنا العلّامة أحد الزّهّاد عمر البلخي، رحمه الله تعالى. انتهى بحروفه.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن علي بن إسحاق بن سلام بن عبد الوهاب بن الحسن بن سلام الدمشقي الشافعي [1] .
ولد سنة خمس أو ست وخمسين وسبعمائة، وحفظ القرآن، و «التنبيه» و «الألفية» و «مختصر ابن الحاجب» . وتفقه على علاء الدّين بن حجي، وابن قاضي شهبة، وغيرهما. وأخذ الأصول عن الضّياء القرمي، وارتحل إلى القاهرة، فقرأ «المختصر» على الركراكي، وكان يطريه، حتّى كان يقول يعرفه أكثر من مصنّفه، فاشتهر وتميّز ومهر، وأصيب في الفتنة الكبرى بماله وفي يده بالحرق وأسروه، فسار معهم إلى ماردين، ثم انفلت منهم، وقرّره ابن حجي في الظّاهرية البرّانية، ونزل له التّاج الزّهري عن العذراوية، ودرّس بالرّكنية، وكان يقرئ في الفقه و «المختصر» إقراء حسنا، وله يد في الأدب والنّظم والنثر، وكان بحثه أقوى من تقريره، وكان مقتصدا في ملبسه وغيره، شريف النّفس، حسن المحاضرة، ينسب إلى نصرة مقالة ابن العربي، وكان يطلق لسانه في جماعة من الكبار، واتفق أنه حجّ في هذه السنة، فلما ردّ من الحجّ والزيارة مات في وادي بني سالم في أواخر ذي الحجّة، وحمل إلى المدينة فدفن بالبقيع وقد شاخ.
وفيها سراج الدّين أبو حفص عمر بن علي بن فارس المصري الحنفي،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 114) و «الضوء اللامع» (5/ 251) .(9/276)
المعروف بقارئ الهداية [1] .
قال في «المنهل» : شيخ الإسلام وعالم [2] زمانه.
ولد بالحسينيّة ظاهر القاهرة، ونشأ بالقاهرة، وحفظ القرآن العظيم، وطلب العلم، وتفقه بجماعة من علماء عصره، وجدّ ودأب، حتّى برع في الفقه وأصوله، والنحو، والتفسير، وشارك في عدة علوم، وصار إمام عصره ووحيد دهره، وتصدّى للإقراء والتدريس والفتوى عدة سنين، وانتهت إليه رئاسة السادة الحنفية في زمانه، وانتفع به غالب الطلبة، وصار المعوّل عليه في الفتوى بالدّيار المصريّة، وشاع ذكره، وبعد صيته، وتولى عدّة مدارس ووظائف دينية، وكان مهابا، وقورا، أوقاته مقسّمة للطلبة، وعلى دروسه خفر ومهابة، هذا مع اطراح الكلفة، والاقتصاد في ملبسه، والتعاطي لشراء ما يحتاجه من الأسواق بنفسه، وكان يسكن بين القصرين، ويذهب لتدريس الشيخونية على حمار، ولم يركب الخيل. انتهى ملخصا.
وفيها كمال الدّين أبو الفضل محمد بن أحمد بن ظهيرة المخزومي المكّي الشافعي [3] ابن عمّ الشيخ جمال الدّين محمد.
ولد في ربيع الأول سنة ست وخمسين وسبعمائة، وسمع من عزّ الدّين بن جماعة، والشيخ خليل المالكي، والموفق الحنبلي، وابن عبد المعطي، وناب في الخطابة، وحدّث، وأضر بأخرة، وتوفي في صفر.
وفيها القاضي جمال الدّين يوسف بن خالد بن أيوب الحفناوي- بفتح الحاء المهملة، وسكون الفاء، ونون، نسبة إلى حفنا قرية بمصر [4]- الشافعي [5]
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 115) و «الضوء اللامع» (6/ 109) و «الدليل الشافي» (1/ 501- 502) .
[2] في «ط» : «وعلم» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 117) و «العقد الثمين» (1/ 293) .
[4] انظر «التحفة السنية» ص (29) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 117) و «الضوء اللامع» (10/ 312) .(9/277)
نشأ بحلب، وقرأ الفقه على ابن أبي الرضي، وقرأ عليه القراآت، ثم سافر إلى ماردين، فأخذ عن زين الدّين سريجا، وولي قضاء ملطية مدة، ثم دخل القاهرة، وولي [1] قضاء حلب، ثم قضاء طرابلس، ثم كتابة السرّ بصفد، وكان حسن الشكل، فائق الخطّ، قوي النّظم.
وتوفي بطرابلس في ثالث عشر المحرم.
__________
[1] في «ط» : «وتولى» .(9/278)
سنة ثلاثين وثمانمائة
في عاشر جمادى الآخرة منها قبض على تغري بردي المحمودي وهو يومئذ رأس نوبة [كبير] ، وهو يلعب مع السلطان بالأكرة في الحوش، وذكر أن ذنبه أنه اختلس من أموال قبرس، وشيّع في الحال إلى الإسكندرية مقيّدا.
ومن عجائب ما اتفق له في تلك الحال أن شاهد ديوانه شمس الدّين محمد بن الشامية لحقه قبل أن يصل إلى البحر، فقال له- وهو يبكي-: يا خوند! هل لك عندي مال؟ وقصد أن يقول: لا. فينفعه ذلك بعده عند السلطان وغيره، فكان جوابه له: أنا لا مال لي بل [المال] للسلطان، فلما سمعها ابن الشّامية دق صدره، واشتد حزنه، وسقط ميّتا من غير ضعف ولا علّة. قاله ابن حجر [1] .
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن يوسف الزّعيفريني الدمشقي ثم القاهري [2] .
قال ابن حجر: كان أديبا بارعا.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن موسى بن نصير المتبولي الشافعي [3] القاضي، أحد نوّاب الحكم.
قال في «المنهل» : ولد في حدود سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وكان فقيها
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (8/ 121) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 125) و «الضوء اللامع» (2/ 250) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 124) و «الضوء اللامع» (2/ 230) و «الدليل الشافي» (1/ 91) .(9/279)
محدّثا. سمع الكثير، وحدّث عن محمد بن ازبك، وعمر بن أميلة، وستّ العرب، وآخرين.
وتوفي يوم الأربعاء ثاني ربيع الأول. انتهى.
وفيها أويس بن شاه در بن شاه زاده بن أويس [1] صاحب بغداد.
قتل في الحرب بينه وبين محمد شاه بن قرا يوسف، واستولى محمد شاه على بغداد مرّة أخرى.
وفيها الملك المنصور عبد الله بن الناصر أحمد بن الأشرف [2] صاحب اليمن.
توفي في جمادى الأولى، واستقرّ بعده الأشرف إسماعيل بن الناصر أحمد.
وفيها نجم الدّين أبو الفتوح عمر بن حجّي بن موسى بن أحمد بن سعد السّعدي الحسباني الأصل الدمشقي الشافعي [3] .
ولد بدمشق سنة سبع وستين وسبعمائة، وقرأ القرآن، ومات والده وهو صغير، فحفظ «التنبيه» في ثمانية أشهر، وحفظ كثيرا من المختصرات، وأسمعه أخوه الشيخ شهاب الدّين من ابن أميلة وجماعة، واستجاز له من جماعة، وسمع هو بنفسه من جماعة كثيرة، وأخذ العلم عن أخيه وابن الشّريشي، والزّهري، وغيرهم، ودخل مصر سنة تسع وثمانين، فأخذ عن ابن الملقّن، والبدر الزّركشي، والعزّ بن جماعة، وغيرهم. وأذن له ابن الملقن، ولازم الشّرف الأنطاكي.
قال ابن حجر: تعلّم العربية، وكان قليل الاستحضار إلّا أنه حسن الذّهن، جيد التّصرف، وحجّ سنة ست وثمانين، ثم ولي إفتاء دار العدل سنة اثنتين
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 127) و «الضوء اللامع» (2/ 324) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 127) و «الضوء اللامع» (5/ 5) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 129) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 122) و «الضوء اللامع» (6/ 78) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 257) و «الدليل الشافي» (1/ 496) .(9/280)
وتسعين، وجرت له كائنة مع الباعوني هو والغزّي وغيرهما، فضربهم وطوّفهم، وسجنوا بالقلعة، وذلك في رمضان سنة خمس وتسعين، ثم حجّ سنة تسع وتسعين، وجاور وولي قضاء حماة مرتين، ثم قضاء الشام مرارا.
وقال في «المنهل» : ثم طلب لقضاء الدّيار المصرية فامتنع، ولما كانت دولة الأشرف برسباي طلبه إلى الديار المصرية وخلع عليه باستقراره في كتابة السرّ في حادي عشر جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وباشر ذلك بتجمّل وحرمة وافرة وعدم التفات إلى رفقته من مباشري الدولة، فعمل عليه بعضهم حتّى عزل وأخرج من القاهرة على وجه شنع في جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين إلى دمشق، ثم جهّز إليه تقليد بقضاء دمشق، فباشر، وكان حاكما، صارما، مقداما، رئيسا، فاضلا، ذا حرمة وإحسان لأهل العلم والخير، واستمر قاضيا إلى أن قتل ببستانه في النّيرب خارج دمشق، ولم تدر زوجته إلّا وهو يضطرب في دمه، وذلك في ليلة الأحد مستهل ذي القعدة ولم يعرف قاتله.
وفيها فتح الدّين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب بن محمود بن ختلوا الحلبي ابن الشّحنة [1] أخو العلّامة محبّ الدّين الحنفي.
كان أصغر سنا من أخيه، واشتغل كثيرا في الفقه، وناب عن أخيه في الحكم، ثم تحوّل بعد الفتنة العظمى مالكيا، وولي القضاء، ثم عزل، وحصل له نكد لاختلاف الدول، ثم عاد إلى القضاء مرارا.
قال القاضي علاء الدّين الحلبي: رافقته في القضاء، وكان صديقي وصاحبي وعنده مروءة وحشمة، وأنشد له من نظمه:
لا تلوموا الغمام إن صبّ دمعا ... وتوالت لأجله الأنواء
فاللّيالي أكثرن فينا الرّزايا ... فبكت رحمة علينا السّماء
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 150) و «إنباء الغمر» (8/ 128) .(9/281)
وفيها تاج الدّين أبو عبد الله محمد بن المحدّث عماد الدّين إسماعيل بن محمد بن نصر بن بردس بن رسلان البعلبكي الحنبلي [1] .
ولد يوم السبت تاسع عشري جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين وسبعمائة ببعلبك، وسمع من والده، وأسمعه أيضا من عدة، منهم أبو عبد الله بن الخبّاز.
سمع منه «صحيح مسلم» و «جزء ابن عرفة» وهو آخر من حدّث عنه. وسمع من أبي عبد الله محمد بن يحيى بن السعر جميع «مسند الإمام أحمد» وتفرّد برواية «المسند» عنه ومن ابن الجوخي، وابن أميلة، وجماعة من أصحاب ابن البخاري، وحدّث، ورحل الناس إليه، وانتفع به جماعة، منهم الشيخ تقي الدّين بن قندس، وكان ملازما للاشغال في العلم ورواية الحديث، ولا يخلّ بتلاوة القرآن، مع قراءته لمحفوظاته، وكان طلق الوجه، حسن الملتقى، كثير البشاشة، ذا فكاهة ولين، مع عبادة وصلاح وصلابة في الدّين، مبالغا في حبّ الشيخ تقي الدّين بن تيميّة، وكان كثير الصّدقة سرّا، ملازما لقيام الليل، وله نظم ونثر، ومن نظمه ما كتب على استدعاء إجازته لجماعة:
أجزت للإخوان ما قد سألوا ... مولاهم ربّ العلى في الأثر
وذاك بالشّرط الّذي قرّره ... أئمّة النّقل رواة الأثر
وتوفي ببعلبك في شوال.
وفيها بدر الدّين محمد بن إبراهيم بن محمد الدمشقي الأصل البشتكي [2] .
كان أبوه فاضلا، فنزل بخانقاه بشتاك الناصري، فولد له بدر الدّين هذا بها، وكان جميل الصّورة، فنشى محبّا في العلم، وحفظ القرآن وعدة مختصرات، وتعانى الأدب فمهر فيه، ولازم ابن أبي حجلة، وابن الصّايغ، ثم قدم ابن نباتة فلازمه، ثم رافق جلال الدّين بن خطيب داريّا، وأخذ عن البهاء السّبكي وغيره.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 133) و «الضوء اللامع» (7/ 142) و «السحب الوابلة» ص (364) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 132) و «الضوء اللامع» (6/ 277) .(9/282)
قال ابن حجر: وبالجملة، كان عديم النظير في الذكاء وسرعة الإدراك، إلا أنه تبلّد ذهنه بكثرة النسخ. سمعت منه كثيرا من شعره وفوائده.
ومن نظمه:
وكنت إذا الحوادث دنّستني ... فزعت إلى المدامة والنّديم
لأغسل بالكؤوس الهمّ عنّي ... لأنّ الرّاح صابون الهموم
وكانت وفاته فجأة داخل [1] الحمّام فمات في الحوض يوم الاثنين ثالث عشري جمادي الآخرة.
وفيها شمس الدّين محمد بن خالد بن موسى الحمصي القاضي الحنبلي [2] المعروف بابن زهرة- بفتح الزاي- أول حنبلي ولي قضاء حمص.
كان أبوه خالد شافعيا، فيقال إن شخصا رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقال له: إن خالدا ولد له ولد حنبلي، فاتفق أنه كان ولد له هذا، فشغّله لما كبر بمذهب الحنابلة.
وقرأ على ابن قاضي الجبل، وزين الدّين بن رجب، وغيرهما، وولي قضاء حمص.
وفيها تقي الدّين محمد بن عبد الواحد بن العماد محمد بن القاضي علم الدّين أحمد بن أبي بكر الأخنائي [3] المالكي نائب الحكم.
قال ابن حجر: كان من خيار القضاة.
مات في سادس ذي الحجّة بمكة، وكان قد جاور بها [4] في هذه السنة.
انتهى.
وفيها محيي الدّين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن
__________
[1] في «ط» : «دخل» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 134) و «السحب الوابلة» ص (378) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 135) و «الضوء اللامع» (8/ 132) .
[4] في «آ» : «وكان قد جاور بمكة» .(9/283)
محمد بن محمد بن محمد بن الإمام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزّالي الشافعي الطّوسي [1] .
قدم من بلاده إلى حلب في شهر رمضان من هذه السنة بعد أن كان دخل الشام قديما، وسمع من مسند الوقت ابن أميلة، وحدّث عنه في هذه القدمة.
قال في «ذيل تاريخ حلب» : رأيت أتباعه يذكرون عنه علما كثيرا، وزهدا، وورعا، وأخبر عنه بعض الطلبة أنه حجّ مرارا، منها واحدة ماشيا على قدم التجريد، وكان معظّما في بلاده، وأخذ عنه إبراهيم بن علي الزّمزمي المكّي.
وتوفي بحلب في العشر الأخير من شهر رمضان، وكانت جنازته مشهودة.
انتهى، والله أعلم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 135) و «الضوء اللامع» (9/ 289) .(9/284)
سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة
فيها ولد السّخاوي تلميذ ابن حجر.
وفيها توفي شمس الدّين محمد بن أحمد بن موسى بن عبد الله الكفيري [1] الشافعي العجلوني الأصل ثم الدمشقي [2] .
ولد في العشر الأول من شوال سنة سبع وخمسين وسبعمائة، وحفظ «التنبيه» وأخذ عن ابن قاضي شهبة وغيره، ولازم الشيخ شمس الدّين الغزّي مدة طويلة، واشتهر بحفظ الفروع، وكتب بخطه الكثير، وناب في الحكم، وولي بعض التداريس، وحجّ مرارا، وجاور، وولي مرة قضاء الركب، وجمع شرحا على «البخاري» في ست مجلدات.
وكان قد لخص شرح ابن الملقن، وشرح الكرماني، ثم جمع بينهما، وسمع على ابن أميلة، وابن قواليح [3] وابن المحبّ، وابن عوض، وخلائق وصنّف «عين النّبيه في شرح التنبيه» واختصر «الروض الأنف» للسهيلي وسماه «زهر الروض» .
وتوفي في ثالث عشر المحرم.
وفيها تاج الدّين أبو حامد محمد بن بهادر بن عبد الله [4] .
__________
[1] في «آ» : «الكفري» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 160) و «الضوء اللامع» (7/ 111) .
[3] في «ط» : «ابن قوالح» .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 204- 205) .(9/285)
قال البرهان البقاعي: الإمام العلّامة القدوة سبط ابن الشهيد.
كان يعرف علوما كثيرة، ويحلّ أي كتاب قرئ عليه سواء كان عنده له شرح أم لا، وكان فصيح العبارة، حسن التقرير، صحيح الذّهن، دينا، شديد الانجماع عن الناس، مع خفّة الروح، ولطافة المزاج، والصّبر على الطلبة، وعدم الميل إلى الدنيا، وكثرة التلاوة لكتاب الله تعالى، وإيثار العزلة والانقطاع في الجامع، مع التجمل في اللّباس والهيئة.
وتوفي صبح يوم الثلاثاء تاسع شهر رمضان بدمشق عن ثلاث وثلاثين سنة، ولم أر جنازة أحفل من جنازته، وو الله لم يحصل لي بأحد من النفع ما حصل لي به. انتهى ملخصا.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الدائم بن عيسى بن فارس البرماوي الشافعي [1] .
ولد في نصف ذي القعدة سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وكان اسم والده فارسا فغيّره البرماوي، وتفقه وهو شاب، وسمع من إبراهيم بن إسحاق الآمدي، وعبد الرحمن بن علي [2] القارئ، وغيرهما.
قال الحافظ تاج الدّين بن الغرابيلي الكركي ما نصه: هو أحد الأئمة الأجلاء، والبحر الذي لا تكدّره الدّلاء، فريد دهره ووحيد عصره، ما رأيت أقعد منه بفنون العلوم، مع ما كان عليه من التواضع والخير، وصنّف التصانيف المفيدة، منها «شرح البخاري» شرح حسن، ولخص «المهمات» و «التوشيح» ونظم «ألفية» في أصول الفقه لم يسبق إلى مثل وضعها وشرحها شرحا حافلا نحو مجلدين، وكان يقول: أكثر هذا الكتاب هو جملة ما حصلت في طول عمري، وشرح «لامية ابن مالك» شرحا في غاية الجودة، واختصر «السيرة» وكتب الكثير، وحشّى الحواشي المفيدة، وعلّق التعاليق النّفيسة والفتاوي العجيبة، وكان من عجائب دهره.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 161) و «الضوء اللامع» (8/ 280) .
[2] لفظة «علي» سقطت من «ط» .(9/286)
جاور بمكة سنة، ثم قدم إلى القاهرة، فوافى موت شيخنا شمس بن عطا الهروي، فولّي الصّلاحية، وقدم القدس، فأقام بها قريب سنة غالبها ضعيف بالقرحة [1] .
وتوفي بها يوم الخميس ثامن عشري أحد الجمادين، ودفن بتربة ماملا بجوار الشيخ أبي عبد الله القرشي. انتهى.
وكان بينه وبين ابن حجر نوع وقفة، والله أعلم.
__________
[1] في «آ» : «بالقرية» .(9/287)
سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة
فيها توفي أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب المرشدي المكّي [1] أخو محمد، وعبد الواحد.
قال ابن حجر: ولد سنة ستين وسبعمائة، وسمع من محمد بن أحمد بن عبد المعطي «صحيح ابن حبّان» ومن عبد الله بن أسعد اليافعي «صحيح البخاري» ومن عزّ الدّين بن جماعة وغيرهم، وأجاز له الصّلاح ابن أبي عمر، وابن أميلة، وابن هبل، وابن قواليح، وغيرهم، وحدّث.
وتوفي بمكّة يوم الخميس رابع ذي القعدة.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس محمد بن عمر بن أحمد، وقيل عبد الله، المعروف بالشّاب التائب الشافعي [2] .
قال في «المنهل الصّافي» : الفقيه الشافعي، الواعظ المذكّر بالله تعالى.
مولده بالقاهرة في حدود الستين وسبعمائة، وبها نشأ، وطلب العلم، وتفقه، ومال إلى التّصوف، وطاف البلاد، وحجّ مرارا، ودخل اليمن مرتين، والعراق، والشام، وكثيرا من البلاد الشرقية. وكان ماهرا في الوعظ، والناس فيه اعتقاد زائد، وبنى زوايا بعدة بلاد، كمصر والشام وغيرهما، واستوطن دمشق فمات بها يوم الجمعة ثامن عشر رجب. انتهى ملخصا.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 180) و «الضوء اللامع» (1/ 191) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 181) و «الدليل الشافي» (1/ 67) و «الضوء اللامع» (2/ 5) وفيها جميعا: «أحمد بن عمر ... » فليحرر.(9/288)
وفيها نور الدّين علي بن عبد الله [1] .
قال في «المنهل» : «الشيخ الأديب المعتقد، النحريري المولد والمنشأ والدار والوفاة، الشهير بابن عامرية.
كان أديبا شاعرا فاضلا وأكثر شعره في المدائح النبوية.
توفي بالنّحريرية [2] في يوم الخميس سادس عشر ربيع الآخر.
وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن عبد الله الشّطّنوفي [3]- بفتح الشين المعجمة وتشديد الطاء المهملة، نسبة إلى شطّنوف بلد بمصر [4]- النحوي.
قال السيوطي: ولد بعد الخمسين وسبعمائة، وقدم القاهرة شابا، واشتغل بالفقه، ومهر في العربية، وتصدّر بالجامع الطولوني في القراآت، وفي الحديث بالشيخونية، وانتفع به الطلبة، وسمع الحديث، وحدّث، ولم يرزق الإسناد العالي، وكان كثير التّواضع، مشكور السيرة.
أخذ عنه النحو جماعة، شيخنا تقي الدّين الشّمنّي، وحدّثنا عنه خلق، منهم شيخنا علم الدّين البلقيني.
وتوفي ليلة الاثنين سادس عشر ربيع الأول.
وفيها الحافظ تقي الدّين أبو الطّيب محمد بن أحمد بن علي الفاسي ثم المكّي المالكي [5] مفيد البلاد الحجازية وعالمها.
__________
[1] ترجمته في «النجوم الزاهرة» (15/ 153) و «الدليل الشافي» (1/ 459) و «الضوء اللامع» (5/ 254) .
[2] النحريرية: بلدة بمصر. انظر «تحفة السّنية» ص (70) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 187) و «الضوء اللامع» (6/ 256) و «بغية الوعاة» (1/ 10- 11) .
[4] شطنوف: بلدة بمصر. انظر «التحفة السّنية» ص (106) .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 187) و «العقد الثمين» (1/ 331) و «الدليل الشافي» (2/ 585) و «الضوء اللامع» (7/ 18) .(9/289)
ولد سنة خمس وسبعين وسبعمائة، وأجاز له بإفادة الشيخ نجم الدّين المرجاني ابن عوض، وابن السّلار، وابن المحبّ، وجماعة من الدماشقة، وعني بالحديث، فسمع بعد التسعين من جماعة ببلده، ورحل إلى القاهرة والشام مرارا، وولي قضاء بلده للمالكية، وهو أول مالكي ولي القضاء بها استقلالا، وصنّف «أخبار مكة» و «أخبار ولاتها» و «أخبار من نبل بها من أهلها وغيرهم» عدة مصنّفات طوال وقصار، وذيّل على «العبر» للذهبي، وعلى «التقييد» لابن نقطة، وعمل «الأربعين المتباينة» و «فهرست مروياته» وكان لطيف الذات، حسن الأخلاق، عارفا بالأمور الدينية والدنيوية، له غور [1] ودهاء، وتجربة وحسن عشرة، وحلاوة لسان، يجلب [2] القلوب بحسن عبارته ولطيف إشارته.
قال ابن حجر: رافقني في السماع كثيرا بمصر، والشام، واليمن، وغيرها، وكنت أوده وأعظمه وأقوم معه في مهماته، ولقد ساءني موته وأسفت على فقد مثله، فلله الأمر، وكان قد أصيب ببصره، وله في ذلك أخبار، ومكن من قدحه فما أطاق ذلك ولا إفادة. انتهى.
ومن مصنّفاته «العقد الثمين في أخبار البلد الأمين» [3] و «غاية المرام في أخبار البلد الحرام» .
وتوفي بمكة في رابع شوال.
وفيها ناصر الدّين محمد بن عبد الوهاب بن محمد البارنباري- بالباء الموحدة، وبعد الألف راء، ثم نون، ثم موحدة، نسبة إلى بارنبار قرية قرب دمياط- الشافعي النحوي [4] .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «تمور» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[2] في «ط» : «يخلب» .
[3] طبع في مصر على مراحل وحقق الجزء الأولى منه الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي، والأجزاء الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع الأستاذ فؤاد سيد، والجزء الثامن د. محمود محمد الطناحي، وهي طبعة جيدة، لكنها بحاجة ماسة إلى فهارس مفصلة تلحق بها لكي يتم الانتفاع بالكتاب على أكمل وجه.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 189) و «الضوء اللامع» (8/ 138) و «بغية الوعاة» (1/ 169) .(9/290)
قال السيوطي: ولد قبيل سبعين وسبعمائة، وقدم القاهرة، فاشتهر، ومهر في الفقه، والعربية، والحساب، والعروض، وغير ذلك. وتصدّر بالجامع الأزهر تبرعا، ودرّس وأفتى مدة، وأقرأ وخطب، وناب في الجمالية عن حفيد الشيخ ولي الدّين العراقي، ثم انتزعها منه الشيخ شمس الدّين البرماوي، وأصابه فالج أبطل نصفه، واستمر موعوكا [1] إلى أن مات ليلة الأحد حادي عشر ربيع الأول.
وفيها محمد ويدعى الخضر بن علي بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم النّويري الشافعي [2] .
ولد في ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وتفقه قليلا، وأسمع على العزّ بن جماعة، وابن حبيب، وابن عبد المعطي، والأميوطي، ومن بعدهم.
وأجاز له البهاء بن خليل، والجمال الإسنوي، وأبو البقاء السّبكي، وغيرهم، وناب في الحكم عن قريبة عزّ الدّين بن محبّ الدّين. وولي قضاء المدينة مدة يسيرة، ولم يصل إليها، بل استناب ابن المطري، وصرف، وكان ضخما جدا، وانصلح بأخرة، وهو والد أبي اليمن خطيب الحرم.
وتوفي في رابع عشر ذي الحجّة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «موعكا» وما أثبته من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 189) و «الضوء اللامع» (8/ 161) .(9/291)
سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة
فيها كما قال البرهان البقاعي أخبرني الفاضل البارع بدر الدّين حسين البيري الشافعي أنه سكن آمد مدة وأنها أمطرت بها ضفادع، وذلك في فصل الصيف، وأخبرني أن ذلك غير منكر في تلك الناحية بل هو أمر معتاد، وأن الضفادع تستمر إلى زمن الشتاء فتموت، وأخبرني أن أهل المدينة وهي آمد أخبروه أنها أمطرت عليهم مرّة حيّات ومرة أخرى دما. انتهى.
وفيها كان الغلاء الشديد بحلب ودمشق، والطّاعون المفرط بدمشق، وحمص، ومصر، حتى قال ابن حجر [1] ركب أربعون نفسا مركبا يقصدون الصعيد، فما وصلت إلى الميمون [2] حتى مات الجميع، وأن ثمانية عشر صيّادا اجتمعوا في مكان، فمات منهم في يوم واحد أربعة عشر، فجهّزهم الأربعة، فمات منهم وهم مشاة ثلاثة، فلما وصل بهم الآخر إلى المقبرة مات. انتهى.
وفيها مات صاحب الحبشة إسحاق بن داود بن سيف أرغد الحبشي الأمحري [3] .
توفي في ذي القعدة، وكانت ولايته إحدى وعشرين سنة.
وأقيم بعده ولده أندراس، فملك أربعة أشهر وهلك، فأقيم عمّه خرنباي بن
__________
[1] انظر «فتح الباري» (8/ 200) .
[2] الميمون: قرية جبلية بالصعيد الأدنى قرب الفسطاط على غربي النيل. انظر «معجم البلدان» (5/ 245) و «التحفة السنية» ص (141) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 209) و «الضوء اللامع» (2/ 277) و «الدليل الشافي» (1/ 116) .(9/292)
داود فهلك في سبعة أشهر، فأقيم سلمون بن إسحاق بن داود المذكور فهلك سريعا، فأقيم بعده صبيّ صغير إلى أن هلك في طاعون سنة تسع وثلاثين.
وفيها صارم الدّين إبراهيم بن ناصر الدّين بن الحسام الصّقري [1] .
نشأ طالبا للعلم، فتأدب، وتعلّم الحساب والكتابة، والأدب والخط البارع، وولي حسبة القاهرة في أواخر أيام المؤيد.
وتوفي مطعونا في ثامن عشر جمادى الآخرة.
وفيها زين الدّين أبو بكر بن عمر بن عرفات القمني الشافعي [2] الشيخ الإمام العالم.
ولد بناحية قمن من ريف مصر [3] . وقدم القاهرة، وتفقّه بها على جماعة من علماء عصره [4] وبرع في المذهب [4] وصحب أعيان الأمراء فأثرى بعد فقر، وتولى تدريس الصلاحية بالقدس الشريف، ودرّس بعدة مدارس، وكتب على الفتاوى، واشتغل.
وتوفي ليلة الجمعة ثالث عشر رجل عن نحو ثمانين سنة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن إبراهيم بن عدنان الشّريف الحسيني الدمشقي الأصل والمولد والمنشأ المصري الوفاة الشافعي [5] .
ولد في سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ومع والده نقابة الأشراف بدمشق [6] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 205) و «الضوء اللامع» (1/ 157) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 209) و «الضوء اللامع» (11/ 63) .
[3] قال ياقوت في «معجم البلدان» (4/ 398) : قمن: بكسر أوله، وفتح ثانيه، وآخره نون، بوزن سمن، كذا ضبطه الأديبي وأفاد فيه المصريون، قرية من قرى مصر نحو الصعيد. وانظر «التحفة السنية» ص (145) .
[4، 4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 206) و «الضوء اللامع» (2/ 5) و «الدليل الشافي» (1/ 62) .
[6] لفظة «بدمشق» سقطت من «ط» .(9/293)
[1] قال ابن حجر: وكان فيه جراءة وإقدام، ثم ترقّى بعد موت أبيه، فولي نقابة الأشراف بدمشق [1] ثم كتابة السّرّ في سلطنة المؤيد، ثم ولي القضاء بدمشق في سلطنة الأشرف. انتهى.
وقال في «المنهل» : تفقه على مذهب الشافعي، وولي بدمشق عدة وظائف سنية، وتكرّر قدومه إلى القاهرة، إلى أن طلبه الأشرف برسباي إلى الديار المصرية، وولّاه كتابة سرّها فباشرها مباشرة حسنة، وسار فيها أجمل سيرة، على أنه لم تطل أيّامه، فإن قدومه إلى القاهرة كان في ذي الحجّة سنة اثنتين وثلاثين.
وتوفي ليلة الخميس ثامن عشري جمادى الآخرة بالطّاعون.
وتولي كتابة السّرّ من [2] بعده أخوه أبو بكر الملقّب عماد الدّين ولم تطل أيامه فمات ليلة الجمعة ثالث عشر رجب من هذه السنة بعد أخيه بستة عشر يوما، وكان [3] قدم مصر لزيارة أخيه فطعن ومات.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن علي بن حاتم، الشيخ الإمام الرّحلة، قاضي القضاة ابن الحبّال البعلي الحنبلي [4] .
ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وتفقه، وسمع الحديث، وولي قضاء طرابلس، ثم قضاء دمشق سنة أربع وعشرين وثمانمائة، إلى أن صرف سنة اثنتين وثلاثين في شعبان بسبب ما اعتراه من ضعف البصر والارتعاش، وكان مع ذلك كثير العبادة، ملازما على الجمعة والجماعة، منصفا لأهل العلم.
قال الشاب التائب: كان أهل طرابلس يعتقدون فيه الكمال بحيث أنه لو جاز أن يبعث الله نبيا في هذا الزّمان لكان هو.
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] لفظة «من» لم ترد في «ط» .
[3] لفظة «وكان» لم ترد في «ط» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 207) و «الضوء اللامع» (2/ 26) و «السحب الوابلة» ص (84) .(9/294)
وتوفي بطرابلس بعد قدومه إليها في يوم واحد، وذلك في ربيع الأول.
وفيها صدر الدّين أحمد بن محمود بن محمد بن عبد الله القيسري، المعروف بابن العجمي الحنفي [1] .
ولد سنة سبع وسبعين وسبعمائة بالقاهرة، ونشأ بها، واعتنى به أبوه في صغره، وصلّى بالناس التراويح بالقرآن أول ما فتحت الظاهرية سنة ثمان وثمانين وهو ابن إحدى عشرة سنة لم يكملها، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، وباشر التوقيع في ديوان الإنشاء، ثم ولي الحسبة مرارا، ونظر الجوالي، وغير ذلك، إلى أن تمت له عشر وظائف نفيسة، وأفتى ودرّس، وكان كريما، حسن المحاضرة، متواضعا، فصيحا، بحّاثا، طلق اللّسان، مستحضرا، ذكيا.
توفي بالطّاعون يوم السبت رابع عشر رجب.
وفيها تاج الدّين إسحاق بن إبراهيم بن أحمد بن محمد التّدمري الشافعي [2] خطيب الخليل.
قال ابن حجر: ذكر أنه أخذ [3] عن قاضي حلب شمس الدّين محمد بن أحمد بن المهاجر، وعن شيوخنا العراقي وابن الملقّن، وغيرهما. وأجاز له ابن الملقّن في الفقه، ومات ليلة عيد رمضان. انتهى.
وفيها أمير المؤمنين المستعين أبو الفضل العبّاس بن المتوكل بن المعتضد [4] .
استقر في الخلافة بعهد من أبيه في رجب سنة ثمان وثمانمائة [5] . وقرّر أيضا سلطانا مع الخلافة مدة، إلى أن تسلطن المؤيد فعزله من الخلافة، وقرّر فيها أخاه
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 208) و «الضوء اللامع» (2/ 223) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 208) و «الضوء اللامع» (2/ 276) .
[3] لفظة «أخذ» سقطت من «ط» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 213) و «الضوء اللامع» (4/ 19) و «تاريخ الخلفاء» ص (505) .
[5] في «آ» : «ثمان وثمانين» وهو خطأ.(9/295)
داود، ولقّب المعتضد، واعتقل المستعين بالإسكندرية، فلم يزل بها إلى أن تكلّم ططر في المملكة، فأرسل في إطلاقه، وأذن له في المجيء إلى القاهرة، فاختار الاستمرار بالإسكندرية لأنه استطابها، وحصل له مال كثير من التجارة، إلى أن توفي بها شهيدا بالطّاعون، وخلّف ولده يحيى.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن محبّ الدّين خليل بن فرح بن سعيد القدسي الأصل الدمشقي البرماوي، المعروف بالقلعي [1] .
قال البرهان البقاعي: هو شيخنا الرّبّاني الصّوفي العارف. كان إماما، عارفا، مسلّكا، مربيا، قدوة، ذا قدم راسخ في علم الباطن، مشاركا في الفقه والنحو مشاركة جيدة، أستاذا في علم الكلام، ذا حافظة قويّة، مفتوحا عليه في الكلام في الوعظ، يحفظ حديثا كثيرا ويعزوه إلى مخرجيه، وله مصنّفات، منها «منار سبل الهدى وعقيدة أهل التّقى» بحثت عليه بعضه وأقمت عنده مدّة بزاويته بالعقيبة الصّغرى.
ومات بدمشق يوم الجمعة عاشر شهر ربيع الأول. انتهى.
وفيها نسيم الدّين عبد الغني بن جلال الدّين عبد الواحد بن إبراهيم المرشدي المكّي [2] .
اشتغل كثيرا، ومهر وهو صغير، وأحبّ الحديث، فسمع الكثير، وحفظ، وذاكر، ودخل اليمن، فسمع من الشيخ مجد الدّين الفيروزآبادي، وكتب عن ابن حجر الكثير.
وتوفي مطعونا بالقاهرة.
وفيها علي بن عنان بن معافس بن رميثة بن أبي نمي الحسيني المكّي الشريف [3] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 214) و «الضوء اللامع» (5/ 18) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 215) و «الضوء اللامع» (4/ 251) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 216) و «الضوء اللامع» (5/ 272) .(9/296)
ولي إمرة مكّة مدة، ودخل المغرب بعد عزله عنها فأكرمه أبو فارس متولي تونس، ثم عاد إلى القاهرة فتوفي بها مطعونا في ثالث جمادى الآخرة، وكان عنده فضيلة ومعرفة ويحاضر بالأدب وغيره.
وفيها فاطمة بنت خليل بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح الشيخة المسندة المعمّرة الحنبلية [1] الأصيلة بنت الشيخ صلاح الدّين، وهي بنت أخي قاضي القضاة ناصر الدّين نصر الله بن أحمد الحنبلي.
شاركت الشيخ زين الدّين القبّاني في أكثر مروياته، وهي التي ذكرها شيخ الإسلام ابن حجر في «المشيخة المخرّجة» للقبايي التي سمّاها ب «المشيخة الباسمة» للقبّابي، وفاطمة.
توفيت في آخر يوم الجمعة الأول من جمادى الأولى بالقاهرة، وصلّي عليها بباب النصر ودفنت هناك.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن سليمان الأذرعي الحنفي [2] .
أخذ عن ابن الرّضي، والبدر المقدسي، وتفقه حنفيا ثم بعد اللّنك. انتقل إلى مذهب الشافعي، وولي قضاء بعلبك وغيرها، ثم عاد حنفيا، وناب في الحكم، ودرّس وأفتى، وكان يقرئ «البخاري» جيدا، ويكتب على الفتوى كتابة حسنة بخط مليح، وتوجه إلى مصر في آخر عمره، فعند وصوله طعن فمات غريبا شهيدا في جمادى الآخرة.
وفيها السلطان الصالح محمد ططر [3] .
خلع في خامس عشر ربيع الأول سنة خمس وعشرين، وأقام عند السلطان الملك الأشرف مكرّما إلى أن طعن ومات في سابع عشري جمادي الآخرة.
__________
[1] ترجمتها في «الضوء اللامع» (12/ 91) و «أعلام النساء» (4/ 53) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 218) و «الضوء اللامع» (6/ 313) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 218) و «الضوء اللامع» (274) و «الدليل الشافي» (2/ 630) .(9/297)
وفيها الحافظ شمس الدّين أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف، المعروف بابن الجزري [1] الشافعي، مقرئ الممالك الإسلامية.
ولد بدمشق ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وتفقه بها، ولهج بطلب الحديث والقراآت وبرّز فيهما، وعمر للقراء مدرسة سمّاها دار القرآن، وأقرأ الناس، وعيّن لقضاء الشام مرة ولم يتم ذلك لعارض، وقدم القاهرة مرارا، وكان شكلا حسنا، مثريا، فصيحا بليغا، وكان باشر عند قطلبك استادار ايتمش، فاتفق أنه نقم عليه شيئا فتهدده، ففرّ منه، فنزل البحر إلى بلاد الرّوم في سنة ثمان وتسعين، فاتصل بأبي يزيد بن عثمان فعظّمه وأخذ أهل البلاد عنه علم القراآت، وأكثروا عنه، ثم كان فيمن حضر الوقعة مع ابن عثمان واللّنكية، فلما أسر ابن عثمان اتصل ابن الجزري باللّنك، فعظّمه وفوّض له قضاء شيراز فباشره مدة طويلة، وكان كثير الإحسان لأهل الحجاز، وأخذ عنه أهل تلك البلاد القراآت والحديث، ثم اتفق أنه حجّ سنة اثنتين وعشرين فنهب، ففاته الحجّ، وأقام بينبع، ثم بالمدينة المنورة، ثم بمكّة إلى أن حجّ ورجع إلى العراق، ثم عاد سنة ست وعشرين، وحجّ، ودخل القاهرة سنة سبع، فعظّمه الملك الأشرف وأكرمه، وحجّ في آخرها، وأقام قليلا، ودخل اليمن تاجرا فأسمع الحديث عند صاحبها ووصله، ورجع ببضاعة كثيرة، فدخل القاهرة في سنة سبع، وأقام بها مدة إلى أن سافر على طريق الشام ثم على طريق البصرة، إلى أن وصل شيراز.
قال ابن حجر: وقد انتهت إليه رئاسة علم القراآت في الممالك، وكان قديما، صنّف «الحصن الحصين» في الأدعية، ولهج به أهل اليمن، واستكثروا منه، وسمعوه عليّ قبل أن يدخل هو إليهم، ثم دخل إليهم فأسمعهم، وحدّث بالقاهرة ب «مسند أحمد» و «مسند الشافعي» وغير ذلك. وسمع بدمشق وبمصر من ابن أميلة، وابن الشيرجي، ومحمود بن خليفة، وعماد الدّين ابن كثير، وابن أبي عمر، وخلائق وبالإسكندرية، من عبد الله بن الدّماميني، وببعلبك من أحمد بن
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 255) و «غاية النهاية» (2/ 247) و «الدليل الشافي» (2/ 697) .(9/298)
عبد الكريم، وطلب بنفسه، وكتب الطّباق، وعني بالنّظم، وكانت عنايته بالقراءات أكثر، وذيّل «طبقات القراء» للذهبي وأجاد فيه، ونظم قصيدة في القراآت الثلاثة [1] ، وجمع «النشر في القراآت العشر» وقد سمعت بعض العلماء يتّهمه بالمجازفة في القول، وأما الحديث فما أظن ذلك به، إلا أنه كان إذا رأى للعصريين شيئا أغار عليه ونسبه لنفسه، وهذا أمر قد أكثر المتأخرون منه ولم ينفرد به، وكان يلقّب في بلاده الإمام الأعظم، ولم يكن محمود السيرة في القضاء، وأوقفني بعض الطلبة من أهل تلك البلاد على جزء فيه «أربعون حديثا» عشاريّات فتأملتها فوجدته خرّجها بأسانيده من جزء الأنصاري وغيره، وأخذ كلام شيخنا العراقي في «أربعينه العشاريات» .
انتهى باختصار.
وبالجملة فإنه كان عديم النّظير، طائر الصّيت. انتفع الناس بكتبه وسارت في الآفاق مسير الشمس.
وتوفي بشيراز في ربيع الأول، ودفن بمدرسته التي بناها بها، رحمه الله تعالى.
وفيها جلال الدّين نصر الله بن عبد الرحمن [2] بن أحمد بن إسماعيل، المعروف بالشيخ نصر الله العجمي الحنفي الأنصاري البخاري الرّوياني الكجوري [3] .
ولد بكجور إحدى قرى رويان من بلاد العجم سنة ست وستين وسبعمائة تقريبا ونسبته إلى أنس بن مالك، وتجرّد، وبرع في علم الحكمة والتصوف، وشارك في الفنون، وكتب الخطّ الفائق، ودخل القاهرة على قدم التجريد، وصحب الأمراء والأكابر، وحصل له قبول زائد، ونالته السعادة، وجمع الكتب النّفيسة، وكان يتكلّم في علم التصوف على طريقة ابن عربي، وفاق في علم الحرف وما أشبهه.
__________
[1] سمّاها المترجم في كتابه «غاية النهاية» (2/ 250) : «الدرّة في القراآت الثلاثة» .
[2] فى معظم المصادر: «نصر الله بن عبد الله» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 222) و «الضوء اللامع» (10/ 198) و «الدليل الشافي» (2/ 758) و «النجوم الزاهرة» (15/ 165- 166) .(9/299)
قال ابن تغري بردي: وكانت له تصانيف كثيرة في عدة فنون، وصنع مرة للوالد خاتما يضعه على الثعبان فيفر منه أو يموت فأعجب به الوالد إعجابا كثيرا وأنعم عليه برزقه في برّ الجيزة نحو مائة فدان وأظنها إلى الآن وقفا على زاويته بقرب خان الخليلي، وكانت له وجاهة في الدولة، ولم يزل وافر الحرمة إلى أن.
توفي بالقاهرة ليلة الجمعة سادس رجب ودفن ببيته وأوصى أن يكون زاوية، فوقع ذلك، وفتح لها شبّاك على الطريق بالقرب من خان الخليلي.
وفيها القاضي تقي الدّين يحيى بن العلّامة شمس الدّين محمد بن يوسف الكرماني البغدادي [1] .
ولد في رجب سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وسمع من أبيه وغيره، ونشأ ببغداد، وتفقه بأبيه وغيره، وشارك في عدة علوم، وقدم القاهرة هو وأخوه في حدود الثمانمائة بشرح أبيهما على «البخاري» فابتهج الناس به، وكتبت منه نسخ عديدة، وعرف تقي الدّين هذا بالفضيلة، وتقرّب غاية التقرب من السلطان شيخ في حال إمارته وسلطنته، وكان عالما فاضلا، شرح «البخاري» و «مسلم» واختصر «الرّوض الأنف» . وله مصنّف في الطب وغير ذلك.
وتوفي بالقاهرة في الطّاعون يوم الخميس ثامن جمادى الآخرة. قاله في «المنهل» .
وفيها نظام الدّين يحيى بن يوسف [2] ، وقيل: سيف، وهو الأشهر، ابن عيسى السّيرامي الأصل والمولد المصري الدار والوفاة، الحنفي شيخ الشيوخ بمدرسة الظّاهر برقوق، وابن شيخها. [3] قدم مع والده وإخوته في السابعة من عمره إلى القاهرة بعد موت العلاء السيرامي، ونشأ بالقاهرة تحت كنف والده، وبه تفقه، حتّى برع في الفقه، والأصلين، واللغة، والعربية، والمعاني، والبيان، والجبر، والمقابلة، والمنطق، والطب، والحكمة، والهندسة، والهيئة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 225) و «الضوء اللامع» (10/ 259) و «الدليل الشافي» (2/ 781) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 224) و «الضوء اللامع» (10/ 259) و «الدليل الشافي» (2/ 781) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 224) و «الضوء اللامع» (10/ 266) .(9/300)
وشارك في عدة فنون، وتصدّر للإفتاء والتدريس والإشغال عدة سنين، وتفقه به جماعة من أعيان الناس وانتفعوا به في المعقول والمنقول.
وكان إماما، ديّنا، وافر الحرمة، مهابا، وقورا، معظّما في الدول، محببا للملوك، كثير الخير، حادّ الذّهب، جيد التّصور، مليح الشّكل، فصيح العبارة، بحّاثا، مناظرا، مقداما، شهما، قويا في ذات الله، كثير العبادة. توفي بالقاهرة في الطّاعون في جمادى الآخرة.
وفيها يعقوب بن إدريس بن عبد الله، الشهير بقرا يعقوب الرّومي [1] الحنفي النّكدي، نسبة إلى نكدة من بلاد ابن قرمان.
ولد سنة تسع وثمانين وسبعمائة، واشتغل في بلاده، ومهر في الأصول، والعربية، والمعاني، والبيان، وكتب على «المصابيح» شرحا، وعلى «الهداية» حواشي، ودخل البلاد الشامية، وحجّ سنة تسع عشرة، ثم رجع، وأقام بلا رندة، يدرّس ويفتي، ثم قدم القاهرة، فاجتمع بمدبّر المملكة ططر فأكرمه إكراما زائدا، ووصله بمال جزيل، فاقتنى كتبا كثيرة، ورجع إلى بلاده فأقام بلا رندة إلى أن مات في شهر ربيع الأول بها.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 225) و «الضوء اللامع» (10/ 282) .(9/301)
سنة أربع وثلاثين وثمانمائة
فيها توفي مجد الدّين إسماعيل بن أبي الحسن علي بن محمد البرماوي المصري الشافعي [1] .
ولد في حدود الخمسين وسبعمائة، ودخل القاهرة قديما، وأخذ عن المشايخ، وسمع، ومهر في الفقه والفنون، وتصدى للتدريس، وخطب بجامع عمرو بمصر.
وتوفي في نصف ربيع الآخر.
وفيها شرف الدّين أبو محمد عبد الله بن القاضي شمس الدّين محمد بن مفلح بن محمد بن مفرّج الرّاميني ثم الدمشقي الحنبلي [2] الإمام، علّامة الزّمان، شيخ المسلمين.
قال ابن حجر: ولد في ربيع الأول سنة خمسين وسبعمائة، وتوفي أبوه وهو صغير، فحفظ القرآن، وصلّى به، وكان يحفظه إلى آخر عمره ويقوم به في التراويح في كل سنة بجامع الأفرم، وله محفوظات كثيرة، منها «المقنع» في الفقه، و «مختصر ابن الحاجب» في الأصول، و «ألفية ابن مالك» و «ألفية الجويني» في علوم الحديث، و «الانتصار» في الحديث مؤلّف جدّه جمال الدّين المرداوي.
وكان علّامة في الفقه، يستحضر غالب فروع والده، أستاذا في الأصول، بارعا في التفسير والحديث، مشاركا فيما سوى ذلك. وكان شيخ الحنابلة بالمملكة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 239) و «الضوء اللامع» (2/ 295) و «الدليل الشافي» (1/ 126) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 240) و «الضوء اللامع» (5/ 66) و «السحب الوابلة» ص (268) .(9/302)
الإسلامية، وأثنى عليه أئمة عصره كالبلقيني والدّيري، وسمع من جدّه لأمه جمال الدّين المرداوي، وابن قاضي الجبل، وغيرهما، وأفتى ودرّس، وناظر، واشتغل.
وتوفي ليلة الجمعة ثاني ذي القعدة ودفن عند والده وإخوته بالرّوضة.
وفيها وجيه الدّين [1] عبد الرحمن بن الجمال المصري [2] .
ولد بزبيد، وتفقّه، وتزوج بنت عمّه النّجم المرجاني، وقطن مكّة، وأشغل الناس بها في الفقه، واشتهر بمعرفته.
وتوفي في سابع عشر رجب.
وفيها سراج الدّين عمر بن منصور بن عبد الله البهادري الحنفي [3] .
أحد خلفاء الحكم بالقاهرة.
ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وكان إماما بارعا في الفقه، والنحو، واللغة. انتهت إليه الرئاسة في علم الطب، وتقدم على أقرانه في ذلك لغزير حفظه، وكثرة استحضاره، ونقول أقوال الحكماء قديما وحديثا.
وكان شيخا معتدل القامة، مصفرّ اللّون جدا، وكان مع تقدمه في علم الطبّ غير ماهر بالمداواة يفوقه أقل تلامذته لقلة مباشرته لذلك، فإنه لم يتكسب بهذه الصناعة، وناب في الحكم.
وتوفي يوم السبت ثاني عشر شوال ولم يخلّف بعده مثله.
وفيها شمس الدّين محمد بن الحسن بن محمد الحسني الحصني- ابن أخي الشيخ تقي الدّين- الشافعي [4] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وحيد الدّين» وأثبت ما في مصدري الترجمة.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 241) و «الضوء اللامع» (4/ 126) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 242) و «الضوء اللامع» (6/ 139) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 243) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 213) .(9/303)
اشتغل على عمّه ولازم طريقته في العبادة والتجرّد، ودرّس بالشامية، وقام في عمارة البادرائية، وكان شديد التعصب على الحنابلة.
وتوفي في ربيع الأول.
وفيها شمس الدّين محمد بن حمزة بن محمد بن محمد الرّومي بن الفنري- بالفاء والراء المهملة، بالنسبة إلى صنعة الفنيار- الحنفي [1] .
قال السيوطي: كان عارفا بالعربية، والمعاني، والقراآت. كثير المشاركة في الفنون.
ولد في صفر سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وأخذ عن العلّامة علاء الدّين الأسود شارح «المغني» والجمال محمد بن محمد بن محمد الأقصرائي ولازم الاشتغال، ورحل إلى مصر، وأخذ عن الشيخ أكمل الدّين وغيره، ثم رجع إلى الرّوم فولي قضاء برصة، وارتفع قدره عند ابن عثمان جدّا. واشتهر ذكره، وشاع فضله، وكان حسن السّمت، كثير الفضل والإفضال غير أنه لعّاب بنحلة ابن العربي وبإقراء «الفصوص» ولما دخل القاهرة لم يتظاهر بشيء من ذلك، واجتمع به فضلاء العصر، وذاكروه وباحثوه، وشهدوا له بالفضيلة، ثم رجع. وكان قد أثرى، وصنّف في الأصول كتابا. أقام في عمله ثلاثين سنة، واقرأ العضد نحو العشرين مرة، وأخذ عنه ولازمه شيخنا العلّامة [2] محيي الدّين [2] الكافيجي، وكان يبالغ في الثناء عليه ومات في رجب. انتهى كلام السيوطي.
وفيها محمد بن الشيخ بدر الدّين الحمصي المعروف بابن العصياني [3] .
قال ابن حجر: اشتغل كثيرا، وكان في أول أمره جامد الذهن، ثم اتفق أنه سقط من مكان فانشق رأسه نصفين، ثم عولج فالتأم، فصار حفظة، ومهر في العلوم العقلية وغيرها، وكان يرجع إلى دين، وينكر المنكر، ويوصف بحدّة ونقص عقل.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 243) و «بغية الوعاة» (1/ 97) .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (1/ 248) و «الضوء اللامع» (6/ 255) .(9/304)
مات في صفر. انتهى.
وفيها قاضي القضاة نور الدّين أبو الثناء محمود بن أحمد بن محمد الهمداني الفيّومي الشافعي، المعروف بابن خطيب الدّهشة [1] .
أصله من الفيّوم، وولد والده بالفيّوم، وكان يعرف بابن ظهير، ثم رحل إلى حماة واستوطنها، وولي خطابة الدهشة، وولد له ابنه هذا في حدود سنة خمسين وسبعمائة، وبها نشأ، وحفظ القرآن الكريم [2] وعدة متون [3] ، وتفقه على جماعات من علماء حماة وغيرهم، وبرع في الفقه، والعربية، والأصول، واللغة، وغير ذلك. وأفتى ودرّس، مع الدّين المتين والورع والعفّة، واشتهر ذكره، وعظم قدره، وانتفع به عامة أهل حماة، إلى أن نوّه بذكره القاضي ناصر الدّين بن البارزي كاتب السرّ بالدّيار المصرية، عند الملك المؤيد شيخ فولّاه قضاء حماة، وحسنت سيرته، وأظهر في ولايته من العفّة والصّيانة ما هو مشهور عنه، ودام في الحكم إلى أن صرف في دولة الأشرف برسباي، فلزم داره على أجمل طريقة، وأخذ في الإقراء والأشغال.
ومن تصانيفه: «مختصر القوت» للأذرعي في أربع مجلدات، سمّاه «لباب القوت» و «تكملة شرح منهاج النووي» في الفقه للسبكي في ثلاث عشرة مجلدة، وكتاب «التّحفة في المبهمات» وكتاب «تحرير الحاشية في شرح الكافية» لابن مالك في النحو ثلاث مجلدات، وكتاب «تهذيب المطالع» في اللغة الواردة في «الصحيحين» و «الموطأ» ست مجلدات، واختصره في جزءين، وسمّاه «التقريب» و «منظومة» في صناعة الكتابة نحو تسعين بيتا وشرحها، وكتاب «اليواقيت المضية في المواقيت الشرعية» وغير ذلك.
ومن شعره:
غصن النّقا لا تحكه ... فما له في ذا شبه
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 249) و «الضوء اللامع» (10/ 129) و «الدليل الشافي» (2/ 721) .
[2] في «آ» : «وحفظ القرآن العظيم» .
[3] في «آ» : «وعدة فنون» .(9/305)
فرامه قلت: اتّئد ... ما أنت إلّا حطبه
ومنه:
وصل حبيبي خبر ... لأنه قد رفعه
بنصب قلبي غرضا ... إذ صار مفعولا معه
وتوفي بحماة يوم الخميس سابع شوال. قيل: لما احتضر تبسم ثم قال:
لمثل هذا فليعمل العاملون
.(9/306)
سنة خمس وثلاثين وثمانمائة
فيها خرب الشرق من بغداد إلى تبريز من فرط الغلاء وعمومه، حتّى أكلوا الكلاب والميتة [1] .
وفيها أجريت عيون مكة حتى دخلتها وامتلأت برك باب المعلى ومرت على الصفا وسوق الليل وعم النفع بها [2] .
وفيها- كما قال ابن حجر [3]- ثارت فتنة عظيمة بين الحنابلة والأشاعرة بدمشق، وتعصب الشيخ علاء الدّين البخاري نزيل دمشق على الحنابلة، وبالغ في الحطّ على ابن تيميّة [4] وصرّح بتكفيره، فتعصب جماعة من الدماشقة لابن تيميّة [4] .
وصنّف صاحبنا الحافظ شمس الدّين بن ناصر الدّين جزءا في فضل ابن تيميّة [5] وسرد أسماء من أثنى عليه وعظّمه من أهل عصره فمن بعدهم على حروف المعجم، مبينا لكلامهم، وأرسله إلى القاهرة، فكتب عليه غالب المصريين التصويب، وخالفوا علاء الدّين البخاري في إطلاق القول بتكفيره وتكفير من أطلق
__________
[1] انظر الخبر بأوسع من هذا في «إنباء الغمر» (8/ 260) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (8/ 251) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (8/ 258) .
[4، 4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[5] هو كتابه «الردّ الوافر» وقد طبع أول مرة طبعة تجارية في مطبعة كردستان العلمية في مصر سنة (1329 هـ) ، ثم طبعه صاحب المكتب الإسلامي ببيروت سنة (1393 هـ) ، وأعاد طبعه بعد ذلك طبعة أخرى احتوت على إضافات كثيرة.(9/307)
عليه أنه شيخ الإسلام، وخرج مرسوم السلطان إلى أن كل أحد لا يعترض على مذهب غيره، ومن أظهر شيئا مجمعا عليه سمع منه، وسكن الأمر. انتهى.
وفيها توفي الشيخ شهاب الدّين أحمد بن إسماعيل الإبشيطي [1] .
قال ابن حجر: تفقه قليلا، ولزم قريبه الشيخ صدر الدّين الإبشيطي، وأدّب جماعة من أولاد الأكابر، ولهج بالسيرة النبوية، فكتب منها كثيرا، إلى أن شرع في جمع كتاب حافل في ذلك، وكتب منه نحوا من ثلاثين سفرا تحتوي على «سيرة ابن إسحاق» وما وضع عليها من كلام السّهيلي وغيره، وعلى ما احتوت عليه «المغازي» للواقدي، وضم إلى ذلك ما في السيرة للعماد بن كثير، وغير ذلك، وعنى بضبط الألفاظ الواقعة فيها، ومات في سلخ شوال، وقد جاوز السبعين.
انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن علي، المعروف ببوّاب الكاملية الحنبلي [2] .
قال العليميّ في «طبقاته» : الشيخ الإمام العالم القدوة، عنى بالحديث كثيرا، وسمع، وكان يتغالى في حبّ الشيخ تقي الدّين [3] ، ويأخذ بأقواله وأفعاله، وكتب بخطّه «تاريخ ابن كثير» وزاد فيه أشياء حسنة، وكان يؤم في مسجد ناصر الدّين تجاه المدرسة التي أنشأها [4] نور الدّين الشهيد، وكان قليل الاجتماع بالناس وعنده عبادة وتقشف وتقلل من الدّنيا. وكان شافعيا ثم انتقل إلى عند جماعة الحنابلة وأخذ بمذهبهم.
وتوفي يوم السبت تاسع عشر صفر وقد قارب الثمانين ودفن بسفح قاسيون.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 261) و «الضوء اللامع» (1/ 244) .
[2] ترجمته في «المقصد الأرشد» (1/ 81) و «المنهج الأحمد» الورقة (485) من القسم غير المنشور منه، و «السحب الوابلة» ص (53) .
[3] يعني ابن تيمية رحمه الله تعالى.
[4] في «المقصد الأرشد» ، و «المنهج الأحمد» : «الذي أنشأه» .(9/308)
وفيها شهاب الدّين أحمد بن تقي الدّين عبد الرحمن بن العلّامة جمال الدّين بن هشام المصري النّحوي [1] .
اشتغل كثيرا بمصر، وأخذ عن الشيخ عزّ الدّين ابن جماعة وغيره، وفاق في العربية وغيرها، وكان يجيد لعب الشطرنج، وانصلح بأخرة.
قال البرهان البقاعي: كان شريف النّفس لم يتدنس بشيء من وظائف الفقهاء، وكان ثاقب الذّهن، نافذ الفكر، فاق جميع أقرانه في هذا الشأن، مع صرف غالب زمانه في لعب الشطرنج. انتهى.
سكن دمشق فمات بها في رابع جمادى الآخرة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عثمان بن محمد بن عبد الله الكلوتاتي الحنفي [2] .
قال في «المنهل الصّافي» : المسند المعمّر المحدّث.
ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة، واعتنى بالحديث، وسمع الكثير، وقرأ من سنة تسع وسبعين بنفسه على المشايخ فأكثر، حتى قرأ «صحيح البخاري» نحوا من خمسين مرة، ودأب وحصّل، وأفاد الطلبة، وحدّث سنين بالقاهرة إلى أن توفي يوم الاثنين الرابع والعشرين من جمادى الآخرة. انتهى.
وفيها حسين بن علاء الدولة بن أحمد بن أويس [3] ، وآخر ملوك العراق من ذرية أويس.
كان اللّنك أسره وأخاه حسنا وحملهما إلى سمرقند ثم أطلقا فساحا في الأرض فقيرين مجرّدين، فأما حسن فاتصل بالناصر فرج، وصار في خدمته، ومات عنده قديما، وأما حسين هذا فتنقّل في البلاد إلى أن دخل العراق فوجد شاه محمد بن شاه ولد بن أحمد بن أويس، وكان أبوه صاحب البصرة فمات فملك ولده
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 263) و «الضوء اللامع» (2/ 329) و «بغية الوعاة» (1/ 322) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 263) و «الضوء اللامع» (1/ 378) و «الدليل الشافي» (1/ 59) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 264) و «الضوء اللامع» (3/ 160) و «الدليل الشافي» (1/ 274) .(9/309)
شاه محمد، فصادفه حسين قد حضره الموت فعهد إليه بالمملكة، فاستولى على البصرة وواسط وغيرها، ثم حاربه أصبهان شاه بن قرا يوسف، فانتهى حسين إلى شاه رخ بن اللّنك فتقوى بالانتماء إليه، وملك الموصل وإربل، وتكريت، وكانت مع قرا يوسف فقوي أصبهان شاه واستنقذ البلاد، وكان يخرّب كل بلد ويحرقه، إلى أن حاصر حسينا بالحلّة منذ سبعة أشهر، ثم ظفر به بعد أن أعطاه الأمان، فقتله خنقا.
وفيها زين الدّين خالد بن قاسم العاجلي ثم الحلبي الحنبلي [1] .
ولد في رمضان سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، ولازم القاضي شرف الدّين بن فيّاض، وولده أحمد، وأخذ عن شمس الدّين بن اليّونانيّة [2] وأحبّ مقالة ابن تيميّة، وكان من رؤوس القائمين مع أحمد بن البرهان على الظّاهر، وهو آخر من مات منهم، وتنزّل بالآثار النبوية، وكان قد غلب عليه حبّ المطالب، فمات ولم يظفر بطائل، ونزله المؤيد بمدرسته في الحنابلة.
ومات في ثالث ذي الحجة. قاله ابن حجر.
وفيها قطب الدّين وجمال الدّين عبد الله بن نور الدّين محمد بن قطب الدّين عبد الله بن حسن بن يوسف بن عبد الحميد بن أبي الغيث البهنسي [3] .
ولد في رجب سنة خمس وخمسين وسبعمائة، واشتغل، وسمع الحديث، وقال الشعر. وكان موسرا، لكنه أكثر التّقتير على نفسه جدا، وأصيب في عقله بأخرة وأكمل الثمانين سنة.
ومن شعره:
إذا الخلّ قد ناجاك بالهجر فاصطبر ... وسامح له واغفر بنصح وداره
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 265) و «الضوء اللامع» (3/ 172) و «السحب الوابلة» ص (162) .
[2] تصحفت في «آ» و «إنباء الغمر» «ابن اليانونية» والصواب ما جاء في «ط» وقد تقدمت ترجمته في وفيات سنة (793) من المجلد الثامن ص (566) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 266) و «الضوء اللامع» (5/ 53) .(9/310)
فإن عاد فأقله ثمّ لا تذكر اسمه ... وحوّل طريق القصد عن باب داره
وتوفي في شهر رمضان.
وفيها القاضي زين الدّين عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن علي بن هاشم التّفهني [1]- بفتح المثناة الفوقية، وكسر الفاء وسكون الهاء، ونون، نسبة إلى تفهن [2] قرية بمصر- الحنفي.
ولد سنة بضع وستين وسبعمائة، ومات أبوه وهو صغير، فانتقل إلى القاهرة وهو شاب، وتنزل في مكتب اليتامى بمدرسة صرغتمش، ثم ترقّى إلى أن صار عريفا، وتنزل في الطلبة هناك، ولازم الاشتغال، ودار على الشيوخ، فمهر في الفقه والعربية، وجاد خطّه، وشهر اسمه، وخالط الأتراك، وصحب بدر الدّين محمود الكلستاني كاتب السرّ، فاشتهر ذكره، وناب في الحكم، وولي تدريس الصّرغتمشية، وولّاه المؤيد شيخ قضاء الحنفية في سنة اثنتين وعشرين فباشره مباشرة حسنة، وكان حسن العشرة، كثير العصبيّة لأصحابه، عارفا بأمور الدّنيا، على أنه يقع منه في بعض الأمور لجاج شديد يعاب به، ولا يستطيع بتركه، وصرف عن القضاء سنة تسع وعشرين بالعيني، ثم أعيد في سنة ثلاث وثلاثين، ثم صرف قبل موته في جمادى الآخرة، وتوفي ليلة الأحد تاسع شوال، ويقال: إن أمّ ولده دسّت عليه سمّا لأنه لما توفيت زوجته ظنّت أمّ ولده أنها تنفرد به، فتزوج امرأة، وأخرج أم ولده فحصل [3] لها غيرة، والعلم عند الله.
وفيها زين الدّين عمر بن أبي بكر بن عيسى بن عبد الحميد المغربي الأصل البصروي [4] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 266) و «الضوء اللامع» (3/ 98) .
[2] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» : «تفهن» وفي «معجم البلدان» (2/ 37) ذكر ياقوت بليدة في مصر من ناحية الجيزة سمّاها «تفهنا» وذكرها هكذا أيضا ابن الجيعان في «التحفة السّنية بأسماء البلاد المصرية» ص (74) وذكر أخرى باسم «تفهنه الصغرى» ص (27) .
[3] في «ط» : «فحصلت» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 268) و «بغية الطلب» (2/ 216) .(9/311)
قدم دمشق، فاشتغل بالفقه، والعربية، والقراآت وفاق في النحو، وشغل الناس وهو بزي أهل البرّ، وكان قانعا باليسير، حسن العقيدة، موصوفا بالخير والدّين، سليم الباطن، فارغا من الرئاسة.
توفي في رابع جمادى الآخرة.
وفيها شرف الدّين عيسى بن محمد بن عيسى الأقفهسي الشّافعي [1] أحد نوّاب الحكم تفقه بالجمال الإسنوي، ولازم البلقيني، وأذن له بالتدريس، قيل والفتوى، وناب في الحكم عن البرهان بن جماعة. وغيره مدة طويلة.
ومات في جمادى الآخرة وقد جاوز الثمانين.
وفيها جمال الدّين محمد بن سعد الدّين [2] ملك الحبشة للمسلمين.
وليّ بعد فقد أخيه منصور في سنة ثمان وعشرين، وكان شجاعا بطلا مديما للجهاد، وأسلم على يديه خلائق من الحبشة، قتله بنو عمه في جمادى الآخرة، واستقرّ بعده أخوه شهاب الدّين أحمد.
وفيها الحافظ تاج الدّين محمد بن ناصر الدّين محمد بن محمد بن محمد بن مسلم بن علي بن أبي الجود الكركي ابن الغرابيلي [3] ، سبط العماد الكركي.
قال ابن حجر: ولد سنة ست وتسعين بالقاهرة، حيث كان جدّه لأمّه حاكما، ونقله أبوه إلى الكرك حيث عمل إمرتها ثم تحوّل به إلى القدس سنة سبع عشرة، فاشتغل، وحفظ عدة مختصرات، ك- «الكافية» لابن الحاجب، و «المختصر» الأصلي، و «الإلمام» و «الألفية» في الحديث، ولازم الشيخ عمر البلخي فبحث عليه في العضد، والمعاني، والمنطق، وتخرّج أيضا بنظام الدّين قاضي العسكر، وبابن الديري الكبير، ومهر في الفنون إلّا الشعر، ثم أقبل على الحديث بكليته،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 268) و «الضوء اللامع» (6/ 156) و «الدليل الشافي» (1/ 510) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 268) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 269) و «الضوء اللامع» (9/ 306) .(9/312)
فسمع الكثير، وعرف العالي والنازل، وقيّد الوفيات وغيرها من الفنون، وشرع في شرح على «الإلمام» ونظر في التواريخ والعلل، وسمع الكثير ببلده، ورحل إلى الشام والقاهرة فلازمني، وكان الأكابر يتمنون رؤيته والاجتماع به لما يبلغهم من جميل أوصافه فيمتنع، انتهى باختصار.
وألّف مجلدا لطيفا في الحمام يرحل إليه.
وتوفي بالقاهرة في جمادى الآخرة.(9/313)
سنة ست وثلاثين وثمانمائة
في ثامن عشري شوالها كسفت الشّمس كسوفا عظيما من بعد العصر إلى قرب المغرب، وصلّوا الكسوف، وظنّوا أنها غربت كاسفة فانجلت قبيل الغروب انجلاء تاما [1] .
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن حجّاج الأبناسي الشّافعي [2] .
قال البرهان البقاعي: كان علّامة وقته، ومحقّق زمانه، ملازما لابن الحجر، ومعظّما له، ونفعه كثير، وكان إماما، عالما بالمعقولات، فقيها، نحويا، مفوها، جريئا في قوله، شهم النّفس، حديد الذّهن، فحل المناظرة، ثابتا عند المضايق.
وتوفي بالمغس في زاوية شيخه وسميه البرهان الأبناسي، ودفن بباب الشّعرية بمكان هناك كأنه زاوية. انتهى.
وفيها الملك الأشرف أحمد بن العادل سليمان الأيوبي [3] صاحب حصن كيفا.
قال ابن حجر: كان دينا فاضلا، له شعر حسن، وقفت على «ديوانه» وهو يشتمل على نوائح في أبيه وغزل وزهديات، وغير ذلك، وكان جوادا محبا في العلماء، خرج في عسكره لملاقاة السلطان على حصار آمد، فاتفق أنه نزل لصلاة الصبح فوقع به فريق من التركمان فأوقعوا به على غرّة فقتل، ووصل بقية أصحابه
__________
[1] انظر الخبر بتوسع في «إنباء الغمر» (8/ 280) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 286) و «الضوء اللامع» (1/ 37) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 287) و «الضوء اللامع» (1/ 308) .(9/314)
وولده خليل، فقرّر ولده في مملكة أبيه، ولقّب بالصّالح.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمود بن محمد، المعروف بابن خازوق الحنبلي [1] قاضي القضاة.
قال العليمي: ولي قضاء حلب ثم عزل عنها، فولي قضاء طرابلس، ثم أعيد إلى قضاء حلب، وتوفي بها في آخر السنة.
وفيها زين الدّين أبو بكر الأنبابي الشافعي [2] أحد نوّاب الحكم.
كان كثير الاشتغال، وأخذ عن الشيخ علاء الدّين الأقفهسي، وابن العماد، والبلقيني، وغيرهم، وكان خيّرا.
مات في شعبان.
وفيها قاضي القضاة شهاب الدّين أحمد بن قاضي القضاة محيي الدّين [محمود] ، المعروف بابن الكشك الدمشقي الحنفي [3] ، قاضي قضاة دمشق ورئيسها من بيت علم ورئاسة وعراقة.
ولد بدمشق، ونشأ بها، وطلب العلم، وتفقه، وولي قضاءها مرارا، وجمع في بعض الأحيان بين قضائها ونظر جيشها، وقدم القاهرة غير مرّة، وكانت له ثروة وإفضال.
وتوفي بدمشق ليلة الخميس سابع ربيع الأول.
وفيها بدر الدّين حسن بن شرف الدّين أبي بكر بن أحمد القدسي المشهور بابن بقيرة- بالتصغير وإمالة الراء- الحنفي [4] .
اشتغل قديما من سنة ثمانين وهلم جرا بالقدس، ثم بالشام، ثم بالقاهرة،
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (485) من القسم المخطوط منه.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 289) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 308) و «الدليل الشافي» (1/ 89) و «الضوء اللامع» (2/ 220) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 630) وما بين الحاصرتين مستدرك منها.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 289) .(9/315)
وكان مفوّها، عارفا بالعربية وغيرها. وولي مشيخة الشيخونية.
وتوفي يوم الخميس ثالث ربيع الآخر، وقد قارب السبعين.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد القزويني الشافعي، المعروف بالحلّالي [1]- بمهملة ولام مشددة- من أهل جزيرة ابن عمر، وهو ابن أخت العالم نظام الدّين عالم بغداد.
ولد سنة بضع وسبعين وسبعمائة، وأخذ عن أبيه وغيره، وبرع في الفقه، والقراءات، والتفسير، وحجّ، وقدم حلب لزيارة القدس فزاره، ثم رجع إلى حلب، وهو في سنّ الكهولة، فظهرت فضائله، ودخل القاهرة في سنة أربع وثلاثين، وأخذوا عنه، ثم رجع، فلما وصل إلى بلده مات بعد أربعة أشهر.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحيم بن محمد المنهاجي الشافعي، المعروف بسبط ابن اللّبان [2] .
ولد بعد السبعين وسبعمائة، واشتغل قديما، فأخذ عن العزّ ابن جماعة، وشمس الدّين بن القطّان، ومشايخ العصر.
قال ابن حجر: قرأ على ابن القطّان البخاري بحضوري، وقرأ عليّ ترجمة البخاري يوم الختم، وتعانى نظم الشعر فمهر فيه، ومهر في الفقه والأصول، وعمل المواعيد، وشغل الناس [3] ولزم بأخرة جامع عمرو بن العاص يقرأ فيه الحديث والمواعيد، ويشغل الناس [3] ، وكان واسع المعرفة بالفنون، حجّ في هذه السنة من البحر فسلم ودخل مكّة في شهر رجب فجاور إلى زمن إقامة الحجّ، فحجّ وقضى نسكه، ورمى جمرة العقبة، ثم رجع فمات بمنى قبل أن يطوف طواف الإفاضة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 290) و «الضوء اللامع» (4/ 154) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 292) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 133) و «الضوء اللامع» (8/ 49) .
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «ط» .(9/316)
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الحقّ بن إسماعيل السّبتي المالكي [1] .
قال ابن حجر: ولد سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، وأخذ عن الحاج أبي القاسم بن أبي حجّة ببلده، ووصل إلى غرناطة، وتفرّد بالأدب، وقدم القاهرة سنة اثنتين وثلاثين، فحجّ، وحضر عندي في الإملاء وأوقفي على شرح البردة له وله آداب وفضائل مات في صفر انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن موسى الدمشقي الشافعي، المعروف بابن قديدار [2] .
ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة تقريبا، وقرأ القرآن في صغره، وحفظ «المنهاج» و «العمدة» و «الألفية» وتلا بالسبع على جماعة، منهم ابن اللّبان، وصحب الشيخ أبا بكر الموصلي وغيره، وأقبل على العبادة، واشتهر من بعد سنة تسعين حتّى إن اللّنك لما طرق الشام أرسل من حماه وحمى من معه، وكان السلطان شيخ يعظّمه، وكان سهل العريكة، لين الجانب، متواضعا جدّا، محبا في العلماء والمحدّثين، يتردد إلى بيروت للمرابطة، وله بها زاوية فيها سلاح كثير، وكلمته نافذة عند الفرنج، ويكتب إليهم بسبب المسلمين فيقبلون ما يكتب به، وحصل له في آخر عمره ضعف في بدنه، وثقل سمع.
وتوفي ليلة عيد الفطر.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 293) و «الضوء اللامع» (8/ 223) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 293) و «الضوء اللامع» (8/ 223) .(9/317)
سنة سبع وثلاثين وثمانمائة
فيها أحصي من بالإسكندرية من الحاكة فكان فيها ثمانمائة نول، وكان ذلك وقع آخر القرن الثامن، فكانت أربعة عشر ألف نول، ومن ذلك أن كتّاب الجيش أحصوا قرى مصر قبليها وبحريها فكانت ألفين ومائة وسبعين قرية بعد أن كانت في أوائل دولة الفاطميين عشرة آلاف قرية [1] .
وفيها هبّت بدمياط رياح عاصفة فتقصف نخيل كثير، وتلفت أشجار الموز وقصب السكر من الصّقيع، وانهدمت عدة دور، وفزع الناس من شدّة الريح، حتّى خرجوا إلى ظاهر البلد، وسقطت صاعقة فأحرقت شيئا كثيرا، ثم نزل المطر فدام طويلا [2] .
وفي ليلة الجمعة الحادي والعشرين من جمادى الأولى وقع بمكة سيل عظيم ارتفع في المسجد الحرام أربعة أذرع، وتهدّمت منه دور كثيرة، ومات تحت الردم جماعة [3] .
وفيها توفي إبراهيم بن داود بن محمد بن أبي بكر العبّاسي [4] ، ولد أمير المؤمنين المعتضد بن المتوكل العبّاسي الشافعي.
كان رجلا حسنا كبير الرئاسة، قرأ القرآن، وحفظ «المنهاج» واشتغل كثيرا
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (8/ 303) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (8/ 300) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (8/ 300- 301) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 307) و «الضوء اللامع» (1/ 50) .(9/318)
وخلف أباه لمّا سافر خلافة حسنة شكر عليها، ومات بمرض السّلّ في ليلة الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول بالقاهرة، ولم يكمل الثلاثين، ولم يبق لأبيه ولا له ذكر، وذكر أنه تمام عشرين ولدا ذكرا.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمود بن أحمد بن إسماعيل الدمشقي الحنفي، المعروف بابن الكشك [1] .
قال ابن حجر: انتهت إليه رئاسة أهل الشام في زمانه، وكان شهما، قوي النّفس، يستحضر الكثير من الأحكام، ولي قضاء الحنفية استقلالا مدة، ثم أضيف إليه نظر الجيش في الدولة المؤيدية وبعدها، ثم صرف [2] عنهما معا، ثم أعيد لقضاء الشام، وكان بينه وبين نجم الدّين ابن حجي معاداة، فكان كل منهما يبالغ في الآخر لكن كان ابن الكشك أجود من ابن [3] حجي، سامحهما الله تعالى.
وتوفي ابن الكشك بالشام في صفر عن بضع وخمسين سنة.
وفيها تقي الدّين أبو بكر بن علي بن حجّة الحموي الأديب البارع الحنفي [4] شاعر الشام، المعروف بابن حجّة.
ولد بحماة سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وبها نشأ، وحفظ القرآن الكريم، وطلب العلم، وعانى عمل الحرير يعقد الأزرار [5] وينظم الأزجال، ثم مال إلى الأدب، ونثر ونظم، ثم سافر إلى دمشق، ومدح أعيانها، واتصل بخدمة نائبها الأمير شيخ المحمودي، ثم قدم صحبته إلى القاهرة، فلما تسلطن قرية وأدناه وجعله من ندمائه وخواصه، وصار شاعره، وله فيه عدة مدائح، وعظم في الدولة،
__________
[1] سبقت ترجمته في وفيات سنة (836) ص (315) وذكرت مظانها هناك.
[2] تحرفت في «ط» إلى «حرف» .
[3] لفظة «ابن» سقطت من «ط» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 310) و «الضوء اللامع» (11/ 53) و «النجوم الزاهرة» (15/ 189) وقد صنّف الأستاذ الدكتور محمود الرّبداوي مصنّفا حافلا في سيرته، نشرته دار قتيبة بدمشق فيحسن بالباحث الرجوع إليه.
[5] في «ط» : «يعقد الأزر» .(9/319)
وصارت له ثروة وحشمة، وسئل الحافظ ابن حجر من شاعر العصر؟ فقال: الشيخ تقي الدّين بن حجّة. انتهى.
ونظم «بديعيته» المشهورة [1] على طريقة شيخه الشيخ عزّ الدّين الموصلي وشرحها شرحا حافلا عديم النّظير، وجمع مجاميع أخرى [2] مخترعة. ولما توفي الملك المؤيد تسلّط عليه جماعة من شعراء عصره، وهجوه لأنه كان ظنينا بنفسه وشعره مزريا بغيره من الشعراء، ينظر غالب [3] شعراء عصره كأحد تلامذته، ولا زالوا به حتّى خرج من مصر، وسكن وطنه حماة، ومات بها.
ومن قولهم فيه:
زاد ابن حجّة بالإسهال من فمه ... وصار يسلح منثورا ومنظوما
وظنّ أن قد تنبّا في ترسّله ... لو صحّ ذلك قطعا كان معصوما
ومن شعره هو:
سرنا وليل شعره منسدل ... وقد غدا بنومنا مظفّرا [4]
فقال صبح ثغره مبتسما ... عند الصّباح يحمد القوم السّرى
ومنه:
في سويداء مقلة الحبّ نادى ... جفنه وهو يقنص الأسد صيدا
لا تقولوا ما في السّويدا رجال ... فأنا اليوم من رجال السّويدا
ومنه:
أرشفني ريقه وعانقني ... وخصره يلتوي من الرّقّة [5]
__________
[1] انظرها في «البديعيات» ص (93) وما بعدها لصديقنا العزيز الدكتور علي أبو زيد، نفع الله تعالى به.
[2] في «آ» : «أخر» .
[3] لفظة «غالب» سقطت من «ط» .
[4] في «آ» و «ط» : «مظفرا» وفي «إنباء الغمر» : «مسفرا» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» .
[5] في «ط» : «من الدقة» .(9/320)
فصرت من خصره وريقته ... أهيم بين الفرات والرّقّة
ومنه وقد بدا به مرضه الذي مات فيه وكان بردية وسخونة:
برديّة برّدت عظمي وطابقها ... سخونة ألّفتها قدرة الباري
فامنن بتفرقة الضّدّين من جسدي ... يا ذا المؤلّف بين الثّلج والنّار
وتوفي بحماة في خامس عشري شعبان على حالة حسنة.
وفيها شرف الدّين أبو محمد إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله المقرئ ابن علي بن عطية الشّاوري اليمني الشافعي [1] عالم البلاد اليمنية وإمامها ومفنّنها المعروف بابن المقرئ.
ولد سنة خمس وستين وسبعمائة بأبيات حسين وبها نشأ، وتفقه على الكاهلي وغيره، ثم انتقل إلى زبيد فأكمل تفقهه على العلّامة جمال الدّين شارح «التنبيه» وغيره، وبرع في العربية والفقه، وبرز في المنظوم والمنثور، وأقبل عليه ملوك اليمن، وولاه الأشرف صاحب اليمن تدريس المجاهدية بتعز والنّظامية بزبيد، ولما مات مجد الدّين الفيروزآبادي طمع المذكور في ولاية القضاء فلم يتم له، واستمرّ على ملازمة العلم والتصنيف والإقراء، ومن مصنّفاته «مختصر الروضة» للنووي سمّاه «الروض» و «مختصر الحاوي الصغير» وشرحه، وكتاب «عنوان الشّرف الوافي» وهو كتاب حسن لم يسبق إلى مثله يحتوي على خمسة فنون [2] ، وفيه يقول بعضهم:
لهذا كتاب لا يصنّف مثله ... لصاحبه الجزء العظيم من الحظّ
عروض وتاريخ ونحو محقّق ... وعلم القوافي وهو فقه أولي الحفظ
فأعجب به حسنا وأعجب أنّه ... بطين من المعنى خميص من اللّفظ
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 309) و «الضوء اللامع» (2/ 292) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 109) وفيه: «إسماعيل بن محمد بن أبي بكر الحسيني» و «بغية الوعاة» (1/ 444) و «البدر الطالع» (1/ 142) .
[2] طبع عام (1407 هـ) في مكتبة أسامة بمدينة تعز في اليمن، وهي طبعة أنيقة فاخرة لكنها تفتقر إلى التوثيق والفهرسة.(9/321)
وله مع ذلك النّظم الرائق، والنثر الفائق، ونظم «بديعية» على نمط «بديعية العز» الموصلي وشرحها شرحا حسنا التزم في «البديعية» في كل بيت تورية مع التورية باسم النوع البديعي، وعمل مرّة ما يتفرع من الخلاف في مسألة الماء المشمس فبلغت آلافا، وشهد بفضله علماء عصره، منهم ابن حجر، وقد اجتمع به بمكّة المشرّفة، وأنشده:
مدّ الشّهاب بن علي بن حجر ... سورا على مودّتي من الغير
فسور ودي فيك قد بنيته ... من الصّفا والمروتين والحجر
فأجابه ابن حجر بقصيدة أولها:
يا أيّها القاضي الذي مراده ... يأتي على وفق القضاء والقدر
ومن شعر ابن المقرئ:
يا من لدمع ما رقي وحبيبه ... ولوجد قلب ما انقضى ولهيبه
ومتيّم قد هذّبته يد الهوى ... بصحيح وجد غير ما تهذيبه
خانته مهجته فما تمشي على ... عاداته الأولى ولا تجريبه
وحشا تعسّفه الغرام وحلّه ... قسرا وليس بكفئه وضريبه
يا هند قد أضرمت من ذكر [1] الجفا ... في القلب ما لا ينطفي وغريبه
أنا من عرفت غرامه فاستخبري ... عن حال مأخوذ الحجا وسليبه
وتوفي بزبيد يوم الأحد آخر صفر.
وفيها عبد الله بن مسعود التّونسي المالكي الشيخ الجليل، المعروف بابن القرشيّة [2] .
قال ابن حجر: أخذ عن والده، وقرأت بخطّه أن من شيوخه شيخنا بالإجازة أبا عبد الله بن عرفة، وقاضي الجماعة أبا العبّاس أحمد بن محمد بن جعدة وأبا
__________
[1] في «آ» : «فكر» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 315) و «الضوء اللامع» (5/ 70) .(9/322)
القاسم أحمد الغبريني، وأحمد بن إدريس الزواوي شيخ بجاية، وأبا عبد الله بن مرزوق، ومنهم أبو الحسن محمد بن أبي العبّاس الأنصاري البطرني، وذكر أنه قرأ عليه القرآن. وسمع عليه كثيرا من الحديث وألبسه خرقة التصوف. انتهى باختصار.
وفيها السلطان أبو فارس عبد العزيز بن أبي العبّاس أحمد صاحب تونس [1] .
قال أبو عبد الله محمد بن عبد الحقّ السّبتي: كان لا ينام من الليل إلّا قليلا، وليس له شغل إلّا النظر في مصالح ملكه، وكان يؤذن بنفسه ويؤم بالناس في الجماعة ويكثر من الذكر، ويقرّب أهل الخير، وقد أبطل كثيرا من المفاسد بتونس، منها الصّالة وهو مكان يباع [2] فيه الخمر للفرنج ويحصل منه في السنة شيء كثير، ولم يكن ببلاده كلها شيء من المكوس، لكنه يبالغ في أخذ الزكاة والعشر، وكان محافظا على عمارة الطّرق حتّى أمنت القوافل في أيامه في جميع بلاده، وكان يرسل الصّدقات إلى القاهرة، والحرمين، وغيرها، ولا يلبس الحرير، ولا يتختم بالذهب، ويسلّم على الناس، وكتب إليه ابن عرفة مرّة، والله لا أعلم يوما يمرّ إلّا وأنا داع لكم بخير الدّنيا والآخرة، فإنكم عماد الدّين، ونصرة المسلمين.
وتوفي وهو قاصد تلمسان.
وفيها أبو الحسن علي بن حسين بن عروة المشرقي ثم الدمشقي الحنبلي، المعروف بابن زكنون [3] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 316) و «الضوء اللامع» (4/ 214) و «النجوم الزاهرة» (15/ 192) .
[2] في «ط» : «وهو كان يباح» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 319) و «الضوء اللامع» (5/ 214) و «النجوم الزاهرة» (15/ 214) و «المقصد الأرشد» (2/ 237- 238) و «المنهج الأحمد» الورقة (486) من القسم غير المطبوع منه، «السّحب الوابلة» ص (293) و «الجوهر المنضد» ص (95- 99) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (370) .(9/323)
قال ابن حجر: ولد قبل الستين، وكان في ابتداء أمره جمّالا، وسمع على يحيى بن يوسف الرّحبي، ويوسف الصّيرفي، ومحمد بن محمد بن داود، وغيرهم، وكان يذكر أنه سمع من ابن المحبّ. ثم أقبل على العبادة والاشتغال، فبرع، وأقبل على «مسند أحمد» فرتّبه على الأبواب، ونقل في كل باب ما يتعلق بشرحه من كتاب «المغني» وغيره، وفرغ في مجلدات كثيرة، وكان منقطعا في مسجد يعرف بمسجد القدم خارج دمشق [1] وكان يقرئ الأطفال، ثم انقطع.
ويصلي الجمعة بالجامع الأموي، ويقرأ عليه بعد الصلاة في «الشرح» وثار بينه وبين الشافعية شرّ كبير بسبب الاعتقاد، وكان زاهدا، عابدا، قانتا، خيّرا، لا يقبل لأحد شيئا، ولا يأكل إلّا من كسب يده.
توفي في ثاني عشر جمادى الآخرة وكانت جنازته حافلة. انتهى.
وفيها بدر الدّين محمد بن أبي بكر بن محمد بن سلامة المارديني الحلبي الحنفي [2] .
اشتغل ببلده مدة، ولقي أكابر المشايخ، وحفظ عدة مختصرات، ومهر في الفنون، وشغل الناس، وقدم إلى حلب مرارا فاشتغل بها، ثم درّس في أماكن، وأقام بها مدة عشرين سنة ثم رجع، ولما غلب قرا ملك على ماردين نقله إلى آمد فأقام مدة ثم أفرج عنه، فرجع إلى حلب فقطنها، ثم حصل له فالج قبل موته بنحو عشر سنين فانقطع، ثم خفّ عنه وصار يقبل الحركة، وكان حسن النّظم والمذاكرة، فقيها، فاضلا، صاحب فنون من العربية، والمعاني، والبيان.
وتوفي بحلب عن اثنتين وثمانين سنة ولم يخلّف بعده مثله.
وفيها تاج الدّين محمد بن أبي بكر بن محمد المقرئ، الشهير بابن تمريه [3] .
__________
[1] لا زال عامرا إلى الآن والحمد لله، وقد تعاقب على التدريس فيه جمهرة من العلماء الأعلام، ويقوم بالتدريس فيه منذ أكثر من عشر سنوات والدي وأستاذي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله تعالى وأطال عمره وأحسن إليه في الدنيا والآخرة.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 320) و «الضوء اللامع» (7/ 195) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 321) و «الضوء اللامع» (7/ 199) .(9/324)
ولد قبل الثمانين وسبعمائة بيسير، وكان أبوه تاجرا بزّازا، فنشأ هو محبا في الاشتغال، مع حسن الصورة والصّيانة، وتعانى القراءات فمهر فيها، ولازم الشيخ فخر الدّين بالجامع الأزهر، والشيخ كمال الدّين الدّميري، وصار شيخ الإقراء بالقاهرة.
وتوفي يوم الجمعة عاشر صفر.
وفيها جمال الدّين أبو المحاسن محمد بن علي بن محمد بن أبي بكر العبدري الشّيبي الشافعي [1] قاضي مكة.
ولد في رمضان سنة تسع وسبعين وسبعمائة، وسمع على برهان الدّين بن صديق وغيره، وأجازه، الحافظ العراقي وغيره، ورحل إلى شيراز وبغداد، ونظر في التواريخ، وصنّف حوادث زمانه، و «طيب الحياة» مختصر «حياة الحيوان» مع زوائد وتعاليق على «الحاوي» . وولي قضاء مكّة وحجابة البيت.
وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشري من ربيع الآخر [2] .
وفيها القاضي بدر الدّين أبو اليمن محمد بن العلّامة نور الدّين علي الحكريّ المصريّ الحنبلي [3] .
ناب في الحكم بالقاهرة دهرا طويلا، وكان من أعيانهم، وأعاد ببعض المدارس، ومهر في الفقه والفنون، وكان شكلا حسنا، وكان يستشرف أن يلي قضاء الحنابلة بالدّيار المصرية ولو فسح في أجله لوصل ولكن اخترمته المنية ثالث ربيع الأول بالقاهرة في حياة شيخ المذهب قاضي القضاة محبّ الدّين أبو نصر الله.
وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن القمّاح التّونسي [4] المالكي المحدّث بتونس.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 322) و «الضوء اللامع» (9/ 13) و «النجوم الزاهرة» (15/ 186) .
[2] في «إنباء الغمر» : «ربيع الأول» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 323) و «الضوء اللامع» (8/ 181) و «المقصد الأرشد» (2/ 481) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 324) .(9/325)
سمع من ابن عرفة وجماعة، وحجّ، فسمع من تاج الدّين بن موسى خاتمة من كان عنده حديث السّلفي بالعلوّ، بالسماع المتصل بالقاهرة من حافظ العصر الزّين العراقي، ومن مسند القاهرة برهان الدّين السّامي، ومن جماعة، وحدّث بالإجازة العامة عن البطرني الأندلسي مسند تونس وخاتمة أصحاب ابن زبير بالإجازة، وعن غيره من المشارقة، وحدّث بالكثير، وكان حسن الأخلاق، محبّا للحديث وأهله.
وتوفي بتونس في أواخر ربيع الآخر.
وفيها شمس الدّين محمد بن شفليش [1] الحلبي [2] . قال ابن حجر: أحد الفقهاء بها. اشتغل كثيرا وفضل. سمعت من نظمه بحلب، وكتب عنّي كثيرا.
مات في جمادى الأولى. انتهى.
وفيها ناصر الدّين محمد بن الفخر المصري، المعروف بابن النّيدي [3] .
قال ابن حجر: كان أبوه تاجرا، فنشأ هو محبا في العلم، فمهر في العربية، وصاهر شيخنا العراقي على ابنته، ثم ماتت معه، فتزوج بركة بنت الشيخ ولي الدّين أخي زوجته الأولى، وماتت في عصمته، وخلّف ولدين، وكان معروفا بكثرة المال فلم يظهر له شيء، وله بضع وستون سنة. انتهى.
وفيها جلال الدّين أبو المظفّر محمد بن فندو ملك بنجالة، ويلقب بكاس [4] .
كان أبوه كافرا، فثار على شهاب الدّين مملوك سيف الدّين حمزة بن غياث الدّين أعظم شاه بن إسكندر شاه فغلبه على بنجاية، وأسره، وكان أبو المظفّر قد
__________
[1] في «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» : «محمد بن شفشيل» والتصحيح من «إنباء الغمر» وهامش «ط» وهامش «الإنباء» . قال السخاوي في «الضوء» : شفليش: بمعجمتين الأولى مفتوحة بعدها فاء ساكنة، ثم لام وياء، ورأيت من كتبه: شفتيل.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 325) و «الضوء اللامع» (7/ 266- 267) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 325) و «الضوء اللامع» (./ 147) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 326) و «الضوء اللامع» (8/ 280) و «النجوم الزاهرة» (15/ 192) .(9/326)
أسلم، فثار على أبيه، واستملك منه البلاد، وأقام شعار الإسلام، وجدّد ما خرّبه أبوه من المساجد، وراسل صاحب مصر بهدية واستدعي بعهد من الخليفة، وكانت هداياه متواصلة بالشيخ علاء الدّين البخاري نزيل مصر ثم دمشق، وعمر بمكة مدرسة هائلة، وكانت وفاته في ربيع الآخر.
وأقيم بعده ولد المظفّر أحمد شاه وهو ابن أربع عشرة سنة.
وفيها ناصر الدّين محمد بن عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيميّة الدمشقي الحنبلي [1] .
ولد سنة سبع وخمسين وسبعمائة، وكان يتعانى التجارة، وولي قضاء الإسكندرية مدة، وكان عارفا بالطب، وله دعاو في الفنون أكثر من علمه.
وتوفي بالقاهرة يوم الأحد سابع شهر رمضان.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 326) و «الضوء اللامع» (9/ 124) .(9/327)
سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة
فيها كان وباء عام في بلاد المسلمين والكفّار، مات به من لا يحصى كثرة [1] .
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الخالق بن عبد المحي بن عبد الخالق بن عبد العزيز الأسيوطي [2] .
سمع من أبيه، ومن عبد الرحمن بن القارئ، وأجاز له، وكان يواظب التّكسّب بالشهادة في جامع ظاهر الورّاقين.
ومات في ثاني عشر ربيع الآخر.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن ناصر الدّين محمد بن أبي بكر بن رسلان بن نصير البلقيني [3] الشافعي ابن أخي سراج الدّين البلقيني.
ولد سنة ست وتسعين وسبعمائة، وقرأ القرآن، وحفظ كتبا، ودرّبه أبوه في توقيع الحكم، واشتغل في القراآت والعربية، وكان حسن الصوت بالقرآن، أمّ بالمدرسة المالكية بالقرب من مشهد الحسين، ووقع في الحكم، ثم ناب في القضاء بأخرة، وخدم ابن الكوين وهو كاتب السرّ، ثم ابن مزهر فأثرى، وصارت له وجاهة، وحصّل جهات، ثم تمرض أكثر من سنة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (8/ 344) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 358) و «الضوء اللامع» (1/ 323) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 359) و «الضوء اللامع» (2/ 102) .(9/328)
وتوفي في السادس والعشرين من رجب بعلّة السّلّ، ودفن عند أبيه بمقابر الصّوفية.
وفيها مجد الدّين أبو الطاهر إسماعيل بن علي بن محمد بن داود بن شمس بن عبد الله بن رستم البيضاوي الزّمزمي [1] المؤذن بمكّة.
قال ابن حجر: ولد سنة ست وستين وسبعمائة، وأجاز له صلاح الدّين بن أبي عمر، وعمر بن أميلة، وأحمد بن النجم، وابن مقبل، وآخرون. وكان يتعانى النّظم، وله نظم مقبول ومدائح نبوية من غير اشتغال بآلاته، ثم أخذ العروض عن الشيخ نجم الدّين المرجاني ومهر، وكان فاضلا، ورحل إلى القاهرة، فسمع من بعض شيوخنا، وكان قليل الشرّ، مشتغلا بنفسه وعياله، مشكور السيرة، ملازما لخدمة قبة العبّاس، وله سماع من قدماء المكّيين، وحدّث بشيء يسير سمعت من نظمه.
وأخوه إبراهيم [2] .
ولد سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وأجاز له في سنة سبع وثمانين الشّهاب بن ظهيرة وآخرون، واشتغل في عدة فنون، وأخذ عن أخيه حسين علم الفرائض والحساب فمهر فيها. انتهى كلام ابن حجر.
وفيها زكي الدّين أبو بكر بن أحمد بن عبد الله بن الهليس المهجمي الأصل ثم المصري [3] .
قال ابن حجر: رفيقي ولد بعد السبعين وسبعمائة بيسير، ونشأ في حال بزّة وترفه، ثم اشتغل بالعلم بعد أن جاوز العشرين، ولازم الشيوخ، وسمع معي من عوالي شيوخي مثل ابن الشّحنة، وابن أبي المجد، وبنت الأذرعي، وغيرهم فأكثر جدا، وأجاز له عامة من أخذت عنه في الرّحلة الشامية، ورافقني في الاشتغال على
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 360) و «الضوء اللامع» (2/ 302) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 361) و «الضوء اللامع» (1/ 86) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 361) و «الضوء اللامع» (11/ 19) .(9/329)
الأبناسي، والبلقيني، والعراقي، وغيرهم. ثم دخل اليمن سنة ثمانمائة، فاستمر بالمهجم وبعدن، إلى أن عاد من قرب، فسكن مصر، ثم ضعف بالدّرب، واختل عقله جدا، وسئم منه جيرانه فنقلوه إلى المارستان، فأقام به نحو شهرين ومات، وصلّيت عليه ودفنته بالتربة الرّكنية بيبرس في سلخ المحرم. انتهى.
وفيها الشيخ تقي الدّين أبو بكر اللّوبياني [1] الفقيه الشافعي، أحد الفضلاء الشافعية بدمشق.
باشر تدريس الشّامية الجوّانية وغيرها. وتوفي في شوال.
وفيها شرف الدّين وبدر الدّين حسين بن علي بن سبع المالكي البوصيري [2] .
قال ابن حجر: ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وسمع على المحبّ الخلاطي أكثر «الدارقطني» أنا الدمياطي، و «صفة التصوف» لابن طاهر، خلا من أول زهد إلى آخر الكتاب. وسمع أيضا على عزّ الدّين ابن جماعة غالب «الأدب المفرد» للبخاري، وعرض على مغلطاي شيئا من محفوظة، وأجاز له، وكان من الطلبة بالشيخونية، وحدّث. سمع منه رضوان، وابن فهد، والبقاعي، وغيرهم.
وأجاز لابني محمد ومن معه.
ومات في ربيع الأول. انتهى.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي، المعروف بابن زريق [3] .
ولد في رمضان سنة تسع وثمانين وسبعمائة، وأسمعه عمّه الكثير من ابن المحب، وابن عوض، وابن داود، وابن الذهبي، وابن العزّ، ومن مسموعه على
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 361) و «الضوء اللامع» (11/ 43) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 362) و «الضوء اللامع» (3/ 105) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (355) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 363) و «الضوء اللامع» (4/ 63) و «السحب الوابلة» ص (201) .(9/330)
ابن العزّ السادس من مسند أنس من «المختارة» للضياء، والثاني والسبعين منها.
وسمع على ابن داود من «أمالي» المحاملي رواية أبي عمر بن مهدي، أنا سليمان بن حمزة.
وتوفي فجأة ليلة الثلاثاء ثالث عشر ربيع الآخر.
وفيها زين الدّين أبو زيد وأبو هريرة عبد الرحمن بن نجم الدّين عمر بن عبد الرحمن بن حسين بن يحيى بن عمر بن عبد المحسن القبابي [1]- نسبة إلى القباب الكبرى من قرى أشمون الرّمان بالوجه الشرقي من أعمال القاهرة [2]- ثم المقدسي الحنبلي المسند.
ولد في ثالث عشر شعبان سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وأجاز له أبو الفتح الميدومي، وجلّ شيوخ العراقي، وسمع من الشيخ تقي الدّين السّبكي، وصلاح الدّين بن أبي عمر، وابن أميلة، وصلاح الدّين العلائي، والتبّاني، وابن رافع، والخلاطي، وابن جماعة، ومغلطاي، وابن هبل، وخلائق، تجمعهم «مشيخة» خرّجها له ابن حجر سمّاها «المشيخة الباسمة» للقبابي، وفاطمة، وكان أحد الفقهاء المبجلين بالقدس الشريف، وقد أكثر عنه الرّحالة وغيرهم، وقصد لذلك، وتفرّد بأكثر مشايخه، وأخذ عنه خلق، منهم ابن حجر.
وتوفي ببيت المقدس في سابع ربيع الآخر.
وفيها جلال الدّين أبو المحامد عبد الواحد [3] بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب الفوي الأصل ثم المكّي العلّامة النحوي، الشهير بالمرشدي [4] .
قال ابن حجر: ولد في جمادى الآخرة سنة ثمانين وسبعمائة بمكة، وأسمع
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 363) و «الضوء اللامع» (4/ 113) و «السحب الوابلة» ص (209) .
[2] انظر «التحفة السنية» ص (49) .
[3] في «آ» و «ط» : «عبد الرحمن» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 364) و «الضوء اللامع» (5/ 93) و «بغية الوعاة» (2/ 118) .(9/331)
علي الشّاوري، والأميوطي، والشّهاب بن ظهيرة، وغيرهم.
ورحل إلى القاهرة فسمع بها من بعض شيوخنا، ومهر في العربية، وقرأ الأصول، والمعاني، والفقه.
وكان نعم الرّجل مروءة وصيانة.
ومات في يوم الجمعة رابع عشري شعبان وكثر الأسف عليه. انتهى.
وفيها علاء الدّين علي بن طيبغا بن حاجي بك التّركماني العينتابي الحنفي [1] .
كان فاضلا وقورا، مهر في الفنون، وقرّره السلطان الأشرف مدرسا وخطيبا بالتربة التي أنشأها بالصّحراء.
وتوفي بطريق الحجاز، ودفن بالقرب من الينبع.
وفيها نور الدّين علي بن محمد بن موسى بن منصور المحلّي ثم المدني [2] .
وقال ابن حجر: ولد في جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وسبعمائة بالمدينة المنورة، وسمع على ابن حبيب، وابن خليل، وابن القارئ، وأبي البقاء السّبكي، وغيرهم. وأجاز له ابن أميلة، وابن الهبل، وابن أبي عمر، وحدّث باليسير، وأجاز لنا، وليس ببلاد الحجاز أسند منه يوم مات.
وتوفي في ثالث شوال.
وفيها نجم الدّين محمد بن عبد الله بن عبد القادر الواسطي السّكاكيني [3] الشافعي.
قرأ على العاقولي، وصدر الدّين الإسفرايني مصنّف «ينابيع الأحكام في
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 365) و «الضوء اللامع» (5/ 233) و «الدليل الشافي» (1/ 458) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 365) و «الضوء اللامع» (6/ 24) و «التحفة اللطيفة» (3/ 258) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 366) و «الضوء اللامع» (8/ 67) وقد ذكر فيه تمام نسبه فيحسن بالباحث الرجوع إليه.(9/332)
مذاهب الأربعة الأعلام» ومهر في النظم، والقراءات، والفقه.
يقال: إنه أقرأ «الحاوي» ثلاثين مرّة، وله «شرح على منهاج البيضاوي» ونظم بقية القراءات العشر، و «تكملة» للشاطبي على طريقته حتّى يغلب على سامعه أنه نظم الشّاطبي. وخمّس «البردة» و «بانت سعاد» .
وتوفي بمكة في سادس عشري ربيع الآخر.
وفيها تقي الدّين محمد بن بدر الدّين محمد بن سراج الدّين عمر البلقيني الشافعي [1] .
ولد سنة تسع وثمانين وسبعمائة، ومات أبوه وهو طفل، فربّاه جدّه، وحفظ القرآن، وصلّى بالناس وهو صغير نحو عشرة سنين، ودرّس في «المنهاج» ولازم الكمال الدّميري وغيره، وكان ذكيا، حسن النّغمة. ونشأ في إملاق، ولما ولي عمّه القضاء نبه قليلا، وولي بأخرة نيابة الحكم بمينة الأمل وغيرها من الضواحي، ودرّس بعد موت عمّه جلال الدّين بجامع طولون، وتمول بملازمة ناظر الجيوشي عبد الباسط، وحصل وظائف وإقطاعات، وصار كثير المال جدا في مدة يسيرة، وحدّث عن جدّه بشيء يسير.
وتوفي بالقاهرة ليلة الثاني عشر من شوال، ودفن على أبيه وجدّه، وخلّف ولدا كبيرا وآخر صغيرا وابنتين.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 367) و «الضوء اللامع» (9/ 171) و «الدليل الشافي» (2/ 686) .(9/333)
سنة تسع وثلاثين وثمانمائة
فيها وقع ببرصا طاعون عظيم واستمر أربعة أشهر [1] .
وفيها وقع الوباء ببلاد كرمان وفشا الطّاعون بهراة، حتّى قيل: إن عدّة من مات بهراة ثمانمائة ألف. وكذلك فشا الوباء في بلاد اليمن جميعها وفي بلاد البربر والحبشة [2] .
وفيها توفي أمير زاه إبراهيم بن شاه رخ [3] صاحب شيراز. وكان قد ملك البصرة وكان فاضلا حسن الخط جدا توفي في رمضان.
وفيها أحمد بن شاه رخ [4] ملك الشرق.
مات في شعبان بعد أن رجع من بلاد الجزيرة، ثم فرار الرّوم، فحزن عليه أبوه، واتفق أنه مات له في هذه السنة ثلاثة أولاد كانوا ملوك الشرق بشيراز، وكرمان، وهذا كان أشدهم [5] ويقال له: أحمد جوكي. قاله ابن حجر.
وفيها همّام الدّين أحمد بن عبد العزيز السّبكي [6] ثم الشّيرازي [7] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (8/ 375) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (8/ 386 و 392) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 359 و 393) و «الدليل الشافي» (1/ 16) و «الضوء اللامع» (1/ 52) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 358 و 393) و «الضوء اللامع» (1/ 209) و «الدليل الشافي» (1/ 48) .
[5] في «آ» : «وهذا أعهدهم» .
[6] كذا في «آ» و «ط» : «السّبكي» وفي «إنباء الغمر» : «الشبكي» وفي «الضوء اللامع» : «الشيفكي» .
[7] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 393) و «الضوء اللامع» (1/ 348) .(9/334)
قال ابن حجر: قرأ على الشّريف الجرجاني «المصباح في شرح المفتاح» .
وقدم مكة فنزل في رباط، فاتفق أنه كان يقرئ في بيته فسقط بهم البيت إلى طبقة سفلى فلم يصب أحدا منهم شيء، وخرجوا يمشون، فلما برزوا سقط السقف الذي كان فوقهم.
وكان حسن التقرير، قليل التكلف، مع لطف العبارة، وكثرة الورع، عارفا بالسلوك على طريق [1] كبار الصوفية. وكان يحذّر من مقالة ابن عربي وينفّر عنها.
مات في خامس عشري شهر رمضان. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن محمد بن محمد الزّاهدي [2] الحفّار [3] المعمّر العابد خادم ضريح الشيخ رسلان بدمشق.
ولد سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وأسمع من زينب بنت الكمال وغيرها، وقرأ الناس عليه بإجازتها.
وتوفي في تاسع جمادى الأولى وله مائة سنة وسنتان.
وفيها الأمير حسين بن أمير المسلمين أبي فارس الحفصي [4] .
قال ابن حجر: الإمام العلّامة المفتي الأمير ابن الأمير. كان أخوه لما مات في العام الماضي استقرّ ولده في المملكة أي مملكة المغرب، ثم أراد الحسين هذا الثورة، فظفر به وقتله، وقتل أخوين له، وعظمت المصيبة بقتل الحسين، فإنه كان فاضلا، مناظرا، ذكيا، رحمه الله.
__________
[1] في «آ» : «على طريقة» وما جاء في «ط» موافق لما في «الإنباء» و «الضوء» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 394) و «الضوء اللامع» (2/ 145) .
[3] في «إنباء الغمر» : «الخباز» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 396) .(9/335)
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الفخر محمد بن علي المصري ثم الدمشقي [1] .
تفقه قليلا، وأسمعه أبوه الكثير من مشايخ عصره، فسمع على الكمال بن حبيب «سنن ابن ماجة» وعلى ابن المحبّ «جزء العالي» أنا الحجّار و «عشرة الحداد» أنا إبراهيم بن صالح وعلي الصّلاح بن أبي عمر مسند عائشة من «مسند أحمد» .
وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها ركن الدّين عبد الرحمن بن علي بن محمد الحلبي الحنفي [2] .
الشريف، المعروف بالدّخان.
اشتغل بدمشق، فمهر في المذهب، وناب في الحكم مدة، ثم ولي القضاء استقلالا بعد موت ابن الكشك. وتوفي ليلة الأحد سابع المحرّم.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد العدناني الشهير بالبرشكي [3] المحدّث الرّحال الفاضل.
أخذ ببلاده عن جماعة، ورحل إلى المشرق سنة ست عشرة، فحجّ، وحمل عنه المشايخ، وأجاز له البرهان الشامي، وكان حسن الأخلاق، لطيف المجالسة، كريم الطّباع، رحمه الله تعالى. قاله ابن حجر.
وفيها عبد الملك بن علي بن عبد الملك بن عبد الله بن عبد الباقي بن عبد الله بن أبي المنا البابي [4] نزيل حلب الشافعي الضّرير النحوي، المعروف بالشيخ عبيد. ولد في حدود سنة ست وستين وسبعمائة، واشتغل على شرف الدّين
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 398) و «الضوء اللامع» (4/ 89) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 399) و «الضوء اللامع» (1034) «طبقات السّنية» (4/ 291) و «الدليل الشافي» (1/ 402) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 399) و «الضوء اللامع» (4/ 132) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 400) و «الضوء اللامع» (5/ 87) و «بغية الوعاة» (2/ 111- 112) .(9/336)
الأنصاري، وشمس الدّين النابلسي، وغيرهما. وتقدم فيهما، وأخذ عنه جمع جمّ. وناب في الإمامة والخطابة بالجامع إلى أن مات في جمادى الآخرة، وكانت جنازته حافلة جدا.
وفيها ولي الدّين عبد الولي بن محمد بن الحسن الخولاني اليمني الشافعي [1] .
ولد بقرب تعز، ولازم بها الإمام رضي الدّين بن الخيّاط، والإمام جمال الدّين محمد بن عمر العوادي، وغيرهما. ولازم الشيخ مجد الدّين الفيروزآبادي [2] . وأخذ عنه النحو واللغة، وجاور معه بمكة والطائف، ومهر إلى أن صار مفتي تعز مع ابن الخيّاط. وتوفي بالطّاعون.
وفيها الحافظ جمال الدّين محمد بن الإمام رضي الدّين أبي بكر بن محمد بن الخيّاط اليمني الشافعي [3] حافظ البلاد اليمنية.
قال ابن حجر: تفقه بأبيه وغيره حتى مهر، ولازم الشيخ نفيس الدّين العلوي في الحديث، فما مضى إلّا اليسير، حتى فاق عليه، حتى كان لا يجاريه في شيء، وتخرّج بالشيخ تقي الدّين الفاسي، وأخذ عن القاضي مجد الدّين الشيرازي- أي صاحب «القاموس» - واغتبط به حتّى كان يكاتبه فيقول إلى اللّيث ابن اللّيث والماء ابن الغيث.
ودرّس جمال الدّين بتعز وأفتى، وانتهت إليه رئاسة العلم بالحديث هناك، وأخذ عن الشيخ شمس الدّين الجزري لما دخل اليمن بأخرة. ومات بالطاعون في هذه السنة. انتهى.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 400) و «الضوء اللامع» (5/ 96) .
[2] كذا في «آ» و «ط» : «الشيخ مجد الدين الفيروزآبادي» وفي مصدري الترجمة «الشيخ مجد الدين الشيرازي» وهو المقصود بذلك. وسوف يسير المؤلف إلى ذلك في الترجمة التالية.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 407) و «الضوء اللامع» (7/ 194) و «طبقات صلحاء اليمن» ص (228) .(9/337)
وفيها تاج الدّين أبو الفتح محمد بن عمر بن أبي بكر بن محمد بن علي بن الشّرابيشي الشافعي [1] .
طلب الفقه، وسمع من ابن خليل، وأكثر عنه، وسمع الكثير من أصحاب أصحاب السّبط وهذه الطبقة، ولازم ابن الملقّن، والعراقي.
قال ابن حجر: وسمع معي كثيرا، وأجاز لي في استدعاء أولادي غير مرّة، وتصدى للإسماع، وأكثر عنه الطلبة من بعد سنة ثلاث وثمانمائة إلى أن مات.
وكان يعلّق الفوائد التي يسمعها في مجالس المشايخ والأئمة، حتّى حصّل من ذلك جملة كبيرة، ثم تسلّط عليه بعض أهله يسرقون المجلدات مفرقات من عدة كتب قد أتقنها وحرّرها فيبيعونها تفاريق، والتي لم تجلد يبيعونها كراريس، وتغيّر عقله بأخرة.
وتوفي يوم الأحد تاسع عشر جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة.
وفيها المنتصر أبو عبد الله محمد بن محمد بن أبي فارس [2] صاحب تونس.
لم يتهنّ في أيام ملكه لطول مرضه وكثرة الفتن.
وتوفي في حادي عشري صفر. واستقرّ بعده شقيقه عثمان ففتك في أقاربه وغيرهم بالقتل والأسر، وخرج عليه عمّه أبو الحسن صاحب بجاية.
وفيها محيي الدّين أبو زكريا يحيى بن أحمد بن حسن العبّابي- نسبة إلى عبّاب بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة جدّ- الشافعي المصري [3] .
ولد في آخر سنة ستين وسبعمائة، وقدم القاهرة فاشتغل بها، وحفظ «التنبيه» و «الألفية» و «مختصر ابن الحاجب» وحضر دروس البلقيني، وابن الملقّن،
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 407) و «الضوء اللامع» (8/ 241) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 408) و «النجوم الزاهرة» (5/ 197) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 409) و «الضوء اللامع» (10/ 263) .(9/338)
والأبناسي، وغيرهم، واشتغل في علم الحديث على العراقي، ولازم العزّ بن جماعة في قراءة «المختصر» ومحبّ الدّين بن هشام في العربية، وطاف على الشيوخ، ثم ارتحل إلى دمشق وهو فاضل، فلازم الزّهري، وأثنى على فضائله، حتى قال: ما قدم علينا من طلبة مصر مثله، وأذن له، وتكلّم على الناس بالجامع، وسكن بعد الفتنة بيت روحا فأقام بها، ودخل إلى مصر مع الشاميين، ثم عاد فلازم عمل الميعاد، واجتمع عليه العامة، وانتفعوا به، وقرأ «صحيح البخاري» عند نوروز، ثم ناب في الحكم عن ابن حجي سنة إحدى عشرة وثمانمائة، واستمرّ في ذلك.
قال ابن حجر: ولم يكن في أحكامه محمودا، وكان في بصره ضعف فتزايد إلى أن أضرّ وهو مستمر على الحكم، وكان يؤخذ بيده فيعلّم بالقلم، وكان فصيحا، ذكيا، جيد الذهن، مشاركا في عدة فنون، مفتيا. وأقبل في أخرة على إقراء الفقه والتدريس، وسمع عليّ شيئا.
وتوفي في ثامن عشر صفر. انتهى باختصار.
وفيها الشيخ أبو الطّاهر بن عبد الله المرّاكشي المالكي [1] قال ابن حجر:
الشيخ المغربي نزيل مكة.
كان قرأ على عبد العزيز الحلماوي قاضي مرّاكش وغيره، وكان خيّرا ديّنا، صالحا.
توفي بمكة في شوال.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 410) «الضوء اللامع» (11/ 116) .(9/339)
سنة أربعين وثمانمائة
فيها توفي إبراهيم بن عبد الكريم الكردي الحلبي [1] .
قال ابن حجر: دخل بلاد العجم، وأخذ عن الشريف الجرجاني وغيره، وأقام بمكة، وكان حسن الخلق، كثير البشر بالطلبة، انتفعوا به كثيرا في عدة فنون وجلّها المعاني والبيان، وكان يقرّرها تقريرا واضحا.
مات في آخر المحرم. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان بن عمر البوصيري الشافعي [2] .
ولد في المحرم سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وسكن القاهرة، ولازم العراقي على كبر فسمع منه الكثير، ولام ابن حجر فكتب عنه «لسان الميزان» و «النكت على الكاشف» والكثير من التصانيف، ثم أكب على نسخ الكتب الحديثية، وكان كثير السكون والعبادة والتّلاوة، مع حدّة الخلق، وجمع أشياء، منها «زوائد سنن ابن ماجة» على الكتب «الأصول الستة» [3] وعمل «زوائد المسانيد العشرة» [4]
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 431) و «الضوء اللامع» (1/ 19) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 431) و «الضوء اللامع» (1/ 251) و «النجوم الزاهرة» (15/ 209) و «درر العقود الفريدة» (2/ 323) .
[3] وسمّاه «مصباح الزجاجة» وقد طبع في دار الجنان ببيروت بمجلدين سنة (1406 هـ) بتحقيق الأستاذ كمال يوسف الحوت.
[4] وسمّاه «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» وهو غير مطبوع وتوجد نسخة منه في دار الكتب المصرية وتحتفظ بمصورة منها الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.(9/340)
و «زوائد السنن الكبير للبيهقي» [1] وكتاب «تحفة الحبيب للحبيب بالزوائد في الترغيب والترهيب» [2] لم يبيضه ولم يزل مكبّا على الاشتغال والنسخ إلى أن توفي ليلة ثامن عشري المحرم بالقاهرة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن صلاح بن محمد بن محمد بن عثمان بن علي بن السّمسار الشافعي، المعروف بابن المحمّرة ويعرف أبوه بابن البحلاق [3] .
ولد في صفر سنة سبع وستين وسبعمائة، وحفظ القرآن وهو صغير، و «العمدة» و «المنهاج» . وسمع من عبد الله بن علي الباجي، وتقي الدّين بن حاتم، ونحوهما. وأكثر عن البرهان الشامي، وابن أبي المجد، وناب في الحكم، وباشر عدة مدارس.
قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» ناب في القضاء مدة ودخل في قضايا كبار وفصلها. وولي بعض البلاد فحصّل منها مالا، وصار يتجر بعد أن كان مقلّا يتكسّب من شهادة المخبز بالخانقاه الصّلاحية. ولما ولي قضاء الشام سار سيرة مرضية بحسب الوقت، ولم يعدم من يفتري عليه، إلّا أنه كان متساهلا بحيث لا يتجنب عن القضايا الباطلة، وكان لا يتولى الحكم بنفسه ولا يفصل شيئا، ولا ينكر على ما يصدر من نوّابه، مع اطلاعه على حالهم. انتهى.
وقال ابن حجر: استمرّ بالقاهرة إلى أن شعرت مشيخة الصّلاحية بصرف الشيخ عزّ الدّين القدسي عنها، فسار إليها في ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين فباشرها إلى أن مات في شهر ربيع الآخر. انتهى.
__________
[1] قال الأستاذ عمر رضا كحالة في «معجم المؤلفين» لا (1/ 175) : يقع في مجلدين أو ثلاثة.
[2] انظر «إيضاح المكنون» (1/ 245) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 432- 434) و «الدليل الشافي» (1/ 81) و «النجوم الزاهرة» (15/ 206- 207) و «الضوء اللامع» (2/ 186- 187) و «درر العقود الفريدة» (1/ 268) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 107- 109) وفي بعض المصادر: «أحمد بن محمد بن صلاح» .(9/341)
وفيها ستّ العيش أمّ عبد الله وأم الفضل عائشة بنت القاضي علاء الدّين علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن أبي الفتح بن هاشم بن إسماعيل بن إبراهيم بن نصر الله بن أحمد الكاتبة الفاضلة الصّالحة الكنانية العسقلانية الأصل ثم المصرية الحنبلية، سبطة القلانسي [1] .
ولدت سنة إحدى وستين وسبعمائة، وحضرت على جدّها فتح الدّين القلانسي أكثر «العلامات» وغيرها، وسمعت من العزّ ابن جماعة، والقاضي موفق الدّين الحنبلي، وناصر الدّين الحراوي. ولها إجازة من محبّ الدّين الخلاطي وجماعة من الشاميين والمصريين، وأكثر عنها الطلبة آخرا، وكانت خيّرة تكتب خطا جيدا، وهي والدة القاضي عزّ الدّين ابن قاضي المسلمين برهان الدّين إبراهيم بن نصر الله الحنبلي.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن عبد الله المروزي الأصل، نزيل القاهرة، المعروف بابن الخرّاط [2] الأديب الشاعر موقّع الدّست.
ولد بحماة في سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وقدم مع والده إلى حلب فنشأ بها، واشتغل على والده وغيره في الفقه وغيره، ثم تولّع بالأدب، واشتهر، وأكثر من مدح أكابر أهل حلب، ومدح جكم بقصائد طنّانة فأجازه، واختصّ به ونادمه، ثم بعد إقامته بمصر مدح ملوكها ورؤساءها. وقدم أخوه شمس الدّين إلى القاهرة صحبة ابن البارزي، فسعى له في كتابة السرّ بطرابلس فوليها، ثم قدم الديار المصرية فقطنها، وقرّر في كتابة الإنشاء، وكانت بيده وظائف كثيرة. وولي قضاء الباب [3] بعد والده، فاستمر معه إلى أن مات، واعتراه في آخر عمره انحراف بعد أن كان في غاية اللطافة والكياسة.
وتوفي ليلة الثلاثاء مستهلّ المحرم.
__________
[1] ترجمتها في «إنباء الغمر» (8/ 438) و «الضوء اللامع» (2/ 78) و «أعلام النساء» (3/ 181) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 438) و «الضوء اللامع» (4/ 130) و «النجوم الزاهرة» (15/ 205) .
[3] الباب: بلدة كبيرة تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة حلب. انظر «معجم البلدان» (1/ 303) .(9/342)
وفيها تاج الدّين عبد الرحمن بن عمر بن محمود بن محمد الشافعي الحلبي، المعروف بابن الكركي [1] .
ولد بحلب سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وسمع من جماعات، وولي قضاء حلب مدة، ثم نزل عن ذلك، واستمرّت بيده جهات قليلة يتبلغ منها. قال ابن حجر: سكن القاهرة مدة، وناب عني في الحكم، وحجّ، وتوجه، فلقيته بحلب لما توجهت إليها، وأجاز لأولادي.
وتوفي في ثاني عشري شهر رمضان.
وفيها شمس الدّين محمد بن إسماعيل بن أحمد بن الضبيّ الشافعي [2] .
قال ابن حجر: كان خطيبا بجامع يونس بالقرب من قنطرة السّباع، وكان ديّنا، خيّرا، مقبلا على شأنه، لازمني نحو الثلاثين سنة [3] ، وكتب أكثر تصانيفي، منها «أطراف المسند» ، وما كمل من «شرح البخاري» [4] وهو أحد عشر سفرا، و «المشتبه» [5] و «لسان الميزان» و «الأمالي» وهي في قدر أربع مجلدات، و «تخريج الرافعي» . وكتب لنفسه من تصانيف غيري. واشتغل بالعربية، ولم تكن له همّة في غير الكتابة. وكان متقلّلا من الدنيا، قانعا باليسير، صابرا.
توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر [6] رمضان.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن أحمد المناوي الأصل الجوهري الشافعي، المعروف بابن الرّيفي [7] .
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 440) و «الضوء اللامع» (4/ 115) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 443) و «الضوء اللامع» (7/ 135) .
[3] لفظة «سنة» سقطت من «آ» .
[4] يعني «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» وهو مطبوع متداول.
[5] يعني «تبصير المنتبه بتحرير المشتبه» وقد طبع منذ سنوات طويلة في مصر بأربع مجلدات، وقام بتحقيقه الشيخ علي محمد البجاوي، وراجعه الشيخ محمد علي النجار.
[6] في «ط» : «ثاني عشري» .
[7] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 443) وفيه «المعروف بابن الريقي» بالقاف، و «الضوء اللامع» (9/ 46) .(9/343)
قال ابن حجر: حصلت له ثرورة من قبل بعض حواشي الناصر من النساء، وأكثر من القراءة [1] على الشيخ برهان الدّين البيجوري، فقرأ عليه «الروضة» وفي «الرافعي الكبير» وفي «الرافعي الصغير» ، وغير ذلك ولازم [2] دروس الولي العراقي، وكان كثير التّلاوة والإحسان للطلبة.
توفي يوم الخميس خامس شوال وكانت جنازته مشهودة.
وفيها مجد الدّين أبو الطّاهر محمد بن محمد بن علي بن إدريس بن أحمد بن محمد بن عمر بن علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن العلوي- نسبة إلى بني علي بن بلي بن وائل- التّعزي الشافعي [3] .
ولد في أول شوال سنة ست وثمانمائة، وقرأ القرآن، وحصّل طرفا من العربية، ونظم الشعر، وأحبّ طلب الحديث، فأخذ عن الجمال ابن الخيّاط بتعز، وحضر عند الفيروزآبادي، وأجاز له، وحجّ سنة تسع وثلاثين، فسمع بمكّة، ثم قدم القاهرة فأكثر على ابن حجر السماع ليلا ونهارا، وكتب بخطّه كثيرا، ثم بغته الموت فتوعك أياما.
وتوفي يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة.
وفيها شمس الدّين محمد المغربي الأندلسي النحوي [4] .
قال ابن حجر: ولي قضاء حماة. وأقام بها مدة، ثم توجه إلى الرّوم فأقام بها، وأقبل الناس عليه، وكان شعلة نار في الذكاء، كثير الاستحضار، عارفا بعدة علوم خصوصا العربية، وقد قرأ في علوم الحديث عليّ، وكان حسن الفهم. مات في شعبان ببرصا من بلاد الرّوم.
__________
[1] في «آ» : «من القراءات» .
[2] في «آ» : «والتزم» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 444) و «الضوء اللامع» (9/ 145) و «طبقات صلحاء اليمن» ص (323) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 447) و «الضوء اللامع» (10/ 26) و «بغية الوعاة» (1/ 290) .(9/344)
وفيها شرف الدّين موسى بن أحمد بن موسى بن عبد الله بن سليمان السّبكي الشافعي [1] .
ولد سنة اثنتين [2] وستين [2] وسبعمائة تقريبا في شبك العبيد، وكان متصديا لشغل الطلبة بالفقه جميع نهاره، وأقام على ذلك نحو عشرين سنة، ولم يخلّف بعده نظيره في ذلك.
وتوفي بمرض السّلّ يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة.
وفيها شهاب الدّين أبو الخير نعمة الله بن الشيخ شرف الدّين محمد بن عبد الرحيم البكري الجرهي- بكسر الجيم وفتح الراء الخفيفة [3]-.
ولد بشيراز سنة خمس عشرة وثمانمائة، وسمع الكثير، وحبّب إليه الطلب.
قال ابن حجر: سمع من أبيه وجماعة بمكة، ثم قدم القاهرة فأكثر عنّي، وعن الشيوخ، وفهم، وحصّل كثيرا من تصانيفي، ومهر فيها، وكتب الخطّ الحسن، وعرف العربية.
ثم بلغه أن أباه مات في العام الماضي فتوجه في البحر فوصل إلى البلاد، ورجع هو وأخوه قاصدين مكة فغرق نعمة الله في نهر الحسا في رجب أو شعبان ظنا، ونجاه أخوه، فلما وصل إلى اليمن ركب البحر إلى جدّة، فاتفق وقوع الحريق بها، فاحترق مع من احترق، لكنه عاش وفقد رجليه معا، فإنهما احترقتا [4] ، والله أعلم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 449) و «الضوء اللامع» (10/ 176) .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 449) و «الضوء اللامع» (10/ 202) .
[4] في «آ» : «احترقا» وهو خطأ.(9/345)
سنة إحدى وأربعين وثمانمائة
فيها وقع الطّاعون في نصف الشتاء في البلاد الشامية فكثر [1] بحماة وحمص وحلب [2] ثم تحول إلى دمشق في [3] أواخر الشتاء، ثم اتصل بالبلاد المصرية [4] .
وفيها توفي الحافظ برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن خليل الشيخ الإمام الحافظ الحلبي، المعروف بالقوف [5] سبط ابن العجمي [6] .
قال في «المنهل الصّافي» : مولده في ثاني عشري رجب سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، وبها نشأ، وطلب العلم، وقرأ الحديث على الشيخ كمال الدّين عمر بن العجمي، و [المحدّث] شرف الدّين [الحسين بن عمر] بن حبيب، والظّهير ابن العجمي، وخلق. وقرأ النحو على الشيخين أبي جعفر، وأبي عبد الله الأندلسيين، وغيرهما. واشتغل في الفقه، والقراآت، والتصريف، والبديع، والتصوف. ورحل فسمع بحماة، ودمشق، والقاهرة من الحافظ ابن المحبّ، وصلاح الدّين بن أبي عمر، والحافظ زين الدّين العراقي، والحافظ سراج الدّين بن الملقّن، وغيرهم.
وسمع بالإسكندرية، والقدس، وغزّة، وسمع منه جماعة كثيرون، منهم ابن
__________
[1] في «ط» : «فأكثر» .
[2] في «ط» : «بحماة وحلب وحمص» .
[3] لفظة «في» سقطت من «ط» .
[4] انظر الخبر في «إنباء الغمر» (8/ 6) .
[5] قال السخاوي في «الضوء اللامع» : لقّبه به بعض أعدائه وكان يغضب منه.
[6] ترجمته في «الدليل الشافي» (1/ 26) و «الضوء اللامع» (1/ 138) و «المنهل الصافي» (1/ 147- 153) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.(9/346)
حجر، وابن ناصر الدّين حافظ دمشق، وغيرهما. ورحلت إليه الطلبة. وكان إماما، حافظا، بارعا مفيدا. سمع الكثير، وألّف التآليف المفيدة الحسنة، وكتب على «صحيح البخاري» وعلى «سيرة ابن سيّد الناس» وعلى كتاب «الشفا» للقاضي عياض. وصنّف «نهاية السول في رواية الستة الأصول» و «شرح سنن ابن ماجة» وذيّل على كتاب «الميزان» للذهبي.
وتوفي بحلب ضحى يوم الاثنين السادس والعشرين من شوال. انتهى.
وفيها [1] شهاب الدّين [1] أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن المادح المعروف بالقرداح [2] الواعظ.
ولد سنة ثمانين وسبعمائة.
قال ابن حجر: كان [3] قد انتهت إليه رئاسة الفنّ، ولم يكن في مصر والشام من يدانيه. وكان طيّب النّغمة، عازفا بالموسيقا، يجيد الأعمال ويتقنها، ولا ينشد غالبا إلّا معربا، ومهر في علم الميقات، وكان ينظم نظما وسطا. سمعت منه ومدحني مرارا، وكان يعمل الألحان وينقل كثيرا منها إلى ما ينظمه، فإذا اشتهر وكثر استعمل غيره، وهو أحد مفاخير الدّيار المصرية، ولم يخلّف بعده مثله.
وخلّف كتبا كثيرة تزيد على ألف مجلّد، وخلّف مالا جزيلا خفي غالبه على ورثته.
انتهى.
وفيها الملك الأشرف برسباي بن عبد الله أبو النصر الدّقماقي الظّاهر الجاركسي [4] سلطان الدّيار المصرية، والبلاد الشامية، والأقطار الحجازية، الثاني والثلاثون من ملوك التّرك، والثامن من ملوك الجراكسة.
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 15) و «الضوء اللامع» (2/ 142) وقال السخاوي: «ويعرف بابن القرداح، وربما قيل له القرداح بضم القاف ومهملات وهو لقب أبيه» .
[3] لفظة «كان» لم ترد في «ط» .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 16) و «النجوم الزاهرة» (15/ 210) و «الدليل الشافي» (1/ 186) و «الضوء اللامع» (3/ 8) و «لطائف أخبار الأول فيمن تصرف بمصر من أرباب الدول» ص (134- 135) .(9/347)
أخذ من بلاد الجركس، وأبيع بالقرم. ثم اشتراه بعض التجار وقدم به إلى الجهة الشامية، فلما وصل إلى مدينة ملطية اشتراه نائبها الأمير دقماق المحمدي، ثم أرسله إلى الملك الظّاهر برقوق في جملة تقدمة هائلة، ثم أعتقه برقوق، وتنقلت به الأيام إلى أن صار ساقيا في دولة الناصر فرج، ثم انحرف إلى جهة الأميرين شيخ، ونوروز، وصار معهما إلى أن قتل الناصر، وقدم صحبة الأمير شيخ إلى الديار المصرية، وصار من جملة الأمراء بها، ولا زال يترقّى إلى أن صار أمير مائة مقدم ألف، ثم ولي نيابة طرابلس سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، ثم عزل وقبض عليه وحبس بالمرقب ثم أفرج عنه، وصار أمير مائة ومقدم ألف بدمشق، ثم عاد إلى الدّيار المصرية صحبة الملك الظّاهر ططر سنة أربع وعشرين، ثم تنقلت به الأحوال، إلى أن بويع بالسلطنة في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين، فساس الملك أحسن سياسة، ونالته السعادة، وفتحت في أيامه عدة فتوحات، منها ماغوصة قبرص، ثم بقية جزيرة قبرص، وأسر ملكها جينوس، ولم يقتل من المسلمين إلّا القليل، ثم عرض عليه جينوس ومن معه من الأسرى وهو يرفل في قيوده على برسباي، فذرفت عيناه، وأعلن بالحمد والشكر، ورتّب له ما يكفيه، ثم أطلقه وأعاده بعد أن ضرب عليه الجزية واستمرت، وكان برسباي ملكا، جليلا، مهابا، عارفا، سيوسا، متواضعا، حسن الخلق، شهما، شجاعا، ذا شيبة نيّرة، وهيئة حسنة، متجملا في حركاته، حريصا على ناموس الملك، لا يتعاطى شيئا من المسكرات، محبا لجمع المال، مكثرا من المماليك، شرها في جمع الخيول والجمال وغيرها. وكانت أيامه في غاية الحسن، مرض في أوائل شعبان وتطاول به المرض، ولما قوي عليه المرض وسط طبيبه العفيف الأسلمي رئيس الأطباء، وزين الدّين خضر في يوم السبت رابع شوال. ولما قدم العفيف للتوسيط [1] استسلم وثبت حتّى صار قطعتين، وقدم خضر فراع، وجزع جزعا شديدا، ودافع عن نفسه، وصاح وبكى، فتكاثروا عليه، ووسطوه توسيطا معذبا لتلوّيه واضطرابه فساءت القالة في السلطان، وقوي مرضه من حينئذ، وابتلي بالصّرع المهول، إلى
__________
[1] في «آ» : «التوسط» .(9/348)
أن توفي قبيل عصر يوم السبت ثالث عشر ذي الحجّة عن نيّف وستين سنة.
وتسلطن بعده ولده العزيز يوسف بعهد منه، وكانت مدة سلطنته ست عشرة سنة وثمانية شهور وخمسة أيام، وهو الذي أنشأ المدرسة الأشرفية في القاهرة بين القصرين وغيرها من الآثار الجميلة.
وفيها قاضي القضاة شهاب الدّين أحمد بن أقضى القضاة ناصر الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن حمزة، الشيخ الإمام العالم المحدّث الحنبلي، الشهير بابن زريق [1] .
قرأ القرآن، واشتغل، فقرأ «الخرقي» . وأخذ الفقه عن جماعة، منهم الشيخ شرف الدّين بن مفلح. قرأ عليه قطعة كبيرة من «فروع» والده، ويقال: إنه كان يحفظ ثلث «الفروع» والشيخ شمس الدّين بن القباقبي [2] ، وأذن له في الإفتاء، وكان له ذهن جيد ومحاضرة حسنة، وناب في الحكم، ثم ترك، وأقبل على عمل الميعاد بالجامع المظفّري، وقرأ «صحيح البخاري» فيه، مع تقشف وديانة، إلى أن لحق بالله تعالى في الطّاعون، ودفن بالرّوضة قريبا من الشيخ موفق الدّين، وتأسف الناس على فقده.
وفيها أحمد بن يحيى الشّاوي اليمني الصّوفي [3] .
قال المناوي في «طبقاته» : كان كبير القدر، سريا، رفيع الذّكر، سنّيّا، صاحب أحوال وكرامات، منها أنه قصده جمع من الزّيدية ممن لا يثبت الكرامات وقصدوا امتحانه، وكان عنده جبّ فيه ماء، فجعل يغرف منه تارة لبنا وتارة سمنا وأخرى عسلا، وغير ذلك بحسب ما اقترحوا عليه.
ودخل على القاضي عثمان بن محمد النّاشري وقد أرجف بموته ثم خرج وعاد إليه وقال لأهله: قد استمهلت له ثلاث سنين، فأقام القاضي بعدها ثلاث
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (487) من القسم المخطوط منه، و «المقصد الأرشد» (1/ 185) و «السحب الوابلة» ص (90) .
[2] تحرفت في «آ» إلى «القبابي» .
[3] ترجمته في «طبقات الأولياء» للمناوي الورقة () .(9/349)
سنين لا تزيد ولا تنقص. وكان يحصل له وجد عظيم عند السّماع فيتكلم بغرائب من العلوم والمعارف والحقائق. انتهى.
وفيها القاضي تاج الدّين أبو محمد عبد الرحيم بن محمد بن أبي بكر الطرابلسي الحنفي [1] .
سمع على ابن منّاع الدمشقي بعض الأجزاء الحديثية بسماعه من عيسى المطعم. وسمع على البرهان الشامي وغيره، وحدّث قليلا، وناب في الحكم عن أخيه أمين الدّين [2] وغيره، وولي إفتاء دار العدل، وكان يصمم في الأحكام ولا يتساهل كغيره، وأقعد في أواخر عمره، وحصلت له رعشة، ثم فلج فحجب، وأقام على ذلك إلى أن مات ليلة الثاني والعشرين من المحرّم.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن مصلح الدّين موسى بن إبراهيم الرّومي الحنفي، الشيخ الإمام العلّامة [3] .
ولد سنة ست وخمسين وسبعمائة، وكان فقيها، بارعا، مفنّنا [4] في علوم شتّى. تخرّج بالشريف الجرجاني، والسعد التّفتازاني وحضر أبحاثهما بحضرة تيمور وغيره، فكان يحفظ تلك الأسئلة والأجوبة المفحمة ويتقنها، وقدم مصر مرّات، ونالته الحرمة الوافرة من الملك الأشرف برسباي، وولّاه مشيخة الصّوفية بمدرسته التي أنشأها وتدريسها فباشرها مدة ثم تركها وتوجه إلى الحجّ. وكان دأبه الانتقال من بلد إلى بلد. وكان متضلعا من العلوم، عالما، مفنّنا، محقّقا، عارفا بالجدل، بارعا في علوم كثيرة، إلا أنه يستخف بكثير من علماء مصر. وانضم إليه طلبتها لما قدم آخرا، وأخذ في الأشغال [5] فلم تطل مدته.
وتوفي يوم الأحد العشرين من شهر رمضان.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 22) و «الضوء اللامع» (4/ 183) .
[2] في «ط» : «أمير الدين» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 24) و «الضوء اللامع» (6/ 41) .
[4] في «آ» : «مفتيا» وهو تحريف.
[5] في «آ» : «في الاشتغال» .(9/350)
وفيها علاء الدّين محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد البخاري العجمي [1] الحنفي [2] العلّامة، علّامة الوقت.
قال ابن حجر: ولد سنة تسع وسبعين وسبعمائة ببلاد العجم [2] ، ونشأ ببخارى فتفقه بأبيه وعمّه العلاء عبد الرحمن، وأخذ الأدبيات والعقليات عن السعد التفتازاني وغيره، ورحل إلى الأقطار، واجتهد في الأخذ عن العلماء، حتّى برع في المعقول والمنقول، والمفهوم والمنطوق، واللغة والعربية، وصار إمام عصره.
وتوجه إلى الهند فاستوطنه مدة، وعظم أمره عند ملوكه إلى الغاية لما شاهدوه من غزير علمه وزهده وورعه، ثم قدم مكّة فأقام بها، ودخل مصر فاستوطنها، وتصدر للإقراء بها، فأخذ عنه غالب من أدركناه من كل مذهب وانتفعوا به، علما، وجاها، ومالا. ونال عظمة بالقاهرة، مع عدم تردد إلى أحد من أعيانها، حتّى ولا السلطان، والكلّ يحضر إليه. وكان ملازما، للإشغال، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، والقيام بذات الله تعالى، مع ضعف كان يعتريه.
وآل أمره إلى أن توجه إلى الشام فسار إليها بعد أن سأله السلطان الإقامة بمصر مرارا فلم يقبل. وسار إليها فأقام بها إلى أن مات [3] في خامس شهر رمضان، ولم يخلّف بعده مثله في العلم، والزّهد، والورع، وإقماع أهل الظلم والجور.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 29) و «الضوء اللامع» (10/ 13) .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] في «ط» : «فأقام بها حتى مات» .(9/351)
سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة
فيها خلعوا الملك العزيز بن برسباي بعد أن كان له في السلطنة ثلاثة أشهر وأقيم الملك الظاهر أبو سعيد جقمق [1] .
وفيها توفي إبراهيم ابن حجي الحنبلي الكفل حارسي [2] الشيخ الإمام العلّامة برهان الدّين. قاله العليمي في «طبقاته» .
وفيها شهاب الدّين أحمد بن تقي الدّين محمد بن أحمد الدّميري المالكي المعروف بابن تقي [3] ، وكانت أمه أخت القاضي تاج الدّين بهرام، فكان ينتسب إليها ولا ينتسب لأبيه، ويكتب بخطه في الفتاوى وغيرها أحمد بن أخت بهرام.
قال ابن حجر: كان فاضلا، مستحضرا للفقه والأصول والعربية والمعاني والبيان وغيرها، فصيحا، عارفا بالشروط والأحكام، جيد الخطّ، قوي الفهم، لكنه كان زري الهيئة، مع ما ينسب إليه من كثرة المال، وقد عيّن للقضاء مرارا فلم يتفق. وكان في صباه آية في سرعة الحفظ، بحيث يحفظ الورقة من «مختصر ابن الحاجب» من مرتين أو ثلاث.
وتوفي في ثاني عشر ربيع الأول ولم يكمل الستين، وخلّف ذكرين وأنثى.
__________
[1] انظر «لطائف أخبار الأول» ص (135) .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (487) من القسم المخطوط منه، و «السحب الوابلة» ص (24) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 78) و «الضوء اللامع» (2/ 78) .(9/352)
وفيها علم الدّين أحمد بن القاضي تاج الدّين محمد بن القاضي علم الدّين محمد بن القاضي كمال الدّين محمد بن القاضي برهان الدّين محمد الأخنائي المالكي [1] أحد نوّاب الحكم بالقاهرة.
قال في «المنهل» : كان فقيها، فاضلا، مستحضرا لفروع مذهبه، من بيت علم ورئاسة وفضل. ناب في الحكم عدة سنين، وكان مشكور السيرة في أحكامه، وله ثروة وحشمة.
مات بعد مرض طويل بالقاهرة في يوم الأربعاء خامس عشري شهر رمضان.
وفيها الملك الظّاهر هزبر الدّين [2] عبد الله، وقيل يحيى بن إسماعيل بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول [3] ، صاحب اليمن بن الأشرف.
ملك اليمن في رجب سنة ثلاثين وثمانمائة، وضعفت مملكته، وخربت ممالك اليمن في أيامه لقلة محصوله بها من استيلاء العربان على أعمالها، ولم يزل على ذلك إلى أن توفي يوم الخميس سلخ رجب.
وملك بعده ابنه الملك الأشرف إسماعيل وله نحو العشرين سنة فساءت سيرته.
وفيها [4] نور الدّين [4] علي بن عبد الرحمن بن محمد الشلقامي الشافعي [5] .
قال ابن حجر: ولد في الطاعون الكبير سنة تسع وأربعين وسبعمائة، أو في
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 79) و «الدليل الشافي» (1/ 81) و «نيل الابتهاج بتطريز الديباج» ص (78) .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «الضوء اللامع» : «هزبر الدين» وفي «الدليل الشافي» : «هزير الدين» .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 81) و «الضوء اللامع» (5/ 14) و (10/ 222) و «الدليل الشافي» (1/ 383) .
[4، 4] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 81) و «الضوء اللامع» (5/ 237) .(9/353)
حدودها، وهو أسنّ من بقي من الفقهاء الشافعية. حضر دروس الجمال الإسنائي، وكان من أعيان الشهود، وله فضيلة ونظم.
مات راجعا من الحجّ بالقرب من السّويس.
وفيها موفق الدّين علي بن محمد بن قحر- بضم القاف، وسكون المهملة بعدها راء- الشافعي الزّبيدي [1] .
قال في «المنهل» : الإمام العالم [2] المفنّن، عالم زبيد ومفتيها.
ولد سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، وانتهت إليه رئاسة العلم والفتوى بزبيد إلى أن توفي بها في ثاني شوال. انتهى.
وفيها حافظ دمشق شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن مجاهد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن علي القيسي الدمشقي الشهير بابن ناصر الدّين الشافعي، وقيل الحنبلي [3] .
ولد في أواسط محرم سنة سبع وسبعين وسبعمائة بدمشق، وبها نشأ، وحفظ القرآن العزيز وعدة متون، وسمع الحديث في صغره من الحافظ أبي بكر بن المحبّ، وتلا بالروايات على ابن البانياسي، ثم أكب على طلب الحديث، ولازم الشيوخ، وكتب الطباق. وسمع من خلق، منهم بدر الدّين بن قوام، ومحمد بن عوض، والعزّ الأبناسي، وابن غشم المرداوي، والصّدر المناوي، ونجم الدّين بن العز، وبرهان الدّين بن عبد الهادي، وأبو هريرة بن الذّهبي، وخلائق يطول ذكرهم.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 82) و «الضوء اللامع» (5/ 312) و «الدليل الشافي» (1/ 480) .
[2] في «ط» : «العامل» .
[3] ترجمته في «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (238- 239) و «السلوك» (4/ 3/ 1148) و «الضوء اللامع» (8/ 103- 106) و «النجوم الزاهرة» (15/ 465) و «الدليل الشافي» (2/ 581) وقد استوفى الأستاذ الفاضل محمد نعيم العرقسوسي ذكر مصادر ترجمته في مقدمته لكتابه «توضيح المشتبه» فيحسن بالباحث الرجوع إليها.(9/354)
وأخبر السخاوي أنه قرأ على ابن حجر، وابن حجر قرأ عليه، ومهر في الحديث، وكتب، وخرّج، وعرف العالي والنازل، وخرّج لنفسه ولغيره، وصار حافظ الشام بلا منازع، وأخذ العربية عن البانياسي وغيره، والفقه عن ابن خطيب الدهشة، والسّراج البلقيني. وأجاز له من القاهرة الحافظ الزّين العراقي، والسّراج بن الملقّن، وغيرهما.
واشتهر اسمه، وبعد صيته، وألّف التآليف الجليلة، منها «توضيح مشتبه الذهبي» [1] في ثلاث مجلدات كبار، وجرّد منه كتاب «الإعلام بما وقع في مشتبه الذهبي من الأوهام» [2] و «بديعة البيان عن موت الأعيان» [3] ، نظما وشرحها في مجلد سمّاه «التبيان» [4] وقصيدة في أنواع علوم الحديث، سمّاها «عقود الدّرر في علوم الأثر» وشرحها شرحين مطول ومختصر. وكتاب «السّرّاق من الضعفاء» و «كشف القناع عن حال من افترى الصّحبة والأتباع» و «إتحاف السّالك برواية الموطأ عن مالك» و «جامع الآثار في مولد المختار» ثلاثة أسفار كبار، و «مورد الصادي في مولد الهادي» واختصر منه «اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق» . وله مصنّفات في المعراج، وكذا في الوفاة النبوية. و «افتتاح القاري لصحيح البخاري» و «تحفة الأخباري بترجمة البخاري» و «منهاج السّلامة في ميزان القيامة» و «التنقيح لحديث التسبيح» و «جزء في فضل يوم عرفة» و «جزء في فضل يوم عاشوراء» [5] و «برد الأكباد عن موت الأولاد» و «نفحات الأخيار في مسلسلات الأخبار»
__________
[1] يقوم بتحقيقه الأستاذ الفاضل محمد نعيم العرقسوسي ويطبع في مؤسسة الرسالة في بيروت وقد صدر منه المجلد الأول ولا زالت مجلداته الأخرى قيد الإعداد للطبع كما ذكر لي محققه.
[2] قام بتحقيقه الأستاذ عبد ربّ النبي محمد بإشراف الدكتور محمد شوقي خضر، ونال عليه درجة الماجستير من جامعة أم القرى بمكة المركمة، ونشرته مكتبة العلوم والحكم في المدينة المنورة عام (1407 هـ) .
[3] وقد ذكر فيها طبقات الحفاظ من المحدّثين، ولدينا مصورة لإحدى نسخها الخطية وهي جديرة بالنشر.
[4] واسمه الكامل «التبيان شرح بديعة البيان» وقد احتوى على فوائد هامة جدا تتصل بأعلام المحدّثين من رجالات القرون السالفة، ولدينا مصورة عن أحدى نسخة الخطية وهو جدير بالتحقيق والنشر.
[5] لفظة «يوم» سقطت من «آ» .(9/355)
و «الأربعون المتباينة الأسانيد والمتون» و «مسند تميم الدّاري وترجمته» و «عرف العنبر في وصف المنبر» و «الروض الندي في الحوض المحمدي» . مجلد ذكر فيه طرق حديث الحوض من ثمانين طريقا. و «ربع الفرع في شرح حديث أم زرع» و «رفع الدّسيسة بوضع الهريسة» و «جزء» فيه أحاديث ستة عن حفاظ ستة في معان ستة من مشايخ الأئمة الستة بين مخرّجها وبين روايتها ستة. و «نيل الأمنية بذكر [1] الخيل النبوية» و «الإملاء الأنفسي في ترجمة عسعسي» و «إعلام الرّواة بأحكام حديث القضاة» و «الأعلام الواضحة في أحكام المصافحة» و «إطفاء حرقة الحوبة بإلباس خرقة التوبة» و «مختصر في مناسك الحج» وعدة مصنّفات أخر.
وتوفي بدمشق في ليلة الجمعة سادس عشر ربيع الآخر ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وفيها تاج الدّين عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن عبد القادر الجعفري النابلسي الحنبلي [2] .
قال العليمي: الشيخ الإمام [3] العالم القاضي.
كان من أهل الفضل، وهو من بيت علم ورئاسة، وكان يكتب على الفتوى عبارة حسنة تدلّ على فضله، وصنّف «مناسك الحجّ» وهو حسن، وله رواية في الحديث وخطه [4] حسن.
ولي قضاء الحنابلة بنابلس وباشر مدة طويلة، وتوفي بها.
وتوفي ولده زين الدّين جعفر في سنة أربع وأربعين.
وولده الثاني القاضي زين الدّين عمر في سنة ست وأربعين وثمانمائة.
وفيها قاضي القضاة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن
__________
[1] لفظة «بذكر» سقطت من «آ» .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (487) من القسم المخطوط منه، و «السحب الوابلة» ص (274) .
[3] لفظة «الإمام» لم ترد في نسخة «المنهج الأحمد» الذي بين يدي.
[4] في «آ» و «ط» : «وخط» والتصحيح من «المنهج الأحمد» مصدر المؤلف.(9/356)
عثمان بن نعيم بن محمد بن حسن بن غنّام البساطي المالكي النحوي [1] .
قال السيوطي: ولد في جمادى الأولى سنة ستين وسبعمائة ببساط، وانتقل إلى مصر، واشتغل بها كثيرا في عدة فنون، وكان نابغة الطلبة في شبيبته، واشتهر أمره، وبعد صيته، وبرع في فنون المعقول، والعربية، والمعاني، والبيان، والأصلين. وصنّف فيها وفي الفقه، وعاش دهرا في بؤس بحيث إنه كان ينام على قشر القصب، ثم تحرّك له الحظ فولي تدريس المالكية بمدرسة جمال الدّين الاستادار، ثم مشيخة تربة الملك الناصر، ثم تدريس البرقوقية، وتدريس الشيخونية. وناب في الحكم عن ابن عمّه. ثم تولى القضاء بالديار المصرية سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة فأقام فيه عشرين سنة متوليا لم يعزل منه، وكان سمع الحديث من التّقي البغدادي وغيره، ولم يعتن به.
ومن تصانيفه «المغني» في الفقه، و «شفاء الغليل في مختصر الشيخ خليل» و «شرح ابن الحاجب الفرعي» و «حاشية على المطوّل» و «حاشية على شرح المطالع» للقطب. و «حاشية على المواقف» للعضد. و «نكت على الطوالع» للبيضاوي، و «مقدمة» في أصول الدّين.
وأخذ عنه جماعة من أئمة العصر، منهم شيخنا الإمام الشّمنّي، وقاضي القضاة محيى الدّين المالكي قاضي مكّة. وحدّثنا عنه غير واحد.
ومات بالقولنج ثاني عشر شهر رمضان وأمطرت السماء بعد دفنه مطرا غزيرا أي وكانت وفاته بالقاهرة.
وفيها جمال الدّين محمد بن سعيد بن كبّن- بفتح الكاف وشدة الموحدة بعدها نون- اليمني [2] قاضي عدن.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 82) و «النجوم الزاهرة» (15/ 466) و «الضوء اللامع» (7/ 5) و «بغية الوعاة» (1/ 32- 33) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 85) و «الضوء اللامع» (7/ 250) و «طبقات صلحاء اليمن» ص (334) .(9/357)
كان فاضلا مشاركا في علوم كثيرة، ولي القضاء بعد نحوا من أربعين سنة تخللتها، ولاية القاضي عيسى اليافعي مددا مفرقة.
وتوفي بعدن وأسف الناس عليه لما كان فيه من المداراة، وخفض الجناح ولين الجانب والإصلاح بين الخصوم وقد قارب الثمانين.
وفيها شرف الدّين أبو النّون يونس بن حسين بن علي بن محمد بن زكريا الزبيري [1] بن الجزّار الألواحي، نزيل القاهرة الشافعي [2] .
ولد بالقاهرة سنة خمس وستين وسبعمائة، وسمع من عبد الرحمن بن القارئ، وناصر الدّين الطبردار وغيرهما، وحدّث بالكثير، وعرض «العمدة» على الجمال الإسنوي، ولازم السّراج البلقيني.
قال ابن حجر: وجمع لنفسه مجاميع مفيدة، لكنه كان عريا من العربية فيقع له اللحن الفاحش. وكان كثير الابتهال والتوجه، ولا يعدم في طول عمره عاميا يتسلط عليه وخصوصا ممن يجاوره، وسمع منه خلق.
وتوفي ليلة الخميس رابع عشر ذي الحجّة.
__________
[1] في «آ» : «الزبيدي» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 88) و «الضوء اللامع» (10/ 342) .(9/358)
سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة
فيها توفي برهان [الدّين] إبراهيم بن فلاح النابلسي [1] الحنبلي.
كان من العلماء العاملين.
توفي بصالحية دمشق.
وفيها تقي الدّين عبد اللطيف بن القاضي بدر الدّين محمد بن الأمانة [2] .
قال ابن حجر: درّس في الحديث بالمنصورية، وفي الفقه بالمدرسة الهكارية مكان أبيه أياما.
ومات وهو شاب في يوم الأحد ثامن عشري ذي القعدة، وكان مشكور السيرة على صغر سنة. انتهى.
وفيها القاضي علاء الدّين علي بن محمد بن سعد بن محمد بن علي بن عمر بن إسماعيل بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب بن علي بن هبة الله بن ناجية الطائي الشافعي الحلبي [3] قاضي حلب وفقيهها، المعروف بابن خطيب الناصرية.
ولد سنة أربع وسبعين وسبعمائة، وسمع من أحمد بن عبد العزيز بن
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (488) من القسم المخطوط منه، و «السحب الوابلة» ص (30) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما.
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 115) و «الضوء اللامع» (5/ 303) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 115) و «الضوء اللامع» (5/ 303) و «الدليل الشافي» (1/ 480) .(9/359)
المرحّل، وهو أقدم شيخ له، ومن عمر بن أيدغمش خاتمة أصحاب إبراهيم بن خليل.
وكان إماما عالما، مفنّنا، شديد الحبّ للقضاء، حتى بلغ من غيرته عليه أنه أوصى بأن يسعى به لابن بنته أثير الدّين بن الشّحنة في قضاء الشافعية بحلب، مع أنه حنفي المذهب.
توفي يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة بحلب ولم يخلّف بها [1] بعده مثله ولا قريبا منه.
وفيها جمال الدّين محمد بن عبد الله الكازروني المدني [2] الشيخ الإمام العالم.
انتهت إليه رئاسة العلم بالمدينة النبوية. وولي قضاءها وخطابتها، ثم صرف، ودخل القاهرة مرارا ولم يخلّف بعده من يقارنه بالمدينة المنورة.
وفيها شمس الدّين محمد بن يحيى بن علي بن محمد بن أبي بكر المصري الصالحي- نسبة إلى قرية يقال لها مينة أم صالح بناحية مليج الغربية وإلى حارة الصالحية بالبرقية داخل القاهرة- الشافعي المذهب [3] .
ولد قبل الستين وسبعمائة، وعني بالقراءات فأتقن السبع على جماعة، ورحل إلى دمشق، واشتغل بالفقه، وتولى تدريس الفقه البرقوقية عن الشيخ أوحد بحكم نزوله له عنه بمبلغ كبير من الذهب، واتصل بالأمير قطلوبغا الكركي فقرّره إماما بالقصر، وناب بجاهه في الحكم أحيانا، وأم قطلوبغا المذكور. ثم ولي مشيخة القراءات بالمدرسة المؤيدية لما فتحت وما تزوج. وكان مولعا بالمطالب، ينفق ما يتحصل له فيها، مع التقتير على نفسه، وكفّ بصره في أواخر عمره، واختل ذهنه، عفا الله عنه. قاله ابن حجر.
__________
[1] لفظة «بها» سقطت من «ط» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 117) و «التحفة اللطيفة» (3/ 612) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 117) .(9/360)
وفيها صلاح الدّين خليل بن أحمد الأديب المعروف بابن الغرس [1] المصري [2] الشاعر المشهور.
قال في «المنهل الصّافي» : كان أديبا ذكيا فاضلا، يلبس لبس أولاد الأتراك، واشتغل في ابتداء أمره بفقه الحنفية، ثم غلب عليه الأدب، [ونظّم القريض] حتّى صار معدودا من الشعراء المجيدين.
وكان ضخما جسيما إلّا أنه كان لطيفا، حاذقا، حلو المحاضرة، حسن البديهة.
ومن شعره:
عجوزة حدباء عاينتها ... تبسّمت. قلت: استري فاكي
سبحان من بدّل ذاك البها ... بقبح أشداق [3] وأحناك
ومنه أيضا:
خليليّ ابسطا لي الأنس إنّي ... فقير، متّ في حبّ الغواني
وإن تجدا مداما أو قيانا ... خذاني للمدامة والقيان
توفي في شعبان وقد نيّف على الخمسين.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «المعروف بابن الفرس» بالفاء وهو تحريف، والتصحيح من «الدليل الشافي» و «الضوء اللامع» وقال السخاوي: ويعرف بابن الغرز.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 191) و «الدليل الشافي» (1/ 290) و «المنهل الصافي» (5/ 232- 234) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[3] في «الضوء اللامع» : «أحداق» .(9/361)
سنة أربع وأربعين وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن رسلان بن نصير بن صالح الشافعي، المعروف بالعجيمي [1] قاضي المحلة.
قال في «المنهل» : كان فقيها عالما فاضلا، ولي نيابة الحكم بالمحلّة وغيرها عدة سنين، وكثر ماله من ذلك، وكانت له وجاهة، واستمرّ على ذلك إلى أن توفي يوم الثلاثاء رابع عشري جمادى الأولى عن أكثر من ثمانين سنة.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن حسين بن أرسلان المقدسي [2] الشافعي الصّوفي الشيخ الإمام العالم الصالح القدوة.
ولد برملة فلسطين سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، ثم رحل لأخذ العلوم، فسمع الحديث على جماعة كثيرة، وبرع في الفقه، حتّى أجازه قاضي القضاة الباعوني بالإفتاء، وتصدى للإقراء وما قرأ عليه أحد إلّا انتفع، وكان يكني جماعته بكنى كأبي طاهر، وأبي المواهب فلا يتخلف أثرها، ولزم الإفتاء والتدريس مدة، ثم ترك ذلك، وسلك طريق الصّوفية القويم، وجدّ واجتهد، حتّى صار منارا يهتدي به السّالكون، وشعارا يقتدي به الناسكون، وغرست محبته في قلوب الناس فأثمر له ذلك الغراس.
ومن تصانيفه النافعة: «شرح سنن أبي داود» و «البخاري» وعلّق على «الشفا» وشرح «مختصر ابن الحاجب» و «جمع الجوامع» و «منهاج البيضاوي» وشرح «أرجوزته الزبد» في كبير وصغير، و «تصحيح الحاوي» و «مختصر الروضة» و «المنهاج» و «أدب القاضي» للغزّي و «الأذكار» و «حياة الحيوان» ونظم في علم
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 137) و «الضوء اللامع» (1/ 253) و «الدليل الشافي» (1/ 37) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 212) و «الدليل الشافي» (1/ 45) و «البدر الطالع» (1/ 49) .(9/362)
القراآت، وأعرب «الألفية» و «شرح الملحة» وعمل «طبقات الشافعية» ونظم من علوم القرآن ستين نوعا.
ومن نظمه في المواضع التي لا يجب فيها ردّ السلام:
ردّ السّلام واجب إلّا على ... من في صلاة أو بأكل شغلا
أو شرب او قراءة أو أدعية ... أو ذكر او خطبة أو تلبية
أو في قضاء حاجة الإنسان ... أو في إمامة أو الأذان
أو سلّم الطّفل أو السّكران ... أو شابّة يخشى بها افتتان
أو فاسق أو ناعس أو نائم ... أو حالة الجماع أو محاكم
أو كان في الحمّام أو مجنونا ... هي اثنتان بعدها عشرونا
قال المناوي في «طبقات الأولياء» : وله كرامات لا تكاد تحصى، منها أنه شفع عند طوغان كاشف الرّملة فلم يقبل شفاعته. وقال: طولتم علينا يا ابن رسلان، إن كان له سرّ فليرم هذه النّخلة لنخلة بقربه فما تم كلامه إلّا وهبّت ريح عاصفة فألقتها فبادر الشيخ معتذرا، ومنها أنه لما أتمّ كتاب «الزّبد» أتى به إلى البحر وثقّله بحجر، وألقاه في قعره، وقال: اللهم إن كان خالصا لك فأظهره وإلا فأذهبه، فصعد من قعر البحر حتّى صار على وجه الماء ولم يذهب منه حرف [1] .
ومنها أنه سمع عند إنزاله القبر يقول: رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ 23: 29 [المؤمنون: 29] .
وكان صائما قائما، قلّما يضطجع بالليل.
وتوفي بالقدس يوم الاثنين لثمان بقين من شهر رمضان عن إحدى وسبعين سنة، وارتجت الدّنيا لموته، ولم يخلّف بعده بتلك الدّيار مثله.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن صالح المحلّي الشافعي [2] .
__________
[1] أقول: في هذا الكلام مبالغات. (ع) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 138) و «الدليل الشافي» (1/ 50) و «المنهل الصافي» (1/ 319) .(9/363)
قال في «المنهل» : الشيخ الإمام العلّامة.
كان إماما بارعا في الفقه، والأصول، والفرائض، والنحو، والتصريف، وتصدّر للتدريس عدة سنين، وخطب مدة، مع سلوك ونسك وعبادة وصلاح، وكان للناس فيه اعتقاد حسن، ولم يزل على ذلك إلى أن توفي يوم الأربعاء ثامن عشري ذي الحجّة. انتهى.
وفيها قاضي القضاة محبّ الدّين أبو الفضل أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر البغدادي ثم المصري [1] الحنبلي، شيخ الإسلام، وعلم الأعلام، المعروف بابن نصر الله شيخ المذهب، ومفتي الديار المصرية.
ولد ببغداد في ضحوة يوم السبت سابع عشر رجب سنة خمس وستين وسبعمائة، وسمع بها من والده الشيخ نصر الله، ومن نجم الدّين أبي بكر بن قاسم، ونور الدّين علي بن أحمد المقرئ.
وعنى بالحديث، ثم قدم القاهرة مع والده، وأخذ عن مشايخ، منهم سراج الدّين البلقيني، وزين الدّين العراقي، وابن الملقّن. وأخذ عن الشيخ زين الدّين بن رجب بالشام، وسمع بحلب من الشّهاب بن المرحّل. وولي تدريس الظّاهرية البرقوقية وغيرها. وناب في الحكم عن ابن المغلي، وناظر وأفتى، وانتفع به الناس. وكان متضلعا بالعلوم الشرعية، من تفسير، وحديث، وفقه، وأصول.
قال برهان الدّين ابن مفلح في «طبقاته» : وهو من أجل مشايخنا، وانتهت إليه مشيخة الحنابلة بعد موت مستخلفه [2] قاضي القضاة [2] علاء الدّين ابن مغلي. وله عمل كثير في «شرح مسلم» . وله «حواشي على المحرّر» حسنة، وعلى «الفروع» ، وكتابة على الفتوى نهاية.
وأفتى [3] بصحة الخلع حيلة، وعدم وقوع الطلاق بفعل المحلوف عليه في
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 139) و «الضوء اللامع» (2/ 233) و «المنهج الأحمد» الورقة (488) من القسم المخطوط منه، و «السحب الوابلة» ص (109- 115) و «المقصد الأرشد» (1/ 202- 204) .
[2، 2] ما بين الرقمين مستدرك من «المقصد الأرشد» مصدر المؤلف.
[3] بدأ المؤلف بالنقل عن «المنهج الأحمد» ولفظة «به» التي بين الحاصرتين مستدركة منه.(9/364)
زمن البينونة. ويأتي نظير ذلك في ترجمة نور الدّين الشيشيني.
ومن فوائده أن من اشترى حصة مبلغها النصف مثلا من بناء على أرض محتكرة، فليس لشريكه طلب الشفعة في البناء المبيع دون الأرض.
ومنها قوله: كثيرا ما يقع في سجلات القضاة الحكم بالموجب تارة، والحكم بالصّحة أخرى، وقد اختلف كلام المتأخرين في الفرق بينهما وعدمه، ولم أجد لأحد من أصحابنا كلاما منقولا في ذلك، والذي نقوله بعد الاستعصام بالله تعالى وسؤاله التوفيق: إن الحكم بالصّحة لا شك أنه يستلزم ثبوت الملك والحيازة قطعا، فإذا ادعى رجل أنه ابتاع من آخر عينا واعترف المدّعي عليه بذلك، لم يجز للحاكم الحكم بصحة البيع بمجرد ذلك، حتّى يدعي المدّعى أنه باعه العين المذكورة وهو مالك لها، ويقيم البينة بذلك، فأما لو اعترف له البائع بذلك لم يكف [1] في جواز الحكم بالصّحة لأن اعترافه يقتضي ادعاء ملك العين المبيعة وقت البيع، ولا يثبت ذلك بمجرّد دعواه، فلا بد من بيّنة تشهد بملكه وحيازته حال البيع، حتّى يسوغ للحاكم الحكم بالصّحة. وأما الحكم بالموجب- بفتح الجيم- فمعناه الحكم بموجب الدعوى الثابتة بالبيّنة أو علم القاضي أو غيرهما، هذا هو معنى الموجب، ولا معنى للموجب غير ذلك. [2] انتهى ملخصا، وله غير ذلك [2] .
وكان لا ينظر بإحدى عينيه مع حسن شكله وأبهته، واستقلّ بقضاء مصر مددا. وأجازه الشمس الكرماني بإجازة عظيمة، ووصفه بالفضيلة مع صغر السنّ، وتمثل فيه بقول الشاعر:
إنّ الهلال إذا رأيت نموّه ... أيقنت أن سيصير بدرا كاملا
وتوفي بالقاهرة صبيحة يوم الأربعاء النصف من جمادى الآخرة عن ثمان وسبعين سنة وعشرة أشهر إلّا يومين، واستقرّ ولده يوسف بعده في تدريس المنصورية والأشرفية.
__________
[1] في «ط» : «لم يكن» ولفظة «في» التي بعدها سقطت منها.
[2، 2] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .(9/365)
وفيها قاضي القضاة موفق الدّين علي بن أبي بكر اليمني الشافعي، الشهير بالنّاشري [1] .
كان عالم مدينة تعز باليمن، وقاضيها ومفتيها، وبها توفي في خامس عشري صفر عن تسعين سنة.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن عثمان بن عمر بن صالح الدمشقي الشافعي، الشهير بابن الصّيرفي [2] .
ولد بدمشق سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وبها نشأ، وطلب العلم، وسمع الحديث على أبي الحسن علي بن أبي المجد، والزّين عمر البالسي، وفاطمة بنت المنجّى، والكمال بن النّحاس، وغيرهم وحفظ عدة متون في مذهبه، وتفقه على الشّرف الغزّي، والشّهاب الملكاوي، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، والحديث، وقدم القاهرة سنة ثلاث وثمانمائة، فأخذ عن السّراج البلقيني، والحافظ الزّين العراقي، وقرأ الأصول على العزّ بن جماعة، ثم عاد إلى دمشق، واشتهر في آخر عمره، وتصدّر بجامع بني أميّة، وأفتى ودرّس بالشّامية البرّانيّة، وبدار الحديث الأشرفية، وصنّف عدة تصانيف، منها كتاب «الوصول إلى ما في الرافعي من الأصول» مجلد. وكتاب «نتائج الفكر في ترتيب مسائل المنهاج على المختصر» في أربع مجلدات. وكتاب «ذهب الفقيه السّاري في ترتيب مسائل المنهاج على أبواب البخاري» وهو كبير جدا. وكتاب «خطب» في مجلد. وكتاب «زاد السائرين في فقه الصّالحين» وهو شرح ل «التنبيه» ، وناب في الحكم في أواخر عمره. وكان ديّنا، سليم الصّدر، متواضعا، متقشفا في ملبسه، ملازما للاشتغال والإشغال إلى أن توفي بدمشق ليلة الاثنين حادي عشر رمضان ودفن بمقابر الصّوفية.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 205) و «الدليل الشافي» (1/ 447) و «مصادر الفكر الإسلامي» ص (200) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 259) و «الدليل الشافي» (1/ 463) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 463) .(9/366)
وفيها برهان الدّين إبراهيم بن البحلاق البعلي الحنبلي [1] ، شيخ الحنابلة ومدرّسهم ومفتيهم بمدينة بعلبك.
له سماع كثير للحديث.
وتوفي ببعلبك في أواسط شوال.
وفيها قاضي القضاة شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن علي بن إسماعيل الحنبلي، المعروف بابن الرّسّام [2] .
ولد تقريبا سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وولي قضاء حماة، ثم قضاء حلب، وقدم الشام والقاهرة مرارا، وأسمع «الصحيح» من شمس الدّين بن اليّونانية.
وسمع من العراقي، وأجاز له جماعة، منهم ابن المحبّ، وابن رجب. وكان يعمل المواعيد، وله كتاب في الوعظ على نمط كتاب شيخه ابن رجب المعروف ب «لطائف المعارف» [3] .
وتوفي في شوال.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الكرم الحنبلي، المعروف بأبي شعر [4] ، الشيخ الإمام العلّامة القدوة الحافظ.
نشأ على خير ودين، واشتغل على الشيخ علاء الدّين بن اللّحام، وأذن له بالإفتاء شمس الدّين القباقبي، وحضر زين الدّين ابن رجب، وعني بالحديث وعلومه، وكان استاذا في التفسير، وله مشاركة جيدة في الفقه، والأصلين، والنحو، وكان متبحّرا في كلام الشيخ تقي الدّين ابن تيميّة، إلى أن وقع له كائنة مع بعض الناس، فلزم بيته بصالحية دمشق، وعكف عليه جماعة كثيرة وانتفعوا به، وكانت هيئته تذكّر بالسّلف الصّالح.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 184) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 249) و «السحب الوابلة» و «المنهج الأحمد» الورقة (491) .
[3] تقدم التعليق عليه عند ترجمة الحافظ ابن رجب الحنبلي في المجلد الثامن ص (579- 580) .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 82) و «الدليل الشافي» (1/ 399) و «المنهج الأحمد» الورقة (491) و «السحب الوابلة» ص (202) .(9/367)
وله كشف سريع [1] ، وصبر في حقّ الله تعالى.
توفي في ثامن عشري شوال ودفن بالرّوضة قريبا من الشيخ موفق الدّين.
وتوفي قبله ولده برهان الدّين إبراهيم [2] في الطّاعون سنة إحدى وأربعين. وكان شابا، حسنا، دينا، فاضلا، تأسف الناس عليه.
وفيها نور الدّين أبو الحسن علي بن عمر بن حسن بن حسين بن علي بن صالح التّلواني الشّافعي [3] .
أصله من المغرب، وسكن والده بجروان قرية بالمنوفية بالوجه البحري من أعمال القاهرة، فولد له بها الشيخ نور الدّين هذا بعد سنة ستين وسبعمائة فنشأ بها، وحفظ القرآن العزيز [4] ، ثم سكن تلوانة [5] بالمنوفية أيضا فعرف بالتلواني، ثم قدم القاهرة، وطلب العلم، وأكبّ على الاشتغال، ولازم السّراج البلقيني وغيره، وأجازه البلقيني بالفتوى والتدريس، وتصدر لهما، وانتفع به جماعة، وحضر دروسه غالب علماء العصر، وتولى عدة وظائف دينية وتداريس عديدة، منها تدريس قبّة الشافعي، إلى أن توفي يوم الاثنين ثالث عشري ذي القعدة وقد أناف على الثمانين وحواسه سليمة.
وفيها شمس الدّين محمد بن عمّار بن محمد المالكي [6] الإمام العالم العلّامة.
ولد في حدود الستين وسبعمائة، واشتغل قديما، ولقي المشايخ، وسمع من كثيرين، وقرأ بنفسه.
قال ابن حجر: وسمع معي بالقاهرة، والإسكندرية، وكان صاحب فنون،
__________
[1] أقول: وهذا أيضا من المبالغات التي تخرج عن الأمور الشرعية. (ع) .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (253) عقب ترجمة أبيه، و «الضوء اللامع» (1/ 59) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 148) وفيه: «علي بن الحسن بن عمر» و «الضوء اللامع» (5/ 263) .
[4] لفظة «العزيز» سقطت من «آ» .
[5] انظر «التحفة السّنية» ص (104) .
[6] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 154) و «الضوء اللامع» (8/ 232) و «الدليل الشافي» (2/ 664) .(9/368)
وقد جمع مجاميع كثيرة، وشرح «العمدة» وكتب على «التسهيل» واختصر كثيرا من الكتب المطولة، وسكن بمصر بجوار جامع عمرو بن العاص، وانتفع به المصريون، وسكن تربة الشيخ أبي عبد الله الجبرتي بالقرافة مدة، وكان حسن المحاضرة محبا في الصالحين حسن المعتقد.
وتوفي ليلة السبت رابع عشري ذي الحجة وقد أكمل ستا وثمانين سنة.
انتهى.(9/369)
سنة خمس وأربعين وثمانمائة
فيها توفي تقي الدّين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصّمد المقريزي [1] الحنفي البعلي الأصل المصري [2] المولد والدار والوفاة الإمام العالم البارع، عمدة المؤرّخين، وعين المحدّثين.
ولد بعد سنة ستين وسبعمائة، ونشأ بالقاهرة، وتفقه على مذهب الحنفية، وهو مذهب جدّه العلّامة شمس الدّين محمد بن الصّايغ، ثم تحول شافعيا بعد مدة طويلة [3] ، وسمع الكثير من البرهان النشاوري، والبرهان الآمدي، والسّراج البلقيني، والزّين العراقي. وسمع بمكّة من ابن سكّر وغيره، وله إجازة من الشيخ شهاب الدّين الأذرعي، والجمال الإسنوي، وغيرهما. وكان علما من الأعلام، ضابطا مؤرّخا، مفنّنا، محدّثا، معظّما في الدولة [4] ، ولي حسبة القاهرة غير مرّة وعرض عليه قضاء دمشق فأبى، وكتب الكثير بخطّه، وانتقى، وحصّل الفوائد، واشتهر ذكره في حياته وبعد موته في التاريخ وغيره، حتى صار يضرب به المثل، وكان منقطعا في داره ملازما للخلوة والعبادة، قلّ أن يتردد لأحد إلا لضرورة، إلا أنه كان كثير التعصب على السادة الحنفية وغيرهم لميله إلى مذهب الظاهر.
__________
[1] قال السخاوي في «الضوء اللامع» : «وهي نسبة لحارة في بعلبك تعرف بحارة المقارزة» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 170) و «الضوء اللامع» (2/ 21) و «الدليل الشافي» (1/ 63) و «النجوم الزاهرة» (15/ 490) و «حوادث الدهور» (1/ 63- 68) و «المنهل الصافي» (1/ 394- 399) و «التبر المسبوك» ص (21- 24) .
[3] قال السخاوي في «الضوء اللامع» : «واستقر عليه أمره» .
[4] في «ط» : «في الدول» .(9/370)
قال ابن تغري بردي: قرأت عليه كثيرا من مصنفاته، وكان يرجع إلى قولي فيما أذكره له من الصواب، وأجاز لي جميع ما تجوز له وعنه روايته.
ومن مصنّفاته «إمتاع الأسماع فيما للنّبي صلى الله عليه وسلم من الحفدة والمتاع» في ست مجلدات، وكتاب «الخبر عن البشر» ذكر في القبائل لأجل نسب النّبيّ صلى الله عليه وسلم في أربع مجلدات، وعمل له مقدمة في مجلد، وله كتاب «السلوك في معرفة دول الملوك» في عدة مجلدات يشتمل على ذكر الحوادث إلى يوم موته. ذيّلت عليه في حياته من سنة أربعين وثمانمائة [1] وسميته «حوادث الدّهور في مدى الأيام والشهور» ولم ألتزم فيه ترتيبه، وله كتاب «درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة» [2] ذكر فيه من مات بعد مولده إلى يوم وفاته، وكتاب «المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار» في عدة مجلدات [3] وهو في غاية الحسن. وكتاب «مجمع الفرائد ومنبع الفوائد» كمل منه نحو الثمانين مجلدا كالتذكرة، وله غير ذلك.
وتوفي يوم الخميس سادس عشر [4] شهر رمضان بالقاهرة ودفن بمقبرة الصّوفية خارج باب النصر. انتهى.
وفيها أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح داود بن المتوكل على الله [5] .
كانت خلافته ثمانية وعشرين سنة وشهرين وتوفي يوم الأحد رابع شهر ربيع الأول وقد قارب التسعين واستقر بعده شقيقه المستكفي بالله أبو الربيع سليمان بعهد منه.
__________
[1] قلت: المطبوع منه في دار عالم الكتب ببيروت عام (1410 هـ) بتحقيق الدكتور محمد كمال الدّين عزّ الدّين علي يبدأ بحوادث سنة (845 هـ) .
[2] حقق ما عثر عليه منه مع دراسة موسعة مفيدة الدكتور محمد كمال الدّين عزّ الدّين علي ونشره في مجلدين صغيرين في مكتبة عالم الكتب هذا العام (1412 هـ) .
[3] نشر في مصر قديما بثلاث مجلدات كبار من غير تحقيق وبحرف متعب للباحث وهو بأمس الحاجة إلى التحقيق والنشر الجديد. وقد نشرت وزارة الثقافة بدمشق مختصرا له ضمن سلسلة المختار من التراث.
[4] في «الضوء اللامع» : «سادس عشري» .
[5] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 173) و «الضوء اللامع» (3/ 215) و «النجوم الزاهرة» (15/ 489) و «حوادث الدهور» (1/ 61- 62) و «الدليل الشافي» (1/ 296) .(9/371)
وفيها جمال الدّين عبد الله بن محمد بن الجلال نائب الحكم الزّيتوني، الشافعي [1] .
قال ابن حجر: أخذ عن شيخنا برهان الدّين الأبناسي وغيره، واشتغل كثيرا، وتقدم، ومهر، ونظم الشعر المقبول الجيد، وأفاد، وناب في الحكم، وتصدّر، وكان قليل الشرّ، كثير السّكون والكلام.
وتوفي في يوم الخميس سادس عشر رجب وأظنه قارب السبعين.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن محمد بن الدّماميني- نسبة إلى دمامين قرية بالصّعيد [2]- الإسكندراني [3] قاضي الإسكندرية.
وليها أكثر من ثلاثين سنة، وكان قليل البضاعة في العلم، لكنه كثير البذل، ضخم الرئاسة، سخي النّفس، أفنى مالا كثيرا في قيام صورته في المنصب، ودفع من يعارضه وركبه الدّين، ثم توفي يوم الأحد ثاني عشر ذو القعدة عن نحو خمس وستين سنة.
وفيها زين الدّين أبو ذرّ عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد الزّركشي المصري [4] الحنبلي المسند العلّامة بن الإمام العلّامة شمس الدّين أبي عبد الله المتقدم ذكره.
ولد في سابع عشر رجب سنة خمسين وسبعمائة، وسمع الكثير، وانفرد في آخر عمره بسماع «مسلم» من البياني بسنده فإنه آخر من روى عنه بالسماع، وكان خيّرا فاضلا، ناب في الحكم بمصر مدة طويلة، واستقرّ في تدريس الأشرفية المستجدة بالقاهرة في رمضان سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وروى عنه خلق من
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 173) و «الضوء اللامع» (5/ 60) .
[2] الدمامين من أعمال القوصية. انظر «التحفة السنية» ص (193) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 174) و «الضوء اللامع» (5/ 53) و «النجوم الزاهرة» (15/ 491) و «حوادث الدهور» (1/ 68) .
[4] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (491) و «الضوء اللامع» (4/ 136) و «السحب الوابلة» ص (214) .(9/372)
الأعيان، منهم القاضي عزّ الدّين الكناني الآتي ذكره، وقاضي القضاة سعد الدّين الدّيري الحنفي، وكمال الدين بن أبي شريف الشّافعي، وخلق من العلماء، وغيرهم.
وتوفي بالقاهرة في أحد الجمادين.
وفيها زين الدّين [1] أبو محمد [1] وأبو الفرج عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد بن سليمان بن داود بن سليمان بن قريج- بقاف وجيم مصغرا- ابن الطحّان [2] الحنبلي الصّالحي المسند.
ولد في خامس عشر محرم سنة ثمان وستين وسبعمائة على الصحيح، واعتنى به أبوه، فأسمعه على صلاح الدّين بن أبي عمر، وعلي بن أميلة جامع «الترمذي» و «السنن» لأبي داود، و «مشيخة» الفخر بن البخاري، و «عمل اليوم والليلة» [3] لابن السّني، وعلى زينب بنت قاسم ما في المشيخة من «جزء الأنصاري» و «صحيح مسلم» وغيرهم. وقرأ بنفسه على ابن المحبّ، وسمع على أبي الهول علي بن عمر الجزري كتاب «الذّكر» لابن أبي الدنيا. وقرأ على أحمد بن العماد، وأبي بكر بن العزّ، ومحمد بن الرّشيد، وغيرهم. وأكثر من الرواية والمشايخ، بحيث صار من كبار المسندين المشار إليهم. وأخذ عنه خلق كثير، وقدم مصر فأسمع «سنن أبي داود» وقطعة كبيرة من «المسند» .
وتوفي بقلعة الجبل يوم الاثنين سابع عشري صفر.
وفيها عبد المؤمن ابن المشرقي الشافعي [4] .
قال البرهان البقاعي: نزيل القدس الشريف. مات يوم الجمعة يوم عرفة بالقدس، وكان يوما مشهودا. وكان فاضلا، وله يد طولى في الوعظ، وله صوت
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 176) و «الضوء اللامع» (4/ 160) و «المنهج الأحمد» (الورقة (492) و «السحب الوابلة» ص (216) .
[3] في «آ» : «عمل يوم وليلة» .
[4] لم أعثر على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.(9/373)
عال بحيث إنه إذا وعظ في باب حطّة سمعه من تحت الزّيتون. انتهى.
وفيها علاء الدّين علي بن إسماعيل بن محمد بن بردس البعلي الحنبلي [1] الشيخ الإمام المسند المحدّث.
ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وبكّر به أبوه إلى السماع، فأسمعه كثيرا، وعمّر، وصار إليه المنتهى في علو الإسناد في الدنيا. ورحل إليه الحافظ شمس الدّين بن ناصر الدّين الدمشقي بجماعة من أهل الشام للسماع عليه ببعلبك.
وتوفي يوم الثلاثاء العشرين من ذي الحجة. قاله العليمي.
وفيها شمس الدّين محمد بن عمر بن عبد الله بن محمد بن غازي الدّنجاوي الشافعي [2] الإمام البارع المفنّن الأديب.
ولد بثغر دمياط سنة اثنتين وثمانمائة تقريبا، واشتغل في الفقه والعربية، فبرع فيهما، وتعانى الأدب، فمهر، وقرّره شرف الدّين يحيى ابن العطّار في خزانة الكتب بالمؤيدية. وكان خفيف ذات اليد، توعك يسيرا فرأى في توعكه أنه يؤم بناس كثيرة، وأنه قرأ سورة نوح، ووصل إلى قوله تعالى: إِنَّ أَجَلَ الله إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ 71: 4 [نوح: 4] فاستيقظ وجلا فقصّ المنام على بعض أصحابه. وقال: هذا دليل أنني أموت في هذا الضعف. وكان كما قال.
وتوفي بالقاهرة يوم الثلاثاء حادي عشري ذي القعدة وصلّى عليه بالأزهر الشّمس القاياتي.
وفيها ضياء الدّين محمد بن محمد بن محمد [3] بن محمد [3] بن
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 139) و «الدليل الشافي» (1/ 451) و «المنهج الأحمد» الورقة (491- 492) و «السحب الوابلة» ص (290) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 179) و «الضوء اللامع» (8/ 247) .
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .(9/374)
عبد الرزاق بن عيسى بن عبد المنعم بن عمران بن حجّاج الأنصاري السّفطي [1] .
قال ابن حجر: هو ابن شيخنا ناصر الدّين شيخ الآثار النبوية على شاطئ النيل.
كان خيّرا، فاضلا، مشهورا بالخير والدّيانة، وولي المشيخة بعد أبيه، فأقام فيها نيّفا وثلاثين سنة.
وتوفي في شوال.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمود بن محمد البالسي ثم القاهري [2] .
ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة، وسمع الكثير من ابن الملقّن، وصاهره على ابنته، وسمع من غيره أيضا. واستجاز له ابن الملقّن من مسندي الشام، منهم عمر بن أميلة، وأحمد بن السّيف، وصلاح الدّين بن أبي عمر، وأحمد بن المهندس، وآخرون. وحدّث في أواخر عمره، وكان حسن الخطّ، أحد رؤساء القاهرة.
ناب في الحكم في عدة بلاد.
تمرّض مدة ومات صحيح السّمع والبصر والأسنان.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الصّفطي» بالصاد والتصحيح من «إنباء الغمر» (9/ 180) مصدر المؤلف و «الضوء اللامع» (9/ 285) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 180) و «الضوء اللامع» (10/ 44) .(9/375)
سنة ست وأربعين وثمانمائة
فيها توفي زين الدّين عبادة- بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة- ابن علي بن صالح بن عبد المنعم بن سراج بن نجم بن فضل الله [1] بن فهد بن عمرو الأنصاري الخزرجي المالكي النحوي [2] .
قال السيوطي: مشهور باسمه. ولد في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وسبعمائة، ومهر في الفقه والعربية، وسمع الحديث من التّنوخي، والحلاوي، وغيرهما. وصار رأس المالكية، وعيّن للقضاء بعد موت الدمياطي فامتنع، وولي تدريس الأشرفية، والشيخونية، والظّاهرية، وانقطع في آخر عمره إلى الله تعالى، وأعرض عن الاجتماع بالناس، وامتنع من الإفتاء، وانتفع به جماعة، وسمع منه صاحبنا النّجم بن فهد وغيره.
وتوفي في رمضان، وقيل: شوال. انتهى.
وفيها جمال الدّين عبد الله السّنباطي [3] الشافعي الواعظ.
قال ابن حجر: لازم مجلس الشيخ سراج الدّين البلقيني، يقرأ عليه من كلامه، وكلام غيره، وكان يتكلّم على الناس بالجامع الأزهر من نحو سبعين سنة،
__________
[1] لفظ الجلالة سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 193) و «الضوء اللامع» (4/ 16) و «بغية الوعاة» (2/ 26) و «الدليل الشافي» (1/ 380) و «النجوم الزاهرة» (15/ 492) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (359- 360) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 193) و «الضوء اللامع» (5/ 14) و «النجوم الزاهرة» (15/ 494) .(9/376)
ومع ذلك يشتغل بالعلم ويستحضر في الفقه، وقد ناب في الحكم عن القاضي جلال الدّين وغيره.
وتوفي في رمضان بعد مرض طويل.
وفيها قاضي الأقاليم عزّ الدّين أبو البركات عبد العزيز بن الإمام العلّامة علاء الدّين أبي الحسن علي بن العزّ بن عبد العزيز بن عبد المحمود البغدادي مولدا ثم المقدسي [1] الحنبلي الشيخ الإمام العالم المفسّر.
ولد ببغداد في [2] سنة سبعين وسبعمائة، واشتغل بها. ثم قدم دمشق فأخذ الفقه عن ابن اللحّام، وعرض عليه «الخرقي» واعتنى بالوعظ، وعلم الحديث، ودرّس وأفتى، وله مصنّفات، منها «مختصر المغني» و «شرح الشاطبية» . وصنّف في المعاني والبيان، وجمع كتابا سمّاه «القمر المنير في أحاديث البشير النذير» وولي قضاء بيت المقدس بعد فتنة اللّنك في سنة أربع وثمانمائة، وهو أول حنبلي ولي القدس، وطالت مدته، وجرى له فصول [3] ثم ولي المؤيدية بالقاهرة، ثم ولي قضاء الدّيار المصرية في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين [3] ثم ولي قضاء دمشق في دفعات يكون مجموعها ثمان سنين. وكان يسمّى بقاضي الأقاليم لأنه ولي قضاء بغداد، والعراق، وبيت المقدس، ومصر، والشام. وكان فقيها، ديّنا، متقشفا، عديم التكلّف في ملبسه ومركبه، له معرفة تامّة. ولما ولي قضاء مصر صار يمشي لحاجته في الأسواق ويردف عبده على بغلته، وأشياء من هذا النّسق. وكانت جميع ولايته من غير سعي.
وتوفي بدمشق ليلة الأحد مستهل ذي القعدة، ودفن عند قبر والده بمقابر باب كيسان إلى جانب الطريق. قاله العليمي.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 194) و «الضوء اللامع» (4/ 222) و «النجوم الزاهرة» (15/ 493) و «المنهج الأحمد» الورقة (492) و «السحب الوابلة» ص (221) و «حوادث الدهور» (1/ 80- 82) .
[2] لفظة «في» سقطت من «آ» .
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .(9/377)
وفيها القاضي جمال الدّين محمد بن عمر بن علي الطّنبذي، المعروف بابن عرب الشافعي [1] .
ولد بعد الخمسين وسبعمائة بيسير، واشتغل، وحفظ «التنبيه» ووقّع على القضاة في العشرين من عمره. شهد على أبي البقاء السّبكي سنة ثلاث وسبعين فأداها بعد نيف وسبعين سنة، وولي حسبة القاهرة، ووكالة بيت المال غير مرة، وناب في الحكم، وجرت له خطوب، وانقطع بأخرة في منزله، مع صحة عقله وقوة جسده، وكان أكثر إقامته ببستان له بجزيرة الفيل، سقط من مكان فانكسرت ساقه فحمل في محفّة من جزيرة الفيل إلى القاهرة فأقام نحو أربعة أشهر، ثم توفي ليلة الخميس الثامن من شهر رمضان.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن محمد البدرشي [2] ثم القاهري الشافعي [3] .
كان إماما عالما.
توفي في شوال عن نحو ستين سنة.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 197) و «الضوء اللامع» (8/ 250) .
[2] في «آ» و «ط» : «البدري» والتصحيح من «الضوء اللامع» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 209) .(9/378)
سنة سبع وأربعين وثمانمائة
فيها توفي زين الدّين أبو بكر بن إسحاق بن خالد الكختاوي المعروف بالشيخ باكير النحوي [1] .
قال السيوطي: ولد في حدود السبعين وسبعمائة، وكان إماما عالما بارعا متفننا في علوم، وتفرّد بالمعاني والبيان، وفي لسانه لكنة، مع سكون، وعقل زائد، وحسن شكل، وشيبة منوّرة، وجلالة عند الخاص والعام.
ولي قضاء حلب فحمدت سيرته، وأفتى ودرّس بها، واستدعاه الملك الأشرف برسباي إلى مصر، وولاه مشيخة الشيخونية بحكم وفاة البدر القدسي، وانتفع به جماعة. وممن أخذ عنه والدي- رحمه الله تعالى-.
مات ليلة الأربعاء ثالث عشر جمادى الأولى. انتهى.
وفيها نور الدّين علي بن أحمد بن خليل بن ناصر بن علي بن طيء المشهور قديما بابن السقطي، وأخيرا بابن بصّال الإسكندراني الأصل [2] .
ولد سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة.
قال ابن حجر: واشتغل كثيرا في عدة فنون، ولم يكن بالماهر وكان يتعانى توقيع الإنشاء، وسمع من سراج الدّين بن الملقّن وغيره، وكتب بخطّه كثيرا من
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (11/ 26) و «بغية الوعاة» (1/ 467) و «النجوم الزاهرة» (15/ 501) و «حوادث الدهور» (1/ 100) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 215) و «الضوء اللامع» (1/ 166) .(9/379)
تصانيف ابن الملقّن. وحدّث باليسير، ولازم مجالس الإملاء عندي نحوا من عشرين سنة.
وتوفي آخر يوم الأربعاء ثالث عشري رجب [1] . انتهى.
وفيها ناصر الدّين [2] أبو المعالي محمد بن السلطان الظّاهر جقمق [3] .
ولد في رجب سنة ست عشرة وثمانمائة، وقرأ القرآن، واشتغل بالعلم، وحفظ كتبا، ومهر في مدة يسيرة، ولازم الشيخ سعد الدّين بن الدّيري قبل أن يلي القضاء، وأخذ عن الكافيجي وغيره، وكان محبا في العلم والعلماء، وولي الإمرة بعد سلطنة أبيه بقليل، وجلس رأس الميسرة، وأصابه مرض السّلّ، ثم بعده توفي ليلة السبت الثاني عشر من ذي الحجّة بعلّة البطن في القاهرة.
وفيها جمال الدّين يوسف بن محمد بن أحمد بن المجبّر التّزمنتي [4]- بكسر المثناة الفوقية، وسكون الزاي، والنون، وفتح الميم، وآخره فوقية، نسبة إلى تزمنت [5] قرية من عمل البهنسا-.
ولد سنة سبعين وسبعمائة.
قال ابن حجر: كان فاضلا. اشتغل ودار على الشيوخ، ودرّس في أماكن، وناب في الحكم عن علم الدّين البلقيني. وكان صديقه.
وتوفي ليلة الجمعة خامس عشر رجب. انتهى. أي واختلط قبل موته، والله تعالى أعلم.
__________
[1] في «ط» : «جمادى الأولى» وهو خطأ.
[2] في «ط» : «نور الدين» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 216) و «الضوء اللامع» (7/ 210) و «النجوم الزاهرة» (15/ 502) .
[4] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 219) .
[5] انظر «التحفة السنية» ص (165) .(9/380)
سنة ثمان وأربعين وثمانمائة
فيها كان بالقاهرة الطّاعون العظيم بحيث كان يخرج في اليوم الواحد ما يزيد على الألف [1] .
وفيها توجه الشيخ شمس الدّين محمد بن أحمد الفرياني- بضم الفاء، وكسر الراء المشددة، نسبة إلى فرّيانة قرية قرب سفاقس- المغربي إلى جبال حميدة بالأرض المقدسة، وهي جبال شاهقة صعبة المرتقى ليس لها مسلك يسع أكثر من واحد وبأعلى جبل منها سهلة بها مزدرع وعيون ماء وكروم، وأقوام في غاية المنعة والقوة، من التجأ إليهم أمن ولو حاربه السلطان فمن دونه، فنزل الفرّياني عندهم، وادعى أنه المهدي، وقيل: ادعى أنه القحطاني، وراج أمره هناك، وكان قدم القاهرة وأكثر التّردد إلى المقريزي وواظب الجولان في قرى الرّيف الأدنى بعمل المواعيد ويذكّر الناس، وكان يستحضر كثيرا من التواريخ والأخبار الماضية، ويدّعى معرفة الحديث النّبوي ورجاله، وتحوّل عن مذهب مالك، وادعى أنه يقلّد الشافعي، وولي قضاء نابلس إلى أن ظهر منه ما ظهر [2] .
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن إبراهيم الفيشي [3]- بالفاء والشين المعجمة بينهما تحتية مثناة- الحنّائي- بكسر المهملة وتشديد النون مع المد [4]- النحوي المالكي.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (9/ 219- 220) و «حوادث الدهور» (1/ 103- 104) .
[2] انظر خبره في «إنباء الغمر» (9/ 226- 228) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 228) و «الضوء اللامع» (2/ 69) و «بغية الوعاة» (1/ 356) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (80- 81) .
[4] تنبيه: كذا قيدها المؤلف رحمه الله، والذي في «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «الحنّاوي» .(9/381)
ولد في شعبان سنة ثلاث وستين وسبعمائة.
قال ابن حجر: سمع من جماعة قبلنا، وسمع معنا من شيوخنا، وقرأ بنفسه، وطلب، وولي نيابة الحكم، ودرّس في أماكن. وكان من الصّوفية البيبرسية. وكان وقورا، ساكنا، قليل الكلام، كثير الفضل، انتفع، به جماعة في العربية وغيرها.
وقال السيوطي: ألّف في النحو، وسمع منه صاحبنا ابن فهد.
وتوفي ليلة ثامن عشر جمادى الأولى.
وفيها زين الدّين عبد الرحيم بن علي الحموي الواعظ، المعروف بابن الآدمي [1] .
قال ابن حجر: تعانى عمل المواعيد فبرع فيها، واشتهر، وأثرى، وقدم القاهرة بعد اللّنكية فاستوطنها إلى أن مات. وولي في غضون ذلك خطابة المسجد الأقصى ثم صرف، واستمرّ في عمل المواعيد والكلام في المجالس المعدة لذلك، واشتهر اسمه، وطار صيته، وكان غالب لا يقرأ إلّا من كتاب، مع نغمة طيبة وأداء صحيح. وكان يقرأ «صحيح البخاري» في شهر رمضان في عدة أماكن إلى أن مات فجأة في الثاني من ذي القعدة بعد أن عمل يوم موته الميعاد في موضعين وقد جاوز الثمانين، وترك أولادا أحدهم شيخ يقرب من الستين.
وفيها زين الدّين عبد الخلاق بن أحمد بن الفرزان [2] الحنبلي الشيخ الإمام توفي بنابلس في هذه السنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عمر بن كميل المنصوري الشافعي، الشهير بابن كميل [3] .
قال ابن حجر: اشتغل كثيرا، وحفظ «الحاوي» ونظم الشعر ففاق الأقران.
عرفته سنة أربع وعشرين، حججنا جميعا، وكنا نجتمع في السير ونتذاكر في
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 229) و «الضوء اللامع» (3/ 170) .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (492) و «السحب الوابلة» ص (194) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 230) و «الضوء اللامع» (7/ 28) .(9/382)
الفنون. وكان يتناوب نيابة الحكم بالمنصورة هو وبن عمّه شمس الدّين محمد بن خلف بن كميل، ويتعاهد السفر للقاهرة في كل سنة مرّة أو مرتين، وله مدائح نبوية مفلقة، وقصائد في جماعة من الأعيان ثم استقلّ بقضاء المنصورة، وضم إليه سلمون، ثم زدته مينة بني سلسيل فباشر ذلك كله، وكان مشكور السيرة، ونشأ له ولد اسمه أحمد فنبغ واغتبط به.
مات [1] أي في ذي القعدة [1] شمس الدّين فجأة وذلك أنه توجه إلى سلمون فنزل في المسجد وله فيه خلوة فوقها طبقة وللطبقة سطح مجاور المئذنة فاتفق هبوب ريح عاصف في تلك الليلة واشتد في آخرها، وفي أول النهار، فصلّى الصبح، ودخل خلوته فقصف الرّيح نصف المئذنة فوقع على سطح الطبقة، فنزل به إلى سطح الخلوة فنزل الجميع على الخلوة وشمس الدّين لم يشعر بذلك حتّى نزل الجميع عليه. وجاء الخبر إلى ولده، فتوجه من المنصورة مسرعا فنبش عنه، فوجد الخشب مصلبا عليه، ولم يخدش شيء من جسمه، بل تبين أنه مات غمّا لعجزه عن التخلص.
وفيها الخواجا الكبير الشّمس محمد بن علي بن أبي بكر بن محمد الحلبي، ثم الدمشقي، ويعرف بابن المزلق [2] .
كان ذا ثروة كبيرة ومآثر حسنة بالشام وغيرها.
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 173) .(9/383)
سنة تسع وأربعين وثمانمائة
فيها في ليلة الجمعة ثامن المحرم سقطت بالقاهرة المنارة التي بالمدرسة الفخرية في سويقة الصاحب التي أنشئت بعد الستمائة بقليل وهلك في الروم جماعة كثيرة [1] .
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الذّهبي، المعروف بابن ناظر الصحابية الحنبلي [2] ، المسند المعدل الضابط.
ولد سنة ست وستين [3] وسبعمائة.
قال ابن حجر: وسمع على محمد بن الرّشيد، وعبد الرحمن المقدسي «جزء أبي الجهم» أنا الحجّار. وسمع على والده شيخنا، وعلى ابن المهندس الحنفي جميع رسالة الحسن البصري إلى عبد الرحمن الرفادي يرغبه في المقام بمكّة، وعلى العماد الخليل قالا: أنا الحجّار، وسمع على الشّهاب أحمد بن العزّ.
وذكر لي شيخنا الإمام المحدّث الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن ناصر الدّين- رحمه الله- غير مرّة أنه قال: ذكر لي والده [4]- يعني
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (9/ 232) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 238) و «الضوء اللامع» (1/ 324) و «السحب الوابلة» ص (64) .
[3] قال السخاوي في «الضوء اللامع» : «ولد في سنة اثنتين وستين وسبعمائة وأرخه بعضهم بسنة ست وستين لغرض» .
[4] لفظة «والده» لم ترد في «ط» .(9/384)
زين الدّين بن ناظر الصاحبة- أنه قال: ما فرحت بشيء أعظم من أني أحضرت ولدي هذا يعني أحمد المذكور جميع «مسند الإمام أحمد» على البدر أحمد بن محمد بن محمود بن الزقاق بن الجوخي، أنا زينب بنت مكّي، أنا حنبل. قال شيخنا ابن ناصر الدّين: وكان شيخنا زين الدّين بن ناظر الصّاحبة من الثقات.
قدم القاهرة فحدّث بها بالمسند وغيره، ثم رجع إلى بلده فمات في هذه السنة. انتهى كلام ابن حجر.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن عمر النّحريري، المعروف بالسعودي الشافعي [1] .
ولد سنة ست وخمسين وسبعمائة، وحفظ القرآن، و «التنبيه» وغير ذلك، وطلب العلم، وجلس مؤدّبا للأولاد مدة، ثم قدم القاهرة في حدود التسعين فأجلس مع الشهود، ولازم البلقيني الكبير وخدمه، وصار يجمع له أجرة أملاكه، وهو مع ذلك يؤدّب الأولاد، وخرج من تحت يده جماعة فضلاء، وكان كثير المذاكرة، وحجّ فأخذ عن جماعة هناك، ودخل بيت المقدس فسمع من شهاب الدّين بن الحافظ صلاح الدّين العلائي. ومن ابن خاله شمس الدّين القلقشندي، وغيرهما.
ومرض مرضا شديدا في حدود سنة ثلاثين، فلما عوفي منه عمي وتنوعت عليه في آخر عمره الأمراض، حتى ثقل سمعه جدا، وأقعد، ولسانه لا يفتر عن التّلاوة إلى أن توفي فجأة في العشر الأخير من شهر رمضان.
وفيها شمس الدّين محمد بن إسماعيل بن محمد بن أحمد الونائي- بفتح الواو والنون نسبة إلى ونا قرية بصعيد مصر- القرافي [2] الشافعي.
ولد سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، واشتغل بالعلم، وأخذ عن الشيخ شمس الدّين البرماوي وطبقته، واشتهر بالفضل، وتزوّج إلى الشيخ نور الدّين
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 241) و «الضوء اللامع» (7/ 30) .
[2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 242) و «النجوم الزاهرة» (15/ 509) و «الضوء اللامع» (7/ 140) و «حسن المحاضرة» (1/ 440) .(9/385)
التلواني، وصحب جماعة من الأعيان، ونزل في المدارس طالب ثم تدريسا، وولي تدريس الشيخونية، ثم ولي قضاء الشام مرتين، ثم رجع بعد أن استعفي من القضاء فأعفي، وذلك سنة سبع وأربعين فسعى في تدريس الصّلاحية بجوار الشافعي فباشرها سنة ونيّفا، ثم ضعف نحو الشهرتين إلى أن توفي في يوم الثلاثاء سابع عشر صفر.
وفيها شمس الدّين محمد بن خليل بن أبي بكر الحلبي الأصل الغزّي القدسي [1] .
كان مقرئا، بارعا، صاحب فضائل، وله «بديعية» عارض بها الصّفي الحلّي.
وتوفي في رجب وقد جاوز السبعين.
وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن قاضي القضاة زين الدّين عبد الرحمن بن علي التّفهني الحنفي [2] .
ولد قبيل القرن، واشتغل كثيرا، ومهر، وكان صحيح الذّهن، حسن المحفوظ، كثير الأدب والتواضع، عارفا بأمور دنياه، مالكا لزمام أمره، ولي في حياة والده قضاء العسكر وإفتاء دار العدل، وتدريس الحديث بالشيخونية. وولي بعد وفاة والده تدريس الفقه بها، ومشيخة البهائية الرّسلانية، وتدريس الفانبيهية بالرّميلة، وحصلت له محن من جهة تغري بردي الدّويدار مع اعترافه بإحسان والده له، ومرض مرضا طويلا إلى أن مات في ثامن شهر رمضان.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عمر بن أحمد الواسطي الأصل ثم الغمري ثم المحلّي الشافعي، المعروف بالغمري [3] .
__________
[1] ترجمته في «التبر المسبوك» (135) و «الضوء اللامع» (11/ 266) و «الأعلام» (6/ 117) .
[2] ترجمته في «التبر المسبوك» ص (136) و «إنباء الغمر» (9/ 243) و «الضوء اللامع» (7/ 293) .
[3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 244) و «الضوء اللامع» (8/ 238) و «التبر المسبوك» ص (136) .(9/386)
ولد سنة ست وثمانين وسبعمائة بمينة غمر، ونشأ بها فحفظ القرآن، و «التنبيه» ثم قدم القاهرة فأقام بالجامع الأزهر للاشتغال مدة، وأخذ الفقه عن شيوخ الجامع، وعن المارديني في الميقات، وتدرّب بغيره في الشهادة، وتكسّب بها قليلا. وكان في غاية التقلل، حتّى كان يقع له أنه يطوي أسبوعا كاملا، ويتقوت بقشر الفول، وقشر البطيخ، ونحو ذلك. وتكسب ببلده وببلبيس بالعطر حرفة أبيه.
وكان يطلب منه الشيء فيبذله لطالبه مجانا، فيجيء والده فيسأله ما بعت فيقول:
كذا وكذا بلاش، فيحمده ويدعو له. ثم أعرض عن جميع ذلك ولازم التجرد والتعبد، واعتزل دهرا طويلا بعد ما تفقه، وصحب غير واحد من سادات الصّوفية، حتى فتح له، وأذن له في التربية والإرشاد، وتصدى لذلك بكثير من النواحي، وقطن المحلّة الكبرى، ووسع المدرسة الشمسية، وأحكم بناءها. ثم عمر بالقاهرة بخط سوق أمير الجيوش جامعا كانت الخطة مفتقرة إليه جدا. واشتهر صيته، وكثر أتباعه، وذكرت له أحوال وخوارق، وجدّد عدة مواضع بكثير من الأماكن، يعجز عنها السلطان وقصد للزيارة والتبرك من جميع الأقطار، كل جميع ذلك مع الزّهد والتحذير من البدع والحوادث والإعراض عن أبناء الدنيا وأرباب المناصب. وحجّ مرارا، وجاور، وزار بيت المقدس.
ومن تصانيفه كتاب «النّصرة في أحكام الفطرة» و «محاسن الخصال في بيان وجوه الحلال» و «العنوان في تحريم معاشرة الشباب والنسوان» و «المحكم المضبوط في تحريم عمل قوم لوط» و «الانتصار لطريق الأخيار» و «الرياض المزهرة في أسباب المغفرة» و «قواعد الصوفية» و «الحكم المشروط في بيان الشروط» جمع فيه شروط أبواب الفقه ومنح المنة في التلبس بالسنة في أربع مجلدات والوصية الجامعة والمناسك.
ومن كراماته أنه دخل عليه أحمد النحّال فوجد له سبع أعين فغشي عليه فلما أفاق قال له الشيخ إذا كمل الرجل صار له سبع أعين على عدد أقاليم الدنيا [1] .
ومنها أنه كان يقعد في الهواء متربعا أخبر القاضي زكريا أنه رآه كذلك.
__________
[1] أقول: هذا ليس من الكرامات، وإنما هو من الشطحات. (ع) .(9/387)
وتوفي يوم الثلاثاء آخر يوم من شعبان بالمحلّة الكبرى، ودفن في جامعه.
وفيها شمس الدّين محمد بن أمين الدّين محمد بن أحمد المنهاجي [1] الشافعي وأبوه سبط الشيخ شمس الدّين بن اللبّان.
ولد سنة سبعين وسبعمائة، وحفظ القرآن، و «التنبيه» وولي حسبة مصر، وكان مثريا، وناب في الحكم مرارا، ولا زال ينخفض ويرتفع إلى أن مات.
__________
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 245) و «الضوء اللامع» (9/ 50) و «التبر المسبوك» ص (149) .(9/388)
سنة خمسين وثمانمائة
فيها تم تاريخ ابن حجر «إنباء الغمر» .
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن رضوان الحلبي الشافعي.
قال ابن حجر: كان ممن اشتغل بالفقه ومهر وتميّز ونزل في المدارس بحلب، وولي بعض التداريس، وناب في الحكم، ثم صحب ولد السلطان الظّاهر جقمق لما أقام مع والده بحلب فاختص به، ثم قدم عليه القاهرة فلازمه حتّى صار إماما له. وكان ممن مرّضه في ضعفه الذي مات فيه، وقرّرت له بجاهه وظائف، وندبه السلطان في الرسيلة إلى حلب في بعض المهمات، فلما مات ولد السلطان رقّت حاله واستعيد منه التدريس الذي كان استقرّ فيه بحلب، ثم توجه إلى الحجّ في العام الماضي فسقط عن الجمل فانكسر منه شيء، ثم تداوى، فلما رجع سقط مرّة أخرى فدخل القاهرة مع الركب، وهو سالم إلى أن مات، وكان ينسب إلى شيء يستقبح ذكره، والله أعلم بسريرته. انتهى.
وفيها تقريبا برهان الدّين إبراهيم بن عبد الخالق السّيليّ [1] الحنبلي [2] شيخ الحنابلة بنابلس.
قال العليمي: كان من أهل العلم، ويقصده الناس للكتابة على الفتوى وعبارته حسنة جدا لكن خطّه في غاية الضعف.
وتوفي بمكة المشرّفة ودفن باب المعلاة.
__________
[1] قال السخاوي في «الضوء اللامع» (11/ 208) : «نسبة إلى سيلة قرية بالقرب من القدس» .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (492) و «السحب الوابلة» ص (26) وجاء في متنه توفي بمكة المشرّفة سنة خمس وثمانمائة والصواب ما جاء في حاشية فلتصحح.(9/389)
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن يوسف المرداوي [1] الحنبلي الإمام الحافظ المفنّن العلّامة، أحد مشايخ المذهب.
أخذ الفقه عن الشيخ علاء الدّين بن اللحّام [وكان من أهل العلم والدّين] باشر القضاء بمردا مدة طويلة، وكان يقصد بالفتاوى من كل إقليم.
ومن تلامذته الأعيان شمس الدّين العليمي وغيره، وعرض عليه قضاء حلب فامتنع، واختار قضاء مردا، وكان يكتب على الفتاوى بخط حسن وعبارة [2] جيدة تدل على تبحره وسعة علمه. وكان إماما في النحو يحفظ «محرّر» الحنابلة و «محرّر» الشافعية. وإذا سئل عن [3] مسألة أجاب عنها على مذهبه ومذهب غيره.
وتوفي بمردا في صفر وقد جاوز السبعين.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن رجب بن طيبغا، الشهير بابن المجدي الشافعي [4] الفرضي العلّامة.
ولد بالقاهرة سنة سبع وستين وسبعمائة، ونشأ بها، ولازم علماء عصره، وجدّ في الطلب إلى أن برع في الفقه، والفرائض، والحساب، والعربية، وشارك في علوم كثيرة غيرها، كالهندسة، والميقات، وفاق فيها أهل عصره، وانفرد بها، وما زال مستمرا، على الاشتغال والإشغال، وصنّف تصانيف كثيرة مشهورة، منها «شرح الجعبرية» في الفرائض، إلى أن توفي ليلة السبت حادي عشر ذي القعدة.
وفيها الشمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن يعقوب القاياتي- بالقاف وبعد الألف الأولى ياء تحتية، وبعد الثانية مثناة فوقية، نسبة إلى قايات بلد
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 252) و «المنهج الأحمد» الورقة (493) وما بين الحاصرتين زيادة منه و «السحب الوابلة» ص (118) .
[2] في «ط» : «وعبارته» وهو خطأ.
[3] لفظة «عن» سقطت من «آ» .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 300) و «حسن المحاضرة» (1/ 440) و «البدر الطالع» (1/ 56) و «النجوم الزاهرة» (15/ 515) .(9/390)
قرب الفيّوم- ثم القاهري الشافعي [1] قاضي القضاة ومحقّق الوقت، وعلّامة الآفاق.
ولد سنة خمس وثمانين وسبعمائة تقريبا [2] ، وحضر دروس السّراج البلقيني، وأخذ عن البدر الطّنبذي، والعزّ بن جماعة، والعلاء البخاري، وغيرهم. وبرع في الفقه والعربية والأصلين والمعاني، وسمع الحديث، وحدّث باليسير. وولي تدريس البرقوقية، والأشرفية، والشافعي، والشيخونية، وقضاء الشافعية بمصر فباشره بنزاهة وعفّة. وأقرأ زمانا، وانتفع به خلق، وشرح «المنهاج» .
توفي ليلة الاثنين ثامن عشري المحرم بالقاهرة، رحمه الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 212) و «النجوم الزاهرة» (15/ 513) و «حسن المحاضرة» (1/ 440) .
[2] لفظة «تقريبا» سقطت من «آ» .(9/391)
سنة إحدى وخمسين وثمانمائة
في أثناء شوّالها وقعت صاعقة هائلة ببيت المقدس.
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد الخجنديّ [1] المدني العالم، وقد جاوز السبعين.
وفيها الشيخ تقي الدّين أبو بكر بن شهاب الدّين أحمد بن محمد بن قاضي شهبة الشافعي [2] صاحب «طبقات الشافعية» .
كان إماما، علّامة، تفقه بوالده وغيره، وسمع من أكابر أهل عصره، وأفتى ودرّس وجمع وصنّف.
من مصنّفاته «شرح المنهاج» و «لباب التهذيب» و «الذيل على تاريخ ابن كثير» [3] و «المنتقى من تاريخ الإسكندرية» للنّويري، و «المنتقى من الأنساب»
__________
[1] تحرفت ترجمته في «آ» إلى «الجحدري» والصواب ما جاء في «ط» وترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 24) و «التبر المسبوك» ص (188) و «التحفة اللطيفة» (1/ 105) و «نظم العقيان» ص (15) و «البدر الطالع» (1/ 24) و «الأعلام» (1/ 29) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 21- 24) و «النجوم الزاهرة» (15/ 523) و «البدر الطالع» (1/ 164) .
[3] وقد قام بتحقيقه الأستاذ الدكتور عدنان درويش وحصل على درجة الدكتوراه بإخراجه المجلد الثالث منه بإتقان يقتدى به فيه لجودته، ونشره المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق عام 1399 هـ.
وقد فرغ من تحقيق المجلدين الأول والثاني منذ فترة قريبة وشرع بطبعهما المعهد المذكور وسوف يصدران قريبا كما أكد لي الدكتور درويش نفع الله تعالى به.(9/392)
لابن السمعاني، و «المنتقى من نخبة الدّهر في عجائب البرّ والبحر» و «المنتقى من تاريخ ابن عساكر» [1] وغير ذلك.
وتوفي بدمشق فجأة يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة.
وفيها القآن معين الدّين شاه رخ بن تيمور لنك صاحب سمرقند وبخارى وغيرهما [2] .
وفيها القاضي عزّ الدّين عبد الرحيم بن القاضي ناصر الدّين [محمد بن عبد الرحيم] علي بن الحسين [3] الحنفي [4] الإمام المسند المعمّر، المحدّث الرّحلة المؤرّخ، المعروف بابن الفرات.
ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة بالقاهرة، وسمع بها من والده، والحسين بن عبد الرحمن بن سباع التّكريتي [5] ، وغيرهما وأجاز له العزّ بن جماعة، والصّلاح الصّفدي، وابن قاضي الجبل، وغيرهم. تجمعهم «مشيخة» تخريج الإمام المحدّث سراج الدّين عمر بن فهد.
وحدّث سنين، وتفرّد بأشياء عوال، وسمع منه الأعيان والفضلاء، وصار رحلة زمانه.
قال ابن تغري بردي: وأجاز لي بجميع مسموعاته ومروياته، وكانت له معرفة تامة بالفقه والأحكام، وناب في الحكم بالقاهرة سنين إلى أن توفي بها في أواخر ذي الحجّة.
وفيها ركن الدّين عمر بن قديد الحنفي النّحوي [6] .
__________
[1] وهو جدير بالنشر.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 292) و «الدليل الشافي» (1/ 340) .
[3] في بعض المصادر: «ابن الحسن» .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 186) و «النجوم الزاهرة» (15/ 524) و «الدليل الشافي» (1/ 410) و «التبر المسبوك» ص (192- 193) و «نظم العقيان» ص (127) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (139- 140) . وما بين الحاصرتين مستدرك منها.
[5] تحرفت نسبته في «آ» إلى «الشربتي» .
[6] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 113) و «بغية الوعاة» (2/ 222) .(9/393)
قال السيوطي: كان علّامة بارعا فاضلا عالما بالأصول، والنحو، والتصريف [1] وغيرها.
لازم الشيخ عزّ الدّين ابن جماعة، وأخذ عنه عدة فنون، وتصدّر للإقراء، وتخرّج به جماعة، وله «حواش» و «تعاليق» و «فوائد» .
وكان منقطعا عن أبناء الدّنيا، طارحا للتكلّف، متقشفا في ملبسه. انتهى.
__________
[1] في «ط» : «والصرف» .(9/394)
سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة
فيها توفي شيخ الإسلام علم الأعلام أمير المؤمنين في الحديث حافظ العصر شهاب الدّين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد، الشهير بابن حجر [1] ، نسبة إلى آل [2] حجر- قوم تسكن الجنوب الآخر على بلاد الجريد وأرضهم قابس- الكناني العسقلاني الأصل المصري المولد، والمنشأ، والدار، والوفاة، الشافعي.
ولد في ثاني عشري شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، ومات والده وهو حدث السنّ فكفله بعض أوصياء والده [3] إلى أن كبر، وحفظ القرآن العظيم، وتعانى المتجر، وتولع بالنظم، وقال الشعر الكثير المليح إلى الغاية، ثم حبّب الله إليه طلب الحديث، فأقبل عليه، وسمع الكثير بمصر وغيرها، ورحل، وانتقى، وحصّل.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 36- 40) و «طبقات الحفاظ» ص (547) و «التبر المسبوك» ص (230- 236) و «الذيل على رفع الإصر» ص (75- 89) و «حسن المحاضرة» (1/ 363) و «الدليل الشافي» (2/ 64) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (70) و «نظم العقيان» ص (45- 53) و «بدائع الزهور» (2/ 339- 340) و «درة الحجال» (1/ 64- 72) و «النجوم الزاهرة» (15/ 532) و «الذيل التام على دول الإسلام» الورقة (87) من المخطوط، وهو قيد التحقيق الآن.
يقوم بتحقيقه صاحبي الأستاذ حسن إسماعيل مروة، وقد فرغ من المجلد الأول منه، وقمت بمراجعته والتقديم له وسوف يصدر قريبا إن شاء الله تعالى.
[2] لفظة «آل» سقطت من «آ» .
[3] في «الضوء اللامع» : «ونشأ يتيما في كنف أحد أوصيائه الزكي الخروبي» .(9/395)
وسمع بالقاهرة: من السّراج البلقيني، والحافظين ابن الملقّن والعراقي، وأخذ عنهم الفقه أيضا. ومن البرهان الأبناسي، ونور الدّين الهيثمي، وآخرين.
وبسرياقوس [1] : من صدر الدّين الإبشيطي.
وبغزّة: من أحمد بن محمد الخليلي.
وبالرّملة: من أحمد بن محمد الأيكي.
وبالخليل: من صالح بن خليل بن سالم.
وببيت المقدس: من شمس الدّين القلقشندي، وبدر الدّين بن مكّي، ومحمد المنبجي، ومحمد بن عمر بن موسى.
وبدمشق: من بدر الدّين بن قوام البالسي، وفاطمة بنت المنجّى التّنوخية، وفاطمة بنت عبد الهادي، وعائشة بنت عبد الهادي، وغيرهم.
وبمنى: من زين الدّين أبي بكر بن الحسين.
ورحل إلى اليمن بعد أن جاور بمكة، وأقبل على الاشتغال والإشغال والتصنيف، وبرع في الفقه والعربية، وصار حافظ الإسلام.
قال بعضهم: كان شاعرا، طبعا، محدّثا صناعة، فقيها تكلّفا، انتهى إليه معرفة الرجال واستحضارهم ومعرفة العالي والنّازل، وعلل الأحاديث، وغير ذلك.
وصار هو المعوّل عليه في هذا الشأن في سائر الأقطار، وقدوة الأمّة، وعلّامة العلماء، وحجة الأعلام، ومحيي السّنّة. وانتفع به الطلبة، وحضر دروسه وقرأ عليه غالب علماء مصر، ورحل الناس إليه من الأقطار، وأملى بخانقاه بيبرس نحوا من عشرين سنة ثم انتقل لما عزل عن منصب القضاء بالشّمس القاياتي إلى دار الحديث الكاملية بين القصرين، واستمرّ على ذلك. وناب في الحكم عن جماعة، ثم ولاه الملك الأشرف برسباي قضاء القضاة الشافعية بالدّيار المصرية عن
__________
[1] سرياقوس: من أعمال القليبوية بنواحي القاهرة. انظر «معجم البلدان» (3/ 218) و «التحفة السّنية» ص (10) .(9/396)
علم الدّين البلقيني بحكم عزله، وذلك في سابع عشري محرم سنة سبع وعشرين، ثم لا زال يباشر القضاء ويصرف مرارا كثيرة إلى أن عزل نفسه سنة مات في خامس عشري جمادى الآخرة، وانقطع في بيته ملازما للاشغال والتصنيف.
ومن مصنّفاته: «تغليق التعليق» [1] وصل في تعليقات البخاري، وهو أول تصانيفه، وهو كتاب نفيس وشرح «البخاري» في نيف وعشرين مجلدا سمّاه «فتح الباري» وصنّف له مقدمة في مجلد ضخم [2] . [3] وكتاب «فوائد الاحتفال في بيان أحوال الرجال المذكورين في البخاري زيادة على «تهذيب الكمال» في مجلد ضخم [3] . وكتاب «تجريد التفسير من صحيح البخاري على ترتيب السور» [4] وكتاب «تقريب الغريب وإتحاف المهرة بأطراف العشرة» في ثمان مجلدات، ثم أفرد منه «أطراف مسند الإمام أحمد» وسمّاه «أطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي» في مجلدين [5] و «أطراف الصحيحين» و «أطراف المختارة» للضياء مجلد ضخم، و «تهذيب تهذيب الكمال» للحافظ المزّي في ست مجلدات، ومختصرة «تقريب التهذيب» مجلد ضخم [6] وكتاب «تعجيل المنفعة برواية رجال الأئمة الأربعة» أصحاب المذاهب [7] و «الإصابة في تمييز الصحابة» خمس مجلدات. و «لسان الميزان وتحرير الميزان» و «تبصير المنتبه بتحرير المشتبه» مجلد ضخم، و «طبقات الحفّاظ» في مجلدين. و «الدر الكامنة في المائة الثامنة» و «إنباء الغمر بأنباء العمر» و «قضاة مصر» مجلد ضخم، و «الكافي الشاف في تحرير أحاديث الكشّاف» مجلد، و «الاستدراك عليه» مجلد آخر.
__________
[1] نشره المكتب الإسلامي في بيروت محققا تحقيقا جيدا قبل سنوات قليلة.
[2] لفظة «ضخم» لم ترد في «ط» .
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» وهذا الكتاب جدير بالنشر إذا وجد.
[4] وهذا أيضا لم ينشر بعد من مصنفاته وهو جدير بالنشر إذا وجد.
[5] في «ط» : «في مجلدات» .
[6] نشر قديما في مصر بتحقيق فضيلة الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف، ونشر منذ سنوات قليلة في بيروت نشرة جيدة متقنة بتحقيق الأستاذ الفاضل محمد عوامة.
[7] أراد بذلك الأئمة المجتهدين المتبوعين أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، رحمهم الله وجزاهم كل خير عنّا وعن المسلمين جميعا.(9/397)
و «التمييز في تخريج أحاديث الوجيز» مجلدين، و «الدراية في منتخب تخريج أحاديث الهداية» و «الإعجاب ببيان الأسباب» مجلد ضخم، و «الأحكام لبيان ما في القرآن من الإبهام» و «الزّهر المطوّل في بيان الحديث المعدل» و «شفاء الغلل في بيان العلل» و «تقريب النهج بترتيب الدرج» و «الأفنان في رواية القرآن» و «المقترب في بيان المضطرب» و «التعريج على التدريج» و «نزهة القلوب في معرفة المبدل من المقلوب» و «مزيد النفع بما رجح فيه الوقف على الرفع» و «بيان الفصل بما رجّح فيه الإرسال على الوصل» و «تقويم السناد بمدرج الإسناد» و «الإيناس بمناقب العباس» و «توالي التأسيس بمعاني ابن إدريس» و «المرجة الغيثية عن الترجمة اللّيثية» و «الاستدراك على الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء» مجلد [1] و «تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب الأصلي» مجلدين، و «تحفة الظّراف بأوهام الأطراف» [2] مجلد، و «المطالب العالية من رواية المسانيد الثمانية» [3] و «التعريف الأوحد بأوهام من جمع رجال المسند» [4] و «تعريف أولي التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس» وكتاب «الإعلام بمن ولي مصر في الإسلام» و «تعريف الفئة بمن عاش مائة من هذه الأئمة» و «القصد الأحمد فيمن كنيته أبو الفضل واسمه أحمد» و «إقامة الدلائل على معرفة الأوائل» والخصال المكفّرة للذنوب المقدّمة والمؤخرة» و «الشمس المنيرة في معرفة الكبيرة» و «الإتقان في فضائل القرآن» مجلد، و «الأنوار بخصائص المختار» و «الآيات النّيّرات للخوارق المعجزات» و «النبأ الأنبه في بناء الكعبة» و «القول المسدّد في
__________
[1] وهو جدير بالنشر إذا وجد نظرا لما فيه من الفوائد النافعة والتعقيبات الماتعة، يسّر الله تعالى إخراجه.
ونشره.
[2] قلت: لعله أراد «النّكت الظراف على الأطراف» المنشور بهامش «تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف» الذي حققه فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الصمد شرف الدّين ونشرته الدار القيمة في بمباي بالهند ثم أعاد نشره مصورا كما هو المكتب الإسلامي ببيروت عام (1403 هـ) .
[3] قام بتحقيقه فضيلة الأستاذ الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي رحمه الله ونشر في الكويت منذ سنوات، ثم أعادت نشره دار المعرفة ببيروت مصورا عام (1407 هـ) وألحقت به مجلدا للفهارس العامة أعده الأخ الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي نفع الله تعالى به.
[4] وهو جدير بالنشر إن وجدت أصوله الخطية.(9/398)
الذّب عن المسند» و «بلوغ المرام بأدلة الأحكام» و «بذل الماعون في فضل [1] الطّاعون» و «المنحة فيما علّق به الشافعي القول على الصحة» و «الأجوبة المشرقة على الأسئلة المفرقة» و «منسك الحج» و «شرح مناسك المنهاج» و «تصحيح الرّوضة» كتب منه ثلاث مجلدات، و «نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر» وشرحها «نزهة النظر بتوضيح نخبة الفكر» و «الانتفاع بترتيب الدارقطني على الأنواع» و «مختصر البداية والنهاية» لابن كثير [2] ، و «تخريج الأربعين النووية بالأسانيد العلية» و «الأربعين المتباينة» و «شرح الأربعين النووية» و «ترجمة النووي» ، وغير ذلك.
وله ديوان شعر.
ومن شعره:
أحببت وقّادا كنجم طالع ... أنزلته برضا الغرام فؤادي
وأنا الشّهاب فلا تعاند عاذلي ... إن ملت نحو الكواكب الوقّاد
وكان- رحمه الله تعالى- صبيح الوجه، للقصر أقرب، ذا لحية بيضاء، وفي الهامة نحيف الجسم، فصيح اللّسان، شجي الصوت، جيد الذكاء، عظيم الحذق، رواية للشعر وأيام من تقدمه ومن عاصره، هذا مع كثرة الصّوم، ولزوم العبادة، واقتفاء السّلف الصالح، وأوقاته مقسمة للطلبة، مع كثرة المطالعة والتأليف والتصدي للإفتاء والتصنيف.
وتوفي ليلة السبت ثامن عشري ذي الحجّة ودفن بالرّميلة. وكانت جنازته حافلة [3] مشهودة [4] .
وفيها الأمير سيف الدّين أبو محمد تغري برمش بن عبد الله الجلالي
__________
[1] في «ط» : «بفضل» وما جاء في «آ» موافق لما في «كشف الظنون» (1/ 237) .
[2] وهذا الكتاب هام جدا وجدير بالنشر إن توفرت أصوله الخطية.
[3] لفظة «حافلة» سقطت من «آ» .
[4] في «ط» : «مشهورة» .(9/399)
المؤيدي [1] الفقيه الحنفي، نائب القلعة بالديار المصرية.
قال هو: قدم بي الخواجا جلال الدّين من بلادي إلى حلب، فاشتراني جقمق بحلب ولي سبع أو ثمان سنين، وأتى بي إلى الدّيار المصرية، وقدّمني إلى أخيه الأمير [2] جاركس القاسمي المصارع، فأقمت عنده إلى أن خرج عن طاعة الملك الناصر فرج، واستولى الناصر على مماليكه، فأخذني فيمن أخذ، وجعلني من جملة المماليك السّلطانية الكتابية بالطبقة بقلعة الجبل، إلى أن قتل الناصر، واستولى المؤيد شيخ على الدّيار المصرية [3] اشتراني فيمن [3] اشتراه من المماليك الناصرية، وأعتقني، وجعلني جمدارا مدة طويلة.
قال صاحب «المنهل» : استمر تغري برمش إلى أول رجب سنة أربع وأربعين وثمانمائة فأنعم عليه بإمرة عشرة، ونيابة القلعة، فباشر ذلك بحرمة وافرة، وصار معدودا من أعيان الدولة، وقصدته الناس لقضاء حوائجهم، ثم أخذ أمره في انتقاص لسوء تدبيره، وصار يتكلّم في كل وظيفة، ويداخل السلطان فيما لا يعنيه، فتكلّم فيه من له رأس عند السلطان وهو لا يعلم، إلى أن أمر بنفيه إلى القدس في السنة التي قبل هذه، فذهب إلى القدس، وأقام به إلى أن توفي به.
وكان له فضل ومعرفة بالحديث، لا سيما أسماء الرجال، فإنه كان بارعا في ذلك، وكانت له مشاركة جيدة في الفقه، والتاريخ، والأدب، محسنا لفنون الفروسية، فصيحا باللغة العربية والتركية، ومقداما، محبا لطلبة العلم وأهل الخير، متواضعا، كثير الأدب، جهوري الصّوت، أشقر، ضخما، للقصر أقرب. كثّ اللّحية، بادره الشيب. قرأ «صحيح البخاري» على القاضي محب الدّين بن نصر الله الحنبلي، و «صحيح مسلم» على الزّين الزركشي، و «السنن الصّغرى» للنسائي على الشّهاب الكلوتاتي، و «سنن ابن ماجة» على شمس الدّين محمد
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 33) و «النجوم الزاهرة» (15/ 530) و «الدليل الشافي» (1/ 219) و «المنهل الصافي» (4/ 68- 74) .
[2] لفظة «الأمير» سقطت من «آ» .
[3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .(9/400)
المصري، و «سنن أبي داود» على الحافظ ابن حجر. وقرأ ما لا يحصى على من لا يحصى. وتفقه بسراج الدّين قارئ الهداية، وبسعد الدّين الديري.
وتوفي في ثالث شهر رمضان عن نيف وخمسين سنة.
وفيها زين الدّين أبو النّعيم- بفتح النون المشددة- رضوان بن محمد بن يوسف بن سلامة بن البهاء بن سعيد العتبي [1] الشافعي المستملي المصري [2] البارع، مفيد القاهرة.
ولد في رجب سنة تسع وستين وسبعمائة بمينة عقبة الجيزة، ونشأ بها، ثم دخل القاهرة، واشتغل بها في عدة علوم، وتلا بالسبع على الإمام نور الدّين الدّميري المالكي سبع ختمات، ثم بالسبع، وقراءة يعقوب على الشمس الغماري، وأجاز له ثم بالثمان المذكورة على ركن الدّين الأشعري المالكي. وتفقه بالشّمس العراقي، والشمس الشّطنوفي، والشمس القليوبي، والصّدر الأمشيطي، والعزّ بن جماعة، وغيرهم. وأخذ النحو عن شمس الدّين الشّطّنوفي، والغماري، والشمس البساطي. وكتب عن الزّين العراقي مجالس كثيرة من أماليه، وسمع الحديث من التّقي بن حاتم، والبرهان الشامي، وابن الشّحنة، وخلائق. ثم حبّب إليه الحديث، فلازم السماع من أبي الطّاهر بن الكويك. فأكثر عنه، ولازم الحافظ ابن حجر، وكتب عنه الكثير، وتفقه به أيضا، وحجّ ثلاث حجّات، وجاور مرتين.
وسمع بمكّة من الزّين المراغي وغيره، وخرّج لبعض الشيوخ ولنفسه «الأربعين المتباينات» وغير ذلك. وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا، غزير المروءة، رضي الخلق، ساكنا، بشوشا، طارحا للتكلّف، سليم الباطن.
توفي عصر يوم الاثنين ثالث رجب بالقاهرة.
__________
[1] في «آ» : «العقبي» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 33- 34) و «التبر المسبوك» ص (237- 238) و «النجوم الزاهرة» (15/ 530- 532) و «بدائع الزهور» (2/ 267) و «الدليل الشافي» (1/ 219) و «حوادث الدهور» (1/ 193) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 8) من المنسوخ.(9/401)
وفيها قطب الدّين محمد بن عبد القوي [1] بن محمد بن عبد القوي [1] البجائي، ثم المكّي المالكي [2] شاعر مكة.
كان إماما أديبا ماهرا.
توفي في ذي الحجّة، وقد جاوز التسعين، والله أعلم.
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 71) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (233- 234) .(9/402)
سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة
فيها توفي ألوغ بك بن القآن معين الدّين شاه رخّ [1] ، صاحب هراة، ابن الطّاغية تيمور لنك، وقيل: اسمه تيمور على اسم جدّه، وقيل: محمد، صاحب سمرقند، فريد دهره ووحيد عصره في العلوم العقلية، والهيئة، والهندسة، طوسي زمانه، الحنفي المذهب.
ولد في حدود تسعين وسبعمائة، ونشأ في أيام جدّه، وتزوج في أيامه أيضا.
وعمل له جدّه العرس المشهور. ولما مات جدّه تيمور وآل الأمر إلى أبيه شاه رخ ولّاه سمرقند وأعمالها فحكمها نيّفا وثلاثين سنة، وعمل بها رصدا عظيما انتهى به إلى سنة وفاته، وقد جمع لهذا الرّصد علماء هذا الفنّ من سائر الأقطار، وأغدق عليهم الأموال، وأجرى [2] لهم الرواتب الكثيرة، حتى رحل إليه علماء الهيئة والهندسة من البلاد البعيدة، وهرع إليه كل صاحب فضيلة، وهو مع هذا يتلفت إلى من يسمع به من العلماء في الأقطار ويرسل يطلب من سمع به هذا، مع علمه الغزير وفضله الجمّ واطلاعه الكبير وباعه الواسع في هذه العلوم، مع مشاركة جيدة إلى الغاية في فقه الحنفية، والأصلين، والمعاني، والبيان، والعربية، والتاريخ، وأيام الناس. قيل: إنه سأل بعض حواشيه ما تقول الناس عنّي وألحّ عليه، فقال:
يقولون: إنك ما تحفظ القرآن الكريم، فدخل من وقته وحفظه في أقل من ستة أشهر حفظا متقنا. وكان أسنّ أولاد أبيه، واستمر بسمرقند إلى أن خرج عن طاعته ولده
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 265) و «الدليل الشافي» (1/ 154) .
[2] في «ط» : «وأجزل» .(9/403)
عبد اللطيف، وسببه أنه لما ملك المترجم هراة طمع عبد اللطيف أن يوليه هراة فلم يفعل، وولاه بلخ، ولم يعطه من مال جدّه شاه رخ شيئا. وكان ألوغ بك هذا مع فضله وغزير علمه مسيكا، فسأمته أمراؤه لذلك، وكاتبوا ولده عبد اللطيف في الخروج عن طاعته، وكان في نفسه ذلك، فانتهز الفرصة وخرج عن الطّاعة، وبلغ أباه الخبر فتجرّد لقتاله، والتقى معه، وفي ظنّه أن ولده لا يثبت لقتاله، فلما التقى الفريقان وتقابلا هرب جماعة من أمراء ألوغ بك إلى ابنه، فانكسر ألوغ بك وهرب على وجهه، وملك ولده سمرقند، وجلس على كرسي والده أشهرا ثم بدا لألوغ بك العود إلى سمرقند، ويكون الملك لولده، ويكون هو كآحاد الناس، واستأذن ولده في ذلك فأذن له، ودخل سمرقند وأقام بها، إلى أن قبض عبد اللطيف على أخيه عبد العزيز وقتله صبرا في حضرة والده ألوغ بك فعظم ذلك عليه، فإنه كان في طاعته وخدمته حيث سار، ولم يمكنه الكلام فاستأذن [1] ولده عبد اللطيف في الحجّ فأذن له، فخرج قاصدا للحجّ إلى أن كان عن سمرقند مسافة يوم أو يومين، وقد حذّر بعض الأمراء ابنه منه، وحسّن له قتله، فأرسل إليه بعض أمرائه ليقتله، فدخل عليه مخيّمه واستحيا أن يقول: جئت لقتلك، فسلّم عليه ثم خرج، ثم دخل ثانيا وخرج، ثم دخل ففطن ألوغ بك، وقال له: لقد علمت بما جئت به فافعل ما أمرك به، ثم طلب الوضوء وصلّى، ثم قال: والله لقد علمت أن هلاكي على يد ولدي عبد اللطيف هذا من يوم ولد، ولكن أنساني القدر ذلك، والله لا يعيش بعدي إلّا خمسة أشهر ثم يقتل أشرّ قتلة، ثم سلّم نفسه فقتله المذكور، وعاد إلى ولده.
وقتل ولده عبد اللطيف بعد خمسة أشهر.
وفيها زين الدّين أبو محمد بن عبد الرحمن بن الشيخ شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن علي بن عيّاش المقرئ المسند الزّاهد المعمّر، الشهير بابن عيّاش [2] .
__________
[1] في «ط» : «فأذن» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 59) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (122) .(9/404)
ولد بدمشق في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، وأخذ القراءات عن أبيه إفرادا وجمعا، وقرأ عليه ختمة جامعة للقراءات العشرة بما تضمنه كتاب «ورقات» المهرة في تتمة قراءات الأئمة العشرة» تأليف والده، وقرأ على الشيخ شمس الدّين محمد بن أحمد العسقلاني «القراءات العشرة» فساوى والده في علو السّند، وذلك لما رحل إلى القاهرة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، ثم رحل إلى مكة المشرّفة واستوطنها وانتصب بها لإقراء القراءات بالمسجد الحرام كلّ يوم، وانتفع به عامة الناس، وصار رحلة زمانه، وتردّد إلى المدينة المنوّرة، وجاور بها غير مرّة، وتصدى بها أيضا للإقراء، وأقام بها سنين، ثم عاد إلى مكة واستمر إلى أن مات بها في هذه السنة.
وفيها قاضي قضاة الحرمين، الشريف الحسيب سراج الدّين أبو المكارم عبد اللطيف بن أبي الفتح محمد بن أحمد بن أبي عبد الله محمد الحسني الفاسي الأصل المكّي الحنبلي [1] .
ولد في شعبان سنة تسع وثمانين وسبعمائة بمكّة المشرّفة، ونشأ بها، وسمع الحديث على العفيف النّشاوري، والجمال الأميوطي، وإبراهيم بن صديق، وغيرهم. وأجاز له السّراج البلقيني، والحافظان الزّين العراقي، والنّور الهيثمي، والسّراج ابن الملقّن، والبرهان الشامي، وأبو هريرة ابن الذّهبي، وأبو الخير ابن العلائي، وجماعة، وخرّج له التّقي ابن فهد «مشيخة» وولي إمامة الحنابلة بالمسجد الحرام، وقضاء مكة المشرّفة، ثم جمع له بين قضاء الحرمين الشريفين مكة والمدينة سنة سبع وأربعين وثمانمائة، واستمرّ إلى أن مات. وهو أول من ولي قضاء الحنابلة بالحرمين، ودخل بلاد العجم غير مرّة. وكان له حظّ وافر عند الملوك والأعيان.
وتوفي بعلة الإسهال، ورمي الدّم في ضحى يوم الاثنين سابع شوال بمكة المشرّفة، ودفن بالمعلاة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 333) و «النجوم الزاهرة» (15/ 546) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (144) و «السحب الوابلة» ص (244) .(9/405)
وفيها قاضي القضاة أمين الدّين أبو اليمن محمد بن محمد بن علي النّويري المكّي الشافعي [1] قاضي مكّة وخطيبها.
باشر خطابة مكّة عدة سنين، ثم ولّي قضاءها في سنة اثنتين وأربعين، ثم عزل، ثم ولّي. ومات قاضيا وخطيبا بمكة في هذه السنة.
وفيها شرف الدّين يحيى بن أحمد بن عمر الحموي الأصل الكركي القاهري، ويعرف بابن العطّار [2] الشافعي المفنّن.
توفي في ذي الحجّة عن أزيد من أربع وستين سنة.
وفيها شرف الدين يحيى بن سعد الدّين محمد بن محمد المناوي المصري الشافعي [3] قاضي القضاة.
ولد بالقاهرة، وبها نشأ تحت كنف والده، وكان والده يتعانى الخدم الديوانية، وتزوّج وليّ الدّين العراقي بابنته أخت المترجم، فحبّب لصاحب الترجمة طلب العلم لصهارته بالولي العراقي، فاشتغل وتفقّه بجماعة من علماء عصره، وأخذ المعقول عن الكمال بن الهمام وغيره، وبرع في الفقه، وشارك في غيره، وأفتى ودرّس، وعرف بالفضيلة والدّيانة، واشتهر ذكره. وولي تدريس الصّلاحية. ثم ولي قضاء قضاة الشافعية بعد علم الدّين البلقيني فلم يمتنع بل ابتهج بذلك، وأظهر السّرور، ثم غيّر ملبسه ومركبه، وترك ما كان عليه أولا من التقشف والتواضع، وسلك طريق من تقدمه من القضاة من مراعاة الدولة وامتثال ما يأمرونه به، ومال إلى المنصب ميلا كلّيا بخلاف ما كان يظنّ به، واستكثر من
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 144) و «النجوم الزاهرة» (15/ 546) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (269) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 217) و «النجوم الزاهرة» (15/ 544) و «التبر المسبوك» ص (294) .
[3] تنبيه: كذا أرخ المؤلف وفاته في هذه السنة (853) وقد تبع في ذلك ابن تغري بردي في «الدليل الشافي» (2/ 780) . ثم أعاد الترجمة له سنة (871) ص (463) من هذا المجلد وهو الصواب.(9/406)
النّواب. وولي جماعة كثيرة، وانقسم الناس في أمره إلى قادح ومادح، وكانت ولايته القضاء قبيل موته بيسير.
وتوفي بالقاهرة في ثاني رجب.
وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل المغربي الأندلسي ثم القاهري، ويعرف بالرّاعي المالكي [1] .
كان إماما عالما، ولد بغرناطة سنة نيّف وثمانين وسبعمائة، واشتغل بالفقه، والأصول، والعربية، ومهر فيها، واشتهر اسمه بها، وسمع من أبي بكر بن عبد الله بن أبي عامر، وأجاز له جماعة، ودخل القاهرة سنة خمس وعشرين وثمانمائة، واستوطنها، وحجّ، ثم رجع إلى القاهرة، وأقرأ بها، وانتفع به جماعة، وأمّ بالمؤيدية، وله نظم حسن، وشرح «الألفية» و «الجرومية» وحدّث عنه ابن فهد وغيره، وأضرّ بأخرة.
وتوفي في سابع عشري ذي الحجّة.
وفيها- بل في التي قبلها كما جزم به السّيوطي- زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يحيى السّندبيسيّ [2]- بفتح السين المهملة، وسكون النون، وفتح الدال المهملة، وكسر الموحدة، وسكون التحتية، آخره سين مهملة- النّحوي ابن النّحوي.
ولد سنة ثمان وثمانين وسبعمائة تقريبا، وبرع في الفنون، لا سيما في العربية. وكان أخذها عن الزّين الفارسكوري، وأخذ الحديث عن الولي العراقي، وسمع من الحلاوي، وابن الشّحنة، والسّويداوي، وجماعة. وأجاز له ابن العلاء، وابن الذّهبي، وخلق.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 203) و «نيل الابتهاج» ص (310) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 150) و «بغية الوعاة» (2/ 89) وفيهما: «مات ليلة الأحد سابع عشر صفر سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة» و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (133- 134) .(9/407)
وكان عالما، فاضلا، بارعا، مواظبا على الاشتغال، حسن الدّيانة، كثير التواضع، أقرأ الناس، وحدّث ب «جامع الحاكم» [1] . وسمع منه النّجم بن فهد وغيره.
وتوفي ليلة الأحد سابع عشر صفر.
__________
[1] يريد «المستدرك على الصحيحين» .(9/408)
سنة أربع وخمسين وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم [1] .
قال ابن تغري بردي: الإمام، العالم، العلّامة، [البارع] ، المفنّن، الأديب، الفقيه، اللّغوي، النحوي، المؤرخ، الدمشقي، الحنفي، المعروف بابن عربشاه.
كان إمام عصره في المنظوم والمنثور، تردّد إلى القاهرة غير مرة، وصحبني في بعض قدومه إلى القاهرة، وانتسج بيننا صحبة أكيدة ومودة، وأسمعني كثيرا من مصنّفاته نظما ونثرا، بل غالب ما نظمه ونثره [2] وألّفه، وكان له قدرة على نظم العلوم، وسبكها في قالب المديح والغزل، وسيظهر لك فيما كتبه لي لمّا استجزته، كتبه بخطّه، وأسمعنيه من لفظه غير مرة، وهو هذا:
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1: 1 الحمد الله الذي زيّن مصر الفضائل بجمال يوسفها العزيز، وجعل حقيقة ذراه مجاز أهل الفضل فحلّ به كل مجاز ومجيز، أحمده حمد من طلب إجازة كرمه فأجاز، وأشكره شكرا أوضح لمزيد نعمه علينا سبيل المجاز، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله يجيب سائله، ويثيب آمله، ويطيب لراجيه نائله، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، سيّد من روى عن ربّه وروي عنه، والمقتدى لكل من أخذ عن العلماء وأخذ منه صلى الله عليه ما رويت الأخبار، ورؤيت الآثار، وخلّدت أذكار الأبرار في صحائف الليل والنهار، وعلى آله وأصحابه وتابعيه وأحزابه، وسلّم، وكرّم، وشرّف، وعظم.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 126) و «النجوم الزاهرة» (15/ 549) و «الدليل الشافي» (1/ 80- 81) و «المنهل الصافي» (2/ 131- 145) .
[2] لفظة «ونثره» لم ترد في «المنهل الصافي» فستدرك من هنا.(9/409)
وبعد: فقد أجزت الجناب الكريم العالي [1] ، ذا القدر المنيف الغالي، والصدر الذي هو بالفضائل حالي، وعن الرذائل خالي، المولوي الأميري الكبيري الأصيلي العريقيّ الكاملي الفاضلي المخدومي [الجماليّ] أبا المحاسن، الذي ورد فضائله وفواضله غير آسن، يوسف بن المرحوم المقرّ الأشرف الكريم العالي المولوي الأميري الكبيري المالكي المخدومي السّيفي تغري بردي الملكي الظاهري، أدام الله جماله وبلّغه [2] من المرام كماله، وهو ممن تغذّى بلبان الفضائل، وتربى في حجر قوابل الفواضل، وجعل اقتناء العلوم دأبه، ووجه إلى مدين الآداب ركابه، وفتح إلى دار الكمالات بابه، وصيّر أحرازها في خزائن صدره اكتسابه، فحاز بحمد الله تعالى حسن الصّورة والسيرة، وقرن بضياء الأسرّة صفاء السّريرة، وحوى السّماحة، والحماسة، والفروسية، والفراسة، ولطف العبارة والبراعة، والعرابة واليراعة، والشهامة والشجاعة، فهو أمير الفقهاء، وفقيه الأمراء، وظريف الأدباء، وأديب الظّرفاء:
فمهما تصفه صف وأكثر فإنّه ... لأعظم ممّا قلت فيه وأكبر [3]
فأجزت له معولا عليه- أحسن الله إليه- أن يروي عني هذه المنظومة المزبورة المرقومة، التي سمّيتها «جلوة الأمداح الجمالية في حلّتي العروض والعربية» عظّم الله تعالى شأن من أنشئت فيه، وحرسه بعين عنايته وذويه، وسائر ما تجوز لي وعني روايته، وينسب إلى علمه ودرايته، من منظوم ومنثور، ومسموع ومسطور، بشروطه المعتبرة، وقواعده المحرّرة، عموما، وما أذكر لي من مصنّفات خصوصا، فمن ذلك «مرآة الأدب في علمي المعاني والبيان» منها بعد ذكر الخطبة في تقسيم العربية وذكر فائدته وأقسامه:
بدر تأدّب حتّى كلّه أدب ... يقول من يهو وصلي يكتسب أدبي
__________
[1] كذا في «ط» و «المنهل الصافي» : «الكريم العالي» وفي «آ» : «العالي الكريم» .
[2] في «ط» : «وأبلغه» .
[3] تنبيه: ورد هذا البيت نثرا ضمن سياق الإجازة في «النجوم الزاهرة» و «المنهل الصافي» فليصحح، وفيهما: «وأكثر» مكان «وأكبر» .(9/410)
بدا بتاج جمال في حلى أدب ... تسربل الفضل بين العجب والعجب
يصن كلامي وخطّي في معاهدتي ... عن الخطا إنّني بدر من العرب
هذا وقدر علومي كالبروج [1] علا ... فمن ينلها يصر في الفضل كالشّهب
أصولها مثل أبواب الجنان زهت ... ينال من نالها ما رام من رتب
خذ بكر نظم تجلّت وجهها غزل ... وروحها العلم والجثمان من أدب
فريد لفظي إذا ما رمت جوهره ... ترى الصّحاح كثغر زين بالشّنب
وإن تصرّف من عقد ومن عقد ... إلى عقود فهذا الصّرف كالذّهب
لفظي من الشّهد مشتقّ بخطّي ذا ... سيف فدونك علم الضّرب والضّرب
أصل المعاني إذا ما رمت من كلمي ... فقل هي الدّرّ واقصد نحونا تصب
معناي زاد على حسني فصنّف في ... علم المعاني وفي حسني وفي حسبي
طورا أبين كما طورا أبين لذا ... فنّ البيان غدا مرآة مطّلبي
طبعي وشعري وأوزاني يناط بها ... علم العروض مناط الودّ بالسّبب
حسني وظرفي وآدابي قد انتظمت ... نظم القوافي فخذ علمي وسل نسبي
قد أخلف [2] البان قدّي حين خطّ على ... خدّي لريحان خطّ ليس في الكتب
هذا على أصل حسني يستزاد فلا ... تعب ودونك علم الخطّ لا تخب
في وصفي النّظم والنّثر البديع فخذ ... علم القريض مع الإنشاء والخطب
وإن تحاضر فحاضر في مغازلتي ... واحفظ تواريخ ما أمليه من نخب
واقصد بديع معانيّ الّتي بهرت ... عند البيان عقول العجم والعرب
إنّي أنا البدر سار في منازله ... مكمّل الحسن بين الرّأس والذّنب
ومن ذلك «العقد الفريد في علم التوحيد» وأوله بعد الخطبة:
سبى القلب ظبيّ من بني العلم أغيد ... له مقلة كحلى وخدّ مورّد
__________
[1] جاء في هامش «ط» ما نصه: «يشير إلى تقسيم العربية إلى اثني عشر قسما. كما في هامش الأصل» .
[2] كذا في «آ» و «المنهل الصافي» : «قد أخلف» وفي «ط» : «قد خلّف» .(9/411)
أوحّد من أنشاه للخلق فتنة ... فيسأل ما التّوحيد وهو يعربد
فقلت له: الإيمان بالله من يرى ... لحاظك باري الخلق والكون يشهد
فبالكتب والأملاك والرّسل صل فتى ... براه هواك القاتل المتعمّد
وإن تفنني هجرا أقم يوم بعثتي ... وقد نشر الأموات والحوض يورد
وقد كوّرت شمس وشقّقت السّما ... وكلّ الورى نحو القصاص تحشّدوا
وقد نصب الميزان وامتدّ جسرهم ... وأقبلت في ثوب الجمال تردّد
أنادي وقد شبّثت كفّي بذيله ... وتضريج أكفاني ولحظك يشهد
حبيبي بم استحللت قتل مبرّأ ... وما ذنبه إلّا ضنّي فيك مكمل.
فقال: أما هذا بتقدير من قضى ... وحكم مضى ما فيه قطّ تردّد
فقلت: بلى والخير والشّر قدّرا ... وكلّ بتقدير المهيمن مرصد
فقال: فمن هذا الّذي ذاك حكمه ... وتقديره صفه لكميا أوحّد
فقلت: إله واحد لا مشارك ... له، لم يلد، كلّا، ولا هو والد
واستطردت من ذلك إلى ذكر الصّفات وتنزيه الذات إلى أن قلت:
هو الله من أنشاك للخلق فتنة ... ليسفك من جفنيه سيف مهنّد
ومن: مصنّفاتي المنثورة تاريخ تمرلنك «عجائب المقدور في نوائب تيمور» [1] .
ومنها: «فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظّرفاء» . ومنها «خطاب الإهاب [2] الناقب وجواب الشّهاب الثاقب» . ومنها: «الترجمان المترجم بمنتهى الأرب في لغة الترك والعجم والعرب» .
ومن النظم القصيدة المسماة «العقود النصيحة» أولها:
لك الله هل ذنب فيعتذر الجاني ... بلى صدق ما أنهاه إنّي بكم فاني
__________
[1] نشرته مؤسسة الرسالة ببيروت منذ سنوات قليلة بتحقيق الأخ الفاضل الأستاذ أحمد فائز الحمصي.
[2] تحرفت في «آ» إلى «الأوهاب» .(9/412)
ومن سوء حظّ الصّبّ أن يلعب الهوى ... بأحشائه، والحبّ يومي بولعان
ومن شيم الأحباب قتل محبّهم ... إذا علموه فيهم صادقا عاني
ومن ذلك: «غرة السّير في دول الترك والتتر» .
وكان عند كتابة هذه الإجازة لم يتم. واقتصر في «التذكرة» على هذه المصنّفات العشرة للوجازة لا للإجازة.
هذا، وأما مولدي فداخل دمشق ليلة الجمعة الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة تسعين وسبعمائة، ثم ذكر ترجمة طويلة لنفسه.
قال صاحب «المنهل» : ومن نظمه معمّى [1] :
وجهك الزّاهي كبدر ... فوق غصن طلعا
واسمك الزّاكي كمشكا ... ة سناها لمعا
في بيوت أذن اللّ- ... هـ لها أن ترفعا
عكسها [2] صحّفه تلقى ... الحسن فيها أجمعا
وتوفي يوم الاثنين [3] خامس رجب بالقاهرة عن اثنتين وستين سنة وستة أشهر وعشرين يوما. انتهى.
وفيها كمال الدّين محمد بن صدقة المجذوب الصّاحي [4] ، الولي المكاشف الدمياطي الأصل ثم المصري الشافعي.
اشتغل، وحفظ «التنبيه» و «الألفية» وتكسّب بالشهادة بمصر، ثم حصل له جذب، وظهرت عليه الأحوال الباهرة والخوارق الظاهرة، وتوالت كراماته، وتتابعت آياته، واشتهر صيته، وعظم أمره، وهرع الأكابر لزيارته، وانقاد له الأماثل، حتّى الفقهاء، كالكمال إمام الكاملية وغيره.
__________
[1] وقال ابن تغري بردي في «الدليل الشافي» : «ومن شعره معميا في اسم جامعه» .
[2] في «ط» : «عكسه» .
[3] لفظة «الاثنين» سقطت من «آ» .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 270) .(9/413)
ومن كراماته أن رجلا سأله حاجة فأشار بتوقفها على خمسين دينارا، فأرسلها إليه، فوصل القاصد إليه بها، فوجده قاعدا بباب الكاملية، فبمجرّد وصوله إليه أمره بدفعها لامرأة مارّة بالشارع لا تعرف، فأعطاها إيّاها، فانكشف بعد ذلك أن ولدها كان في الترسيم على ذلك المبلغ بعينه لا يزيد ولا ينقص عند من لا رحمة عنده، بحيث خيف عليه التلف.
توفي بمصر وصلّي عليه في محفل حافل، ودفن بالقرافة بجوار قبر الشيخ أبي العبّاس الخرّاز. قاله المناوي في «طبقات الأولياء»
.(9/414)
سنة خمس وخمسين وثمانمائة
في خامسها بويع بالخلافة القائم بأمر الله حمزة بن المتوكل على الله بعد وفاة أخيه المستكفي بالله سليمان بن المتوكل على الله [1] بويع سليمان هذا بالخلافة يوم موت أخيه المعتضد بالله [2] وذلك في سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وأقام في الملك عشر سنين، وبلغ من العزّ فوق أخيه، وحمل السلطان نعشه.
وفيها توفي كمال الدّين أبو المناقب أبو بكر بن ناصر الدّين محمد بن سابق الدّين أبي بكر بن فخر الدّين عثمان بن ناصر الدّين محمد بن سيف الدّين خضر بن نجم الدّين أيوب بن ناصر الدّين محمد بن الشيخ العارف بالله همام الدّين الهمامي الخضيري السّيوطي الشافعي [3] .
قال ولده في «طبقات النحاة» : ولد في أوائل القرن بسيوط، واشتغل بها، ثم قدم القاهرة بعد عشرين وثمانمائة، فلازم الشيوخ شيوخ العصر، [ودأب] إلى أن برع في الفقه، والأصلين، والقراآت، والحساب، والنحو، والتصريف، والمعاني، والبيان، والمنطق، وغير ذلك، ولازم التدريس والإفتاء. وكان له في الإنشاء اليد الطّولى. وكتب الخطّ المنسوب، وصنّف «حاشية» على «شرح الألفية» لابن
__________
[1] ترجمته في «تاريخ الخلفاء» ص (511- 513) و «النجوم الزاهرة» (16/ 1) و «الدليل الشافي» (1/ 320) و «المنهل الصافي» (5/ 183- 184) .
[2] ترجمته في «تاريخ الخلفاء» ص (509- 511) و «الدليل الشافي» (1/ 296) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (11/ 72- 73) و «حسن المحاضرة» (1/ 441) و «بغية الوعاة» (1/ 472) و «التبر المسبوك» ص (356- 357) و «نظم العقيان» ص (95- 96) و «حوادث الدهور» (2/ 344) .(9/415)
المصنّف حافلة في مجلدين، وكتابا في القراآت، وحاشية على «العضد» . وتعليقا على «الإرشاد» لابن المقرئ، وكتابا في صناعة التوقيع، وغير ذلك.
أخبرني بعض أصحابه أن الظّاهر جقمق عيّنه مرّة لقضاء القضاة بالديار المصرية، وأرسل يقول للخليفة المستكفي بالله: قل لصاحبك يطلع نوليه. فأرسل الخليفة قاصدا إلى الوالد [1] يخبره بذلك فامتنع.
قال الحاكي: فكلّمته في ذلك، فأنشدني:
وألذّ من نيل الوزارة أن ترى ... يوما يريك مصارع الوزراء
ومن نجباء تلامذته الشيخ فخر الدّين المقدسي، وقاضي مكّة برهان الدّين بن ظهيرة، وقاضيها نور الدّين بن أبي اليمن، وقاضي المالكية محيي الدّين بن تقي الدّين [2] ، والعلّامة محيي الدّين بن مصيفح في آخرين.
مات ليلة الاثنين وقت أذان العشاء خامس صفر، ودفن بالقرافة قريبا من الشّمس الأصفهاني. انتهى.
وفيها أمير المدينة أميان بن مانع بن علي بن عطية الحسيني [3] .
توفي في جمادى الآخرة، واستقرّ بعده زبيري [4] بن قيس.
وفيها جمال الدّين أبو محمد بن عبد الله بن الشيخ الإمام العالم محبّ الدّين أبي عبد الله محمد بن هشام الأنصاري المصري الحنبلي [5] القاضي.
كان من أهل العلم، ومن أعيان فقهاء الديار المصرية وقضاتها، باشر القضاء
__________
[1] في «آ» : «قاصدا للوالد» .
[2] لفظة «الدين» سقطت من «ط» .
[3] ترجمته في «النجوم الزاهرة» (16/ 5- 6) و «الضوء اللامع» (2/ 321) .
[4] في «آ» و «ط» : «زيري» وما أثبته من «الضوء اللامع» وفي «النجوم الزاهرة» : «زبير» .
[5] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 56) و «السحب الوابلة» ص (266) و «المنهج الأحمد» الورقة (494) .(9/416)
نيابة عن قاضي القضاة محبّ الدّين بن نصر الله، ثم عن قاضي القضاة بدر الدّين البغدادي، فوقعت حادثة أوجبت تغيّر خاطر بدر الدّين المذكور عليه، فعزله عن القضاء، ثم صار يحسن إليه ويبره إلى أن توفي بمصر في المحرّم الحرام.
وفيها الشيخ عبد الواحد البصير المقرئ الحنبلي الوفائي [1] .
توفي بدرب الحجاز الشريف في عوده من الحجّ بالعلا [2] .
وفيها قاضي القضاة شمس الدّين محمد بن أحمد بن سعيد المقدسي الحنبلي [3] قاضي مكّة المشرّفة.
ولد بكفر لبد من أعمال نابلس في سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وسكن مدينة حلب قديما ودمشق، وسمع على الأعيان، وقرأ على ابن اللحّام، والتّقي ابن مفلح، والحافظ زين الدّين بن رجب، وكان عالما، خيّرا، كتب الشروط، ووقّع على الحكّام دهرا طويلا، وتفرّد بذلك، وصنّف التصانيف الجيدة، منها «سفينة الأبرار الحاملة للآثار والأخبار» ثلاث مجلدات في الوعظ، وكتاب «الآداب» وكتاب «المسائل المهمة فيما يحتاج إليه العاقل في الخطوب المدلهمّة» وكتاب «كشف الغمّة في تيسير الخلع لهذه الأمة» و «المنتخب الشافي من كتاب الوافي» اختصر فيه «الكافي» للموفق. وجاور بمكّة مرارا، وجلس بالحضرة النبوية بالمدينة الشريفة بالرّوضة، واستجازه الأعيان، وآخر مجاوراته سنة ثلاث وخمسين، فمات قاضي مكّة في تلك السنة فجهّز إليه الولاية في أوائل سنة أربع وخمسين، فاستمر بها قاضيا نحو سنة.
وتوفي في أوائل هذه السنة وخلّف دنيا ولا وارث له، رحمه الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (494) .
[2] جاء في «المعانم المطالبة» ص (282) ما نصه: العلا- بالضم والقصر- موضع بناحية وادي القرى.
نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى تبوك. وعلّق عليه محققه العلّامة الشيخ حمد الجاسر بقوله:
أصبح هذا الموضع بلدة كبيرة الآن.
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 309) و «التبر المسبوك» ص (363) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (204- 205) وفيه: «المقدسي ثم الحلبي الحنبلي» .(9/417)
وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن محمد بن خالد بن زهر الحمصي الحنبلي [1] .
قرأ «المقنع» وشرحه على والده، وأصول ابن الحاجب، و «ألفية ابن مالك» .
على غيره، وأذن له القاضي علاء الدّين ابن المغلي بالإفتاء، وولي القضاء بحمص بعد وفاة والده، واستمرّ قاضيا إلى أن توفي بها في ذي القعدة ودفن بباب تدمر.
وفيها بدر الدّين أبو الثناء، وأبو محمد، محمود بن القاضي شهاب الدّين أحمد بن القاضي شرف الدّين موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود العينتابي الأصل والمولد والمنشأ المصري الدار والوفاة، الحنفي، المعروف بالعيني [2] .
قال تلميذه ابن تغري بردي: هو العلّامة، فريد عصره ووحيد دهره، عمدة المؤرّخين، مقصد الطّالبين قاضي القضاة.
ولد سادس عشري شهر رمضان سنة اثنتين وستين وسبعمائة في درب كيكن.
ونشأ بعينتاب، وحفظ القرآن العظيم، وتفقّه على والده وغيره، وكان أبوه قاضي عينتاب.
وتوفي بها في سنة أربع وثمانين وسبعمائة.
ورحل صاحب الترجمة إلى حلب، وتفقه بها أيضا، وأخذ عن العلّامة جمال الدّين يوسف بن موسى الملطي الحنفي وغيره، ثم قدم القدس، فأخذ عن العلاء السّيرامي لأنه صادفه زائرا به، ثم صحبه معه إلى القاهرة في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، وأخذ عنه علوما جمّة، ولازمه إلى وفاته، وأقام بمصر مكبّا على
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 79) وفيه: «محمد بن محمد بن خالد بن موسى، ويعرف بابن زهرة» و «السحب الوابلة» ص (434) و «المنهج الأحمد» الورقة (494) .
[2] ترجمته في «النجوم الزاهرة» (16/ 8) و «الضوء اللامع» (10/ 131) و «بغية الوعاة» (2/ 275) و «الدليل الشافي» (2/ 721- 722) و «حسن المحاضرة» (1/ 473) و «معجم الشيوخ» ص (292- 295) .(9/418)
الاشتغال والإشغال [1] . وولي حسبة القاهرة بعد محن جرت له من الحسدة، وعزل عنها غير مرة، وأعيد إليها. ثم ولي عدة تداريس ووظائف دينية، واشتهر اسمه، وبعد صيته، وأفتى، ودرّس، وأكب على الأشغال والتصنيف، إلى أن ولي نظر الأحباس، ثم قضاء قضاة الحنفية بالديار المصرية يوم الخميس سابع عشري ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وثمانمائة، فباشر ذلك بحرمة وافرة وعظمة زائدة، لقربه من الملك الأشرف برسباي، واستمرّ فيه إلى سنة اثنتين وأربعين، وكان فصيحا باللغتين العربية والتركية. وقرأ وسمع ما لا يحصى من الكتب والتفاسير، وبرع في الفقه، والتفسير، والحديث، واللغة، والنحو، والتصريف، والتاريخ.
ومن مصنّفاته: «شرح البخاري» في أكثر من عشرين مجلدا، و «شرح الهداية» و «شرح الكنز» و «شرح مجمع البحرين» و «شرح تحفة الملوك» في الفقه، و «شرح الكلم الطّيب» لابن تيمية، و «شرح قطعة من سنن أبي داود» و «قطعة كبيرة من سيرة ابن هشام» و «شرح العوامل المائة» و «شرح الجاربردي» وله كتاب في «المواعظ والرقائق» في ثمان مجلدات، و «معجم مشايخه» مجلد.
و «مختصر الفتاوى الظهيرية» و «مختصر المحيط» و «شرح التّسهيل» لابن مالك مطولا ومختصرا، و «شرح شواهد ألفية ابن مالك» شرحا مطولا وآخر مختصرا، وهو كتاب نفيس احتاج إليه صديقه وعدوه، وانتفع به غالب علماء عصره فمن بعدهم، و «شرح معاني الآثار» للطحاوي في اثنتي عشرة مجلدة، وله كتاب «طبقات الشعراء» و «طبقات الحنفية» و «التاريخ الكبير» [2] على السنين في عشرين مجلدا، واختصره في ثلاث مجلدات، و «التاريخ الصغير» في ثمان مجلدات، وعدة تواريخ أخر. وله «حواش على شرح ألفية بن مالك» و «حواش على شرح السيد عبد الله» و «شرح عروض ابن الحاجب» و «اختصر تاريخ ابن خلكان» . وله غير ذلك. وكان أحد أوعية العلم، وأخذ عنه من لا يحصى. ولما أخرج عنه نظر
__________
[1] لفظة «والاشغال» سقطت من «آ» .
[2] وهو معروف ب «عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان» وقد نشرت منه بعض الأجزاء في مصر بتحقيق الدكتور عبد الرزاق الطنطاوي القرموط.(9/419)
الأحباس في سنة ثلاث وخمسين عظم عليه ذلك لقلّة موجودة، وصار يبيع من أملاكه وكتبه، إلى أن توفي ليلة الثلاثاء رابع ذي الحجّة بالقاهرة، وصلّي عليه بالجامع الأزهر، ودفن بمدرسته التي بقرب داره، وكثر أسف الناس عليه، رحمه الله تعالى(9/420)
سنة ست وخمسين وثمانمائة
فيها توفي زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن ابن الشيخ تقي الدّين أبي الصّدق أبي بكر بن الشيخ نجم الدّين أبي سليمان داود بن عيسى الحنبلي الدمشقي الصّالحي الصّوفي القادري البسطامي [1] شيخ الطّريقة، وعلم الحقيقة، العالم الناسك.
ولد سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، وتفقه بجماعة، منهم برهان الدّين، وأكمل الدين ابنا شرف الدّين بن مفلح صاحب «الفروع» وتخرّج بجماعة، منهم والده. ونشأ على طريقة حسنة، ملازما للذكر وقراءة القرآن والأوراد التي رتّبها والده.
كان محبّبا إلى الناس، يتردد إليه النّواب، والقضاة، والفقهاء، من كل مذهب.
اشتغل في فنون كثيرة، وكتب بخطّه الحسن كثيرا، وألّف كتبا عديدة، منها «الكنز الأكبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وهو أجلّها، وكتاب «نزهة النّفوس والأفكار في خواص النبات والحيوان والأحجار» وكتاب «الدرّ المنتقى المرفوع في أوراد اليوم والليلة والأسبوع» و «المولد الشريف» .
وكان بشوشا يتعبّد بقضاء الحوائج، مسموع الكلمة في الدولة الأشرفية والظّاهرية، وتكلّم على مدرسة الشيخ أبي عمر، والبيمارستان القيمري، فحصل
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 62) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (124- 125) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 202) .(9/421)
له [1] به النّفع من عمارة جهاتهما، وعمل مصالحهما، ورغب الناس في نفع الفقراء بكل ممكن.
وتوفي ليلة الجمعة سلخ ربيع الآخر، ودفن بالتربة التي أنشأها قبلي زاويته المشرفة على الطريق يمين الداخل.
أخبرني أخي في الله الشيخ أحمد بن علي بن أبي سالم أنه سلّم عليه فردّ عليه السلام من قبره [2] ، رحمه الله تعالى.
وفيها القاضي أمين الدّين عبد الرحمن بن قاضي القضاة شمس الدّين محمد، وأخو شيخ الإسلام سعد الدّين بن عبد الله بن الدّيري العبسي المقدسي الحنفي [3] ، ناظر حرمي القدس والخليل.
ولد بالقدس في شعبان سنة سبع عشرة وثمانمائة، وحفظ القرآن العزيز، وبعض مختصرات في مذهبه، وتفقه بأخيه سعد الدّين، وغلب عليه الأدب، وقال الشعر الجيد، وكان له خفّة وزهو، ويتزيّا بزيّ الأمراء، وله كرم وإفضال على ذويه، وربما يتحمل من الديون جملا بسبب ذلك.
وتوفي على نظر القدس الشريف في أوائل ذي الحجّة.
وفيها علي [4] الدّين أبو الفتوح علي بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن علي القلقشندي الشافعي القرشي [5] .
ولد بالقاهرة في ذي الحجّة سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ونشأ بها، وحفظ
__________
[1] لفظة «له» لم ترد في «آ» .
[2] أقول: هذا من المبالغات والشطحات التي لا دليل عليها، فردّ السلام في القبر خاص بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم لحديث «ما من أحد يسلّم عليّ إلا ردّ الله عليّ روحي حتى أردّ عليه السلام» . رواه أبو داود رقم (2041) وإسناده حسن. (ع)
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 134) و «الدليل الشافي» (1/ 406) .
[4] في «ط» : «علاء» وهو خطأ
[5] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 161) و «نظم العقيان» ص (130) و «حسن المحاضرة» (1/ 443) و «النجوم الزاهرة» (16/ 12) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (166) و «الدليل الشافي» (1/ 450) .(9/422)
القرآن العظيم وعدة متون في مذهبه، وتفقّه بعلماء عصره، كالسّراج البلقيني، وولده جلال الدّين، والعز بن جماعة، وسراج الدّين ابن الملقّن، وغيرهم. وأخذ الحديث عن الزّين العراقي، والنّور الهيثمي، وسمع على جماعة منهم البرهان الشامي، والعلاء بن أبي [1] المجد، والجمال الحلاوي، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، والمعاني، والبيان، والقراآت، وشارك في عدة علوم، وتصدى للإفتاء، والتدريس، والأشغال، وانتفع به الطلبة. وتفقّه به جماعة من الأعيان. وولي تدريس الشافعي، وطلب إلى قضاء دمشق فامتنع، ورشح لقضاء القضاة بالديار المصرية غير مرة، وتصدّر للتدريس وسنّة دون العشرين، وولي عدة مدارس.
وتوفي أول يوم من هذه السنة.
وفيها القاضي كمال الدّين محمد بن محمد [2] بن محمد [2] بن عثمان بن محمد الجهني الأنصاري الحموي ثم القاهري الشافعي [3] أوحد الرؤساء، كاتب السرّ، بمصر.
كان إماما، عالما، ناظما، نائرا.
ولد بحماة في ذي الحجّة سنة ست وتسعين وسبعمائة، ونشأ بها تحت كنف والده، وحفظ القرآن العظيم، و «التمييز» في الفقه، وقرأه على الحافظ برهان الدّين الحلبي، المعروف بالقوف. ثم قدم الدّيار المصرية مع والده، فتفقه بالولي العراقي، والعزّ بن جماعة، وأخذ عنهما العقليات، وعن القاضي شمس الدّين البساطي المالكي، وغيرهم. وأخذ النحو عن الشيخ يحيى المغربي العجيسي، واجتهد في التحصيل، وساعده فرط ذكائه واستقامة ذهنه، حتى برع في المنطوق والمفهوم، وصارت له اليد الطولى في المنثور والمنظوم.
__________
[1] لفظة «أبي» سقطت من «آ» .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 236) و «نظم العقيان» ص (168) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (279- 280) و «النجوم الزاهرة» (16/ 13) و «الدليل الشافي» (2/ 677) .(9/423)
ومن شعره ما كتب [1] به على سيرة ابن ناهض تهكّما بعد كتابة والده:
مرّت على فهمي وحلو لفظها ... مكرّر فما عسى أن أصنعا
ووالدي دام بقا سؤدده ... لم يبق فيها للكمال موضعا
وولي قضاء قضاة دمشق، وحج.
قال في «المنهل» : وكان أعظم من رأينا في هذا العصر.
وتوفي بالقاهرة يوم الأحد سادس عشري صفر.
وفيها يوسف بن الصّفّي الكركيّ ثم القاهري [2] .
كان فاضلا أديبا.
ومن شعره [3] :
كلّ يوم إلى ورا ... بدّل البول بالخرا
فزمانا تهوّدا ... وزمانا تنصّرا
وستصبو إلى المجو ... س إن الشّيخ عمّرا
توفي في رجب عن نحو تسعين سنة.
__________
[1] في «ط» : «ما كتبه» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 318) و «النجوم الزاهرة» (16/ 21) و «الدليل الشافي» (2/ 802) .
[3] تنبيه: هكذا عزا المؤلف الأبيات لصاحب الترجمة وهو وهم منه، والصواب كما قال السخاوي نقلا عن المقريزي بأنها لأبي القاسم خلف بن فرج الألبيري المعروف بالسمير. وانظر التفاصيل في ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 318) .(9/424)
سنة سبع وخمسين وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي بن أبي بكر النّاشري [1] الإمام العالم [2] .
توفي في حياة أبيه عن بضع وأربعين سنة.
وفيها الملك الظّاهر أبو سعيد جقمق بن عبد الله العلائي الظّاهري [3] ، سلطان الديار المصرية، والبلاد الشامية، والأقطار الحجازية، الرابع والثلاثون من ملوك التّرك، والعاشر من الجراكسة. جلب من بلاد الجركس إلى الدّيار المصرية.
آل أمره بعد تنقلات وتقلبات إلى أن ولي السلطنة، وتوطدت له الدولة خصوصا بعد أن قتل نائب حلب ونائب الشام [4] لما خرجا عن طاعته، وصفا له الوقت، وغزا في أيامه رودس ولم يفتحها، وعمّر في أيامه أشياء كثيرة من مساجد، وجوامع، وقناطر، وجسور، وغير ذلك مما فعله هو وأرباب دولته، وعمّر عين حنين، وأصلح مجاريها، وعمّر مسجد الخيف بمنى، وجدّد في الحرم الشريف مواضع، ورمّم [5] الكعبة، وصرف مالا عظيما في جهات الخير، وله مآثر حميدة.
وكان مغرما بحب الأيتام والإحسان إليهم وإلى غيرهم، متواضعا، محبّا للعلماء،
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 146) .
[2] قال السخاوي: درّس وأفتى، واشتغل أولا بالقراءات السبع، له يد طولى في الجبر والمقابلة.
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 71) و «حوادث الدهور» (2/ 460- 463) و «النجوم الزاهرة» (15/ 256 و 449- 454) و «الدليل الشافي» (1/ 246) و «نظم العقيان» ص (103) .
[4] في «آ» : «ونائب دمشق» .
[5] في «ط» : «ورم» .(9/425)
والفقهاء، والأشراف، والصالحين، يقوم لمن يدخل عليه منهم، جوادا، برّا، طاهر الفم والذيل، فقيها، فاضلا، شجاعا، عارفا بأنواع الفروسية، لم يزن، ولم يلط، ولم يسكر، عفيفا عن المنكرات والفروج، لا نعلم أحدا من ملوك مصر في الدولة الأيوبية والتّركية على طريقته من العفّة والعبادة، مرض في أواخر ذي الحجة سنة ست وخمسين، وطال به المرض إلى أن خلع نفسه من السلطنة في يوم الخميس الحادي والعشرين من محرّم هذه السنة، وسلطن ولده الملك المنصور عثمان.
ثم توفي ليلة الثلاثاء ثالث صفر بعد خلعه باثني عشر يوما عن نيف وثمانين سنة، وكانت مدة سلطنته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر، ثم خلع ولده المنصور بعد أربعين يوما من ولايته وحبس بالإسكندرية.
وتولى السلطنة الملك الأشرف إينال.
قلت: وجقمق هذا غير جقمق [1] باني الجقمقية بقرب دمشق، فإن ذاك كان أمير دوادارا ثم ناب في دمشق، وتقدم ذكره في سنة أربع وعشرين وثمانمائة.
وفيها أبو القاسم محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن جعمان الصّوفي [2] ، وبنو جعمان [3] بيت علم وصلاح قل أن يوجد لهم نظير في اليمن.
قال المناوي في «طبقات الأولياء» في حقّ صاحب الترجمة: كان إماما، عالما، عارفا، محقّقا، عابدا، زاهدا، مجتهدا. أخذ عن النّاشري وغيره، وانتهت إليه الرئاسة في العلم والصّلاح في اليمن، وله كرامات، منها أنه كان يخاطبه الفقيه أحمد بن موسى عجيل من قبره، وإذا قصده أحد في حاجة توجه إلى قبره فيقرأ عنده ما تيسر من القرآن ثم يعلمه فيجيبه [4] . انتهى.
__________
[1] لفظة «جقمق» سقطت من «ط» .
[2] لم أعثر على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع المطبوعة، و «طبقات الأولياء» للمناوي مخطوط يوجد القسم الأول منه فقط في الظاهرية وهو في الطبقات المبكرة من الأولياء فقط.
[3] قال الامام الشوكاني في «ملحق البدر الطالع» ص (7) في حديث عن العلّامة الشيخ إبراهيم بن عبد الله بن جعمان اليمني الزّبيدي ما نصه: «جعمان: بفتح الجيم، وسكون العين المهملة» .
[4] قلت: هذا وأمثاله من الشطحات التي تبدو آفتها للجاهل قبل العالم من الناس، فهل حصل هذا(9/426)
وفيها أبو القاسم محمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد النّويري القاهري المالكي [1] .
اشتغل على علماء عصره، ومهر، وبرع، ونظم ونثر، وكان علّامة.
وتوفي بمكة في جمادى الأولى.
وفيها أكمل الدّين أبو عبد الله محمد بن الشيخ شرف الدّين عبد الله [2] بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرّج [3] الشيخ الإمام العلّامة المفتي الحنبلي.
اشتغل بعد فتنة تمرلنك، ولازم والده، ومهر على يديه، وكان له فهم صحيح، وذهن مستقيم، وسمع من والده، والشيخ تاج الدّين بن بردس، وأفتى في حياة والده وبعد وفاته، وناب في الحكم عن القاضي محب الدّين بن نصر الله بالقاهرة، وعيّن لقضاء دمشق فلم ينبرم ذلك، وكان له سلطنة على الأتراك، ووعظ، ووقع له مناظرات مع جماعة من العلماء والأكابر، وحصل له في سنة ثلاث وأربعين داء الفالج، وقاسى منه أهوالا، ثم عوفي منه، ولكن لم يتخلص منه [4] بالكلية.
وتوفي بدمشق ليلة السبت سادس عشر شوال، ودفن بالروضة على والده إلى جانب جدّه صاحب «الفروع» رحمهم الله تعالى.
وفيها قاضي القضاة بدر الدّين أبو المحاسن محمد بن ناصر الدّين للصحابة الكرام وللتابعين وأتباعهم وهم خير خلق الله عزّ وجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى يحصل لمتأخر عنهم بستة قرون، نسأل الله تعالى أن يلهمنا الصواب في القول والعمل والاعتقاد، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه إنه خير مسؤول. وانظر التعليق الذي كتبه والدي حفظه على الصفحة (422) .
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 246) و «نيل الابتهاج» ص (311) .
[2] في «آ» و «ط» : «أبو عبد الله محمد بن الشيخ شرف الدّين أبي عبد الله بن محمد» وما أثبته من مصادر الترجمة.
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 112) و «المنهج الأحمد» الورقة (495) و «السحب الوابلة» ص (408) .
[4] لفظة «منه» سقطت من «ط» .(9/427)
محمد بن شرف الدّين عبد المنعم بن سليمان بن داود [1] البغدادي الأصل ثم المصري [2] الحنبلي الإمام العالم.
ولد بالقاهرة سنة إحدى وثمانمائة، ونشأ بها، واشتغل بالعلم، وناب في القضاء بالديار المصرية، واشتغل، ودرّس، وناظر وأفتى، ثم استقلّ بقضاء القضاة يوم الاثنين عشري جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وثمانمائة، فباشر على أحسن وجه، وكان عفيفا في ولايته، لا يقبل رشوى ولا هدية، وبهذا ظهر أمره واشتهر اسمه في الآفاق. وكان مقصدا، وانتهت إليه في آخر عمره رئاسة المذهب، بل رئاسة عصره. وكان معظّما عند الملك الظّاهر جقمق، مسموع الكلمة عند أركان الدولة، وكانت له معرفة تامة بأمور الدنيا، ويقوم مع غير أهل مذهبه، ويحسن إليهم، ويرتّب لهم الأموال، ويأخذ لهم الجوائز، ويعتني بشأنهم، خصوصا أهل الحرمين الشريفين. وكان عنده كرم ويميل إلى محبّة الفقراء، وفتح عليه بسبب ذلك.
قال البرهان بن مفلح: ولقد شاهدته- وهو في أبهته وناموسه- بمسجد الخيف يقبّل يد شخص من الفقراء ويمرها على وجهه.
توفي يوم الخميس ثامن شهر جمادى الأولى.
وكان ولده شرف الدّين محمد [3] توفي قبله. وكان ديّنا، عفيفا، فاضلا، له معرفة بالأمور كأبيه، وباشر نيابة الحكم عن والده، وانقطع نسله، ودفن خارج باب النصر في تربة جدّ والده الشيخ عبد المنعم، ووجد عليه والده والناس.
__________
[1] في «الضوء اللامع» و «السحب الوابلة» : «ابن داود بن سليمان» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 131) و «المنهج الأحمد» الورقة (495) و «السحب الوابلة» ص (438) و «المقصد الأرشد» (2/ 514- 516) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 235) .(9/428)
سنة ثمان وخمسين وثمانمائة
فيها تقريبا توفي الشيخ عفيف الدّين أبو المعالي علي بن عبد المحسن بن الدّواليبي البغدادي ثم الشّامي الحنبلي [1] الخطيب شيخ مدرسة أبي عمر.
ولد ببغداد في حادي عشري المحرم سنة تسع وسبعين وسبعمائة، وسمع بها من شمس الدّين الكرماني «صحيح البخاري» في سنة خمس وثمانمائة، وقدم دمشق فاستوطنها، وولي خطابة الجامع المظفّري، ومشيخة مدرسة الشيخ أبي عمر.
وكان إماما عالما، ذا سند عال في الحديث.
وتوفي بصالحية دمشق ودفن بالسّفح.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 255) و «السحب الوابلة» ص (301) .(9/429)
سنة تسع وخمسين وثمانمائة
فيها وقع سيل عظيم بمكّة، ودخل الحرم حتّى قارب الحجر الأسود.
وفيها توفي أمير مكة الزّين أبو زهير بركات بن البدر أبي المعالي حسن بن عجلان بن رميثة [1] ولم يكمل ستين سنة.
وفيها صاحب حصن كيفا حسن بن عثمان بن العادل الأيوبي [2] .
وفيها عزّ الدّين عبد السلام بن أحمد بن عبد المنعم بن محمد بن أحمد القيلوي [3]- بالقاف، ثم تحتانية ساكنة، ثم لام مفتوحة، وبعد الواو ياء النسب، نسبة إلى قرية بأرض بغداد يقال لها قيلويه مثل نفطويه- نزيل القاهرة الحنفي الإمام العلّامة.
قال البرهان البقاعي في «عنوان الزمان» : ولد سنة ثمانين وسبعمائة تقريبا بالجانب الشرقي من بغداد، وقرأ به القرآن برواية عاصم، وحفظ كتبا في الفقه، والأصول، والنحو، والمعاني، وغير ذلك. فأكثر من المحفوظات جدا، ثم سمع «البخاري» على الشيخ محمد بن الجاردي، وأخذ عنه فقه الحنابلة، وعن الشيخ عبد الله بن عزيز- بالزايين والتثقيل والمصغر- وعن الشيخ محمود المعروف بكريكر- بالتصغير-، وغيرهم. وبحث في فقه الشافعية أيضا. ثم تحنّف، وأخذ الأصول عن الشيخ أحمد الدواليبي، والنحو عن الشيخ أحمد بن المقداد وغيره، والطب
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 13) و «النجوم الزاهرة» (16/ 178) و «الدليل الشافي» (1/ 188) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 103) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 198) و «الدليل الشافي» (1/ 412) .(9/430)
عن الموفق الهمذاني، والفرائض عن الشيخ عبد القادر الواسطي، وانتفع به في غير ذلك، ثم ارتحل إلى العجم لما نجّاه [1] الله تعالى من فتنة تمرلنك العظمى، فلازم ضياء الدّين الهروي الحنفي، وأخذ عنه فقه الحنفية بعد أن حفظ «مجمع البحرين» [2] وقرأ على غيره، وقرأ في عدة علوم على من لا يحصى، ثم ارتحل إلى أرزنجان [3] من بلاد الرّوم، فأخذ التصوف عن الشيخ يار علي السيواسي، ثم دخل بلاد الشام، وحلب، وبيت المقدس، فاجتمع بالقدوة العلّامة شهاب الدّين بن الهايم، ثم رحل إلى القاهرة، فأخذ الحديث عن الولي العراقي، والجمال الحنبلي الجندي، والشّمس الشّامي، وهذه الطبقة فأكثر جدا، ودرّس في القاهرة بعدة أماكن، ولازمه الناس، وانتفعوا به جدا، وهو رجل خيّر، زاهد مؤثر للانقطاع عن الناس والعفّة والتقنّع بزراعات يزرعها، ولم يحصل له إنصاف من رؤساء الزّمان في أمر الدنيا، وعنده رياضة زائدة، وصبر على إشغال الناس له [4] واحتمال جفاهم، ولم يعتن بالتصنيف.
ومن شعره:
شرابك المختوم في آنيه ... وخمر أعدائك في آنيه
فليت أيّامك لي آنيه ... قبل انقضاء العمر في آنيه
انتهى ملخصا. أي وتوفي في رمضان بالقاهرة وقد تجاوز الثمانين.
__________
[1] في «آ» : «أنجاه» .
[2] يعني «مجمع البحرين وملتقى النهرين» وهو في فروع الحنفية، لمصنّفه الامام مظفر الدّين أحمد بن علي بن تغلب المعروف بابن الساعاتي، المتوفى سنة (694) . انظر «كشف الظنون» (2/ 1599- 1600) و «تاج التراجم» ص (16) .
[3] قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 150) : أرزنجان: بالفتح، ثم السكون، وفتح الزاي، وسكون النون، وجيم وألف ونون، وأهلها يقولون: أرزنكان، بالكاف: وهي بلدة طيبة مشهورة نزهة كثيرة الخيرات والأهل، من بلاد إرمينية بين بلاد الروم وخلاط، قريبة من أرزن الروم، وغالب أهلها أرمن، وفيها مسلمون وهم أعيان أهلها، وشرب الخمر والفسق بها ظاهر وشائع، ولا أعرف أحدا نسب إليها.
قلت: وقد تحرف اسمها في «آ» إلى «أذربيجان» .
[4] لفظة «له» سقطت من «آ» .(9/431)
وفيها معين الدّين عبد اللطيف بن أبي بكر بن سليمان القاضي بن القاضي الحلبي الأصل المصري المولد والمنشأ [1] الشافعي.
قال في «المنهل الصّافي» : ولد بالقاهرة سنة اثنتي عشرة وثمانمائة تخمينا، ونشأ بها تحت كنف والده، وحفظ القرآن العزيز، وصلّى بالناس في سنة أربع وعشرين، وحفظ عدة مختصرات، وتفقه على الشّرف السّبكي. وقرأ المعقول على التّقي الشّمنّي، وعلى الشّمس الرّومي، وكتب الخط المنسوب، وتدرّب بوالده وغيره، وكتب في التوقيع بديوان الإنشاء بالديار المصرية. ثم ولي كتابة سرّ حلب بعد عزل والده في آخر الدولة الأشرفية، فباشرها على أحسن وجه، وحظي عند نائبها ثم عزل، وعاد إلى توقيع دست القاهرة، واستمرّ على ذلك إلى أن توفي والده سنة أربع وأربعين وثمانمائة، فاستقرّ مكانه في كتابة السرّ بمصر.
وفيها شمس الدّين محمد بن حسن بن علي بن عثمان النّواجي [2] الشافعي المصري [3] الإمام العلّامة الأديب.
قال في «عنوان الزمان» : ولد بالقاهرة بعد سنة خمس وثمانين وسبعمائة تقريبا، وقرأ بها القرآن، وتلا بعض السبع على الشيخ أمير حاج، والشّمس الزراتيتي [4] ، وعلى شيخنا الشّمس الجزري، وحفظ «العمدة» و «التنبيه» و «الشاطبية» و «الألفية» وعرض بعضها على الشيخ زين الدّين العراقي، وذكر أنه أجاز له [هو] وغيره، ثم أقبل على التفهم، فأخذ الفقه عن الشمس البرماوي، والبرهان البيجوري، وغيرهما. والنحو وغيره من المعقول عن الشيخ عزّ الدّين بن جماعة، والشّمس البساطي، والشمس بن هشام العجيمي، وحجّ مرتين، ودخل دمياط، وإسكندرية، وتردّد إلى المحلّة، وأمعن النّظر في علوم الأدب، وأنعم حتى
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 325) و «النجوم الزاهرة» (16/ 206) ووفاته فيهما سنة (863) .
[2] قال السخاوي: النواجي: نسبة لنواج بالغربية بالقرب من المحلّة. وانظر «التحفة السنّية» ص (99) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 229- 232) و «الدليل الشافي» (2/ 615) .
[4] تصفحت في «ط» إلى «الزراتيني» .(9/432)
فاق أهل العصر، فما رام بديع معنى إلّا أطاعه، وأنعم وأطال الاعتناء بالأدب، فحوى فيه قصب السّبق إلى أعلى الرّتب.
ومن مصنّفاته «حاشية على التوضيح» في مجلدة، وبعض حاشية على «الجاربردي» وكتاب «تأهيل الغريب» يشتمل على قصائد مطوّلات كلّها غزل، و «الشّفا في بديع الاكتفاء» و «خلع العذار في وصف العذار» و «صحائف الحسنات» و «روضة المجالسة [1] [2] في بديع المجانسة [2] » و «مراتع الغزلان في وصف الحسان من الغلمان» و «حلبة [3] الكميت في وصف الخمر» . وكان سمّاه أولا «الحبور والسّرور في وصف الخمور» فحصلت له بسببه محنة عظيمة واستفتى عليه فغيّر تسميته.
ومن شعره ما ذكره في «الشّفا» :
بعد صباح الوجه عيشي مضى ... فيا رعى الله زمان الصّباح
وبتّ أرعى النّجم لكنّني ... أهفو إذا هبّ نسيم الصّباح
ومنه:
عسى شربة من ماء ريقك تنطفي [4] ... بها كبدي الحرّي وتبرى من الظّما
فحتّام لا أحظى بها وإلى متى ... أقضي زماني في عسى ولعلّ ما
ومنه:
لقد تزايد همّي مذ نأى فرج ... عنّي وصدري أضحى ضيّقا حرجا
ورحت أشكو الأسى والحال ينشدني ... يا مشتكي الهمّ دعه وانتظر فرجا
ثم ذكر له أشياء حسنة وأخرى بضدها، وأظهر تحاملا عليه، فلذلك لم أذكر شيئا من ذلك، فرحمهما الله تعالى.
__________
[1] في «آ» : «روضة المجانسة» وفي «ط» : «وروضة المجالس» والتصحيح من «كشف الظنون» (1/ 932) و «الضوء اللامع» (7/ 230) .
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] في «ط» : «حلية» وهو تصحيف، وانظر «كشف الظنون» (1/ 687) و «الضوء اللامع» (7/ 230) .
[4] في «آ» : «ينطفي» .(9/433)
سنة ستين وثمانمائة
فيها توفي المولى سيد علي العجمي [1] الحنفي.
قال في «الشقائق» : حصّل العلوم في بلاده، ويقال: إنه قرأ على السيد الشريف، ثم أتى بلاد الرّوم، فأتى بلدة قسطموني وواليها إذ ذاك إسماعيل بك، فأكرمه غاية الإكرام، ثم أتى إلى مدينة أدرنة، فأعطاه السلطان مراد خان مدرسة جدّه السلطان بايزيد خان بمدينة بروسا، وعاش إلى زمن السلطان محمد [خان] ، واجتمع عنده مع علماء زمانه، وباحث [2] معهم، وظهر فضله بينهم، وله من التصانيف «حواش على حاشية شرح الشمسية» للسيد الشريف، و «حواش على حاشية شرح المطالع» للسيد الشريف أيضا و «حواش على شرح المواقف» للسيد الشريف.
وكان له خط حسن [3] . انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن نصير الدمشقي ثم القاهري [4] .
كان ممن تعانى الأدب، ومهر في عمل المواليا وغيره، وصار قيّما.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (62) وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه.
[2] كذا في «آ» و «الشقائق النعمانية» : «وباحث» وفي «ط» : «وبحث» .
[3] زاد صاحب «الشقائق» ما نصه: «يحكي والدي أنه رأى بخطه «الكشّاف» وكان ذلك الكتاب من أغلى نسخ «الكشاف» لحسن خطه وصحته» .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 211) .(9/434)
وفيها منصور بن الحسين بن علي الكازروني الشّافعي [1] الإمام العلّامة.
كان إماما، عالما، مصنّفا، مفيدا، صحيح العقيدة، صنّف «حجة السّفرة البررة على المبتدعة الفجرة الكفرة» .
وتوفي بمكة المشرّفة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 170) .(9/435)
سنة إحدى وستين وثمانمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن محمد بن محمد بن سليمان بن علي البعلي [1] الشافعي، المعروف بابن المراحلي [2] .
كان إماما فاضلا نبيلا.
توفي في ذي الحجّة عن أربع وثمانين سنة.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد الغني السوسي [3] الحنفي العارف بالله تعالى المسلك العالم العامل القطب الغوث.
قال المناوي في «طبقاته» : كان من أفراد الصّلحاء المسلّكين بالقاهرة. عالي الرّتبة جدا، حتى يقال: إن الشيخ محمد الحنفي إنما نال ما وصل إليه بلحظه.
وكان تفقّه على ذوي المذاهب الأربعة. وله كرامات ومكاشفات، منها أن الكمال بن الهمام لما دخل مكّة سأل العارف عبد الكريم الحضرمي أن يريه القطب فوعده لوقت معين، ثم دخل معه فيه إلى المطاف، وقال له: ارفع رأسك، فرفع،
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 159) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 67) من المنسوخ.
[2] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة الورقة (272/ ب) من نسخة شستربتي، والصفحة (1250) من نسخة الشيخ الرئيس تاج الدّين الحسني: «المعروف بابن المراحلي» وفي «الضوء اللامع» و «الذيل التام» : «المعروف بابن المرحّل» .
[3] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» : «المنتخب» لابن شقدة (272/ ب) : «السّوسي» والصواب «السّرسي» كما في مصادر الترجمة. والسّرسي: نسبة إلى «سرس» من أعمال المنوفية. انظر «التحفة السّنية» ص (105) .(9/436)
فوجد شيخا على كرسي بين السماء والأرض، فتأمله فإذا هو صاحب الترجمة، فاندهش [1] ، وصار يقول من دهشته بأعلى صوته: هذا صاحبنا، ولم نعرف مقامه، فاختفى عنه، ولما رجع الكمال إلى مصر بادر للسلام عليه، وقبّل قدميه، فقال:
أكتم ما رأيته [2] .
وتوفي بالقاهرة عن نحو ثمانين سنة ودفن بالقرافة.
وفيها القاضي قاسم بن القاضي جلال الدّين أبي [الفضل عبد الرحمن بن] عمر البلقيني [3] الشافعي [4] الإمام العالم.
توفي في شوال عن خمس وستين سنة. قاله في «ذيل الدول» .
وفيها كمال الدّين محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السيواسي ثم الإسكندري، المعروف بابن الهمام الحنفي [5] الإمام العلّامة.
قال في «بغية الوعاة» : ولد سنة تسعين وسبعمائة، وتفقه بالسّراج قارئ الهداية، ولازمه في الأصول وغيرها، وانتفع به وبالقاضي محبّ الدّين بن الشّحنة لما دخل القاهرة سنة ثلاث عشرة، ولازمه، ورجع معه إلى حلب، وأقام عنده إلى أن مات، وأخذ العربية عن الجمال الحميديّ والأصول. وغيره عن البساطي [6] ،
__________
[1] في «ط» : «فدهش» .
[2] أقول: وهذا أيضا من الشطحات. (ع) .
[3] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «التلفيتي» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[4] ترجمته في «الدليل الشافي» (2/ 527) و «النجوم الزاهرة» (16/ 188) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (197) و «الضوء اللامع» (6/ 181) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 68) من المنسوخ وما بين الحاصرتين مستدرك منها.
[5] ترجمته في «الدليل الشافي» (2/ 650) و «النجوم الزاهرة» (16/ 187) وقد تحرفت نسبته فيه إلى «السيرامي» و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (240- 241) و «الضوء اللامع» (8/ 127) و «الذليل التام» (2/ 69) من المنسوخ، و «بغية الوعاة» (1/ 166) وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه.
[6] تحرفت ترجمته في «بغية الوعاة» إلى «السّنباطي» فلتصحح، والبساطي نسبة إلى «بساط» من قرى الغربية بالأعمال البحرية من أعمال مصر. كما في «الضوء اللامع» (7/ 5) وهو محمد بن أحمد بن عثمان بن نعيم البساطي، وقد تقدمت ترجمته في وفيات سنة (842) من هذا المجلد ص (356) .(9/437)
والحديث عن أبي زرعة ابن العراقي، والتّصوف [1] عن الخوافي [1] ، والقراآت عن الزّراتيتي، وسمع الحديث عن الجمال الحنبلي، والشمس الشامي، وأجاز له المراغي، وابن ظهيرة [1] ورقية المدنية [1] ، وتقدم على أقرانه، وبرع في العلوم، وتصدى لنشر العلم فانتفع به خلق، وكان علّامة في الفقه، والأصول، والنحو، والتصريف، والمعاني، والبيان، والتصوف، والموسيقي وغيرها، ومحقّقا، جدليا، نظّارا.
وكان يقول: [1] أنا [1] لا أقلّد في المعقولات أحدا.
وقال البرهان الأبناسي من أقرانه: طلبت حجج الدّين ما كان في بلدنا من يقوم بها غيره.
وكان للشيخ نصيب وافر ممّا لأرباب الأحوال من الكشف والكرامات، وكان تجرّد أولا بالكلّية، فقال له أهل الطريق: ارجع فإنّ للناس حاجة بعلمك.
وكان يأتيه الوارد كما يأتي الصّوفيّة لكنه [2] يقلع عنه بسرعة لأجل مخالطته للناس [3] .
أخبرني بعض الصّوفية من أصحابه أنه كان عنده في بيته الذي بمصر، فأتاه الوارد، فقام مسرعا [4] .
قال الحاكي: وأخذ بيدي يجرّني، وهو يعدو في مشيه [5] ، وأنا أجري معه إلى أن وقف عليّ المراكب، فقال: ما لكم واقفين ها هنا؟ فقالوا: أوقفتنا [6] الرّيح. وما هو باختيارنا، فقال: هو الذي يسيّركم، وهو الذي يوقفكم. قالوا: نعم.
قال الحاكي: وأقلع عنه الوارد، فقال [لي] : لعلي شققت عليك؟ قال:
__________
[1، 1] ما بين الرقمين مستدرك من «بغية الوعاة» .
[2] في «بغية الوعاة» : «إلا أنه» .
[3] في «آ» و «ط» : «بالناس» وما أثبته من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف.
[4] أقول: وهذا أيضا من الشطحات. (ع) .
[5] في «بغية الوعاة» : «في مشيته» .
[6] في «آ» و «ط» : «أوقفنا» وما أثبته من «بغية الوعاة» .(9/438)
فقلت: أي والله، وانقطع قلبي من الجري. فقال: لا تأخذ عليّ فإني لم أشعر بشيء مما فعلته.
وكان الشيخ يلازم لبس الطّيلسان كما هو السّنّة، ويرخيه كثيرا على وجهه وقت حضور الشيخونية. وكان يخفّف الحضور جدا ويخفّف صلاته، كما هو شأن الأبدال، فقد نقلوا أن صلاة الأبدال خفيفة.
وكان الشيخ أفتى برهة من عمره، ثم ترك الإفتاء جملة.
وولي من الوظائف تدريس الفقه بالمنصورية وبقبّة الصالح، وبالأشرفية، [التي بقرب المشهد النّفيسي، ثم نزل عنها لشيخنا الشيخ سيف الدّين الحنفي تلميذه، لما قرّره الأشرف برسباي شيخنا في مدرسته عوضا عن العلاء الرّومي، ثم رغب عنها، واستقرّ بعد ذلك في مشيخة] الشيخونية [1] ، فباشرها مدة أحسن مباشرة، غير ملتفت إلى أحمد من الأكابر وأرباب الدولة، ثم رغب عنها لمّا جاور بالحرمين، واستقرّ بعده شيخنا العلّامة محيي الدّين الكافيجي.
وكان حسن اللّقاء، والسّمت، والبشر، والبزّة، طيّب النّغمة، مع الوقار والهيبة والتواضع المفرط، [والإنصاف] والمحاسن الجمّة. وكان أحد الأوصياء عليّ.
وله تصانيف، منها «شرح الهداية» سمّاه «فتح القدير للعاجز الفقير» وصل فيه إلى أثناء الوكالة، و «التحرير في أصول الفقه» و «المسايرة» [2] في أصول الدّين، و «كرّاسة في إعراب سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» . وله «مختصر» في الفقه سمّاه «زاد الفقير» . وله نظم نازل.
مات يوم الجمعة سابع رمضان. انتهى.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وبالأشرفية والشيخونية» .
[2] تحرفت في «بغية الوعاة» إلى «والمسامرة» فلتصحح.(9/439)
سنة اثنتين وستين وثمانمائة
فيها وقع في بولاق حريق لم يسمع بمثله.
وفيها توفي إبراهيم الزيّات المجذوب [1] .
قال المناوي في «طبقاته» : كان معتقدا عند الخاصة والعامة، يزوره الأكابر والأصاغر. وله خوارق وكرامات كثيرة، وقصد للزيارة من الآفاق. وكان غالب أكله اللّوز.
مات في ذي القعدة بموضع مقامه بقنطرة قديدار. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن حسين القاهري السّيفي يشبك الحنفي الصّوفي، ويعرف بابن مبارك شاه [2] .
قال في «ذيل الدول» : [3] كان إماما علامة [3] . انتهى.
وفيها- أو في التي قبلها، وبه جزم العليمي [4] في «طبقاته» - تقي الدّين
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 184) .
[2] ترجمته في «بدائع الزهور» (2/ 345) و «الضوء اللامع» (2/ 65) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 73) من المنسوخ و «نظم العقيان» ص (54- 57) .
[3، 3] ما بين الرقمين لم يرد في الأصل المعتمد في تحقيق ومراجعة «الذيل التام على دول الإسلام» لذا لزم التنبيه.
[4] في «آ» و «ط» : «العلموي» وهو سبق قلم من المؤلف والصواب ما أثبته فإنه ينقل عن «المنهج الأحمد» للعليمي الورقة (496) .(9/440)
أبو الصّدق أبو بكر بن إبراهيم بن يوسف بن قندس البعلي [1] الحنبلي الإمام العلّامة ذو الفنون.
ولد على ما كتبه بخطه قرب [2] سنة تسع وثمانمائة، وسمع على التاج بن بردس وغيره، وتفقّه في المذهب، وحفظ «المقنع» وعني بعلم الحديث كثيرا.
وقرأ الأصول على ابن العصياتي بحمص، وأذن له بالإفتاء والتدريس جماعة، منهم الشيخ شرف الدّين بن مفلح، ثم قرأ المعاني والبيان على الشيخ يوسف الرّومي، والنحو على ابن أبي الجوف، وكان مفنّنا في العلوم، ذا ذهن ثاقب، ثم بعد وفاة شيخه ابن مفلح طلبه الشيخ عبد الرحمن بن داود وأجلسه في مدرسة شيخ الإسلام أبي عمر، فتصدى لإقراء الطلبة ونفعهم، ثم ولي نيابة الحكم عن العزّ البغدادي مدة، ثم ترك ذلك، وأقبل على الاشتغال في العلم وكسب يده، وأخذ عنه العلم جماعة وانتفعوا به، منهم شيخ المذهب علاء الدّين المرداوي، والشيخ تقي الدّين الجراعي، وغيرهما من الأعلام. وكان من عباد الله الصّالحين، وله «حاشية على الفروع» و «حاشية على المحرّر» .
وتوفي يوم عاشوراء ودفن بالروضة قريبا من الشيخ موفق الدّين.
وفيها تقريبا داود بن محمد بن إبراهيم بن شدّاد بن المبارك النّجدي الأصل الرّبيعي النسب الحموي المولد الحنبلي، المعروف بالبلاعي [3]- نسبة إلى بلدة تسمّى البلاعة- الفقيه الفرضي.
أخذ العلم عن قاضي القضاة علاء الدّين بن المغلي. وكان له يد طولى في الفرائض والحساب. ومن تلامذته الأعيان من قضاة طرابلس وغيرها.
وتوفي بحماة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (11/ 14) و «المنهج الأحمد» الورقة (496) و «القلائد الجوهرية» (2/ 397) و «السحب الوابلة» ص (124) .
[2] في «المنهج الأحمد» : «قريب» .
[3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (497- 498) و «السحب الوابلة» ص (166) وقد تأخرت ترجمته في «آ» إلى ما بعد ترجمة القاضي نور الدّين التالية.(9/441)
وفيها القاضي نور الدّين علي بن محمد بن أقبرس الشافعي [1] الإمام العلّامة.
قال في «العنوان» : ولد سنة إحدى وثمانمائة بالقاهرة، وأخبرني أنه تلا بالسبع على الشّمس الزراتيتي [2] ، والشيخ أمير حاج، وأنه أخذ الفقه عن الشيخ شمس الدّين الأبو صيري، والشيخ عزّ الدّين بن جماعة، والشمس البرماوي.
والمنطق [3] . وكان رفيقه الكمال بن الهمام عن الجلال الهندي، وأثنى على علمه به، ولازم الشمس البساطي فانتفع به في النحو، والتصريف، والمعاني، والبيان، والأصلين، والمنطق، وغير ذلك. وعنده فضيلة، وكلامه أكثر من فضيلته، وعنده جرأة وطلاقة لسان وقدرة على الدخول في الناس، وعلى صحبة الأتراك. صحب جقمق العلائي، ولازمه حتّى عرف به، فلما ولي السلطنة حصل له منه حظ وولّاه وظائف، منها نظر الأوقاف، ووسّع في دنياه جدا. وناب في القضاء للشمس الهروي وغيره، وله نظم وسط ربما وقع فيه الجيد، وكذا نثره، وسمع شيخنا ابن حجر وغيره، وحجّ، وجاور، وسافر إلى دمشق، وزار القدس، ودخل ثغر إسكندرية ودمياط.
ومن نظمه:
يا ربّ ما لي غير رحمتك التي ... أرجو النّجاة بها من التّشديد
مولاي لا علمي ولا عملي إذا ... حوسبت ما عندي سوى التّوحيد
انتهى ملخصا.
وتوفي بالقاهرة في صفر وقد جاوز الستين.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 292) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 72) من المنسوخ و «الدليل الشافي» (1/ 480) و «النجوم الزاهرة» (16/ 190) .
[2] تصحفت في «ط» : إلى «الزراتيني» .
[3] كأن لفظة «والمنطق» هنا قد أثبتها المؤلف رحمه الله أثناء النقل عن «الضوء اللامع» من مكانها الصحيح بعد سطرين، والله أعلم.(9/442)
وفيها نور الدّين أبو الحسن علي بن محمد المتبولي، الشهير بابن الرزّاز الحنبلي [1] الإمام العلّامة.
كان من أعيان فقهاء الدّيار المصرية وقضاتها، باشر نيابة القضاء عن ابن المغلي ومن بعده، وكان يكتب على الفتوى عبارة حسنة.
وتوفي بالقاهرة في حادي عشر ربيع الأول ودفن بتربة الشيخ نصر المنبجي.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن زهر [2] الحنبلي الحمصي [3] .
كان من أهل الفضل. قرأ «المقنع» على والده، وروى الحديث بسند عال، روى عن الشيخ شمس الدّين بن اليّونانية عن الحجّار. وكان ملازما للعبادة والخشوع والصّلاح.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 15) و «المنهج الأحمد» الورقة (497) من المخطوط و «السحب الوابلة» ص (310) .
[2] في «الضوء اللامع» و «السحب الوابلة» : «ابن زهرة» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 129) و «السحب الوابلة» ص (211) و «المنهج الأحمد» الورقة (498) .(9/443)
سنة ثلاث وستين وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن صالح بن عثمان الأشليمي [1] ثم الحسيني القاهري الشافعي [2] الإمام العلّامة [3] .
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن المجد المخزومي الحنبلي النابلسي [4] الإمام العالم.
توفي بنابلس.
وتوفي فيها أيضا في هذه السنة زين الدّين عبد المغيث ابن الأمير ناصر الدّين محمد بن عبد المغيث الحنبلي [5] .
وفيها برهان الدين أبو الخير إبراهيم بن أحمد بن عبد الكافي الطّباطبي [6] المقرئ الصّوفي الشافعي السّيّد الشريف.
__________
[1] في «آ» و «ط» ومعظم المصادر «الأسليمي» بالسين المهملة وهو خطأ، والصواب ما أثبته نقلا عن «نظم العقيان» و «الأشليمي» نسبة إلى «أشليم» من أعمال الغريبة بمصر. انظر «التحفة السّنية» ص (64) وتعليقنا على ترجمته في «الذيل التام على دول الإسلام» للسخاوي.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 114) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 77) من المنسوخ، و «نظم العقيان» ص (58) .
[3] قال السخاوي: ويعرف بابن صالح، وأورد من نظمه:
وقد حفظ الله الحديث بحفظه ... فلا ضائع إلّا شذا منه طيّب
وما زال يملأ الطّرس من بحر صدره ... لآلئ إذ يملي علينا ونكتب
[4] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (498) و «السحب الوابلة» ص (104) .
[5] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (498) و «الضوء اللامع» (5/ 84) و «السحب الوابلة» ص (272) .
[6] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 14) و «التحفة اللطيفة» (1/ 101- 102) ، و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 77) من المنسوخ.(9/444)
قال المناوي: كان يطلق بكل صالحة يده ولسانه، ويطوي على المعارف اليقينية جنانه، ولا يلتفت إلى الدنيا ولا يقبلها، ويشتري حاجته من السوق ويحملها.
أخذ عن المحبّ الطّبري، والكمال الكازروني، والحافظ ابن حجر.
وتصدى للإقراء بالحرمين، وأخذ عنه الأماثل، وله اليد الطولى في التصوف، وعنه أخذ جدّنا الشّرف المناوي التصوف، واستمرّ ملازما طريقته المرضية إلى أن حان أجله وأدركته المنيّة، وتوفي بمكة. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن خليل بن أحمد البلاطنسي [1] ثم الدمشقي الشافعي [2] الإمام العالم.
توفي في صفر عن أربع وستين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن علي بن أحمد الحموي ثم الحلبي الشافعي الصّوفي، ويعرف بابن الشمّاع [3] .
كان إماما، عالما، عاملا [4] ، زاهدا، علّامة.
توفي بطيبة المشرّفة في ذي القعدة عن بضع وسبعين سنة، ودفن بالبقيع.
__________
[1] قلت: البلاطنسي: نسبة إلى «بلاطنس» بضم الطاء والنون والسين المهملة: حصن منيع بسواحل الشام مقابل اللاذقية من أعمال حلب. انظر «معجم البلدان» (1/ 478) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 86) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 76) من المنسوخ، و «نظم العقيان» ص (150) و «النجوم الزاهرة» (16/ 199) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 143) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 76- 77) من المنسوخ.
[4] لفظة «عاملا» سقطت من «آ» .(9/445)
سنة أربع وستين وثمانمائة
فيها كان الطّاعون العظيم بغزّة، ثم الشام والقدس، ومات فيه من لا يحصى.
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن علي بن محمد بن داود البيضاوي ثم المكّي الشافعي، ويعرف بالزّمزمي [1] الإمام العلّامة.
توفي في ربيع الأول عن ست وثمانين سنة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن محمد بن الشحّام [2] الحنبلي المؤذن بالجامع الأموي.
ولد في خامس عشري المحرم سنة إحدى وثمانين وسبعمائة، وسمع من جماعة، وروى عنه جماعة من الأعيان.
وتوفي بالقدس الشريف في نهار الثلاثاء تاسع جمادى الآخرة.
وفيها تقريبا قاضي القضاة تقي الدّين أبو الصّدق أبو بكر بن محمد بن الصّدر البعلي الحنبلي [3] .
ولد سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وروى عمّن عن الحجّار. وسمع على الشيخ شمس الدّين بن اليّونانية البعلي ببعلبك. وولي قضاء طرابلس مدة
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 86) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (45- 46) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 41) و «السحب الوابلة» ص (85) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (11/ 90) و «السحب الوابلة» ص (134) .(9/446)
طويلة، وكان حسن السيرة، وأجاز الشيخ نور الدّين العصياتي، وأخذ عنه جماعات.
وفيها جلال الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلّي [1] الشافعي تفتازاني العرب، الإمام العلّامة.
قال في «حسن المحاضرة» : ولد بمصر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، واشتغل، وبرع في الفنون، فقها، وكلاما، وأصولا، ونحوا، ومنطقا، وغيرها.
وأخذ عن البدر محمود الأقصرائي، والبرهان البيجوري، والشمس البساطي، والعلاء البخاري، وغيرهم.
وكان علّامة، آية في الذكاء والفهم. كان بعض أهل عصره يقول فيه: إن ذهنه يثقب الماس. وكان هو يقول عن نفسه: إنّ فهمي لا يقبل الخطأ، ولم يك [2] يقدر على الحفظ، وحفظ كرّاسا من بعض الكتب فامتلأ بدنه حرارة. وكان غرّة هذا العصر في سلوك طريق السّلف، على قدم من الصّلاح والورع، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، يواجه بذلك أكابر الظّلمة والحكّام، ويأتون إليه فلا يلتفت إليهم، ولا يأذن لهم في الدخول عليه. وكان عظيم الحدّة جدا لا يراعي أحدا في القول، يؤسي في عقود المجالس على قضاة القضاة وغيرهم وهم يخضعون له ويهابونه ويرجعون إليه، وظهرت له كرامات، وعرض عليه القضاء الأكبر فامتنع، وولي تدريس الفقه بالمؤيّدية والبرقوقية، وقرأ عليه جماعة. وكان قليل الإقراء، يغلب عليه الملل والسآمة، وسمع الحديث من الشّرف بن الكويك.
وكان متقشفا في مركوبه وملبوسه، ويتكسّب بالتجارة، وألّف كتبا تشدّ إليها الرّحال في غاية الاختصار والتحرير والتنقيح وسلاسة العبارة وحسن المزج والحل، وقد
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 39) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 80- 81) من المنسوخ، و «حسن المحاضرة» (1/ 442) و «صفحات لم تنشر من بدائع الزهور في وقائع الدهور» لابن إياس ص (68) و «الأعلام» (5/ 333) و «معجم المؤلفين» (8/ 311- 312) وكتابي «زهرات الياسمين» ص (75- 77) طبع مكتبة دار العروبة بالكويت.
[2] في «آ» : «ولم يكن» وكلاهما بمعنى.(9/447)
أقبل عليها الناس وتلقوها بالقبول وتداولوها، منها «شرح جمع الجوامع» في الأصول، و «شرح المنهاج» في الفقه، و «شرح بردة المديح» و «مناسك» و «كتاب في الجهاد» ومنها أشياء لم تكمل ك «شرح القواعد» لابن هشام، و «شرح التسهيل» كتب منه قليلا جدا، و «حاشية على شرح جامع المختصرات» و «حاشية على جواهر الأسنوي» و «شرح الشمسية» في المنطق، وأجلّ كتبه التي لم تكمل «تفسير القرآن» كتب منه من أول الكهف إلى آخر القرآن، وهو ممزوج محرّر في غاية الحسن، وكتب على الفاتحة وآيات يسيرة من البقرة وقد كملته [1] بتكملة على نمطه من أول البقرة إلى آخر الإسراء [2] .
وتوفي في أول يوم من سنة أربع وستين وثمانمائة انتهى.
__________
[1] القائل: الحافظ جلال الدّين السيوطي في «حسن المحاضرة» مصدر المؤلف.
[2] قلت: واشتهر هذا التفسير من بعد ذلك ب «تفسير الجلالين» وقد طبع عدة مرات في مصر والشام ولبنان، آخرها طبعته المتقنة الجيدة المصادرة عن دار ابن كثير، وقد تفضل بالتقديم لها والدي الأستاذ المحدّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وقمت أنا بالتعريف بالجلالين عقب تقديمه، وقد صدرت هذه الطبعة عام (1407) هـ- وأعيد طبعها مصورة عدة مرات آخرها هذا العام.(9/448)
سنة خمس وستين وثمانمائة
في صفرها كان بمكّة سيل عظيم [1] .
وفيها توفي الملك الأشرف سيف الدّين أبو النصر إينال العلائي [2] تسلطن في صبيحة يوم الاثنين لثمان مضين من شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وهو الثاني عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم، وهو جركسي جلبه الخواجا علاء الدّين إلى مصر، فاشتراه الظّاهر برقوق، وأعتقه الناصر فرج بن برقوق، وتنقّل في الدولة إلى أن صار في أيام الأشرف برسباي أمير مائة مقدّم ألف، وولاه الظّاهر جقمق الدوادارية الكبرى، إلى أن جعله أتابكا، واستمر إلى أن تسلطن، وتم أمره في الملك، وطالت أيّامه نحو ثمان سنين وشهرين وأياما. وكان طويلا، خفيف اللحية، بحيث اشتهر بإينال الأجرود، وكان قليل الظّلم، قليل سفك الدماء، متجاوزا عن الخطأ والتقصير، إلّا أن مماليكه ساءت سيرتهم في الناس، واستمرّ سلطانا إلى أن خلع نفسه من السلطنة وعقدها لولده الملك المؤيد شهاب الدّين أبي الفتح أحمد بن إينال العلائي في يوم الأربعاء رابع عشر ليلة خلت من جمادى الأولى. وتوفي والده بعد ذاك بيوم واحد، ثم خلعه أتابكة خشقدم بعد خمسة أشهر وخمسة أيام، وولي السلطنة عوضه الملك الظّاهر خشقدم يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان.
__________
[1] ذكر هذا الخبر السخاوي في «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 84) من المنسوخ بأطول مما هنا.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 328) و «النجوم الزاهرة» (16/ 57) و «الدليل الشافي» (1/ 175) .(9/449)
وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن عمر البلقيني [1] الإمام العالم.
توفي في ذي القعدة عن ثلاث وخمسين سنة.
وفيها عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الكناني الحموي، المعروف بابن جماعة [2] .
توفي في ذي القعدة عن خمس وثمانين سنة.
وفيها أبا علوي عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن اليمني الصّوفي [3] .
كان شيخ حضرموت، وركنها، وصوفيّها، وزاهدها. له أتباع وخدم، مع الولاية الظّاهرة والأسرار الباهرة.
وتوفي في رمضان.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 188) و «الذيل التام» (2/ 89) من المنسوخ.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 51) و «الذيل التام» (2/ 88) من المنسوخ.
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 16) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 91) من المنسوخ.(9/450)
سنة ست وستين وثمانمائة
فيها توفي السيد حسن [1] بن محمد بن أيوب الحسني [2] الشافعي، المعروف بالسّيّد النّسابة.
كان إماما، عالما، أخباريا.
توفي في مستهل صفر وقد قارب المائة.
وفيها السّلطان خلف [بن محمد بن سليمان] الأيوبي [3] صاحب حصن كيفا، وهو آخر ملوك الحصن من بني أيوب.
وفيها شمس الدّين أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي بكر القاهري الشافعي [4] الصّوفي الإمام الزاهد توفي في ربيع الأول عن نحو ثمانين سنة.
__________
[1] في «ط» : «حسين» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (354) و «الضوء اللامع» (3/ 121) و «الذيل التام» (2/ 93) من المنسوخ، و «نظم العقيان» ص (104- 105) .
[3] ترجمته في «النجوم الزاهرة» (16/ 273) و «الضوء اللامع» (3/ 184) وما بين الحاصرتين زيادة أثبتها منه، و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 95) من المنسوخ، و «بدائع الزهور» (2/ 392) .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 300) .(9/451)
سنة سبع وستين وثمانمائة
في ربيع الآخر وقع بمكّة سيل عظيم حتى دخل المسجد الحرام، وارتقى الماء إلى نحو قفل باب الكعبة [1] .
وفي حدودها توفي برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن التّاج عبد الوهاب بن عبد السلام بن عبد القادر البغدادي الحنبلي [2] .
ولد في ثالث ذي الحجّة سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وقرأ على علماء عصره، وجدّ، واجتهد، حتى صار إماما، عالما، محدّثا، زاهدا، يشار إليه بالبنان.
وفيها أبو بكر [3] بن محمد بن إسماعيل بن علي القلقشنديّ المقدسي الشافعي [4] .
كان إماما، عالما، عاملا، محدّثا، فقيها.
توفي ببيت المقدس جمادي الآخرة عن بضع وثمانين سنة.
وفيها أبو السّعادات [سعد] بن محمد بن عبد الله بن سعد النّابلسي الأصل المقدسي [5] نزيل القاهرة الحنفي.
__________
[1] ذكر هذا الخبر بأطول مما هنا السّخاوي في «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 96) من المنسوخ.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 73) و «المنهج الأحمد» الورقة (498) و «السحب الوابلة» ص (29) .
[3] قال الأستاذ الزركلي في «الأعلام» (2/ 69) : «ويسمى عبد الله» .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (11/ 69) و «الذيل التام» (2/ 98) من المنسوخ.
[5] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 249) و «الذيل التام» (2/ 98) من المنسوخ و «الأعلام» (3/ 87) وما بين الحاصرتين مستدرك منها، ويعرف «بابن الدّيري» .(9/452)
كان إماما، عالما [1] ، علّامة، شيخ مذهب النّعمان في زمنه.
توفي في ربيع الآخر عن نحو مائة سنة.
وفيها تقريبا زين الدّين أبو عبد الله بلال بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم القادري [2] الحنبلي الفقيه الإمام العالم.
وفي حدودها شمس الدّين محمد بن عبد الله المتبولي الحنبلي، المشهور بابن الرزّاز [3] .
كان إماما، عالما، فقيها.
__________
[1] لفظة «عالما» سقطت من «ط» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 18) و «المنهج الأحمد» الورقة (498) و «السحب الوابلة» ص (145) .
[3] ترجمته في «النهج الأحمد» الورقة (498) .(9/453)
سنة ثمان وستين وثمانمائة
فيها توفي قاضي القضاة علم الدّين صالح بن شيخ الإسلام سراج الدّين عمر البلقيني [1] الشافعي الإمام العلّامة.
قال السيوطي في «حسن المحاضرة» : وهو شيخنا حامل لواء مذهب الشافعي في عصره.
ولد سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وأخذ الفقه عن والده وأخيه، والنحو عن الشّطّنوفي، والأصول عن العزّ ابن جماعة. وسمع على أبيه «جزء الجمعة» وختم «الدلائل» وغير ذلك، وعلى الشّهاب ابن حجي «جزء ابن نجيد» وحضر عند الحافظ أبي الفضل العراقي في الإملاء، وتولى مشيخة الخشابيّة والتفسير بالبرقوقية بعد أخيه، وتدريس الشريفيّة بعد القمني، وتولى القضاء الأكبر سنة ست وعشرين بعزل الشيخ ولي الدّين، وتكرّر عزله وإعادته، وتفرّد بالفقه، وأخذ عنه الجمّ الغفير، وألحق الأصاغر بالأكابر والأحفاد بالأجداد، وألّف «تفسير القرآن» وكمّل «التدريب» لأبيه وغير ذلك.
قرأت عليه الفقه، وأجازني بالتدريس، وحضر تصديري، وقد أفردت ترجمته بالتأليف.
ومات يوم الأربعاء خامس رجب. انتهى.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن أبي بكر بن خالد بن زهرا الحمصي الحنبلي [2] الإمام العلّامة.
__________
[1] ترجمته في «الدليل الشافي» (1/ 351) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (357) و «الضوء اللامع» (3/ 312) و «حسن المحاضرة» (1/ 444) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 15) و «المنهج الأحمد» الورقة (498) .(9/454)
قرأ «الفروع» على ابن مغلي، وله عليه «حاشية» لطيفة. وقرأ «تجريد العناية» على مؤلّفه القاضي علاء الدّين بن اللحّام، والأصول له أيضا. وأخذ عن عمّه القاضي شمس الدّين، وعلماء دمشق. وكان من أكابر الفضلاء.
وتوفي في هذه السنة عن أكثر من مائة سنة.
وفيها أبو الحسن علي بن سودون البشبغاوي القاهري الحنفي [1] الإمام العلّامة.
أخذ عن علماء عصره، وتفنّن في العلوم، وكان مملقا فأخذ في رواج أمره بالمجون، ويقال: إنه أول من أحدث خيال الظلّ، وألف كتابا حافلا صدّره «نظم فائق في مديح المصطفى صلى الله عليه وسلم» وغيره وعجزه خرافات، ويقال: إن والده كان قاضيا بمصر، وأنه سمع بأن ولده تعاطى التمسخر مع الأراذل تحت قلعة دمشق، فأتى إلى الشام، ووقف على حلقة فيها ولده يتعاطى ذلك فلما رأى والده أنشد:
قد كان يرجو والدي ... بأن أكن قاضي البلد
ما تمّ إلّا ما يريد ... فليعتبر من له ولد
وبالجملة فقد كان من أعاجيب الزمان.
وتوفي بدمشق في رجب عن ثمان وخمسين سنة.
وفيها السيد يحيى بن السيد بهاء الدّين الشّرواني الحنفي الصوفي الخلوتي [2] .
قال في «الشقائق» : ولد بمدينة شماخي، وهي أمّ مدائن ولاية شروان، وكان أبوه من أهل الثروة، وكان هو صاحب جمال وكمال، يلعب بالصّولجان، فبينا هو يلعب فيه إذ مرّ عليه الشيخ بيرزاده [ابن الشيخ الحاج عزّ الدّين] الخلوتي، فلما رأى أدبه وجماله دعا له بالفوز بطريق الصّوفية [فرأى السيد يحيى في تلك الليلة واقعة تغيّرت بها أحواله] ، فالتجأ المترجم إلى خدمة الشيخ صدر الدّين الخلوتي،
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 229) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (164- 165) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.(9/455)
ولازم خدمته، فكره والده ذلك لدخوله الخلوة مع الصّوفية مع هذا الجمال، وأنكر على الشيخ صدر الدّين [أيضا] لإذنه له في ذلك، ونصح ولده فلم ينفع، حتى قيل: إنه قصد إهلاك الشيخ صدر الدّين. واتفق أن السيد يحيى لم يحضر الجماعة في صلاة العشاء لاشتغاله بالتنور، وكان الوقت باردا، فدخل الشيخ بيته من كوة الدار، وأخذ بيده، وقال: قم يا ولدي، فقال له والده: لأي شيء دخل شيخك من الكوة ولم يدخل من الباب، وأنت تعتقد أنه متشرع، فقال: خاف من الشوك في الطريق، فقال: وأي شوك هو؟ قال: إنكارك [عليه] فعند ذلك زال إنكاره، ولازم أيضا خدمة الشيخ المذكور، ثم إن السيد يحيى انتقل بعد موت شيخه، من شماخي إلى بلدة باكو [1] من ولاية شروان، وتوطن هناك، واجتمع عليه الناس، حتى زادت جماعته على عشرة آلاف [2] ، ونشر الخلفاء إلى أطراف الممالك.
وكان هو أول من سنّ ذلك. وكان يقول بجواز إكثار الخلفاء لتعليم الآداب للناس، وأما المرشد فلا يكون إلّا واحدا. وحكي أنه لم يأكل طعاما في آخر عمره مقدار ستة أشهر.
وتوفي في بلدة باكو. انتهى ملخصا.
وفيها العزيز يوسف بن الأشرف برسباي [3] .
توفي بالإسكندرية في المحرم عن أربعين سنة.
وتوفي بعده أخوه الشّهابي أحمد [4] عن نحو سبع وعشرين سنة في هذه السنة أيضا، ولم يكن بينهما ثلاثة أشهر.
__________
[1] باكو: هي عاصمة جمهورية أذربيجان المعاصرة التي نالت استقلالها منذ فترة قريبة.
[2] عبارة «الشقائق النعمانية» : «واجتمع عليه الناس مقدار عشرة آلاف» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 304) و «النجوم الزاهرة» (16/ 326) و «الدليل الشافي» (2/ 799) .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 247) .(9/456)
سنة تسع وستين وثمانمائة
فيها توفي قاضي القضاة شهاب الدّين أحمد بن الحسن [1] العباسي [2] السيد الحسيب النّسيب الحنبلي، الإمام العلّامة.
ولد سنة خمس وتسعين وسبعمائة، وأخذ عن ابن المغلي، وابن زهر الحمصي، وولي قضاء حماة فباشره فوق ثلاثين سنة بعفّة وديانة. وكان يروم الخلافة وربما تكلّم له فيها، لأنه كان من ذرّيّة العبّاس رضي الله عنه.
وكان من أهل العلم والفضل.
وتوفي بحماة في أوائل هذه السنة.
وولي قضاء حماة بعده ولد ولده قاضي القضاة محيي الدّين عبد القادر بن القاضي موفق الدّين بن القاضي شهاب الدّين [3] واستمرّ بها نحو عشر سنين إلى أن توفي رحمه الله.
وفيها السلطان عبد الحق بن أبي سعيد المرّيني [4] صاحب فاس.
توفي في رمضان.
__________
[1] كذا في «آ» و «المنهج الأحمد» مصدر المؤلف، و «السحب الوابلة» : «أحمد بن الحسن» وفي «ط» و «الضوء اللامع» : «أحمد بن الحسين» وقد ذكر بأن وفاته كانت سنة (873) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 274) و «المنهج الأحمد» الورقة (499) و «السحب الوابلة» ص (58) .
[3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (499) .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 37) .(9/457)
سنة سبعين وثمانمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن أحمد بن ناصر بن خليفة المقدسي الشافعي الناصري الباعوني الدمشقي [1] ، الإمام العالم العلّامة.
توفي في ربيع الأول عن بضع وتسعين سنة.
وتوفي بعده في رمضان هذه السنة أخوه شمس الدّين محمد بن أحمد [2] الإمام العالم النّاظم النّاثر.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى المنوفي الشافعي، المعروف بابن أبي السعود [3] .
كان إماما، فاضلا، عالما.
توفي بطيبة في شوال عن ست وخمسين سنة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن زيد الحنبلي [4] الإمام العلّامة النحوي المفسّر المحدّث.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 26) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (38) و «الدليل الشافي» (1/ 7) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 7) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 114) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 231) و «التحفة اللطيفة» (1/ 161) .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 71) و «المنهج الأحمد» الورقة (499) .(9/458)
قال العليمي: اعتنى بعلم الحديث كثيرا، ودأب فيه، وكان أستاذا في العربية، وله يد طولى في التفسير، وانتفع به الناس، وكان يقرأ على الشيخ علي ابن زكنون [1] «ترتيب مسند الإمام أحمد» له وكذلك غيره من كتب الحديث.
وكان أستاذا في الوعظ، وله كتاب خطب في غاية الحسن، وتوفي في سلخ صفر.
وفيها بيرنصع بن جهان شاه بن قرا يوسف بن قرا محمد التركماني [2] صاحب بغداد.
توفي في ثاني ذي القعدة.
وفيها أبو الفضل عبد الرحمن بن علي بن عمر بن علي الأنصاري الأندلسي ثم القاهري الشافعي، المعروف بابن الملقّن [3] .
__________
[1] هو الإمام العلّامة المحدّث المفسّر الفقيه الحنبلي الأصولي أبو الحسن علي بن الحسين بن عروة المشرقي، ويعرف بابن زكنون أيضا.
ولد قبيل سنة (760) ونشأ في ابتداء أمره جمّالا، ثم أعرض عن ذلك، وحفظ القرآن، وتفقه، وأخذ العلم عن طائفة كبيرة من العلماء الأعلام. وانقطع إلى الله تعالى في مسجد القدم بآخر أرض القبيات ظاهر دمشق يؤدّب الأطفال به احتسابا، مكبا على الاشتغال بما يعنيه. وحصلت له شدائد ومحن كثيرة فصبر واحتسب، وكانت له عناية بتحصيل نفائس الكتب وبالجمع، حتى إنه رتب «مسند الإمام أحمد بن حنبل» - الذي أشار إليه المؤلف- على أبواب البخاري، وشرحه في مائة وعشرين مجلدا، طريقته فيه أنه إذا جاء لحديث الإفك مثلا يأخذ نسخة من شرحه للقاضي عياض فيضعها بتمامها، وإذا مرّت مسألة فيها تصنيف مفرد لابن القيم أو لشيخه شيخ الإسلام ابن تيميّة أو غيرهما وضعه بتمامه، فكان كتابه من أهم المصادر التي نقلت عنها رسائل ابن تيمية ومصنّفاته التي أتلفت أو أحرقت على أيدي خصومه وأعوانهم. مات بمنزله في مسجد القدم سنة (837) وصلّي عليه هناك قبل الظهر ودفن في حديقة المسجد، وقد أوقف من كتبه الكثير على مدرسة الشيخ أبي عمر المقدسي في الصالحية قرب دمشق، وهي يومئذ من أحاسن المكتبات الإسلامية، وقد تقدمت ترجمته في ص (323- 324) من هذا المجلد، فلتراجع هناك.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 22) وفيه: «بير بضع» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 101) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 111) من المنسوخ.(9/459)
كان إماما، علّامة.
توفي في شوال عن ثمانين سنة. قاله في «ذيل الدول» .
وفيها القاضي نور الدّين أبو الحسن علي بن شهاب الدّين أحمد الشّيشيني الحنبلي [1] الإمام العلّامة.
قال العليمي: كان من أهل العلم، فقيها، مفتيا باشر نيابة الحكم بالدّيار المصرية، وكان يكتب على الفتوى كتابة جيدة، وأفتى في خلع الحيلة إن العمل على صحته ووقوعه، ورأيت خطه بذلك، وتقدم نظير ذلك في ترجمة ابن نصر الله البغدادي. انتهى ملخصا.
وفيها ملك صنعاء عامر بن طاهر العدني اليماني [2] .
وفيها قاضي القضاة نظام الدّين عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح الرّاميني المقدسي ثم الصالحي الحنبلي [3] الإمام العلّامة الواعظ الأستاذ.
ولد ظنا سنة ثمانين وسبعمائة، فإن له حضورا على الشيخ الصّامت سنة أربع وثمانين، وسمع من والده، وعمه الشيخ شرف الدّين، وجماعة، وحضر عند ابن البلقيني، وابن المغلي، وغيرهما من الأئمة. وكان رجلا ديّنا يعمل الميعاد يوم السبت بكرة النهار على طريقة والده، وقرأ «البخاري» على الشيخ شمس الدّين بن المحبّ، وأجازه، وباشر نيابة الحكم بدمشق مدة، ثم استقلّ بالوظيفة بعد عزل ابن الحبّال سنة اثنتين وثلاثين، واستمرّت الوظيفة بينه وبين العزّ البغدادي دولا إلى أن مات البغدادي، وتوفي المترجم بصالحية دمشق ودفن بالرّوضة قريبا من والده وجده.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 187) و «المنهج الأحمد» الورقة (499) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 16) وانظر «طبقات صلحاء اليمن» ص (172) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 66) و «القلائد الجوهرية» (1/ 87) و «السحب الوابلة» ص (315)(9/460)
وفيها شمس الدّين محمد بن علي الدمشقي ثم القوصي القاهري الشافعي، ويعرف بابن الفالاتي [1] .
كان إماما عالما.
توفي في ذي القعدة عن ست وأربعين سنة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 197) .(9/461)
سنة إحدى وسبعين وثمانمائة
في حدودها توفي أحمد بن عروس المغربي التونسي [1] .
قال المناوي في «طبقات الأولياء» : كان من أكابر الأولياء من أهل الجذب بتونس، له كرامات ظاهرة، وأحوال باهرة، منها أنه كانت الطيور الوحشية تنزل عليه وتأكل من يده. ومنها أنه كان عنده جمع وافر من الفقراء، فكان يمدّ يديه في الهواء ويحضر لهم ما يكفيهم من القوت. وكان مهابا جدّا، لا يقدر على لقائه كل أحد، يقشعر البدن لرؤيته.
وكان جالسا على سطح فندق بتونس ليلا ونهارا، ولم يزل كذلك حتى مات.
وفيها شهاب الدّين أحمد البيت لبدي الحنبلي [2] الإمام العلّامة.
وفيها القاضي وجيه الدّين أسعد بن علي بن محمد بن المنجّى التّنوخي الحنبلي [3] .
قال العليمي: كان من أهل الفضل ورواة الحديث الشريف، وهو من بيت مشهور بالعلماء، وتقدم ذكر أسلافه.
باشر نيابة الحكم بدمشق عن بني مفلح وكانت سيرته حسنة. انتهى.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 259) .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (500) وفيه: «البيت ليدي» بالياء.
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 279) و «المنهج الأحمد» الورقة (500) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 120) من المنسوخ.(9/462)
وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن أحمد الخجندي المدني الحنفي [1] الإمام العالم.
توفي في صفر ولم يكمل الثلاثين.
وفيه قاضي القضاة شرف الدّين أبو زكريا يحيى بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن مخلوف بن عبد السلام المناوي المصري الشافعي [2] جدّ الشيخ عبد الرؤوف المناوي شارح «الجامع الصغير» وذكره في «طبقاته» وأثنى عليه بما لا مزيد عليه.
وقال السيوطي في «حسن المحاضرة» : هو شيخنا، شيخ الإسلام، ولد سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، ولازم الشيخ ولي الدّين العراقي، وتخرّج به في الفقه والأصول، وسمع الحديث عليه، وعلى الشّرف بن الكويك، وتصدّر للإقراء والإفتاء، وتخرّج به الأعيان، وولي تدريس الشافعي، وقضاء الدّيار المصرية.
وله تصانيف، منها: «شرح مختصر المزني» .
وتوفي ليلة الاثنين ثاني جمادى الآخرة، وهو آخر علماء الشافعية ومحقّقيهم، وقد رثيته بقولي:
قلت لمّا مات شيخ العصر حقّا باتّفاق ... حين صار الأمر ما بين جهول وفسّاق
أيّها الدّنيا لك الويل إلى يوم التّلاق
انتهى.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 277) و «التحفة اللطيفة» (2/ 246) .
[2] ترجمته في «الدليل الشافي» (2/ 780) و «الضوء اللامع» (10/ 254) و «حسن المحاضرة» (1/ 445) و «ذيل رفع الإصر» ص (440) و «النجوم الزاهرة» (16/ 353) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 117- 118) من المنسوخ.(9/463)
سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة
قال في «ذيل الدول» [1] : في أواخر ربيعها الأول أمطرت السماء وقت العصر حصى أبيض زنة الحصاة ما بين رطل وأكثر وأقل، مع برق ورعد وظلمة، ثم وقع في عصر الذي يليه مطر على العادة، انتهى.
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد [2] بن عبد الرحمن [2] بن محمد بن خالد بن زهرا الحمصي الحنبلي [3] الإمام العالم.
قرأ «المقنع» على عمّه القاضي شمس الدّين، و «ألفية ابن مالك» وبحثها عليه، وقرأ الأصول على الشيخ بدر الدّين العصياتي.
وتوفي بحمص.
وفيها تقي الدّين أبو العبّاس أحمد بن العلّامة كمال الدّين محمد بن محمد بن علي بن يحيى بن محمد بن خلف الله الشّمنّي [4]- بضم المعجمة والميم، وتشديد النون- القسنطيني [5] الحنفي هو، المالكي والده وجدّه. قال
__________
[1] ذكر السخاوي هذا الخبر في «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 122) من المنسوخ.
[2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» و «السحب الوابلة» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 178) و «المنهج الأحمد» الورقة (500) و «السحب الوابلة» ص (95) .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 174) و «بغية الوعاة» وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه (1/ 375- 381) و «البدر الطالع» (2/ 174) و «الأعلام» (1/ 230) .
[5] في «آ» و «ط» : «القسطنطيني» والتصحيح من مصادر الترجمة.(9/464)
السيوطي في «بغية الوعاة» : هو شيخنا الإمام العلّامة المفسّر المحدّث الأصولي المتكلّم النّحوي البياني، إمام النّحاة في زمانه، وشيخ العلماء في أوانه. شهد بنشر علومه العاكف والبادي، وارتوى من بحار علومه [1] الظمآن والصّادي.
وأما التفسير، فهو بحر [2] المحيط كشّاف دقائقه بلفظه الوجيز الفائق على الوسيط والبسيط.
وأما الحديث، فالرحلة في الرواية والدّراية إليه، والمعوّل في حلّ مشكلاته وفتح مقفلاته عليه.
وأما الفقه، فلو رآه النّعمان لأنعم به عينا، أو رام أحد مناظرته لأنشد:
وألفى قولها كذبا ومينا
[3] وأما الكلام، فلو رآه الأشعريّ لقرّبه وقرّ به، وعلم، أنه نصير الدّين ببراهينه وحججه المهذّبة المرتّبة.
وأما الأصول: فالبرهان لا يقوم عنده بحجّة، وصاحب المنهاج لا يهتدي معه إلى محجّة.
وأما النحو: فلو أدركه الخليل لاتّخذه خليلا، أو يونس لآنس به وشفى منه غليلا.
وأما المعاني: فالمصباح لا يظهر له نور عند هذا الصباح، وما [ذا] يفعل المفتاح، مع من ألقت إليه المقاليد أبطال الكفاح؟
إلى غير ذلك من علوم معدودة، وفضائل مأثورة مشهودة:
__________
[1] في «بغية الوعاة» : «من بحار فهومه» .
[2] في «آ» و «ط» : «فبحره» وما أثبته من «بغية الوعاة» مصدر المؤلّف وهو أصح.
[3] قال الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم رحمه الله في تعليقه على «بغية الوعاة» : عجز بيت لعدي بن زيد، وهو من شواهد «الإيضاح» للقزويني ص (178) وصدره:
وقدّدت الأديم لراهشيه..............(9/465)
هو البحر لا بل دون ما علمه البحر ... هو البدر [لا] بل ما دون طلعته البدر
هو النّجم لا بل دونه النّجم رتبة ... هو الدّرّ لا بل دون منطقه الدّرّ
هو العالم المشهور في العصر والذي ... به بين أرباب النّهى افتخر العصر
هو الكامل الأوصاف في العلم والتّقى ... فطاب به في كلّ ما قطر الذّكر
محاسنه جلّت عن الحصر وازدهى ... بأوصافه نظم القصائد والنّثر
ولد بإسكندرية في رمضان سنة إحدى وثمانمائة، وقدم القاهرة مع والده، وكان من علماء المالكية، فتلا على الزراتيتي، وأخذ عن الشمس الشّطّنوفي، ولازم القاضي شمس الدّين البساطي وانتفع به في الأصلين، والمعاني، والبيان، وأخذ عن الشيخ يحيى السّيرامي وبه تفقه، وعن العلاء البخاري، وأخذ الحديث عن الشيخ ولي الدّين العراقي، وبرع في الفنون، واعتنى به والده في صغره، وأسمعه الكثير من التّقي الزّبيري، والجمال الحنبلي، والشيخ ولي الدّين وغيرهم.
وأجاز له السّراج البلقيني، والزين العراقي، والجمال ابن ظهيرة، والهيثمي، والكمال الدّميري، والحلاوي، والجوهري، والمراغي، وآخرون.
وخرّج له صاحبنا الشيخ شمس الدّين السّخاوي «مشيخة» وحدّث بها وبغيرها، وخرّجت له «جزءا» فيه الحديث المسلسل بالنّحاة وحدّث به.
وهو إمام، علّامة، مفنّن، منقطع القرين، سريع الإدراك. قرأ التفسير، والحديث، والفقه، والعربية، والمعاني، والبيان، والأصلين، وغيرها، وانتفع به الجمّ الغفير، وتزاحموا عليه، وافتخروا بالأخذ عنه، مع العفّة، والخير، والتواضع، والشهامة، وحسن الشكل، والأبّهة والانجماع عن بني الدّنيا.
وأقام بالجمالية مدة. ثم ولي المشيخة والخطابة بتربة قايتباي الجركسي بقرب الجبل، وطلب لقضاء الحنفية بالقاهرة سنة ثمان وستين فامتنع، وصنّف «شرح المغني» لابن هشام، و «حاشية على الشفا» و «شرح مختصر الوقاية» في الفقه و «شرح نظم النّخبة» في الحديث لوالده [1] . وله النّظم الحسن.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ولوالديه» وما أثبته من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف.(9/466)
ولم يزل الشيخ يودّني، ويحبّني، ويعظّمني [1] ، ويثني عليّ كثيرا.
وتوفي- رحمه الله تعالى- قرب العشاء ليلة الأحد سابع عشري ذي الحجّة.
انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن صالح بن عمر المرعشلي الحلبي [2] الإمام العالم العلّامة.
توفي في ذي الحجّة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن أسد بن عبد الواحد الأميوطي الشافعي [3] الإمام العالم.
توفي في ذي الحجّة أيضا بين الحرمين. قاله في «ذيل الدول» .
وفيها الملك جهان شاه بن قرا يوسف بن قرا محمد التركماني [4] صاحب العراقين.
وفيها السلطان الملك الظّاهر سيف الدّين أبو سعيد خشقدم الناصري [5] .
قال في «الأعلام» : ولي السلطنة يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة خمس وستين وثمانمائة، وهو روميّ جلبه الخواجا ناصر الدّين وبه عرف، واشتراه المؤيد شيخ وأعتقه، وصار خاصكيا عنده، وتقلّب في الدولة إلى أن جعله الأشرف إينال أتابكا لولده، فخلعه وتسلطن مكانه، وكان محبا للخير وكسا الكعبة الشريفة في أول ولايته على العادة، ولكن كانت كسوة الجانب الشرقي
__________
[1] في «آ» : «ويعظني» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 254) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 227) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 124) من المنسوخ.
و «نظم العقيان» ص (36) .
[4] ترجمته في «الدليل الشافي» (1/ 252) و «النجوم الزاهرة» (16/ 384) و «الضوء اللامع» (3/ 80) .
[5] ترجمته في «النجوم الزاهرة» (16/ 253) و «الدليل الشافي» (2/ 286) و «الضوء اللامع» (3/ 176) .(9/467)
والجانب الشامي بيضاء بجامات سود، وفي الجامات التي بالجانب الشرقي بعض ذهب، وأرسل في سنة ست وستين منبرا. وكانت مدة سلطنته ست سنين ونصفا تقريبا. ومرض فطال مرضه.
وتوفي يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول.
وتسلطن في ذلك اليوم الملك الظّاهر أبو النصر بلباي المؤيدي وهو الرابع عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم، وكان ضعيفا عن تدبير الملك وتنفيذ الأمور، فخلعه الأمراء من السلطنة في يوم السبت لسبع مضين من جمادى الأولى، فكانت مدة سلطنته شهرين إلّا أربعة أيام.
وتسلطن بعد خلعه عوضا عنه الملك الظّاهر أبو سعيد تمربغا الظّاهري وهو الخامس عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم بمصر، وكان له فضل وصلاح وتودّد للناس وحذق ببعض الصنائع، بحيث صار يعمل القسي الفائقة بيده، ويعمل السّهام عملا فائقا، ويرمي بها أحسن رمي، مع الفروسية التّامة، ومع ذلك ما صفا له دهره يوما. ورماه عن كبد قوسه أبعد مرمى، وما زال به الأمر إلى أن خلعوه ونفوه إلى الإسكندرية.
وولي السلطنة الملك الأشرف قايتباي المحمودي في ظهر يوم الاثنين.
سادس رجب سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، وهو السادس عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم بمصر. انتهى أي وكانت سلطنة الظّاهر تمربغا شهرين إلا يوما واحدا.
وفيها عبد الأول بن محمد بن إبراهيم بن أحمد المرشدي المكّي الحنفي [1] الإمام العالم.
توفي في ربيع الأول عن أربع وخمسين سنة.
وفيها نور الدين علي بن نرد بك [2] الفخري [3] الحنفي الإمام الفاضل أحد الأفراد.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 21) .
[2] في «الضوء اللامع» : «ابن برد بك» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 196- 170) .(9/468)
توفي في رمضان عن ثلاث وثلاثين سنة.
وفيها القاضي محب الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن الجناق القرشي الحنبلي [1] الإمام العلّامة.
اشتغل ودأب، وقرأ على الشيخ تقي الدّين بن قندس، ثم على الشيخ علاء الدّين المرداوي، وأذن له في الإفتاء، وولي نيابة الحكم بالدّيار المصرية، فباشره بعفّة. وكان يلقي الدروس الحافلة، ويشتغل عليه الطلبة، ولما استخلفه القاضي عزّ الدّين في سنة ست وستين وثمانمائة أنشد لنفسه:
إلهي ظلمت النّفس إذ صرت قاضيا ... وأبدلتها بالضّيق من سعة الفضا
وحمّلتها ما لا تكاد تطيقه ... فأسألك التّوفيق واللّطّف في القضا
وفيها قاضي القضاة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد العمري العليمي- نسبة إلى سيدنا علي بن عليل المشهور عند الناس بعلي بن عليم، والصحيح أنه عليل باللام وهو من ذريّة عمر بن الخطاب رضي الله عنه- الحنبلي المقدسي [2] .
قال ولده في «طبقات الحنابلة» : ولد في سنة سبع وثمانمائة بالرّملة، ونشأ بها، ثم توجه إلى مدينة صفد، فأقام بها، وقرأ القرآن وحفظه برواية عاصم، وأتقنها، وأجيز بها من مشايخ القراءة، ثم عاد إلى مدينة الرّملة، واشتغل بالعلم على مذهب الإمام أحمد، وحفظ «الخرقي» [3] وكل أسلافه شافعية لم يكن فيهم حنبلي سواه، وهو من بيت كبير. ثم اجتهد في تحصيل العلم، وسافر إلى الشام، ومصر، وبيت المقدس. وأخذ عن علماء المذهب وأئمة الحديث، وفضل في فنون من العلم، وتفقّه بالشيخ يوسف المرداوي، وبرع في المذهب، وأفتى،
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 72) و «المنهج الأحمد» الورقة (500) و «السحب الوابلة» ص (350) .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (500) و «السحب الوابلة» ص (384) .
[3] يعني «مختصر الخرقي» .(9/469)
وناظر، وأخذ الحديث عن جماعة من أعيان العلماء، وقرأ «البخاري» مرارا و «الشفا» كذلك، وكتب بخطه الكثير، وكان بارعا في العربية، خطيبا، بليغا.
وصنّف في الخطب، وولي قضاء الرّملة استقلالا، ولم يعلم أن حنبليا قبله [1] وليها، ثم ولي قضاء القدس مدة طويلة، ثم أضيف إليه قضاء بلد الخليل عليه السلام، ثم ولي قضاء الرّملة تسعة وخمسين يوما إلى أن دخل الوباء، فتوفي بالطّاعون يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة. انتهى ملخصا.
__________
[1] لفظة «قبله» سقطت من «آ» .(9/470)
سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة
فيها توفي جمال الدّين محمد بن أبي بكر النّاشري الصّامت [1] .
قال المناوي في «طبقاته» : برع في الفقه، وشارك في عدة فنون، ثم أقبل على التعبّد والتزهّد، وترك الرئاسة، وحبّ الخمول والعزلة واستقل بخويصة نفسه حتى مات ولم يخلف بعده مثله. انتهى [2] .
__________
[1] لعله المترجم في «الضوء اللامع» (7/ 187) رقم (441) مع العلم بأن السخاوي قال في ترجمته:
مات بعد الثمانمائة.
[2] قلت: وفيها مات العلّامة المحقّق محمد بن إبراهيم الشّرواني، أحد أفراد الدهر في علوم المعقولات. كان حسن العشرة، مع المودّة البالغة، والمحاسن الجنّة.
مات في مستهل شهر صفر.
انظر ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 48) و «نظم العقيان» ص (135) .(9/471)
سنة أربع وسبعين وثمانمائة
فيها توفي جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن الأمير الكبير سيف الدّين تغري بردي [1] الحنفي [2] الإمام العلّامة.
ولد بالقاهرة سنة اثنتي عشرة [3] وثمانمائة، وربّاه زوج أخته قاضي القضاة ناصر الدّين بن العديم الحنفي إلى أن مات، فتزوج بأخته جلال الدّين البلقيني الشافعي، فتولى تربيته، وحفظ القرآن العزيز، ولما كبر اشتغل بفقه الحنفية، وحفظ «القدوري» وتفقه بشمس الدّين محمد الرّومي، وبالعيني وغيرهما، وأخذ النحو عن التّقي الشّمنّي ولازمه كثيرا، وتفقه به أيضا، وأخذ التصريف عن الشيخ علاء الدّين الرّومي وغيره، وقرأ «المقامات الحريرية» على قوام الدّين الحنفي، وأخذ عنه العربية أيضا، وقطعة جيدة من علم الهيئة، وأخذ البديع والأدبيات عن الشّهاب بن عربشاه الحنفي وغيره، وحضر على ابن حجر العسقلاني، وانتفع به، وأخذ عن أبي السّعادات ابن ظهيرة، وابن العليف، وغيرهما، ثم حبّب إليه علم التاريخ، فلازم مؤرخي عصره، مثل العيني، والمقريزي، واجتهد في ذلك إلى
__________
[1] قال الأستاذ العلّامة خير الدّين الزركلي رحمه الله في تعليقه على ترجمة المترجم من «الأعلام» (8/ 222) تغري بردي: تترية، بمعنى «عطاء الله» أو «الله أعطى» كان يكتبها الأتراك «تكري ويردي» ويلفظون الكاف نونا، والواو أقرب إلى ال بحركة بين الفتح والكسر.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 305) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 143) و «البدر الطالع» (2/ 351) و «دائرة المعارف الإسلامية» (1/ 396) و «بدائع الزهور» (3/ 45) و «إنباء الهصر» ص (175) و «الأعلام» (8/ 222- 223) .
[3] في معظم المصادر: «ولد سنة ثلاث عشرة» .(9/472)
الغاية، وساعدته جودة ذهنه وحسن تصوره، وصحة فهمه، ومهر، وكتب، وحصّل، وصنّف، وانتهت إليه رئاسة هذا الشأن في عصره، وسمع شيئا كثيرا من كتب الحديث، وأجازه جماعات لا تحصى مثل ابن حجر، والمقريزي، والعيني.
ومن مصنفاته كتاب «المنهل الصّافي [1] والمستوفي بعد الوافي» في ستة مجلدات [2] ، ومختصره المسمى ب- «الذيل [3] الشّافي على المنهل الصّافي [1] ومختصر سمّاه «مورد اللطافة في ذكر من ولي السلطنة والخلافة» [4] و «النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة» [5] وذيل على «الإشارة» للحافظ الذهبي سماه ب «البشارة في تكملة الإشارة» [6] وكتاب «حلية الصفات في الأسماء والصناعات» مرتبا على الحروف، وغير ذلك.
ومن شعره:
تجارة الحبّ غدت ... في حبّ خود كاسده
ورأس مالي هبة ... لفرحتي بفائدة
ومنه مواليا في عدة ملوك التّرك:
أيبك قطن يعقبو بيبرس ذو الإكمال ... بعدو قلاوون بعدو كتبغا المفضال
لاجين بيبرس برقوق شيخ ذو الإفضال ... ططر برسباي جقمق ذو العلا إينال
وتوفي في ذي الحجّة.
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] بدئ نشره في مصر منذ سنوات عديدة، وقد صدر منه ست مجلدات كبار حتى الآن، وهي محققة تحقيقا جيدا.
[3] كذا قال، والمعروف في اسمه «الدليل ... » وهو مطبوع في مجلدين بجامعة أم القرى في مكة المكرمة بتحقيق الأستاذ المحقق فهيم محمد شلتوت، وهي طبعة متقنة محررة مفهرسة.
[4] طبع قديما جدا في كمبردج سنة (1207) هـ- ومنه نسخ خطية كثيرة في بلدان مختلفة.
[5] وقد طبع في مصر منذ سنوات عديدة وقام بتحقيقه عدد كبير من الأساتذة المحققين.
[6] وهو جدير بالنشر إن توفرت نسخه الخطية.(9/473)
وفيها زين الدّين عمر بن محمد بن أحمد بن عجيمة الحنبلي [1] الإمام العالم الفقيه الصالح.
توفي بمردا في هذه السنة، رحمه الله.
وفي حدودها زين الدّين عبد الرحمن بن إبراهيم بن الحبّال الحنبلي الطرابلسي [2] .
قال العليمي في «طبقاته» : سكن بصالحية دمشق مدة يقرئ بها القرآن والعلم، وكان يباشر نيابة الحكم عن قاضي القضاة شهاب الدّين بن الحبّال، ثم تركها، وأقبل على الاشتغال بالعلم، وأخبرت أنه كان يأكل في كل سنة مشمشة واحدة، ومن الخوخ سبعة، ولا يأكل طعاما بملح. انتهى.
وفي حدودها أيضا شمس الدّين محمد بن محمد اللؤلؤي الحنبلي [3] .
ولد سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وكان من الصالحين، وله سند عال في الحديث الشريف. قاله العليمي أيضا.
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (504) و «السحب الوابلة» ص (323) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 43) و «المنهج الأحمد» الورقة (504) و «السحب الوابلة» ص (194) .
[3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (504) و «السحب الوابلة» ص (451) .(9/474)
سنة خمس وسبعين وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أبو الطّيب أحمد بن محمد بن علي بن حسن بن إبراهيم الأنصاري الخزرجي القاهري الشافعي، المعروف بالشهاب الحجازي [1] الشاعر المفلق.
ولد في شعبان سنة تسعين وسبعمائة، وسمع على المجد الحنفي، والبرهان الأبناسي، وأجاز له العراقي، والهيثمي، وعني بالأدب كثيرا، حتى صار أوحد أهل زمانه، وصنّف كتاب أديبة، منها «روض الآداب» و «القواعد» و «المقامات» و «التذكرة» وغير ذلك. ونظم، ونثر، وطارح، وكتب الخط الحسن، وتميّز في فنون، لكنه هجر ما عدا الأدب منها، وأثنى عليه الأكابر، مع المداومة على التّلاوة والكتابة وحسن العشرة، والمجالسة، وحلو الكلام، وطرح التكلّف، والمحاسن الوافرة.
وتوفي في شهر رمضان [2] .
وفيها المولى علاء الدّين علي بن محمود بن محمد بن مسعود بن محمود بن محمد بن محمد بن محمد بن عمر الشّاهرودي [3]- نسبة إلى قرية قريبة من بسطام- البساطمي- وبسطام بلدة من بلاد خراسان- الهروي الرّازي
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 147) و «حسن المحاضرة» (1/ 573) و «ذيل معجم الشيوخ» لابن فهد ص (345) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 148) .
[2] ومن نظمه ما أورده في «الضوء اللامع» و «الذيل التام» :
قالوا إذا لم يخلّف ميّت ذكرا ... ينسى، فقلت لهم في بعض أشعاري:
بعد الممات أصيحابي ستذكرني ... بما أخلّف من أولاد أفكاري
[3] تحرفت في «ط» إلى «الشاهرودي» .(9/475)
العمري البكري الحنفي [1] الشهير بمصنّفك، لقّب بذلك لاشتغاله بالتصنيف في حداثة سنّة، والكاف للتصغير في لغة العجم، وهو من أولاد الإمام فخر الدّين الرّازي، فإن صاحب الترجمة قال في بعض تصانيفه: كان للإمام الرازي ولد اسمه محمد، وكان الإمام يحبّه كثيرا. وأكثر مصنفاته صنّفه لأجله، وقد ذكر اسمه في بعضها. ومات محمد في عنفوان شبابه، وولد له ولد بعد وفاته وسمّوه أيضا محمدا. وبلغ رتبة أبيه في العلم ثم مات، وخلّف ولدا اسمه محمود، وبلغ أيضا رتبة الكمال، ثم عزم على سفر الحجاز، فخرج من هراة، فلما وصل بسطام أكرمه أهلها لمحبّتهم للعلماء، سيما أولاد فخر الدّين الرازي، فأقام هناك بحرمة وافرة، وخلّف ولدا اسمه مسعود، وسعى في تحصيل العلم، لكنه لم يبلغ رتبة آبائه، وقنع برتبة الوعظ، لأنه لم يهاجر، وخلّف ولدا اسمه محمد أيضا [2] ، فحصّل من العلوم ما يقتدي به أهل تلك البلاد، ثم خلّف ولدا اسمه مجد الدّين محمود، فصار هو أيضا مقتدى الناس في العلم، وهو والدي. انتهى.
وولد مصنّفك في سنة ثلاث وثمانمائة، وسافر مع أخيه إلى هراة لتحصيل العلوم في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، وقرأ على المولى جلال الدّين يوسف الأوبهي تلميذ التفتازاني، وعلى قطب الدّين الهروي، وقرأ فقه الشافعي على الإمام عبد العزيز الأبهري، وفقه الحنفية على الإمام فصيح الدّين بن محمد. ولما أتى بلاد الرّوم صار مدرسا بقونية، ثم عرض له الصّمم، فأتى قسطنطينية، فعيّن له السلطان محمد كل يوم ثمانين درهما، وروي عنه أنه قال: لقيت بعض المشايخ من بلاد العجم وجرى بيننا مباحثه، وأغلظت القول في أثنائها، ولما انقطع البحث قال لي: أسأت الأدب عندي وإنك تجازي بالصّمم، وبأن لا يبقى بعدك عقب.
وكان إماما، عالما، علّامة، صوفيا. أجيز له بالإرشاد من بعض خلفاء زين الدّين الخوافي، وكان جامعا بين رئاستي العلم والعمل، ذا شيبة عظيمة نيّرة.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (100- 102) و «البدر الطالع» (1/ 497) و «الفتح المبين» (3/ 45- 46) .
[2] لفظة «أيضا» سقطت من «ط» .(9/476)
وكان يلبس عباء وعلى رأسه تاج، وحضر هو وحسن جلبي الفناري عند محمود باشا الوزير، فذكر حسن جلبي تصانيف المولى مصنّفك، وقال: قد رددت عليه في كثير من المواضع، ومع ذلك فقد فضّلته عليّ في المنصب. وكان حسن جلبي لم ير مصنّفك قبل، فقال له الوزير: هل تعرف مصنّفك؟ قال: لا. فقال: هذا هو- وأشار إليه- فخجل حسن جلبي، فقال له الوزير: لا تخجل فإن به [1] صمما لا يسمع أصلا.
وكان سريع الكتابة، يكتب لك يوم كرّاسا من تصنيفه. وكان يقرّر للطلبة بالكتابة.
ومن تصانيفه «شرح الإرشاد» و «شرح المصباح» في النحو، و «شرح آداب البحث» و «شرح اللباب» و «شرح المطول» و «شرح المفتاح» للتفتازاني، و «حاشية على التلويح» و «شرح البزدوي» و «شرح القصيدة الروحية» لابن سينا، و «شرح الوقاية» و «شرح الهداية» و «حدائق الإيمان لأهل العرفان» و «شرح المصابيح» للبغوي، و «شرح شرح المفتاح» للسيد، و «حاشية على حاشية شرح المطالع» وشرح بعضا من أصول فخر الإسلام البزدوي، و «شرح الكشّاف» وصنّف باللّسان الفارسي «أنوار الأحداق» و «حدائق الإيمان» و «تحفة السلاطين» و «التحفة المحمودية» و «التفسير الفارسي» أجاد في ترتيبه واعتذر عن تأليفه بهذا اللّسان أنه أمره بذلك السلطان محمد خان والمأمور معذور. وله أيضا «شرح الشمسية» باللسان الفارسي، و «حاشية على شرح الوقاية» لصدر الشريعة، و «حاشية على شرح العقائد» وغير ذلك.
وتوفي- رحمه الله تعالى- بالقسطنطينية، ودفن قرب مزار أبي أيوب الأنصاري.
وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن محمد بن الإمام النابلسي الحنبلي [2] .
__________
[1] في «الشقائق» : «فإن له» .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (504) و «السحب الوابلة» ص (451) .(9/477)
ولي قضاء نابلس [1] وباشر قضاء الرّملة، وكان إماما، عالما.
وتوفي بنابلس [1] في جمادى الآخرة.
وتوفي ولده عبد المؤمن [2] قبله في سنة سبعين.
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ذكر العليمي خبر وفاته عقب ترجمة أبيه في «المنهج الأحمد» الورقة (504) .(9/478)
سنة ست وسبعين وثمانمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن محمد بن مفلح الحنبلي [1] الكفل حارسي، الإمام العالم الخطيب المقرئ.
توفي يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجّة بكفل حارس [2] ، ودفن بحرم المسجد الكبير عند قبر جدّه.
وفيها قاضي القضاة عزّ الدّين أبو البركات أحمد بن إبراهيم بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني العسقلاني الأصل، ثم المصري [3] الحنبلي الإمام [4] العالم العامل المفنّن الورع الزّاهد المحقّق المتقن، شيخ عصره وقدوته.
ولد في ذي القعدة سنة ثمانمائة، وتوفي والده وهو رضيع، فنشأ هو واشتغل بالعلم وبرع، ولقي المشايخ، وروى الكثير، ودأب في الصغر، وحصّل أنواعا من العلوم، ثم باشر نيابة الحكم بالدّيار المصرية عن ابن سالم، ثم عن ابن المغلي، ثم عن المحبّ ابن نصر الله، ثم ولي قضاء الدّيار المصرية.
وكان ورعا، زاهدا، باشر بعفّة ونزاهة وصيانة وحرمة، مع لين جانب، وتواضع، وعلت كلمته، وارتفع أمره عند السلاطين وأركان الدولة والرّعية، وكتب
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (505) و «السحب الوابلة» ص (35) .
[2] كفل حارس: قرية تقع في الجنوب الغربي من نابلس على بعد 23 كيلو مترا، وبها عدد كبير من الآثار. انظر «معجم بلدان فلسطين» للأستاذ محمد محمد شرّاب ص (631- 632) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 205) و «حسن المحاضرة» (1/ 484) و «المنهج الأحمد» الورقة (504) و «السحب الوابلة» ص (42) .
[4] لفظة «الإمام» سقطت من «آ» .(9/479)
الكثير في علوم شتّى ولكن لم ينتفع بما كتبه لإخماله لذلك، ودرّس وأفتى، وناظر، وله من التصانيف «مختصر المحرّر» في الفقه وتصحيحه ونظمه، ومنظومات متعددة في علوم عديدة، فقها، ونحوا، وأصولا، وتصريفا، وبيانا، وبديعا، وحسابا، وغير ذلك.
وله من غير النظم «توضيح الألفية وشرحها» و «شروح» غالب هذه المنظومات وتوضيحاتها، إلى غير ذلك من التواريخ والمجاميع. واختصر «تصحيح الخلاف المطلق في المقنع» للشيخ شمس الدّين بن عبد القادر النابلسي. وكان ينظم الشّعر الحسن، وكان مرجع الحنابلة في الديار المصرية إليه، ولم يزل كذلك إلى أن توفي ليلة السبت حادي عشر جمادى الأولى، وصلّى عليه السلطان قايتباي والقضاة وأركان الدولة. وكانت جنازته حافلة، ودفن بالصحراء من القاهرة.
وفيها شمس الدّين [1] محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد القلقشندي القاهري الشافعي [2] الإمام العالم.
توفي في ربيع الأول عن نحو ثمانين سنة.
وفيها نجم الدّين محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزّرعي ثم الدمشقي [3] الشافعي الإمام العلّامة المفنّن، المعروف بابن قاضي عجلون.
أخذ عن علماء عصره، وبرع، ومهر، وأخذ عنه من لا يحصى.
وتوفي في شوال عن خمس وأربعين سنة.
وفي حدودها أمّ عبد الله نشوان بنت الجمال عبد الله بن علي الكنانية ثم المصرية الحنبلية الرئيسة [4] .
__________
[1] في «الضوء اللامع» و «الذيل التام» : «نجم الدين» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 322) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 155) من المنسوخ.
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 96) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 154- 155) من المنسوخ و «نظم العقيان» ص (150) و «بدائع الزهور» (3/ 69) .
[4] ترجمتها في «المنهج الأحمد» الورقة (505) و «الضوء اللامع» (12/ 129) و «السحب الوابلة» ص (519) .(9/480)
روت عن العفيف النشاوري وغيره، وروى عنها جماعة من الأعيان، منهم القاضي كمال الدّين الجعفري النابلسي وغيره، وكانت خيّرة صالحة، وتقدم ذكر والدها جمال الدّين، المعروف بالجندي، وهي من أقارب القاضي عزّ الدّين الكناني، وكانت على طريقته في العفّة والزّهد، حتى في قبول الهدية [1] وتوفيت بالقاهرة [1] .
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .(9/481)
سنة سبع وسبعين وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أحمد بن منصور العامري الرّملي الشافعي [1] الإمام العالم العلّامة.
توفي ليلة نصف شعبان عن بضع وسبعين سنة.
وفيها علي بن أحمد بن عثمان بن محمد بن إسحاق السّلمي [2] المناوي الأصل القاهري [3] الإمام العالم.
توفي يوم الجمعة سلخ ربيع الأول عن أربع وستين سنة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 161) من المنسوخ و «نظم العقيان» ص (43) .
[2] تحرفت نسبته في «ط» إلى «السّالمي» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 169) .(9/482)
سنة ثمان وسبعين وثمانمائة
فيها توفي إبراهيم بن عبد ربّه الصّوفي [1] .
قال المناوي في «طبقاته» : زاهد مشهور بالصّلاح، معدود من ذوي الفلاح.
أخذ عن الشيخ محمد الغمري، والشيخ مدين، وغيرهما. وكان مقيما في خلوة بجامع الزاهد، وللناس فيه اعتقادا، وربما لقّن الذكر، وسلك، بل كان من أرباب الأحوال، دخل مرّة بيت الشيخ مدين في مولده، فأكل الطعام المولد كله، وأكل مرّة لحم بقرة كاملة، ثم طوي بعدها سنة.
ومن كراماته ما حكاه الشيخ أمين الدّين إمام جامع الغمري أنه قال له: بعدك نسأل في مهماتنا من؟ قال: من بينه وبين أخيه ذراع من تراب فاسألني أجيبك، فمرضت بنته، فالتمسوا لها بطيخة فما وجدت، فجاء إلى قبره وقال: الوعد، ثم رجع بعد العشاء فوجد في سلّم بيته بطيخة لم يعلم من أين جاءت [2] . ومناقبه كثيرة.
وتوفي في صفر ودفن بباب جامع الزاهد.
وفيها بدر الدّين حسن بن أحمد [بن حسن بن أحمد] بن عبد الهادي، المشهور بابن المبرد [3] الحنبلي، الإمام العالم القاضي.
__________
[1] كتاب «طبقات الأولياء» للمناوي، مخطوط لم يطبع بعد وغير متوفر بين أيدينا.
[2] هذه إحدى المبالغات والشطحات الكثيرات التي يتداولها المتصفون بالصوفية وما لها من دليل أو رصيد، فمن أين لميت أن يتصرف من قبره أيا كانت منزلته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل ولد آدم وأعظمهم منزلة عنده في الدنيا والآخرة انتهت صلته الجسمية والتصرفية فيما يتصل بعالم الأحياء بموته صلى الله عليه وسلم، والله نسأل أن يلهمنا الاعتقاد السليم والتطبيق السّليم لدينه دون زيادة أو نقصان.
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 92) وما بين الحاصرتين زيادة منه.(9/483)
باشر نيابة الحكم بدمشق مدة، وتوفي بها في رجب.
وفيها خطّاب بن عمر بن مهنّا الغزّاوي العجلوني الدمشقي الشافعي [1] الإمام العالم.
توفي بدمشق في رمضان وقد قارب السبعين.
وفيها زين الدّين عبد القادر بن عبد الله بن العفيف الحنبلي [2] الشيخ الإمام العالم.
توفي بنابلس في ذي الحجّة.
وفيها نور الدّين علي بن إبراهيم بن البدرشي المالكي القاهري الأصل [3] القاضي الإمام العالم.
توفي ببيت المقدس في مستهل جمادى الأولى قاضيا بها.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 181) .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (505) و «السحب الوابلة» ص (226) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 160) .(9/484)
سنة تسع وسبعين وثمانمائة
فيها تقريبا توفي المولى حسن جلبي بن محمد شاه الفناري الحنفي [1] الإمام العلّامة.
قال في «الشقائق» : كان عالما، فاضلا، قسّم أيّامه بين العلم والعبادة، وكان يلبس الثياب الخشنة، ولا يركب دابة للتواضع، وكان يحبّ الفقراء والمساكين، ويعاشر الصّوفية. وكان مدرّسا بالمدرسة الحلبية بأدرنة، وكان ابن عمّه المولى علي الفناري قاضيا بالعسكر في أيام السلطان محمد خان، فدخل عليه، وقال:
استأذن من السلطان إني أريد أن أذهب إلى مصر لقراءة كتاب [2] «مغني اللبيب» في النحو على رجل مغربي سمعته بمصر يعرف ذلك الكتاب غاية المعرفة، فعرضه على السلطان فأذن له، وقال: قد اختل دماغ ذلك المرء، وكان السلطان محمد لا يحبه لأجل أنه صنّف «حواشيه على التلويح» باسم السلطان بايزيد في حياة والده، ثم إنه دخل إلى مصر، وكتب كتاب «مغني اللبيب» بتمامه، وقرأه على ذلك المغربي قراءة تحقيق وإتقان، وكتب ذلك المغربي بخطّه على ظهر كتابه إجازة له في ذلك الكتاب، وقرأ هناك «صحيح البخاري» على بعض تلامذة ابن حجر، وحصل له منه إجازة في ذلك الكتاب، وفي رواية الحديث عنه، ثم إنه حجّ، وأتى بلاد الرّوم، وأرسل كتاب «مغني اللبيب» إلى السلطان محمد، فلما نظر فيه زال عنه تكدر خاطره عليه، وأعطاه مدرسة أزنيق، ثم إحدى الثمان، وكان يذهب بعد الدرس إلى زيارة قاضي زادة، وفي الغد يزوره قاضي زاده، ثم عيّن له في كل يوم
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 127) وفيه وفاته سنة (886) و «الشقائق النعمانية» ص (114- 115) والبدر الطالع» (1/ 208) وفيه وفاته سنة (886) و «الأعلام» (2/ 216- 217) وفيه أيضا وفاته سنة (886) .
[2] لفظة «كتاب» سقطت من «ط» .(9/485)
ثمانين درهما. وسكن ببرسا إلى أن مات، وله «حواش على المطول» و «حواش على شرح المواقف» للسيد الشريف، و «حواش على التلويح» للعلّامة التفتازاني، وكلها مقبولة متداولة.
وفيها المولى خير الدّين خليل بن قاسم بن حاجي صفارح الحنفي [1] .
قال في «الشقائق» : وهو جدّي لوالدي، كان جدّه الأعلى أتى من بلاد العجم إلى بلاد الرّوم هاربا من فتنة جنكز خان، وتوطن في نواحي قصطموني، وكان صاحب كرامات يستجاب الدّعاء عند قبره [2] ، وولد له ولد اسمه محمود، حصّل شيئا من الفقه والعربية، ولم يترق إلى درجة الفضيلة، وولد له ولد اسمه أحمد، وهو أيضا كان عارفا بالعربية والفقه، ولم يبلغ مبلغ الفضيلة، وولد له ولد اسمه حاج صفا، كان فقيها، عابدا، صالحا، ولم تكن له فضيلة زائدة، وولد له ولد اسمه قاسم، مات وهو شاب في طلب العلم، وولد له صاحب الترجمة، وقد بلغ مبلغ الفضيلة. قرأ في بلاده مباني العلوم، ثم سافر إلى مدينة برسا، وقرأ هناك على ابن البشير، ثم سافر إلى أدرنة، وقرأ هناك على أخي مولانا خسرو، وقرأ الحديث والتفسير على المولى خير الدّين العجمي، ثم أتى مدينة برسا، وقرأ على المولى يوسف بالي بن المولى شمس الدّين الفناري، ثم وصل إلى خدمة المولى بيكان [3] ، واشتهر عنده بالفضيلة التامة، وأرسله إلى مدرسة مظفر الدّين الواقعة في بلدة طاش كبري من نواحي قسطموني [4] ، وعيّن له كل يوم ثلاثون درهما لوظيفة التدريس، وخمسون درهما من محصول كرة النحاس، وعاش هناك في نعمة وافرة وعزّة متكاثرة، ثم عزله السلطان محمد لما أخذ تلك البلاد من يد إسماعيل بك،
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (72- 74) .
[2] أقول: وهذه أيضا من الشطحات، فإنه لا يجوز الدعاء عند قبره. (ع) .
[3] في «آ» و «ط» : «بكان» والتصحيح من «الشقائق النعمانية» .
[4] في «آ» و «ط» : «قصطموني» بالصاد، وما أثبته من «الشقائق النعمانية» مصدر المؤلف.
وجاء في حاشية الدكتور إحسان حقي على «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (139) ما نصه:
قسطموني: في شمال الأناضول على بعد نحو مائة كم عن البحر الأسود.
قلت: وتعرف الآن ب «قسطمونة» .(9/486)
فذهب إلى كرة النحاس، فكان يعظ الناس هناك في كل جمعة. وتوفي هناك.
انتهى ملخصا.
وفيها زين الدّين قاسم بن قطلوبغا [1] بن عبد الله الجمالي [2] المصري [3] نزيل الأشرفية الحنفي العلّامة المفنّن.
قال البرهان البقاعي في «عنوان الزمان» : ولد سنة اثنتين وثمانمائة تقريبا بالقاهرة، ونشأ بها، وحفظ القرآن العظيم، ثم أخذ في الجدّ، حتّى شاع ذكره، وانتشر صيته، وأثنى عليه مشايخه، وصنّف التصانيف المفيدة، فمن تصانيفه «شرح درر البحار» و «تخريج أحاديث الاختيار» بيض في جزءين، و «رجال شرح معاني الآثار للطحاوي» بيض في مجلد، و «تخريج أحاديث البزدوي» في الأصول مجلد لطيف، و «أحاديث الفرائض» كذلك، و «تخريج أحاديث شرح القدوري» للأقطع، مجلد لطيف. «وثقات الرجال» كمل في أربع مجلدات، و «تصحيح على مجمع البحرين» لابن الساعاتي، و «شرح فرائض المجمع» و «حاشية على التلويح» وصل فيها إلى أثناء بحث السنة في مجلد، و «شرح منظومة ابن الجزري» في علم الحديث المسماة ب «الهداية» ، وغير ذلك [4] مما غالبه في المسودات إلى الآن [5] . انتهى ملخصا.
وأخذ عن ابن الهمام وغيره [4] من علماء عصره، وأخذ عنه من لا يحصى كثرة.
__________
[1] قال صديقي الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح التركماني، نفع الله به، في مقدمته لكتاب المترجم «تاج التراجم» ص (3) : قطلوبغا: اسم مركّب من كلمتين، هما «قطلو» بمعنى المبارك أو الميمون.
و (بغا) بمعنى الفحل. والاسم يعني بجملته: الفحل المبارك، أو الفحل الميمون.
[2] في «ط» : «الجمال» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 184) و «البدر الطالع» (2/ 45) و «الفوائد البهية» ص (99) و «هدية العارفين» (1/ 830) و «الفتح المبين في طبقات الأصوليين» (3/ 48) وقد استوفى ترجمته صديقي الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح في مقدمته لكتاب المترجم «تاج التراجم» ص (3- 26) الصادر بتحقيقه حديثا عن دار المأمون للتراث بدمشق.
[4، 4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[5] قلت: وقد أحصى الأستاذ إبراهيم صالح مؤلفاته في مقدمته لكتاب «تاج التراجم» فبلغت مائة وثلاثة مؤلفات.(9/487)
وبالجملة فهو من حسنات الدّهر، رحمه الله تعالى.
وتوفي في ربيع الآخر عن سبع وسبعين سنة.
وفيها الظّاهر أبو سعيد تمربغا الرّومي الظّاهري الجقمقي [1] .
ولي السلطنة قليلا ثم خلع، مع مزيد عقله، وتودده، ورئاسته، وفصاحته.
توفي بالإسكندرية في ذي الحجّة وقد جاوز الستين.
وفيها العادل خشقدم خير بك الدوادار [2] .
خلع المترجم قبله، وتسلطن ليلا، ولقّب بالعادل، ثم أمسك وصودر، وسجن بالإسكندرية.
وتوفي في ربيع الثاني ببيت المقدس.
وفيها محيى الدّين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن سعد بن مسعود الرّومي البرعمي الحنفي، المعروف بالكافيجي [3] لقّب بذلك لكثرة اشتغاله بكتاب «الكافية» في النحو.
قال السيوطي في «بغية الوعاة» : شيخنا العلّامة أستاذ الأستاذين.
ولد سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، واشتغل بالعلم أوّل ما بلغ، ورحل إلى بلاد العجم والتتر، ولقي العلماء الأجلاء، فأخذ عن الشمس الفنري، والبرهان حيدرة، والشيخ واجد، وابن فرشته شارح «المجمع» وغيرهم.
ورحل إلى القاهرة أيام الأشرف برسباي فظهرت فضائله، وولي المشيخة بتربة الأشرف المذكور، وأخذ عنه الفضلاء والأعيان، ثم ولي مشيخة الشيخونية لما رغب عنها ابن الهمام.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 40) و «تحفة الناظرين فيمن ولي مصر من الولاة والسلاطين» على هامش «لطائف أخبار الأول ص (140) .
[2] ترجمته في «بدائع الزهور» (3/ 97) وفيه «خاير بك» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 259) وفيه: «ابن سعيد» و «بغية الوعاة» (1/ 117) .(9/488)
وكان الشيخ إماما كبيرا في المعقولات كلها والكلام، وأصول الفقه، والنحو، والتصريف، والإعراب، والمعاني، والبيان، والجدل، والمنطق، والفلسفة [1] والهيئة بحيث لا يشقّ أحد غباره في شيء من هذه العلوم. وله اليد الحسنة في الفقه، والتفسير [1] والنظر في علوم الحديث وألّف فيه.
وأما تصانيفه في العلوم العقلية فلا تحصى بحيث إني سألته أن يسمي لي جميعها لأكتبها في ترجمته، فقال: لا أقدر على ذلك. قال: ولي مؤلفات كثيرة أنسيتها، فلا أعرف الآن أسماءها.
وأكثر تصانيف الشيخ مختصرات، وأجلّها وأنفعها على الإطلاق «شرح قواعد الإعراب» و «شرح كلمتي الشهادة» . وله «مختصر في علوم الحديث» و «مختصر في علوم التفسير» يسمّى «التيسير» قدر ثلاث كراريس. وكان يقول: إنه اخترع هذا العلم ولم يسبق إليه. وذلك لأن الشيخ لم يقف على «البرهان» للزركشي، ولا على «مواقع العلوم» للجلال البلقيني.
وكان الشيخ- رحمه الله تعالى- صحيح العقيدة في الديانة [2] ، حسن الاعتقاد في الصوفية، محبا لأهل الحديث، كارها لأهل البدع، كثير التعبد على كبر سنه، كثير الصّدقة والبذل، لا يبقي على شيء، سليم الفطرة، صافي القلب، كثير الاحتمال لأعدائه، صبورا على الأذى، واسع العلم جلدا. لازمته أربع عشرة سنة فما جئته من مرة إلا وسمعت منه من التحقيقات والعجائب ما لم أسمعه قبل ذلك.
قال لي يوما ما إعراب زيد قائم، فقلت قد صرنا في مقام الصّغار ونسأل عن هذا؟ فقال لي: في زيد قائم مائة وثلاثة عشر بحثا، فقلت لا أقوم من هذا المجلس حتى أستفيدها، فأخرج لي تذكرتها، فكتبتها منها.
وما كنت أعدّ الشيخ إلّا والدا بعد والدي. وكان يذكر أنه كان بينه وبين والدي صداقة تامّة. وأن والدي كان منصفا له بخلاف أكثر أهل مصر.
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] في «ط» و «بغية الوعاة» : «في الديانات» .(9/489)
توفي الشيخ شهيدا بالإسهال ليلة الجمعة رابع جمادى الأولى. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد السّيلي [1] الإمام الحنبلي العالم الفرضي.
قال العليمي قدم من السيلة إلى دمشق في سنة سبع عشرة وثمانمائة، فاشتغل، وقرأ «المقنع» وتفقه على الشيخ شمس الدّين بن القباقبي. وقرأ علم الفرائض والحساب على الشيخ شمس الدّين الحواري، وصار أمّة فيه. وله اطلاع على كلام المحدّثين والمؤرّخين، ويستحضر تاريخا كثيرا. وله معرفة تامة بوقائع العرب، ويحفظ كثيرا من أشعارهم.
أفتى، ودرّس مدة، ثم انقطع في آخر عمره في بيته.
توفي يوم السبت سابع عشر شوال ودفن بالروضة. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن الحسن، المعروف بابن أمير حاج الحلبي الحنفي [2] عالم الحنفية بحلب وصدرهم.
كان إماما، عالما، علّامة، مصنّفا. صنّف التصانيف الفاخرة الشهيرة، وأخذ عنه الأكابر، وافتخروا بالانتساب إليه.
وتوفي بحلب في رجب عن بضع وخمسين سنة.
وفيها أمين الدّين يحيى بن محمد الأقصرائي الحنفي [3] .
قال في «حسن المحاضرة» : هو شيخ الحنفية في زمانه، أي بالقاهرة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 65) وفيه: «محمد بن موسى» و «المنهج الأحمد» الورقة (505) و «السحب الوابلة» ص (450) .
والسّيلي: نسبة لقرية بالقرب من القدس يقال لها سيلة. قاله السخاوي في «الضوء اللامع» (11/ 208) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 209) و «البدر الطالع» (2/ 254) و «الفتح المبين في طبقات الأصوليين» (3/ 47) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 240) و «حسن المحاضرة» (1/ 478) وفيهما وفاته سنة (880) .(9/490)
ولد سنة نيف وتسعين وسبعمائة، وانتهت إليه رئاسة الحنفية في زمانه.
انتهى، أي ومات في أواخر ذي الحجّة راجعا من الحجّ.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد المصري الشافعي، المعروف بابن القطّان [1] الإمام، العالم، العلّامة.
توفي في ذي القعدة وقد جاوز الستين.
وفيها يحيى بن محمد بن أحمد الدمياطي، ثم القاهري [2] الشافعي، الإمام العالم.
توفي ليلة سابع المحرم عن نحو ثمانين سنة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 248) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 244) .(9/491)
سنة ثمانين وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد السّلفيتي الحنبلي [1] الشيخ الإمام العالم الزّاهد الورع.
وفيها قاضي القضاة [2] محيى الدّين عبد القادر بن أبي القاسم بن أحمد بن محمد بن عبد المعطي الأنصاري العبّادي [3] المالكي النحوي، نحوي مكة.
قال في «بغية الوعاة» : أما التفسير، فإنه كشّاف خفيّاته، وأما الحديث، فإليه الرّحلة في رواياته [ودرايته] . وأما الفقه، فإنه مالك زمامه وناصب أعلامه، وأما النحو، فإنه محيي ما درس من رسومه، ومبدي ما أبهم من معلومه، وإذا ضلّ طالبوه عن محجّته اهتدوا إليه بنجومه، ورثه لا عن كلالة، ثم قام به أتمّ قيام، فلو رآه سيبويه لأقرّ له لا محالة. وأما آدابه ومحاضراته، فحدّث عن البحر ولا حرج، وأما مجالساته، فأبهى من الرّوض الأنف إذا تفتح [4] زهره وأرج. وأما زهده في قضاياه، فقد سارت به الرّكبان. وأما غير ذلك من محاسنه، فكثير يقصر عن سردها اللّسان.
ولد في ثامن عشر ربيع الآخر سنة أربع عشرة وثمانمائة بمكّة، ونشأ بها صيّنا [خيّرا] ، وسمع بها من التّقي الفاسي، وأبي الحسن بن سلامة وجماعة، وأجازت
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (505) و «السحب الوابلة» ص (119) .
[2] في «ط» : «قاضي القاضي» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 283) و «بغية الوعاة» وما بين الحاصرتين مستدرك منه (2/ 104) و «نيل الابتهاج» على هامش «الديباج» ص (185) .
[4] في «آ» و «ط» : «إذا انفتح» وما أثبته من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف.(9/492)
له عائشة بنت عبد الهادي، وابن الكويك، وعبد القادر الأرموي، والبدر الدمامينيّ [وخلق] . وتفقه على جماعة، وأجاز له البساطي بالإفتاء والتّدريس، وأخذ عنه العربية، وبرع فيها، وفي الفقه. وكتب الخطّ المنسوب، وتصدّر بمكّة للإفتاء وتدريس الفقه، والتّفسير، والعربية، وغير ذلك. وهو إمام، علّامة، بارع في هذه العلوم الثلاثة، بل ليس بعد شيخي الكافيجي، والشّمنّي أنحى منه مطلقا. ويتكلم في الأصول كلاما حسنا. حسن المحاضرة، كثير الحفظ للآداب والنّوادر، والأشعار، والأخبار، وتراجم الناس وأحوالهم، فصيح العبارة، طلق اللّسان، قادر على التّعبير عن مراده بأحسن عبارة وأعذبها وأفصحها، لا تملّ مجالسته، كثير العبادة، والصّلاة، والقراءة، والتواضع، ومحبّة أهل الفضل والرّغبة في مجالستهم، ولم ينصفني في مكة أحد غيره، ولم أتردّد لسواه، ولم أجالس سواه.
وكتب لي على «شرح الألفية» تقريظا بليغا. و [كان] قد دخل القاهرة، واجتمع بفضلائها. وولي قضاء المالكية بمكّة بعد موت أبي عبد الله النّويري في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين، فباشره بعفّة ونزهة، وعزل وأعيد مرارا، ثم أضرّ بأخرة فأشار بأن يولّى تلميذه ظهيرة بن أبي حامد بن ظهيرة، ثم قدّر أن ظهيرة المذكور توفي في آخر سنة ثمان وستين، وقدح لقاضي القضاة محيى الدّين، فأبصر، فأعيد إلى الولاية، واستمرّ.
وله تصانيف، منها «هداية السّبيل في شرح التّسهيل» لم يتم، و «حاشية على التوضيح» و «حاشية على شرح الألفية» للمكودي. وقرأت عليه جزء الأماني لابن عفّان. وأسندت حديثه في «الطبقات الكبرى» .
ومات في مستهل شعبان. انتهى.
وفيها علي بن محمد بن علي بن محمد بن عمر المصري المكّي الشافعي، ويعرف بابن الفاكهاني [1] الإمام العالم العلّامة.
توفي في رمضان عن بعض وأربعين سنة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 324) .(9/493)
وفيها زين الدّين عمر بن إسماعيل المؤدّب الحنبلي [1] .
قال العليمي: كان رجلا مباركا، يحفظ القرآن، ويقرئ الأطفال بالمسجد الأقصى بالمجمع المجاور لجامع المغاربة من جهة القبلة، والناس سالمون من لسانه ويده.
توفي بالقدس الشريف في شهر رجب. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد التّبريزي الإيجي الشّيرازي الشافعي، السيد الشريف الحسني الحسيني [2] الإمام العالم.
توفي بمكة عن خمس وستين سنة.
وفيها القاضي يوسف بن أحمد بن ناصر بن خليفة الباعوني المقدسي ثم الصالحي الدمشقي [3] قاضي الشافعية بدمشق.
توفي في ربيع الثاني عن أربع وسبعين سنة.
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (505) و «السحب الوابلة» ص (318) .
[2] ترجمته في «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (268- 269) و «الضوء اللامع» (9/ 126) وفيهما وفاته سنة (855) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 298) .(9/494)
سنة إحدى وثمانين وثمانمائة
فيها توفي كما قال في «ذيل الدول» [1]- شيخ فضلاء العصر أبو بكر بن محمد بن شادي الحصني الشافعي [2] الإمام العلامة توفي في ربيع الأول عن خمس وستين سنة.
وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد النّويري الغزّي المالكي [3] قاضي المالكية الإمام العالم.
توفي بغزّة في جمادى الآخرة.
وفيها تقريبا الشيخ جمال الدّين بير جمال الشّيرازي العجمي [4] الشافعي الصّوفي الإمام القدوة المسلّك العارف.
قال المناوي: كان من كبار العابدين المسلّكين، ومن أهل العلم والدّين المتين.
قدم مكّة ثم القاهرة، وصحبته نحوا من أربعين [5] من مريديه ما بين علماء أكابر، وصوفية أماثل، وأبناء رؤساء، منهم الإمام عميد الدّين قاضي شيراز، ترك
__________
[1] قلت: ترجمته في القسم الساقط من النسخة التي اعتمدنا عليها في مراجعة «الذيل التام على دول الإسلام» للسخاوي، وقد استدركنا هذه الترجمة في الكتاب المذكور نقلا عن «الشذرات» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (11/ 76) وفيه: «ابن شاذي» بالذال، و «البدر الطالع» (1/ 166) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 188) .
[4] ترجمته في «جامع كرامات الأولياء» (1/ 370) .
[5] في «ط» : «وصحبته نحو أربعين» .(9/495)
الدنيا وتبعه، وكان أتباعه على قلب واحد في طاعته والانقياد التام [1] إليه، وكلّهم على طهر دائما، وكان طريقه مداومة الذكر القلبي لا اللساني، وإدامة الطهارة، ولبس المسوح من وبر الإبل، وملازمة كل إنسان حرفته. وكانت جماعته على أقسام، فالعلماء والطلبة يشغلهم بالكتابة، ومن دونهم كلّ بحرفته ما بين غزل، ونسج، وخياطة، وتجليد كتب، وغيرها.
وكان دائم النصيحة والتسليك، موصلا إلى الله تعالى من أراده. وله كرامات منها أن السيد علي بن عفيف الشّيرازي عارضه وأنكر عليه، فأصابه خرّاج في جنبه. فمات فورا.
وتوفي صاحب الترجمة ببيت المقدس. انتهى.
وفيها داود بن بدر الحسني الصّوفي [2] .
قال المناوي: كان من الأولياء المشهورين، وأكابر العارفين.
نشأ بشرافات قرية بقرب بيت المقدس [3] ، وله كرامات، منها أن القرية التي كان بها أهلها كلهم نصارى ليس فيهم مسلم إلّا الشيخ وأهل بيته، وكانت حرفة أهل القرية عصر العنب وبيعه، فشق ذلك عليه، فتوجه بسببهم، فصار كل شيء عملوه خلّا وماء، وعجزوا، فارتحلوا منها، ولم يبق فيها إلا الشيخ وجماعته، فشق على مقطعها، فاستأجرها منه، وبنى بها زاوية لفقرائه.
ومنها أنه لما عقد القبة التي على القبر الذي أعدّه ليدفن فيه أتي طائر فأشار إليها فسقطت، فأمر الشيخ بإعادتها، ففعل كذلك، فأمر ببنائها ثالثا، وحضر الشيخ، فلما انتهت أتى الطائر ليفعل فعله، فأشار إليه الشيخ فسقط ميتا، فنظروا إليه فإذا هو رجل عليه أبّهة وشعر رأسه مسدول طويل، فغسّله وكفّنه، وصلى عليه
__________
[1] لفظة «التام» سقطت من «آ» .
[2] لم أعثر على ترجمته فيما بين يدي من المصادر باستثناء «جامع كرامات الأولياء» (2/ 7) وقد ذكر بأن وفاته كانت سنة (701) نقلا عن «الأنس الجليل» .
[3] وقال في «معجم بلدان فلسطين» ص (467) : شرفات: قرية تطل على مدينة القدس من بعد نحو خمسة أكيال.(9/496)
ودفنه، وقال: بعث لحتفه، وهو ابن عمي، اسمه أحمد الطير، غارت همته من همتنا، وأراد طفي الشهرة بهدم القبة، ويأبى الله إلّا ما أراده، فكان أول من دفن بها [1] .
وتوفي المترجم في هذه السنة ودفن بالقبة أيضا. انتهى.
وفيها سيف الدّين محمد بن محمد بن عمر بن قطلوبغا البكتمريّ القاهري الحنفي النحوي [2] .
قال السيوطي في كتابيه «حسن المحاضرة» و «طبقات النّحاة» : شيخنا الإمام العلّامة سيف الدّين الحنفي.
ولد تقريبا على رأس ثمانمائة، وأخذ عن السّراج قارئ الهداية، والزّين التّفهني، ولزم العلّامة كمال الدّين ابن الهمام وانتفع به، وبرع في الفقه، والأصول، والنحو، وغير ذلك. وكان شيخه ابن الهمام يقول عنه: هو محقّق الدّيار المصرية، مع ما هو عليه من سلوك طريق السّلف، والعبادة، والخير، وعدم التردّد إلى أبناء الدنيا، والانقباض عليهم. لازم التدريس، ولم يفت، واستنابه ابن الهمام في مشيخة الشيخونية لمّا حجّ أول مرة. وولي مشيخة مدرسة زين الدّين الأستادار، ثم تركها، ودرّس التفسير بالمنصورية، والفقه بالأشرفية العتيقة.
وسئل تدريس الحديث في مدرسة العيني لما رتّبت فيها الدروس في سنة سبعين، فامتنع مع الإلحاح عليه. وله «حاشية» مطوّلة على «توضيح ابن هشام» كثيرة الفوائد.
وتوفي يوم الثلاثاء ثاني عشري ذي القعدة، وهو آخر شيوخي موتا، لم يتأخر بعده أحد ممن أخذت عنه العلم إلّا رجل قرأت عليه ورقات «المنهاج» وقلت أرثيه:
__________
[1] في «ط» : «فيها» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 173) و «حسن المحاضرة» (1/ 478) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «بغية الوعاة» (1/ 231) .(9/497)
مات سيف الدّين منفردا ... وغدا في اللّحد منغمدا
عالم الدّنيا وصالحها ... لم تزل أحواله رشدا
[يبكيه دين النّبيّ إذا ... مات أتاه ملحد كمدا]
إنّما يبكى على رجل ... قد غدا في الخير معتمدا
لم يكن في دينه وهن ... لا ولا للكبر منه ردا
عمره أفناه في نصب ... لإله العرش مجتهدا
من صلاة أو مطالعة ... أو كتاب الله مقتصدا
لا يوافيه لمظلمة ... بشر [1] أو مدّع فندا
في الّذي قد كان من ورع ... لم يخلّف بعده أحدا
دانت الدّنيا لمنصرم ... ورحيل النّاس قد أفدا
ليت شعري من نؤمّله ... بعد هذا الحبر ملتحدا
ثلمة في الدّين موتته ... ما لها من جابر أبدا
قد روينا ذاك في خبر ... وهو موصول لنا سندا
فعليه هامعات رضا ... ومن الغفران سحب ندى
وبعثنا ضمن زمرته ... مع أهل الصّدق والشّهدا
انتهى.
وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن محمود بن خليل الحلبي الحنفي، المعروف بابن أجا [2] الإمام العالم.
توفي بحلب في جمادى الآخرة عن ستين سنة.
وفيها محمد بن يعقوب بن المتوكل العبّاسي [3] أخو أمير المؤمنين.
__________
[1] في «ط» : «بشره» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 43) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 86) .(9/498)
توفي في جمادى الثانية عن أربع وستين سنة.
وفيها قاضي القضاة بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة شرف الدّين عبد القادر بن العلّامة المحقّق شمس الدّين أبي عبد الله محمد الجعفري النابلسي [1] الحنبلي.
تقدم ذكر والده وجدّه.
ولد سنة اثنتين، وقيل: إحدى وتسعين وسبعمائة، ونشأ على طريقة حسنة، وهو من بيت علم ورئاسة، وسمع من جدّه، وابن العلائي، وجماعة، وباشر القضاء بنابلس نيابة عن ابن عمّه القاضي تاج الدّين عبد الوهاب المتقدم ذكره. ثم وليها استقلالا بعد الأربعين والثمانمائة عوضا عن القاضي شمس الدّين بن الإمام المتقدم ذكره. ثم أضيف إليه قضاء القدس مدة، ثم عزل من القدس، واستمرّ قاضيا بنابلس. وولي أيضا قضاء الرّملة، ونيابة الحكم بالديار المصرية. وكان حسن السيرة، عفيفا في مباشرة القضاء، له هيبة عند الناس، حسن الشكل، عليه أبّهة ووقار. رزق الأولاد، وألحق الأحفاد بالأجداد، ومتّع بدنياه، وعزل عن القضاء في أواخر عمره، واستمر معزولا إلى أن توفي بنابلس يوم الخميس سادس عشر شهر رمضان وله نحو التسعين سنة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 69) و «المنهج الأحمد» الورقة (505- 506) و «السحب الوابلة» ص (390) .(9/499)
سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة
فيها توفي تقي الدّين أبو الصّدق أبو بكر بن محمد الحمصي المنبجي الحنبلي [1] .
قال العليمي: قرأ «العمدة» للشيخ الموفق، والنظم للصرصري، ثم قرأ «المقنع» و «أصول الطوفي» و «ألفية ابن مالك» . وحفظ القرآن، واشتغل بالمنطق والمعاني والبيان، وأتقن الفرائض، والجبر، والمقابلة، وتفقّه على ابن قندس، وأذن له في الإفتاء، وكان مشتغلا بالعلم، ويسافر للتجارة، وصحب القاضي عزّ الدّين الكناني بالدّيار المصرية.
وتوفي بالقاهرة في رجب عن نحو ثلاث وستين سنة، ودفن بالقرب من محب الدّين بن نصر الله [2] البغدادي.
وفيها حسن بك بن علي بك بن قرابلوك [3] متملك العراقين، وأذربيجان، وديار بكر.
توفي في جمادى الآخرة أو رجب.
وفيها العلمي شاكر بن عبد الغني [4] بن شاكر بن ماجد بن عبد الوهاب القاهري، الشهير بابن الجيعان [5] .
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (506) و «السحب الوابلة» ص (137) وفيه: «المنيحي» .
[2] لفظ الجلالة سقط من «آ» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 112) .
[4] في «ط» : «شاكر بك عبد الغني» .
[5] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 291) .(9/500)
توفي في ربيع الآخر وقد جاوز التسعين.
وفيها عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عمر العقيلي الحنفي، المعروف بابن العديم [1] الإمام العالم العلّامة [2] .
توفي في ذي الحجّة وقد جاوز السبعين.
وفيها قاضي القضاة علاء الدّين أبو الحسن علي بن قاضي القضاة صدر الدّين أبي بكر بن قاضي القضاة تقي الدّين إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي [3] الإمام العلّامة، شيخ الإسلام.
ولد سنة خمس عشرة وثمانمائة، وكان من أهل العلم والرئاسة. ولي قضاء حلب وباشره مدة طويلة، ثم قضاء الشام، وأضيف إليه كتابة السرّ بها، ثم أعيد إلى قضاء حلب، ثم عزل، واستمرّ معزولا إلى الموت، ولم يكن له حظّ من الدنيا. وكان موصوفا بالسّخاء، والشهامة.
وتوفي بحلب في صفر.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عبد الله بن الزّكي الغزّي الحنبلي [4] الإمام العالم.
توفي بنابلس في جمادى الآخرة في حياة والده، ودفن بمقبرة القلاس.
وفيها القاضي علاء الدّين علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد العزيز النّويري المكّي [5] قاضي المالكية بها، وابن قاضي الشافعية بها.
كان إماما، عالما.
توفي في ربيع الأول عن ست وستين سنة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 218) .
[2] لفظة «العلّامة» سقطت من «ط» .
[3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (506) و «الضوء اللامع» (5/ 198) و «السحب الوابلة» ص (290) .
[4] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (506) و «السحب الوابلة» ص (307) .
[5] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 12) .(9/501)
وفيها أبو المواهب محمد بن أحمد بن محمد بن الحاج التّونسي ثم القاهري المالكي الصوفي، ويعرف بابن زغدان- بمعجمتين ونون آخره- البرلسي [1] ، نسبة لقبيلة.
قال المناوي: صوفيّ، حبر، كلامه، مسموع، وحديث قدره مرفوع، إمام الورعين، كنز العارفين، علّم الزّاهدين.
ولد سنة عشرين وثمانمائة بتونس، فحفظ القرآن، وكتبا، وأخذ العربية عن أبي عبد الله الرّملي وغيره، والفقه عن البرزالي وغيره، والمنطق عن الموصلي، والأصلين والفقه عن إبراهيم الأخضري، ثم قدم مصر، فأخذ الحديث عن ابن حجر، والتصوف عن يحيى بن أبي وفاء، وصار آية في فهم كلام الصوفية. وكان له اقتدار تام على التقرير، وبلاغة في التعبير، وكان جميل الصورة والملبس والتعطر، وأغلب أوقاته مستغرق في الله ومع الله، وكان له خلوة بسطح جامع الأزهر، مكان المنارة التي عملها الغوري، وكان يغلب عليه سكر الحال، فيتمايل في صحن الجامع، فيتكلّم الناس فيه بحسب ما في أوعيتهم حسنا وقبحا.
وله تصانيف، منها «مراتب الكمال» في التصوف، و «شرح الحكم» [2] لم يتم ولا نظير له في شروحها، و «مواهب المعارف» وكتاب «فوائد حكم الإشراق إلى صوفية جميع الآفاق» قال الشعراني [3] : ولم يؤلّف في الطريق مثله، وكان داعية إلى ابن عربي، شديدا في المناضلة عنه والانتصار له، وله مؤلّف في حلّ سماع العود.
ومن كلامه: ما اعترض أحد على أهل الطريق فأفلح.
ومنه: إنما نزلت سورة أَلَمْ نَشْرَحْ 94: 1 [الانشراح: 1] عقب وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ 93: 11 [الضّحى: 11] إشارة إلى من حدّث بالنعمة، فقد شرح الله صدره كأنه
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 66) .
[2] أي «شرح الحكم العطائية» .
[3] في «آ» و «ط» : «الشعراوي» والصواب ما أثبته.(9/502)
قال: إذا حدّثت بنعمتي ونشرتها، شرحت لك [1] صدرك. قال: فاعقلوه فإنه لا يسمع إلّا من ربّاني.
وقال: حكم الملك القدّوس أن لا يدخل حضرته أحدا من أهل النّفوس.
توفي بالقاهرة ودفن بمقبرة الشّاذلية مع أصحاب الشيخ أبي الحسن الشّاذلي. انتهى ملخصا.
وفيها الكمالي أبو البركات قاضي جدّة محمد بن علي بن محمد بن محمد بن حسين القرشي المكّي الشافعي، المعروف بابن ظهيرة [2] الإمام العالم الأصيل.
توفي سلخ ربيع الآخر عن ستين سنة.
وفيها جمال الدّين يوسف بن محمد المرداوي السّعدي الحنبلي، المعروف بابن التنبالي [3] الإمام الفقيه العلّامة.
قال العليمي: كان من أهل العلم والدّين، اختصر كتاب «الفروع» للعلّامة شمس الدّين بن مفلح، وكان يحفظ «الفروع» [أو غالبه] ، و «جمع الجوامع» وغيرهما. ويكتب على الفتوى، وتلمذ له جماعات من الأفاضل.
وتوفي بدمشق. انتهى.
__________
[1] لفظة «لك» سقطت من «آ» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 208) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 332) و «المنهج الأحمد» الورقة (507) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.(9/503)
سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن عمر بن خالد الإبشيطي [1]- بكسر الهمزة، وسكون الموحدة، وكسر المعجمة، آخره طاء مهملة- الشافعي ثم الحنبلي الصّوفي الإمام العلّامة البارع المفنّن.
قال العليمي: مولده بإبشيط [2] في سنة اثنتين وثمانمائة، وكان من أهل العلم، والدّين، والصّلاح، مقتصدا، في مأكله وملبسه، وكان يلبس قميصا خشنا، ويلبس فوقه في الشتاء فروة كبّاشية، وإذا اتسخ قميصه يغسله في بركة المؤيدية بماء فقط، وكان بيده خلوة له بقعة منها فيها برش خوص، وتحت رأسه طوبتان، وإلى جانبه قطعة خشب عليها بعض كتب له، وبقية الخلوة فيها حبال السّاقية والعليق، بحيث لا يختص من الخلوة إلّا بقدر حاجته.
وكان له كل يوم ثلاثة أرغفة يأكل رغيفا واحدا ويتصدق بالرغيفين.
وكان معلومه [3] في كل شهر نحو أشرفي، يقتات منه في كل شهر بنحو خمسة أنصاف فضة، وهي عشرة دراهم شامية أو أقلّ، والباقي من الأشرفي يتصدّق به. وكان هذا شأنه دائما، لا يدّخر شيئا، يفضل عن كفايته، مع الزّهد، ووقع له مكاشفات وأحوال تدلّ على أنه من كبار الأولياء، وانقطع في آخر عمره بالمدينة الشريفة أكثر من عشرين سنة، وتواتر القول بأنه كان يقرئ الجان.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 235- 237) و «المنهج الأحمد» الورقة (507) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 181) من المنسوخ.
[2] ابشيط من أعمال الغربية في مصر. انظر «التحفة السّنية» ص (71) .
[3] أي راتبه.(9/504)
وتوفي بالمدينة المشرّفة في شهر رمضان.
وفيها تقي الدّين أبو بكر بن زيد الجراعي [1] الحنبلي الإمام العلّامة الفقيه القاضي.
كان من أهل العلم والدّين، وهو رفيق الشيخ علاء الدّين المرداوي في الاشتغال على الشيخ تقي الدّين بن قندس، وباشر نيابة القضاء بدمشق، وتوجه إلى الدّيار المصرية، فاستخلفه القاضي عزّ الدّين الكناني في الحكم، وباشر عنه بالمدرسة الصالحية، وله «غاية المطلب في معرفة المذهب» و «تصحيح الخلاف المطلق» مجلد لطيف. و «الألغاز الفقهية» مجلد لطيف. و «شرح أصول ابن اللحّام» مجلد.
وكان يحدّ السكران بمجرد وجود الرائحة على إحدى الروايتين، وسئل عن دير قائم البناء تهدّم من حيطانه المحيطة به هدما صارت الحيطان منه قريبة من الأرض فطلع لأهله حرامية لصوص وقتلوا راهبا، فهل للرّهبان رفع الحيطان كما كانت تحرّزا من اللصوص، وهل لهم أن يبنوا على باب الدّير فرنا وطاحونا؟
والحالة أن هذا الدّير بعيد من المدينة غير مشرف على عمارة أحد من المسلمين، فما الحكم في ذلك؟، فأجاب بالجواز في بناء الحائط المتهدّم. قال: وأما بناء الفرن والطاحون، فإن كانت الأرض مقرة في أيديهم فلهم البناء لأنهم إنما يمنعون من إحداث المتعبدات لا من غيرها، والله أعلم.
توفي بدمشق.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن العماد الحموي الحنبلي [2] .
رحل في ابتداء أمره إلى القاهرة، واشتغل بالعلم على القاضي جمال الدّين بن هشام، ثم اشتغل بدمشق على الشيخ جمال الدّين يوسف
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 32- 33) و «المنهج الأحمد» الورقة (507) و «السحب الوابلة» ص (127) و «تاريخ البصروي» بتحقيق العلبي ص (86) وقد تحرفت «الجراعي» فيه إلى «الخزاعي» فلتصحح.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 260) و «المنهج الأحمد» الورقة (508) .(9/505)
المرداوي، وتفقه على ابن قندس، وأذن له بالإفتاء، وباشر نيابة الحكم بحلب، ثم قدم القاهرة، وأقام بها مدة يحترف بالشهادة، ثم أتى مدينة حماة فتوفي بها في شعبان.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر البلقيني القاهري [1] الشافعي الإمام العالم.
توفي في شعبان وقد زاحم الثمانين.
وفيها ملك اليمن علي بن طاهر بن تاج الدّين [2] .
توفي في ربيع الثاني عن بضع وسبعين سنة.
وفيها قاضي القضاة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن الزّكي الغزّي الحنبلي [3] .
ولي قضاء الحنابلة بغزّة في دولة الملك الظّاهر جقمق، فباشر مباشرة حسنة.
وكان شكلا حسنا، عليه أبّهة ووقار، واستمر في الولاية إلى أن توفي بغزّة في شوال.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 310) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 182) من المنسوخ.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 233) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 183) من المنسوخ.
[3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (508) .(9/506)
سنة أربع وثمانين وثمانمائة
فيها توفي أقضى القضاة برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح الحنبلي [1] الشيخ الإمام البحر الهمام العلّامة القدوة الرّحلة الحافظ المجتهد الأمة، شيخ الإسلام، سيّد العلماء والحكّام، ذو الدّين المتين والورع واليقين، شيخ العصر وبركته.
اشتغل وحصّل، ودأب، وجمع، وسلّم إليه القول والفعل من أرباب المذاهب كلّها، وصار مرجع الفقهاء والناس، والمعوّل عليه في الأمور. وباشر قضاء دمشق مرارا، مع الدّين، والورع، ونفوذ الكلمة، وصنّف «شرح المقنع» في الفقه [2] و «طبقات الأصحاب» مرتبة على حروف المعجم، سمّاه «المقصد الأرشد في ترجمة أصحاب الإمام أحمد» [3] . وصنّف كتابا في الأصول [4] ، وغير ذلك.
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (508- 509) و «الضوء اللامع» (1/ 152) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 59- 61) و «السحب الوابلة» ص (33- 34) و «منادمة الأطلال» ص (232- 233) .
[2] قلت: واسمه «المبدع شرح المقنع» وهو من خيرة مراجع الفقه الحنبلي، وقد قام بتحقيقه والتعليق عليه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله بالاشتراك مع الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وأسهم في تصحيح تجارب طبعه الأستاذ أحمد القطيفاني، وصدر عن المكتب الإسلامي بدمشق وبيروت في تسعة مجلدات قبل فترة طويلة.
[3] وهو من خير مصادر تراجم الحنابلة وقد قام بتحقيقه وتوثيقه والتعليق عليه الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين حفظه الله، ونشرته مكتبة الرشد في الرياض في ثلاث مجلدات سنة (1410 هـ) .
[4] منها «مرقاة الوصول إلى علم الأصول» ذكر الدكتور العثيمين في مقدمة «المقصد الأرشد» وأطال الكلام عليه فليراجع.(9/507)
وتوفي بدمشق في خامس شعبان بمنزله بالصالحية، ودفن بالرّوضة عند أسلافه.
وفيها موفق الدّين أحمد بن إبراهيم بن محمد بن خليل الطّرابلسي [1] الشافعي الإمام العالم.
توفي في ذي القعدة عن ست وستين سنة.
وفيها شرف الدّين عبد القادر بن قاضي القضاة بدر الدّين محمد بن عبد القادر الجعفري النابلسي الحنبلي [2] الإمام العالم الصّوفي.
كان أكبر أولاد أبيه، وشيخ الفقراء الصمادية، وكان يحترف بالشهادة بمجلس والده بنابلس، وبمجلس أخيه القاضي كمال الدّين بالقدس.
وكان رجلا خيّرا، على طريقة حسنة.
توفي بنابلس في شوال.
وفيها أمير المؤمنين المستنجد بالله أبو المظفّر يوسف بن المتوكل على الله أبي بكر بن سليمان الهاشمي العبّاسي [3] آخر الإخوة الخمسة المستقرّين في الخلافة.
توفي في المحرّم عن ست وثمانين سنة، وبويع بالخلافة ولد أخيه العزي عبد العزيز بن الشرفي يعقوب بن المتوكل.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 198) وفيه: «أحمد بن إبراهيم بن محمود ... » .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (509) و «السحب الوابلة» ص (236) .
[3] ترجمته في «تاريخ الخلفاء» ص (513) .(9/508)
سنة خمس وثمانين وثمانمائة
فيها توفي الإمام برهان الدّين إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط [1] البقاعي [2] الشافعي المحدّث المفسّر الإمام العلّامة المؤرّخ.
ولد سنة تسع وثمانمائة- قال هو:- في ليلة الأحد تاسع شعبان سنة إحدى وعشرين وثمانمائة أوقع ناس من قريتنا خربة روحا [3] من البقاع يقال لهم: بنو مزاحم بأقاربي بني حسن من القرية المذكورة، فقتلوا تسعة أنفس، منهم أبي عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر، وأخواه محمد سويد شقيقه [4] ، وعلي أخوهما لأبيهما، وضربت أنا بالسيف ثلاث ضربات إحداها في رأسي فجرحتني، وكنت إذ ذاك ابن اثنتين عشرة سنة، فخرجنا من القرية المذكورة، واستمرينا نتنقل في قرى وادي التيم، والعرقوب، وغيرهما، إلى أن أراد الله تعالى بإقبال السعادتين الدنيوية والأخروية فنقلني جدّي لأمي [5] علي بن محمد السّليمي إلى دمشق، فجوّدت [6] القرآن، وجدّدت حفظه، وأفردت القراآت وجمعتها على بعض المشايخ، ثم على الشّمس ابن الجزري لما قدم إلى دمشق سنة سبع وعشرين وثمانمائة، واشتغلت بالنحو، والفقه، وغيرهما من العلوم، وكان ما أراد الله تعالى
__________
[1] قال العلّامة الزركلي في «الأعلام» : الرباط: بضم الراء وتخفيف الباء.
[2] ترجمته في «نظم العقيان» ص (24) و «البدر الطالع» (1/ 19) و «الضوء اللامع» (1/ 101- 111) و «الأعلام» (1/ 56) و «الذيل التام» (2/ 192) من المنسوخ.
[3] انظر «قاموس لبنان» ص (95) .
[4] لفظة «شقيقه» سقطت من «ط» .
[5] في «آ» : «جدّي لأبي» .
[6] تحرفت في «آ» إلى «فجردت» .(9/509)
من التنقّل في البلاد والفوز بالغزو والحجّ- أدام الله نعمه آمين-.
ومن ثمرات ذلك أيضا الإراحة من الحروب والوقائع التي أعقبتها هذه الواقعة، فإنها استمرت أكثر من ثلاثين سنة، ولعلها زادت على مائة وقعة، كان فيها ما قاربت القتلى فيه ألفا. انتهى بحروفه.
وأخذ المترجم عن أساطين عصره، كابن ناصر الدّين، وابن حجر، وبرع، وتميّز، وناظر وانتقد حتى على شيوخه، وصنّف تصانيف عديدة، من أجلّها «المناسبات القرآنية» [1] و «عنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران» [2] و «تنبيه الغبي بتكفير عمر بن الفارض وابن عربي» وانتقد عليه بسبب هذا التأليف، وتناولته الألسن، وكثر الردّ عليه، فممن ردّ عليه العلّامة السيوطي بكتابه «تنبيه الغبي بتبرئة ابن العربي» .
وبالجملة فقد كان من أعاجيب الدّهر وحسناته.
وتوفي بدمشق في رجب عن ست وسبعين سنة.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوي السّعدي ثم الصّالحي الحنبلي [3] الشيخ الإمام العلّامة المحقّق المفنّن أعجوبة الدّهر، شيخ المذهب وإمامه ومصححه ومنقّحه، بل شيخ الإسلام على الإطلاق ومحرّر العلوم بالاتفاق.
ولد سنة سبع عشرة وثمانمائة، وخرج من بلده مردا في حال الشبيبة، فأقام بمدينة سيدنا الخليل- عليه الصلاة والسلام- بزاوية الشيخ عمر المجرّد رحمه الله، وقرأ بها القرآن، ثم قدم إلى دمشق، ونزل بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر بالصّالحية، واشتغل بالعلم، فلاحظته العناية الرّبانية، واجتمع بالمشايخ، وجدّ في
__________
[1] واسمه- كما في الأعلام- «نظم الدّرر في تناسب الآيات والسور» وهو مطبوع في سبع مجلدات، ويعرف ب «مناسبات البقاعي» أو «تفسير البقاعي» .
[2] ذكر العلّامة الزركلي بأنه في أربع مجلدات، وأن له مختصرا اسمه «عنوان العنوان» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 225- 227) و «المنهج الأحمد» الورقة (509- 514) و «الجوهر المنضد» ص (99- 101) و «السحب الوابلة» ص (296- 297) و «البدر الطالع» (1/ 446) .(9/510)
الاشتغال، وتفقّه على الشيخ تقي الدّين بن قندس البعلي شيخ الحنابلة في وقته، فبرع وفضل في فنون من العلوم، وانتهت إليه رئاسة المذهب، وباشر نيابة الحكم دهرا طويلا، فحسنت سيرته، وعظم أمره، ثم فتح عليه في التصنيف، فصنّف كتبا كثيرة في أنواع العلوم، أعظمها «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف» أربع مجلدات ضخمة جعله على «المقنع» وهو من كتب الإسلام، فإنه سلك فيه مسلكا لم يسبق إليه، بيّن فيه الصحيح من المذهب، وأطال فيه الكلام، وذكر في كل مسألة ما نقل فيها من الكتب وكلام الأصحاب، فهو دليل على تبحر مصنّفه، وسعة علمه، وقوة فهمه، وكثرة اطلاعه، ومنها «التنقيح المشبع في تحريم المقنع» وهو مختصر «الإنصاف» و «التحرير في أصول الفقه» ذكر فيه المذاهب الأربعة، وغيرها وشرحه، وجزء في الأدعية والأوراد سمّاه «الحصون المعدّة الواقية من كل شدّة» و «تصحيح كتاب الفروع» لابن مفلح، و «شرح الآداب» . وغير ذلك. وانتفع الناس بمصنّفاته، وانتشرت في حياته وبعد وفاته، وكانت كتابته على الفتوى غاية، وخطه حسن، وتنزه عن مباشرة القضاء في أواخر عمره، وصار قوله حجّة في المذهب يعوّل عليه في الفتوى والأحكام في جميع مملكة الإسلام. ومن تلامذته قاضي القضاة بدر الدّين السّعدي قاضي الديار المصرية، وغالب من في المملكة من الفقهاء والعلماء وقضاة الإسلام، وما صحبه أحد إلّا وحصل له الخير، وكان لا يتردد إلى أحد من أهل الدنيا، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان الأكابر والأعيان يقصدونه لزيارته والاستفادة منه، وحجّ، وزار بيت المقدس مرارا، ومحاسنه أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر.
وتوفي بالصالحية دمشق يوم الجمعة سادس جمادى الأولى، ودفن بسفح قاسيون قرب الرّوضة.
وفيها سراج الدّين عمر بن حسين بن حسن بن علي العبّادي القاهري [1] الشافعي الأزهري الإمام العلّامة، شيخ الشافعية في عصره.
توفي في ربيع الأول وقد جاوز الثمانين سنة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 81) و «الذيل التام» (2/ 191) من المنسوخ.(9/511)
وفيها تقريبا المولى عزّ الدّين عبد اللطيف [بن عبد العزيز] بن الملك الحنفي الشهير بابن قرشته [1] .
قال في «الشقائق» : كان عالما فاضلا ماهرا في جميع العلوم الشرعية، شرح «مجمع البحرين» شرحا حسنا جامعا للفوائد، [وهو] مقبول في بلادنا، وشرح أيضا «مشارق الأنوار» للإمام الصاغاني شرحا لطيفا، وشرح «كتاب المنار في الأصول» وله رسالة في علم التصوف تدل على أن له حظّا عظيما من معارف الصوفية. انتهى ملخصا.
وفيها نجم الدّين عمر بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد الهاشمي المكّي الشافعي، المعروف بابن فهد [2] الإمام العالم العريق.
توفي في رمضان عن ثلاث وسبعين سنة.
وفيها المولى خسرو محمد بن قرامرز [3] الرّومي الحنفي [4] الإمام العلّامة.
كان والده روميا من أمراء الفراسخة، تشرّف بالإسلام، وكان له بنت زوّجها من أمير آخر مسمى بخسرو، فلما مات كان صاحب الترجمة في حجره، فاشتهر بخسرو، وأخذ العلوم عن برهان الدّين حيدر الرّومي المفتي في البلاد الرّومية، ثم صار مدرسا بمدينة أدرنة بمدرسة شاه ملك، وكان له أخ مدرّس بالمدرسة الحلبية، وتقيد المولى خسرو بأدرنة على المولى يوسف بالي بن شمس الدّين الفناري مدرّس السلطان محمد بمدينة برسا، وكتب المولي خسرو «حواشيه على المطول»
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 329) وما بين الحاصرتين زيادة منه و «الشقائق النعمانية» ص (30) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 126) و «الذيل التام» (2/ 191) من المنسوخ، و «البدر الطالع» (1/ 512) .
[3] كتبت هذه اللفظة هكذا في «آ» : «قرامرز» وكتبت في «ط» : «قراموز» وتعددت أشكال كتابتها في مصادر الترجمة.
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 279) و «الفوائد البهية» ص (184) .(9/512)
في المدرسة المذكورة، ثم صار مدرّسا بمدرسة أخيه بعد وفاته، ثم صار قاضيا بالعسكر المنصور. ولما جلس السلطان محمد خان على سرير السلطنة ثانيا جعل له كل يوم مائة درهم، ولما فتح قسطنطينية جعل المترجم قاضيا بها بعد وفاة المولى خضر بك، وضم إليه قضاء غلطة، وأسكدار، وتدريس آيا صوفيا. وكان مربوع القامة، عظيم اللّحية، يلبس الثياب الدّنية، وعلى رأسه عمامة صغيرة.
وكان السلطان محمد يجلّه كثيرا ويفتخر به، ويقول لوزرائه: هذا أبو حنيفة زمانه.
وكان متخشعا متواضعا، صاحب أخلاق حميدة، وسكينة ووقار، يخدم بنفسه، مع ماله من العبيد والخدم الذين لا يحصون كثرة.
وكان مع اشتغاله بالمناصب والتداريس يكتب كل يوم ورقتين من كتب السّلف بخط حسن.
وآل به الأمر إلى أن صار مفتيا بالتخت السلطاني، وعظم أمره، وطار ذكره، وعمر عدة مساجد بقسطنطينية.
ومن مصنّفاته «حواش على المطول» و «حواشي التلويح» و «حواش على أول تفسير البيضاوي» و «مرقاة الوصول في علم الأصول» وشرحه، و «الدّرر والغرر» ورسالة في الولاء، و «رسالة متعلقة بتفسير سورة الأنعام» وغير ذلك.
وتوفي بقسطنطينية وحمل إلى مدينة برسا فدفن بها في مدرسته، رحمه الله تعالى.
وفيها المولى محمد بن قطب الدّين الأزنيقي [1] الحنفي الإمام العالم العامل.
قرأ العلوم الشرعية والعقلية على المولى الفناري، وتمهر، وفاق أقرانه، ثم سلك مسلك التصوف، فجمع بين الشريعة والطريقة والحقيقة، وصنّف «شرحا لمفتاح الغيب» للشيخ صدر الدّين القونوي وهو في غاية الحسن، وشرح أيضا «فصوص الصدر القونوي» رحمهما الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» ص (185) وقال فيه: نسبته إلى أزنيق مدينة رومية قديمة.(9/513)
وفي حدودها المولى سنان الدّين يوسف المشهور بقراسنان الحنفي [1] الإمام العلّامة.
قال في «الشقائق» : كانت له مهارة في العلوم العربية [والفنون] الأدبية.
صنّف شرحا ل- «مراح الأرواح» في الصرف، وشرحا ل- «الشافية» في الصرف أيضا.
وله «شرح الملخص» للجغميني في علم الهيئة، و «حواش على شرح الوقاية» لصدر الشريعة. انتهى ملخصا.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (129- 130) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.(9/514)
سنة ست وثمانين وثمانمائة
في رمضانها كانت الصاعقة التي احترق بنارها المسجد الشريف النبوي سقفه وحواصله وخزائن كتبه وربعاته، ولم يبق من قناطره وأساطينه إلّا اليسير، وكانت آية من آيات الله تعالى [1] .
وقال بعضهم فيه:
لم يحترق حرم النّبيّ لريبة ... تخشى عليه وما به من عار
لكنّما أيدي الرّوافض لامست ... تلك الرّسوم فطهّرت بالنّار
وفيها في سابع عشر المحرم كانت بمكة زلزلة هائلة لم يسمع بمثلها.
وفيها حدودها توفي المولى شمس الدّين أحمد بن موسى الشهير بالخيالي الحنفي [2] الإمام العلّامة.
قرأ على أبيه، وعلى خضر بك، وهو مدرّس بسلطانية برسا، ومهر، وبرع، وفاق أقرانه، وسلك طريق الصوفية، وتلقّن الذكر، وله «حواش على شرح العقائد النّسفية» تمتحن بها الأذكياء لدقتها، و «حواش على أوائل حاشية التجريد» و «شرح لنظم العقائد» لأستاذه المولى خضر بك أجاد فيه كل الإجادة، وغير ذلك من الحواشي والتعاليق، رحمه الله تعالى.
__________
[1] وذكر خبر احتراق المسجد النبوي أيضا الحافظ السخاوي في «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 199- 200) من المنسوخ.
[2] ترجمته في «الفوائد البهية» ص (43) وقد اضطرب في تحديد سنة وفاته ما بين (860 و 870) و «البدر الطالع» (1/ 121- 122) و «معجم المؤلفين» (2/ 187) .(9/515)
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عيسى بن عطيف العدني اليمني [1] الشافعي الإمام العالم الفقيه.
توفي بمكة المشرّفة في جمادى الأولى عن بضع وسبعين سنة.
وفيها سابع ملوك بني عثمان السلطان محمد بن السلطان مراد خان [2] .
ولد سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، وولي السلطنة سنة ست وخمسين، وكانت مدة ولايته إحدى وثلاثين سنة.
قال في «الأعلام» : كان من أعاظم سلاطين بني عثمان، وهو الملك الضليل، الفاضل النّبيل، العظيم الجليل، أعظم الملوك جهادا، وأقواهم إقداما واجتهادا، وأثبتهم جأشا وفؤادا، وأكثرهم توكلا على الله واعتمادا، وهو الذي أسس ملك بني عثمان، وقنّن لهم قوانين صارت كالأطواق في أجياد الزمان، وله مناقب جميلة، ومزايا فاضلة جليلة، وآثار باقية في صفحات الليالي والأيام، ومآثر لا يمحوها تعاقب السنين والأعوام، وغزوات كسر بها أصلاب الصلبان والأصنام، من أعظمها أنه فتح القسطنطينية الكبرى، وساق إليها السفن تجري رخاء برّا وبحرا، وهجم عليها بجنوده وأبطاله، وأقدم عليها بخيوله ورجاله، وحاصرها خمسين يوما أشد الحصار، وضيّق على من فيها من الكفّار الفجّار، وسلّ على أهلها سيف الله المسلول، وتدرّع بدرع الله الحصين المسبول، ودقّ باب النصر والتأييد ولج، ومن قرع بابا ولج ولج، وثبت على متن الصبر إلى أن أتاه الله تعالى بالفرج، ونزلت عليه ملائكة الله القرب الرّقيب بالنصر العزيز من عند [3] الله تعالى والفتح القريب، ففتح اصطنبول في اليوم الحادي والخمسين من أيام محاصرته وهو يوم الأربعاء العشرون من جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وصلى في أكبر كنائس النصارى صلاة الجمعة وهي أيا صوفيا، وهي قبة تسامي قبة السماء، وتحاكي في
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 4) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 47) و «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (160- 178) بتحقيق د. إحسان حقي، وهو المشهور بالسلطان محمد الفاتح.
[3] لفظة «عند» لم ترد في «ط» .(9/516)
الاستحكام قبب الأهرام، ولا وهت ولا وهنت كبرا ولا هرما، وقد أسس في اصطنبول للعلم أساسا راسخا لا يخشى على شمسه الأفول، وبنى بها مدارس كالجنان [1] لها ثمانية أبواب، سهلة الدخول، وقنّن بها قوانين تطابق المعقول والمنقول، فجزاه الله خيرا عن الطلاب، ومنحه بها أجرا، وأكبر ثواب، فإنه جعل لهم أيام الطلب ما يسد فاقتهم ويكون به من خمار الفقر إفاقتهم، وجعل بعد ذلك مراتب يترقون إليها ويصعدون بالتمكن والاعتبار عليها، إلى أن يصلوا إلى سعادة الدنيا، ويتوسلون بها أيضا إلى سعادة العقبى، وأنه- رحمه الله تعالى- استجلب العلماء الكبار من أقصى الديار وأنعم إليهم [2] وعطف بإحسانه إليهم، كمولانا علي القوشجي، والفاضل الطّوسي، والعالم الكوراني، وغيرهم من علماء الإسلام وفضلاء الأنام، فصارت اصطنبول بهم أمّ الدنيا ومعدن الفخار والعلياء، واجتمع فيها أهل الكمال من كل فنّ، فعلماؤها إلى الآن أعظم علماء الإسلام، وأهل حرفها أدق الفطناء في الأنام، وأرباب دولتها هم أهل السعادة العظام، فللمرحوم المقدّس قلادة منن لا تحصى في أعناق المسلمين، لا سيما العلماء الأكرمين. انتهى ملخصا. أي واستقرّ بعده في المملكة ابنه الأكبر أبو يزيد يلدرم، ومعناه البرق.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «كالجفان» .
[2] كذا في «آ» و «ط» : «وأنعم إليهم» .(9/517)
سنة سبع وثمانين وثمانمائة
فيها في أثناء ذي القعدة [1] كان بمكّة السّيل الهائل الذي لم يسمع بمثله، خرّب نحو ربع بيوت مكّة، وجاز في المسجد الحرام حلقتي باب الكعبة، ومات من الخلق من لا يحصيهم إلّا الله تعالى.
وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن يوسف الحسيني العراقي الشافعي، المعروف بابن أبي الوفاء [2] الإمام العالم.
توفي في جمادى الأولى عن ست وسبعين سنة.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن علي بن محمد السّلمي المنصوري [3] الشافعي ثم الحنبلي، ويعرف بابن الهايم، وبالشهاب المنصوري، وبالقائم.
كان شاعر زمانه.
ولد سنة تسع وتسعين وسبعمائة، واشتغل، وفهم شيئا من العلم، وبرع في الشعر وفنون، وتفرّد في آخر عمره، وله ديوان كبير منه:
شجاك بربع العامريّة معهد ... به أنكرت عيناك ما كنت تعهد
ترحّل عنه أهله بأهلّة ... بأحداجها غيد من العين خرّد
__________
[1] في «مفاكهة الخلان» (1/ 58) : «في خامس عشرة من ذي القعدة» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 75) و «متعة الأذهان» الورقة (24) .
وقال في «الضوء اللامع» : «قرأ بالسبع، وتفقه، وصنّف، ودخل القاهرة، ومات بزاويته بدمشق» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 150) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 210) من المنسوخ و «نظم العقيان» ص (77- 90) وهي ترجمة حافلة و «بدائع الزهور» (3/ 194) و «السحب الوابلة» ص (98) .(9/518)
كواكب [1] أتراب حسان كأنّها ... برود بأغصان النّقا تتأوّد
وهي طويلة وجميع شعره في غاية الحسن.
وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها الصّدر سليمان بن عبد الناصر الإبشيطي ثم القاهري الشافعي الصّوفي [2] .
قال المناوي: تعبّد قديما، وحدّث، واشتغل، بالفقه وغيره، ودرّس، وأفاد، وأفتى، وخطب، ونزل بالشيخونية، ثم تصوّف، وحجّ قاضي المحمل مرارا، و «شرح ألفية ابن مالك» وغيرها، ورام الاشتغال بالمنطق لكثرة معارضة من يبحث معه فيه، فأخذ الشمسية في كمه، ودخل على الشيخ الحريفيش مستشيرا له بالحال، فبمجرد رؤيته قال: من الله تعالى علينا بكتابه العزيز، والنحو والأصول، فما لنا وللمنطق؟ وكرّر ذلك، فرجع، وعدّ ذلك من كراماتهما.
ومن كراماته أيضا أنه كان يجيء لحضور الشيخونية، فينزل عن بغلته، ويرسلها ليس معها أحد، فتذهب للرّميلة فتقمقم مما تراه هناك، ثم ترجع عند فراغ الدرس سواء بلاء زيادة ولا نقص.
توفي- رحمه الله تعالى- عن نحو ثمانين سنة. انتهى.
وفيها فقيه اليمن عمر بن محمد بن معيبد اليماني الزّبيدي الشافعي [3] الإمام العلّامة.
توفي في صفر عن ست وثمانين سنة.
__________
[1] كذا في الأصول: «كواكب» ولو قال: «كواعب» لكان أجمل للمعنى وأنسب للاقتباس من آي القرآن الكريم.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 265) و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 27) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 132) و «البدر الطالع» (1/ 513) و «طبقات صلحاء اليمن» ص (313) .(9/519)
سنة ثمان وثمانين وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن أحمد بن علي بن زكريا الجديديّ [1] البدراني [2] الشافعي الإمام العالم.
توفي في ربيع الآخر عن نحو سبعين سنة.
وفيها كريم الدّين أبو المكارم عبد الكريم بن علي البويطي الحنبلي [3] العدل.
قال العليمي: كان رجلا خيّرا، وكان في ابتداء أمره يباشر عند الأمراء بالقاهرة، ثم احترف بالشهادة، ولما ولي ابن أخته [4] بدر الدّين السّعدي [4] قضاء الديار المصرية، ولّاه العقود والفسوخ، وكان يجلس لتحمل الشهادة بباب المدرسة الصالحية في حانوت الحكم المنسوب للحنابلة. وتوفي بالقاهرة.
وفيها نور الدّين علي بن محمد المناوي المصرية الحنبلي [5] العدل المشهور بباهو، الإمام العالم.
__________
[1] في «آ» : «الحديدي» وأثبت ما جاء في «الضوء اللامع» وقد قيد السخاوي نسبته فقال: «الجديدي:
بضم الجيم، ثم دال مهملة مفتوحة، بعدها تحتانية مشدّدة مكسورة، ثم مهملة نسبة لقرية من قرى منية بدران لكون أصله منها» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 217) و «الذيل التام» (2/ 214) من المنسوخ.
[3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (514) و «السحب الوابلة» ص (242) .
[4، 4] ما بين الرقمين لم يرد في نسخة «المنهج الأحمد» التي بين يدي.
[5] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 315) و «المنهج الأحمد» الورقة (514) و «السحب الوابلة» ص (307) .(9/520)
ولّاه القاضي بدر الدّين البغدادي العقود والفسوخ بالديار المصرية، ولم يزل إلى أيام القاضي بدر الدّين السّعدي. وتوفي في أيامه.
وفيها شمس الدّين محمد بن عثمان الجزيري الحنبلي [1] الإمام العالم.
اشتغل بالعلم على القاضي محب الدّين بن الجناق المتقدم ذكره، وعلى القاضي بدر الدّين السّعدي، والعزّ الكناني، وفضل، وتميّز، وكان يحترف بالشهادة، وصار من أعيان موقّعي الحكم. وكان أعجوبة.
توفي في شوال بالقاهرة.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن قاسم القاهري الشافعي [2] ، المعروف بابن المرخّم، الإمام العالم.
توفي في جمادى الأولى عن ثمانين سنة.
وفيها كمال الدّين محمد بن علي بن الضياء المصري الخانكي الحنبلي [3] الإمام العلّامة.
أصله من الخانكاه السرياقوسية، وكان يسكن بالقاهرة، وباشر عقود الأنكحة والفسوخ في أيام القاضي عزّ الدّين الكناني، ثم لما ولي بدر الدّين السّعدي استخلفه في الحكم وأجلسه بباب البحر، وكان يميل إليه بالمحبة.
وتوفي في أيامه بالقاهرة.
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (514) و «الضوء اللامع» (8/ 142) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 205) و «الذيل التام» (2/ 214) من المنسوخ.
[3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (514) و «السحب الوابلة» ص (420) .(9/521)
سنة تسع وثمانين وثمانمائة
فيها في جمادى الآخرة كان إجراء عين عرفات [1] .
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن يحيى بن شاكر بن عبد الغني بن الجيعان [2] .
توفي في شعبان عن أربعين سنة.
وفيها تقي الدّين أبو بكر بن خليل بن عمر بن السّلم النابلسي الأصل ثم الصّفدي الحنبلي، المشهور بابن الحوائج كاش [3] ، قاضي مدينة صفد وابن قاضيها.
اشتغل بالعلم، ومهر، وباشر القضاء بمدينة صفد مدة، وعزل، وولّي مرات، وكان في زمن عزله يحترف بالشهادة إلى أن توفي بصفد.
وفيها الشمس محمد بن عبد المنعم بن محمد بن محمد الجوجري ثم القاهري [4] الشافعي الإمام العالم، سليل العلماء.
توفي في رجب عن سبع وستين سنة.
وفيها قاضي القضاة كمال الدّين أبو الفضل محمد بن قاضي القضاة
__________
[1] ذكر السخاوي هذا الخبر بأوسع مما هنا في «الذيل التام» (2/ 219) من المنسوخ فليراجع.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (11/ 3) و «الذيل التام» (2/ 222) من المنسوخ، و «بدائع الزهور» (3/ 209) .
[3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (515) و «السحب الوابلة» ص (126) وقد تحرفت «كاشف» فيه إلى «كائن» .
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 123) .(9/522)
بدر الدّين أبي عبد الله محمد بن قاضي القضاة شرف الدّين أبي حاتم عبد القادر الجعفري النابلسي الحنبلي، المعروف بابن قاضي نابلس [1] .
ولد سنة نيف وثلاثين وثمانمائة، ودأب، وحصّل، وسافر البلاد، وأخذ عن المشايخ، وأذن له الشيخ علاء الدّين المرداوي بالإفتاء وأذن له أيضا الشيخ تقي الدّين بن قندس، وبرع في المذهب، وأفتى وناظر، وباشر القضاء بنابلس نيابة عن والده، ثم باشره بالديار المصرية عوضا عن العزّ الكناني، ثم باشره ببيت المقدس عوضا عن الشمس العليمي، ثم أضيف إليه قضاء الرّملة ونابلس، ثم عزل وأعيد مرارا، وكان له معرفة ودربة بالأحكام، ثم قطن في [2] دمشق ثلاث سنين، ثم توجه إلى ثغر دمياط، وباشر به نيابة الحكم، ثم سافر منه، فورد خبر موته إلى القاهرة بإسكندرية في هذه السنة.
وفيها القاضي جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن قاضي القضاة شيخ الإسلام محبّ الدّين أبي الفضل أحمد المتقدم ذكره ابن نصر الله البغدادي الأصل ثم المصري الحنبلي [3] الإمام العلّامة.
تفقه بوالده وغيره، وفضل، وبرع في حياة والده، وشهد له بالفضل، ونزل له عن تدريس البرقوقية، وباشر نيابة الحكم بالدّيار المصرية في أيام العزّ الكناني، ثم ترك، واستمر خاملا إلى قبيل وفاته بيسير، ففوض إليه القاضي بدر الدّين السّعدي نيابة الحكم، فما كان إلا القليل، وكان يكتب على الفتاوى كتابة جيدة إلى الغاية إلا أنه لم يكن له حظ من الدنيا.
وتوفي بالقاهرة في أحد الربيعين [4] .
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 110) و «الذيل التام» (2/ 222) من المنسوخ و «بدائع الزهور» (3/ 213) و «السحب الوابلة» ص (436) .
[2] لفظة «في» سقطت من «آ» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 299) و «الذيل التام» (2/ 222) من المنسوخ، و «السحب الوابلة» ص (485) .
[4] في «الذيل التام» : «في المحرم» .(9/523)
سنة تسعين وثمانمائة
فيها توفي قاضي الشافعية شمس الدّين محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن رسلان البلقيني القاهري الشافعي [1] الإمام العالم الأصيل.
توفي بالقاهرة عن نحو سبعين سنة.
وفيها قاضي الحنفية بالدّيار المصرية شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن الشهاب غازي الحلبي الحنفي، المعروف كسلفه بابن الشّحنة [2] الإمام العالم النّاظم النّاثر سليل العلماء الأجلاء.
ومن نظمه:
قلت له لمّا وفى موعدي ... وما بقلبي لسواه نفاق
وجاد بالوصل عليّ وجهه ... حتّى سما كلّ حبيب وفاق
وتوفي في المحرم عن خمس وثمانين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن يوسف بن عبد الكريم القاهري الشافعي، سبط ابن البارزي [3] الإمام العالم.
توفي بمكة في شعبان.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 95) و «الذيل التام» (2/ 226) من المنسوخ و «نظم العقيان» ص (164) و «بدائع الزهور» (3/ 216) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 295) و «الذيل التام» (2/ 227) من المنسوخ و «نظم العقيان» ص (171) و «بدائع الزهور» (3/ 214) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 94) و «الذيل التام» (2/ 227) و «بدائع الزهور» (3/ 220) .(9/524)
سنة إحدى وتسعين وثمانمائة
فيها توفي عالم الحجاز برهان الدّين إبراهيم بن علي بن محمد بن محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المكّي القرشي الشافعي [1] الإمام العلّامة.
توفي ليلة الجمعة سادس ذي القعدة عن ست وستين سنة.
وفيها تقريبا أبو علي حسين الصوفي [2] المدفون بساحل بولاق.
قال المناوي في «طبقاته» : هو من أهل التصريف [3] ، صوفي كامل، وشيخ لأنواع اللطف، والكمال شامل، بهي الصورة، كأن عليه مخايل الولاية مقصورة، وكان كثير التطور، يدخل عليه إنسان فيجده سبعا، ثم يدخل عليه آخر فيجده جنديا، ثم يدخل عليه آخر فيجده فلاحا أو فيلا، وهكذا.
وقال آخرون: كان التطور دأبه ليلا ونهارا، حتى في صورة السّباع والبهائم، ودخل عليه أعداؤه ليقتلوه فقطعوه بالسيوف ليلا ورموه على كوم بعيد فأصبحوا فوجدوه قائما يصلي بزاويته، ومكث بخلوة في غيط خارج باب البحر أربعين سنة لا يأكل ولا يشرف وباب الخلوة مسدودة ليس له إلّا طاق يدخل منه الهواء، فقال الناس: هو يعمل الكيمياء والسيمياء، ثم خرج بعدها وأظهر الكرامات والخوارق [4] ، وكان إذا سأله أحد شيئا قبض من الهواء وأعطاه إيّاه، وكان جماعته يأخذون أولاد
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 88) و «الذيل التام» (2/ 243) و «نظم العقيان» ص (17) و «بدائع الزهور» (3/ 235) .
[2] ترجمته في «جامع كرامات الأولياء» ص (404- 405) .
[3] أقول: الله تعالى هو الذي يتصرّف في مخلوقاته كما يشاء لا غيره. (ع) .
[4] أقول: هذه من الشطحات التي لا يقرها الشرع. (ع) .(9/525)
النموس ويربونهم، فسموا بالنموسية، وضرب قايتباي رقاب بعضهم لما شطحوا ونطقوا بما يخالف الشريعة. انتهى كلام المناوي.
وفيها قاضي القضاة شهاب الدّين أحمد بن عبد الكريم بن محمد بن عبادة السّعدي الأنصاري الدمشقي الصالحي الحنبلي [1] .
كان صدرا رئيسا من رؤساء دمشق، وهو من بيت علم رئاسة، وتقدم ذكر أسلافه.
ولي قضاء دمشق عن البرهان بن مفلح، ولم تطل مدته، ثم عزل فلم يلتفت إلى المنصب بعد ذلك، واستمر في منزله بالصالحية معظّما. وكان عنده سخاء وحسن لقاء وإكرام لمن يرد عليه.
وتوفي بمكّة المشرّفة يوم الخميس ثالث شعبان ودفن بالمعلاة.
وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن قدامة المقدسي الأصل الدمشقي الصالحي الحنبلي، المشهور بابن زريق [2] تقدم ذكر أسلافه. وكان من أهل الفضل، إماما، عالما بارعا في الفرائض، أذن له الشيخ تقي الدّين بن قندس بالتدريس والإفتاء.
وتوفي في ثامن ذي الحجّة بدمشق.
وفيها المولى سنان الدّين يوسف بن خضر بك بن جلال الدّين الحنفي [3] .
قال في «الشقائق» : كان فاضلا، كثير الاطلاع على العلوم عقلياتها وشرعياتها، وكان ذكيا للغاية، يتوقّد ذكاء وفطنة، وكان لحدة ذهنه وقوة فطنته، غلب على طبعه إيراد الشكوك والشّبهات، وقلما يلتفت إلى تحقيق المسائل، حتى إن والده لامه على ذلك، وقال له يوما وهو يأكل معه لحما: بلغ بك الشك إلى مرتبة يمكن أن تشك في أن هذا الظرف من نحاس. قال: يمكن ذلك لأن للحواس
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 353) و «السحب الوابلة» ص (71) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 255) و «السحب الوابلة» ص (52) .
[3] ترجمته في «الفوائد البهية» ص (228) و «الشقائق النعمانية» ص (106) و «الأعلام» (8/ 228) .(9/526)
أغاليط، فغضب والده، وضرب بالطبق على [1] رأسه، ولما مات والده كان مناهزا للعشرين سنة، فأعطاه السلطان محمد [2] إحدى المدارس الثمان، ثم أعطاه دار الحديث بأدرنة، ثم جعله معلما لنفسه، ومال إلى صحبته، وكان لا يفارقه، ولما جاء المولى على القوشجي أخذ عنه العلوم الرياضية، ولازمه بإشارة من السلطان محمد، وكتب حواش على شرح الجغميني لقاضي زاده، ثم جعله السلطان محمد وزيرا في سنة خمس وسبعين، ثم وقع بينه وبين السلطان أمر كان سببا لعزله وحبسه، فاجتمع علماء البلدة، وقالوا: لا بد من إطلاقه، وإلّا نحرق كتبنا في الديوان العالي ونترك مملكتك [3] ، فأخرج وسلّم إليهم، ولما سكنوا أعطاه قضاء سفري حصار مع مدرسته، وأخرجه في ذلك اليوم من قسطنطينية، فلما وصل إلى أزنيق أرسل خلفه طبيبا وقال: عالجه فإنّ عقله قد اختل، فكان الطبيب المذكور يدفع إليه كل يوم شربة ويضربه خمسين عصا، فلما سمع المولى ابن حسام الدّين بذلك أرسل إلى السلطان كتابا بأن ترفع عنه هذا الظلم أو أخرج من مملكتك، فرفع عنه ذلك، وذهب إلى سفري حصار، وأقام بها بما لا يمكن شرحه من الكآبة والحزن، ومات السلطان محمد وهو فيها، فلما جلس السلطان بايزيد خان على سرير الملك أعطاه مدرسة دار الحديث بأدرنة، وعيّن له كل يوم مائة درهم، فكتب هناك «حواش على مباحث الجواهر من شرح المواقف» وأورد أسئلة كثيرة على السيد الشريف، وله كتاب بالتركية في «مناجاة الحق» سبحانه، وكتاب في «مناقب الأولياء» بالتركية أيضا.
وتوفي بأدرنة ولم يوجد في بيته حطب يسخن به الماء وذلك لفرط سخائه.
انتهى ملخصا.
وفيها تقريبا المولى يعقوب باشا بن المولى خضر بك بن جلال الدّين الحنفي [4] أخو المترجم قبله.
__________
[1] لفظة «على» سقطت من «ط» .
[2] أقول: هو السلطان محمد الفاتح. (ع) .
[3] في «آ» : «مملكته» .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (109) .(9/527)
كان إماما، عالما، صالحا، محقّقا، صاحب أخلاق حميدة، وكان مدرسا بسلطانية بروسا، ثم صار مدرسا بإحدى الثمان، ثم ولى قضاء برسة، ومات وهو قاض بها، وله «حواش على شرح الوقاية» لصدر الشريعة، أورد فيها دقائق وأسئلة، مع الإيجاز والتحرير، وله غير ذلك، رحمه الله تعالى
.(9/528)
سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة
فيها كان الغلاء المفرط.
وفيها توفي القاضي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي بن موسى الإبشيهي المحلّي الشافعي الإمام العالم.
توفي بالرحبة في ذي القعدة.
وفيها فخر الدّين عثمان بن علي التليلي الحنبلي [1] الإمام العلّامة الخطيب.
أخذ الحديث عن الحافظ ابن حجر، والفقه عن الشيخ عبد الرحمن أبي شعر، وولي الإمامة والخطابة بجامع الحنابلة بصالحية دمشق مدة تزيد على ستين سنة، وكان صالحا معتقدا.
توفي يوم الجمعة سابع عشري شعبان ودفن بالروضة، وله سبع وتسعون سنة، وكان لجنازته يوم مشهود.
وفيها الشيخ مدين خليفة الأشموني الزاهد [2] .
قال المناوي: أصله من ذرية الشيخ أبي مدين، فرحل من المغرب جدّه الأدنى وهو مغربي فقير، فأقام بطبلاي بالمنوفية فولد له بها علي ودفن بطبلية، ثم انتقل إلى أشمون فولد له بها مدين هذا، فاشتغل بالعلم حتى صار يفتي، ثم تحرّك
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 133) و «السحب الوابلة» ص (284) ، وجاء فيهما: «والتليلي:
نسبة لتليل قرية من البقاع» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 150) وجامع كرامات الأولياء» (2/ 249) .(9/529)
لطلب الطريق، فخرج يطلب شيخا بمصر، فوافق خروجه خروج الشيخ محمد الغمري يطلب مطلوبه، فلقيهما رجل من أرباب الأحوال، فقال: اذهبا إلى أحمد الزاهد ففتحكما على يديه، ولا تطلبا الأبواب الكبار- يعني الشيخ محمد الحنفي- فدخلا على الزاهد فلقيهما وأخلاهما ففتح على مدين في ثلاثة أيام، وعلى الغمري بعد خمس عشرة سنة، وكان صاحب الترجمة صاحب همصة، وله عزّ في الطريق وعزمة، وكان له في التصوف [1] يد طولى، وإذا تكلّم في الطريق بلغ المريد مراما وسؤلا، انتفع به خلق كثير من العلماء، والصلحاء، والفقراء، والفقهاء، والأجناد، وغيرهم. وكانت له كرامات، منها أنها مالت منارة زاويته، فقيل له: لا بد من هدمها، فصعد مع المهندس وقال: أرني محلّ الميل، فأراه ذلك، فألصق ظهره إليه فاستقام [2] .
ومنها أن الحريفيش جاءه بعد موت شيخه الغمري فوجده يتوضأ وعبد حبشي يصب عليه، وآخر واقف بالمنشفة، فسأله عن نفسه لكونه لم يرد عليه ملابس الفقراء بل الأكابر، فقال: أنا مدين. قال: فقلت في نفسي من غير لفظ:
لا ذا بذاك ولا عتب على الزمن بفتح التاء. فقال: عتب، بسكون التاء. قال: فقلت في سرّي: الله أكبر فقال على نفسك الخبيثة أتيت لتزن على الفقراء أحوالهم بميزانك الخاسرة. قال:
فتبت وعلمت أنه من الأولياء. [3] ومنها أنه لما ضاقت النفقة على السلطان جقمق أرسل يأخذ خاطره، فأرسل له نصف عمود من معدن يثاقل به الفضة، فجعل ثمنه في بيت المال واتسع الحال، فقال السلطان: الملوك حقيقة هؤلاء.
ومنها أنه أتاه رجل طعن في السنّ فقال: أريد حفظ القرآن. قال: ادخل الخلوة واشتغل بذكر الله تحفظه، فدخل فأصبح يحفظه [4] .
__________
[1] في «آ» : «في التصرف» .
[2] أقول: وهذا أيضا من المبالغات في الكرامات. (ع) .
[3] أقول: لا يعلم الغيب إلا الله. (ع) .
[4] أقول: وهذا أيضا من المبالغات في الكرامات. (ع) .(9/530)
وكان لا يخرج من بيته إلّا لصلاة أو بعد عصر كل يوم، ولم يزل دأبه ذلك إلى أن حوّمت عليه المنية وعظمت على المسلمين الرزيّة. فتوفي يوم الأربعاء تاسع ربيع الأول ودفن بزاويته. انتهى ملخصا.
وفيها جمال الدّين يوسف بن محمد الكفرسبي الحنبلي [1] الفقيه الصالح.
كان من أهل الفضل ومن أخصاء الشيخ علاء الدّين المرداوي، وقد أسند وصيته إليه عند موته.
وتوفي بدمشق، رحمه الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 330) و «السحب الوابلة» ص (498) .(9/531)